الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد .. فهذا هو الجزء الثالث من القسم الخاص بعصر سلاطين المماليك من كتاب بدر الدين محمود العينى المسمى «عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان» وهو عبارة عن 192 ورقة من الجزء 19 من نسخة دار الكتب المصرية رقم 1584 تاريخ، وهى النسخة الملفقة من هذا الكتاب
(1)
، وهو نفس الجزء الذى يحمل رقم 15 من نسخة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة.
وللجزء 19 من نسخة دار الكتب (15 فى معهد المخطوطات العربية بالقاهرة) أهمية خاصة إذ أنه بخط المؤلف، ويتناول أحداث وتراجم الفترة من 689 - 707 هـ، وقد اعتمد فيه العينى اعتمادا أساسيا على مصدرين معاصرين للأحداث، وشارك مؤلفاهما فى العديد من الأحداث.
فالمصدر الأساسى الأول الذى اعتمد عليه العينى فى هذا الجزء من كتابه هو كتاب «زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة» لمؤلفه بيبرس بن عبد الله المنصورى قلاوون الدوادار، كبير الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ونائب السلطنة بالقاهرة، والذى توفى سنة 725 هـ/ 1324 م، والذى شارك فى العديد من الأحداث التى أوردها العينى فى هذا الجزء من كتابه.
(1)
انظر مقدمة الجزء الأول ص 11 وما بعدها.
أما المصدر الأساسى الثانى الذى اعتمد عليه العينى فى هذا الجزء من كتابه فهو كتاب «نزهة الناظر فى دولتى المنصور والناصر» لمؤلفه موسى بن محمد بن يحيى اليوسفى، أحد أجناد الحلقة، والمتوفى سنة 759 هـ/ 1358 م.
ونلاحظ أن العينى كان حريصا على أن ينقل الروايات والأحداث التى شاهدها اليوسفى بنفسه أو استقى معلوماته عنها من المشاركين فى الأحداث، كما حرص العينى على إثبات ذلك توثيقا لما يورده من روايات وأحداث.
وأول نص ينقله العينى عن نزهة الناظر فى أوائل سلطنة الأشرف خليل ويتحدث فيه اليوسفى عن السبب فى مسك طرنطاى، وذلك فى حوادث سنة 689 هـ، وبعد وفاة المنصور قلاوون، رغم أن عنوان الكتاب كما أورده العينى هو «نزهة الناظر فى دولتى المنصور والناصر» ، ويبدو أن العينى وجد أن ما أورده اليوسفى عن دولة المنصور إنما نقله من مصادر أخرى، ولم يكن اليوسفى مشاركا فى الأحداث أو شاهد عيان، وبدأ يعتمد عليه فى الأجزاء التى تلت أخبار وفاة المنصور قلاوون.
ومن الأمثلة التى تدل على حرص العينى فى هذا المجال ما يذكره مثل:
«وقال صاحب نزهة الناظر: أخبرنى جماعة منهم» أو «قال صاحب نزهة الناظر: أخبرنى علم الدين الطيبرسى» أو «قال صاحب نزهة الناظر ذكرلى زردكاش بيدرا»
…
الخ.
وابتداء من حوادث سنة 692 هـ نجد أن العينى ينقل عن اليوسفى باعتباره شاهد عيان، ويحرص العينى على إثبات ذلك فيقول: «قال صاحب التاريخ:
ورأيته فى ذلك اليوم» أو «وقال صاحب التاريخ: كنت فى ذلك اليوم مع والدى أشاهد ما وقع» أو «قال: وقد خرجت مع والدى صحبة العسكر
والسلطان لما خرجوا لقصد فتح قلعة الروم، وكان والدى مع جماعة المقدمين».
وإذا كان كتاب «زبدة الفكرة» وبخاصة الجزء التاسع منه متداول ومعروف عند الباحثين والدارسين لعصر سلاطين المماليك، فإن كتاب «نزهة الناظر فى دولتى المنصور والناصر» يعتبر فى عداد الكتب المفقودة، اللهم فيما عدا الجزء الذى نشر أخيرا فى بيروت بعنوان «نزهة الناظر فى سيرة الملك الناصر»
(1)
والذى يتضمن أحداث الفترة 733 - 738 هـ، وهى فترة محدودة بالقياس إلى عنوان الكتاب كما أورده العينى «دولتى المنصور والناصر» ، والمفترض أنه يتناول أحداث الفترة من 678 - 741 هـ، ويصبح لنص العينى فى هذا الجزء أهمية خاصة إذ حفظ لنا مصدرا أساسيا لفترة هامة من عصر سلاطين المماليك.
واعتماد العينى على هذين المصدرين - بصفة أساسية - فى هذا الجزء يزيد من أهمية الكتاب، ولا أبالغ إذا قلت أن العينى قد رفع هذا الجزء من كتابه إلى مستوى كتابات المعاصرين وشاهدى العيان والمشاركين فى الأحداث.
وتبعا لخطة النشر فإن الجزء 19 من نسخة دار الكتب سوف ينشر فى جزئين - إن شاء الله - هما الثالث والرابع من القسم الخاص بعصر سلاطين المماليك.
والجزء الثالث - الذى نقدمه اليوم - يتناول حوادث وتراجم الفترة من 689 - 698 هـ/ 1290 - 1298 م، وهى الفترة المحصورة بين وفاة السلطان الملك المنصور قلاوون، وبداية السلطنة الثانية للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتضمنت عهود ثلاثة من سلاطين المماليك هم: الأشرف خليل
(1)
تحقيق ودراسة الدكتور أحمد حطيط - عالم الكتب - بيروت 1984.
ابن قلاوون، وزين الدين كتبغا، وحسام الدين لاجين، فضلا عن السلطنة الأولى للناصر محمد.
وفى ختام هذا التعريف الموجز لا يسعنى إلا أن أتقدم بالشكر إلى الأستاذ على عبد المحسن زكى مدير عام مركز تحقيق التراث، وإلى أعضاء لجنة التاريخ بالمركز الذين قاموا بمراجعة تجارب المطبعة، وشاركوا فى إعداد كشافات الكتاب وهم: السيدة/نجوى مصطفى كامل، والسيد/على صالح حافظ، والسيد/عوض عبد الحليم حسن، والسيدة/إلهام محمد خليل، كما أوجه الشكر إلى السيد/عبد المنعم عبد الفتاح الناسخ بمركز تحقيق التراث.
وبعد، فالكمال لله وحده، ولا يسعنى إلا أن أذكر قوله تعالى:«رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» ، وأدعوه سبحانه وتعالى أن يوفقنا لإتمام هذا العمل ولخدمة التراث الإسلامى.
والله ولى التوفيق،
دكتور محمد محمد أمين
(لوحة رقم 1
بداية الجزء 19
(لوحة رقم 2
ورقة 3 ويظهر بها مواضع الثقوب وطمس الكلمات
(لوحة رقم 3)
ورقة 191
(لوحة رقم 4)
ورقة 192 وبها نهاية الجزء المنشور
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل فيما وقع من الحوادث فى السّنة التاسعة والثمّانين بعد الستمائة
(*)
استهّلت هذه السنة، والخليفة: الحاكم بأمر الله العباسى أبو العباس أحمد
(1)
.
وسلطان البلاد المصريّة والشاميّة: الملك المنصور قلاون
(2)
الألفى الصالحى.
وصاحب الروم: مسعود
(3)
بن السلطان عز الدين كيكاوس، وليس له إلا الاسم، والحكم فيها للتتار.
وصاحب البلاد الشمالية والتى كرسيّها صراى: تلابغا
(4)
بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوشى خان بن جنكز خان.
وصاحب الصين الذى هو أكبر الخانات، والحاكم على كرسىّ مملكة جنكز خان: شرمون بن قبلاى خان بن طلو خان بن دوشى خان بن جنكز خان.
(*) يوافق أولها السبت 14 يناير 1290 م.
(1)
هو أحمد بن محمد بن الحسن بن أبى بكر، الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس؛ والمتوفى سنة 701 هـ/ 1301 م - المنهل الصافى ج 2 ص 79 رقم 253، وانظر ما سبق بالجزء الأول من هذا الكتاب ص 346 وما بعدها.
(2)
انظر خبر وفاته وترجمته فيما يلى.
(3)
ولى الحكم سنة 682 هـ/ 1283 م بعد مقتل غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قلج أرسلان السلوك ج 1 ص 718، وانظر ج 2 من هذا الكتاب ص 320.
(4)
انظر ما يلى فى وفيات 690 هـ.
وصاحب خراسان والعراقين وما والاها من البلاد: أرغون
(1)
بن أبغا بن هلاون الذى هو ملك التتار فى هذه البلاد.
وفى هذه السنة اتصل الخبر بالسلطان المنصور قلاون أن الفرنج الذين فى عكا، قد عاثوا وأفسدوا ونهبوا
(2)
إلى أن وصل إلى البلاد تجار من المسلمين ومعهم مماليك قاصدين بهم الأبواب السلطانية، فاحتاطوا عليهم وقتلوهم
(3)
، وأخذوا ما معهم من المماليك والبضاعة.
وذكر بيبرس فى كتابه المسمّى باللطائف
(4)
: أنهم قتلوا ثلاثين نفرا، فلما سمع السلطان بذلك غضب لله ولرسوله عليه السلام، وأرسل إليهم بالإنكار واسترجاعهم عن الغدر والإضرار، فأبوا إلا التمادى والإصرار
(5)
، وإبداء الأعذار بما لا يقبل. فتأهب السلطان عند ذلك لقصدهم، وتجهز للسفر وأمر العساكر بالتجهيز، وخرج من القلعة وخيّم على مسجد التّبر
(6)
فى العشر الأخير من شوال،
(1)
انظر ما يلى فى وفيات سنة 690 هـ.
(2)
«وذلك أن الظاهر بيبرس هادنهم، فحملوا إليه وإلى الملك المنصور هديتهم فى كل سنة، ثم كثر طمعهم وفسادهم» السلوك ج 1 ص 753.
(3)
«فلما وصلوا إلى ميناء عكا قتلهم الفرنج» تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 96.
(4)
لم تذكر المصادر كتابا بهذا الإسم لبيبرس المنصورى، ولكن ورد النص التالى ملخصا فى كتابه: التحفة الملوكية فى الدولة التركية (القاهرة 1987) ص 122.
(5)
«فأخرج لهم السلطان الأمير شمس الدين سنقر المساح على عسكر» ونزلوا اللجون على العادة فى كل سنة. فإذا بفرسان من الفرنج بعكا قد خرجت فحاربوهم، واستمرت الحرب بينهم وبين أهل عكا مدة أيام، وكتب إلى السلطان بذلك فأخذ فى الاستعداد لحربهم، السلوك ج 1 ص 754.
(6)
مسجد التبر: يقع هذا المسجد خارج القاهرة قريبا من المطرية، ويعتبر موضعه المنزلة الأولى فى الطريق إلى الشام وتسميه العامة مسجد التبن، وهو خطأ، وتبر هذا أحد الأمراء الأكابر فى أيام الأستاذ كافور الإخشيدى المواعظ والاعتبار ج 2 ص 413.
واستخلف بالقلعة: ولده الملك الأشرف خليل
(1)
، والأمير زين الدين كتبغا
(2)
نائب السلطنة، وكان قد أعاد الأمير علم الشجاعى
(3)
إلى الوزارة، وكان أمر أيضا لنائب الشام
(4)
أن يعمل مناجيق وزردخاناه لأجل حصار عكا. وكان قد سفّر بسبب ذلك الأمير عز الدين الأفرم
(5)
أمير جاندار
(6)
، وكان قد أفرج أيضا عن الأمير علم الدين سنجر الحلبى
(7)
فى شوال، وكانت مدّة اعتقاله ست سنين، ولما خرجت العساكر ولم يبق إلا الرحيل عاقه القدر عما يرومه، وأدركه أمر الله، فتوفى إلى رحمة الله تعالى.
(1)
قتل فى المحرم سنة 693 هـ/ 1293 م انظر ما يلى.
(2)
هو كتبغا بن عبد الله المنصورى، الذى ولى السلطنة وتلقب الملك العادل فى 11 محرم 694 هـ/ 1294 م وحتى عزل بعد سنتين، وتوفى سنة 702 هـ/ 1302 م المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
(3)
سنجربن عبد الله الشجاعى المنصورى توفى سنة 396 هـ/ 3921 م المهتل الصافى وانظر ما يلى
(4)
هو لاجين المنصورى، حسام الدين، ولى نبابة السلطنة فى دمشق فى 11 ربيع الأول 679 هـ، وولى السلطنة فى 9 صفر 696 هـ/ 1296 م، وتلقب بالملك المنصور إلى أن قتل فى ربيع الآخر 698 هـ/ 1299 م المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
(5)
هو أيبك بن عبد الله الصالحى، الأمير عز الدين المعروف بالساقى، وبالأفرم الكبير، توفى سنة 695 هـ/ 1295 م المنهل الصافى ج 3 ص 130 رقم 575 وانظر ما يلى.
(6)
أمير جاندار: وظيفته أن يستأذن على دخول الأمراء للخدمة، ويدخل أمامهم إلى الديوان، ويقدم البريد مع الدوادار. وكاتب السر، وهو المتسلم للزردخاناة، وهو الذى يطوف بالزفة حول السلطان فى سفرء صبح الأعشى ج 4 ص 20.
(7)
هو سنجر بن عبد الله الحلبى، الذى تسلطن بدمشق، ولقب بالملك المجاهد، فى عهد الظاهر بيبرس، ثم أصبح من جملة أمراء الظاهر بيبرس، وعاش حتى سنة 692 هـ/ 1293 م المنهل الصافى وانظر ما يلى.
ذكر وفاة السلطان الملك المنصور قلاون
(1)
ابن عبد الله التركى الصالحى النجمى الألفى
توفى فى المخيم بمسجد التبر ظاهر القاهرة يوم
(2)
السبت السادس من ذى القعدة من هذه السنة، وسببه أنه لما نزل موكبه بالدهليز
(3)
لحقه من نهاره جريان الجوف بالإسهال، واشتد به المرض وهو بالخيام، ولم يلبث إلا خمسة أيام وتوفى إلى رحمة الله، كذا ذكره بيبرس فى كتابه اللطائف.
وقال النويرى: ابتداء مرضه فى العشر الأواخر من شوال بعد نزوله فى الدهليز فى المكان المذكور، وتزايد به المرض حتى توفى فى التاريخ المذكور.
وقال غيره: وجد السلطان فى جسده توعكا ليلة نزوله من القلعة، ودخل الأمراء عليه، فدعوا له، وتزايد به الألم، وصار ولده الأشرف كل يوم ينزل من القلعة فيقيم عنده إلى ما بعد العصر، ثم يرجع ويبيت فى القلعة، فيقى على
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 48 درة الأسلاك ص 97 فوات الوفيات ج 2 ص 253 رقم 399 كنز الدرر ج 8 ص 301 تالى كتاب وفيات الأعيان ص 129 رقم 206 العبر ج 5 ص 363 البداية والنهاية ج 13 ص 288 - 317 السلوك ج 1 ص 663 - 756 النجوم الزاهرة ج 7 ص 292 - 343 شذرات الذهب ج 5 ص 409 تذكرة النبيه ج 1 ص 135.
(2)
«ليلة» فى السلوك ج 1 ص 755.
(3)
الدهليز: الخيمة التى ترافق السلطان فى الحرب، وتختلف عن الخيم والدهاليز التى تقام للسلاطين فى الصيد والتنزّه؟؟؟، بكونها خيمة قائمة بذاتها ليس بجوانبها خيم صغيرة كالتى تقام عادة لتجهيز حاجات السلطان فى أيام السلم. Supp.Dict.AR .-
ذلك من العشر الأخير من شوال إلى العشر الأول من ذى القعدة وألمه يتزايد، وكان الأمراء يدخلون عليه، ويقعدون عنده
(1)
فلما زاد ألمه منع الأمير طرنطاى
(2)
- أتابك العساكر - الأمراء من الدخول عليه، فصار يدخل عليه بمفرده
(3)
ويخرج بالسلام للأمراء، فلما قوى به المرض [3] اجتمع كبار مماليكه الأمراء مثل كتبغا وأيبك الخازندار وغيرهما عند الأمير طرنطاى، وأفاضوا بينهم الأمر «والرأى وقالوا لطرنطاى: أنت تعلم
(4)
» أمرك مع الأشرف، وبغضه فيك، والأمر صائر إليه، والسلطان «ما بقى فيه رجوة، وتعلم
(5)
» أيضا ما بينك وبين الشجاعى من البغضاء، وهو قاتلك بلا محالة «وينجر الأمر إلينا، وما يخّلى منا
(6)
» أحدا، فخذ لنفسك قبل استحكام الأمر، فسكت ساعة، وقال: والله «العظيم لا يسمع أنى خنت
(7)
» أستاذى، ولا ولده من بعده، ولا عملت فتنة «بين المسلمين، وإذا صار
(8)
» الأمر إليه، فإن رضينى كنت مملوكه، وإن قتلنى كنت مظلوما، وكل مقضى كائن
(9)
.
(1)
«ويقعدون عنده» فى هامش الورقة، ومنبه على موضعها بالمتن.
(2)
هو طرنطاى بن عبد الله المنصورى، حسام الدين، أبو سعيد، قتله الأشرف خليل بعد سلطنته - انظر ما يلى.
(3)
«منع الأمير طرنطاى الأمراء من الدخول عليه، حتى ولده الأشرف» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 360.
(4 و 5 و 6 و 7 و 8)«» موضع ثقب بالمخطوط، والمثبت من الجوهر الثمين ص 303 - 304.
(9)
انظر ما ورد أيضا فى بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 360.
وكان طرنطاى قد عرّف الجمدارية الذين حول السلطان أنه إذا عرض عليه عارض يعرّفوه. فلما تزايد به المرض، وظهر منه ما يدل على الموت يدخل إليه، فأعلموه بذلك، فدخل عليه، فوجده فى النزع، فقعد عند رأسه حتى توفى إلى رحمة الله، وغمّضه، وقصد المماليك أن يصيحوا ويبكوا، فمنعهم من ذلك، وقال لهم: اكتموا أمره.
وقعد على عادته بباب الدهليز، وحضر الأمراء فأعطاهم دستورا، وأسرّ لسنقر الأشقر بالجلوس بمفرده، فلما ذهب الأمراء أخبره بموت السلطان، واستشاره فيما يفعله. فقال له: مهما اخترت تعمل فنحن بين يديك، فقال له: قم إلى خيمتك، والمقضى كائن.
فما تضاحى النهار حتى وقع الصوت بين الخيم بموت السلطان، وذلك يوم السبت السادس من ذى القعدة.
وعند ذلك ركب طرنطاى، وطلب الحجاب، وأمرهم أن يعرفوا الأمراء أن يركب كل أمير ويقف مكانه، ولا يتعدّاه حفظا لأحوالهم، ثم طلب الطواشى مرشد، مقدم المماليك السلطانية، ورسم له أن يركب وصحبته المماليك السلطانية، وأن يكونوا مع ولد السلطان بالقلعة.
فركب الطواشى، وركبت المماليك معه، وتوجهوا إلى القلعة، فوافوا الأشرف خليل وهو نازل من القلعة، وعرفه الطواشى بموت السلطان، فرجع إلى القلعة.
وأقام الأمير طرنطاى هناك إلى المغرب، حتى شالوا الخزانة، والأطلاب جميعها وأرسلهم إلى القلعة، ثم حمل السلطان فى تابوت إلى أن أدخل القلعة،
وظل بالقصر فى قاعته الكبرى حتى غسّل ودفن بتربته ببين القصرين
(1)
.
ودفن بتربته يوم العاشر من ذى القعدة بمدرسته المذكورة
(2)
التى ليس بمصر ولا الشام شبيها لها، فإنها تربة ودار حديث ومارستان وقبة ومدرسة للمذاهب الأربعة - كما ذكرنا
(3)
.
كان جلوسه على التخت يوم الأحد الحادى والعشرين من شهر رجب
(4)
سنة ثمان وسبعين وستمائة، فيكون له فى ملكه إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر
(5)
وأيام، وخلّف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم: الملك الأشرف صلاح الدين خليل،
(1)
يوجد بعد ذلك نحو سطرين من الصعب متابعة ما جاء بهما.
(2)
«فلما كان فى ليلة الجمعة المسفرة عن ثانى شهر المحرم نقل جثة الملك المنصور من القلعة إلى تربته» - فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 97.
وورد أنه «دفن ليلة الأحد» أى فى نفس يوم وفاته - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 361. وعن المدرسة والقبة المنصورية، انظر المواعظ والإعتبار ج 2 ص 379 وما بعدها.
(3)
انظر وثائق وقف السلطان قلاون وهى:
1 -
وثيقة رقم 706 ج أوقاف، وهى جزء من حجة وقف عمائر السلطان قلاون، وبها وصف للمدرسة والبيمارستان.
2 -
الوثيقة 101 أوقاف وصورتها بدار الوثائق القومية مجموعة المحكمة الشرعية رقم 15/ 2 والتى قام المحقق بدراستها ونشرها - ملاحق الجزء الأول من كتاب تذكرة النبيه لابن حبيب الحلبى، وهى وثيقة وقف على مصالح البيمارستان.
3 -
الوثيقة 1011 أوقاف، وهى وثيقة وقف على مصالح البيمارستان أيضا.
4 -
الوثيقة 1012 أوقاف، وبها خلاصة شروط كتب وقف السلطان قلاون.
5 -
الوثيقة 708 ج، وهى عبارة عن وثيقة إيجار رواق بالبيمارستان المنصورى.
انظر فهرست وثائق القاهرة.
(4)
«سنة» فى هامش المخطوط.
(5)
«وشهرين» فى السلوك ج 1 ص 755 وتذكرة النبيه ج 1 ص 135، وهو لا يتفق مع تاريخ تولى قلاوون الصلطنة.
والملك الناصر محمد، وأحمد ولد بعد موته
(1)
ومات فى دولة أخيه الأشرف. ومن الإناث بنتين إسم إحديهما: التطمش [وتعرف بدار مختار، وأختها دار عنبر]
(2)
.
وكان وسيما جسيما، حسنا، قيّما، تاما، نبيلا، حليما، جميلا، من أحسن الناس صورة وأكثرهم هيبة، تعلوه جلالة وحشمة ووقار، وعليه مهابة وحرمة.
وأما جنسه فهو من خالصة القفجاق
(3)
[4] من القبيلة المعروفة ببرج أغلى
(4)
.
وكان قد اشترى مماليكا كثيرة حتى بلغت عدتهم إثنى عشرة
(5)
ألفا، وقيل سبعة آلاف وهو الأصح
(6)
، وكان قد أمرّ منهم ثلاثة آلاف وسبعمائة مملوك من الجراكسة
(7)
، وأسكنهم فى أبراج القلعة وسمّاهم البرجية، وأقام نوابه فى البلدان من مماليكه الذين أمرهم، وهم الذين غيروا ملابس الأمراء الماضية
(8)
، ولبسوا أحسن
(1)
أى بعد موت السلطان قلاوون.
(2)
[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 755.
وورد «دار مختار الجوهرى
…
ودار عنبر الكمالى» فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 97.
(3)
هكذا بالأصل.
وهى قبيلة القبجاق: قبيلة عظيمة فى الترك، استقرت بحوض نهر إثل (الفلجا) جنوب روسيا الحالية، فعرفت تلك الجهة باسم القبجاق - النجوم الزاهرة ج 7 ص 94 صبح الأعشى ج 4 ص 456 السلوك ج 1 ص 663 هامش (1).
(4)
يوجد بعد ذلك 20 سطرا مطموسة إلى درجة يصعب معها متابعة النص.
(5)
انظر النجوم الزاهرة ج 7 ص 327 بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 362.
(6)
السلوك ج 1 ص 755.
(7)
«من الآص والجركس» فى السلوك ج 1 ص 756.
وتقع بلاد الآص جنوب سبه جزيرة القرم بالقرب من ثغر كافا - السلوك ج 1 ص 756 هامش (2).
(8)
«الدولة الماضية» فى البداية والنهاية، والنجوم الزاهرة ج 7 ص 330.
الملابس، لأن فى الدوله الصلاحية
(1)
كانوا يلبسون كلوتات
(2)
صفرا مضربة بكلبندات
(3)
بغير شاشات
(4)
؛ وشعورهم مضفورة دبابيق
(5)
فى أكياس حرير ملون أصفر وأحمر، وكان فى خواصرهم بنود ملونة، أو بعلبكية عوض الحوائص
(6)
، وأكمام أقبيتهم
(7)
ضيقة على زى ملابس الفرنج، وأخفافهم
(8)
برغالى أو سقامين
(9)
، ومن فوق
(1)
«الصالحية» فى الأصل، والتصحيح من النجوم الزاهرة، والمقصود دولة صلاح الدين الأيوبى أى الدولة الأيوبية.
(2)
كلّوتات: جمع كلّوتة - بتشديد اللام - فارسية - وتعنى الطاقية الصغيرة من الصوف المضربة بالقطن، وكان الأمراء يلبسونها بغير عمامة، ولها كلاليب تعقد تحت الذقن وهى الكلبندات وكانت لهم ذوائب شعر يرسلونها خلفهم، وكانت صفراء اللون - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 98، 217، صبح الأعشى ج 4 ص 49، وانظر هامش النجوم الزاهرة ج 7 ص 330 رقم (1).
(3)
كلبندات: جمع كلبندة - فارسية: وهى لباس الرقبة أو كوفية الرقبة، كما تطلق على كلاليب الكلوتة - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 98، السلوك ج 1 ص 494.
(4)
شاشات: جمع شاش قطعة من القماش كانت تلف على الكلوتة النجوم الزاهرة ج 7 ص 330 هامش (3).
(5)
أى أن شعورهم مضفورة مدلاة بدبوقة، والدبابيق: نوع من الحرير ينسب إلى دبيق من أعمال تنيس بمصر المواعظ والإعتبار ج 2 ص 98.
(6)
الحوائص: حياصة - بمعنى الحزام، أى ما يشد فى الوسط - صبح الأعشى ج 12 ص 134.
(7)
الأقبية: جمع قباء ثوب يلبس فوق الثياب، وكان يعرف بالبغلطاق، وهو القباء القصير، وهو مثل المعطف المواعظ والاعتبار ج 2 ص 99.
(8)
الخف البرغالى: خف من جلد الفرس مبطن يجلد ذئب النجوم الزاهرة ج 7 ص 331 هامش (4).
(9)
سقامين - جمع سقمان: خف ثان يلبس فوق خف آخر - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 98.
قماشهم كمرات
(1)
بحلق وإبزيم
(2)
، وصوالقهم
(3)
كبار، يتسع كل صولق نصف ويبة
(4)
أو أكثر، ومنديلهم كبار طوله ثلاثة أذرع، فأبطل المنصور ذلك كله بأحسن منه.
وكانت الخلع للأمراء المقدمين الأكابر الخاصة
(5)
، فخصص السلطان الملك المنصور من الأمراء بلبس [5] طرد وحش
(6)
، وهم خشداشيته
(7)
أربعة أنفس، وهم: سنقر الأشقر
(8)
، وبيسرى
(9)
، والأيدمرى
(10)
، والأفرم، وباقى الأمراء
(1)
كمرات - جمع كمر: فارسية، وتعنى الحزام المفرغ من وسطه لوضع النقود أو نحو ذلك - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 98.
(2)
إبزيم: حديدة فى طرف الحزام يدخل فيها الطرف الآخر - لسان العرب.
(3)
صوالق - جمع صولق: مخلاة من الجلد يضعها الشخص فى حزامه من الجهة اليمنى، قد تستخدم فى حمل الطعام أو نحو ذلك - النجوم الزاهرة ج 7 ص 78 هامش (2).
(4)
الويبة: مكيال للحبوب، يستعمل فى مصر، وسعته سدس الأردب - صبح الأعشى ج 2 ص 10 ج 3 ص 441.
(5)
«وكانت الخلع للأمراء المقدمين المروزى» - النجوم الزاهرة ج 7 ص 331، و «كانت خلع الأمراء مقدمى الألوف خاره ملون» - الجوهر الثمين - ص 308.
(6)
طرد وحش: كلمة مركبة تطلق على نوع من الثياب من قماش حرير منقوش على هيئة جلد الوحش - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 277.
(7)
خشداش: معرب اللفظ الفارسى خواجاتاش، أى الزميل فى الخدمة، وتعنى فى مصطلح عصر سلاطين المماليك بمصر: الأمراء الذين نشأوا مماليك عند سيد واحد، فنشأت بينهم رابطة الزمالة القديمة. انظر هوامش السلوك نقلا عن Quatremere،II.I.P.5.no .5
(8)
هو: سنقر الأشقر الصالحى النجمى، قتله الأشرف خليل سنة 691 هـ/ 1292 م - المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
(9)
هو: بيسرى بن عبد الله الصالحى، المتوفى سنة 698 هـ/ 1298 م - المنهل الصافى ج 3 ص 500 رقم 741، وانظر ما يلى.
(10)
هو الأيدمر بن عبد الله الظاهرى، الأمير عز الدين، المتوفى سنة 700 هـ/ 1300 هـ - المنهل الصافى ج 3 ص 183 رقم 3609 - انظر ما يلى.
الخاصكية
(1)
، والبرانيينّ
(2)
بلبس المروزى، والطبلخانات بالملون، والعشرات بلبس العتابى
(3)
.
وكان يباشر أحوال مماليكه بنفسه حتى أنه كان فى غير يوم الخدمة
(4)
يوضع له كرسى ويخرج أهل كل طبقة إلى الرحبة فيلعبون بالرمح، ولهم معلمون، ثم إذا فرغوا من ذلك يتصارعون إلى الظهر، فإذا صلوا الظهر نزلوا مع الخدام لرمى النشاب، وهذا كان دأبهم دائما، ورزق فيهم السعادة بحسن نيته وحسن تدبيره ورأيه، فلذلك لم تزل السلطنة إلى يومنا هذا فى بيته وحاشيته
(5)
.
وله من الفتوحات من القلاع التى بيد الإفرنج: المرقب، وجبلة، واللاذقية، وطرابلس، وأخذ من أولاد الظاهر: الكرك، والشوبك.
(1)
الخاصكية: مماليك خواص السلطان، يدخلون على السلطان فى أرقات خلواته وفراغه، ويحضرون للخدمة طرفى النهار، ويركبون لركوب السلطان ليلا ونهارا ويتميزون عن غيرهم بحملهم سيوفهم
…
الخ. انظر زبدة كشف الممالك ص 115 - 116.
(2)
البرانيون: أو المماليك البرانية.
(3)
العتابى: صنف من قماش خشن مخطط بحمرة وصفرة Dozy:Supp.Dict.Ar .
(4)
يوم الخدمة: يوم العمل اليومى.
(5)
وتسلطن من ذريته سلاطين كثيرة آخرهم الملك المنصور حاجى الذى خلعه الملك الظاهر برقوق، وأعظم من هذا أنه من تسلطن من بعده من يوم مات إلى يومنا هذا، إما من ذريته، وإما من مماليكه أو مماليك مماليك أولاده وذريته لأن يلبغا مملوك السلطان حسن، وحسن بن محمد بن قلاوون، وبرقوق مملوك يلبغا، والسلاطين بأجمعهم مماليك برقوق وأولاده» - النجوم الزاهرة: ج 7 ص 327.
وأبطل مظالم كثيرة منها: زكاة الدولة
(1)
، كانت تؤخذ من كل من كان عرف عنده مال الزكاة، ولو هلك ماله، أو مات، تؤخذ من ورثته بالضرب والحبس. ومنها ما كان يؤخذ من أهل الذمة عن كل واحد دينار - غير الجالية
(2)
- برسم نفقات الجند، فأبطله. ومنها ما كان يؤخذ من التجار عند سفر العسكر للغزاة عن كل تاجر دينار، فأبطله. ومنها ما كان يجبى من الناس على قدر معايشهم إذا حضر مبشر بأخذ حصن أو بنصرة المسلمين، فأبطله.
ورثاه جماعة من الشعراء، فقال بعضهم أبياتا يرثيه بصدورها ويهنّئ ولده الأشرف بأعجازها:
إن أوجع الدهر القلوب وأحزنا
…
فلقد تدارك بالمسرّة والهنا
خطب عظيم جاءنا من بعده
…
فرح أزال صباحه ظلم العنا
(3)
بمنية المنصور شاهدنا الرّدى
…
لكن شهدنا فى ابنه كلّ المنى
(1)
«زكاة الدولبة» فى الأصل، والتصحيح من المواعظ والاعتبار ج 1 ص 106، حيث ورد فيه:
وورد فى بدائع الزهور «أن كانت وظيفة قديمة تسمى ناظر الزكوات، كان يؤخذ ممن له مال زكاته فى كل ستة، حسبما تقرر عليه فى الدفاتر القديمة، فإن مات صاحب المال أو عدم ماله يؤخذ ما تقرر عليه فى الدفاتر من أولاده وأولاد أولاده أو أقاربه، ولو بقى منهم واحد» - بدائع الزهور: ج 1 ق 1 ص 363.
(2)
الجالية: وجمعها جوالى: هى ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية المقررة على رقابهم فى كل سنة - صبح الأعشى - ج 3 ص 463 - 464.
(3)
«أزال صباحه ترح عنا» فى التحفة الملوكية ص 123.
فلئن أساء الدّهر فيه فإنّه
…
بالأشرف الملك المؤيّد أحسنا
يا راحلا أبكى العيون تركت من
…
ملأ القلوب مسرة والأعينا
أحسنت ثم تركت فينا محسنا
…
فجزيت خيرا غاب شخصك أم دنا
يا سيف
(1)
…
دين الله إن فّلتك عن
بعض المراد كؤوس حين تحننا
(2)
أبشر فقد خلّقت بعدك صارما
…
ما أنفلّ عن نيل المراد ولا انثنى
وانعم بمقعدك الكريم فملك من
…
خلفّته أبدا يزيد تمكّنا
(3)
ذكر الأمراء الذين كان إليهم الأمر بالديار المصريّة:
الأمير حسام الدين طرنطاى نائب السلطنة، وأتابك العساكر.
والأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة فى الغيبة، وهو أيضا نظير طرنطاى فى العظمة
(4)
.
والأمير علم الدين الشجاعى، متولى الوزارة
(5)
.
والأمير بدر الدين بيدرا، أستاد الدار العالية
(6)
.
والأمير عز الدين أيبك الخزندار، مرتّب فى منصبه أمير جاندار.
(1)
قبل هذا البيت ورد فى زبدة الفكرة 14 بيتا.
(2)
«تجننى» فى التحفة الملوكية.
(3)
انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 164 ب - 165 أ، التحفة الملوكية ص 123 - 124.
(4)
«نائب السلطنة فى الغيبة ومضاهية فى الهيبة» زبدة الفكرة.
(5)
متولى الوزارة وما إليه من الإمارة» زبدة الفكر.
(6)
«أستاذ الدار وهو ممن إليه شار» - زبدة الفكرة.
وأما الأمراء الذين يلون
(1)
الممالك الشامية
(2)
:
فالأمير
(3)
حسام الدين لاجين السلحدار، نائب دمشق وأعمالها.
والأمير شمس الدين قراسنقر الجوكندار
(4)
نائب حلب بأعمالها.
والأمير سيف الدين بلبان
(5)
السلحدار، نائب السلطنة بالحصون الساحلية.
والأمير حسام الدين بلبان
(6)
الجو كندار، [6] نائب صفد بأعمالها.
والأمير بدر الدين كيكلدى المنصورى، نائب حمص بأعمالها.
والأمير علاء الدين كشتغدى المنصورى، نائب الشوبك بأعمالها.
والأمير بيبرس الدوادار
(7)
، نائب الكرك بأعمالها.
والأمير شمس الدين آقسنقر كرتيه، نائب غزّة ورملة بأعمالها.
والأمير علم الدين سنجر أرجواش، نائب قلعة دمشق
(8)
.
(1)
«يلوون» فى الأصل.
(2)
«والذين يلون الممالك الشامية، وهم آخذون بزمامها ضاطون لنظامها» - زبدة الفكرة.
(3)
«فالأمير» - هكذا بالأصل.
(4)
الجوكندار: لقب يطلق على الأمير الذى يحمل الجوكان أو الصولجان مع السلطان فى لعب الكرة - صبح الأعشى ج 5 ص 458.
(5)
هو: بلبان بن عبد الله الطباخى المنصورى قلاوون نائب طرابلس ثم حلب، توفى سنة 700 هـ/ 1300 م - المنهل الصافى ج 3 ص 422 رقم 699.
(6)
هو: بلبان بن عبد الله الجوكندار، الأمير سيف الدين المتوفى سنة 706 هـ/ 1306 م - المنهل الصافى ج 3 ص 420 رقم 697.
(7)
«الفقير إلى الله تعالى بيبرس الدوادار» - زبدة الفكرة.
وهو: بيبرس بن عبد الله المنصورى الخطائى الدوادار، الأمير ركن الدين، المتوفى سنة 725 هـ/ 1324 م - المنهل الصافى ج 3 ص 477 رقم 722.
(8)
انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 166 أ.
ذكر سلطنة الأشرف خليل ابن المنصور قلاون
لما توفى المنصور بالوطاق كما ذكرنا، وقف الأمير حسام الدين طرنطاى المنصورى بنفسه، فنقله إلى القلعة والخزائن معه بسرعة، وأمر الولاة والنوّاب بحفظ الشوارع والأبواب، ونادى مناديه بأن من تفوّه بما لا يعنيه حلّ
(1)
به ما لا يرضيه، وأصبح الملك الأشرف متحكما مستقلا، لم يختلف فيه اثنان، ولا تحرّكت شفة ولا لسان، وكان والده رحمه الله لمّا احتضر استدعاه إلى الوطاق، [واستدناه وهو فى السباق
(2)
]، وأوصاه بأن يحفظ مماليكه ويحافظ عليهم، ويبالغ فى الإحسان إليهم، ويستمرّ بهم على اقطاعاتهم ووظائفهم بمصر والشام، ويهتم بمصالحهم كل الاهتمام
(3)
.
(1)
«حلى» فى الأصل.
(2)
[] إضافة من زبدة الفكرة، حيث ينقل العينى عن بيبرس الدوادار.
(3)
انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 165 أ، ب.
وقد سبق أن سلطن السلطان قلاوون ولده خليل فى حياته سنة 687 هـ وجعله وليا للعهد، فقد ذكر ابن تغرى بردى:«وفى شوال هذا (687 هـ) سلطن الملك المنصور ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليلا، وجعله مكان أخيه الملك الصالح علاء الدين على بعد موته، ودقت البشائر لذلك سبعة أيام بالديار المصرية وغيرها، وحلف الناس له والعساكر، وخطب له بولاية العهد» - النجوم الزاهرة - ج 7 ص 320، وانظر أيضا السلوك ج 1 ص 745، تذكرة النبيه ج 1 ص 115، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 98.
وكان مماليك والده لهم العمال والنواب بالأعمال، فأطاعوه جميعا، فكانوا دعائم بنيانه، وقواعد أركانه.
وكان جلوسه فى السلطنة فى سابع ذى القعدة من هذه السنة، وكان صبيحة وفاة والده يوم الأحد، ودخلت عليه الأمراء، وقبّلوا الأرض بين يديه، ثم استحلفهم جميعا، ووقف الأمير حسام الدين طرنطاى مع الأمراء
(1)
، فطلبه وقرّبة، وطيب خاطره، واستقرّبه على نيابته، وخلع عليه، وخلع على الشجاعى وولاّه الوزارة.
وقيل: إن الشجاعى تولى الوزارة فى سابع عشر ذى الحجة.
وأرسل البرد إلى البلاد والأقاليم بوفاة والده، واستقراره فى دست المملكة، وخلع على سائر الأمراء والمقدمين وأعيان الدولة، وركب بشعار السلطنة
(2)
يوم الجمعة الثانى عشر من ذى القعدة، والعساكر فى خدمته، من القلعة إلى الميدان الأسود
(3)
، ثم طلع إلى تخته
(4)
مسرورا.
ثم أرسل وراء الخليفة الحاكم، وأرسل له مركوبا وخلعة، فلبس وركب المركوب من موضعه، وكان ساكنا فى البرج
(5)
، ومشى الأمراء والقضاة فى خدمته
(1)
«فى غير منزلة النيابة» - الجوهر الثمين ص 315.
(2)
شعار السلطنة: ويقصد به أنواع الملابس والأدوات والترتيبات التى كان يظهر بها السلطان فى المواكب. ومنها: الغاشية، والمظلة، والرقبة، والجفنة، والأعلام، والسناجق. صبح الأعشى ج 4 ص 7، 8 وانظر وصفا لموكب السلطنة فى المواعظ والاعتبار ج 2 ص 209.
(3)
الميدان الأسود: تحت القلعة بالقرب من سوق الخيل - السلوك ج 1 ص 756.
(4)
التخت: هو سرير الملك، ويقال له: تخت الملك، وهو منبر من رخام بصدر إيوان السلطان الذى يجلس فيه، ومجلس عليه السلطان فى يوم مهم - صبح الأعشى ج 4 ص 6، 7.
(5)
انظر ما يلى ص 37.
إلى باب الجامع، واجتمع بالسلطان، وكان الأمير بيدرا والشجاعى تلقياه من باب الجامع، ودخل فى محفل عظيم إلى المقصورة عند السلطان، فنهض إليه وعانقه، وأجلسه إلى جانبه، واشتغل به إلى أن استحقت الخطبة، فسأله أن يصعد المنبر ويخطب، فما أمكنه المخالفة
(1)
، وصعد المنبر، واستفتح الخطبة، فقال:
الحمد لله الذى أقام لآل عباس ملكا ظهيرا، وجعل لهم سلطانا نصيرا، واختصر فى الخطبة، ودعى للسلطان وللمسلمين، وعند نزوله امتنع أن يصلى إماما، فصلّى الخطيب، ولما فرغوا من الصلاة أخذ السلطان بيده وأكرمه، ورسم أن يخلى له مكان بالكبش
(2)
يسكن فيه هو وعائلته، وأطلق له رواتب كثيرة، وكان يوما مشهودا.
ولما كانت الجمعة الثانية، ركب إلى القلعة، وجلس مع السلطان فى المقصورة إلى وقت الخطبة، فصعد المنبر وخطب، فقال: الحمد لله الذى جعل من لدنا سلطانا نصيرا، وكان فضل الله به على الإمامة فضلا كبيرا، سبّب أسباب النصر والظفر، وقرّب أمر الفتوحات بخير زمان كان ينظر؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير البشر، وعلى آله وصحبه [7] صلاة متوالية فى العشيّات
(1)
كرر العينى هذا الخبر فى أحداث نفس السنة، كما كرره فى أحداث سنة 690 هـ - انظر ما يلى.
(2)
الكبش: موضع القصر الذى أنشأه السلطان الملك الصالح أيوب على جبل يشكر بجوار الجامع الطولونى - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 133.
وقد ذكر ابن حبيب فى حوادث سنة 696 هـ «وفيها نقل السلطان (لاجين) الخليفة الحاكم بأمر الله العباسى من قلعة الجبل بالقاهرة المحروسة إلى مناظر الكبش بها» - تذكرة النبيه ج 1 ص 195.
والبكر، اعلموا وفقكم الله يا أنجاد الإسلام وحماته، ويا شجعانه وكماته، إن الله سهّل لكم نصرا عزيزا فانتهزوا فرصه، واجعلوا فى أيام هذا السلطان بشارة تقصّ على البلاد والعباد أحسن قصصه، واخلصوا النيات فى الجهاد، وتعاونوا على ميعاد الظفر بالوفاء، {(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ 1)} ، اللهم أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت بها علىّ وعلى والدىّ، وأجب اللهم دعائى فى المحسن للإسلام وإلىّ، وهو السلطان الملك الأشرف الذى سخّرت له تأثيرات الفلك، فاجعله اللهمّ مالكا حيث ما سلك، وامنحه بنصرك إياه تفتح عليه ممالك الأرض وأبوابها، واجعل دار الإسلام دار السّلام ومنابر الخلافة بها، وانصر اللهم جنده، وانجز له وعده، وارض عن والده السلطان الأجل الملك المنصور الذى جاهد فى الكفار جهده، وجعل الملائكة الكرام فى تأييده جنده، ثم دعى للسلطان وللمسلمين، ونزل وأمّ بالناس وصلّى.
ذكر القبض على الأمير حسام الدّين طرنطاى
(2)
:
لما استقر الملك الأشرف فى السلطنة، وقف الأمير حسام الدين بين يديه معتقدا أنه يعتمد عليه، ويفوض الأمور - كما كانت فى حياة والده - إليه، وكان فى خاطر السلطان منه أثرة عظيمة قديمة من زمن
(3)
والده، وكان يتوهم فيه
(1)
جزء من الآية 9 من سورة آل عمران رقم 3، جزء من الآية 31 من سورة الرعد رقم 13.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 67 أ، الوافى ج 16 ص 429 رقم 466، المواعظ والاعتبار ج 2 ص 386، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 94 رقم 49، النجوم الزاهرة ج 7 ص 383 - 385، البداية والنهاية ج 13 ص 318، تذكرة النبيه ج 1 ص 136.
(3)
«من زمان» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 167 أ.
أنه يمنعه أكثر مقاصده، مع ما يتفوّه به الوشاة
(1)
، وكان الشجاعى أيضا يكرهه لما جرى عليه بسفارته من العزل الذى ذكرناه
(2)
، واتفق مع ذلك نفار الخاصكية منه
(3)
، فرأوا السلطان نافرا من جهته
(4)
، فحسّنوا له القبض عليه.
فلما كان يوم الجمعة الثانى عشر من ذى القعدة استدعاه السلطان إلى بين يديه، فدخل آمنا مطمئنا لا يخشى ريب الزمان ولا يتوقّى طارق الحدثان
(5)
، قائلا فى نفسه: إنه نظام الملك وقوامه، وبيده تدبيره وزمامه، ولم يدر بما كنت له النائبات، ونصبت له من أشراكها الحادثات، فلما مثل بين يديه، وضعت الأيدى عليه.
(6)
وحمل إلى الاعتقال على أسوء الأحوال، فكان كما قيل فى قول الشاعر:
حسّنت
(7)
…
ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف سوء ما يأتى به القدر
وسالمتك
(8)
…
الليالى فاغتررت بها
وعند صفو الليالى يحدث الكدر
وندب الشجاعى للحوطة على أمواله وذخائره.
(1)
«ويتقوله السعاة من أقوال الزور التى توغر الصدور» فى زبدة الفكرة.
(2)
انظر ما سبق بالجزء الثانى من هذا الكتاب ص 369.
(3)
«لما يعلمونه من شدته، ويتحققونه من سطوته وحدته» - فى زبدة الفكرة.
(4)
من أسباب كراهية الأشرف لطرنطاى من أيام أبيه «إن طرنطاى كان يطرح جانب الأشرف ويهين نوابه ومن ينسب إليه، ويرجح أخاه الملك الصالح عليه، ولم يتلاف ذلك بعد موت الصالح، بل جرى على عادته فى أهنة من ينسب إليه» - السلوك ج 1 ص 757.
(5)
منعه الأمير زين الدين كتبغا أن يدخل إليه وحذره منه، فقال طرنطاى:«والله لو كنت نائما ما جسر خليل ينبهنى» - السلوك ج 1 ص 757.
(6)
«ثم إن الأشرف خليل عمل الموكب، فلما تكامل الأمراء قبض على الأمير طرنطاى» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 365.
(7)
«أحسنت» فى زبدة الفكرة.
(8)
«وساعدتك» فى زبدة الفكرة.
وحكى الأمير نجم الدين أبو المعالى: أن الحوطة لما وقعت على دار طرنطاى عند مسكه أخرج من بيته ستمائة ألف دينار
(1)
عين، ومائة وسبعون قنطارا فضة
(2)
، وأما الأوانى الفضّية، والكفت
(3)
، والخيل، والبغال، والهجن، والجمال، والأبقار، والحواصل، فهى أكثر من أن تذكر، ومن الغلال مائتا ألف أردب، ومن القماش شئ كثير من جملته: أربعمائة وعشرون ثوبا أطلس، منها: أطلس أحمر متدلى مائة وثمانون ثوبا، ومنها: أطلس أصفر مائتان وستون ثوبا، قيمة كل ثوب ألف وخمسمائة، وألف وسبعمائة، ومن أصناف السلاح:
ثلاثمائة وتسعون قرقلا
(4)
، ومائة وثمانون جوشنا
(5)
مسقطا، وأربعمائة وستون بركستوانا
(6)
، ومائتان وستون طارقة مسقطة، وثلاثمائة سيف، وألف وستمائة صندوق من النشاب، ومن المواشى: أربعة آلاف رأس من الغنم، وألف وثمانمائة رأس من البقر فى الدواليب
(7)
والزروعات، ووجد [8] له أربعمائة
(1)
«ألف ألف وستمائة ألف دينار مصرية» - السلوك ج 1 ص 758، وانظر أيضا تذكرة النبيه ج 1 ص 136.
(2)
«من الدراهم النقرة» - كنز الدور ج 8 ص 705.
(3)
«والنحاس المكفت» - السلوك ج 1 ص 758.
وعن النحاس المكفت انظر المواعظ والاعتبار ج 2 ص 105.
(4)
قرقل - قرقلات: نوع من الدروع المتخذة من صفائح الحديد المغشاة بالديباج الأحمر والأصفر، وقد تكون مبطنة - صبح الأعشى ج 3 ص 143 ج 4 ص 11.
(5)
جوشن جوسن - جواسن: لفظ فارسى: درع من الجلد يلبس حول الجزء الأوسط من الجسم - السلوك ج ص 897 هامش (1).
(6)
بركستوان - بركستوانات: غاشية الحصان المزركشة، وقد تكون لغير الحيول مثل الفيلة - صبح الأعشى ج 4
(7)
الدواليب الآلات، ولعل المقصود هنا السواقى والمعاصر.
وثمانون مملوكا، فأدخل الجميع فى بيت السلطان وتأمر منهم جماعة وكانوا يعرفون بالحساميّة.
ويقال: لما رسم السلطان للشجاعى بأن ينزل ويحتاط على بيت طرنطاى وموجوده، فنزل وهو فرحان بما ساعده الزمان، وناهيك من عدوّ أمكنه الظفر وحكّمه القضاء والقدر، فأظهر فى عدوه العبر، وأخذ صحبته شهود بيت المال، وأوقع الحوطة على سائر حواصله، وقبض على مماليكه، ورسم على مباشريه، وكتب الكتب لسائر البلاد بالحوطة على موجوده، وأخرج سائر خزائنه وخدامه وجواريه
(1)
، فأحضر لهم المعاصير
(2)
، وجعل يقرّرهم على موجوده وأمواله، فصار الشجاعى ينزل كل يوم إلى بيت طرنطاى ويستعرض حاشيته ويعاقبهم، فأخرج ما ذكرنا من الأموال.
وذكر فى نزهة الناظر فى دولتى المنصور والناصر
(3)
:
كان السبب لمسك طرنطاى حقائد كانت فى النفوس كامنة، قدحتها زناد الاقتدار، وضغائن طويت أحشاؤها على غلل، فحين ملكت تملّكت لطلب الثأر، وقد تقدم ذكر ما كان طرنطاى عليه من الحرمة والتمكن من أستاذه ونفاذ أمره إلى وفاة المنصور، ولما تملك ابنه بعده أخذ فى التدبير عليه وعلى حاشيته، فطلب
(1)
«وجواره» فى الأصل.
(2)
معصرة - معاصير: آلة للتعذيب، وتتكون المعصرة من خشبتين مربوطتين ببعضهما، يوضع بينهما وجه المعاقب، أو رأسه، أو رجلاه» أو عقباه، ثم تشد الخشبتان شدا وثيقا، وكثيرا ما يؤدى ذلك إلى كسر العظم المعصور بين الخشبتين - السلوك ج 1 ص 740 هامش (3).
(3)
نشر جزء من هذا الكتاب بعنوان «نزهة الناظر فى سيرة الملك الناصر» ، تأليف موسى بن محمد بن يحيى اليوسفى ت 759 هـ/ 1358 م، تحقيق ودراسة الدكتور أحمد حطيط - عالم الكتب - بيروت 1984.
الشجاعى وبيدرا والخاصكيّة، وبسط معهم من أمره، وكانوا يعلمون أن طرنطاى إذا استمر بالحكم ما كان يدع لأحد منهم كلمة، فاتفقوا على القبض عليه وعلى من يلوذ به.
وعلم كتبغا والأمراء المتعصبين لطرنطاى الأمر، فاختلوا به، وعرفّوه أن العمل عليه، واستنهضوه على أنه يفعل أمرا، وهم موافقون عليه، فكان جوابه لهم: والله أنا أعلم أنه يفعل معى كل سوء، وما أنا موثوق به أغبر، ولكن قيامى فى حق نفسى بفساد جماعة كثيرة، وسفك دماء، وقلة وفاء، ولا يرجع يشتمل الملك لأحد إلا بعد فساد كثير، والله لا أفعل شيئا مما يعيبه الناس علىّ، فأكسب خطية، فإن كان لى عمر فى التقدير فلا يقدر أحد ينقصه، وإن كان الأجل قد حضر والسعادة قد فرغت، فلّله الأمر، فعند ذلك علموا أنه لا يفعل شيئا
(1)
.
وبقى الأشرف كلما دخل طرنطاى إليه يقربه ويكرمه ويتحدّث معه فى أمور النواب والعسكر، ويعد له مواعيد حسنة، وطرنطاى يفهم من ذلك المقصود ويجيبه بما فى نفسه، كما قيل:
يخفى العداوة وهى غير خفيّة
…
نظر العدوّ بما أسرّ يبوح
وبقى الحال إلى يوم السبت، فطلبه إليه، وقد رتّب للقبض عليه الأمراء، فعند ما حضر شرع السلطان يذكر إساءته إليه، ويعددها عليه، فنظر إليه وقال:
يا خوند، هذا جميعه قد علمته منك، وقدمت الموت بين يدىّ، ولكن والله
(1)
ذكر ابن الفرات أن الأمير حسام الدين طرنطاى شرع فى التآمر على الملك الأشرف، بل وشرع فى اغتباله أيضا، ولكن وشى به بعض من باطنه - انظر تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 100.
لتندمنّ بعدى
(1)
، وما فرغ الكلام حتى أخذه الّلكم من كل جانب، وأخذوا سيفه.
قال صاحب التاريخ
(2)
: وبلغنى أن بعض الخاصكية قلع عينه فى ساعته، وما أمسى المساء حتى توفى إلى رحمة الله تعالى مقتولا.
وقيل: بل عاقبه إلى أن مات فى ثامن عشر ذى القعدة وأقام ميتا ثلاثة أيام
(3)
، ثم أخرجوه على جنوية
(4)
إلى تربة الشيخ أبى السعود
(5)
، فغسله وكفنه الشيخ عمر خادم [9] الزاوية من عنده، ودفنه قبلى الزاوية إلى أن ملك كتبغا، فأمر بنقله إلى تربته
(6)
.
ولما قبض السلطان على طرنطاى قبض أيضا على زين الدين كتبغا بعده، وعلى سنقر الطويل والى باب القلعة، وطلب أبا خرص
(7)
، فوجده قد سافر إلى الحجاز، وكان من المقرّبين لطرنطاى، وكان علم أن الأشرف ما يبقيه ولا يبقى
(1)
«وكان والده (أى المنصور قلاون) قد قال له: هذا طرنطاى لا تمسكه ولا تتعرض له بأذى أبدا، وهذا لاجين لا تمسكه، وإن أمسكته فلا تبقه، فخالف (الأشرف خليل) والده فى الاثنين» - الوافى ج 16 ص 430.
(2)
هو صاحب كتاب «نزهة الناظر فى دولتى المنصور والناصر» - انظر ما سبق.
(3)
«وترك بعد قتله فى محبسه ثمانية أيام» - السلوك ج 1 ص 757.
(4)
الجنوية: النقالة التى تستخدم لنقل الجرحى والموتى، وهى سياج من مخازق الخشب، وتسمى أيضا «الحسيكة» - السلوك ج 1 ص 757 هامش (2).
(5)
«زاوية سيدى الشيخ أبى السعادات بن أبى العشائر» - كنز الدرر ج 8 ص 304.
«زاوية الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر بالقرافة» - المواعظ والاعتبار - المدرسة الحسامية - ج 2 ص 376، وانظر أيضا النجوم الزاهرة ج 7 ص 384 هامش (1).
(6)
«تربته التى أنشأها بمدرسته الحسامية بخط المسطاح من حارة الوزيرية من القاهرة» - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 386.
(7)
«سنجر المعروف بأبى خرص» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 9، وهو «علم الدين سنجر الحموى، المعروف بأبى خرص» - السلوك ج 1 ص 767.
حاشيته، فطلب دستورا إلى الحجاز وسأل أن يجهز نفسه من الشام، فرسم له بذلك وسافر من يومه، وطلب أيضا أمير على بن قرمان فلم يوجد.
ثم سكن الأمير بيدرا فى دار النيابة على عادة النواب، لأن الأشرف فوّض إليه النيابة، وأخذ إقطاع طرنطاى وعدته، وما كان له من المشتروات والحمامات بنواحى الأعمال.
وفوض الوزارة إلى شخص يسمى محمد بن
(1)
السلعوس.
ولما سكن بيدرا دار النيابة قال الشاعر:
كأنها بعدهم ليل بلا قمر
…
ونعمة حكمت فيها أعاديها
قال صاحب التاريخ: أخبرنى بعض شهود الخزانة أنهم وجدوا فى بيت طرنطاى فسقية صغيرة فيها ذهب، وورقة مكتوب فيها أخذها الشجاعى ودخل بها إلى السلطان، فكانت مائة ألف وعشرين ألف دينار، وهذا خارج عما ذكرنا من الحواصل، ووجد له من الغلال بمصر والشام مائتا ألف أردب وستة آلاف أردب، وكانت عبرة إقطاعه فى ديوان الجيش أربعين ألف دينار، وكان أكبر متحصله من الدواليب والزراعات وأصناف المتجر.
ذكر وقعة ابن قرمان:
قد ذكرنا أن السلطان طلب أمير على بن قرمان بعد مسكه طرنطاى فلم يوجد، وكان لما علم بالقبض على طرنطاى شدّ تركاشه
(2)
فى وسطه، وركب حصانا من
(1)
هو - محمد بن عثمان بن أبى الرجاء، الوزير الصاحب شمس الدين التنوخى الدمشقى الشافعى، التاجر المعروف بابن السلعوس، والمتوفى سنة 693 هـ/ 1294 م - المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
(2)
التركاش: لفظ فارسى الأصل، ومعناه الكنانة أو الجعبة التى توضع فيها النشاب - صبح الأعشى ج 7 ص 309 - 310.
خيله، وكان يدخره لأمر يجرى عليه، وما زال يضمّره، فركب وأخذ معه مملوكا كان يعتمد عليه، فخرج من المدينة، وكان مشهورا بالفروسية ورمى النشاب ولا يكاد سهمه يخطئ.
ولما أعلموا السلطان بهر وبه أرسل وراءه الأمير سيف الدين منكلى، والأمير سيف الدين طقصو، ومعهما جماعة، فأوحى إليهم أن يروحوا وراءه حيث كان ولا يدعوه، فركبوا الهجن وساقوا وراءه، ولحقوه وقد طلعت الشمس، وصار فى أرض العايد
(1)
، فلما رآهم وقف ووقفوا له مقابلة، وسيّروا إليه وعرّفوه بما أمر السلطان، فقال: لا سبيل إلى تسليم نفسى إلاّ بالموت، فحمل عليه مملوك من مماليك الأمير منكلى، فقصد فرسه بالرمى فقتله، فحمل عليه الأمير طقصو من الجانب الآخر. فقال له: أيها الأمير أنتم مجاهدون، ولا تعرضوا أنفسكم للموت، فما منكم أحد إلا وهو يعرف نشابى، وها أنا قاتل فرسك فلا تطمع، ثم رماه فى صدر فرسه، فانقلب طقصو من الفرس، واشتغلوا بإركابه، فغاب عنهم فى البر، فقصروا بعد ذلك من طلبه، وقالوا: عرب الشرقية ما يمكنونه من الرواح لأن السلطان كاتب إليهم بسببه.
وأما ابن قرمان فإنه وصل إلى بيت الأمير غرارة امير العايد، وكان هو من أصحب الناس لابن قرمان، ولما رآه غرارة خرج إليه وتلقاه وأنزله فى بيت، وظن أنه أتى على عادته للصيد، وكان أكثر صيده فى أرضه، فقال له:
وأين صبيانك يا أمير؟ فقال: الآن يحضرون، فقم وعجل لهم بالطعام، فقام غرارة وذبح رأسى غنم، واتكأ ابن قرمان على فخذ مملوكه، وكان قد أضرّ به
(1)
عرب العايد: بالأعمال الشرقية من عمل بلبيس - كنز الدرر ج 8 ص 304.
[10]
السهر وما نام إلا ساعة لطيفة، ثم استيقظ والرعب فى نفسه لما يعلم من الطلب خلفه، فصاح على غرارة أن عجّل بالأكل، فقال: كما ركبنا القدر فما العجلة بالركوب؟ فقال: لا سبيل إلى القعود، وصاح على العبد الذى كان يسير فرسه أن يحضر به وغرارة قام يستعجل الغذاء، فلما رأى العبد يأتى بالفرس أشار إليه بكمه أن ارجع حتى يتغدّى الأمير، فخيّل لابن قرمان أن أمر السلطنة وصل إليه، وأنه أمر بالقبض عليه، وإن منعه الفرس بسبب ذلك فمدّ يده إلى قوسه وأخذ فردة نشّاب وضرب بها غرارة وهو مولّى، فوقع السهم فى ظهره وخرج من صدره، فوقع على الأرض، ووقع الصياح فى البيوت، وصاح العبد، فأتت العرب من كل جانب.
ورأى ابن قرمان أنه مأخوذ، فقال لمملوكه: دعنا نموت ولا نسلم أنفسنا لهؤلاء، فيدخلون بنا إلى السلطان، فموتنا ههنا أحب من الشماتة بنا، ثم نهض إلى رابية هناك، فتكاثرت العرب عليه، فقاسوا منه مشقة عظيمة، وجرحت منهم جماعة، وقتل منهم نحو من أحد عشر نفسا، فرجعوا عنه، وضربوا عليه يزكا
(1)
إلى وقت الليل، فهجموا عليه من سائر الجوانب، وقد ضعف من التعب والجوع وفرغ نشابه، فتمكنوا منه فقتلوه
(2)
ومملوكه معه، وقطعوا رأسه وأخذته أخوة غرارة، فأتوا به إلى السلطان وأخبروه جميع ما وقع من أمره، فأنكر السلطان عليهم قتله، وقال: لم ما أحضرتموه بالحياة؟ وعرفوه أنهم عجزوا عن ذلك.
(1)
اليزك: طلائع الجيش. صبح الأعشى ج 15 ص 115.
(2)
«قتله شخص من العرب» العايد يسمى عشيش» - كنز الدرر ج 8 ص 301.
واعتقد الناس بأجمعهم أن غرارة قصد الغدر بنزيله حيث التجأ إليه، وكان الأمر بخلاف ذلك، فهذه واقعة ظاهرة للناس خيانة، وباطنها صدق وأمانة، ولما بلغ خبر هذه الواقعة إلى عرب الشام من آل مهنى وغيرهم عيّبوا على عرب مصر بما وقع منهم إلى أن اتفق فى الشام أخت هذه الواقعة بعينها، وسيأتى ذكرها إن شاء الله تعالى.
ذكر بقيّة ما جرى من الحوادث فى هذه السنة:
منها أن الأشرف فوّض إلى الأمير بيدرا نيابة السلطنة، كما ذكرنا
(1)
.
وفى نزهة الناظر: أن القاضى مجد الدين بن الخطاب دخل على بيدرا فى خلوته وهنأه بالوظيفة، فنظر إليه بيدرا طويلا وقال: يا مجد الدين تهنينى بأمر أنا أخشى عقباه، ثم أنشد:
ومن يحمد الدنيا بشئ يسرّه
…
فسوف لعمرى عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة
…
وإن أقبلت كانت كثير همومها
ثم دمعت عيناه ساعة.
ومنها: أن السلطان رسم للصاحب تقى الدين
(2)
بوزارة الشام، فوصل دمشق فى الخامس والعشرين من المحرم من سنة تسعين، واحتاط على موجود الأمير
(1)
انظر ما سبق ص 32.
(2)
هو: توبة بن على بن مهاجر بن شجاع بن توبة الربعى التكريتىّ، الصاحب تقى الدين أبو البقاء، المتوفى سنة 698 هـ/ 1299 م - انظر ما يلى.
شمس الدين سنقر الأعسر
(1)
شادّ الشام، وكان السلطان قد أحضره إلى مصر فى ذى الحجة من هذه السنة، وضربه وصادره، وبقى تحت الترسيم إلى أن حضر ابن السلعوس من الحجاز.
وكان شمس الدين بن السلعوس قد حج فى هذه السنة، ولما تسلطن الأشرف أرسل إليه نجّابا وكتب معه كتابا بخط يده يقول فيه: يا شقير عجّل السّير، فقد جاء الخير
(2)
، فاستحثه على حضوره ليوليه الوزارة، وكان خصيصا به من أيام والده المنصور.
ثم وّلى السلطان فى شدّ الدواوين بالشام الأمير سيف الدين طوغان المنصورى.
ومنها أن السلطان أمّر جماعة من الخاصكية يوم الأحد الحادى عشر من ذى القعدة، منهم: طقجى، وبلرغى، وعمر.
ومنها: أنه أفرج عن جماعة محبوسين من أيام والده، منهم: ابن الملك المغيث
(3)
، وكان قد حبس فى سنة تسع وستين، وكان له فى الحبس نحو من عشرين
(1)
هو سنقر بن عبد الله الأعسر المنصورى، الأمير شمس الدين، المتوفى سنة 709 هـ/ 1309 م - المنهل الصافى، الوافى ج 15 ص 497 رقم 659.
(2)
«وكتب بخطه بين الأسطر» : «يا شقير» يا وجه الخير، عجل السير فقد ملكنا» - السلوك ج 1 ص 760، و «يا شقير يا وجه الخير احضر لتستلم الوزارة» - البداية والنهاية ج 13 ص 317.
(3)
هو عثمان بن عمر بن أبى بكر بن محمد بن أبى بكر بن أيوب، الملك العزيز فخر الدين، كان والده صاحب الكرك، وقد اعتقله الملك الظاهر بيبرس، وظل فى الاعتقال أكثر من عشرين سنة - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 106، وقد كرر العينى ذكر هذا الخبر فى حوادث سنة 690 هـ - انظر ما يلى.
سنة، وكان لهم خادم يسمى بلال المغيثى فى خدمة السلطان، وهو الذى ذكّره به، فسأل السلطان عن الشجاعى ما سبب حبسه هذه المدة وما كان ذنبه؟ فقال:
ليس له ذنب، وإنما حبس لكونه ابن ملك، وله حاشية، فحشى من أمره بسبب ذلك، فتبسم الأشرف وأمر بإحضاره، فلما رآه وجده شكلا حسنا، وقال للطواشى: خذ ابن أستاذك وأنزل به إلى أهله ولا تخلّه يجتمع بأحد
(1)
.
ثم سأل من بقى فى الحبس، فقيل الأمير علم الدين سنجر الحلبى والإمام الحاكم بأمر الله، فرسم بالإفراج عن الحلبى. ولما حضر بين يديه رآه شكلا غريبا فى الطول والعرض، ولوائح الشجاعة عليه، فسأل الشجاعىّ ما سبب حبسه؟ فقال: إن السلطان الشهيد كان يخشى أمره لما فيه من الشجاعة والإقدام فى الوقائع والحروب، فتوهم منه أن يجمع عليه أمراء وحاشية ويطمع فى الملك، فحبسه، وكان حبسه فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة، فأقبل إليه السلطان وطيّب خاطره، وخلع عليه، ورسم له بتقدمة ألف على عادته.
ثم فى يوم الجمعة طلب النائب والشجاعى، واستشارهما فى إخراج الإمام الحاكم من الكرب الذى هو فيه، فأشارا عليه بذلك، فأخرجه قبل الصلاة وسير له مركوبا، فركب فى القلعة والأمراء والقضاة بين يديه إلى أن اجتمع بالصلاة فى المقصورة، ثم أشار إليه السلطان بأن يصعد على المنبر، فكان من أمره ما ذكرناه فى هذا الفصل
(2)
.
(1)
أورد المقريزى هذا الخبر فى حوادث سنة 690 هـ فقال: «فى سادس المحرم أفرج عن الملك العزيز فخر الدين عثمان بن المغيث فتح الدين» . السلوك ج 1 ص 760، كما أورده أيضا فى هذا التاريخ ابن الفرات - انظر تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 106، كما كرره العينى فى حوادث سنة 69 هـ - انظر ما يلى.
(2)
انظر ما سبق ص 24.
ومن المحبوسين الأمير زين الدين كتبغا، وقد ذكرنا أن الأشرف كان حبسه، فشفع فيه بيدرا والشجاعى، فأطلق.
وكذلك رسم بالإفراج عن الأمير سيف الدين جرمك الناصرى.
ومنها: أن السلطان ولّى خطابة جامع دمشق للشيخ زين الدين عمر
(1)
بن المرحل وكيل بيت المال، عوضا عن جمال الدين عبد الكافى
(2)
، وولّى نظر الجامع للشيخ وجيه الدين بن المنجى، عوضا عن ناصر الدين بن المقدسى
(3)
، فباشره وأثمر وقفه، واشترى له ثلث قرية المنيحة بمائة وخمسين ألف درهم.
وفى ذى الحجة: أرسل تقليدا لنائب الشام
(4)
باستمراره على ما كان عليه، وزاده قرية حرستا.
ومنها: أنه احترقت دار صاحب حماة
(5)
، وذلك أنه وقعت فيها نار فى غيهته فلم يتجاسر أحد يدخلها، فعملت
(6)
النار فيها يومين، فاحترق كل ما فيها، وكان صاحب حماة فى الصيد.
(1)
هو عمر بن مكى بن عبد الصمد الشافعى، الشيخ الإمام زين الدين أبو حفص، المتوفى سنة 691 هـ/ 1292 م - المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
(2)
«بن عبد الكافى» فى الأصل، وفى البداية والنهاية ج 13 ص 317، وهو تحريف، انظر ما يلى فى وفيات السنة ص 43.
(3)
هو محمد بن عبد الرحمن بن نوح الدمشقى، ناصر الدين بن المقدسى، المتوفى سنة 689 هـ/ 1290 م - العبر ج 5 ص 364.
(4)
هو: الأمير حسام الدين لاجين المنصورى.
(5)
هو: الملك المظفر تقى الدين محمود بن الملك المنصور محمد الأيوبى.
(6)
«فعلمت» فى الأصلي، والتصحيح يتفق والسياق، وما ورد فى البدية والنهاية ج 13 ص 317.
وذكر الشيخ شمس الدين الحريرى فى تاريخه: أن فى شعبان من هذه السنة اشتد الحر بحماة حتى شوى اللحم على بلاط الجامع.
ومنها: أن الإفرنج أخذت جزيرة جربة من صاحب تونس
(1)
من عمل ملوتة، وثارت الفرنج أيضا بعكا، وقتلوا جماعة من المسلمين كانوا قدموا للمتجر، وكان ذلك من أقوى الأسباب فى فتحها وقتل أهلها.
ومنها: أنه خالف على أبى يعقوب
(2)
المرينى عامله على مراكش وكان يقال له أبى عطّو، وكاتب ولده أبا عامر عبد الله يستدعيه ليسلم إليه المدينة، فسار إليه أبو عامر، فانحاز إليه أهل مراكش، وأهل السوس الأقصى، وأهل الجبال [12] والعربان، وتسلّل إليه جماعة من بنى مرين، فقويت شوكته، وجاهر أباه بالمخالفة والمشاققة، فسار إليه أبوه بنفسه، وكان بينهما واد يسمى وادى أم الربيع، والوقت شتاء فعبر النهر المذكور بنفسه بمن معه، ولقيه ولده فيمن انضم إليه من مراكش، وكانت الكسرة على الولد أبى عامر، وقتل خلق كثير ممن كان معه، وانتهت به الهزيمة إلى جبال سكسيرة، فأقام بها أياما، ثم ضاق به الحال ورأى أن لا مناص له من يد والده، فاستشفع إليه بجماعة من الصالحين، وهبط إليه، فأمر ولده عبد الرحمن، وهو ولّى عهده - فقبض عليه وعلى من معه، فأما هو فأطلقه، وأما الذين كانوا معه فقتلهم جميعا.
(1)
هو: عمر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبى حفص، المستنصر بالله، المتوفى سنة 694 هـ/ 1295 م - المنهل الصافى.
(2)
هو: يوسف بن يعقوب المرينى، أبو يعقوب، المتوفى سنة 706 هـ/ 1306 م - المنهل الصافى.
وفيها عاد أبو عامر إلى العصيان على أبيه وانهزم من بين يديه طالبا بلاد المغرب، ونزل على موالى لبنى عبد الوادّ مقيمين بالقبلة.
وفيها: كان النيل خمسة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا
(1)
، وتوقف بعده توقفا كثيرا، وخشى من نزوله، وشرقت بلاد كثيرة وتحسّن سعر الغلة، ثم لطف الله وعاد الرخص.
وفيها. حج بالناس من دمشق الأمير بدر الدين بكتاش الزومانتى، ومن الديار المصرية الأمير علم الدين سنجر الباشقردى.
(1)
«مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا، ولم يوف فى هذه الستة» - النجوم الزاهرة ج 7 ص 386.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الإمام العلاّمة رشيد الدين أبو حفص عمر
(1)
بن إسماعيل بن مسعود الفارقى
(2)
الشافعى، المدرس بالمدرسة الظاهرية
(3)
بدمشق.
ذكر الدرس بها فى الرابع من محرم هذه السنة، ثم دخل إلى مسكنه، فدخل عليه شخصان ممن يلوذون به، فخنقاه لأجل ماله - وعرفا بعد ذلك - وصلى عليه بالجامع الأموى، ودفن بمقابر الصوفية. ومولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
(4)
، وقد جاوز التسعين، وكان من أفراد الزمان فى سائر العلوم من الفقه، والأصلين، والنحو، وعلمى المعانى والبيان، وحل الترجمة، والكتابة والإنشاء، ونظم الشعر، وعلم الفلك، وضرب الرمل، والحساب، وغير ذلك.
(1)
وله ترجمة أيضا فى: المنهل الصافى، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 48، درة الأسلاك ص 101، الوافى ج 22 ص 431 رقم 307، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 104 - 105، النجوم الزاهرة ج 7 ص 385، العبر ج 5 ص 363، شذرات الذهب ج 5 ص 409، تذكرة النبيه ج 1 ص 132 - 133، البداية والنهاية ج 13 ص 318، السلوك ج 1 ص 759، السلوك ج 1 ص 759.
(2)
«الفارقانى» فى السلوك.
(3)
هى المدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق: أنشأها السلطان الظاهر بيبرس لتكون مدرسة للحنفية والشافعية ودارا للحديث - الدارس ج 1 ص 348، 351، خطط الشام ج 6 ص 82.
(4)
«بميافارقين» - تذكرة النبيه ج 1 ص 132.
ميافارقين: من مدن إقليم الجزيرة، كانت قاعدة ديار بكر - تقويم البلدان ص 378، بلدان الخلافة الشرقية ص 143.
ومن شعره ما ذكره الشيخ علم الدين البرزالى
(1)
قال. أشدنى الشيخ رشيد الدين لنفسه.
مرّ النسيم على الروض الوسيم
(2)
…
فما
شككت أنّ سليمى حلّت السّلما
ولاح برق على أعلى الثنيّة لى
…
فقلت برق الثنايا لاح وابتسما
مثنى الحبيبة روّاك السحاب فكم
…
ظمئت فيك وكم رويت فيك ظما
به رأيت الهوى حلوا ومنزلنا
…
للّسهو خلوا وذاك الشمل ملتئما
والدار دانية والدهر فى شغل
…
عما نريد وفى طرف الرقيب عمى
والشمس تطلع من ثغر وتغرب فى
…
ثغر وتجلو سنا أنوارها الظلما
وظبية من ظباء الإنس ما اقتنصت
…
ولا استباح لها طرف الزمان
(3)
حما
وجفنها فيه خمر وهو منكسر
…
والخمر فى القدح المكسور ما علما
وثغرها يجعل المنظوم منتثرا
…
من اللآلى والمنثور منتظما
تبسّمت فبكت عينى وساعدها
…
قلبى ولولا لما الثغر البسيم لما
ولفظها فيه ترخيم فلو نطقّت
…
يوما لا عصم وافاها وما اعتصما
[13]
ولح لاح عليها قلت لا تكن لى
…
....
(4)
تعذيبها لى عذب والشفاه شفا
…
تجنى وأجنى ولا يبقى الّلما
(5)
الما
(1)
هو: القاسم بن محمد بن يوسف البرزالى الإشبيلى الدمشقى، علم الدين أبو محمد، المتوفى سنة 739 هـ/ 1338 م - صاحب كتاب «المقتفى لتاريخ أبى شامة» - المنهل الصافى.
(2)
«الروض البسيم» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 133.
(3)
«صرف الزمان» فى تذكرة النبيه.
(4)
باقى البيت مطموس فى الأصل.
(5)
اللم: جنون خفيف - المنجد.
خود تجمّع فيها كلّ مفترق
…
من المعانى التى تستغرق الكلما
عطت غز الاسطت ليثا خطت غصنا
…
لاحت هلالا هدت نجما بدت صنما
(1)
لما سرت أسرت
…
…
....
(2)
وصار مربعها قلبى ومربعها
…
....
(3)
ولم أكن راضيا منها بطيف كرى
…
فاليوم من لى ....
(4)
الخطيب جمال الدين أبو محمد عبد الكافى
(5)
بن عبد الملك بن عبد الكافى الربعى، خطيب جامع دمشق
(6)
.
توفى بدار الخطابة بعد أن صلّى الصبح، وصلى عليه الشيخ برهان الدين السكندرى، وحمل نعشه على رؤوس الأصابع، وامتد الناس إلى الصالحية، ودفن برباط الشيخ يوسف الفقاعى
(7)
، وباتت عنده الجهات، وأقام الناس عنده أياما ولياليا، ومولده فى شعبان سنة اثنتى عشرة وستمائة، وكان موته سلخ جمادى الأولى من هذه السنة.
(1)
«فاحت عبيرا رنت نبلا بدت صنما» - الوافى ج 22 ص 433.
(2 و 3 و 4)، باقى الأبيات مطموسة فى الأصل.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 101، النجوم الزاهرة ج 7 ص 386، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 116 رقم 176، مرآة الجنان ج 4 ص 8 2، العبر ج 5 ص 362، شذرات الذهب ج 5 ص 409، تذكرة النبيه ج 1 ص 131 - 132، البداية والنهاية ج 13 ص 318، الدارس ج 1 ص 158.
(6)
«خطيب الجامع الأموى - تذكرة النبيه.
(7)
الزاوية الفقاعية: بسفح قاسيون بدمشق.
والشيخ يوسف الفقاعى هو: يوسف بن نجاح بن موهوب الزبيرى المعروف بالفقاعى، المتوفى سنة 679 هـ/ 1280 م - العبر ج 5 ص 324، الدارس ج 2 ص 706.
الشيخ الزاهد العابد العالم أبو طاهر فخر الدين إسماعيل
(1)
بن عز القضاة أبو الحسن على بن محمد بن عبد الواحد بن أبى اليمن.
توفى فى العشرين
(2)
من رمضان، ودفن بقاسيون بتربة بنى الزكى. محبة فى محى الدين بن عربى
(3)
، فإنه كان يكتب من كلامه كل يوم ورقتين، ومن الحديث ورقتين. وكان من الصالحين الكبار المعرضين عن متاع الدنيا
(4)
.
قال الشيخ علم الدين البرزالى: رأيت له المنامات الصالحة، فمن ذلك أنه رآه وهو يقول: أن الله تعالى لما فرغتم من غسلى غسّلنى بيده بالماء والثلج والبرد، ورآه أيضا وهو يقول: إن الله عز وجل إذا توفى رجلا صالحا أمر بضرب نوبة له فى السماء، فقال له الرائى: يا سيدى أنت أيضا، فتبسم.
وله نظم كثير، فمن ذلك قوله:
والنهر
(5)
…
قد جنّ بالغصون هوى
(6)
فراح فى سرّه
(7)
يمثلها
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 102، المنهل الصافى ج 2 ص 408 رقم 438، العبر ج 5 ص 361، الوافى ج 9 ص 166 رقم 4079، فوات الوفيات ج 1 ص 179 رقم 69، البداية والنهاية ج 13 ص 318، شذرات الذهب ج 5 ص 408، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 43 رقم 63، تذكرة النبيه ج 1 ص 130 - 131، السلوك ج 1 ص 760.
(2)
«توفى ليلة الأربعاء الحادى والعشرين من رمضان» - العبر ج 5 ص 361.
(3)
هو محمد بن على بن محمد الحاتمى الطائى الأندلسى، محى الدين بن العربى، نزيل دمشق، المتوفى سنة 638 هـ/ 1240 م - العبر ج 5 ص 158 - 159.
(4)
«متخليا عن الخدم» - تذكرة النبيه.
«مولده سنة ثلاثين وستمائة» - تذكرة النبيه.
(5)
«النهر» فى الوافى.
(6)
«والنهر مذجن فى الغصون هوى» - فى البداية والنهاية ج 13 ص 318.
(7)
«فى قلبه» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 131، وفى البداية والنهاية، وفى الوافى.
فغار منه النسيم عاشقها
…
فجاء عن وصله يميّلها
وله:
لم أنت فى حق الصديق مفرّط
(1)
…
ترضى بلا سبب عليه وتسخط
يا من تلّون فى الوداد أما ترى
…
ورق الغصون إذا تلون
(2)
يسقط
وله:
وملتثم بالشعر من فوق ثغره
(3)
…
غدا قائلا شبهه بى بحياتى
(4)
فقلت سترت الصبح بالليل
(5)
…
قال لا
ولكن سترت الدر
(6)
بالظلمات
قاضى القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد
(7)
بن شمس الدين أبى محمد عبد الرحمن ابن أبى عمر محمد بن قدامة المقدسى الحنبلى.
(1)
«كم أنت فى حق الصديق تفرط» فى المنهل الصافى ج 2 ص 409، الوافى ج 9 ص 167، «لم أنت فى ود الصديق تفرط» فى فوات الوفيات ج 1 ص 181.
(2)
«إذا تغير» فى المنهل الصافى» الوافى.
(3)
«من فوق خده» فى فوات الوفيات.
(4)
«وقد قال لى شبههما بحياتى» فى تذكرة النبيه.
و «شبهه لى» فى فوات الوفيات.
(5)
«سترت الليل بالصبح» فى فوات الوفيات.
(6)
«سترت النور» فى فوات الوفيات.
(7)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 100، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 48، المنهل الصافى ج 1 ص 330 رقم 178، الوافى ج 7 ص 46 رقم 2977، النجوم الزاهرة ج 7 ص 385، العبر ج 5 ص 360، السلوك ج 1 ص 759، شذرات الذهب ج 5 ص 407، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 104، تذكرة النبيه ج 1 ص 129.
توفى فى الثانى عشر
(1)
من جمادى الأولى منها، وحضر جنازته الناس، ونائب السلطنة، ودفن بقاسيون، وله من العمر أربعون سنة سواء
(2)
. وكان فاضلا، بارعا، خطيبا، مدرس أكثر المدارس، شيخ الحنابلة، وابن شيخهم، وتولى بعده القضاء شرف الدين حسن
(3)
بن عبد الله بن أبى عمر.
الشيخ نور الدين [14] أبو الحسن على
(4)
بن ظهير بن شهاب المصرى، ابن الكفتى، شيخ الاقراء بديار مصر.
الشيخ الصالح العالم الفاضل شمس الدين محمد
(5)
بن عبد الرزاق بن أبى بكر ابن رزق الله الرسعنى
(6)
الحنبلى، المعروف بابن المحدث
(7)
.
(1)
«ثالث عشر» العبر ج 5 ص 361.
(2)
«ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 129، المنهل الصافى ج 1 ص 330، والوافى. «ولد سنة خمسين وستمائة» - العبر ج 5 ص 361.
«عاش ثمانيا وثلاثين سنة» فى الوافى.
(3)
هو الحسن بن عبد الله بن محمد، شرف الدين أبو الفضل المقدسى الحنبلى، المعروف بابن قدامة، المتوفى سنة 695 هـ/ 1295 م المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
وورد اسم «حسين بن أحمد بن أبى عمرو» فى البداية والنهاية ج 13 ص 317، كما ورد أيضا شرف الدين حسين بن عبد الله بن أبى عمرو ج 13 ص 319.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 362، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 168 ب طبقات القراء ج 1 ص 547 رقم 2235.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 3 ص 251 رقم 1272، العبر ج 5 ص 364، شذرات الذهب ج 5 ص 410، السلوك ج 1 ص 760، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 148 رقم 239، تذكرة النبيه ج 1 ص 134.
(6)
الرسعنى: نسبة إلى رأس عين: إحدى مدن الجزيرة بين حران ونصيبين - معجم البلدان.
(7)
هو: عبد الرزاق بن أبى بكر بن خلف الرسعنى، عز الدين، الفقيه، المحدث، المفسر، المتوفى سنة 661 هـ/ 1262 م - العبر ج 5 ص 264.
وفد إلى دمشق فاستوطنها، «وسافر إلى مصر فى شهادة، وعاد إلى الشام، فعند وصوله إلى نهر الشريعة
(1)
وقف ليسقى فرسه، فجفل الفرس فوقع فى النهر فغرق
(2)
.
وله نظم حسن، فمن ذلك قوله:
ولو أنّ إنسانا يبلّغ لوعتى
…
ووجدى وأشجانى إلى ذلك الرشا
(3)
لأسكنته عينى ولم أرضها له
…
ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا
(4)
وله:
أأحبابنا إن جادت المزن أرضكم
…
فما هى إلاّ من دموعى تمطر
وإن لاح برق فهو برق أضالعى
…
وإن ناح ورق عن أنينى يخبر
وإن نسمت ريح الصبا وتأرّجت
…
فمن طيب أنفاسى بكم تتعطّر
وإن رنحت أغصان دجلة فانثنت
…
فعنّى بابلاغ النسيم تخبّر
ومن عجب أنى أكتم لوعة
…
وأودعها طىّ الصبا وهى تنشر
الشيخ الجليل نجم الدين عبد الجليل بن محمد. «
…
»
(5)
.
كان عنده فضيلة تامة، ومكارم خلق، وحسن عشرة، وكان «
…
»
(6)
المزاح والهزل «
…
»
(7)
.
(1)
نهر الشريعة هو نهر الأردن - تقويم البلدان ص 39.
(2)
يوجد بعد ذلك نحو سطرين مطموسين.
(3)
الرّشا: من أولاد الظّباء الذى قد تحرك وتمشى - لسان العرب.
(4)
انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 134.
توجد بعد ذلك نحو عشرة أبيات من الشعر مطموسة تماما.
(5)
« .... » نحو تسع كلمات مطموسة.
(7،6) «
…
» موضع كلمة مطموسة.
وله نظم حسن، منه
(1)
:
«
…
(2)
»
قبيلة ببلاد الحبشة، وكان سافر إليها فى هذه السنة، فعند وصوله إليها جفل من أهلها «
…
(3)
»، وضربه بحربة فقتله.
وكان رجلا دينا، وعنده صيانة تامة، وكان يكتب خطا حسنا [15] وعمل مثمنات
(4)
. مليحة وأتى فيها بكل غريبة، وله نظم حسن، فمنه قوله فى عطار مليح:
وعطّار كبدر التمّ حسنا
…
مررت به لأمر قد عنانى
فقلت له أعندك ما ورد
…
فقال معرّضا بل ماء لسانى
الشيخ الصالح أبو الزهر بن سالم بن زهير الغسولى.
مات بقاسيون ودفن به، وكان شيخا مباركا خيرا مقصودا بالزيارة والتبرك.
الطواشى شرف الدين مختص
(5)
الظاهرىّ، مقدم المماليك السلطانية فى الدولة الظاهريّة والسعيديّة والمنصوريّة.
مات فى هذه السنة
(6)
، ودفن بالقرافة، وكان مهيبا، ذا حرمة وافرة، مبسوط اليد.
(1)
يوجد بعد ذلك عدد أربعة أبيات من الشعر مطموسة.
(2)
بداية ترجمة جديدة مطموس منها نحو سطرين.
(3)
«
…
» نحو سطر مطموس.
(4)
«مثمانات» فى الأصل.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 105.
(6)
«فى ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر» - تاريخ ابن الفرات.
الأمير الكبير علاء الدين الحاج طيبرس
(1)
الوزيرى، صهر السلطان الملك الظاهر.
مات فى ذى الحجة
(2)
من هذه السنة، ودفن بتربته التى أنشأها بسفح المقطم.
وكان من أكابر الأمراء وأعيان الدولة ذوى الحل والعقد، وكان دينا كثير الصدقات، له خان بدمشق بالعقيبة على الصدقة، وله فى فكاك الأسرى وغير ذلك، وأوصى عند موته بثلاثمائة ألف [درهم
(3)
] تصرف إلى الجند [الضعفاء
(4)
] بالشام ومصر، فجعل لكل واحد خمسون درهما.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 16 ص 508 رقم 555 النجوم الزاهرة ج 7 ص 385 البداية والنهاية ج 13 ص 319 تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 104.
(2)
«فى الخامس والعشرين من ذى الحجة» - تاريخ ابن الفرات.
(4،3)[] إضافة من الوافى للتوضيح.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السّنة التسعين بعد السّتمائة
(*)
استهلت، والخليفة: الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسى.
وسلطان البلاد المصرية والشامية: صلاح الدين خليل بن الملك المنصور قلاون، ونائبه بمصر: بدر الدين بيدرا، ووزيره شمس الدين بن سلعوس، ونائبه بدمشق: حسام الدين لاجين السلحدار المنصورى.
وصاحب تونس بالمغرب: عمر
(1)
بن يحيى بن محمد.
وصاحب اليمن: الملك المظفر شمس الدين يوسف
(2)
بن المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول.
وصاحب مكة: نجم الدين أبو نمىّ محمد بن إدريس بن على بن قتادة الحسنى.
وصاحب المدينة: عزّ الدين جماز
(3)
بن شيحة الحسينى.
(*) يوافق أولها الخميس 4 يناير 1291 م.
(1)
«أبو عبد الله محمد» فى الأصل، وهو تحريف - انظر ما يلى فى وفيات سنة 694 هـ.
(2)
انظر ما يلى فى وفيات سنة 695 هـ.
(3)
توفى سنة 704 هـ/ 1304 م - العقد الثمين ج 3 ص 436 رقم 909 المنهل الصافى.
وصاحب الروم: «مسعود بن السلطان عز الدين كيكاوس
(1)
».
وصاحب ماردين: الملك المظفر قرا أرسلان
(2)
بن الملك السعيد إيل غازى الأرتقى.
وملك بلاد العراق وخراسان وتلك النواحى: أرغون بن أبغا بن هلاون بن باطو بن جنكزخان.
وملك التتار بالصين، الحاكم على كرسى مملكة جنكزخان: عرمون بن قبلاى خان بن طلوخان بن دوشى خان بن جنكزخان.
وملك التتار بالبلاد الشمالية، التى تختها مدينة صراى: تلابغا بن منكوتمر ابن طوغاى بن باطو بن دوشى خان بن جنكزخان.
وفيها فى أول السنة، وكان يوم الخميس، تصدق الأشرف عن والده المنصور بأموال كثيرة جدا من الذهب والفضة، وأنزل السلطان إلى تربته
(3)
فى ليلة الجمعة، فدفن فيها تحت القبة، ونزل فى القبر بدر الدين بيدرا، وعلم الدين الشجاعى.
وفى ليلة الجمعة الثامن والعشرين من صفر، عمل الأشرف ختمة عظيمة
(1)
«غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قليج أرسلان السلجوقى» فى الأصل، وهو تحريف، فقد قتل غياث الدين كيخسرو سنة 682 هـ/ 1283 م، وأقيم بعده مسعود بن عز الدين كيكاوس ابن كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان - انظر السلوك ج 1 ص 718 وانظر ما سبق من هذا الكتاب ج 2 ص 320 وما ورد فى بداية هذا الجزء فى بداية حوادث سنة 689 هـ. ص 9.
(2)
انظر ما يلى فى وفيات سنة 691 هـ.
(3)
داخل باب المارستان الكبير المنصورى بخط بين القصرين بالقاهرة - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 379 - 381، 406.
لوالده أنفق فيها أموالا كثيرة، فنزل بنفسه وفرق فى الفقهاء والقراء من جميع أهل المدارس والزوايا والربط خمسة وأربعين ألف درهم وألف قميص.
وفى أوائل العشر الأول
(1)
من المحرم ورد شمس الدين بن سلعوس من مكة، وقد ذكرنا أن الأشرف كان أرسل إليه نجابا يستدعيه، فحضر فى هذا [16] التاريخ، وولاه الوزارة
(2)
.
والسبب إلى وصول هذا للأشرف واتصاله بالأمور التى لم يصلها متعمم قبله من أبناء جنسه فى الوزارة أن أباه كان رجلا تاجرا فى متجر القماش، توفى وورث منه مالا جزيلا، وشرع يصحب للصاحب تقى الدين توبة ناظر الشام ويتردد إليه إلى أن حصل أخذ المرقب، ودخل التقى إلى مصر صحبة السلطان المنصور، فدخل معه ابن سلعوس هذا، فرأى مصر وجندها وأمراءها
(3)
، فأعجبه ذلك، وقال للتقى: أشتهى أن أكون مباشرا عند أحد من الأمراء ممن له تعلق فى دمشق، واتفق أن فخر الدين ابن الخليلى كان فى ذلك الوقت ناظر ديوان الأشرف، فسأل التقى توبة أن يحصل له شخصا من أهل دمشق يباشر ديوان الأشرف فى دمشق، فقال له: إن ههنا شخصا من دمشق، وهو صاحب مال جزيل من بيت كبير، فأحضره إليه، ودخلوا به إلى الأشرف، وتحدث معه التقى فى أمره، فقبله وخلع عليه، وولاه أمر ديوانه، ثم إنه عند وصوله إلى دمشق جهز للأشرف تقدمة هائلة، ثم لم تزل هداياه متواردة متوالية، واتفق
(1)
«يوم الثلاثاء العشرين من المحرم» فى كنز الدرر ج 8 ص 309.
(2)
«وكان الأمير سنجر الشجاعى قد تحدث فى الوزارة منذ تسلطن الأشرف، من غير أن يخلع عليه، ولا كتب له تقليدا» - السلوك ج 1 ص 761 أنظر ما سبق ص 24.
(3)
«وأمرائها» فى الأصل.
بعد ذلك بمدة أن محتسب دمشق توفى، فجهز تقدمة لها صورة، فسأل مباشرة الحسبة، فسعى له الأشرف عند والده، وأخذ له توقيعا بالولاية، واستمر على ذلك إلى أن دخل مصر، وباشر ديوان الأشرف، ثم حصل له ما ذكرنا مع طرنطاى
(1)
نائب السلطنة من الأمور المنكرة حتى أنه خرج من مصر بعد شدّة رآها إلى أن جهز نفسه فى السنة الماضية إلى الحجاز الشريف، واتفق موت السلطان المنصور وتولية ابنه الأشرف، فكتب إليه كما ذكرنا فى السنة الماضية، ووصل فى أوائل هذه السنة، ولما وقف بين يدى الأشرف أكرمه إكراما عظيما، وقربه، وجعل يشكر فيه عند الأمراء، وخلع عليه خلعة الوزارة يوم الإثنين الثانى عشر من المحرم، ورسم لبيدرا والشجاعى وبقية الأمراء أن يخرجوا فى خدمته، فمشوا فى خدمته. وبغدى الدوادار حامل الدواة بين يديه.
وكان له نهار عظيم ما وقع لوزير مثله.
ثم رسم السلطان أن يركب الخدام يوم الإثنين والخميس فى موكبه، وولى بدر الدين مسعودى شد الدواوين فعظمت مهابته.
ولما استقر أمره طلبه السلطان وعرّفه أن والده الشهيد كان قد عزم على الغزاة، وفتح حصن عكا، فأدركته الوفاة، وأنه قد عزم على ذلك، وأمره أن يجهز الأموال للنفقات على الأمراء والأجناد، وأذن للأمراء أيضا أن يجهزوا
(1)
لم يرد فيما سبق ذكر للعلاقة بين طرنطاى وابن السلعوس.
وورد فى زبدة الفكرة أن السلطان قلاون فى آخر سفرية إلى الشام أنكر على الأشرف خليل ما يفعله ابن السلعوس مع المقطعية «وأمر حسام الدين بامساك الناظر المذكور ومقابلته على هذه الأمور» فأمسكه وصادره ونكل به وصرفه عن ديوانه
…
فكان هذا من أول الأسباب التى غيرت خاطر الأشرف على الأمير حسام الدين» - انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 167 ب، 168 أ.
أحوالهم، وأمر الأمير عز الدين الأفرم أمير جندار أن يذهب إلى نائب الشام، ويقول له: رسم السلطان أن تجهز جميع ما يحتاج إليه المجانيق
(1)
وآلات الحصار، ويتقدم بها إلى حيث يصل ركابه، فمضى من يومه على البريد.
وأما ابن سلعوس فإنه قد بسط يده ولسانه، وأظهر من العظمة والكبرياء أمرا عظيما، ورسم لبعض مماليك السلطان أن يركبوا فى خدمته، فصار يركب فى موكب كبير، ووسع له السلطان فى الجامكية والرواتب، وألقى مقاليد
(2)
[الدولة] إليه، فكان الزهو والكبرياء سببا لوباله، على ما تذكره إن شاء الله، فلله در القائل:
من ناط بالعجب عرى أخلاقه
…
نيطت عرى المقت إلى تلك العرى
[17]
من طال فوق منتهى بسطته
…
أعجزه نيل الدّنى بله القضا
من لم يقف عند انتهاء قدره
…
تقاصرت عنه فسيحات الخطا
(3)
ذكر فتح عكّا وجعلها دكّا:
وكان السلطان المنصور قد جرد جماعة من الأمراء ليقيموا بجينين
(4)
، وقدم
(1)
«المناجيق» فى الأصل، وسيجرى تعديلها فيما يلى دون إشارة.
والمجانيق جمع منجنيق - انظر صبح الأعشى ج 2 ص 137.
(2)
[] إضافة من زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 168 ب، حيث ينقل العينى من بيبرس الدوادار.
(3)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 168 ب.
(4)
«اللجون» فى السلوك ج 1 ص 754.
اللجون: بلد بالأردن على الحدود الشمالية لفلسطين، بينه وبين طبرية عشرون ميلا، ومنه إلى الرملة أربعون ميلا، وهو على مسافة عشرين ميلا أيضا من قيصرية الشام - بلدان الخلافة الشرقية.
عليهم أميرا يسمى سنقر يعرف بالمسّاح
(1)
، وأمره أن يركب كل يوم بالعسكر إلى مقابل حصن عكا، ويحفظوا الساحل والتجار خشية من أهل عكا، فإنهم كانوا قد نقضوا الهدنة بينهم وبين السلطان، وتعرضوا للسفارة من التجار وغيرهم، وكان يجرى بينه وبين أهل عكا كل وقت حروب ووقائع، وهو ينتصر عليهم، فوشى به الواشى إلى الأشرف بأنه كان منتميا إلى طرنطاى، وكان الأمير بدر الدين بكتوت العلائى مجردا على حمص، قد كان المنصور جرده مع جماعة من الأمراء، فأرسل إليه الأشرف أن يحضر ويجعل طريقه على جينين، ويحتال على قبض المسّاح، ويسيّره إلى سجن صفد، ثم يحضر إلى مصر وصحبته الأمراء، وكان العلائى هذا له خدمة سابقة مع الأشرف فى حياة والده، فلما وصل إليه الخبر ركب بمن معه إلى أن وصل دمشق، ثم خرج منها إلى أن وصل إلى جينين وسمع به المسّاح، فركب إلى لقائه مع الأمراء الذين معه وتلقوه، ولما نزلوا قدم طعام فأكلوا، وخرجت الأمراء وبقى المساح، فأخرج إليه العلائى مرسوم الأشرف وقرأه عليه، وتقدمت مماليكه وأخذوا سيفه، وأركبه من وقته على خيل البريد وصحبته أميران، فأوصلاه إلى سجن صفد، ثم رحل العلائى بمن معه إلى أن وصل إلى مصر، فحضر بين يدى الأشرف وأكرمه وغير اقطاعه، وكان ذلك فى أوائل صفر.
وفى سابع صفر قبض الأشرف على الأمير سنقر الأشقر، وسيف الدين برمك الناصرى، وأفرج عن الأمير زين الدين كتبغا، وكان قد مسك مع طرنطاى كما ذكرناه، وردّ عليه اقطاعه، ثم شرعوا فى الخروج إلى جهة عكا.
(1)
«الأمير شمس الدين سنقر المساح» فى السلوك ج 1 ص 754.
قال ابن كثير: جاء البريد إلى دمشق فى مستهل ربيع الأول «لتجهيز الآلات بسبب حصار عكا
(1)
»، ونودى بدمشق
(2)
الغزاة فى سبيل الله إلى عكا، وبرزت المجانيق إلى ناحية الجسورة، وخرجت العامة والمطوعة يجرون العجل، حتى الفقهاء والمدرسون والصلحاء، فتولى سياقها علم الدين سنجر الدوادارى، وخرجت العساكر المنصورة بين يدى نائب الشام، وخرج فى إثرهم النائب حسام الدين لاجين السلحدار، ولحقه صاحب حماة الملك المظفر بن الملك المنصور، وصحبته مجانيق وزردخاناه
(3)
، ووصل نائب طرابلس الطباخى، وصحبته عسكر طرابلس، وتوجه الجميع إلى حصن عكا
(4)
.
ذكر خروج الأشرف:
خرج الأشرف من مصر فى الرابع من ربيع الآخر بعساكره قاصدا عكا، فوافى الجيش هناك، فنازلوها يوم الخميس التاسع عشر من ربيع الآخر
(5)
.
وفى تاريخ ابن كثير: فنازلها يوم الخميس رابع ربيع الآخر
(6)
، فهذا يدل على أن خروجه كان فى ربيع الأول، والله أعلم.
(1)
«لتجهيز آلات الحصار لعكا» - البداية والنهاية ج 13 ص 320.
(2)
«فى دمشق» فى البداية والنهاية.
(3)
رافق المؤرخ أبو الفدا المظفر صاحب حماة فى هذه الحملة، وكان أبو الفدا يومئذ أمير عشرة، وأثبت ما قام به وما شاهده من وقعة عكا - انظر المختصر ج 4 ص 25 - 26.
(4)
انظر البداية والنهاية ج 13 ص 320 حبث يوجد اختلاف فى بعض الألفاظ.
(5)
«وفى يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول توجه السلطان بالعساكر يريد أخذ عكا، وسير حريمه إلى دمشق فوصلوا إليها فى سابع ربيع الآخر» - السلوك ج 1 ص 764، وانظر أيضا النجوم الزاهرة ج 8 ص 5.
(6)
البداية والنهاية ج 13 ص 320.
وورد يوم الخميس ثالث ربيع الآخر» - السلوك ج 1 ص 764.
وطبقا للتوفقيات الإلهامية فإن يوم الخميس يوافق 3 ربيع الآخر، 17 ربيع الآخر.
وذكر فى نزهة الناظر: أن السلطان الأشرف رسم قبل خروجه أن ينقل والده المنصور إلى تربته فى القبة التى أنشأها بين القصرين، فجرجت سائر الأمراء ونائب السلطنة والشجاعى والوزير بعد صلاة العشا [18] الآخرة ومشى الجميع قدام تابوته إلى جامع الأزهر، وحضر القضاة والمشايخ والفقراء، وتقدم قاضى القضاة تقى الدين وصلى عليه، ثم ذهبوا به إلى المدرسة، وكانت ليلة عظيمة.
وبعد أيام
(1)
خرج الدهليز والعسكر فى مستهل ربيع الأول، ولما استقر، رسم للوزير والنائب بأن يدخلا المدينة ويعملا ختمة لوالده فركبا ليلة الجمعة وعملا ختمة هائلة، وعملا أطعمة عظيمة، وتصدقا على الفقراء والمساكين بصدقات كثيرة.
ثم ركب السلطان إلى أن وصل إلى دمشق المحروسة، وخرج أهل دمشق لتلقيه ولم يبق فيها أحد، فأقام بها أياما، ثم خرج وأتى إلى عكا بالعسكر، وكان نزوله عليها فى العشر الأول من ربيع الآخر، فوجدها قد تحصنت بسائر العدد والآلات، وكانت الإفرنج استنجدوا بأهل قبرص وغيرها من الجزائر، وأرسلوا إلى ملوكهم الكبار، فاجتمع بها خلق كثير من الداوية والاسبتار، وكانوا قد كتبوا إلى ملوك الإفرنح مع الرهابين
(2)
والقسوس، وذكروا فى كتبهم أنه لم يبق حصن من حصون الإفرنج يأوون إليه فى جميع السواحل غير هذا الحصن، وأنه متى أخذ لا يبقى لسائر الإفرنج مكان يذكرون فيه، فسيّروا إليهم خلقا كثيرا ورجالا مقاتلة، وجهزوهم فى المراكب، وحملوا لهم سائر ما يحتاجون إليه من العدد والآلات والإقامات وغيرها، فاجتمع فيها خلق كثير حتى لم يكترثوا
(1)
«أيام» مكررة فى الأصل.
(2)
هكذا بالأصل، والمقصود «الرهبان» .
بالمسلمين، ولم يغلقوا للمدينة بابا، وصاروا يخرجون إلى العسكر ويطلب فرسانهم المبارزة، وكان يهرع إليهم الجند من الحلقة والمماليك السلطانية، فيجرى بينهم الكر والفر والمطاعنة، فبقوا على ذلك أياما ونال منهم المسلمون، فجرحوا منهم جماعة، وقتلوا جماعة، وكانوا كل يوم لا يرجعون إلا وهم خاسرون، فرأوا من المسلمين ما ليس فى بالهم، ثم امتنعوا عن القتال والمبارزة، فصاروا يقفون على الأبواب يحفظونها ولا يخرجون منها.
وكانت عدة ما نصب عليها من المجانيق اثنان وخمسون منجنيقا شيطانيا.
وقال بعضهم: اثنان وسبعون منجنيقا
(1)
، ثم صمم السلطان على الحصار، فرتب الكوسات ثلاثمائة جمل، وزحف سحر يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى، ودقت الكوسات جملة واحدة عند طلوع الشمس، وطلع المسلمون مع طلوع الشمس، فنصبت السناجق الإسلامية فوق الأسوار، فولت الفرنج عند ذلك الأدبار، وركبوا هاربين فى مراكب التجار، وقتل منهم خلق لا يعلم عددهم إلا الله، وغنموا من الأمتعة والرقيق والبضائع شيئا كثيرا جدا، وكان فتحها نهار الجمعة، كما أخذتها الفرنج فى نهار الجمعة، جزاء وقصاصا، واستأصل منهم ما ينيف على عشرة آلاف نفس، ففرقهم السلطان على الأمراء ليقتلوهم
(2)
.
وفى نزهة الناظر: ولما كان الناس فى الحرب مع الإفرنج إذا سهم قد رمى من القلعة وفى نصله ورقة مشدود عليها بخيط، فوقع السهم فى وسط العسكر
(1)
«إثنان وتسعون منجنيقا» - السلوك ج 1 ص 764، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 111، ص 112.
و «نصب حول المدينة خمسة وسبعين منجنيقا» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 368.
(2)
«وكان عند فتحها أن أقبل من الفرنج نحو عشرة آلاف فى هيئة مستأمنين، ففرقهم السلطان على الأمراء فقتلوهم عن آخرهم» - السلوك ج 1 ص 765.
فأخذوه وأحضروه إلى السلطان، ففتح الورقة فوجد فيها مكتوب بالعربى:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، إن الدين عند الله الإسلام، يا سلطان المسلمين احفظ عسكرك من الكبسة فى هذه الليلة، فإن أهل عكا قد اتفقوا على ذلك، وهم قاصدون الهجوم عليك، واحتفظ أيضا من [19] أمرائك فإنهم ذكروا أن فيهم تخابرا عليك.
وكانت هذه الورقة من رجل من أهل عكا رزقه الله الإسلام وكان يكتم إسلامه، فلما وقف عليها السلطان طلب الأمير بيدرا والشجاعى وقرأها عليهما، فاتفق رأيهم أن يدور الحجاب والنقباء على الأمراء ويعرفونهم بهذا الأمر سرا فيما بينهم، وأن يحتفظ كل أمير بمكانه، واتفق فى تلك الليلة أن هبت ريح عاصفة، فأظلم الجوّ لها ووافاها أهوية مختلفة، فكان ذلك مما فرح به الإفرنج، واجتمعت طائفة الداوية مع طائفة الاسبتار وتفرقوا، وخرجوا من أماكن يعرفونها، وركب بعضهم فى المركب إلى أن صاروا على الأرض، ثم هجموا على العسكر وتصايحوا صياحا منكرا.
وكان أول وصولهم إلى نحو الميسرة، وكان فيها مركز الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح، وكان الخبر عنده، وكان راكبا بمن معه واقفين خارج الخيم، فلما وصلت الإفرنج وقربوا من الخيم أرادوا أن يرموا نفطا عظيما كان معهم، فما لحقوا أن يتوسطوا الطريق حتى أخذهم الصياح من كل جانب، ورشقتهم السهام فى الليل، فرجعوا على أعقابهم، وليس فيهم أحد يلتفت إلى من معه، ورموا منهم نحو العشرين فارسا، وخرجوا جماعة فأخذوهم أسرى.
وأما الإفرنج الذين قصدوا الميمنة فسلموا وأخذوا بعض الجنوبات والستائر التى كانت للمسلمين، وكان السبب فى ذلك أن الميمنة كان فيها المقدم هو الأمير الحلبى الكبير، ولما بلغه خبر الكبسة ركب بمن معه من الأمراء وأوصاهم أن لا يدعوا شيئا فى الخيم، وأراد بذلك أمرا، وأراد الله غيره، وحسب فى نفسه أن الإفرنج إذا هجمت على الخيام ورجعت يكون هو والعسكر الذى معه قد سبقوا إلى المبنى التى طلعوا منها، فيكون قد ملك الطريق عليهم ويأخذهم قبضا باليد، ولا يدع أحدا يتمكن من الدخول إلى عكا، فلما هجمت الإفرنج على الخيام ورأوها خالية من كل شئ أدركوا ما أضمره الحلبى فى نفسه، فعرجوا عن تلك الطريق إلى غيرها، فوجدوا فى طريقهم جنويات وطوارق للحلبى فأخذوها، وبقى الحلبى ومن معه واقفين ينتظرون عود الفرنج فما رأوا أحدا حتى أشرق الصبح ووقع الصياح من الإفرنج من عكا، وعلقوا تلك الطوارق والجنويات على الأسوار، ولما رأت المسلمون ذلك اغتموا، وبعد ساعة سير الأمير بكتاش إلى السلطان الأسرى الذين أسرهم من الإفرنج والخيل التى أخذوها منهم، فزال عن الناس الغم، ثم أصبح السلطان فطلب الأمراء وعنفهم على الإطالة بالحصار، فاعتمدوا بأجمعهم على المجانبق، وصارت الأمراء تركب إليها وتقف على أمرها إلى أن فعلت فعلا عظيما، وهدمت شراريف الأسوار، وتقلقلت الآجر لتقع والبدنات، فوهيت عند ذلك أهل الكفر وتحققوا أن أمرهم إلى التلاشى والزوال.
ونظم
(1)
أبو تميم فى المنجنيق:
للمنجنيق على الحصون وقائع
…
فيها عجائب للذى يتفهّم
(1)
«أبى» فى الأصل.
يومى إليها بالركوع مخادعا
…
فتخرّ ساجدة إليه ونسلّم
[20]
قال الراوى: ثم اتفق رأى الافرنج على أن يسيروا إلى السلطان فيسألونه أن يرحل عنهم، وعليهم كل سنة مالا يحملونه إليه مع هدايا وتحف كما كانت فى الأول، فلما جاء رسلهم إلى السلطان جمع الأمراء فشاورهم فيه. فقال جميعهم عن لسان واحد: إن هذا حصن كبير عندهم، ولم يبق فى بلاد الساحل من أهل الكفر غير أهله، وكان عزم الشهيد والد الأشرف على فتحه، والسلطان قد عزم فى أول دولته على فتحه على ما كان عليه عزم الشهيد، وأنه قد أصيب من المسلمين جماعة، وقتلت جماعة، وما بقى للصلح فائدة، فإنما قد أشرفنا على فتحه. وهم فى ذلك، وإذا بصياح عظيم من السوقة والحرافيش والغلمان والجمالين: يا مولانا السلطان بتربة الشهيد لا نصطلح مع هؤلاء الملاعين، ثم قال السلطان للرسل: لا صلح عندنا إلا أن تسلموا الحصن بالأمان، فذهبت الرسل، وكان يوم الخميس.
ففى يوم الجمعة أمر السلطان بالزحف، فزحفوا وكشفوا الإفرنج عن الأسوار بسهام، ثم دخلوا فى المدينة فوجدوا من الأموال والذخائر والأوانى البلور المرصعة بالذهب واللؤلؤ ما لم يقدر عليه، وكذا من الأوانى الفضة والذهب والدراهم البندقية شيئا كثيرا لا يعدّ ولا يحصى، ووجدوا أيضا من أصناف المتجر الذى يحضر إليها ويسافر به إلى الشام ومصر شيئا كثيرا، ومن الذهب السبائك والفضة الحجر، فشرعت الكسابة من الغلمان والسوقة والحرافيش ينهبون، وقتلت من المسلمين جماعة على الكسب، وكانوا إذا وجدوا آنية من فضة أو ذهب أو بلور كسروها وأطفأوا صنعتها
(1)
، وأخذوا من النساء والأولاد شيئا كثيرا،
(1)
«وأطفوا صنعتها» فى الأصل.
واستغنت جماعة السوقة مما كانوا يشترون من الكسابة من الغلمان والجمالين والحرافيش وغيرهم من الأجناد وأتباعهم.
قال صاحب نزهة الناظر: أخبرنى جماعة منهم: أن منهم من كان كسبه بلغ إلى مقدار ألفى دينار وما دونها من الذى ينهبه ويبيعه للسوقة، وأن شخصا يعرف بسراج الدين ظبيان كان كسبه فى عكا نحو ألف وسبعمائة دينار واثنين وعشرين ألف درهم، وحضر إلى المدينة وصحبته ثلاثة أقطار من الجمال تحمل تجارة.
قال الراوى: ثم رسم السلطان للأمير علم الدين الدوادارى الصالحى والأمير الشجاعى أن يقيما على عكا لتخريب أسوارها وأبراجها، ثم رحل السلطان عنها إلى دمشق، فشرع الشجاعى فى تخريب عكا، ووجد بها كنائس داثرة قديمة، وفيها من البناء الغريب الذى لا يقدر على مثله، ووجدوا فى بعض تلك الكنائس ناوسا من الرخام الاحمر مثل العقيق، ووجدوا فى وسطه لوحا من رصاص كبيرا مكتوب عليه بالرومى، فاحتمله الشجاعى معه، وأخذوا من ذلك الناس قطع رخام، فلما وصلوا إلى دمشق أحضروا شخصا يعرف بالقراءة الرومية، فأخرج له ذلك اللوح مكتوب فيه:
كتب فى سنة اثنتين وعشرين ومائتين وذكر فيه أنه يدوس هذه الأرض رجال من أمة نبى العرب، وهو نبى يظهر له دين وشريعة، ويكون دينه أعظم الأديان، وشريعته أعظم الشرائع، ويطهر الأرض من الكفر، وتبقى شريعته إلى آخر الزمان [21]، وتملك أمته سائر الأقاليم من الفرس والإفرنج وغيرهما، وإذا
دخلت السبعمائة ملكت أمته سائر بلاد الإفرنج.
ووجدوا أيضا على باب كنيسة مكتوبا قديما بالكوفى
(1)
:
جمع الكنائس
(2)
…
إن تكن عبثت بكم
أيدى الحوادث
(3)
أو تغيّر حال
فلطالما سجدت على أبوابكم
(4)
…
شمّ الأنوف صحاح
(5)
أبطال
صبرا على
(6)
…
هذا المصاب فإنه
يوم بيوم والحروب سجال
ونقلوا من كنائس عكا رخاما عظيما إلى الغاية، وأبوابا كانت على كنائس مستجدّة فى عكّا، وكان من جملة ما حمل منها إلى مصر باب كنيسة
(7)
بقواعده وأعضاده وعوامده، وهو الآن مركب على باب المدرسة الناصرية
(8)
، وحمل منه إلى دمشق شئ كثير، وإلى مصر أيضا.
(1)
«وقال ابن ضامن الضبع بعكا:» - فى السلوك ج 1 ص 767.
(2)
«ادمى الكنائس» فى السلوك.
(3)
«الليالى» فى السلوك.
(4)
«سجدت لكن فوارض» - فى السلوك.
(5)
«جحاجح» فى السلوك.
(6)
«فعزاء عن» فى السلوك.
(7)
«ومن جملة ما نقلوه البواية الرخام الأبيض التى على المدرسة الناصرية، التى بجوار البرقوقية» وكان هذا الباب على كنيسة فى مدينة عكا» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 368.
(8)
المدرسة الناصرية بالقاهرة: بجوار القبة المنصورية من شرقيها، تم بناؤها سنة 703 هـ/ 1303 م، وهى تنسب إلى الملك الناصر محمد بن قلاون، وذكر المقريزي:«وبابها من أعجب ما عملته أيدى بنى آدم، فإنه من الرخام الأبيض البديع الزى الفائق الصناعة - ونقل إلى القاهرة من مدينة عكا» - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 382.
قال الراوي: ولما علّقت أبراج عكا وأضرمت فيها النار وتساقطت، عمل القاضى شهاب الدين محمود
(1)
الحلبى كاتب الإنشاء هذين البيتين وهما:
مررت بعكا بعد تخريب سورها
…
وزند أوار النار فى وسطها وار
وعاينتها بعد الّتنصر قد غدت
…
مجوسيّة الأبراج تسجد للنار
(2)
واستشهد على عكا من الأمراء: علاء الدين كشتغدى الشمسى، وعز الدين أيبك المعزى، وجمال الدين أقوش الغتمى، وبدر الدين بيليك المسعودى، وشرف الدين قيوان السكرى، والعزى نقيب الجيوش
(3)
، وست مقدمين من الحلقة
(4)
، وثلاثة وخمسون جنديا من الحلقة، وثلاثون من أجناد الأمراء
(5)
.
وقال النويرى: ولم تزل النصارى يعظمون هذه المدينة لأجل الناصرة وهى القرية التى خرج منها المسيح عليه السلام، وبها أيضا عين تسمى عين البقرة يزورها المسلمون والنصارى واليهود يزعمون أن البقرة التى خرجت لآدم للحرث خرجت من هذه العين
(6)
.
(1)
هو محمود بن سليمان (سلمان) بن فهد، شهاب الدين أبو الثناء الحلبى الدمشقى الحنبلى، صاحب ديوان الإنشاء بدمشق، والمتوفى سنة 725 هـ/ 1325 م - المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 4 ص 82 رقم 508.
(2)
انظر السلوك ج 1 ص 797 تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 115.
(3)
«وعز الدين أيبك العزى نقيب الجيوشى المنصورة» فى كنز الدرر ج 8 ص 311، وانظر ما سبق عن عز الدين أيبك المعزى.
(4)
«وأربعة من مقدمى الحلقة» - السلوك ج 1 ص 765 وكذلك فى كنز الدرر ج 8 ص 311.
(5)
«وقتل من المماليك السلطانية مائة وعشرون مملوكا» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 368.
(6)
انظر نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 300 أ.
وقال بيبرس فى تاريخه: استنقذ الله عكا من أيدى المشركين
(1)
على يد الملك الأشرف صلاح الدين، كما كان فتوحها أولا على يد صلاح الدين «يوسف ابن أيوب»
(2)
، وأقامت بأيديهم مائة وثلاث سنين، لم ينهض أحد من الملوك الأيوبية ومن بعدهم من أرباب الدول التركية باسترجاعها، «وكان استيلاء الفرنج عليها
(3)
» فى الأيام الناصرية سنة سبع وثمانين وخمسمائة
(4)
.
ذكر دخول الأشرف دمشق بعد فتح عكا وما تجدد فيها بعد دخوله:
دخل الأشرف دمشق ضحى يوم الإثنين الثانى عشر من جمادى الأخرى، وفى ميمنته وزيره ابن السلعوس، والجيوش المنصورة، وكان يوما مشهودا، ولم يبق أحد من أهل دمشق وما حوى من أهل البلاد إلا وقد خرج فى موكب اليوم، وكل واحد فى يده شمعة
(5)
، وكذلك العلماء، والقضاة، والخطباء، والمشايخ، والنصارى، واليهود، وأقامت دمشق نحو شهر مزينة بالزينة المفتخرة، ووصل كرا كلّ بيت ودكان إلى قيمة كثيرة.
(1)
«الكافرين» فى زبدة الفكرة.
(2)
«» ساقطة من زبدة الفكرة.
(3)
«ولا سمت همتهم إلى انتزاعها، وذلك أن الفرنج أخذوها» فى زبدة الفكرة.
(4)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 170 ب، التخفة الملوكية ص 126 - 129.
(5)
ذكر ابن تغرى بردى أن خروج أهل دمشق بالشمع كان لتوديع الأشرف بعد فتحه قلعة الروم سنة 691 هـ، فورد:«ثم خرج الأشرف من دمشق قاصدا الديار المصرية فى ليلة الثلاثاء عاشر شوال، وكان قد رسم الأشرف لأهل الأسواق بدمشق وظاهرها أن كل صاحب حانوت يأخذ بهذه شمعة ويخرج إلى ظاهر البلد، وعند ركوب السلطان يشعلها، فبات أكثر أهل البلد بظاهر دمشق لأجل الوقد والفرجة، فلما كان الثلث الأخير من الليل ركب السلطان، وأشعلت الناس الشموع، فكان أول الشمع من باب النصر وآخر الوقيد عند مسجد القدم» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 13.
وأول ما دخل دمشق الأسرى الذين كانوا استأسروهم نحو مائتين وثمانين أسيرا.
وكان الصاحب ابن سلعوس قد كتب إلى أكابر دمشق أن يجهزوا كل شئ حسن من الثياب الأطلس وغيرها، فبسطوها للسلطان من آخر ميدان الحصا إلى دار السعادة.
[22]
ولما استقر ركابه دخل إليه الوزير وعرّفه أن دواوين الشام قد حصّلوا أموالا كثيرة، فاستأذن فى مصادرتهم، فأذن له أن يفعل ما شاء، فأول ما دق فى تقى الدين توبة التكريتى ناظر الشام، مع أنه كان هو الذى أوصله إلى الأشرف كما ذكرنا، وكان له عليه إحسان كثير، فلم يعرف ذلك، وأقامه من مجلسه وأهانه، وكذلك فعل بالأمير شمس الدين الأعسر شاد الدواوين بالشام، وبجماعة من المباشرين من أكابر دمشق، وأخذ خطوطهم بمبلغ سبعمائة ألف درهم، وأول من وضع خطه التقى توبة والأعسر الشاد، وخافت الدماشقة منه، وقالوا: إذا كان فعله مع مثل التقى توبة الذى هو أوصله إلى خدمة الأشرف وأنه نشره فكيف يكون مع غيره؟ فتعاظم فى هذه الأيام، واحتجب عن الناس، وصار يركب فى موكب عظيم وسائر القضاة وغيرهم يركبون فى خدمته.
قال صاحب نزهة الناظر: أخبرنى شخص من الدماشقة أنه كتب له كتابا فيه أبيات، وكتب العنوان: المملوك الناصح، فقدمه إليه ورجع، وهو مختفى، فلما فتحها وجده ورقا أبيض ليس فيه غير أبيات ثلاثة، فعلم أنه مكيدة فى حقه وهذه هى الأبيات:
لا تغبطنّ وزيرا للملوك
…
وإن أناله الدهر منها فوق همته
واعلم بأن له يوما تميد به
…
الأرض الوقور كما كانت لهيبته
هودا وهو أخو موسى الشقيق
…
له لولا الوزارة لم يأخذ بلحيته
فلما وقف عليه طواه ولم يطلع أحدا عليه، وبعد أيام قام الأمير بدر الدين بيدرا والشجاعى فى حق التقى توبة وعرفوا أن لهذا خدمة كبيرة على الأمراء المتقدمين فى خدمة الشهيد، وأنه قديم الهجرة، وما زالوا به إلى أن رسم بالإفراج عنه، وعن بقية المباشرين، وسكن ابن السلعوس عن الدماشقة بعد ذلك.
ذكر القبض على أرجواش
(1)
متولى قلعة دمشق:
وكان السبب لذلك أنه كان من المماليك المنصورية، معروفا، بينهم بالفروسية والشجاعة، وكان قد أصيب بسهم فى عينه، فبقى بفرد عين، وكان لا يعرف له مزح ولا لعب، ولم يكن أحد من خشداشيته يقدر على المزح معه، وكانوا عرّفوا الأشرف خلقه ووسوسة طبعه وتفرده عن الناس، وحكوا له عنه حكايات، وكان يوما واقفا بين يدى السلطان، فأراد السلطان أن يفتح معه باب المزح، فأشار إلى أحد من خاصكيته أن يقف خلف أرجواش ويدس يده فى مخرجه؛ ففعل ذلك، فالتفت إليه أرجواش ولكمه وأرمى كلوتته، وحط يده
(1)
هو أرجواش بن عبد الله المنصورى، المتوفى سنة 701 هـ/ 1301 م - المنهل الصافى ج 2 ص 294 رقم 358.
وورد اسمه «سنجر بن عبد الله المعروف بأرجواش المنصورى، الأمير علم الدين، النجوم الزاهرة ج 8 ص 198، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 119.
فى قائم سيفه، فصاح السلطان عليه، وبدا عليه الضحك، فقال له: ويلك، تلكم مملوكى: ماذا فعل بك؟ فقال: نحن ما تعودنا بشئ من ذلك ولا رأيناه، ولكن صرنا فى آخر زماننا مسخرة، فغضب السلطان من ذلك غضبا شديدا
(1)
، ورسم بأخذ سيفه، وضربه ضربا مؤلما، ورسم بالحوطة على موجوده، واعتقل بالقلعة، وحملوا من خزانته نحو سبعين ألف درهم وثلاثة آلاف دينار، وباعوا سلاحه وقماشه إلى أن تكمل جميعه مائتين وستين ألف درهم
(2)
.
ثم لما عزم السلطان على السفر إلى مصر [23].
.
(3)
(1)
وردت روايات أخرى عن هذا المزاح وغضب السلطان - انظر السلوك ج 1 ص 768 تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 120
(2)
«ثم أمر السلطان بحمله على خيل البريد إلى الديار المصرية مقيدا، فتوجه به صاحب البريد، وحصلت الشفاعة فيه فرد من أثناء الطريق، ثم أفرج السلطان عنه وأعاده إلى نيابة القلعة بعد عود السلطان إلى الديار المصرية فى شهر رمضان من هذه السنة، فاستمر بها إلى أن مات» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 120.
(3)
توجد صفحتان مطموستان.
وذكر ابن الفرات:
«وفى يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رجب الفرد الشهر المذكور رحل السلطان الملك الأشرف من قلعة دمشق وتوجه راجعا إلى الديار المصرية، فلما كان وقت السحر من يوم الإثنين تاسع شعبان المكرم من شهور هذه السنة وصل الملك الأشرف إلى القاهرة المحروسة، ودخل من باب النصر، وشق القاهرة، وخرج من باب زويلة، وصعد قلعة الجبل منصورا فرحا مسرورا.
وكان يوم دخوله القاهرة يوما مشهودا، وزينت القاهرة قبل وصوله زينة عظيمة لم ير قبلها مثلها، ولا سمع فى سالف الأيام بحسنها» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 120 - 121. وانظر أيضا النجوم الزاهرة ج 8 ص 10.
«وكان يوم دخوله يوما مشهودا، وحملت على رأسه القبة والطير، ولعبوا قدامه بالغواشى الذهب، وفرشت تحت حافر فرسه الشقق الحرير» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 368.
[25]
خلائق لا يحصى عددهم، ولم يبق أحد فى المدينة إلا وقد أخذ جانبا للتفرج منه، فلما وصل السلطان إلى المدرسة المنصورية ترجل وطلع إلى قبر الشهيد، فوجد هناك القضاة وسائر أرباب الوظائف من الفقهاء والعلماء والقراء والمؤذنين، وتلقوه بالدعاء، وشرعوا فى القراءة بين يديه، ثم أخذوا فى الدعاء له ولوالده الشهيد، ولما فرغوا من القراءة والدعاء قام ابن العنبرى
(1)
الواعظ وصعد المنبر، وكان قد رتب قصيدة يذكر فيها أمر الغزاة والجهاد فى سبيل الله، فلم يرزق فيها سعادة، ولا فتح عليه منها فتوح، وأول ما تكلم بعد قراءته القراءة قال:
زر والديك وقف على قبريهما
…
فكأننى بك قد نقلت إليهما
وكان السلطان ذكيا، ففهم معنى شعره، فما وصل إلى آخر البيت حتى نهض السلطان قائما، وسائر الناس معه، والتفت إلى بيدرا كالمغضب بسببه، وقال: ما لقى هذا غير هذا القول!! فقال له بيدرا: يا خوند هذا الرجل ما فى الدنيا مثله فى الوعظ، ولكن ما رزقه الله سعادة فى هذا الوقت، ثم ركب السلطان من المدرسة إلى أن خرج من باب زويلة، وسائر الأمراء فى خدمته، ولم يكن أحد راكبا غير الأمير بدر الدين أمير سلاح، وعند خروجه من الباب مسك عنان الفرس، ورسم للأمراء بالركوب، ومشت الخاصكية إلى القلعة.
وعند استقراره خلع على الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة، وعلى الصاحب شمس الدين ابن سلعوس وسيّر له ألف دينار.
(1)
هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مهلهل بن غياث بن نصر، نجم الدين، المعروف بابن العنبرى الواعظ - الواعظ والإعتبار ج 2 ص 381.
ولما وصل السلطان القلعة نثر على السلطان الذهب والفضة، وعلى الأمراء الماورد من جانبى الناس.
ويقال: ما مرّ السلطان على قلعة من تلك القلاع إلا ونثر عليه الذهب والفضة، ولما بلغ بين القصرين عند دار البيسرى
(1)
- وكان البيسرى
(2)
معتقلا - وقف مملوكه مغلطاى ومعه أولاد أستاذه، وعمل بأرقابهم
(3)
مناديل، وعند ما عاينوا السلطان قبلوا الأرض جميعهم، وكانوا ست بنين، وكان مملوكهم مغلطاى قد تحدث مع الأمراء فى الشفاعة فى مخدومه، ولما رآهم السلطان قال: من هم هؤلاء؟ قالوا: ياخوند هؤلاء مماليكك أولاد البيسرى، وتحدثت الأمراء، فقال السلطان: طيبوا قلوبكم، الساعة أخرجه لكم، ثم لما طلع القلعة أمر بإخراجه
(4)
، وأرسل إليه تشريفا إلى السجن صحبة الأمير عز الدين الأفرم أمير جاندار والأمير بغدى الدوادار
(5)
، ورسم له أن يلبس التشريف ويدخل إليه،
(1)
الدار البيسرية: كانت بخط بين القصرين، شرع الأمير بيسرى الشمسى فى عمارتها سنة 659 هـ/ 1261 م، وتأنق مؤسسها فى عمارتها والصرف عليها، وبلغت سعتها مع ملحقاتها نحو فدانين - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 68.
(2)
هو بيسرى بن عبد الله الشمسى الصالحى، الأمير بدر الدين، المتوفى سنة 698 هـ/ 1298 م - المنهل الصافى ج 3 ص 500 رقم 741، وانظر ما يلى.
(3)
هكذا بالأصل.
(4)
«وفيها ثامن عشر شعبان أفرج الله تعالى عن الأمير بدر الدين بيسرى» - كنز الدرر ج 8 ص 312.
(5)
«وكتب افراجه، وجعل فى كيس حريرا صفر، وختم عليه بخاتم السلطان، وتوجه به إلى الجب الأمير بدر الدين بيدرا النائب، والأمير زين الدين كتبغا، وعدة من الأمراء» - السلوك ج 1 ص 769 وتاريخ ابن الفرات ج 8 ص 122 - 123.
فامتنع من ذلك والتزم يمينا أن لا يدخل عند السلطان إلا فى قيده ولباسه الذى كان عليه فى السجن، فدخل على هذه الهيئة، ففك قيده بين يديه، ثم لبس التشريف وباس الأرض؛ فتلقاه السلطان أحسن ملتقى وأكرمه وطيب خاطره، وأمر له بإقطاعه التى كانت بيده تقدمة ألف وزاده عليها منية بنى خصيب، وكتب منشوره
(1)
وحمل إليه فى كيس أطلس، وهذه نسخته:
الحمد لله على نعمه الكاملة، ومراحمه الشاملة، وعواطفه التى أضحت بها بدور الإسلام بازغة غير آفلة، أحمده حمدا يعيد سالف النعم، والكرم الذى خصّ وعم. وبعد:
فإنّ أحق من عومل بالجميل، [وبلغ
(2)
] من مكارم هذه الدولة القاهرة الرجاء
(3)
والتأميل، ومن إذا ذكرت أبطال الإسلام كان أول مذكور، [26] وإذا وصفت الشجعان كان إمام كل شجاع مشهور، وإذا تزيّنت سماء الملك بأنجم كان بدرها المنير، وإذا عدّ أولوا الأمر كان أول مشير
(4)
، وكم تجملت فيه المواكب بأعلى قدر، وترتبت المراتب به لأنه بدر، وهو المقر الأشرف العالى البدرى بيسرى الشمسى الصالحى العجمى الملكى الأشرفى، فهو الموصوف بهذه
(1)
المقصود أمر الإفراج، وقد سماء النويرى «افراج شريف سلطانى» - انظر نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 298 ب.
(2)
[] إضافة من نهاية الأرب - وتاريخ ابن الفرات التوضيح.
(3)
«من الرجاء» فى الأصل، والتصحيح من نهاية الأرب وتاريخ ابن الفرات.
(4)
«وإذا اجتمع ذوو الآراء على امتثال أمر كان خير مشير» - فى نهاية الأرب - وتاريخ ابن الفرات.
الأوصاف والمدح، والمعروف بهذه المكارم والمنح، فلذلك رسم أن يفرج عنه فى هذه الساعة من غير تأخير
(1)
.
وكان له نهار عظيم بالمدينة لأنه نزل والمدينة مزينة، وفرحت الناس به، وكان فى الاعتقال عشر سنين وأشهرا، ولما نزل إلى بيته أرسل له السلطان أربعين فرسا منها عشرون أكديشيا
(2)
، وأمر لسائر الأمراء أن يقدموا له، فقدموا له، وحظى عند السلطان حتى [كان
(3)
] لا يفارقه السلطان ويخلو به، ويحدثه فى سائر أموره: هزله وجده، وصار يوالى عليه الإنعام فى كل وقت
(4)
.
ونظمت شعراء كثيرون فى فتح السلطان هذه القلاع، فمن ذلك ما نظمه شهاب الدين محمود:
الحمد لله ذلّت
(5)
…
دولة الصلب
وعزّ بالقول
(6)
دين المصطفى العربى
(1)
انظر نص أمر الإفراج فى نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 298 ب تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 122، حيث توجد إضافات، واختلاف فى بعض الألفاظ عما أورده العينى.
(2)
إكديش - أكاديش: لفظ فارسى الأصل، معناه الإنسان أو الحيوان الذى يكون أبوه من جنس وأمه من جنس آخر، واستعمله المورّخون فى العربية للدلالة على الرجل الذى لا ينتسب إلى أصل واحد، وعلى الحصان غير الأصيل المستخدم غالبا فى حمل الأثقال - السلوك ج 1 ص 703 هامش (1).
(3)
[] إضافة تتفق مع السياق.
(4)
«حتى أن الأمير بدر الدين بيسرى أنتسب إلى الأشرفية، وكان فيما مضى من عمره فى الأيام الظاهرية يكتب بيسرى الشمسى فصار يكتب بيسرى الأشرفى» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 123.
وانظر أيضا المواعظ والإعتبار ج 2 ص 69 - 70.
(5)
«زالت» فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 115، وكنز الدرر ج 8 ص، 31.
(6)
«الترك» فى تاريخ ابن الفرات وكنز الدرر.
هذا الذى كانت الآمال لو طلبت
…
رؤياه فى اليوم لاستحيت من الطلب
ما بعد عكا وقد هدّت قواعدها
…
فى البحر للشرك عند
(1)
الدين من أرب
كم رامها ورماها قبله ملك
…
جمّ الجيوش فلم يظفر ولم يصب
(2)
لم ترض همته إلا الذى قصدت
…
هجر عنها
(3)
ملوك العجم والعرب
فأصبحت وهى فى بحرين مائلة
…
ما بين مضطرم النار
(4)
ومضطرب
جيش من الترك ترك الحرب عندهم
…
عار وراحتهم ضرب من الوصب
وأطلع الله جيش النصر فانتشرت
(5)
…
طلائع النصر
(6)
بين السمر والقضب
أجرت إلى البحر بحرا من دمائهم
…
فراح كالراح إذ عرّفاه
(7)
كالحبب
(8)
بشراك يا ملك الدنيا لقد شرفت
…
بك الممالك واستعلت على الرتب
(9)
لقيتها
(10)
…
باصلاح الدين الدين معتقدا
فإنّ ظنّ صلاح الدين لم يخب
(1)
«عند البر» فى تاريخ ابن الفرات. وكنز الدرر.
(2)
«ولم يجب» فى فوات الوفيات ج 1 ص 305.
(3)
«إلا التى قعدت؟؟؟ العجز» فى تاريخ ابن الفرات.
(4)
«نارا» فى تاريخ ابن الفرات.
(5)
«فابتدرت» فى تاريخ ابن الفرات
(6)
«الفتح» فى تاريخ ابن الفرات
(7)
«إذ غرقاه» فى تاريخ ابن الفرات.
(8)
الحبب، الفقاقيع التى تعلو وجه الخمر عند مزجها بالماء - القاموس المحيط.
(9)
«على الشهب» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 138.
(10)
«لبيتها» فى تاريخ ابن الفرات.
أدركت ثأر صلاح الدين إذ عصيت
…
عنه لسر
(1)
طواه الله فى الكتب
(2)
وفى هذين البيتين إشارة إلى أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب لما نازل عكا وحاصرها طمع فى أخذها لأنه كان وقف على كتاب يذكر فيه أن السلطان صلاح الدين يفتح عكا ويخرّبها ولا تعمر بعده، فنزل عليها وحاصرها وتسلمها يوم الجمعة فى شهر جمادى الأولى
(3)
من سنة « ...... »
(4)
ورحل عنها بعد ما صارت فى ملكه وقصد أن يخربها، فحصل له عارض وأقامت أياما قليلة ورجعت الإفرنج إليها وأخذوها
(5)
، فصارت فى أيديهم، ثم أخذها صلاح الدين الملك الأشرف وأخربها وجعلها دكا.
وأنشد أبى غانم
(6)
بيتين عند فتح عكا فى هذا المعنى وهما:
مليكان قد لقّبا بالصّلاح
…
فهذا خليل وهذا
(7)
يوسف
(1)
«إذ غضبت منه بسر» فى تاريخ ابن الفرات.
(2)
«فى اللقب» فى تاريخ ابن الفرات.
وردت هذه القصيدة كاملة فى: تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 115 - 118 - كنز الدرر ج 8 ص 315 - 320 - فوات الوفيات ج 1 ص 410 - 413: الوافى ج 13 ص 406 - 410 ووردت بعض أبهاتها فى تذكرة النبيه ج 1 ص 138 - 139، وذلك على اختلاف فى ترتيب الأبيات، وفى بعض الألفاظ.
(3)
«يوم الجمعة مسهّل جمادى الأولى» - الكامل ج 9 (ط دار الكتاب؟؟؟ بيروت) ص 179 (حوادث سنة 583 هـ).
(4)
بياض فى الأصل، والمقصود سنة 583 هـ.
(5)
استرد الفرنج عكا «يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة» سنة 587 هـ - الكامل ج 9 ص 214.
(6)
«الشيخ شمس الدين محمد بن سلمان بن غانم» الوافى ج 13 ص 404.
(7)
«وذا» فى تاريخ ابن الفرات بدائع الزهور الوافى.
فيوسف لا شك فى فضله
…
ولكن خليل هو الأشرف
(1)
[27]
ومن نظم شمس الدين ابن الصائغ
(2)
:
يا أشرف الدنيا تهنّ فإنه
…
فتح سواك بمثله لم يحلم
أشبهت معتصم الخلافة
(3)
…
همة
فالروم منك
(4)
ديارها لم تعصم
قاتلت
(5)
…
بلق جيوشهم
(6)
بسوابق
غرّ عليها الريح
(7)
لم تتقدّم
كم رعتها بسواد ليل أليل
…
وصدمتها
(8)
ببياض يوم أيوم
وأعدتها للمسلمين ولم يكن
…
منهم يرى التطهير
(9)
إلا بالدّم
فالجمعة الغرّاء كان صباحها
…
وجه الزمان بمثله لم يرقم
(10)
(1)
«عنى بيوسف السلطان صلاح الدين يوسف ابن والد الملوك نجم الدين أيوب بن شادى بن مروان الأيوبى، وعنى بخليل الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاون - الألفى الصالحى النجمى» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 118.
(2)
«نظم محمد بن الحسن بن سباع» فى كنز الدرر ج 8 ص 315.
(3)
«الخلايف» فى كنز الدرر ج 8 ص 315.
(4)
«بالروم فيك» فى كنز الدرر.
(5)
«قابلت» فى كنز الدرر.
(6)
«جيوشه» فى كنز الدرر.
(7)
«الرمح» فى كنز الدرر.
(8)
«فصدمتها» فى كنز الدرر.
(9)
«القطمير» فى كنز الدرر.
(10)
انظر أبيات أخرى من هذه القصيدة فى كنز الدرر ج 8 ص 315.
ذكر القبض على قراقوش الظاهرى:
كان هذا الرجل من الظاهرية، وكانت له نفس قوية، وأخلاق شرسة، وهو معروف بالفروسيّة، وكان قد ولى قوص فى الدولة المنصورية وبقى إلى أن أتت الدولة الأشرفية، وكان الصاحب ابن سلعوس يكتب إليه كتابا لأجل المهمات، ولم يكن يكترث بأمره ولا يحسن فى جوابه، فشاور السلطان على عزله، فأمر بعزله، فقالوا: هذا رجل قوى النفس، فإذا بلغه العزل ربما سد حال الوجه القبلى، وهو قد قويت نفسه بالعرب والسودان، ولا يعزل هذا إلا بالتحيّل عليه، فوقع اختيار السلطان والوزير على توليه أقوش الفارسى، وكان فى طبقة قراقوش فى الحمق والكبرياء، فولاه كشف الوجه القبلى، واعلمه بما قصده من القبض عليه عند ملاقاته، فإذا قبض عليه يرسله مقيدا.
فتجهز أقوش وخرج فى جند كثيرة، وبلغ قراقوش اتفاقه مع الوزير على القبض عليه، فكتم أمره فى نفسه إلى أن وصل أقوش إلى قريب قوص، ولما علم بنزوله طلب مماليكه مع الوافدية المركزين فى قوص وأخبرهم أن هذا الكاشف حضر للقبض عليه من غير مرسوم السلطان، وليس معه إلا مرسوم الوزير، وأنا أريد أن أقبض عليه وأخليه عندى وآخذ جميع ما معه فأنفقه فيكم، وأبعث إلى السلطان وأعرفه بذلك، فإن أنكر فعلى عصيت مع أبى الكنز وأفطعت قوص لكم بأمريات، وأطمعهم بأشياء كثيرة، واستمال عقولهم، فوافقوه على ما قال.
وفى ذلك الوقت وصل كتاب أقوش يذكر فيه العتب وبعض الإنكار لكونه وصل إلى محل ولايته ولم يركب إلى لقائه، فلما قرأ كتابه طلب قاصده وسبه
وقال: من هو أستاذك حتى أركب أنا إلى لقائه؟ فأتى إلى أستاذه وأخبره بما جرى له معه، وبلغه أيضا اتفاقه مع الوافدية والعرب، فعند ذلك طلب الحاكم وبعض الشهود وقال لهم: اذهبوا إليه واشهدوا عليه أنه قد ورد عليه الكاشف ومعه مرسوم السلطان، فأبى أن يحضر، فجاءوا إليه وتلطفوا فى أمره، ولم يزالوا حتى وافقهم على الركوب إليه، والاجتماع به، والوقوف على كتاب السلطان، وهو مع توافقه على ذلك قال لهم: متى أرى معه أمرا لا يليق أوقع العتبة، فحلفوا له أن مأثمه الأخير، ثم أتوا إلى الكاشف وعرفوه بما جرى وأنهم ضمنوا له أن لا تكون فتنة ولا تشويش.
ثم بعد ذلك أقبل قراقوش فى طلب عظيم، فقام إليه أقوش وتلقاه وأقعده فوقا منه، وشرح فى عتبه باللطف، فأخذ قراقوش يعتذر إليه، ثم أخرج أقوش كتاب السلطان بحضور القضاة والشهود [28] وفيه القبض عليه، فعند ذلك قام ولم يلتفت إليه، وقال: هذا شغل ذلك النحس الوزير والسلطان ما رسم بهذا، ولم يقدر أحد يتعرض إليه.
ورجع أقوش فوجد السلطان قد خرج إلى عكا والوزير معه، فكتب بما وقع له، وأرسل مع الكتاب المحاضر التى كتبها الشهود بسبب الاتفاق الذى ذكرنا.
وأما قراقوش فإنه أيضا كتب إلى السلطان، وذكر فيه عن الوزير أمورا كثيرة، وأنه يحاققه على ألف ألف دينار أخذها من بلاد السلطان، وذكر فيه أشياء كثيرة من ذلك الجنس، وأرسل قاصده فى السر مع نجاب إلى أن وصل إلى السلطان وسلم الكتاب للدوادار، فأوصله إلى السلطان فقرأه بحضور الوزير وحصل له من ذلك قلق عظيم.
وبعد أيام وصل كتاب أقوش للكاشف وكتاب نائب السلطنة، وكتب كتابه بجميع ما وقع بينهم بمحاضر مثبوته على الحاكم، فكتب السلطان إلى نائبه بمصر أن يتحيل على قراقوش ويحضره إلى مصر، وكتب لقراقوش كتابا صحبة قاصده يتضمن شكرا وثناء، وأطمعه بأمور كثيرة توجب أطماعه فى الحضور.
وعندما وصل الكتاب إليه ركب وطلب الحضور إلى مصر، فلما قرب إلى منية ابن خصيب أرسل النائب أيبك الخزندار، فأتى إليه وقبض عليه، وأوقع الحوطة على سائر موجوده، وبقى فى الجب إلى أن حضر السلطان وخلع على الوزير، ورسم للامير بكتمر السلحدار أمير جندار والأمير عز الدين أيبك الخزندار وغيرهما أن يخرجوا فى خدمة الوزير ويحضروا قراقوش قدامه، ويقابل الوزير بالذى قال عنه، فخرجوا بعد المغرب وجلسوا على باب القلة
(1)
، وأحضروا قراقوش من الجبّ
(2)
وفى رجليه قيد ثقيل وهو يتململ من ثقله؛ والوزير جالس بين الأميرين والتشريف عليه، فلما وقف قامت له الأمراء وتحرك له الوزير قليلا.
فقال بكتمر السلحدار: يا أمير بهاء الدين السلطان يقول: أنت سيرت كتابك إلى عكا وذكرت فيه كلاما كثيرا عن هذا - مولانا الصاحب -
(1)
باب القلة: بقلعة الجبل، كان فى موضعه قلة بناها الملك الظاهر بيبرس ثم هدمها المنصور قلاوون، وبنى مكانها قبة. ثم هدمها الناصر محمد بن قلاوون وجدد باب القلة - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 212.
(2)
الجب: كان بقلعة الجبل بالقاهرة جب يحبس فيه الأمراء، عمره الملك المنصور قلاوون سنة 681 هـ، وظل كذلك حتى ردمه الملك الناصر محمد سنة 729 هـ - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 213.
وقد رسم أن تقول بين يديه الذى قلت عنه. فقال: نعم، وجميع ما قلته عن هذا هو بعض ما فيه وبعض ما فعله فى بلاد السلطان، فقال الوزير: يا قطعه يا نخس تقول فى وجهى هذا القول: فقال قراقوش: نعم يا قواد يا عامى يا كلب، وكم مثلك قد نلته بالمقارع، فكاد الوزير يتمزق من الغيظ فنهض قائما وصاح لمشد الدواوين والمقدمين: خذوا هذا النحس إلى خزانة شمائل
(1)
، فأخذوه أشدّ الأخذ، وقام الأميران وهما يسبانه على إهانته للوزير فى مجلسه.
فلما أصبحوا دخلوا على السلطان وعرفوه بجميع ما وقع من قراقوش فى حق الوزير، فتبسم السلطان وقال: ما هذا إلا له نفس قوية، ورسم بإحضاره إلى بين يديه، وطلب مشد الدواوين، ورسم أن يحضر صحبته المقدمين بالمقارع، وقصد أن يقتله فى مجلسه، فمنعه من ذلك الأمير بدر الدين بيدرا وقال ياخوند:
ما جرت عادة بضرب المقارع فى مجلس السلطان، وكان ذلك عناية به، فرسم أن يحضروه إلى باب القرافة ويضربونه خمسمائة مقارع، فأخرجوه بعد صلاة الجمعة إلى باب القرافة وعروه وضربوه فوق الأربعمائة مقرعة، ولم يتكلم بكلمة واحدة إلى أن رمى إلى جانب الحائط وهو عريان [29] ولم يلتفت إلى كلام أحد، وبقى فى السجن، وأخذ جميع ما له.
ذكر ما عمّره الأشرف، وما أمر بعمارته، وما أمر يوقفه:
وفى هذه السنة أمر السلطان بعمارة الرفرف الظاهرىّ الذى بقلعة الجبل وتوسيعه ورفع سمكه وتزيينه، فوسّع وشيّد وبيّض وزخرف وصوّر فيه أمراء
(1)
خزانة شمائل: كانت بجوار باب زويلة، على يسرة من دخل منه بجوار السور، عرفت بالأمير علم الدين شمائل والى القاهرة فى أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب، وكانت من أشنع السجون، وظلت كذلك إلى أنه هدمها الملك المؤيد شيخ سنة 818 هـ/ 1415 م - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 188.
الدولة وخواصّها، وعقدت له قبة على العمد، وبقى مجلسا للسلطان ولمن بعده من ملوك الزمان مشرفا على سوق الخيل والميدان الأسود وغيرهما
(1)
.
وفى أوائل هذه السنة تكملت عمارة قلعة حلب، وكان قرا سنقر شرع فى عمارتها فى أيام الملك المنصور فتمت فى أيام الأشرف، وكتب عليها اسمه، وكان قد خربها هلاون لما استولى على حلب سنة ثمان وخمسين وستمائة، فكان لبثها خرابا ثلاثا وثلاثين سنة تقريبا.
وفى شوال منها شرع فى عمارة قلعة دمشق وبناء الأدر السلطانية، والطارمة
(2)
، والقبة الزرقاء، حسب ما رسم الأشرف لنائبه سنجر الشجاعى.
وفيها، زاد الشجاعى فى الميدان الصغير تقدير سدسه من جهة نهر بردى، وعمل فى عمارة حيطانه جميع الأمراء والجند وأكثر أهل دمشق، وعمل فيه الشجاعى بنفسه، ففرغ فى يومين.
وفى رمضان
(3)
، رسم الشجاعى أن يخرب جسر الزلابية والدكاكين التى عليه وخرب جميع ما هو مبنى على نهر بانياس ونهر المجدول، وذلك من باب السر إلى حد باب الميدان.
ورسم أيضا أن لا يمشى أحد بعد العشاء بدمشق، وأن تغلق الدكاكين بسرعة، وكان الأعوان
(4)
يدورون بعد العشاء ويمسكون من يجدونه بعد العشاء،
(1)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 173 أ.
(2)
طارمة - طارمات: لفظه فارسية الأصل، ويقصد بها بيت من خشب يبنى سقفه على هيئة قبة لجلوس السلطان - المواعظ والإعتبار ج 1 ص 35، ج 2 ص 444.
(3)
«وفى ثانى شوال» تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 128.
(4)
«الأعونة» فى الأصل.
وحبس بسبب ذلك خلق كثير، فاجتمع الناس وشكوا من ذلك، فأطلقهم.
ورسم أيضا أن شيخ كل حارة يطالعه بجميع ما يجرى فى حانوته من الأمور الجليلة والحقيرة.
ورسم أن لا تلبس امرأة شاشا كبيرا.
وفيها: بعد حضور الأشرف من غزاة عكا تقدم إلى المدرسة المنصورية وزار قبر والده، وسأل عن الوقف الذى أوقفه السلطان الشهيد، فوجده لا يفى لسائر وظائفه، ورغّبه الأمراء فى زيادة الخير على وقف والده ليكون له ذكر على مرور الأيام ويشارك والده الشهيد فى الخير، فعند ذلك قدح زناد فكره، فعين لذلك مما فتحه الله على يديه واستملكه بسيفه من الأعداء، لأن هذا خالص لوجه الله تعالى لا شوب فيه ولا كدر، فعين من بلاد عكا وبلاد صور أماكن
(1)
، وأضاف لها من أعمال مصر أماكن، وجعل منه للقبة المخصصة لمدفن والده الشهيد، وأضاف إليه أمورا كثيرة.
نسخة ما كتب فى ذلك الوقف بعد الخطبة:
وقف وحبس وسبل وأبد وتصدق جميع الضياع الأربع التى فتحت بسيفه القاهر من أعمال صفد، وجميع ما ذكره من الأراضى، وشروطها التى تذكر، على مصالح القبة والمدرسة التى أنشأها السلطان المنصور لمادته، وما تحتاج من إليه من الزيت والشمع والمصابيح والبسط وكلف الساقية والأبقار والعدة وغير ذلك، وعين فيها إماما من أهل الدين والصلاح من أى مذهب كان، وخمسين مقرئا،
(1)
«ولما فتح الملك الأشرف هذا الفتوح أوقف منه ضياعا على تربة والده الملك المنصور، وهى: الكابرة من عكا، وتل المفشوخ منها، وكردانة وطوحينها منها، ومن ساحل صور معركة وصديقين» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 121. وانظر أيضا ما جاء فى السلوك ج 1 ص 769.
وستة خدام، وعين للخدام [30] ثلاثمائة درهم، ولكل واحد أربعة أرطال خبز، وللناظر فى كل شهر ثلاثمائة درهم، وذكر فيه أمورا كثيرة، منها ما فضل من ريع هذا الوقف وما يتبقى فيشترى به خبز ويفرق فى ليالى الجمع. ومن شروط هذا البر الولاية عليه للمقر الأشرف العالى وزير دولته ومدبر مملكته وممهد قواعد سلطنته المولوى السيدى الصاحبى، واسطة عقد المسلمين، كافل الدولة وهاديها ناصح الملة ومواليها، بركة الإسلام، حسنة الأيام، صدر المجلس القضائى الفخر بن فخر الدين بن أبى الرجاء التنوخى الشافعى، حرس الله مدته، وأنفذ فى الأقطار كلمته، يتولاه بنفسه مدة حياته، ولمن يشاء من نوابه.
فلما قرئ عليه كتاب الوقف أعجبه، ورسم للصاحب أن ينزل إلى المدرسة ويجمع سائر القراء والوعاظ وأرباب الخير من سائر الفقراء والمشايخ والحكّام ويختم والده الشهيد، فنزل الوزير وعمل بجميع ذلك، وخلع على سائر أرباب الوظائف والوعاظ، وفرق صدقات كثيرة، ثم ألبسه السلطان تشريفا حسنا، ورسم أن يكتب مكاتيب بشروط الوقف، ويذكر فيها سائر ما شرطه الواقف، ويعين النظر فيه لنائب السلطنة وللقاضى الشافعى، وتثبت
(1)
وتجلد بمصر والشام.
ذكر بقية أحكام الأشرف فى هذه السنة:
وفى رابع رمضان: أفرج السلطان عن حسام الدين لاجين من قلعة صفد، ومعه جماعة أمراء، وردّ إقطاعاتهم عليهم، وأحسن إليهم وأكرمهم.
وفى نزهة الناظر: كان السبب لذلك أن الأمير بدر الدين بيدرا النائب كان له مع لاجين نائب الشام صحبة أكسيدة، فلما رأى السلطان فى رمضان منشرح
(1)
هكذا بالأصل، ولعلها «وتسجل» .
الصدر مبسوط الأمل ذكر أن عادة السلطان فى غرة رمضان أن تكتب له أوراق بأسماء المحبوسين، ويكون فى ذلك فرج لمن يريد الله خلاصه، فرسم بأن تكتب الورقة، فأول ما وقف على اسم لاجين فقال: لو سلم من لسانه ما كان جرى عليه شئ، فأخذ بيدرا يعرفه أن الذى نقل عنه كذب عليه، فقال السلطان: أبو خرص قال عنه ما قال وأنت حاضر. فقال بيدرا: أبو خرص
(1)
، أراد بهذا القول تخليص نفسه من العقوبة، وحكى للسلطان ما قال أبو خرص، فضحك السلطان ورسم بالإفراج عن لاجين، وركن الدين طقصوا، وأبى خرص، والأمير شمس الدين سنقر الطويل، والأمير شمس الدين سنقر المساح البكتوتى. وأبو خرص اسمه سنجر ولقبه علم الدين.
وقال بيبرس فى تاريخه: ولما توجه السلطان إلى القاهرة بعد فراغه من غزوته أمر لى بالمسير إلى الكرك، فسألته أن أكون فى خدمته وأعود فى ركابه، فاعتفيت من العود إلى الكرك، فأجاب لى بالإعفاء من العود إليها، ورتب الأمير جمال الدين أقوش نائبا عن السلطنة فيها، وهو رجل حسن السياسة، ظاهر الرئاسة، وكان الملك المنصور قد اشتراه لولده الأشرف، فتقدم عنده إلى أن صار استاذ داره قبل سلطنته، ولما استقر بالكرك أحسن السيرة وأظهر المعدلة
(2)
.
وفيها: أنعم السلطان على بيدرا نائب السلطنة بالصبيبة، وكان الملك الظاهر لما أخذ هذا الحصن أنعم به على نائبه الأمير بدر الدين بيليك الخزندار، فلما
(1)
هو الأمير سنجر الحموى، علم الدين، المعروف بأبى خرص. انظر ما يلى.
(2)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 172 ب، 173 أ.
ولى المنصور [31] قصد طرنطاى أن يستمر به كما كان الخازندار، فلم يوافقه المنصور، فلما تسلطن الأشرف رسم لنائبه أن يضيفه إلى إقطاعه، فأضافه وجعل نائب الصبيبة طيبرس الخازن دار الذى تولى نقابة الجيش فى دولة لاجين على ما يأتى إن شاء الله.
ونسخة ما كتب من إنشاء القاضى شهاب الدين محمود:
الحمد لله الذى أجمل الارتفاع، وأحسن فى التخصيص بالأجناس والأنواع، وبعد:
فإن خير النعم نعمة تبقى للأعقاب والذرارى، وتدوم هدايتها دوام الأنجم الدّرارى، ومن تكون البحار الزاخرة من موارده، والنجوم الزاهرة من غدائره، فأهون ما عليه أن يجود بكوكب درىّ، وعقد درى، ولما كان الجناب العالى البدرى بدر الدين بيدرا نائب السلطنة المعظمة، أجله الله، له حقوق كثرت وخدمة عظمت، وفتكات ما قابلت وجه عدو إلاّ وسمت، فكم شكر له نهار حربا، وحمده فى الليل محراب، وكم انثنت على سيفه كتيبة، وعلى قلمه كتاب، وإن قد مضى بدر فإن لها من نعته بيدرا وزيادة، ليصح هذا التمليك، ويقول: استحقاق هذا الاسم لو كان بى درى ما قال إلا بيدرا ولم يقل بيليك:
وأثبت ذلك بالدواوين المعمورة بمصر والشام، ثابت فى صحف مكرمة عن الكرام الكاتبين، وأسجله فى بياض النهار وسواد الليل أحكم الحاكمين، والحمد لله رب العالمين.
وفيها: صادر الوزير أبى سعلوس قاضى القضاة تقى الدين بن بنت الأعز
(1)
وناله منه إخراق وإهانة بالغة، ولم يترك له من مناصبه شيئا، وكان بيده سبعة عشر منصبا منها: القضاء، والخطابة، ونظر الأحباس، ومشيخة الشيوخ، ونظر الخزانة، ومدارس كبار، وأخذ منه نحوا من أربعين ألفا غير المراكب والأشياء الكثيرة، ولم تظهر منه استكانة ولا خضوع، ثم عاد فرضى عنه وولاّه تدريس الشافعى.
وفى أوائل رمضان: طلب القاضى بدر الدين بن جماعة
(2)
من القدس الشريف، وهو حاكم به وخطيب فيه، على البريد إلى ديار مصر، فدخلها فى رابع عشرة، فتولى قضاء القضاة عوضا عن تقى الدين بن بنت الأعز بحكم عزله، ومع القضاء خطابة جامع الأزهر، وتدريس الصالحية، ثم استمر خطيبا بالقلعة واستناب فى الأزهر بعض الفضلاء.
وفى رجب: درّس الشيخ عز الدين الفاروثى
(3)
بالمدرسة النجيبية،
(4)
عوضا
(1)
هو عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خلف بن أبى القاسم العلائى المصرى، الشهير بابن بنت الأعز، المتوفى سنة 695 هـ/ 1296 م - انظر ما يلى.
(2)
هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكنانى الحموى، الشافعى، المتوفى سنة 733 هـ/ 1332 م - المنهل الصافى، شذرات الذهب ج 6 ص 105 مرآة الجنان ج 4 ص 287، تذكرة النبيه ج 2 ص 236.
(3)
هو أحمد بن إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن الفاروثى الواسطى، عز الدين، المتوفى 694 هـ - انظر ما يلى.
(4)
المدرسة النجيبية بدمشق: لصيق المدرسة النورية من جهة الشمال، وقفها النجيبي جمال الدين أقوش الصالحى النجمى، أستادار الملك الصالح أيوب، وتوفى أقوش الصالحى سنة 677 هـ/ 1278 م - الدارس ج 1 ص 465 وما بعدها.
عن ابن خلكان، ودرّس أيضا فى هذه السنة بدار الحديث الظاهرية
(1)
، عوضا عن فخر الدين ابن الكرجى
(2)
، وكان الفاروثى قد قدم مع الحجاج من مكة إلى الشام.
وفى رجب أيضا: درس نجم الدين بن مكى
(3)
بالرواحية،
(4)
عوضا عن ناصر الدين ابن المقدسى
(5)
.
وفيه: درس الشيخ كمال الدين النجيبي
(6)
بالمدرسة الدخوارية الطبية
(7)
.
(1)
هى المدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق: داخل بابى الفرج والفراديس، أنشأها الملك الظاهر بيبرس مدرسة ودار حديث وتربة، وذلك فى حدود سنة 67 هـ/ 1271 م - الدارس ج 1 ص 348 وما بعدها.
ودار الحديث بهذه المدرسة بين إيوان الحنفية القبلى والشافعية الشرقى - الدارس ج 1 ص 355.
(2)
هو عمر بن يحيى بن عمر الشافعى، الفخر الكرجى، المتوفى سنة. 69 هـ/ 1291 م - العبر ج ص 369. ولم يذكر فى الدارس.
(3)
انظر الدارس ج 1 ص 271
(4)
المدرسة الرواحية بدمشق: أنشأها هبة الله بن محمد الأنصارى، الزكى بن رواحة التاجر» المتوفى سنة 622 هـ/ 1225 م - الدارس ج 1 ص 265 وما بعدها، العبر ج ص 92.
(5)
انظر ما سبق.
(6)
هو محمد بن عبد الرحيم بن مسلم بن كمال الدين، الطبيب، المتوفى سنة 697 هـ/ 1297 م الدارس ج 2 ص 131.
(7)
المدرسة الدخوارية بدمشق: أنشأها مهذب الدين عبد الرحيم بن على بن حامد المعروف بالدخوار، شيخ الطب، وواقف المدرسة التى بالصاغة العتيقة بدمشق على الأطباء، والمتوفى سنة 628 هـ/ 1230 م - الدارس ج 2 ص 127 وما بعدها.
وفيه: درس الشيخ جلال الدين الخبازى
(1)
بالخاتونية
(2)
البرانية، وجمال الدين الباجربقى
(3)
بالقليجية
(4)
، وبرهان الدين الإسكندرى بالقوصية التى بالجامع.
وفى ليلة الإثنين رابع ذى القعدة: عملت ختمة عند قبر الملك المنصور، وحضرها القضاة والأمراء والأعيان، ونزل السلطان ومعه الخليفة وقت السحر إليهم، وخطب الخليفة بعد الختمة خطبة بليغة حرّض فيها على غزو [32] بلاد العراق واستنقاذها من أيدى التتار.
وقد كان الخليفة قبل ذلك محجبا فرآه الناس جهرة، وركب فى الأسواق بعد ذلك.
ولما كان يوم الجمعة رابع شوال: رسم السلطان للخليفة الحاكم بأمر الله أن يخطب هو بنفسه الناس يومئذ، وأن يذكر فى خطبته أنه ولّى السلطنة للأشرف خليل بن المنصور، فلبس خلعة سوداء وخطب الناس بالخطبة التى كان خطب بها فى الدولة الظاهرية، وكانت من إنشاء الشيخ شرف الدين المقدسى، وكان بين الخطبتين أزيد من ثلاثين سنة، وذلك بجامع القلعة.
(1)
هو عمر بن محمد بن عمر الحنفى الخجندى، جلال الدين أبو محمد الخبازى، المتوفى سنة 691 هـ/ 1292 م - الدارس ج 1 ص 504، المنهل الصافى.
(2)
المدرسة الخاتونية البرانية بدمشق: مسجد خاتون، أوقفته الست خاتون أم شمس الملوك، أخت الملك دقاق، وهى زمرد خاتون ابنة الأمير جاولى، المتوفاة سنة 557 هـ/ 1161 م - الدارس ج 1 ص 502 وما بعدها.
(3)
هو عبد الرحيم بن عمر بن عثمان الباجربقى الموصلى، جمال الدين أبو محمد، المتوفى سنة 699 هـ/ 1299 م.
وينسب إلى: باجربق: من قرى بين النهرين - الدارس ج 1 ص 244.
(4)
المدرسة القليجبة بدمشق: داخل البابين الشرقى وباب توما، أنشأها مجاهد الدين بن قليج محمد بن شمس الدين محمود - الدارس ج 1 ص 434 وما بعدها.
ثم بعد ذلك استمر ابن جماعة يخطب بالقلعة عند السلطان بعد الجمعة التى خطب فيها الخليفة.
وفيها: توهم السلطان من ولدى الملك الظاهر، وهما: الملك المسعود نجم الدين خضر، والملك العادل بدر الدين سلامش أوهاما أخطرت بباله إبعادهما عن البلاد الإسلامية وإخراجهما من الديار المصرية، فأخرجهما ومعهما والدتهما إلى الإسكندرية
(1)
صحبة الأمير عز الدين أيبك الموصلى أستاذ الدار السلطانية، فسفرهما فى البحر الملح إلى مدينة القسطنطينية، فلما وصلا إليها أحسن إليهما الأشكرى، وأمر بإنزالهما، وأجرى عليهما ما يقوم بهما.
فأما بدر الدين سلامش فأدركته الوفاة فمات هناك،
(2)
فصبرته والدته وصيرته فى تابوت إلى أن اتفقت عودتها، فأعادته إلى ديار مصر ودفنته بها على ما سنذكره إن شاء الله.
(3)
وهذا سلامش قد تملك الديار المصرية مدة كما ذكرنا
(4)
.
وفيها: أفرج السلطان عن الملك العزيز فخر الدين عثمان بن الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل أبى بكر بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر ابن أيوب، كان والده صاحب الكرك، وكان الملك العزيز قد اعتقل فى الدولة الظاهرية فى الرابع عشر من ربيع الأول من سنة تسع وستين وستمائة، فكانت مدة اعتقاله عشرين سنة وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما، ولما أفرج عنه
(1)
«اسكندرية» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة التى ينقل عنها العينى هذا الخبر.
(2)
سنة 690 هـ - انظر ما يلى.
(3)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 175 أ.
(4)
ولى سلامش السلطنة «فكانت مدته مائة يوم» .
انظر ما سبق بالجزء الثانى من هذا الكتاب ص 226.
رتب له راتبا جيدا، ولزم داره، واشتغل بالمطالعة والنسخ، وانقطع عن السعى والخروج إلاّ للجمعة والحمام.
(1)
وفيها: أظهر شخص يسمى ثابت بن منديل شيخ قبيلة مغراوة وكبيرها الشقاق على بنى يغمراس بن عبد الواد، وخرج عن طاعتهم، فقصدوه وحصروه، فتحصن بجبال تاججممت وبرشك
(2)
، فضايقه ابن يغمراس سبع سنين متوالية، فلما ضاق عليه الأمر قصد أبا يعقوب يوسف بن يعقوب المرينى مستغيثا به ومستشفعا، فأجاب سؤاله على ما سنذكره فى موضعه
(3)
إن شاء الله تعالى.
وفيها: انتهت زيادة النيل إلى ستة عشر ذراعا وتسعة عشر أصبعا، وكان نيلا ثابتا روى سائر البلاد والأقاليم.
وفيها: حج بالناس بالركب المصرى بدر الدين بكتوت
(4)
العلائى، ومن الشام الطواشى بدر الدين بدر الصوابى
(5)
.
(1)
سبق أن ذكر العينى هذا الخبر فى أحداث سنة 689 هـ - انظر ما سبق.
(2)
هكذا فى زبدة الفكرة التى ينقل عنها العينى هذا الخبر.
(3)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 175 أ.
(4)
هو بكنوت بن عبد الله العلائى، المتوفى سنة 693 هـ/ 1294 م - المنهل الصافى ج 3 ص 411 رقم 687.
(5)
هو بدر بن عبد الله الصوابى، الأمير الطواشى بدر الدين، توفى سنة 698 هـ/ 1298 م - المنهل الصافى ج 3 ص 243 رقم 643.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الشيخ المسند المعمر الرحلة فخر الدين بن البخارى، وهو أبو الحسن على
(1)
ابن أحمد بن عبد الواحد المقدسى الحنبلى، المعروف بابن البخارى.
(2)
ولد فى سلخ سنة خمس أو مستهل سنة ست وتسعين وخمسمائة، وتوفى ضحى نهار الأربعاء ثانى ربيع الآخر منها عن خمس وتسعين سنة، ودفن عند والده الشيخ شمس الدين [33] أحمد
(3)
بن عبد الواحد بسفح جبل قاسيون.
كان
(4)
رجلا صالحا، عابدا زاهدا، ورعا نسكا، تفرد بروايات كثيرة لطول عمره، وخرجت له مشيخات
(5)
، وسمع منه الخلق الكثير، والجم الغفير، وكان متصديا لذلك حتى كبر، وأسن وضعف عن الحركة.
وله شعر حسن، منه قوله:
إليك اعتذارى من صلاتى قاعدا
…
وعجزى عن سعى إلى الجمعات
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الاسلاك ص 107. النجوم الزاهرة ج 8 ص 32، العبر ج 5 ص 368، البداية والنهاية ج 13 ص 324، السلوك ج 1 ص 776، شذرات الذهب ج 5 ص 414، تذكرة النبيه ج 1 ص 144.
(2)
«المعروف بابن النجار» فى البداية والنهاية.
(3)
هو أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسى الحنبلى، الشمس البخارى، المتوفى سنة 623 هـ/ 1225 م - العبر ج 5 ص 93 - 94.
(4)
يوجد بالأصل نحو سطر مطموس بحيث يصعب معه متابعة النص.
(5)
«واشتهرت مشيخته التى خرجها له ابن الظاهرى» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 144.
وابن الظاهرى هو: أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهرى، المتوفى سنة 695 هـ/ 1295 م - شذرات الذهب ج 5 ص 435، الدارس ج 2 ص 571.
وتركى صلاة الفرض فى كل مسجد
…
تجمعّ فيه الناس للصلوات
فيارب لا تمقت صلاتى ونجنى
…
من النار واصفح لى عن الهفوات
وله:
تكررت السنون على حتى
…
بليت وصرت من سقط المتاع
وقلّ النفع عندى غير أنى
…
أعلل بالرواية والسّماع
فإن يك خالصا فله جزاء
…
وإن يك مالقا فإلى ضياع
الشيخ تاج الدين عبد الرحمن
(1)
بن [إبراهيم بن]
(2)
سباع بن ضياء أبو محمد الفزارى، الإمام العالم، شيخ الاسلام، شيخ الشافعية فى زمانه.
وهو والد الشيخ العلامة شيخ الأسلام برهان الدين،
(3)
شيخ ابن
(4)
كثير.
وكان مولد الشيخ تاج الدين فى ربيع الأول سنة ثلاثين وستمائة،
(5)
وتوفى
(1)
«عبد الواحد» فى الأصل، وهو تحريف.
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 106 - 107، النجوم الزاهرة ج 8 ص 33، مرآة الجنان ج 4 ص 218، فوات الوفيات ج 2 ص 263 رقم 247، البداية والنهاية ج 13 ص 325، السلوك ج 1 ص 776، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 118 رقم 182، تذكرة النبيه ج 1 ص 143.
(2)
[] إضافة من مصادر الترجمة للتوضيح.
(3)
هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع، العلامة برهان الدين، المتوفى سنة 729 هـ/ 1329 م - المنهل الصافى ج 1 ص 99 رقم 45.
(4)
«وهو والد شيخنا العلامة برهان الدين» فى البداية والنهاية ج 13 ص 325.
(5)
ورد أن صاحب الترجمة مات «وله ست وستون سنة وثلاثة أشهر» - تذكرة النبيه ج 1 ص 143.
ضحى يوم الإثنين خامس جمادى الآخرة، بالمدرسة البادرائية
(1)
بدمشق، وكان مدرسا بها، ودفن عند والده بباب الصغير.
وله مصنفات منها: إختصار الموضوعات لابن الجوزى.
وقد ولى التدريس بعده بالبدرائية، والحلقة، والفتيا بالجامع ولده برهان الدين، فمشى على طريقة والده.
وله نظم حسن، فمن ذلك قوله لما جفل الناس من التتار فى سنة ثمان وخمسين وستمائة:
لله أيام جمع الشّمل ما برحت
…
بها الحوادث حتى أصبحت سمرا
ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتى
…
عنكم، فلم ألق لا عينا ولا أثرا
يا راحلين قدرتم فالنجاة لكم
…
ونحن للعجز لا نستعجز القدرا
(2)
وله:
يا كريم الآباء والأجداد
…
وسعيد الإصدار والايراد
كنت سعدا لنا بوعد كريم
…
لا تكن فى وفائه كسعاد
(3)
(1)
المدرسة البادرائية بدمشق: أنشأها عبد الله بن أبى الوفا، نجم الدين الباذرائى البغدادى، المتوفى سنة 655 هـ/ 1257 م - الدارس ج 1 ص 205، ص 208، خطط الشام ج 6 ص 78.
(2)
فوات الوفيات ج 2 ص 264
(3)
فوات الوفيات.
الطبيب الماهر عز الدين إبراهيم
(1)
بن محمد بن طرخان السويدى الأنصارى.
(2)
فاق أهل زمانه فى الطب، وله فيه مصنفات منها: كتاب الباهر فى الجواهر، وكتاب التذكرة فى الطب
(3)
فى ثلاث مجلدات وهى من أحسن كتب الطب، وفيه فوائد جمة.
قال ابن كثير: فاق أهل زمانه فى صناعة الطب، وصنف كتبا فى ذلك، وكان يرمى بقلة الدين وترك الصلوات، وانحلال العقيدة، وإنكار أمور كثيرة مما يتعلق باليوم الآخر.
وفى شعره ما يدل على قلة عقله ودينه وعدم إيمانه، واعتراضه على تحريم الخمر
(4)
.
ومن شعره:
لو أن تغيير لون شيبى
…
يعيد ما فات من شبابى
لما وفى لى بما تلاقى
…
روحى من كلفة الخضاب
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 142 رقم 67، درة الأسلاك ص 109، مرآة الجنان ج 4 ص 216، فوات الوفيات ج 1 ص 48 رقم 17، البداية والنهاية ج 13 ص 325، شذرات الذهب ج 5 ص 411، الدارس ج 2 ص 130، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 131، الوافى ج 6 ص 123 رقم 2558، السلوك ج 1 ص 777، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 44 رقم 66، تذكرة النبيه ج 1 ص 146، طبقات الأطباء ج 2 ص 366.
(2)
«قيل إنه من ولد سعد بن معاذ رضى الله عنه» - المنهل.
(3)
«تذكرة الأطباء المعروفة بتذكرة السويدى» فى كشف الظنون ج 1 ص 219، ص 386، و «التذكرة الهادية فى الطب» فى المنهل، وتاريخ ابن الفرات.
(4)
انظر البداية والنهاية ج 13 ص 325. الوافى ج 6 ص 124، وانظر بعض هذا الشعر فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 132.
وله:
وعدته الوصال يقظى وزارت
…
فأرته المعدوم بالموجود
فهو لا يطعم الرقاد فيستي
…
تظ إلا على فراق جديد
وقال مواليا:
البدر والسعد
…
ذا شبهك وذا نجمك
والقد واللحظ
…
ذا رمحك وذا سهمك
والحب والبغض
…
ذا قسمى وذا قسمك
والمسك والحسن
…
ذا خالك وذا عمك
(1)
علاء الدين أبو الحسن على
(2)
ابن الشيخ الإمام العلامة كمال الدين [عبد الواحد بن]
(3)
عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصارى الزملكانى، مدرس الأمينية
(4)
.
وهو والد الشيخ الإمام العلامة كمال الدين أبى المعالى محمد
(5)
بن على الزملكانى، شيخ ابن كثير، وقد درس بعد أبيه بالأمينية، وكانت وفاة والده هذا ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من ربيع الآخر بالأمينية، ودفن بمقابر الصوفية.
(1)
الشعر مطموس فى الأصل، وما أثبتناه من الوافى ج 6 ص 124.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 108، البداية والنهاية ج 13 ص 325 - 326، مرآة الجنان ج 4 ص 219، شذرات الذهب ج 5 ص 417، السلوك ج 1 ص 777، تذكرة النبيه ج 1 ص 146 - 147. العبر ج 5 ص 369.
(3)
[] إضافة من مصادر الترجمة.
(4)
المدرسة الأمينية بدمشق: هى أول مدرسة الشافعية بدمشق، أنشأها أتابك العساكر بدمشق أمين الدولة كمشتكين بن عبد الله الطغتكينى، المتوفى سنة 541 هـ/ 1146 م - الدارس ج 1 ص 178، خطط الشام ج 6 ص 77.
(5)
توفى سنة 727 هـ/ 1327 م - المنهل الصافى.
الإمام فخر الدين أبو حفص عمر
(1)
بن يحيى بن عمر الكرخى،
(2)
صهر الشيخ تقى الدين بن الصلاح، وأحد تلاميذه.
ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة، ومات يوم الأربعاء ثانى ربيع الآخر منها، ودفن إلى جانب قبر الشيخ تقى الدين بن الصلاح بمقابر الصوفية.
الشيخ نجم الدين محمد بن
(3)
عثمان الكرباج، خادم الشيخ شهاب الدين السهروردى.
(4)
توفى فى الحادى والعشرين من شعبان منها.
العفيف التلمسانى أبو الربيع سليمان
(5)
بن على بن عبد الله بن على بن يس العابدى الكوفى، ثم التلمسانى، الشاعر المتفنن فى علوم كثيرة
(6)
منها: النحو، والأدب، والفقه، والأصول، والمعقول، والرياضيات، وله فى ذلك مصنفات.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 326، العبر ج 5 ص 369، شذرات الذهب ج 5 ص 417، النجوم الزاهرة ج 8 ص 33.
(2)
«الكرجى» فى العبر وشذرات الذهب.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 175 ب.
(4)
هو عمر بن محمد بن التيمى البكرى الصوفى، الشيخ شهاب الدين السهروردى، المتوفى سنة 632 هـ/ 1234 م - العبر ج 5 ص 129.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 6 رقم 1091، درة الأسلاك ص 108، مرآة الجنان ج 4 ص 216، السلوك ج 1 ص 777، الوافى ج 15 ص 408 رقم 557، فوات الوفيات ج 2 ص 72 رقم 179، النجوم الزاهرة ج 8 ص 29 - 31، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 82 رقم 122، شذرات الذهب ج 5 ص 412، تذكرة النبيه ج 1 ص 147، البداية والنهاية ج 13 ص 326.
(6)
«يدعى العرفان، ويتكلم فى فنون شتى» تذكرة النبيه ج 1 ص 147.
ويذكر عنه أنه عمل أربعين خلوة، كل خلوة أربعين يوما، يخرج من واحدة ليدخل فى غيرها، «قال الشيخ شمس الدين: هذا الكلام فيه مجازفة ظاهرة فاذ مجموع ذلك ألف وستمائة يوم. قال: وله فى كل علم تصنيف، وقد شرح الأسماء الحسنى، وشرح مقامات النفرى، وحكى بعضهم: قال: طلعت إليه يوم قبض، فقلت له: كيف حالك؟ قال: بخير! من عرف الله كيف يخافه؟ والله منذ عرفته ما خفته وأنا فرحان بلقائه
(1)
!»
وله نظم حسن [35] منه قوله:
هذا المصلّى وهذه الكتب
…
لمثل هذا يهزّك الطرب
والحىّ قد شرعت مضاربه
…
وحسمه عنه زالت الحجب
وكل صبّ صبتى لساكنه
…
يسجد من شوقه ويقترب
أنخ مطاياك دون ربعهم
…
كيلا تطأك الرجال والنجب
واسع على « .....
(2)
…
» خاضعا
فعسى يشفع فيك الخضوع والأدب
وارج قراهم إذا نزلت بهم
…
فأنت ضيف وأنهم عرب
عندى لكم يا أهيل كاظمة
…
أسرار وجد حديثها عجب
أربى بكم خاطرى يلاحظنى
…
من أين هذا الإخاء والنسب
وقال:
ما دون رامه للمحبّ مرام
…
سيّما إذا لاحت له الأعلام
(1)
«» مطموس فى الأصل بدرجة يصعب معها متابعة النص، وما أثبتناه من الوافى ج 15 ص 408 - 409.
(2)
« .... » كلمة غير مقروءة.
لا تملك العبرات مقلته
…
ولا يثنى أعنّة شوقه الأسوام
وورا هاتيك الستور محجب
…
لتهتدى لجماله الأفهام
لو لاح أدنى بارق من حسنه
…
ليكون ريحه جوّى وغرام
يا عرب نجد ما مضى من عيشنا
…
أترى تعود لنا به الأيّام
ردّوا الكرى إن طال عزّ وصا
…
لكم فعسى تمثله لى الأحلام
لو لم يلذ الموت فى حبى لكم
…
لم أصب نحو الشرق وهو حسام
ولما اعترضت بنار قلبى للهوى
…
ولكل نار بالنسيم ضرام
صبّ يرى نار الصبابة أنها
…
فى حبكم برد له وسلام
حفظ المودة زاده ولحبذا
…
فى الزاد حفظ مودّة وذمام
وإذا أتتكم آية بإمامها
…
وافيتكم ولى الغرام إمام
هذا دمى لكم ألا حلال وإنما
…
عنكم فسلوانى علىّ حرام
وقال:
على ربع سلمى بالعقيق سلام
…
وجاد عليها أدمع وغمام
منازل لولاهن لم يعرف الهوى
…
ولا رغبتا لوعة وهيام
وبين بيوت الحىّ هيفاء قامة
…
لها البدر وجه والسحاب لثام
فنراها على كل القلوب فريضة
…
تؤدى ومثلى فى الغرام إمام
أسير ولو أن الصباح صوارم
…
وأسرى ولو أن الظلام قتام
وأغشى بيوت الحىّ لا مترقبا
…
وأطرق ليلى والوشاة نيام
إذا لم يكن للصبّ إقدام صبوة
…
تحل تلاف النفس وهو حرام
فليس له بين المحبّين رحلة
…
ولا بين هاتيك الخيام مقام
وقال:
إن كان قتلى فى الهوى يتعيّن
…
يا قاتلى فبسيف طرفك
(1)
أهون
حسبى وحسبك أن تكون مدامعى
…
غسلى وفى ثوب السّقام أكفّن
عجبا بخدك
(2)
…
وردة فى بانة
والورد فوق البان مالا
(3)
يمكّن
[36]
أدنته لى سنة الكرى فلثمته
…
حتى تبدل بالشقيق السوسن
ووردت كوثر ثغره فحسبتنى
…
فى جنة من وجنتيه أسكن
ما راعنى إلا بلال الخال من
…
خديه
(4)
فى صبح الجبين يؤذّن
نثرت من جوف
(5)
…
الصباح ذؤابة
هى كالدجى وظللت فيها أكمن
يا نظرة كم رمت أسرق أختها
…
من مقلة هى للنعاس معيدن
يا فاتنا ما بال مفتون به حد
…
وفيه يلام من لا يفتن
ألوم فيك الصبر إن هو خاننى
…
قلبى العزيز علىّ منه وأهون
يا جيرة العلمين لا عاش امرؤ
…
أحشاؤه لسوى هواكم مسكن
فدعوا مريضكم يفور بسقمه
…
طرس المحبّة بالسقام مغبون
(1)
«جفنك» فى النجوم الزاهرة، الوافى.
و «لحظك» فى المنهل الصافى.
(2)
«لخدك» فى النجوم الزاهرة، وفوات الوفيات.
(3)
«والبان فوق الغصن» فى النجوم الزاهرة.
(4)
«بلال الخال فوق الخد» فى النجوم الزاهرة، والمنهل الصافى، وفوات الوفيات.
(5)
«فنشرت من خوف» فى فوات الوفيات.
وقال:
لا تلم صبوتى فمن حبّ يصبو
…
إنما يرحم المحبّ المحبّ
كيف لا يوقد النسيم غرامى
…
وله فى خيام ليلى مهبّ
ما اقتدارى إذا خبت نار قلبى
…
وحبيبى أنواره ليس تخبو
شاهدت حسنه القلوب فأمسى
…
وله
(1)
فى القلوب نهب وسلب
نصبوا حان حبّه ثم زادوا
…
يا نيام القلوب للراح هبّوا
وقال:
كم فى جفونك من حانات خمّار
…
وكم بخديك من روضات أزهار
وكم نسيم مرى أودعته نفسا
…
مالت به عذبات الشيح والغار
هواك أفصح من أنى أكتمه
…
من بعد ما هتكت بالدمع أستارى
لولاك ما رقصت بالدوح قضب
…
نقا ولا تغنت حمامات بأشجار
ولولا حمت ترى تلك الرياض
…
ولا سقيت من ماء دمعى ساحة الدار
وقال:
مرح العيون بفترة الأجفان
…
فتمايل الصّاحى على النشوان
وأراك من أنغامه وقوامه
…
سجع الحمام على غصون البان
حدث بعيشك يا نسيم عن الحمى
…
وأغث بمائك غلة الظمآن
واستبق منى يا سقام بقية
…
يدرى بها طيف الحبيب مكانى
وقال دو بيت:
يا برق حمى الأراك دون الشعب
…
ما علّملك الخفوق إلا قلبى
(1)
«فى» مكررة فى الأصل.
فاضحك طربا ودع جفونى تبكى
…
واشرب غدقا فمن دموعى شربى
الشيخ الصالح علاء الدين على بن الشيخ أبى صادق الحسن بن يحيى بن صباح المخزومى.
مات بدمشق وصلّى عليه بجامعها، ودفن بسفح قاسيون، روى عن والده
(1)
، وعن الزبيدى، وابن اللتى، وغيرهم.
الشيخ الإمام القاضى شمس الدين أبو محمد عبد الواسع
(2)
بن عبد الكافى بن عبد الواسع الأبهرى
(3)
الشافعى.
مات بمنزله بالخانقاة الأسدية
(4)
بدمشق، ودفن بمقابر الصوفية، كان تفرد بإجازات وأسمع كثيرا، ومولده سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وكان موته فى شوال منها.
الشيخ الإمام المسند الأصيل المعمر الفاضل نجم الدين أبو الفتح يوسف
(5)
بن الصاحب شهاب الدين يعقوب [37] بن محمد بن على بن المجاور الشيبانى.
مات بدمشق، ودفن بتربة والده بسفح قاسيون، ومولده فى سنة إحدى وستمائة، وكان موته فى الثامن والعشرين من ذى القعدة منها، وهو آخر من
(1)
هو الحسن بن صباح المخزومى المصرى الكاتب، أبو صادق، المتوفى سنة 632 هـ/ 1234 م - شذرات الذهب ج 5 ص 148.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 368، شذرات الذهب ج 5 ص 416، الدارس ج 2 ص 140.
(3)
نسبة إلى أبهر: مدينة بين قزوين وهمدان - معجم البلدان.
(4)
الخانقاة الأسدية بدمشق: داخل باب الجابية بدرب الهاشمين، أنشأها أسد الدين شيركوه الكبير المتوفى سنة 564 هـ/ 1168 م - الدارس ج 2 ص 139.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 370.
حدّث عن الخضر
(1)
بن كامل وزينب القيسية
(2)
، وعبد الرحمن بن نسيم.
الشيخ المسند، بقية الشيوخ، محمد
(3)
بن عبد المؤمن بن أبى الفتح الصورى.
مات بمنزله بقاسيون، وصلى عليه بالجامع المظفرى، ودفن بالسفح، وهو آخر من حدث عن الكندى
(4)
، ومولده سنة إحدى وستمائة، وموته فى الخامس عشر من ذى الحجة منها.
الشيخ الزاهد، مفتى المسلمين، بقية السلف، تقى الدين أبو الربيع سليمان
(5)
ابن عثمان بن يوسف الحنفى، المعروف بالتركمانى.
مات بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، ولى نيابة القضاء عن قاضى القضاة مجد الدين بن العديم بدمشق مدّة يسيرة، ثم ترك الحكم تورعا وتزهدا.
الأمير بدر الدين يوسف بن درباس بن يوسف الحميدى، أحد مقدمى عساكر الشام.
كان متقدما فى الدولة، ولى البقاع بعد أخيه الأمير جمال الدين، وكان يخدم أولا ببغداد وقدم إلى دمشق بعد استيلاء التتار عليها، ومات فى هذه السنة.
(1)
هو الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقى السروجى، المتوفى سنة 608 هـ/ 1211 م - العبر ج 5 ص 27.
(2)
هى زينب بنت إبراهيم القيسى، أم الفضل، توفيت سنة 610 هـ/ 1212 م - العبر ج 5 ص 35.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 370.
(4)
هو زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادى، تاج الدين الكندى، أبو اليمن، النحوى، اللغوى، المقرئ، والمتوفى سنة 613 هـ/ 1216 م - العبر ج 5 ص 44.
(5)
وله أيضا ترجمة في: المنهل الصافى ج 6 رقم 1089، الوافى ج 15 ص 404 رقم 551، الدارس ج 1 ص 535.
وله نظم جيد، منه قوله فى العذار الشايب:
ولما بدا فى الخدّ ممن أحبّه
…
مشيب به قد زاد حسنا ومنظرا
تزايد وجدى إذ تزايد حسنه
…
وأحسن شئ أن ترى الغصن مزهرا
وحضر ليلة فى سماع وفيه شاب حسن الصورة لطيف الشمائل، فقام يقطّ الشمع ويصلحه بريقه، والناس يرقصون، فتواجد بعض الجماعة الحاضرين ورمى الشمعة، فوقع لهيبها فأحرق فم الشاب، فنظم بدر الدين المذكور بديها:
وبدر دجى زارنا موهنا
…
فأمسى به الهمّ فى معزل
فحنّت لتقبيله شمعة
…
ولم تحتشم ذلك فى المحفل
فقلت لصحبى وقد مكنت
…
صوارم جفنيه فى مقتلى
أتدرون شمعتنا لم هوت
…
لتقبيل ذا الرّشأ الأكحل
درت أن ريقته شهدة
…
فحّنت إلى إلفها الأوّل
الشيخ الفاضل شرف الدين عيسى
(1)
بن فخر الدين إياز، والى حماة.
مات فى هذه السنة، ودفن بنقيرين، كان من الفضلاء الأدباء.
ومن نظمه:
تحنّ إلى لقائكم القلوب
…
فهل لى فى زيارتكم نصيب
ويصبو نحوكم طرفى وقلبى
…
فذا فيكم يصاب وذا يصوب
أجيران الغّضا عودوا مريضا
…
سلامته هى العجب العجيب
لقد سئم العواذل طول سقمى
…
لفرقتكم وأيأسنى الطبيب
أيا قمرى لأن غيّبت عنى
…
كذا الأقمار عادتها المغيب
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 109، السلوك ج 1 ص 777، تذكرة النبيه ج 1 ص 148.
يعزّ علىّ بعدك عن عيانى
…
بعدت وأنت من قلبى قريب
وقال:
زدنى عن الحىّ أو عن أهله خبرا
…
إن كنت حققت مسرى الركب أين سرى
قل لى بعيشك يوم البين أين نأى قلبى
…
وصف لى حديث الدمع كيف جرى
[38]
كرر علّى أحاديث الحمى لأرى
…
بالسمع سرحته إن فاتنى النظرا
لقد تقادم عهدى بالديار ولى
…
قلب يطير اشتياقا كلّما ذكرا
يا عاذلى أنت أولى فى المحبة
…
من أولى على الحب إنصافا ومن عذرا
الأمير جك الناصرى.
مات بالشام فى الثالث عشر من رجب منها، ودفن بقاسيون وكان من الأمراء المشهورين بالفروسية، وكان رأس ميسرة عسكر الشام، وله غارات وآثار جيدة فى العدوّ.
الأمير سيف الدين قطز
(1)
المنصورى.
توفى فى هذه السنة، وكان الملك المنصور ولاّه نيابة حمص.
الأمير تنكز
(2)
بن عبد الله الناصرى، ناظر الرباط بالصالحية
(3)
عن أستاذه.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 133.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 4 ص 155 رقم 795.
(3)
الرباط الناصرى: بدار الحديث الناصرية بسفح قاسيون بدمشق، أنشأه الملك الناصر يوسف بن العزيز محمد بن غازي، المتوفى سنة 659 هـ/ 1260 م - الدارس ج 1 ص 115، 117.
توفى فى هذه السنة ودفن بالتربة الكبيرة داخل الرباط.
الملك العادل بدر الدين سلامش
(1)
بن الملك الظاهر الذى كان قد بويع بالملك بعد أخيه الملك السعيد، لما استنزل عن الملك وجعل المنصور قلاون أتابكه كما ذكرناه مفصلا
(2)
، ثم استقل بالملك وأرسله إلى الكرك، ثم أعاده إلى القاهرة، ثم سفره الأشرف فى أول دولته إلى القسطنطينية،
(3)
ومعه والدته وأخوه نجم الدين خضر، فمات سلامش هناك وصبرته أمه وجعلته فى تابوت إلى أن اتفقت عودتها فأعادته إلى ديار مصر، فدفنته بها.
وكان سلامش من أحسن الشباب شكلا وأبهاهم منظرا، افتتن به خلق كثير من الناس، وشبب به الشعراء، وكان عاقلا رئيسا مهيبا وقورا، وكان له شعر طويل جدا يقال فيه وفيمن يشاكله فى وقته بالحسن بعض الظرفاء من أهل زمانه:
وأربعة كل الأنام تحبهم
…
من الخلق سكران الفؤاد ومنتشى
قوام ابن كيكلدى ووجه أبى بيسرى
…
وثغر أبى بيبرس وشعر سلامش
الملك أرغون
(4)
بن أبغا بن هلاون ملك التتار.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 106، المنهل الصافى ج 6 رقم 1074، الوافى ج 15 ص 326 رقم 461، البداية والنهاية ج 13 ص 326، النجوم الزاهرة ج 7 ص 286 وما بعدها، شذرات الذهب ج 5 ص 411، السلوك ج 1 ص 776، العبر ج 5 ص 367، تذكرة النبيه ج 1 ص 142.
(2)
انظر ما سبق بالجزء الثانى من هذا الكتاب ص 223.
(3)
انظر ما سبق ص 88.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 310 رقم 369، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 173 أوما بعدها، درة الأسلاك ص 116، الوافى ج 8 ص 350 رقم 3784، النجوم الزاهرة ج 8 ص 29، البداية والنهاية ج 13 ص 324، شذرات الذهب ج 5 ص 411، العبر ج 5 ص 366، كنز الدرر ج 8 ص 322، السلوك ج 1 ص 776، تذكرة النبيه ج 1 ص 141، التحفة الملوكية ص 129.
توفى فى هذه السنة حتف أنفه على شاطئ نهر الكر من بلاد آران
(1)
، فى شهر ربيع الأول، وكانت مدة مملكته سبع سنين. وقيل: إنه مات مغتالا بسمّ اغتاله به وزيره. وقيل: إنه كان يدين بدين النجيشيين وهم الطائفة المشهورة بعبادة الأصنام والسحر ويعظم طريقتهم خصوصا الطائفة المنتسبة منهم إلى براهمة الهند، وكان يجلس فى السنة أربعين يوما فى خلوة يتحنث بها ويجتنب أكل لحوم الحيوان، فوفد عليه من الهند شخص يزعم أنه يعلم [علم]
(2)
الأديان ويطبب الأبدان، فأوحى إليه أن يتخذ له معجونا من داوم تداوله طالت حياته، فركبه له، فتناول منه، فأوجب له انحرافا وصرعا، وكانت فيه منيته، فقصر الله به عمره من حيث رام امتداده.
وخلّف من الأولاد الذكور قازان وخربندا، وكانا بخراسان، فاتفق الخانات ومقدمو التمانات وكبراء الأمراء وأرباب الأمراء على إقامة كيخاتو
(3)
أخيه، فأقاموه فى المملكة ورتبوه فى السلطنة، فلما استقر أمره ونفذ حكمه أساء السيرة، وخرج عن الياساق المقررة، وأفحش فى الفسق بنسوان المغل واللواط بأولادهم، فكان من أمره ما نذكره.
(4)
وقال النويرى: ويقال إن أرغون بن أبغا قتله وزيره بالسم وهو سعد الدولة وذلك أنه وقع مع بعض الخواتين، فحشى أن يطلع عليه أرغون، فسقاه
(1)
آران: إقليم مشهور بينه وبين أذربيجان نهر الرس - معجم البلدان، تقويم البلدان ص 386.
(2)
[] إضافة من زبدة الفكرة للتوضيح.
(3)
توفى سنة 694 هـ/ 1294 م - المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
(4)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 6 ورقة 173 أ، ب.
وانظر ما يلى فى حوادث سنة 694 هـ.
[39]
سما فقتل، فلما تحقق ذلك قتلوا اليهود كلهم عن آخرهم.
(1)
وفى نزهة الناظر: فكان وزيره سعد الدولة يهوديا، وقد تولى أمره، وقام على المغول كلها، وصار فى نفوسهم منه أمر عظيم، ولما سقى سعد الدولة.
ملكهم أرغون قتلوه، وسلبوا جميع أمواله، وقتلوا جماعة من أهله
(2)
.
وقال ابن كثير: وكان أرغون شهما، شجاعا، سفاكا للدماء، قتل عمه السلطان أحمد بن هولاكو فعظم فى أعين المغول
(3)
، وعظم شأنه.
وجاء الخبر بوفاة أرغون إلى السلطان الأشرف، وهو محاصر عكا، ففرح بذلك.
وكانت مدة ملك أرغون ثمان سنين
(4)
، وقد وصفه بعض مؤرخى العراق بالعدل والسياسة الجيدة.
تلابغا
(5)
بن منكوتمر بن طغان بن طربو
(6)
بن دوشى خان بن جنكزخان، ملك التتار بالبلاد الشمالية، الجالس على كرسى بركة
(7)
.
(1)
«واتهموا به اليهود أنهم سقوه، ونعوا ذلك على سعد الدولة وزيره، وكان المستولى على ملكه والغالب على أمره» - كنز الدرر ج 8 ص 322، وانظر ما جاء بنهاية الأرب ج 27 ص 405 - 406.
(2)
يوجد نحو سطر ونصف مطموس ويصعب متابعة النص.
(3)
البداية والنهاية ج 13 ص 324.
(4)
«سبع سنين» فى زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 173 ب.
«نحو سبع سنين» فى تذكرة النبيه.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 173 ب - 174 أ، نهاية الأرب ج 27 ص 366 وما بعدها، المنهل الصافى ج 4 ص 84 رقم 774، السلوك ج 1 ص 775، التحفة الملوكية ص 129.
(6)
«باطوخان» فى المنهل الصافى.
(7)
هو بركة بن توشى بن جنكزخان المغلى، المتوفى سنة 665 هـ/ 1266 م - المنهل الصافى ج 3 ص 349 رقم 660، وانظر ما جاء بالمنهل الصافى ج 4 ص 79، ونهاية الأرب ج 27 ص 357 وما بعدها.
توفى فى هذه السنة، وذلك أنه لما سار إلى غزو بلاد الكرك - كما ذكرنا - وسار نوغيه إليه، وقضيا منها الوطر، وعاد كل منهما إلى مقامه ومشتاه، سلك نوغيه الطريق المستسهل، فوصل بعسكره سالما، وسلك تلابغا السبل المستصعبة، فهلك أكثر من معه جوعا وبردا وضياعا على ما شرحناه، فتمكنت العداوة
(1)
بينه وبينه، وساءت فيه ظنونه، وأزمع الإيقاع به، واتفق على ذلك مع من حوله من بطانته وأولاد منكوتمر المنحازين إلى فئته. وكان نوغيه شيخا مجربا، وبممارسة المكائد مدربا، فنمى إليه ما هم به تلابغا فيه، وأنه جمع له العساكر، ثم أرسل يستدعيه موهما أنه يحتاجه لمشورة يحضرها عنده
(2)
.
فراسل نوغيه والدة تلابغا، وقال لها: إن ابنك هذا ملك شاب، وأنا أشتهى أنصحه وأعرفه مصالح تعود على ترتيب قواعده، [وتقرير مصادره وموارده
(3)
]، ولا يسعنى أن أبديها له إلا فى خلوة، بحيث لا يطلع عليه سواه، وأشتهى أن
(4)
القاه فى نفر يسير، [ولا يكون حوله أحد من العساكر التى جمعها إليه
(5)
]، فمالت المرأة إلى مقالته
(6)
، وانخدعت لرسالته، فأشارت على ولدها بموافقته، [وثنت عزمه عن مفاسدته
(7)
]، ففرق تلابغا العسكر الذى كان قد جمعه، وأرسل إلى نوغيه ليحضر إليه.
(1)
«فتحكمت الشحناء» فى زبدة الفكرة.
(2)
«لمشور يحضره ورأى يحضره» - فى زبدة الفكرة.
(3)
[] إضافة من زبدة الفكرة حيث ينقل العينى نص بيبرس الدوادار.
(4)
«أن» ساقط من زبدة الفكرة.
(5)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(6)
«لمقالته» فى زبدة الفكرة.
(7)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
فتجهز وجمع عسكره، وأرسل إلى أولاد منكوتمر الذين كانوا يميلون إليه، وهم: طقطا، وبرّلك، وصراى بغا، وتدان بان، فلحقوا به، ثم أسرع السير حتى قرب من مقام تلابغا الذى أعد للاجتماع فيه
(1)
. وترك العسكر الذين معه، ومن حضر إليه من أولاد منكوتمر المذكورين كمينا فى مكان، واستصحب معه نفرا قليلا، وتوجه نحو تلابغا، فسار ليتلقاه، وحضر معه ألغى، وطغرلجا، وملغان، وقدان، وقتغان، أولاد منكوتمر.
فاجتمع تلابغا ونوغيه، وأخذا فى الحديث والاستشارة، فلم يشعر تلابغا إلا والخيول قد أقبلت إليه، فتحير فى أمره، وحاق به ما أبرمه نوغيه من مكيدته ومكره، ووقف العسكر ينتظرون ما يأمرهم نوغيه بفعله ليفعلوه، فتقدم إليهم بإنزال تلابغا وأولاد منكوتمر الذين معه
(2)
عن خيولهم، فأنزلوهم، وأشار بربطهم فربطوهم.
وقال لطقطا
(3)
: إن هذا تغلب على ملك أبيك وملكك، وهؤلاء بنو أبيك وافقوه على أخذك [40] وقتلك، وقد سلمتهم إليك فاقتلهم أنت كما تشاء، فكمرت رؤوسهم وكسرت، وهم: تلابغا، وألغى، وطغرلجا، وملغان، وقدان، وقتغان أولاد منكوتمر.
وتسلطن طقطا بن منكوتمر بعد تلابغا ببلاد الشمال فى سنة تسعين وستمائة
(4)
، ولما سلم له نوغيه الملك ورتبه فيه رتب عنده إخوته المنتفعين معه وهم: برلك،
(1)
«ثم أعذ السير يطوى المراحل، ويدنى المنازل حتى إذا صار قريبا من مقام تلابغا الذى اتعدا (هكذا) للاجتماع فيه» - زبدة الفكرة.
(2)
«الذين معه» ساقط من زبدة الفكرة.
(3)
«طقطاى» فى المنهل الصافى ج 4 ص 85.
(4)
انظر نهاية الأرب ج 27 ص 366 - 367.
وصراى بغا، وتدان، وقال: هؤلاء إخوتك يكونون فى خدمتك، فاستوص بهم خيرا.
وعاد نوغيه إلى مقامه، وبقى فى نفسه من الأمراء الذين كانوا اجتمعوا مع تلابغا عليه عندما أرسل يستدعيه إليه، فدبر عليهم، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فصل فيما وفع من الحوادث فى السنة الحادية والتسعين بعد الستمائة
(*)
فى الرابع والعشرين من محرم
(1)
من هذه السنة وقع حريق عظيم بقلعة الجبل، ببعض الخزائن، وقد أتلف شيئا كثيرا من الذخائر والنفائس والكتب، ومن بينها كتب عظيمة من ذخائر الملوك التى تحتوى على العلوم الشريفة
(2)
.
ذكر فتح قلعة الروم
(3)
:
والسبب فى ذلك أن « .... »
(4)
صاحب هذه القلعة « .... »
(5)
السلطان الملك المنصور صالح « .... »
(6)
وأكثروا الفساد، وأن التتار لما حصل بينهم حرب عند وفاة ملكهم جاء الكثير منهم إلى قلعة الروم، فاتفقوا مع أهلها على قطع الطريق على المسلمين، وأخذوا منهم أسرى كثيرة، وقطعوا الطرقات،
(*) يوافق أولها الإثنين 24 ديسمبر 1291 م.
(1)
«وفى عشرين المحرم» فى البداية والنهاية ج 13 ص 326، «فى رابع عشر صفر» فى السلوك ج 1 ص 777، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 135.
«رابع صفر سنة إحدى وتسعين وستمائة» فى المواعظ والاعتبار ج 2 ص 212.
(2)
يوجد بعد ذلك أربعة أسطر معظم كلماتها مطموسة، ويصعب معها متابعة النص.
وعن خزانة الكتب بالقلعة انظر المواعظ والاعتبار ج 2 ص 212.
(3)
قلعة الروم: قلعة حصينة فى غربى الفرات، مقابل البيرة، بينها وبين سميساط - معجم البلدان.
(4 و 5) موضع كلمة مطموسة تماما.
(6)
نحو نصف سطر مطموس.
فأرسل نائب حلب بذلك إلى السلطان، وأنه لم يبق فى دار الإسلام من قلاع الكفر غير هذه القلعة يفتحها « .... »
(1)
.
ولما وقف السلطان الأشرف على كتابه طلب الأمراء، واستشار بعضهم فى ذلك، فأشاروا كلهم بالعزم إليها وفتحها، فكتب إلى نائب حلب ونائب دمشق بتجهيز سائر الآلات للحصار، وأقام أياما يجهز العساكر، ولما كمل ربيع الخيل فى مصر، خرج السلطان ثامن ربيع الآخر
(2)
، وصحبته العساكر المصرية، ووزيره ابن سلعوس، ووصل إلى دمشق سادس جمادى الأولى، وكان يوما مشهودا.
وحضر إليه فى دمشق صاحب حماة الملك المظفر، ثم استعرض الجيوش وأنفق فيهم أموالا عظيمة، وجمع عساكر مصر والشام، ثم خرج من دمشق يوم الإثنين السادس عشر من جمادى الأولى.
وسأل صاحب حماة بيدرا والشجاعى وأكابر الأمراء أن يضيّف السلطان إذا نزل بجهة حماة، فتحدثوا مع السلطان فأجاب إليهم، فلما نزل حماة، وكان صاحب حماة قد سبقه، هيأ له ما يحتاج إليه، ومد له سماطا بالميدان، فدخل السلطان والأمراء والجند وغيرهم، وجلس السلطان على رأس السماط، وخدم الملك المظفر، وأراد أن يأخذ شيشنى
(3)
فمنعه السلطان من ذلك، وبقى واقفا على
(1)
«» موضع ست كلمات مطموسة.
(2)
«فى شهر ربيع الأول» فى زبدة الفكرة مخطوط ج 9 ورقة 175 ب، البداية والنهاية ج 13 ص 327.
(3)
كلمة فارسية بمعنى ذوق الطعام أو الشراب، والمقصود أن الملك المظفر أراد أن يتذوق الطعام قبل أن يأكل منه السلطان، حتى يتأكد السلطان أن الطعام ليس مسموما.
رأس السماط، وحلف أنه لا يجلس حتى يفرغ السلطان، وصنع أحواض سكر وليمون، وأحواض سكر وسويق، وأحواض أقسما، وأحواض [41] قمز، واحتفل احتفالا عظيما.
وقال صاحب نزهة الناظر: أخبرنى علم الدين الطيبرسى أنه سأل مباشرى صاحب حماة عن أمر هذا المهم، فأخبره صارم الدين أستاذ داره أنه ذبح فى ذلك اليوم ألف رأس ومائتى رأس من الغنم، ومائة فرس، وثمانين بقرة، وعمل ألف صحن من الحلواء.
وقال ابن كثير
(1)
: وصل السلطان إلى حماة وضرب دهليزه عند ساقية سلمية، ومدّ له الملك المظفر سماطا عظيما بالميدان، ونصب خيما يليق بنزول السلطان، فنزل السلطان بالميدان، وبسط بين يدى فرسه عدة كبيرة من الشقق الفاخرة، ثم دخل الأشرف دار الملك المظفر بمدينة حماة، فبسط له الملك بين يدى فرسه بسطا ثانيا، وقعد السلطان بالدار، ثم دخل الحمام وخرج، وجلس على جانب العاصى، ثم راح إلى الطيارة التى على سور باب الثقفى المعروفة بالطيارة الحمراء، فقعد فيها، ثم توجه من حماة وصاحب حماة وعمه فى خدمته إلى المشهد، ثم إلى الحمام والزرقاء بالبرية، فصاد شيئا كثيرا من الغزلان وحمر الوحش.
وأما العساكر فسارت على السكة إلى حلب، ثم وصل السلطان إلى حلب فى اليوم الثانى والعشرين
(2)
من جمادى الأولى، وأقام فيها أياما، ثم توجه منها إلى قلعة الروم، وخرج من حلب فى اليوم الرابع من جمادى الآخرة ووصل إلى قلعة
(1)
لا يوجد النص التالى فى النسخة المطبوعة التى بين أيدينا من البداية والنهاية.
(2)
«فى الثامن والعشرين» فى كنز الدرر ج 8 ص 323،
الروم ونازلها فى العشر الأول من جمادى الآخرة
(1)
، ونصب عليها المناجيق، وهى ثلاثة وعشرون منجنيقا، أحديها عند الدهليز الشريف، والأخرى فوق جبل يسامت القلعة المذكورة وعنده الملك المظفر صاحب حماة، وكان كلما رمى الحجر فأصاب ضربت كوساته وفعرت بوقاته، والأخرى عند علم الدين سنجر الشجاعى نائب دمشق، وكان ترتيب الرمى بهذه المناجيق أن كل أمير من الأمراء يرمى يوما وليلة، والأمير علم الدين الشجاعى أقام برجا من خشب تعلوه قبة ولبّده كله وحصّنه من يمينه وشماله، وعمل فى داخلهم الرجالة فصاروا يقاتلون من داخله، وأقام العسكر عليها عشرين يوما، ولم ينل السلطان منها طائلا، وكان لا يصل إليها غير منجنيق واحد، فكان حجره يصل إلى السور، فإذا دق فيه يفتت حجره، وأجمع الأمراء على أن يزحفوا ويوصلوا النقّابين إلى السور، فركب السلطان بنفسه والأمراء، وتكفل نائب الشام ونائب حلب بالنقّابين، وكانوا نحوا من ثمانين حجّارا بالمعاول، ودخلوا فى الزحافات، وزحف العسكر جميعه، وكان يوما عظيما، وكان فى القلعة رجال لا يعرفون شى غير القتال، فقاتلوا فى ذلك اليوم قتالا عظيما، ونال المسلمين منهم شئ عظيم.
قال صاحب نزهة الناظر: بلغنى عن الشجاعى أنه قتل له فى ذلك اليوم ثلاث رءوس من الخيل، وجرحت جماعة كثيرة من مماليكه، وكذلك نائب حلب، وتفرقت الأمراء والأكابر حول القلعة، ورموا بسهام كثيرة حتى أشغلوهم عن جهة النقابين، وما برحوا إلى أن أوصلوهم إلى الأسوار وملكوها، وشرعت النقابون بالمعاول فيها فلم تؤثر المعاول فى الحجر شيئا، ووجد المسلمون من ذلك مشقة كثيرة، ولما ضايق المسلمون عليهم اجتهدوا اجتهادا عظيما.
(1)
«يوم الثلاثاء ثامن الشهر» فى كنز الدرر.
وكانوا قد كتبوا إلى صاحب سيس أن يسير إليهم نجدة، فوصل فى ذلك الوقت جماعة من عرب آل مهنّى، وأخبروا السلطان أنهم رأوا نحوا من [42] تومان من المغول وقد عدّوا الفرات، وهم قاصدون العسكر، فسمع أهل القلعة بذلك، فضربوا ناقوسهم، وأظهروا الفرح.
فعند ذلك رجع السلطان مع الأمراء إلى الدهليز، وضربوا مشورة فى أمرهم، فأسر السلطان لبيدرا نائبه أن يقول: نرحل ونرجع إليها فى العام القابل. فقال بيدرا ذلك للأمراء، وقال: قد ضجر السلطان من أمر هذه القلعة، ومن كثرة الأمطار والثلوج والبرد العظيم، وأيضا بلغه أمر المغول، فاختار أن يرجع، فسكت الأمراء، ثم قال السلطان: ما تتكلمون وما تقولون فى كلام الأمير بيدرا؟ فقال له الأمير ركن الدين الجالق
(1)
: يا خوند ما جرت عادة ولا سمعنا أن سلطانا ينزل بعسكره على بلد ويحاصره أياما ويرجع عنه إلا بسبب يقتضى ذلك. وقال الأمير لاجين: والله يا خوند لو هلكنا بأجمعنا ما نرجع إلا بفتح هذه القلعة سيما وقد قتل من المسلمين جماعة، ولم يعجبه كلامه، ثم التفت بيدرا إلى الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وقال له: ما رأيك نقيم أو نرحل؟ فالتفت إليه التفات المغضب وقال: يا أمير، الحرب لعب الصغار، من قتل منا ومن خرج حتى نرحل من القلعة، ثم قال له السلطان، وقد حصل فى نفسه من كلامه حنق عظيم: كيف يكون العمل مع هذا العدو الذى قد تعدى الفرات؟ فقال: إن رسم السلطان لى أركب وصحبتى بعض الأمراء وألاقى هذا العدوّ، فنرجو من الله النصر عليه أو الموت فى سبيل الله، فالسلطان يكون مقيما بالعسكر والحصار يكون مستمرا ولا
(1)
هو بيبرس بن عبد الله الجالق الصالحى، المتوفى سنة 707 هـ/ 1307 م - المنهل الصافى ج 3 ص 474 رقم 719.
يشمت بنا العدو، فإذا سمعت الناس أن سلطان مصر وعساكرها نزلوا على قلعة، ثم رحلوا عنها ماذا يقولون؟ والله نموت جميعا خير من هذه السمعة.
فعند ذلك عينوا سنقر الأشقر والأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح وأضافوا لهما أمراء ومقدار ألفى فارس وصحبتهم آل مهنى وآل فضل وآل مرى وبنو كلاب وأمراء التركمان، فتجهزوا وساروا وجدوا فى سيرهم إلى أن بلغوا الفرات، فلم يجدوا أحدا، ولا ظهر لهم راكب ولا راجل، وكان حقيقة ما ذكره العرب أن صاحب سيس لما كتب إليه أهل القلعة وطلبوا منه النجدة علم أنه عاجز عن ذلك ولكن احتال فى ذلك حيلة، فطلب ثلاثة من أمراء الأرمن وجرد معهم خمسة آلاف فارس من الأرمن، وألبس جميعهم لبس المغول، وجعل على رؤوسهم السراقوجات التى يركب بها المغول، وجعل لهم رايات وطبول على زى عسكر المغول، وأمرهم أن ينزلوا على بر الفرات ويعدوه إذا لم يصادفوا عسكرا هناك، ويكونوا على حذر عظيم ويتراءوا لأهل البلاد والعرب حتى يظنون أنهم مغول، ويصل أخبارهم إلى العسكر فيقع فى نفوسهم أن عسكر المغول قد حضروا لنصرتهم فيرجعون عن حصارهم، فساروا على هذه الهيئة وفعلوا ما قال لهم صاحبهم. ورآهم بعض العرب فأخبروا عسكر السلطان بذلك، ثم لما أرسل السلطان من ذكرنا من عسكره وبلغ خبرهم إلى الأرمن أخذوا حذرهم منهم، فرجعوا خائبين خاسرين [43] وجاء الخبر بذلك إلى السلطان، ثم فى عقيبه جاء العسكر المجردون، فقوى بذلك عزم المسلمين على القتال والحصار، وتفرقوا على القلعة كتائب ومواكب، واستعملوا المعاول فى أسوارها، ولم يزالوا على ذلك إلى أن جاء نصر الله والفتح.
ففتحت بالسيف يوم السبت الحادى عشر من رجب من هذه السنة، فطلع إليها المسلمون ومكنوا السيوف من الأرمن، ولم يرحموا كبيرها ولا صغيرها ولا كهلها ولا شابها، ونهبوا ذراريهم، وذلك لأنهم ما وجدوا بها كسبا طائلا مثل عادة القلاع والحصون، ولم يكن لهم باع كثير، وإنما كانوا مقاتلة، فبذلك حنقت العسكر عليهم، ووضعوا فيهم السيوف بلا رحمة ولا شفقة، وأخذوا منها نحو ثلاثمائة أسير، فأحضروهم إلى مصر، واعتصم كيثاغيكوس خليفة الأرمن
(1)
المقيم بها فى القلة
(2)
، وعنده بعض من هرب من القلعة، فرسم السلطان أنّ يرمى عليهم بالمنجنيق، فلما وتروه ليرمى عليهم طلبوا الأمان من السلطان فلم يؤمنهم إلا على أرواحهم خاصة وأن يكونوا أسرى، فأجابوا إلى ذلك، وأخذ كيثاغيكوس وجميع من كان بقلة القلعة أسرى عن آخرهم.
وأمر السلطان أن يمحى عنها سمة الرومية ولا يسميها أحد بتلك الاسمية؛ بل تسمى قلعة المسلمين الأشرفية.
ثم رتب السلطان سنجر الشجاعى لعمارتها وتحصين قلعتها وترتيب ما يعود على مصالحها، وأمر أن يخرب ربضها ويبعد عنها.
وفى نزهة الناظر: وما رحل السلطان عنها حتى رتب فيها نائبا وهو الأمير جمال الدين أقشى العارضى، وذلك بعد ما قبض على الأمير عز الدين الموصلى بسبب أنه رسم له أن يكون نائبا بها، فأبى ذلك، فقبض عليه، ورتب جمال الدين المذكور، وأقام فى يومه فى القلعة الخليلية.
(1)
المقصود هو بطرك الأرمن، فيذكر ياقوت أن بها مقام بطرك الأرمن خليفة المسيح عندهم ويسمونه بالأرمنية كيثاغيكوس - معجم البلدان.
(2)
قلة القلعة: قمة القلعة - لسان العرب.
ونظم بعض كتاب الدرج:
فديتك من حصن منيع جنابه
…
تطهرت من بعد النجاسة والشرك
وقد صرت تدعى بالخليلين دائما
…
خليل إله العرش والبطل الترك
وكان المسلمون رأوا فى إقامتهم على هذه القلعة أمورا صعبة كان أكثرها من الزلازل والأمطار والصواعق، واتفق يوما أن الأمير بدر الدين بيدرا كان جالسا وقد تقدم الفراش ليمد السماط بين يديه وإذا بصاعقة قد نزلت بخيمته فنفذت من الخيمة ووقعت على ظهر الفراش فقصمته نصفين ووقع إلى الأرض، ونفر كل من كان واقفا وغاصت الصاعقة فى الأرض، وقام بيدرا وفى قلبه رجفة عظيمة.
قال صاحب النزهة: ثم رسم السلطان بكتاب البشارة يكتب إلى مصر
(1)
، فكتب ما نسخته.
بسم الله الرحمن الرحيم مبشرة بفتح ما سطرت به الأقلام أعظم بشائره
(2)
، ولا تفوّهت ألسنة خطباء هذا العصر على المنابر بأفصح من معانيه فى سالف الدهر
(1)
أورد كل من ابن أيبك والنويرى وابن الفرات نص البشارة التى كتبها شرف الدين القدسى على لسان السلطان، إلى قاضى القضاة شهاب بن الخويى بدمشق، وبها فقرات من البشارة التالية - انظر نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 301 أوما بعدها تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 139 وما بعدها كنز الدرر ج 8 ص 324 وما بعدها.
وانظر أيضا نص البشارات التى أوردها ابن حبيب فى تذكرة النبيه ج 1 ص 150 وما بعدها والبشارات التى أوردها ابن أيبك فى كنز الدرر ج 8 ص 324 - 332.
(2)
«نبشره بما فتح الله به على الإسلام، ما سطرته فى صدور الطروس الأقلام» فى كنز الدرر.
وغابره، وهو البشرى بفتح قلعة الروم، والهناء لكل من رام للإسلام نصرا ببلوغ ما رام وما يروم.
وذلك أننا ركبنا من مصر وما زلنا نصل السّرى بالسّير، ونرسل الأعنّة إلى نحوها فتمد الجياد أعناقها مسدّا ينقطع بين قوائمها السّير، واستقبلنا من جبالها كل صعب المرتقى، شاهق لا يلتقى به مسلك ولا يلتقى، فما زالت العزائم الشريفة تسهل حزونه، والشكائم [تفجر
(1)
] بوقع السنابك على أحجاره عيونه، [44] والجياد المطهمة ترتقى مع امتطاط متونها بدروع الحديد متونه، فجعل جبالها دكا، وحاصرها حتى ألحق بها حصن عكا، ولما أراد الله بالفتح الذى أغلق على المغول والأرمن أبواب الصواب، والمنح الذى أضفى على أهل الإيمان والمجاهدين أثواب الثواب، فتحت هذه القلعة بقوة الله ونصره يوم السبت الحادى عشر من شهر رجب، فسبحان من سهل صعبها، وعجل كسبها، ومكن منها ومن أهلها، وجمع ممالك الإسلام شملها.
وكان ذلك بخط شهاب الدين محمود، ونظم للسلطان يهنئه:
لك الراية الصفراء يقدمها النصر
…
فمن كيقباذ إن رآها وكيخسرو
إذا خفقت فى الأفق هدّت بنودها
…
دعائم
(2)
واستعلى الهدى وانجلى الثغر
(3)
وإن يمنّت نحو العدى سار نحوها
…
كتائب خطر دوحها البيض والسمر
(4)
(1)
[] إضافة مما ورد فى نهاية الأرب للتوضيح.
(2)
«هوى الشرك» فى كنز الدرر ج 8 ص 334.
(3)
إذا خفقت فى الأفق هدت بنورها
…
هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر
فى البداية والنهاية ج 13 ص 328.
(4)
وإن يممت زرق العدى سار تحتها
…
كتائب خضر دوحها البيض والسمر
فى البداية والنهاية، وكنز الدرر.
كأنّ مثار النقع ليل وخفقها
…
بروق وأنت البدر والفلك الحتر
بذل لها عزم
(1)
…
فلولا مهابة
كستها
(2)
الحيا جاءتك تسعى ولا مهر
صرفت إليها عزمة
(3)
…
لو صرفتها
إلى البحر لاستولى على مدّه الجزر
(4)
ولما سبقت البشارة إلى مصر فرحت العالم، وكتب الجواب يستأذنون على عمل قلاع وزينة، كما كانت العادة بذلك عند مثل هذه القضية.
وكان السلطان لما دخل دمشق سأله أهلها أن يصوم رمضان عندهم، وذلك لما فى قلوبهم من المحبة الأكيدة، ورأى السلطان أيضا طيبة دمشق ونزهها، قصد الإقامة بها، فكتب الجواب إلى مصر أن يمنع العمل للقلاع فإن السلطان عزم على أن يصوم رمضان بدمشق.
وكان الصاحب شمس الدين - عند دخول السلطان دمشق - اقترح على أهلها ببسط الشقق تحت قوائم الخيل من سائر الأصناف، كما اقترح ذلك على المصريين، ولم يقترح أحد غيره قبله، فصار عادة إلى الآن، وكتب بذلك على أهل دمشق كل أحد بقدر حاله وقدر منزلته، ولما بسطوا الشقق وأخذها أرباب الوظائف من السلحدارية والطبردارية وغيرهم أخذها الوزير عنهم وجمعها منهم، وعوضهم منها شيئا يسيرا، ثم ألزم كل من بسط شيئا أن يأخذه ويحمل ثمنه إليه، فوقفت جماعة منهم بين يدى السلطان واستغاثوا بجماعة من الحرافيش والعوام، فاستغاثوا إليه، وأنهوا ضررا بذلك، وكان وقوفهم فى سوق الخيل والسلطان راكب،
(1)
«بذلت لها عزما» فى البداية والنهاية، كنز الدرر.
(2)
«كساها» فى البداية والنهاية، كنز الدرر.
(3)
«صرفت إليهم همة» فى البداية والنهاية، كنز الدرر.
(4)
ورد فى البداية والنهاية 40 بيتا من هذه القصيدة - انظر ج 13 ص 328 - 329. كما ورد منها 61 بيتا فى كنز الدرر ج 8 ص 334 - 338.
فرسم السلطان للحاجب أن كل من باسمه شئ يأخذه ولا يعطى للوزير شيئا، وطلب الوزير وأنكر عليه ذلك.
وقال بيبرس فى تاريخه: ولما كنا فى شدة الحصار والقتال والمضايقة والنزال أشرفت علينا من البر الشرقى طائفة من التتر لائحة من بين الجبال، فرسم السلطان لتجريد جماعة من العساكر صحبة بعض الأمراء الأكابر لكشف الخبر وقص الأثر وحسم مادة من ظهر من التتر، فجرد أربعة مقدمى الألوف ومضافيهم منهم الأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح وكنت من مضافيه، والأمير ركن الدين طقصو الناصرى، والأمير سيف الدين بلبان الحلبى، والأمير حسام الدين لاجين السلحدار المنصورى، فسرنا جميا سيرا [45] عنيفا، وعبرنا الفرات من مخاضة شميصاط
(1)
، وسرنا فى البر الشرقى عامة الليل والنهار، وقصصنا الآثار فلم نجد أحدا من التتار، فعدنا فى الحال وحضرنا إلى المنازلة والقتال حتى افتتحنا قلعة الروم، وبلغ السلطان منها ما كان يروم.
ولقد اتفق فيما بعد وصول الأمير سيف الدين
(2)
جنكلى بن البابا أحد أمراء التتار إلى الديار المصرية، فأخبرنى أنه كان فى تلك السرية وأنها كانت زهاء على عشرة آلاف فارس صحبة مقدم يسمى نيتمش
(3)
، وكانت قد جاءت تلتمس فرصة وتطلب من المسلمين غرة. قال المذكور: فلما شاهدنا كثرة العساكر وعظمتها أيقنا أن لا قبل لنا بها، فرجعنا على أعقابنا وسرنا مجدين إلى مقامنا
(4)
.
(1)
«شميصات» فى زبدة الفكرة.
(2)
«بدر الدين» فى التحفة الملوكية ص 131.
(3)
«بيتمش» فى التحفة الملوكية ص 131.
(4)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 176 ب، 177 أ، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 131.
قلت: هذا الذى ذكره بيبرس يخالفه ما ذكره صاحب نزهة الناظر، ولكن الأصح ما ذكره بيبرس لأنه صاحب الواقعة:
إذا قالت حذام فصدّقوها
…
فإن القول ما قالت حذام
(1)
واعلم أن قلعة الروم هذه كانت فتحت أيام الصحابة رضى الله عنهم فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه صلحا، واستمر بها أهلها، لأن الصحابة أبقوا كنائس كثيرة على أن يؤدوا الجزية ويطالعوا المسلمين بالأحوال. ذكر ذلك البلاذرىّ وغيره.
وذكر صاحب حماة فى مختصر تاريخه الذى سماه: الحدائق والعيون: أن السلطان نور الدين الشهيد توجه إليها فى سنة تسع وستين وخمسمائة، فتقبل خليفة الأرمن بحمل خمسمائة ألف درهم على سبيل الجزية، فرجع.
واسمها بالأرمنية هروم كلين، وتفسيره بالعربى قلعة الروم، وكانت هذه القلعة كرسىّ مملكة الأرمن وبها خليفتهم واسمه الكيثاغيكوس، وكان قد عدّى المائة سنة، وكانت فى حكم التتار ولهم بها شحنة، أسر فى جملة الأسرى، وكان بها على المسلمين أعظم نصرة.
وصفتها: أنها كانت قديما ثلاث قلاع صوامع على سن جبل بين جبال، ثم حصنها الأرمن بأسوار قد احتفل بانيها بتشييدها غاية الاحتفال، ما رمقها طرف إلا بهت لعلوّها وسها، ولا تأملها متأمل إلا وطن شرفاتها الأنجم وقلتها السهى.
(1)
هذا البيت للجم بن صعب - من شعراء الجاهلية -، وحذام التى يذكرها فى البيت هى امرأته - انظر شرح شذور الذهب ص 95.
وهى من أحصن القلاع وأعظمها فى الارتفاع والامتناع، ولا يتوصل إليها إلا من طريق صعبة المرتقى لا يستطيع الفارس سلوكها، وبحر الفرات جار من تحتها، ولا منزلة لمن ينازلها
(1)
إلا فى لحفها
(2)
.
وهى بين عقاب صعاب كما قال الشاعر:
عقاب بها كل العقاب ومحجر
…
كأنى أمشى فوقه بالمحاجر
ويدور بها نهر يسمى نهر مرزبان، وبيوت أهلها مغاير منقورة فى الجبل محكمة الصنعة.
وذكر فى بعض التواريخ: أن المثال الشريف ورد إلى الأمير عز الدين أيبك الخازندار نائب السلطنة بمصر فى الغيبة على يد الأميران السلاح دار وأقوش الموصلى الحاجب فى بكرة الإثنين العشرين من رجب الفرد، وهو من إملاء القاضى فتح الدين بن عبد الظاهر، وهذه نسخته
(3)
:
بسم الله الرحمن الرحيم
أدام الله نعمة المجلس العالى الأميرى العزى، ولا برحت متلوة عليه آيات التأييد، واردة إليه بشائر ظفرنا التى يتجمل بحملها البريد، قادمة عليها التهانى، كم لحمائم الحمد فى أفانينها من تغريد، تبشره بفتح ما خطر على بال أحد أنه يكون، ولا أن صعبه يهون، ولا أن نيله على غير عزائمنا الشريفة يقرب ولا فى الوهم، ولا أن الحظوظ تبلغ فيه من مرامها [46] سهما، ولا أن الخطوب ترامى مراميه بسهم، وذلك لبعد مداه، وقوة قومه بالنفار المخذولين الذى تكفأ
(1)
«لمنازلها» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.
(2)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 176 أ.
(3)
انظر ما سبق ص 117.
أكف عداه، وهو فتح قلعة الروم الذى بلغ كل من رمى من الأعداء بنصل النصر ما يروم، وفتح على التتار والأرمن أبوابا من البلاء، كان هذا لحصن على حافة الفرات قفلها المربح، وبطليعة كيدهم جواده الملجم المسرج، لأنه فى برّ الشام على جانب الفرات، والتتار المخذولون به حافون، وحوله صافون، ونافسهم عليها منا أشرف سلطان، جعل جبلها دكا، وحاصرها حصارا ألحقها بعكا، ونصبنا عليها عدة مناجيق تنقض حجارتها انقضاض النسور، وتقتنص الأرواح من الأجسام وإن ضرب بينها وبينهم سور، وتفترس أبراجها بصقور صخور افتراس الأسد الهصور، هذا والنقوب تسرى فى بدناتها سريان الخيال، وإن كانت جفونها المسهدة وعمدها الممدّدة، وحفظها المجندة، ورواسيها على جبل الفرات موطدة، وقد خندقوا عليها خندقا جرى فيه الفرات من جانب ونهر مرزبان من جانب، ووضعها واضعها على رأس جبل يزاحم الجوزاء بالمناكب، وصفح صرحها الممرد فكأنه عرش لها على الماء، وإذا رامها رائيها اشتبهت عليه بأنجم السماء، وما زالت المضايقة «تنقص من حبلها أطرافه، وتستدر بحيلها آخر الطرف وتقطع»
(1)
، بمسائل جلاد مقاودها وحلالها خلافه، ويورد عليها من سهامها كل إيراد لا تجاوب إلا بالتسليم، ويقضى عليها بكل حكم لا يقابل موته إلا بالتحكيم.
ولما أذن الله بالفتح الذى أغلق على الأرمن والتتار أبواب الصواب، والمنح الذى أضفى على أهل الإيمان من المجاهدين أبواب الثواب، فتحت هذه القلعة بقوة الله ونصره فى يوم السبت حادى عشر رجب الفرد.
(1)
«» مكتوب بهامش المخطوط، ومنبه على موضعه بالمتن.
والمجلس السامى يأخذ حظه من هذه البشرى التى بشرت بها ملائكة السماء ملك البسيطة وسلطان الأرض، وتكاثر على شكرها كل من أرضى الله طاعته وأغضب من لم يرض من ذوى الإلحاد، ومن حاد الله له حاد، وممن ينتظر من هذه الانفار إنجاز الإلحاد، فإنه بفتح هذه القلعة وتوقلها وحيازة ثغرها ومعقلها تحقق من سيحون وجيحون أنهم بعد فتح باب العراق تكسر أقفالها هذه القلعة، لا يرجون
(1)
أنهم ينجون، وما يكون بعد هذا الفتح إن شاء الله إلا فتح المشرق والروم، وملك البلاد من مغرب الشمس إلى ملك مطلع الإشراق، والله يؤيده ويعضده، وكتب فى يوم الفتح المبارك سنة إحدى وتسعين حسب المرسوم الشريف.
وقال بيبرس فى تاريخه: واجتهد الأمير علم الدين الشجاعى «فى فتح هذه القلعة»
(2)
اجتهادا عظيما، وعمل سلسلة عظيمة وعلقها قريبا من شراريف القلعة، وطرفها واصل إلى أسفل الربض، فكانت الجند يستمسكون بها ويصعدون فيها، فارتقى فيها جماعة من العسكر وفيهم شخص
(3)
من أوشاقية الأمير بدر الدين أمير سلاح يسمى اقجبا، فقاتل قتالا شديدا وأبلى بلاء حميدا، والسلطان ينظر إليه، والعسكر يثنون عليه، فرسم له بتشريف وامرة، فسأل امير سلاح أن تكون الإمرة لولده محمد، فأعطى إقطاعا وطبلخاناة، ثم تتابعت العساكر فى تلك السلسلة فكانت حيلة إلى القصد موصلة، فملكوا القلعة، [وطلعتها
(1)
«لا يرجون» بهامش المخطوط، ومنبه على موضعها بالمتن.
(2)
«فيها» فى زبدة الفكرة.
(3)
«وفيهم واحد» فى زبدة الفكرة.
السناجق بسرعة، وقتل من وجد فيها من المقاتلة، وسبى النسوة والعائلة، ووجد بها بطرك الأرمن فأخذ أسيرا
(1)
.].
ذكر رجوع السلطان إلى حلب، ثم إلى دمشق ثم إلى مصر:
ثم إن السلطان بعد ما فتح الله عليه ونصره رجع إلى حلب، فأقام بها بقية رجب وشعبان
(2)
، وفى تلك الأيام [47] أصاب الجمال مرض مميت، فأباد أكثرها حتى جافت الوطاقات وأنتنت الطرقات، ولم يبق لأكثر العساكر شئ تحمل
(3)
أثقالهم، فحملوها على بغالهم.
وعزل السلطان شمس الدين قراسنقر عن نيابة حلب، ورتب فيها سيف الدين بلبان الطباخى نائبا، عوضا عن قراسنقر، وجعل عز الدين الموصلى مشدا فيها.
ثم رحل عنها إلى دمشق، فصام بها رمضان وعيد بها عيد الفطر، كذا ذكره بيبرس فى تاريخه
(4)
.
وقال ابن كثير: عزل قراسنقر عن نيابة حلب واستصحبه معه، وولى موضعه على حلب سيف الدين بلبان المعروف بالطباخى
(5)
، وكان نائبا بالفتوحات،
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة للتوضيح.
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 176 أ، ب.
(2)
«فأقام بها بقية شهر رجب ونصف شعبان» تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 142.
(3)
«لحمل» فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 177 أ.
(4)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 177 أ.
(5)
«البطاحى المنصورى» فى البداية والنهاية، وهو تحريف عن الطباخى.
ويلاحظ أن النص فى البداية والنهاية يختلف عما ورد هنا، وبه نقص واضح - ج 13 ص 328.
وكان بقلعة بحصن الأكراد، فعزله وولى موضعه عز الدين أيبك الخازندار المنصورى، ثم رحل إلى دمشق بكرة يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان، وصام بها شهر رمضان، وعيد عيد الفطر.
وفى ليلة العيد هرب حسام الدين لاجين الذى كان نائبا بدمشق، وكان السلطان قد اعتقله وهو على حصار عكا كما ذكرنا، ثم أفرج عنه فى أوائل هذه السنة، وسار مع السلطان إلى قلعة الروم وعاد معه إلى دمشق، فلما وصل إليها استوحش من السلطان وهرب منه إلى جهة الغرب، فقبضوه وأحضروه إلى السلطان، فبعث به إلى الديار المصرية، فحبس بها، وقبض على ركن الدين طقصو لأنه صهره على ابنته، ولأنه تكلم فى حق الأمير بدر الدين بيدرا، فلما قبض عليه بعث به إلى قلعة الجبل، فاعتقل بها.
وذكر فى النزهة: أن السلطان لما طلب أن يقبض على حسام الدين لاجين ما وجده، وكان قد علم من السلطان أنه يقصد مسكه، فهرب وحده، وخرج من بين يدى السلطان بعد أكل السماط، وقال لمماليكه، روحوا أنتم، وطلب طريق صرخد، فلما علم السلطان بهروبه أركب سائر مماليكه وقال: لو وصلتم إلى الفرات لا تردوا إلا به، وطلب السلطان أن يركب خلفه فمنعه بيدرا وقال: يا خوند إش يقال، يقول الناس السلطان بنفسه يستحث مملوكه، وطلب والى البرّ ووالى المدينة وأمرهم بالمناداة عليه ومن أحضره كان له ألف دينار، ومن أخفاه شنق، واحتيطت المدينة، ولم يتهن أحد بالعيد، فرجع الأمراء ولم يقعوا به ولا وقفوا على أثره، فبطق
(1)
السلطان إلى سائر الأقاليم، وكتب
(1)
بطق: البطاقة الورقة، والبطاقة رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما تجعل فيه، إن كان عينا فوزنه، وإن كان متاعا فقيمته. اللسان.
لسائر العربان بسبيه وبالاحتفاظ على الطرقات، وبقى السلطان فى قلق من جهته، فأقام ينظر خبره إلى أن وقعت بطاقة من جهة الشريفى والى البرّ أنه قبض لاجين من صرخد وهو واصل به، ففرح السلطان بذلك فرحا عظيما.
وكان سبب وقوع لاجين أنه سار وحده إلى أن بلغ أبيات هلال البدوى، وكانت بينهما صحبة أكيدة وصداقة متقدمة من أيام كان لاجين نائبا بالشام، وكان لاجين يحسن إليه كثيرا، فلما رآه هلال وحده استخبره عن أمره، فعرفه الأمر وما اتفق له، فأخذ يطيب خاطره وباتا يتشاوران فيما يفعلانه، فاتفق الرأى أنه يخفيه، وأرسل فى الباطن وعرف الشريفى أن لاجين عنده، فركب الشريفى وحضر إلى بيوت هلال، فلما رآه لاجين علم أن هلالا غدر به، فخرج إليه فقبض عليه وحمله إلى السلطان فى دمشق، فقصد السلطان قتله بدمشق، فأخره بيدرا إلى المدينة، فأرسله إلى مصر مقيدا فى سادس شوال على البريد، وإنما أخره الله يعنى لأمر يكون قدّره فى الأزل.
[48]
ذكر تجريد العسكر إلى جبال كسروان
(1)
:
كان السبب فى ذلك أن السلطان لما كان نازلا على قلعة الروم كان أهلها ينزلون ويقطعون الطريق على التجار والمسافرين، وهم كانوا دائما عصاة على نائب الشام وغيره، وكان الشجاعى لما كان نائب الشام أراد أن يركب إليهم بالعساكر، فمنعه أمراء الشام لما يعلمون من كثرتهم ومنعتهم، ولضيق الطرقات إليهم بحيث لا يسلكها الفارس، ولما دخل السلطان دمشق عرفوه بأمرهم،
(1)
جبال كسروان: سماها بيبرس المنصورى: جبال الضنين، وهى جبال الدروز بلبنان، ومنها ينبع نهر إبراهيم. زبدة الفكرة ج 9 (مخطوط) ورقة 177 أ، السلوك ج 1 ص 779 هامش (1).
فاقتضى رأيه أن يجرد عسكرا صحبة بيدرا، وكان بيدرا قد وقف على حقيقة هؤلاء القوم، فكره الذهاب إليهم، فلما خاطبه السلطان بذلك شرع فى الاستعفاء، فخرج السلطان من ذلك وصاح فى وجهه وأخرجه من بين يديه وألزم نفسه أنه متى ما لم يسافر قبض عليه.
فاضطر بيدرا عند ذلك إلى خروجه، فخرج ومعه عسكر نحوا من عشرة أمراء وثلاثة آلاف فارس، فساروا إلى أن وصلوا إلى جبال كسروان ورتبوا أمورهم، فعلم بهم الجبلية فخرجوا إليهم فى جمع عظيم، وكانوا كفرة روافض ولهم شوكة كبيرة، وجمعهم بمقدار عشرة آلاف نفر، وكلهم يرمون على القسى القوية، ومشيهم فى تلك الجبال أسرع من مشى الخيل لأنهم تربوا فيها وألفوا بها، فاستقبلوا عسكر السلطان بالرمى والقتال، ثم رجعوا عن ذلك كالمنكسرين، وكان ذلك حيلة منهم حتى استجروا العسكر إلى المواضع الصعبة، ثم يفعلون فيهم ما يشاءون، فلما حصلوا فى تلك المواضع رجعوا عليهم ورموهم بالأحجار والقسىّ ونالوا منهم، ثم إن عسكر السلطان قاتلوهم قتالا عظيما على أن يجدوا طريقا فيرجعون عنهم، وكانوا قد ملكوا الطريق عليهم، ورأى العسكر شدة عظيمة إلى أن رجعوا إلى مكان وطلعوا منه، وقتل فى ذلك اليوم تحت بيدرا ثلاث رؤوس من الخيل، وكذلك سائر الأمراء، فلما نزلوا إلى المخيم، افتقدوا العسكر، فوجدوا قد جرحت منهم جماعة وأسرت جماعة، فتحيروا ولا يدرون ماذا يفعلون.
وكانت الجبلية يعتقدون أن هذه العسكر هم عسكر الشام، فلما سألوهم قالوا:
إنه نائب السلطان الأمير بيدرا، و [لما
(1)
] علموا بذلك ندموا على فعلهم،
(1)
[] إضافة تتفق مع السياق.
وأطلقوا الأسرى، وسألوهم أن يتوسطوا فى إصلاح أمرهم مع السلطان خشية على أنفسهم، فهؤلاء عرّفوا الأمراء، فأشارت الأمراء على بيدرا بإصلاح الأمور وإلا منعت العسكر، واتفق الحال على أن الجبلية أرسلوا من استحلف بيدرا والأمراء على أنهم لا يؤذونهم ولا يخونونهم، فانصلح الأمر بينهم، ثم نزلوا بالإقامات وأحضروا هدايا كثيرة، وخلع بيدرا عليهم، وكتب عليهم، بمال يحملونه كل سنة، واستحلفهم للسلطان، ثم رحل عنهم
(1)
.
ولما وصل إلى دمشق كان الخبر وصل قبله إلى السلطان وكان بين مصدق ومكذب، فلما حضر بيدرا تحقق الخبر، فأخذ يسبه وينكته بالقول، ويقول ويلك مثلك نائب السلطان وتروح إلى أناس فلاحين فى جبل وتكسر عسكرى وتنكسر أنت، فأغلظ عليه بالقول كثيرا، وآخر الأمر قال له: أخرج من وجهى وإلا ضربت رقبتك.
فخرج من بين يديه وهو فى ألم عظيم
(2)
، وحصلت له حمى حادة، وأصبح خبره شائعا بضعفه، وركبت إليه الأمراء، فمنع من يدخل إليه، وسير السلطان الحكماء والوزير إليه، وتألم بسببه، [49] وبقى من العشر الأول من رمضان إلى نصفه والسلطان ينزل إليه ويطيب خاطره، ورسم أن يرتب له فى كل يوم
(1)
ذكر المقريزى: فلقيهم أهل الجبال، وعاد بيدرا شبه المهزوم، واضطرب العسكر اضطرابا عظيما، فطمع أهل الجبال فيهم، وتشوش الأمراء من ذلك، وحقدوا على بيدرا ونسبوه أنه أخذ منهم الرشوة، - السلوك ج 1 ص 779، وانظر أيضا ما ورد بهذا الخصوص فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 142 - 143.
(2)
ذكر المقريزى «فلما عاد (بيدرا) إلى دمشق تلقاه السلطان وترجل له عند السلام عليه، وعاتبه سرا فيما كان منه» - السلوك ج 1 ص 779.
عشرة آلاف درهم يتصدق بها على الفقراء والأيتام والأرامل وأصحاب الزوايا إلى أن عوفى، فلما ركب رسم أن يجمع الفقراء والمشايخ ويعمل لهم وقت فى جامع بنى أمية؛ فعمل، وكان وقتا عظيما، ولم يبق فى دمشق فقير ولا صعلوك إلا أكل من طعام ذلك الوقت والمهم.
ذكر خروج السلطان من دمشق وتوجهه إلى الديار المصرية:
كان خروجه من دمشق فى عاشر شوال يوم الإثنين
(1)
، ودخل مصر يوم الأربعاء الثانى من ذى القعدة؛ ودخلها فى أبهة عظيمة، وأحضر صحبته قراسنقر المنصورى وجعله مقدما على المماليك السلطانية.
قال ابن كثير: ولما استقر السلطان فى القلعة قبض على الأمير سنقر الأشقر
(2)
وعجل بإعدامه، وأذاقه كأس حمامه، وقبض على الأمير سيف الدين جرمك الناصرى وأعدمه، هو وطقصو خشداشه، وكانت وفاة هؤلاء الثلاثة فى وقت معا، وقصد إعدام حسام الدين لاجين فسلم الله نفسه لأمر كان فى طى الغيب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، وكان هذا فى أواخر ذى القعدة
(3)
.
(1)
«يوم الإثنين تاسع شوال» فى كنز الدرر ج 8 ص 339.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 112، نهاية الأرب (مخطوط) 29 ورقة 69، ج 7، كنز الدرر ج 8.
ص 340، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 151، السلوك ج 1 ص 781 - 782، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 85 رقم 127، تذكرة النبيه ج 1 ص 154.
(3)
أورد المقريزى هذا الخبر على أنه من أحداث سنة 692 هـ وقال: «فى ليلة أول المحرم» السلوك ج 1 ص 782.
وكان السلطان استحضر
(1)
سنقر الأشقر وطقصو فعاقبهما فاعترفا بأنهما أرادا قتله، فسألهما عن لاجين فقالا: لم يكن معنا ولا علم له بهذا، فخنقهما وأطلقه بعد ما كان الوتر فى حلقه «وكانت له مدة لا بد منها
(2)
» وقد ملك بعد ذلك كما سنذكره
(3)
.
وذكر فى نزهة الناظر: أن مسك سنقر الأشقر ومن معه كان والسلطان فى دمشق، وأن السبب فى مسكه ما صدر منه والسلطان وعسكره محاصرون قلعة الروم، وهو أن السلطان لما استشار الأمراء هناك فى الرجوع عن قلعة الروم حين بلغه وصول التتار كان آخر كلام سنقر الأشقر هذا للأمير بيدرا: الحرب، هو لعب الصغار
(4)
، فأثرت هذه الكلمة فى نفس السلطان أثرا كبيرا، وصار إذا جلس مع بيدرا والخاصكية يقول لبيدرا: سمعت قول سنقر الأشقر الحرب هو لعب الصغار، ما كان هذا القول لك، بل كان لى، يقول لك ويسمعنى، ولما دخل دمشق وأرسل بيدرا إلى جبال كسروان كما ذكرنا وجرى ما جرى، ثم عادوا إلى دمشق، شرع السلطان يباكت الأمراء ويقبح عليهم فعلهم، والتفت إلى بيبرس الجالق وقال: ما أسمع يقولون إلا البحرية فعلوا كذا وصنعوا كذا وفشارات كثيرة وما رأينا منهم شيئا. فقال الجالق: بالله يا خوند خلّ عنك ذكر البحرية وقد بقينا كلنا على آخر نفس، وما بقى لنا غير الراحة والقعود فى بيوتنا وينتفع الشبان بأخبازنا، فالتفت إليه السلطان وهو مغضب
(1)
بداية ما ورد من هذا النص فى البداية والنهاية ج 13 ص 330.
(2)
«وكان قد بقى له مدة لا بد أن يبلغها» - البداية والنهاية.
(3)
البداية والنهاية ج 13 ص 330.
(4)
انظر ما سبق ص 114.
وقال: إذا أخذت خبزك وأعطيته لغيرك من يمنعنى أو أخاف من أحد، وإنما أنتم ما تتركون فشاركم، كلما يتكلم أحد تقولون: لو كانت البحرية؛ وكان يتكلم بذلك ويشير إلى سنقر الأشقر.
فأخذ سنقر الأشقر من كلامه فى قلبه أمرا عظيما، فأجابه على الفور، فقال يا خوند: كم تذكر البحرية، ما رأى السلطان البحرية إلا إذا ركب واحد منهم فرسه ما يقدر على ركوبه إلا بمعونة خمسة أنفس وكذا إذا نزل، وكان أحدهم إذا أخذ فى يده رمحا ما كان أحد يقدر على مقابلته، فاليوم إذا أخذ بيده سوطا ترعد يده [50] وإن رفعه ما يقدر على أن يضرب به فرسه.
وكان أمير سلاح حاضرا فى المجلس، فرأى أن وجه السلطان قد تغير لونه من كلام سنقر الأشقر، وأسرع فى قوله: يا خوند والله لا البحرية ولا غيرهم، فكل عسكر مصر والشام اليوم يدعون بحياتك وطول عمرك حتى تعيش لهم طويلا فيعيشون فى ظلك وخيرك، فسكن ما بالسلطان عند ذلك.
ولما تفرقوا من عند السلطان وجاء كل أحد منزله قال شهاب الدين صمغار ولد سنقر الأشقر له: يا خوند أنت تعرف أن هذا السلطان شاب حاد النفس مدل بسلطنته، فلأىّ شئ تجاوبه كل وقت، وما كان يضرك لو سكت عن الجواب عما سمعت، فقال بعد أن نظر إليه طويلا: ما قلت له هذا القول إلا لعلمى بما فى نفسه منى ومن غيرى من يوم كنا نازلين على قلعة الروم واستشار الأمراء فى الرجوع لأجل المغولى، وكل وقت يحدث هذا الحديث بين مماليكه ويسبنى، فالموت خير من مثل هذه الحياة النجسة، ثم بكى بكاء شديدا.
وكان وقوع المجلس المذكور فى السابع والعشرين من رمضان، ولما دخلت عليه الأمراء ليلة العيد للتهنئة وتقبيل يده، ثم خرجوا، أرسل الشجاعى والحجاب خلفهم، فرجعوا، وأمر عند ذلك بالقبض على سنقر الأشقر وطقصو وطلب لاجين فلم يدركوه، وكان قد سبقهم بالخروج، وقد ذكرنا ما جرى عليه وكيف كان مسكه بعد ذلك، ووقع حياط عظيم يوم العيد، فلم يتهن أحد بالعيد.
ومن غريب الأمر أن بعض الخاصكية اعتنى بموفق الدين خطيب حماة وولاه السلطان خطيب دمشق مكان الشيخ عز الدين، واتفق وقوع هذا الحياط، وللموفق صلاة العيد وخطبته، فنظم فيه بعض الدماشقة:
خطب الموفق إذ تولى خطبة
…
شقّ العصى بين الملوك وفرّقا
وأظنه إن قال ثانية غدا
…
دين الأنام وشملهم متمزّقا
قلت: موفق الدين هذا هو أبو المعالى محمد
(1)
بن عز الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم، وعز الدين هو الإمام العلامة الزاهد العابد القدوة العارف شيخ الطريقة أبو العباس أحمد
(2)
الفاروثى الواسطى الرفاعى، وكان قد تولى الخطابة بجامع دمشق فى الثانى والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، عوضا عن الشيخ زين الدين بن المرحل بحكم وفاته.
(1)
هو محمد بن محمد بن المفضل بن محمد البهرانى القضاعى الحموى الشافعى، ويعرف بابن حبيش، الخطيب موفق الدين، توفى سنة 699 هـ/ 1292 م - العبر ج 5 ص 404 - 405. وورد اسمه: محمد بن محمد بن الفضل بن محمد النهروانى، فى الدارس ج 1 ص 356، ص 423.
(2)
هو أحمد بن إبراهيم بن عمر الفاروثى، المتوفى سنة 694 هـ/ 1295 م - انظر ما يلى.
وفيها: وصل مملوك نائب حلب إلى القاهرة، وعرف السلطان بأن نائب حلب عند توليته - كما تقدم - جرد عسكرا إلى ناحية ملطية بسبب الغارة، وذلك أن بعض التجار شكا إليه أن جماعة طرحوا عليهم من أهل ملطية، فأخذوا ما معهم، وجعل مقدم المجرّدين الأمير سيف الدين بكتمر الحلبى، فساروا إلى أن وصلوا إلى أرض ملطية وهجموا على ربضها، فوجدوا قد نزل بها تلك الليلة أمير تومان ومعه أربعة آلاف فارس، وكان السبب لحضورهم أن أهل ملطية لما اتفق منهم ما اتفق، علموا أن نائب حلب لا بد أن يجرد إليهم عسكرا، فبعثوا إلى نائب الأردو وعرّفوه بذلك، فسير إليهم هؤلاء، واتفق وصولهم مع وصول عسكر حلب فى تلك الليلة، فلما هجموا رآهم المغول فركبوا إليهم، وكان عسكر حلب ألفا وخمسمائة فارس، فلما رأوا المغول اجتمعوا وتشاوروا ماذا يكون العمل؟ فقال الحلبىّ وكان من أهل الشجاعة والفروسية: أنتم تعلمون أن حلب بعيدة وإذا [51] قصد أحد منا أن يهرب يموت فى الطريق ويكون من أهل جهنم، فنقوم ونجتهد، فإن فتح الله لنا ونصرنا على هؤلاء يكون لنا الوجه الأبيض عند الله وعند السلطان والناس، وإن قتلنا فيكون الأجر على الله ونبعث مع الشهداء، وأنا أول من يصدم هؤلاء ونفسى تحدثنى بالنصر، فأجابوه بالسمع والطاعة، فعند ذلك جمعهم طلبا واحدا، فصدمهم صدمة عظيمة، فجاءت طعنة لمقدم المغول من بعض الحلبيين، فوقع إلى الأرض، وولى بقية أصحابه منهزمين، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأخذوا جمالا كثيرة، وأغناما كثيرة، ورجعوا إلى حلب سالمين ومعهم رءوس القتلى وثلاثون أسيرا من المغول، فكتب النائب بذلك إلى السلطان، فرسم له بالتشريف وكتب له بالشكر والثناء،
ورسم لبكتمر الحلبى بإمرة طبلخاناة، وكان أمير عشرة، ووردت بعد ذلك رسل من ملطية ومعهم جميع ما عدم لذلك التاجر، فرسم السلطان بفكاك أسراهم.
وفيها: حج بالناس الأمير سيف الدين الباسطى المنصورى.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الخطيب الإمام العالم زين الدين أبو حفص عمر
(1)
بن مكى بن عبد الصمد الشافعى، المعروف بابن المرحل
(2)
.
وهو والد الشيخ صدر الدين بن الوكيل
(3)
، سمع الحديث وبرع فى الفقه، وفى علوم شتى منها علم الهيئة وله فيه وفى غيره تصانيف، وقد ولى خطابة جامع دمشق
(4)
، ودرس، وأفتى، وكانت وفاته ليلة السبت الثالث والعشرين من ربيع الأول، ودفن بباب الصغير.
جلال الدين الخبازى: هو الشيخ الإمام العلامة عمر
(5)
بن محمد بن عمر أبو محمد الخجندى، أحد مشايخ الحنفية الكبار.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 113، العبر ج 5 ص 373، البداية والنهاية ج 13 ص 331، شذرات الذهب ج 5 ص 419، تذكرة النبيه ج 1 ص 155 - 156.
(2)
«مولده سنة سبع عشرة وستمائة» - تذكرة النبيه.
(3)
هو: محمد بن عمر بن مكى بن عبد الصمد صدر الدين، ابن الوكيل، وابن المرحل، ويقال له ابن الخطيب، المتوفى سنة 716 هـ/ 1316 م - المنهل الصافى.
(4)
هو الجامع الأموى.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 13 ص 331، تاج التراجم ص 47 رقم 141، شذرات الذهب ج 5 ص 419، الدارس ج 1 ص 504.
أصله من بلاد ما وراء النهر، واشتغل هناك، ودرس بخوارزم، وأعاد ببغداد، ثم قدم دمشق فدرس بالعزية البرانية
(1)
، والخاتونية البرانية
(2)
، وكان فاضلا، بارعا، منصفا مصنفا فى فنون كثيرة.
وقال الذهبى فى حقه: المفتى الزاهد الحنفى، رأيته لما قدم دمشق فدرّس بالمعزية البرانية، ثم حج، ودرّس بالخاتونية البرانية.
قلت: ومن تصانيفه «الحواشى على الهداية
(3)
» المشهورة، وكتاب «المغنى فى أصول الفقه» وهو كتاب نافع عظيم، ومختصر لطيف كاف شاف، وشرحه كثير من المتأخرين، فأوضحها بيانا شرح الإمام العالم سراج الدين الهندى
(4)
الحنفى، وهو أول كتاب قرأته فى الأصول على المشايخ الكبار فى البلاد الشمالية فى حدود سنة ثمانين وسبعمائة، وكانت وفاته لخمس بقين من ذى الحجة، وله ثمان وستون سنة، ودفن بمقابر الصوفية.
(1)
المدرسة العزية البرانية بدمشق: مدرسة الأمير عز الدين أيبك المعروف بصاحب صرخد، والمتوفى سنة 645 هـ/ 1247 م - الدارس ج 1 ص 550 - 551.
(2)
المدرسة الخاتونية البرانية بدمشق: مسجد خاتون: وقفتها الست خاتون أم شمس الملوك أخت الملك دقاق، وهى زمرد خاتون بنت جاولى، وزوجة تاج الملوك بورى، المتوفاة سنة 507 هـ/ 1161 م - الدارس ج 1 ص 503 - 504.
(3)
وكتاب «الهداية» فى فقه الحنفية لمؤلفه على بن أبى بكر المرغينيانى، برهان الدين، المتوفى سنة 593 هـ/ 1196 م - كشف الظنون ج 2 ص 2031.
(4)
هو عمر بن إسحاق بن أحمد الهندى، الغزنوى، سراج الدين، أبو حفص، المتوفى سنة 773 هـ/ 1372 م، والكتاب المقصود فى المتن هو «التوشيح فى شرح الهداية» - كشف الظنون ج 2 ص 198، 234، الدرر ج 3 ص 23 رقم 2986، وانظر ترجمته فى المنهل الصافى.
الشيخ الفاضل الأديب نجم الدين أبو بكر بن
(1)
أبى العز بن مشرف الأنصارى الكاتب.
مات فى هذه السنة، وصلّى عليه بجامع دمشق، ودفن بسفح قاسيون.
وكان من الفضلاء، وكان يكتب خطا منسوبا على طريقة ابن البواب
(2)
، وله نظم حسن، فمن ذلك قوله يمدح علم الدين الدوادارى:
إنّ المحّل إذا علا
…
وقف المفوّه فى الملا
وأجاد فى وصف القري
…
ض مجملا ومفصّلا
وأراك قسّا فى عكا
…
ظ إذا محاسنكم تلا
وعلى الحقيقة مجدكم
…
بعطى البليغ المقولا
يعطى النضار مع البيا
…
ن مع البديع على الولا
(3)
الشيخ الإمام العالم، المقرئ الزاهد العابد، بقية السلف، رضى الدين أبو الفضل جعفر بن
(4)
القاسم بن جعفر بن على بن محمد بن حبيش الربعى، المعروف بابن دبوقا.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 10 ص 228 رقم 4715.
(2)
هو: على بن هلال، أبو الحسن، المعروف بابن البواب، الخطاط المشهور من أهل بغداد، توفى سنة 423 هـ/ 1032 م - وفيات الأعيان ج 3 ص 342 رقم 457.
(3)
انظر الوافى ج 10 ص 229.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 4 ص 269 رقم 846، طبقات القراء ج 1 ص 194 رقم 894، العبر ج 5 ص 372، الوافى ج 11 ص 124 رقم 205، شذرات الذهب ج 5 ص 418.
مات فى هذه السنة ودفن بقاسيون، قرأ بالسبع وروى عن الشيخ [52] علم الدين السخاوى
(1)
وغيره، وله نظم كثير، فمن ذلك قوله:
إنّ الكبائر سبع عشر فاعلمن
…
للقلب منها أربع فتعلّم
إشراكه إصراره وقنوطه
…
والأمن من مكر الإله المنعم
وكذا للسّان الشرك قذف المحصنا
…
ت السحر قول الزور فافهم واعلم
والبطن أموال اليتامى والربا
…
والخمر جماع لسائر ما ذم
يختصّ بالفرج اللواط مع الزنا
…
ويد إذا سرقت ونيل يحرّم
للرجل واحدة إذا من زحفها
…
فرت محافقة ولما تقدم
ولسائر البدن العقوق فإن نجت
…
ما قد ذكرت وقيت حر جهنم
وقال:
جميع عذاب منك للصبّ يعذب
…
وكل كريه منك فى الحبّ طيّب
فعذب بما تختار فى كل حالة
…
فأنت على كل الأمور محبّب
تساوى العطا والمنع والوصل والجفا
…
لدىّ وبعدى فى الهوى والتقرّب
فهل ترى فى كل حال إلى سوى
…
جنابك إذ ما تبتلينى أهرب
بحق الذى أعطاك فى الحسن غاية
…
إلى بعضها كل الملاحة ينسب
واطلع من فوق القضيب على النقا
…
لنا قمرا من حسنه الطرف يعجب
ونمنم فى الياقوت خط زمرّد
…
يسطرّه ماء الصبا ويرتب
وقال لماء الحسن قف صحن خدّه
…
فما زج فيه النّار وهى تلهب
أمرت الدّجى أن يستطير ظلامه
…
بها صبحه حتّى القيامة يذهب
(1)
هو: على بن محمد بن عبد الصمد الهمدانى، علم الدين السخاوى، أبو الحسن، المتوفى سنة 643 هـ/ 1245 م - العبر ج 5 ص 178.
وقلت لسقمى قد أبحتك جسمه
…
فأعضائى فى أيدى النوائب تنهب
ترفق فما أبقيت غير حشاشة
…
وقلب على جمر الغضى يتقلب
جنيت وقد عادت على جنايتى
…
فياليت شعرى من ألوم وأعتب
نديمى حدّثنى قديم حديثه
…
فإن حديث الحبّ للسمع مطرب
تعلقته فى عنفوان شبيبتى
…
وها مفرقى مما أعانيه أشيب
فدعنى من لبنى ولبلى وزينبا
…
فمن فى الورى ليلى ولبنى وزينب
وعد عن الأوطان لاتلو نحوها
…
وخلّ وقوفا بالديار يشبّب
قل الله واتركهم ولا تشتغل بهم
…
وشاهد فإن القوم عن ذاك غيّب
لعمرك ما فى الكون إلا جلاله
…
ألم ترنى إن بعد أفنى وأذهب
فيا من إليه يرجع الأمر كله
…
ومنه بدا فى الكون ما فيه يعزب
اقلنى ذنوبا أوثقتنى جمة
…
فإنك ذو عفو وإنّى مذنب
ولا تخزنى فى حين عرض صحيفتى
…
فوا خجلتنى مما جنيت ويكتب
قصدتك أبغى رحمة منك سيّدى
…
وأنت كريم قاصد لا تخيب
[53]
لئن ضقت ذرعا بالذنوب فإنّنى
…
لأعلم حقا أن عفوك أرحب
وصلّ على المختار من آل هاشم
…
نبىّ الهدى ما لاح فى الأفق كوكب
وعترته ثم الصحابة كلهم
…
صلاة كنشر المسك بل هى أطيب
الصدر الرئيس سعد الدين سعد
(1)
الله بن مروان بن عبد الله الفارقى الشافعى،
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 114، الوافى ج 15 ص 187 رقم 261، فوات الوفيات ج 2 ص 47 رقم 165، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 78 رقم 118، السلوك ج 1 ص 781، شذرات الذهب ج 5 ص 418، العبر ج 5 ص 372، تذكرة النبيه ج 1 ص 157 - 158.
الكاتب بالمدرسة الناصرية
(1)
بدمشق.
مات فى هذه السنة بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، وكان نسيبا بليغا، شاعرا محسنا، كتب الدرج للصاحب بهاء الدين بن حنا
(2)
بمصر، فلما مات ابن حنا سافر إلى دمشق كاتب إنشاء.
وله شعر فمنه قوله:
قف بى على نجد فإن قبض الهوى
…
روحى فطالب خدّ ليلى بالدّم
وإذا دجى ليل الفراق فناده
…
يا كافرا حلّلت قتل المسلم
وله:
تاه على عشّاقه واستطال
…
مذ قصّر الحسن عليه وطال
كل سماء وجهه
(3)
…
أشرقت
فليت
(4)
ما أشرقت للزوال
قد فصّل الشّعر على خدّه
…
ثوب حداد حين مات الجمال
(1)
تنسب للملك الناصر يوسف بن محمد بن غازى، صلاح الدين، المتوفى سنة 659 هـ/ 1261 م، وهو واقف الناصر يثين بدمشق.
الناصرية البرانية دار الحديث الناصرية، بمحلة الفواخير بسفح قاسيون، وقد أنشئت سنة 654 هـ بعد الفراغ من الناصرية الجوانية.
الناصرية الجوانية: داخل باب الفراديس شمالى الجامع الأموى، انتهت عمارتها فى أواخر سنة 653 هـ.
انظر الدارس ج 1 ص 115، ص 459.
(2)
هو: على بن محمد بن سليم، الصاحب بهاء الدين بن حنا، المتوفى سنة 677 هـ/ 1278 م - انظر ما سبق بالجزء الثانى ص 207 - 208.
(3)
«كان سماء شمسه» فى الوافى ج 15 ص 187.
«كأن شمس حسنه» فى فوات الوفيات.
(4)
«فليتها» فى الوافى، وفوات الوفيات.
وقال، وكتب به إلى الصاحب بهاء الدين بن حنا:
يممّ عليّا فهو بحر النّدى
…
وناده فى المضلع المعضل
يسرع إذا سيل نداه وهل
…
أسرع من سيل أتى من عل
فرفده مجد على مجدب
…
ورفده مفض على مفضل
(1)
وقال:
بحبك فى شرع الغرام يدين
…
محبّ برته لوعة وحنين
إذا كتم الأسرار منه فؤاده
…
فإنّ لسان الدمع منه مبين
وإن قابلته نسمة حاجرية
…
ثنى عطفه نوح لها وأنين
فليتك يا من علّم الغصن ينثنى
…
تعلم منك القلب كيف يلين
وليت قديما من هواك مجدّد
…
رضاك لتقضى من جفاك ديون
سكنت سواد القلب والطرف دائما
…
فما لبياض العيش فيك سكون
وألبسك الإحسان والحسن عزّة
…
فكل عزيز فى هواك يهون
الشيخ الإمام العالم مجد الدين عبد الله
(2)
بن محمد بن محمد بن أبى بكر الطبرىّ، إمام صخرة بيت المقدس، وشيخ الحرم الشريف.
مات فى هذه السنة، ودفن بمقبرة ماملا ظاهر القدس، كان من الصلحاء الأخيار، وروى عن جماعة.
(1)
يوجد اختلاف فى ترتيب هذه الأبيات - انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 158.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 17 ص 586 رقم 492، درة الحجال ج 3 ص 45 رقم 948. وورد اسمه «مجد الدين أبو عبد الله محمد بن أبى بكر» - السلوك ج 1 ص 781.
وله شعر فمنه:
يروق لى منظر البيت العتيق إذا بدا
…
لطرّفىّ فى الإشراق والطفل
كأن حلّته السّوداء قد نسجت
…
من حبة القلب أو من أسود المقل
أبو المكارم محمد
(1)
بن عبد المنعم بن نصر الله بن جعفر بن أحمد بن حوارى، المغربى الأصل، الدمشقى الحنفى، المعروف بابن شقير، الأديب الشاعر.
مولده فى سنة ست وستمائة، وهو من شعراء [54] الملك الناصر
(2)
صاحب حلب، سمع الزبيدىّ وابن اللتىّ والهمدانىّ وابن رواحة والسخاوىّ والقطيعىّ وابن رواح وجماعة أخرى بديار مصر، وعنى بالحديث عناية كثيرة، وكتب الكثير، وتعب وحصّل، وروى عنه ابن الخباز والدمياطى وابن العطار وآخرون، توفى فى هذه السنة ووقف أجزائه بالضيائية
(3)
.
وله فى الملك الناصر صاحب حلب مدائح كثيرة، ومن شعره قوله:
ما ضرّ قاضى الهوى العذرىّ حين ولى
…
لو كان فى حكمه يقضى علىّ ولى
وما عليه وقد صرنا رعيّته
…
لو أنه مغمد عنّا ظبى المقل
يا حاكم الحب لا تحكم بسفك دمى
…
إلاّ بفتوى فتور الأعين النجل
(1)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 4 ص 47 رقم 1506، فوات الوفيات ج 3 ص 411 رقم 474. وورد فى الوافى وفوات الوفيات أن صاحب الترجمة توفى سنة 669 هـ.
(2)
هو: يوسف بن محمد بن غازى، الملك الناصر صلاح الدين، قتله التتار سنة 659 هـ/ 1261 م - العبر ج 5 ص 256 - 257.
(3)
هى المدرسة الضيائية المحمدية بدمشق: بسفح قاسيون، أنشأها محمد بن عبد الواحد المقدسى الحنبلى، ضياء الدين، المتوفى سنة 643 هـ/ 1245 م، وكان بالمدرسة الضيائية خزانة كتب كبيرة مشهورة - الدارس ج 2 ص 91 وما بعدها.
ويا غريم الأسى الخصم الألدّهوى
…
رفقا على فجسمى فى هواك بلى
أخذت قلبى رهنا يوم كاظمة
…
على بقايا دعا وللهوى قبلى
ورمت منى كفيلا للهوى
(1)
…
عبثا
وأنت تعلم أنى بالغرام ملى
وقد قضى حاكم التبريح مجتهدا
…
علىّ بالوجد حتى ينقضى أجلى
لذا قذفت شهود الشرع فيك عسى
…
أنّ الوصال بجرح الجفن يثبت لى
لا تسطونّ بعسّال القوام على
…
ضعفى فما أفتى إلا من الأسل
هددتنى بالقلى حسبى الجوى
(2)
…
وكفى
أنا الغريق فما خوفى من البلل
(3)
وله:
وا حيرة القمرين منه إذا بدا
…
وإذا انثنى يا خجلة الأغصان
كتب الجمال ويا له من كاتب
…
سطرين فى خدّيه بالريحان
(4)
القاضى الصاحب فتح الدين أبو عبد الله محمد
(5)
بن القاضى محيى الدين عبد الله ابن عبد الظاهر بن نشوان.
(1)
«بالأسى» فى فوات الوفيات ج 3 ص 411.
(2)
«الجفا» فى فوات الوفيات.
(3)
انظر الوافى ج 4 ص 48، فوات الوفيات ج 3 ص 411.
(4)
فوات الوفيات ج 3 ص 412.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 70، درة الأسلاك ص 112، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 178 أ - ب، الوافى ج 3 ص 366 رقم 1443، البداية والنهاية ج 13 ص 331، السلوك ج 1 ص 781، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 151، العبر ج 5 ص 373، النجوم الزاهرة ج 8 ص 35، تذكرة النبيه ج 1 ص 156 - 157، بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 370.
صاحب ديوان الإنشاء الشريف، وكاتب الأسرار فى الدولة المنصورية بعد ابن لقمان حين تولى الوزارة، وكان ماهرا فى هذه الصناعة، وحظى عند المنصور، وكذا عند ابنه الأشرف.
توفى يوم السبت النصف من رمضان بمدينة دمشق، وخلّف من الأولاد القاضى علاء الدين على
(1)
، فأجرى السلطان عليه ما كان باسم والده من الجامكية والجراية والراتب، فاستقر بديوان الإنشاء وله من العمر دون عشرين سنة، فاستصغر السلطان سنه فى ذلك الأوان.
فرتب القاضى تاج الدين أبا العباس أحمد
(2)
بن شرف الدين سعيد بن شمس الدين أبى جعفر محمد بن الأثير الحلبى التنوخى صاحب ديوان الإنشاء الشريف، لأنه كان ماهرا فى هذه الصناعة، فلم يلبث إلا شهرا أو حول شهر حتى أدركته الوفاة، فقضى إلى رحمة الله فى العشر الأوسط من شوال
(3)
من هذه السنة بظاهر غزة، وعمره
(4)
أحد وسبعون سنة، وكان ماهرا فى حل المترجم، بلغ فيه إلى أن حلّه بأحد عشر شكلا، وولى بعده ولده القاضى عماد الدين أبو الطاهر إسماعيل
(5)
ابن أحمد، ولم يزل به إلى آخر سنة اثنتين وتسعين وستمائة.
(1)
توفى سنة 717 هـ/ 1317 م - المنهل الصافى، الدرر ج 3 ص 183 رقم 2874، شذرات الذهب ج 6 ص 46.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 300 رقم 160، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 70، درة الأسلاك ص 113، الوافى ج 6 ص 392 رقم 2906، النجوم الزاهرة ج 8 ص 34، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 147، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 23 رقم 34، السلوك ج 1 ص 781، تذكرة النبيه ج 1 ص 158.
(3)
«يوم الخميس تاسع عشر شوال» تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 150.
(4)
الصواب: إحدى وسبعون.
(5)
توفى سنة 699 هـ/ 1299 م - المنهل الصافى ج 2 ص 391 رقم 428، النجوم الزاهرة ج 8 ص 190، الوافى ج 9 ص 90 رقم 4007، السلوك ج 1 ص 905، وانظر ما يلى فى وفيات 699 هـ.
وللقاضى فتح الدين شعر حسن، فمنه قوله:
إذا كنت ذا أصل فكن متواضعا
…
إن التواضع من زكاة المغرس
وإذا حللت بمجلس فاجلس به
…
حيث انتهيت فذاك صدر المجلس
وله: وكتب بها إلى ابنه فى مرضه الذى مات فيه:
[55]
إن شئت تنظرنى
(1)
…
وتنظر حالتى
قابل إذا هب النسيم قبولا
فتراه مثلى رقّة ولطافة
(2)
…
ولأجل قلبك لا أقول عليلا
وهو الرسول إليك منى ليتنى
…
(3)
الأمير عماد الدين يونس
(4)
بن على بن رضوان بن قرقس
(5)
.
توفى فى شوال منها، ودفن بتربة والده بالحزيميين داخل دمشق، وكان عنده فضيلة ومكارم أخلاق، وكان بعد موت أبيه أعطى طبلخاناة، وبقى على إمرته إلى أواخر الدولة الناصرية، ثم بطل الإمرية فى الدولة المظفرية، وباع أملاكه ونفقها، وبقى يتقوت من وقف والده، وكان الملك الظاهر يكرمه.
الأمير شرف الدين بن
(6)
خطير أحد أمراء دمشق.
(1)
«تبصرنى» فى بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 371.
«إن شئت تبصرنى وتبصر حالتى» فى المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 35.
(2)
«تلقاه مثلى رقة ونحافة» - فى بدائع الزهور، المنهل الصافى، النجوم الزاهرة.
(3)
سورة الفرقان رقم 25 آية رقم 27.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 331.
(5)
«برقش» فى البداية والنهاية.
(6)
وله أيضا ترجمة فى: كنز الدرر ج 8 ص 333.
استشهد فى فتح قلعة الروم، وكان من بيت كبير فى بلاد الروم، ولوالده عدة مماليك وردوا صحبته، وصار له فى مصر سمعة وشأن، وتأمرت منهم جماعة كثيرة.
الأمير شهاب الدين أحمد
(1)
بن الركن أمير جندار،
مات شهيدا على قلعة الروم.
الأمير سابق الدين
(2)
الميدانى.
مات بدمشق فى العشرين من شوال، ودفن بقاسيون، كان أميرا كبيرا شجاعا ذا مهابة، وتأمر بعض مماليكه فيما بعد.
الأمير علم الدين سنجر
(3)
الحلبى.
مات فى عاشر ذى القعدة
(4)
وكان قد مرض بعد حصار قلعة الروم، فحمل فى محفة إلى مصر، فمات بعد حضوره بسبعة أيام، وكان من أكابر الأمراء الصالحية، عصى على الظاهر وتسلطن بالشام كما تقدم، وكان طويل القامة، مخلا بعينه اليسرى، ذكروا عنه أنه أصيب بسهم، وكان ذا بأس وشهامة، وقوة وشجاعة، وإقدام شديد.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: كنز الدرر ج 8 ص 333.
(2)
وله أيضا ترجمة فى، المنهل الصافى ج 5 رقم 1058.
(3)
وله ايضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 6 رقم 1114، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 151، ص 161، الوافى ج 15 ص 473 رقم 639، النجوم الزاهرة ج 8 ص 39، السلوك ج 1 ص 787، تذكرة النبيه ج 1 ص 161، وورد فيه أن صاحب الترجمة توفى سنة 692 هـ.
(4)
ورد أنه توفى سنة 692 هـ - انظر مصادر الترجمة، وذكر ابن الفرات أنه توفى سنة 691 هـ، ثم عاد وذكره فى وفيات 692 هـ، وكذلك فعل العينى - انظر ما يلى ص 199.
وقيل: إنه كان فى الدولة الظاهرية إذا نزل من الخدمة إلى بيته لا ينزل عن فرسه حتى يقدم له قنطارته محشوة برصاص فيلعب بها وهو راكب، ثم يأتى إلى فردة تبن فيطعنها ويشيلها من الأرض، ثم ينزل ويأخذ عمودا حديدا زنته قنطار فيلف به يمينا ويسارا، ثم يجلس على سماطه فيأكل خروفا، ومات وهو فى عشر التسعين وقد انحنى وبان عليه الكبر، وقيل: مات وعمره إثنان وتسعون سنة.
الملك المظفر قرا أرسلان
(1)
بن إيلغازى
(2)
بن أرتق الأرتقى
(3)
، صاحب ماردين.
توفى فى هذه السنة، وله ثمانون سنة، وكانت دولته ثلاثا وثلاثين سنة، وقام من بعده ولده شمس الدين داود
(4)
ولقب بالملك السعيد.
الملك الكامل بن الملك المعظم، أحد ملوك بنى أيوب.
توفى بدمشق فى هذه السنة، وكانت له حشمة وأدب.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 112، البداية والنهاية ج 13 ص 331، السلوك ج 1 ص 781، تذكرة النبيه ج 1 ص 159، كنز الدرر ج 8 ص 339.
(2)
«غازى» فى تذكرة النبيه.
(3)
«الأفريقى» فى البداية والنهاية، وهو تحريف.
(4)
ولى حكم ماردين حتى سنة 693 هـ/ 1293 م - معجم الأسرات الحاكمة ج 2 ص 345.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثانية والتسعين بعد الستمائة
(*)
استهلت هذه السنة، وسلطان البلاد المصرية والشامية: الملك الأشرف خليل بن الملك المنصور قلاون الصالحى الألفى.
وفيها: ظهرت نار بأرض المدينة النبوية، نظير ما كان فى سنة أربع وخمسين
(1)
على صفتها إلاّ أن هذه يعلو لهيبها كثيرا، وكانت تحرق الصخر [ولا تحرق السعف]
(2)
، واستمرت ثلاثة أيام، كذا ذكر فى تاريخ ظهير الدين الكازرونى
(3)
.
وفيها: ورد كتاب من نائب حلب يذكر فيه أن صاحب سيس
(4)
قد تعرض لبعض التجار وأخذ أموالهم، وأخذ منهم جماعة أسرى، وأنه أرسل إليه كتابا، فأمره بردّ مالهم والأسرى إليه، وإلاّ سيّر إلى بلاده عسكرا للغارة؛ وأنه أرسل إليه كتاب يذكر فيه أنه ما تعرض لشئ من ذلك ولا عنده أسرى، واستأذن نائب حلب [56] من السلطان فى تجريد عسكر من حلب إلى بلاده، ويضيف إليهم جماعة من التركمان.
(*) يوافق أولها الجمعة 12 ديسمبر 1292 م.
(1)
انظر ما سبق بالجزء الأول من هذا الكتاب ص 122 وما بعدها.
(2)
«ولا تحرقه» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية التى ينقل عنه العينى هذا الخبر.
(3)
البداية والنهاية ج 13 ص 332.
(4)
سيس: بلدة كبيرة ذات قلعة بثلاثة أسوار، وهى قاعدة بلاد الأرمن - تقويم البلدان ص 256.
فلما وقف السلطان على كتابه طلب الأمراء وعرّفهم بذلك، فشرع كل واحد منهم يحسن للسلطان أمر الغزاة وفتح القلاع، وأن سيس من أجل البلاد، ولأهلها سعادة كبيرة، وبلادها عامرة بالخير، وذكروا له ما فعله السلطان الظاهر فى سائر غزواته والقلاع التى أخذها، وأنه ملكها لأكابر أمرائه ومماليكه، فأضمر السلطان فى نفسه أن يركب إلى سيس بنفسه ويملكها، ثم طلب الوزير وأمره أن يكتب بتجهيز الإقامات والعلوفات، وأن يكتب إلى سائر النواب من البلاد الشامية أن يتأهبوا ويجهزوا ما يحتاجون إليه من آلات الحصار وغيرها، وعرفهم أن قصده أخذ السيس.
ثم ركب بعزم قوى إلى أن وصل إلى دمشق،
(1)
فخرجت إليه سائر أهل دمشق، وفرحوا بحضوره، فما أقام فيه يومين حتى حضر مملوك نائب حلب وأخبر أن رسل صاحب سيس قد حضروا صحبة نائب تكفور وجماعة من أكابر الأرمن، وبعد يومين وصلوا إلى دمشق، وجلس السلطان فى الميدان وأحضرهم، فاندهش نائب تكفور ومن معه مما عاينوه من عظمة عسكر السلطان، وكان السلطان الأشرف يحب الزينة فى اللباس، فلما دخلوا قبلوا الأرض بين يديه وأخرجوا كتاب تكفور، فقرئ على السلطان، وفيه تضرع كثير، وإظهار ذله، وأنه بلغه أن السلطان قصده من غير سبب، وأن ما نقل عنه غير صحيح، فإن ثبت عليه شئ من ذلك أو على أحد من بلاده كان عليه أضعاف ما ذكروا عنه من أخذ أموال التجار وغيرهم، وأن السلطان يرسل إليه من يثق به، فيحلفه أنه لا يدع فى بلاده أسيرا من المسلمين، وأنه يضاعف الحمل المقرر
(1)
«دخل دمشق فى يوم الأحد تاسع جمادى الآخرة» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 14، كنز الدرر ج 8 ص 340.
عليه، ثم أحضروا ما كانت صحبتهم من البلور الفاخر والأوانى الذهب والفضة والأوانى المرصعة، فالفصوص والبسط الهائلة، وأشياء غير ذلك من التحف التى تصلح للملوك.
وفى كتابه أيضا: أن البلاد بلاد السلطان، وأنه نائبه فيها.
وقرئ أيضا كتاب نائب حلب: وفيه يشير على السلطان بقبول هداياهم والسكوت عنهم، فقبل السلطان هداياهم، وآخر ما انفصل عليه أمرهم على أن يسلموا إلى السلطان قلعة بهسنى
(1)
، وقلعة مرعش
(2)
وتل حمدون
(3)
، وأنه يبعث إليه مفاتيح القلاع الثلاث، وإن لم يسلمها غزاه السلطان، فخرجت الرسل من عنده على هذا، وأقام السلطان فى دمشق إلى أن حضر رسله وصحبتهم مفاتيح القلاع المذكورة وهدية أخرى.
وفى كتابه: سأل السلطان أن تكون بهسنى للسلطان ولكن يكون هو نائبه فيها، ويقوم بجميع ما يصل إليها، فأبى السلطان ذلك وتسلم المفاتيح، وقرر عليه زيادة مائة ألف درهم، ورسم للأمير سيف الدين طوغان المنصورى أن يكون نائبا فى بهسنى، وأوصاه بحفظها، لأنها من أجل القلاع وأحصنها ولها ضياع كثيرة وأراضى ومزدرعات، وكانت من أعمال حلب، وهى للمسلمين، وكان الحاكم عليها صاحب حلب الملك الناصر، فبقيت إلى أن دخل هلاون إلى حلب وتسلم سائر البلاد، فبلغ تكفور صاحب سيس أن هلاون تسلمها، فسير
(1)
قلعة بهسنا: قلعة حصينة فى شمالى حلب - معجم البلدان.
(2)
مرعش: مدينة فى الثغور بين الشام وبلاد الروم - معجم البلدان.
(3)
تل حمدون: قلعة حصينة ببلاد الأرمن، وهى أقرب القلاع إلى بلاد سيس - معجم البلدان، تقويم البلدان.
إليه وأرغبه بالهدية وحمل له مالا وسأله أن تكون بهسنى له، فسلمها إليه، وبقيت فى يده إلى أن طلبها السلطان الأشرف [57] فلم يمكنه منعها منه على ما ذكرنا.
ثم كتب السلطان إلى نائب حلب بمنع الغارة على بلاد تكفور، وبإكرامه.
وأقام السلطان فى دمشق، ثم سير عسكره، ودخل هو البرية للصيد، ثم عاد إلى مصر، وعند دخوله طلب الأمير بيدرا وسأله عمن بقى من الأمراء فى السجن، فعرفه أن الأمير بدر الدين بيسرى فى السجن، فأمر بإطلاقه، وقد ذكرنا كيفية إطلاقه فى السنة التسعين
(1)
على ما ذكره بعض المؤرخين.
وذكر بيبرس فى تاريخه إطلاقه فى هذه السنة وقال: وفيها أفرج السلطان عن الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى من الإعتقال، وكان له فيه حول ثلاثة عشر سنة، وأعطاه منية بنى خصيب دربستا
(2)
ومائة فارس، واتخذه لمنادمته وملازمة حضرته، وكان يأنس إلى دعابته، ويضحك من مجانته، وبقى كذلك إلى ما كان منه ما نذكره
(3)
.
وفيها عزم السلطان على التوجه إلى الوجه القبلى متصيدا ومنفرجا، فتقدمه وزيره شمس الدين بن سلعوس لتجهيز التقادم والإقامات من جهة العربان والولاة والأعيان، فكتب إليهم بالاهتمام والاستعداد التام، وأقام الأمير بدر الدين بيدرا بالقلعة
(4)
، وخرج السلطان متوجها إلى الوجه القبلى.
(1)
انظر ما سبق ص 7.
(2)
دربستا: لفظ ديوانى فارسى معناه: كاملا، ووردت صورته فى صبح الأعشى: كربستا: إذا كان جميع البلد أو البلاد المقطعة لا يستثنى منها شئ - السلوك ج 1 ص 770 هامش (1)، ص 844 هامش (7)، صبح الأعشى ج 13 ص 156.
(3)
زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 178 ب، وانظر ايضا التحفة الملوكية ص 133.
(4)
«واستخلف الأمير بيدرا النائب بقلعة الجبل وهو مريض» - السلوك ج 1 ص 782 - 783.
فلما تحدث الوزير فى الأعمال لتحصيل الأموال وتقرير التقادم من الخيل والجمال، وجد لبيدرا عدة من البلاد محمية باسمه
(1)
، وله بها كثير من الحواصل والغلال، مع شغور الشون السلطانية، ووجد نوابه الذين بكل جهة يدافعون عنها، فأوحى إلى السلطان من أمره ما غيّره عليه، وبلغ ذلك بيدرا
(2)
فحصل فى قلبه تغير.
ولما قضى السلطان الوطر من الصيد، ووصل إلى قوص
(3)
، عاد إلى قلعته، واهتم له الأمير بيدرا بضيافته عند عوده، وضرب له بالعدوية
(4)
خيمة من الأطلس الأحمر بأطناب من الإبريسم الملون
(5)
، وعمد صندلية
(6)
محلاة بفضة مطلية
(7)
منقوشة بأنواع النقوش، مرقشة بإبداع الرقوش، مفروشة ببسط من الحرير، مصورة بغرائب التصوير، وعمل له ضيافة بالغ فيها ليتلافى سعاية ابن السلعوس إن أمكن
(1)
«وكشف الوزير السلعوس الوجه القبلى» فوجه الجارى فى ديوان الأمير بيدرا من الجهات - عما هو فى إقطاعه، وما اشتراه، وما حماه - أكثر مما هو جار فى الخاص السلطانى» - السلوك ج 1 ص 783.
(2)
«من بطائنه الذين حول السلطان» - فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 179 أ.
(3)
«ونادى هناك بالتجهز لغزو اليمن» - السلوك ج 1 ص 783.
(4)
العدوية: خارج القاهرة بالقرب من بركة الحبش، فيما بينها وبين طرا - الانتصار ج 5 ص 43.
(5)
«بأطناب حرير» فى السلوك ج 1 ص 783.
(6)
أى من خشب الصندل.
(7)
«وأعمد فى صندل محلاة ومفصلة بفضة مذهبة» - السلوك ج 1 ص 783.
تلافيها. فنزل السلطان فى الخيمة قدر ساعة، ثم ركب إلى القلعة، ولم يظهر بشاشة لقبولها، ولا استحسانا لها
(1)
.
وجاء فى نزهة الناظر: وفى هذه السفرة حط الوزير على بيدرا نائب السلطان، وتمكن من الحديث فيه والتهمة له لأجل « ...... »
(2)
واتهامه هو بالسلطان، وكان فى نفسه من بيدرا أمور كثيرة، فسعى الوزير فى طول الطريق يجهز « ...... »
(3)
كفاية، وإذا استعجزه السلطان يقول: يا خوند، ما كل ما يعلم يقال، « ...... »
(4)
البلاد العامرة لبيدرا، والذين فيها نوابه، لا يمكّن منهم الوالى ولا غيره، والبلاد الخراب كلها للسلطان، وما فيها شئ، وأنه يشترى كل شئ بالدراهم من بلاد بيدرا، لكونها عامرة، وبقى كذلك طول الطريق، وإذا خرج من عند السلطان، يقول للأمراء: يا مسلمين الأمير بيدرا يأخذ بلادى وما أجد الإقامات إلا من بلاد الأجناد، وهو مالك البلاد وأنا أشترى الإقامات.
وكل من كان من الأمراء والخاصكية من جهة بيدرا يكتبون إليه بذلك، ويعرفونه، فانحصر بيدرا لذلك انحصارا شديدا، فسير بعد ذلك إلى سائر بلاده بعمل الإقامات إلى السلطان والأمراء، ومع هذا كله أضمر له السلطان السوء.
(1)
«ولم يكترث بالتقدمة، وطلع إلى القلعة، فارتجع عدة من جهات بيدرا للخاص السلطانى» - السلوك ج 1 ص 783 وانظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 178 ب، 179 أ، حيث ينقل العينى هذه الواقعة عن بيبرس الدوادار.
(2)
« ...... » موضع كلمة غير مقروءة.
(3)
« ...... » ثلاث كلمات غير مقروءة.
(4)
« ...... ) كلمتان مطموستان.
وكان قراسنقر وبكتمر السلحدار [58] وبعض المماليك من جهة بيدرا، فسيروا إليه، وقالوا له: تحيل فى دفع ما أضمر له السلطان فى خاطره مما قاله الوزير، وأعمل ضيافة هائلة عند تعدية السلطان وقدم له « ......... »
(1)
من جميع الأشياء « ......... »
(2)
وعلى هذا شرع فى تجهيز هذه الأشياء، وكتب إليهم، وسألهم أن يحسنوا بالقضية مع السلطان ويعرفوه أنه يريد أن يعمل ضيافة فى العدوية عند تعدية السلطان، ويقدم له تقادم جليلة، فقالوا ذلك للسلطان فلم يلتفت إليهم، فلم يزالوا به إلى أن أرضوه بذلك، ثم استشار الأمراء الكبار فى ذلك، فقالوا له: بيدرا مملوكك على كل حال، ولا بأس أن تجبر خاطره.
فأرسلوا بذلك يعرفون بيدرا، فنهض بيدرا عندما قرب نزول السلطان فى العدوية، وضرب خيمة أطلس - على ما ذكرنا -، وعمل فى وسط الدهليز كرسيا مصفحا بالذهب، وخلفه خركاة.
وقال صاحب النزهة: ذكر لى زردكاش بيدرا أن الخركاة بمفردها غرم عليها بيدرا ستين ألف دينار.
وشرع فى عمل الطعام، فأقام ستة مطابخ، ولم يبق أحد فى مصر والقاهرة إلا وقد خرج إلى العدوية، ونصب حول الدهليز أحواضا فيها السكر والليمون، وأحواضا فيها القمز، وأحواضا فيها السويق، فكانت مائة حوض، وأما « ...... »
(3)
فأخبر صاحب النزهة أنه ألف وأربعمائة رأس من الغنم، ومائة إكديش، وستون رأسا من البقر.
(1)
« ...... » كلمتان مطموستان.
(2)
« ...... » ثلاث كلمات مطموسة.
(3)
« ...... » أربع كلمات غير مقروءة.
ولما قرب السلطان نزل بيدرا وقبل الأرض، ثم قام وشد وسطه بمنديل وبسط له عشرة ثياب أطلس، فدخل السلطان الدهليز فدهش وصار يردد بصره فيه ويعجب، وقال: يا نائب السلطان متى عملت هذه، فقال: يا خوند، لى مدة سنة حتى شرعت فى أستعد لها بما يسر خاطر السلطان؛ والمملوك يسأل مرة أخدم السلطان « ...... »
(1)
وقبل الأرض « ...... »
(2)
وكان قد جهز لكل أحد منهم « ...... »
(3)
ذهب، وكنبوش زركش، فصار كل أمير يخرج ثم يجئ ويقبل الأرض، فقال السلطان: لقد أفقرتم النائب، ثم بعد ذلك قام السلطان وركب.
وكان الأمير طقجى خصيصا بالسلطان، ومن جهة بيدرا، فقال: يا خوند، كم تقولون بيدرا أخذ الكل، والله لو مسكته ما لقيت نصف ما غرم فى هذه المدة، فتبسم السلطان، وقال: صدقت، والله أفقرناه.
ثم بعد أن رحل السلطان نهبت العوام والحرافيش باقى الأطعمة والحلاوات جميعها.
قال صاحب النزهة: وسألت علاء الدين أمير جاندارية والركن الطقجقى بعد مدة من انقضاء الدولة الأشرفية عما غرمه بيدرا على تلك الضيافة، فأخبرانى أن مجموع ما غرمه فى الدهليز الأطلس والخركاة والتقادم للأمراء والسلطان نحو مائة وخمسين ألف دينار.
(1)
« ...... » تسع كلمات مطموسة.
(2)
« ...... » خمس كلمات مطموسة
(3)
« ...... » كلمة مطموسة
وفيها أرسل السلطان وأحضر الملك المظفر صاحب حماة، وعمه الملك الأفضل على البريد إلى الديار المصرية، فتوجها من حماة، وعندهما خوف عظيم بسبب طلبهما على البريد، ووصلا إلى قلعة الجبل فى اليوم الثامن من خروجهما، وحال وصولهما شملتهما الصدقات السلطانية، وأدخلا الحمام بقلعة الجبل فأنعم عليهما بملبوس يليق بهما، وأقاما فى الخدمة أياما.
ثم خرج السلطان على الهجن إلى الكرك
(1)
، فسار فى الطريق البعدية من جهة البرية
(2)
، وسارت العساكر على الجادة إلى دمشق، وأركب صاحب [59] حماة وعمه على الهجن صحبته، لأنهما حضرا إلى مصر على البريد ولم يكن معهما خيل ولا غلمان، وسارا فى خدمته فى الكرك، ولاقتهما تقادمهما إلى بركة زيزا، فقدّماها للسلطان.
ولما وصل السلطان إلى الكرك والشوبك أعطى الأمير جمال الدين نائبه بها سبع بلاد من أعمالها، ثم سار إلى دمشق فى جمادى الآخرة
(3)
، فالتقيه العساكر فيها، ثم سار من دمشق فى ثانى رجب نحو حمص وسلمية ومعه أكثر الجيش، وأخذ وجه البرية متصيدا، ووصل إلى القرقليس وهو جفار فى طرف بلد حمص من الشرق، ونزل عليه، وحضر إلى خدمته هناك مهنى
(4)
بن عيسى أمير العرب،
(1)
«فى أول جمادى الأولى» - السلوك ج 1 ص 784.
(2)
«وسار إلى الكرك من غير الدرب الذى يسلك منه إلى الشام» - السلوك ج 1 ص 784.
(3)
«فقدمها فى تاسع جمادى الآخرة» - السلوك ج ص 784.
(4)
هو مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضية بن ربيعة، الأمير حسام الدين، وكان قد ولى إمرة العرب عوضا عن والده وقاعدته سنة 683 هـ - 1284 م، وتوفى مهنا سنة 735 هـ - 1334 م - المنهل الصافى.
وأخواه محمد وفضل
(1)
، وولده موسى بن مهنى، فقبض السلطان على الجميع وأرسلهم إلى مصر، فحبسوا فى قلعة الجبل؛ ووصل السلطان إلى قصير، وأعطى صاحب حماة الدستور، فتوجه إلى بلده.
وعاد السلطان إلى مصر، ووصل إليها فى الثامن والعشرين من رجب بعد أن جرد عسكرا ليقيم بحمص صحبة ثلاثة من المقدمين وهم: الأمير بدر الدين أمير سلاح، والأمير شمس الدين كرتيه، والأمير سيف الدين بلبان الحمصى.
قال بيبرس فى تاريخه: وكنت من مضافى الأمير بدر الدين أمير سلاح، فأقمنا بحمص ثلاثة أشهر
(2)
.
وقال النويرى فى تاريخه: ثم رسم السلطان للمجردين هناك، وصاحب حماة وعمه بالمسير إلى حلب والمقام بها لما فى ذلك من إرهاب العدو، فسارت العساكر إليها، وخرج المظفر صاحب حماة وعمه الأفضل معهم من حماة يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان، ودخلوا حلب يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شعبان وأقاموا بها.
وذكر فى نزهة الناظر سبب مسك مهنى وإخوته: وذلك أن السلطان لما ورد إلى كرك تلقى هؤلاء السلطان من غزة وقدموا له خيلا وهجنا، ومشوا فى صحبة السلطان، وكانت سائر العرب فى ذلك الوقت لا يلبسون إلا طراطير حمر مترفعة عن العمائم ولهم عذبات مطولة، ونزل السلطان على نهر يجرى، فلما دخلت
(1)
«وعلى إخوته محمد وفضل ووهبة» - السلوك ج 1 ص 784 ثم أفرج السلطان عن أصغر الإخوة، ويبدو أنه وهبة - انظر ما يلى ص 164.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 179 ب، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 133.
الأمراء إلى الخدمة وحضر مهنى وإخوته أيضا والأمير برغشة وأخوه مظفر صحبة مهنى، اتفق للسلطان انشراح فى ذلك الوقت، فشرع يمزح مع العرب، فالتفت إلى مهنى وقال: يا مهنى أريد أن أقلع هذه الطراطير من رءوسكم وألبسكم كلوتات مثل العسكر، فنظر مهنى إليه نظر المغضب من قوله، وقال يا خوند:
تريد أن تجعلنا مساخر ومضحكة للعرب، معاذ الله من ذلك، فتغير السلطان من قوله وسكت على غيظ منه، ثم قاموا وتفرقوا.
ولما حضروا فى المجلس الثانى إلى الخدمة على العادة، أراد السلطان أن يعمل به شيئا ينتكى به، وكان قد عمل على النهر خشبا يمشون عليه مثل الجسر، فكل من كان يحضر من ذلك الجانب يمشى عليه، وأمر السلطان لبعض الجمدارية أن يقصر الخشب قليلا ويدوس عليه برجله، فإذا رأى مهنى وقد أراد الجواز عليه وتوسط، يرفع رجله حتى يقع فى النهر، ففعل مثل ما قال السلطان، وجاء مهنى ومشى عليه إلى أن توسط، فرفع ذلك الجمدار رجله فخرج الخشب عن موضعه، فوقع مهنى فى وسط النهر إلى حلقه وغطس غطسة، فأدركوه وأخرجوه وهو فى حالة عجيبة، فضحك السلطان حتى نهض من كرسيه ويقول: ويلكم، شيلوا أمير العرب، وهو يضحك. فغضب مهنى من ذلك غضبا شديدا وقال: والله ما سوى هذا إلا خبيث بن خبيث، فردّ عليه برغشة [60] وقال له يا أمير:
لا تقل هذا القول، حاشى أن يكون فى الملوك وأولاد الملوك خبيث. فتغير السلطان من ذلك تغيرا كثيرا. وقال مهنى: يا أمير ما عنيت الملوك ولا أولاد الملوك، وإنما عنيت الذى سواها من المماليك. فالتفت السلطان إلى الأمراء الحاضرين وقال: سمعتم مهنى وهو يقول لى: خبيث بن خبيث، فنهض الجميع، ومهنى
معهم، وقبلوا الأرض، أنه ما أراد بهذا السلطان، وبقى مهنى بقبل الأرض ويحلف أنه ما نوى هذا، والأمراء يعتذرون عنه.
وقال الأمير حسام الدين الأستاذدار: يا خوند لا تؤاخذ العرب فإنهم لا يعرفون هذه الأمور، ويتكلمون بكلام ولا يقصدون بذلك شيئا، فقاموا بعد ذلك وخرجوا، والسلطان يقول: يا مهنى، وهو خارج من عنده مع الأمراء، أوريك إن كنت خبيث بن خبيث أو خليل بن قلاون.
ثم أن مهنى صبر إلى أن دخل الليل، فجاء لى حسام الدين الأستاذدار وعرفه ما هو فيه من القلق بسبب ما وقع منه، وكان يركن إليه وبينهما مودة، فاستشاره أنه يقيم أو يرحل إلى أهله، فأشار عليه أن يرحل ولا يعود يقابل السلطان، لما كان يعلم ما فى باطنه من أمره، واتفق معه على الرحيل، وترك عنده من يثق به أنه يسير معه، ويقف على ما يقع من السلطان فى أمره من الخير والشر، ثم يرسله إليه ويعرفه بالإشارة، ثم رحل باكر النهار.
وعلم بذلك السلطان، فسكت عنه إلى أن اتفق ما اتفق من رواح السلطان إلى الشام، ثم إلى حمص وخروجه إلى الصيد كما ذكرنا، فلما فرغ سأل عن الطريق التى تاتى على أبيات مهنى فى البرية حتى يجعل طريقه عليها، وأحس الأمير حسام الدين أن فى نفس السلطان القبض عليه، فطلب ذلك الرجل الذى تركه مهنى عنده، فقال له: اذهب إلى مهنى وسلم عليه من عندى واعطه هذه السلة، ولم يقل له شيئا غير ذلك، فسبق القاصد إلى مهنى وعرفه أن السلطان جعل طريقه عليه، فقال: وأش قال لك الأمير حسام الدين فقال: لم يقل لى شيئا غير أنه أعطانى هذه السلة التى فيها الحشكنابك، ففتح مهنى السلة فوجد
فيها بين الحشكنابك جملا مصنوعا من شمع وعليه قتب وخرج محمل، فعلم أنه أشار برحيله. فطلب إخوته وعرفهم الأمر، واتفق رأيهم على الرحيل.
وهم فى ذلك، فإذا صاحب حماة قد تقدّم ليلاقى السلطان، فركب إليه هو وإخوته وعرفوه بأمورهم، واستشاروه فيما يفعل، فقال صاحب حماة: يا أمير إن سمعت منى فانظر فى نفسك، فأىّ شئ قويت نفسك عليه فافعل واتكل على الله فقال: والله قويت نفسى على لقياه، وإن كان قدّر على أمر صبرت له، ثم قال له صاحب حماة: إن كان لا بد من الملاقاة فاملأ عينه بالضيافة والتقدمة وفارقه على ذلك.
ثم ركب هو وأخواه فضل ومحمد وتلقوا السلطان، وترجلوا عن بعد، وقبلوا الأرض، وكان فى نفس السلطان أن مهنى ما يقابله، فأقبل السلطان عليهم وسألوه فى العزيمة، فأجاب السلطان إلى سؤالهم، وقصده القبض عليهم، وعند وصوله أبياتهم قد وجد طعامهم قد جهز، وكان قد احتفل له فى ذلك اليوم احتفالا عظيما، فذبح فى ذلك اليوم ثمانمائة رأس غنم، [61] وثلاثين إكديشا، وخمسين فصيلا، وأحضر مائتى منسف حلوى، وعشرة أحواض سكر، وسويق، وأحضر التين والزيت والفستق أكواما مكومة، فشرعت الأمراء فى الأكل، والسلطان ينظر إلى مهنى وإخوته ويرى القبض عليهم، فتنظر مهنى إليه وعرف ما عنده من ذلك، فتقدم وباس الأرض، وقال يا خوند نحن اليوم من جملة رعيتك وقد شرفتنا وقبلت عزيمتنا، ونريد منك أن تتم خيرك وتأكل من طعامنا، فإن كان فى نفس السلطان شئ يفعله فها نحن بين يديه.
وكان إلى جانب السلطان الأمير برغشه، فمد السلطان يده فأكل، وبرغشه يتحدث معه قليلا قليلا. فقال له يا خوند: أزل ما فى خاطرك فإنا نحن كلنا عبيدك. فقال يا برغشه: أنسى قول مهنى: ما سوّاها إلا خبيث بن خبيث.
فقال له يا خوند: صدقت، ولكن بقى له حق عليك حيث أجبت دعوته ونزلت أبياته وأكلت طعامه، فإن فعلت ما أضمرت فى نفسك لا يبقى بدوى يأمن إلى السلطان، فعند ذلك سكن ما فى نفس السلطان من الغيظ، وعلم أن الذى قاله برغشه صحيح.
ثم شرع يتحدث مع مهنى ويطيب خاطره إلى أن طاب خاطره، ثم ركب السلطان ومهنى صحبته إلى أن نزل على حماة وأكل ضيافة المظفر، ثم خلع على صاحب حماة ومهنى عند رحيله.
وبقى الأمر فى نفسه إلى أن اتفق خروجه من مصر، فوقفت له جماعة كبيرة من التجار وعرفوه أن عرب مهنى تعرضت لهم فى الطريق وأخذوا منهم شيئا كثيرا، وشكوا أمرهم إلى مهنى فقال لهم: ما هم عربى ولكن هؤلاء من بنى كلاب، فردهم السلطان إلى دمشق، وبقى فى نفسه إلى أن اتفق سفر السلطان بدخول البر، وأشار أن يكون العسكر والأمراء على حمص حين عودته، فراح السلطان إلى أن توصل إلى مكان منزل مهنى، وكان فى ذلك اليوم حر شديد، ومهنى جالس فى بيته، وقد رفع أطراف البيت، وزوجته إلى جانبه، فنظر فإذا بجماعة على بعد راكبين الهجن، فصاح لحاجبه وقال: رأيت جماعة قاصدين فلاقهم وأنزلهم فى بيت الضيافة إلى أن يسكن الحر، فرجع الرجل وقد عاينهم وهم سبع نفر وهم قاصدون البيت، فالرجل يومئ بكمه إليهم أن يرجعوا
من بيت الأمير، وهم لا يلتفتون إليه إلى أن وصلوا إلى البيت، فجاءهم الحاجب وقال، يا موالى انزلوا بيت الضيافة فإن الأمير هو وحريمه فى البيت، فقال له السلطان: ارجع وقل لمهنى كلّم الخليل. فقال يا مولاى: ابعدوا عن البيت قليلا، فصاح السلطان عليه وقال: ويلك قل له كلم الخليل، فاستهابه الرجل فرجع فوجد مهنى وقد خرج لما رآهم بقرب البيت واقفين فقال: ويلك ما قلت لك أنزلهم ببيت الضيافة. فقال يا مولاى: ما يسمعون منى وينهروننى، ويقول واحد منهم: قل لمهنى كلم خليلا، فعند ذلك رجف فؤاد مهنى، ووضع عمامته على رأسه، ونهض يجرى إلى أن علم أنه السلطان، فصار يجرى ويقبل الأرض ويقول: يا سلطان الإسلام فضحتنا اليوم. فقال له: ما عليك نحن جئنا برسم الصيد. فقال يا خوند: لا بد من نزولك. قال: لا ولكن اطلب اخوتك حتى يكونوا معنا فى الصيد، فركب وبعث إليهم، فحضر محمد وأخوه الآخر وابنه، وقبلوا الأرض بين يدى السلطان، ثم قال له محمد:[62] يا خوند يقبح علينا أن ترجع ولم تأكل ضيافتنا. فقال: أنا ما جئت إلا لصيد الغزال.
فقال محمد: يا خوند وحياتك قد ظفرت بالصيد ونحن غلمانك. فقال: حتى نعود، فركبوا ودخلوا البرية وقضى السلطان وطره من الصيد يومين، وقد جهز له مهنى ضيافة كبيرة وسألوه، فرجع إلى بيوتهم فوجدهم قد جهزوا كل شئ حسن أعظم من ضيافتهم الأولى.
قال صاحب التاريخ: وأخبرنى جماعة كثيرة: لم يبق أحد من الغلمان من العسكر إلا وقد ملأ خرجه من سائر النقل وأنهم قد عملوا كل صنف من الأصناف على ناحية حتى عملوا مائة فصيل مصنوع من الحلوى، كل فصيل
على منسف، فلما فرغت الأمراء من السماط طلب السلطان قراسنقر والأفرم أمير جندار وجماعة من الأمراء، فخرجوا إلى مهنى وإخوته ووضعوا الزناجير فى رقابهم، وركب السلطان من البيوت، وخرجت النسوان وبكين وصحن وهن مكشوفات الوجوه، ثم أركبوهم الهجن وهم مقيدون.
ولما نزلوا على حمص سأل مهنى الأمراء أن يسألوا السلطان فى أن يطلق أحد إخوته، فإن بيوتهم ليس فيها رجل يدبرهم، فسألوا السلطان فأطلق أصغر إخوته، وأنعم بإمريات آل عيسى على آل مرا، ثم ألزم السلطان مهنى وإخوته أن يحضروا مال التجار الذين شكوهم، فالتزموا به.
ثم ركب السلطان إلى الصيد أيضا، ورسم للعسكر أن يذهبوا إلى دمشق فيقيموا هناك حتى يحضر السلطان، وبعد أيام قدم السلطان إلى دمشق وكان يوم دخوله يوما مشهودا.
وفيها: سير السلطان الأمير عز الدين الأفرم إلى قلعة الشوبك ليخربها، فتوجه إليها وهدمها، وكان ذلك فى غاية ما يكون من الحطأ وسوء التدبير، وحكى أنه وجد بقلعتها أربعين ألف ختمة بخطوط منسوبة مذهبة، وربعات كثيرة كذلك، وكتبا عظيمة مدخرة من عهد بنى أيوب، وزردخانة عظيمة القدر، ووجد فى جملة ذلك سيفا عرضه شبر وأربعة أصابع مفتوحة وطوله أربعة أذرع.
قيل: إنه سيف خالد بن الوليد رضى الله عنه، وقيل: هو صمصامة سيف عمرو بن معدى كرب.
وذكر فى نزهة الناظر: أن السلطان لما استقر بمصر بعد عوده من الشام قبض على الأمير عز الدين أيبك الأفرم
(1)
الصالحى أمير جندار
(2)
، وكان سبب ذلك أنه حصل للسلطان حنق بسبب عرب الشوبك وأنهم يقيمون فيها ويطلعون قلعتها، فكتب بذلك نائب الكرك إليه، فطلب الأفرم المذكور ورسم له أن يركب وينزل على قلعة الشوبك ويخربها. فقال له الأفرم: يا خوند كيف تخرب مثل هذه القلعة وهى قلعة عامرة آهلة، وهى حصن من حصون المسلمين، فنظر إليه نظر المغضب وقال: أنتم نفوسكم كبار وما خرج من رؤوسكم دعوى البحرية، وتزعمون أنكم أصحاب رأى ولا يجئ رأيكم إلا على رؤوسكم، ثم رسم بأخذ سيفه وتقييده فى وقته، ورسم للوزير بالحوطة على موجوده بمصر والشام وكان له موجود عظيم جدا، وتمكن الوزير من ماله.
قال صاحب النزهة: فأخبرنى ولده أسد الدين أن من جملة ما حمل لبيت المال من جهته مائة ألف وستون ألف دينار، وسته وتسعون ألف أردب غلة [63]، وكتب إلى دمشق بالحوطة على ما كان له فيها.
وقبض أيضا على الأمير عز الدين أزدمر العلائى
(3)
أحد الأمراء بدمشق، وكان له موجود كثير، وأحضر إلى مصر.
وفيها أمر السلطان الوزير أن يكتب إلى المباشرين بدمشق لاستعمال
(4)
مائة شمعدان مكفت؛ ويكتب اسمه عليها
(5)
، وخمسين شمعدان ذهب، وخمسين
(1)
توفى سنة 695 هـ - انظر ما يلى ص 238.
(2)
«فى يوم السبت ثانى شوال» - السلوك ج 1 ص 785.
(3)
توفى سنة 696 هـ - انظر ما يلى ص 381.
(4)
«بعمل» فى المواعظ والاعتبار ج 2 ص 112.
(5)
«بألقاب السلطان» فى المواعظ والأعتبار.
فضة، ومائة وخمسين سرجا زركشا، ومثلها مخيشا، ويجهزون ألف شمعة، وأشياء كثيرة من هذا الصنف.
وكان هذا لأجل المهم بسبب زوجته بنت نكيه
(1)
، وكانت حاملا، وقرب ميلادها.
ثم فى شهر ذى الحجة رسم السلطان للعساكر بالتأهب للعرض والقيام من العدد، والتجمل بالنافلة والفرض، فاهتموا بالعدد الجميلة من الجواشن والقرقلات والخود والبركستوانات [والتراكشى والكاسات
(2)
] وغير ذلك [من العدد الفاخرة
(3)
].
وكان الباعث له على ذلك قرب ميلاد زوجته، فاهتم بذلك عند قرب النفاس، مؤملا أن يكون المولود ذكرا يحيى به ذكره، ويشرح له صدره، ويرث الملك من بعده، وتجمل العساكر تجملا لم ير مثله، وغالوا فى أثمان العدد، حتى بلغ ثمن الجوشن الذى قيمته مائة درهم إلى ألف درهم وفوق ذلك.
وفى اليوم الثالث من لعب القبق هبت رياح عاصفة، ونار من العجاج ما يملأ الفجاج، فصار النهار كالليل، وكان السلطان قد أمر باتخاذ الأطعمة، والإكثار من أنواعها، وتجهيز القمز والفواكه، وأصناف الحلوى، فكان المولود بنتا فلم يتم له ما رام، ولا انشرح لهذا الاهتمام.
وذكر فى نزهة الناظر أن السلطان لما جاء له بنت خشى أن يسأل عن ما كان قد استهم فيه، فأظهر أنه يريد أن يطهر أخاه محمدا وابن أخيه مظفر
(1)
«خوند أردوتكين ابنة نوكيه، ويقال نوغيه السلحدارية» فى المواعظ والاعتبار ج 2 ص 112.
(2 و 3)[] إضافة من زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 179 ب، حيث ينقل العينى عن زبدة الفكرة هذا الخبر.
الدين موسى بن الملك الصالح، ورسم لنقيب الجيش والحجاب أن يعرفوا الأمراء والعساكر أن يلبسوا عدد الحرب هم وخيولهم، ويجتمع الجميع بالميدان الأسود خارج باب النصر، فأخذت الأمراء فى الاهتمام لذلك.
وبعد ثلاثة أيام خرجت السوقة ونصبوا سائر ما يحتاجون إليه من الصواوين والخيام والأخصاص، ونقلوا إليها سائر الأطعمة والنقل، وعملوا سوقا عظيما.
ونزل السلطان فى موكب عظيم، ولم يبق أحد من الناس من أكابر البيوت وغيرهم إلا وخرج يمضى ذلك اليوم، وهم فى الزينة المذكورة من العدد.
وفى اليوم الثانى رسم السلطان للعسكر أن يبدأ القبق
(1)
، وعرّف الحجاب أن أحدا لا يرد لا من الجند، ولا من مماليك الأمراء، وكل من أراد الرمى يدخل ويرمى.
وطلب السلطان فى ذلك الوقت الأمير بدر الدين بيسرى، والأمير سلاح
(2)
، وقال أنتم أكابر الأمراء ومشايخ هذا الحال، فاشتهى أن تبدأوا وترموا القبق، حتى أبصر همة الشيوخ. فقال البيسرى: يا خوند ينبغى أن نتفرج هذا اليوم على هؤلاء الشبان الملاح إيش بقى فينا ونحن شيوخ، وقد ذهبت علينا. فقال:
وحياتى عليك أن لا بد من أن ترمى.
(1)
«ثم فى العشرين من ذى الحجة نصب السلطان ظاهر القاهرة خارج باب النصر القبق، وصفة ذلك أن ينصب صار طويل ويعمل على رأسه قرعة من ذهب أو فضة ويجعل فى القرعة طير حمام ثم بأنى الرامى بالنشاب وهو سائق فرسه ويرمى عليه، فمن أصاب القرعة طير الحمام خلع عليه خلعة تليق به ثم يأخذ القرعة» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 16، وعن ميدان القبق انظر: المواعظ والاعتبار ج 2 ص 11 وما بعدها.
(2)
هكذا بالأصل.
وهو الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى، أمير سلاح - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 112.
وكان بيسرى قد علم أن السلطان يكرمه بهذا، وكان قد أعد له سرجا يليق لرمى القبق، وهو السرج الذى يكون قربوسه الورانى وطئة حتى إذا مال على قفاه لا يؤلمه ذلك، فركب ذلك السرج، واستعمل القبق وهو نائم على علاق قفاه إلى أن وصل إلى مكان الرمى رماه فأصابه، ثم عاد ورماه على يساره فأصابه
(1)
، ثم دخل بعده أمير سلاح، ثم أمير بعد أمير، [64] ومقدم بعد مقدم، وجندى بعد جندى.
وكان ذلك اليوم يوما عظيما، ما عهد يوم قبله مثل ذلك، ثم إن السلطان رجع وهو مسرور بذلك إلى الدهليز، ودارت على الأمراء السقاة بأوانى الذهب والفضة والبلور، وشرع الجند إلى الأحواض التى نصبت للشرب، وكانت قدر مائة حوض، وأقام السلطان فى ذلك يومين والثالث، وفى اليوم الثالث قال السلطان لبيسرى: بقى هذا اليوم، ادخل وارم. قال: يا خوند، خل عنا الشيوخ، وخلنا نتفرج اليوم على هؤلاء الشبان الذين كل واحد منهم أحسن من الحور فى الجنة، فتبسم السلطان، وأشار إلى خاصكيته أن يتقدموا ويرموا القبق، فدخل طغج، وعين الغزال، وأمير عمر، وكيكلدى وقشتمر العجمى، وبرلغى وأعناق الحسامى، وبكتوت الصهيونى، ونحو من خمسين أميرا من الخاصكية، وعليهم تتريات [حرير]
(2)
أطلس بطرازات زركشى، وكلوتات زركشى، وحوائص الذهب، ودخل كل واحد منهم مداخل بحسب الجانبين، وأنار بواضح سناه على النيرين، ورمى وهو يهز عطفيه فأصاب الغرض قبل الإيماء
(1)
أحدث الأمير بيسرى فى ذلك الحفل تعديلا جديدا فى رمى القبق - انظر نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 304 أ، السلوك ج 1 ص 786.
(2)
[] اضافة للتوضيح، من المواعظ والاعتبار ج 2 ص 113.
إليه، وتخيل كل منهم على ذلك بالجوزاء، وهو راكب، وحنايا قسيهم من حنايا تلك الحواجب.
قال صاحب النزهة: ولمؤلفه:
عوذة البارى رب الفلق
…
لما تلفت عند رمى القبق
ولاح من واضحة بهجته
…
ما بين عينيه وفرق فرق
فقلت للناظر من دهشتى
…
انظر إلى صحة هذا القبق
وكان السلطان قد رسم بحضور سائر الملاهى فى ذلك اليوم، وكان يوما عظيما، ولما رجع « ...... »
(1)
، لما صفا
(2)
إليه زمانه، أبدل الله ذلك الفرح بالترح، والنجاح بالإيجاح، وذلك فقد أظلم الجو فى ذلك الوقت، وجاءت ريح عاصف، وريح « ...... »
(3)
طبقت الأرض، فقلعت سائر الخيام، وأرمت الدهليز وذرت الغبار والرمل فى وجوه الناس حتى كان الرجل لا يعرف رفيقه إلى جنيبه، واختلطت الأجناد بالأمراء، ووقع النهب فى الخيام والسوق، وطلب السلطان القلعة والأمراء معه، واختلفت عليهم الطرق، وما دخل السلطان من باب الاصطبل إلا بالجهد العظيم، وهتكت حريم كثيرة، ونهبت أشياء غير عديدة.
وكان يوما كأنه من أيام البعث والنشور. وكأن الناس لم يروا شيئا من السرور، واشتغل كل أحد بنفسه، وبقى الحال على هذه الهيئة مقدار ساعة فلكية، ثم سكنت الرياح، وأشرقت الشمس، وحمد الناس الله تعالى وشكروه على لطفه
(4)
.
(1)
« ...... » سبع كلمات مطموسة.
(2)
صفا: الصفو والصفا، ممدود نقيض الكدر وصفوة كل شئ: خالصة من صفوة المال وصفوة الإخاء - لسان العرب.
(3)
« ...... » كلمة غير مقروءة.
(4)
انظر أيضا ما جاء فى التحفة الملوكية ص 134 - 135.
ثم لما أصبح السلطان أمر بإحضار سائر الملاهى لأجل ختان أخيه وابن أخيه، وعمل المهم فى القاعة التى عمرها وسماها الأشرفية
(1)
باسمه، وعمل مهما لم يعهد مثله فى سائر الدول، وحضر الأمراء، ورسم السلطان للخاصكية أن تدخل واحد بعد واحد فيرقص بمفرده، وهو واقف يتفرج عليهم والخازندارية واقفون بين يديه أكياس الذهب، وهو ينثر الذهب على كل واحد بمفرده
(2)
، ولما فرغ الختان رسم لكل أمير بفرس مسروج وتشريف، ورسم للبيسرى وأمير سلاح كل واحد بألف دينار.
[65]
وطلب الأمير طقجى، وكان عنده أحظى الخاصكية، فكتب بخطه رسم السلطان خليل بن قلاون أن ينعم على الأمير سيف الدين طقجى الأشرفى من الخزانة الشريفة بمائة ألف دينار، وعلامته، وكتابته بقلم غليظ، فأخذ طقجى الورقة عنده، وكان السلطان رسم عند الختان أن يرمى كل مقدم ألف فى الطشت مائة دينار، والطبلخاناة خمسين دينارا، ووكل
(3)
الوزير بأمر الطشت وأمر للخازندارية أن يحفظوا الطشت، فلما فرغوا أمر السلطان أن يكون النصف لأصحاب الملاهى والنصف للمزين، فعرفوا الوزير بذلك، فأخذ الطشت عنده وأرضى هؤلاء بالبعض، ووصاهم أن لا يظهروا ذلك للسلطان.
(1)
الأشرفية قصر بقلعة الجبل، أنشأه الملك الأشرف خليل سنة 692 هـ - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 211.
(2)
«ووقف الخزندارية بأكياس الذهب، فلما قام الأمراء من الخاصكية للرقص نثر الخزندارية على كل من قام للرقص» - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 211.
(3)
«وعندما طهروهم رموا الأمراء الذهب لأجل النقوط، فإن كان الأمير أمير مائة فارس رمى مائة دينار، وإن كان أمير خمسين فارسا رمى خمسين دينارا، وقس على ذلك سائر الأمراء ورمى حتى مقدمو الحلقة والأجتاد فجمع من ذلك شئ كثير» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 16.
ثم طلب السلطان الوزير وقال له: اعط للبليبل ألف دينار، وكان البليبل يغنى فى المجلس وعلى السماط، وكان له صوت عظيم إلى الغاية، وكان الأشرف يحب سماعه فى حياة والده، فقال الوزير: يا خوند وكم من ألف خرج فى هذا المهم؟ فالتفت السلطان إلى البليبل فقال: ويحك غنى إذا أسعدك الزمان فلا تبالى، فصار يلعلع بصوته والسلطان يعجبه قوله، فقال: يا صاحب إملأ طشت بالذهب فقال: السمع والطاعة، ثم جاء إلى الوزير استاذ الدار لطقجى وديوانه، وأوقفوه على ما كتبه السلطان، فلما رأى علامة السلطان نهض من المجلس وقبل الأرض ووضعه على رأسه وبهت له ساعة، وقال: مرسوم السلطان على الرأس والعين، ولكن أمهلونى قليلا، ثم نهض من المجلس ودخل على الأمير بيدرا نائب السلطنة، ورمى نفسه عليه، وقال يا خوند: ارحمنى وادركنى وإلا أموت، من أين أجد مائة ألف دينار بعد عمل هذا المهم العظيم، فلما وقف على المرسوم أعذره ونهض معه، فدخل إلى السلطان، فقال له: يا خوند، من أين يجد الوزير بعد عمل هذا المهم مائة ألف دينار، وشرع يسأل التنقيص من ذلك، والوزير أيضا يسأله، فنظر إليهما السلطان نظر المغضب، فقال: مثلى ينعم على مملوكه بشئ اليوم وينقصه غدا. فقالوا
(1)
: يا خوند: نحن ندخل على طقجى ليحط من هذا القدر بشئ. فقال: هذا له وليس لى، فنهضوا من عنده، فصادفوا طقجى داخلا إلى الخدمة، فأخذ بيدرا بيده فأجلسه إلى جانبه، وطلب بكتمر السلحدار وبعض الخاصكية، وخاطبوه أن تكون المائة ألف دينار مائة ألف درهم، فقال للوزير: أنت فى عقلك؟ تقول إنى آخذ عوض مائة ألف دينار مائة ألف درهم، فلما رأى بيدرا تصميمه على الطلب قام ووقف وقال: يا أمير أنا أروح
(1)
هكذا بالأصل.
اليوم إلى بيتك وأطلب ضيافتى، فنهض طقجى وقال: يا خوند مثل ما وهبنى أستاذى أنا قد وهبتك الجميع، وبعد ذلك حمل له الوزير مائة ألف درهم.
وقال صاحب النزهة: وجدت دفترا بخط شخص من مماليك الحاج طيبرس بعد وفاته؛ وكان والدى وصيه، فنظرت فيه، وقد كتب كل ما نفق فى هذا المهم، فوجدت جميع ما غرم من أوله إلى آخره: ثلاثة آلاف رأس غنم، وستمائة رأس بقر، وخمسمائة أكديش
(1)
وألفين
(2)
وثمانمائة قنطار سكر للمشروب، ومائة وستين قنطارا لعمل الحلاوات، وذكر أنه عجز ما نفق من الذهب، وقدره على سبيل [66] التقريب مائتى ألف دينار.
قال: ثم بعد قتل الأشرف لما تولى الأميران سلار وبيبرس وباشر علم الدين أبو شاكر ناظر الحوشخاناة سألته عما نفق من بيت المال فى المهم المذكور، فقال: وجدت أوراق المصروف نحو الثلاثمائة ألف دينار، سوى ما خص الأقبية والطرز والسروج وقماش العساكر، ولم يعهد أن أحدا من ملوك الترك صنع مهما مثله، ولا نفق فيه مثله.
وفيها: كانت واقعة القاضى تقى الدين بن بنت الأعز مع الوزير، وقد ذكرنا طرفا منها فيما مضى
(3)
.
وذكر فى نزهة الناظر ما جرى عليه مع الوزير فى هذه السنة، وقال: ولم يذكر أحد أفحش من هذه الواقعة ولا أشنع منها فى حق هذا الرجل، وكان السبب فى ذلك أن الصاحب شمس الدين بن سلعوس لما قدم مصر فى الدولة
(1)
«ومن الخيل خمسمائة إكديش» - المواعظ والإعتبار ج 2 ص 211.
(2)
«ألف» فى المواعظ والإعتبار.
(3)
انظر ما سبق ص 85.
المنصورية، كما ذكرنا، وباشر فى ديوان ولده الأشرف كان رفيقه فى المباشرة رجل يقال له نجم الدين بن عطايا، كان شاهدا بديوان الأشرف، فحصل بينه وبين ابن سلعوس إلمام عظيم ومودة عظيمة، واتفق أن ابن سلعوس خرج من مصر وأقام بدمشق، فكان هذا الرجل يكتب إليه كل ما يتفق فى مصر من الوقائع ويعلمه بذلك، وكان يهادى بعضهما إلى بعض.
وكان نجم الدين هذا يسعى عند الأمراء وحاشية السلطان فى أن يوليه القاضى تقى الدين فى شئ من الوظائف الدينية، وكان ابن سلعوس أيضا بعث إليه من من الشام وسأله فى أمره، فلما حضر قاصده إلى القاضى قال: يا سيدى القاضى شمس الدين يسلم عليكم، فقال القاضى: أى شمس الدين؟ فقال: صاحب ديوان الملك الأشرف. قال: تاجر البطاين، فرجع القاصد وعرف ابن سلعوس بذلك، فمضت على ذلك مدة وجماعة كثيرة يسعون له عند القاضى وهو يسوف من وقت إلى وقت إلى أن حضر نجم الدين مع جماعة عند القاضى فى أمر ميراث وتوكل فيه، وادّعى على الأخصام بدعوى غير سائغة، فنظر القاضى إليه وقال:
يا نجم الدين أصلح دعواك، فخرج وعاد ثانيا، فردّه القاضى وقال: أصلح دعواك، فلما فرغ من الدعوى طلبه وسأله عن مسألة، فلم يجب عنها، وصار القاضى يفهمها له، فلم يفهم، ثم قال له: يا نجم الدين كيف يحل لك تسعى أن تتولى مجلسا من مجالس الحكام ولا تحسن طريق الدعوى السائغة، ولا تجيب عن مسألة، ارجع إلى الله تعالى ولا نثقل على بعد ذلك بأحد فى ولايتك، واذهب واشتغل بالعلم، ولا ألقى الله وفى صحيفتى ولايتك.
وتطاولت المدة على ذلك إلى أن تولى الملك الأشرف بعد وفاة والده المنصور وحضر ابن سلعوس واستقر فى الوزارة كما ذكرنا، وعزل القاضى تقى الدين من
وظيفة القضاء ثم صار يأخذ منه وظيفة بعد وظيفة إلى أن بقى معه نظر الخزانة وشئ من وظائفه، وحصلت سفرة عكا، فكتب السلطان إلى نائب الغيبة من غير علم الوزير أن يطلب ناظر الخزانة وسائر مباشريها ويأمرهم بكتابة ما فيها من الحواصل، وسيرها صحبة البريدى، فكتب نجم الدين بن عطايا المذكور إلى الوزير وعرفه بذلك، وأن القاضى هو الذى فعل ذلك بسعايته، فبقى فى نفس الوزير ذلك، فلما قدم إلى مصر تلقاه الناس على العادة والقاضى فيهم، فأقبل يسلم على الوزير فلم ينصفه فى الجواب، ثم قال له يا مولانا تقى الدين: جهز عشرين [67] ثوبا أطلس لأجل الفرش عند دخول مولانا السلطان، فقال يا مولانا الصاحب: ما سبقك بهذا أحد ولا سبقنى أيضا قاض بهذا، ورجع عنه وفى وجهه التغير، ثم عمل القاضى تقى الدين للوزير قصيدة من نظمه وعظمه فيها، وقصد بذلك ملاطفته ومداراته، فلما دخل إليه أراد أن ينشدها وهو واقف، فمنعه من ذلك
(1)
، وهى قصيدة طويلة أولها هو قوله:
شكر الله ما صنعت ويرعى
…
فهو قد حل فى البرية وقعا
وكانت هناك جماعة كثيرة، فدخلوا على الوزير أن يسمعوا القصيدة، فأمر بذلك، ولما فرغ من إنشادها تبسم الوزير، وقال: يا مولانا تقى الدين:
عظمت تاجر البطاين كثيرا، فخجل القاضى، ثم قال: يا مولانا الوزير: المرء بنسبه لا بحسبه، وليس رئيس القوم من يحمل الحقد، ثم شرع الوزير بعد ذلك فى العمل عليه إلى أن طلب بعض الكتاب، فكتبوا عليه بمائة وعشرين ألف
(1)
«أراد إنشادها بنفسه فحلف الوزير عليه، فأنشدها أخوه علاء الدين» - السلوك ج 1 ص 785.
درهم، فطلبه إليه وخاطبه فى أمرها، فقال تقى الدين: ما عهدت منى خيانة قبلها، فنهره ورسم عليه وأقامه من المجلس، ثم دخل إلى السلطان وعرفه بذلك، ورسم السلطان بأن يستخرجها منه.
وكتب تقى الدين ورقة إلى نائب السلطان، وذكر فيه ما جرى عليه مع الوزير، فسير إليه النائب الأمير الموصلى الحاجب يقول له: هذا القاضى كان رفيقى فى الوزارة، وله على خدمة كثيرة، وما رأيت منه فى مباشرته ما يشينه فى دينه ولا دنياه، وإن كان الصاحب ما يقبل سؤالى فيه، فمهما كان فى جهته أنا أقوم به عنه لبيت المال، فقال فى جوابه: بسم الله ولكن نحتاج إلى تحقق حساب الديوان يومين أو ثلاثة، ثم أسيره إلى خدمته.
وتحقق الوزير أنه ما ينال منه غرضه لأجل قيام بيدرا فى طريقه، فسعى ابن عطايا وأصلح جماعة من شهود القلعة وغيرهم ممن لا يتق الله، فحضروا عند الوزير، واتفقوا معه على أن يشهدوا على القاضى بما يدعيه الوزير، فأصبح الوزير ودخل إلى السلطان فقال: كلما أطلب أحدا ممن له تعلق بأمور المباشرة وعليه مال السلطان يقوم بيدرا لأجله ويمنعه عنى، ويرسل إلى الرسالات الفاحشة فغضب السلطان وقال: اخرج واطلب مالى حيث ما كان وفى جهة من كان، ثم شرع يسب بيدرا، فخرج الوزير وطلب القاضى تقى الدين ونهره، ورسم عليه أربع
(1)
رسل وقال له: انزل واحمل المال وإلا فعلت بك كذا وكذا، وأمر أن لا يركب.
قال صاحب التاريخ: ورأيته فى ذلك اليوم عند باب الإصطبل وهو يقاول الرسل على الركوب وهم يمنعونه وعليه دراعة وعمامة وعذبة صغيرة، وكان
(1)
هكذا بالأصل.
الأمراء فى ذلك الوقت طالعين إلى الخدمة فرآه أمير سلاح على هذه الحالة، فضرب الرسل وأركبه، وقامت العوام على الرسل وقصدوا رجمهم وضربهم، فمنعهم بعض الناس، وصارت الأمراء ينظرون إليه وتألموا بسببه، ولما طلعوا إلى القلعة عرفوا النائب بيدرا بما رأوا مما عليه القاضى من الذلة والإهانة بين العامة والخاصة، فنألم بيدرا بسبب ذلك غاية ما يكون.
ثم أن الوزير اتفق مع الشهود المذكورين وصوروا عليه محضرا يتضمن فصولا كثيرة، منها: أنه يشرب الخمر، ومنها أنه يلوط بالصبيان، ومنها أنه يتلفظ بألفاظ يصطلح بها [68] النصارى من الألفاظ التى يترتب على قائلها الكفر، وأنهم عاينوه وقد شدّ فى وسطه زنارا من تحت ثيابه على صفة النصارى، وأثبتوا المحضر على هذا الوجه، ثم أخذه الوزير ودخل به إلى السلطان، فقرأوه عليه، واتفق معه على أن يحضروه إلى مجلس الحكم ويدّعى عليه بذلك، فإن أنكر شهد عليه شهود المحضر، ثم يعمل بمقتضاه من القتل ونحوه.
ولما خرج الوزير من عند السلطان دخل النائب، فتلمح السلطان فى وجهه الغيظ، فسأله فقال يا خوند: كيف لا يكون وفى أيامك ينزل قاضى المسلمين، وهو رجل كبير القدر، صاحب علم ودين، وسلف صالح، راجلا يمشى بين العوام، ويهان بين الرسل، وشرع بيدرا يذكر أمثال ذلك، فقال السلطان:
اسكت أنت ما تعرف، هذا رجل زنديق، فشرع يذكر له المحضر وما كتب فيه من المصائب، وأن الوزير إلتزم أن يثبت ذلك جميعه، فلم يتمالك بيدرا من حنقه على ذلك حتى قال يا خوند: ارجع إلى الله فى مثل هذا الرجل ولا تسمع فيه قول رجل عامى، فغضب السلطان من قوله، وقال له: يا مأبون تقول فى حق وزيرى قطعة عامى، والله لولا خدمتك على وإلا خليتك
تمشى فى خدمته وتحمل مداسه، فخرج بيدرا من عنده، وهو أعمى من الغيظ والحنق، فوصل إلى دار النيابة ولم يجلس للحكم، واختل بنفسه وبكى بكاء كثيرا، فبلغ الوزير ذلك ففرح وانبسط، ولم يدر ما يكون عقيب ذلك.
وأنشد صاحب التاريخ لنفسه:
كلمة قلتها فقالت مهلا
…
عن قريب تريك قولا وفعلا
سترى حمرة نار نارا
…
كأن إشعالها سنانا ونصلا
فسمعت الأمراء بذلك، فأتوه سرا وصبّروه وهوّنوه عليه، وقالوا له: إن أستاذك حادّ الخلق، فاصبر على ذلك، فكلهم تألموا له بسبب ذلك، ثم أجمعوا كلهم على الكلام مع السلطان، ولما دخلوا عليه أخذ السلطان يذكر لهم حديث القاضى، فقال له أمير سلاح، والبيسرى: يا خوند الله الله حاشى فى القاضى هذه الأمور، فصار السلطان يحاجج الأمراء، فقال له أمير سلاح: يا خوند نحن ما نريد أن يكون فى ذمة السلطان من ذلك شئ، فتجتمع مع نائب السلطان وسائر القضاة، وتعمل عقد مجلس لهذا الرجل وتسمع صحته، فإن ثبت عليه شئ مما ذكروه عرفنا مولانا السلطان فيرى بما فيه مقتضى الشرع ويبرأ ذمته من جهته، فأجابهم السلطان على ذلك ونهضوا كلهم واجتمعوا فى موضع، وأحضروا القاضى وشهود المحضر، وكان منهم نجم الدين بن عطايا، وابن السبتى، والتكرورى الإمام، وكان هؤلاء من شهود القلعة، وأقاموا شخصا يدعى عليه بذلك، فنهض القاضى تقى الدين وقال:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ قال الله تعالى: {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ)}
(1)
- الآية. ثم قال: يا أمراء الإسلام يا مجاهدين فى سبيل الله أنا فلان بن فلان بن فلان، وذكر سائر أجداده إلى أن قال ما فى نسبى بطرس ولا جرجس ولا مجوسى ولا نصرانى، وإذا قالوا إنى أشرب الخمر ربما يكون فيه لذة على زعم من يستعمله، أو أنى ألوط ربما يكون من عليه شهوة النفس، ولكن النصرانية وشدّ الزنار من أين وإلى أين وما فيه من اللذة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وتمثل:
جلوا صارما وتلوا باطلا
…
وقالوا: صدقنا، فقلنا: نعم
[69]
ثم بكى، فانهملت عيناه بالدموع، فما قام أمير منهم إلا وهو يمسح عينيه من البكاء، ويقول: والله يحق على من يشهد على مثل هذا بالنصرانية أن يضرب عنقه، فانقضى المجلس على ذلك، وكان مجلسا عظيما، وقصدت العوام أن يرجموا الشهود، فمنعتهم الحجّاب، ثم دخل الأمراء إلى السلطان، فرأى فى وجوهم أثر البكاء والحزن وقد تنكرت، وصار الأمير بدر الدين يتحدث معه ودموعه تجرى، وقال يا خوند: إش يقال فى بلاد الأعداء إذا سمعوا أن الشهود شهدوا أن قاضيهم الذى هو قاضى القضاة نصرانى، وشرع البيسرى وبكتمر السلحدار وغيرهما من أكابر الأمراء فتحدثوا مع السلطان، فقال السلطان: أما فى ذمتى ذنب، ورسم بالإفراج عنه، وأن لا يعارضه أحد، فخرج الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار بنفسه ومشى مع القاضى إلى باب القلعة.
وقال صاحب التاريخ: كنت فى ذلك اليوم مع والدى أشاهد ما وقع، ولم أر مثل ذلك اليوم من اجتماع الناس حتى لا يمكن أن يرى أحد القاضى بينهم.
(1)
الآية 6 من سورة الحجرات رقم 49.
وأصبح الأمير بيدرا يدخل إليه، فطلبه وطيب خاطره وخلع عليه وقال:
لأجلك أطلقت القاضى وما سمعت فيه قول أحد، فقبل الأرض ودعى للسلطان، وفى قلبه من تلك الكلمة أمور.
قال صاحب التاريخ: أخبرنى الشيخ زين الدين ابن الكنانى الشافعى فى سنة أربع وسبعمائة، وقد أجريت عنده ما جرى على القاضى تقى الدين. فقال:
أصيب بدعوة دعيت عليه، وهو أن القاضى تقى الدين كانت له وظائف شتى.
من جملتها نظر الخانقاة الصلاحية، وكان شيخها فى ذلك الوقت الشيخ شمس الدين الأيكى
(1)
، وكان القاضى يحضر الوظيفة، واتفق فى بعض الأيام بحث بينهما فى نظم الشيخ شرف الدين بن الفارض
(2)
، وكان قد بلغ القاضى عن الشيخ أنه يعتقد الحلول، فقال له: بلغنى أنك رجل حلولى على مذهب ابن الفارض، وأنك كل وقت تنشد قصيدته التى فيها ذكر الحلول، وهذا مذهب نحس، فصعب على الشيخ كلامه، وأخذ يجاوب القاضى بالفظاظة فقال له القاضى: الآن ظهر صدق ما قيل فيك، وسفه عليه، وقام من غيظه عليه، فضربه بيده فأخرق عمامته فى حلقه، فنظر إليه الشيخ، وأجرى دمعه، وقال: نكلت بى، نكل الله بك، فأجيبت دعوته، وجرى عليه ما جرى، ولما أفرج الله عنه جاء إلى الشيخ واستغفر الله تعالى، وأشار الشيخ إلى خادم من خدام أم الملك السعيد، وكان حسن الصوت، فقام وأنشد قصيدة ابن الفارض إلى أن أتى إلى قوله:
وبى من أتم الرؤيتين إشارة
…
تنزه عن رؤيا الحلول عقيدتى
(1)
هو محمد بن أبى بكر بن محمد الفارسى الأيكى الشافعى، شمس الدين أبو المعالى، المتوفى سنة 696 هـ/ 1296 م - انظر ما يلى فى وفيات 696 هـ.
(2)
هو عمر بن على بن مرشد الحموى الأصل، المصرى المولد، والمتوفى سنة 632 هـ/ 1245 م - وفيات الأعيان ج 3 ص 126 رقم 472.
فبكى القاضى عند ذلك بكاء كثيرا، فقال: والله لقد قرأت هذه القصيدة مرارا عديدة ولم أقع على هذا البيت، ونحن نستعيذ الله من ذلك الذنب.
وفيها: عزل القاضى عماد الدين بن الأثير
(1)
كاتب الإنشاء، وكان السبب لعزله أن السلطان قال له: اكتب إلى نائب الكرك باتلاف بعض الأمراء، فكان جوابه له: يا خوند عاهدت الله أنى لا أكتب بخطى فى إتلاف مسلم، فنظر إليه نظر المغضب فقال: ويلك، أقول لك اكتب فما تكتب، فأخذ الدواة فضربه بها ورفصه فى صدره، فنهض وهو يقول: رضيت بغضب السلطان ولا غضب الله تعالى
(2)
، فطلب السلطان النائب وعرفه بذلك، وقال له: افتكر من يكون كاتب السر، وكان فى ذلك [70] الوقت نوبة الأمير لاجين فى السلاح فقال: يصلح لهذا شرف الدين بن فضل
(3)
الله، وأنه من بيت كبير وله دراية بالوظيفة، فعند ذلك رسم بطلبه على البريد، فلما حضر خلع عليه واستقر بالوظيفة.
وفيها: أفرج السلطان عن يعقوبا
(4)
أمير الأكراد الشهرزوية، وكان قد أتى إلى بلاد الشام ومعه نحو من أربعة آلاف نفس من الشهرزوية، وجرت
(1)
هو: إسماعيل بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبى، عماد الدين أبو الفدا، المتوفى سنة 699 هـ/ 1300 م - المنهل الصافى ج 2 ص 391 رقم 428.
(2)
«ثم تركها (كتابة السر) تدينا وتورعا» - تذكرة النبيه ج 1 ص 230.
(3)
«وفى آخر ذى الحجة استقر فى كتابة السر القاضى شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمرى، عوضا عن عماد الدين إسماعيل بن الأثير» - السلوك ج 1 ص 786.
وهو عبد الوهاب بن فضل الله المجلى بن دعجان بن خلف، القاضى شرف الدين، أبو محمد القرشى العدوى العمرى الشافعى، كاتب السر بالديار المصرية، والمتوفى سنة 717 هـ/ 1317 م - المنهل الصافى.
(4)
ورد اسم الأمير يعقوبا الشهرزورى ضمن الأمراء الذين اتفقوا على خلع الملك السعيد بن الظاهر بيبرس سنة 678 هـ - انظر ما سبق بالجزء الثانى من هذا الكتاب ص 217.
له وقائع كثيرة، وبقى إلى أن حضر السلطان الملك المظفر قطز والتقى مع المغول فى عين جالوت، وكان قد حضر المصاف وشكر فيه هو وقومه، ولما تسلطن الملك الظاهر حبسه، فبقى فى الحبس إلى أن أطلقه الأشرف فى هذه السنة، وكان الساعى له عند السلطان الأمير برغشه، وكان قد حضر عند السلطان بتقدمة جليلة من الخيل وغيرها، فشفع فيه عند السلطان، وساعده الأمير بيدرا أيضا، وكان بينه وبين برغشه صحبة من أيام وصول يعقوبا إلى البلاد، ولما أطلقه السلطان أنعم عليه بألف دينار وكسوة وخيل، وكان رجلا طوالا وشكلا عجيبا جميلا.
وفيها: ركب السلطان ونزل إلى الميدان ولعب بالأكرة، فضرب الأكرة فوقعت على وجه بيدرا، فقطع حاجبه وجرى الدم وتشوش السلطان لأجله، فقصد أن يبطل لعبه، فحلف عليه بيدرا أن لا يبطل.
ونظم شرف الدين ابن الوحيد فى ذلك أبياتا منها قوله:
يا بدر دين الله يا مشبها
…
سميّه فى كل حسن بهر
مملوكك الجوكان تأثيره
…
فى وجه مولانا أتى واعتذر
وقال قصدى أن أرى وجهه
…
كوجه بدر التم فيه اثر
وفيها: كانت واقعة أهل الذمة وإسلام كثير منهم، وكانوا فى الدولة المنصورية فى غاية الذلة والإهانة خصوصا فى أيام الشجاعى الذى كان له حرمة عظيمة على العامة والكتاب وأرباب الأقلام حتى أنه كان أكبر من فيهم يكون راكب حمار وزناره فى وسطه، ولا يجسر يتحدث مع مسلم وهو راكب، ولا يمكن أن يرى عليه فرجية مصقولة ولا بيضاء إلا القليل منهم مع ذلة ومسكنة، فلما تغيرت الدولة وملك الأشرف وحدثت الأمور وانتشأت الخاصكية وكبرت
نفوسهم، كبر قدر النصارى أيضا بسبب بعض الخاصكية الذين يحامونهم، وكان من جملة الخاصكية مملوك يعرف بعين الغزال، وكان صاحب صورة جميلة جدا، وكانت له منزلة ومكانة عند السلطان، واتفق أن بعض النصارى خدم عنده، واتفق أنه لقى يوما عند زين العابدين سمسارا باع قماشا لتاجر، وعلى التاجر دين للديوان، فلما رآه السمسار نزل وباس رجله، وشرع النصرانى يسبه ويشتمه، والرجل يعتذر إليه فلا يقبل منه، ثم صاح لغلامه وقال له: انزل وكتف هذا الفاعل الصانع، فنزل إليه وكتفه، فاجتمعت عليه خلق وما وصل إلى الصليبة حتى اجتمع عليه خلق كثير، وهم يسألون النصرانى أن يطلقه وهو يأبى عليهم، فقاموا عليه وأرموه من حماره وأطلقوا الرجل، وكان قد قرب إلى اصطبل أستاذه، فجرى غلامه وأتى إلى الاصطبل وأخبر أهلها بما جرى، فخرجت الغلمان والوشاقية وخلصوا النصرانى منهم، والناس يصيحون ما يحل ما يحل حتى وصلت صيحتهم وغلبتهم إلى تحت القلعة، [71] وصاحوا نصر الله السلطان، فسمع السلطان بذلك، فأرسل جماعة من الوشاقية ليكشفوا الخبر، فعرفوهم بذلك، فطلب عين الغزال فقال: ويلك تسلط غلمانك على المسلمين لأجل كاتب نصرانى، فخشى عين الغزال فقال: يا خوند أنا فى خدمة السلطان هاهنا ما أعرف هذه القضية، فغضب السلطان وطلب الوشاقية وقال: انزلوا هاتوا كل من فى اصطبل الأمير، وقولوا للعوام: رسم لكم السلطان أن أى نصرانى رأيتموه أحضروه إلى، وطلب الشجاعى والنائب، وقال: لا تخلوا نصرانيا حتى تحضرون به إلى، وقرر معهم أن ينادى أن أميرا أو غيره لا يستخدم نصرانيا ولا يهوديا إلا إذا خرج عن دينه وتمسك بالإسلام، وأمر لسائر الأمراء أن كل من عنده كاتب نصرانى يعرض عليه الإسلام، فإن أبى يضرب عنقه وإن أسلم
يستخدمه، ورسم للنائب أن يعرض سائر المباشرين فى ديوان السلطان ويفعل فيهم ما رسم به من الذى ذكرناه، فهربت جماعة كثيرة من الكتاب، وسمعت العوام بذلك، فتتبعوا آثارهم وهجموا عليهم فى بيوتهم، وأخرجوا حريمهم مسبيات، وقتلوا جماعة منهم بأيديهم، وبلغ ذلك إلى السلطان، فأمر الوالى أن ينادى أن أى من نهب بيت نصرانى يشنق، ومسكوا جماعة من الحرافيش فأشهروهم.
وكان أعظم ما جرى فى مصر بقصر الشمع، والكنيسه المعلقة، وعدمت أموال كثيرة للنصارى ولليهود أيضا، فلما نادى السلطان كفوا عن ذلك، وجمعوا جماعة من الكتاب الذين يكتبون فى دواوين الأمراء وديوان السلطان ودخل بهم النائب إلى السلطان، فأوقفهم من بعيد، فرسم للشجاعى وأمير جندار أن ينزلا سوق الخيل ويحفرا حفيرة كبيرة وبرميانهم فيها، ثم يرمون عليهم الحطب والنار، فأخذوهم وخرجوا، وتقدم النائب وقال يا خوند: هؤلاء أصحاب دواوين يحفظون الأموال والخراج، وليس للسلطان غنى عنهم. فقال أنا ما أريد أن يكون فى دولتى ديوان نصرانى، وما زال بيدرا يسأله إلى أن اتفق الحال على أن من أسلم منهم يستخدم ومن لا يسلم يضرب عنقه، وخرج نائب السلطان فأحضر الجميع بين يديه، وكان فيهم رجل يعرف بالمكين ابن السقاعى، ولما كان بيدرا وزيرا كان يستظرف كلامه ويمزح معه لأنه كان ظريفا صاحب هزل وجواب خاطر فى وقته، فأول كلام بيدرا كان معه وقال يا جماعة: وصلت قدرتى مع السلطان فى أمركم أن من أسلم خلع عليه ويباشر وظيفته ومن أبى قتل، فابتدره المكين بالجواب وقال يا خوند: أىّ قواد يختار القتل على هذا الدين الخرعى، والله دين نقتل عليه يروح لا كتب الله
عليه سلامه، قولوا لنا الدين الذى تختارونه نروح إليه، فعلته الضحك، وكل من كان حاضرا، فقال بيدرا: ويلك نحن نختار غير دين الإسلام! فقال يا خوند ما نعرف. قولوا: نحن نتبعكم، فأحضروا الشهود واستنطقهم بالشهادة، وكتبوا، ودخل بهم إلى السلطان، فألبسهم التشاريف، وجعلوا فى مجلس الوزير.
واستفتح بعض المدراء، فناول المكين ورقة، وقال: يا مولانا القاضى، اكتب على هذه الورقة والوزير يسمعه: وقال يا ابنى: ما كان لنا هذا القضاء فى خلد، فتبسم الوزير فبقوا إلى العصر، فحضر الحاجب من جهة النائب وعرف الوزير أن [72] الجماعة يقومون كلهم إلى مجلس النائب، ويريد أن يجدد إسلامهم عند القضاة، فرسم بقيامهم، فقال المكين: يا مولانا الصاحب صارت هذه عادة كل يوم نقولها، فتبسم وقال: نعم، نقولها كل يوم خمس مرات قبل الصلاة وبعدها، فلما نهضوا كان القاضى تاج الدين بن السفلورى جالسا مع الوزير، فقال يا مولانا تاج الدين: ما تقول فى إسلام هؤلاء الجماعة؟ قال: أقول إن الذليل منهم صار عزيزا، والعزيز من المسلمين صار ذليلا لهم، فإنه كان يمنعهم من ظلم الناس ومن التكبر عليهم كونهم نصارى، فالآن يقولون: نحن مسلمون، فيتسلطون عليهم والله يتولى سرائرهم.
وكان من جملة من أسلم منهم: أمين الملك بن غنام، وابن السقاعى، وابن لفيقه كاتب ديوان النائب.
وكتب بعضهم لبيدرا بيتين وسيّرهما إليه، وهما لابن البغدادى:
اسلم الكافرون بالسيف قهرا
…
وإذا ما خلوا فهم مجرمونا
أسلموا من رواح مال وروح
…
فهم سالمون لا مسلمونا
وقال صاحب التاريخ ولمؤلفه:
قل للمليك الأشرف ما تنتظر
…
يا ناصر الدين ويا منتصر
قد أمكن الله من أعدائه
…
فى يوم بؤس نحسه مستمر
فقلّد السيف لأرقابهم
…
واجعله على الكافر يوما عسر
فلا يغرنك إسلامهم
…
فكل من أسلم كذّاب أشر
وفيها: اشتهى السلطان أن يتفرج على لعب الشوانى
(1)
فى البحر، فطلب الوزير وقال له ذلك، فنزل إلى الصناعة
(2)
وطلب الرئيس، وجهز كل ما يحتاج إليه من العمل، وأقاموا أياما قليلة وجهزوا نحوا من ستين شينيا، وحملت فيها سائر العدد من السلاح، ورتبوا فى كل مركب مماليكا ملبسه مقاتلة ومماليكا زرادين.
فهرعت إلى الفرجة على ذلك من قبل ركوب السلطان بثلاثة أيام أهل مصر والقاهرة؛ وصنعوا قصورا من الخشب، وبنوا أخصاصا على ساحل مصر وساحل الروضة، فبلغ كرا كل ساحة من الساحات التى بين يدى البيوت إلى مائة درهم ومائتين، ويوم ركوب السلطان كان الناس مثل الجراد المنتشر من المقياس إلى بولاق، فما رأى أحد مثل ذلك اليوم، وأراد الحجاب منع الناس
(1)
الشوانى: جمع شينى، أو شانى، أو شينية، أو شونة: وهى السفينة الحربية الكبيرة، ومن أهم القطع التى يتكون منها الأسطول فى الدول الإسلامية - السفن الإسلامية على حروف المعجم ص 83.
(2)
الصناعة: مصطلح يطلق على المكان المعد لصناعة السفن.
والمقصود هنا صناعة مصر: بساحل فسطاط مصر، التى أنشئت منذ أيام محمد بن طفج الأخشيد سنة 323 هـ - المواعظ والاعتبار ح 2 ص 197.
فلم يجدوا لذلك سبيلا، ورسم السلطان أن لا يتعرضوا لأحد، وأرمت جماعة كثيرة نفسها فى البحر، ووقف الناس صفوفا صفوفا، ووقف السلطان والنائب والخاصكية قدام دار النحاس
(1)
، فدارت الشوانى بين يديه، وقد صنعت فى وسطها أبراج وقلاع، وفيها مقاتلون، والنفط، والمكاحل، ونحو ذلك، وأظهر كل مركب صنعة تفتخر بذلك على غيره من المراكب، فلم يزل السلطان يتفرج على ذلك إلى قريب الظهر، ثم رجع إلى القلعة والذى اتفق فى ذلك اليوم ما اتفق لأحد من الملوك.
قال صاحب التاريخ: وأخبرنى جماعة من أهل المراكب أن أحدا منهم قد استكمل أجرة مركبه سنة كاملة فى هذا اليوم، وأن الراكب فى مركب كبير قد استكراه فى ذلك اليوم بسبعمائة درهم وأكثر، وأبيع سبعة أرطال خبز بدرهم بعد أن كان اثنى عشر رطلا بدرهم، وكذلك اللحم وغيره زاد سعره من كثرة الزحام والخلق.
قال الراوى: وأنشدنى الشيخ فتح الدين، [73] شيخ الحديث بيتين لابن عنين فى لعب الشوانى فى أيام الأشرف وهما:
يا أيها الملك المسرور أمله
…
هذى شوانيك تجرى يوم سرّاء
كأنها شبه أطيار بها ظمأ
…
طارت إلى الجو وانتثرت على الماء
وفيها رسم للأمير عز الدين أيبك الخزندار بنيابة طرابلس، عوضا عن الأمير سيف الدين طغريل اليوغانى
(2)
ورسم بحضوره إلى مصر.
(1)
دار النحاس: تطل على ساحل الفسطاط (مصر القديمة) قبيل فم الخليج من جهة الفساط، وهى المنطقة المحصورة حاليا بين كوبرى الملك الصالح، وبداية سور مجرى العيون بفم الخليج.
(2)
«الإيغانى» فى السلوك ج 1 ص 780، ص 782.
وتولى الأمير سيف الدين طوغان نيابة السلطنة بقلعة الروم، عوضا عن الأمير عز الدين الموصلى.
وفيها أرسل السلطان الأمير علم الدين الدوادارى إلى صاحب القسطنطينية، وإلى أولاد بركة، ومعه تحف كثيرة جدا، فلم يتفق خروجه من قبل السلطان، فعاد إلى دمشق.
وفيها وصل مملوك نائب حلب يخبر بحضور رسل كيخاتو ملك المغول، وهم جماعة كثيرة، ويستأذن لدخولهم، ورسم له بذلك، ورتبوا الإقامات عند ما وصلوا إلى الصالحية، وخرج المهمندار
(1)
إلى لقائهم، وأمر السلطان الأمراء والجند - يوم عبورهم فى الخدمة - أن يزينوا أنفسهم، فيلبسوا الكلوتات الزركش والمطرز وغيرها، واستقبالهم من باب القلعة، وقد ترتبوا من خارج الباب إلى الايوان صفين أمراء وأجناد ومقدمون، فلما رأوهم إندهشوا من مهابتهم وترتيبهم، فأوصلوا الكتب، وتكلموا مشافهة أيضا، على أن القان يقصد أن يدخل إلى مدينة حلب ويقيم فيها، ويجعل مقامه فيها، فإنها مما فتحه أبوه هلاون بسيفه، وهى فى ملكه، وإن لم يسمح بذلك فهو يقصد العبور إلى الشام.
فأسرع السلطان بالجواب، وهو يبتسم، وقال: الحمد لله الذى وافق أخى القان ما كان فى نفسى فكنت قد تحدثت مع أمراء دولتى أن أسيّر طالبا من أخى بغداد، وإن لم يسمح لى بها ركبت ودخلت بعسكرى وأخربت بلاده، وقتلت
(1)
المهمندار: لفظ مركب من كلمتين فارسيتين بمعنى ممسك الضيف، وصاحب هذه الوظيفة هو الذى يتلقى الرسل والعربان الواردين على السلطان. وينزلهم دار الضيافة، ويتحدث فى القيام بأمرهم - صبح الأعشى ج 4 ص 22، ج 5 ص 459.
رجاله، وفتحتها قهرا، وجعلت فيها نائبا من جهتى، فإن بغداد هى دار السلام، وأرجو أن أعيدها للإسلام كما كانت، ولكن إذا وصلتم إليه عرفوه من يسبق إلى بلاد صاحبه ويدخل فيها.
فلما خرج الرسل طلب الوزير ورسم أن يكتب إلى سائر البلاد والعواصم بتجهيز الإقامات، وكذلك للعساكر أن يجهزوا لدخول الفرات وأخذ بغداد، ورسم إلى سائر الأمراء لا يدخل أحد منهم
(1)
الميدان - يوم الميدان - إلا وهو لابس عدة الحرب هو وفرسه، ورسم للمهمندار أن يأخذ الرسل معه إلى الميدان ليروا الموكب.
وانتظم يوم الميدان بما حيرهم هناك، وكان يوما عظيما، واجتمعت فيه خلق لا يحصى عددهم، وخلت الأسواق بأجمعها، وانتشرت الخلائق مثل الجراد، فرأى الرسل نهارا عظيما إلى أن أذن الظهر، وركب السلطان، وقد لبس قرقلا
(2)
خفيفا، [و] بيده شطفة، وناهيك من ملبوس ملك فى مثل ذلك اليوم، وتواترت الأمراء بعده بالدخول أولا فأولا، وكل أمير يدخل وقد لبس أفخر لباس الحرب، وبيده شطفة برنكه
(3)
، ورسم لهم السلطان أن يتصارعوا كل أمير مع أمير على قدر مراتبهم، وشرعوا فى كروفر، وصدور وورود، وكل منهم قد أظهر فروسيته فى ذلك اليوم، وكان يوما مشهودا.
(1)
«أحد منهم» بهامش المخطوط، ومنبه على موضعها بالمتن.
(2)
قرقل - قرقلات: نوع من الدروع تتخذ من صفائح الحديد، وتغشى بالديباج الأحمر والأصفر، وقد تكون مبطنة - صبح الأعشى ج 2 ص 143، ج 4 ص 11.
(3)
رنك: لفظ فارسى معناه: الشعار، وجمعه: رنوك، وهو الشعار الذى يتخذه الأمير لنفسه عند تأمير السلطان له، وكان الشعار يتناسب غالبا مع وظيفة الأمير - صبح الأعشى ج 4 ص 61 - 62.
وفيها جهز نوغيه زوجته بيلق خاتون إلى الملك طقطا برسالة تحملها إليه، وإشارة تشير بها عليه، فلما وصلت إلى الأردو تلقاها بالإكرام [74] واحتفل لها فى الضيافة والتقادم، وأقامت فى الضيافة أياما، ثم سألها عن سبب مجيئها، فقالت له: يقول لك أبوك أنه قد بقى فى طريقك قليل شوك، فنظفه، فقال: وما هو الشوك؟ فسمت له الأمراء الذين ذكرهم نوغيه لها وهم:
كلتكاى، يوفق، قراكيوك، ماجار، بارين طقطا، كبى، يوكو، طراتمر، التمر، تكا، بى طرا، بيملك تمر، بى طقتمر، بيغور افطاجى، باروه، ملجكا، برلغى، كبجك، سودق، قراجين، خاجزى، ابشقا، بيينجى، وهؤلاء هم الذين كانوا اتفقوا مع تلابغا على نوغيه.
فلما أبلغته بهذه الرسالة، وقصت عليه هذه المقالة طلب هؤلاء الأمراء، واحدا بعد واحد، وقتلهم جميعا.
فعادت بيلق خاتون إلى نوغيه، فأعلمته بقتلهم، فسكن قلقه، وزال فرقه، وتحكم أولاده، وأولاد أولاده.
وكان له من الأولاد الذكور ثلاثة وهم: جكا، وتكا، وكانا من أم واحدة، وطراى من إمرأة أخرى، وابنة تسمى جغلجا، وابن بنت يسمى اقطاجى، وكانت ابنته هذه مزوجة لشخص يسمى طاز بن منجك، فقويت شوكتهم وتمكنت مهابتهم وسطوتهم
(1)
.
(1)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 180 أ، ب.
وفيها: حج بالناس فى الركب المصرى الأمير بدر الدين بكتاش المعروف بالطيار، وفى الركب الشامى الأمير الباسطى، وكان ممن حج فى هذه السنة الشيخ تقى الدين بن تيمية، ونالهم فى مكة ريح شديدة جدا، مات بسببها جماعة، وحملت جمالا من أماكنها، وطارت العمائم، واستل كل أحد بنفسه.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الشيخ الصالح القدوة العارف، أبو إسحاق إبراهيم
(1)
بن الشيخ الصالح أبى محمد عبد الله بن يوسف بن يونس بن سليمان بن البكر الأرموى
(2)
. المقيم بزاويته بسفح قاسيون، وفيها كان ميلاد الشيخ، وكانت وفاته بها أيضا.
ومولده سنة خمس عشرة وستمائة، كانت له عبادة وانقطاع، وله أوراد وأذكار، وكان محببا إلى الناس.
وله شعر جيد منه:
سهرى عليك ألذ من سنة الكرى
…
ويلّذ فيك تهتّكى بين الورى
وسوى جمالك لا يروق لناظرى
…
وعلى لسانى غير ذكرك ما جرى
وحياة وجهك لو بذلت حشاشتى
…
لمبشرى برضاك كنت مقصرا
أنا عبد حبّك لا أحول عن الهوى
…
يوما ولو لام العذول وأكبرا
(3)
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 117، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 151، الوافى ج 6 ص 36 رقم 2469، البداية والنهاية ج 13 ص 333، النجوم الزاهرة ج 8 ص 38، شذرات الذهب ج 5 ص 420، مرآة الجنان ج 4 ص 220 - 221، السلوك ج 1 ص 787، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 10 رقم 15، تذكرة النبيه ج 1 ص 163 - 164.
(2)
الأرموى: نسبة إلى أرمية: مدينة عظيمة قديمة بأذربيجان - معجم البلدان.
وورد «ويعرف بابن الأرمنى، ويقال ابن الأرموى نسبة إلى أرمينية» - تاريخ ابن الفرات.
(3)
انظر أيضا تاريخ ابن الفرات.
«وأكثرا» فى الوافى.
الشيخ الفاضل المقرئ كمال الدين
(1)
على بن الشيخ ظهير الدين محمد بن المبارك ابن سالم بن أبى الغنائم الدمشقى، المعروف بابن الأعمى.
ولد سنة عشرة وستمائة، وتوفى فى المحرم منها، ودفن بمقابر الصوفية.
وكان فاضلا بارعا، له قصائد يمتدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سماها الشفعية، عدد كل قصيدة اثنان وعشرون بيتا
(2)
. قال البرزالى: سمعت عليه أوله المقامة المشهورة
(3)
فى الفقراء المجردين.
ومن شعره قوله:
أنا فى حالة اللذة والتهانى
(4)
…
لست أثنى عن الغرام عنانى
لا يروم السلو قلبى ولا يف
…
تر عن ذكر من أحبّ لسانى
وسواء إذا المحبة
(5)
…
دامت
نظرى بالعيان أو بالجنان
[فاقتراب الديار لفظ وقرب ال
…
ودّ معنى، فاسلك سبيل المعانى
(6)
]
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 117 - 118، فوات الوفيات ج 3 ص 87 رقم 358، السلوك ج 1 ص 788، البداية والنهاية ج 13 ص 333. العبر ج 5 ص 376 - 377، شذرات الذهب ج 5 ج 421، تذكرة النبيه ج 1 ص 165 - 166.
(2)
«وله القصائد النبوية المرتب أولها وآخرها على حروف المعجم» - درة الأسلاك ص 118.
(3)
«المقامة البحرية المشهورة» فى البداية والنهاية، «المقامة التى فى صفات البحرية» فى العبر.
(4)
«فى حالة النوى والتدانى» فى فوات الوفيات ج 3 ص 88.
(5)
«المودة» فى فوات الوفيات.
(6)
[] إضافة من فوات الوفيات.
[75]
لست ممنّ أرضى
(1)
…
بطيف خيال
قانعا فى هواهم بالهوان
إن طيف الخيال دلّ على أنّ
…
الكرى قد يلمّ بالأجفان
غير أنى تشتاق عينى إلى
…
من حلّ فى
(2)
مهجتى أعزّ مكان
وبروحى ظبى
(3)
…
يغار غصون ال
بان منه ويخجل النيّران
ذو قوام يغنيه عن حمله الرم
…
ح وجفن وسنانه كالسنان
كتب الحسن فوق خدّيه بين ال
…
ماء والنار فيهما جنّتان
حرس الورد منهما نرجس اللح
…
ظ فلم سيّجوه بالريحان
عارض عوّذته ياسين لمّا
…
أن تبدّا كالنمل أو كالدّخان
يلبس الحسن كلّ وقت جديدا
…
فلهذا أخلقت ثوب الثوانى
يا خليلىّ خليانى ووجدى
…
وامزجا لى بذكره واسقيانى
وإذا ما قضيت سكرا من الوج
…
د فلا تحزنا ولا تدفنانى
فأيادى ذا الناصر الملك تح
…
يبنى كاحيائها الندى وهو فان
(4)
وقال فى حمام ضيّق شديد الحرّ ليس فيه ماء بارد:
إنّ حمامنا الذى نحن فيه
…
قد أناخ العذاب فيه وخيم
مظلم الأرض والسماء والنواحى
…
كل عيب من عيبه يتعلم
حرج بابه كطاقة سجن
…
شهد الله من يجز فيه يندم
(1)
«يرضى» فى فوات الوفيات.
(2)
«من» فى فوات الوفيات.
(3)
«ظبيا» فى فوات الوفيات.
(4)
انظر فوات الوفيات ج 3 ص 88.
و
(1)
…
به مالك غدا خازن النا
ربلى مالك أرقّ وارحم
كلما قلت قد أطلت عذابى
…
قال لى إخسأ فيها ولا تتكلّم
قلت لما رأيته يتلظى
…
{(رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ)}
(2)
الشيخ تقى الدين أبو اسحاق إبراهيم
(3)
بن على بن أحمد بن فضل الواسطى، ثم الدمشقى الحنبلى، شيخ الحديث بالظاهرية
(4)
بدمشق.
توفى يوم الجمعة آخر النهار الرابع عشر
(5)
من جمادى الآخرة منها عن تسعين سنة، وكان رجلا صالحا عابدا، تفرد بعلو الرواية، ولم يخلف بعده مثله، وقد تفقه [ببغداد
(6)
]، ثم رحل إلى الشام، ودرس بالصاحبية
(7)
مدّة عشرين سنة،
(1)
«وله» فى فوات الوفيات.
(2)
جزء من الآية: 65 من سورة الفرقان رقم 25.
(3)
وله أيضا ترجمة فى، درة الأسلاك ص 117، المنهل الصافى ج 1 ص 122 رقم 357، الوافى ج 6 ص 66 رقم 2505، العبر ج 5 ص 375، البداية والنهاية ج 13 ص 333، شذرات الذهب ج 5 ص 419، الدارس ج 2 ص 82 - 83، تذكرة النبيه ج 1 ص 162.
(4)
المدرسة الظاهرية بدمشق: أنشأها الملك الظاهر بيبرس لتكون مدرسة للحنفية والشافعية ودارا للحديث - خطط الشام ج 6 ص 82، الدارس ج 1 ص 348، ص 357.
(5)
«رابع عشرين جمادى الآخرة» - البداية والنهاية.
(6)
[] إضافة من البداية والنهاية للتوضيح.
(7)
«بالصالحية» فى البداية والنهاية، والمنهل الصافى، وهو تحريف.
المدرسة الصاحبية بدمشق: بسفح قاسيون من الشرق، أنشأتها ربيعة بنت أيوب، أخت السلطان صلاح الدين الأيوبى، والمتوفاة سنة 643 هـ/ 1245 م - الدارس ج 2 ص 79، ص 82 - 83.
وولى فى آخر عمره مشيخة الحديث بالمدرسة الظاهرية، وكانت وفاته بسفح قاسيون، ودفن فى تربة الشيخ الموفق، ومولده سنة ثلاث وستمائة
(1)
.
الشيخ جمال الدين إبراهيم
(2)
بن داود بن ظافر العسقلانى الفاضلى.
مات بدرب السلسلة بدمشق، ودفن بتربة الشيخ علم الدين السخاوى بقاسيون، وكان من أخص أصحابه
(3)
، وجمع عليه القراءات السبع.
وله شعر، فمنه قوله:
مضوا عصبة كانوا كراما أعزّة
…
وأبقوا من الإنسان ما فيه معتبر
فهم كبيوت الماء قائمة فلم يصبها
…
انهدام فهى وعظ لمن نظر
الشيخ محمود الشيرازى المعروف بسابقان، المقيم بالكلاسة
(4)
.
مات فى هذه السنة، ودفن بزاوية الجوالقية خارج باب الصغير، وكان من أحاسن الفقراء وظرفائهم، وله قبول من الناس، وعنده كرم.
قاضى القضاة معين الدين النعمان
(5)
بن الحسن بن يوسف الحنفى.
(1)
«ولد سنة اثنتين وستمائة» - المنهل الصافى، وتذكرة النبيه.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 62 رقم 26، الوافى ج 5 ص 345 رقم 2422، العبر ج 5 ص 374، شذرات الذهب ج 5 ص 420، النجوم الزاهرة ج 8 ص 40.
(3)
«ولازم السخاوى ثمانية أعوام .... ودفن بتربة شيخه السخاوى بقاسيون» - المنهل الصافى.
(4)
مدرسة الكلاسة بدمشق: لصبق الجامع الأموى من شمال، ولها باب إليه، عمرها نور الدين محمود سنة 555 هـ/ 1159 م - الدارس ج 1 ص 447.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 164، السلوك ج 1 ص 787، حسن المحاضرة ج 2 ص 121.
و «معز الدين» فى بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 372.
مات يوم الخميس السابع عشر [76] من شعبان منها، ودفن بالقرافة، وتولى القضاء بعده بالديار المصرية قاضى القضاة شمس الدين أحمد
(1)
السروجى.
الصاحب محيى الدين عبد الله
(2)
بن الشيخ رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان ابن عبد الظاهر بن على بن نجده السروجى السعدى، الكاتب الناظم الناثر، كاتب الإنشاء بالديار المصرية، وأحد من برز فى هذا الفن على أهل زمانه، وسبق سائر أقرانه.
وهو والد الصاحب فتح الدين القاضى فتح الدين المتقدم ذكر وفاته قبل والده، وكانت وفاته يوم الثلاثاء الرابع من رجب
(3)
، ودفن بتربته التى أنشأها بالقرافة، ومولده سنة عشرين وستمائة بالقاهرة، وله مصنفات منها سيرة الملك الظاهر
(4)
، وأبدع فيها نظما ونثرا، وكان ذا مروءة تامّة وتعصب.
(1)
«محمد السروجى» فى بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 372، وهو تحريف.
وهو أحمد بن إبراهيم بن عبد الغنى، قاضى القضاة شمس الدين السروجى، المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 1 ص 201 رقم 102.
(2)
وله أيضا ترجمة فى المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 115 - 116، الوافى ج 17 ص 257 رقم 240، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 180 ب، فوات الوفيات ج 2 ص 179 رقم 222، النجوم الزاهرة ج 8 ص 38، البداية والنهاية ج 13 ص 334، العبر ج 5 ص 376، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 162، شذرات الذهب ج 5 ص 421، بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 372، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 118 رقم 184، السلوك ج 1 ص 787، تذكرة النبيه ج 1 ص 164.
(3)
«يوم الأربعاء ثالث شهر رجب» فى النجوم الزاهرة، وتاريخ ابن الفرات.
(4)
نشرت بعنوان: الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر - تحقيق عبد العزيز الخويطر - الرياض 1976.
وانظر أيضا:
Sadeque(S.F.):Baybers I of Egypt،Pakistan ،6591.
ومن مؤلفاته التاريخية أيضا: تشريف الأيام والعصور فى سيرة الملك المنصور، نشره مراد كامل - القاهرة 1961.
وله النظم البديع الرائق، فمنه قوله:
يا من رأى غزلان رامة هل رأى
…
بالله فيهم مثل طرف غزالى
أحيا علوم العاشقين بلحظه ال
…
غزّال والإحياء للغزّالى
(1)
وله فى مليح يسمى بالنسيم:
تقضّى ليلنا طربا ورقصا
…
على شدو من الرّشا الرخيم
تمايلنا وقد غنّى وفينا
…
مليح الدّل معطار الشميم
فملنا كالغصون وغير بدع
…
لأغصان تميل مع النسيم
وقال الشيخ أثير الدين أبو حيان
(2)
رحمه الله: كنت قد نظمت قصيدة، ووقع لى فيها معنى غريب فى مليح فى أنفه خال، وهو:
عجبت لخال حلّ فى وسط أنفه
…
وعهدى به وسط الخدوديرى وشيا
ولكنما خدّاه فيه تغاير لهوى
…
فاتبعا من أنفه أوسط الأشيا
وحسن الفتى فى الأنف والأنف عاطل
…
فكيف إذا ما الخال كان له حليا
فلما وقف القاضى محيى الدين عليه نظم فى هذا المعنى عدّة مقاطيع منها:
أرى الخال من وجه الحبيب بأنفه
…
وموضعه الأولى به صفحة الخدّ
وما ذاك إلاّ أنه من تلهب توارى
…
يريد البعد من شدّة الوقد
وقال:
فى أنفه الخال الذى
…
شغل البرّية وصفه
فبحسنه وبظرفه
…
قد صار شمخ أنفه
(1)
انظر الوافى ج 17 ص 288.
(2)
هو محمد بن يوسف بن على بن يوسف بن حيان، أثير الدين الغرقاطى، المتوفى سنة 745 هـ/ 1344 م - المنهل الصافى.
وقال
وبى مليح حسنه
…
على الملاح قد حكم
بأنفه خال به
…
على الجمال قد ختم
يا حسنه من شامة
…
أمسى بها الأنف الأشم
وقال:
ميدان حسن وجهه
…
سبحان ربّ صوّره
يلوى بلب ولا يلوى
…
على من نظره
جوكانه حاجبه
…
والخال فى الأنف الكره
ومن شعره:
يا سيّدى إن جرى من مدمعى ودمى
…
للعين والقلب مسفوح ومسفوك
لا تخش من قود يقتصّ منك به
…
فالعين جارية والقلب مملوك
الملك الزاهر مجير الدين أبو سليمان داود
(1)
بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، بن ناصر الدين محمد بن الملك المعظم أسد الدين شيركوه ابن شادى بن مروان.
توفى ببستانه، [77] بستان شامة بظاهر دمشق، ودفن بسفح قاسيون، وصلّى عليه بالجامع المظفرى
(2)
، وكان عمره ثمانين سنة، وكان دينا كثير الصلاة
(1)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 13 ص 471 رقم 575، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 161.
البداية والنهاية ج 13 ص 333، تذكرة النبيه ج 1 ص 163.
(2)
الجامع المظفرى بدمشق: المشهور بجامع الجبل، وبجامع الحنابلة، بسفح قاسيون - الدارس ج 2 ص 435.
فى الجامع، وله إجازة من المؤيد الطوسى
(1)
، وكان ظريفا متواضعا، حسن الأخلاق، وكانت وفاته فى جمادى الآخرة
(2)
.
الملك الأفضل نور الدين على
(3)
بن الملك المظفر تقى الدين محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
توفى بدمشق وصلى عليه بجامعها، وخرج به من باب الفراديس محمولا إلى مدينة أبيه حماة، ودفن بتربتهم بها، وكانت وفاته بداره المعروفة بدار الدعوة
(4)
، وهو والد الأميرين الكبيرين: بدر الدين حسن
(5)
وعماد الدين إسماعيل
(6)
الذى تملك حماة بعد جدّه، كما سيأتى إن شاء الله تعالى.
الأمير الكبير علم الدين سنجر الحلبى
(7)
الذى كان نائب قطز على دمشق،
(1)
هو المؤيد بن محمد بن على بن حسن، رضى الدين أبو الحسن الطوسى، مسند خراسان، المتوفى سنة 617 هـ/ 1220 م - العبر ج 5 ص 71.
(2)
«ليلة الأربعاء ثانى عشر جمادى الآخرة» - تاريخ ابن الفرات.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 115، نهاية الأرب ج 29 ورقة 73، الوافى ج 22 ص 186 رقم 133، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 162، البداية والنهاية ج 13 ص 334، السلوك ج 1 ص 787: تذكرة النبيه ج 1 ص 162.
(4)
«فى يوم الإثنين مستهل ذى الحجة» - تاريخ ابن الفرات، ونهاية الأرب.
(5)
هو الحسن بن على بن محمود، الأمير بدر الدين، المتوفى سنة 726 هـ/ 1326 م - المنهل الصافى.
(6)
هو إسماعيل بن على بن محمود، الملك المؤيد، أبو الفدا، عماد الدين، المتوفى سنة 732 هـ/ 1331 م - المنهل الصافى ج 2 ص 399 رقم 437.
(7)
سبق أن ذكر المؤلف وفاة صاحب الترجمة فى وفيات سنة 691 هـ - انظر ما سبق ص 147. وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 6 رقم 1113، الوافى ج 15 ص 473 رقم 639، السلوك ج 1 ص 787، النجوم الزاهرة ج 8 ص 39.
فلما جاءته بيعة الظاهر دعى إلى نفسه فبويع وتسمى بالملك المجاهد، ثم حوصر وهرب إلى بعلبك وحوصر، فأجاب إلى خدمة السلطان فسجنه مدة، ثم أطلقه الأشرف واحترمه وأكرمه وكان بلغ الثمانين، توفى فى هذه السنة.
وقال صاحب نزهة الناظر: بلغنى عن بعض من كان يلازمه أنه مات فى عشر التسعين، ورأيته وقد انحنى ظهره وكان من أطول الرجال وأشدهم قوة وأقدمهم شجاعة، وكان فى الدولة الظاهرية إذا نزل من الخدمة دخل البيت ولا ينزل عن فرسه حتى يقدم له قنطارية محشوة برصاص لأجل الثقل، فيأخذها ويلعب بها على فرسه، ثم يأتى إلى فردة تبن فيطعنها ويرفعها من الأرض ويحذفها، ثم ينزل ويأخذ بيده عامودا حديدا زنته مائة وعشرة أرطال ويلف به اليمين واليسار مرات، ثم يجلس على السماط ويتغدى فى أكلة بالرأس الغنم.
الملك الكامل ناصر الدين محمد
(1)
بن الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك المسعود صلاح الدين أقسيس بن السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب بن شادى بن مروان.
توفى يوم الخميس الخامس من رجب من هذه السنة، ومولده بالكرك بعد العشاء الآخرة ليلة الأربعاء السادس عشر من شوال من سنة تسع وخمسين وستمائة.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 163، تذكرة النبيه ج 1 ص 163، نهاية الأرب ج 29 (مخطوط) ورقة 73.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثالثة والتسعين بعد الستمائة
(*)
استهلت هذه السنة، وسلطان البلاد المصرية والشامية: الملك الأشرف خليل ابن الملك المنصور قلاون.
والخليفة: الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسى.
وفى أوائل المحرم
(1)
منها: تجهز السلطان الأشرف للصيد، وعدّى إلى بر الجيزة وسار قاصدا التوجه إلى الإسكندرية والحمامات الغربية، فتقدم وزيره الصاحب شمس الدين بن سلعوس إلى الثغر المحروس لتجهيز الأقمشة، وتحصيل أصناف الأمتعة، واستخراج المال، وترتيب الأحوال بين يدى قدوم الركاب، فوجد نواب الأمير بيدرا بالثغر قد استولوا على المتاجر
(2)
وادخروا منها ما ليس فى الحواصل السلطانية، فأرسل يعرف السلطان بذلك، فاستشاط السلطان غضبا على بيدرا واستدعاه بحضور الخاصكية والأمراء، فأغلظ له فى الكلام، وتوعده بأشدّ الوعيد، وتهدده بأتم النهديد حتى خاف أن يسطو فى ذلك الوقت عليه، فتلطف حتى خرج من بين يديه، فجمع خوشداشيته
(3)
الأعيان، [78] وأطلعهم على ما فى باطن السلطان من الشنان وهم: الأمير حسام الدين لاجين المنصورى، وفى
(*) يوافق أولها الأربعاء 2 ديسمبر 1293 م.
(1)
«فى ثالث المحرم» - السلوك ج 1 ص 788.
(2)
«قد استولوا على البهار، وأدخلوه الحواصل» فى بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 373، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 136.
(3)
هكذا بالأصل، وتكتب أحيانا «خشداشية» .
قلبه ما فيه من الأهنة التى نالته والنكبة التى أصابته، والأمير قراسنقر، وهو واجد لعزله من الممالك الحلبية وإحضاره فى غير شئ إلى الديار المصرية، وغيرهما من الأمراء الذين كانوا مطلعين على سريرته، وما منهم إلا من هو متغير الخاطر والنية لتأخرهم وتقدّم صغار الخاصكية، فاتفقوا على الوثوب على السلطان قبل أن يثب هو عليهم
(1)
.
وفى نزهة الناظر: لما رسم السلطان للوزير شمس الدين أن يذهب إلى الإسكندرية لاستعمال الأقمشة، فركب من فوره وقدم إليها. وكان إذ ذاك الوالى عليها بدر الدين الجالى، فتلقاه بجميع من فيها من التجار والأعوام
(2)
، وكان يوما مشهودا، فذكروا أنه لم يروا وزيرا مثله قبله دخل كدخوله إلى الإسكندرية فلما استقر بها طلب المباشرين وألزمهم بعمل الحساب، ورسم عليهم، وعلى الوالى، وطلب سائر التجار، وكتب أسماءهم، وجعل على كل واحد منهم شيئا على قدره، وكتب عليهم أوراقا، وجلس فى الخمس، وطلب الجميع، وألزمهم بالحمل، وهددهم بالإحراق، وبقيت الإسكندرية فى نار تتوقد.
ثم كتب كتابا إلى السلطان وذكر فيه أنه دخل الإسكندرية فلم يجد صانعا يعمل له شيئا، وأن سائر الصناع يشتغلون فى أعمال بيدرا، وأن نوابه مستولية على سائر الأشياء، ولم أتمكن الحديث معهم، وحط على بيدرا فى كتابه حطا عظيما، فلما وقف السلطان على كتابه غضب غضبا شديدا، وطلب بيدرا من
(1)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 180 ب - 181 ب، حيث ينقل العينى عن بيبرس الدوادار.
(2)
هكذا بالأصل، والمقصود «العوام» ، أى عامة الشعب.
ساعته، فلما دخل عليه شرع يسبه ويهينه، وحمل عليه ليضربه بشئ من عنده، ولم يترك شيئا حتى قال له، غير أنه لم يقل خذوا سيفه، فتقدمت الأمراء الخاصكية وسكنوا غضب السلطان، وصاحوا على بيدرا: أخرج أخرج من وجه السلطان، ودفعوه بأكتافه، فخرج وهو أعمى لا يدرى كيف يمشى ودموعه تنزل على لحيته.
ولما خرج شرع السلطان يقول: أنا أعرف ما مراد بيدرا، والله لا خليت له مالا ولا زوجا، فطلب كاتب السر ورسم له أن يكتب إلى الوزير بأن يوقع الحوطة على نواب بيدرا، ويضرب الجميع بالمقارع، ويأخذ أموالهم، فأىّ شئ وجده لبيدرا من الأموال يحتاط عليه ويحضره صحبته، وتكلم بكلام كثير قدام الخاصكية، وتوعده أنه إذا دخل المدينة يقبض عليه.
ثم أن بعض الخاصكية بعثوا فى السر إلى بيدرا وأخبروه بجميع ما جرى من السلطان فى حقه، وأنهم هم الذين صبروا السلطان فى القبض عليه إلى أن يدخل السلطان المدينة، وقالوا له: احترز وخذ لنفسك، فلما وقف عليه بيدرا اجتمع بالأمراء الذين ذكرناهم وتحالفوا على قتله والهجوم عليه، وكان بيدرا قد استجلب خواطر هؤلاء الخاصكية بالإحسان والخدمة.
ذكر مقتل الأشرف:
وكان السلطان أعطى الأمراء دستورا ليتوجه كل منهم إلى إقطاعه
(1)
، وكذلك المقدمين والمفاردة، ولم يترك معه إلا المماليك الخواص.
(1)
«وكان لما طالعه الوزير بقلة الحواصل بالثغر أعطى الأمراء دستورا ليتوجه كل منهم إلى إقطاعه» - فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 181 ب.
وفى نزهة الناظر: وعند خروج بيدرا من عند السلطان حصل عنده قلق، فأبطل الصيد، ورسم للأمير جمال الدين قتال السبع - وكان فى ذلك الوقت أمير علم - أن يتقدم بالطّلب وصحبته الطواشى مقدم المماليك إلى المدينة، ورسم للأمير كتبغا والحسام أستاذ الدار وغيرهما أن يرحّلا، وأنه يرحل [79] عنهم، ثم أنه وجد فى نفسه ضيقا وثقلا فى بدنه، فطلب المزين وافتصد، وبقى إلى قريب العصر قاعدا وهو متشوش، ثم قصد أن يركب بمفرده ويطعم الطير ليشرح خاطره، فركب فى جماعة يسيرة من الخاصكية بغير سيف،
(1)
ورآه الخاصكية الذين اتفقوا مع بيدرا على قتله، فسيروا إليه وعرّفوه أين السلطان، وأن هذا الوقت وقت الفرصة والغنيمة، فقام بيدرا وركب، ومعه قراسنقر ولاجين وغيرهما، ولبسوا تحت الثياب، وساروا وبيدرا بينهم، فلما قربوا من السلطان رآهم فقال:
من يكون هؤلاء؟ فسير من يكشف خبرهم، فعند وصوله إليهم عوقوه عن الرجوع إلى السلطان، فسير ثانيا شخصا آخر فعوقوه أيضا، وقرب بيدرا إليه فتحققه السلطان، وظن أنه حضر ليشاوره فى أمر، فما كان إلا جذب سيفه وضربه، فصاح السلطان منه، وتلقى ضربته بيمينه التى فيها الزجمة، فرجع عنه بيدرا فلحقه لاجين من خلفه، فضرب على عاتقه، فنزل السيف إلى وسطه، فوقع من فرسه كالطود العظيم، فتناوله تلك الأمراء الخاصكية بالسيوف فقطعوه قطعا قطعا.
(1)
«ركب السلطان وانفرد وحده، وليس معه سوى أمير شكار، أحمد بن الأشل» نهاية الأرب ج 29 (مخطوط) ورقة 305 أ، السلوك ج 1 ص 789 - 790، بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 373 - 374.
ووقع الصياح بقتله، فأول من نعاه وأشهر قتله الأمير ركن الدين بيبرس الخاصكى، فحل شاشه من كلوتاته وصار يصيح وا سلطاناه، فركبت الأمراء، واجتمعت الناس، ونهبوا كل شئ هناك، واختبطت الناس، فوقعت الهجة بينهم، وكان قريب المغرب، فدخل الليل على الناس، وتركوا السلطان هناك مطروحا على الأرض لايؤبه إليه، وبات بيدرا ولاجين وقراسنقر والأمراء الخاصكية يدبرون أمرهم، وتحالفوا أن يكونوا يدا واحدة.
وفى تاريخ بيبرس: ركب السلطان فى نفر يسير من خواصه ليتصيد قريبا من الدهليز، وكان إذ ذاك نازلا على تروجة
(1)
، فأخبر بيدرا ومن معه من أن السلطان ركب منفردا
(2)
، فقالوا: هذا وقت انتهاز الفرصة، فشدوا تراكشهم
(3)
وركبوا [إلى نحوه
(4)
]، وهم: بدر الدين بيدرا، وحسام الدين لاجين، وشمس الدين قراسنقر، وسيف الدين بهادر رأس النوبة، وشمس الدين آقسنقر الحسامى، وسيف الدين نوغيه، ومحمد خواجا، وطرنطاى الساقى، وألطنبغا رأس نوبة
(5)
، ومن انضم إليهم، وكان دون السلطان مخاضة فخاضوها، فلما أقبلوا عليه عصبة واحدة
(1)
تروجة: من البلاد المصرية القديمة المندثرة، ومكانها اليوم كوم تروجة بأراضى ناحية زاوية صقر بمركز أبو المطامير بمحافظة البحيرة - القاموس الجغرافى - القسم الأول ص 190، التحفة السنية ص 124.
(2)
«أنه قد ركب منفردا» فى زبدة الفكرة.
(3)
التركاش: لفظ فارسى الأصل، معناه الكنانة أو الجعبة التى توضع فيها السهام - صبح الأعشى ج 7 ص 309 - 310.
(4)
[] إضافة من زبدة الفكرة للتوضيح.
(5)
«النوبة» فى زبدة الفكرة.
أحس فيهم بالشر، وظهرت له علامات
(1)
الغدر، فأعجلوه عن الكلام وعاجلوه بالكلام وعلوه بالحسام
(2)
.
وقيل: إن بيدرا ضربه أولا فجرحه، ثم ضربه لاجين فقطع يده والزخمة فيها وثنى عليه بأخرى، فانجدل صريعا، ثم تخاطفته سيوف الأمراء المذكورين وترك صريعا يبج دما نجيعا، وكان بتروجة الوالى عز الدين أيد مر الفخرى، فحمل السلطان على جمل من الموضع الذى قتل فيه إلى ساحل البحر، وحمل فى مركب إلى المدينة، ودفن بتربته
(3)
بالقرب من السيدة نفيسه رضى الله عنها.
وفى نزهة الناظر: حكى متولى تروجة أنهم سلبوا كل ما كان على السلطان من الثياب، وعروه، ولم يتركوا عليه إلا السراويل لستر عورته، وأنه هو الذى ستره بالثياب، وحمله على جمل إلى المعدّية.
ذكر ترجمة الأشرف:
هو السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل
(4)
بن السلطان الملك المنصور قلاون الصالحى النجمى الألفى.
(1)
«علامة» فى زبدة الفكرة.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 181 ب.
(3)
دفن الأشرف خليل بتربته التى أنشأها بظاهر القاهرة المحروسة بالقرب من مشهد السيدة نفسية رضى الله عنها، المعروفة بالأشرفية - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 128، الخطط التوفيقية ج 2 ص 190.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 5 رقم 1008، الوافى ج 13 ص 399 رقم 504، فوات الوفيات ج 1 ص 406 رقم 148، النجوم الزاهرة ج 8 ص 3 وما بعدها، السلوك ج 1 ص 756 وما بعدها، شذرات الذهب ج 5 ص 422، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 165 وما بعدها، بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 376، تذكرة النبيه ج 1 ص 115 وما بعدها.
قتل فى الثالث عشر من محرم هذه السنة، وكانت مدة سلطنته [80] ثلاث سنين وشهرين وأياما، فإنه ملك السلطنة بعد وفاة والده الملك المنصور يوم السبت السادس من ذى القعدة من سنة تسع وثمانين وستمائة على ما ذكرنا، وكان الأشرف شهما شجاعا، عالى الهمة، حسن المنظر، قد عزم على غزو العراق واسترجاع تلك البلاد من أيدى التتار، واستعدّ لذلك ونادى به فى بلاده، وقد فتح فى مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين - عكا والسواحل، ولم يبق للفرنج بها معلم لأحد، وقلعة الروم، وبهسنى، ومرعش، وغير ذلك.
وفى تاريخ النويرى: وكان ملكا مهيبا شجاعا، مقداما جسورا، جوادا كريما بالمال، أنفق على الجيش فى هذه الثلاث سنين ثلاث نفقات:
الأولى: فى أول جلوسه فى السلطنة من مال طرنطاى.
والثانية: عند توجهه إلى عكا.
والثالثة: عند توجهه إلى قلعة الروم.
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدى: كان قبل ولاية الأشرف يؤخذ عند باب الجابية بدمشق عن كل جمل
(1)
خمسة دراهم مكسا، فأول ما تسلطن
(2)
وردت إلى دمشق مسامحة بإسقاط هذا
(3)
، وبين سطور المرسوم بقلم العلامة: ولتسقط
(4)
(1)
«كل حمل جمل من القمح» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 166.
«كل حمل يحمل غلة» فى الوافى ج 13 ص 402.
(2)
«فأول ولاية الأشرف» فى الوافى.
(3)
«ذلك المكس» فى الوافى.
(4)
«وليكشف» فى تاريخ ابن الفرات.
عن رعايانا هذه الظلامة ويستجلب لنا الدعاء
(1)
من الخاصة والعامة
(2)
.
وفى نزهة الناظر: وكان قد شغف بتحصيل المماليك إلى أن كمل ألفا ومائتى مملوك، وأضافهم إلى مماليك والده، وقصد أن يكملهن مع مماليك أبيه عشرة آلاف مملوك، فإن والده توفى عن ستة آلاف مملوك فى مدة سلطنته، وكان أول غزوته وفتوحه حصن عكا، وكان حصنا عظيما، وأخذ صور، وعثليت وغيرها، وفتح صيدا، وبيروت، وملك بهسنى وثلاث قلاع من قلاع سيس، وعزم على دخوله إلى ناحية بغداد ويدوس بلاد العدوّ، وكتب إلى نائب حلب بتجهيز سلاسل للجسور لدخوله الفرات، وقبض على مهنى وإخوته، وخافته الملوك من سائر الأطراف وأذعنوا له بالطاعة.
ومع ذلك كان ملكا حادّ النفس، فيه رهج واستهتار بالأمور واستخفاف بأكابر الأمراء، وكان لا يفتكر ما يفتكره الملوك من العواقب، فمن ذلك ما اتفق له مع الأمير بيسرى، وهو أكبر الأمراء بمصر وأجلهم رأس الميمنة، وذلك أنه جلس يوما فى شباك الميدان، وأحضر بين يديه سيفا وثورا كبيرا، والتفت إلى البيسرى وقال: يا أمير بدر الدين: تحبنى أولا؟ فقال يا خوند: وكيف لا أحبك، وقد خليتنى من السجن وأحسنت إلىّ. فقال له: بحياتى عليك، قم واركب على هذا الثور، فنهض من ساعته، ولم يعلم ما أراد. كوبه، فلما صار على ظهر الثور، قال للسباع: أطلق السبع على الثور، فهجم عليه، فكسر الثور، ووقع اليسرى من ظهره، وطارت كلوتاته من رأسه، وانكشفت ثيابه
(1)
«الدعاء لنا» فى تاريخ ابن الفرات.
(2)
انظر الوافى ج 13 ص 402 - 403.
عن جسده، وانقلب السلطان على قفاه من قوة الضحك، وتضاحكت المماليك، وقام البيسرى وهو خجلان ينفض ثيابه، ولم يظهر فى وجهه تعبا حتى لا يفهم عنه أنه غضب من ذلك الأمر، فأشيع ذلك بين الأمراء، وبلغ الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى، فصعب عليه ولم ينزل ذلك اليوم إلى الميدان حتى أرسل السلطان إليه، فلما اجتمع بالبيسرى أخذ يعنفه ويعتب عليه بما رضى لنفسه من ذلك الأمر، وقال له: جعلتنا فى آخر عمرنا مساخر والناس تضحك علينا.
فقال له يا أمير بدر الدين: والله كان الموت أهون على من ذلك، ولكن خشيت الرجوع إلى الحبس بعد عشر سنين التى قاسيت فيها الذل والقيد والخوف [81] والوحدة وأنت معذور، فلو قاسيت ما قاسيت لهان عليك كل شئ من هذا القبيل.
ولما انقضى أمر الميدان طلب السلطان البيسرى وطيب خاطره، وقال يا بدر الدين: أنت ما فعلت هذا إلا محبة لى وامتثالا لأمرى، فقدرك عندى كبير، وألبسه تشريفا أطلس كاملا، وأنعم عليه زيادة على إقطاعه منية بنى خصيب مائتى ألف درهم وخمسة آلاف إردب.
قال صاحب التاريخ: فلأجل ذلك كان والده الملك المنصور يفضل أخاه الملك الصالح عليه، وسلطنه قبله، لما كان فيه من العقل والسكون والأدب، وكان يرى من الأشرف نقيض ذلك.
وقد حكى القاضى فتح الدين بن عبد الظاهر أن الملك الصالح لما مات فى حياة والده المنصور أشارت الأمراء عليه أن يولى أخاه الخليل ويلقبه الأشرف،
فأمر بذلك وكتب تقليده، فدخل به الدوادار إلى السلطان المنصور ليعلم عليه، فدفعه بيده وقال: خله عندك، فبقى أياما على ذلك، ثم استحث الأشرف على التقليد، فاتفقت أنا والأمير الدوادار ودخلنا على السلطان. فقلنا: تقليد ولد مولانا السلطان الذى لقب بالأشرف، فدفعه بيده وقال: خلوه عندكم والله ما يطيب خاطرى تولية هذا الصبى، فإنه مجنون لا يفتكر فى عاقبة الأمر، ولا يحسن تدبير الملك، وأنا مفتكر كيف يكون أمره بعدى. قال: وبقى الأمر إلى حين توفى السلطان المنصور وتولى الأشرف، ولما جلس على تخت الملك أول ما سألنى فقال لى يا فتح الدين: هو ما رضى بى سلطانا، فالرب تعالى رضى بى وجعلنى سلطانا.
قال صاحب التاريخ: ومن ذلك ما اتفق له مع الملك المظفر
(1)
صاحب اليمن، فإنه لما بلغه موت السلطان الملك المنصور قلاون أقام مدة ولم يسير الهدنة التى جرت بها العادة، فكتب الأشرف إليه كتابا فيه تخويف وتهديد وعرض له باشتغاله باللهو والطرب والتخلى مع النساء وغير ذلك مع الأشياء الخارقة لحرمته.
وكان آخر قوله فى كتابه لأخرجن اليمن عن يمينك، واقتل من آل إليك أو والاك؛ وكتب العلامة بين الأسطر غير شاكرة، وجعلها سطرا مطولا بقلم طومار، وكتب عنوان الكتاب: يصل إلى الخارجى باليمن، وسيره مع بعض الكارم، وعرفه أنه يجهز عقيبه عسكرا إذا لم يحضر إليه بالجواب والهدنة على عادته، ولما أوصله الكارم إلى الملك المظفر، فرأى عنوانه يصل إلى الخارجى
(1)
هو يوسف بن عمر بن على بن رسول، الملك المظفر، صاحب اليمن، توفى سنة 695 هـ 1295 م - المنهل الصافى، وانظر ما يلى.
باليمن رده إليه وقال: هذا الكتاب ما هو لى وهذا عنوانه: إلى الخارجى باليمن، فإن كنت تعرف الخارجى باليمن فأوصله إليه، وإلاّ رده إلى صاحبه، وكان الملك المظفر رجلا عاقلا، وافر العقل، كثير المحاسن، ولما بلع إليه الكارم ما قال له الملك الأشرف مشافهة. قال الملك للمظفر: هذا كلام من غلب عليه الجهل والشغاب، وكان من الأمور المقدرة أن توفى الملك المظفر والملك الأشرف كلاهما جميعا.
وذكر صاحب النزهة أيضا: أن أول ما اعتمده الأشرف حين ولى السلطنة أنه أطلق سائر من كان فى السجون من المصادرين وأرباب الدواوين، ورسم برفع المظالم عن الناس، وأبطل الرماية على التجار، ورسم للوزير أن لا يتعرض لظلم أحد من الناس، وقال: وقد ذكرنا ما كان يعتمد الجند من الملابس العجيبة فى الدولة الماضية، وأن السلطان المنصور أزال أكثرها عن الجند والأمراء؛ [82] ثم لما تولى الأشرف اختار لمماليكه وخاصكيته الملابس الحسنة؛ وغير الكلوتات الصفر والجوخ، وأمر لسائر الأمراء أن يركبوا بين مماليكهم بالكلوتات الزركش والطرازات الزركش والكناش الزركش والأقبية الأطلس حتى يتميز الأمير بلبسه عن غيره، وكذلك فى الملبوس الأبيض الرفيع، والسروج المرصعة الأشرفية والأكوار، وقضى مماليكه وحاشيته فى دولة أستاذهم أيامهم بالهنا والسرور والخيرات فيما بينهم والهبات والتهادى، وكان السلطان شرط عليهم أن لا يبيت أحد منهم فى غير القلعة، وفى النهار يفعل ما يختاره.
قال الراوى: وأما سماط الأشرف ومأكله فكان من أفخر الأطعمة وأحسنها وأكثرها.
قال: وقد خرجت مع والدى صحبة العسكر والسلطان لما خرجوا لقصد فتح قلعة الروم، وكان والدى مع جماعة من المقدمين منهم جمال الدين الطبردار، وركن الدين الكلالى، وبدر الدين الجاكى، وكانوا كل يوم يرسلون إلى مطبخ السلطان عشرين درهما فيأخذون بها أربع خوافق صينية ملآنة من الأطعمة المفتخرة بالقلوبات وغيرها، وفى كل خافقية أكثر من خمسة عشر رطلا من اللحم الهائل أو عشرة أطيار من الدجاج المسمن، وكذلك كثير من الجند والغلمان يشترون من مطابخ الأمراء من أنواع الأطعمة، وكانت الأجناد يتحدثون بكثرة الخيرات حتى أن الغلمان يأبون فى غالب الأوقات أن يأكلوا من أطعمة أستاذيهم لما أنهم يقرفون من كثرة الأكل وكثرة الأطعمة.
قال: ورأيت فى هذه السفرة أن أحدا من الأمراء لا يأكل من سماطه حتى يتفقد ما حوله من الغلمان والخدام والحاشية ومن المضافين إليه أو النازلين قريبا منه، فيرسل إليهم من الأكل والشرب والغنم والطيور والسكر والحلوى من الذهب والفضة كل أحد بقدر حاله، وكانوا يتفاخرون بذلك فيما بينهم.
وأما مكارم السلطان فلا يحدّ وصفها وقد أنعم على الأمير طقجى فى يوم واحد بمائة ألف دينار، وأمثال ذلك وقعت منه كثيرا.
ذكر سلطنة بيدرا
ولما قتل السلطان على ما ذكرنا، اجتمعت الأمراء الذين قتلوه فى الوطاق، وقرروا بينهم أن تكون السلطنة لبيدرا، وملكوه، ولقبوه الملك القاهر، وقيل:
الملك الرحيم
(1)
. ونص بيبرس فى تاريخه أنهم لقبوه بالملك القاهر
(2)
.
وذكر فى نزهة الناظر: أن بيدرا ومن معه لما قتلوا الأشرف باتوا تلك الليلة وهم متحالفون على أن يكونوا يدا واحدة، ولما أصبحوا ركب بيدرا فى دست السلطنة وحوله العسكر والأمراء والشاوشية، ولقب نفسه بالملك العادل، ثم اتفقوا على أن يبادروا نحو القلعة ليملكوها سرعة، فيتم له المنعة، فركبوا، وعند ركوبهم وجدوا الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار أمير جندار، والأمير بدر الدين بيسرى، وكان قد بلغهما الخبر بأمر السلطان، فركبا لكشفه، فوجدوهما فى الطريق فقبضوا عليهما وأخذوا سيوفهما وربطوهما وأركبوهما على البغلين، وأرادوا قتلهما مرارا، فشفع فيهما بعضهم فلم يقتلوهما.
وكان فى الدهليز الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وسيف الدين برلغى، وحسام الدين الأستاددار، والأمير بدر الدين بكتوت العلائى، والمماليك
(1)
«لقب نفسه بالملك الأوحد، وقيل الملك المعظم، وقبل الملك القاهر» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 169.
«ولقبوه بالملك الأمجد، وقيل بالملك الرحيم» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 374، وانظر أيضا نهاية الأرب ج 29 (مخطوط) ورقة 75، تذكرة النبية ج 1 ص 168.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 182 أ، التحفة الملوكية ص 136.
السلطانية [83] الذين كانوا متوجهين صحبة السلطان للصيد، فركب الأمراء المذكورون على آثارهم، وكان الأمير زين الدين كتبغا فى الصيد، فبلغه الخبر، فلحقهم، ولحق بهم المماليك الذين كان السلطان قد أعادهم إلى القلعة قبل وقت مقتله، فصاروا كتفا واحدا، وجدوا فى اتباع بيدرا ومن معه من الأمراء، فلحقوهم على الطرانة يوم الخميس الخامس عشر من المحرم، فلما التقى الجمعان أطلق بيدرا الأميرين المذكورين بدر الدين بيسرى وبكتمر السلحدار، ليكونا عونا له.
ولما التقى الجمعان، واقتتل الفريقان، تسحب الأمير بدر الدين بيسرى، وسيف الدين بكتمر السلحدار، والأمير سيف الدين بهادر الحاج، وانحاز [عنه
(1)
] جماعة ممن كانوا قد انضموا إليه، والتف عليه، ولما رأى العربان أن الذين مع بيدرا قد تفللوا وتسللوا، فهربوا هم أيضا، وطلبوا البر، فلم يبق معه إلا نفر يسير، وهاجمهم الأمراء وعاجلوهم، فلم يتمكنوا من مراسلة ولا مخاطبة، فما كان بأسرع من أن صدموهم، وقتل بيدرا لساعته، ولما خر صريعا وثب إليه بكتمر السلحدار سريعا، وبقربطنه، واستخرج كبده، وأخذ منها فلذة وابتلعها حنقا عليه، وحز رأسه، وحمل إلى المدينة على رمح، وطيف به فى القاهرة ومصر، ودفنت جثته بالطرانة، وتمزق من كان وافقه من الأمراء، وتفرقوا فى الأقطار.
وأما حسام الدين لاجين، وشمس الدين قراسنقر، فإنهما دخلا القاهرة بغتة، واستترا فيها مدة، وأما من سواهما فكل منهم عمد إلى مكان، واستتر بعضهم فى القاهرة وأطراف البلدان.
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة، حيث ينقل العبنى هذه الواقعة عن بيبرس الدوادار.
وكان بالقلعة سنجر الشجاعى مقيما فاحترز على المعادى والمعابر، وأمر بأن لا يعدى بأحد من الجند من بر الجيزية.
ووصل الأمير زين الدين كتبغا، وركن الدين بيبرس الجاشنكير، وحسام الدين لاجين، وسيف الدين برلغى
(1)
، والأمراء الخاصكية وهم طقجى وطقطاى وقطبية وغيرهم من المماليك السلطانية، واتفقوا مع علم الدين الشجاعى وقرروا أن تكون السلطنة للملك الناصر محمد بن قلاون، هذا ما ذكره بيبرس فى تاريخه
(2)
.
وفى نزهة الناظر: وحين ركب بيدرا ومن معه، وأراد التوجه إلى المدينة بسرعة، جاءت إليهم العرب، وأخبروهم أن مماليك السلطان الذين رجعهم السلطان مع الطلب إلى المدينة قد بلغهم أن السلطان قتل، وأن الأمراء قد اجتمعوا معهم وهم قاصدون إليكم، وكان الذى أخبرهم بذلك الأمير سنكو الدوادار، وهو من الذين ركب مع السلطان، ورأى قتله، فلم يرجع إلى مخيمه، ولا ألوى على شئ، وساق حتى بلغ الطلب وأمير على قدام الطلب، فأخبرهم بالخبر.
وقام قتال السبع، وجمع المماليك السلطانية، وكان الأمير كتبغا، والأمير حسام الدين أستاذدار قريبين منهم، فأرسلوا إليهما من عرفهما بذلك، فجاء إليهم واجتمعوا وتحالفوا، ثم ساروا نحو بيدرا ومن معه.
وعند انشقاق الفجر وقعت أعين الطائفتين بعضهم على بعض، وأشار حسام الدين إلى المماليك السلطانية أن يتطوقوا بمناديل بيض حتى يتميز بعضهم من بعض ففعلوا ذلك، وكان لاجين وقراسنقر لما بلغهما خبر هؤلاء الذين مع
(1)
«يلرغى» فى زبدة الفكرة.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 182 ب، وأنظر أيضا التحفة الملوكية ص 136 - 138.
الطلب سيرا من يكشف خبرهم، ويعرفهما من فيهم من الأمراء، وكم عدتهم فحضر وكشف، ثم عاد، وأخبرهما أن سائر المماليك السلطانية، وقتال السبع، وكتبغا، وحسام الدين الأستاذدار، ونحوا من عشرين أميرا من البرجية [84]« ............ »
(1)
، ولقد علمت من نفسى أنى أنا المطلوب، ومتى سلمت نفسى رأيت ما لا أشتهى، فالموت على ظهر فرسى خير من ذلك، ومن سلم منكم وعاش يكون نظره على أولادى، ثم عطف رأس فرسه وصاح بمماليكه أنه لا يقاتل معى إلا من يموت، ومن اختار الحياة فليرجع، ثم حمل، وحمل معه قراسنقر ولاجين قدامه إلى أن التحم القتال، وبيدرا التقى مع طقجى وأمير عمر فتضاربوا، وضرب كل واحد منهم صاحبه بالسيف، فلم يؤثر، ورمى من ذلك الوقت فرس بيدرا بالنشاب، فجرح إلى الأرض وجلس على الأرض، ودافع عن نفسه إلى أن قتل، وقتل معه من مماليكه نحو إثنى عشر نفرا، وبعد ذلك عادت جماعة من الأمراء الذين كانوا معه إلى طلب السلطان، ثم شرعوا فى قبض مماليك بيدرا، ومن كان معه من المخامرين، وجمعوا أثقالهم وخيلهم، وعادوا بهم إلى القاهرة.
ذكر ترجمة بيدرا
(2)
:
كان أصله من جملة المغول الذين وصلوا البلاد من عسكر هلاون، « ......... »
(3)
. قلت: ولما سير هلاون عسكرا صحبة كتبغا نوين وأمرهم
(1)
« ...... » موضع سبعة أسطر مطموسة بحيث يصعب منابعة النص.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 120، المنهل الصافى ج 3 ص 493 رقم 734، النجوم الزاهرة ج 8 ص 3 وما بعدها، الوافى ج 10 ص 360 رقم 4855، السلوك ج 1 ص 792، البداية والنهاية ج 13 ص 334، شذرات الذهب ج 5 ص 422، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 188، تشريف الأيام ص 280، تذكرة النبية ج 1 ص 167 - 168.
(3)
« ...... » موضع ثلاث كلمات مطموسة.
بالدخول إلى مصر، فالتقى مع السلطان الملك المظفر قطز على عين جالوت، وانتصر السلطان على ما ذكرناه
(1)
، وقتل كتبغا، وانهزم المغلية، فلما وصلوا إلى هلاون غضب عليهم، وقال كتبغا مات بيديكم، وسلمتم أنتم، ثم أمرهم بالرجوع إلى الشام، ورسم أن كل من أقام فى الأردو قتل، فرجعوا وعبروا الفرات، ودخلوا إلى حلب، وصاروا يغيرون
(2)
على أهل الضياع، فاجتمعت جماعة من أهل حلب مع صاحب حماة، وصاحب حمص، وجماعة من التركمان، فركبوا لهم، والتقوا معهم فى ظاهر حلب، وكسروهم كسرة شنيعة، وأخذوا جميع ما كان معهم، ولم يصل أحد منهم إلى الفرات إلا قتيلا أو غريقا، ونسوانهم جوارى ومماليك، فكان من جملة الأسرى والدة بيدرا، أخذوها وهى حاملة بيدرا على ظهرها فى مهد.
قال صاحب النزهة: كما حكاه الأمير علم الدين الدوادارى الصالحى، وأنه قد سير الأسرى وهم جماعة كثيرة إلى مصر فى الدولة الظاهرية، وقال: فيهم والدة بيدرا، وهو معها صغير، وفيهم أيضا كتبغا ولكن كان فى ذلك الوقت مراهقا للبلوغ، ولما حضروا إلى مصر فرقهم السلطان الملك الظاهر، فوقعت والدة بيدرا مع ابنها فى يد قلاون، وأعطى قلاون أم بيدرا المملوكه سنجر الشجاعى، وكبر بيدرا، وكان منه ما كان.
قال الراوى: وكثير من الناس يزعمون أن كتبغا وبيدرا أخذا فى نوبة حمص فى دولة [85] الملك المنصور، وهذا غلط، وقد حكى ذلك عن الأمير علم الدوادارى على ما ذكرنا، حدّث عنه جماعة كثيرة بذلك، وصدقه أيضا على
(1)
انظر ما سبق بالجزء الأول من هذا الكتاب ص 243 وما بعدها.
(2)
«يغارون» فى الأصل.
هذا المقول الأمير علم الدين أبو خرص، مملوك الملك المظفر صاحب حماة، وقد سأله الأمير لاجين - وهو نائب الشام بحضور الملك الكامل
(1)
- عن أمر بيدرا وكتبغا، فذكر مثل الدوادارى فصدقه على قوله.
قال الراوى: وسمعت ذلك من شرف الدين بن الملك المغيث بن الملك الكامل.
وكان بيدرا تقلبت به الأحوال إلى أن صار نائب السلطان الأشرف، وكانت له حرمة كبيرة، ودولة وافرة، وكان مأمون الغائلة، سهل العريكة، حصل للجند فى أيامه خير كثير، ونفقات كثيرة، وأنعم عليهم بإقطاعات وإنعام مع بشاشة وجه، وكان مبدعا فى محاسنه، لطيفا ظريفا، حسن الأخلاق، عذب المنطق، متحليا بصفة الآداب، مشغوفا بالطرب، وجد له فى الحوطة على موجوده ستون جارية، ما فيهن واحدة إلا وقد أتقنت صنعة الطرب من أنواع الملاهى، وكان يخلوبهنّ فى الليل، وكان له نديم أعمى لا يكاد يفارقه، وكان له تولع عظيم بالأطعمة الحسنة والمشارب الطيبة.
قال الراوى: ولم يسمع لنائب قبله ولا بعده، له حوائج خاناه وشراب خاناه مثله، ولقد حكى لى شاهد ديوانه: أن السلطان لما سافر إلى فتح قلعة الروم اختار أن يطعم الأمراء حلاوة سكب، وذلك فى الرمل فى الطريق، وتولى عمل ذلك حسام الدين الاستاذدار، واحتاجوا فى ذلك إلى فستق، فقال:
أبصروا فى حوائج خاناه نائب السلطان، فإنها لا تخلو منه، فأرسلوا وسألوا
(1)
لعله الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك السعيد بن الصالح عماد الدين اسماعيل بن العادل أبى بكر بن أيوب، من أولاد الملوك الأيوبيين، والذى أنعم عليه السلطان كتبغا بامرة طبلخاناة بدمشق عندما كان حسام الدين لاجين نائبا بالشام - السلوك ج 1 ص 818 - 819.
فوجدوا فى حاصله فى ذلك الوقت ثمانية أحمال قلب فستق، وستة أحمال بقشره، فأخذوا منها حمل قلب فستق، فلما فرغوا من عملها جعلوها فى أطباق وصحون وفرقوها على الأمراء.
قال الراوى: ذكر لى أنهم كانوا فى ذلك الوقت فى منزلة الورادة، ولم يوجد بعد وفاته فى تركته شئ كثير، لأنه فرق أكثرها قبل موته، وخلف ثلاثة أولاد ذكور وبنتا واحدة.
قال الراوى: وآخر من بقى من أولاده صلاح الدين، وحضرت يوما عنده، فأخرج محاسبة بين كتبغا وبين ورثة بيدرا - فإن كتبغا ولى النيابة بعده، وأخذ إقطاعه وسائر غلاله وحواصله - تشتمل على ستين ألف أردب غلة ومائتى أردب برسيم، وثلاثمائة وثمانين رأس بقر، وست حجارة معاصير، وأربعة آلاف قطعة قند، واثنى عشر ألف مطر عسل قصب، ومائتى قنطار سكر، وألفى أردب فول، ونحو ثلاثمائة ألف درهم، سوى خيام وسلاح ونحوهما.
قال صلاح الدين: ولم يصل إلى منها شئ يساوى درهما.
ولما قتل بيدرا كان عمره إحدى وأربعين سنة، سامحه الله.
ذكر ما وقع بالمدينة بعد قتل الأشرف:
ولما قتل السلطان، وكان الأمير سيف الدين سنكو الدوادار صحبته، فلما شاهد قتله ركب وساق إلى أن أدرك طلب السلطان وعرفهم بذلك كما ذكرنا، واستمر سائقا بعد ذلك إلى أن دخل المدينة، فوجد الأمير علم الدين الدوادارى فى الصناعة يجهز المراكب، فأخبره بذلك سرا، ثم ركب صحبته إلى القلعة، وكان الشجاعى بها نائب الغيبة، فاجتمعا به، وأخبراه بذلك، فركبوا على الفور
إلى أن أتوا [86] إلى ساحل النيل، وطلب الشجاعى والى مصر ووالى الصناعة والرؤساء، وأمر بإطلاق النداء على أهل المراكب جميعهم بأن لا يعدوا أحد إلى ذلك البر، فأى من عدّى بمركبه من كبير أو صغير شنق على مركبه، ثم ركبوا فى المركب وجمعوا سائر المراكب من الأعلى إلى الأسفل، ولم يدعوا وجه النيل مركبا إلا وأحضروه إلى ساحل مصر، وكذلك المعادى، وشخاتر الصيادين، ووكل بالساحل من يحفظ ذلك، واتفق وصول طلب السلطان والأمراء الذين كانوا معه بكرة النهار فى ذلك اليوم، ووجدوا سائر المراكب والمعادى فى بر مصر، ولم يجدوا إلى التعدية سبيلا، فاجتمعوا هناك، وخطر لهم أن الشجاعى كان متفقا مع بيدرا على قتل السلطان لأجل ما كان بينهم من المصاهرة، فاقتضى رأيهم أن يسلموا رأس بيدرا لبعض الغلمان ليؤديه إلى الشجاعى حتى يعلم أن هذا كان غريم السلطان وأنه قتل، فأخذه الغلام ووصل به إلى الشجاعى، وهو فى الصناعة والمماليك البرجية حوله، وإلى جانبه الأمير علم الدين الدوادارى، فلما رأى رأس بيدرا بكى وتوجع، ورسم بسير المراكب والمعادى
(1)
.
قال صاحب النزهة: حكى لى الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس
(2)
أن علم الدين الدوادارى حكى له فى بعض الأيام، وقد ذكروا قتل الأشرف: أنه عندما وصل رأس بيدرا إلى الشجاعى بكى بكاء كثيرا وتألم كثيرا، وقال: يا أمير علم الدين:
والله لقد كنت أعجب من عقل صاحب هذا الرأس، ولكن إذا أراد الله بإتمام
(1)
يذكر المقريزى أن الشجاعى لم يرسل المراكب ويسمح بتعدية الأمراء إلا بعد أن تم الاتفاق بينهم - عن طريق الرسل - على إقامة الملك الناصر محمد بن قلاون - انظر السلوك ج: 1 ص 793 - 794.
(2)
هو محمد بن محمد بن محمد أحمد بن سيد الناس فتح الدين أبو الفتح، المتوفى سنة 734 هـ/ 1333 م - المنهل الصافى.
قضائه وقدره سلب ذوى العقول عقولهم، والله ليورى هذه النار أثرها حتى لا يبقى لنا أثر، وكان الشجاعى فطنا صاحب ذهن جيد، وكان يروى الشعر الكثير، فقال لى يا أمير علم الدين: كأنى انظر فى هذا الوقت فى قول الرقاشى
(1)
الشاعر لما قتل الرشيد جعفرا البرمكى:
(2)
ألا إنّ سيفا برمكيا مهندا
…
أصيب بسيف هاشمى مهنّد
فقل للمطايا قد امنت
(3)
…
من السرى
وقل للفيافى
(4)
فدفدا بعد فدفد
وقل للعطايا بعد فضل تعطلى
…
وقل للرزايا كل يوم تجدّدى
(5)
وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر
…
ولم تظفرى من بعدها بمسود
ثم ركب وتلقى الأمراء، وتباكوا وتوجعوا، وأخذ الشجاعى يسألهم عن أخبار لاجين وقراسنقر، فعرفوه أنهما لم يعلما من هذا الأمر شيئا: فطلب بعض مماليك بيدرا وسأل منه، فأخبره أنهما كانا مع أستاذه إلى حين حمل بعضهم على بعض، ولم يعلم بعد ذلك ما جرى منهما.
(1)
هو الفضل بن عبد الصمد بن الفضل الرقاشى البصرى، أبو العباس، شاعر مجيد، انقطع إلى البرامكة ورثاهم بعد نكبتهم وتوفى حوالى سنة 200 هـ/ 815 م - فوات الوفيات ج 3 ص 183 رقم 392.
(2)
هو جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، أبو الفضل، وزير هارون الرشيد، قتل سنة 188 هـ/ 803 م - وفيات الأعيان ج 1 ص 342 رقم 132 ب.
(3)
«ودونك» فى وفيات الأعيان.
(4)
«وطى الفيافى» - فى وفيات الأعيان.
(5)
انظر وفيات الأعيان ج 1 ص 346 حيث يوجد اختلاف فى ترتيب هذه الأبيات.
ذكر سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاون
لما كان يوم السبت السادس عشر من المحرم جلس السلطان الملك الناصر فى السلطنة، وكان عمره إذ ذاك ثمان سنين وشهورا
(1)
، وذلك باتفاق الأمراء الكبار مثل: كتبغا، وبيبرس الجاشنكير، وحسام الدين الأستاذدار، وبرلغى، والشجاعى، وغيرهم من الأمراء الخاصكية مثل: طقجى وطقطاى وقطبية وغيرهم، وتقرر أن يكون الأمير زين الدين كتبغا نائبا، وعلم الدين الشجاعى وزيرا ومدبرا، وركن الدين الجاشنكير أستاذدار، واستقر الحال على هذا النظام
(2)
.
وقال بيبرس فى تاريخه: وكنا إذ ذلك الوقت قد وصلنا من تجريد حمص صحبة [87] الأمير بدر الدين أمير سلاح، فأنعم السلطان على بمائة فارس وتقدمة ألف، وسلم إلى ديوان الإنشاء والنظر عليه، والحديث فيما يصدر منه ويرد
(3)
إليه، وأنفق السلطان فى العساكر، واستحلفوا له فحلفوا، وطلب الأمراء
(1)
«وعمره يومئذ تسع سنين سواء» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 172. وهو الأصح، فقد ولد الناصر محمد فى 15 محرم سنة 684 هـ - انظر ما سبق بالجزء الثانى من هذا الكتاب ص 340 وما بعدها.
(2)
(3)
«وكتب لى بهذا الإقطاع منشور حسب الأمر المطاع» - زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 183 أ.
الذين طابقوا بيدرا، فوقع منهم أولا بهادر رأس النوبة، وأقوش الموصلى الحاجب، فضربت رقابهما وأحرقت جثتهما
(1)
، ثم وقع بعدهما طرنطاى الساقى، وأعناق السلحدار، ونوغيه السلحدار وأروس السلحدار، ومحمد خواجا، والطنبغا الجمدار، وآقسنقر الحسامى
(2)
، فاعتقلوا بخزانة البنود
(3)
أياما، وكان ركن الدين الجاشنكير يتوجه إليهم ويتولى عقابهم وتقريرهم، فلما أقروا بما فعلوا، واعترفوا بأنهم قتلوا، قطعت أيديهم وصلبوا، وطيف بهم على الجمال، وأيديهم التى قطعت فى أعناقهم قد علقت، وماتوا شر ميتة جزاء بما كسبوا، ووقع بعدهم قجقر الساقى، فشنق فى سوق الخيل
(4)
.
وفى نزهة الناظر: أن السبب لقتل هؤلاء واستعجال الأمراء فى قتلهم أن زوجة السلطان جمعت نوائح كثيرة تنوح على السلطان، فأراد الأمراء منع ذلك، فأبت ودخلت على أم السلطان الناصر فمكنتها من ذلك، فجمعتها وحضرت مع سائر الخدام والجوار ليلة الجمعة إلى تربة السلطان، وحضر فى تلك الليلة سائر الفقهاء والقراء والوعاظ، فقرأوا ختمات عديدة، ولما فرغوا قامت الوعاظ، فتكلم كل واحد بما يناسب ذكره فى ذلك الوقت، وتمثل ابن العنبرى بقول الشاعر:
هدمت صروف الدهر أرفع حائط
…
ضربت دعائمه على الإسلام
تلك الرزية لارزية مثلها
…
والقسم ليس كسائر الأقسام
(1)
«ثامن يوم سلطنة الناصر» - السلوك ج 1 ص 795.
(2)
«وذلك فى العشرين من المحرم» - السلوك ج 1 ص 795.
(3)
خزانة البنود بالقاهرة: كان يعمل بها السلاح أيام الدولة الفاطمية، ثم احترقت سنة 461 هـ، وأصبحت سجنا للأمراء والأعيان - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 188.
(4)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 183 أ - 184 ب، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 138 - 139.
ثم نعاه وبكى وتباكت الأمراء والفقهاء، وذكر كيف وجد طريحا ملقى، ثم قال:
أبا الفضل لم أعجب لموتك إنه
…
هو البين لا يبقى عليك مدى الدهر
فوا عجبا للأرض كيف ملكتها
…
وبت ولم يسترك من دونها بشبر
وحين فرغ هذا الوقت وثبت مائة جارية وثلاثون خادما ومماليك صغار، ومعهم شمع وستون فانوسا بستين شمعة، والجميع لا بسات الجلال، محلولات الشعر، وفى أعناق الكل غبى
(1)
محرقة، ومعهن جوق من النوائح المختلفة الأصوات، وكل واحدة منهن تنوح بقول مختلف من كلام النساء، فمن ذلك:
جدّدوا همى وأحزانى
…
يا فرحة الأعداء بسلطان
***
يا ضارب السيف شلت يداك
…
قد بلغت يمناك منه مناك
لا ماتنى
(2)
…
ربى حتى أراك
قد سمروا عينيك هذا جزاك
***
وأشياء كثيرة من هذا القبيل.
فأقمن ست ليال، كل ليلة من العشاء إلى السحر إلى أن أقلقت الناس، وأبكت العيون، وأوجعت القلوب، والتزمت زوجة الأشرف أن لا تنفك [من
(3)
] حزنها ولا تترك ما هى فيه من هذا الأمر حتى ترى قاتل الأشرف والموافق عليه
(1)
غبى: جمع غابة أى بوص:
(2)
لا أماتنى.
(3)
[] إضافة للتوضيح تتفق والسياق.
مسمرا مشهورا، فعند ذلك ثارت المماليك الأشرفية واجتمعوا بالشجاعى، وبكوا بين يديه، وقالوا: نحن نموت كلنا وإلا مكنونا [88] من قاتل أستاذنا، وكانوا قد قبضوا على جماعة من الخاصكية الذين اتفقوا مع بيدرا ورسموا بحبسهم، وكانوا أخروا أمرهم إلى أن يتفقوا على أمر يفعل فيهم.
فنهض الشجاعى ومعه جماعة من المماليك الأشرفية، فدخلوا على كتبغا لينظر فى أمر هؤلاء، فرأوه جالسا فى الشباك والأمراء حوله، فقاموا له وشرعوا فى الحديث؛ وهم فى ذلك فإذا بالأميرين بهادر رأس نوبة والأمير جمال الدين أقوش الموصلى الحاجب قد حضرا، وكانا من جملد الأمراء المتفقين مع بيدرا، فحين وقع نظر المماليك الأشرفية عليهما سلّوا سيوفهم وضربوا رقبة الإثنين فى أسرع من لمح البصر، ولما رأى كتبغا والأمراء ذلك خشوا من الفتنة، واتفقوا على قتل الأمراء الذين فى السجن وإشهارهم إطفاء لنيران الفتنة.
فطلبوا متولى القاهرة فأحضرهم من السجن، ونزل الشجاعى والمماليك الأشرفية صحبته إلى باب السلسلة، وأوقفوهم عند باب السلسلة، وأحضروا قرمة وساطورا، وجعل الوالى يحضر أميرا بعد أمير ويقطع يده على القرمة بضربة واحدة يفصلها من المعصم، فلما فرغوا من ذلك أركبوهم على الجمال وسمروهم تسمير الهلاك، وعلقوا يد كل واحد فى عنقه.
وركب فى ذلك اليوم كتبغا والأمراء إلى جانبه يشاهدون هؤلاء، وهم على هذه الحالة مسّمرون، وعليهم أقبيتهم الأطلس وكلوتاتهم الزركش وأخفافهم البرغالى وشقوا بهم فى وسط الموكب، وصاروا طالعين بهم وراجعين والمشاعلية تنادى عليهم: هذا جزاء من يخون أستاذه ويتجاسر على قتل الملوك وأقل جزائه، ورسموا أن يطاف بهم مصر والقاهرة.
ونظرت الناس إلى تلك الشمائل الحسنة، والوجوه الجميلة، ويد كل واحد على صدره تشجب دما، وتباكت الناس، وانفجعت القلوب، وكان يوما عظيما.
واتفق فى يوم دخولهم المدينة سألت زوجة الأمير نغيه بعض خدامها أن تقف فى مكان تنظر منه إلى زوجها قبل الموت، فطلع بها على بيت فى الشرابشيين فحين وقع نظرها على زوجها مسمرا أرمت نفسها من باب الطاق لتقع عليه، فلطف الله بعثرتها أن وقعت على سقف الدكاكين، وتباكت الخلائق لأجلها، وتألموا كثيرا، وحملوها إلى منزلها
(1)
.
وبلغ خبرها إلى الأمير بدر الدين أمير سلاح، فتوجع لها، وركب إلى القلعة، واجتمع بكتبغا النائب والأمراء وشفع فى نزولهم من الجمال ويموتون فى بيوتهم، فقبلوا سؤاله، ورسموا للوالى
(2)
بتنزيلهم وتسليمهم لأهلهم، وكان ذلك وقت الظهر، فحمل كل منهم إلى أهله، وما لحقوا أن يقعدوا ساعة حتى بلغ المماليك الأشرفية أمرهم، فاجتمعوا عند الشجاعى فى محفل كبير، وقالوا:
متى ما لم يعد هؤلاء إلى التسمير مثل ما كانوا ما نسكت، وقصدوا إقامة الفتنة، ورأى كتبغا هذه الحالة فبرّأ نفسه، فقال: دونكم وإياهم، فأنا ما أدخل بينهم فعند ذلك ركبوا ونزلوا، فأخذوا كل واحد من منزله، وأعادوهم إلى الأخشاب والتسمير، وشقوا بهم المدينة.
فكانت تلك الإعادة أمرّ عليهم وأصعب مما وجدوه فى أول الشدة، وبقيت معهم طائفة من الأشرفية إلى أن وصلوا بهم [89] إلى ظاهر القاهرة وإلى
(1)
ذكر المقريزى رواية مشابهة - لكنها بالنسبة لزوجة علاء الدين ألطنبغا - انظر السلوك ج 1 ص 796.
(2)
«الولى» فى الأصل، والتصحيح يتفق والسياق.
ظاهر مصر، فاستمروا على هذه الحالة يومين آخرين، ثم توفوا إلى رحمة الله.
وكانت عدتهم سبع أمراء وهم: طرنطاى الساقى، وعناق السلحدار
(1)
، ونغيه
(2)
السلحدار، وأروس السلحدار، وطنبغا الجمدار، وآقسنقر الحسامى، ومحمد خواجا.
وبعد هؤلاء قبضوا على الأمير قجقار الساقى؛ وكان قد هرب من يوم الوقعة واختفى، وشنقوه فى سوق الخيل.
فالكل عشرة أنفس مع بهادر رأس نوبة والموصلى، فنعوذ بالله من زلة القدم، وزوال النعم، وحلول النقم.
ذكر وقعة الوزير ابن سلعوس:
هو الوزير الكبير شمس الدين محمد
(3)
بن عثمان بن أبى الرجا التنوخى، المعروف بابن سلعوس، وزير الملك الأشرف، كان هو من جملة الأسباب المؤدية إلى وقوع هذه الفتن، لأنه كان بينه وبين الأمير بيدرا فى الباطن إحن وعداوة - على ما ذكرنا - حتى أدّى ذلك إلى ما حصل من بيدرا من ركوبه على الملك الأشرف وقتله إياه.
(1)
«سيف الدين الناق الساقى السلاح دار» فى السلوك ج 1 ص 795.
(2)
نغيه أو نوغيه، «نوغاى» فى السلوك ج 1 ص 795.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 184 ب، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 77 وما بعدها، درة الأسلاك ص 122، التحفة الملوكية ص 139، الوافى ج 4 ص 86 رقم 1555، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 166 وما بعدها، شذرات الذهب ج 5 ص 424، البداية والنهاية ج 13 ص 338، تذكرة النبيه ج 1 ص 173، بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 379، النجوم الزاهرة ج 8 ص 53 - 54.
ولما جرى ما ذكرناه على الأمراء الذين ذكرناهم مسك الشجاعى الوزير المذكور، وضربوه وعاقبوه
(1)
، فمات تحت الضرب الذى جاوز ألف مقرعة، وذلك فى عاشر
(2)
صفر من هذه السنة، ودفن بالقرافة.
وقيل: إنه نقل إلى الشام بعد ذلك، واستصفوا أمواله وذخائره.
وفى تاريخ ابن كثير: وكان الذى حمل من جهته خمسمائة ألف درهم
(3)
.
وفى نزهة الناظر: وكان الوزير فى الإسكندرية يوم قتل السلطان، وكان قد طلب سائر التجار وأرباب الأموال والمكارم وشرع فى مصادرتهم وإهانتهم فكثر الظلم والعسف عليهم بسبب هذا، وطلب والى الإسكندرية بدر الدين الجاكى، وكان رجلا ذا دين ومروءة، فرسم عليه وأخذ سيفه وأمر بأن يؤخذ منه مبلغ ألفى دينار، وبقيت الإسكندرية فى بكاء وعزاء.
وفى ذلك اليوم بعد العصر وقعت بطاقة، فأحضرها البراج للمتولى
(4)
فأخذها وقرأها، فوجدها من تروجة وقد كتبت عن بيدرا: سرح الطائر الميمون يوم السبت وقت العصر الثانى عشر من المحرم يأمر بالقبض على الوزير، وأن السلطان قتل، وتسلطن بيدرا.
فلما وقف حمد الله تعالى فى نفسه، ولم يظهر ذلك لأحد، ونهض من دار الولاية ووسطه مشدود بمنديل إلى أن وصل إلى باب الوزير، فوجد المقدم
(1)
هكذا بالأصل.
(2)
«وكانت وفاته يوم الأحد خامس عشر صفر» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 379.
(3)
لم يرد هذا النص فى النسخة التى بين أيدينا (المطبوعة) البداية والنهاية.
(4)
أى لوالى الإسكندرية.
ينتظره، وقال يا أمير: مالك؟ كمّلت حملك؟ قال له: بقى ثمان مائة دينار ولكن لى شغل عند مولانا الوزير، فاستأذن علىّ، فأرسل خادما من الخدام، فشاور عليه، فخرجت الرسالة للمقدم: متى لم يكمل الليلة ألف دينار، عرّه واضربه بالمقارع، فقال المقدم: يا أمير سمعت الجواب. فقال: مرسوم الصاحب على الرأس، فاليوم يكمل إن شاء الله، ولكن عرّفه أن ثمة شغلا ضروريا؛ فلا بد من الاجتماع به والمشاورة عليه، فدخل الخادم فعرفه بذلك، فأذن له، فدخل فوجده جالسا بعجب وعظمة والموكبية تعد قدامه. فقال:
كملت الحمل؟. فقال: نعم يا مولانا. فقال: ما تريد وأى شئ تشاور؟ فقدم له البطاقة من جيبه وناولها إياه، فقرأ أولها وبهت فيها إلى أن استكملها، ثم رفع رأسه فقال: يا بدر الدين: ما بقى إلا مروءتك وفتوتك فى هذا الوقت.
فقال له: ما عندى شئ يشوش عليك ولكن متى قعدت الليلة ويصبح أهل البلد [90] ويطلعون على الأمر، ما يخلون يصل على الأرض من دمك قطرة.
فنهض على الفور صحبته إلى أن أخرجه فى الليل من باب الإسكندرية، وأشاع أن السلطان سيّر بطلبه، فخرج معه شخص من الدماشقة وكان يصحبه، فأخفى نفسه إلى أن وصل إلى زاوية الشيخ ابن عبد الظاهر
(1)
خارج باب البحر، فقال له يا مولانا الصاحب: أنا أشير عليك بأن تخفى نفسك من هاهنا أياما إلى أن تنظر بعد ذلك ما يتفق للناس، ثم تتحيل لخلاص نفسك، فالتفت إليه
(1)
«زاوية الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهرى» - السلوك ج 1 ص 796. وعن هذه الزاوية وصاحبها - انظر المواعظ والاعتبار ج 2 ص 431.
كالمغضب وقال: ما تستحى؟ تشير على برأى العوام، إش هذا الرأى الفاسد؟ والله لو فعل هذا بعض العمال الذى تحت يدنا لقبحنا ذلك منه، فكيف يليق بى أن أفعل ذلك، فكأنك تعتقد أنهم ما هم محتاجون إلى تدبيرنا لدولتهم، وما لهم غنى عنا، فسكت الرجل وتمثل بقول الشاعر:
لكل داء دواء يستطبّ به
…
إلا الحماقة أعيت من يداويها
ثم إن الوزير وصل إلى القاهرة ودخلها بالليل
(1)
، فنزل بداره بحارة زويلة، فبلغ الشجاعى حضوره، فعرفه لزين الدين كتبغا، فرسم بطلبه، فطلب الشجاعى الحاجب فقال له: انزل إلى الوزير وقل له: يا مولانا الصاحب إن الأمراء يسلمون عليك ويسألونك أن تركب إليهم، فإن الدولة محتاجة إلى تدبيرك، فنزل الحاجب إلى داره، واستأذن فأذن له، فدخل عليه وسلم بأدب، وعرفه بما قالوا له، فأعجبته نفسه، وقال: بسم الله اجلس حتى تحضر الجماعة، فسيّر إلى الكتاب والمباشرين، فعرفهم أنه طلب للوزارة، فركب إليه الناس وسائر الدواوين والمشدين، فاجتمع خلق كثير، وحضرت القضاة أيضا.
فركب فى موكب عظيم كما كان بعهده إلى أن وصل إلى القلعة، فدخل على الشجاعى فنهض إليه، وقال: كيف حال مولانا الصاحب؟ فقال: بخير.
فقال السلطان: ولدك رسم أن تستقر على وزارتك وتدبير الدولة. فقال: حتى نجتمع بالسلطان ونذكر له شروطا نقررها بين يديه. فقال له: بسم الله والسلطان
(1)
يذكر المقريزى أن الوزير ابن السلعوس بات ليلته فى زاوية الظاهرى «ثم ركب منها بكرة بهيئته ودسته إلى داره» - السلوك ج 1 ص 796 - 797.
أيضا له شروط، أولها: أنه يطلب منك أن تنفق على العسكر لأنه سلطان جديد، فإذا كملت النفقة تجتمع به، ثم التفت إلى قراقوش الظاهرى
(1)
- الذى ذكرنا قضيته وما جرى عليه معه من المصادرة
(2)
- وقول قراقوش له: ويلك هل أنت إلا المقوقز الذى أخربت مصر وقتله الوزير بعد ذلك بالمقارع. فقال له: يا أمير بهاء الدين، تسلّم غريمك وخلص منه مال السلطان.
فأخذه أشدّ أخذ، ففى تلك الساعة خرجت تلك الحماقة من رأسه من قوة الصفع بالأيدى، وانقلب ذلك الموكب الذى طلع فيه إلى القلعة إلى الذلة والهوان فخرجوا به، وبلغ ذلك إلى كتبغا وأنه تسلمه قراقوش، فعلم أن نقلته فى ليلته ويروح ماله، فرسم كتبغا أن يتسلمه الأمير بدر الدين المسعودى مشدّ الدواوين، فأحضروه إليه، وصحبته تقى الدين الأعمى الذى كان نديم بيدرا الذى لا يكاد يفارقه ويجلس معه عند جواريه ومغانيه كما ذكرناه، وكان له فضيلة وشعر وحكايات، وحصل له جملة مال من قضاء أشغال الناس وحوائجهم عند بيدرا، ووجد له مال كثير، وفى جملته نحو من ثمان مائة خاتم ما بين ساذح وبفص، فإنه كان إذا ركب أو مشى وسلم [91] خلفه أحد بمشعل أو غيره، فيمدّ يده إليه فيصافحه ويجس يده، فأىّ خاتم وجده فى يده أخذه، ولو كان أىّ خاتم كان، وفى يد أىّ من كان، ثم إن المشدّ يحضر الوزير ويعاقبه، ومسكوا أيضا جميع من كان يلوذ به من الدماشقة والمصريين وغيرهم إلى أن حصل من جهتهم أربعمائة ألف درهم بعد قتلهم بالمقارع.
(1)
«شاد الصحبة» فى السلوك ج 1 ص 797.
(2)
انظر ما سبق ص 76 وما بعدها.
وقبضوا أيضا على يعقوب المقدم وولده، وكان هذا مقدم نائب بيدرا ومقدم دولته، فأحضره المسعودى لعقوبة الوزير، وكان الشجاعى يكرهه، فبلغه عنه أنه يعاقب الناس، فسير إلى المشد وأمره بالقبض عليه وعقوبته، وكان ذلك فى مدرسة الصاحب بن شكر
(1)
، فاتفق حضور الرسالة ويعقوب قد ضرب الوزير ست مقارع، فقبض عليه للوقت، وطلب ولده أيضا، فحضر وأقاما فى العقوبة تسعة أيام، وكانت آجالهم متقاربة.
وكانوا قد كتبوا أيضا إلى نائب دمشق بالحوطة على جميع آكام ابن سلعوس الوزير وأهله ومن يعلمون أنه من جهته، فقبض على جماعة كثيرة من الدماشقة، وحصل منهم نحو مائتى ألف درهم سوى الأملاك والعقارات، ولم يسلم من ألزامه ومن كان خصيصا به غير رجل واحد، وذلك أن الوزير لما قوى أمره سير إلى الشام فاستدعى أهله وألزامه فكلهم أجابوه إلا هذا الرجل
(2)
، فلم يجبه، فكتب إليه يعتذر عن الحضور ويحذره من الشجاعى فقال:
توقّ
(3)
…
يا وزير الملك واعلم
بأنك قد وطئت على الأفاعى
(4)
…
أخاف عليك من نهش الشجاعى
(1)
هى المدرسة الصاحبية بسويقة الصاحب بالقاهرة: وتنسب إلى الصاحب صفى الدين عبد الله ابن شكر، وزير السلطان الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 104، ص 371.
(2)
«يقال له زين الدين» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 380.
(3)
«تنبه» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 173. بدائع الزهور، والنجوم الزاهرة، التحفة الملوكية ص 139، «نثبت يا وزير الأرض» فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 177.
(4)
«ركن بالله معتصما فإنى» فى تذكرة النبيه، وتاريخ ابن الفرات، والنجوم الزاهرة، -
فبلغت الأبيات إلى الشجاعى، فكان يتذاكرها إلى هذا الوقت الذى رسم بطلب ألزامه وأهله واستثنى هذا الرجل، فكتب بالوصية له وعدم التعارض إليه، فوقع الأمر كما قال الرجل، فإنه مات من نهش الشجاعى الذى لم يجد له ترياقا.
وقال ابن كثير: وكان ابتداء أمر الوزير ابن سلعوس تاجرا، ثم ولى الحسبة بدمشق بسفارة الصاحب تقى الدين توبة
(1)
، ثم كان يعامل الملك الأشرف قبل السلطنة، فلما تملك
(2)
بعد أبيه استدعاه من الحج وولاّه الوزارة، فكان يتعاظم على أكابر الأمراء ويسميهم بأسمائهم ولا يقوم لهم، فلما قتلوا الأشرف تسلموه بالضرب والإهانة وأخذ الأموال حتى أعدموه حياته وصبّروه، وأسكنوه الثرى بعد أن كان عند نفسه قد بلغ
(3)
الثريا.
(4)
- التحفة الملوكية ص 139، «فكن بالله محتسبا» فى بدائع الزهور.
وفى رواية أخرى:
تنبه يا وزير الملك واحذر
…
زمانك قد وطئت على الأفاعى
ولا تغتر بالدنيا فإنى
…
أخاف عليك من نهش الشجاع
تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 178 وانظر أيضا رواية أخرى فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 54.
(1)
«وكان جارا للصاحب تقى الدين البيع، فصاحبه ورأى فيه الكفاءة فأخذ له حسبة دمشق» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 53.
(2)
«ملك» فى البداية والنهاية.
(3)
البداية والنهاية ج 13 ص 338.
ذكر قضية الأمير علم الدين سنجر الشجاعى
(1)
:
قد ذكرنا أنه لما قتل الأشرف كان سنجر الشجاعى مقيما فى القلعة، ولما عاد زين الدين كتبغا والأمراء المذكورون تقرر الحال على أن يكون الشجاعى محكما فى الوزارة، فتحدث فيها ونفذ أمره.
فلما كان فى شهر صفر من هذه السنة خرج الأمراء من بيوتهم فى يوم موكب
(2)
، وجلسوا على باب القلة كالعادة ينتظرون فتوح باب القلعة ليركبوا الموكب فى خدمة الأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة، فلم يشعروا إلا وخرجت رساله على لسان أمير جاندار بطلب أقوام معينين إلى السلطان، وهم: سيف الدين قفجاق
(3)
، وبدر الدين عبد الله السلحدار، وسيف الدين قبلاى
(4)
، وركن الدين عمر أخو تمر، وسيف الدين كرجى، وسيف الدين طرقجى،
(5)
[92] فدخلوا، وقام الأمراء للركوب.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 185 أ، درة الأسلاك ص 120، النجوم الزاهرة ج 8 ص 51، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 90 رقم 132، كنز الدرر ج 8 ص 353 وما بعدها، النجوم الزاهرة ج 8 ص 51 - 52، تذكرة النبيه ج 1 ص 172، التحفة الملوكية ص 139 - 141.
(2)
«فلما كان يوم الخميس ثانى عشرى صفر» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 179.
(3)
«قبجاق - قبجق» فى السلوك ج 1 ص 749، ص 799، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 179.
(4)
«قباى» فى نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 307 أ.
(5)
«طرنجى» فى السلوك ج 1 ص 799.
وورد فى السلوك أسماء لأمراء آخرين - انظر السلوك ج 1 ص 799، وانظر أيضا تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 179 - 180.
ولم يعلم الأمير زين الدين بما تم لهم، فبينما هم يسيرون تحت القلعة إذ جاء اثنان من ألزام علم الدين الشجاعى، وهما: سيف الدين قنغر
(1)
وجاورشى
(2)
ولده، وكانا فى خدمته منذ كان نائب السلطنة بدمشق، فأخبر الأمير كتبغا أن الأمراء الذين استدعوا إلى داخل سحرا
(3)
قد اعتقلوا، وأن الشجاعى قد دبر الحيلة عليك وعلى الأمراء إذا طلعتم إلى القلعة «ودخلتم إلى الخوان
(4)
» أن يقبض عليكم أيضا، كما فعل بالذين قبض عليهم سحرا.
فاستدعى كتبغا الأمراء الذين فى الموكب، وعرفهم الصورة وهو واقف على سفح سوق الخيل، فتوقفوا عن الطلوع إلى القلعة، وتوهموا أن الشجاعى اتفق على ذلك مع الأمراء المنصورية والمماليك السلطانية، وكان بالموكب الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، والأمير سيف الدين برلغى أمير مجلس فأمسكوهما فى موقفهما رجما بكواذب الظنون، وركونا إلى ما فعله الواشون، وأرسلوهما إلى الإسكندرية، فاعتقلا بها إلى أن علم براءتهما، ففرج عنهما، ورفع قدرهما، وكان ما سنذكره منهما.
وعند إمساكهما حصل التجاذب فى الكلام بين بعض القوم اللائذين بالأمير كتبغا وبين سنجر البندقدارى
(5)
، فجرد سيفه، فقتل على مكانته بسوق الخيل
(6)
.
(1)
«قنغر وقيل قنقغ» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 179.
(2)
«جاورجى» فى السلوك ج 1 ص 799.
(3)
أى وقت السحر.
(4)
«وقت الجلوس على السماط» - فى السلوك ج 1 ص 799.
(5)
«وقيل بلبان البندقدارى - تاريخ ابن الفرات: ج 8 ص 180.
(6)
«وجرد سيفه ليضرب به كتبغا، فبادره من ورائه بكتوت الأزرق - مملوك كتبغا - وضربه بسيف حل كنفه، ونزل إليه بقية مماليك كتبغا وذبحوه» - السلوك: ج 1 ص 799. -
وتوجه كتبغا ومن معه من الأمراء إلى الباب المحروق وخرجوا منه، ونزلوا ظاهر السور، وأمروا مماليكهم وأجنادهم وألزامهم بأن يلبسوا عددهم ويجتمعوا حولهم، وأرسل كتبغا النقباء إلى الحلقة والمقدمين، فأحضروهم أجمعين.
وأرسل [إلى]
(1)
السلطان
(1)
فى طلب علم الدين الشجاعى وقال له: إن هذا قد انفرد برأيه فى القبض على الأمراء، وبلغنا عنه ما أنكرناه، ونختار حضوره ليحاقق عن نفسه، ويوضح لنا باطن أمره، فامتنع عن الحضور إليهم.
ثم إن السلطان طلع إلى البرج الأحمر وتراءى للأمراء، فقبلوا الأرض من مواقفهم وقالوا له: نحن مماليك السلطان ولم نخلع يدا عن طاعته، ولا لنا قصد إلا فى حفظ نظام دولته، وإزالة الفساد عن مملكته، وهذا الشخص قد أحدث حدثا رديئا، يفرق الكلمة، ويخرق الحرمة، ولا بدلنا منه.
ثم إنهم حاصروه سبعة أيام، فكان ينزل إليهم، ومعه طائفة من الأمراء الذين أقاموا معه بالقلعة وهم: سيف الدين بكتمر، وسيف الدين طقجى
(2)
ومن يلوذ به من المماليك لا بسين، ويتناوشون القتال، فلما رأى الذين معه أنه لم يغن شيئا تركوه وفارقوه، وصاروا ينزلون عشرة بعد عشرة ويلحقون بالأمير كتبغا، ومن معه من الأمراء الكبار، كالأمير بدر الدين بيبسرى، وبدر الدين
(6)
- وقد أورد ابن تغرى بردى رواية أخرى عن هذه الواقعة - انظر النجوم الزاهرة: ج 8 ص 42 - 43.
(1)
[] إضافة للتوضيح، وورد فى السلوك:«ثم إن كتبغا بعث إلى السلطان يطلب الشجاعى» ج 1 ص 800.
وورد «وراسل السلطان فى طلب» فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 86، أ.
(2)
«طغجى» فى السلوك: ج 1 ص 800.
أمير سلاح، وعلم الدين طردج وغيرهم.
ولما تحقق علم الدين الشجاعى خمود ناره، وخمود أعوانه، خرج بنفسه وكر على الأمراء فما أغنت كرته
(1)
، ففر عائدا، وبالقلعة لائذا، وقال: إن كنت أنا الغريم المطلوب وقد طلبونى بهذه الذنوب، فأنا أصير إلى الحبس طوعا منى، [وأبرأ مما قيل عنى]
(2)
وحضر إلى باب الستارة السلطانية وحل سيفه بيده، وذهب نحو الحوش
(3)
، فوثب عليه مماليك الأمير أقوش السلحدار وسيف الدين صمغار، وكانا قد مضيا به نحو البرج الجوانى ليحبساه، فضربوه بالسيوف وحزوا رأسه، وأرسلوها إلى [93] الأمراء
(4)
، فطيف بها القاهرة ومصر وضواحيهما
(5)
.
وجرت المراسلات بين الأمير كتبغا والأمراء وبين السلطان؛ وتقررت الأيمان والعهود، وتأكدت، ثم طلعوا إلى القلعة وأشار الأمير كتبغا بالنفقة، فأنفق فى العساكر قاطبة نفقة شاملة، وأصلح الأمراء والمقدمون بالزيادات والإقطاعات، وترتب النظام، وأنزل من كان فى الأبراج والطباق من المماليك الذين اتهموا بإنشاء الشقاق، فأسكنت طائفة منهم فى مناظر الكبش
(6)
، وطائفة
(1)
«فلم يجد بدا من طلب الأمان فلم تجبه الأمراء» - السلوك ج 1 ص 801.
(2)
[] إضافة للتوضيح من زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 186 أ.
(3)
«نحو البرج» فى السلوك ج 1 ص 801، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 182.
و «نحو الحبس» فى زبدة الفكرة.
(4)
«ورفعت فى الحال على السور» - السلوك ج 1 ص 801.
(5)
انظر أيضا كنز الدرر ج 8 ص 355 التحفة الملوكية ص 141.
(6)
مناظر الكبش: أنشاها الملك الصالح نجم الدين أيوب على جبل يشكر بجوار الجامع الطرلونى - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 133، صبح الأعشى ج 3 ص 362.
فى دار الوزارة، وطائفة فى مناظر الميدان الصالحى
(1)
والظاهرى، واعتقلت منهم جماعة بعد اعترافهم بما قيل عنهم
(2)
.
«وذكر فى بعض التواريخ أن هؤلاء المماليك كانوا ثمانية آلاف وخمسمائة مملوك، منهم أربعة آلاف مملوك وسبعمائة مملوك أنزلوهم بخدامهم وبابيتهم إلى مناظر الكبش، وإلى قاعات دور الوزارة ألفين وأربعمائة مملوك، وإلى أبراج باب زوبلة ألفا وأربعمائة مملوك، وزادوا فى رواتبهم حتى لا يتحركوا ولا يفسدوا
(3)
».
وفيها
(4)
كان ظهور الأميرين شمس الدين قراسنقر وحسام الدين لاجين المنصورى من الاستتار، وقد ذكرنا أنه لما جرى لبيدرا ما جرى، انهزما إلى القاهرة وأقاما بها مختفين، ثم أعلما مملوكا من مماليك زين الدين كتبغا يسمى بتخاص
(5)
بأمرهما، وأطلعاه على موضعهما، فأطلع مخدومه على ذلك، فتلطف لهما مع السلطان إلى أن سمح لهما بالأمان، فظهرا ومثلا بين يديه، وقبلا الأرض لديه، فرضى عنهما، وعفا عن السالف من دينهما، وأمر لكل واحد منهما بإمرة، وعادا إلى أحسن ما كانا
(6)
.
(1)
الميدان الصالحى: كان أراضى اللوق، أنشأه الملك الصالح أيوب سنة 643 هـ، وأنشأ فيه مناظر جليلة تشرف على النيل الأعظم - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 198.
(2)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 185 أ - 186 ب، حيث نقل العينى هذه الوقائع عن بيبرس الدوادار.
(3)
«» مكتوب بهامش المخطوط، ومنبه على موضعه بالمتن.
(4)
«وفى يوم عيد الفطر» - فى السلوك ج 1 ص 803.
(5)
«الأمير سيف الدين بتخاص الزينى» - فى السلوك: ج 1 ص 803.
(6)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 186 ب - 187 أ، التحفة الملوكية ص 111.
وفى نزهة الناظر: وكان هذان الأميران متفقين مع بيدرا على قتل الأشرف، ولما رأيا جيشا عظيما وراء بيدرا طلبا طريق النجاة، فسبق كل واحد منهما إلى الساحل فى آخر الليل، فوجدا جميع المراكب والمعادى فى ساحل مصر، فأرسلا وكبدار لاجين إلى مصر، فخلع ثيابه وسابح البحر إلى جانب مصر، وجاء إلى بعض المعادى، واجتمع بصاحب المعدية فوعده بألف دينار، فخاطر صاحب المعدية بنفسه، وعدّى بهما إلى بر مصر. وكان معهما بعض الفضة فأعطياه إياها، وأودعا عنده كلوتاة زركش وحياصة ذهب - وقالا له: خلّ هذه عندك رهنا إلى أن يحضر إليك هذا الغلام بالذهب فيأخذها.
ولما استقرا فى بر مصر تفرقا وأخذ كل منهما فى جهة.
وكان مع لاجين مملوك يسمى بهادر، ومع قراسنقر مملوك يسمى صمغار - وهو الحاكى لهذا التاريخ.
ولما تفرقا دخل قراسنقر المدينة، وراح لاجين إلى جامع ابن طولون، فاختفى فى بعض زواياه الخراب، وأقام يتنقل من مكان إلى مكان فى الجامع، وقد نذر فى ذلك الوقت على نفسه إن ستره الله تعالى، وسلمت نفسه عمّر الجامع وجدّده، ورتب له أوقافا تقوم بوظائفه. ثم خرج منه إلى القرافة الكبيرة، وكان يأوى فى بعض الترب المهجورة ويبيت فيها، ثم أتى إلى زاوية ابن عبود واختفى فيها.
وأما قراسنقر فإنه لما فارق لاجين دخل المدينة، فكان ينتقل من بيت إلى بيت إلى أن سكنت الفتنة.
وعلم كل منهما موضع صاحبه، فتراسلا على الاجتماع، وحمل لاجين فى داخل صندوق على رأس حمال إلى حارة بهاء الدين، واجتمع هو وقراسنقر، واتفق رأيهما أن يبعثا مالا لبتخاص والأزرق مملوكى كتبغا ليتوسطا عند أستاذهما فى أمرهما، ويصلحا مضيهما.
وكان كتبغا يعز لاجين وقراسنقر، ولم يمعن فى طلبهما، وكلما كان الشجاعى يتحدث فى أمرهما كان كتبغا يسكته، فلما عرف المملوكين أمرهما لكتبغا، قال لهما: قولا لهما فليصبرا، ولا يكون إلا خيرا، فبقيا على هذه الكلمة إلى شهر رمضان، وفى العشر الأخير منه أرسل كتبغا يعرفهما بأن يدخلا على الأمير بدر الدين أمير سلاح [94] فدخلا عليه بليل، وبكيا بين يديه، وسألاه أن يشفع عند السلطان فى أمرهما، وأنهما ما لهما يد فى جميع الذى وقع لأنه من رأى بيدرا، فلما سمع أمير سلاح حديثهما، وعدهما بخير. ثم إنه لما طلع إلى القلعة اجتمع كتبغا والبيسرى وبكتمر السلحدار وحسام الدين الأستاذدار وتحدثوا فى أمرهما، وطلبوا أمير سلاح، وسألوه أن يوافقهم على ذلك.
فدخلوا على السلطان، وتقدم كتبغا وعرف السلطان أن الأمراء يشفعون فى الأميرين لاجين وسنقر، وأنهما من أكابر مماليك الملك الشهيد والد مولانا السلطان، أحدهما كان نائب الشام، والآخر كان نائب حلب، وأخذ أمير سلاح يعظم أمرهما، فقال السلطان: يا أمير هؤلاء هم الذين قتلوا أخى، فقال كتبغا: يا خوند، كذب أعداؤهما عليهما، والذى تحققنا منه يبرئهم، وأشهد لهم
(1)
، وفى بقاء هذين الأميرين نفع عظيم للمسلمين فلهما اسم كبير فى بلاد العدو، ونهض الأمراء فنهضوا كلهم، وقبلوا الأرض بين يديه، فأجابهم.
(1)
هكذا بالأصل، بصيغة الجمع.
وفى اليوم الثانى، وهو يوم الموكب، طلع الأمير [بدر الدين أمير]
(1)
سلاح ولاجين فى جانب وقراسنقر فى جانب
(2)
.
ثم أمر السلطان بأن يخلع عليهما، فخلع عليهما ونزلا صحبة أمير سلاح، وحصل فى نفوس المماليك من ذلك شئ عظيم، « ......... »
(3)
حتى أنهم قرروا أن يهجموا على كتبغا فى الموكب، ويقتلوه فعلم بالخبر، وبطل الركوب، وجمع الأمراء وأخبرهم بذلك، ثم اتفق رأيهم على أن يعرضوا المماليك وينزلوا منهم إلى المدينة من كان متصديا لإقامة الفتنة، فطلبوا الشجاعى
(4)
ومقدم المماليك، و « ......... »
(5)
المقدم المماليك، وكان للأمراء ونائب السلطان قد طلبوهم، فلما جاء ثلاثتهم، وعرفهم بذلك
(6)
.
وحلف لهم أنهم ما طلبوكم إلا فى ذلك، وما عليكم تشويش، وعند ذلك نزلوا أولا فأولا، وعرضوا مقام النائب والأمراء، وهم ينزلون طائفة منهم « ......... »
(7)
إلى أن صاروا نحو سبعمائة مملوك من الذين يخشى عاقبتهم، فأنزلوهم إلى المدينة، وأسكنوا نصفهم فى المناظر المطلة على بركة الفيل، وهى
(1)
[] إضافة تتفق مع السياق للتوضيح.
(2)
يوجد بعد ذلك ستة أسطر مطموسة بحيث يصعب متابعة النص.
(3)
« ...... » موضع ثلاث كلمات غير مقروءة.
(4)
انظر ما سبق عن قتل الشجاعى، ونزول المماليك من القلعة عقب مقتل الشجاعى، ويبدو أن الكاتب خلط بين مقتل الشجاعى، وظهور حسام الدين لاجين وقراسنقر - انظر ص 237.
(5)
« ...... » كلمة غير مقروءة.
(6)
يوجد بعد ذلك ثلاثة أسطر معظم كلماتها مطموسة بما يصعب معه متابعة النص.
(7)
« ...... » كلمتان مطموستان.
التى كانت منزل صاحب حماة إذا حضر إلى مصر؛ والنصف الآخر أنزلوهم فى دار الوزارة الأيوبية، مقابل سعيد السعداء والتى سكنها الملوك من بنى أيوب، وكانوا إذا سلطنوا سلطانا، أو وزّروا وزيرا، أو أمرّوا أميرا يكون من ذلك المكان، ثم رتبوا لهم رواتب وسائر ما يحتاجون إليه، ثم رسموا لأمير آخور و « ..... »
(1)
مقدم الجوق [95] ورسموا لهم أن لا يشدوا لأحد منهم فرسا إلا بعد المشاورة لنائب السلطان، فمن خالف ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه.
ذكر الإفراج عن الأمير عز الدين الأفرم:
ومن معه من الأمراء المحبوسين، وهم: الأمير سيف الدين قفجاق المنصورى، والأمير بدر الدين عبد الله السلحدار، والأمير سيف الدين بيليه، وركن الدين عمر أخ الأمير تمر، والأمير سيف الدين كرجى، والأمير سيف الدين طرقجى، وكانوا كلهم جنسا واحدا من جنس كتبغا وهو جنس المغول، وكان الشجاعى هو السبب فى مسكهم لأنه كان يبغض كتبغا، وكان هؤلاء يميلون إلى كتبغا لأن الجنسية علة الضم، وكان الشجاعى متفقا مع المماليك الأشرفية على أن يقبضوا على كتبغا ومماليكه، وعلى لاجين وقراسنقر، ولم يتفق لهم ذلك.
ولما نزل كتبغا عن الموكب عقيب اتفافهم دخل الشجاعى إلى السلطان وصحبته البرجية وقبض على الأمراء المذكورين، ثم لما جرى مما ذكرنا على الشجاعى دخل كتبغا والأمراء على السلطان على أن يفرج عن هؤلاء، وقدم
(1)
« ...... » كلمة غير مقروءة.
يذكر الأفرم، وقال يا خوند: هذا الرجل من أكابر الأمراء الصالحية، وهو خشداش الشهيد الملك المنصور والد مولانا السلطان، وله شهرة بالشجاعة والرأى والتدبير، فعند ذلك أمر بإخراجه، فتبادرت الأمراء إلى السجن، فأخرجوه ومشوا فى خدمته إلى أن خلع عليه السلطان وأكرمه إكراما عظيما، ثم أخرج بقية الأمراء.
ثم أن كتبغا لما عاد إلى مجلس النيابة قبض على الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وسيف الدين برلغى الأشرفى، والأمير بورى السلحدار، واللقمانى، والأمير مغلطاى المنصورى، والأمير قرمحى، وجماعة آخرين ممن كانوا يعلمون أنهم من البرجيه والأشرفية، فقيدوهم وسفروهم إلى إسكندرية، وكان ذلك فى العشر الأخير من صفر من هذه السنة.
ذكر عود القاضى تقى الدين بن بنت الأعز إلى القضاء:
وقد تقدم ذكر عزله، وما اتفق له بعد ذلك مع الوزير ابن سلعوس، وكان قد تولى عوضه بدر الدين بن جماعة، وبقى تقى الدين بطالا، ولما قرب أوان الحج قصد الحجاز وقضى أمره إلى [أن]
(1)
أتى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم، وكان قد سبق من مكة بأيام، وأقام فى الحجرة النبوية، وقد صنف قصيدة مدح فيها النبى عليه السلام والتزم أن لا ينشدها إلا وهو واقف على باب الحجرة مكشوف الرأس، وكان ينشدها ويكثر الاستعانة على من ظلمه والتزم أن لا يرجع حتى يسمع بما يسره، ويعلم أن حاجته قد قضيت، وهى قصيدة طويلة منها قوله:
(1)
() إضافة نتفق مع السياق.
يا أكرم الثقلين بل يا سيّد الكونين
…
دعوة موقن بك مهتدى
إنى بلغت القوم خير وسيلة
…
يدنو بها منّى مناى ومقصدى
إذ جئت نحوك زائرا ومسلما
…
ووقفت وقفة سائل مسترفد
وهى نحو مائة بيت، ولم يزل ينشدها ويستغيث إلى أن رأى فى نومه أن حاجته قضيت؛ فركب مع الركب، وعند وصوله العقبة حضر من عرّفه بقتل السلطان الأشرف وابن سلعوس الوزير وتغيير الدولة وسلطنة الملك الناصر، فلما وصل إلى مصر تكلمت الأمراء مع السلطان [96] فى عوده إلى القضاء، فولاه
(1)
ونقل بدر الدين بن جماعة إلى ولاية القضاء بدمشق.
قال صاحب النزهة: أخبرنى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس أنه يوم تولى كان يوما مشهودا، وأنه دخل للسلام عليه فسمعه يتمثل بقول الشاعر:
وكانت لنا جيرة صالحون
…
وجيران سوء فما خلّدوا
أديرت على الكل كأس المنون
…
فمات الصديق ومات العدو
ذكر تولية الوزير تاج الدين بن حنا:
وفى صفر بعد موت الوزير ابن سلعوس اقتضى رأى الأمراء مع السلطان على وزير يدبر الدولة بعد الشجاعى، فاتفق رأيهم على الصاحب تاج الدين بن حنا، فطلب إلى مجلس السلطان وسألته الأمراء، فتمنع، فلم يقبلوا تمنعه، وخلع عليه وباشر الوزارة.
(1)
«فى تاسع عشر صفر» - السلوك ج 1 ص 798.
وولى النظر فخر الدين بن الخليلى، وتاج الدين بن السنهورى.
وعزل علم الدين الصوابى الجاشنكير من لاية القاهرة، وتولاها الأمير شمس الدين ابن أمير جندار، وكان من بيت كبير من أكابر حلب، يعرف والده بأمير جندار الملك الناصر صاحب حلب، وحضر إلى مصر، وكان يلبس لبس الحلبيين الناصرية وعمامة مدورة من غير كلوتاه، ولغته لغة أهل البلاد، ولما تولى صار إذا أراد أن يضرب أحدا يقول: شلحوه عوض عروه، فشاع ذلك بين الناس، فلقبوه بشلحوه، وعظمت حرمته بالمدينة، وظهرت أمانته، فرسم له بولاية مصر أيضا مضافة لولاية القاهرة.
وفيها: فى أواخر رجب، حلف الأمراء للأمير كتبغا مع الملك الناصر محمد ابن قلاون
(1)
، وسارت البيعة بذلك فى بقية المدن والمعاقل.
وفى شعبان
(2)
: ركب الملك الناصر فى أبهة الملك وشق القاهرة، وكان يوما مشهودا، وهذا كان أول ركوبه.
وفى شعبان أيضا: اشتهر أن فى الغيطة التى بحرين بدمشق تنينا عظيما ابتلع رأسا من المعز كبيرا صحيحا، كذا ذكره البرزالى.
وفى شوال: اشتهر أن مهنى خرج عن طاعة الناصر وانحاز إلى التتار.
وفيها: أوقع نوغيه بن ططر بن مغل بن دوشى خان بن جنكزخان الحاكم ببلاد الشمال على كثير من التتار، وقد ذكرنا تقدّمه وتمكنه فى تلك الأقطار
(1)
«وفى العشرين من رجب حلف نائب دمشق والأمراء بها للسلطان ونائبه وولى عهده الأمير كتبغا، ودعى له معه فى الخطبة» - السلوك ج 1 ص 803.
(2)
«فى خامس عشريه (رجب)» فى السلوك ج 1 ص 803.
بامرأة منكوتمر ملكتهم واسمها حجك خاتون، وكانت قد تحكمت فى زمن زوجها وفى مملكة تدان منكو الجالس على الكرسى بعده، وثقلت وطأتها عليهم، فشكوها إلى نوغيه، فأمر بأن تخنق فخنقت، وقتل معهما أمير كان يلوذ بها وينفذ أوامرها اسمه بيطرا
(1)
.
وفيها: توقف النيل توقفا كثيرا، ثم انتهت زيادته إلى خمسة عشر ذراعا وثمان أصابع، فارتفعت بسبب ذلك الأسعار.
وقال صاحب نزهة الناظر: ولم يتعد الأردب عن أربعين درهما.
وقال أيضا: وذكرت جماعة كثيرة أن النيل كسر من غير وفاء، ثم ذكر لى ابن أبى الردّاد أنه بلغ الوفاء قبل كسره.
وفيها: حج بالناس الأمير عز الدين أيبك الخزندار، رحمه الله.
(1)
«بى طرا» فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 187 أ.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الشيخ الإمام تاج الدين موسى
(1)
بن محمد بن مسعود المراغى، المعروف بابن الحيوان
(2)
الشافعى.
توفى فجأة يوم السبت، ودفن بمقابر باب الصغير، وقد جاوز السبعين، درس بالإقبالية
(3)
وغيرها، وكان من الفضلاء، له يد طولى فى الفقه والأصول والنحو، وكان له فهم جيد قوىّ.
قاضى القضاة شهاب الدين أبو عبد الله [97] محمد
(4)
بن قاضى القضاة شمس الدين أبى العباس أحمد بن خليل بن سعادة بن جعد بن عيسى بن محمد الشافعىّ الخوى.
أصلهم من خوىّ - بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وتشديد الياء آخر الحروف - وهى بلد كبير مشهور بأذربيجان، توفى يوم الخميس الخامس عشر من رمضان منها عن سبع وستين سنة، ودفن بتربة والده بسفح قاسيون، ومولده فى شوال
(5)
سنة ست وعشرين وستمائة، اشتغل وحصل علوما كثيرة، وصنف
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 13 ص 336.
(2)
«المعروف بأبى الجواب الشافعى» فى البداية والنهاية، «ابن الجواب» - الدارس ج 1 ص 161.
(3)
هى المدرسة الإقبالية الكبيرة الشافعية بدمشق: أنشأها إقبال الخادم جمال الدولة، أحد خدام صلاح الدين الأيوبى، والمتوفى سنة 603 هـ/ 2105 م - الدارس ج 1 ص 158 وما بعدها.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك: ص 120، الوافى: ج 2 ص 137 رقم 487، فوات الوفيات ج 3 ص 313 رقم 434، البداية والنهاية ج 13 ص 337، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 189، شذرات الذهب ج 5 ص 423، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 6 رقم 4: العبر ج 5 ص 379، السلوك ج 1 ص 804، تذكرة النبيه ج 1 ص 170.
(5)
«رابع عشرى شوال» فى تاريخ ابن الفرات.
كتبا جمة منها كتاب فيه عشرون فنا، وله نظم علوم الحديث، وكتاب التحفظ وغير ذلك، سمع الحديث الكثير، وكان محبا له ولأهله، وقد درس وهو صغير، ثم ولى قضاء القدس، ثم ولى قضاء حلب، ثم ولى قضاء القاهرة، ثم قدم على قضاء الشام مع تدريس العادلية والغزالية وغيرهما، وقد خرج له الحافظ المزى أربعين حديثا مثبتا فيه الإسناد، وخرج له تقى الدين عبد الله الأسعردى مشيخة على حروف المعجم اشتملت على مائتين وستة وثلاثين شيخا.
قال البرزالىّ: وله نحو ثلاثمائة شيخ لم يذكروا فى هذا المعجم.
وله نظم حسن، فمنه قوله:
بلطفك مما خفته اليوم أستكفى
…
فلا تقطع الألطاف يا دائم اللطف
وحط بى من كل الجهات بعصمة
…
لما حل من داء المخافة بى يشفى
يمينى ومن فوقى وتحتى ويسرتى
…
ولا تخلنى منها أمامى ولا خلفى
أريد أمدّ الكفّ للخير سائلا
…
فتأبى ذنوبى أن أمدّ له كفىّ
وكيف يناجى العبد سيده وقد
…
تظاهر بالعصيان دهرا وبالخلف
مضى ما مضى والآن مالى حيلة
…
سوى قصده والد مع مسترسل الوكف
أدق عليك الباب فى الليل واثقا
…
بأن العظيم الحليم يسمح بالعطف
سألت وظنى فيك أن لا تردنى
…
وإحسان ظنى فيك لى شافع يكفى
بوصفك عاملنى فإنك محسن
…
كريم ولا تجعل جزائى على وصفى
الشيخ الأصيل الكاتب فخر الدين محمد
(1)
بن بهاء الدين محمد المعروف بابن التبتى
(2)
.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك: ص 122، الوافى ج 1 ص 205 رقم 130، شذرات الذهب ج 5 ص 424، تذكرة النبيه ج 1 ص 173، العبر ج 5 ص 380.
(2)
«ابن التبتى» فى مصادر الترجمة ما عدا شذرات الذهب إذ ورد فيه «ابن التيتى» .
مات بالمدرسة الجاروخية ودفن بمقابر الصوفية وكان يكتب على طريقة ابن البواب.
الشيخ العارف محمد
(1)
بن الشيخ الكبير عبد الله بن الشيخ القدوة غانم النابلسى.
مات فى هذه السنة، وكان صالحا متورعا، كثير التلاوة، وزاويته مأوى لكل من تقدم إلى نابلس، وكان الوارد عليه كثيرا، وأهل تلك البلاد كانوا يعتقدون فيه، ومجمعين على صلاحه.
الشيخ الإمام ركن الدين يونس
(2)
بن على بن مرتفع بن أفتكين المصرى، ثم الدمشقى الصالحى.
مات فى هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون، وكان مدرس المسرورية
(3)
وناظرها، وكان كثير المداخلة لأرباب الدولة، وبسعى فى قضاء حوائج الناس، وكان حسن الملتقى، كثير التواضع.
الشيخ الإمام الفاضل الأديب شمس الدين محمد
(4)
بن على بن محمد بن الساكن الطوسى الشافعى.
مات فى هذه السنة
(5)
بالقاهرة فى المارستان المنصورى، وكان قدم دمشق
(1)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 3 ص 369 رقم 1445.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: الدارس ج 1 ص 456.
(3)
المدرسة المسرورية بدمشق: بباب البريد، أنشأها الطواشى شمس الدين الخواص مسرور، من خدام الخلفاء الفاطميين، وهو صاحب خان مسرور بالقادرة، أو أنها تنسب إلى الأمير فخر الدين مسرور الملكى الناصرى العادلى - انظر الدارس ج 1 ص 455.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك: ص 127، السلوك ج 1 ص 811، تذكرة النبيه ج 1 ص 177.
(5)
ورد ذكر وفاته سنة 694 هـ - انظر مصادر الترجمة.
وأقام بها مدة، ثم سافر إلى الديار المصرية ومات بها، وكان قد نسخ بخطه كتبا كثيرة فأبيعت، وكان من الأدباء الفضلاء، فمن شعره قوله:
يا ليلة الوصل بالأحباب لى عودى
…
فالهجر أحرقنى كالنار فى العود
[98]
وقد بقيت نحيف الجسم كالعود
…
أحنّ شوقا أليهم حنّة العود
وقال:
إلهى تب على وّغطّ عيبى
…
فقد أوبقت نفسى بالمعاصى
وخلّصنى من الآثام واغفر
…
ذنوبى يوم يؤخذ بالنواصى
(1)
الشيخ الفاضل تقى الدين عبد الله
(2)
بن على بن منجد بن ماجد السروجى
(3)
.
مات فى هذه السنة بالقاهرة، ودفن بمقبرة الفخرى ظاهر الحسينية جوار من كان يهواه.
وقال الشيخ أثير الدين أبو حيان: كان رجلا خيرا، تاليا للقرآن، وعنده حظ جيد من النحو واللغة والأدب، متقللا من الدنيا، غلب عليه حب الجمال مع العفة التامّة والصيانة، نظم كثيرا، وغنى المغنون بشعره، وكان مأمون الصحبة، طاهر اللسان لا يكاد يظهر إلا يوم الجمعة، يصلى بالجامع الأزهر مع أصحابه وينادمهم بعد الصلاة وينشدهم شعره.
(1)
انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 177.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 17 ص 341 رقم 294، فوات الوفيات ج 2 ص 196 رقم 220، السلوك ج 1 ص 84.
(3)
ولد سنة 627 هـ بسروج - الوافى ج 17 ص 342.
ومن أشعاره قوله.
دنيا المحبّ ودينه أحبابه
…
فإذا جفوه تقطعت أسبابه
وإذا أتاهم فى المحبّة صادقا
…
كشف الحجاب له وعزّ جنابه
ومتى سقوه شراب أنس منهم
…
رقّت معانيه وراق شرابه
وإذا تهتك ما يلام لأنه
…
سكران عشق لا يفيد عتابه
بعث السلام مع النسيم رسالة
…
فأتاه فى طىّ النسيم جوابه
قصد الحمى وأتاه جهد
(1)
…
فى السرى
حتى بدت أعلامه وقبابه
ورأى لليلى العامريّة منزلا
…
بالجود يعرف والندى أصحابه
فيه الأمان لمن يخاف من الردى
…
والخير قد ظفرت به طلابه
قد أشرعت بيض الصوارم والقنا
…
من حوله فهو المنيع جنابه
(2)
وعلى حماه جلالة من أهله
…
فلذلك طارقة العيون تهابه
قد أخصبت منه الأباطح والربا
…
للزائرين وفتّحت أبوابه
(3)
وقال
سألتك وقفة قدر التشاكى
…
أبثّ إليك ما بى من هواك
ونظرة مشفق فى حال صبّ
…
لرحمة حاله تبكى البواكى
فتاة الحىّ كيف أبحت قتلى
…
وقد أصبحت ضيفا فى ماك
(1)
«يجهد» فى الوافى ج 17 ص 343، وفوات الوفيات.
(2)
«حجابه» فى الوافى، وفوات الوفيات.
(3)
انظر الوافى ج 17 ص 343، وفوات الوفيات ج 2 ص 197 - 198.
وقومك سادة عرب كرام
…
حكى الإحسان عنهم كل حاكى
على وادى الأراك لهم خيام
…
أنار بحسنها وادى الأراك
أطوف بها لعل القلب يهدأ
…
من الأشواق أو عينى تراك
وأسأل من أبى الأعراب جمعا
…
ليذكر لى محدّثها أباك
أيا دارا حوت من أهل نجد
…
غرارا ليس تقنصه شباكى
سقاك الغيث من دار وحيى
…
فكم صبّ بأدمته سقاك
إذا رمدت عيون من بكاها
…
فشافى كحلها شافى ثراك
[99]
الصدر الرئيس جمال الدين إبراهيم بن الصدر الرئيس شرف الدين عبد الرحمن ابن الحافظ العدل أمين الدين سالم بن الحسن بن هبة الله بن صصرى التغلبى، ناظر دمشق.
مات فى هذه السنة، ودفن بتربتهم بقاسيون، رحمه الله.
الأمير علاء الدين طيبرس
(1)
الركنى الضرير، الناظر فى أوقاف حرم القدس الشريف ومنشئ العمارات والربط به وبالجليل عليه السلام.
مات فى هذه السنة بالقدس الشريف، كأن من أحسن الناس سيرة وأجودهم طريقة، حسن التصرف، كان الله نور قلبه بالإيمان وإن كان أذهب بصره، رحمه الله.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: البدية والنهاية ج 13 ص 337.
الأمير علاء الدين أيدغدى
(1)
بن عبد الله الصالحى النجمى.
توفى فى شوال منها، كان من أكابر الأمراء، فلما أضر أقام بالقدس الشريف وولى نظره، فعمره وثمره، وكان مهيبا لا مخالف مراسيمه، وهو الذى بنى المطهرة قريبا من المسجد النبوى فانتفع الناس بها فى الوضوء، وأنشأ بالقدس ربطا كثيرة وآثارا حسنة، وكان يباشر الأمور بنفسه، وله حرمة وافرة.
الأمير بدر الدين بكتوت
(2)
العلائى من أكابر أمراء الدولة المنصورية.
وعظم أمره فى أول الدولة الناصرية محمد بن قلاون، وكان ينتمى إلى السلطان الأشرف فى أيام الملك المنصور ويخدم الأشرف دون أخيه الملك الصالح، وكبره الأشرف عند سلطنته، وكان يجلس فوق أكابر الأمراء مع كتبغا، والتفت عليه جماعة من المماليك الأشرفية، وكان قد أصابه مرض فى رجله، وكان إذا طلع القلعة يدخل من باب القلعة راكبا إلى دار النيابة، وذكر أن كتبغا خشى عاقبة أمره من قرب الأشرفية إليه. وأنه اتفق مع حمدان بن صلغيه، فصنع طعاما وأحضر العلائى وقعد حمدان يقطع به اللحم بسيخ مسموم فأطعمه، وقيل: بل سقاه فى مشروب فأقام بعد ذلك أربعة أيام ومات
(3)
.
(1)
وله ايضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 163 رقم 596، الوافى ج 9 ص 485 رقم 4448، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 187 أ، نكت الهميان ص 123، السلوك ج 1 ص 500، البداية والنهاية ج 13 ص 337.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 411 رقم 687، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 188، الوافى ج 10 ص 200 رقم 4680، شذرات الذهب ج 5 ص 424.
(3)
«فى يوم الخميس منتصف جمادى الآخرة» فى تاريخ ابن الفرات.
السلطان الملك المظفر قرا
(1)
أرسلان بن الملك السعيد إيلغازى بن البى بن تمرتاش ابن إيل غازى بن أرتق، صاحب ماردين.
مات فى هذه السنة، وتولى بعده ولده الملك السعيد إيل غازى، وكان قرا أرسلان جوادا، سمحا، عادلا، دينا، سيرته جميلة، وأفعاله حميدة، قليل الظلم، كثير الإحسان.
الملك الحافظ غياث الدين محمد
(2)
بن الملك السعيد معين الدين شاهنشاه بن الملك الأمجد بهرام شاه بن المعز عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب.
مات فيها
(3)
، ودفن يوم الجمعة السادس من شعبان عند جده لأمه ابن المقدم
(4)
ظاهر باب الفراديس، وكان فاضلا بارعا، سمع الحديث، وروى البخارىّ، ويحب العلماء والفقراء.
الصاحب فخر الدين أبو إسحاق إبراهيم
(5)
بن لقمان بن أحمد بن محمد الشيبانى الأسعردى، رئيس الموقعين بالديار المصرية.
(1)
سبق أن ذكر المؤلف ترجمته فى وفيات سنة 691 هـ - انظر ما سبق.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 80، الوافى ج 3 ص 147 رقم 1097، شذرات الذهب ج 5 ص 424، مرآة الجنان ج 4 ص 222، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 189، تذكرة النبيه ج 1 ص 172.
(3)
ورد أنه توفى سنة 683 هـ - الوافى.
(4)
هو إبراهيم بن محمد بن عبد الملك، فخر الدين بن المقدم، المتوفى سنة 597 هـ/ 1200 م - الدارس ج 1 ص 599.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 136 رقم 63، درة الأسلاك ص 121، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 80، الوافى ج 6 ص 97 رقم 2527، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 186، تذكرة النبيه ج 1 ص 172، فوات الوفيات ج 1 ص 43 رقم 14، السلوك ج 1 ص 804، حسن المحاضرة ج 2 ص 233، النجوم الزاهرة ج 8 ص 50.
توفى فى جمادى الأولى منها ودفن بالقرافة، وكان مولده سنة إثنتى عشرة وستمائة، ولى الوزارة مرتين للملك المنصور قلاون، وتولى وزارة الصحبة للملك السعيد، وكان فى جميع ولاياته: حسن السيرة. محمود الطريقة، قليل الظلم، كثير الإحسان إلى الناس، وكان يتولى الوزارة بجامكية
(1)
الإنشاء، وعند ما يعزل من الوزارة يأخذ دواته ويدخل إلى ديوان الإنشاء، كأنه ما جرى عليه شئ.
وكان أصله من بلاد إسعرد
(2)
من العدن
(3)
، ولما فتح الكامل بن العادل آمد
(4)
كان ابن لقمان بها يكتب على عرصة القمح، وكان البهاء زهير
(5)
يرأس الموقعين ووزير الصحبة للكامل، وكانوا يستدعون من إسعرد حوائج، فتحضر الرسالة بخط ابن لقمان فيعرضونها على بهاء الدين زهير فيعجبه خطه، [100] فطلبه إليه، ولما حضر بين يديه سأله عن حاله وعن جامكيته فقال: دون الدينارين.
فقال له: تسافر معى حتى أستنيبك، فقال: ومن لى بهذا الحال، فاستصحبه معه وناب عنه فى ديوان المكاتبات إلى دولة الملك الصالح
(6)
، ثم استقل بمفرده.
(1)
الجامكية: كلمة فارسية تعنى الراتب المربوط لشهر أو أكثر.
(2)
إسعرد: بلدة بالقرب من شرق دجلة بالقرب من ميافارقين - تقويم البلدان ص 288.
(3)
«من المعدن» فى المنهل الصافى، وتاريخ ابن الفرات، والوافى.
(4)
استولى الملك الكامل محمد بن أبى بكر بن أيوب على آمد سنة 629 هـ/ 1231 م - مفرج الكروب ج 5 ص 17.
(5)
هو زهير بن محمد بن على بن يحيى، الشاعر المتوفى سنة 656 هـ/ 1258 م - المنهل الصافى.
(6)
دولة السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب الذى ولى حكم مصر سنة 637 هـ/ 1240 م، وحتى وفاته سنة 647 هـ/ 1249 م - شذرات الذهب ج 5 ص 237، وانظر للمحقق: السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب - رسالة ما جستير بجامعة القاهرة.
وله ترسل كثير من إنشائه ونظم ورواية.
ومن شعره فى غلام له
(1)
، وكان يحبه ويتغالى فيه:
لو وشى فيه من وشى
…
ما تسلّيت غلمشا
أنا قد بحت باسمه
…
يفعل الله ما يشا
وله فيه أشعار كثيرة، وله أيضا:
كن كيف شئت فإننى بك مغرم
…
راض بما فعل الهوى المتحّكم
ولئن كتمت عن الوشاة صبابتى
…
بك بالجوانح فالهوى يتكلّم
(2)
أشتاق من أهوى وأعجب أننى
…
أشتاق من هو فى الفؤاد مخيم
يا من بصدّ عن المحبّ تدلّلا
…
وإذا بكى وجدا غدا يتبسّم
أسكنتك القلب الذى أحرقته
…
فحذار من نار به تتضرّم
الخاتون الكبيرة المعمّرة مؤنسة
(3)
خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبى بكر ابن أيوب.
(1)
«فى مليح اسمه غلمش» - المنهل الصافى.
(2)
«فالجوانح بالهوى تتكلم» فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 51، والمنهل الصافى، والوافى، وفوات الوفيات.
(3)
ولها أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 13 ص 337، المواعظ الاعتبار ج 2 ص 368.
توفيت بالقاهرة ودفنت بالقرافة الصغرى، وكانت تعرف بالدار القطبية وبدار إقبال، وهى أخت الأمير قطب الدين
(1)
وهى التى أطلق عليها اسم دار القطبية، وكانت دارها المارستان المنصورى، اشتروها منها
(2)
على كره وأخربوها
(3)
، وعمروها، وتركوا القاعة بحالها، واتفق لها مع السلطان الملك المنصور، لما سير الشجاعى إليها ليشترى الدار المذكورة، لأجل عمل المارستان والتربة، ونزل الشجاعى فلم تلتفت إلى نزوله وردته ردا جميلا، ثم سير السلطان الطواشى حسام الدين وعرّفها أن السلطان يقصد أن يعمّر هذه الدار مارستانا ويقف عليه أوقافا، فقالت: شئ يكون لنا فيه أجر ففيه السمع والطاعة، وأما لأجل السكن فنحن أحق بالسكنى من غيرنا.
وكانت ذات عقل وأدب وفطنة، وروت بالإجازة عن عفيفة
(4)
الفارقانية، وعين الشمس
(5)
بنت أحمد بن أبى الفرج، وأوقفت قبل وفاتها أوقافا كثيرة على أهلها وقرابتها، وعلى الفقراء والمساكين، وخلّفت بالقصر آثارا حسنة من الزجاج وغيرها مما فيه نفع بنقوش وطلسمات وآيات من الكتاب العزيز، من الأشياء
(1)
هو أحمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 406.
(2)
«منه» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.
(3)
«وعوضت عن ذلك قصر الزمرد برحبة باب العهد فى ثامن عشرى ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وستمائة» - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 406.
(4)
هى عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد، أم هانى، الفارقانية الأصبهانية، نسبة إلى فارفان: قرية من قرى أصبهان، والمتوفاة سنة 606 هـ/ 1209 م - العبر ج 5 ص 17.
(5)
هى عين الشمس بنت أحمد بن أبى الفرج الثقفية الأصبهانية: المتوفاة سنة 610 هـ/ 1213 م - العبر ج 5 ص 36.
النافعة للدغ الحية والعقرب وعضّ الكلب الكلب والقولنج ومغل الخيل، وكتب لها إجازة بحديث النبى عليه السلام، وخلفت مالا جزيلا، وأوصت أن يعمل لها مدرسة بجميع ما تحتاج إليه من الفقهاء والقراء، وهى إلى الآن باقية تعرف بالمدرسة القطبية
(1)
، ولدت سنة ثلاث وستمائة.
(1)
المدرسة القطبية بالقاهرة: فى أول حارة زويلة برحبة كوكاى، وفيها درس للشافعية، ودرس للحنفية، وقراء - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 368.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الرابعة والتسعين بعد الستمائة
(*)
استهلت هذه السنة، والخليفة: الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسى.
وسلطان البلاد: الملك الناصر محمد بن قلاون، وهو ابن اثنتى عشرة سنة
(1)
وشهور.
ومدبر المماليك وأتابك العساكر: زين الدين كتبغا.
ونائب الشام: الأمير عز الدين أيبك الحموى. ونائب حلب «»
(2)
.
وصاحب حماة: الملك المظفر تقى الدين.
وصاحب ماردين: الملك السعيد.
وصاحب مكة: نجم الدين [101] أبو نمى الحسنى.
(*) يوافق أولها الأحد 21 نوفمبر 1294 م.
(1)
سبق أن ذكر المؤلف أن الناصر محمد جلس فى السلطنة فى 16 محرم سنة 693 هـ «وكان عمره إذ ذاك ثمان سنين وشهورا» . انظر ما سبق.
(2)
«» بياض فى الأصل.
وكان نائب حلب فى ذلك الوقت هو: بلبان بن عبد الله الطباخى المنصورى، الأمير سيف الدين. الذى باشر نيابة حلب سنة 691 هـ، وطالت مدته بها - انظر المنهل ج 3 ص 422 رقم 699، وانظر ما يلى فى مستهل حوادث سنة 695 هـ ص 299.
وصاحب المدينة: عز الدين بن شيحة، وكان بينه وبين أبى نمى معاندة، واتفقت لهم وقائع كثيرة، وقتل من بنى حسن ومن بنى حسين جماعة كثيرة.
وصاحب المغول: بيدو بن هلاون.
ذكر ركوب المماليك من دار الوزارة وخروجهم على كتبغا:
وكان السبب لذلك ما ذكرنا من اتفاق الأمراء مع كتبغا على إنزالهم إلى دار الوزارة ومناظر الكبش، ومنعهم إياهم من الركوب
(1)
، وكانوا حملوا من ذلك حقدا كبيرا، وصاروا لا يهنأ لهم عيش، وخصوصا كان الخدام الذين يحكمون عليهم يمنعونهم عن الخروج والاجتماع بالناس، ورأوا أنفسهم فى ذلة ومسكنة، فصار منهم من يسرق نفسه ويأتى من دار الوزارة فى الليل إلى ناحية الكبش، ومنهم من يأتى من الكبش إلى دار الوزارة، وما زالوا على
(2)
ذلك حتى قويت نفوسهم، وأرادوا ركوب الخيل لأجل الحركة، فعزموا على ذلك، على أنهم إما أن يظهروا ويظفروا ببلوغ المنى، وإما أن يموتوا على خيولهم. ولكن ليس عندهم خيل ولا سلاح، ثم تراسلوا واتفقوا على أن يخرجوا على ميعاد واحد ويهجموا على الإصطبلات التى بالمدينة وعلى سوق السلاح، ومهما قدروا على ذلك يأخذونه وينهبونه، ثم يكون اجتماعهم فى سوق الخيل، ويعينهم على ذلك خشداشيتهم الذين
(1)
انظر ما سبق ص، ص 237، ص 241.
(2)
«عن» فى الأصل، والتصحيح يتفق والسياق.
بالقلعة، ولما وقع اتفاقهم على ذلك خرجوا فى الثلث الأول من الليلة الثالثة عشر
(1)
من محرم هذه السنة على حمية من دار الوزارة، وكبسوا كل إصطبل وجدوه قريبا منهم، سواء كانت لجندى أو مقدّم أو أمير أو قاض أو عامى، فما مضى ساعة من الليل حتى ركب أكثرهم وبعضهم مشاة، فجاءوا إلى سوق السلاح وكسروا أبواب الدكاكين وأخذوا منها سلاحا وعددا على قدر كفايتهم، ووقع الصياح فى المدينة ورأت الناس منهم ما أعجزهم، فبلغ الخبر إلى الوالى والحاجب وأصحاب الحرس، فأخذوا فى الاحتراز منهم، ثم أنهم توجهوا إلى باب السعادة
(2)
فأحرقوا أقفالها وكسروها، وخرجوا وذهبوا إلى سوق الخيل، وكان جميعهم على ميعاد واحد فى الركوب والاجتماع فى سوق الخيل، وكبسوا أيضا على إصطبل الجوق وركبوا كل خيل فيها، ثم اجتمعوا ووقفوا عند الإصطبل.
وفى تاريخ ابن كثير وغيره: لما كان يوم عاشوراء نهض جماعة من مماليك الأشرف، «وكبيرهم اثنان كتبغا وساطلمش
(3)
»، وخرقوا حرمة السلطان وأرادوا الخروج [عليه
(4)
]، وجاءوا إلى سوق السلاح، فأخذوا ما فيه
(5)
، واحتاطوا على ما فى الإصطبلات من الخيل، وهجموا خزانة البنود، وأخرجوا من كان مسجونا بها من خشداشيتهم، واجتمعوا وذهبوا إلى سوق الخيل
(6)
.
(1)
«وفى ليلة الأربعاء حادى عشرة» فى السلوك ج 1 ص 805.
(2)
باب سعادة: أحد أبواب القاهرة، ينسب إلى سعادة بن حيان غلام الخليفة المعز لدين الله الفاطمى - المواعظ والاعتبار ج 1 ص 383.
(3)
«» ساقط من البداية والنهاية (المطبوع) ج 13 ص 338.
(4)
[] إضافة من البداية والنهاية.
(5)
انظر البداية والنهاية ج 13 ص 338.
(6)
انظر أيضا تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 11، التحفة الملوكية ص 143.
وقال بيبرس فى تاريخه: لما كان ذات ليلة من الليالى، نهض الذين فى الكبش والميدان وركبوا ودخلوا إلى المدينة، واستدعوا من كان فى دار الوزارة فلم يجيبوهم إلى ما قصدوا ولا وافقوهم فيما اعتمدوا، وهم سيف الدين يرلطاى وخوشداشيته، وهجموا خزانة البنود وأخرجوا من كان مسجونا [بها]
(1)
من خوشداشيتهم، ونهبوا من الإصطبلات ما أمكنهم، وبينما هم على ذلك إذ تبلج الصباح وبدا الضوء ولاح، فركب الأمراء الذين فى القلعة ومن عندهم من المماليك وقصدوهم فتصافوا تحت القلعة
(2)
.
[102]
ذكر ركوب الأمراء والحاجب والوالى:
قال صاحب النزهة: لما وقع الصوت فى المدينة خرجت أصحاب الدكاكين وركب الوالى وأتى إلى باب الحاجب فأيقظه، فقام وركب، وبلغ الخبر إلى كتبغا، فجلس فى الشباك، وطلب قراسنقر ولاجين وبقية الأمراء، وقصد النزول إليهم فمنعوه، واتفق رأيهم على أن يعرفوا أصحاب النوبة الذين خارج باب القلعة فيروحون ويركبون الحاج بهادر والحاجب ومن من الأمراء ويأتى بهم إليهم، فإذا رأوه قد وصل بهم إليهم فتحوا باب القلعة ونزلوا هم أيضا، فوصل إلى الحاج بهادر من يعرفه الخبر، فساق من باب زويلة إلى أن وصل إلى سوق الخيل وضربت طبلخانات الأمراء وفتحوا باب القلعة ونزلت الأمراء الذين هناك مع المماليك السلطانية، فحملوا عليهم وهم فى سوق الخيل حملة صادقة، ولما رأى هؤلاء تلك الحملة مع كثرة الجموع خافوا ولم يثبتوا، بل انهزموا هزيمة فاضحة،
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(2)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 187 ب.
ولم يلتفت منهم أحد، وتفرقوا فى سائر الطرقات فرقة فرقة، فمنهم من طلب نحو بركة الحبش، ومنهم من طلب الترب، ومنهم من طلب نحو باب النصر والحسينية، ومنهم من طلب نحو الصليبة وجامع [ابن
(1)
] طولون وغيرها، وراحت الأمراء والأجناد خلفهم، ثم عادت الأمراء وطلعوا القلعة، وجلس الأمير سلاح والبيسرى وأكابر الأمراء مع كتبغا، وكتبغا من حنقه وغيظه لا يدرى ما يقول.
ووقع الصوت فى القلعة من الحرافيش، فحضروا ومعهم مملوكان أو ثلاثة وقد عروهم وأتوا بهم إلى الشباك، ومماليك كتبغا ملبسون واقفون، وما يقع نظر واحد منهم على مملوك يحضره الجند أو العوام إلا وقد هبروه بالسيوف قطعا قطعا ومنهم من بيده دبوس يضرب الرجل منهم على رأسه فيقع ميتا لوقته.
فلما رأى الأمراء ذلك أنكروه، وصاح أمير سلاح والبيسرى وطرطش على مماليك كتبغا صياحا منكرا، وقالوا لكتبغا: ما هذا العمل؟ أنت تعمل هذا ونحن قعود، فرأى كتبغا منهم الحنق، فقال يا أمراء: أنا أى شى عملت حتى يفعلوا فى حقى هذا الفعال. فقال له طرطش: يا أمير إن السلطان الملك المنصور اشتراك واشتراهم لينفعوا الإسلام والمسلمين، وتردوا العدو، وتجاهدوا فى سبيل الله، وتذبوا عن المسلمين، وأنت ما تفكر إلا فى مصلحة نفسك، فإذا حضر عدوّ من أعداء المسلمين أنت تلقاهم وحدك.
فلما رأى كتبغا قيام الأمراء عليه منع مماليكه، واتفق الحال على أن هؤلاء يحبسون، ويؤدبون بالقيد والحبس، ويفرقون فى الحبوس، فبقوا
(2)
نحو خمسة أيام
(1)
[] إضافة يقتضيها السياق.
(2)
«فبقبوا» فى الأصل.
والناس تحضرون منهم طائفة بعد طائفة من سائر الأماكن، وكل من يحضر يقيد إلى أن يحصّل منهم نحو أربعمائة مملوك.
واستقر الحال على أن يسجنوا بعد ذلك فى سجن إسكندرية وبرج دمياط.
وكانوا قد أخرجوا منهم جماعة من سجن القلعة وهم الأشرار الذين أقاموا هذه الفتنة، وقصدوا قطع أيدى بعضهم وتوسيط بعضهم، فشرعوا فى ذلك فما لحقوا أن يفعلوا ذلك بنفرين أو ثلاثة حتى انقلبت الأبراج التى فى القلعة بالصياح والرهج والعويل، وخرجت جماعة من المماليك من الأبراج مستصرخة بالسلطان [103] والأمراء، فسمع بذلك كتبغا فلبس فى الحال، ولبس مماليكه « ...... »
(1)
الطواشى المقدم وحسام الدين الأستاذدار، والتقوهم بالصدود ومنعوهم من ذلك فلم يرجعوا، ثم إنهم دخلوا إلى السلطان، وبكوا، وقالوا:
أنت تكون أستاذنا وتعيش، ونحن نقتل فداك، ثم قالوا؟ إعطنا دستورا حتى نموت بسيوفنا، ولا نقتل بسيوف غيرنا، فبكى السلطان وتوجع، فاجتمعت الخاصكية ورؤوس الأطباق « ......... »
(2)
فبلغ ذلك كتبغا، فطلب الحاج بهادر والحسام الأستاذدار وحسام الدين « ......... »
(3)
وشرع يتلافى الأمر خشية الفتنة وسألهم أن يدخلوا إلى السلطان ويعرفوه أنهم ما ركبوا عليه إلا وقد قصدوا قتله والفتنة بين المسلمين، فدخلوا على السلطان وعرفوه بذلك، وأن الحال قد سكنت فما بقى أحد يوصل إليهم أذى، وضمنوا ذلك إلى أن
(1)
« ...... » كلمتان مطموستان.
(2)
« ......... » ثلاث كلمات مطموسة.
(3)
« ......... » ثلاث كلمات مطموسة.
أخمدوا هذه الفتنة، وبلغ كل واحد من مماليك السلطان إلى مكانه، ثم أنكرت الأمراء على المقدمين أن وافقوا هؤلاء حتى نزلوا من الأبراج، وكانوا قد عزلوا من المماليك الراكبين ستين مملوكا من أشرارهم على أن يتلفوهم، فجرى أمر الله تعالى على ست نفر منهم « ...... »
(1)
، والباقى سجنوا بخزانة البنود مقيدين، وانفصل الأمر على هذا.
ودخل كتبغا إلى خدمة السلطان وأرسلت إليه والدة السلطان تقول له أن يعفو عن مماليك السلطان وأنهم خشداشية متى فعلت بهم هذا الأمر يكون كل يومين وثلاثة فتنة وفساد حال وإتلاف أنفس، فأشتهى أن تتركونى أنا وولدى نروح إلى الكرك فنقعد هناك، فأربى ولدى إلى
(2)
أن أموت أنا، أو يموت هو، ونستريح من هذه الفتن التى تحدث كل ساعة.
فلما بلّغ الطواشى هذا الكلام لكتبغا بكى وشكا مما يجده من الضرر منهم، ومن الركوب عليه كل وقت، وأما السلطان فإنه أستاذى وابن أستاذى، وما عندى أعز منه أحد، إنما أشتهى أن يخرجنى من مصر فإن هؤلاء يعملون على قتلى، وشكا من هذا الباب شكاية كثيرة، ثم إن الحال سكنت على السكوت وإخماد الفتن.
وبقى كتبغا يدخل إلى الخدمة، ولكنه محترس على نفسه، وكذلك مماليكه.
(1)
« ...... » خمس كلمات مطموسة.
(2)
«إلى» مكررة فى الأصل.
وفى تاريخ ابن كثير: لما ركب المماليك الذين فى القلعة، تصافوا تحت القلعة، ثم أدركهم سيف الدين بهادر الحاج السلحدار، وهو يومئذ أمير حاجب [وركب معه جماعة بالعدد والسلاح
(1)
]، فأدركوهم واحتاطوا عليهم، فمنهم من صلب، ومنهم من شنق، وقطع أيدى آخرين منهم، وألسنتهم، وكانوا قريبا من ثلاثمائة أو يزيدون، وكان هذا سببا لحركة زين الدين كتبغا، وركوبه إلى السلطنة التى لم يتم له أمرها
(2)
.
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة للتوضيح.
(2)
انظر البداية والنهاية ج 13 ص 338 حيث توجد بعض عبارات هذه الفقرة، وانظر أيضا زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 187 ب، 188 أ، التحفة الملوكية ص 143، حيث نقل العينى بعض العبارات أيضا.
سلطنة زين الدين كتبغا المنصورى
قال بيبرس فى تاريخه: حسّن الشيطان بآراء من حول المشار إليه من المماليك والصبيان أن يستبد بالسلطنة، ويستقل بالمملكة، فحملوه على ذلك، وألجأوه إلى أن وافقهم على رأيهم، وجلس فى السلطنة وتسمى بالعادل
(1)
.
وفى نزهة الناظر: كان كتبغا يدخل إلى الخدمة وهو يحترس، وكذلك لاجين وقراسنقر، فاتفق فى بعض الأيام أن دخل كتبغا ولاجين قدامه وقراسنقر معه، وكتبغا قد كلم لاجين بكلام فضحك منه وبعض المماليك، فنظره مع جماعة من طاق مطلة [104] على الدهليز الذى منه دخلوا «
…
»
(2)
: أى والله يا أشقر يحق لك أن تضحك، قتلت أستاذنا بسيفك، ثم تضحك « ......... »
(3)
فسمعه لاجين وكتبغا ومن كان قريبا منهما.
فنظر كتبغا إلى لاجين وقراسنقر، وكتموا ما سمعوا منه، وبقى فى نفوسهم إلى أن خرجوا من القلعة.
ولما « ......... »
(4)
قراسنقر ولاجين عند كتبغا، وقالوا: يا أمير تحقق أننا وأنت مقتولون مع هؤلاء المماليك لا محالة، وخصوصا قد أركن
(1)
«وذلك يوم الأربعاء تاسع المحرم من هذه السنة» . انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 188 أ، التحفة الملوكية ص 144.
(2)
« ......... » أربع كلمات مطموسة.
(3)
« ......... » كلمتان مطموستان.
(4)
« ......... » ثلاث كلمات مطموسة.
إليهم السلطان، والخاصكية، وما هم عسى يعملون، وقد فعلنا مع خشدشيتهم كل سوء، وأنت قتلت كبيرهم، وحبست أمراءهم، وعملت معهم كل قبيح حتى سمعت اليوم ما قالوه لنا، ويكفى « ......... »
(1)
هذا القول أن يتبعه فعل فى حقنا، خصوصا بعد دخولنا الخدمة أو خروجنا، وهذا أمر يطول شرحه، أما آن نقوم لبيعتك وتنصب فى الملك وتؤمر جماعة من مماليكك وحاشيتك.
فطلبوا الأزرق وبتخاص وتكلموا فى ذلك، فما منهم إلا وقد حسن له هذا ووافقهم عليه.
وانفصل مجلسهم على أن يبذل الذهب والفضة للأمراء والأكابر، ويستميلهم إليه، فشرع فى ذلك، وأرسل لكل مقدم ألف دينار، ولبعضهم ألفى دينار، ولما أرسل إلى « ......... »
(2)
وهى ألفى دينار، قال لمملوكه هذه من أجل إيش، فقال: يا خوند هدية من مملوكك وولدك فتمتم وقال: لا يكون يريد السلطنة، قال له: يا خوند نعوذ بالله.
فأقام أياما وهو يستجلب خواطر الأمراء الأكابر، ثم الأمراء الخاصكية والأمراء الجوانية، وهو مع ذلك وحاشيته يحترسون على نفوسهم.
ثم اجتمع بأكابر الأمراء وشرع معهم فى « ..... »
(3)
بأمر المماليك، وما سمعه منهم وما يبلغه عنهم، وشكا شكايات كثيرة، ووقع الاتفاق بينهم على أن
(1)
« ......... » كلمة غير مقروءة.
(2)
« ......... » كلمة غير مقروءة.
(3)
« ......... » كلمة غير مقروءة.
هؤلاء جماعة كثيرة فلا يمكن إخراجهم من مصر إلى غيرها، ولكن نفرقهم
(1)
على الأمراء بمصر، كل واحد منهم، طائفة منهم، ثم اتفقوا على الاجتماع بالطواشى المقدم والحسام الأستاذرار، ويتفقون معهما على الدخول إلى السلطان، فدخلوا وشرعوا يعرفون السلطان أن هؤلاء يقصدون الفتنة بين المسلمين، وإراقة الدماء، فيسمع العدو بذلك فيطمع فى الملك. فقال السلطان: مهما أشرتم به هو المصلحة فافعلوا ما تختارون.
فخرجت الأمراء والخاصكية صحبة كتبغا، فجلسوا على باب القلة، وطلبوا الطواشى المقدم، وصاروا يدعون طبقة بعد طبقة، فأى من حضر كتب اسمه واسم الأمير الذى يرسم له بهم، فيقوم [كل
(2)
] واحد ويقبل الأرض ويأخذ ما يخصه منهم، وينزل وهم قدامه إلى منزله.
وكتبوا باسم البيسرى مائه مملوك، وكذلك لكل أمير من الأمراء الكبار مائه مملوك، وسبعين مملوك وستين، وخمسين، ولكل أمير عشرة عشرة، وما دون ذلك، وبقيت منهم جماعة فأنزلوهم إلى المدينة، ثم سيّروا منهم جماعة إلى قلعة الكرك، وأقاموا ثلاثة أيام يفعلون ذلك إلى أن استوفوا الكل، واطمأن قلب كتبغا والأمراء، وأمنوا من جهتهم.
وبعد أيام حضر مملوك نائب حلب وصحبته بعض القصاد وأخبر أن السلطان بيدو - ملك المغول - لما قتل كيخاتو، ملك البلاد كلها، وأطمعته نفسه فى الدخول بعساكره إلى الشام ليملكها، بسبب ما بلغه [105] من أخبار مصر
(1)
«ولكنهم نفرقوهم» فى الأصل.
(2)
[] إضافة تتفق والسياق.
ومن اختلاف أمرائها وعساكرها، وأنه ليس فيهم كبير يرجع إليه، وأن سلطانهم صغير السن، وأنه قد سير وراء سائر أمراء المغول وجنده، وهو على تجهيز أمره للركوب.
فكان هذا الأمر لكتبغا ولأصحابه أحب ما يكون، فطلبوا سائر الأمراء وجلس السلطان وأمراء المشورة وسمعوا ما قاله القصاد وكتاب نائب حلب.
وبعد قيامهم أخذ كتبغا مع لاجين وقراسنقر فى أمره، واتفقوا على أن يسعوا فى أمر السلطنة لأجل صغر السلطان، وأن العدو ثقيل، والعسكر تحتاج إلى تدبير ونفقات، فصار لاجين وقراسنقر فى هذا الكلام مع سائر الأمراء وأعيان العسكر وأرباب الدولة.
قال صاحب النزهة: ذكر لى علاء الدين مغلطاى مملوك البيسرى أن أستاذه لما بلغ إليه هذا الأمر وسمعه من الأمراء، قال لى با مغلطاى: عمل والله كتبغا على السلطنة ولعب بعقله لاجين وقراسنقر، قال: فقلت له يا خوند:
أنتم توافقونه على ذلك. قال لى: نحتاج أن نوافقه لأن شوكته قويت، واستمال الحاج بهادر والأمراء، ولا بد له من هذا الأمر، وإلا فلا تسكن الفتن، على أنه ما يقيم فى السلطنة إلا قليلا.
وما زال الأمر بينهم إلى أن وافقته سائر الأمراء، وكل ذلك بتعظيم كتبغا والأمراء الذين معه أمر العدوّ وحضوره، وأثبتوا ذلك أيضا فى ذهن السلطان، وأجمع رأى الأمراء على أن يطلبوا زمّام الآدر الشريفة ويعرفوه أنهم اختاروا أن يجتمعوا بأم السلطان ويعرفوها بالقضية، وكان هذا من رأى أمير سلاح حتى تعرف هى السبب الموجب لخلع ولدها من السلطنة تطيببا لقلبها؛ فطلبوا عند
ذلك الزّمام وعرفوه بأن يعلم أم السلطان بالأمر الذى عقدوه، فدخل الزمام واستأذن أم السلطان، فأذنت لهم فحضروا إلى باب الستارة، وبعثوا السلام إليها، وعرفوها أن العدو قاصد بلاد الشام ومعه عسكر عظيم، وذلك لما سمع بوقوع الفتن فى مصر من قتل السلطان والأمراء واختلافهم، وأن سلطانهم صغير، وقد أطمعه ذلك، وأن المسلمين فى ألم عظيم بهذا السبب، وقد جفلت أهل البلاد، ونحن قد عزمنا على الخروج وإخراج العساكر والملتقى بهذا العدو، ونحن إذا خرجنا بالسلطان نخاف عليه من جهة السفر، وعند الملتقى أيضا، لأنه صغير السن، وأيضا ليس له حرمة فى عين العدو، وهذا الأمر يحتاج إلى رجل كبير يدبر أمر المملكة، ويقيم ترتيب الملوك المتقدمة، ويكون له حرمة وسمعة فى البلاد.
وتكلموا من هذا القبيل كلاما كثيرا وهى تسمع جميع ما يقولون، فعلمت بمقاصدهم، ثم كان جوابها: إذا خلعتم ابنى فمن تولوه؟ قالوا: نولى مملوكه الأمير زين كتبغا، هو مملوك السلطان، وهو أحق أن يحفظ ابن أستاذه وبيت أستاذه وهو نائب عنه إلى أن يلتقى هذا العدو، فإن فتح الله تعالى وكسر العدوّ وحضرنا إلى مصر رجع الملك إلى السلطان، ويكون هو على نيابته، وإن كان غير ذلك فالأمر لله تعالى، فوافقتهم على قصدهم، وقالت: هو ولدكم فالذى ترونه مصلحة لكم وللمسلمين افعلوه، وإن عملتم معنا خيرا [106] خلونى وولدى نروح عنكم وافتصلوا أنتم ودبروا ملككم كيف ما أردتم، فأخذوا فى تطييب خاطرها، وحسنوا القول معها.
(1)
هكذا بالأصل: والمقصود: استقلوا بالأمر.
وخرجوا من عندها وشرعوا فى تجهيز أمرهم، وأصبحوا نهار الأربعاء العاشر من محرم هذه السنة، فخلعوا السلطان الناصر محمد بن قلاون، وكانت مدة سلطنته فى هذه المدة سنة إلا أياما قليلة.
ثم عقدوا بالسلطنة للأمير زين الذين كتبغا فى هذا اليوم، وركب من دار النيابة على فرس النوبة
(1)
، ومشيت سائر الأمراء وأرباب الوظائف فى خدمته إلى أن دخل باب القلعة وجلس على تخت الملك، ثم شاور الأمراء فيمن يكون نائب السلطنة فوقع الاتفاق على الأمير لاجين المنصورى، واستمر بالحاج بهادر أمير حاجب على عادته، والأمير عز الدين الأفرم أمير جندار.
وفى يوم الخميس ثانى يوم السلطنة طلب سائر الأمراء وخلع عليهم.
وفى يوم الجمعة خطب له على سائر المنابر، ولقب نفسه بالملك العادل، وكتب إلى سائر النواب بالاستمرار، وسفر سطلمش بن
(2)
صلغاى إلى نائب الشام الأمير عز الدين الحموى؛ وسفر الأمير طقجى إلى حماة وحلب، وسفر أمير عمر إلى طرابلس وبها الأمير عز الدين أيبك المنصورى.
وبعث إلى والدة السلطان بالشام فطيب خاطرها، وأهدى إليها شيئا كثيرا ورتب لها ولولدها جميع ما يحتاجون إليه من الكلف.
(1)
«وقدم إليه فرس النوبة بالرقبة الملوكية» - السلوك ج 1 ص 806.
وكانت العادة أن يحفظ بقرب حضرة السلطان بالقلعة أو فى الأسفار، فرس مجهز بالسرج والغاشية لاستخدامه فى الطوارئ، وقد سمى باسم فرس النوبة - السلوك ج 1 ص 806 هامش (3).
(2)
«ساطلمش» فى السلوك ج 1 ص 807.
ثم شرع فيما يصلح أمر دولته، ومسك جماعة من الأمراء، وأمّر جماعة من مماليكه «
…
(1)
» وممن يلوذ به، وعين طبلخاناه لسطلمش بن صلغاى، وكان هو ممن اعتنى بدولته، وأمر أيضا ناصر الدين بن طرنطاى، وابن الحاج طيبرس، وابن أمير سلاح، وابن كتبغا الذى يسمى
(2)
أنص، وجماعة من مماليكه مثل بتخاص ورتبه أستاذ الدار، وبكتوت الأزرق، وغرلو
(3)
، وتكلان
(4)
، وغيرهم نحو عشرين مملوكا، وأفرج عن الأمير قفجق، وعبد الله السلحدار، ونورى، وقبلاى، وأمير عمر، وجماعة من الذين كانوا قبضوا، وعزل الصاحب تاج الدين بن حنا عن الوزارة، وولى القاضى فخر الدين بن الخليلى، وعزل علم الدين الصوابى الجاشنكير من ولاية القاهرة، وولى عوضه شمس الدين الملقب بضلموه الحلبى، وكان واليا بمصر، وتولى مصر شمس الدين بن التكريتى.
ثم رسم بتجريد الأمير شمس الدين سنقر البكتوتى، يعرف بالمساح، ومعه أربعة آلاف فارس، وصحبته الأمير حسام الدين الأستاذدار، والأمير شمس الدين نوكيه، والأمير سيف الدين بلبان الحبشى إلى نحو سيس، ليكون سمعة للعدو خروج عسكر مصر.
وكتب إلى نائب الشام أن يبعث الأمير سيف الدين كرجى ليمسك الأمير عز الدين أيبك خزندار، نائب طرابلس، وذلك لتوقفه عن اليمين للسلطان
(1)
«
…
» كلمة غير مقروة.
(2)
«وابن كتبغا الذى يسمى» فى هامش المخطوط، ومنبه على موضعها بالمتن.
(3)
«وأغرلو» فى السلوك ج 1 ص 808.
(4)
«وقطلوبك» فى السلوك.
كتبغا حين جاءه خبر عزل الناصر وتولية كتبغا ولم يوافق على ذلك حتى حكمت عليه الأمراء، وقالوا: إن كتبغا خشداشك وما هو غريب حتى وافقهم على ذلك الأمر حينئذ، وكان قد بلغ ذلك إلى كتبغا من المقلد له بالنيابة، فبقى فى نفسه من ذلك ما حتى مسكه، فلما مسك قيد وحمل إلى مصر، وحبس بها، وتولى عوضه الأمير عز الدين الموصلى.
وقال ابن كثير: وكان عمر العادل يوم توليته نحو خمسين سنة، فإنه من سبى وقعة حمص الأولى التى كانت فى أيام الملك الظاهر بعد وقعة عين جالوت
(1)
، وكان من الغويراتية، وهم طائفة [107] من التتر
(2)
.
وفى يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول: ركب الملك العادل كتبغا فى أبهة الملك، وشق القاهرة، ودعى له الناس
(3)
.
ومن غريب الاتفاق أن العادل كان قد قبض على عز الدين الموصلى واعتقله ببرج الساقية، واقام ثلاثة وتسعين يوما وأخرجه إلى طرابلس، وقبض على عز الدين أيبك الخازندار من طرابلس واعتقله ببرج الساقية، فأقام ثلاثة وتسعين يوما نظير المدة التى كانت لأيبك الموصلى، وهذا أيبك وذاك أيبك والولاية واحدة ومدة السجن واحدة.
(1)
«أصله من سبايا التتار، أخذه الملك المنصور قلاون فى وقعة حمص الأولى سنة تسع وخمسين وستمائة» - بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 386.
(2)
البداية والنهاية ج 13 ص 338 - 339.
(3)
انظر البداية والنهاية ج 13 ص 339.
وفيها: عزل العادل الحموى عن نيابة دمشق، واستناب مملوكه سيف الدين غرلو.
وفيها: قصر النيل بالديار المصرية تقصيرا قلق له الناس، وحصل منه اليأس، فكان النوروز ولم يحصل وفاء ولا تغليق، فاقتضى الحال كسر الخليج بغير تخلبق؟؟؟، وبدل العالم بالاتراح عوضا عن الأفراح والانزعاج بدلا من الابتهاج، فابتدأ الغلاء، فى الغلال، والفناء فى النساء والرجال، وأجدب الوجه الغربى من برقة وأعمالها وما يتاخمها فلم يصبها شئ من الوبل ولا من الطل، ولم يزرع بها ما جل ولا ما قل، فهلك أهلها جوعا وعدما وعطشا من ماء السماء، ثم أعقب حدوث الوباء عقبى السنة الشهباء فساقهم القحط والضر إلى انتجاع ديار مصر، فورد منهم إلى الإسكندرية والبحيرة أمم تتجاوز الإحصاء، وانبثوا فى البلاد، وامتدوا فى الربى والوهاد، وجلبوا الوخم إلى العباد ففشت الأمراض العامة، ومنى الخلق بالطامة، ويلغ سعر القمح بالقاهرة ومصر مائة وخمسين درهما نقرة الأردب، والشعير مائة درهم، والفول والحبوب نحو ذلك، واشتد الأمر، وأكل الناس الميتة جهارا، ولحوم الكلاب والقطط والحمير [نهارا
(1)
]. وقيل: إن بعضهم أكل لحم بعض، وأن إمرأة أكلت ولدها.
[وعم الفناء والموتان، وكثر بسائر البلدان حتى أن بعض البلاد التى كانت مشحنة بالرجال والنسوان خلت من ساكنيها، ولم يبق إلا النزر اليسير فيها
(2)
].
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة، حيث أن العينى ينقل هذا الخبر عن بيبرس الدوادار.
(2)
[] إضافة من زبدة الفكرة، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 144 - 145.
وأما القاهرة ومصر فإنه كان يموت فيهما كل يوم ألوف، ويبقى الميت مطروحا فى الأزقة والشوارع ملقى على الممرات والقوارع اليوم واليومين لا يوجد من يدفنه، لاشتغال الأحياء بأمواتهم، والسقماء بأمراضهم، هذا وأكثر من يموت يلقون فى حفائر الكيمان بغير غسل ولا أكفان، فتأكلهم الكلاب، ثم أكل الناس الكلاب، ففنيت، وفنى أكثر الدواب، ورسم السلطان بتوزيع الصعاليك والفقراء على الجند والأمراء، فوزعوا بالقاهرة ومصر ليقوموا بهم من أموالهم.
هذا كله ذكره بيبرس فى تاريخه فقال: «وكنت إذا ذاك فى الإسكندرية.
والصعاليك
(1)
» الذين فيها والواردين إليها وزعوا على الأملياء، والفقراء على الأغنياء، وكنت متوليا أمر توزيعهم على التجار وأرباب المعايش والأيسار، ووظفت على نفسى منهم جماعة، وأجريت عليهم جاريا قام بأودهم إلى أن انقضت المجاعة، وتواصلت الغلال إلى الإسكندرية وتواترت من جزيرة صقلية والقسطنطينية وبلد الفرنجية، حتى أن الواصل إليها شف على ثلاثمائة ألف أردب قمحا، فتماسك أهل الثغر، ووجدوا رفقا بهذا الأمر، وانتهى سعر القمح إلى ثلاثمائة وعشرين درهما ورقا الأردب
(2)
.
وقال ابن كثير فى تاريخه: مات فى ذى الحجة بديار مصر نحو من عشرين ألفا
(3)
.
(1)
«أما ثغر الإسكندرية فإن الصعاليك» - فى زبدة الفكرة.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 188 ب، 189 أ.
(3)
البداية والنهاية ج 13 ص 340.
وفى نزهة الناظر. وفيها وصل من بلاد برقة جماعة كثيرة، وقد أثر [108] الجوع فيهم، وشكوا من القحط فى البلاد، وأنه لم ينزل لهم غيث فى تلك السنة، ولا أعشبت أراضيهم، ونشقت الأعين، ولم يجدوا ببلادهم القوت، وهم نحو ثلاثين ألف نفر، وأفنى الجوع والعطش جميع ما كانوا يملكونه من الأغنام والإبل والمواشى، وكذلك الأطفال والنساء، وما سلم من الرجال إلا من كان فى أجله تأخير.
ووصل عقيب ذلك كتاب من نائب الشام يخبر أن أيام الوسم الذين يزرعون فيه الأراضى فاتت، ووجدت أهل الشام لذلك مشقة عظيمة إلى أن خرجت المشايخ والصلحاء والفقراء واستغاثوا فلم يسقوا، وأقام الحال على ذلك ثلاثة أيام، ثم نودى فى دمشق أن لا يبقى أحد إلا ويخرج للاستغاثة إلى الله تعالى، فخرج نائب الشام وجميع العسكر، وأن الله تعالى قبل دعاءهم، وأنزل عليهم الغيث.
وجاءت الأخبار أيضا من جهة القدس والخليل عليه السلام أن الوسم الذى يعتادونه فى أيام زروعهم قد فات أوانه، وانقطع الغيث عن بلادهم، وعن جميع بلاد الساحل، وأن الأعين والآبار قد جفت ولم يبق فيها ماء إلا قليل جدا حتى عين سلوان.
وكذلك جف النيل بمصر وتناقص عن زيادته، فتحسن سعر الغلة إلى أن وصل القمح بعد الأربعين إلى سبعين، ثم لطف الله بالوفاء وكسروا الخليج، وبعد الوفاء بلغ النيل إلى سبعة عشرأ صبعا، ثم نزل سريعا، وكسر بحر ابن منجى قبل أجله بثلاثة أيام خشية من النقص، فصار السعر يتزايد كل يوم إلى أن بلغ القمح إلى مائة درهم الأردب، والشعير إلى ستين، والفول إلى
خمسين، وبلغ الرطل من اللحم إلى ثلاثة دراهم، وكان راتب البيوت فى ذلك الوقت والجرايات لأرباب الرواتب كل يوم سبعمائة وخمسين أردبا من القمح والشعير، وراتب الحوائج خاناه عشرون ألف رطل من اللحم.
وفيها: ورد البريد من الشام يذكر أنه قد وصل إلى الفرات بالرحبة من عسكر التتار تقدير عشرة آلاف بيت
(1)
بحريمهم وأولادهم ومواشيهم، وأنهم من عسكر بيدو، ولما انكسر بيدو خافوا من قازان وقصدوا بلاد الإسلام راغبين فى الإسلام، وأن المقدم عليهم أمير يسمى طرغاى، وهو زوج بنت هلاون، ومعه أميران يسمى أحدهما ككتاى والآخر أركاون، فأرسل الملك العادل إلى علم الدين الدوادارى بأن يتوجه إلى لقائهم لأنهم من جنسه، فتوجه الدوادارى من دمشق عاشر ربيع الأول، ثم توجه بعده سنقر الأعسر.
ولما كان يوم الإثنين الثالث عشر
(2)
من ربيع الأول: عاد سنقر الأعسر إلى دمشق وصحبته من مقدميهم وأعيانهم مائة فارس وثلاثة عشر فارسا، وخرج لملتقاهم نائب السلطنة، واحتفل الناس لدخولهم، وأنزلوهم بالقصر الأبلق، وأقاموا بدمشق إلى السابع من ربيع الآخر، ثم حضر الأمير حاج سيف الدين بهادر يستدعيهم إلى الأبواب الشريفة، فتوجهوا صحبة شمس الدين سنقر الأعسر، ثم ورد مرسوم للدوادارى أن ينزل ببقيتهم فى الساحل فى أرض عثليث، فعبر بهم
(1)
«عشرة آلاف نفر» - تذكرة النبيه ج 1 ص 185.
«الثمانية عشر ألف بيت» - نهاية الأرب ج 29 (مخطوط) ورقة 85، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 203 - 204، السلوك ج 1 ص 812، وانظر ما يلى ص 304.
(2)
«ثالث عشرين» فى كنز الدرر ج 8 ص 362.
على دمشق من على المرج، ولم يمكن أحدا منهم من الدخول إلى دمشق
(1)
.
وأما قضية بيدو، فإنه ملك بعد مقتل كيخاتو بن أبغا بن هلاون بن طلو بن جنكزخان، وكان كيخاتو ملك التتار بالعراقين، فأساء [109] السيرة، وتعرّض إلى أولاد التتار ونسوانهم، وأفحش فى الفساد فيهم، فنقموا عليه وشكوا إلى بيدو ابن عمه، وهو بيدو بن طرغاى بن هلاون، ما يلقون منه، فاتفقوا على إعدامه وتعجيل جمامه، فوثب عليه بيدو وطرغاى وبستاى وخجك، فعلم بما هموا به، ففرّ من الأردو هاربا، للنجاة طالبا، وتوجه إلى نحو كرجستان لائذا، فأدركه الهلاك وقتل بمقام بيلا سوار من أعمال موغان فى ربيع الآخر من هذه السنة، فكانت مملكته ثلاث سنين وشهورا
(2)
.
وفى جمادى الأولى منها: استقر بيدو فى المملكة بعد هلاك كيخاتو، وكان قازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون بخراسان وصحبته نوروز أتابكه، فحسن له قصد بيدو ومحاربته، وانتزاع الملك منه، فجمعا وحشدا وحضرا من خراسان لحرب بيدو، وسار بيدو فى عساكره إليهما، فلما تراءى الجمعان تبين لقازان أن جمعه لا يفى بلقائه، فراسله بالإذعان وعامله بالملاطفة وحلاوة اللسان، فاتفقا على الصلح، فاصطلحا، وعاد قازان راجعا إلى خراسان، وأقام نوروز عند بيدو، فإنه منعه من الرجوع صحبة قازان لكيلا يتفقا عليه وينفذا إليه، فاغتنم نوروز الفرصة مدة إقامته عند بيدو واستمال جماعة من الأمراء لقازان، واستوثق منهم أنه متى دنا انحازوا إليه وتركوا بيدو وخامروا عليه، فبلغ الخبر بذلك لقازان،
(1)
انظر أيضا كنز الدرر ج 8 ص 361 - 362.
(2)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 189 ب.
فتجهز للمسير من خراسان، وبلغ بيدو خبره فأوجس خيفة منه، وذكر ذلك لنوروز. فقال له: أنا أكفيك أمره وأدفع عنك شره، ومتى وجهتنى إليه ثنيت عليك عزيمته، وفرقت جماعته، وأرسلته إليك مربوطا، فاستحلفه أنه لا يخون فى عهده إذا فصل من عنده، ثم سرحه فسار إلى خراسان، وأخبر قازان كل ما كان، وخرجا معا لقصد بيدو، وسارا طالبين الأردو، وأرسل نوروز إليه قدرا مربوطا فى عدل، وقال: قد وفيت بما قلت لك، وأرسلت قزان
(1)
إليك مربوطا بالوثاق، ولم أغير ما وقع به الميثاق، فغضب بيدو لرسالته، وتبين له مكره به من مقالته، وسار للقائه، فالتقى الجمعان بنواحى همدان، فخامر أمراء بيدو عليه وانحازوا إلى قازان، فاستظهر بهم وقوى بسببهم، ولم يكن لبيدو بهم إلا الفرار وسلوك الأوعار، فلحقوه بنواحى همدان فقتلوه، وكانت مملكته ثمانية شهور، ومقتله فى ذى الحجة من هذه السنة.
وفى ذى الحجة: ملك قازان
(2)
بن أرغون بن هلاون، واستقر فى السلطنة، وترك أخاه خربندا مقيما بخراسان، واستقر نوروز
(3)
أتابك العساكر ومدبر المملكة إلى أن كان منه ما سنذكره
(4)
إن شاء الله تعالى.
وقال ابن كثير: ولما تملك قازان على التتار فى هذه السنة أسلم وأظهر الإسلام [على يد الأمير نوزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم فى الإسلام
(5)
]،
(1)
«قازان» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.
(2)
«قازان» أو غازان» - انظر زبدة الفكرة.
(3)
نوروز أو نيروز.
(4)
أنظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 190 أ، ب.
(5)
[] إضافة من البداية والنهاية.
ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رءوس الناس يوم إسلامه وتسمى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرّب كنائس كثيرة، وضرب عليهم الجزية، وردّ مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد وظهرت السّبح والهيا كل مع التتار
(1)
.
وفى بعض التواريخ: أن إسلام قازان كان على يد الشيخ صدر الدين ابن حمويه الجوينى
(2)
.
وفيه أيضا: أن بيدو لما انكسر لحق بالكرج وكان قد تنصر.
[110]
وفيها: أنعم على الملك الأوحد
(3)
بن الملك الزاهر بن أسد الدين صاحب حمص بإمرة بدمشق، وهو أول أمير تأمر بطبلخاناة من بنى أيوب فى دولة الترك، وكان نائب الشام كتب فيه إلى السلطان وعرف فى كتابه كبر أهل البيت الذى هو منه وتقدّمه فى السنّ وجودته وديانته.
وفيها: بلغ النيل إلى ستة عشر ذراعا وسبع عشرة أصبعا.
وفيها حج بالناس الملك المجاهد أنص بن الملك العادل كتبغا وأهل بيته، وتصدقوا بصدقات كثيرة فى الحرمين.
وفى نزهة الناظر: لما حج أنص هذا أرسل إلى الشريف أبى نمى صاحب مكة شرفها الله عشرين ألف درهم إنعاما عليه، وأنعم على أولاده بعشرة آلاف
(1)
البداية والنهاية ج 13 ص 340.
(2)
انظر السلوك ج 1 ص 805.
(3)
هو شادى بن داود بن شيركوه بن محمد بن شيركوه الأيوبى، المتوفى سنة 705 هـ/ 1305 م - المنهل الصافى.
درهم، وأنه طول الطريق معه روايا وأصعان مملوءة سكرا وسويقا وأقسما ومشروبا كثيرا، وأبيعت العلبة من الحلواء فى الطريق بدرهمين، والرطل السكر بدرهم ونصف، وكان معه من سائر الأصناف، وخلع على جميع من صحبه من الأمراء والمماليك والجند وسائر من صحبه.
وقال صاحب التاريخ: حكى لى خازن الداره أن جملة أنعامه على الأمير سيف الدين طقجى مائة وستون ألف درهم، وكان من جملتها بذلة كلها زركش وقباء تترى فيه ألف دينار، وكانت تفرقته على الغلمان والصعاليك ثمانين ألف درهم، وأخبر أنه أصلح بين الخليفة أبى العباس أحمد وبين الشريف أبى نمى صاحب مكة، لأنه وقع بينهما كلام ومشاجرة والركب واقف بجميع الأمراء، وبلغ من أمرهما إلى أن قال أبو نمى للخليفة: من أنت؟ ومن يقال لك؟ ومن أبوك؟ أما تستحى إذا ذكرت نسبك مع نسبى، ثم شرع يقول: أنا فلان بن فلان إلى أن أذهل الواقفين، ولم يقدر الخليفة بعده على الجواب: بل تمثل يقول:
نسب كان عليه من شمس الضحى
…
نور ومن فلق الصباح عمودا
ولم يزل الملك المجاهد يرضّى الشريف والأمير طقجى معه إلى أن اصطلحا وطابت خواطرهما.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الشيخ الصالح القدوة الزاهد العابد العارف أبو الرجال
(1)
بن مرى بن بحتر المنينى
(2)
.
مات بقرية منين فى عاشر المحرم منهما، ودفن فى زاويته بالقرية المذكورة، وخرج الناس من دمشق فمنهم من أدرك الدفن ومنهم من صلى على قبره، وكانت له أحوال ومكاشفات، من المشايخ الأجلاء المعروفين بالخير والصلاح والورع، وكان أهل البلد يزورونه، وربما قدم هو بنفسه إلى دمشق فيكرم ويضيفّ، ومات وقد جاوز الثمانين، وكان شيخه الشيخ جندل من كبار الصالحين أيضا، ومن الأبدال، وكان من القرية المذكورة.
الشيخ الصالح العابد الزاهد الورع بقية السلف جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد
(3)
بن قاضى القضاة وخطيب الخطباء عماد الدين بن عبد الكريم بن قاضى القضاة جمال الدين عبد الصمد بن الحرستانى.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 76، العبر ج 5 ص 385، شذرات الذهب ج 5 ص 428، مرآة الجنان ج 4 ص 227، تذكرة النبيه ج 1 ص 180 - 181.
(2)
المنينى: نسبة إلى منين: قرية فى جبل سنير من أعمال الشام، وقيل من أعمال دمشق - معجم البلدان.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 340.
سمع الحديث وناب عن أبيه فى الإمامية وتدريس الغزالية
(1)
، ثم ترك المناصب وأقبل على العبادة، وتوفى فى آخر ربيع الآخر، ودفن بالسفح عند أهله وقد جاوز الثمانين.
الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ مفتى بلاد الحجاز فى زمانه محب الدين أبو العباس أحمد
(2)
بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر [111] بن محمد بن إبراهيم الطبرى المكى الشافعى.
وكان شيخ الشافعية، وفقيه الحرم، ومحدث الحجاز، وسمع الكثير وصنف فى فنون كثيرة
(3)
، من ذلك: كتاب الأحكام فى ست مجلدات وهو كتاب مفيد، وكتاب على ترتيب جامع المسانيد أسمعه لصاحب اليمن. وكان مولده يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشر وستمائة
(4)
، ومات
(1)
المدرسة الغزالية بدمشق: فى الزاوية الشمالية الغربية من الجامع الأموى - الدارس ج 1 ص 413، ص 422.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 342 رقم 188، درة الأسلاك ص 127، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 191 أ، الوافى ج 7 ص 135 رقم 3064، العبر ج 5 ص 382، العقد الثمين ج 3 ص 61 رقم 571 النجوم الزاهرة ج 8 ص 74، شذرات الذهب ج 5 ص 425. مرآة الجنان ج 4 ص 224، تذكرة النبيه ج 1 ص 176، طبقات الشافعية الكبرى ج 8 ص 18 رقم 1046، البداية والنهاية ج 13 ص 140، السلوك ج 1 ص 811.
(3)
عن مؤلفات صاحب الترجمة انظر: العقد الثمين ج 3 ص 62 - 64، هدية العارفين ج 1 ص 101.
(4)
«اختلف فى مولده» - المنهل الصافى.
فى هذه السنة، ودفن بمكة. وله شعر جيد، فمنه قصيدته فى المنازل بين مكة
(1)
والمدينة تزيد على ثلاثمائة بيت
(2)
، كتبها عنه الحافظ شرف الدين الدمياطى فى معجمه.
الشيخ الإمام العلامة الخطيب المدرس المفتى القاضى شرف الدين أحمد
(3)
ابن الشيخ جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر بن حسين بن حماد المقدسى الشافعى.
ولد سنة ثنتين وعشرين وستمائة
(4)
، وتوفى يوم الأحد السابع عشر من رمضان منها، ودفن بمقابر باب كيسان عند والده وأخيه، سمع الكثير، وكتب حسنا، وصنف
(5)
فأجاد وأفاد، وكان مدرس الغزالية ودار الحديث النورية مع الخطابة، ودرس فى وقت بالشامية البرانية، وأذن لجماعة من الفضلاء فى الإفتاء منهم الشيخ الإمام أبو العباس ابن تيمية، وكان يفتخر بذلك ويقول: أنا أذنت لابن تيمية فى الإفتاء، وكان يتقن فنونا من العلم، وصنف كتابا فى أصول
(1)
«مكا» فى الأصل.
(2)
انظر العقد الثمين ج 3 ص 70 - 71.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 229 رقم 120، درة الأسلاك ص 124 - 125، الوافى ج 6 ص 231 رقم 2705، العبر ج 5 ص 380 - 381، فوات الوفيات ج 1 ص 57 رقم 23، شذرات الذهب ج 5 ص 424، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 201، البداية والنهاية ج 13 ص 341، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 10 رقم 13، تذكرة النبيه ج 1 ص 178 - 180، طبقات الشافعية الكبرى ج 8 ص 15 رقم 1043، السلوك ج 1 810 - 811.
(4)
«بالقدس الشريف» فى تذكرة النبيه.
(5)
انظر هدية العارفين ج 1 ص 101.
الفقه جمع فيه شيئا كثيرا ولم يخلف بعده مثله لأنه فيه ما لم يجمع لأحد من العلماء من علم الفقه والأصلين والحديث والنحو واللغة وحسن الخط والدين والعفة والتواضع والفصاحة وحسن الهيئة والمسارعة إلى قضاء حوائج الناس.
وله شعر جيد فيه ما قاله فى زهر اللوز:
أحجّ إلى الزهر وأسعى به
(1)
…
وأرم جمار الهم مستنفرا
(2)
من لم يطف بالزهر فى وقته
…
من قبل أن يحلق قد قصّرا
وله لغز فى الناعورة
(3)
:
وما أنثى وليست ذات فرج
…
وتحمل دائما من غير فحل
وتلقى كل آونة جنينا
…
فيجرى فى الفلاة بغير رجل
وتبكى حين تلقيه عليه
…
بصوت حزينة فجعت بطفل
وقال يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تحيّة مشتاق بعيد مزاره
…
إلى من بأكناف العقيق دياره
وشكوى بعاد أنفد الدمع بعضه
…
وأفنى مدى الصبر الجميل انتظاره
وصب عرته للصّبابة حسرة
…
تنّم بها أنفاسه واصفراره
(1)
و «أحجج إلى الزهر لتسعى به» فى تذكرة النبيه.
و «أحجج إلى الزهر لتحظى به» فى المنهل الصافى، والوافى، وفوات الوفيات.
و «أحجج إلى الروض» فى درة الأسلاك.
(2)
«مستهترا» - المنهل الصافى ج 1 ص 231، وفوات الوفيات.
(3)
«فى الدولاب» فى الوافى، وفوات الوفيات.
ووجد بأكناف
(1)
…
الحمى سقى الحمى
ولا زال يندى شيحه وعراره
ودمع بأسرار المحبّة ناطق
…
إذا لمعت دون المحصّب ناره
وجسم غدا إثر الضغائن قلبه
…
وإن كان فى أرض البعاد قراره
ركائب تحدو
(2)
…
باسم خير مؤمل
بنّى علا فى العالمين مناره
فوا أسفا لو كان يجدى تاسّف
…
ووا حسرتا إذ شطّ عنى مزاره
[112]
إذا قدم الزّوار تربة يثرب
…
وفاضت من الدمع المصون غزاره
فكم خائف جان يلوذ بظله
…
وكم تائب ثوب الخضوع شعاره
أحنّ إلى ربع زكت تراب أرضه
…
وأصبح نور المصطفى وهو جاره
نبىّ أضاء الكون من نور وجهه
…
وعاد ظلام الشرك يبدو استناره
وحنّ إليه الجذع والجذع يابس
…
وجاء بعير القوم يعلو خواره
سلام على من سلّم الذئب خاضعا
(3)
…
عليه كذاك الظبى زال نفاره
له معجزات يبهر العقل بعضها
…
وآيات مجد ليس تحصى فخاره
فطوبى لمن زار النبىّ محمدا
…
وأضحى إلى البيت العتيق انتشاره
ولبّى مشوقا ثم طاف ملبيا
…
وأصبح بعد السعى والبيت داره
(1)
«بسكان» فى تذكرة النبيه.
(2)
«تحدى» فى تذكرة النبيه.
والحدو: سوق الإبل والغناء لها - لسان العرب.
(3)
«وافدا» فى تذكرة النبيه.
وسار وقد نال المنى بعد حجه
…
مشوقا ودمع العين ثجّ قطاره
وبعد منى نال المنى بوقوفه
…
وعاد وجمر الشوق يذكو أواره
فيا خير مأمول وأشرف ماجد
…
تعطّف على صبّ عراه انكساره
وهبه ثواب الصابرين فإنّه
…
على ألم الأشواق قل اصطباره
(1)
الشيخ الإمام العالم المفتى الخطيب الطبيب مجد الدين أبو محمد عبد الوهاب
(2)
ابن أحمد بن أبى الفتح بن سحنون التنوخى الحنفى، خطيب جامع النيرب
(3)
، ومدرس الدماغية
(4)
للحنفية، وكان طبيبا بجامع الصالحية.
وكان فاضلا جيدا، وله مشاركة فى كل فن، وروى شيئا من الحديث، توفى ليلة السبت الخامس من ذى القعدة منها عن خمس وسبعين سنة، رحمه الله.
وله شعر حسن فمنه قوله:
فو الله ما هجرى لأهل مودّتى
…
ملالا ولكنّى سكنت إلى العجز
(1)
انظر بعض أبيات هذه القصيدة فى تذكرة النبيه ج 1 ص 180.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 127، فوات الوفيات ج 2 ص 417 رقم 313، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 117 رقم 179، معجم الأطباء ص 281؛ العبر ج 5 ص 383، شذرات الذهب ج 5 ص 426، تذكرة النبيه ج 1 ص 181.
(3)
جامع النيرب بدمشق: بالقرب من الربوة، والنيرب من قرى الغوطة - الدارس ج 2 ص 438 - 439.
(4)
المدرسة الدماغية بدمشق: داخل باب الفرج، أوقفتها على الشافعية والحنفية عائشة زوجة شجاع الدين محمود الدماغ، المتوفى سنة 614 هـ/ 1217 م - الدارس ج 1 ص 236.
وما كان لى عنهم غنى غير أننى
…
قنعت وحسبى بالقناعة من كنز
وأعرضت عنهم لا ملالا وإنما
…
رأيت مقام الذل فى منزل العزّ
وقال:
لا تجزعنّ فما طول الحياة سوى
…
روح تردّد فى سجن من البدن
ولا يهولك أمر الموت تكرهه
…
فإنما موتنا عود إلى الوطن
وسمع قول مجير الدين بن تميم فى تفضيل الورد على النرجس بالبيتين وهما:
من فضّل النرجس وهو الذى
…
يرضى بحكم الورد إذ يغرس
أما ترى الورد غدا جالسا
…
إذ قام فى خدمته النرجس
فقال فى جوابه:
ليس جلوس الورد فى مجلس
…
قام به نرجسه يوكس
وإنما الورد غدا باسطا
…
خدّا تمشّى فوقه النرجس
وله فى مشاعلى:
بأبى غزال جاء يحمل مشعلا
…
يكسو الدجى بملاء ثوب أصفر
فكأنّه غصن عليه باقة
…
من نرجس أو زهرة من نوفر
[113]
وقال وقد أهدى إليه نرجس:
لما تحجبت عن عينى وأرّفنى
…
بعدى ولم تحظ عينى منك بالنظر
أرسلت مشبهها من نرجس عطر
…
كيما أراك بأحداق من الزهر
وقال فى الياسمين:
لله حسن الياسمين يلوح فو
…
ق الورد للجلساء والندمان
مثل الثنايا والخدود نواضرا
…
أو كالفراش هوى على النيران
وقال فى الورد:
وورد أبيض قد زاد حسنا
…
فعند الصد للخجل احمرار
يمثله النديم إذا رآه
…
مداهن فضة فيها نضار
الشيخ الإمام العالم الزاهد الخطيب عز الدين أبو العباس أحمد
(1)
بن الشيخ محيى الدين إبراهيم بن عمر بن فرج بن أحمد بن محمد
(2)
بن على بن سابور الفاروثى الواسطى.
ولد سنة أربع عشرة
(3)
وستمائة، وسمع الحديث ورحل فيه، وكانت له فيه يد جيدة، وفى التفسير والفقه، والمواعظ.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 129، الوافى ج 9 ص 219 رقم 2687، السلوك ج 1 ص 811، شذرات الذهب ج 5 ص 425، تذكرة النبيه ج 1 ص 183، العبر ج 5 ص 381.
ووقع خلط فى بعض المصاد وبين صاحب الترجمة وبين أحمد بن عمر بن الفرج الفاروثى، المتوفى سنة 695 هـ - انظر ما يلى ص 328.
(2)
الفاروثى: نسبة إلى فاروث: قرية كبيرة على شاطئ دجلة بين بلدتى واسط والمذار - معجم البلدان.
(3)
«إثنى عشرة» فى تذكرة النبيه.
وكان دينا عالما ورعا، قدم إلى دمشق فى الدولة الظاهرية، فأعطى تدريس الجاروخية
(1)
، ثم عاد إلى وطنه فمات فى واسط فى مستهل ذى الحجة، وكان يوما مشهودا بواسط.
وكان قد لبس خرقة التصوف من السهروردى، وقرأ القراءات العشر، وخلف ألفى مجلد ومائتى مجلد، وحدث بالكثير، وسمع منه البرزالى كثيرا من الصحاح والمسند.
الشيخ جمال الدين أحمد
(2)
بن عبد الله بن الحسين الدمشقى، المعروف بالمحقق.
كان فاضلا فى الطب، ومدرسا فى عدة مواضع
(3)
، شارك فى فنون كثيرة.
مات فى هذه السنة، ودفن فى مقابر الصوفية عند قبر الشيخ جمال الدين الحصيرى الصدر جمال الدين يوسف
(4)
بن على بن مهاجر التكريتى.
أخو الصاحب تقى الدين توبة، مات فى هذه السنة بدمشق، ودفن بتربة أخيه بالسفح.
(1)
المدرسة الجاروخية بدمشق: داخل بابى الفرج والفراديس، شمالى الجامع الأموى والظاهرية الجوانية، وننسب إلى جاروخ التركمانى - الدارس ج 1 ص 225 وما بعدها.
ولم يرد فى الدارس أن صاحب الترجمة درس بالمدرسة الجاروخية، ولكن بالمدرسة الظاهرية الجوانية، والتى تقع قبلى الجاروخية - الدارس ج 1 ص 348 - 349، ص 355.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 7 ص 136 رقم 3065، البداية والنهاية ج 13 ص 342، شذرات الذهب ج 5 ص 426.
(3)
«كان مدرسا بمدرسة فروخشاه، ومدرس الطب بالدخوارية: وطبيبا بالمارستان بدمشق الوافى ج 7 ص 136.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 343.
وكان ذا ثروة ومروءة وتواضع، وخلف ثلاثة بنين: شمس الدين محمد، وعلاء الدين على، وبدر الدين حسن. وكان قد ولى حسبة دمشق فى وقت.
الصدر الكبير العدل علم الدين أبو بكر محمد
(1)
بن عياش بن أبى المكارم التميمى الجوهرى.
واقف المدرسة الجوهرية
(2)
على الحنفية. توفى ليلة الثلاثاء السابع عشر
(3)
من شوال بدمشق، ودفن بمدرسته، وقد جاوز الثمانين. وكانت له خدم على الملوك وغيرهم.
الشيخ الفاضل عبد العزيز
(4)
الديرينى.
كان فاضلا، عالما بالنحو واللغة والأصولين، وله فى كل فن فضل، وكان مع ذلك راضيا ببذاذة الحال، توفى ببلدته ديرين
(5)
فى هذه السنة
(6)
، ودفن فيها.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 385، البداية والنهاية ج 13 ص 341.
(2)
المدرسة الجوهرية بدمشق: شرقى تربة أم الصالح، داخل دمشق بحارة بلاطة - الدارس ج 1 ص 498 وما بعدها.
(3)
«تاسع عشر» فى البداية والنهاية.
«تاسع شوال» فى الدارس ج 1 ص 499.
(4)
هو عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الدميرى، الشهير بالديرينى، عز الدين أبو محمد.
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 102، المنهل الصافى، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 190 ب، طبقات الشافعية ج 5 ص 241، شذرات الذهب ج 5 ص 450، تذكرة النبيه ج 1 ص 130، السلوك ج 1 ص 760.
(5)
ديرين أو درين: قرية قديمة بمركز طلخا شرق نبروه بمصر - التحفة السنية ص 79، القاموس الجغرافى ق: ج 2 ص 86.
(6)
اختلفت مصادر الترجمة فى ذكر سنة وفاة صاحب الترجمة، ففى تذكرة النبيه ودرة الأسلاك والسلوك 689 هـ، وفى طبقات الشافعية 694 هـ، وفى شذرات الذهب 699 هـ.
عمر
(1)
بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاتى، سلطان أفريقية.
توفى فى هذه السنة، وكانت مدة ملكه أحد عشر سنة.
صاحب اليمن، شمس الدين يوسف
(2)
بن الملك المنصور نور الدين عمر بن على ابن رسول التركمانى.
أقام فى مملكة اليمن بعد أبيه سبعا وأربعين سنة، وعمر ثمانين، وكان أبوه قد ولى قبله أزيد من عشرين سنة بعد الملك المسعود أقسيس
(3)
بن الملك الكامل
(4)
، وكان عمر بن رسول مقدم عساكر أقسيس، فلما مات، وثب على الملك فتم له، وتسمى المنصور
(5)
، واستمر فيه أزيد من عشرين سنة، ثم ابنه المظفر سبعا وأربعين سنة.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 75.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 190 ب، درة الأسلاك ص 124، نهاية الأرب ج 29 (مخطوط) ورقة 83، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 202، البداية والنهاية ج 13 ص 341، النجوم الزاهرة ج 8 ص 71، غاية الأمانى ق 1 ص 470، تذكرة النبيه ج 1 ص 176، العبر ج 5 ص 384، السلوك ج 1 ص 810 وفيه «محمد بن عمر» .
(3)
هو أطسز، وقيل أقسيس، والأول أصح والثانى هو المشهور، ابن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب، الملك المسعود، المتوفى سنة 626 هـ/ 1228 م - غاية الأمانى ق 1 ص 417 - 418، شذرات الذهب ج 5 ص 120.
(4)
«العادل» فى الأصل، وهو تحريف.
(5)
استقل بأمر اليمن سنة 628 هـ/ 1230 م، وكاتب خليفة بغداد فجعل له نيابة اليمن، وتوفى سنة 647 هـ/ 1249 م، غاية الأمانى ق 1 ص 420، ص 433، العقود اللؤلؤية ج 1 ص 48.
وتوفى المظفر المذكور بقلعة تعز على فراشه فى رجب من هذه السنة. وكان حاكما جيدا، كفيفا عن أموال الرعايا، حسن السيرة، كثير العدل والصفح، قليل المؤاخذة، وما قصده أحد إلا [114] ناله منه خيرا كثيرا.
وكان يحب الحديث، ويسمعه، وجمع لنفسه منها أربعين حديثا.
واستقر فى الملك بعده ولده الأكبر الملك الأشرف نجم الدين عمر.
وكان للملك المظفر من الأولاد: الأشرف، والمؤيد، والواثق، والمسعود، والمنصور.
وقال ابن كثير: فلم يمكث الأشرف بعد أبيه المظفر سنة حتى مات، ثم قام أخوه المؤيد هزبر
(1)
الدين داود بن المظفر، فاستمر فى المملكة.
وفى بعض التواريخ: لما مات المظفر ملك بعده ولده الملك الأشرف ممهد الدين، وهو ولى عهد أبيه، ثم نازعه أخوه الملك المؤيد هزبر الدين داود، وكان المؤيد - لما مات والده - ببلاد الشحر
(2)
فجمع جمعا كثيرا لوقته، ومال إلى عدن فملكها، ثم توجه نحو تعز، فجرد الأشرف لقتاله الشريف على ابن عبد الله بجماعة من الجيش، ومعه ولده جلال الدين بن الأشرف، فالنقيا فيما بين تعز وعدن، بمكان يسمى الدعيس
(3)
، واقتتلوا، فخذل المؤيد، وتفرقوا عنه،
(1)
«عز الدين» فى المطبوع من البداية والنهاية ج 13 ص 341، وهو تحريف.
وهو داود بن يوسف بن عمر بن رسول، المتوفى سنة 721 هـ/ 1321 م - المنهل الصافى، الدرر ج 2، ص 19 رقم 1691.
(2)
الشحر: ميناء لحضرموت، ينسب إليها اللبان الشحرى - معجم المدن والقبائل اليمنية ص 227.
(3)
الدعيس، قرية فى وادى لحج - معجم المدن والقبائل اليمنية ص 157.
وبقى فى نفر يسير، فقدم إليه جلال الدين ابن أخيه، وأشار عليه بالدخول فى الطاعة، ومدله يد المحالفة، فرجع إلى الطاعة، وأراد جلال الدين أن يتوجه به إلى والده على ذلك، فامتنع عليه، ثم توجه إلى قلعة تعز، فاعتقل بها
(1)
، إلى أن مات الأشرف سنة ست وتسعين وستمائة، فأخرج من الاعتقال لأجل دفن أخيه، فأمر بدفنه، واستمر المؤيد إلى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، كما سنذكره إن شاء الله.
وفى تاريخ النويرى: توفى المظفر المذكور مسموما، سمته بعض جواريه، والله أعلم.
الأمير بدر الدين بكتوت
(2)
بن عبد الله الأقرعى.
مات بدمشق، ودفن بمقابر باب الصغير، بقرية ابن العيد، ولى شدّ الشام زمن الملك الظاهر، وعزل زمن الملك السعيد، وعاد فى زمن المنصور قلاون، وتولى أيضا شدّ الصحبة، وهو الذى حبس قاضى القضاة عز الدين بن الصائغ، وتعصب عليه، وكان جبارا، عنيدا، عسوفا بالفعل والقول، سلطا، معجبا جدا بنفسه، غير أنه كان عفيفا عن أموال الناس، وبيت المال، وكان عليه الديون، ولم يتناول من أحد شيئا فى مدة ولايته، لا هو ولا حاشيته، ولا قبل من أحد هدية، وكان ينتمى إلى أصحاب الشيخ عدى وانتفعت به العدوية.
الأمير ركن الدين أمير عمر أخو تمر.
توفى فى هذه السنة، وكان قد ورد فى الدولة المنصورية مع جماعة.
(1)
انظر أيضا تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 197 - 198.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 411 رقم 686، الوافى ج 10 ص 200 رقم 4681، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 201، شذرات الذهب ج 5 ص 424.
الأمير بكتوت
(1)
الفارسى، مملوك فارس
(2)
الأتابك.
كان من أجل الأمراء، والشجعان المجاهدين، حسن السيرة، توفى فى هذه السنة.
الأمير علاء الدين كشتغدى، حمو السلطان الملك العادل، توفى فى هذه السنة.
الأمير عساف
(3)
بن الأمير أحمد بن حجى، أكبر عربان آل برمك وآل مرى.
مات فى هذه السنة مقتولا، قتله جماز بن سليمان، ابن أخيه، بالقرب من مدينة النبى عليه السلام، وكان قصد الغارة على أهل المدينة وغار على بعضهم، فركب جماز ومعه جماعة، والتقوا معه، فقتله جماز، وتباشرت الناس بقتله، وكان كثير الفتن، وسفك الدماء، وكان شجاعا مقداما، وانتشر له صيت فى البلاد، وكان يدعى أنه من نسل البرامكة، فكان القاضى شمس الدين ابن خلكان يصدقه، وكان يقدم معه عند الملوك إذا اشتد به أمر، وآخره فى الدولة المنصورية.
جمال الدين
(4)
بن مصعب، توفى فى هذه السنة بدمشق، وكان له فيها إقطاع، وكان ظريفا لطيفا شاعرا، وكان يلبس بالفقير
(5)
.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 201، النجوم الزاهرة ج 8 ص 74.
(2)
الأمير فارس الدين الأتابك.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: النجوم الزاهرة ج 8 ص 74.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: كنز الدرر ج 8 ص 360.
(5)
«بالفقير» مكررة فى بداية الورقة التالية بالأصل.
[115]
فمن شعره فى قصيدة يتشوّق فيها إلى دمشق:
دمشق سقاها من دموعى السحائب
(1)
…
وحيّا رباها مدمع لى ساكب
ولا برحت أيدى النسيم عواطفا
…
غصونا لأعطاف الحبيب تناسب
(2)
بحيث يمدّ الظل فاضل برده
…
على الغوطة الفيحاء وتصفو المشارب
ويا حبذا وادى المقاسم واديا
…
لقد جمعت فى جانبيه العجائب
ترى السّبعة الأنهار فيه جواريا
…
فهذا لهذا صاحب ومجانب
وفى النيرب المعمور فضّ بنفسج
(3)
…
به عطّرت تلك الرّبا والرّبائب
(4)
(1)
«سحائب» فى كنز الدرر ج 8 ص 360.
(2)
«المناسب» فى كنز الدرر.
(3)
«روض بنفسج» فى كنز الدرر.
(4)
انظر كنز الدرر ج 8 ص 360 حيث توجد أبيات أخرى من هذه القصيدة.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الخامسة والتسعين بعد الستمائة
(*)
استهلت وخليفة الوقت: الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسى.
وسلطان البلاد: الملك العادل زين الدين كتبغا، ونائبه بمصر: الأمير حسام الدين لاجين السلحدار المنصورى، والوزير: فخر الدين بن الخليلى، ونائب الشام: عز الدين الحموى.
وصاحب حلب: سيف الدين بلبان الطباخى.
وفى مستهل هذه السنة كان الغلاء والفناء بديار مصر شديدا، وقد تعانى الناس به، وكانوا يحفرون الحفيرة فيدفنون فيها القيام من الناس، والأسعار والأقوات فى غاية القلة والغلاء، فمات بها فى شهر صفر مائة ألف وثمانون ألفا، وامتد الغلاء بديار مصر حتى قيل إنه أبيع الفروج بالإسكندرية بستة وثلاثين درهما وبالقاهرة بتسعة عشر درهما، والبيض كل ثلاثة بدرهم، وأفنيت الحمر والخيل والبغال والكلاب، ولم يبق شئ من هذه الحيوانات.
وقال بيبرس فى تاريخه: وكنت فى الإسكندرية فى أيام هذه المحن والفناء والغلاء، وعدت منها إلى الأبواب السلطانية فى هذه السنة، فوجدت حال أهل القاهرة قد آل إلى التلف من المرض الشامل والموت العاجل، ولقد أبيع الفروج
(*) يوافق أولها الخميس 10 نوفمبر 1295 م.
الواحد بعشرين درهما، والبطيخ الواحد بمائة درهم، والسفر جلة بثلاثين درهما، ومكث الناس على ذلك إلى أن [لطف الله بهم و]
(1)
فرج الله هذه الشدّة عنهم
(2)
.
وفى نزهة الناظر: دخلت هذه السنة والحال مستمر على تمادى الغلاء وقلة الجلب، وقبل إدراك الزرع هاجت فى ناحية بلاد المغرب وبرقة ريح سوداء مظلمة، فأثارت ترابا أصفر فكسى زرع تلك البلاد كلها فأرمى سنبله، والذى تأخر دخل فيه فأفسده، فرحل أهل تلك البلاد إلى نحو مصر، واستمرت تلك الريح والتراب الأصفر إلى أن عمت إقليم البحيرة والغربية والشرقية، ثم وصلت إلى أعلى الصعيد، وأخرت الزرع الصيفى جميعه مثل الأرز والسمسم والقصب والقلقاس، وجميع ما يزرع على السواقى، فصار فى كل يوم يتزايد سعر الغلة، ثم أعقب ذلك أمراض اعترت الناس وحمّى مزعجة وأمراض مختلفة، فعم الضعف الناس حتى قلّ من سلم من أهل بيت من ذلك؛ بل غالب كل من فى بيت أو منزل صاروا ضعفاء، فبسبب ذلك تحسن سعر السكر وأنواع الأدوية، وعدمت الفواكه، وبيع الفروج بثلاثين درهما، والبطيخة بأربعين، والرطل منها بدرهم، وبلغ سعر [116] القمح بالتدريج فى هذه المدة الأردب إلى مائة وستين، وسبعين، درهما، ثم إلى مائة وتسعين، والشعير إلى مائة وعشرين، والفول إلى مائة وعشرة دراهم، وكذلك العدس والحمص ونحوهما.
ووصلت الأخبار من بلاد القدس والشام وصلت بتحسين الأسعار فى الغلة، فوصل كل غرارة إلى مائتين وعشرين درهما، والشعير إلى مائة وعشرة، والرطل من اللحم إلى عشرة.
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 191 أ.
وكذلك وصلت الأخبار من بلاد مكة شرفها الله والمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام أن الأردب من القمح وصل عندهم إلى تسع مائة درهم، والشعير إلى سبع مائة، وأن مكة لم يبق فيها من يطوف إلا نفر قليل، وأن أهل قراها وسكان حدائقها انتزحوا إلى أعلى الجبال، وإذا سافر الرجل من مكة إلى المدينة لا يجد من يدله على الطريق، والسعيد منهم من له ناقة أو شاة أو شئ من الماشية يأكل لحمها. وكذلك أهل اليمن وقع فيهم الغلاء المفرط حتى باعوا أولادهم بالقوت، وأن طائفة منهم خرجت قاصدة إلى مكة وعند وصولهم إلى محلة بنى يعقوب وجدوا بها جماعة من أهل مكة قد قتلهم الجوع ولم يبق منهم غير اثنين ضعيفين.
وكذلك وصلت الأخبار من بلاد الشرق بأنهم فى أسوء الأحوال من القحط والفناء وموت المواشى وقلة المرعى ومسك الغيث.
ثم اشتد الحال بأهل مصر حتى صاروا ينهبون الخبز من الأسواق والأفران، وكان إذا خرج الرجل من بيته بطبق العجين يجتمعون عليه ويأخذونه قطعا قطعا، وإذا كان فى الفرن خبز لا يقدرون على إخراجه حتى يكون حوله جماعة من أهل بيته وبأيديهم عصى يمنعون من يتعرض إليه، وكان بعضهم يرمى روحه على الطبق من الجوع والضرب عمال على رأسه وظهره وهو لا يلتفت فيضرب حتى يقع مغشيا عليه وهو ماسك رغيفا أو قطعة منه بأسنانه.
ثم اتفق رأى السلطان مع الأمراء على أن يفرقوا الصعاليك على الأمراء والأغنياء، فكتبوا باسم أمير مائة، وباسم آخر خمسين، وباسم آخر عشرين، وباسم آخر عشرة، فخف عن الناس ما كانوا يجدونه، ثم جاء الوباء والفناء فى
بلاد مصر وكثرت الأمراض الحادّة وتحسنت أسعار الأشربة والأدوية والحقن ونحوها، فصار كل شئ بأضعاف قيمته.
قال الراوى: كان دكان برأس حارة الديلم يعرف بدكان الهندى باع صاحبها فى شهر واحد باثنين وثلاثين ألف درهم من الأشربة والأدوية، وكان مثل ذلك دكاكين أخرى معروفة فى السيوفيين والوزيرية وخارج باب زويلة، وكان كل طبيب يحصل فى كل يوم من مائة درهم إلى أقل وأكثر، وكانت ورقة المواريث يكتب كل يوم من الموتى بثلاثة آلاف درهم وكسور هذا للاطلاق من الديوان، وأما الطرحا على الدكاكين والذين يموتون فى الأزقة ونحوها فلا يحصرون ولا يضبطون، وكانوا يحفرون حفرا وآبارا ويرمون الموتى بعضهم على بعض إلى أن جافت بهم الطرقات والأسواق والنواحى، وكان الذى أعقب هذه
(1)
الوباء فى هذا الغلاء كثرة أكل لحم بنى آدم، فإن الناس من الجوع كانوا يأكلون الموتى، وخصوصا موتى الأطفال، وكانوا يجدون الرجل والمرأة ميتين وعند رأسهما لحم الميت، وكان يمسك بعضهم فيوجد معه كتف صغير [117] أو فخذه أو شئ من لحمه.
وفى تاريخ النويرى: أكل الناس الميتة من الآدميين والدواب والكلاب، وحكى أن متولى القاهرة وجد ثلاثة نفر وبين أيديهم صبىّ سباعى قد قطعوا يديه ورجليه وشووه وهم يأكلون فيه مع خل وبقل وليمون مالح، وقرّرهم فاعترفوا أنهم فعلوا بالأمس بصبى آخر كذلك، فشنقوا على باب زويلة، فلم يصبح منهم شئ؛ بل أكلهم الناس.
(1)
هكذا بالأصل.
وفى نزهة الناظر: ومن حزن فى تلك السنة غّلة ربح ربحا نهاية، ولكن كثير منهم أصيب فى نفسه بشئ من الآفات التى نفق فيها ما كسبه من ذلك.
قال: إن بعض أصحابنا كان عنده نحو ستمائة أردب، وباع كل أردب بمائة وخمسين ونيفا، ثم لما رأى زيادة السعر فى الثمن ندم على ذلك ندما عظيما، ثم عمّر من ثمن القمح الذى باعه قصرا وزخرفه بالرخام وغيره، وعند فراغه احترق جميعه حتى لم يبق منه شئ ينتفع به أصلا.
قال: وكان الناس فى أشدّ ما يكون من ذلك، والسلطان ينزل إلى الميدان وهو خائف على نفسه، محترس من إيقاع فتنة، ووقع فى خاطره أن يعمل اصطبل الجوق الذى للمماليك السلطانية ميدانا، وهو اصطبل مجاور لبركة الفيل مقابل للجامع الطولونى، وحسن له الأمراء ذلك فعمّر ميدانا، وأنشأ حوله أماكن وبيوتات، وأول ما أنشأ فيه علم الدين سنجر الخازن، فنسب الحكر جميعه بإنشائه وبقى إلى يومنا هذا معروفا بين الناس بحكر الخازن، واتخذت فيه الأمراء الإصطبلات والمناظر، واتصلت العمارة إلى بركة الفيل، فصار حكرا كبيرا إلى الغاية، وكان السلطان ينزل إليه من القلعة ولا يجد أحدا من العالم يقف بين يديه، ولا يدعو أحد غير جماعة من أصحاب الدكاكين هناك.
قال: وفيها توقف حال الوزير فظلم الناس كثيرا، ولذلك شرعت حاشية السلطان ومماليكه فى أخذ الأموال والبراطيل، فحصل للناس بسبب ذلك ضرر عظيم، ومع ذلك كانوا يسيئون الأدب على الأمراء والأجناد، وضاقت الأحوال على الناس من وجوه كثيرة، ومع هذا توقفت حال الفلوس إلى أن استقرت بالميزان، وهذا أول من وزنت الفلوس فى دولته، كل رطل بدرهمين.
وقال بيبرس فى تاريخه: وفيها وهى فى سنة خمس وتسعين وستمائة ورد إلى البلاد الشامية طائفة كثيرة من التتار الأويراتية
(1)
صحبة طرغاى
(2)
، وقد ذكرنا طرفا من ذلك فى السنة الماضية
(3)
على ما ذكره ابن كثير ولكنه ما ذكره مستوفى.
قال بيبرس: وكان سبب هربهم من بلادهم أن طرغاى كان متفقا مع بيدو [بن طرغاى
(4)
] على قتل كيخاتو
(5)
، فلما وصل الملك إلى قازان بن أرغون خاف طرغاى على نفسه لئلا يأخذه بقتل عمه، فيجعل ذلك الذنب وسيلة إلى سفك دمه، وكان مقيما بتمانه بين بغداد والموصل، وكان ابن بغا مقيما بتمانه بديار بكر، فأرسل قازان بولاى ومعه تمان إلى دياربكر عوضا عن أسنبغا، وأوصاه بأن يحفظ الطرقات على طرغاى وجماعته، وإذا وصل من يندبه لقتله يكون مساعدا له، وجهز قازان أيضا أميرا يسمى قطغو فى ثمانين فارسا ليقبضوا على طرغاى ومن معه من قبيلة [118] أو
(6)
يرات، فأحسّ بما دبر عليه قازان، وعلم أن قطغو إنما جرد إليه للقبض عليه، فاتفق هو والأمراء الذين معه وهم ألوص وككتاى فقتلوا قطغو ومن معه، وعبروا الفرات وحضروا إلى الشام، وبلغ بولاى أنهم ساروا نحو الفرات فسار
(7)
فى آثارهم، فالتقوا وتصافوا معه فكسروه، وقتلوا أكثر التمان الذين معه، وطرغاى هذا كان متزوجا ببنت منكوتمر بن هلاون.
(1)
أويراتية: نسبة إلى لفظ أويرات، وهو اسم جنس يطلق على عدة قبائل مغولية سكنت الجزء الأعلى من نهر ينسى بأواسط آسيا - السلوك ج 1 ص 708 هامش (3).
(2)
انظر ترجمة: طرغاى بن عبد الله التترى - فى المنهل الصافى.
(3)
انظر ما سبق ص 278 وما بعدها.
(4)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(5)
«كيختو» فى زبدة الفكرة.
(6)
«من أكابر قبيلة أو يرات» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 204.
(7)
«فساروا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.
فلما وردت مطالعات نواب الشام إلى الأبواب السلطانية بوصول هؤلاء الأويراتية أرسل زين الدين كتبغا إليهم الأمير علم الدين سنجر الدويدارى من دمشق لينزلهم فى بلاد
(1)
الساحل، ويحضر مقدميهم وكبارهم إلى الباب العزيز، فأنزل نسوانهم وأولادهم وعامتهم فى بلد الساحل، وأحضر من أعيانهم نحو مائتى فارس صحبة
(2)
طرغاى وككتاى والوص
(3)
مقدميهم، فلما وصلوا تلقاهم زين الدين كتبغا بالإكرام، وعاملهم بالإنعام، [وألم بهم غاية الإلمام]
(4)
، وعجل لهم الخلع والهبات، وأعطى أكابرهم الطبلخانات «وصاروا يجلسون بالقلّة فى مراتب الأمراء ومقاعد الكبراء»
(5)
.
وكان الصواب أن يدرجوا قبل أن يقدموا ويمهل عليهم حتى يسلموا، فإذا دخلوا فى الدين وأقاموا شعائر المسلمين، وعرف منهم ذلك باليقين، يرفع منهم من يستحق الرفعة، وينقلون إلى الأخباز والإمرة.
فلما رأى أمراء الإسلام ما فعله مع هؤلاء على غير القياس، وأنه قدمهم على أكابر الناس كرهوا منه هذه الفعلة، مع ما فى النفوس من تغلبه على السلطنة وخلعه وارث المملكة، فتغيرت له الخواطر، وتكدرت منه الضمائر، وتوثبت مماليكه على الإقطاعات والحمايات، وامتدت أيديهم إلى الرشى والجبايات، وتكبروا على الكبراء، وتقدموا على قدماء الأمراء، وغلبوه على رأيه، وحجبوه
(1)
«بلد» فى زبدة الفكرة.
(2)
«مائة فارس وثلاثة عشر فارس» فى كنز الدرر ج 8 ص 362.
(3)
«وأركاوون» فى كنز الدرر.
(4)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(5)
«» ساقط من نسخة زبدة الفكرة التى بين أيدينا.
بحجاب وجعلوه من ورائه، ولم يتنبه لردعهم ولا تيقظ لمنعهم، فتمكنت البغضاء» وتزيدت الشحناء، [وهو لا يعلم بما تم، ولا ينظر فيه نظر من بحسمه يهتم]
(1)
، وصار الأمراء يعتقدونه راضيا بهذه الأمور، فامتلأت بالإحنة صدور الصدور، وكان كما قيل:
وإن
(2)
…
كنت لا تدرى فتلك مصيبة
وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم
(3)
وفى نزهة الناظر: ومما قاله شمس الدين ابن دانيال
(4)
فى ذلك:
ربنا اكشف عنا العذاب فإنا
…
قد هلكنا فى الدولة المغلية
جاءنا المغل والغلا فانسلقنا
…
وانطبخنا فى الدولة المغلية
وفيه: لما قرب هؤلاء من القاهرة أمر السلطان لسائر الأمراء والعسكر إلى لقائهم، فخرجوا، وخرج أهل المدينة كافة، وكان يوما مشهودا، ثم أنعم على مقدميهم طرغاى بطبلخاناة، وكان عزم على أن يعطيه إمرة مائة وتقدمة ألف، فأشار عليه الأمراء أن يكون طبلخاناة وبعد قليل يكبره، وأنعم على ألوص بإمرة عشرة، والبقية بأخباز وإقطاعات، وعظمهم تعظيما عظيما، فصار طرغاى يجلس مع مقدمى الألوف، وتزايد ضرر العالم بالغلاء والويل، ورأت السوقة من تلك الطائفة وسوء أخلاقهم وبذاذة نفوسهم ما كرهوه، وقصد
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(2)
«فإن» فى زبدة الفكرة.
(3)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 191 أ - 192 أ، التحفة الملوكية ص 146، وانظر أيضا المواعظ والاعتبار ج 2 ص 22 - 23.
(4)
هو محمد بن دانيال بن يوسف الخزاعى الموصلى، الحكيم الكحال، الأديب، المتوفى 693 هـ/ 1293 م - المنهل الصافى، وورد ذكر وفاته سنة 710 هـ/ 1310 م - فى فرات الوفيات ج 3 ص 330 رقم 443.
الأمراء بعد اتفاقهم مع السلطان أن يتحدثوا فى أمر إسلامهم واشتمالهم على الدين الحنيفى [119]، وأن يتعلموا فرائض الإسلام، فتحدث السلطان مع طرغاى فى هذه القضية، فلم يجد لهم قابلية فى ذلك الوقت، وعرّف الأمراء أنهم يحتاجون إلى تطويل المدة فيهم والتدريج بأمرهم قليلا قليلا.
قال ابن كثير: وفى يوم السبت الثانى عشر
(1)
من جمادى الأولى ولى قضاء القضاة بالديار المصرية الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقى الدين بن دقيق العيد
(2)
، عوضا عن تقى الدين بن بنت الأعز.
ثم أرخص الناس بمصر، وزال الضرر والجوع فى جمادى الآخرة.
وفيها فى رجب: وقعت صاعقة على قبة زمزم فقتلت الشيخ على بن محمد بن عبد السلام مؤذن المسجد الحرام، كان يؤذنّ على سطح القبة المذكورة
(3)
، وكان قد روى شيئا من الحديث، رحمه الله.
ذكر توجه السلطان الملك العادل كتبغا من الديار المصرية قاصدا إلى الشام:
وفى نزهة الناظر: والسبب لذلك أن الأمراء الأكابر لم يعجبهم ما فعله السلطان مع الأويراتية من كثرة الإكرام وعلو منازلهم ورفعتهم فوق غيرهم،
(1)
«ثامن عشر» فى السلوك ج 1 ص 813.
و «فى يوم الخميس سادس عشر» فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 205.
(2)
هو محمد بن على بن وهب بن مطيع القشيرى، المعروف بابن دقيق العيد الشافعى، المتوفى سنة 72 هـ/ 1302 م - المنهل الصافى، الوافى ج 4 ص 193 رقم 1741، فوات الوفيات ج 3 ص 442 رقم 486، الدرر ج 4 ص 210 رقم 4120.
وانظر ما يلى ص 319.
(3)
انظر السلوك ج 1 ص 815.
واتفق أنه دخل شهر رمضان المعظم ولم يروا أحدا منهم صام؛ بل رأوا أكثرهم مفطرين، فخاطب الأمراء السلطان فى ذلك وقالوا: ينبغى أن يخاطب هؤلاء فى الإسلام ويتعلمون شرائع الدين، ولا يمكن أن هؤلاء فى بلاد الإسلام وفى مملكة مصر على غير دين الإسلام، فلم يرجع إلى شئ من كلامهم، فقال: لا يشوش أحد عليهم، فخلّوهم يكونون على دينهم.
فوجد الأمراء من ذلك أمرا عظيما مع تطاول مماليكه وحاشيته عليهم، وعلى الناس من كثرة المظالم والحمايات، مع ما اتفق من الغلاء والوباء، فاتفق الأمراء فيما بينهم على عزله من الملك، ولم يجدوا لذلك سبيلا غير أن يشيروا عليه بخروجه إلى السفر ليحصل لهم الغرض، فأخذوا معه فى ذلك، وحسنوا له الخروج لافتقاد أمور البلاد والعباد، وعرض العساكر ونواب القلاع، ولتكون أيضا سمعة فى بلاد العدو أن السلطان قد خرج ومعه العساكر، وأيضا يحصل التخفيف فى الديار المصرية من العساكر.
فأجابهم إلى ذلك، وخرج فى العشر الأخير من شوال
(1)
من هذه السنة، فقدم دمشق يوم السبت نصف ذى القعدة، ودخلها والأمير بدر الدين بيسرى حامل الجتر على رأسه.
قال صاحب النزهة: وخرج نائب الشام إلى ملتقاه، ولم يجد أهل الشام محتفلين له كعادة الملوك المتقدمة عند دخولهم، فطلب الوالى وأمره أن يخرج أهل دمشق إلى الملاقاة، ويوقدوا الشمع، ويظهروا الفرح بقدوم السلطان،
(1)
«فى يوم السبت سابع عشر شوال» - السلوك ج 1 ص 816 تاريخ، ابن الفرات ج 8 ص 212، النجوم الزاهرة ج 8 ص 61، كنز الدرر ج 8 ص 365.
وورد ذكر خروج السلطان إلى الشام، وما تلاه من أحداث فى بداية حوادث سنة 696 هـ فى التحفة الملوكية ص 147.
ويزينوا المدينة، فركب الوالى وفعل ما أمره، ففعلوا ذلك مكرهين من غير خاطر، وأعلنوا بالدعاء للأمير حسام الدين لاجين ومماليك السلطان مثل بتخاص والأزرق وغيرهما، علموا ذلك وشاهدوا، فلم تطب خواطرهم، وعرفوا بذلك السلطان وأغروه على نائب الشام وأهلها، فطلب الصاحب فخر الدين بن الخليلى واتفق معه على مصادرة جماعة من دواوين الشام ومباشريها، فرسم عليهم وعلى شمس الدين سنقر الأعسر مشد الدواوين، وعلى الأمير سيف الدين اسندمر كرجى متولى البر، وشرف الدين بن فضل الله كاتب السر بدمشق، واستخرج من أهل الشام [120] أموالا كثيرة، وأهانهم إهانة بالغة، ومسك الأمير عز الدين أيبك الحموىّ نائب الشام وولى عوضه مملوكه غرلو
(1)
العادلى، وأخذ أموال نائب الشام، وختم على سائر حواصله فلم يطب ذلك على خواطر الأمراء.
وكان قد ورد صاحب حماة إلى ملتقى السلطان، فاجتمعت به الأمراء واتفقوا معه على الكلام مع السلطان فى أمر نائب الشام، فحضروا إليه وقالوا يا خوند: إن الأمير عز الدين رجل من أكابر الدولة، وله خدمة متقدمة، ولم يظهر منه قط حياته، فعلم السلطان أنهم متفقون على خلاصه، فأجابهم إلى ذلك، فطلب الحموى وخلع عليه خلعة الرضى، ثم خلع على مملوكه غرلو بنيابة الشام، وكانت خلعة العزل والرضى وخلعة التولية فى وقت واحد، ثم إن السلطان جرد من عسكر الشام جماعة صحبة عسكر مصر وأمرهم أن يتقدموا إلى حلب، وأقام بعد ذلك بدمشق، وصلى بجامع بنى أمية.
وقال ابن كثير: لما كان يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذى القعدة صلى الملك العادل بمقصورة الخطابة، وعن يمينه صاحب حماة الملك المظفر، وتحته
(1)
«أعزلوا العادلى» فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 61.
بدر الدين أمير سلاح، وعن يساره أولاد الحريرى، ثم بدر الدين بيسرى، وتحته قراسنقر، وإلى جانبه الحاج بهادر، وخلفهم الأمراء الكبار، وخلع على الخطيب خلعة سنية، وهو قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة، ولما قضى الصلاة سلّم على السلطان، وزار السلطان المصحف العثمانى، ثم أصبح يوم السبت فلعب بالميدان بالآكرة على العادة.
وفى يوم الإثنين ثانى ذى الحجة
(1)
عزل الأمير عز الدين الحموى عن النيابة، وعاتبه عتابا كثيرا على أشياء صدرت منه، ثم عفى عنه وأمره بالمسير معه إلى مصر، واستناب بالشام سيف الدين أغرلو، ثم حضر السلطان دار العدل وحضر عنده الوزير والأمراء والقضاة، وكان عادلا كما سمىّ.
وفيه تولى شهاب الدين الحنفى الوزارة، عوضا عن التقى التكريتى، وولى تقى الدين بن شهاب الحسبة، عوضا عن أبيه، وخلع عليهما، ثم سافر السلطان فى الثانى عشر
(2)
من ذى الحجة واجتاز على جوسية
(3)
، ثم أقام بالبرّية أياما، ثم عاد فنزل حمص وجاء إليه نواب البلاد، ثم عاد نحو ديار مصر.
وفى نزهة الناظر: وبعد أن صلى السلطان بجامع بنى أمية خرج قاصدا نحو حمص، وضرب الدهليز على بحيرة حمص، وصار فى كل يوم يتوجه إلى الصيد وصحبته صاحب حماة، واتفق أن السلطان رمى غزالا فى الحلقة وأحضره معه إلى
(1)
«أول يوم من ذى الحجة» تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 214.
(2)
«وفى ثامن عشر» تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 214.
(3)
جوسية: قرية من قرى حمص، تقع إلى الشرق من حمص بنحو 18 ميلا، فيما عيون تسقى أكثر ضياعها، وقد اشتراها الصاحب شهاب الدين الحنفى للملك العادل - معجم البلدان، النجوم الزاهرة ج 8 ص 61.
الدهليز، وكان قد حضر عنده الشيخ حسن القلندرى
(1)
- شيخ القلندرية بدمشق - وكان ممن يصحب السلطان وينتمى إليه وإلى جماعة من الأمراء، فقال له يا شيخ حسن: هذا صيد يدى خذه لك، فقبل الأرض وقال: يا خوند:
يأخذ الفقراء هذا الغزال ويودّونه
(2)
إلى موضع يختارونه، ويعملون هناك وقتا ويدعون للسلطان، فقال: وأين تودّيه؟ فقال: إلى صاحب حماة، فتبسم وقال له: خذ، فأخذه وأتى به إلى صاحب حماة فأنعم عليه بتشريف طرد وحش وكلوتاه زركش، فأراد أن يمتنع من لبس الكلوتاه وقال: أنا رجل فقير قلندرى لا يمكننى أن ألبس غير لبسى. فقال له: إن [121] التشريف تشريف السلطان، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، فلبسه، وحضر عند السلطان وعرفه أنه أكرهه على لبس الكلوتاه، فاجتمعت حوله الأمراء وانبسطوا معه كما هى عادتهم معه من الانبساط والضحك، وهم فى ذلك وإذا صاحب حماة قد حضر، فتقدم إليه الشيخ حسن وقال له يا خوند: إيش عملت معى؟ وقد أنكرت على الأمراء والفقراء يطالبوننى على ذلك، فأنعم عليه بألف دينار، ولما حضر إلى دمشق عمل وقتا عظيما فى زاوية الشيخ الحريرى، وحضرت عنده مشايخ دمشق وفقراؤها.
ثم إن السلطان أقام هناك أياما برسم الصيد والتنزه، ثم رجع إلى ناحية دمشق وأقام بها أياما، وفى تلك المدة زاد فى إكرام طرغاى وألوص والأويراتية،
(1)
هو حسن الجواليقى القلندرى المتوفى سنة 722 هـ/ 1322 م - المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 9 ص 256، الدرر ج 2 ص 135 رقم 1579.
وانظر ما جاء عن الشيخ حسن القلندرى فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 192 ب - 193 أ.
(2)
أى ينقلونه.
وقرّبهم إليه جدا، ووعد لهم بمواعيد حسنة، فصار يلهج بذكرهم مع أكابر الأمراء ويبث شكرهم، وكان كثيرا ما يذكرهم لنائبه الأمير حسام الدين لاجين، وكان لاجين يستحسن جميع ما يصدر منه من القول والفعل، ثم يعرّف الأمراء ما فى نفس السلطان من الفعل إلى أن تحملوا كلهم عليه، فاتفقوا على خلعه.
ذكر اتفاق الأمراء على خلع السلطان:
وكان السبب لذلك أمورا منها تقديم السلطان الأويراتية لكونهم من جنسه، ومنها عدم التفات السلطان إلى كلام الأمراء الكبار، ومنها تطاول مماليكه على الناس وخصوصا على الأمراء بالإساءة وقلة الأدب، فشرعت الأمراء عند ذلك فى التدبير على خلعه، وانتهزوا الفرصة فى هذه السفرة، واجتمع الأمير حسام الدين لاجين بالأمير سيف الدين بهادر الحاجب وغيره، واستوثق بعضهم بالبعض باليمين، وكذلك قراسنقر وبقية الأمراء، فصار كل منهم يخلو بأمير أو بخشداشه إلى أن وصل الأمر إلى البيسرى والأمير قفجاق، فاتفقوا كلهم على خلعه من غير قتله، وقصدوا مجرّد خلعه عن المسلمين وإزالة ما نالهم من الضرر والفناء والغلاء وقلة الوفاء من النيل والمظالم من مماليكه والتفاته إلى جهة الوافدين من الأويراتية، ووقع اتفاقهم على ذلك عند خروجه من دمشق وقبل دخوله إلى مصر.
وكان خروجه من دمشق فى العشر الأول من محرم السنة الآتية، وما وصل إلى منزلة العوجاء إلا وقد اجتمعت قلوب سائر الأمراء على خلعه من الملك وتفريق حاشيته، فحين وصلوا إلى العوجاء ونزلوا، ونزل السلطان، ركبوا،
فأول ما ركب نائب السلطان والحاج بهادر الحاجب ونشر كل منهما سنجقه، وكان بقى العلامة بينهم، فعند ذلك ركب الأمير قفجاق وقراسنقر وبيسرى وسائر الأمراء، وأول ما اصطلى بنار الحرب الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة، ولم يكن له همة غير مخيم الأمير بدر الدين بكتوت الأزرق - لما كان يعلم من قوته وشدته - وكان مشهورا بالفروسية فخشى عاقبة أمره فجعله قصده، ثم لما ساق إلى خيمته سمع الأزرق وقوع الصوت وهيجان الخيل، فنهض عند ذلك من خيمته ينظر ما ذاك، فرأى موكب لاجين قد أقبلت، ورأى الخيل قد أدركته، وأنه ليس له مهلة أن يعتد وما قدر إلا على فرسه، فركب وأخذ شطفته التى يعتادها، [122] فأدركته الخيل، وبقى لا يدرى يقصد من، واحتاطوا به، وضربه مملوك يسمى طيبرس ويلقب بوجه الحسب، وكان من جلة المماليك السلطانية الذين فرقهم كتبغا على الأمراء، وكان المذكور وقع للأمير حسام الدين لاجين، ولما ضربه بالسيف حل عاتقه فوقع على الأرض قتيلا وكانت خيمته مجاورة لخيمة بتخاص، فلما رأى الغلبة فى مخيم الأزرق أراد أن يركب فلم يمهلوه فقتل على باب مخيمه.
وأما السلطان فإنه قد كان تخلف وجلس مع بعض خاصكيته، فسمع الطبلخاناة والغلبة أمر من يكشف الخبر، فرجع وقد اختبل مما رآه، فنهض السلطان بنفسه فنظر، وإذا الخيل قد أقبلت، وسناجق الأمراء قد نشرت، وكان عنده بعض الخبر من ذلك فإن الأمير بدر الدين أمير شكار كان ممن أنشأه السلطان وكبره فى دولته وقربه حتى صار أمير شكاره وصاحب مشورته، وكان من مماليك الخزندار نائب الدولة الظاهرية، وكان صاحب معرفة وتدبير، وكان قد تنسم بعض الخبر عند خروجه من دمشق، وعرف السلطان بذلك وحذره، فلم يعبأ به السلطان، ولم يعتقد صحة ذلك، فلما رأى ما رأى تحقق
الخبر، فقام ولم يلحق غير لبس شاشه وقباء فوقانى، وركب فرسه
(1)
، وركب معه من مماليكه مقدار عشرين نفسا كانوا قريبين منه، وركب من سلحداريته مملوك له يسمى سيف الدين تكلان، وخرجوا من المخيم وقصدوا نحو دمشق، ولحق أيضا الأمير بدر الدين أمير شكار، وقال له: يا خوند: ما قلت لك، ما سمعت منى، فقال: فات الذى فات، وما لحقوا أن يخرجوا من أطراف الحيم حتى أدركهم لاجين فى موكبه، وسبق إلى السلطان حمدان بن صلغاى، وكان ممن أحسن إليه العادل فى دولته، فلم يمكنه أمير شكار. وصاح عليه، وقال: ويلك هذا جزاؤه منك، فرجع عنه، وقصد موكب لاجين الإدراك بالسلطان، فمنعهم من ذلك وقال: ما قصدنا غير خلعه وهو خشداشى وبينى وبينه أيمان، ما أخونه فى نفسه، غير أنكم إن أردتم فألحقوا بمماليكه، وبقى يسوق على مهله، فرجع إليه مملوك العادل تكلان السلحدار، وأراد أن يهجم على لاجين ويشغله عن أستاذه أو يقتله أو يموت، فرآه لاجين وقد عرج نحوه، فتقدم فأدركه وضربه بالسيف، فجرحه فى وجهه، وضرب هو أيضا لاجين، فجرح فرسه، ثم ضربه لاجين فى ثلاث مواضع وجرح فرسه فى أماكن عديدة، فوقع الفرس على الأرض ووقع تكلان، فقصدوا قتله، ومنعهم لاجين، وأمر بأن يحمل فحملوه، وهو مثخن بالجراحات، وقال: مثل هذا المملوك إذا قاتل عن أستاذه ما ينبغى أن يقتل.
ووقعت النهبة فى الوطاق، وما جاء المغرب حتى رجعت الأمراء بأطلابها وسكنت الحال، ورجعوا إلى مخيمهم ونزلوا، وأخذت حاشية كتبغا فى
(1)
«ركب فرسا كان يسمى عنده ابن قمر» - كنز الدرر ج 8 ص 366.
الهزيمة، واستمر كتبغا سائقا إلى أن وصل إلى دمشق ومعه عشرون مملوكا، ودخل دار السعادة فى السحر، واجتمع بمملوكه أغرلو نائب الشام، وأخبره ما اتفق له مع لاجين نائبه والحاج بهادر، وكيف غدروا به بعد الوثوق بهم.
وبلغ أهل دمشق حضوره [123] وعلموا أنه ما جاء على هذه الهيئة إلا لأمر حصل. وكان قد وقع فى نفوسهم له من الكره لأجل مصادرته إياهم، واجتمع على باب سعادة خلق كثير.
ورأى أغرلو أن السكوت فى هذا الموقف يؤول إلى الفساد، فاقتضى رأيه طلب الأمراء والمقدمين، فحضروا، وطلب القضاة أيضا فحضروا، وعرفهم بما وقع من لاجين فى حق السلطان، وأنه ما اختار أن يعمل فتنة، ولا يسفك دما، وأنه قصدهم لما يعلم فيهم خيرا، ثم قال لهم: هل أنتم على اليمين التى حلفتم، وأنكم رضيتم بسلطنتى، أو أنتم أيضا غدرتم، فقالوا: نحن ما حلفنا لغيرك وما رضينا سلطانا غيرك، فقدموا المصحف وحلفوا له ثانيا بأنهم باقون على أيمانهم لا ينقضون ولا يغدرون.
ثم أسرع السلطان فى تفريق الأموال والنفقات فى الجند، وقدر فى نفسه أن يملك دمشق ويستمر سلطانا بها، ويستخدم عساكرها، كما فعل من تقدمه.
ذكر بقية الحوادث:
منها أن السلطان أفرج عن الأمير عز الدين أيبك الخزندار، نائب طرابلس، وكان اعتقاله دون أربعة أشهر، ولما كان السلطان بدمشق عرفه الأمراء بأنه من مماليك الشهيد، وأكبر خشداشية السلطان، وكان السلطان قال لهم
إنه كثير الشر والعربدة، وأنه سكر، وقيل: أستاذ داره، لما تحدثوا معه فى خلاصه، سعى إليه واستتابه عن الشراب فتاب، وضمنته الأمراء، وأفرج عنه وأنعم عليه بمال من الخزانة وإقطاع مائة فارس.
ومنها أنه وردت الأخبار فى هذه السنة بإسلام قازان بن أرغون بن أبغا ملك المغول، والسبب فى إسلامه أن وزيره نوروز
(1)
كان من أكابر أمراء المغول، وله المنزلة الكبيرة، وكان يصحب المشايخ والفقراء، واطلع على كتب كثيرة، وعلم حقيقة دين الإسلام، ولما حصل له من القرب من قازان، وتوثق به قازان، وحكمه فى مملكته، اتفق فى تلك المدة وصول الشيخ صدر الدين بن محمد ابن حمويه الشافعى إلى نوروز، فتحدث معه، وأمره أن يستميل قازان إلى الإسلام، فاجتمع نوروز بقازان وتحدث معه فى دين الإسلام، وبين له محاسنه، وما يحصل له من البركة، واستجلاب الرعية والتجار، ولم يزل به على ذلك إلى أن وافق على ذلك، وقال له: ينبغى أن يكون إسلامك على يد الشيخ صدر الدين المذكور، والشيخ علم الدين بن البرزالى، وكان عند نوروز، وكان كبير القدر، واتفق مع ذلك وصول الشيخ صدر الدين الجوينى بن شيخ الشيوخ ببغداد، وكان معظم القدر، صاحب علم ودين وبر، فاتفق الجميع، ودخلوا على قازان، فتلقاهم بالإكرام والقبول، وهداه الله إلى دين الإسلام، فأسلم على يدهم، وكان ذلك فى العشر الأخير من شعبان، فعند ذلك أمر بالمناداة فى أوردو برفع المظالم عن الناس، وإظهار شرائع الإسلام، وأمر بعمارة المساجد والجوامع، وصام شهر رمضان، وأسلمت معه جماعة من المغول، وكان له يوم الفطر عيد عظيم، وسمع الخطبة، ونثر على رأسه يوم صلاته فى يوم العيد الذهب والفضة، وأمر أن تعمل له سناجق خليفتيّة، ورسم أن تخرب الكنائس والبيع، وقرر على
(1)
«نوزون» فى البداية والنهاية - انظر ما سبق ص 280.
اليهود والنصارى الجزية، وأقام الشيخ عنده يعلمه فرائض الإسلام، وقصد الشيخ الحج فجهزه، وسيّر معه نفقات كثيرة تعطى [124] لأشياخ مكة وفقرائها. وشاع خبره فى بلاد مكة وغيرها بأنه أسلم.
ولما وصل الخبر بذلك إلى السلطان، جمع الأمراء لذلك وعرفهم، فلم يعجب ذلك بعض الأمراء الكبار، وأنكروا إسلامه، وأنه ربما يكون ذلك مكيدة على المسلمين ليطمئنوا ثم يمشى عليهم على غفلة منهم.
ولما بلغ ذلك طرغاى وأصحابه الأويراتية أنكروه أيضا، وخطر لهم أنهم أشاعوا ذلك ليرغموهم على الإسلام، فلم يلتفتوا إلى ذلك القول.
وقد ذكرنا أن ابن كثير ذكر إسلام قازان فى السنة الماضية
(1)
، وذكرنا طرفا منه.
ومنها أنه وقعت فى هذه السنة أعجوبة، وهى أن بعض الأمراء بالقاهرة كان جالسا على باب داره، وإذا بامرأة فقيرة تسأل، وهى من أحسن الناس صورة، فاستوقفها، وقال للخادم: خذ هذه وادخل بها الدار، واطعمها حتى تشبع، وكان ذلك من قوة الجاه، فدخل بها الخادم، وأحضر لها رغيفا فأكلته، ثم أحضر ثانيا فأكلته، ثم أحضر ثالثا فأكلته، ثم قال الأمير: هاتوا لها زبدية طعام لأجل الدسم، فأحضروا لها خافقية كبيرة، فأكلت أكثرها، ثم استندت إلى الحائط لتستريح، فإذا بها قد ماتت، ووجدوا على كتفها جرابا مسحورة باقى ما فيه يد صغير ورجله
(2)
.
(1)
انظر البداية والنهاية ج 13 ص 340.
وانظر ما سبق ص 280.
(2)
انظر أيضا السلوك ج 1 ص 814.
ومنها أنه ظهر بدمشق قتل فاحش، فكان كل يوم يوجد إثنان وثلاثة مقتولين، ولم يدروا ذلك حتى أتى « .... »
(1)
حتى حضر والى المدينة، وأرصد جماعة « .... »
(2)
أبوابا للدروب، وبقى يركب طول الليل دابته ويدور البلد، والأمر فى تزايد والأقاويل مختلفة، وفى بعض الليالى مسكوا فقيرا مولها فاعترف أنه هو الذى يقتل، فأخذوه وسمروه، فسكن الناس واطمأنوا.
ومنها فى العشر الأول من المحرم أشاع فى دمشق حديث عن قاض قرية عسال
(3)
من قرى دمشق، أنه تكلم ثور فى القرية المذكورة، وهو أنه خرج ليشرب من ماء هناك ومعه صبى، فلما فرغ من شربه حمد الله تعالى، فسمعه الصبى، وحكى ذلك لمالك الثور، فأنكره، وخرج فى اليوم الثانى سقيه مع الثور، فلما شرب حمد الله، وحدث بذلك الحاضرين هناك، ثم قال الثور أن الله كان قد كتب على الأمة سبع سنين جدبا، ولكن بشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم أبدلها بالخصب، وذكر أن النبى عليه السلام أمره تبليغ ذلك، وأنه قال له: يا رسول الله ما علامة صدقى عندهم؟، فقال: أن تموت عقيب الإخبار. قال الحاكى:
ثم قدم الثور إلى مكان مرتفع فمات
(4)
، فأخذ أهل تلك القرية من شعره للتبرك، ثم كفن ودفن
(5)
.
(1)
« .... » كلمة غير مقروءة.
(2)
« .... » ثلاث كلمات غير مقروءة.
(3)
«جبة عسال» فى السلوك ج 1 ص 811.
جبة عسيل: ناحية تشمل عدة قرى بين دمشق وبعلبك - معجم البلدان.
(4)
«ثم مضى الثور إلى موضع مرتفع وسقط ميتا» - السلوك ج 1 ص 811 - 812.
(5)
وردت نفس القصة فى أحداث سنة 693 هـ، وعلى أنها حدثت فى قرية من قرى نواحى الصعيد بمصر - انظر بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 380 - 381.
ومنها ما قال بيبرس فى تاريخه: جردت إلى الإسكندرية، وكان قد بلغ زين الدين كتبغا قبل سفره إلى الشام أن العربان الذين ببرقة قد عبثوا بالمسلمين، وباعوا منهم جماعة للفرنج، وأن منصور بن روق كان الباعث على بيعهم بسبب الغلاء الذى عم تلك البلاد، وأحوج الأباء إلى بيع الأولاد، فوردت إلىّ مكاتبات العادل بالتوجه إلى برقة ومقاتلة هؤلاء إن كان ما نقل عنهم حق، وجرد الأمير سيف الدين بلبان الحبشى وأصحابه وجماعة من الحلقة، فعزمنا على التوجه إلى الجهة الغربية، وبرز من ثغر الإسكندرية، ونزلنا على تروجة، فبينما نحن عليها نازلون وللرحلة مزمعون، ورد البريد يخبر
(1)
بخلع زين الدين كتبغا من الدست واستقرار الأمير حسام الدين لاجين المنصورى فى الأمر، ورسم لنا بالعود إلى القلعة، فعدنا فى أوائل سنة ست وتسعين وستمائة
(2)
.
[125]
ومنها: أنه ولى القضاء بالديار المصرية على الطائفة الشافعية الشيخ تقى الدين محمد بن على بن أبى العطايا القشيرى المعروف بابن دقيق العيد، بعد وفاة القاضى تقى الدين عبد الرحمن بن القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز، وكانت وفاته فى نصف جمادى الأولى، وتولية المذكور فى الحادى والعشرين منه
(3)
.
(1)
«مخبرا» فى زبدة الفكرة.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 193 أ، ب.
(3)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 193 ب.
وانظر ما يلى فى الوفيات.
وفى نزهة الناظر: ولما مات ابن بنت الأعز اتفقت الأمراء والأكابر على تولية الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد، وعرفوا السلطان دينه وعلمه، وأنه قد عرض عليه القضاء قبل ذلك مرارا فلم يقبل، فنزلت إليه الأمراء وسألوه فأجاب إليهم، وهو أول من لبس الصوف من القضاة فى السلطنة.
قال المؤرخ: وبلغنى من شيخ الحديث فتح الدين بن سيد الناس أن ولد الشيخ قال للشيخ: يا سيدى كيف قبلت الولاية فى هذا الوقت وقد كنت تأبى عنها؟ فقال له يا ولدى: وجب ذلك على من وجوه. أحدها:
أنه ليس لى شئ يكفينى للعيال، والثانى: عندى كتب العلم فأحتاج أن أبيع الكتاب الذى يساوى مائة بخمسين درهما. والثالث: لم يبق لتولية القضاء من هو أحق منى بالولاية، فتعين على.
ولما ولى كتب بخطه لسائر نوابه وهو يحذرهم وينذرهم ويخوفهم من الله، ونسخة الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم «الفقير إلى الله محمد بن على
(1)
» {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ} - إلى - {ما 2 يُؤْمَرُونَ)} {(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ)}
(3)
، ويمهل حتى يلتبس الإمهال بالاهمال على المغرور، وتحذره صفقة من باع الآخرة بالدنيا، فما أحد سواه مغبون، ولا سيما القضاة الذين تحملوا أعباء الأمانة على كواهل
(1)
«الفقير إلى الله محمد بن على» .
هذه هى علامة القاضى، وهى صيغة يختارها القاضى تعبر عنه وتغنى عن التوقيع - انظر صبح الأعشى ج 14 ص 342 - 349، فهرست وثائق القاهرة: ص 347 هامش (4).
(2)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) - الآية 6 من سورة التحريم رقم 66.
(3)
الآية رقم 19 من سورة غافر رقم 40.
ضعيفة، وظهروا بصور كبار وهم نحيفة، والله إن الأمر لعظيم، والخطب لجسيم، وإن خفى عنكم من ذلك فتأملوا كلام النبوة: القضاة ثلاثة
(1)
. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تتأمرن على اثنين ولا تلينّ مال يتيم
(2)
، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
هيهات جف القلم ونفذ أمر الله ولا رادّ لما حكم. وقال الفاروق: ليت أم عمر لم تلده، واستسلم عثمان رضى الله عنه وقال: من أغمد سيفه فهو حر.
وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه: والخزائن [بين يديه]
(3)
مملوءة، من يشترى منى سيفى، وقطع الخوف نياط عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه، فمات من خشية الغرض، فاجعلوا أكبر همومكم الاستعداد للمعاد والتهيّؤ للجواب للملك الجواد، فهو يقول {(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ)}
(4)
. هذه نصيحتى إليكم وحجتى عليكم إذا وقفت بين يدى الله تعالى
(5)
.
(1)
(القضاة ثلاثة: إثنان فى النار، وواحد فى الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو فى الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار، ورجل جار فى الحكم فهو فى النار) - رواه أبو داود، وابن ماجة - انظر سنن ابن ماجه - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ج 2 ص 776 حديث رقم 2315.
(2)
(يا أباذر إنى أراك ضعيفا، وإنى أحب لك ما أحب لنفسى، لا تأمرن على اثنين ولا تولين على مال يتيم) - رواه النسائى - انظر سنن النسائى بشرح الحافظ جلال الدين السيوطى - باعتناء عبد الفتاح أبو غده ج 6 ص 255 حديث رقم 3667.
(3)
[] اضافة من تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 207.
(4)
سورة الحجر رقم 15 آيات رقم 93092.
(5)
انظر تفصيل هذه المكاتبة، وحيث توجد زيادات فى النص فى تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 207 - 208.
وفيها: بلغ النيل ثمانية عشر ذراعا وأصبعا واحدة.
وفيها: حج بالناس من مصر الأمير عز الدين أيبك الخزندار المنصورى، ومن الشام الأمير سيف الدين بهادر العجمى، رحمه الله.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الشيخ الإمام العالم العامل العلامة مفتى المسلمين زين الدين أبو البركات المنجى
(1)
بن الصدر عز الدين أبن عمر عثمان بن أسعد بن المنجى بن بركات بن المؤمل التنوخى، شيخ الحنابلة وعالمهم.
ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث، وتفقه، وبرع فى فنون كثيرة من الأصول والفروع والعربية والتفسير، وصنف فى الأصول، وشرح المقنع
(2)
، وله تعاليق فى التفسير، توفى يوم الخميس الرابع من شعبان [126]، وتوفيت معه زوجته أم محمد ست البهاء بنت صدر الدين الخجندى من غير مرض، فغسلا فى وقت واحد وحملا إلى الجامع، وصلّى عليهما عقيب الجمعة، ودفنا بسفح قاسيون فى تربة واحدة شمالى الجامع المظفرى
(3)
.
الشيخ الصالح إسرائيل
(4)
بن على بن حسن الخالدى.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 129، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 155 رقم 251، السلوك ج 1 ص 817. البداية النهاية ج 13 ص 345، الدارس ج 2 ص 73، شذرات الذهب ج 5 ص 433، تذكرة النبيه ج 1 ص 190 - 191.
(2)
هو كتاب «المقنع فى فروع الحنبلية» لموفق الدين عبد الله بن قدامة الحنبلى، المتوفى سنة 620/ 1223 م - كشف الظنون ج 2 ص 1809.
(3)
الجامع المظفرى بدمشق: المشهور بجامع الجبل، وبجامع الحنابلة، بسفح قاسيون - الدارس ج 2 ص 435.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 367 رقم 412، البداية والنهاية ج 13 ص 345.
له زاوية خارج باب السلامة يقصد فيها للزيارة، وكان مشتملا على عبادة وزهادة لا يقوم لأحد من الناس ولو كان من كان، وعنده سكون ومعرفة، لا يخرج من منزله إلا للجمعة حتى كانت وفاته فى النصف من رمضان، ودفن بقاسيون.
قاضى القضاة شرف الدين أبو الفضل الحسن
(1)
بن الشيخ الإمام الخطيب شرف الدين أبى بكر عبد الله بن الشيخ أبى عمر المقدسى.
سمع الحديث وتفقه، وبرع فى الفروع والنحو واللغة، وتولى القضاء بعد نجم الدين بن الشيخ شمس الدين
(2)
فى أواخر سنة تسع وثمانين، وكانت وفاته ليلة الخميس الثانى والعشرين من شوال وقد قارب الستين، ودفن بمقبرة جدّه بالسفح.
الشيخ الإمام العالم البارع الناسك أبو محمد بن أبى جمره المغربى المالكى.
توفى بالديار المصرية فى ذى القعدة، وكان قوالا بالحق، أمّارا بالمعروف، نهاء عن المنكر.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 129، السلوك ج 1 ص 817، طبقات الحنابلة ج 2 ص 273 رقم 383، شذرات الذهب ج 5 ص 430، الدارس ج 1 ص 50 - 51، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 216، البداية والنهاية ج 13 ص 345، وورد فيه أن صاحب الترجمة اسمه «الحسين» ، تذكرة النبيه ج 1 ص 189.
(2)
هو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسى الحنبلى، انظر ما سبق فى وفيات سنة 689 هـ ص 45.
الصاحب محيى الدين أبو عبد الله محمد
(1)
بن بدر الدين يعقوب بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم بن النحاس الأسدى الحلبى الحنفى.
ولد سنة أربع عشرة وستمائة بحلب، واشتغل وبرع، وسمع الحديث، وأقام بدمشق مدة، ودرس بمدارس كبار منها الريحانية
(2)
والظاهرية
(3)
، وولى القضاء بحلب، والوزارة، ونظر الخزانة، ونظر الدواوين، ونظر الأوقاف، ولم يزل مكرما معظما، معروفا بالفضيلة والإنصاف فى المناظرة، محبا للحديث وأهله على طريقة السلف الصالح، وكان يحب الشيخ عبد القادر
(4)
وطائفته، وكانت وفاته ببستانه بالمزّة عشية الإثنين سلخ ذى الحجة، وقد جاوز الثمانين
(5)
، ودفن يوم الثلاثاء مستهل سنة ست وتسعين وستمائة بمقبرة له بالمزة، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 129 - 130، الوافى ج 5 ص 224 رقم 2297، السلوك ج 1 ص 817، البداية والنهاية ج 13 ص 346، الدارس ج 1 ص 524، شذرات الذهب ج 5 ص 432، تذكرة النبيه ج 1 ص 190.
(2)
المدرسة الريحانية بدمشق: أنشأها خواجا ريحان الطواشى خادم نور الدين محمود بن زنكى فى سنة 565 هـ/ 1169 م - الدارس ج 1 ص 522.
(3)
هى المدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق.
(4)
هو عبد القادر بن موسى بن عبد الله بن جنكى درست، محى الدين الجيلانى، أو الكيلانى، أو الجيلى، مؤسس الطريقة القادرية، توفى سنة 561 هـ/ 1166 م - فوات الوفيات ج 2 ص 373 رقم 295.
(5)
«عاش إحدى وثمانين سنة» - تذكرة النبيه.
قاضى القضاة تقى الدين أبو القاسم عبد الرحمن
(1)
بن قاضى القضاة تاج الدين أبى محمد عبد الوهاب بن القاضى الأعز أبى القاسم خلف بن بدر العلائى الشافعى.
توفى فى جمادى الأولى ودفن بالقرافة فى تربتهم، رحمه الله.
الأديب تقى الدين شبيب
(2)
بن حمدان بن شبيب الحرانى
(3)
.
مات بالقاهرة، وكان فاضلا، أديبا وشاعرا مجيدا، ومن شعره:
وافى يعلّلنى والليل قد ذهبا
…
فجلت فى راحة من راحة ذهبا
ظبى إذا قهقه الابريق وابتسمت
…
له المدام بكا الراؤوق وانتحبا
مترطق لم يقم بالكأس عرس هنا
…
إلا وراح بنور الراح مختضبا
يجلو على ابن غمام بنت معصرة
…
فقم لتشهد أن العود قد خطبا
كبّرت لما يدار الكأس فى يده
…
عجبا بتمثال ناء بحمل اللهبا
كأنّه والطلى قد كلّلت حببا
…
بدر لشمس الضحى قد قلّد الشهبا
أغنّ ينضو على العشاق ناظره
…
سيفا من الغنج لا ينبو إذا ضربا
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 129، النجوم الزاهرة ج 8 ص 82، السلوك ج 1 ص 817، شذرات الذهب ج 5 ص 431، فوات الوفيات ج 2 ص 279 رقم 255، تذكرة النبيه ج 1 ص 186.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 6 رقم 1181، الوافى ج 16 ص 107 رقم 121، شذرات الذهب ج 5 ص 428، حسن المحاضرة ج 1 ص 260، فوات الوفيات ج 2 ص 98 رقم 190.
(3)
«الطبيب الكحال تقى الدين أبو عبد الرحمن الشاعر نزيل القاهرة، وأخو الشيخ نجم الدين شيخ الحنابلة» - الوافى ج 16 ص 108.
[127]
ما هزّ من قدّه العسّال فى رهج
…
إلا عدا قلب جيش الصبر مضطربا
ساق أقام على ساق قيامتهم
…
فبادروا نحو جنات الهنا غضبا
فى خفض عيش يجرّون الذيول وكم
…
قد رفعوا الصوت للراووق إذ نصيا
وقال:
ومهفهف قسم الملاحة ربنا
(1)
…
فيه فأبدعه
(2)
بغير مثال
فلخدّه النّعمان روض شقائق
…
ولثغره النظّام عقد لآلى
ولطرفه الغزّال أحيا
(3)
…
الهوى
وكذلك الإحياء للغزّالى
الأديب شهاب الدين أحمد بن شمس الدين يوسف ابن قرمش.
أحد كتاب الإنشاء بالقاهرة، كان عنده فضيلة تامة.
الصدر الرئيس ضياء الدين إسماعيل بن الصاحب بدر الدين محمد بن جعفر الآمدى.
توفى فى السابع والعشرين من جمادى الأخرى منها، كان مشكور السيرة، محمود الطريقة، تولى نظر بيت المال، وديوان الأهراء والذخائر، وكان والده ناظر الدواوين بدمشق، وهم من بيت كتابة ورئاسة وأمانة وتقدّم عند الملوك.
(1)
«ربها» فى الوافى ج 16 ص 111، وفوات الوفيات.
(2)
«وأبدعها» فى الوافى، «وأبدعه» فى، فوات الوفيات.
(3)
إحياء» فى الوافى.
الشيخ الإمام العالم العامل القدوة الزاهد بقية السلف عز الدين أحمد
(1)
بن عمر ابن الفرج الفاروثى الشافعى الواسطى.
توفى بواسط، وكان من السادة العلماء الصلحاء الابدال، سمع من الشيخ شهاب الدين السهروردى ولبس منه خرقة التصوف، وسمع على أكثر مشايخ العراق ودياربكر والحجاز، وكان يعظ ويفسر القرآن ويفتى، وله أحوال ومكاشفات، ولما قدم من العراق إلى الشام فى الدولة الظاهرية أعطى تدريس الجاروخية وإمامة مسجد ابن هشام
(2)
، وكان يستدين على ذمته ويطعم الفقراء، وفى بعض الأوقات لا يكون معه شئ فيقلع بعض ثيابه ويعطى السائل، ومولده بواسط سنة أربع عشرة وستمائة، ومات فى أوائل هذه السنة، ودفن برباط والده.
الشيخ الصالح أبو العباس أحمد بن على بن عبد الكريم الموصلى المعروف بالأثرى القادرى.
مات بدرب القلّى بدمشق، ومولده سنة أربع وتسعين وخمسمائة بالموصل، وعاش مائة سنة.
(1)
يوجد خلط بين صاحب الترجمة وبين أحمد بن إبراهيم بن عمر بن فرج الفاروثى الذى سبق ذكر وفاته سنة 694 هـ، انظر ما سبق ص 290.
وقد تكون الترجمتان لشخص واحد - انظر تالى كتاب وفيات الأعيان ص 9 رقم 10، وانظر ما سبق ص 290.
(2)
مسجد ابن هشام بدمشق: فى سوق الفسقار - الدارس ج 1 ص 306، ج 2 ص 305.
الفقيه العدل برهان الدين إبراهيم
(1)
بن الشيخ عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله الرسعنى
(2)
المعروف بابن المحدث
(3)
.
مات فى هذه السنة ودفن بقاسيون عند التربة الموفقية
(4)
، سمع وحدّث، وكان يشهد تحت الساعات بدمشق.
وله نظم فمنه:
سلام من الصبّ المقيم على العهد
…
على نازح دان خلىّ من الوجد
عن العين نائى وهو فى القلب حاضر
…
بنفسى حبيبا حاضرا غائبا أفدى
غدت أرضه نجدا سقى زهرها الحيا
…
فأقصى المنى نجد ومن حلّ فى نجد
أبيت إذا ما فاح نشر نسيمها
…
لفرط الأسى أطوى الضلوع على وقد
وإن لاح من أكنافها لى بارق
…
فسحب دموع العين تهمى على الخدّ
كلفت به لا انثنى عن صبابتى
…
به والجوى حتى أوسّد فى لحّدى
فيا عاذلى خلّى الملامة فى الهوى
…
وكن عاذرى فاللوم فى الحب لا يجدى
[128]
فلست أرى عنه مدى الدهر سلوة
…
ولا لى منه قط ما عشت من بدّ
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 103 رقم 47، الطبقات السنية ج 1 ص 237 رقم 49، تاج التراجم ص 4 رقم 3.
(2)
الرسعنى: نسبة إلى مدينة رأس عين بدياربكر - معجم البلدان.
(3)
هو عبد الرزاق بن أبى بكر بن خلف الرسعنى، عز الدين، الفقيه المحدث، المفسر، المتوفى سنة 661 هـ/ 1262 م - العبر ج 5 ص 264.
(4)
هى مقبرة الشيخ أبى عمر بن قدامة المقدسى - الدارس ج 1 ص 480 هامش (3).
الشيخ الجليل كمال الدين عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام الرصافى.
مات فى هذه السنة، ودفن بمقابر الصوفية، وكان رجلا خيرا صاحب رواية، ومولده سنة خمس عشرة وستمائة بالرصافة.
القاضى شرف الدين موسى بن القاضى نجم الدين محمد بن سالم بن مسلم البالسى قاضى طرابلس.
توفى فى السادس عشر من ذى الحجة منها.
العدل عماد الدين أبو العباس أحمد بن هبة الله بن نصر الله بن على بن المفرج ابن سلمة الدمشقى.
توفى فى هذه السنة بدمشق، ودفن بمقابر باب الصغير، ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
القاضى الإمام العالم علم الدين أحمد بن إبراهيم بن حيدره القرشى، المعروف بابن القماح المصرى.
توفى فى الثانى والعشرين من ربيع الأول منها ودفن يالقرافة، ومولده يوم الجمعة الثامن والعشرين من رمضان سنة ثلاثين وستمائة، وكان من العلماء الفضلاء وله شعر مليح، فمنه قوله
(1)
:
(1)
انظر نص الأبيات التالية فى ترجمة ابن صاحب الترجمة، وهو محمد بن أحمد بن ابراهيم ابن حيدرة القرشى الشافعى، المتوفى سنة 741 هـ/ 1340 م فى تذكرة النبيه ج 3 ص 20.
إذا كنت جار المصطفى ونزيله
…
فيقبح بى شوقى لأهلى وأوطانى
أأرغب من دار بها الخير كله
…
وفيها هوى القاصى وأمنيّة الدانى
ولست بجاف أهل ودّى وإنما
…
إذا فزت بالباقى
(1)
فمالى والفانى
حلفت يمينا أنها خير منزل
…
لأشرف نزّال وأكرم جيران
(2)
فيارب بلغ من أحبّ وصولها
…
ليزداد إيمانا كما ازداد إيمانى
الأديب الفاضل سراج الدين عمر
(3)
بن محمد بن الحسين
(4)
المصرى الوراق.
أديب الديار المصرية فى وقته، وقد جاوز التسعين سنة،
(5)
كان يسكن بسوق وردان بمصر، توفى فى هذه السنة ودفن بالقرافة، وكان أديبا مكثرا متصرفا فى فنون الشعر، حسن النادرة، وديوانه فى سبعة أجزاء
(6)
فمن أشعاره قوله:
(1)
«إذا صح لى الباقى» فى تذكرة النبيه.
(2)
«لأكرم نزال وأشرف جيران» فى تذكرة النبيه.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 131، السلوك ج 1 ص 818، النجوم الزاهرة ج 8 ص 83، فوات الوفيات ج 3 ص 140 /رقم 379، قالى كتاب وفيات الأعيان ص 117 رقم 18، شذرات الذهب ج 5 ص 431، تذكرة النبيه ج 1 ص 187، بدائع الزهور ج ق 1 ص 388 وما بعدها.
(4)
«الحسن» فى تذكرة النبيه، ودرة الأسلاك.
(5)
«مولده فى العشر الأخير من شوال سنة خمس عشرة وستمائة» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 83.
(6)
«ملكت ديوان شعره، وهو فى سبعة أجزاء كبار ضخمة بخطه» - فوات الوفيات ج 3 ص 140.
«وله ديوان فى الأدبيات، يشتمل على سبعة مجلدات فى القطع الكامل، يسمى: لمع السراج» - بدائع الزهور ج 1 ق ص 388.
سألتهم وقد حثّوا المطايا
…
قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا
وما عطفوا على وهم غصون
…
ولا التفتوا إلىّ وهم ظباء
(1)
وقال:
قلت قومى إلى الفراش فأنّه
…
وتأنت وذاك منهن صعب
وقال فى شخص اسمه عرفات:
اطنبوا فى عرفات وغدوا
…
يتعاطون له حسن الصفات
ثم قالوا لى هل وافقتنا
…
قلت عندى وقفة فى عرفات
وقال:
والله ما من خبر سرّنى
…
إلا وذكراك له مبتدا
وطالما باسمك فى خلوتى
…
ناديت أو كلت حروف الندا
وقال فى شاعر:
أنشدنى شعرا به
…
ظننت فاه مبعرا
وقال لى كيف ترى
…
قلت أرى مثل الخرا
فقال اسمع غيره
…
قلت كفى ما قد جرا
وقال:
إلهى قد جاوزت تسعين حجة
(2)
…
فشكرا لنعماك التى ليس تكفر
(1)
انظر فوات الوفيات ج 3 ص 144.
(2)
«سبعين» فى بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 389.
[129]
وعمّرت فى الإسلام فازددت بهجة
…
ونورا كذا يبدوا والسراج المعمّر
وعمّ نور الشيب رأسى فسرّنى
…
وما ساءنى إن السراج منوّر
وقال يصف بيته فى الشتاء:
وبيتى فى الشتاء يكاد يبدو
…
به جسدى لسكّان الجحيم
تصدّ الشمس عنا فيه
…
حتى كأنّا فيه أصحاب الرقيم
ونفتح طاقنا ليزوّر حينا
…
فيحجبها ويأذن للنسيم
وقال:
لما رأيت البدر والشمس معا
…
قد انجلت دونهما الدّياجى
حقرت نفسى ومضيت هاربا
…
وقلت ماذا موضع السراج
وقال:
باهذه لا تجحدى دمى الذى
…
شهدت عليك لتابه خدّاك
وسيوف قومك لم ترقه وإنما
…
أصل البليّة كلها عيناك
وقال:
بنىّ اقتد بالكتاب العزيز
…
وراح كبدى سعيا وراجا
فما قال لى أف مذ كان لى
…
لكونى أبا وكونى سراجا
وقال صلاح الدين الصفدى: كان السراج الوراق أديبا أجاد المقاطيع، كثير الغوص، جيد المقاصد، صحيح المعانى، عذب التركيب، متمكن
القوافى، عارفا بالبديع، أجاد فنون الشعر، وكان حسن الخط، واختار ديوانه فى مجلده سماه:«لمع السراج» ، وكان بينه وبين شعراء عصره مجاراة ومباراة، وكان أشقر، أزرق العينين، وكان يكتب الدرج لسيف الدين أبى بكر بن أسباسلار والى مصر، وكانت وفاته فى جمادى الأولى من هذه السنة، رحمه الله.
الصدر الرئيس الكبير الفاضل صدر الدين محمد بن الشيخ الكبير الرئيس جمال الدين محمود بن عمر بن أبى المكارم بن حمدان الأنصارى المعروف بابن القباقبى.
مات بثغر صفد، ودفن بمغارة النبى يعقوب عليه السلام فى تابوت، ونقله أهله فيما بعد إلى دمشق ودفن بسفح قاسيون بتربتهم عند أسلافه، خدم فى كتابة الدرج بصفد، ثم نقلى إلى نظر القدس الشريف، فباشره، ثم أعيد إلى كتابة الدرج بصفد، فباشره إلى أن مات فى هذه السنة، ولم يبلغ الأربعين سنة، وكان يكتب مليحا، وينظم شعرا.
ومن شعره:
وصال ولكن ما إليه وصول
…
وحال وعنها الدهر لست أحول
وهجر وتعذيب ونوح وأنّة
…
وقلب خقوق للغرام حمول
ودمع وتبريح مديد وكامل
…
وسهد وليل وافر وطويل
وصبر على ما ليس يحمل بعضه
…
فسلوان قلبى ما إليه سبيل
أيا بدر تمّ يخجل الشمس فى الضحى
…
ولحظك أم سيف يهزّ صقيل
وثغرك أم ورد جنى مضاعف
…
وريقك أم شهد حلا وشمول
وقال:
خلع الربيع على الرياض ملابسا
…
منسوجة من سائر الألوان
[130]
من أخضر نضر وأصفر فاقع
…
فى أبيض يقق وأحمر قانى
وقال فى زهر السفرجل:
بزهر السفرجل معنى على
…
جميع الزهور به يفضل
يشم ويؤكل شكرا له
…
وتلك تشمّ ولا تؤكل
وقال:
عيون المزن تبكى والقنانى
…
تقهقه فامزجا لى واسقيانى
مدام من عهد الروم لابل لها
…
من عهد نوح فى الدّنان
وحثّا الدور بالثانى فإنى
…
أحبّ الدور موصولا بثانى
وهاتا يا خليلىّ انشدانى
…
بسيطا فى عراق وأصبهان
بأصوات القيان فإنّ قلبى
…
وسمعى عند أصوات القيان
وإن أنا متّ شكرا فاغسلانى
…
بفضلة ما تبقى فى الدنان
وفى ورق الدّوالى كفّنانى
…
وفى الكرم أحفرا لى وادفنانى
وإن حاولتما تشييع نعشى
…
فحثا بالمثالث والمثانى
وقولا عند قبرى مات هذا
…
قتيل الراح سكرا والقنانى
الأديب الفاضل أبو القاسم عبد الرحمن
(1)
بن عبد الوهاب بن خلف بن محمود العلامى المصرى الشافعى
(2)
.
مات فى هذه السنة ودفن بسفح المقطم، كان فقيها أديبا.
وقال الشيخ شرف الدين الدمياطى أنشدنى المذكور لنفسه:
ومن رام فى الدنيا حياة خلية
…
من الهمّ والأكدار رام محالا
وهاتيك دعوى قد تركت دليلها
…
على كل أبناء الزمان محالا
(3)
الشيخ الإمام العلامة ذو العيون نجم الدين أحمد
(4)
بن حمدان بن شبيب ابن حمدان بن محمود الحرانى الحنبلى.
توفى فى هذه السنة بالمدرسة المنصورية، ودفن بسفح المقطم، ومولده بحران سنة ثلاث وستمائة، وكان شيخ المذهب، وله معرفة بالأصول، ويد طولى فى علم الخلاف والجبر والمقابلة، وهو صاحب كتاب الرعاية فى الفقه
(5)
، وهو
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 132، السلوك ج 1 ص 818، تذكرة النبيه ج 1 ص 192.
(2)
وهو غير عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خلف، قاضى القضاة تقى الدين بن بنت الأعز، والذى توفى أيضا فى هذه السنة - انظر ما سبق ص 326.
(3)
تذكرة النبيه ج 1 ص 192.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 290 رقم 154، الوافى ج 6 ص 360 رقم 2867، درة الأسلاك ص 130، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 215، شذرات الذهب ج 5 ص 428، تذكرة النبيه ج 1 ص 186.
(5)
هو كتاب «الرعاية فى فروع الحنبلية» - كشف الظنون ج 1 ص 908.
كتاب مشهور بكثرة النقل، سمع بحرّان من الحافظ عبد القادر الرهاوى
(1)
، والخطيب فخر الدين ابن تيميه
(2)
، وابن روزبة، وغيرهم، وسمع بحلب من أبى خليل، وبدمشق من ابن صباح، ومحمد بن غسان،
(3)
وعمر بن المنجى، وغيرهم، رحمه الله.
السيد الحسيب النسيب الحافظ عز الدين
(4)
أبو القاسم بن الإمام أبى عبد الله العلوى الحسينى المصرى، ويعرف بابن الحلبى، نقيب الأشراف بالديار المصرية.
مولده سنة ست وثلاثين وستمائة، وتوفى فى السادس من المحرم، ودفن بالقاهرة.
الأمير الكبير بدر الدين لؤلؤ بن
(5)
عبد الله المسعودى.
صاحب الحمام بالمزة، وأحد الأمراء الكبار المشهورين بخدمة الملوك، توفى ببستانه بالمزة يوم السبت السابع والعشرين من شعبان منها، ودفن بتربته بالمزة.
(1)
هو عبد القادر الرهاوى، أبو محمد الحنبلى، المتوفى سنة 612 هـ/ 1215 م - العبر ج 5 ص 41.
(2)
هو محمد بن أبى القاسم بن محمد الحرانى الحنبلى، الفخر ابن تيمية، أبو عبد الله، المتوفى سنة 622 هـ/ 1225 م - العبر ج 5 ص 90.
(3)
توفى سنة 632 هـ/ 1234 م - العبر ج 5 ص 131.
(4)
هو أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن على بن محمد، الحسينى، الشريف عز الدين، أبو القاسم، المعروف بابن الحلبى.
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 119 رقم 274، الوافى ج 8 ص 44 رقم 3449، شذرات الذهب ج 5 ص 430، السلوك ج 1 ص 831 وورد فيه أن صاحب الترجمة توفى سنة 696 هـ.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 13 ص 345.
الأمير عز الدين أيبك
(1)
الأفرم الصالحى أمير جندار وهو الأفرم الكبير.
توفى فى هذه السنة،
(2)
وكان ذا سعادة كثيرة تدخل عليه من ملكه وإقطاعه كل يوم ألف دينار مصرية خارجا عن ثمن القمح والشعير [131] والحبوب ونحو ذلك، ولم يزل مقدّما فى الدول، ولم يكن فى البلاد الإسلامية بلد إلا وله فيه علقة إما ملك أو ضمان أو زراعة، وخرب الله جميع ما خلفه بالمحق، ولم يبق مع ورثته شئ حتى كان أولاده يستعطون من الناس، هذا مع قلة ظلمه وعسفه.
وفى نزهة الناظر: وكان من الأمراء الكبار الصالحية، قديم الهجرة فى الدول، وكان شجاعا مقداما، وله غزوات كثيرة، وإذا عرض غزاة استخدم جماعة من الجند فى سبيل الله، وكانت له سعادة ضخمة، وهى من كثرة زراعته، وإن كانت له زراعات فى سائر الوجه القبلى والبحرى، فإذا وجد مكانا خرسا اشتراه أو استأجره وعمره، وأعطاه الله فى الزراعة نصيبا وافرا، واستأجر بلادا كثيرة فى الوجه القبلى، وكل مكان يكون له فى نشا يعمّر فيه جامعا أو مسجدا، وإذا بلغه أمر جامع خراب أو مسجد خراب عمره حتى حصرت الأماكن التى عمرها قريبا من ثلاثمائة مئذنة، واتخذ له أملاكا بمصر، وعمارات على بحر النيل، وعمر بقوص مدرسة للشافعية، ومدرسة على ساحل البحر.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 130 رقم 575، درة الأسلاك ص 129، النجوم الزاهرة ج 8 ص 80، الوافى ج 9 ص 478 رقم 4438، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 13 رقم 19، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 215، تذكرة النبية ج 1 ص 191.
(2)
«يوم السبت سابع شهر ربيع الأول» فى النجوم الزاهرة.
«فى يوم الأربعاء سادس عشرين صفر» فى تاريخ ابن الفرات.
قال المؤرخ: وحكى لى بعض مباشريه فى البلاد أن غلاله ومتحصل زراعاته فى كل سنة تنيف على مائتى ألف أردب من سائر الحبوب، وعمل فى سنة الغلاء خيرا كثيرا، وكان يجمع الصعاليك على الخبز والطعام، ويبرّ الأيتام وأرباب البيوتات، وكان له طبقة عالية فى سماع الحديث، حكى عنه الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس شيخ الحديث أنه سمع عليه الحديث هو وجماعة من أهل الشام حضروا لطلب الحديث فى سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وعند غلبة المرض عليه أوصى إلى أولاده أنه إذا توفى يخرجون طلبه وهى على عادتها، فالخيول ملبسه والسناجق منشورة ومماليكه ملبسون على جارى عادتهم عند الخروج إلى الغزاة والعرض بالأطلاب،
(1)
ولما توفى عرّفوا لاجين نائب السلطنة ما أوصى به، فقال لهم: افعلوا ما قال لكم من غير دق النقارات:
وصول نائب السلطان وسائر الأمراء من القلعة، وغلقت مصر ذلك اليوم من أول باب مصر إلى دار سكنه بباب القنطرة، وجميع القضاة والفقراء كانوا مشاة فى جنازته، وطلبه سائرة معه على الحالة التى يخرج فيها إلى الغزو غير أنه لا تضب الطبلخاناة والبوقات.
الأمير بدر الدين بيلك
(2)
المحسنى المعروف بأبى شامة.
توفى فى هذه السنة، كان متولى الكشف بالوجه القبلى، وكانت له حرمة
(1)
«وأن تضرب نوبة الطبلخاناة خلف جنازته» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 80.
(2)
له أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 11، رقم 747، النجوم الزاهرة ج 8 ص 79، الوافى ج 10 ص 368 رقم 4864، تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 216.
وصولة ومهابة، وأتلف جماعة كثيرة من المفسدين فى الوجه القبلى.
الأمير بدر الدين لقلق المسعودى، توفى فيها بدمشق.
الأمير علم الدين سنجر
(1)
المسرورى، متولى القاهرة.
توفى فى هذه السنة، وكان يعرف بعلم الدين الخياط، لقبه به أستاذه الذى اشتراه، وكان ذا شكل حسن، مهابا مصطنعا للناس بالخير فى ولايته، عاقلا محتشما، متعقلا عما يبدو من الفواحش، رضى الأخلاق مع لطف وكرم، وكان له تولع بالشراب واجتماع الندماء اللطاف مثل السراج الوراق وشمس الدين الكحال أبى دانيال ونصر الحمامى، وله مكارم عليهم وقبول شفاعات ينالون بها إلى مقاصدهم، واتفق لهم معه مجارى كثيرة من الهزليات المضحكة يطول شرحها، فمن ذلك أنه شرب معهم فى بعض الليالى، وكان ليلة الموكب، فقام من السحر وتوضأ، ولبس ثيابه وأخذ فى لف شاشه على كلوتاته، فلما فرغ جعل يديريده على الشاش [132] ويمشيها، فقال له السراج الوراق: يا خوند ابصرها فى التحاريس، فضحك علم الدين وأعجبه هذا القول، فقال: والله يا سراج الدين لقد أحسنت فى هذا، وأمر له بعطية، وقد علم أن عادة الخياطين غزو الإبرة فى عمامته حتى يجد الابرة فيأخذها.
وكان له حسن تأنى فى أموره واصطناع المعروف، فمن أغرب ما حكى عنه أنه أقام زمانا يتوقع وقوع بعض أرباب البيوت إلى أن أتى إليه البعض
(2)
فأخبره
(1)
وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 882 وورد فيه أن صاحب الترجمة توفى سنة 698 هـ.
(2)
«بعض» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.
بأن بعض أولاد الأمراء فى بستان ومعه فلانة، وكان يبلغه عنها من اللطف والطرافة والملاحة، وصبر إلى الليل وركب وحده ومعه مملوك صغير فجاء ودخل عليهم، فلما رأوه وجموا منه وخافوا، فقال لهم: لا تخافوا، وأسهم فى الحديث وشرب معهم، ورأى من تلك المرأة أكثر مما وصفوه له عنها، فلما أراد أن يقوم قامت تلك المرأة فدخلت إلى مكان وخلعت جميع ما عليها من الحلى والفصوص وغيرها وجمعت الجميع فى منديل وخرجت إليه فوضعته بين يديه واعتذرت أن الأمير حضر عندنا على غفلة، وهذا يكون عندك على سبيل الرهن إلى حين أحضر إلى خدمتك ومعى ما يصلح لضيافتك، فلحقه من ذلك خجل وحياء، وجعل يحلف إلى أن قامت فكشفت رأسها وحلف صاحب المجلس بالطلاق، فعند ذلك أخذه وخرج من عندهم، وأقام على ذلك مدة لم يحضر إليه أحد، ثم أنه طلب بعض الصاغة وقال له: قوّم ما فى هذه الأشياء من الذهب والفضة، فأخذ الصائغ فى النظر إليها، ثم قال له يا خوند: هذا جميعه زغل معمول من الرصاص قد أطلى بالذهب والفضة، فتعجب الأمير من ذلك ودهش وردّه إلى مكانه، وبقى متفكرا فى هذه الحيلة من تلك المرأة، فحنق عليها وقال:
ما لهذه إذا وقعت إلا أن تهتك، ولا آمن بعد هذا امرأة، فمضى على هذا بعض الأيام، ثم أنه ذات يوم كان جالسا؛ فإذا خادم له قد دخل عليه وقال له: إن على الباب امرأة محتشمة ومعها خادم وهى تريد أن تجتمع بالأمير، فأذن لها بالدخول فدخلت وعليها آثار الحشمة، فأجلسها وقال لها: لعل حاجة، فأخرجت كيسا فيه ثلاثمائة دينار، وقالت يا خوند: عندك رهن، وقد أحضرت المبلغ الذى عليه، فعرف الأمير فى ذلك الوقت أنها تلك المرأة التى عملت ما عملت،
فعند ذلك أمر الأمير فأخرجوا قماشها قطعة بعد قطعة، ثم قال لها: من صاغ لك بهذا المصاغ؟ قالت: شخص أعرفه. قال: فهل علمت ما فعل؟ قالت: نعم. قال: فما حملك على مثل هذا؟ قالت: فعلنا هذا لمثل من لا يخاف الله. قال: فلم أعطيتنى هذا؟ قالت: خشيت أن يحملك الغيظ بقلة الوثوق من النساء فى مثل هذه الواقعة ولا تقع منك رحمة فى غيرنا ولا تستر أحدا بعدنا. فقال الأمير: جزاك الله عن مروءتك خيرا، فلا والله لا يتبعنى منك شئ، وحلف بالطلاق على ذلك، فأخذت الذهب وذهبت، ثم أصبحت وسيرت له قماشا له صورة.
الملك السعيد إيلغازى
(1)
بن الملك المظفر فخر الدين قرا أرسلان الأرتقى، صاحب ماردين.
توفى فى هذه السنة [133] وكانت مدة مملكته بها دون ثلاث سنين، وتولى عوضه أخوه الملك المنصور نجم الدين غازى،
(2)
رحمهم الله تعالى.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 189 رقم 614، النجوم الزاهرة ج 8 ص 79، الوافى ج 10 ص 19 رقم 4471، السلوك ج 1 ص 816، كنز الدرر ج 8 ص 366.
(2)
توفى سنة 712 هـ/ 1312 م - المنهل الصافى.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة السادسة والتسعين بعد الستمائة
(*)
استهلت هذه السنة والسلطان هو الملك العادل كتبغا، وكان مسافرا فى الشام - كما ذكرناه -، ثم إنه توجه قاصدا الديار المصرية فى أوائل المحرم، ولما وصل إلى ماء العوجاء ركب الأمراء - على ما ذكرنا - وجرى ما ذكرنا من هروب السلطان كتبغا إلى دمشق،
(1)
ثم إنهم اتفقوا وهم بمنزلة العوجاء بعد سفر كتبغا على إقامة الأمير حسام الدين لاجين السلحدار المنصورى سلطانا.
(*) يوافق أولها الثلاثاء 30 أكتوبر 1296 م.
(1)
انظر ما سبق ص 312 وما بعدها.
ذكر سلطنة لاجين المنصورى
قال بيبرس فى تاريخه: فى المحرم من هذه السنة اتفق الأمراء - وهم بمنزلة العوجاء [بعد مفر كتبغا
(1)
]- على سلطنة لاجين المنصورى، فأقاموه ولقبوه بالمنصور، وشرطوا عليه شروطا فالتزمها، منها: أن يكون كأحدهم لا ينفرد برأى عنهم، ولا يبسط يد أحد من مماليكه فيهم.
وكان الأعيان الحاضرون فى هذه المشورة والمتفقون على هذه الصورة:
الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى، والأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى، والأمير سيف الدين قفجق،
(2)
والأمير سيف الدين بهادر الحاج أمير حاجب، والأمير سيف الدين كرد، والأمير حسام الدين لاجين الرومى أستاذ الدار، والأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح، والأمير عز الدين أيبك الخزندار والأمير جمال الدين أقوش الموصلى، والأمير مبارز الدين أمير شكار؛ والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار، والأمير سيف الدين سلار، وسيف الدين طقجى،
(3)
وسيف الدين كرجى، وعز الدين طقطاى، وسيف الدين برلطاى، وغيرهم.
ولما حلف لهم على ما شرطوه، وعاهدهم على ما طلبوه، قال له الأمير قفجاق: نخشى أنك إذا جلست فى المنصب تنسى هذا التقرير، وتقدم الصغير
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 194 أ.
(2)
«قفجاق» فى زبدة الفكرة.
(3)
«طغجى» فى زبدة الفكرة.
من مماليك على الكبير، وتخول منكوتمر مملوكك فى التحكيم والتدبير، فتصل، وكرر الحلف أنه لا يفعل، وعند ذلك حلفوا له، ورحلوا نحو الديار المصرية.
فلما وصل إلى القلعة واستقر قراره رتب الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائبا، والأمير سيف الدين بهادر الحاج حاجبا، والأمير سيف الدين سلار أستاذ الدار، والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار أمير جاندار،
(1)
واستمر الصاحب فخر الدين بن الخليلى بالوزارة برهة ثم عزله بالأمير شمس الدين سنقر المعروف بالأعسر، ورتب فى نيابة السلطنة بدمشق سيف الدين قفجاق،
(2)
وتوجه إليها، ودخلها فى السادس عشر من ربيع الأول منها.
قال ابن كثير
(3)
: ثم دخلت سنة ست وتسعين وستمائة والخليفة الحاكم العباسى وسلطان البلاد العادل زين الدين كتبغا، وهو فى نواحى حمص يتصيد، ومعه نائب الديار المصرية حسام الدين لاجين السلحدار المنصورى وأكابر الأمراء ونائب دمشق الأمير سيف الدين غرلو العادلى، ولما كان يوم الأربعاء ثانى المحرم دخل العادل إلى دمشق ضحى من نواحى حمص، وصلى الجمعة بالمقصورة، وزار قبر هود عليه السلام، وصلى عنده، وأخذ من الناس قصصهم بيده، وجلس بدار العدل يوم السبت، ووقع على القصص هو ووزيره فخر الدين بن الخليلى، ثم حضر السلطان دار العدل يوم الثلاثاء، ثم صلى الجمعة بالمقصورة يوم الجمعة،
(1)
«خازن الدار» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.
(2)
زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 194 أ، ب، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 148.
(3)
البداية والنهاية ج 13 ص 346 وما بعدها.
ثم صعد فى هذا اليوم إلى مغارة الدم وزارها، وتصدق بجملة من المال، ثم خرج بالعساكر المنصورة من دمشق سحرة يوم الثلاثاء الثانى والعشرين من المحرم [134] وخرج معه الوزير ابن الخليلى، وفى يوم الأربعاء آخر يوم من المحرم منها تحدث الناس بينهم بوقوع تخبيط بين العساكر وتخلف وتشويش، فغلق باب القلعة، وركبت طائفة من الجيش على باب النصر وقوفا.
وقال: فلما كان وقت العصر وصل الملك العادل إلى القلعة فى خمسة أو ستة من مماليكه فجاء إليه الأمراء، وحضر ابن جماعة وحسام الدين الحمامى، وجدد تحليف الأمراء فحلفوا له، فخلع عليهم، وأمر بالاحتياط على نواب الأمير لاجين وحواصله، وأقام العادل بالقلعة هذه الأيام
(1)
.
وكان الخلف الذى وقع بينهم بوادى فحمة
(2)
يوم الإثنين الثانى والعشرين من محرم هذه السنة، وذلك أن الأمير حسام الدين لاجين قد واطأ جماعة من الأمراء فى الباطن بعزل العادل، ووثق منهم، فأشار على العادل - حين خرجوا من دمشق - أن يستصحب معه الخزانة، وذلك أنه
(3)
لا يتقوى بها إن رجع إليها، وتكون قوة له
(4)
فى الطريق على ما قد عزم عليه من الأمور.
(1)
انظر السلوك ج 1 ص 823 - 824.
(2)
«باللجون بالقرب من وادى فحمة» - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 223، النجوم الزاهرة ج 8 ص 63.
(3)
الضمير هنا يعود إلى الملك العادل كتبغا.
(4)
الضمير هنا يعود إلى حسام الدين لاجين.
فلما كانوا بالمكان المذكور قتل لاجين الأمير سيف الدين بتخاص، وبكتوت الأزرق النابلسى، وأخذ الخزانة بين يديه والعدد، وقصد ديار مصر، فلما سمع العادل بذلك خرج من الدهليز، وساق جريدة إلى دمشق، فدخلها كما ذكرنا، وتراجع بعض مماليكه كزين الدين أغلبك
(1)
وغيره. وأقام السلطان بالقلعة لا يخرج منها، وأطلق كثيرا من المكوس، وكتب بذلك تواقيع، وقرئت على الناس، وغلا السعر جدا.
ولما دخل لاجين إلى مصر دخلها فى أبهة عظيمة، وتابعه الأمراء، وملك عليهم، وجلس على سرير الملك يوم الجمعة العاشر من صفر، ودقت البشائر، وزينت البلد، وخطب له على المنابر، والقدس، والخليل، والكرك، ونابلس، وصفد، وذهبت إليه طائفة من أمراء دمشق، وقدمت الجريدة من جهة الرحبة صحبة الأمير سيف الدين كجكن، فلم يدخلوا البلد، بل نزلوا بميدان الحصى،
(2)
وأظهروا مملكة المنصور لاجين صاحب مصر، وركبت إليه الأمراء طائفة بعد طائفة، وفوجا بعد فوج. فقوى أمر المنصور وضعف أمر العادل.
فلما رأى انحلال أمره قال للأمراء: هو خشداشى، وأنا وهو شئ واحد، وأنا سامع له مطيع، وأنا أجلس فى أى مكان من القلعة حتى تكاتبوه، وتنظروا ماذا يقول.
وجاءت البريدية بالمكاتبات تأمر بالاحتياط على الطرق، وعلى الملك العادل، وبقى الناس فى هرج وأقوال مختلفة، وأبواب المدينة مغلقة سوى باب النصر
(1)
«غلبك» فى البداية والنهاية.
(2)
«الحصن» فى البداية والنهاية.
وباب القلعة أيضا، والعامة حول القلعة حتى سقط منهم طائفة فى الخندق، فمات بعضهم.
وقد أعلن باسم الملك المنصور لاجين ودقت البشائر بذلك بعد العصر، ودعا له المؤذنون فى سحر ليلة الأحد بجامع دمشق، وتلوا قوله تعالى {(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ)}
(1)
الآية.
وأصبح الناس يوم الأحد فاجتمع القضاة والأمراء، وعزلوا العادل بدار السعادة، وحلفوا للمنصور لاجين، ونودى بذلك فى البلد، وأن يفتح الناس دكاكينهم، واختفى الصاحب شهاب الدين وأخوه زين الدين المحتسب، فعمل الوالى ابن الشهابى حسبة البلد، ثم ظهر زين الدين فباشرها على عادته، وكذلك أخوه شهاب الدين.
وسافر الامير سيف الدين أغرلو
(2)
، وسيف الدين جاغان
(3)
إلى الديار المصرية يعلمان بوقوع التحليف على ما رسم به.
وجاء كتاب السلطان أنه جلس على السرير يوم الجمعة العاشر من صفر، وشق القاهرة فى سادس عشره [135] فى أبهة الملك، وعليه الخلعة الخليفتية والأمراء بين يديه مشاة، وقد استناب بديار مصر الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى.
(1)
سورة آل عمران رقم 3 آية رقم 26.
(2)
«غرلو» فى البداية والنهاية.
(3)
«جاعان» فى البداية والنهاية.
وخطب بدمشق للمنصور لاجين أول يوم من ربيع الأول، وحضرت القضاة المقصورة، وشمس الدين الأعسر، وكجكن، وأزدمر،
(1)
وجماعة من أمراء دمشق، وتوجه القاضى إمام الدين القزوينى، وحسام الدين الحنفى، وجمال الدين المالكى إلى مصر مطلوبين، وقدم الأمير حسام الدين أستاذدار
(2)
السلطان وسيف الدين جاغان من جهة السلطان، فحلّف الأمراء ثانية، ودخلوا على العادل إلى القلعة ومعهم بدر الدين أبى جماعة وكجكن فحلفوه أيمانا مؤكدة بعد ما طال بينهم الكلام بالتركى، وذكر فى حلفه أنه راض بما يعينه له من البلدان أى بلد كان، فوقع التعيين بعد اليمين على قلعة صرخد
(3)
.
ودخل سيف الدين قفجاق المنصورى على نيابة الشام إلى دمشق بكرة السبت السادس عشر من ربيع الأول ونزل بدار السعادة، عوضا عن سيف الدين اغرلو العادلى، واستقر كتبغا بصرخد،
(4)
وكتب له منشور إقطاعا له، ولم يتعرض إليه أحد، فسلمت له نفسه وأهله وأولاده ومماليكه وألزامه
(5)
.
وفى نزهة الناظر: لما تكمل الدست للاجين فى السلطنة طلب الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وأمره أن يركب البريد ويذهب إلى العادل كتبغا فى دمشق،
(1)
«وأسندمر» فى البداية والنهاية.
(2)
«الدار» فى الأصل، والتصحيح يتفق والسياق.
(3)
وأعانه أهل الشام على كتبغا حتى قبض عليه، وجعله نائب حماة» فى المواعظ والاعتبار ج 2 ص 268، وهو تحريف.
(4)
«خرج كتبغا من دمشق يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الأول، ووصل الى صرخد بعد ما أخلوها من العدد والمجانيق والحواصل -» كنز الدرر ج 8 ص 368.
(5)
انظر للبداية والنهاية ج 13 ص 346 - 349، حيث يوجه اختلاف فى بعض الألفاظ وتقديم وتأخير ولكنه لا يغير من السياق العام للنص.
ويجتمع بالأمراء والمقدمين والجند، ويعرفهم أن لاجين تسلطن، وأنهم يحيطون به ولا يمكنوه من الخروج إلى مكان آخر، فلما وصل اجتمع بالأمراء والأكابر وعرفهم بالذى أمر به لاجين، وكان جميعهم يميلون إلى لاجين ويحبونه من أيام نيابته عليهم، فوافوا كلهم متفقين على ما أمر به لاجين، وكان اتفق فى اليوم الثالث من دخول سنقر الأعسر حضور الأمراء الذين كانوا مجردين إلى إلى سيس وفيهم الأمير سيف الدين كجكن، وهو من أمراء الشام، والأمير حسام الدين الأستاذدار، وهو من أمراء مصر، وكان الخبر وافاهم بحمص، وكان الأمير حسام الدين صاحب رأى وتدبير، وكذلك الأمير كجكن واتفق رأيهما مع رأى سنقر الأشقر إلى أن ركبوا ودخلوا إلى العادل وصحبتهم قاضى القضاة ابن جماعة، فلما تلاقوا بكى كتبغا وبكى هؤلاء أيضا، وشرع كتبغا يخبرهم بما وقع من لاجين فى حقه، وشكى من الأمراء أيضا وأظهر شكوى كثيرة، وظهر منه تخضع وذلة حتى رحموه وبكوا بكاء كثيرا، وأخذوا يتلطفون به فى الحديث، ويترققون له، ويظهرون الحزن والتأسف له.
ويناسب هذه الحالة قول الشاعر:
وعاجز الرأى مضياع لفرصته
…
حتى إذا تم أمر عاتب القدرا
وأخذ الأمير حسام الدين يقول: إن الأيام دول، والله يعطى ملكه من يشاء، وما بقى الأمر إلا دخولك تحت طاعته، وهو خشداشك، فإنكم من بيت واحد، ومماليك أستاذ واحد، وإذا بلغه دخولك فى طاعته فعل معك
جميع ما تختاره، ونحن نضمن لك كل ما تقصده، وتكتب إليه، ويأتى الجواب إن شاء الله بما تختاره، فقال: أنا ما بقيت أريد غير سلامة رأسى وولدى وأهلى، وحيث اختار أن أكون فيه [136] يعلمنى بذلك، ويبعث عائلتى، وأنتم تعلمون ما عملت مع هذا الرجل من أول الزمان إلى آخره، وأقل ما يكون أن أكون أنا وعائلتى فى الحياة مستورين، فتوجعوا كلهم من كلامه وشكايته، ثم أحضروا سائر القضاة وخلع نفسه من الملك، فحلف وحلفوا كلهم، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة، فخطب باسمه
(1)
ودعى له وقرأ رئيس المؤذنين {(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ)}
(2)
الآية، فتناكب الناس وضجوا بالدعاء للملك المنصور لما سبق لهم من المحبة له.
وفى ذلك اليوم انحط سعر الغلة عشرة دراهم من الغرارة، وكان زاد السعر يوم دخول العادل، وكذا زادت أسعار بقية الأشياء، ثم رجعت إلى ما كانت عليه، ثم أخلوا مكانا لكتبغا فى القلعة ورسموا على أغرلو مملوكه وجميع حاشيته، ثم كتبوا إلى المنصور بجميع ما وقع عليه الاتفاق، وسألوه فى آخر الكلام قبول الشفاعة فى كتبغا، وأنه خشداشه على كل حال، وأنه أذعن لطاعته، وكان أول من حلف له عند وصول الخبر، وأرسلوا نسخة اليمين أيضا.
فلما بلغ إليه ذلك فرح، وعرف الأمراء، وقرأ الكتاب عليهم، ثم قال:
كتبغا ما له ذنب، ولولا مماليكه ما جرى عليه شئ من ذلك، ولكن الأمور بتقدير الله تعالى، ثم كتب له تقليدا بنيابة صرخد، وكتب إلى الأمراء بدمشق
(1)
الضمير يعود إلى المنصور لاجين.
(2)
سورة آل عمران رقم 3 آية رقم 26.
أنه أجاب إلى سؤالهم، وأرسل التقليد مع مملوك له يسمى جاغان، وبعث معه أيضا تقليد الوزارة لتقى الدين توبة، وكان ممن يلوذ بخدمته، وأمر بحضور الأمير علم الدين الدويدارى وصحبته القاضى حسام الدين الحنفى، وأمر لإمام الدين القزوينى بقضاء دمشق، عوضا عن ابن جماعة، واستقر ابن جماعة خطيبا وناظر الأوقاف.
وخلع على الأمير سيف الدين قفجاق واستقر نائب دمشق، وعلى الأمير شمس الدين قراسنقر واستقر نائب السلطان بمصر، وأمر لقفجاق أن يروح على البريد، وتقدم قدامه جاغان بالتقاليد، وخلع على الأمير سيف الدين الحاج بهادر أمير حاجب على عادته، وعلى الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار واستقر أمير جاندار، وخلع على الأمير سيف الدين سلار واستقر أستاذ الدار، عوضا عن بتخاص.
وتباشرت الناس بسلطنته، وانحطت الأسعار، وكثر الجلب، ورجع كل شئ إلى ما كان عليه، وتواترت الغلال من الأقاليم، وكثرت المواشى، والفواكه، والسلطان أيضا شرع فى الإحسان للرعية والجند والأمراء، وأمر بتجهيز النفقات، وأخذ فى تأمير مماليكه، فأمّر منكوتمر، وجاغان، وبهادر المعزى، وبهادر الجوكندار، وسيف الدين بيدو، وأيدغدى شعير، وسيف الدين بالوج، وجمال الدين أقوش الرومى، وغيرهم من الطبلخانات والعشرات، وأفرج عن الملك المجاهد وخلع عليه، وشفع هو عنده فى مملوك أبيه علاء الدين قطلوبوس، فقبل شفاعته، وخلع عليه، ورسم بنزوله دار والده المجاورة لدار الملك المنصور، وطلب بعد ذلك الصاحب فخر الدين ابن الخليلى
وأمره أن لا يظلم أحدا، ولا يجور على الناس، ولا يرمى عليهم رماية، ولا يفعل شيئا إلا بما يقتضيه الشرع الشريف، ويسلك الطريق الحميدة، ثم خلع عليه، [137] وكذلك أمر لناصر الدين الشيخى الشادّ وشرط عليه ما شرط على الوزير.
ذكر إخراج الناصر من مصر إلى كرك
(1)
:
اتفق المنصور مع الأمراء على إخراج الناصر محمد بن قلاون من مصر، وقال لهم: إن هذا صغير وقد انحصر من منع الركوب والطلوع والنزول، والمصلحة أن يكون هو ووالدته فى الكرك عند الأمير جمال الدين
(2)
نائبها، يركب إلى الصيد والتنزه، فوافقت الأمراء على ذلك، وطلبوا الأمير سيف الدين سلار وعز الدين الحموى لالا
(3)
السلطان وعرفهما ما قصده، ثم نهض السلطان بنفسه إلى القاعة التى فيها والدة الناصر، فجلس وطلب الطواشى وعرّفه أن يسلم على والدة الناصر ويخرج الناصر إليه، فردت السلام وأخرجوه، فأكرمه وأجلسه على ركبته، وشرع فى تطييب خاطره، وعرّفه أنه يسيّره إلى مكان الصيد والتنزه، والركوب كيف ما اختار هو ووالدته، وترقق له، وعرّف والدته أنه ما فعل بالملك
(1)
ورد هذا الخبر فى حوادث سنة 697 هـ انظر نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 94، تذكرة النبيه ج 1 ص 204 - 205، السلوك ج 1 ص 832.
وورد فى أحداث سنة 696 هـ فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 194 ب، التحفة الملوكية ص 149.
(2)
هو أقوش (آفش) بن عبد الله الأشرفى، الأمير جمال الدين نائب الكرك، وأصله من مماليك الاشرف خليل، وتوفى سنة 736 هـ/ 1330 م - المنهل الصافى ج 3 ص 27 رقم 518.
(3)
لالا: أى مربى.
العادل ما فعله إلا ليكون نائبا عنه إلى حين يكبر ويصلح للملك، فهو الآن نائب عنه، ولما سمعت والدته بذلك أجابت إلى كلامه، وقرر سفره صحبة بهادر الحموى، والأمير سلار، والأمير تمربغا رأس نوبة، وأمر أن يكون مملوكه أرغون الدويدار صحبته ومعه عشرون مملوكا، ففرح الناصر بذلك ولا سيما وكان قد وجد حصرا عظيما من أولاد العادل وإهانة ونكدا.
وكتب لاجين أيضا لجمال الدين نائب الكرك، وعرّفه بوصول الناصر إليه، وأنه إذا وصل اليه يكرمه ويحترمه، ثم إنه سفره فى الليل وأعطى له ألف دينار وتشريفا، وكتب كتابا إلى نائب الكرك، وذكر فيه أنه نائب عنه إلى أن يبلغ، وأنه ما فعل بالعادل ما فعله إلا لأجله، ثم إنه لما وصل إلى الكرك
(1)
نزل إليه النائب وتلقاه وأكرمه، وطلع به، فأجلسه مكان جلوسه، ووقف هو والأمراء بين يديه، ومدّ له سماطا عظيما، وقرر عنده سائر ما يحتاج إليه الملك من أرباب الوظائف، وأقام الأمير سلار عنده ثلاثة أيام، ثم عاد، وقصد تمربغا عوده، فمنعه من ذلك وعرفه نائب الكرك أنه قد ورد مرسوم بإقامته بالكرك مع أستاذه فى خدمته، فامتثل المرسوم وأقام عنده.
ذكر القبض على الأويراتيّة
قد تقدم ذكر حضورهم ووصولهم إلى الديار المصرية، وكيف حصل لهم الحظ الوافر والتقرب عند العادل، وأنه قدمهم على أكابر الأمراء لكونهم من جنسه،
(2)
وكان قد اتفق أن العادل شرب معهم يوما قمزا وجرى بينهم حديث البلاد
(1)
«فى رابع ربيع الأول» سنة 697 هـ فى السلوك ج 1 ص 833.
(2)
انظر ما سبق ص 278 وما بعدها، ص 304 وما بعدها.
وكيف اتفق بينهم وبين قازان، وذكروا أنهم ما قصدوا بلاد مصر إلا أنهم يملكونها ويجعلونها وطنا، وأنهم كانوا يعتقدون أن ليس لها عسكر يمنع، وأن عسكرها عامة وعرب وأكراد، فلما نظروا إلى عساكرها من الأجناس المختلفة والأشكال المتباينة وأنهم لا يحصون ندموا على حضورهم غاية الندم، وأنهم لو أمكنهم الرجوع ما أقاموا، وكانوا أخذوا فى مثل ذلك وأشباهه، وكان بعض الأمراء حاضرا فى ذلك الوقت يشرب القمز مع العادل، فسمع جميع ما قالوا وأخبر به سائر الأمراء، وبلغ الخبر إلى النائب لاجين وقراسنقر وكان هذا هو السبب [138] لاتفاق الأمراء على كتبغا مع ما حصل من مماليكه.
ولما تسلطن لاجين طلب الأمراء واستشارهم فى أمر هؤلاء الأويراتية، فاتفق رأيهم على مسك كبارهم وتفريق البقية فى الشام ومصر، فقبض على مقدمهم طرغاى وككتاى وألوص وجماعة من كبارهم وسفروا إلى الإسكندرية وكان آخر العهد بهم، ولا يعرف لأحد منهم قبر غير طرغاى فإنه معروف بمقابر اسكندرية، وأما ألوص فإنه أفرج عنه وأقام بمصر، ثم فرق المنصور بقيتهم، فمنهم من خدم عند الأمراء والأكابر، ومنهم من ذهب إلى الشام ورغب فى استخدامهم الأمراء لأنه ما جاء طائفة من الشرق إلى مصر أجل منهم، وانتشرت منهم جماعة فى حسينية القاهرة وكانوا قد نزلوا بها واتخذوا بها مساكن، فطابت أحوالهم، وكثرت محاسنهم، وانتشرت منهم بنات حسان لا يوصف حسنهن فرغبت فيهن
(1)
أكابر الناس من الأمراء والأعيان والتجار وغيرهم
(2)
.
(1)
«فيهم» فى الأصل.
(2)
انظر المواعظ والأعتبار ج، ص 22 - 23.
ذكر بقية ما جرى فى هذه السنة:
منها: أن المنصور أخرج جميع من كان فى السجون فى الإسكندرية ودمياط وغيرهما من الأمراء والمماليك، فلما وصلوا إلى البحر رسم بإخراج المماليك المسجونين بخزانة البنود وخزانة شمائل وسائر السجون، وكان طلوعهم فى يوم واحد، وغلقت المدينة للتفرج عليهم، وكان يوما مشهودا، وعند طلوعهم إلى السلطان فكوا قيودهم، وقبلوا الأرض، ولبسوا التشاريف، وكان فيهم مثل الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والأمير سيف الدين برلغى، والأمير سيف الدين الدكز، وكانوا خمسة وعشرين أميرا، ونزل كل واحد إلى مستقره، واستقر بالقلعة من كان عادته بها.
قال صاحب النزهة: بلغنى من دوادار السلطان أنهم لما دخلوا عليه وخلع عليهم وخرجوا من بين يديه، نظر إليهم وإلى حسن أشكالهم وإلى المهابة التى فيهم لحقه ندم كثير وصار فى فكر عظيم، وأن دواداره فهم مقصوده. وقال له يا خوند: والله لقد عملت فيهم خيرا وإحسانا. قال: فرفع رأسه إلىّ وقال:
أخطأنا بإخراج هؤلاء جملة، ولو كان بالتدريج لكان أحسن، وما بات أحد منهم تلك الليلة إلا وقد ملأ اصطبله من الخيل والبغال وحملت إليهم الكساوى والأشياء المفتخرة من خشداشيتهم، وبلغ ذلك السلطان فازداد ندما على إخراجهم فطلب مماليكه وعرفهم بذلك، وقال لهم: كيف نعمل ولا يمكن الرجوع من ذلك والندم لا ينفع، فاتفق رأيهم على إخراج بعضهم إلى القلاع، وإخراج الأمراء الذى يخشى من فسأدهم، ثم بعد أيام طلب الأمراء واستشارهم فى أمرهم، وقال لهم: إن هؤلاء كثيرون، وفيهم أمراء، وما ثمت شئ فى هذا
الوقت من الإفطاعات، واتفق رأيه معهم على أن يكون الأمير ركن الدين بيبرس نائب السلطنة بالصبيبة، والأمير برلغى أميرا بدمشق، وفلان وفلان فى طرابلس وصفد، واستقر أمرهم على ذلك، ولما بلغ هذا الاتفاق على هؤلاء، دخلوا على الأمراء وعلى خشداشيتهم على أن يدخلوا على السلطان فى أمرهم وأنهم ما يختارون إلا أن يكونوا فى ركاب السلطان، فتكلمت الأمراء [139] بذلك، فأجاب إليهم ورسم بإقامتهم، وأخرج لهم الإمريات والإقطاعات بالتدريج.
ومنها: أنه عزل الصاحب فخر الدين بن الخليلى عن الوزارة، وخلع على الأمير سنقر الأعسر واستقر فى الوزارة، وهى وزارته الثانية، وسلّم إليه الصاحب فخر الدين وأخذ خطه هو وأتباعه بمائه ألف دينار، كذا ذكره ابن كثير فى تاريخه
(1)
.
وفى نزهة الناظر: كان فخر الدين ابن الخليلى صادر الأمير سنقر الأعسر ونكل به نكالا كثيرا على ما تقدم، ولما وزر الأعسر خشى فخر الدين على نفسه من النكال والإخراق، فسير إلى الأمير سلار ودخل عليه، وعرفه أن الأعسر متى تمكن منه حصل عليه كل سوء، وكان بين فخر الدين وبين سلار صحبة أكيدة من أيام السلطان الملك الصالح، فإنه كان ناظر ديوانه وسلار أمير مجلس، وكان يخدمه ويهاديه، ثم سير إليه خط الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه يذكر فيه: من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تميم الدارى وذريته هذا ما أعطاه محمد رسول الله لتميم الدارى وذريته جيروم والمرطوم وبيت عيون
(1)
لا يوجد هذا الخبر فى النسخة المطبوعة من البداية والنهاية.
وبيت إبراهيم وما فيهن وسلمت ذلك إليهم ولأعقابهم، فمن أذاهم أذاه الله ومن لعنهم لعنه الله، شهد بذلك عتيق ابن أبى قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله عنهم وكتبه على بن أبى طالب، فلما رأى سلار ذلك الحط أخذه ودخل على السلطان وعرفه أن هذا الرجل من أهل بيت كبير وذرية صالحة موصاة بوصية النبى عليه السلام وأخرج له الخط، فلما رآه السلطان نهض إليه وقبله ووضعه على رأسه وقال: السمع والطاعة، قبلت أمر رسول الله عليه السلام، ثم طلب الأعسر وعرفه بذلك، فأخذ الوزير فى منع هذا وقال: لم يعقب تميم الدارى، وربما يكون هذا مفتعلا، فقال السلطان: ما بقى إلا مكان للتعرض إلى هذا بوجه من الوجوه، وإن كان ما تقول صحيحا، فخرج الوزير من عنده وطلب ابن الخليلى إليه وأكرمه، وقال له على شى يحمله يرضاه، فاتفق معه على على حمل ثمانين ألف درهم وأفرج عنه.
ومنها: أنه رسم بالإفراج عن الإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد، وكان قد منع الخروج والركوب وعن أمر يدخل إليه، وكانوا أخلو له برجا، وإلى الآن يعرف ببرج الخليفة، فلما حضر عنده قام إليه وأكرمه وأنعم عليه بأشياء كثيرة، ورسم أن يخلى له موضع بالكبش
(1)
ويقيم فيه هو وعائلته، وأجرى له ولعائلته رواتب وجميع ما يحتاجون إليه، ورسم له أن يخطب يوم الجمعة ويؤم بالناس ونزل فى موكب عظيم والأمراء والحجاب فى خدمته، وكان يوما مشهودا، وجاءت إليه القضاة والمشايخ، ثم خطب يوم الجمعة خطبة بليغة.
ومنها: أنه أمر بتجديد عمائر جامع أحمد بن طولون وترميم ما تشعث من جدرانه.
(1)
«مناظر الكبش» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 195.
قال ابن كثير: وندب لعمارته علم الدين سنجر الدوادارى وأفرد له عشرين ألف دينار عينا من خاص ماله، فصرفت عليه، ورتب له أملاكا وجدد له أوقافا
(1)
.
وفى نزهة الناظر: وكان السبب لذلك ما ذكرناه عند ما اتفق للسلطان وقراسنقر من قتل الملك الأشرف، وأن السلطان لما هرب جاء ودخل جامع ابن طولون وأقام فيه ثلاثة أيام هى إقامته فيه [140] نذر لله تعالى إن خلصه من هذه الورطة أن يعمر هذا المكان ويجدّده، وأن يعمل فيه من الخير جهده،
(2)
واتفق ما اتفق من تقلبات الدهر إلى أن تسلطن وصار له الحكم فى سائر الأمور تذكر ذلك النذر، وكان قد طلب الأمير علم الدين الدوادارى من دمشق وخلع عليه وولاه نيابة دار العدل لما كان يعلم من خيره وعلمه ودينه، وكانت له معه صحبة قديمة، وفوض إليه أمر العمارة وشراء الأوقاف، وأوصى إليه أن لا يسخر فيه صانعا ولا فاعلا، وأن لا يشترى شيئا إلا بقيمته، وأول ما اشترى من الأماكن لوقفه منية الدونة من الأعمال الجيزية، واشترى له أرض ساحة إلى جانبه وحكّرها، ورتب فيه الدروس فى المذاهب الأربعة، ورتب المقرئين وقراء المصحف والبوابين والوقادين، ودرس الأطباء، ومكتب الأيتام، وغير ذلك من جميع المعروف
(3)
.
وجدّد أيضا المسجد الأخضر بين القرافتين، ومسجدا آخر بجوار الليث بن سعد رضى الله عنه، وجدد مواضع كانت قد هدمت من مساجد الفتح.
(1)
انظر وثائق وقف السلطان حسام الدين لاجين رقم 17، 18 محفظة 3 مجموعة المحكمة الشرعية بدار الوثائق القومية، وانظر فهرست وثائق القاهرة.
(2)
انظر ما سبق ص 238 وما بعدها.
(3)
انظر أيضا المواعظ والاعتبار ج 2 ص 268.
ومنها: أنه ورد إليه كتاب الشريف أبى نمى صحبة قواده يهنئ بولاية السلطان ويعرض بذكر كتبغا بشئ من شعره:
لقد نصر الإسلام بالملك الذى
…
تزعزع من شم الملوك الشناخب
حسام الهدى والدين منصوره
…
الذى رقى بسماء المجد أعلى المراتب
مضى كتبغا خوف الحمام وقد
…
أنت إليه أسود الجند من كل جانب
(1)
ومنها: أن السلطان المنصور قبض على الوزير شمس الدين الأعسر، وكانت توليته الوزارة فى جمادى الأولى، وقبض عليه فى أواخر ذى الحجة من هذه السنة، وكان السبب لذلك كبره وتجبره وتعاظمه على الأمراء ومماليك السلطان، وبلغ كبره إلى أنه لا يرد الجواب للسلطان إلا بعد زمان وتأنّى، ومع هذا كان يجيبه بما لا شفاء له، وكان قصده أن يسلك فى الوزارة مسلك الشجاعى مع أرباب الأقلام والمتعممين، ولذلك ما كان يقبل شفاعة أحد من الأمراء، وكان بخرق بقصادهم ونوابهم ويتعاظم عليهم، فلذلك رماه الله على أم رأسه.
ومنها: أنه قبض على الأمير قراسنقر النائب، والسبب لذلك أمور منها:
أنه أراد أن يقيم مملوكه
(2)
منكوتمر عوضه فى النيابة، ومنها: أنه خشى من اتفاق الأمراء البرجية الذين أخرجهم من الحبس مع قراسنقر النائب، ومنها: أن قراسنقر أسرف فى الطمع والحمايات وتحصيل الأموال على أى وجه كان، واتفق فى نيابته شكوى كثيرة فى دار العدل بقصص رفعت فى حق مماليكه، وكان أكثر الشكاوى فى حق كاتبه شرف [يعقوب
(3)
] فإنه كان تحكم فى بيته تحكم الملاّك،
(1)
انظر غاية الموام ج 2 ص 35 - 36 حيث توجد أبيات أخرى، كما يوجد اختلاف فى بعض المقاطع.
(2)
الضمير هنا يعود على المنصور لاجين.
(3)
[] إضافة للتوضيح - تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 232.
وكان صاحب مال كثير ومماليك كثيرة وحفدة وأتباع، وكان متولعا باللهو والطرب واجتماع الندماء عنده، وكان يتكرم عليهم مكارم كثيرة وإنعام جسيم، وكان تعلق قلبه بامرأة بعض أرباب البيوت، فاتفق أنه سكر ليلة فدعاه سكره إلى أن أرسل وراءها، فعز عليها الحضور فى تلك الليلة، فسير من أحضرها كرها وزوجها معها، فلما حضر زرجها أخرق به فضربه وأهانه [141]، ثم إن الرجل قدم قصة للسلطان وذكر فيها ما جرى عليه وعلى امرأته، فقوى ما فى قلب السلطان من جهته، فطلب أستاذه قراسنقر وأغلظ عليه فى القول وقال له: لا بد من تأديب كاتبك وخروجه من عندك، ولما خرج قراسنقر من من عند السلطان طلب كاتبه وأعطاه القصة، فقرأها، وأنكرها، ولم يكترث بذلك لا هو ولا قراسنقر، وصار السلطان بعد ذلك يذكر ذلك للأمراء، ويعدّ مساوئ هذا الكاتب، ويتكلم من ظلم قراسنقر، وظلم حاشيته إلى أن اتفق رأيه بحضور الأمير بدر الدين بيسرى وعز الدين الحموى وسنقرجاه الظاهرى والحاج بهادر الحاجب على قبضه، ثم قال له البيسرى: يا خوند إذا مسكت هذا ما تريد نائبا غيره!! فقال: استنيب مملوكى منكوتمر، فسكت الجميع عند ذلك؛ بل وجموا عند ذكره، ثم قال السلطان ما سكوتكم عند ذكرى منكوتمر! فقال البيسرى: يا خوند مملوكك منكوتمر شاب قوى النفس، حادّ الخلق. وهذا المنصب يريد رجلا ثقيل الرأس، طويل الروح، يحسن الحكم والسياسة. وقال الحاج بهادر: يا خوند الأمراء كلهم ما يخشون إلا من تولية منكوتمر، وأنت قد كنت شرطت على نفسك مع الأمراء حين توليت السلطنة أن لا تولى منكوتمر أمرا، ولا مملوكك جاغان، ووقعت اليمين على ذلك،
وأخذ يذكر ما وقع من ذلك عند سلطنته فى العوجاء، ولما سمع السلطان ذلك منهم قال: حتى ننظر غير هذا.
وخرجت الأمراء من عنده وقد تمكن فى قلبة الغيظ من ذلك، ثم أحضر منكوتمر وخشداشيته من المماليك وأخبرهم بالذى وقع مع الأمراء، ثم قال:
هذا منهم يدل على أنى محكوم على فى سلطنتى، وما خرجوا من عنده حتى اتفقوا معه على أن يفرق الأمراء إلى كشف الأقاليم ولا يؤخر عنده إلا من يريد مسكه والقبض عليه.
فلما أصبح أمر بكتابة أوراق بذلك، فعين الأمير سيف الدين طغريل الأيغانى لكشف الشرقية، والأمير سنقر المساح لكشف الغربية، والأمير بدر الدين بيسرى لكشف الجيزية، وأمره أن يكون قريبا من المدينة ويعدى للخدمة أيام الإثنين والخميس، ويتصيد هناك ويتنزه، وبعد أيام قليلة خرجت الأمراء كل واحد إلى جهته.
ثم بعد ذلك طلب كرجى وكان قد قدمه على المماليك السلطانية وعرّفه المقصود، وأمره أن يتفق مع الأمير سيف الدين طقجى وناصر الدين منكلى التترى على مسك أمراء عينهم عند عبورهم للخدمة.
ولما دخلت الأمراء إلى السلطان نهض هؤلاء فمسكوا قراسنقر النائب، والحاج بهادر، وعز الدين الحموى، ومسكوا أيضا ممن كانوا خارج الخدمة سنقرجاه الظاهرى، والأمير أقوش، وعبد الله، وكورى، والشيخ على، وقبدوا الجميع وحطوهم فى الزرد خاناه، وأمر السلطان أن يخلى قاعة قريبة منه ويحط فيها قراسنقر، ويحمل إليه كل ما يحتاج إليه، ثم أمر بمسك كاتبه وعقوبته
واستخراج أمواله وأموال أستاذه، وكتب أيضا [142] إلى نائب الشام بإيقاع الحوطة على سائر موجوده وموجود الأمراء الذين مسكهم معه.
ثم فى اليوم الثانى يوم الأربعاء منتصف ذى القعدة منها طلب منكوتمر وخلع عليه بخلعة النيابة وخرجت سائر الأمراء فى خدمته، ووقف الأمير سيف الدين كرت أمير آخور حاجبا مكان الحاج بهادر، ثم رسم منكوتمر بإعادة الصاحب فخر الدين بن الخليلى إلى الوزارة، وعزل ناصر الدين الشيخى من شد الدواوين وخلع على شمس الدين شيخوه الحلبى وتولى عوضه شادّ الدواوين، وسلمت إليه حاشية قراسنقر وكان يستخرج منه الأموال، وأوصى منكوتمر الوزير على أن يعاقب كاتب قراسنقر عقوبة الموت.
وقال بيبرس فى تاريخه
(1)
: استقل منكوتمر بالنيابة وأظهر العظمة والمهابة، وكان كالمعيدى فى دمامة شكله وقباحة فعله، وسلم إليه أستاذه القياد، ووكل إليه تدبير البلاد والعباد، فبسط يده ولسانه وقلمه، واحتجز الأموال والتحف والهدايا واللطف، وأسرف غاية السرف، وأظهر من التكبر والتجبر والصلف، واستصغار الأكابر واحتقار الأصاغر ما نفر عنه الخواطر وبغضه إلى البوادى والحواضر، ولم يتقيد بما يجب من الآداب، ولا سلك سبيل الصواب، ولا علم مصرع الكبرياء، وسوء مغبة الخيلاء.
ولله در القائل محذرا للإنسان من الزهو، ومنبها له من الوقوع فى هذا السهو، حيث يقول:
(1)
فى حوادث سنة 697 هـ.
يا نفس ذا الكبرياء من أين
…
ألست من مخرج السبيلين
أبوك بالأمس كان من حمأ
…
وجيفة أنت بعد يومين
أقل ما ابتليت لاغيه
…
بغائط فى النهار وقتين
إن تعسّر فأنت هالكة
…
أو تيسّر فرهن قولين
(1)
ومن الحوادث فى هذه السنة، ما ذكره صاحب نزهة الناظر، وهو عبور العسكر الحلبى إلى ماردين على سبيل الغارة، والسبب الموجب لذلك، أن السلطان كان بينه وبين صاحب ماردين واقعة من أيام نيابته الشام أوجبت ذلك، وأيضا وقع بين صاحب حلب وصاحب ماردين كلام بسبب مملوك ابتاعه صاحب ماردين من التجار وضع نائب حلب صفته، فسير إليه يطلبه منه، فأبى، ثم إن السلطان أرسل إلى نائب حلب وأمره أن يختار من أمراء حلب وعسكرها جماعة معروفة ليغيروا
(2)
على ماردين، فجرد الحلبى والخطيب وابن العيثانى وجماعة من عسكر حلب معروفين، وجرد من خيار مماليكه ستين مملوكا ونحو خمسمائة فارس، فركبوا وساروا إلى أن بقيت بينهم وبين ماردين ليلة واحدة، وكانوا كلما دخلوا ضيعة من ضياع ماردين لا يأخذون منها شيئا ولا يتعرضون إلى رعيتها، وإذا سألوهم يقولون إنا قاصدون مكانا بالقرب منكم، وبلغ صاحب ماردين مجيئهم وأنهم ما شوشوا على أحد من بلاده، فسير إليهم الإقامات فاطمأن من جهتهم إلى أن كانوا بالقرب منه وركبوا فى الليل وما طلعت الشمس إلا وقد
(1)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 196 أحيث توجد إضافات على ما نقله العينى.
(2)
«ليغاروا» فى الأصل.
أوقعوا الغارة فى الرمض، ووقع الصوت فى أهلها فاندهشت [143] الناس، ووقع النهب واقتحموا سائر الحانات والبيوت.
وكان الملك المنصور قد عمر مكانا للتنزه سماه الطور؛ وقد ذكره صفى الدين الحلى فى شعره.
من نفحة الطور لا من نفخة الصور « ...... »
(1)
وهى قصيدة طويلة.
وسمع صاحب ماردين الصياح فطلع إلى أعلى القلعة فنظر « ......... »
(2)
العسكر قد أحاط بكل مكان، ونهبوا الحريم، واخربوا المستنزه، وكان قد غرم عليه أموالا عظيمة وعمر إلى جانبه مكانا آخر وسماه الفردوس.
قال صاحب التاريخ، فى خبر هذه الغارة، أنه رأى صاحب ماردين واقفا على قدميه، وعليه قباء أحمر مزركش، وهو يضرب يدا على يد، ويصيح على العسكر، ويشير بيده إليهم، ويقول لهم: لا تخربوا بستانى، واستمرت الغارة إلى آخر ذلك اليوم، وكان الثانى من شهر رمضان.
وهذه الغارة هى التى أوجبت حضور قازان، لأنه استفتى من العلماء فى أمر قتال أهل الإسلام الذين هتكوا الحريم، وسبوا الأولاد، وسفكوا الدماء واستباحوا الأموال، ولما عادوا فعلوا فى الضياع أعظم مما فعلوه فى الربض.
ومنها ما ذكره ابن كثير: وهو أن السلطان أرسل إلى الملك الأشكرى بالقسطنطينية بإرسال أولاد الملك الظاهر إلى ديار مصر، فجهزهم الأشكرى فى
(1)
الشطرة الثانية مطموسة بالأصل.
(2)
«» كلمتان مطموستان.
مركب من مراكب الفرنج إلى ثغر الإسكندرية، وخرجوا من ظلمة البلاد الرومية إلى نور البلاد الإسلامية، وهم نجم الدين خضر وأخواته وأمه وأم سلامش، وأما سلامش فإنه توفى بتلك البلاد كما ذكرنا، فأحضرته والدته مصبرا، ودفنته بتربتها فى مصر، وسأل نجم الدين خضر أن يتوجه إلى الحجاز، فأجاب سؤاله، وجهزه بما يحتاج إليه من مال وزاد وهجن
(1)
وجمال، ولما عاد سكن القاهرة
(2)
.
ومنها ما ذكره بعض المؤرخين، وهو أنه ظهر بالديار المصرية فأر، وأتت على الغلات والزروع، وكان ظهوره على وجه الحصاد،
(3)
فكان يسابق الحصادين إلى الزرع، ولم يحصل من الزرع فى تلك السنة إلا اليسير
(4)
.
ومنها أنه وصلت خلع إلى أمراء دمشق والمقدمين وأعيان الدولة والمتولين، فلبسوها، وعدتها ستمائة خلعة.
وفيها بلغ النيل إلى خمسة عشر ذراعا ونصف ذراع ولم يبلغ الوفاء، وخشى
(1)
الهجان من الإبل: البيض الكرم. اللسان.
(2)
فى النسخة التى بين أيدينا (المطبوعة) من البداية والنهاية يوجد خبر عودة الملك المسعود خضر بن الظاهر من بلاد الأشكرى، وحج الأمير خضر بن الظاهر، وذلك فى حوادث شهر شوال سنة 697 هـ - البداية والنهاية ج 13 ص، 352.
وكذلك ورد فى السلوك فى أحداث سنة 697 هـ «فيما قدم الملك المسعود نجم الدين خضر بن الملك الظاهر بيبرس من بلاد الأشكرى الى القاهرة بشفاعة أخته امرأة السلطان الملك المنصور لاجين» . السلوك ج 1 ص 831.
وقد نقل العينى هذا الخبر عن بيبرس الدوادار - انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 195 ب.
(3)
أى موسم الحصاد.
(4)
انظر تاريخ ابن الفرات ج 8 ص 231.
عاقبته إن أسرع بنزوله، وذكر أنه كسر من غير وفاء، ثم مسك من النقص إلى أن بلغ الله به النفع.
وفيها حج بالناس من الديار المصرية الأمير سيف الدين كرتيه المنصورى، وحج بالناس من الشام الأمير عز الدين كرجى.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
قاضى قضاة الحنابلة هو عز الدين عمر
(1)
بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسى الحنبلى.
سمع الحديث، وبرع فى المذهب، وحكم بديار مصر، وكان مشكور السيرة، توفى فى صفر، ودفن بسفح المقطم، وحكم بعده شرف الدين عبد الغنى
(2)
ابن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر الحرانى.
الشيخ الصالح المقرئ جمال الدين عبد الواحد
(3)
بن كثير بن ضرغام المصرى، ثم الدمشقى، نقيب السبع الكبير والغزالية.
وكان قد قرأ على السخاوى، وسمع الحديث، وتوفى فى أواخر رجب، ودفن بالقرب من قبة الشيخ رسلان، رحمه الله.
[144]
الصدر الكبير شرف الدين أبو العباس أحمد
(4)
بن محمد بن على
(1)
له أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 13 ص 350، النجوم الزاهرة ج 8 ص 111، شذرات الذهب ج 5 ص 436، السلوك ج 1 ص 830.
(2)
توفى سنة 709 هـ/ 1309 م - المنهل الصافى.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 35 - 351.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 134، المنهل الصافى ج 2 ص 148 رقم 287، البداية والنهاية ج 13 ص 351، الدارس ج 1 ص 72، السلوك ج 1 ص 831، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 25 رقم 38، تذكرة النبيه ج 1 ص 199، فوات الوفيات ج 1 ص 124 رقم 52، الوافى ج 8 ص 66 رقم 3488.
ابن جعفر البغدادى السامرى
(1)
.
واقف السامرية
(2)
التى إلى جانب الكروسية
(3)
بدمشق، وكانت داره التى سكن ودفن بها، ووقفها دار حديث وخانقاة، وكانت وفاته يوم الإثنين الثامن عشر من شعبان، وكان كثير الأموال، حسن الأخلاق، معظما عند الدول، له أشعار رائقة، ومبتكرات فائقة، وكان ببغداد له حظوة عظيمة عند الوزير ابن العلقمى،
(4)
وامتدح الخليفة المستعصم بالله وخلع عليه خلعة سوداء سنية، ولما أخذت التتار بغداد قدم إلى دمشق، فحظى عند صاحبها الملك الناصر، وصارت له عنده أعلى مكانة، فحسده أرباب الدولة، فشرعوا ينقبون عليه وعلى وجيه الدين بن سويد، فعمل الأرجوزة
(5)
وذكر فيها جميع « ...... »
(6)
وادى دمشق وأخضرها « ...... »
(7)
على الملك الناصر، وأولها:
يا سائق العيس إلى الشام
…
وقاطع الوهاد والآكام
مدرعا مطارف الظلام
…
كبارق يلمع فى غمام
وقيت حوادث الأيام
(1)
«السرمرآى» فى بعض مصادر الترجمة، وفى الحالين النسبة صحبحة فهو نسبة الى مدينة سرمن رأى، وهى نفسها سامرا - معجم البلدان.
(2)
دار الحديث السامرية بدمشق، وبها خانقاه - الدارس ج 1 ص 72 وما بعدها.
(3)
المدرسة الكروسية بدمشق: وقفها محمد بن عقيل بن كروس بن جمال الدين، محتسب بدمشق، المتوفى سنة 641 هـ/ 1243 م - الدارس ج 1 ص 446.
(4)
هو محمد بن أحمد، مؤيد الدين ابن العلقمى، وزير آخر الخلفاء العباسيين ببغداد المستعصم بالله، قتل سنة 656 هـ/ 1258 م - العبر ج 5 ص 255.
(5)
«الأرجوزة المشهورة بالسامرية» فى الوافى ج 8 ص 66.
(6 و 7) ثلاث كلمات غير مقروءة.
و «حط فيها على الكتاب، وأغرى الناصر بمصادرتهم» فى الوافى، وفوات الوفيات.
فلما سمعها الملك الناصر صادرهم جميعهم، وحصل للناصر بسببها مال عظيم
(1)
.
ومن شعره:
أترى وميض البارق الخفاق
…
قائدى
(2)
إلى أهل الحمى العراقى
ولعلّ أنفاس النسيم إذا سرى
…
يحكى لوعة
(3)
مغرم مشتاق
أحبابنا ما آن بعد فراقكم
…
أن يتهنى محبكم
(4)
بتلاق
بنتم فضنت بالرقاد نواظرى
…
أسفا وجادت بالدموع مآقى
أجريت من جفنى على أطلالكم
…
دمعا غدا وقفا على الاطلاق
أتراكم ترعون حيا رعتم
…
أدواؤه
(5)
بقطيعة وفراق
بين الدموع وحرّ نار أضالعى
(6)
…
عذّبت بالاحراق والاغراق
(7)
بالله يا ريح الشمال تحمّلى
…
منى
(8)
سلام الواله المشتاق
وإذا مررت على الديار فبلغى
…
أهل الكئيب [بكل
(9)
] ما أنا لاق
(1)
«فصادرهم الملك بعشرين ألف دينار» - البداية والنهاية ج 12 ص 351.
(2)
«يهدى» فى فوات الوفيات ج 1 ص 137.
(3)
«تحية» فى فوات الوفيات.
(4)
«أن تسمحوا لمحبكم» فى فوات الوفيات.
(5)
«أحشاءه» فى فوات الوفيات.
(6)
«جوانحى» فى فوات الوفيات.
(7)
«بالاغراق والاحراق» فى فوات الوفيات.
(8)
«واقرى» فى فوات الوفيات.
(9)
[] إضافة من فوات الوفيات.
فهناك لى رشأ أغنّ مهفهف
…
يصمى القلوب بأسهم ورقاق
(1)
فإذا انثنى فضح القنا وإذا رنا
…
سفكت لواحظه دم العشّاق
ويزين غصن القدّ منه ذؤابة
(2)
…
وكذا الغصون تزان بالأوراق
(3)
أأبيت ملسوعا بعقرب صدغه
…
ويضن من فيه بالدرياق
يا من أحلّ دمى وحرّم وصله
…
ووفيت لما خان فى الميثاق
صل أو فصدّ فلست أخشى حادثا
…
والصدر نجم الدين حى باق
الصاحب الصدر الذى أقلامه
…
يجرين بالآجال والأرزاق
وكان الصاحب بهاء الدين بن حنا قد صادره وأخذ منه ثلاثين ألف دينار فى دولة الظاهر، وصادره الشجاعى فى دولة المنصور وأخذ منه مائتى ألف درهم، وبقى عليه ديون كثيرة، وطباعه [145] كما هى ما تغيرت، ولا غير ملبوسه ولا ترك هزله ومجونه وهدايا إلى نواب السلطنة وأعيان الدولة وإيثاره للفقراء، وآخر ما بقى له قاعة جعلها خانقاة وتربة كما ذكرنا، ووقف عليها مزرعة بالشاغور وبقايا من أملاكه، ولما مات مملوكه أقوش كانت له حصص فى مواضع وقفها أيضا على خانقاته
(4)
.
العدل الرئيس نفيس الدين أبو الفدا إسماعيل
(5)
بن محمد بن عبد الواحد بن
(1)
«الأحداق» فى فوات الوفيات.
(2)
«شعره» فى فوات الوفيات.
(3)
الى هنا ينتهى ما ورد فى فوات الوفيات.
(4)
«خانقاهه» فى الأصل.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 428 رقم 454، الوافى ج 9 ص 212
إسماعيل بن سلامة بن على بن صدقة الحرانى، ثم الدمشقى.
كان أحد عدول القسمة بدمشق،
(1)
وولى نظر الأيتام فى وقت، وكان ذا ثروة، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع الحديث، ووقف داره دار حديث، وهى التى تسمى النفيسية
(2)
التى بالرصيف، وكانت وفاته يوم السبت بعد الظهر الرابع من ذى القعدة منها، ودفن بسفح قاسيون.
الشيخ الإمام العالم البارع الفاضل عفيف الدين عبد السلام
(3)
بن محمد بن مزروع البصرى، نزيل الحرم الشريف النبوى.
ومولده سنة خمس وعشرين وستمائة،
(4)
ومات فى هذه السنة، ودفن بالبقيع، وكان عند الأمير عز الدين شيحة - صاحب المدينة - بمنزلة الأب والوزير، وعرض عليه وزارته فأبى، وكان يرسله فى مهماته إلى مصر والشام والعراق، وجاور بالمدينة مدة خمسين سنة، وحج أربعين حجة.
(5)
- رقم 41118، وورد فيه أن صاحب الترجمة توفى سنة 698 هـ، الدارس ج 1 ص 114، شذرات الذهب ج 5 ص 435.
ويلاحظ أن ابن تغرى بردى خلط فى ترجمته - انظر المنهل ج 2 ص 422، ص 428.
(1)
«كان أحد شهود القيمة بدمشق» - البداية والنهاية.
(2)
دار الحديث النفيسية بدمشق - الدارس ج 1 ص 114.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 134، للبداية والنهاية ج 13 ص 350، السلوك ج 1 ص 831، شذرات الذهب ج 5 ص 435، تذكرة النبيه ج 1 ص 198 - 199.
(4)
«بالبصرة» فى تذكرة النبيه.
وله نظم، فمنه قوله
(1)
:
إليك رعاك الله لا زلت منعما
…
ومن غير الدهر الخؤون مسلّما
كتبت ولولا حب ساكن طيبة
…
لوافاك شخصى دون خطّى مسلّما
ولكنّنى أصبحت رهن صبابة
…
بجيرة سلع والعقيق متيّما
ولى بالنقا لا زلت جار أهيلة
…
قديم هوى فى حبّة القلب خيّما
وبين ثنيّات الوداع إلى قبا
…
لقلبى أسرار أبت أن تكتما
وبالحرم المأنوس آنست نسمة
…
لأنسى بها آنست سلمى وكلثما
وكم فاح لى من طيب طيبة نعمة
…
الذّ من الإثراء لمن كان معدما
وكم حزت من فضل بمسجد أحمد
…
وبالروضة الزهراء كم نلت أنعما
أروح وأغدو بين قبر ومنبر
…
قلوب الورى شوقا تطير إليهما
أقوم تجاه المصطفى ومدامعى
…
على الخدّ تجرى فرحة لا تندّما
فلى كلّ يوم موسم متجدّد
…
بقرب رسول الله يتبع موسما
لعمرى هذا الفخر لا فخر من غدا
…
يرى مغرقا فى الظاعنين ومشيما
ولم أك أهلا للوصال وإنّما
…
تطفّلت تطفيلا فألفيت منعما
وجاورت خير العالمين محمدا
…
أبا القاسم الهادى العظيم المعظما
أعزّ الورى جاها وأغزرهم ندا
…
وأوسعهم حلما وأمنعهم حما
[146]
فلا بدّلت نفسى بطيبة غيرها
…
إلى أن يوارى اللحد منّى أعظما
(2)
(1)
«ومن شعره من أبيات كتبها الى بعض اصحابه بالبصرة» - تذكرة النبيه.
(2)
انظر بعض أبيات هذه القصيدة فى تذكرة النبيه ج 1 ص 199.
وله:
طلبت سواكا منك يا غاية المنى
…
ومالى قصد فى السّواك سواكا
كذاك أراك قد أردت تفاءلا
…
لعلّى من بعد البعاد أراكا
الصدر الرئيس الفاضل الأديب نور الدين أحمد
(1)
بن إبراهيم بن عبد الضيف ابن مصعب الدمشقى
(2)
.
مات فى هذه السنة ببستانه بسطرا، ودفن بسفح قاسيون قبالة المدرسة الأتابكية،
(3)
كان فاضلا فى النحو واللغة، وكان تجرّد وهو شاب مع الفقراء الحريرية،
(4)
وسافر إلى مصر وغيرها من البلاد، وكان من رؤساء دمشق.
وله نظم مليح، ومن شعره ما كتبه إلى الأمير علم الدين الدوادارى وهو:
هل شمت بالشام برق لاح من أضم
…
على المقطّم من شوقى إلى العلم
ومنزلى بين وادى النيريين إلى
…
سفح البنفسج لا بالضّال والسّلم
طورا على جانبى ثورا نناشدنى
…
ورق الحمائم بالأسجاع والنّغم
وتارة حول باناس وفائضة
…
تجرى إلى بردى بالبارد الشيم
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 133، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 28 رقم 39، شذرات الذهب ج 5 ص 434، تذكرة النبيه ج 1 ص 197.
(2)
«مولده سنة اثنين وعشرين وستمائة بدمشق» - تذكرة النبيه.
(3)
المدرسة الأتابكية بدمشق: بصالحية دمشق، أنشأتها تركان خاتون بنت السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن أتابك زنكى بن آق سنقر، المتوفاة سنة 640 هـ/ 1242 م - الدارس ج 1 ص 129.
(4)
الفقراء الحريرية: ينتسبون إلى الشيخ على بن منصور الحريرى، الدمشقى، الفقير، والمتوفى سنة 645 هـ/ 1247 م - العبر ج 5 ص 186.
وفى المقاسم أنهار جداولها
…
تجرى إلى الغوطة الفيحاء بلا قدم
وحسن ربوتنا مع فضل معبدها
…
يجاب فيه دعاء داع ومستلم
مواطن هى مرباى ومرتبعى
…
ودار لهوى وإخوانى وملتزمى
كم قد قطعت بها والدار تجمعنا
…
من صفو عيش بطيب الوصل مبتسم
منازل تشبه الجنّات منظرها
…
إن لم تكنها لما فيها من النعم
لكنها تشتكى شوق أضرّ بها
…
إلى أمير كثير الجود والكرم
جمال الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين أبى الحسن على بن شيخ السلامية.
مات ليلة الأربعاء غرة ربيع الأول منها، ودفن يوم الأربعاء بمقابر باب الفراديس، كان فاضلا أديبا، ومن شعره:
ومن يكن الرحمان أدنى محلّه
…
وأعطاه دون العالمين مواهبا
فلا طرفه يكبو ولا سيف عزمه
…
مدى الدهر ينبو قوة ومضاربا
فلا زال هذا الدهر طوع يمينه
…
ولا انفك للأعداء ما عاش غالبا
عز الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ شمس الدين المسلم بن محمد بن المسلم ابن المكى بن خلف بن المسلم بن أحمد بن محمد بن محمد بن على بن القيسى.
مات فى السادس من ربيع الأول، ودفن بقاسيون، ومولده فى عاشر صفر من سنة أربع وعشرين وستمائة، سمع إبراهيم الخشوعى، وأبا نصر الشيرازى،
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 216 رقم 314: الوافى ج 8 ص 180 رقم 3603.
وورد فى المنهل الصافى أن صاحب الترجمة توفى سنة 697 هـ.
والفخر الأربلى، وحدّث، وكان منقطعا عن الناس، مواظبا على الذكر وحضور الجماعات.
الشيخ الإمام شمس الدين محمد
(1)
بن أبى بكر بن محمد الفارسى، المعروف بالأيكى.
مات يوم الجمعة الثالث من رمضان منها، ودفن بمقابر الصوفية، كان إماما عالما، ولى مشيخة الشيوخ بالديار المصرية مدة، ودرّس بزاوية الغزالى بدمشق مدة، ولم يزل معظما موصوفا بالفضل [147] والعلم إلى أن مات، رحمه الله.
الشيخ عز الدين أبو محمد عبد العزيز
(2)
بن القاسم
(3)
بن عثمان بن عبد الوهاب البابصرى البغدادى الحنبلى.
مات فى هذه السنة، ودفن بمقابر الصوفية بدمشق، ومولده ببغداد فى صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة، سمع من جماعة بدمشق، وكان فاضلا، وله شعر حسن ومعرفة بالتاريخ. ومن شعره:
فعدت فى منزلى حزينا
…
أبكى على فقد نور عينى
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 137، البداية والنهاية ج 13 ص 353، شذرات الذهب ج 5 ص 439، السلوك ج 1 ص 851، الدارس ج 1 ص 422.
وفى مصادر الترجمة أن صاحب الترجمة توفى سنة 697 هـ.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 139، تذكرة النبيه ج 1 ص 208، وفيها أن صاحب الترجمة توفى سنة 697 هـ.
(3)
«أبى القاسم» فى درة الأسلاك، وتذكرة النبيه.
عاندنى الدهر فيه حتى
…
فرق ما بينه وبينى
وبان عصر الشباب عنى
…
فصرت أبكى لفقد ذين
(1)
الشيخ الفاضل أبو الحسن
(2)
[بن عبد الله
(3)
] بن الشيخ غانم بن على النابلسى.
سمع من عبد الدائم، وعمر الكرمانى، وكان صالحا، كثير التقشف، حسن المحاضرة، متواضعا، خيرا، مات يوم الأربعاء الرابع من ذى القعدة منها، ومولده بدمشق فى شوال سنة أربع وأربعين وستمائة. وله شعر حسن فمنه:
هى النظرة الأولى جرت فى مفاصلى
…
شغلت بها فى الكون عن كل شاغلى
وأصبحت فى وجدى فريد صبابة
…
جنونى لا يخفى على كل عاقل
أنزه طرفى أن أرى فى خيامها
…
سواها وسمعى عن حديث العواذل
وأكتم ما بى من هواها صيانة
…
فيظهر تأثير الهوى فى شمائلى
لها بالحمى عن أيمن الحمى منزل
…
أعظمه من بين تلك المنازل
سلام على تلك الخيام وأهلها
…
ومن حلّ فيها من مقيم وراحل
أسكّان ذاك الحى أين ترحلوا
…
بقلب محب ضاع بين المحامل
سألتكمو ردّوا الفؤاد فإنه
…
متاع لأيام الحياة القلائل
أجيراننا بالخيف إن دام هجركم
…
ولم تسمحوا لى منكم بالتواصل
ألا فابعثوا لى من حماكم رسالة
…
تكون إلى قلبى أعزّ الرسائل
ولا تبعثوها فى النسيم فإننى
…
أغار عليها من نسيم الأصائل
(1)
تذكرة النبيه.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 139، وتذكرة النبيه ج 1 ص 208، وفيها أن صاحب الترجمة توفى سنة 697 هـ.
(3)
[] إضافة من تذكرة النبيه.
الشيخ الإمام المسند، شيخ بغداد وسندها، كمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن
(1)
ابن عبد اللطيف بن محمد بن عبد الله بن وريده البزاز، عرف بالفويرة الحنبلى، المقرئ المحدث.
توفى فى هذه السنة، ودفن بباب حرب ببغداد، ومولده ثمان أو تسع وتسعين وخمسمائة، سمع ابن ضرما، ومحمد بن الحسن، وعلى بن يوسف الحمامى وأجازه ابن طبرزد، وابن سكينة، وهو آخر من أدّى عنهما، وقرأ القراءات بالروايات على الفخر الموصلى، وأجازه أيضا أحمد بن الحسن العاقولى، وكان شيخ المستنصرية.
تاج الدين على بن الصاحب فخر الدين إسماعيل بن إبراهيم ابن أبى القاسم أبى طالب بن سعيد بن على بن سعيد بن كسيرات المخزومى.
مات فى مستهل ذى الحجة من هذه السنة بطرابلس، ومولده فى مستهل ذى الحجة سنة تسع وستين وستمائة، كان فاضلا أديبا، مليح الشعر، فمن شعره قوله:
[148]
يقولون الغداة تموت وجدا
…
فقلت لهم ورب الأخشيين
لقد سربلت ثوب الفصل قسرا
…
على رغم النوى لم أخش بينى
(1)
وله أيضا ترجمة فى: النجوم الزاهرة ج 8 ص 114 وفيه أن صاحب الترجمة توفى سنة 697 هـ.
شهاب الدين أحمد
(1)
بن عثمان بن أبى الرجاء بن أبى الزهر بن السلعوس التنوخى.
مات فى هذه السنة، ودفن بمقبرة الباب الصغير فى الثامن عشر من جمادى الأولى منها، وكان قد ولى النظر على جامع دمشق فى وزارة أخيه شمس الدين،
(2)
وكان مشكور السيرة فى نظره، سمع من عثمان بن عوف، وابن عبد الدائم.
الشيخ الصالح الزاهد العابد الخاشع الناسك نجم الدين أبو على الحسن،
(3)
المعروف بالشاورت
(4)
الدمشقى.
كان فى مبدأ أمره كاتبا، ثم ترك ذلك وتزهد، وكانت له كرامات ومكاشفات وأشياء من علم الحرف وغيرها.
الشيخ الفاضل شرف الدين أبو السماح عبد الكريم
(6)
بن محمد بن محمد بن نصر الله الحموىّ المعروف بابن المغيزل، وكيل بيت المال بحماة.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 387 رقم 206، الوافى ج 7 ص 179 رقم 3120، الدرر ج 1 ص 212 رقم 513.
(2)
هو محمد بن عثمان بن الرجاء، الوزير الصاحب شمس الدين، ابن السلعوس، المتوفى سنة 693 هـ 1293 م - انظر ما سبق.
(3)
هو عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن بن مكى بن اسماعيل بن عوف الزهرى، الاسكندرانى، أبو الفتح، المتوفى سنة 674 هـ/ 1275 م - العبر ج 5 ص 303.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 351
(5)
«المعروف بالساروب» - البداية والنهاية.
(6)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 139، شذرات الذهب ج 5 ص 438، تذكرة النبيه ج 1 ص 208 - 209، وورد فى هذه المصادر أن صاحب الترجمة توفى سنة 697 هـ.
مات بها يوم السبت الرابع عشر من المحرم، ومولده فى سنة ست عشرة وستمائة بحماة، سمع ببغداد الكاشغرىّ،
(1)
وابن الخازن
(2)
.
الأمير حسام الدين كوسا الحاجب.
كان من الأجواد الأخيار، توفى فى هذه السنة.
الأمير عز الدين أزدمر
(3)
العلائى، أخو الأمير علاء الدين الحاج طيبرس
(4)
الوزيرى.
توفى فى هذه السنة، كان من الأمراء الأعيان، والشجعان المشهورين.
الخاتون الجليلة نسب خاتون بنت الملك الجواد مظفر الدين يونس
(5)
بن شمس الدين ممدود بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب.
ماتت بدمشق، ودفنت عند والدها بقاسيون، سمعت إبراهيم بن خليل، وخطيب مردا، وابن عبد الدائم، وحدثت، وكانت صالحة خيّرة.
(1)
هو أحمد بن أسعد بن المظفر، عز الدين أبو الفضل الكاشغرى، المتوفى سنة 667 هـ/ 1268 م - المنهل الصافى ج 1 ص 238 رقم 126
(2)
هو عبد العزيز بن دنف بن أبى طالب البغدادى الحنبلى، عفيف الدين، المتوفى سنة 637 هـ/ 1239 م - شذرات الذهب ج 5 ص 184.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 347 رقم 395، الوافى ج 8 ص 370 رقم 3802، النجوم الزاهرة ج 8 ص 110.
(4)
هو طيبرس بن عبد الله الوزيرى، المتوفى سنة 689 هـ/ 1290 م - انظر ما سبق.
(5)
توفى سنة 641 هـ/ 1243 م - العبر ج 5 ص 171، وانظر الدارس ج 1 ص 581.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة السابعة والتسعين بعد الستمائة
(*)
استهلت، والخليفة: الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسى.
وسلطان البلاد: الملك المنصور لاجين السلحدار المنصورى، ونائبه بمصر:
منكوتمر، وبدمشق: سيف الدين قبجق، وبحلب: الأمير سيف الدين بلبان الطباخى.
وقاضى القضاة الشافعية بالديار المصرية: الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد.
وقاضى القضاة الحنفية: حسام الدين الرازى، ثم ولى ابنه جلال
(1)
الدين مكانه بدمشق فى عاشر صفر وركب بالخلعة والطرحة، وهنأه الناس.
وقاضى المالكية بدمشق: جمال الدين الزواوى.
وقاضى الحنابلة: تقى الدين سليمان بن حمزة بن الشيخ أبى عمر المقدسى.
وخطيب الجامع الأموى: بدر الدين بن جماعة.
ثم طلب حسام الدين الرازى إلى مصر، فأقام عند السلطان لاجين وولاه قضاء القضاة الحنفية بمصر، عوضا عن شمس الدين السروجى،
(2)
واستقر ولده
(*) يوافق أولها السبت 19 أكتوبر 1297 م.
(1)
هو أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنو شروان الرازى الحنفى، جلال الدين أبو المفاخر، المتوفى سنة 745 هـ/ 1344 م - المنهل الصافى ج 1 ص 264 رقم 141.
(2)
هو أحمد بن إبراهيم بن عبد الغنى السروجى، شمس الدين أبو العباس، المتوفى سنة 71 هـ / 1310 م - المنهل الصافى ج 1 ص 201 رقم 102.
جلال الدين بالقضاة فى الشام، ودرس بمدرستى أبيه الخاتونية والمقدمية، وترك مدرستيه القصاعية والشبلية.
وفيها: اتفق للشيخ تقى الدين قاضى القضاة مع منكوتمر نائب السلطان كلام أوجب أنه عزل نفسه من القضاء، والسبب لذلك أن تاجرا توفى وادعى رجل أنه أخوه، فأرسل منكوتمر إليه وعرفه أن المتوفى أخو هذا الرجل، ولم يخلف غيره، ولا [149] وارث غيره، ولم يسمع منه الشيخ تقى الدين، فغضب بسبب ذلك منكوتمر، فدخل بينهما الأمير سيف الدين كرت الحاجب فقال لمنكوتمر:
إن هذا الرجل كبير القدر ورجل صالح ولا ينبغى أن نسمع عن مولانا نائب السلطان إلا خيرا وأنا أذهب إليه ونرجو من الله أن ينقضى الشغل، فذهب إليه وهو جالس فى محكمته وسلم عليه ووقف، فنظر إليه الشيخ وردّ سلامه، وقام له نصف القيام، وأشار إليه بالجلوس فجلس، ثم قال: يا سيدى ولدك يسلم عليك ويقبل يدك فقال: وأىّ الأولاد!! فقال: الأمير سيف الدين منكوتمر، فشرع الشيخ يقول: منكوتمر، منكوتمر، ويكررها، ثم قال: ما مقصوده؟ فعرّفه القضية مع تلطف وترقق. فقال فى جوابه: إش يبنى على شهادته لهذا الرجل. فقال له: يا سيدّى ما هو عندكم عدل. فقال: سبحان الله، وتمثل بقول الشاعر:
يقولون هذا عندنا غير جائز
…
ومن أنتم حتى يكون لكم عند
وشرع يكررها ثلاث مرات، وفى الآخر قال: والله متى ما لم تقم عندى بينة شرعية ما حكمت بشئ، قم بسم الله، فنهض الحاجب من عنده وخرج.
قال صاحب النزهة: وكنت أنا ووالدى مع الحاجب المذكور فى ذلك الوقت. فقال لوالدى وهو خارج من عند القاضى: والله هذا هو الإسلام، ولما اجتمع بمنكوتمر تلطف معه وقال له: هذا الشغل ما ينقضى إلا إذا طلع القاضى إلى دار العدل واجتمع به مولانا النائب، فلعله إذا رأى الأمير يستحى منه، فسكن من غيظه بعض شئ.
فلما كان يوم دار العدل واتفق خروجه من عند السلطان والنائب جالس فى الشباك، فخرجت إليه الحجاب واحدا بعد واحد يقولون له: الأمير يختار أن يجتمع بخدمتكم، وهو لا يلتفت ولا يجاوب أحدا منهم إلى أن ألحوا عليه، فالتفت إلى القضاة الذين معه وقال للحجاب: قولوا له: يولى من يختار، فرجعوا إلى الباب وعرفوه بما وقع فسكت، فلما نزل القاضى إلى المدينة أغلق بابه وأرسل النقباء إلى جميع النواب وأصحاب العقود أن أحدا منهم لا يحكم ولا يعقد عقد إلى أن يتولى قاض.
ثم فى اليوم الثانى بلغ السلطان ما وقع من هذا، فطلب منكوتمر وصاح عليه وسبه وقال له: قد حكمتك فى الجيش تتحدث فيهم، ما يكفيك حتى تدخل فى أمر القضاة وتتحرش مع مثل هذا الرجل، ثم أرسل من وقته إلى القاضى يعتذر من ذلك الأمر وسأله الحضور إليه، فأبى القاضى وقال للقاصد: سلم على السلطان وقل له: إن القضاة كثيرون وقد جعل لى عذر فى هذا الوقت يمنعنى من الطلوع إليه، فلما عرفوا السلطان بذلك طلب الشيخ نجم الدين بن عبود
(1)
(1)
«الشيخ نجم الدين حسين بن محمد بن عبود» - السلوك ج 1 ص 849.
والطواشى مرشد، وأرسلهما إليه وقال لهما: ثقلا عليه فى الطلوع. فنزلا إليه وتكلما معه كثيرا، ثم قال له الشيخ نجم الدين: يا سيدى إن لم تطلع إلى السلطان فانه ينزل إليك بنفسه، ولم يزالا به حتى قام معهما وطلع إليه، فتلقاه السلطان ونزل من مرتبته وأخذه بيده وأجلسه عليها، فأخرج القاضى من كمه خرقة فبسطها فوق الفرش الأطلس، فجلس عليها،
(1)
ثم شرع السلطان يسأله فى الولاية وألح عليه إلى أن قبلها، وتولى على عادته [150]، ثم قال له: يا سيدى هذا ولدك منكوتمر خاطرك معه، ادع له،
(2)
فنظر إليه ساعة وصار يفتح يده ويضمها ويقول: منكوتمر؛ لا يجئ منه شئ - ثلاث مرات -، فلما قام أخذ السلطان تلك الخرقة منه على سبيل التبرك، ثم طلب الأمراء أيضا، فأخذ كل واحد منهم قطعة
(3)
.
ذكر خروج العساكر إلى سيس:
فى جمادى الأولى منها: استشار السلطان لاجين الأمراء فى أخذ سيس والغارة على بلادها، وكان ذلك الوقت وقت اختلاف المغول،
(4)
فقصد السلطان بذلك أن يذكر أن فى دولته أخذت حصون وأخمدت أعداء كثيرة، ثم أعرض
(1)
«فبسط منديله - وكان خرقة كتان خلقة - فوق الحرير قبل أن يجلس، كراهة أن ينظر إليه، ولم يجلس عليه» - السلوك ج 1 ص 849.
(2)
«وكان منكوتمر ممن حضر» - السلوك ج 1 ص 849.
(3)
«وتفرقها الأمراء قطعة قطعة ليدخروها عندهم رجاء بركتها» - السلوك ج 1 ص 849.
(4)
«وفية قدم البريد من حلب بوقوع الخلف بين طقطاى وطائفة نغيه حتى قتل منهم الكثير من المغل: وانكسر الملك طقطاى، وأن غازان قتل وزيره نيروز وعدة ممن يلوذ به، فاتفق الرأى على أخذ سيس مادام الخلف بين المغل، - السلوك ج 1 ص 837.
الجيش وجرد فى مصر تجريدة
(1)
فيها الأمير بدر الدين [بكتاش]
(2)
أمير سلاح، وشمس الدين آقسنقر كرتيه
(3)
السلحدار، وسيف الدين بكتمر السلحدار، وسيف الدين بوزلار، والأمير سيف الدين أغرلو، والأمير علم الدين الدوادارى الصالحى، والأمير حسام الدين، [لاجين الرومى]
(4)
الاستاذدار، وكتب كتابا لنائب الشام سيف الدين قبجق
(5)
بأن يتجرد ويجرد معه ركن الدين جالق،
(6)
والأمير سيف الدين بهادر آص، والأمير سيف الدين كجكن، والأمير بهاء الدين قرا أرسلان، وكتب إلى نائب طرابلس أيضا أن يتجرد بعساكرها، وإلى نائب حماة كذلك، وإلى نائب صفد فارس الدين اليكى الظاهرى كذلك.
فاجتمع هؤلاء مع الأمير سيف الدين بلبان الطباخى نائب حلب، وتوجهوا إلى سيس، وكان وصولهم إليها فى شهر رجب الفرد، فشنوا الإغارة على أهلها، وأوقعوا بخيلها ورجلها، ودوخوا أرجاء حزنها وسهلها، وفتحوا تل حمدون والمصيصة وحموص وقلعة نجم وسروندكار وحجر شعلان والنقير وقلعة الهارونية.
قال بيبرس فى تاريخه: وعادوا من هذه الغزاة إلى مدينة حلب، فأقاموا بها، فلم يشعروا إلا وقد وصل سيف الدين حمدان بن صلغاى
(7)
من الديار المصرية
(1)
«عشرة آلاف فارس» فى كنز الدرر ج 8 ص 369.
(2)
[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 837.
(3)
«كرتاى» - السلوك ج 1 ص 838.
(4)
[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 838.
(5)
«قفجاق» - زبدة الفكرة مخطوط ج 9 ورقة 196 أ.
(6)
«الأمير بيبرس الجالق» - السلوك ج 1 ص 837.
(7)
«صلغية» - زبدة الفكرة.
بكتاب المنصور إلى الأمير سيف الدين بلبان النائب بحلب بالقبض عليهم وهم راكبون فى الموكب، فلما وقف المذكور على المراسيم لم يسعه إلا اعتمادها، فطلب الأمراء واستدعاهم لينزلوا ويدخلوا معه دار النيابة ويحضروا السماط، وكان قد وقع لهم بعض هذا الخبر، وخامرهم الخور، وتقسمت بهم الفكر، وامتتعوا من حضور الخوان، وتحققوا مكيدة منكوتمر الخوان، ومضوا إلى خيامهم، فجهزوا أحوالهم وركبوا من وقتهم، وجاءوا إلى حمص إلى الأمير سيف الدين قفجاق لأنه كان بها وعسكر دمشق، فأطلعوه على الأخبار، واتفقوا معه على الفرار، وكان بحمص علاء الدين الطوان نائبا، فلم يستطع منعهم، ولا أمكنه صدّهم، ووضعوا أيديهم عليه، واستصحبوه معهم إلى القريتين مربوطا، وقادوه مكرها مضبوطا، ثم أنهم أطلقوه فعاد راجلا.
وكان الأمير سيف الدين قفجاق عند خروجه من دمشق متوجها إلى حمص أقام بها عوضا عنه الأمير سيف الدين صاغان متحدثا فى النيابة، فلما اتفق مقتل المنصور لاجين على ما نذكره إن شاء الله وثب عليه قرا أرسلان أحد أمراء دمشق ومسكه وسجنه، وأرسل سيف الدين بلغان بن كيجك الخوارزمى وراء قفجاق ليعلمه الخبر ويستدعيه ليعود إلى دمشق، فجاءه وهو قريب الفرات وأعلمه الحال [151] فلم يصدق المقال، وخاف أن تكون حيلة معمولة فلم يرجع، وسار على ما هو عليه فيمن انضم إليه وساروا مجدين، فعبروا الفرات وقصدوا بلد التتار، وأنشدوا بلسان الاضطرار:
إذا ما خفت فى أرض فدعها
…
وحثّ اليعملات على وجاها
ونفسك فزنها إن خفت ضيما
…
وخّل الدار تنعى من بناها
فإنك واجد أرضا بأرض
…
ونفسك لم تجد نفسا سواها
وكان الذين تظافروا على المسير واتفقوا على هذا التدبير: الأمير سيف الدين قفجاق، والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار، والأمير سيف الدين إلبكى الساقى، والأمير سيف الدين بوزلار، والأمير سيف الدين عزّاز، الصالحى، فلحقوا بقازان وأقاموا عنده إلى أن كان منهم ما كان
(1)
.
ولما استقر بهم القرار تزوجوا بنسوان من التتار، فتزوج سيف الدين قفجاق بامرأة من الأكابر، وهى أخت بلغان خاتون زوجة قازان، وأقاموا جميعا إلى أن حضر قازان إلى الشام لقصد بلاد الإسلام، فحضروا معه، ثم فارقوه واستقروا بالديار المصرية على ما سنذكره إن شاء الله.
وأما بقية الأمراء الذين كانوا فى ذلك التجريد فمنهم من مرض وقضى، ومنهم من عاد متمرضا. وقال الناس: إنهم اغتيلوا هنالك، والله أعلم بذلك.
وفى نزهة الناظر: أقامت العساكر على السيس نحو الشهر، وأخذوا البلاد المذكورة، وكتب نائب حلب إلى السلطان يبشره بذلك، فأعيد له الجواب بالشكر والثناء له وللأمراء، وكتب منكوتمر كتابا فيه غلظ على الأمراء، من جملة ذلك: متى لم تفتح سيس لا يحضر أحد من الأمراء إلى مصر، فإنه لم يبق له عند السلطان إقطاع، وكتب إلى نائب الشام سيف الدين قفجاق أن يركب مع عسكر الشام وينزل بهم على حمص ليصل خبره إلى العدو بأن عسكر الشام مقيمون ينتظرون العبور، ثم قال: وصل مملوك نائب حلب بأن العساكر مقيمون بحلب ينتظرون دستورا، وذكر فى كتابه وفاة الأمير عز الدين الموصلى
(1)
زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 196 أ، ب.
وانظر أيضا كنز الدرر ج 8 ص 373 - 376 حيث توجد رواية أخرى.
نائب طرابلس، ولما جاء هذا الخبر شرع منكوتمر فى التصرف فى أمور الأمراء وتفريق شملهم، وأراد أن يكبر خشداشيته، ثم اتفق مع السلطان على مسك جماعة من الأمراء المصريين والشاميين، وأن يطلب الأمير حسام الدين الاستاددار إلى مصر بمفرده على البريد ليفرق شملهم، فإذا وصل إلى مصر يمسك، وطلب حمدان بن صلغاى وعرفه بجميع ما وقع عليه الاتفاق من مسك بعض وقتل بعض وتغيير بعض، وأوثق الأمر معه، وكتب إلى الأمير بلبان الطباخى نائب حلب وعرفه أنه ثمّ أمراء قد قصدوا تغيير دولتنا، ونقل عنهم كلام كثير، فينبغى أن تحسن فى مسكهم وتساعد حمدان وأيدغدى شقير وبالوج، المماليك السلطانية، وركب حمدان إلى أن وصل إلى دمشق وعرف الأمير جاغان
(1)
بالأمر الذى حضر بسببه، وكان معه كتاب إليه بأن يحترس على قفجاق ولا يمكنه من العبور إلى دمشق إلا بمرسوم، ثم ركب من عنده إلى أن وصل إلى قريب حمص وبطّق
(2)
البريد إلى قفجاق، فلما وصل إليه الخبر قال: نذهب إلى الصيد فإنه رجل نحس وما حضر فى خير ولا بد معه مكيدة يفعلها، فنحن نبعد عنه [152]، ثم إن حمدان لما ركب أوقع الله طريقه فى الليل على المكان الذى نزل فيه نائب الشام وكان قد قاد غزالين، وكان متكئا، وإذا قد سمع ركض الخيل، فقام وجلس وإذا بجاغان، فقام وتلقاه وأكرمه وقال: ما هذه طريقتك؟ فقال والله جعل لنا نعاس، فخرجنا من الطريق إلى هذا المكان، وقال: النوم غلب علىّ فأريد أن أتكئ، فوطئوا له فراشا ونام إلى قريب الفجر، ثم قال له قفجاق نركب معك إلى حمص. قال: نعم ولكن أريد أن تطهّى
الأمير شماجا بلحم الغزال قبل أن أروح، فقال: نعم، وركب قفجاق وسبق وأمر بعمل الشماج، فلما وصل حمدان أحضروا الطعام بين يديه، وتقدموا للأكل، وجلس هو بحذا قفجاق نائب الشام، وأخرج سكينا من وسطه وأسرع يقطع اللحم ويأكل، ثم إنه قطع برأس السّيخ لحما ورمى قدام قفجاق، ولم ير قفجاق أنه يأكل منه ولا مدّ يده إليه، فقال له يا أمير: لم لا تأكل معى من هذا؟ فقال له: بطنى توجع، ولى أيام ما أكلت الزفر، فلما سمع هذا الكلام لم يجلس بعدها، وركب وراح، وبعد ركوبه أخذ قفجاق اللحم الذى قطعه برأس السكين ورماه للكلب، فحين أكله الكلب وقع ومات.
فقال: جروه وارموء، فلما أرادوا أن يجروه تمرق لحمه من عظمه.
ثم أرسل من ساعته إلى بكتمر السلحدار وجماعة الأمراء الذين يثق بهم وأخبرهم بخبر حمدان، وأنه ما جاء فى خير، وأنهم يحترزون منه، وسير أيضا بعض النجابة إلى مصر إلى أصحابه، ولما وصل حمدان إلى حلب واجتمع بنائبها أعطاه الكتاب وعرفه بسبب الأمر الذى أتى فيه، فلما سمعه الطباخى تعجب وقال: يا أمير، كيف نعمل؟ وهذا ما هو أمر قليل يحتاج فيه إلى رجال، ولا يعمل بفتن كثيرة، وطارحه بأن أيدغدى شقير وأخبره بما قال النائب، وكان حمدان قد حضر ومعه تقليد لسيف الدين طقطاى بنيابة طرابلس بحكم وفاة نائبها، [و]
(1)
توفى طقطاى أيضا
(2)
.
فأرسل هو وأيدغدى شقير مملوكين مع مملوك نائب حلب إلى السلطان
وعرفوه بذلك، وذكر حمدان فى كتابة توقف الطباخى عن مسك الأمراء، فحصل من ذلك لمنكوتمر حنق وغيظ على نائب حلب، وقال للسلطان: ينبغى مسك الطباخى وتولية أيدغدى شقير عوضه فى النيابة، فقال السلطان: هذا الوقت لا يقتضى تحريك الطباخى، فكتبوا له بالشكر والثناء، وأمروه أن يتحيل على مسكهم بكل وجه، وأرسلوا تقليد الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار بنيابة طرابلس، فإذا حضر ولبس تشريفة يمسك، ثم يمسك الأمراء المذكورون بعده، ثم إن بكتمر تجهز إلى الخروج والتوجه إلى الديار المصرية، فخرج وسار إلى أن قرب من بلبيس، فلما وقعت بطاقته طلب منكوتمر حسام الدين الاستاذدار فقال له: يمسك بكتمر قبل دخوله إلى السلطان، فقال: ما هو مصلحة فى هذا الوقت، والمصلحة تأخيره إلى أن يرد الجواب من نائب حلب بمن مسك من الأمراء.
وقال صاحب النزهة: وكان سبب سلامته ما حكاه لى بعض مماليكه الذين حضروا معه، فقال: حين طلب أستاذى إلى مصر تحقق أنه إذا وصل [153] إلى مصر ما يخلى سبيله، فأوصى على صغيرات، ووقف، وتصدق، وأخذ معه ألف دينار برسم الصدقة، وصار يتصدق بها طول الطريق، ولما وصل إلى بلبيس فى آخر الليل أراد أن ينام ويستريح ساعة، فلم يأخذه النوم لكثرة فكره وقلقه، ثم قام توضأ وصلى ركعتين، وسأل الله أن ينجيه من شر من يخافه، وتضرع إلى الله كثيرا، ثم سمع المؤذن يسبح، ويقول فى ابتداء كلامه:{(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)}
(1)
، الآية،
(1)
الآية 1 من سورة الفتح رقم 48.
فقام وتمرغ على الأرض، وسأل الله تعالى، وقال للعامل معه: والله لم يطب خاطرى إلا عند ذلك، لأنه تفاءل باستفتاح ذلك المؤذن، وأوضح ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل ويكره الطيرة، وأفضل ما يكون التفاؤل من كلام الله عز وجل، ثم ركب وهو منشرح الصدر، إلى أن دخل عند السلطان، فأقبل عليه السلطان إقبالا حسنا، وأجلسه، وشرع يسأله عن أحوال العسكر، وعن الأمراء، وعن القلاع التى فتحت، وهو يخبره بالتفصيل، والسلطان ينشرح لحديثه، وآخر كلامه أن قال له: يا أمير ما طلبتك إلا لتخبرنى بما وقع بين أمير سلاح وبين الدوادارى، وما السبب فى ذلك. فقال: والله يا خوند ما وقع بينهما شئ يوجب الخلف، وإنما أراد الأمير علم الدين الدوادارى التقدم على العسكر، فكره أمير سلاح ذلك منه لكونه أتابك العساكر مدة عمره، ولما حضر مرسوم مولانا السلطان إمتثلوه، ومشى كل واحد فى مكانته.
ثم بعد ذلك خلع عليه السلطان، وأنعم عليه بألف دينار، وخرج من عنده.
وكان منكوتمر منتظرا لمسكه، فلما رآه وقد خرج وعليه الخلعة حصل عنده ضيق الصدر، وكان قد راود السلطان فى أمره مرارا عديدة إلى أن وافق على مسكه، ولكن الله تعالى أزال ذلك عن خاطره.
ثم إن منكوتمر لما دخل عند السلطان قال له: يا منكوتمر، والله ما زلت طالبا مسكه إلى أن دخل عندى، فزال ما فى خاطرى من ذلك، ولما رأيته استحييت منه، وذكرت له خدما كثيرة علىّ، فطيب خاطرك فهذا أمر لا يفوت.
وفيها كان الروك
(1)
الحسامى بالديار المصرية، وكان إبتداؤه فى جمادى الأولى،
(2)
فريكت البلاد، وكتبت الأمثلة
(3)
وفرقت، وجلس منكوتمر ليفرقها على العساكر، فكان كل من وقع له مثال لا سبيل له إلى المراجعة فيه، فمن الجند من سعد، ومنهم من شقى، ومنهم من خاب، وأفرد للخاص السلطانى بلاد الأعمال الجيزية ونواحى الصفقة الاطفيحية، وثغرى دمياط والإسكندرية، ونواحى معينة من البلاد القبلية والبحرية
(4)
.
وقال بيبرس فى تاريخه: وفيها أجمع رأى المنصور ومنكوتمر نائبه على روك النواحى والجهات، وسائر المعاملات، وجميع الاقطاعات، وتجديد ترتيبها، فرسم بجمع الدواوين والكتاب والمستوفين لتحرير المقترحات الروكية، وتحقيق ارتفاع الديار المصرية، وتعيين قوانين نواحيها، ومكلفات مساحة ضواحيها، وجملة متحصلاتها، وعقد معاملاتها، وريع أموالها وغلاتها، فجمعوا جميعا، ورتب معهم الأمير بدر الدين ألك الفارسى الحاجب، والأمير بهاء الدين قراقوش الصوابى الظاهرى [154] وطولبوا بسرعة النجاز، فعملوا المقترح بعضا
(1)
الروك: مسح الأراضى الزراعية فى بلد من البلاد - انظر المواعظ والاعتبار ج 1 ص 87 وما بعدها، كتاب ماليه مصر ص 174 وما بعدها.
(2)
«خرج الأمراء للروك ومعهم الكتاب وولاة الأقاليم فى سادس عشر جمادى الأولى» - السلوك ج 1 ص 843.
(3)
مثال - مثالات: أول وثيقة يصدرها ديوان الجيش فى أمر الإقطاع، وهى عبارة عن ورقة مختصرة تكتب فيها بيانات الإقطاع - صبح الأعشى ج 13 ص 153، منشور بمنح إقطاع ص 5 - 6.
(4)
انظر زبدة الفكرة، وقد نقل منه العينى هذا النص، ثم عاد فكرره ثانيا - انظر ما يلى.
بالحقيقة، وبعضا بالمجاز، وجددت الإقطاعات، وجمعت النواحى والجهات وكتبت بها المثالات، وجعلت ثلاث طبقات، وجلس منكوتمر لتفرقتها على العساكر، فكان كل من وقع له مثال لا سبيل له إلى المراجعة فيه، ولا يمكنه الحيلة على تلافيه، فمن الجند من سعد، ومنهم من شقى، [ومنهم من خاب، ومنهم من أنجح بما لقى، فانتقل بعضهم من بلاد عامرة إلى أراضى غامرة، ومن متحصلات وافرة إلى نواح دامرة، وفاز بعض بأكثر مما قصده، ووجد خيرا مما فقده]
(1)
(2)
:
يشقى رجال ويشقى آخرون بهم
…
ويسعد الله أقواما بأقوام
[وأفرد للخاص السلطانى بلاد الأعمال الجيزية، ونواحى الصفقة الإطفيحية، وثغرى دمياط والإسكندرية، ونواح معينة من البلاد القبلية والبحرية، وجمعت اقطاعات الأمراء وأجنادهم، وأضيفت عبر الجند إلى عبر بلادهم
(3)
].
وعين لمنكوتمر من النواحى المعروفة، والإقطاعات الموصوفة، والجهات المتميزة، والبلاد المتعينة والمختارة لنفسه وأصحابه، وكان الحكم فى تعيينه لدواوينه، والاختيار لكتّابه، إلا أنه لم ينتفع بمباشرة فيه، ولا تملى به، فلله در القائل:
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(2)
«» ساقط من زبدة الفكرة.
(3)
العبرة: متوسط الدخل السنوى للاقطاع.
Cahen،C.:L،Evolution de I Lqta،P .64.
وانظر منشور بمنح اقطاع ص 16.
[] إضافة من زبدة الفكرة.
ويلاحظ أن العينى أسقط هذه العبارات لكونه ذكر ما قبل أن ينقل نص زبدة الفكرة، ولكن رأينا استكمال نص زبدة الفكرة.
إقنع تعزّ ولا تطمع تذل
…
ولا تكثر تقل ولا تغتر بالأمل
وكان نجاز الروك والفراغ منه فى ذى الحجة سنة سبع وتسعين وستمائة، واستقبل بالإقطاعات سنة ثمان وتسعين الهلالية، ونقلت السنة الخراجية من سنة ست إلى سنة سبع وتسعين وستمائة.
وهذا النقل جرت العادة باثباته فى الدواوين، وامضائه للمستخدمين من تقادم السنين، وأيام الخلفاء والملوك المتقدمين، وسببه الداعى إليه أن إدراك الغلال، واعتصار الأقصاب، وقبض الخراج، إنما المعول فى حسابه على السنة الشمسية، وعقد الضمانات، وأقساط المعاملات على حكم أشهر السنة القمرية، وبينهما تفاوت فى عدد السنين والحساب، يعلمه العلماء والكتاب، وله دليل من آى الكتاب، وهو قوله عز وجل:«وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً»
(1)
، فقيل أن التسع مقدار التفاوت بين السنين الشمسية والهلالية، فإذا مضى ثلاث وثلاثون سنة انزحفت النسبة إلى السنة الخراجية فيحتاجون إلى تحويلها بالأقلام، ونقلها على جهة الإعلام من غير نقص فى الأموال، ولا خلل فى الأعمال، وكتب بهذا التحويل سجلات إلى البلاد ليكون عليها العمل والاعتماد
(2)
.
وقال صاحب النزهة: لما أرادوا روك البلاد، طلبوا تاجا الطويل
(3)
ليعمل
(1)
الآية 25 من سورة الكهف رقم 18.
(2)
زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 198 أ - 199 أ، وأنظر أيضا التحفة الملوكية ص 152. وعن تحويل السنة الخراجية (القمرية) إلى سنة شمسية انظر صبح الأعشى ج 13 ص 54 وما بعدها، المواعظ والاعتبار ج 1 ص 273 وما بعدها.
(3)
هو عبد الرحمن الطويل، تاج الدين، مستوفى الدولة، وكان من مسالمة القبط، وممن أشار إليه فى معرفة صناعة الكتابة، ويعتمد على قوله، ويرجع إليه» السلوك ج 1 ص 842 - 843.
أوراقا بعبرة الأمراء والجند، وقوانين البلاد،
(1)
واتفق الحال على أن العسكر جميعه أربع عشرة قيراطا، والسلطان أربع قراريط، وقيراطان وقف، والبقية تبقى إلى أن يسجل عليها جند بطالون لتقوية الجيش،
(2)
والذى استقر للخاص الشريف السلطانى:
الجيزية، والاطفيحية، ومنفلوط، والكوم الأحمر، ومرج بنى هميم،
(3)
والإسكندرية، ودمياط، وجرجة شمسطا، ورتب لمنكوتمر ما لم يكن لنائب قبله فكانت عبرة إقطاعه ما ينيف على مائه ألف دينار
(4)
.
وهذا الروك كان سبب اتلاف الجند والعسكر لتناقص الاقطاع الذى كان لجند الحلقة، وكان عشرة ألاف درهم إلى ثلاثين ألفا ونيفا، فجمع أكثره إلى عشرين وما دونها، فصار كل من كان خبزه يعمل عشرين ألفا نجده عشرة آلاف، ومن كان يعمل عشرة نجده ستة، وتوقفت أحوال الجند، وقلت الأرزاق، فهذا هو الذى ولد حب التضاغن فى القلوب، والبغضاء فى النفوس، فكان أقوى الأسباب على الفتنة، كما نذكره إن شاء الله.
(1)
«لتحرير المقرّحات الروكية، وتحقيق ارتفاع الديار المصرية، وتعيين قوانين نواحيها، ومكلفات مساحة ضواحيها» - زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 198 أ.
(2)
«أن يجعل للأمراء والأجناد الحلقة أحد عشر قيراطا، ويستجد عسكرا بتسعة قراريط .... أن يفرد للأمراء والأجناد عشرة قراريط، وأن يجعل القيراط الحادى عشر برسم من يتضرر» - السلوك ج 1 ص 842 - 843.
وانظر أيضا المواعظ والاعتبار ج 1 س 88.
(3)
«وهو والكوم الأحمر من أعمال القوصية» - السلوك ج 1 ص 843.
ويلاحظ أن المقريزى ذكر «مرج بنى هميم» من بين النواحى التى خصصت للنائب - السلوك ج 1 ص 844.
(4)
«وكان متحصلها ينيف على مائة الف أردب وعشرة آلاف أردب من الغلة، خارجا عن المال العين، والقنود، والأعسال، والتمر، والأغنام، والأحطاب» - السلوك ج 1 ص 844.
وفيها تقنطر المنصور لاجين بالميدان، فانكسرت [155] يده، وانقطع أياما ثم عوفى وركب فى الحادى عشر من صفر، ومدحه شمس الدين محمد بن «
…
»
(2)
بأبيات منها:.
فمصر والشام كل الخير عمّهما
…
وكلّ قطر علت فيه التباشير
والكون مبتهج والوقت
(3)
…
مبتسم
والخير متّصل والدين مجبور
وكيف لا وعدوّ الله منكسر
…
بالله والملك المنصور منصور
(4)
وفى نزهة الناظر: كانت عادة السلطان فى لعب الآكرة العجلة والانهماك على اللعب، وعرف فى الشام ومصر بجودة لعب الآكرة، وكان كثيرا ما يدع الآكرة فى الهواء ويسوق تحتها، ويقوم فى السرج ويأخذها من الهواء بيده ويصل بها إلى آخر الميدان، فاتفق له ذلك اليوم أنه ضرب الآكرة وساق تحتها وقام فى السرج فخرج منه وسبقه رأسه إلى الأرض فالتقى الأرض بيمينه فانكسرت، وتتعتعت أضلاعه، وبقى ساعة فى الأرض إلى أن نهض بنفسه وقام، فوجد جميع الأمراء قد ترجلت،
(5)
وكانت العادة أن الملك إذا اتفق له وقوع من فرسه إلى الأرض لا يجسر
(1)
انظر السلوك ج 1 ص 831.
(2)
«» بياض فى الأصل.
(3)
«والحلق» فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 89.
(4)
انظر كنز الدرر ج 8 ص 371 - 372 حيث توجد أبيات أخرى.
(5)
أورد المقريزى هذه الحادثة ضمن أحداث شهر ذى القعدة سنة 696 هـ - السلوك ج 1 ص 829 - 830.
أحد أن يتقدم إليه إلا بإذن منه لمن يختاره أو لمن له عليه إدلال مثل مملوكه الخاص أو غلامه، ويترجل سائر الأمراء، فإذا ركب ركبوا، وركب السلطان وأشار للأمراء أن يتموا لعبهم، وطلب المجبرين فعملوا فى يده ما هو الواجب.
وكانت العامة يحبونه لأنه كان يحبب نفسه إليهم، فلما رأوه وهو راكب تباشروا ودعوا له، وصاح بعض الحرافيش
(1)
وقال: سلامتك يا قضيب الذهب ما تستهل، أرنا يدك، وكان قد علقها بمنديل، فلما سمعه أخرج يده وأخد المقرعة وضرب بها على معرفة الفرس، فتصايحوا ودعوا له، ثم لما طلع طلب المجبرين فلما حلوا يده وجدوا الرباط قد تغير والعضو قد انزعج، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم بما فعله عند صياح ذلك الحرفوش، فقالوا له: يا خوند كيف تخلّيه يفشو؟ قال: لا كان ينكسر خاطر الناس.
ثم إنه أقام مدة شهرين إلى أن ركب، فلما ركب زينت مصر والقاهرة، وكتب إلى البلاد الشامية بعافيته، وزينت سائر الأقاليم.
وأما ما أنفق يوم ركوبه إلى الميدان فكان شيئا غريبا، وكان يوما مشهودا، وكانت جميع دكاكين الصليبة إلى آخر الكبش مملوءة بالرجال والنساء، وكان الرجل منهم يجلس بنصف درهم، وأما البيوت فانها أكريت فى ذلك اليوم بأجرة سنة، ولما عاد وطلع القلعة خلع على سائر أرباب الوظائف وسائر الأمراء والمقدمين، وأمر بالصدقات على الفقراء والمشايخ، وأفرج عن المسجونين.
(1)
المقصود عوام الناس.
وفيها: وفد سلامش بن أفاك
(1)
بن بيجو التترى وأخوه قطقطو
(2)
ومن معهما إلى الأبواب السلطانية، وسبب ذلك أن سلامش كان مقيما ببلاد الروم ومقدّما على التمان المجرد فيها، فبلغه أن قازان عزم على أن يقتله، فأراد الانحياز إلى دار الإسلام طلبا للنجاة، وكاتب الملك المنصور حسام الدين لاجين [156] مستأذنا ومعلما بوصوله مستأمنا، وأرسل من جهته شخصا يسمى مخلص الدين الرومى، فأجاب السلطان إلى ذلك، وقال: إنا لا نكره من يهاجر إلينا محبة فى الله والرسول عليه السلام.
وبلغ قازان مراسلته، فجرد عسكرا لحربه وأخذه، فالتقوا معه فى بلد الروم، فلما التحم القتال بينهم خامر عليه بعض من كان مضافا إليه، فلم ينجه إلا الفرار وقصد هذه الديار.
ولما وصل إلى البلاد الحلبية جهز معه من يحضره إلى الأبواب السلطانية، وعند وصوله عومل بالإكرام وقوبل بالإنعام، وخير فى المقام بمصر إن شاء أو الشام، فذكر أنه ترك عياله وخلف أهله وأطفاله وسأل تجريد عسكر ليحضر أهله، فرسم بأن يجهز معه من عسكر حلب من يساعده على ما طلب، وعاد من الباب العزيز، فجرد النائب بحلب معه عسكرا إلى الروم وقدّم عليه الأمير سيف الدين بكتمر الحلبى أحد الأمراء بحلب، فساروا إلى بلاد سيس، فلما وصلوا إليها شعر بهم صاحب سيس والتتار الذين ببلادها، فأخذوا عليهم مضايق الدروب وعاجلوهم
(1)
«بن أفال» - فى السلوك ج 1 ص 874.
وقد أورد المقريزى هذه الأحداث ضمن حوادث سنة 698 هـ.
(2)
«قطقطوا» - فى زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 197 ب، السلوك ج 1 ص 877.
بالحروب عن الهروب، فقتل الحلبى ومن معه وفر سلامش منهزما وجاء إلى قلعة ببلد الروم واعتصم بها، فأرسل قازان فى طلبه، فأحضر إليه فقتله شر قتلة
(1)
.
وكان قد ترك أخاه بالديار المصرية على أنه رهينة عنه واسمه قطقطو وصحبته مخلص الدين الرومى، فاستقرا بها وأعطيا إقطاعا وراتبا.
وفى نزهة الناظر: كان سلامش هذا كبير القدر معظما ببلاد الروم، وله بيت كبير فى المغول.
قال صاحب النزهة: ذكر لى من أثق به من الروميين أن جدّ هذا الرجل هو الذى فتح بلاد الروم فى سنة إحدى وأربعين وستمائة، وملكها بعد قتل عالم كثير، وعند نزوله حضر إليه أبو بروانا وعرفه بنفسه وعرفه أيضا أن هذه
(2)
أقليم عظيم، وأنه لا ينظر إلى من قتل منه، والتزم أن يحمل له كل سنة خراجا ويكون هو ومن معه رعيته، فوافقه على ذلك وقرر عليه فى كل سنة ثلاثمائة وستين ألفا من الدراهم، وألف رأس غنم، وألف رأس بقر، وألف رأس جمل. وقال له بعض أمرائه: يا خوند هذا يأخذ هذا المقدار من ضيعة واحدة من هذه الإقليم. فقال له: إذا استمر هذا يجئ غيره، وبقى هذا إلى سنة أربع وخمسين وستمائة، فخرج هلاون ومات بيجو وأخذ ولده أفاك مكانه، وحضر إليه بروانا، وكان أيضا والده توفى فأكرمه وخلع عليه وقرر عليه ما كان يحمل والده لوالده، واستقر إلى أن توفى أفاك وملك سلامش ابنه البلاد وأقام فيها، وملك جبال قرمان
(1)
انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 198 أ.
بينما أورد المقريزى هذه الأحداث فى حوادث سنة 698 هـ - السلوك ج 1 ص 874 - 878.
(2)
هكذا بالأصل.
وضياعا كثيرة، ثم عصى على ملوك المغول، فلما ملك قازان سير إليه جوبان وقطلوجا، فضربوا معه مصافا، فخامرت عليه أمراؤه فانكسر، وكان سبب عبوره إلى مصر.
ثم قال صاحب النزهة: والأصح أن سلامش أرسل كتبه فى دولة لاجين، يستأذن على الدخول إلى البلاد الإسلامية، فلما وصل إلى حلب قتل لاجين، ودخل إلى مصر فى الدولة الناصرية وأكرمه بيبرس وسلار
(1)
.
وفيها: ابتدأ الخلف بين طقطا بن منكوتمر ملك بيت بركة بالبلاد الشمالية وبين نوغيه بن ططر بن مغل بن دوشى خان بن جنكز خان، وذلك لأسباب:
منها: أن بيلق خاتون زوجة نوغيه استنفرت من ولديه وهما جكا وتكا وأظهرا لها الكره [157] والإمتهان، فأغرت طقطا بهما وأرسلت تحرّضه عليهما.
ومنها: ان بعض أمراء طقطا أوجسوا خيفة من أمر بلغهم عنه ففارقوه وانحازوا إلى نوغيه، فقبلهم وأحسن إليهم وأنزلهم فى حوزته وزوّج واحدا منهم اسمه طاز بن منجك بابنته.
فأرسل طقطا يطلبهم منه، فمنعهم عنه، فأغضبه ذلك، وأرسل إليه رسولا وأصحبه: محراثا، وسهم نشاب، وقبضة من تراب، فلما جاء الرسول إليه وعرض ما معه عليه قال: إن لهذه الرسالة خبرا، ولهذا الزمن إشارة ورمزا، فجمع كبار قومه وذوى مشورته وقال: ما عندكم فى هذا وما قصد طقطا بإرسال التراب والنشاب والمحراث؟ فقال كل منهم مقالا، وجال فى تأويلها مجالا.
(1)
هذا يوضح الخلاف بين ما ذكره العينى سابقا، وما ورد فى السلوك - انظر ما سبق ص 400.
فقال: ما أصبتم القصد ولا أجدتم النقد، وأنا أخبركم بمراده وأعرفكم خبر فؤاده، أما المحراث فهو يقول: إن نزلتم إلى أسافل الأرض أطلعتكم بهذا المحراث، وأما النشابه فيقول: وإن طلعتم إلى الجوّ أنزلتكم بهذا السهم، وأما التراب فيقول: اختاروا لكم أرضا يكون فيها الملتقى، فعلموا أنه أصاب فى تأويله وفهم فحوى رسالة طقطا ورسوله، فأعاد الرسول وقال: قل لطقطا إن خيلنا قد عطشت ونريد أن نسقيها من ماء تن وهو نهر على مقام صراى وفيه منازل طقطا.
فعاد الرسول بالجواب، فاستعدّ طقطا وجمع جنوده، وأعدّ حشوده، وسار للقائه، وبلغ نوغيه وأولاده مسيره إليه وعزمه حربه، فجمع العساكر التى عنده والتوامين التى تحت حكمه، والمقدمين الذين هم اليه مضافون وبه مقتادون، وهم: طاز بن منجك وهو زوج ابنته، وطنغر بن قجان، وأباجى ابن قرمشى، وقراجين أخوه، ومنجى أخوهما، وماجى، وسدن، وألاج، وصنغى، وقوشب، وصلغاى، واشق، وكبجك، وشبتكاى، وتركرى، وقطلوبغا، ومغلطاى، ومعهم ما ينيف عن مائتى ألف فارس.
وسار كل منهما لقصد صاحبه، فالتقوا على نهر يصى بين مقام طقطا ومقام نوغيه، فكانت الكسرة على طقطا وعسكره وانهزموا، وانتهت بهم الهزيمة إلى نهر تن فمنهم من عبره فسلم، ومنهم من هوى فيه فغرق، وأمر نوغيه عساكره أن لا يتبعوا مولّيا، ولا يجهزوا على جريح، وأخذ الغنائم والسبايا والأسلاب وعاد إلى مكانه
(1)
.
(1)
زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 199 ب - 200 ب.
ذكر القبض على الأمير بيسرى:
والسبب فيه أن منكوتمر كان يعلّم عن السلطان الكتب والتوقيعات فى الأيام التى وقع السلطان من الفرس فى الميدان حين كان يلعب بالآكرة، وكان يخاف على السلطان من عارض، وكان يعلم أن ما فى الدولة أكبر من بيسرى، ومع هذا كان البيسرى يكره منكوتمر فى الباطن، وكان [منكوتمر]
(1)
يخاف أنه إذا جرى أمر يكون البيسرى هو المقدّم، وأنه إذا تقدّم أوقع به، فشرع فى التدبير على مسكه، وكان السلطان قد رسم فيما مضى أن يكون البيسرى كاشفا بالجيزة
(2)
وأن يحضر الخدمة أيام الإثنين والخميس، وكان يجلس رأس الميمنة ويجلس فوقه حسام الدين بلال المغيثى الطواشى، لأجل كبره وتقدّمه، وكان الملوك والأمراء يعظمونه، واتفق أن البيسرى حضر على عادته وقامت الأمراء، فلما رآه [158] الطواشى قام إليه وشرع يبكى ويمسح عينه بالمنديل قدام الأمراء، فحشوا من بكائه وقالوا: يا سيدنا ما سبب بكائك؟ فقال: كلما رأيت هذا الأمير أفتكر أستاذى وأشم فيه روائح الملوك، فبلغ ذلك فى وقته منكوتمر، فأثّر عنده تأثيرا عظيما، وعرّف السلطان بذلك، وبالغ فى الكلام فيه، وما نهض من عنده إلا بعد الاتفاق على مسك البيسرى، ولكن استمهل السلطان فى ذلك أياما، وبقى مفكرا فى أمره، وكيف يدبر على مسكه وذلك لما كان يعلم من
(1)
[] إضافة للتوضيح.
(2)
«ثم حسن منكوتمر للسلطان أن ينتدب بيسرى لكشف جسور الجيزة، فتقدم لذلك مع أنها غض منه، إذ محله أجل من ذلك، فلم يأب وخرج إلى الجيزة بمماليكه وأتباعه» - السلوك ج 1 ص 834.
كبره وعظمته فى النفوس وتقدمه فى الدول، ولما كان يعلم من كثرة حاشيته.
واتفق فى تلك المدة أن حضر مملوك نائب حلب وأخبر أن العساكر المنصورة دخلت إلى بلاد سيس وأغاروا عليها، ولكن لم يتعرضوا لحصر القلاع، فإن السبب فيه أن صاحب سيس استنجد بصاحب قبرس وبأصحاب جزائر بحر الروم وبالافرنج، ونفق أموالا عظيمة فى العسكر، واستقل بعسكر السلطان، فلما سمع السلطان ذلك وجد فرصة فى أمر البيسرى، فطلب منكوتمر واتفق رأيهما على تجريد عسكر أخرى، فعين الأمير بكتمر السلحدار والأمير طقطاى ومبارز الدين اوليا بن قرمان وأضاف إليهم جماعة من العسكر ورسم لهم بالسفر، ولما سافروا وجد أكابر الأمراء قد تفرقت ولم يبق من يخشى من جهته، وجلس منكوتمر وخشداشيته وأخذوا يتحدثون فى ترتيب أمراء بدمشق من جهتهم وفى مسك أمراء آخرين لتكون الدولة كلها انشاءهم فى الديار المصرية والشامية.
ثم بعد أيام لما طلع البيسرى الخدمة على العادة أخذ السلطان يسأله عن حاله وما هو فيه فقال يا خوند: أنا منشرح بما تصدق علىّ مولانا السلطان من قرب المكان، يعنى كشف الجيزة، وهو مكان نزه وفيه الصيد وطيب الوقت، فتبسم السلطان ثم قال له: يا أمير ما تعزم على يوما عندك حتى تنشرح وتنبسط، فقام وقبل بالأرض وقال: قم يا خوند، وتواعد معه أن تكون ضيافته يوم الثلاثاء.
ثم خرج من عنده وشرع فى تجهيز أمر الضيافة الهائلة، ورأى أن المخيم الذى فيه ما يسع للسلطان وحاشيته، فطلب أمير مجلسه
(1)
وقال له: اذهب إلى منكوتمر وقل له يقول للسلطان إن مخيمى ضيق، ويكون مخيم السلطان فى الموضع الفلانى، فجاء هذا إلى منكوتمر وبلغه الرسالة، ثم قال له: اجلس عندى حتى أبلغ السلطان ما قتله لى، ثم شرع معه فى الحديث ولم يزل يستميله ويعد له بإمرة ومال، وحلف له على ذلك على أن يذهب معه إلى السلطان ويقول له: إن أستاذى اتفق مع بعض الأمراء على أن السلطان إذا حضر إلى مخيم أستاذه يوقع به الأمر ويأخذ المملكة لنفسه، فاغتر هذا بقول منكوتمر ورضى بذلك، ثم قام منكوتمر وأخذه معه، فدخل على السلطان وقال له يا خوند: هذا قد حضر من عند البيسرى ومعه نصيحة للسلطان، وهو يقصد بذلك المكافأة عليها، فأخبر السلطان بما وقع عليه اتفاقهما، فشكره السلطان وأثنى عليه، ثم رسم السلطان بتجهيز الدهليز صحبة الفراشين إلى الجيزة وأعاد الرجل بالإجابة،
(2)
فجاء إلى أستاذه البيسرى وأخبره بأن السلطان أجاب إلى ذلك [159] وأن خيامه قد طرحت، فلما أصبح البيسرى طلع إلى الخدمة بناء على أن ينزل مع السلطان لميعاده على ما مضى من الاتفاق، فلما فرغت الخدمة، قال له السلطان: ميعادنا يكون يوم الأربعاء، فعند ذلك قام وأراد النزول، فلما وصل وسط الدهليز خارج باب النحاس قامت إليه مماليك كان السلطان قد أرصدهم هناك وأمرهم بأن بيسرى إذا وصل هناك يأخذوا سيفه ويمسكونه، فضربوا على الحلقة، وأخذوا سيفه من وسطه، ومسكوه،
(1)
«أرسلان أستاذدار بيسرى» فى السلوك ج 1 ص 834.
(2)
أورد المقريزى رواية أخرى، ولكنها مشابهة فى بعض الوجوه - انظر السلوك ج 1 ص 834.
ووقع الضجيج بعد ذلك فى القلعة، وبلغ إلى أهالى المدينة، فغلقت باب زويلة
(1)
مقدار ساعة من النهار، فذهب الناس بجميع ما كان جهزه البيسرى للضيافة.
ثم رسم السلطان بالحوطة على جمع موجوده، وحبس جماعة من مماليكه،
(2)
وفرح منكوتمر بذلك فرحا عظيما فإنه كان كلما يراه يننكد ويتنغص.
وكان اعتماد المنصور فى مسك الأمراء الظاهرية اعتماد أستاذه الملك المنصور قلاون فإنه لم يتم له الملك حتى مسك جماعة كبيرة من الظاهرية، وأول من مسك منهم كان البيسرى هذا، وأقام فى الحبس تسع سنين وأيام إلى أن أفرج عنه الملك الأشرف على ما ذكرنا،
(3)
ولما تولى لاجين أراد أن يفعل مثل فعل أستاذه قلاون.
ولما مسك بيسرى أرسل يقول للسلطان: هذا جزائى منك؟ وأقسم على كرجى وهو يقيده
(4)
أن يبلع هذا إلى السلطان، فأبلغ كرجى كلامه هذا إلى السلطان، فقال له: هذا جزاؤك، بل جزاؤك أكثر من هذا، وأنا ما أقدر أن أعمل معك ما عمله كتبغا معك من الاحسان، فكان جزاؤه منك ما فعلته فى حقه، فكيف آمن إليك بعده؟.
(1)
«الزويلة» فى الأصل، والتصحيح من السلوك ج 1 ص 835.
(2)
«ثم أفرج عنهم» فى السلوك.
وقد ظل الأمير شمس الدين بيسرى فى الإعتقال إلى أن توفى فى 19 شوال سنة 698 هـ - السلوك ج 1 ص 880، وانظر ما يلى.
(3)
انظر ما سبق ص 7 وما بعدها.
(4)
ذكر المقريزى أن اللذين قبضا على الأمير بيسرى هما: سيف الدين طقجى وعلاء الدين أيدغدى شقير - السلوك ج 1 ص 835.
وفيها ورد الأمير حسام الدين مهنى بن عيسى، أمير آل عيسى، فتلقاه السلطان بالإكرام والقبول، وقد ذكرنا أن الملك الأشرف خليل لما مسكه كان قد سلمه إلى حسام الدين لاجين ليوصله إلى مصر، وأوصاه أن يطبق عليه، ولا يمكنه من الاجتماع بأحد، وحكى عن أخيه محمد بن عيسى أن من جار إحسان لاجين إلى أخيه مهنى أنا لما نزلنا خربة اللصوص فى الليل، وانفرد لاجين عن الناس قلت: ويل لآل مهنى ما لهم من معين، ولا مخبر لأهلهم بخبرنا، والله إن هذه الطريق شين وتهم علينا، فقال لى أخى مهنى: اسكت، فنحن لانبالى، ومعنا هذا الأشقر الذى تخافه العرب والترك، وأراد به لاجين.
وكان لاجين يسمعه، فلما أصبحنا، وجدنا إنسانا على راحلة.
فقال أخى: يا أمير حسام الدين أما تتصدق علينا بأن تنادى هذا الرجل [لعله
(1)
] جاء من بلادنا ومعه خبر من أهلنا، فقال نعم، وأشار إليه فحضر، فقال له أخى مهنى: من أين يا وجه العرب، فاننتسب إلى قبيلة من العرب، فعرفه مهنى، ثم سأله عن أهله فأخبره عن أهلنا ومنازلنا، فقال له نقصدك أن تذهب إلى أهلنا وتخبرهم بأنا نحن طيبون، ونحن فى قيد الحياة، لذلك علينا الملاقاة إذا أفرج الله عنا، فقال: نعم، إنها الأمير « ...... »
(2)
لاجين، فقال: يا أمير حسام الدين ترى أن تفعل معنا خيرا، والله تعالى يكافئكم، فقال: قل ما تريد، فقال: أن تأذن لنا بأن نكتب سطرين أو ثلاثة إلى أهلنا ليعلموا أنا نحن طيبون فى خير، وأنا تحت حفظك وظلك، فتبسم وقال لدواداره: اعط الأمير الدواة والورق [160] فإذا كتب كتابا توقفنى عليه،
(1)
[] إضافة تتفق والسياق.
(2)
«
…
» كلمتان مطموستان.
فأعطاه، فكتب إلى أخيه هبة، وعرف أخيه أنه طيب فى خير وعافية، وأمره أن يرحل بأهله إلى نحو الشرق إلى مكان سماه له، وأن يشن الغارة فى المنازل القريبة منه، ولكن ذكر ذلك كله باللغز، فسمى تلك بأسماء أولاده، وبعض نسائه بحيث لا يفهم أحد ذلك إلا أخوه الذى كتب إليه، فلما وصل إليه الكتاب رحل هو بأهله من برية دمشق، ثم شرع فى التشويش على المنازل، ونالوا بذلك مقاصدهم، ولما اتفق مجئ مهنى إلى السلطان أحسن إليه السلطان، فخلع عليه طرد وحش، وهو أول من لبس طرد وحش من آل مهنى، وكانت خلعته قبل ذلك كنجى
(1)
[أو]
(2)
مسمط،
(3)
وطلب دستورا للحجاز من الشام، فأذن له بذلك وأنعم عليه.
وفيها صودر القاضى بهاء الدين بن الحلى ناظر الجيوش، وكان له خدمة على السلطان فى أيام نيابته، فلما تسلطن صارت له عنده مكانة كبيرة، واتفق أنه استشاره فى بعض الأيام فى أمر منكوتمر، وقال له: يا قاضى بهاء الدين، قد كثرت الشكوى فى هذا النائب، وفى حاشية وكتّابه، وإنما أريد أن أقيم مملوكى منكوتمر، وأكون مطمئنا من جهته. وتكون أنت تدبره وتعرفه الطرق التى يسلكها القواد. فقال له: والله يا خوند، نصحك واجب على كل أحد، وخصوصا على المملوك، ولا يخفى على السلطان أن دولة الملك السعيد ما أخربها
(1)
كنجى: قماش منسوج من قطن وحرير، وكان يصنع فى بادئ الأمر فى كنجة بجهات آران، فانتسب إليها - السلوك ج 1 ص 847 هامش (9).
(2)
[] إضافة من السلوك للتوضيح.
(3)
مسمط: قماش من الحرير الأصفر والأحمر مزين بنقش بارز، وورد فى محيط المحيط أن السمط: الثوب الذى لبست له بطانة طبلسان - السلوك ج 1 ص 847 هامش (8).
إلا مملوكه كوندك، ودولة الأشرف ما أحربها إلا بيدرا، ودولة الملك العادل ما خربت إلا بسبب مماليكه، ومملوكك منكوتمر شاب كبير النفس، حاد الخلق، لا يرجع لأحد، وربما يجرى بسببه فساد كثير، وما هذا بأمره، وإنما أمر السلطان، فسكت السلطان، ولم يجبه بشئ.
وبلغ ذلك منكوتمر فى وقته، فكتمه فى نفسه، وحط عليه مكائد السوء.
قال الراوى: وبلغنى أن بهاء الدين لما خرج من عند السلطان اجتمع بالأمير علم الدين الدوادارى، وأخبره بما جرى بينه وبين السلطان، فقال له علم الدين:
أخطأت يا قاضى فى هذا الرأى، وسكت عنه.
وبقى هذا الأمر إلى أن مسك قراسنقر النائب، وتولى منكوتمر النيابة، ودخلت عليه الناس تهنئة، وكان فيهم القاضى بهاء الدين فلما قبل يده وجلس، قال له: يا قاضى هذا كله ببركتك، وبركة وعظكم للسلطان، فأطرق رأسه إلى الأرض، وعلم أنه لا بد من شئ مترتب عليه من جهته مما لا طاقة له به. ثم شرع منكوتمر يعرف السلطان بما للقاضى بهاء الدين من السعادة والأموال والعقارات والبساتين بمصر والشام، فلم يزل يوحى إليه إلى أن اتفق معه على مسكه ومصادرته.
قال الراوى: وكان للقاضى من السعادة والعظمة والأحكام النافذة على جانب كبير، وكانت له مسقفة «
…
»
(1)
كبيرة اتخذها لنفسه، وله ميل إلى الشباب من أهل المحاسن، وكان له تعلق ببعض المماليك الخاصكية، وكان لذلك المملوك عادة، يأتى إليه فى بستان بالقرب من الميدان حين يخرج من الخدمة،
(1)
«
…
» كلمة غير مقروءة.
واتفق حضوره عنده على عادته، وكان منكوتمر قد بلغه ذلك عنه فأمر باسترصاده، ولما أخبروه بذلك أمر الطواشى المقدم أن يركب ويأخذ معه عدد من النقباء، ويأتى البستان، ويكبس عليه، [161] فركب الطواشى بمن معه وهجموا عليه فى البستان، وأخرجوا المملوك منه، ولم يتعرضوا لغيره، فلما أصبح وطلع إلى الخدمة مسك وسلم إلى جمال الدين أقوش الرومى الحسامى، ومسك معه أيضا جمال الدين بن عزيز مقدم الركبدارية، ومجد الدين ناظر الأعمال الغربية وجماعة آخرون من الكتاب.
ورسم بالحوطة على جميع ما للقاضى بهاء الدين من الأموال والأملاك والبساتين بمصر والشام، وكذلك غلاله وسواقيه وجميع دواليبه، وتولى بجميع ذلك أقوش الرومى، وأوصى منكوتمر لأقوش بعقوبة القاضى بهاء الدين لما كان فى نفسه منه، وكان المذكور بالغ فى عقوبته حتى أنه كان يحمى الخوذة الحديد على جمرات النار، ثم يلبسها رأسه فيجد من ذلك ألما عظيما، وعذبه بأنواع العذاب إلى أن أخذ منه جميع أمواله، فكان جملة ما أخذ منه من موجوده بمصر والشام نحو مائة ألف وثلاثين ألف دينار، وقصد منكوتمر إتلافه بالكلية.
ووقفت الأمراء وسألوا السلطان أن يصفح عنه، فقبل شفاعتهم وأمر بالإفراج عنه، وعن بقية المصادرين الذين مسكوا معه، وقرر أقوش الرومى على بهاء الدين مائة ألف درهم
(1)
بشرط أن يضمن عنه جماعة من التجار، فأحضر جماعة من قيسارية جهاركس وجماعة من الجند والمقدمين، فضمنوه وأفرج
(1)
«وأخذ حطه بألف ألف درهم» - السلوك ج 1 ص 826.
عنه، ولم يمكث يومين حتى بعث إليه يطالبه بالمبلغ المذكور فخشى على نفسه من الرجوع إلى العقوبة فأخفى نفسه، فلما أخبر أقوش بذلك طلب الضمان وفرق عليهم المبلغ وأخذه منهم.
وفيها: قصد منكوتمر بقطع كثير من المباشرين وأرباب الرواتب، وعرف السلطان أن الكتّاب يأخذون هذه الرواتب والجرايات بأسماء أقاربهم وعبيدهم ويكنبونه بأسماء ناس صعاليك وهم يأخذون لأنفسهم، وأن ذلك يتحصل منه شئ كثير، فطلب الوزير فخر الدين بن الخليلى وأمره أن يكتب أسماء أرباب الرواتب وأرباب الرزق، فحصل للناس بذلك قلق عظيم.
وفكر الوزير فى ذلك، فأحضر إلى السلطان رسالة القاضى الفاضل فى دولة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فقرأها عليه، فأعجب السلطان ذلك إلى أن دمعت عيناه، ثم قال: قل لمنكوتمر لا يتحدث فى هذا بالجملة الكافية.
وكان مضمون الرسالة النصيحة للسلطان صلاح الدين حين أراد أن يفعل مثل ما أراد منكوتمر أن يفعله، فبلغ هذا إلى منكوتمر، فلما دخل عليه الوزير قال له: ما أنت يا قاضى إلا نصحت السلطان نصحا كثيرا. فقال له الوزير:
يا خوند النصح واجب على كل مسلم. فقال: اترك عنك الفشار وجهزلى الأوراق، وبعد يومين اتفق قتل منكوتمر على ما نذكره إن شاء الله.
وفيها: قلت المياه جدا بدمشق، وغلا سعر الثلج بالبلد جدا إلى [أن
(1)
] أبيع الرطل منه بدرهم وثلث، وجفت الأعين من سائر البلاد، واستسقى الناس
(1)
[] إضافة تتفق والسياق.
بدمشق وبيت المقدس والخليل، ورأى المسافرون أيضا شدّه فى سائر الطرقات، وأمانيل مصر فإنه كان فى هذه السنة فى غاية الزيادة والكثرة.
وفى نزهة الناظر: وكان النيل فى هذه السنة فى الثامن عشر من ذى القعدة بلغ إلى ثمانية عشر ذراعا وست أصابع.
وفيها: حج بالناس من مصر الإمام الحاكم بأمر الله ومعه أولاده، وأعطاه السلطان سبعمائة ألف درهم.
[162]
وفى النزهة. وكان أمير الركب فى هذه السنة الأمير طقجى، وحج فى هذه السنة خلق كثير.
ذكر من توفى فيها من الأعيان.
الشيخ الصالح الزاهد حسن
(1)
بن الشيخ الكبير على الحريرى.
توفى فى ربيع الآخر منها بزاويته بقرية بسر،
(2)
ومولده سنة إحدى وعشرين وستمائة.
الصدر إبراهيم
(3)
بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطا البصراوى
(4)
الحنفى.
درس وأفاد، وولى قضاء حلب فى وقت، ثم سافر قبل وفاته إلى مصر، فجاء بتوقيع فيه قضاء حلب
(5)
، فلما اجتاز بدمشق توفى بها فى رمضان منها، وله سبع وثمانون سنة
(6)
.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 138، المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 113، البداية والنهاية ج 13 ص 353، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 65 رقم 99، تذكرة النبيه ج 1 ص 207.
(2)
بسر: قرية من أعمال حوران بأراضى دمشق - معجم البلدان.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 137، المنهل الصافى ج 1 ص 31 رقم 3، الوافى ج 5 ص 311 رقم 2383، البداية والنهاية ج 13 ص 353، النجوم الزاهرة ج 8 ص 113، السلوك ج 1 ص 850، شذرات الذهب ج 5 ص 438، تذكرة النبيه ج 1 ص 205 - 206.
(4)
نسبة إلى بصرى: كورة حوران من أعمال دمشق - معجم البلدان.
(5)
«وتوصل إلى أن كتب له بقضاء حلب، تذكرة النبيه.
(6)
ولد سنة 609 هـ - تذكرة النبيه.
أحمد
(1)
بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسى الحنبلى، الشيخ شهاب الدين عابر الرؤيا
(2)
.
سمع الحديث، وروى الكثير، وكان عجبا فى تفسير المنامات، وله فيه اليد الطولى، وله تصانيف فيه، ليس كالذى يؤثر عنه من الغرائب والعجائب، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة،
(3)
وتوفى فى آخر ذى القعدة منها، ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة، مشى فيها نائب السلطان والقضاة، وكان يقول للشخص جميع ما جرى له من أول العمر إلى حين جاءه، ويقول ما فى بيته يخبى، وإذا قص عليه المنام لا يفسره له حتى يستتيبه ويحلفه على ملازمة الصلوات، وكان كثير الصوم والصلاة والأوراد، ولا يفطر إلى بعد العشاء الآخرة، ويصلى من المغرب إلى العشاء الآخرة ولا يكلم أحدا من الناس.
هبة الله
(4)
بن عبد الله بن سيد الكل، القاضى أبو القاسم بهاء الدين القفطى بفتح القاف - نسبة إلى قفط بلدة بصعيد مصر.
مولده بها سنه ستمائة، وقبل سنة إحدى وستمائة، وتولى قضاء إسنا والتدريس بالمدرسة العزية، وكانت إسنا مشحونة بالرافضة، فقام فى نصرة
(1)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 7 ص 48 رقم 2983، فوات الوفيات ج 1 ص 87 رقم 41، النجوم الزاهرة ج 8 ص 113 - 114، السلوك ج 1 ص 850، البداية والنهاية ج 13 ص 353، شذرات الذهب ج 5 ص 437، تذكرة النبيه ج 1 ص 210.
(2)
هكذا بالأصل، وودد «منفردا فى تعبير الرؤيا» - فى تذكرة النبيه.
(3)
«بنابلس» - تذكرة النبيه.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الطالع السعيد ص 691 رقم 548، شذرات الذهب ج 5 ص 439.
السنة، وأصلح الله به خلقا، وهمت الرافضة بقتله فحماه الله منهم، وترك القضاء أخيرا، واستمر على العلم والعبادة، وكان فقيها فاضلا، متعبدا زاهدا خيرا، مشهورا، تفقه على المجد القشيرى، وقرأ الأصول على شمس الدين الأصبهانى بقوص، وسمع من ابن الجميزى، وصنف فى الرد على الرافضة كتابا، وانتهت إليه رئاسة العلم فى إقليمه، وشرح الهادى فى الفقه، وله تفسير لم يكمله، ومات بإسنا فى هذه السنة، ودفن بالمدرسة المجدية.
الأمير عز الدين أيبك
(1)
الموصلى نائب السلطنة بالفتوحات
(2)
.
توفى فيها، وسير إليها عوضه سيف الدين كرد أمير آخور فأقام برهة واتفقت وقعة حمص على ما نذكره، فقتل فيها، فسير عوضا عنه سيف الدين قطلوبك
(3)
على ما سيرد
(4)
.
الأمير عز الدين طقطاى
(5)
الأشرفى.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 200، ب السلوك ج 1 ص 850.
وورد ذكر وفاته سنة 698 هـ فى كل من: المنهل الصافى ج 3 ص 133 رقم 577، درة الأسلاك ص 144، تذكرة النبيه ج 1 ص 215، النجوم الزاهرة ج 8 ص 183.
(2)
«تنقلت به الخدم حتى ولى نيابة طرابلس إلى أن مات» - السلوك
(3)
هو قطلوبك بن عبد الله المنصورى، المتوفى سنة 716 هـ/ 1316 م - الدرر ج 3 ص 327 رقم 3264، المنهل الصافى.
(4)
انظر زبدة الفكرة.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى: زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 200 ب، السلوك ج 1 ص 851.
كان قد تقدم وكبرت منزلته وأخذ منية بتى خصيب دربستا كما كانت للأمير بدر الدين بيسرى،
(1)
توفى فيها.
الأمير شمس الدين محمد بن سنقر الأقرع، توفى فيها.
الأمير سيف الدين كيكلدى ابن السرية، توفى فيها.
الأمير عين الغزال، توفى فيها.
الأمير قطباى والأمير طقطاى ماتا مسقيين فى هذه السنة.
الأمير علم الدين سنجر
(2)
، من أمراء دمشق.
توفى فيها من أثر جرح أصابه فى حصار القلاع،
(3)
وكان من الأمراء الناصرية، مشهورا بالشجاعة والفروسية [163] والإقدام فى الوقائع، وله طبقة عالية فى سماع الحديث.
الأمير سيف الدين اسنبغا من أمراء حلب.
مات فى هذه السنة من أثر جراحات حصلت له فى الحصار.
الأمير شمس الدين سنقر التكريتى
(4)
المعروف بأستاذ الدار الملك السعيد.
(1)
انظر زبدة الفكرة.
(2)
هو سنجر بن عبد الله طقصبا الناصرى.
وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 137، المنهل الصافى، السلوك ج 1 ص 850، تذكرة النبيه ج 1 ص 206.
(3)
«وكانت وفاته ببلدة حلب المحروسة، عائدا من غزاة سيس بسهم أصابه بها» - تذكرة النبيه ج 1 ص 206.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 851.
مات فيها من أثر جراحات أصابته.
الأمير سعد الدين كوجبا
(1)
الناصرى من أكابر الأمراء الناصرية من أمراء مصر.
توفى فيها
(2)
وكانت له مباشرات
(3)
بإسكندرية ومصر.
الأمير سيف الدين بلبان
(4)
الفاخرى نقيب الجيوش.
كان رجلا خيرا، وكان فى أول أمره مشغولا بلذات الدنيا، وتوفى على توبة وخير.
الأمير علم الدين طرطش
(5)
الصالحى.
كان من الأمراء الصالحية الفرسان المشهورين بالشجاعة والإقدام والكرم والفتوة، وكانت له كلمة مسموعة عند الملوك وسمعة فى البلاد، مات فى هذه السنة.
الأمير شمس الدين سنقر
(6)
المساح.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، السلوك ج 1 ص 850.
(2)
«توفى سنة 699 هـ» فى المنهل الصافى.
(3)
«نائب دار العدل» - السلوك.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 850.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 851، وورد فيه «طرطج الصالحى» .
(6)
وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 851، وورد فيه «سنقر التكرينى، عرف بالمساح» .
كان من الأمراء الأعيان المشهورين بالشجاعة والإقدام فى الحروب والحصارات، وكان السلطان الملك المنصور يجعله كل سنة مقابل حصن عكا، وكان يقع له مع صاحب عكا وفرسانه وقائع كثيرة، وينصر هو عليه، ومازال المنصور يعظمه ويستشيره فى سائر أموره ويحترمه حتى أنه كان يركب إلى جانبه فى المواكب وغيرها.
الأمير نوروز،
(1)
أتابك قازان ملك التتار.
أوقع به قازان فى هذه السنة وقتله، وكان سببه أنه هم بإعدامه فأحس نيروز
(2)
بذلك، فكاتب الملك المنصور لاجين بأنه يقصد الانحياز إليه، والتمس منه تجريد عسكر ليساعده عليه، فوقعت كتبه فى يد قازان، فأرسل إلى نائبه قطلوشاه يأمره بأن يجرد جيشا فى طلبه، وأمره بأن متى وقع له يوقع به، فلما أحس نوروز بذلك التجأ إلى صاحب هراة وهو فخر الدين بن شمس الدين كرت صاحب سجستان، فقبض على نوروز وسلمه إلى قطلوشاه، فقتله، ثم قتل قازان أخويه فيما بعد فى بغداد وهما حاجى ولكزى، وأوقع بأكثر ألزامه، وقتل القاصد الواصل إليهم بالكتب من مصر.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 197 أ، ب، البداية والنهاية ج 13 ص 351، السلوك ج 1 ص 837.
(2)
هكذا بالأصل.
فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثامنة والتسعين بعد الستمائة
(*)
استهلت، والخليفة: الحاكم بأمر الله العباسى.
وسلطان البلاد المصرية والشامية: الملك المنصور لاجين، ونائبه بمصر مملوكه سيف الدين منكوتمر.
وقاضى القضاة الشافعى: الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد.
وقاضى القضاة الحنفى: حسام الدين الرازى.
وأما نائب الشام فكان: سيف الدين قفجق، ولكنه قد هرب إلى قازان كما ذكرنا قضيته فى السنة الماضية، وكان قد استناب فى الشام عوضه الأمير سيف الدين جاغان، ولما اتفق قتل لاجين على ما نذكره وثب عليه قرا أرسلان أحد أمراء دمشق فمسكه وسجنه على ما ذكرناه مفصلا.
وأما نائب حلب فانه: سيف الدين بلبان الطباخى.
ذكر مقتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين:
ذكر بيبرس فى تاريخه: أن السبب فيه أن لاجين فوض إلى مملوكه منكوتمر جميع الأمور، فاستبدّ بوظائف الملك ومهماته، [وصار وقفا على إشاراته
(1)
] وانتهى
(*) يوافق أولها الخميس 9 أكتوبر 1298 م.
(1)
[] إضافة من زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 201 أ.
حاله معه إلى أنه صار إذا رسم مرسوما أو كتب لأحد توقيعا [164] وليس هو بإشارة منكوتمر يمزقه فى الملأ ويردّه ويمنع أستاذه منه ويصده، فاستثقل الناس وطاته، وكرهوا دولته، ورغبوا إلى الله فى زوالها وتغير أحوالها، ونسبوا الذنب فيما يبدو من منكوتمر إليه لكونه جمع أمره كله عليه، وأنشد لسان حالهم:
فإن لا تكن أنت المسئ بعينه
…
فإنك ندمان المسئ وصاحبه
وكان فى مماليك السلطان
(1)
شخص يسمى سيف الدين كرجى ممن أعان المنصور ووازره فى تلك الأمور، فقدّمه على المماليك السلطانية، فكان يتحدث فى أشغالهم، وينظر فى أحوالهم، ويدخل إلى السلطان متى أراد لا يحجبه عنه حاجب ولا رادّ، فغار منكوتمر من قربه وسعى فى بعده، فلما ورد البريد مخبرا بأمر القلاع التى فتحها العسكر ببلاد الأرمن حسن لأستاذه أن يرسله إليها ليقيم فيها، فوافقه على إرساله، واتصل ذلك بكرجى، فدخل إلى السلطان وتضرر من الرواح إلى الجهات المعينة، وسأل الاعفاء منها وتعيين غيره لها، فأجابه وأعفاه، فكمن فى نفسه من عداوته ما كمن.
واتفق بعد ذلك أن منكوتمر فاوض شخصا من الخاصكية نسيبا لطقجى، نسبه وأغلظ عليه، فتوجه ذلك إلى طقجى وشكى الحال إليه، وكان يسمى طغاى، فاجتمع هؤلاء وتشاكوا سوء سيرة منكوتمر وعمله على إبعاد الأمراء وإتلافهم، وقالوا: هذا متى طالت مدته قويت شوكته وعمل علينا واحدا بعد
(1)
«المماليك السلطانية» فى زبدة الفكرة.
واحد
(1)
، وأستاذه مرتبط به ومتمسك بسببه، ومتى لم نبدأ بإعدامه ما ننال من مملوكه قصدا، والصواب أنا نبدأ بأستاذه قبله،
(2)
وأبرموا أمرهم فيما بينهم.
فلما كان ليلة الجمعة «الحادية عشر من ربيع الآخر
(3)
» هجموا عليه وهو جالس يلعب بالشطرنج مع أحد جلسائه، فأرووا السيوف من دمائه، وقطعوه قطعا، وتركوه ملفعا، وخرجوا إلى دار النيابة فى طلب منكوتمر، فلما أتوا إلى بابه استدعوه للنزول، فأحس بالأمر المهول، وعلم أنه مقتول، وكان طقجى ساكنا بدار الملك السعيد، فنزل منكوتمر إليه، وألقى نفسه بين يديه، واستجار به من القتل فأجاره، وقال لكرجى ومن معه: اذهبوا به إلى الجب ودلوه، فلما صار فى [قعر]
(4)
الجب عرفه الأمراء المعتقلون، فظنوا أن أستاذه نقم عليه واعتقله، وسألوه عن أمره، فأخبرهم بقتله، فثاروا إليه وشتموه وضربوه وأهانوه لما فى نفوسهم منه. وقيل: إنهم وجدوا عليه رائحة النبيذ
(5)
.
وقال صاحب نزهة الناظر: كان السبب لذلك أن طقجى حضر من الحجاز مستهل صفر، فوجد أن أمره قد احتكم بسفره من مصر إلى نيابة طرابلس،
(1)
«هذا متى طالت مدته أخذنا واحدا بعد واحد» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 101.
(2)
«والصواب أنا بأستاذه قبله نبدأ» - فى زبدة الفكرة.
(3)
«» ساقط من زبدة الفكرة.
(4)
[] إضافة من زبدة الفكرة.
(5)
ورد فى زبدة الفكرة: «ثم إن كرجى استدرك الفارط، وقال: نحن قتلنا أستاذه وما أساء إلينا ولا جنف علينا، وإنما قتلناه لأجل هذا الشيطان، وما أوجبه سوء فعله من الشتان، فكيف نتركه حيا، فعاد إلى الجب، وأطلعه وذبحه من قفاه، ولقاه الله ما قدمت يداه» - انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 200 ب - 201 ب، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 154.
وأن منكوتمر قصد فرقته من خشداشيته حتى لا يكونوا مجتمعين، ولما استقر أياما طلبه السلطان وعرفه أنه عينه للنيابة لما يعلم من محبته ونصيحته وأنه متوثق به. فقال طقجى: والله يا خوند إنى مدة عمرى ما حكمت بين اثنين، ولا أعرف أحكم، وخرج من عنده على غير انفصال، واجتمع بكرجى وسلار وبيبرس الجاشنكير وأخبرهم بما وقع بينه وبين السلطان، وكان عندهم الخبر، فاجتمع رأيهم على أن يتحدثوا مع السلطان [165] فى قعوده، فاجتمعوا به، وترققوا له فى السؤال، وقالوا: أحدث أحد ولى من السلطنة نائبا وليس له دربة بالنيابة، ولا يعرف الأحكام، فاستحى السلطان منهم، وأعفاه، وعلم بذلك منكوتمر، وتحدث مع السلطان، ولامه على موافقة هؤلاء، وخرج من عنده وهو حرج، فلقى كرجى فى الطريق، فقطب فى وجهه، وجفا عليه، وقال: كل واحد منكم بقى يعمل رأيه فى السلطنة فى السر، وحط على الأمراء الذين تكلموا معه وقت سؤالهم السلطان باعفاء طقجى
(1)
.
ثم إن منكوتمر لما علم أن السلطان قبل الشفاعة فى أمر طقجى امتنع من الحضور إلى الخدمة، وجعل يحتج بأنه ضعفت رجله عن الحركة، فعلم السلطان ذلك، فطلب قاضى القضاة حسام الدين الحنفى، واختلى به، وقال له: يا قاضى أنا قد تحيرت مع منكوتمر، إن طاوعته على جميع أغراضه، واتبعت ما يشير إليه لا آمن على نفسى وعليه، وإن أنا خالفته فما يهون على، وهو على كل حال شاب ما جرب الأمر بعد « ...... »
(2)
- وما أدرى ماذا أفعل؟.
(1)
يوجد بعد ذلك نحو ستة أسطر معظم كلماتها مطموسة مما يصعب معه متابعة النص.
(2)
« ...... » كلمة غير مقروءة.
وكان القاضى يعرف محبة السلطان له،
(1)
فقال له: يا خوند أنا أروح إليه وأسمع ما يقول. فسلم ودخل عليه،
(2)
وجعل يسأله عن حاله، فقال له: ما لى حاجة بالنيابة، ولا بالإمرية، وأنا أريد أعمل فقيرا، وتحدث فى هذا الباب كثيرا، وفهم القاضى منه أنه يريد أن يسمع كلامه فى كل ما فى يده من مسك ناس وعمل آخرين، وابعادهم عنه.
فلما فهم القاضى مقصوده علم أنه متى أشار على السلطان بشئ لا يرجع فيه إليه، وأنه لا يرجع إلا لكلام منكوتمر.
فدخل عليه،
(3)
وعرفه ما قاله منكوتمر، وما قصده، فلم ينكر عليه شيئا، بل سير إليه وطلبه، وطيب خاطره، وقال له: افعل كل ما تختار، وأنه بعد أيام يمسك طقجى، وبعده بقليل يمسك كرجى، أو نرسله إلى نيابة موضع.
وفى تلك الأيام وصل قاصد للأمير قفجق فى خفية واجتمع بطقجى وكرجى، وأعطاهما الملطفات التى معه، « ...... »
(4)
وأخبرهم برواح الأمراء إلى قازان، وكيف خرج قفجق من دمشق، وتولى جاغان مكانه، وأنهم يعرفوا أنكم إما أنكم توقعوا القتل فى السلطان ومنكوتمر، وإما تعرفوهم فيهاجرون، وذلك حتى يعرفوا حالهم.
فلما سمع طقجى وكرجى هذا من القاصد اجتمعا مع بيبرس وسلار وعبد الله
(1)
الضمير يعود إلى منكوتمر.
(2)
المقصود منكوتمر.
(3)
أى على السلطان.
(4)
« ...... » ثلاث كلمات مطموسة.
السلحدار « ...... »
(1)
يوافقهم على ما « ...... »
(2)
، وأرسلوا إليهم بأنهم يفعلون ما أشاروا به، ثم شرعوا فى تدبير قتل السلطان.
ذكر قتل السلطان:
فلما كانت الليلة التى يسفر صباحها عن يوم الجمعة الحادى عشر ربيع الآخر طلع فى هذه الليلة نجم فى السماء [166] يسطع نوره، ويأخذ بالبصر وله ذنب يظن الرائى أنه يراه بقريب من الأرض، واشتغل الناس بالنظر إليه « ...... »
(3)
وقال بعضهم كان فى تلك الساعة قران المشترى وزحل على رأى المنجمين، ثم وقعت الضجة فى داخل المدينة، فركب الأمراء بالسلاح، وأشيع الخبر بأن لاجين قتل تلك الساعة.
وركب الأمير جمال الدين قتال السبع الموصلى مع جماعة من الأمراء «
…
»
(4)
إلى ظاهر المدينة، ووقعت الضجة فى سوق الخيل، فركب كثير من الناس ولم يبق من الناس أحد فى منزله.
قال الراوى: وأخبرنى قاضى القضاة حسام الدين الرازى الحنفى عن كيفية قتل السلطان، فإنه كان حاضرا هناك، ونجم الدين بن العسال حاضر، وكانوا يحضرون عند السلطان ينادمونه فقال: كان السلطان جالسا وقدامه أصحاب
(1)
« ...... » ثلاث كلمات مطموسة.
(2)
« ...... » أربع كلمات مطموسة.
(3)
« ...... » ثلاث كلمات مطموسة.
(4)
« ...... » كلمة مطموسة.
الخدمة، وقد صلى العشاء الآخرة، وجلس بعض المماليك بين يديه يلعبون بالشطرنج، وهو ينظر إليهم، وقد أحضر له مأكول، فأكل منه، ثم رفع يده منه، وطلب الطشت فغسل يده، وقدم له الجمدار فوطة للمسح، فأخذها ومسح بها يده، وكانت الإشارة بين كرجى والمماليك أصحاب النوبة الذين اتفقوا على قتله أن كرجى إذا تقدم إلى الشمعة تكون إشارة إلى الهجوم على السلطان.
قال: ولم يشهد إلا وكرجى قد تقدم إليه وضربه على كتفه، فرفع يده يلتقى الضربة، فطارت يده وأخذ كرجى النمشة
(1)
من بين يديه وضربه عند نهضته فقطع مشط رجله، فوقع وهو يقول: الله! الله!، فأخذته السيوف من كل جانب، ووقع بعض أطرافه إلى الاصطبل.
قال الراوى: حكى لى أنه
(2)
قام على قدميه وصار يصبح: لا تفعلوا بسلطاننا، هذا ما يحل، ورفع إليه بعض السلحدارية بالسيف، وقال: اقبل بلا فضول، قال: فسكت، ولما تحققوا موته
(3)
خرجوا على حميّه، وفى أيديهم الشموع، ونزلت مماليك الأطباق، واجتمع الأمراء الذين داخل باب القلة، وفتحوا باب القلة وخرجوا، فوجدوا الأمير طقجى جالسا على باب القلة فى انتظارهم، هو وخشداشيته، فتلقاهم، وتباشروا بما حصل لهم من الظفر، ثم أرسلوا وطلبوا بقية الأمراء المقيمين بالقلعة، فجاءوا أولا فأولا، وبسطوا من باب القلعة بسطا، وأوقدوا شموعا، ووقع الصوت فى نواحى القلعة بأن السلطان قتل.
(1)
نمشة، ونمشا، ونمشاه - نمجه، نمجا: ونمجاه: لفظ فارسى يعنى الخنجر المقوس الذى يشبه السيف القصير - السلوك ج 1 ص 857 هامش (1).
(2)
المقصود قاضى القضاة حسام الدين الرازى.
(3)
أى موت السلطان.
وكان منكوتمر يتحدث فيما يبطق بالأمراء المجردين،
(1)
فلم يشعر إلا وقد دخل مملوك وهو يقول: يا خوند، اسمع هذه الضجة فى القلعة، فنهض وقام إلى الشباك
(2)
فرأى باب القلعة قد انفتح، وخرجت الأمراء، والشموع توقد، والضجة قد ارتفعت، فقال: والله فعلوا، وأشار إلى مماليكه أن يغلقوا الأبواب، ويلبسوا، ويتحصنوا.
ثم قال كرجى للحسام الأستاذدار: نقوم إلى دار منكوتمر ونحرقها إلى أن نخرجه، فقال له الحسام: يا أمير ما يحتاج، أنا أروح إليه وأخرجه، ومشى إلى أن وصل إلى الباب فوجد المماليك قد لبسوا واعتدوا للقتال،
(3)
فعرفه نفسه، وقال: قولوا للأمير سيف الدين يكلمنى، ففتح الشباك؛ فسلم على منكوتمر وعرفه بما جرى من قتل السلطان [167] وما ذكره كرجى من إحراق بيته، فصار يتلطف به حتى أذعن لخروجه على شرط أن يشفع الأمراء فيه، فخرج وقد شدّ وسطه بمنديل، ومشى صحبته إلى أن وصل إلى باب القلة، فوجد سائر الأمراء جلوسا والأمير طقجى جالس مكان النيابة، فلما رأوه قاموا إليه وتلقوه، فأخذ يد طقجى وباسها، فقام إليه وأجلسه إلى جانبه، وشرعت الأمراء مع الأمير حسام الدين الأستاذدار يترققون السؤال لطقجى أن يلطف بأمره مع كرجى ويسأله فى إبقاء نفسه عليه، فأجاب إلى ذلك.
(1)
كان كل من السلطان ومنكوتمر ينتظر أن يرد خبر الأمراء المجردين، وهل قبض عليهم أم لا - انظر ما سبق، والسلوك ج 1 ص 863.
(2)
المقصود شباك دار النيابة - السلوك ج 1 ص 857.
(3)
«وألبس مماليكه فصار فى أربعمائة ضارب سيف وأزيد» فى السلوك ج 1 ص 858.
وكان كرجى فى ذلك الوقت غير حاضر، واتفق الحال أن يكون منكوتمر فى الحبس إلى حين حضور كرجى، ثم يسألونه فيه، وأرسلوه مع جماعة إلى الجب بالقلعة، وكان فى الجب جماعة من الأمراء منهم الأمير شمس الدين الأعسر، والأمير عز الدين الحموى نائب الشام، فلما نزل منكوتمر عندهم عرفوه، وقالوا:
كيف جئت عندنا؟ فقال لهم: إن السلطان غضب عليه لأمر بلغه عنه وحلف أنه لا بد من حبسه، فأمسكوا عنه، وقصد الأعسر أن يوقع به فى ذلك الوقت، فمنعه الحموى من ذلك، ورجوا أن أستاذه يرضى عليه ويكون هو الواسطة فى أفراجهم عن الحبس.
ولم يلبث فيه يسيرا إلا وقد أرخوا القفة التى كانوا قد نزلوه بها وصاحوا من رأس الجب على منكوتمر بالصعود، فقاموا إليه وأكرموه، وهم يظنون أن القول الذى ذكره لهم صحيح، فلما أخرجوه وجد كرجى واقفا ومعه جماعة من المماليك السلطانية، فلما وقع نظره عليه أخذ يسبه ويهينه، فلم يلتفت إليه منكوتمر؛ بل كلمه بعزة نفس لأنه تحقق أنه لا يبقى عليه، فضربه بدبوس حديد كان فى يده ورماه إلى الأرض، ثم ذبحه بيده على باب الجب، وتركه ومشى إلى الأمراء.
(1)
وكانت الأمراء سألوا كرجى أن يبقى عليه قبل مجيئه إلى الجب. فقال لهم:
إن السلطان ما عمل معى سوءا، بل والله أحسن إلى غاية الإحسان فكبرنى وأنشأنى،
(1)
«ثم إن كرجى أحرق باب منكوتمر، ودخل قبض عليه، وتوجه به الى الجب الذى كان بالقلعة، يسجن فيه الأمراء، وكان فى هذا الجب جماعة من الأمراء مسجونين، وكان منكوتمر سببا للقبض عليهم، فلما عاينوا منكوتمر قاموا اليه وقتلوه أشر قتلة» - فى بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 399.
وإنما قتلته حتى أبلغ مرادى من منكوتمر، ما أحليه
(1)
فى الدنيا، ولو علمت أنى إذا قتلت منكوتمر يخلينى السلطان بعده بالحياة لما قتلته ولا شوشت عليه.
وقال بعض الرواة: كان السلطان لاجين يوم الخميس صائما فأفطر ليلة الجمعة. ولما كان بعد صلاة العشاء الآخرة دخل عليه الأمير سيف الدين كرجى مقدم البرجية، وكان السلطان يلعب بالشطرنج وعنده قاضى القضاة حسام الدين الرازى الحنفى،
(2)
وكان كرجى قد اتفق مع نغاى الكرمونى سلاح
(3)
دار السلطان، وكان صاحب النوبة تلك الليلة. فقال السلطان: يا أمير كرجى ما عملت؟ فقال: بيّت البرجية وغلقت عليهم، وكان قد أوقف أكثرهم فى دهليز الدار، فشكره السلطان وأثنى عليه للحاضرين، وقام يصلح الشمعة والنمجاة
(4)
إلى جانبها، فرمى عليها فوطة، وقال للسلطان: ما تصلى؟ فقال السلطان: نعم، فقام ليصلى فضربه بالسيف على كتفه، فطلب السلطان النمجاة فلم يجدها، فقام من هول الضربة، فمسك كرجى ورماه تحته فخطف نوغاى الكرمونى النمجاة وضرب بها السلطان على رجله فقطعها [168]، فانقلب السلطان على ظهره قتيلا يخور فى دمه، فصاح القاضى حسام الدين فأرادوا قتله، ثم أمسكوا عنه وتركوه مع السلطان وأغلقوا عليهم الباب
(5)
.
(1)
«ما خليه» فى الأصل.
(2)
«وعند السلطان قاضى القضاة حسام الدين الحنفى، وابن العسال المقرئ والسلطان لاجين يلاعب ابن العسال بالشطرنج» - فى كنز الدرر ج 8 ص 378.
(3)
«سلاح الدار» فى الأصل.
(4)
النمجاه: خنجر مقوس يشبه السيف القصير - انظر ما سبق عن شه؟؟؟، السلوك ج 1 ص 857 هامش (1).
(5)
انظر أيضا النجوم الزاهرة ج 8 ص 101 - 102.
قال القاضى: كنت عند السلطان فما شعرت إلا وستة أسياف نازلة على السلطان، وهو منكب على لعب الشطرنج، فقتلوه.
وكان رؤوس الذين اتفقوا على قتله طقجى، وكرجى، ونوغاى، وقراطرنطاى، وججك، وأرسلان، وأقوش، وبيليك الرسولى.
ذكر ترجمة السلطان لاجين
(1)
:
كان أصله من مماليك السلطان الملك المنصور نور الدين
(2)
على بن السلطان الملك العز أبيك التركمانى.
قال صاحب النزهة: حكى لى بعض الخدام المعزية أن قطز لما كان نائب نور الدين على المذكور أشترى لاجين وهو صغير للسلطان، ثم لما تسلطن قطز والتقى بالتتار على عين جالوت وكسرهم وعاد إلى الديار المصرية، قتل قريبا من الصالحية وتسلطن بعده الظاهر بيبرس، ولما تسلطن بيبرس شيّع أولاد الملك المعز إلى بلاد الاشكرى وبقيت من جماعته بعض المماليك، وكان لاجين هذا منهم، فشرعوا فى بيعهم، فاشتراه قلاون مع مملوكين آخرين، وبقى عند قلاون إلى أن تسلطن، فجاء إليه تاجره وادعى أنه لم يقبض ثمنه عند بيعه، فنودى عليه ثانيا واشتراه قلاون شراء ثانيا صحيحا بثلاثة آلاف درهم، وكان
(1)
وله أيضا ترجمة فى المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 141، نهاية الأرب - مخطوط ج 29 ورقة 103 وما بعدها، النجوم الزاهرة ج 8 ص 85 - 109، ص 182، البداية والنهاية ج 14 ص 3، شذرات الذهب ج 5 ص 440، تذكرة النبيه ج 1 ص 211، بدائع الزهور ج 1 ق 1 ص 400، المواعظ والأعتبار ج 2 ص 239.
(2)
انظر ما سبق بالجزء الأول من هذا الكتاب ص 103 وما بعدها.
فى مماليك قلاون مملوك اسمه لاجين وكان من أكابر مماليك قلاون، فلما اشترى لاجين هذا قالوا له: لاجين الصغير، وكان بعضهم يسميه لاجين شقير لأنه كان أشقر أزرق العينين معرق الوجه طويلا، وذكر أنه كان جركسى الجنس، وكان شجاعا مهيبا، موصوفا بالشجاعة والإقدام، وفيه دين وعقل، وكان يلعب بالرمح ويرمى بالنشاب فى غاية الاتقان، وظهرت له أمور من الشجاعة والإقدام فى وقائع كثيرة خصوصا فى نوبة أخذ طرابلس، وكان يصطلى الحرب بنفسه، ومما يدل على إقدامه ركوبه على الملك الأشرف وقتله، ثم ركوبه على السلطان الملك العادل كتبغا وقتل مماليكه.
وذكر عن القاضى حسام الدين الحنفى
(1)
أنه لما بلغه تجهيز قازان لغزو بلاد الإسلام شاهده مرارا يصلى ويقف على قدميه ويكشف رأسه ويسأل الله أن يطيل عمره حتى يلتقى مع قازان وجيشه. قال: فقلت له ليلة: يا خوند كيف يكون عزمك إذا صح أمر قازان؟ قال: يا قاضى حسام الدين كنت أختار من عسكر مصر ألفى فارس ممن أعرف فيه النجابة والفروسية، وأصدم قازان حيث كان، ولو كان فى عشرين ألف فارس، ويعطى الله النصر من يشاء، ولكن أنا خائف أن يدركنى الأجل قبل لقائه قال: قلت له: يا خوند الأعمال بالنيات.
وذكر فى السلطان أنه لما كان نائبا بالشام كان فى عنفوان شبابه، وكان مشغولا بلذة العيش فى اللهو والشغف بالشراب، وكان يعايش كبراء دمشق
(1)
هو الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان، قاضى القضاة حسام الدين الحنفى، المتوفى سنة 699 هـ/ 1299 م - المنهل الصافى.
ورؤسائها، ويتخذ لهم المجالس، وينعم ويهب، وكانت له مكارم كثيرة على أهلها، فلذلك أهل الشام كانوا يحبونه ويتعصبون له.
ومن كثرة انهماكه على الشراب واللهو والطرب [169] بلّغ الشجاعى خبره إلى السلطان الملك المنصور وعرفه أنه هتك حرمة السلطان بسبب معاشرته مع عامة دمشق وانهماكه على الشراب، فغضب السلطان عليه، وعرف الأمير حسام الدين النائب ما نقله الشجاعى عنه، فأخذ حسام الدين يرد عنه ويكذب الشجاعى ويقول: إنه صاحب غرض، ثم أمر السلطان بأن يكتب إليه كتاب، فكتب كتاب فيه توبيخ وتهديد ونهاه عن الشراب والمعاشرة مع أطراف الناس، وكذلك كتب إليه الأمير حسام الدين طرنطاى، فلما وقف على الكتابين قلل ما كان يرتكبه، وصار يقضى كثرة أوقاته فى الركوب إلى الصيد ونحوه، ويغيب فى ركوبه شهرا وشهرين، ويصحب معه الملاهى، وقطع على هذا لذة عظيمة من العيش، ولما كثر عليه العتب من السلطان رجّعه طرنطاى وسدّ خلله إلى أن ترك ذلك كله.
وكانت أيامه من أحسن ما تكون من العدل والإحسان إلى الرعايا، وكان دينا خيرا، مشفقا، كثير الصوم والعبادة، وقطع أكثر المكوس، وقال: إن عشت لاتركت مكسا واحدا، ولكن نائبه منكوتمر كان على خلاف ما ذكر، وكان يعمل ما يختاره، فوقع فى دولته الفساد وكان ما كان.
وكانت مدة مملكته سنتين وثلاث شهور، وقيل: ثلاث سنين وشهرين، وقيل، ثلاث سنين وستا وعشرين يوما، والأول أصح،
(1)
وكان عمره لما قتل
(1)
انظر أيضا الجوهر الثمين ش 327.
نحو خمسين سنة.
وقال صاحب النزهة: حكى لى بيجان مملوك الأمير شمس الدين قراسنقر حكاية غريبة اتفقت لأستاذه مع السلطان لاجين، وهى أنهما بعد قتل الأشرف خليل بن قلاون لما هربا ودخلا القاهرة، واختفى كل منهما فى مكان، فاختفى شمس الدين قراسنقر فى حارة بهاء الدين، واختفى لاجين فى مأذنة جامع ابن طولون - على ما ذكرنا فيما مضى
(1)
- رأى قراسنقر مناما عظيما فى حق لاجين، فلما أجتمعا وهما مختفيان قال له قراسنقر: يا أشقر والله لقد رأيت رؤيا عظيمة، ولكن أخاف إذا قصصتها عليك تطمعك نفسك وتغير نيتك وتغدر بى. فقال لاجين: لا يكون ذلك إن شاء الله، فآخر الأمر أحضرا مصحفا شريفا وتحالفا، وأكّدا اليمين أن أحدهما لا يخون الآخر؛ ثم شرع قراسنقر فقص المنام وقال: رأيتك راكبا وبين يديك خيول معقودة الأذناب مضفورة المعارف،
(2)
مجللة الأرقاب
(3)
على عادة مراكيب الملوك. قال: ثم نزلت وجلست على منبر وأنت لابس حلة الخلافة، وطلبتنى فأجلستنى بالقرب منك على ثالث الدرجات، وشرعت فى الحديث معى، ثم رفصتنى برجلك، فوقعت من المنبر، فاستيقظت عند وقوعى: وهذا يدل على قربى منك، ثم يجرى علىّ أمر من جهتك، ثم قال: يا أشقر النحس أنا والله حلفت وحلفتك فما أدرى هل تثبت على يمينك أم لا؟
(1)
انظر ما سبق ص 214 وما بعدها.
(2)
أى أن معارف الخيول كانت منسوجة كل خصلة على حدثها - محيط المحيط.
(3)
«مجللة بالرقاب الذهب» فى السلوك ج 1 ص 861.
وبقى الأمر على هذا إلى أن تسلطن لاجين واستناب قراسنقر، ثم قبض عليه؛ ولكن أخلى له مكانا فى بعض القاعات وأكرمه فى محبسه؛ وأوصى أن تعمل له أطعمة مفتخرة، ولا نقطع من عنده فاكهة، ولا حلاوة، وكل ما يختاره من الأشياء المستطرفة، [170] والمراسلات بينهما لا تنقطع، وكل وقت كان قراسنقر يسير إليه ويذكر له المنام المذكور ويسأل منه أن يجعل بشارة المنام الإفراج عنه وإرساله إلى أى مكان يشاء السلطان، وفى أثناء ذلك كان يذكّره الأيمان المؤكدة بينهما، وكان السلطان كلما سمع من ذلك تبسم ويبعث إليه السلام ويقول له: ما بقى إلا قليل.
وتمادى الأمر على ذلك إلى ليلة الجمعة التى قتل فيها السلطان، فأرسل إليه السلطان السلام ومعه فاكهة، وقال للرسول: قل للامير شمس الدين إنى اشتهيت بسلة بلحم قديد، ولا آكلها إن شاء الله إلا وأنت معى، فلما سمع قراسنقر بذلك استبشر وفرح غاية الفرح، ولما كانت ليلة قتله أرسل إليه بسلة مطبوخة، واعتذر بأنه صائم ولا يمكنه أن يفطر على بسلة، وفى الجمعة الأخرى تكون عندى إن شاء الله، فلما سمع قراسنقر ذلك أرسل إليه إنى منتظر لرؤيته ولو ساعة واحدة أو بكلمة واحدة، فإن فى خاطرى أن أراه قبل الموت، ولما سمع السلطان ذلك تبسم وقال للقاصد: اذهب إليه وسلم عليه، وعرفه أنه لا يجمعنى وإياه إلا يوم القيامة، فلما ورد إلى قراسنقر ذلك قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وقتل السلطان فى تلك الليلة.
وحكى مجد الدين الحرمى وكيل بيت المال
(1)
قال: كان السلطان متزوجا
(1)
«وكيل بيت المال المعمور ووصى بيت الملك الظاهر» فى كنز الدرر ج 8 ص 379.
ببنت الملك الظاهر [بيبرس]
(1)
، وكانت دينة عفيفة، فحكت أنها رأت فى المنام ليلة الخميس قبل قتل السلطان بليلة كأن السلطان جالس فى المكان الذى قتل فيه، وكان عدة غربان سود على أعلى المكان، وقد نزل منهم غراب فضرب عمامة السلطان فرماها عن رأسه وهو يقول: كرجى كرجى مرتين، فلما أصبحت ذكرت ذلك للسلطان وقالت له: أقم الليلة عندنا، فقال: ماتم إلا ما يقدره الله تعالى. ذكر هذا النويرىّ فى تاريخه
(2)
.
وذكر صاحب النزهة: أن زوجة السلطان أرسلت خادمها وراء علاء الدين ابن الأنصارى، وكان له علم فى تفسير المنامات، لأجل تفسير رؤيا رأته. فقال علاء الدين: إنى ضعيف لا أقدر على الطلوع إلى القلعة، ولكن قل لها: تكتب المنام فى الورقة وأنا أرد الجواب عنها، فعاد الخادم إلى الخاتون وأخبرها بذلك، فأرسلت إليه ورقة مكتوب فيها أن الخاتون رأت السلطان جالسا وهى إلى جانبه وإذا بطائر يشبه العقاب انقض عليه واختطف فخذه الأيسر وطار به إلى أن طلع من دور القاعة، وطائر آخر قاعد على خشب دور القاعة فى حلية الغراب وهو يصيح كرجى كرجى كرجى ثلاث مرات، فلما وقف عليها علاء الدين قال:
أيها الخادم هذا لا يفسر إلا بعد ثلاث جمع. قال: وقصدت بذلك التسويف إلى أن تنقضى إما ثلاثة أيام أو ثلاث جمع أو ثلاث شهور، وعلمت أنه يظهر سر منامها عن قريب، فوقع قتله ثانى ليلة
(3)
الرؤيا.
(1)
[] إضافة للتوضيح - النجوم الزاهرة ج 8 ص 101.
(2)
انظر أيضا النجوم الزاهرة ج 8 ص 101، كنز الدرر ج 8 ص 378 - 379.
(3)
انظر أيضا السلوك ج 1 ص 862.
ذكر قتل منكوتمر وترجمته
(1)
:
قد ذكرنا أن كرجى هو الذى قتله، وأن طقجى ومن معه لما قتلوا السلطان أتوا إلى دار منكوتمر فدقوا عليه الباب وقالوا له: السلطان [171] يطلبه، فأنكر حالهم، وقال: إنكم قتلتم السلطان، فقال له كرجى: نعم يا مأبون، وجئنا نقتلك، فقال منكوتمر: أنا فى جيرة الأمير سيف الدين طقجى، فأجاره، وحلف له أن لا يؤذيه، ولا يمكن أحدا من أذيته، ففتح باب داره، وتسلموه، وذهبوا به إلى السجن، كما ذكرنا مفصلا،
(2)
ثم اغتنم كرجى غيبة طقجى وأخرجه من السجن، فذبحه من أذنه إلى أذنه، وأصبح كما قال الشاعر:
ومن يحتفر فى الشر بئرا لغيره
…
يبيت وهو فيها لا محالة واقع
وكان منكوتمر مملوكا من أحسن الأشكال، وأكمل صفات الحسن، وكان لاجين ممن يثق به، ويعتمد عليه فى سائر أموره، ولما ولى الملك ولاه النيابة كما ذكرنا، وسلم إليه مقاليد الأمور، فتعاظمت نفسه، وساءت أخلاقه، ونفّر منه النفوس، وعافته الأمراء وأرباب المناصب والكتاب، وأكبر ذنوبه عند الخاصة والعامة والذى أورث له «
…
»
(3)
منهم عند عمل روك البلاد، فإن السلطان
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 132، المواعظ والاعتبار ج 2 ص 387، النجوم الزاهرة ج 8 ص 102 - 103، شذرات الذهب ج 5 ص 440، تذكرة النبيه ج 1 ص 213.
(2)
انظر ما سبق ص 427 وما بعدها.
(3)
« ...... » كلمة مطموسة.
قصد بذلك إصلاح أرزاق الجند، فرجعه عن قصده، ونقص أخبازهم، وتولى تفريقها، وكان يجلس فى شباك دار النيابة ويفرق المثالات، وهو مولى الوجه، ظاهر الغضب « ...... »
(1)
فلم يكن أحد يجسر أحد
(2)
على كلمة بين يديه من خير أو شر.
وكان السلطان قد كبّر كرجى وقرّبه، وجعله مقدما على المماليك السلطانية، وكان كلما حضر عند منكوتمر من عند السلطان فى رسالة لا
(3)
يأخذها منه بقبول، ويولى وجهه عنه، فإذا جاوبه، جاوبه بكلام غليظ منكر. وما سمع أنه دخل إليه فى شفاعة وقبلها منه، ومازال يسعى عليه وعلى طقجى إلى أن وافق السلطان على إخراجهما إلى الشام، فوقفت الأمراء ومنعوه من ذلك، كما ذكرنا،
(4)
وكان قصده إبعاد هؤلاء من عند السلطان، وإنشاء قوم من حاشيته وجهته.
وكذلك كان قصده فى نواب البلاد، فأوقع ذلك فى قلوبهم حزازات لا يحصى عددها، ونارا تتلظى ولا يسكن وقودها، ولا يمكن خمودها، حتى جرى ما جرى.
ذكر تدبير كرجى:
ولما جرى ما ذكرناه من قتل السلطان، ونائبه منكوتمر إجتمعت الأمراء للمشورة والتحدث فى الأمور بينهم لسيف الدين طقجى، وسيف الدين كرجى، وأول ما بدأوا فيه أن سيروا البريد إلى الشام وحلب، وكتبوا إلى النواب عما
(1)
« ...... » كلمتان مطموستان
(2)
هكذا بالأصل، كلمة «أحد» مكررة.
(3)
«لم» فى الأصل.
(4)
انظر ما سبق ص 422 وما بعدها.
جرى من الأمور، وعرفوا نائب حلب الطباخى بأنهم قضوا الشغل الذى وقع عليه الاتفاق، وأمروه بأن يقبض
(1)
على أيدغدى شقير الذى كان قصد منكوتمر أن يجعله نائب حلب، ويقبض
(2)
على جاغان الذى هو نائب الغيبة فى الشام، وهو الذى كان قصد منكوتمر أن يجعله نائب دمشق عوض سيف الدين قفجق.
ويقبض
(3)
أيضا على حمدان بن صلغاى الذى أرسله السلطان إلى النواب، كما ذكرنا، ويقبضوا جميع الأمراء الحسامية.
وجعل الأمراء يحضرون كل يوم، ويجلسون على باب القلة، ويجلس الأمير طقجى مكان النائب، والأمراء الكبار فى الميمنة والميسرة، ويمد سماط السلطان كما هى العادة.
ووقعت المشورة بينهم فى أمر السلطان الذى يولى عليهم، فاتفقوا على إحضار الملك الناصر من الكرك، وإجلاسه [172] على التخت.
والأمراء الكبار بالقلعة يومئذ الأمير سيف الدين سلار، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والأمير حسام الدين [لاجين]
(4)
الرومى أستاذ الدار، والأمير عز الدين أيبك الخازندار، والأمير بدر الدين عبد الله السلحدار، والأمير سيف الدين كرد
(5)
الحاجب، وطقجى فى مكان النائب، والأمراء حوله،
(1)
«بأن يقبضوا» فى الأصل.
(2)
«ويقبضوا» فى الأصل.
(3)
«ويقبضوا» فى الأصل.
(4)
[] إضافة للتوضيح من السلوك ج 1 ص 865.
(5)
«كرت» فى السلوك ج 1 ص 865.
وديوان الجيش قدامه، وهو يأمر وينهى معتقدا أن الرقاع قد خلت، وأن البياذق قد تفرزنت
(1)
.
ولما اجتمعت آراؤهم على إحضار الملك الناصر من الكرك ليجلس فى السلطنة، لأنه صاحب البيت، وابن صاحبه، ووارث ملك أخيه وولده.
فقام كرجى بينهم يتكلم، فقال اسمعوا له، وقال: يا أمراء! أنا الذى قتلت السلطان لاجين، وأخذت ثأر أستاذى، والملك الناصر الذى فى الكرك صغير ولا يصلح أن يكون سلطانا، وما يكون سلطان إلا هذا، وأشار إلى الأمير طقجى، وأكون أنا نائبه، فأنا ما فعلت الذى فعلت إلا أن أكون أنا وهو هاهنا، والذى يقول غير هذا يقول قدّامى، فلم يقدر أحد من الأمراء أن يردّ عليه الجواب، فسكتوا عن آخرهم، وبقى كل واحد ينتظر جواب غيره، فأجاب الأمير سيف الدين كرد الحاجب وقال: يا خوند الذى فعلته أنت قد علمه الأمراء، وخاطرت بنفسك، ومهما أردت ما ثم من يخالف، وانفض هذا المجلس على أن موافقة الأمراء على ما يختاره.
وفى ذلك اليوم وقعت بطاقة الأمير بدر الدين أمير سلاح، وصحبته الأمراء المجردة، وهى من أيام لاجين، كما ذكرناه، بأنهم قد وصلوا إلى الصالحية، قصد الأمير حسام الدين الأستاذدار وكرد الحاجب إلى خدمة كرجى، وقالا له: إن الذى اخترته قد حصل، ولم يبق غير حضور هذا الرجل الكبير العقل، وهو موافق لنا فى كل ما تختاره، وانقضى الأمر على هذا.
(1)
انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 22 أ.
ثم كتب الأمراء الكتب فى الليل إلى خشداشيتهم من الأمراء الواصلين، وعرفوهم بجميع ما جرى، وأن كرجى وطقجى قد قويت شوكتهما، وأرادا أن تكون السلطنة لطقجى والنيابة لكرجى، ووقع اتفاقنا معهما على ذلك من غير اختيار منا، وإنما أكرهانا على ذلك، وعرفوهم أن يأخذوا حذرهم، ويعملوا فى رأيهم على الأمير بدر الدين أمير سلاح، ويتقيدوا برأيه فى جميع ما يرسم به، وأنهم منتظرون ما يرى فى أمرهم وأمر الأمراء الذين بمصر، إن الأمراء المجردين إذا وصلوا إلينا يقوى أمرنا، ويشتد قلبنا.
ووقع الاتفاق أيضا من كرجى وطقجى وشاورشى والمماليك الأشرفية أن يكون كلهم يد واحدة، وتكون كلمتهم متفقة على أن تكون السلطنة لطقجى، والنيابة لكرجى، وعينوا لجماعة من حاشيتهما بإمريات وإقطاعات، واتفقوا على أن أحدا منهم لا ينزل من القلعة، ولا يلتقوا ببدر الدين أمير سلاح، ولا الأمراء المجردين الذين معه، وأن يظلوا مقيمين بالقلعة إلى حين طلوع الأمراء، ثم يتفقون عليهم، ويفعلون ما يختارونه
(1)
.
فبقى الأمر على ذلك إلى أن وصلت [173] العساكر إلى بركة الحجاج وكان ذلك فى النصف من شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
ذكر قدوم الامراء المجردين ومقتل طقجى
(2)
:
لما وصلت العساكر إلى بركة الحجاج، ودخل بعضهم المدينة، شرعت
(1)
انظر أيضا السلوك ج 1 ص 867.
(2)
هو طقجى أو طقجى بن عبد الله الأشرفى، الأمير سيف الدين.
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 183، السلوك ج 1 ص 868، المواعظ والاعتبار ج 2 ص 397.
الأمراء المقيمون بمصر فى تجهيز الملاقاة، وشاوروا طقجى وكرجى فى ذلك.
فقال كرجى: نحن ما عندنا أحد ينزل إلى ملتقى أحد، وكل واحد منهم يدخل إلى بيته، ثم إذا أصبح يطلع إلى قلعة السلطان ويلبس خلعته، ثم يروح إلى بيته وبعد ذلك ندبر ما نفعله، فقامت الأمراء على ذلك وتفرقوا.
ثم اجتمع الأمير سيف الدين كرد الحاجب بالأمير حسام الدين الأستاذدار، وقال: هذا الذى اتفقت الأمراء عليه لا ينفع، ولما يتم لنا أمر ما دام طقجى وكرجى فى القلعة، والرأى أن تعلم الأمراء أنهم إذا طلعوا خدمة القصر يوسعون الحيلة فى الحكم عليهما بالنزول والملاقاة بالأمراء القادمين، فأرسلا لكل أمير مملوكا وأعلما بذلك.
فلما اجتمعوا فى القلعة لخدمة القصر شرع الأمير جمال الدين قتال السبع وحسام الدين الأستاذدار وطغريل البوغاى وتحدثوا مع طقجى وكرحى وقالوا:
هذا الأمير بدر الدين أمير سلاح رجل كبير، وأتابك عسكر مصر، وقديم الهجرة، وكان فى الغزاة مع العدوّ، وقد أثر فيهم آثارا حسنة، وفتح إحدى عشرة قلعة، وله مدة سنة ونصف غائبا هو ومن معه، فيدخلون مصر ولا يجدون أحدا لاقاهم ولا التفت إليهم ولو كان السلطان فى الحياة خرج بنفسه فالتقاه فأكرمه، ووافقهم سائر الأمراء فى هذا الحديث، ولم يبق أحد حتى قال: والله هذا هو المصلحة، وكرجى لا يلتفت إلى سماع ما يقولون، ثم قال: لا ينزل أحد منا إليهم، فإن أردتم أنتم انزلوا ولاقوهم فإنهم خشداشيتكم، وطال شرح الكلام بينهم إلى أن استحى الأمير طقجى وقال لكرجى: قول الأمراء على هذا الوجه هو الصواب، وأنا أركب صحبة الأمراء ومماليك السلطان معى، وتركب بقية العسكر وحدهم،
ويلاقون هذا الرجل ومن معه، وتكون أنت مقيما بالقلعة مع بعض مماليك السلطان إلى أن نلتقى ونرجع، فإن اختار طلوع القلعة طلعنا معه، وإن اختار غير ذلك عرفنا قصده وانتظم الأمر على الدول على هذا الوجه.
ثم جلس طقجى وكرجى على باب القلعة وعرضا مماليك السلطان فاختارا منهم أربعمائة مملوك من خيارهم يكونون فى خدمة طقجى ويركبون معه عند نزوله، ووصاهم أن يكونوا متيقظين على أنفسهم ولا يفارقون طقجى ويحفظونه إلى أن يرجع، وجهز لهم كرجى من الاصطبل خيار الخيل وخيار المراكيب.
فلما أصبحوا ثانى اليوم
(1)
ركبت سائر الأمراء ووقفوا ينتظرون ركوب طقجى إلى أن نزل فى عصبة شديدة وموكب كبير، وكان الأمير سيف الدين كرد الحاجب أيضا راكبا مع الأمراء والجند فى موكب كبير، ولم يبق فى القاهرة أحد من العامة والسوقة إلا وقد خرج للتفرج، وكان يوما مشهودا، ثم سارت الأمراء والعسكر كلهم إلى أن ألنقوا، وفسح الحجاب طريقا لطقجى، فساق إلى أن اجتمع بالأمير سلاح، فتصافحا على الخيل وقبل طقجى يده، [174] ومشى إلى جانبه إلى أن وصلوا إلى قبة النصر.
فساق كرد الحاجب من وسط الموكب وقال للأمير سلاح: يا خوند الأمير يطلع إلى القلعة أو يروح إلى بيته، فقال الأمير سلاح: المرسوم مرسوم السلطان، وأنا موجوع من رجلى، فإن رسم بالطلوع طلعت. فقال له كرد: يا خوند وأين السلطان؟ فقال: ما هذا الكلام؟ فقال: السلطان - تعيش - قتله
(1)
«يوم الإثنين رابع عشره (ربيع الآخر)» - السلوك ج 1 ص 868.
الأمير. فقال: من قتله؟ فقال كرد هذا قتله، وأشار إلى طقجى،
(1)
فلما سمعه طقجى قال: نعم أنا قتلت السلطان؟ بالإنكار. قال كرد: نعم. قال طقجى:
تكذب، وما خرج الكلام من فمه حتى ضربه بعض المماليك البرجية بالسيف على كتفه اليمين فلم يقطع منه شيئا، فلما أحس بالسيف ركض فرسه وخرج من الحلقة التى كان واقفا فيها مع الأمراء، فأشهرت بعد ذلك السيوف ووقعت الضجة والغلبة، وارتفع الغبار حتى لا يرى بعضهم بعضا.
ورأى كرد الحاجب أن مماليك السلطان داروا بطقجى يحفظونه، فقال لهم:
يا أولادى أنتم نزلتم حتى تقابلون هذا الرجل الكبير أتابك العساكر، وإذا رآكم على هذا الحال لا يعتقد إلا إنكم نزلتم لأجل قتاله، فيحصل بذلك فتنة كبيرة، وما زال يتلطف بهم إلى أن أخرجهم من الحلقة وأوقفهم بمعزل من الناس، ثم ساق كرد، وجاء إلى الأمير سلاح وقال يا خوند: متى ما وليت عن العسكر ههنا يهلك أهل الإسلام، وكان قد قصد أن يخرج من بينهم ويذهب، فعند ذلك أمر بأن ينشر سنجقه ويحرك النقارات حربيا، ولما رأت الناس ذلك اجتمعت المماليك كلها، وقامت ساق الحرب، وبقى طقجى وحده وخلفه سلحدار واحد، ونظر إلى العسكر وقد ضربوا عليه حلقة، ولم يبق معه أحد من المماليك، فقصد أن يلتجئ إلى أمير سلاح ويستجير به، فصادفه قراقوش الظاهرى والتزق به، فضربه بالسيف، فجاءت الضربة فى وسط حنكه، فقطع وجهه قطعتين وفصّل
(1)
ذكر المقريزى عند ذكر ذلك: «فقام عند ذلك بكتاش فى الركب وقال لطقجى: أنت قتلت السلطان؛ فقال: نعم، فقال له بكتاش: تكذب، فلم يتمّ قولة تكذب، حتى جرد قراقوش الظاهرى سيفه وضرب على كتف طقجى فلم يؤثر فيه» - السلوك ج 1 ص 868.
وانظر أيضا نهاية الأرب - مخطوط ج 29 ورقة 331 أ.
الحنك من الوجه ووقع إلى الأرض، واجتمعت عليه الخيل، فبقى طريحا، فجاء أمير سلاح ووقف عليه وأمر بأن يشال على قبر عال، ويحمل إلى تربته.
قال صاحب النزهة: فرأيته وقد سلب جميع ما كان عليه، ولم يجدوا شيئا يحمل عليه غير مزبلة من مزابل الحمامات،
(1)
فوضع على بهيمة، ودارت به الناس إلى أن أو صلوه إلى تربته التى عمرها بجوار اصطبله ومدرسته.
ذكر مقتل كرجى
(2)
:
لما قتل طقجى وانهزمت المماليك الذين نزلوا صحبته كانت طائفة منهم هربت نحو القلعة، وأخبروا كرجى بأن العسكر جميعهم اجتمعوا على طقجى وهم فى قتال معه، ولم يعرفوا أنه قتل أو بالحياة، فنهض كرجى من وقته وطلب سائر المماليك السلطانية الذين فى القلعة، وفتح الزردخاناه
(3)
وأخرج منها العدد وآلات الحرب وفرقها، وأمر بشدّ الخيل من اصطبل السلطان، ونزل فى خمسمائة مملوك، ووقف تحت الطبلخاناه على أنه منتظر خبرا ثانيا، ثم ترادفت المماليك المنهزمة والذين حضروا مقتل طقجى، وعرفوا كرجى أنه قتل، وأن العسكر جميعهم قاصدون إليك، فوجد لذلك أمرا عظيما [175] وقوى نفسه على ملاقاتهم بمن معه، ثم نظر إلى من معه، فرأى منهم من يناجز إلى ورائه، ومنهم من
(1)
«وشالوه من هناك بعد ذلك فى مزبلة حمار» - كنز الدرر ج 8 ص 382.
(2)
هو كرجى بن عبد الله، الأمير سيف الدين، مقدم المماليك البرجية.
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 14 ص 3، السلوك ج 1 ص 868 869، شذرات الذهب ج 5 ص 440.
(3)
«الزردخاه» فى الأصل، والتصحيح من السلوك ج 1 ص 868.
يلوى عنان فرسه، وعرف أن الأمر قد انحل ولم يبق معه غير مماليك نفسه، وأول العسكر قد بدأ وأعلامهم منشورة، فأثنى عنان فرسه إلى نحو القرافة، وتبعته الحرافيش وصاحوا عليه، وكان متولى القاهرة فى ذلك الوقت ناصر الدين الشيخى،
(1)
فصادفه وهو طالع من الصليبة وهو سائق، وقصد أن يردّه، فرجع إليه وضربه بالسيف
(2)
، فخرج فرسه، وساق إلى أن وصل بساتين الوزير،
(3)
والخيل وراءه أولا فأولا، وهو يرجع إليهم ويردهم عنه.
وكان كرجى على ما كان عليه من قصر القامة شجاعا، فارس الخيل، وقد تعلّم فنون الحرب، ولم يزل فى مراددة الخيل الواصلين إليه إلى أن قابله صمغار ابن سنقر الأشقر واصطدم هو وإياه، فتطاعنا ساعة، فأدركه محمد شاه المعروف بالأعرج الخوارزمى، وكان من الفرسان المجيدين، وقابله ومازال يتطارد معه إلى أن رماه إلى الأرض، فاجتمعت الجند عليه فذبحوه وأخذوا رأسه وأتوا بها إلى الأمير بدر الدين أمير سلاح والحسام الأستاددار، والأمراء وقوف عند الطبلخاناه، ورموا برأسه بين أيديهم، ففرحت الأمراء وتباشروا، ثم تفرقوا، ورجعت
(4)
المجرّدون إلى بيوتهم.
وفى تاريخ النويرى: هرب كرجى حين علم بقتل طقجى، فلحقوه آخر القرافة فقتلوه هنالك.
(1)
«الأمير ناصر الدين محمد بن الشيخى» - السلوك ج 1 ص 868.
(2)
«فضربه كرجى بالسيف» - السلوك ج 1 ص 868.
(3)
«بساتين الوزير على بركة الحبش» - السلوك ج 1 ص 868.
(4)
هكذا بالأصل.
وقال بيبرس: هرب إلى ظاهر مصر فأدركوه عند قبور أهل
(1)
الذمة، فقتلوه هناك، فصرعه بغيه وأهلكه غيه، ولله أن در القائل
(2)
:
قضى الله أن البغى يصدع أهله
…
وأن على الباغى تدور الدوائر
(3)
(1)
«أهل» ساقط من زبدة الفكرة.
(2)
«ولله در القتل» ساقط من زبدة الفكرة.
(3)
انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 202 ب، وانظر أيضا التحفة الملوكية ص 154.
ذكر عود الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة
ولما جرى ما ذكرنا طلعت الأمراء الأكابر إلى القلعة فى ثانى اليوم الذى قتل فيه طقجى وكرجى، واتفقت
(1)
آراؤهم على النزول إلى الأمير بدر الدين أمير سلاح وتكون المشورة بحضرته لأجل أمر السلطنة، فنزلوا إليه وشاوروه فى ذلك، وأقاموا يترددون إليه يومين والثالث إلى أن اتفقت آراؤهم على أن يسيروا بعض الأمراء إلى مدينة الكرك ليحضروا الملك الناصر منها؛ ليجتمع شمل أهل الإسلام وتسكن الفتن بينهم، فإن مماليك السلطان البرجية جميعهم التفت على الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والمماليك الصالحية والمنصورية وبعض الأشرفيه التفت على الأمير سيف الدين سلار الصالحى، فأرادوا أن يسكنوا خواطر الناس بحضور ابن أستاذهم وسلطانهم، وأن يحفظوا دولته إلى أن يبلغ مبلغ الرجال، فاتفقوا على ذلك، وقصدوا قتل من مسكوا من المماليك الذين شاركوا فى قتل السلطان، ثم أخروا ذلك إلى وقت حضور السلطان من الكرك.
واتفق وأيهم على تسيير الأمير علم الدين [سنجر]
(2)
الجاولى، والأمير سيف الدين آل ملك الجوكندار، وجهزو لهما الهجن وما يحتاجان إليه.
واتفقوا على أن تكون الكلمة بينهم متفقة واحدة، فكانوا يجلسون ويحكمون وتكتب الكتب بالعلائم، فأول من [176] يكتب علامته الأمير حسام الدين
(1)
«واتفق» فى الأصل.
(2)
[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 869.
[لاجين]
(1)
الأستاذدار، ثم الأمير عز الدين أيبك الخزندار، ثم الأمير سيف الدين سلار، ثم الأمير سيف الدين كرد الحاجب، ثم الأمير جمال الدين أقوش الأفرم، ثم الأمير جمال الدين عبد الله السلحدار، ثم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وكانوا إذا كتبوا كتبا لسائر النواب يكتب عن ألسنة هؤلاء الأمراء ويحط كل منهم علامته عليه، ثم ينزل الجميع يوم الإثنين ويوم الخميس إلى خدمة الأمير بدر الدين أمير سلاح، ويأكلون على سماطه، ويستشيرونه فيما يفعلونه، فإنه كان هو المشار إليه من الأكابر، وهو الذى سكن الفتنة بينهم فى ذلك الوقت وأشار أن المسلمين لا يسكنون إلا أن تجتمع كلمتهم على ابن أستاذهم، فإنهم مماليك أبيه وأخيه، وهو وارث ملكهم، ومالك عقدهم وحلهم، وقطع من الجميع علائق الطمع، وعرفهم أن حضوره وتملكه عليهم أحق وأولى، وإن كان صغير السن وأنتم تدبرون أمره برأيكم.
ثم كتب كتابا من عنده إلى الملك الناصر، وكتابا آخر إلى جمال الدين أقوش نائب الكرك وعرّفه ما اتفق من الوقائع فى مصر وأن يجهز السلطان إلى الحضور لملكه.
وكان الأمير عز الدين أيبك الخزندار يجلس مكان النيابة والأمراء دونه.
وكتبوا أيضا كتبا لوالدة الملك الناصر وعرفوها بالوقائع وطيبوا خاطرها، فأخذ نائب الكرك الكتب ودخل بها عليها وعرفها مضمونها، فظنت أن هذا مكر من حسام الدين لاجين أراد بذلك إحضار ولدها وقتله، فأبت وامتنعت، ولم تعلم أن الإرادة الإلهية حكمت له بالسعادة الطويلة، ثم إن نائب الكرك قال
(1)
[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 869.
لها: إن امتناعك عن هذا يورث فسادا كثيرا بين المسلمين، ويوقع فتنا وسفك دماء، وحلف أن هذا الأمر حقيقة ليس فيه مكر ولا خديعة، وما زال بها إلى أن أجابت إليه، وقبلت كلامه، لما كان من سبق إحسانه إليها وإلى ولدها الناصر عند حضورهما إلى الكرك، وكان كل يوم يمد السماط بين يدى الملك الناصر ويقف هو مكان النيابة، وراعى ترتيب المملكة معه مدة إقامته فى الكرك إلى حضور الأمراء بطلبه، ثم شرع فى تجهيزه بما يليق به وسافر صحبته إلى أن وصل إلى مصر، فلما قرب منها ركبت إليه سائر الأمراء ولا قوه، فلما وقع نظره عليهم ترجلوا كلهم وقبلوا الأرض، وتباشروا بقدومه، وكان يوما مشهودا عظيما، ولم يبق فى ذلك اليوم أحد من الأمراء والمقدمين والجند والعامة إلا وقد خرج إليه ولاقاه، وعند طلوعه أجلسوه على التخت، وجلس الأمير بدر الدين أمير سلاح والأمراء الكبار، وكان دخوله يوم السبت الرابع من جمادى الأول من هذه السنة.
وفى يوم الإثنين السادس
(1)
من الشهر المذكور حلف له سائر الأمراء، وعليه خلعة الخلافة،
(2)
وهو ابن أربع عشرة سنة، وزينت القاهرة ومصر، ودقت البشائر.
وكان خلو التخت من السلطنة من يوم قتل لاجين إلى يوم حضور الناصر
(1)
«السادس عشر» فى الأصل، وهو لا يتفق مع ما سبق ذكره من أن يوم السبت رابع الشهر، والتصحيح من السلوك ج 1 ص 872.
(2)
«وكتب شرف الدين محمد بن فتح الدين القيسرانى عهده عن الخليفة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد» - السلوك ج 1 ص 872.
أحدا وأربعين يوما،
(1)
وبقى الأمر شورى بين ثمان أمراء لا ينفذ أمر إلا بهم ولا يخرج مرسوم إلا [177] بخطهم أجمعين وهم: بيبرس، وسلار، وأيبك الخزندار، وعبد الله السلحدار، وبكتمر أمير جندار،
(2)
والحسام أستاذ الدار، وأقوش الأفرم، وكرد الحاجب.
وقال بيبرس فى تاريخه: ولما استقر الناصر بالقلعة المحروسة استدعى الأمراء الكبار، فحضروا بين يديه، وهم الأمراء المذكورون، وقال: وبيبرس الدوادار مدون هذه الآثار، فوقع اتفاق الآراء؛ واجتماع الأمراء على أن يستقر الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، والأمير بكتمر جندار، والأمير سيف الدين قطلوبك حاجبا، والأمير شمس الدين الأعسر وزيرا، وفوضت نيابة السلطنة بدمشق الى الأمير جمال الدين أقوش الأفرم، وأرسل الأمير سيف الدين كرد الى الحصون نائبا؛ وأفرج عن الأمير شمس الدين قراسنقر الجوكندار من الاعتقال وأعاده الى ما كان عليه من الإمرة، وأنفق فى العساكر نفقة عامة، فسرت به الخاصة والعامة
(3)
.
(1)
«فأقام التخت بقلعة الجبل خالبا من سلطان مدة خمسة وعشرين يوما» - السلوك ج 1 ص 869، وهو الأصح، فقد قتل لاجين فى عاشر ربيع الآخر، وجلس الناصر على التخت فى سادس جمادى الأولى.
(2)
لم يرد اسم «بكتمر أمير جندار» فيما سبق فيمن يكتب علامته على الكتب والمراسيم - انظر ما سبق ص 449 - 450، السلوك ج 1 ص 869.
(3)
زبدة الفكرة - (مخطوط) ج 9 ورقة 203 أ، ب، وأنظر أيضا التحفة الملوكية ص 155.
وفى نزهة الناظر: أرسل الأمير سيف الدين كرد الحاجب نائبا بطرابلس، عوضا عن الأمير عز الدين الموصلى بحكم وفاته، واستقر سيف الدين قطلوبك حاجبا، عوضا عن كرد، وكان ممن تأمر بدمشق فأخرجه لاجين إلى حلب ثم عاد الى مصر واستقر فيها.
قال: ثم اتفق الحال على كتب الكتب الى سائر النواب الشامية والحلبية وسائر الممالك، وسيروا بها الأمير علاء الدين مغلطاى الدمشقى، ثم اجتمع رأيهم على الافراج عن الأمراء المسجونين وهم: شمس الدين قراسنقر، والأمير سنقر الأعسر، والأمير عز الدين أيبك الحموى، ورسموا أن يكون قراسنقر نائب الصبيبة وأعمالها؛ وولوا فخر الدين بن الخليلى وزيرا؛ ثم بعد أيام قليلة عزلوه؛ وولوا سنقر الأعسر فى شهر رمضان.
ولما وصل الأمير جمال الدين أقوش الى دمشق أفرج عن الأمير سيف الدين جاغان الحسامى وولاه البر.
ووصل كتاب نائب حلب بوصول الأمراء إلى البلاد؛ وفى خدمتهم أمراء المغل.
وذكر ابن كثير أن الأمراء الذين قفزوا إلى قازان إنما كان فى أول هذه السنة، وإنما نحن ذكرناهم فى السنة الماضية نحو ما ذكره بيبرس فى تاريخه
(1)
.
(1)
البداية والنهاية ج 14 ص 2، وانظر ما سبق ص 388 وما بعدها.
وورد «وفيها (697 هـ) أواخر ذى القعدة هرب الأمير سيف الدين قبجق» - تذكرة النبيه ج 1 ص 210.
ثم ورد «الأمير سيف الدين قبجق بحكم تسحبه إلى بلاد التتار فى شهر ربيع الأول منها (698 هـ) - تذكرة النبيه ج 1 ص 213.
وقال ابن كثير: جاءت الكتب إلى نائب الشام سيف الدين قفجق فوجدوه قد قفز
(1)
خوفا من غائلة لاجين، فسارت البرد وراءه
(2)
فلم يدركوه إلا وقد اجتمع
(3)
بالمغول عند رأس العين [من أعمال ماردين]
(4)
، وتفارط الحال [ولا قوة إلا بالله]
(5)
.
وكان الذى شمر العزم وراءهم ليردهم الأمير سيف الدين بلغاق، وقام بأعباء البلد لغيبة النائب
(6)
نائب القلعة الأمير
(7)
علم الدين أرجواش، والأمير سيف الدين جاغان،
(8)
واحتاطوا على من كان له اختصاص بتلك الدولة، فكان منهم جمال الدين يوسف الرومى محتسب البلد وناظر المارستان، ثم أطلق بعد مدة وأعيد إلى وظائفه، واحتيط أيضا على سيف الدين جاغان، وحسام الدين لاجين والى البر، وأدخلا القلعة
(9)
.
وقدم الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائبا على دمشق، فدخلها يوم الأربعاء - قبل العصر - الثانى والعشرين من جمادى الأولى [178]، وكان هروب شمس الدين قفجق ومن معه من الأمراء يوم الثلاثاء الثامن من ربيع الآخر
(10)
سنة ثمان وتسعين وستمائة، وكانوا فى خمسمائة فارس، وتوجهوا نحو الفرات،
(1)
«نائب الشام قبجق فوجدوه قد فر» - البداية والنهاية ج 14 ص 3
(2)
«فسارت إليه البريدية» فى البداية والنهاية.
(3)
«لحق» فى البداية والنهاية.
(4 و 5)[] إضافة من البداية والنهاية.
(6)
«لغيبة النائب» ساقط من البداية والنهاية.
(7)
«الأمير» ساقط من البداية والنهاية.
(8)
«جاعان «فى البداية والنهاية.
(9)
البداية والنهاية ج 14 ص 3.
(10)
«وساروا ليلة الثلاثاء من ربيع الآخر» هكذا دون تحديد - فى السلوك ج 1 ص 854.
فتبعهم الأمير عز الدين بن « ...... »
(1)
؛ والملك الأوحد ليرجعوهم، فلم يقدروا على رضاهم، فرجعوا، ثم توجه أيدغدى شقير وكجكن من حلب ليدركوهم فوجدوهم قد قطعوا الفرات، وأدركوا بعض أثقالهم فأخذوها ورجعوا، فلما بلغوا رأس عين التقاهم بولاى فى ألف فارس من المغل وأكرمهم وأحسن نزلهم، وكذلك التقاهم صاحب ماردين فأكرمهم وقدم لهم تقادم خوفا منهم أن يبلغوا قازان أنه كان يكاتب صاحب مصر، وأتموا السير حتى عبروا الموصل، ثم توجهوا إلى قازان، وهو مقيم بالأردو من أرض شبت من أعمال واسط، فلقيهم وأكرمهم، وأنعم على كل أمير منهم بعشرة آلاف دينار صرف الدينار عشرة دراهم، وأنعم على مماليكهم كل نفر بألف ومائتى درهم، والمماليك الصغار والغلمان كل نفر بستمائة درهم، وأعطى قفجق همذان فلم يأخذها، كما ذكرنا.
وقال بيبرس فى تاريخه: لما قدم الملك الناصر أشرقت الدنيا بطلعته، وفرحت الخلائق برجعته، وقال الدهر بلسان حاله لا بلسان مقاله:
قد رجع الحق إلى نصابه
…
وأنت من دون الورى أولى
ما كنت إلاّ كالسيف سلّته
…
يد ثم أعادته إلى قرابه
ثم أنفق فى العساكر نفقة عامة، فهو حقيق بقول القائل:
الناصر الملك العالى المنار إذا
…
أهل الفخار سموا للمجد والجود
الواهب المال لم تعلق بساحته
…
إلا بعدّ الأيادى
(2)
غير معدود
السابق الوعد بالحسنى يقدمها
…
فما يحضّ على إنجاز موعود
المشترى بالندى الحمد الثمين فقد
…
أضحى بكل لسان عين محمود
(1)
المشرق الوجه فى ظلماء قاتمة
…
والمغدق الجود فى شهباء جارود
الثابت الحزم فى دهياء مظلمة
…
والثاقب العزم فى صمّاء صيخود
ترب العلى ابن أبيه سطوة وندى
…
أبو الوفود أخو الغر المناجيد
أغر يعرب فى أفعال نائله ال
…
حسنى ويعرب عن طيب المواليد
زاكى المغارس نهاب الفوارس وهّ
…
اب النفائس ما شئت بتعريد
ماضى العزائم غفار الجرائم عفّ
…
ار الكرائم وضّاح النواجيد
يجود بالأعوجيات الجياد وبالب
…
يض الحداد وبالسمر الأماليد
وبالظبى والظباء الآنسات وبالب
…
زل الهجان وبالمهرية القود
يا ابن الأولى ملكوا الدنيا فامطرها
…
نداهم الغمر عهدا غير معهود
[179]
وأوسعوا العدل أقصاها فمهّدها
…
ولم تكن قبلهم دانت لتمهيد
أحييت يا ابن الشهيد الملك مفخرة
…
فيا رضى والد عن خير مولود
وشدت
(2)
…
بيت قلاون فعشت له
فى ظل ملك على الآفاق ممدود
أعدت للدولة الغراء بهجتها
…
فاملك كملك سليمان بن داود
أشرقت كالشمس فى أبراج رفعتها
…
فكان عودك عيدا أيّما عيد
(3)
(1)
«خبر محمود» فى زبدة الفكرة.
(2)
«شيدت» فى التحفة الملوكية.
(3)
«وكان عودك فى الأيام كالعيد» فى التحفة الملوكية.
زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 203 ب، 204 أ، التحفة الملوكية ص 155.
وفى نزهة الناظر: أن السلطان لاجين لما قتل سفّر الأمير سيف الدين بلغاق من جهة الأمراء بمصر يعلمون الأمير سيف الدين قفجق بالوقائع التى جرت، ويعرفون صحته بالأمارات التى بينهم، ولما وصل إلى دمشق وجده قد قفز هو ومن معه إلى نحو الفرات، ولم يخبر أحدا بما حضر حتى وصل إلى حلب فوجد الأمر قد فات، وكان يوم وصوله إلى دمشق يوم سفر قفجق والأمراء من حمص، فلما وصل إلى حلب وقف نائب حلب على الكتب المكتتبة عن الأمراء، وحكى له بلغاق ما اتفق جميعه، ثم طلب بريديا من أكابر البريدية بحلب يعرف ببليان القصاص ووعد له بإمرة إذا أدرك الأمراء وأوقفهم على الكتب التى حضرت من مصر، وأمره أن يلحق بهم ولو دخلوا فى البلاد، فركب المذكور من حلب على طريق الفرات، وساق تلك الليلة إلى بكرة النهار، والتقى بأيدغدى شقير وكجكن وبالوج ومعهم الأمراء الخاصكية وبعض الأمراء المجردين من مصر والشام ممن كان يلوذ يدولتهم، فلما رأوه أراد أن يعرّج عن طريقهم أرسلوا إليه من أحضره، فلما رآه أيدغدى شقير قال له: إلى أين قصدت؟ قال:
إلى الأمراء الذين قفزوا لعلى الحق بهم. فقال: من سيرك إليهم؟ قال له:
نائب حلب. فقال: لأى سبب؟ فأنكره وقال: ما أعرف غير أنه سيرنى إليهم قال: وأين كتابه إليهم؟ فقال: ما معى كتاب ولكن مشافهة، فأنكر أمره وقال للأمراء الذين معه: والله ما قضية هذا بخير، ثم أشار إلى بعض مماليكه أن يؤجل البريدى ويأخذ جرابه، فلما أخذه فتحه فوجد فيه كتب الأمراء وهم يعرفون قفجق بجميع ما اتفق من قتل لاجين ومنكوتمر وما مجدد من الوقائع، وكتب نائب حلب إليهم بأن الشغل قد انقضى وسألهم الرجوع، وترقق لهم فى
القول، فلما وقفوا على ذلك اتفق رأيهم على أن يطلقوا البريدى من غير الكتب فقال لهم البريدى: إذا قلت لهم هذا الكلام ما يصدقوننى وأردّ خائبا، فاستصوبوا كلامه وأعطوه الكتب، فذهب إلى طريقه.
ثم إن أيدغدى شقير شرع فى خلاص نفسه وكيف يكون حاله مع نائب حلب ومع الأمراء، وكان قد أساء على نائب حلب والأمراء المجردين، وعاملهم بالغلظة والكلام الفاحش والحماقة والكبرياء؛ فإن اتفاق منكوتمر كان معه أنه إذا قضى شغل الأمراء ومسك منهم الذين بينوا له مسكهم فيستقر نائبا بحلب، وكذلك كان الاتفاق أيضا مع جاغان فى أمره مع نائب الشام قفجق، فإنه إذا مسك بكتمر السلحدار ومن عينوه بالمسك من الأمراء يكون هو نائب الشام.
ولما تحقق أيدغدى وجاغان وقوع الأمر بلاجين ومنكوتمر خشداشيته، ووقفا على كتب الأمراء وكتاب نائب حلب علما أن الأمر قد فات وتحيرا فيما يعملان، ثم قوى أيدغدى شقير عزمه على أن يرجع بمن معه إلى قلعة [180] تل حمدون ويتحصنون بها، فلم يوافقه على ذلك كجكن وقالوا: نحن بين أمرين:
إما أن يفتحوا لنا القلعة أو يأبوا ذلك فنكون قد فرطنا فى أمرنا، والرأى عندى أن نرجع إلى حلب وندخل على نائبها فهو على كل حال ما يرمى جانبنا ويشفع لنا، والذى قضى الله لا بد منه، فانتظم أمرهم على ذلك ورجعوا قاصدين حلب، ولما دخلوا على الأمير سيف الدين النائب أقبل عليهم بإقبال حسن، وأظهر التوجع لهم، وأمر لكل أحد بأن ينزل فى منزلته
(1)
.
(1)
انظر السلوك ج 1 ص 870.
وفيها: اتفق بمصر مطر عظيم، وجاء عقبيه سيل لم يعهد بمصر مثله، ونزل من صوب المقطم إلى القرافة وأفسد تربا كثيرة ومقابر ودورا وأملاكا، وعم سائر القرافة، وكذلك نزل من الجبل إلى أن وصل الى باب النصر وأفسد تربا ودورا كانت معمورة مجاورة للترب.
وفيها: قتل أقطاجى
(1)
بن طشتمر ابن بنت نوغيه بمدينة كفا، وذلك أن نوغيه جده لما كسر الملك طقطا
(2)
استولى على البلاد، فأرسل ابن بنته [الأمير أقطاجى هذا]
(3)
الى بلاد قرم ليجبى المال المقرر على أهلها لأنه وهبا له، فسار اليها ومعه أمير يسمى الطبرس بن قينو وعسكره مقدار أربعة آلاف فارس، فدخل الى كفا وهى مدينة الفرنج الجنوية بين اسطنبول وبين القرم، وطالب أهلها بمال فضيفوه وقدموا اليه شيئا من المأكول وخمرا للمشروب، فأكل وشرب الخمر وحكم عليه السكر، فوثبوا عليه وقتلوه، وبلغ خبر مقتله نوغيه جده، فأرسل عسكرا كثيفا إلى قرم صحبة ماجى أحد أمرائه فنهبوها وأحرقوها، وفتكوا من القرم جماعة وسبوا من كان فيها من تجار المسلمين والفرنج، وأخذوا أموالهم، ونهبوا صار، وكرمان، وقرق ايدى، وكرج
(4)
وغيرها.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 501 رقم 504.
(2)
«طقطاى» فى المنهل الصافى.
وهو طقطاى بن منكوتمر بن طغاى بن باطو، توفى سنة 716 هـ 1316 م - المنهل الصافى.
(3)
[] إضافة من المنهل الصافى ج 2 ص 502 للتوضيح.
(4)
انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 204 أ.
وانظر أيضا المنهل الصافى ج 2 ص 501 - 502.
وفيها: قتل أباجى بن قرمشى وأخوه قراجين، وهؤلاء أولاد قرمشى كانوا ثلاثة إخوة من كبار المقدمين وأصحاب التوامين ببلد الشمال، وكانوا يضاهون نوغيه فى المنزلة والتقدم وعدّة العسكر، وكانوا قد اتفقوا معه على حرب طقطا، وشهدوه معه وعاضدوه فيه، فلما استقام لنوغيه الأمر تحكمت أولاده وهم جكا وتكا وطراى، ولم يحصل لأولاد قرمشى ما كانوا يؤملونه منهم، فوقع بينهم، وقصدوا الانفراد عنهم، وهم أباجى وقراجين وينجى، ومالوا إلى طقطا، فبلغ ذلك نوغيه وأولاده، فجرد أولاده وهم الثلاثة المذكورون ليردوهم ويمنعوهم من الإنحياز إلى طقطا، والتقى الجمعان واقتتلوا يومهم ذلك، وحجز بينهم الليل، فباتوا على تعبئتهم، فلما جن الليل هرب من عسكر أولاد قرمشى أمير يسمى قطغو مقدم ألف فارس، وانحاز إلى أولاد نوغيه، فأصبحوا وقد فقدوه هو وطائفته، فلم يتقدم أحد من الفريقين لحرب الآخر.
فلما كان المساء أضرم أولاد قرمشى نارا وأزمعوا الرجوع، فأرسل إليهم أولاد نوغيه ولاطفوهم وخدعوهم وقالوا لهم: ما الحاجة إلى الخلف والحرب ونحن أقرباء وألزام، والأولى ترك الشنان وتقرير الصلح كما كان، واستمالوا ينجى وهو الأصغر، فمال إليهم، وسألوه يلاطف أخويه ويسألهم فى الموادعة والمسالمة، فعاد إلى أباجى أخيه وأبلغه مقالتهم ولا طفه فى الاجتماع [181] بهم، فانقاد إلى كلامه وتوجه بنفسه إليهم.
وأما قراجين أخوه فانه كان أثبتهم جأشا، وكان متوليا تدبير العسكر، ولم يتوجه مع أخيه، فراسلوا والدته فى توجهه، فأشارت إليه بالتوجه وتقرير الصلح، فتوجه، فلما حصل الأخوان أباجى وقراجين عند أولاد نوغيه قتلوهما، وشعر
ينجى بذلك فلم يعاود إليهم، بل نجا بنفسه، ونهب أولاد نوغيه تمانات أباجى وأخيه، وأتوا على أكثرهم قتلا وأسرا ونهبا، فقويت شوكتهم وكثرت عساكرهم وانبسطت أيديهم، واستظهروا حتى على أبيهم
(1)
.
وفيها: تواترت الأخبار بحركة التتار وقصدهم بلاد الشام، فجرد السلطان، وبرّزوا الدهليز والخيام، وكان خروجه من قلعة الجبل فى الرابع والعشرين من ذى الحجة
(2)
.
قال بيبرس فى تاريخه: وأقمت بالقلعة نائبا،
(3)
وانقضت هذه السنة المباركة.
وكان السبب لتحرك قازان وعبوره إلى البلاد ما تقدم ذكره من الغارة التى وقعت على ماردين فى شهر رمضان من عسكر الشام، وكانوا أفسدوا فيها فسادا عظيما.
قال صاحب النزهة: أخبرنى من حضرها أنهم كانوا يأخذون الولد من حجر أمه، والولد من كف أبيه، وكم من حرة كشفوا سترها، وكم من بكر أخرجوها من خدرها، وسفكوا دماء كثيرة، وكان صاحب ماردين على بعض أبراج القلعة يشاهد ذلك، ولما انفصل أمر الغارة ركب صاحب ماردين إلى قازان واستصحب معه ما يليق لملك مثله، وكان رجلا معظما عند المغول وسائر ملوكها فلما وصل إليه قربه وأكرمه، وعرفه صاحب ماردين ما اتفق من سلطان مصر وعسكر حلب، وما صنعوه فى بلاده، وبكى بين يديه، فتوجع له قازان وسائر
(1)
انظر زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 204 ب - 205 أ.
(2)
السلوك ج 1 ص 879.
(3)
انظر أيضا السلوك ج 1 ص 879، زبدة الفكرة مخطوط - ج 9 ورقة 205 أ.
الخواتين وأكابر المغول، وصار قازان يكرر ويقول: هذا فعلوه فى شهر رمضان! وأين الإسلام مع هؤلاء القوم؟ وأخذ يتعجب من فعلهم فإنه كان قريب العهد بالإسلام، فعند ذلك طلب قازان من القضاة والعلماء بتبريز وعرفهم بما صنعوا من الفسق وشرب الخمر فى شهر رمضان، وسألهم أن يفتوه فى أمر قتالهم أو الغارة على بلاد الشام، فأجابوا بأن مثل هذا لا يثبت بكلام فرد شخص وخصوصا فى مثل ذلك، وربما يكون لهم جواب فى ذلك، فشرعوا فى البحث فى هذا الأمر إلى أن اتفق رأيهم أن يسيروا رسلا إلى صاحب مصر ويذكرون له ما وقع من هذا الأمر فى مثل هذا الشهر الشريف، وما ارتكبوه من المعاصى، وطيبوا خاطر صاحب ماردين ووعدوا له بنصرته والقيام فى حقه وردوه إلى بلده مكرما، ثم اتفق بعد ذلك دخول قفجق نائب الشام بمن معه من الأمراء إلى بلادهم، ولما اجتمعوا بقازان حرضوه على العبور إلى بلاد الشام، وكان عنده عزم من ذلك فقوى عزمه على ذلك، وكتب إلى سائر النواب والولاة بتجهيز العساكر إلى أردو، وتواترت الأخبار بذلك فى مصر، واجتمعت الأمراء، وأمروا للعسكر بتجهيزهم؛ وكتبوا الكتب بتجهيز الإقامات فى المنازل، وما انسلخ شهر ذى الحجة من السنة المذكورة إلا والعسكر قد خيمت، ثم رحلوا وأرسلوا الرد إلى نائب الشام بأخذ الأهبة والتجهيز للسلطان، ولما وصلت العساكر إلى غزة أقاموا أياما ينتظرون ما يرد من الأخبار.
ذكر وقعة الأويراتيه والسبب لخروجهم [182] عن الطاعة:
قد ذكرنا أن أمراءهم وكبراءهم قتلوا فى الدولة الحسامية لكونهم سببا فى الركوب على الملك العادل كتبغا لميله إليهم لكونهم من جنسه، فالبقية منهم
لما رأوا البرجية فى السعادة الوافرة والسيادة العظيمة حسدوهم على ذلك، فسوّل لهم السلطان
(1)
أن يكونوا عصبة واحدة ويكون الأمير قطلوبرس العادلى كبيرهم ورأسهم، وكان من أكابر مماليك السلطان العادل كتبغا، ولما اتفق لكتبغا ما ذكرنا كانوا أبقوه على إمرته لكونه من فرسان الخيل المعروفين. ولما اجتمعوا على ذلك عرفوه بما عزموا عليه وقالوا له: اجتمعنا ببرنطيه
(2)
أحد المماليك السلطانية وخشداشه ألوص الذى كان من أكابر الأويراتية، وكان هؤلاء على جهل عظيم وكبر النفس، وكان اتفاقهم على أن يركبوا على بيبرس وسلار فى موكبهما، فإذا حصل لهم مقصودهم يطلبون كتبغا ويعيدونه إلى السلطنة، ويأخذ أكابرهم إمريات أمراء البرجية.
وكان قطلوبرس رجلا عاقلا صاحب رأى وتدبير وتحقق أن أمر هؤلاء إذا ظهر كان سبب تلافه وهلاكه، ورآهم مصرين على عزمهم، وقد غلب عليهم الجهل والطمع، وما بقى له منهم مخلص، فلما رآهم على ذلك أوصاهم بكتمان أمرهم، وأن يستجلبوا من قدروا عليه من المماليك السلطانية ليكونوا عونا لهم على مقاصدهم، وتحدثوا مع جماعة منهم، ووقع الاتفاق على أن الأمراء إذا ترجلوا يوم الموكب وترجلت مماليكهم يهجم برنطيه على بيبرس ويضربه بالسيف، وآلوص على سلار، وأن الأويراتية إذا نظروا إلى سيف برنطيه وقد أشهره يجذبون سيوفهم ويضرب كل واحد منهم مخدومه، أو من يكون قريبا منه من الأمراء أى من كان.
(1)
هكذا بالأصل، ولعلها «الشيطان» .
(2)
«برنطاى» فى السلوك ج 1 ص 883، «برلطاى» فى نهاية الأرب، وزبدة الفكرة.
وكانت العساكر السلطانية قد أقاموا على غزة أياما،
(1)
ثم وصلوا إلى تل العجول وأقاموا هناك ينتظرون الأخبار كما ذكرنا، وكانوا قالوا لقطلوبرس أن يكون مجهزا بمن معه، فإذا رأى السيوف أشهرت ووقع الفعل نشر سنجقه وضرب طبلخاناته وعمل عمله.
ولما كان الموكب وترجلت الأمراء على العادة، وكان بيبرس يتقدّم سلار احتراما له، تقدم برنطيه وهجم على بيبرس، وقد جذب سيفه وهمز فرسه إلى أن قاربه، وكانت الأمراء يحجبون بيبرس وما شعروا إلا وقد رأوا برنطيه بينهم وسيفه مشهور يريد ضرب بيبرس، وكان فى الأمراء الماشين فى خدمته أمير من البرجية يقال له سيف الدين طشتمر الجمقدار، وكان جمقدار الملك الأشرف، وكان له قوة وشجاعة وشكل حسن، ولما رأى برنطيه وقد هجم على بيبرس جذب هو أيضا سيفه وضرب برنطيه، ولكن وقعت الضربة على كفل فرسه.
(2)
فالتفت إليه برنطيه وضربه فقطع كلوتاته وشاشه وجرح وجهه جرحا بالغا، ثم تناولت السيوف برنطيه فقتل من وقته، ووقع الصياح فى العسكر فركبوا عن بكرة أبيهم، وطلب بعض الأويراتية والمماليك الذين كانوا متفقين
(1)
رحل السلطان بالعساكر من الريدانية - فى طريقه إلى الشام - أول يوم من المحرم سنة 699 هـ، ولذا أورد المقريزى هذه الأحداث ضمن حوادث سنة 699 هـ - السلوك ج 1 ص 882 - 883.
(2)
كفل: الكفل هو كساء يوضع على سنام البعير ثم يركب، وكساء تحت الرمل، والكفل ما يحفظ الراكب من خلفه وفى الحديث «ذاك كفل الشيطان يعنى مقعده - اللسان.
معهم نحو دهليز السلطان، وركبت الأمراء الذين كانوا ترجلوا، وركبت [183] مماليكهم وساقوا خلف القاصدين الدهليز إلى أن أدركوهم داخل الدهليز، ومنهم من دخل وهجم على السلطان.
وركبت مماليك السلطان. وكذلك الأمير بكتمر الجوكندار، واعتقدوا أنهم قصدوا الهجوم على السلطان ليقتلوه، فركب ونشر العصائب السلطانية، ونشر سنجقه أيضا، واجتمعت إليه مماليك السلطان، وخرج السلطان من الدهليز، و « ...... »
(1)
وقصد الركوب بين مماليكه، فمنعه أمير الجندار وطيب خاطره، وقال له أمير جندار: ما عليك شئ، فكأن الأمراء وقع بينهم، أو جرى لأحد منهم شئ، فهذه الهجمة بسببه.
وخشيت الناس على أموالهم، فصار الأمير منهم يركب بعض مماليكه ويخلى البعض لحفظ خيمته ودوابه.
وكان يوما صعبا لم ير مثله، ولا أشد منه، ثم رجع بيبرس وسلار إلى مخيمهما. ثم أمر الحجاب والنقباء أن يقولوا للمقدمين بأن يحضر كل مقدم بمضافيه، وكان كثير من المقدمين يأتون بمضافيهم إلى مخيم النيابة، ويرون سنجق السلطان منشورا فيرجعون إليه، وكانت الحجاب يردونهم، وأكثرهم لا يلتفتون إليهم، ويقولون: نحن إذا رأينا سنجق السلطان منشورا لا نلتفت إلى غيره.
والتفت جماعة منهم على السلطان، ثم رأى سلار أن هذا الأمر ما سينفصل إلا عن سفك دم كثيرة، وكان صاحب عقل وتدبير حسن، فسير من جهته
(1)
« ...... » خمس كلمات مطموسة.
أحد الحجاب «وبعض المماليك
(1)
» إلى بكتمر الجوكندار الذى هو أمير جندار يقول له: ما هذه الفتنة التى قصدتم إثارتها؟ وكيف يحل لمسلم فى هذا الوقت؟ ونحن جئنا لدفع العدو، وحركنا أنفسنا وأموالنا للذب عن الإسلام وعن المسلمين، وقد بلغنا أن بعض مماليك السلطان اتفقوا مع الأويراتية على قتلنا، وسفك الدماء بين المسلمين، فإن السلطان وأنتم أشرتهم عليهم بهذا الرأى، ولكن الله عز وجل، بمنه وكرمه، قد دفع عنا ذلك، فإن كان هذا بمشورتكم فنحن مماليك السلطان، ومماليك والده الشهيد، فنحن نكون فداء للإسلام، وإن كان ما عندكم من ذلك علم فسيروا إلينا غرماءنا فنجازى الذين أرادوا قتلنا وقيام هذه الفتنة.
فلما وصل الذين أرسلهم سلار إلى السلطان، وبلغوه ما ذكر سلار، بكى السلطان، وحلف بالله أن ما عنده مما ذكروه خبر، وكذلك الأمير بكتمر حلف، وأنهم لما رأوا السيوف وقد وقعت اعتقدوا أنهم يريدون قتل السلطان ليسلطنوا أحدا منهم، واعتذروا اعتذارا كثيرا، وقالوا لهم: إن الذى قلتم حق، فإن كان يحصل لكم تشويش من السلطان ومن مماليكه، فها أنا آخذهم وأروح بهم إلى الكرك، وهى قريبة من هاهنا، وهو أنى أسير معهم فأقيم أنا وهو ومماليكه على الكرك، واحكموا أنتم بكل ما تحبون وتختارون.
فلما سمعوا ذلك خرجوا من عندهم، وأثوا إلى سلار والأمراء الذين عنده، وبلغوهم الرسالة، فصعب ذلك عليهم، وثارت نفوس البرجية، وأرادوا أن يركبوا على الأمير بكتمر، فقال الأمير سلار: ما هذه مصلحة، وأنتم تعلموا
(1)
«وبعض المماليك» مكتوبة فى هامش المخطوط، ومنبه على موضعها بالمتن.
برأى أمير سلاح، هو شاليش العساكر وأتابكها، وهو قدامنا بمرحلة، وأما إذا [184] فعلتم شيئا بغير مشورته تكون حجة علينا، وقد علمتم ما اتفق له مع كرجى وطقجى عند مشورته. والمصلحة أن نعرّفه جميع ما اتفق عليه، ونستشيره فيما نعمله، فإنه أتابك العساكر، وكبير الدولة، والناس يرجعون إلى رأيه.
فسيروا إليه أمير حاجب، وعرفوه كل ما وقع، وأن هذا الأمر كان باتفاق من السلطان مع مماليكه وبكتمر أمير جندار، فلما سمع كلامهم قال:
إن عرف الأمراء أن هذا الحديث أنا ما أعرفه. فإنى نازل عنكم ببعيد، والذى أقوله: إن دم المسلمين يتعلق بابن أستاذهم، وما أعرف غير هذا الكلام،
(1)
ثم قام وخرج من عنده الحاجب. وعرف الأمراء ما قاله الأمير سلاح، بعد ذلك قال الأمير سلار: ما بقى إلا أن نلاطف أمرنا مع السلطان، وينفصل الأمر على خير.
ثم طلع
(2)
الأمراء الكبار، ودخلوا على السلطان، وأصلحوا بين أمير جندار وبين الأمراء، وقبلوا الأرض بين يدى السلطان، واجتمع رأيهم على طلب الأويراتية، والكشف عن أمرهم، ومن كان السبب لقيام هذه الفتنة، فمسكوا جماعة منهم، وعاقبوهم، فاعترفوا أن الاتفاق وقع بينهم على الهجوم على الأمير ركن الدين بيبرس والأمير سلار وقتلهما، وقيام دولة الملك العادل كتبغا، وأخذ ثأر من قتل من أمرائهم، وأن المحرك لذلك برنطيه، وألوص ورأس المشورة فى ذلك قطلوبرس العادلى، وسموا جماعة كثيرة من العادلية.
فاتفق رأى الأمراء على أن يستفتوا فى أمرهم، فأفتوا بقتل الجميع لقوله تعالى {(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)}
(1)
…
فلما أصبحوا نصبت لهم الأخشاب، وشنق منهم نحو خمسين نفرا من أكابرهم، وصلبوهم صلبا بشيعا بكلوتاتهم وشاشاتهم، ونادى عليهم المشاعلية: هذا جزاء من يقصد إقامة الفتنة بين المسلمين ويتجاسر على الملوك.
وطلب علاء الدين قطلوبرس العادلى فلم يجدوه، فنودى فى سائر الوطاق أن من أخفاه شنق.
وكان قطلوبرس تلك الليلة قد جهز أمره الجميع، وكان عزمه أن الأمر الذى عزم عليه إن جاء على وفق مراده ينشر سنجقه ويتظاهر بالركوب، وإن كان بخلاف ذلك ينجو بنفسه، فلما تحقق أن الأمر انقلب عليه خرج مختفيا من أصحابه، واستصحب معه ما يعز عليه من المال، فجاء إلى غزة واختفى بها عند بعض أصحابه.
وما علموا خبره إلا بعد يومين، وأمروا بنهب وطاقه، وجميع ماله من الدواب، وتركوا المصلوبين ثلاثة أيام، وأنزلوهم فى اليوم الرابع، فحصل بسبب ذلك بكاء وتألّم، وجافت الأرض من روائح أجسادهم.
ثم قصدوا الرحيل، واجتمع الأمراء البرجية، وقالوا لبيبرس نحن ما نرحل حتى نأخذ ما بقى من غرمائنا من المماليك السلطانية، وعرفوا بيبرس أن الأمير سلار ربما كانت له يد فيما اتفق، فاتهموه، فبلغ ذلك الأمير سلار فخاف فى نفسه وقال: إن لم أدارهم فى ذلك قامت الفتنة. ولما تكلم معه الأمير بيبرس
(1)
جزء من الآية 191 سورة البقرة رقم 2.
فى أمر المماليك، وأنه ما نرحل حتى ينجز الأمر معهم وافقه على ذلك، ثم اجتمعوا بالأمير جوكندار وقالوا له: إن من المماليك السلطانية من يرضى الفتنة [185]، ومنهم من كانوا وافقوا الأويراتية، فرأى الجوكندار أن مخالفتهم فى ذلك الوقت تؤدى إلى فساد كبير، فطاوعهم على ما قالوا، واجتمعوا ودخلوا على السلطان وقالوا: إن ههنا صبيانا من المماليك يقصدون الفتن بيننا وينقلون الكلام الفاسد، ونريد أن نطمئن من جهتهم فى السفرة، فقال لهم السلطان:
ما الذى يفعل بهم؟ فقالوا: يرسلهم مولانا السلطان إلى الكرك فيقيمون هناك إلى أن نعود من السفر فنأخدهم إلى مصر معنا، فإذا دخلنا مصر يفعل السلطان فيهم بما يرى، فأجاب إليهم السلطان، فأمر عند ذلك بطلب جماعة فأحضروهم وسيروهم إلى الكرك صحبة النقباء ورسم السلطان بحبسهم هناك.
ثم بعد ذلك رحل السلطان بعساكره من تل العجول إلى قرتيا
(1)
وضربوا الدهليز هناك، وأمروا بالإقامة هناك إلى أن يكشفوا أخبار العدو من النواب.
واتفق فى تلك المنزلة أمر غريب من مجئ سيل عظيم من رءوس الجبال فى ضحوة النهار على غفلة فأخذ من الجمال والحيل والخيم والأثقال شيئا كثيرا، فوقعت ضجة عظيمة فى العسكر، ومن لطف الله تعالى أنه كان من فرد جانب، فاستمر ذلك إلى وقت العصر من ذلك اليوم. وانفسد حال جماعة كبيرة من العسكر، ومنهم من أصبح فقيرا لا يملك شيئا، فتطيرت الناس بذلك وقالو: لا يحصل خير فى هذه السفرة.
(1)
قرتيا: قرب بيت جبرين بفلسطين - معجم البلدان ووردت «قرتية» فى السلوك ج 1 ص 885.
قال صاحب النزهة: واتفقت بعد ذلك نكتة غريبة وهى أنه كان رجل مشهور بالصلاح والمكاشفات، وقد كان وقعت منه أمور غريبة فى نوبة الشجاعى وكتبغا قبل وقوع أمرهما، وكان لا يتكلم مع الناس، ولا يأخذ شيئا من أحد، وأكثر اجتماعه كان مع الأمير سلاح، ولكنه ما كان يتكلم معه، فإذا أخذ منه شيئا كان يفرقه على ذوى الحاجات. وكانت عادته أنه إذا ظهر أمر مما قدره الله تعالى من الخير والشركان قبل وقوعه يلبس شيئا يناسب ذلك الأمر وكان يعرف بالشيخ الحبشى، وكثيرا ما كان يمشى فى الأسواق وعلى رأسه كلوتاه كشف.
قال: ورأيته فى ذلك اليوم حين وقع السيل جالسا خلف دهليز السلطان، ثم مشى ومشيت معه إلى قريب المطبخ السلطانى، فجلس فى مكان يرمى فيه العظام التى تفضل من السماط، فصار يأخذ العظم ويمشمشه. ثم ينظر إلى السماء ويهز رأسه ويقول: والله قربوا وأشار بيده إلى السماء، ثم أشار إلينا وقال:
أبصروا أبصروا وقد جاءوا، فنظرنا إلى السماء، ولا ترى السماء فكانها قد سترت بالغمام من الجراد، فاستد ما بين السماء والأرض،
(1)
حتى اشتغل بالنظر إلى ذلك جميع الناس، ووقع الصياح فى الوطاق، وخرج السلطان وسائر الأمراء من الخيم ينظرون إليه، ويتعجبون من ذلك ومن كثرته.
فحكى شخص هناك أنه لما كان صغير السن شاهد فى بلاد الخطا جرادا مثل هذا، وإنه كان هناك رجل كبير السن أخبر أن هذا الجراد ما دخل على مكان فيه عسكر إلا وقد طرقهم أعداؤهم، ويحصل بذلك خذلان وينتصر أعداؤهم
(1)
«جراد سد الأفق - السلوك ج 1 ص 885.
عليهم، فاشتاع ذلك الكلام بين العسكر [186] فلم يبق أحد إلا وقد جزم بحضور العدو، وأن المسلمين ينخذلون وهذه إشارته قد لاحت.
ثم شرعت الأمراء فى تسفير البريدية إلى نائب حلب ليطالعهم بالأخبار، ثم اجتمعت آراؤهم على الرحيل إلى دمشق، فاجتمعت جماعة من مقدمى الحلقة وجندها إلى الأمير جمال الدين قتال السبع وأكابر الأمراء وعرفوهم ضعف حال الجند وقلة نفقتهم، وأن هذا السيل قد أضر ببعضهم وأخذ أموالهم، فاتفقت الأمراء على الكلام مع الأمير بيبرس والأمير سلار فى أمرهم، فلما اجتمعوا عرفوهم ضرر الجند وشكواهم فقالوا: حتى نصل إلى دمشق وننفق فيهم، ورسموا بالرحيل من يومهم.
وفيها: اتفق بزلار المنصورى وأقوام من أصحاب الأمير سيف الدين قفجق الذين تسحبوا معه وهم تبديه وغيره على الخروج من بلاد التتار والهرب إلى هذه الديار، وساروا ليلا، فاطلع عليهم التتار فساقوا خلفهم فأدركوهم بحدود بلد الأكراد فاتقعوا معهم، فقتل بوزلار
(1)
وعلى بن اسنبغا وغيرهما، ومسكوا تبديه وجماعة آخرين معه، وأحضروهم إلى الأرد، فتلطف بهم الأمير سيف الدين قفجق، فخلصوا.
وكان سيف الدين قفجق هذا مسموع الكلام عند قازان وذلك لأنه لما حضر عنده أعطى له همدون فلم يأخذها وقال: ليس لى قصد سوى خدمة القان، فأعجبه ذلك، وذكر أنه وجد أباه وإخوته سلاحدارية عند قازان واستمروا عنده إلى حين دخولهم الشام صحبة قازان.
(1)
هكذا بالأصل.
وفيها: تجهز يوسف بن يعقوب صاحب مراكش لقصد تلمسان وبها صاحبها عثمان يغمراسن، فسار إليها وشدد حصارها، وكانت من أحصن المدن قد حصنها يغمراسن وولده عثمان من العدد والذخائر والغلال والحواصل، فلما رأى يوسف بن يعقوب عسر مرامها وشدة امتناعها بنى عليها مدينة من غربيها، وبنت كل قبيلة من قبائل بنى مرين حواليها ربضا فصارت فى الوسط، وخندقوا عليها وأحاطوا بها، وسوروا عليها سورا، وقطعوا عنها المواد والمير والأقوات، وهلك أكثر أهلها جوعا، ومات منها خلق لا يحصى.
وفيها: كان النيل ستة عشر ذراعا وثمان أصابع، وتوقف توقفا شديدا حتى أعان الله ووفى
(1)
.
وفيه: حج بالناس عز الدين أيبك الخزندار، وهو أمير جندار، ومن الشام الأمير شمس الدين العينتابى.
(1)
«أمر النيل - فى هذه السنة - الماء القديم خمس أذرع وأصابع، مبلغ الزيادة: سبع عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 189.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الشيخ نظام الدين أحمد
(1)
بن الشيخ جمال الدين محمود بن أحمد بن عبد السلام الحصيرى
(2)
الحنفى، مدرس النورية
(3)
.
توفى فى ثامن المحرم منها، ودفن يوم الجمعة تاسعة بمقابر الصوفية،
(4)
كان مفتيا فاضلا، وناب فى الحكم فى وقت عن قاضى القضاة حسام الدين، ودرس بالنورية بعد أبيه، ودرس بعده بها الشيخ شمس الدين ابن الصدر سليمان
(5)
فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من محرم.
الشيخ الإمام العالم الزاهد جمال الدين أبو
(6)
عبد الله محمد
(7)
بن بن سليمان بن
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 210 رقم 309، الوافى ج 8 ص 165 رقم 3587، البداية والنهاية ج 14 ص 4، شذرات الذهب ج 5 ص 441، النجوم الزاهرة ج 8 ص 182، العبر ج 5 ص 387.
وورد فى الوافى أن صاحب الترجمة توفى سنة 616 هـ، ورجح المحقق أن الصفدى أخطأ وذكر تاريخ ميلاده على أنه تاريخ وفاته.
(2)
«الحصرى» فى البداية والنهاية، «ابن الحصير» فى شذرات الذهب.
(3)
المدرسة النورية بدمشق: أنشاها الملك العادل نور الدين محمود زنكى سنة 563 هـ/ 1167 م - الدارس ج 1 ص 606.
(4)
«مقابر الصوفية بدمشق» - النجوم الزاهرة.
(5)
هو محمد بن سليمان بن وهيب الحنفى الدمشقى، المتوفى سنة 699 هـ/ 1299 م - المنهل الصافى.
(6)
«أبو» ساقط من البداية والنهاية ج 14 ص 4.
(7)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 205 ب، درة -
الحسن بن الحسين البلخى المقدسى الحنفى، [المعروف بابن النقيب
(1)
].
مولده فى نصف شعبان سنة إحدى عشرة وستمائة بالقدس، واشتغل بالقاهرة، وأقام مدة بجامع الأزهر، ودرس فى بعض المدارس [187] هناك، ثم انتقل إلى القدس الشريف فاستوطنه حتى مات فى المحرم منها، كان فاضلا فى التفسير، له فيه مصنف حافل كبير جمع فيه خمسين مصنفا من التفاسير، وكان الناس يقصدونه للزيارة بالقدس ويتبركون بدعائه.
الشيخ أبو يعقوب
(2)
المغربى المقيم بالقدس الشريف.
كان الناس يجتمعون به وهو منقطع بالمسجد الأقصى، وكان ابن تيمية يقول فيه أنه على طريقة ابن عربى وابن سبعين، وكانت وفاته فى المحرم منها.
القاضى شهاب الدين يوسف
(3)
بن الصاحب محيى الدين بن النحاس، أحد رؤساء الحنفية، ومدرس الريحانية والظاهرية.
(7)
- الأسلاك ص 144، الوافى ج 3 ص 136 رقم 1076، البداية والنهاية ج 14 ص 4، السلوك ج 1 881، فوات الوفيات ج 2 ص 430 رقم 415، العبر ج 5 ص 389، شذرات الذهب ج 5 ص 442، تذكرة النبيه ج 1 ص 215.
(1)
[] إضافة من المنهل الصافى، وتذكرة النبيه.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 5.
(3)
وهو يوسف بن محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن هبة الله سالم بن طارق النحاس بن الأسدى الحلبى، شهاب الدين بن الصاحب محى الدين.
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى وفيه «جمال الدين» ، البداية والنهاية ج 14 ص 5، السلوك ج 1 ص 882.
وانظر وفاة والده فى وفيات سنة 695 هـ فيما سبق.
وقد ولى نظر الخزانة والجامع فى وقت، وكان صدرا كبيرا كافيا، توفى ببستانه بالمزة فى الثالث عشر من ذى الحجة، ودرس بعده بالريحانية القاضى جلال الدين بن حسام الدين.
الصاحب الكبير الصدر الوزير تقى الدين توبة
(1)
بن على بن مهاجر بن شجاع ابن توبة الربعى التكريتى
(2)
.
ولد سنة عشرين وستمائة يوم عرفه بعرفه، وتنقل فى الخدم إلى أن وزّر بدمشق مرات عديدة
(3)
حتى كانت وفاته ليلة الخميس الثامن من جمادى الآخرة، وصلى عليه غدوه بالجامع وسوق الخيل، ودفن بتربته تجاه دار الحديث الأشرفية بالسفح، وكان فى مبدأ أمره تاجرا يتردد من بغداد إلى بلاد الروم ودياربكر والجزيرة، فلما أخذ التتار بغداد قدم إلى دمشق واستوطنها، وضمن الوكالة فى الأيام الظاهرية، وبقى على ذلك إلى أوائل الدولة المنصورية، وكان قد خدم الملك المنصور قلاون فى الدولة الظاهرية والسعيدية وأقرضه ستين ألف درهم بلا فائدة، فلما تولى السلطنة حل عنه الضمان وأطلق له ما كان عليه مكسورا، وكان يقارب مائة ألف درهم، ورسم له بمباشرة الخزانة بدمشق أولا، ثم رتبه
(1)
وله أيضا ترجمة فى، درة الأسلاك ص 145، المنهل الصافى ج 4 ص 179 رقم 802 الوافى ج 10 ص 438 رقم 4930، النجوم الزاهرة ج 8 ص 185، فوات الوفيات ج 1 ص 261 رقم 90، السلوك ج 1 ص 881، شذرات الذهب ج 5 ص 451، العبر ج 5 ص 387، البداية والنهاية ج 14 ص 5، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 60 رقم 90، تذكرة النبيه ج 1 ص 217.
(2)
نسبة إلى تكريت: بلدة من بغداد والموصل - معجم البلدان.
(3)
«ولى الوزر بدمشق لخمسة سلاطين» النجوم الزاهرة، وانظر ما يلى.
بعد ذلك وزيرا بالشام، وتوزر لخمس ملوك: المنصور، والأشرف، والعادل كتبغا، والمنصور لاجين، والناصر محمد، وكان من أرباب المروءات والمكارم، وحسن الأخلاق والمداراة، والهمة العالية.
الصدر الكبير الرئيس الصاحب أمين الدين أبو الغنائم سالم
(1)
بن محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صرصرى
(2)
التغلبى.
كان أسن من أخيه نجم الدين بن صرصرى، وقد سمع الحديث وأسمعه، وكان صدرا معظما، ولى نظر الدواوين ونظر الخزانة، ثم ترك المناصب وحج وجاور بمكة، وقدم إلى الشام فأقام بها دون السنة، وكانت وفاته يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذى الحجة، ودفن بتربتهم بالسفح.
القاضى جلال الدين
(3)
عثمان بن أبى بكر بن محمد النهاوندى.
قاضى صفد وأعمالها، وكان قاضيها منذ فتحها الملك الظاهر،
(4)
وكان شكلا حسنا مهيبا، مات فى هذه السنة.
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 15 ص 9 رقم 121، البداية والنهاية ج 14 ص 5، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 83 رقم 123، السلوك ج 1 ص 882.
(2)
«صصرى» فى البداية والنهاية، والوافى.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: تذكرة النبيه ج 1 ص 216.
(4)
فتح الملك الظاهر بيبرس صفد سنة 664 هـ/ 1265 م - انظر ما سبق بالجزء الأول من هذا الكتاب ص 421 - 422.
الصدر الكبير الرئيس زين الدين
(1)
محمد بن أحمد بن محمود العقيلى القلانسى.
مات فى هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون، وكان شيخا حسنا من الكتاب المتصرفين العقلاء، وهو والد الشيخ جلال الدين، والشيخ عز الدين
(2)
المحتسب بدمشق وناظر الخزانة.
الشيخ الإمام العلامة حجة العرب بهاء الدين
(3)
محمد بن إبراهيم، المعروف بابن النحاس الحلبى النحوى.
مات بالقاهرة،
(4)
ودفن بالقرافة بالقرب من تربة الملك العادل [188] زين الدين كتبغا، ومولده فى سنة سبع وعشرين وستمائة بحلب، وانتقل منها إلى القاهرة واستوطنها، ومات فى جمادى الأولى منها، كان إماما فى العربية يشار إليه فى عصره، وكان عنده مروءة وحسن خلق وكرم نفس، وله نظم كثير، فمنه قوله:
(1)
وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 2 ص 141 رقم 495.
(2)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود، عز الدين بن القلانسى، المتوفى سنة 736 هـ/ 1336 م - الوافى ج 2 ص 149 رقم 511.
(3)
هو محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبى نصر بن النحاس الحلبى الشافعى، بهاء الدين.
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 144، الوافى ج 2 ص 10 رقم 265، السلوك ج 1 ص 881، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 143 رقم 231، شذرات الذهب ج 5 ص 442، تذكرة النبيه ج 1 ص 217 - 218، العبر ج 5 ص 389، النجوم الزاهرة ج 8 ص 183، فوات الوفيات ج 3 ص 294 رقم 429.
(4)
«يوم الثلاثاء سابع جمادى الأولى» - النجوم الزاهرة.
إنى تركت لذى الورى دنياهم
…
وظللت أنتظر الممات وأرقب
وقطعت فى الدنيا العلائق ليس لى
…
ولد يموت ولا عقار يخرب
وله فى مليح مشروط:
قلت لما شرطوه وجرى
…
دمه القانى على الخدّ اليقق
غير بدع ما أتوا فى فعلهم
(1)
…
هو بدر ستروه بالشّفق
وقال: اجتمعت أنا والشيخ شهاب الدين مسعود السنبلى والضياء المناوى، فأنشد كل بيتين من شعره، فكان الذى أنشده السنبلى قوله فى مليح مكارى:
علقته مكاريا
…
شرّد عن عينى الكرى
كأنه البدر فما
(2)
…
يملّ من طول السّرى
وقال الضياء المناوى:
أفدى الذى يكبت بدر الدّجى
…
لحسنه الباهر من عبده
سموّه جمريّا وما أنصفوا
…
ما فيه جمرىّ سوى خدّه
وأنشد الشيخ بهاء الدين البيتين اللذين أنشدهما فى المليح المشروط.
وقال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: كنت أنا والشيخ بهاء الدين بن النحاس نتمشى بالليل بين القصرين فرأينا صبيا مليحا يسمى جمال وهو مصارع، فقال الشيخ شهاب الدين: تعال حتى ننظم فى هذا المصارع: فنظم الشيخ بهاء الدين فيه:
(1)
«ليس بدعا ما أتوا فى فعله» فى الوافى ج 2 ص 15.
(2)
«قد أشبه البدر فلا» فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 184.
مصارع تصرع الآساد سمرته
…
تيها فكلّ مليح دونه همج
لما غدا راجحا فى الحسن قلت لهم
…
عن حسنه حدّثوا عنه ولا حرج
ونظم الشيخ أثير الدين:
سبانى جمال من مليح مصارع
…
عليه دليل للملاحة واضح
لئن عزّ منه المثل فالكلّ دونه
…
وإن خفّ منه الخصر فالردف راجح
قال الشيخ أثير الدين وسمع شهاب الدين العزازى بنظمنا فنظم:
هل حكم ينصفنى من هوى
(1)
…
مصارع يصرع أسد الشّرى
[مذ فر منى الصبر فى حبه
…
حكى عليه مدمعى ما جرى]
(2)
أباح قتلى فى الهوى عامدا
…
وصاح كم
(3)
من عاشق فى الورى
رميته فى أسرحبى ومن أج
…
فان عينيه أخذت الكرى
الشيخ جمال الدين أبو الدر ياقوت
(4)
بن عبد الله المستعصمى الكاتب ببغداد.
(1)
«فى هوى» فى الوافى ج 2 ص 14.
(2)
[] إضافة من الوافى، وفوات الوفيات ج 3 ص 295.
(3)
«وقال لى» فى الوافى.
«وقال كم» فى فوات الوفيات.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 145، فوات الوفيات ج 4 ص 263 رقم 567، البداية والنهاية ج 14 ص 6، شذرات الذهب ج 5 ص 443، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 175 رقم 291، العبر ج 5 ص 390، النجوم الزاهرة ج 8 ص 187، تذكرة النبيه ج 1 ص 219.
مات فى هذه السنة، وكان يكتب على طريقة ابن البواب، وهو من المشهورين فى الكتابة والفضيلة والنظم وغير ذلك، وأصله رومى من مماليك الإمام المستعصم، كتب عليه خلق من الأكابر والكتاب.
ومن نظمه ما ذكره علم الدين البرزالى، قال أنشدنى أبو شامة، قال أنشدنى ياقوت المستعصمى لنفسه:
تجدّد الشمس شوقى كلّما طلعت
…
إلى محيّاك يا شمسى ويا قمرى
(1)
[189]
وأسهر الليل
(2)
…
ذا أنس بوحشته
إذ طيّب ذكرك فى ظلمائه سمرى
(3)
وكل يوم مضى
(4)
…
لى لا أراك به
فلست محتسبا ماضيه من عمرى
ليلى نهار
(5)
…
إذا ما درت فى خلدى
لأن ذكرك نور القلب والبصر
وله:
يا خليلى والمنى كاذبة
…
والليالى شأنها ان تسلبا
قم بنا ما قعدت حادثة
…
نقض من حق الصبا ما وجبا
نعص من لام على دين الهوى
…
هذه سنّة أيام الصّبا
(1)
«يا سمعى ويا بصرى» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 219 وفى البداية والنهاية ج 14 ص 6، والنجوم الزاهرة ج 8 ص 188.
(2)
«وأسمر» فى درة الأسلاك ص 145.
(3)
«فى أنفاسه سمرى» فى درة الأسلاك.
وأسهر الليل فى أنس بلا ونس
…
إذ طيب ذكراك فى ظلماته يسرى
فى البداية والنهاية.
(4)
«وكل يوم مشى» - تالى كتاب وفيات الأعيان ص 175.
(5)
«نهارى» فى النجوم الزاهرة.
وقال:
رعى الله أياما تقضت بقربكم
…
قصارا وحيّاها الحيا وسقاها
فما قلت إيه بعدها لمسامر
…
من الناس إلاّ قلبى أها
وقال:
وعدت أن تزور ليلا فألوت
…
وأتت فى النهار
(1)
تسحب ذيلا
قلت هلاّ صدقت فى الوعد قالت
…
هل توهّمت أن ترى الشّمس ليلا
الشيخ شرف الدين أبو محمد جعفر
(2)
بن على بن جعفر بن الحسن بن إبراهيم ابن على بن النفيس بن يونس الموصلى المقرئ، المعروف بأبى الحسن البصرى لأن جده الحسن من البصرة.
مات بدمشق فى العشرين من جمادى الأولى، ودفن بمقابر الصوفية، ومولده فى السادس عشر من ذى القعدة سنة أربع وستمائة، ذكر أنه سمع على الشيخ شهاب الدين السهروردى كتاب عوارف المعارف بالموصل، وسمع بدمشق من ابن الزبيدى، وبمصر من ابن الجميزى، وبالإسكندرية من ابن رواح، وكان شيخا حسنا صالحا، يحفظ كثيرا من الأخبار والأشعار.
كتب عنه الحافظ أبو محمد الدمياطى فى معجمه قال: أنشدنا جعفر بن على بدمشق قال: أنشدنى أخى أبو محمد عبد العزيز بن على بن جعفر الفقيه الحنفى لنفسه:
(1)
«بالنهار» فى فوات الوفيات ج 4 ص 264.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 4 ص 268 رقم 845، الوافى ج 11 ص 117 رقم 198.
حدّث عن الوجد لا شطّت بك الدار
…
واسمع فنون غرامى فهى اسمار
واستمل منى غريب الحبّ إن له
…
عندى حديثا يقضى منه أوطار
كم ليلة بتّ والأشواق تمزج لى
…
كأس الغمام ولى بالفكر سمّار
والدمع والوجد والواشى ومصطبرى
…
واف ونام ونمام وغدّار
إن اخلف البرق من لألاء غرتّه
…
أو غرنى فى الهوى فالنجم غرّار
أو ملّ سكناه فى قلبى وفى بصرى
…
فالقلب والطرف نيران وتيار
ذنوبه كلها بالعدل قد كتبت
…
فالوجد يمحو وفرط الحبّ عقاّر
وإن خبر الهجر والإعراض عن ملل
…
قامت له بالهوى العذرىّ أعذار
الشيخ الفاضل الإمام بدر الدين يونس
(1)
بن إبراهيم بن سليمان الصرخدى الحنفى.
مات بصرخد
(2)
، ومولده فى سنة أربع عشرة وستمائة، كان فاضلا أديبا، مليح الشعر، شريف النفس، عارفا بالنحو واللغة.
كتب عنه ابن الخباز قطعة من شعره منها:
ظمئت إلى سلسال حسنك مقلة
…
رويت محاجرها من العبرات
تشتاق روضا من جمالك طالما
…
سرحت به وجنت من الوجنات
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، وفيه أن صاحب الترجمة توفى سنة 697 هـ درة، الأسلاك ص 145، بغية الوعاة ج 2 ص 365 رقم 2205، تذكرة النبيه ج 1 ص 216.
(2)
صرخد: بلد قرب حوران من أعمال دمشق - معجم البلدان.
[190]
حجبوك عن عينى وما حجبوك عن
…
قلبى ولا منعوك من خطراتى
هل ينقضى أمر البعاد ونلتقى
…
بلوى المحصّب
(1)
أو على عرفات
ويضمّنا بعد البعاد منازل
…
بالخيف أو منى على الجمرات
وأفيق من ولهى عليك وينقضى
(2)
…
شوقى إليك وتنطفى جمرات
(3)
الملك الأوحد نجم الدين يوسف
(4)
ابن الملك الناصر داود بن المعظم، ناظر القدس الشريف.
توفى ليلة الثلاثاء الرابع من ذى الحجة، ودفن برباطه عند باب حظة من سبعين سنة،
(5)
وكان من خيار أبناء الملوك دينا وفضيلة، وإحسانا إلى الضعفاء، وروى عنه الحافظ شرف الدمياطى فى معجمه، وكتب عنه حديثا واحدا.
الأمير شمس الدين بيسرى،
(6)
من أكابر الأمراء المتقدمين فى الخدمة فى زمن المنصور وهلم جرّا.
(1)
المحصب: موضع فيما بين مكّة ومنى - معجم البلدان.
(2)
«وينتهى» فى تذكرة النبيه.
(3)
انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 217.
(4)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 143، البداية والنهاية ج 14، ص 5، النجوم الزاهرة ج 8 ص 189، السلوك ج 1 ص 881، شذرات الذهب ج 5 ص 443 تذكرة النبيه ج 1 ص 218، العبر ج 5 ص 390.
(5)
«مولده سنة ثمان وعشرين وستمائة بقلعة الكرك» - تذكرة النبيه.
(6)
هو بيسرى بن عبد الله الشمسى، الصالحى، الأمير بدر الدين.
وله أيضا ترجمة فى، المنهل الصافى ج 3 ص 50 رقم 741، زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 205 ب، درة الأسلاك ص 144 الوافى ج 10 ص 364 رقم 4859، النجوم الزاهرة ج 8 -
توفى بالسجن بقلعة القاهرة فى التاسع عشر من شوال منها، وما قبض إلا خوفا منه لكبره وموقعه فى نفوس الناس، وكان كريما، كان عليه فى أيام إمرته رواتب لجماعة من مماليكه وأولادهم، وكان رتب لبعضهم فى اليوم من اللحم سبعين رطلا
(1)
وما يحتاج إليه من التوابل والحطب، وسبعين عليقة،
(2)
ولأقلهم خمسة أرطال وخمس علائق، ولبعضهم عشرة، ولبعضهم عشرين، وبلغ ما يحتاج إليه فى كل يوم لسماطه ودوره والمرتب عليه ثلاثة آلاف رطل لحم، وثلاثة آلاف عليقة كل يوم، وكانت صدقته على الفقير ألفا أو خمسمائة،
(3)
ولا يعطى أقل من ذلك، وكان إنعامه ألف أردب غلّة، وألف قنطار عسل، وألف دينار، وكان الملك الظاهر يقول عنه: هذا ابن ملكنا فى بلادنا، وكان يعظمه، وما بدا منه شئ قط، وكان يحمل الجتر على رءوس الملوك من زمان الظاهر إلى حين وفاته.
وكان عمر داره المعروفة ببين القصرين
(4)
فى أيام الظاهر، وتجاوز الحد فى عمارتها فى كثرة المصروف من الذهب، وكان فى تلك الأيام لا يعرف لأحد من الأمراء عمارة مع كبرهم وسعادتهم، فلامه الظاهر على ذلك وقال له:
(6)
- ص 185، السلوك ج 1 ص 880، البداية والنهاية ج 14 ص؟؟؟، تذكرة النبيه ج 1 ص 214، العبر ج 5 ص 387، المواعظ والاعتبار ج 2 ص 69 - 70.
(1)
«مائة رطل من اللحم» فى المواعظ والاعتبار.
(2)
«ستين عليقة» فى المواعظ والاعتبار.
(3)
«ألف درهم وخمسمائة درهم» فى السلوك ج 1 ص 880.
(4)
هى الدار البيسرية: المواعظ والاعتبار ج 2 ص 69 وما بعدها، وانظر أيضا النجوم الزاهرة ج 8 ص 186 هامش (1) حيث يوجد تحديد لموضع هذه الدار.
أصرفت مالك جميعه فى عمرة دارك وما خليت للبيكار
(1)
. فقال: خليت للبيكار صدقات مولانا السلطان، والله يا خوند
(2)
ما عمرت هذه الدار حتى سمع بها من بلاد العدو. ويقال: إن بعض مماليك السلطان عمر دارا غرم عليها أموالا عظيمة، فرسم له بألفى دينار
(3)
إعانة له.
ولم يعرف أنه شرب من كوز مرتين، وكان من أحسن الأشكال والفرسان المشهورين، وتوفى وعليه ديون كثيرة، وفيت عنه بعد وفاته، رحمه الله.
الأمير عز الدين أيدمر الجناحى.
مات بحلب وكان مع العسكر المجردين، وكان يتهم بذهب كثير، فلم يظهر له خير. وقال أستاذ الدار وكاتبه: كنا نعرف له صندوقين فيهما ذهب وجواهر، ولما كان ساكنا بالصالحية أودعهما عند أولاد الحافظ عبد الغنى
(4)
ولم نعلم لهما خبرا، فأحضر أولاد الحافظ عبد الغنى وجماعة معهم بهذا السبب، فظهر أن الأمير عز الدين قد أخذ الصندوقين منهم وأودعهما عند فخر الدين العزازى التاجر بقيسارية الشرب، ولم يطلع على ذلك غير الأمير [191] وخزنداره، وكان قال لخزنداره إكترلنا جملا ممن لا نعرف، وقم نصف الليل، وحمل الصندوقين على الجمل وامض بهما إلى فخر الدين العزازى، ففعل الخزندار ذلك وقال له: هذه
(1)
«أى شئ خليت للغزاة والترك؟» - المواعظ والاعتبار.
(2)
والله يا خوند ما بنيت هذه الدار إلا حتى يصل خبرها إلى بلاد العدو» - المواعظ والاعتبار.
(3)
«وأنعم عليه بألف دينار عنبا» - المواعظ والاعتبار.
(4)
هو عبد الغنى بن عبد الواحد بن مسرور، تقى الدين أبو محمد المقدسى الجماعيلى الحنبلى، المتوفى سنة 600 هـ/ 1203 م - العبر ج 4 ص 313.
وديعة الأمير عندك إلى أن يعود من التجريدة، ثم مات الأمير وخزنداره.
وقيل: إنه سقى سما.
ولما رأى فخر الدين أن أولاد الحافظ عبد الغنى وجماعة آخرين قد اتهموا بهذا وهم بريئون، نهض واجتمع بالأمير سيف الدين جاغان - وهو يومئذ شادّ الدواوين - وأخبره أن عنده صندوقين وديعة الأمير عز الدين أيدمر الجناحى الذى توفى بحلب، فقال له جاغان: جزاك الله خيرا أين الصندوقان؟ قال:
عندى، فجهز معه العدول ووكيل بيت المال وحملوهما، فكان فيهما من الذهب العين المصرى ثلاثة وثلاثون ألف دينار وحلى وحوائص وكلوتات وكمرانات أكثر من ثلاثين ألف دينار، فعظم فخر الدين فى أعين الناس بذلك الأمر.
الأمير شمس الدين كرتيه
(1)
.
مات فى هذه السنة بغزة، ودفن بها، وكان أميرا كبيرا، شجاعا مقداما، تترى الجنس.
الأمير بدر الدين
(2)
الدوادارى يعرف بالمغربى، كان أصله من المغرب، وعمل دوادارا للسلطان لاجين، وكان على عمارة جامع أحمد بن طولون، وكانت له معرفة وخبرة، ومن غريب ما اتفق له أن كاتب السر القاضى شرف الدين ابن فضل الله كان قد مرض وانقطع أياما؛ فأمر السلطان للدوادارى هذا أن ينزل إليه ويسلم عليه من جهة السلطان، فنزل إليه فوجده على غاية ما يكون من الضعف،
(1)
ورد اسمه «أقسنقر كرتيه» فى السلوك ج 1 ص 881.
وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة - مخطوط ج 9 ورقة 205 ب.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 881.
فرجع إلى السلطان. فقال له السلطان: ما رأيت من حاله؟ فقال يا خوند:
ابصر كاتب سر
(1)
غيره فإنه ما يجى منه شئ، وبعد سبعة أيام توفى الدوادارى وطلع كاتب السر وسلم على السلطان وعزاه فى الدوادارى، فتعجب السلطان من أمره وقال: لا إله إلا الله كان الدوادارى يريد
(2)
أن يعزينا فى كاتب السر، فعزانا كاتب السر فيه.
الأمير بهاء الدين قرا أرسلان
(3)
المنصورى.
مات بدمشق فى هذه السنة، وكان من أكابر الأمراء المنصورية، ولما مسك سيف الدين جاغان بدمشق مع من مسك من الأمراء، لما قتل السلطان لاجين ركب قرا أرسلان هذا فى موكب النيابة والعصابة على رأسه، وحكم وكتب على القصص، وسولت نفسه أن يكون نائبا مستقلا، وأن الأمراء لا يستكثرون نيابة دمشق عليه لأنه كان يدعى أنه أحق من بيبرس وأقوش الأفرم والبرجية، ولم تطل مدته، وتوفى
(4)
بقولنج أصابه.
الأمير سيف الدين تمربغا
(5)
.
مات فى هذه السنة، بطرابلس، وكان من الصور المبدعة فى الحسن والجمال، وكان السلطان لاجين من الناظرين إليه، فحسده منكوتمر على ذلك واختار
(1)
«كاتب السر» فى الأصل.
(2)
«ظن الدوادار» فى السلوك ج 1 ص 882.
(3)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، السلوك ج 1 ص 881.
(4)
«فى ثانى جمادى الأولى» - السلوك.
(5)
وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 882.
بعده عنه، فسيره صحبة الملك الناصر إلى الكرك، ثم نقله من بعد ذلك إلى طرابلس فتوفى بها
(1)
.
وقال صاحب النزهة: كان فى الكرم والفتوة والمكارم السنية على جانب عظيم، وكان يميل إلى اللهو والطرب، مولعا بالشراب.
قال: والذى شاهدت من كرمه [192] أن السلطان أنعم عليه ليلة سفره بألف دينار، فحضرت مجلسه تلك الليلة فرأيته مغمرا بالطيّب، والبليبل شاعر السلطان ومغنّيه جالس عنده، فصار يغنى والذهب مسكوب بين يديه، فشرع يفرقه على من حضر فى مجلسه هذا، فأعطى المغنى المذكور ورفقته أكثر من غيرهم، وكان له بابا يخدمه من قديم الزمان، فقال له: أنت قد كبرت ولا تقدر تجئ معنا، فأعطى له ثلاثماثة دينار.
قال: وأعطانى تسعين دينارا، رحمه الله.
الأمير جمال الدين أقوش
(2)
المغيثى، نائب البيرة
(3)
.
توفى فى هذه السنة، وكان كبير القدر، فارسا، شجاعا مقداما، أقام فى البيرة نائبا نحو أربعين سنة.
(1)
«وله مسجد بالقرب من الميدان التحتانى بين القاهرة ومصر» - السلوك ج 1 ص 882.
(2)
وله أيضا ترجمة فى: نهاية الأرب - مخطوط ج 29 ورقة 111، السلوك ج 1 ص 879، تذكرة النبيه ج 1 ص 216.
(3)
البيرة: بين حلب والثغور الرومية - معجم البلدان.
الملك المظفر تقى الدين محمود
(1)
بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة، وابن ملوكها كابرا عن كابر.
توفى يوم الخميس الحادى والعشرين من ذى القعدة منها ودفن ليلة الجمعة، وكانت مدّة ملكه خمسة عشر سنة وشهرا واحدا ويوما واحدا، وانقطع ملك بنى أيوب من حماة بموته، وتولاها بعده قراسنقر المنصورى
(2)
إلى أن ردت إليهم فى سلطنة الناصر الثالثة.
نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الأفضل على بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، مات بدمشق فى الرابع عشر من ذى الحجة منها.
وممن توفى فى هذه السنة بحلب وغيرها
(3)
: الأمير سيف الدين البسطى، وأحمد شاه، وناصر الدين [محمد
(4)
] بن سنقر الأقرع، وعين الغزال، وبدر الدين كيكلدى بن السرية، وسيف الدين قطبية، وسيف الدين طقطية
(5)
، وقيل:
(1)
وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، نهاية الأرب - مخطوط ج 29 ورقة 110، درة الأسلاك ص 142، النجوم الزاهرة ج 8 ص 189، البداية والنهاية ج 14 ص 5، شذرات الذهب ج 5 ص 442، السلوك ج 1 ص 881، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 136 رقم 215، العبر ج 5 ص 389، تذكرة النبيه ج 1 ص 214.
(2)
هو قراسنقر بن عبد الله المنصورى، الأمير شمس الدين، المتوفى سنة 728 هـ أ 1327 م. - المنهل الصافى، الدرر ج 3 ص 330 رقم 3245.
(3)
«ومات بحلب من المجردين» - السلوك ج 1 ص 882.
(4)
[] إضافة من السلوك للتوضيح.
(5)
«طقطاى» فى السلوك ج 1 ص 882.
وله أيضا ترجمة فى: المنهل للصافى.
إن طقطيه توفى بمصر فى سمنود بلده، وذلك أنه كان قد أخذ دستورا وسافر إليها وأقام بها أياما، وأن منكوتمر سير إليه من تحيل على طباخه حتى سمه فى الطعام، فأحس بالوجع ونزل فى الحراقة وما وصل إلا وقد توفى.
وهؤلاء كانوا من أمراء الدولة الأشرفية تحيل منكوتمر على هلاكهم، بعضهم بالسم فى القمز، وبعضهم فى الطعام.
***
كشاف بأسماء الكتب الواردة فى النص
(*)
صفحة
الأحكام 284
الطبرى، أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر.
إختصار الموضوعات لابن الجوزى 92
الفزارى، عبد الرحمن بن [إبراهيم بن] سباع بن ضياء.
الباهر فى الجواهر 93
السويدى، إبراهيم بن محمد بن طرخان.
التحفة الملوكية فى الدولة التركية 10
بيبرس المنصورى، بيبرس بن عبد الله المنصورى الدوادار.
تذكرة الأطباء - تذكرة السويدى - التذكرة فى الطب.
التذكرة فى الطب 93
السويدى، إبراهيم بن محمد بن طرخان.
تشريف الأيام والعصور فى سيرة الملك المنصور 196
السروجى، عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان.
(*) يود المحقق أن يوجه الشكر إلى الأستاذ/على صالح حافظ - الباحث بمركز تحقيق التراث على ما بذله من جهد فى إعداد هذا الكشاف.
التوشيح فى شرح الهداية 137
الغزنوى، عمر بن إسحاق بن أحمد الهندى.
الحدائق والعيون - المختصر فى تاريخ البشر.
الحواشى على الهداية 137
الخبازى الخجندى، عمر بن محمد بن عمر.
الرعاية فى فروع الحنبلية 336
الحرانى، أحمد بن حمدان بن شهيب.
الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر 196
السروجى، عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان.
السامرية (أرجوزة) 370
السامرى، أحمد بن محمد بن على بن جعفر.
سيرة الملك الظاهر 196
السروجى، عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان.
شرح المقنع 323
التنوخى، المنجمى بن عثمان بن أسعد.
عوارف المعارف 481
السهروردى، عمر بن محمد بن عبد الله
القصائد النبوية 192
ابن الأعمى، على بن محمد بن المبارك بن سالم.
اللطائف 10، 12
بيبرس المنصورى، بيبرس بن عبد الله المنصورى الدوادار.
لمع السراج 331، 334
المصرى الوراق، عمر بن محمد بن الحسين.
المختصر فى تاريخ البشر 121
صاحب حماة، إسماعيل بن على بن محمد بن محمود.
المغنى فى أصول الفقه 137
الخبازى الخجندى، عمر بن محمد بن عمر.
المقامات البحرية 192
ابن الأعمى، على بن محمد بن المبارك.
المقتفى لتاريخ أبى شامة 42
البرزالى، القاسم بن محمد بن يوسف.
المقنع فى فرع الحنبلية 323
ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد.
نزهة الناظر فى سيرة الملك الناصر 29
اليوسفى، موسى بن محمد بن يحيى.
الهداية 137
المرغينيانى، على بن أبى بكر.
***
مختصرات مصادر ومراجع التحقيق
تحتوى القائمة التالية على أسماء المصادر والمراجع الإضافية ومختصراتها التى استلزمها تحقيق هذا القسم من كتاب عقد الجمان لبدر الدين العينى
(1)
.
(1)
القرآن الكريم.
(2)
الإستقصا - السلاوى (أحمد بن خالد الناصرى ت 1315 هـ/ 1897 م):
- الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - 9 أجزاء - الدار البيضاء 1954.
(3)
أعلام النبلاء - ابن هاشم الطباخ الحلبى (محمد راغب بن محمود):
- أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، 7 أجزاء - حلب 1923.
(4)
إعلام الورى - ابن طولون (محمد بن على الصالحى الدمشقى ت 953 هـ/ 1546 م):
- إعلام الورى بمن ولى نائبا من الأتراك بدمشق الشام الكبرى.
تحقيق د. عبد العظيم حامد خطاب، القاهرة 1973
(1)
تخفيفا لهوامش التحقيق استخدمنا مختصرات فى الإشارة إلى غالبية المصادر والمراجع، وفى هذه القائمة أثبتنا المختصرات - كما وردت فى الهوامش - مرتبة ترتيبا أبجديا، وأمام كل مختصر اسم المصدر أو المرجع بالكامل.
(5) أعيان العصر - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين ت 764 هـ/ 1363 م):
- أعيان العصر وأعوان النصر - مخطوط مصوّر بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة.
(6)
الألقاب الإسلامية - د. حسن الباشا:
- الألقاب الإسلامية - القاهرة 1957 م.
(7)
الإنتصار - ابن دقماق (إبراهيم بن محمد ت 809 هـ/ 1406 م):
- الإنتصار لواسطة عقد الأمصار، نشر فولرز، بولاق 1309 هـ/ 1893 م.
(8)
الأوقاف والحياة الإجتماعية - د. محمد محمد أمين:
- الأوقاف والحياة الإجتماعية فى مصر فى عصر سلاطين المماليك.
دار النهضة العربية، القاهرة 1980.
(9)
الإيضاح والتبيان - ابن الرفعة الأنصارى (أبو العباس نجم الدين ت 910 هـ/ 1310 م):
- الإيضاح والتبيان فى معرفة الكيل والميزان.
تحقيق د. محمد أحمد إسماعيل الخاروف
من منشورات مركز البحث العلمى، جامعة أم القرى - دمشق 1980.
(10) بدائع الزهور - ابن إياس (محمد بن أحمد الحنفى، ت 930 هـ/ 1524 م.
- بدائع الزهور فى وقائع الدهور.
نشر وتحقيق محمد مصطفى - 5 أجزاء - القاهرة 1961 - 1965.
(11)
البداية والنهاية - ابن كثير (إسماعيل بن عمرت 774 هـ/ 1373 م):
- البداية والنهاية، 14 جزء - بيروت 1966 م.
(12)
البدر الطالع - الشوكانى (محمد بن على بن محمد ت 1255 هـ/ 1834 م).
- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع
جزءان، القاهرة 1348 هـ/ 1929 م.
(13)
بغية الوعاة - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد ت 911 هـ/ 1505 م):
- بغية الوعاة فى طبقات النحاة - جزءان القاهرة 1964.
(14)
تاريخ الخلفاء - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر ت 911 هـ/ 1505 م):
- تاريخ الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الله - القاهرة 1351 هـ.
(15) تاريخ الدول الإسلامية - د. أحمد السعيد سليمان:
- تاريخ الدول الإسلامية ومعجم الأسرات الحاكمة، جزءان، دار المعارف بالقاهرة 1969.
(16)
تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية - الزركشى (محمد بن إبراهيم القرن 9 هـ/ 15 م):
- تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية - تحقيق محمد ماضور - تونس 1966.
(17)
تالى كتاب وفيات الأعيان - الصقاعى (فضل الله بن أبى الفخر ت القرن 8 هـ/ 14 م).
- تالى كتاب وفيات الأعيان، تحقيق جاكلين سويلة، المعهد الفرنسى - دمشق 1974.
(18)
التحفة السنية - ابن الجيعان (شرف الدين يحيى بن شاكرت 885 هـ/ 1480 م):
- التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية.
نشرة مريتز، بولاق 1296 هـ - 1898 م.
(19) التحفة اللطيفة - السخاوى (محمد بن عبد الرحمن ت 902 هـ/ 1497 م):
- التحفة اللطيفة فى تاريخ المدينة الشريفة.
3 -
أجزاء، القاهرة 1979 - 1980.
(20)
التحفة الملوكية - بيبرس المنصورى (ت 725 هـ/ 1325 م):
- التحفة الملوكية فى الدولة التركية.
تحقيق د. عبد الحميد صالح حمدان.
القاهرة 1987.
(21)
تثقيف التعريف - عبد الرحمن بن محمد التميمى الحلبى، الشهير بابن ناظر الجيش، (ت 786 هـ/ 1384 م).
- كتاب تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف تحقيق رودلف فسلى - المعهد العلمى الفرنسى للاثار الشرقية بالقاهرة - 1987.
(22)
تذكرة الحفاظ - الذهبى (محمد بن أحمد ت 748 هـ/ 1348 م):
- تذكرة الحفاظ، 4 أجزاء بيروت
1374 -
هـ/ 1954 م.
(23)
تذكرة النبيه - ابن حبيب (الحسن بن عمرت 779 هـ/ 1377 م):
- تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه.
3 -
أجزاء - تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1976 - 1982 - 1986.
(24) تقويم البلدان - أبو الفدا (إسماعيل بن على، الملك المؤيد ت 732 هـ/ 1331 م):
- تقويم البلدان، باريس 1840 م.
(25)
التكملة - المنذرى (زكى الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوى ت 656 هـ/ 1258 م):
- التكملة لوفيات النقلة
مجلد 5 - 6 تحقيق بشار عواد معروف، القاهرة 1975 - 1976.
(26)
التوفيقات الإلهامية - محمد مختار
- التوفيقات الإلهامية فى مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الأفرنكية والقبطية - مصر 1311 هـ.
(27)
الجوهر الثمين - ابن دقماق (إبراهيم بن محمد ت 809/ 1406 م):
- الجوهر الثمين فى سير الخلفاء والملوك والسلاطين تحقيق د. سعيد عبد الفتاح عاشور، ومراجعة د. السيد أحمد دراج - مركز البحث العلمى - جامعة أم القرى 1403 هـ/ 1982 م.
(28)
حسن المحاضرة - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكرت 911 هـ/ 1505 م):
- حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة جزءان، القاهرة 1967.
(29) حوادث الدهور - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):
- منتخبات من حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور، كاليفورنيا 1930 - 1943
(30)
الخطط التوفيقية - على مبارك
- الخطط التوفيقية، 20 جزء، بولاق 1306 هـ.
(31)
خطط الشام - محمد كرد على
- خطط الشام - 6 أجزاء - دمشق 1925 م.
(32)
الدارس - النعيمى (عبد القادر بن محمد ت 927 هـ/ 1521 م):
- الدارس فى تاريخ المدارس: جزءان، دمشق 1948 م.
(33)
الدرر - ابن حجر (أحمد بن على العسقلانى ت 852 هـ/ 1448 م) - الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة، 5 أجزاء، القاهرة 1966.
(34)
درة الأسلاك - ابن حبيب (الحسن بن عمرت 779 هـ/ 1377 م):
- درة الأسلاك فى دولة الأتراك، مخطوط مصور بدار الكتب المصرية رقم 6170 ح.
(35)
درة الحجال - ابن القاضى (أبو العباس أحمد بن محمد المكناسى ت 1025 هـ/ 1615 م):
- درة الحجال فى أسماء الرجال - تحقيق د. محمد الأحمدى أبو النور، 4 أجزاء، القاهرة 1970.
(36) الدليل الشافى - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):
- الدليل الشافى على المنهل الصافى.
تحقيق فهيم شلتوت، جزءان، من منشورات مركز البحث العلمى، جامعة أم القرى، القاهرة 1984.
(37)
الديباج المذهب - ابن فرحون (إبراهيم بن على، برهان الدين ت 799 هـ/ 1396 م):
- الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب - تحقيق محمد الأحمدى أبو النور - القاهرة.
(38)
ذيل مرآة الزمان - اليونينى (قطب الدين موسى بن محمد ت 726 هـ/ 1325 م):
- ذيل مرآة الزمان - 4 أجزاء - الهند 1380 هـ - 1961 م.
(39)
رحلة ابن بطوطة - ابن بطوطة (محمد بن عبد الله ت 779 هـ/ 1377 م).
- تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، القاهرة 1966.
(40)
رشيد الدين - (فضل الله الهمدانى):
- تاريخ المغول
المجلد الثانى فى جزأين ترجمه عن الفارسية محمد صادق نشأت، محمد موسى هنداوى، فؤاد عبد المعطى الصياد - القاهرة 1970
(41)
رفع الإصر - ابن حجر (أحمد بن على العسقلانى ت 852 هـ/ 1448 م):
- رفع الإصر عن قضاة مصر
جزءان، تحقيق د. حامد عبد المجيد، محمد أبو سنة - القاهرة 1957 - 1961
(42)
الروض الزاهر - ابن عبد الظاهر (محيى الدين ت 692 هـ/ 1292 م):
- الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر.
تحقيق د. عبد العزيز الخويطر، الرياض 1976.
(43)
روض القرطاس - ابن أبى زرع (على بن محمد بن أحمد ت 726 هـ/ 1325 م):
- الأنيس المطرب بروض القرطاس فى أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس - الرباط 1973 م.
(44)
زبدة الفكرة - بيبرس الدوادار (الأمير ركن الدين بن عبد الله المنصورى ت 725 هـ/ 1324 م):
- زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة الجزء التاسع - مخطوط مصور بمكتبة جامعة القاهرة رقم 24028.
(45) زبدة كشف الممالك - ابن شاهين (خليل بن شاهين الظاهرى ت 872 هـ/ 1468 م):
- زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمالك نشر بولس راويس، باريس 1894 م.
(46)
السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب - د. محمد محمد أمين.
- السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب (1240 - 1249 م) رسالة ماجستير - غير منشورة - بجامعة القاهرة 1968 م.
(47)
السلوك - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):
- كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك
ج 1 - 2 (6 أقسام) تحقيق د. محمد مصطفى زيادة، القاهرة 1934 - 1958 م.
ج 3 - 4 (6 أقسام)، تحقيق د. سعيد عبد الفتاح عاشور - القاهرة 1970 - 1972.
(48)
السفن الإسلامية - د. درويش النخيلى:
السفن الإسلامية على حروف المعجم.
الإسكندرية 1974.
(49) شذرات الذهب - ابن العماد الحنبلى (عبد الحى بن أحمد بن محمد ت 1089 - 1678 م):
- شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، 8 أجزاء، القاهرة 1350 هـ.
(50)
شفاء الغرام - الفاسى (محمد بن أحمد الحسنى المكى ت 832 هـ/ 1428 م):
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، القاهرة 1956.
(51)
صبح الأعشى - القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على بن أحمد ت 821 هـ/ 1418 م):
- صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء، 14 جزء، القاهرة 1919 - 1922 م.
(52)
الطالع السعيد - الإدفوى (أبو الفضل كمال الدين جعفر بن ثعلب ت 748 هـ/ 1347 م):
- الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، تحقيق سعد محمد حسن، القاهرة 1966.
(53)
الطبقات السنية - الدارى (تقى الدين بن عبد القادر التميمى الدارى ت 1005 هـ/ 1596 م):
- الطبقات السنية فى تراجم الحنفية. ج 1 تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، القاهرة 1970.
(54) طبقات الشافعية - السبكى (عبد الوهاب بن على ت 771/ 1370 م).
- طبقات الشافعية الكبرى، 10 أجزاء، القاهرة.
(55)
طبقات القراء - ابن الجزرى (محمد بن محمد ت 823 هـ/ 1429 م):
- غاية النهاية فى طبقات القراء، نشره ج برجستراسر، 3 أجزاء القاهرة 1351 هـ/ 1932 م.
(56)
طبقات المفسرين - الداودى (محمد بن على بن أحمد ت 945 هـ/ 1538 م):
- طبقات المفسرين، جزءان تحقيق د. على محمد عمر القاهرة 1972.
(57)
العبر - الذهبى (محمد بن أحمد ت 748/ 1348 م):
- العبر فى خبر من غبر، نشر صلاح الدين المنجد وفؤاد السيد - 5 أجزاء الكويت 1960 - 1966.
(58)
العقد الثمين - الفاسى (محمد بن أحمد الحسنى المكى ت 832 هـ/ 1428 م):
- العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين، تحقيق فؤاد السيد، 8 أجزاء، القاهرة 1959 - 1969 م.
(59)
عقد الجمان - العينى (محمود بن أحمد بن موسى، بدر الدين ت 855 هـ/ 1451 م):
- عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان.
مخطوط مصور بدار الكتب المصرية تحت رقم 1584 تاريخ.
(60)
العقود اللؤلؤية - الخزرجى (على بن الحسن الخزرجى ت 812 هـ/ 1911 م):
- العقود اللؤلؤية فى تاريخ الدولة الرسولية - جزءان - القاهرة 1329 هـ/ 1911 م.
(61)
غاية المرام - ابن فهد (عبد العزيز بن عمر بن محمد الهاشمى القرشى ت 922 هـ/ 1517 م):
- غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام - تحقيق فهيم شلتوت - مركز البحث العلمى وإحياء التراث الإسلامى - جامعة أم القرى. جزءان - مكة المكرمة 1406 - 1409 هـ/ 1986 - 1988 م.
(62)
الفنون الإسلامية والوظائف - د. حسن الباشا:
- الفنون الإسلامية والوظائف 3 أجزاء - القاهرة 1962.
(63)
فوات الوفيات - ابن شاكر الكتبى (محمد بن شاكر بن أحمد ت 764 هـ/ 1363 م):
- فوات الوفيات.
تحقيق د. إحسان عباس - بيروت 1973.
(64)
فهرست وثائق القاهرة - د. محمد محمد أمين:
- فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك. مع نشر وتحقيق تسعة نماذج.
المعهد العلمى الفرنسى للأثار الشرقية، القاهرة - 1981.
(65)
القاموس الجغرافى - محمد رمزى:
- القاموس الجغرافى للبلاد المصرية.
قسمان فى 5 أجزاء، القاهرة 1953 - 1963.
(66)
القاموس المحيط - الفيروز آبادى (محمد بن يعقوب الشيرازى ت 803 هـ/ 1400 م):
(67)
كشف الظنون - حاجى خليفة (مصطفى بن عبد الله كاتب جلبى ت 1067 هـ/ 1656 م):
- كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون - طهران 1387 هـ/ 1947 م.
(68)
كنز الدرر - ابن أيبك الدوادارى (أبو بكر بن عبد الله ت بعد 736 هـ/ 1235 م):
- كنز الدرر وجامع الغرر.
الجزء الثامن: الدرة الزكية فى أخبار الدولة التركية، حققه أولرخ هارمان، القاهرة 1971.
(69)
لسان العرب - ابن منظور (جمال الدين محمد مكرم الأنصارى ت 711 هـ/ 1311 م):
- لسان العرب، 20 جزء، بولاق 1300 هـ.
(70)
المختصر - أبو الفدا (عماد الدين إسماعيل، الملك المؤيد ت 732 هـ/ 1331 م):
- المختصر فى أخبار البشر - 4 أجزاء - استانبول 1286 هـ.
(71)
مدن مصر وقراها - د. عبد العال عبد المنعم الشامى:
- مدن مصر وقراها عند ياقوت الحموى.
الكويت 1981.
(72)
مرآة الجنان اليافعى (أبو محمد عبد الله بن أسعد ت 768 هـ/ 1366 م):
- مرآة الجنان وعبرة اليقظان فى معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، 4 أجزاء، حيدرآباد 1377 هـ.
(73)
معجم البلدان - ياقوت الرومى (ابن عبد الله الحموى ت 626 هـ/ 1229 م):
- معجم البلدان، 5 أجزاء، بيروت.
(74) المقفى - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):
- المقفى
مخطوط مصور بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة (75) الملل والنحل - الشهرستانى (محمد بن عبد الكريم ت 548 هـ/ 1153 م):
- الملل والنحل القاهرة 1951.
(76)
المنهل - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):
- المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى
ج 1، 2 تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1984.
ج 3 تحقيق د. نبيل محمد عبد العزيز - القاهرة 1985 ج 4 تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1986
ج 5 تحقيق د. نبيل محمد عبد العزيز - القاهرة 1988 ج 6 تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1989
وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية
(77)
المواعظ والاعتبار - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):
- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، جزءان، بولاق 1270 هـ/ 1854 م.
(78) النجوم الزاهرة - ابن تغردى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):
- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 16 جزء، 1929 - 1972 م.
(79)
نزهة الناظر - موسى بن محمد بن يحيى اليوسفى (ت 759 هـ/ 1358 م).
- نزهة الناظر فى سيرة الملك الناصر
تحقيق د. أحمد حطيط. عالم الكتاب - بيروت 1984.
(80)
نزهة النفوس - الصيرفى (على بن دواود الصيرفى ت 900 هـ/ 1494 م):
- نزهة النفوس والأبدان فى تواريخ الزمان
3 -
أجزاء تحقيق د. حسن حبشى،
القاهرة 1970 - 1973
(81)
نظم العقيان - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكرت 911 هـ/ 1505 م):
- نظم العقيان فى أعيان الأعيان
تحقيق فيليب حتى، نيويورك 1927.
(82)
نكت الهميان - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين خليل ت 764 هـ/ 1362 م):
- نكت الهميان فى نكت العميان، القاهرة 1911 م.
(83) نهاية الأرب - النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب ت 732 هـ/ 1332 م):
- نهاية الأرب فى فنون الأدب
28 -
جزء مطبوع بالقاهرة 1923 - 1989
وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 549 معارف عامة
(84)
هدية العارفين - البغدادى (إسماعيل باشا):
- هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، جزءان
(85)
الوافى بالوفيات - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين أبو الصفا خليل ت 764 هـ/ 1362 م):
- الوافى بالوفيات
17 -
جزء نشر جمعية المستشرقين الألمانية، وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب رقم 771
تاريخ تيمور.
(86)
وفيات الأعيان - ابن خلكان (أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد ت 681 هـ/ 1282 م):
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، 8 أجزاء، تحقيق د. إحسان عباس، بيروت 1968.
من أعمال المحقق التى افاد منها فى تحقيق هذا المجلد:
1 -
الأوقاف والحياة الإجتماعية فى مصر 648 - 923 هـ/ 1250 - 1517 م - دار النهضة العربية بالقاهرة 1980 م.
2 -
الأوقاف والحياة الثقافية فى العصور الوسطى - بحث مقدم للندوة الدولية عن الأوقاف فى الوطن العربى - الرباط 1985 - نشر ضمن أبحاث الندوة التى صدرت عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
3 -
الأوقاف ونظام التعليم فى مصر فى العصور الوسطى - بحث مقدم لمؤسسة آل البيت لبحوث الحضارة الإسلامية - الأردن 1986 م.
4 -
تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه - للحسن بن عمر بن الحسن ابن عمر بن حبيب المتوفى سنة 779 هـ/ 1377 م - دراسة ونشر وتحقيق - صدر فى ثلاث مجلدات:
المجلد الأول: حوادث وتراجم 678 - 709 هـ/ 1279 - 1309 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1976 م.
المجلد الثانى: حوادث وتراجم 709 هـ - 741 هـ/ 1309 - 1340 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1982.
المجلد الثالث: حوادث وتراجم 741 - 770 هـ/ 1340 - 1368 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986.
5 -
تطور العلاقات العربية الأفريقية فى العصور الوسطى - فصل من كتاب «العلاقات العربية الأفريقية» - معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة 1977 م.
6 -
تفويض من عصر السلطان العادل طومان باى «صانع السلاطين» (وهو الوثيقة 739 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة، والمؤرخة 12 رجب 906 هـ وهو تفويض صادر من السلطان جان بلاط) - المجلة التاريخية المصرية - مجلد 27 سنة 1981 م.
7 -
السخاوى ومؤرخو عصره، مع نشر وتحقيق مقامة الكاوى على تاريخ السخاوى للسيوطى - بحث مقدم للندوة الدولية عن المؤرخ السخاوى - الجمعية المصرية للدراسات التاريخية القاهرة 1982 - بحث منشور ضمن أبحاث الندوة التى صدرت عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر.
8 -
الشاهد العدل فى القضاء الإسلامى - دراسة تاريخية مع نشر وتحقيق إسجال عدالة من عصر سلاطين المماليك (وهو الوثيقة 791 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة والمؤرخة سنة 860 هـ) حوليات إسلامية Annales Islamologiques المجلد 18 سنة 1982 م المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة.
9 -
شمال أفريقيا والحركة الصليبية - مجلة الدراسات الإفريقية - العدد الثالث 1975.
10 -
الصومال فى العصور الوسطى - فصل من كتاب عن جمهورية الصومال أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1986 م.
11 -
العبد لاب وسقوط مملكة علوة - بحث فى انتشار الإسلام والعروبة فى وسط سودان وادى النيل - مجلة الدراسات الإفريقية - العدد الثانى 1974.
12 -
العرب والدعوة الإسلامية فى شرق إفريقيا - مجلة الدارة - الرياض 1985.
13 -
عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - لبدر الدين محمود العينى المتوفى سنة 855 هـ 1451 م - دراسة ونشر وتحقيق، صدر منه ثلاث مجلدات:
المجلد الأول: حوادث وتراجم 648 - 664 هـ/ 1250 - 1265 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987.
المجلد الثانى: حوادث وتراجم 665 - 688 هـ/ 1266 - 1289 م - الهيئة المصرية العاملة للكتاب 1988 م.
المجلد الثالث: حوادث وتراجم 689 - 698 هـ/ 1290 - 1298 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989 م.
14 -
العلاقات بين دولتى مالى وسنغاى وبين مصر فى عصر سلاطين المماليك 1250 - 1527 م - مجلة الدواسات الإفريقية - العدد الرابع 1976 م.
15 -
علماء زيلع فى مصر ودورهم فى الحضارة الإسلامية فى القرن 9 هـ/
15 -
م - بحث مقدم للندوة الدولية عن القرن الإفريقى - نشر ضمن أبحاث الندوة - صدر بالقاهرة 1987 م.
16 -
فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك (329 - 923 هـ/ 853 - 1516 م) مع نشر وتحقيق تسعة نماذج - المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة 1980.
17 -
مرسوم السلطان برقوق إلى رهبان ديرسانت كاترين بسيناء (وهو المرسوم المحفوظ بمكتبة الدير رقم 45 والمؤرخ 17 شعبان سنة 800 هـ) - مجلة جامعة القاهرة بالخرطوم - العدد الخامس 1974.
18 -
مصارف أوقاف السلطان الملك الناصر حسن بن محمد قلاون على مصالح القبة والمسجد والجامع والمدارس ومكتب السبيل بالقاهرة (وهى الوثيقة 40/ 6 المحفوظة بدار الوثائق القومية بالقاهرة، وصورتها رقم 881 ق المحفوظة بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة) - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986.
19 -
معاهدة تجارية بين مصر والبندقية من عصر السلطان المؤيد شيخ - دراسة فى العلاقات الإقتصادية بين مصر والبندقية فى أوائل القرن 9 هـ/ 15 م - بحث مقدم للندوة الدولية عن مصر وعالم البحر المتوسط - القاهرة 1985 - نشر ضمن أبحاث الندوة التى صدرت بالقاهرة عن دار الفكر بالقاهرة 1986.
20 -
منشور بمنح اقطاع من عصر السلطان الغورى (وهو الوثيقة 789 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة، والمؤرخة 7 ذو الحجة 916 هـ - حوليات إسلامية Annales Islamologiques . المجلد 19 سنة 1983 - المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة.
21 -
المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى - ليوسف بن تغرى بردى المتوفى سنة 874 هـ/ 1470 م - دراسة ونشر وتحقيق - صدر منه 6 مجلدات عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984 م/ 1989 م.
22 -
نهاية الأرب فى فنون الأدب - لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويرى المتوفى سنة 732 هـ/ 1332 م - دراسة ونشر وتحقيق للمجلد رقم 28 - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989.
23 -
وثائق من عصر سلاطين المماليك - دراسة ونشر وتحقيق تسعة نماذج متنوعة - المعهد الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة 1981.
24 -
وثائق وقف السلطان قلاون على البيمارستان المنصورى (الوثيقة رقم 15/ 2 بدار الوثائق القومية بالقاهرة، وصورتها رقم 1010 ق بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة) - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977 م.
25 -
وثائق وقف السلطان الناصر محمد بن قلاون (وهى الوثائق رقم 25/ 4 وصورتها 31/ 5، 27/ 5، 30/ 5) المحفوظة بدار
الوثائق القومية بالقاهرة - والمتضمنة وقف خانقاة سرياقوس والوقف على مصالحها - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1982 م.
26 -
وثيقة وقف ذمية (وثيقة وقف ماريا ابنة أبى الفرج بركات - من وثائق بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة رقم 41/ 19 - الدرب الأحمر) - انظر:
- 27 of Orient)G.E.S.H.O.(Vol.XVIII،p.l،5791 enne-Journal of Economic and Social History UN Acte de Fondation du Waqf Par une Chreti - وثيقة وقف السلطان قايتباى على المدرسة الأشرفية وقاعة السلاح بدمياط (الوثيقة 889 ق أوقاف وصورتها رقم 703 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة) - المجلة التاريخية المصرية مجلد 22 سنة 1975.