المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تنويه يود المحقق أن يوجه الشكر إلى أعضاء لجنة التاريخ بمركز - عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان [٦٤٨ - ٧١٢ هـ] - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

‌تنويه

يود المحقق أن يوجه الشكر إلى أعضاء لجنة التاريخ بمركز تحقيق التراث الذين قاموا بمراجعة تجارب المطبعة، وإعداد كشافات الكتاب وهم:

1 -

السيدة/نجوى مصطفى كامل.

2 -

السيد/على صالح حافظ.

3 -

السيد/عوض عبد الحليم حسن.

4 -

السيدة/لبيبة إبراهيم مصطفى.

ص: 5

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة التاسعة والتسعين بعد الستمائة

(*)

استهلت والخليفة: الحاكم بأمر الله

(1)

العباسى.

وسلطان البلاد المصرية والشامية وما يتبعها من الممالك: الملك الناصر محمد

(2)

بن قلاوون، ونائبه بمصر: سيف الدين سلار

(3)

، ونائب الشام: جمال الدين أقوش

(4)

الأفرم، ونائب حلب: سيف الدين بلبان

(5)

الطباخى.

واستهلت هذه السنة والسلطان مسافر إلى جهة الشام كما ذكرنا

(6)

، فإنه خرج بعساكره من القاهرة فى الرابع والعشرين من ذى الحجة من السنة الماضية، ولما

(*) يوافق أولها يوم الإثنين 28 سبتمبر 1299 م.

(1)

هو: أحمد بن محمد بن الحسن بن أبى بكر، الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس، والمتوفى سنة 701 هـ/ 1301 م - المنهل الصافى ج 2 ص 29 رقم 253، وانظر ما سبق بالجزء الأول من هذا الكتاب ص 346 وما بعدها، وانظر ما يلى فى وفيات سنة 701 هـ.

(2)

توفى فى ذى الحجة سنة 741 هـ/ 1340 م - المنهل الصافى.

(3)

هو: سلار بن عبد الله المنصورى، قتل فى جمادى الأولى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 6 رقم 1073.

(4)

هو: أقوش بن عبد الله المنصورى قلاوون الأفرم، الدوادار، نائب دمشق، مات بهمذان سنة 720 هـ/ 1320 م - المنهل الصافى ج 3 ص 9 رقم 511.

(5)

هو: بلبان بن عبد الله الطباخى المنصورى قلاوون، توفى سنة 700 هـ/ 1300 م - المنهل الصافى ج 3 ص 422 رقم 699، وانظر ما يلى فى وفيات سنة 700 هـ.

(6)

انظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 461.

ص: 7

وصل إلى غزة أقام عليها مقدار شهرين لأجل التجهيز والتهيؤ

(1)

للتتار

(2)

، وقد ذكرنا ما جرى من أمور الأويراتية والعسكر مع السلطان على غزة، وكانت قضيتهم على منزلة تل العجول كما ذكرنا

(3)

، ثم رحل السلطان ونزل على عسقلان، ثم رحل من عسقلان متوجها إلى الشام، ودخل دمشق يوم الجمعة الثامن من ربيع الأول من هذه السنة، ونزل بالقلعة.

وكان يوم دخوله مطر شديد ووحل كثير، ثم شرع فى الإنفاق على العساكر والخروج إلى لقاء التتار.

وفى يوم السبت ثانى يوم دخول السلطان دمشق، ورد [193] جمال كثيرة وقفول وخلق كثير، أولا فأولا، جافلين من أخبار التتار. وورد مملوك نائب حلب ونائب طرابلس وصاحب حماة وأخبروا

(4)

بقدوم العدوّ. وأنه وصل إلى شاطئ الفرات، وأخبروا أنهم فى عسكر عظيم، ولما تحققوا ذلك اتفق رأيهم على النفقة فى العسكر، ودارت النقباء وعرّفوا سائر الأمراء والأجناد. وأصبحوا جالسين فى الميدان، وشرعوا فى تفريق النفقات، وسيروا لكل أمير مقدّم ألف نفقة مضافية وكان كل واحد منهم يطلب مضافية ويفرق عليهم ما أرسلوه إليه من النفقة، وكان لكل جندى منهم ثلاثين [أو]

(5)

أربعين دينارا مصرية

(6)

. وكان واحد منهم

(1)

«والتهياء» فى الأصل.

(2)

عن سبب خروج التتار، انظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 461.

(3)

انظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 462 وما بعدها.

(4)

هكذا بالأصل «وقدم البريد من حلب وغيرها» فى السلوك ج 1 ص 885.

(5)

[و] فى الأصل، والإضافة تتفق مع السياق.

(6)

«لكل فارس ما بين ثلاثين دينارا وأربعين دينارا» فى السلوك ج 1 ص 885.

ص: 8

يأخذ النفقة من يده ويقلبها ويقول: إش

(1)

أشترى اليوم بهذا؟، فو الله لأخليها حتى يأخذها التتار. فإن الأشياء من سائر الأصناف تحسنت وغلت جدّا خصوصا الدواب وآلات الحرب، وكان الجندى منهم يقول: إش بقى إما ثلاثة أيام أو أربعة أيام؟، فنحن أحق بالذى نشترى به، ومنهم من كان يقول: لعن الله من ينظر إلى فرجة العدو، فوقع فى نفوس الناس الخذلان والانكسار سلفا وتعجيلا

(2)

.

‌ذكر خروج السلطان الناصر من دمشق بعساكره إلى لقاء قازان

(3)

:

ثم خرج السلطان بجيش من دمشق

(4)

يوم الأحد السابع عشر من ربيع الأول من هذه السنة، ولم يتخلف أحد من الجيوش، وخرج خلق كثير من المطوعة. ولما وصلوا إلى حمص ضربوا الدهليز

(5)

بها، وشرعوا يرسلون إلى العرب ويخبروهم بمجئ العدوّ

(6)

. وشرعت الناس يتلقطون نصرة العدو على المسلمين، واشتهر ذلك بينهم،

(1)

هكذا بالأصل. والمقصود: ما أو ماذا؟.

(2)

«لكثرة ما أجرى الله على الألسنة بكسرة العسكر، ولتمكن بعض الجند فى الأمراء البرجية» - السلوك ج 1 ص 885.

(3)

هو: قازان، وقيل غازان، وقيل محمود، ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو، توفى سنة 703 هـ/ 1303 م - المنهل الصافى، وانظر ما يلى فى وفيات سنة 703 هـ.

(4)

«بعساكر مصر» فى السلوك ج 1 ص 886.

و «خرج الركاب الشريف من دمشق» - فى كنز الدرر ج 9 ص 15.

(5)

الدهليز: الخيمة التى ترافق السلطان فى الحرب، وهى خيمة قائمة بذاتها ليس بجوانبها خيم صغيرة كالتى تقام عادة لتجهيز حاجات السلطان وقت السلم. Dozzy -

(6)

«وبعث العربان لكشف الأخبار» فى السلوك ج 1 ص 886.

ص: 9

فوقع الجفل

(1)

والخوف فيهم حتى أن المقدم الذى كان مضافيه خمسين نفسا أو أربعين يفتقدهم فيجدهم إذا كثروا قدر عشرين أو خمسة وعشرين، فصار رجال الحلقة

(2)

يقول بعضهم لبعض: يا فلان من أش تنفع هذا وقت الغيبة خلّ البرجيّة الذين يأكلون مصر يقاتلون العدو.

ثم تواترت الأخبار بأن التتار وصلوا إلى وادى الخزندار عند سلمية، فسارت العساكر إليهم ليهجموا عليهم، وقطعوا ثلاث مراحل فى مرحلة واحدة، فلما أشرفوا على مجمع المروج

(3)

ركب التتار وطلّبوا، وكان قازان فيهم وصحبته الأمراء المتوجهون إليه

(4)

وهم: سيف الدين قبجق

(5)

، وسيف الدين بكتمر

(6)

السلاح دار، وفارس الدين ألبكى

(7)

الظاهرى، وسيف الدين عزاز الصالحى.

(1)

جفل: نفر وشرد، انجفل القوم: هربوا مسرعين - لسان العرب.

(2)

رجال الحلقة - أجناد الحلقة: تمثل هذه الفئة عماد الجيش المملوكى وقلبه، وتتكون من العناصر المحترفة من مماليك السلاطين السابقين وأولادهم، وهم أقرب الفئات إلى الجيش النظامى فى العصر الحديث على اعتبار أنهم جيش الدولة الذى لا يتغير بتغير السلطان - انظر المواعظ والاعتبار ج 2 ص 215 وما بعدها.

(3)

فى وادى الخازندار، وهو فيما بين حمص وحماة - السلوك ج 1 ص 886 هامش (3).

(4)

انظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 388 - 389.

(5)

هو: قبجق بن عبد الله المنصورى، الأمير سيف الدين، توفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى.

(6)

هو: بكتمر بن عبد الله السلاح دار، الأمير سيف الدين، توفى سنة 703 هـ/ 1303 م - انظر ما يلى فى وفيات سنة 703 هـ.

(7)

هو: ألبكى بن عبد الله الظاهرى، الأمير فارس الدين، توفى سنة 702 هـ/ 1302 م - انظر ما يلى فى وفيات سنة 702 هـ.

ص: 10

ولما أشرفوا على طلائع العدوّ نادت الحجاب والنقباء بين العسكر بأن يرموا رماحهم ويعتمدوا على الضّرب بالسيوف

(1)

، وكان هذا من سوء التدبير وعلامة الخذلان، فرمى جميع العسكر ما بأيديهم من الرماح إلى الأرض فحصل للخيل ضرر كثير منها لمصادمة حوافرها على أسنة الرماح وهى مطروحة على الأرض، وكان كل سنان منها يساوى مائة درهم إلى خمسين درهما، فنظروا إلى التتار وقد ملأوا الأرض.

ثم شرعت الأمراء والحجاب فى ترتيب الجيش، ورتبوا فى رأس الميمنة الأمير شرف الدين عيسى

(2)

بن مهنى وأخاه فضلا، ومعهما آل مرا وآل علىّ وآل كلب وجميع العربان، ونائب حلب ونائب حماة بعساكرهما

(3)

، وفى الميسرة بدر الدين بكتاش

(4)

[194] الفخرى، والأمير جمال الدين قتّال السبع

(5)

، والأمير علم الدين

(1)

«واعتمدوا على ضرب السيف والديوس» - فى السلوك ج 1 ص 886.

(2)

هكذا فى الأصل، وكذلك فى السلوك ج 1 ص 886.

ومن المعروف أن الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا توفى سنة 683 هـ/ 1284 م، وتولى مكانه ولده الأكبر حسام الدين مهنا - انظر ما سبق بالجزء الثانى من هذا الكتاب ص 336.

وتوفى مهنا بن عيسى بن مهنا، أمير آل فضل سنة 735 هـ/ 1334 م - المنهل الصافى.

(3)

«ويليهم الأمير بلبان الطباخى نائب حلب بعساكر حلب وحماة» - فى السلوك ج 1 ص 886.

(4)

هو: بكتاش بن عبد الله الفخرى، أمير سلاح، توفى سنة 706 هـ/ 1306 م - المنهل الصافى ج 3 ص 385 رقم 675، وانظر ما يلى فى وفيات سنة 706 هـ.

(5)

هو: أقوش (أقش) بن عبد الله المنصورى قلاوون، الأمير جمال الدين، المعروف بقتال السبغ، توفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 3 ص 26 رقم 517.

ص: 11

الدوادارى

(1)

، وطغريل

(2)

الإيغانى، والحاج كرت

(3)

نائب طرابلس، وطلب الأمير حسام الدين [لاجين]

(4)

الأستادار وفيه الأمراء الطبلخانات من بقية الظاهرية ومضافوها، وفى القلب جمهور العسكر وفيهم سيف الدين سلار، وركن الدين بيبرس

(5)

، وسيف الدين برلغى

(6)

ومضافوه، وسيف الدين قطلوبك

(7)

الحاجب ومضافوه، والأمير عز الدين أيبك

(8)

الخزندار ومضافوه، وجعلوا الجناحين المماليك

(1)

هو: سنجر بن عبد الله البرقلى التركى الصالحى، الأمير علم الدين أبو موسى الدرادارى، المتوفى فى رجب سنة 699 هـ/ 1299 م - المنهل الصافى ج 6 رقم 1109، وانظر ما يلى فى وفيات السنة.

(2)

«طغريل الإتقانى» فى الدرر، وهو تحريف، وفيه توفى سنة 707 هـ - الدرر ج 2 ص 323 رقم 2029.

وطغريل هذا من مماليك الأمير إيغان بن عبد الله الركنى بيبرس، المعروف بسم الموت - انظر المنهل الصافى ج 3 ص 187 رقم 612.

(3)

هو: كرت بن عبد الله المنصورى، الذى استشهد فى هذه الوقعة - المنهل الصافى.

(4)

إضافة من السلوك ج 1 ص 886 للتوضيح. وهو: لاجين الرومى، الأمير حسام الدين، توفى سنة 702 هـ، انظر ما يلى.

(5)

هو: بيبرس بن عبد الله المنصورى قلاوون الجاشنكير، الذى تسلطن سنة 708 هـ/ 1308 م ولقب بالملك المظفر، وقتل سنة 709 هـ/ 1309 م - المنهل الصافى ج 3 ص 467 رقم 718.

(6)

هو: برلغى بن عبد الله الأشرفى، الأمير سيف الدين، قتل سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 3 ص 357 رقم 663.

(7)

هو: قطلوبك بن عبد الله المنصورى، حاجب الحجاب، كان يعرف بالكبير، قتل سنة 716 هـ/ 1316 م - المنهل الصافى، الدرر ج 3 ص 337 رقم 3264.

(8)

هو: أيبك الطويل الخازندار المنصورى، الأمير عز الدين، المتوفى 706 هـ/ 1306 م - انظر ما يلى.

ص: 12

السلطانية، ورتبوا أن يكون الأمير حسام الدين [لاجين]

(1)

الأستادار صحبة السلطان يحفظه، وجعلوه فى موضع بعيد عن الملاقاة خشية عليه، ورسموا للأمير علم الدين أن يكون سنجق

(2)

السلطان منعزلا عنه كى لا يعرف أنه تحت الأعلام فيقصد، ورتبوا جماعة من الزراقين

(3)

نحوا من خمسمائة مملوك فى مقدمة الجيش.

وفى ذلك الوقت حصل للأمير بيبرس إسهال مفرط وحرارة عظيمة حتى ما بقى يمكنه الركوب على الفرس ولا الثبات على ظهره، فأركبوه المحفة، وأبعدوه عن الملاقاة.

وأخذ الأمير سلار الحجاب ومعهم الفقهاء، وداروا على العسكر جميعهم، وهم يتلون الآيات المناسبة للجهاد، ويحرضون للجهاد وتوطين النفس على الملاقاة حتى غشى الناس البكاء والتوجع.

وأما قازان فإنه طلب مقدمى التوامين

(4)

وأمرهم أن أحدا منهم إذا رأى جيش المسلمين لا يحمل عليه ولا يتحرك من مكانه إلى حين يرى غريمه يدخل عليه، وأراد بذلك تضعيف خيل المسلمين، وكسر همة الفرسان، وأن يمكّن رماته من رمى

(1)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 886 للتوضيح.

(2)

سنجق - سناجق: لفظ تركى يطلق فى الأصل على الرمح، والمقصود به الرايات والأعلام السلطانية - انظر صبح الأعشى ج 4 ص 8، ج 5 ص 456، 458.

(3)

زارق - زراقون: هو الذى يحمل المزراق، وهو عود من خشب مجوف فى قصبته ماء مهلك، ويكون قصد الزارق وجه الخصم أو الدابة. الجيش المصرى ج 2 ص 49.

(4)

التومان - التوامين: فرقة من الجند يبلغ عددها عشرة آلاف مقاتل - صبح الأعشى ج 4 ص 424.

ص: 13

السهام، لأن ذلك أثبت لهم وأسكن، وكذلك كان، فإنه لما وقعت الصدمة، وتحركت العساكر، وأوقد الزراقون نفطهم، واعتقد المسلمون - على ما عهدوه من اللقاء فى المصاف - أنه ساعة يحمل الجيش يحمل أيضا جيش العدو، فتقع الصدمة من الطائفتين، ويعطى الله النصر لمن يشاء.

ولما حملت العساكر وخرجت الخيول بقوة بأسها، وحدة شوطها، حتى قربوا من وجه العدو، لم يتحرك منهم أحد، ولا انزعج جيشهم، فلما شاهدوا ذلك منهم قلّ عزمهم، وانطفأ النفط الذى كان مع الزراقين فى مقدم الجيش، لأنهم كانوا أوقدوه من بعد على أنهم يتقدمون لهم، فبينما تقدم عسكر المسلمين إليهم مع بعد المسافة وثبات العدو وعدم حركتهم فرغ البارود، وبردت الهمة، بعيد ذلك حملت التتار حملة صادقة حتى اختلطوا بالمسلمين

(1)

، وأصابت سهامهم خيلا كثيرا منهم، ورموا فرسانها.

وأول ما أرجفوا طائفة العرب بأن أوهنوهم وأوهنوا خيولهم بالسهام، فكانوا سبب كسر الميمنة وفسادها، فإن الميمنة ولّت على أعقابها، فجاءت الهزيمة على الجيش الحلبى، فاستقلوا بأنفسهم، وأدركهم الموت، فرجع العسكر الحلبى

(1)

«فلما كان نهار الأربعاء تاسع وعشرين ربيع الأول التقى الجيشان» - فى كنز الدرر ج 9 ص 16. فى نهاية الأرب ج 27 ص 411 «يوم الأربعاء ثامن وعشرين شهر ربيع الأول».

وفى التوفيقات الإلهامية أن أول شهر ربيع الأول يوم خميس»، وعلى ذلك يكون الأربعاء الذى تمت فيه المعركة يوم 28 ربيع الأول، ويؤكد ذلك ما ورد فى التحفة الملوكية:«وذلك فى يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وستمائة» - التحفة الملوكية ص 157.

ص: 14

على العسكر الحموى، ولم يقف، وتمت الهزيمة على ميمنة المسلمين من ميسرة العدو.

وأما ميسرة الإسلام فإنها صدمت ميمنة [195] العدو فقلقلتها وفرقت شملها.

ولما عاين قازان انهزام ميمنته اعتزل فى نحو ثلاثين فارسا وأخذ عن جيشه جانبا، ثم ركبت أخرياتهم الذين لم يركبوا فى الصدمة الأولى وردّوهم وقوّوهم، فانكسر المسلمون، {(إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)}

(1)

.

وكان السلطان الناصر قد انعزل فى جمع قليل من المماليك، ومعه من الأمراء حسام الدين الأستادار لا غير، فكان يبكى وينظر إلى السماء ويقول: يا ربّ لا تجعلنى كعب الشؤم على المسلمين

(2)

، ويدعو الله تعالى ويتضرع إليه ويريد أن يلقى نفسه بين القوم وحسام الدين الأستادار يردّه ويمنعه.

وقال صاحب النزهة: وكان الذى مع السلطان فى ذلك الوقت اثنى عشر مملوكا من الشباب، وكنت أنا الثالث عشر.

وقال بيبرس فى تاريخه: لما انهزمت المسلمون وولّوا تفرقت عساكرهم المجتمعون، ونهب العدو الخيول والعدد والخزائن والأسلحة، وتبعوهم إلى حمص ونزلوا عليها، ففتحها لهم متوليها بالأمان وهو محمد بن الصارم، وأخذوا الدهاليز السلطانية والبيوتات والوطاقات

(3)

ورحلوا إلى دمشق.

(1)

جزء من آية رقم 156 من سورة البقرة رقم 2.

(2)

«يا رب، لا تجعلنى كعبا نحسا على المسلمين» - فى السلوك ج 1 ص 887.

(3)

«وبها الخزائن السلطانية وأثقال العسكر» - فى السلوك ج 1 ص 889.

وطاق - وطاقات: لفظ تركى بمعنى الخيمة - محيط المحيط.

ص: 15

وأما السلطان الناصر فإنه ساق بمن معه نحو بعلبك، ولو تربص فى ذلك الوقت لكان أوقع نفسه بيده إلى التهلكة، فكان سببا لفساد المملكة

(1)

.

ولقد فعل الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى يوم بدر مثل ذلك، وقال معتذرا هنالك هذه الأبيات:

الله يعلم ما تركت قتالهم

حتى علوا فرسى بأشقر مزبد

وعلمت أنى إن أقاتل واحدا

أقتل ولا يضرر عدوى مشهدى

فصدفت عنهم والأحبة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مفسد

(2)

‌ذكر من استشهد فيها من المسلمين:

كانت الوقعة يوم الأربعاء الثامن والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، واستشهد فيها جماعة فازوا بالثواب الجزيل منهم: الأمير سيف الدين كرت

(3)

نائب السلطنة بالفتوحات، وكان من الأمراء الأعيان الفرسان الشجعان، وكان كثير الصدقة والخير والمعروف، وله أوقاف على وجوه البر والصدقات، وكان مشهورا بالنخوة والمروءة، وكان عمل حاجبا، وأمير آخور، ونائب طرابلس والفتوحات.

(1)

لا يوجد هذا النص فى مخطوط زبدة الفكرة الذى بين أيدينا، وإن كان يوجد معناه مختصرا - زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 206 ب.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 207 أ.

(3)

«سيف الدين كرد» فى زبدة الفكرة، وهو: كرت بن عبد الله المنصورى، وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، السلوك ج 1 ص 888.

ص: 16

ومنهم: الأمير ناصر الدين محمد

(1)

بن الأمير عز الدين الحلّى، والأمير بدر الدين بيليك

(2)

المنصورى المعروف بالطيار، وكان من أمراء دمشق.

ومنهم: الأمير سيف الدين نوكيه

(3)

التترى، مات من أثر جراحات أصابته، فحمل فى محفة إلى أن توفى ودفن بأرض عسقلان أو قريبا منها، وكان هذا وصل مع الوافدين فى الأيام الظاهرية وأفام قليلا حتى مسكه الملك الظاهر وحبسه بثغر الإسكندرية، وأقام إلى أن تسلطن الملك المنصور قلاوون، ثم جعل له الأفراح وأعطى له تقدمة ألف.

ومنهم: الأمير جمال الدين

(4)

بلبان التقوى

(5)

، وكان من أمراء طرابلس. والأمير ركن الدين بيبرس العلمى، وكان نائبا بالمرقب

(6)

. والأمير صارم الدين أزبك الطغريلى، وكان نائبا ببلاطنس. والأمير سيف الدين أقوش كرجى الحاجب.

وقال ابن كثير: واستشهد نحو ألف نفس من الحلقة والمماليك، وهؤلاء [196] الأمراء منهم من كان استشهاده فى المعركة، ومنهم من أصابته جراحة فيها فمات بعدها، وفقد فى المعركة قاضى القضاة الحنفية حسام الدين الرازى

(7)

،

(1)

هو: محمد بن أيدمر الحلبى، الأمير ناصر الدين - السلوك ج 1 ص 888.

(2)

انظر السلوك ج 1 ص 888.

(3)

«نو كاى التترى» - فى السلوك ج ص 888.

(4)

«سيف الدين» فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 207 أ.

(5)

انظر السلوك ج 1 ص 888.

(6)

«بيبرس الغتمى نائب قلعة المرقب» - فى السلوك ج 1 ص 888.

(7)

هو: الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان، الرازى الحنفى، قاضى القضاة حسام الدين، ثم الرومى الحنفى - انظر ما يلى فى وفيات سنة 699 هـ.

ص: 17

وأسر التتار عامة العوام والأتباع والغلمان والرعاع

(1)

.

وقال صاحب النزهة: واستشهد أيضا علاء الدين على بن الشيخ الصالح إبراهيم الجعبرى.

وقال: وأما الأمير بدر الدين بيليك الطيار فإنه قتل فى طريق بيسان، فإنه لما انهزم العسكر - وكان من أمراء دمشق - أخذ حريمه عند وصوله إلى دمشق وخرج بهم، وما زال إلى أن وصل حرة بيسان ونزل بأهله للراحة، وإذا بجماعة من المغل الذين كانوا صحبة مولاى قد أدركوه، وكان معه تقدير أحد عشر مملوكا، فلما رآهم وقد قصدوه ركب، وأخذ رمحه بيده، وشدّ لحريمه خيلا فأركبهم عليها، وسيّر معهم ستة أنفس، وقال: انجوا بأنفسكم وها أنا واقف إلى أن تبعدوا. فقالوا: يا خوند إرجع معنا لعلنا أن نفوتهم. قال:

لا والله ما أنهزم قدامهم ولكن أموت ولا أمكنهم يصلون إلى حريمى وعينى تنظر، فلما رآهم المغل عطفت طائفة منهم إليهم، فلما رآهم مال إلى نحوهم، ولما رأوه مقبلا إليهم ظنوا أنه يسألهم فى أمرهم إلى أن صار معهم، فطعن واحدا فأرماه، وطعن آخر أيضا فأخرج حدقته، وقتل آخر، وقد بهتوا لفعله، ثم تكاثروا عليه إلى أن أرموا فرسه، فوقع على الأرض، وجرح منهم آخر وهو راجل، ثم قتل رحمه الله شهيدا دون حريمه وماله، وكان هذا من جملة المماليك المنصورية، وكان صاحب مروءة ومكارم، وصاحب شجاعة وفروسية.

(1)

هذا النص مختصر فى المطبوع من البداية والنهاية الذى بين أيدينا - انظر: البداية والنهاية ج 14 ص 6 - 7.

ص: 18

ومن الذين ماتوا من جراحة جرح فى الوقعة المذكورة: سيف الدين الدوادارى

(1)

الصالحى النجمى، وكان قد جرح فى رجله بسهم وعند هزيمة العسكر رجع إلى أن وصل مع نائب حصن الأكراد إليها، فأقام بها يعلل جرحه إلى أن توفى.

وكان كبير القدر، فإنه عمل دوادارية

(2)

الملك الصالح

(3)

، وبقى بعده ينتقل من حال إلى حال إلى أن كان له مائة فارس بمصر وخمسون بدمشق، وما زال معظما فى سائر الدول، وكان له سماع عال فى الحديث، وله علم وفقه وديانة، وهو الذى أنشأ القاضى بدر الدين

(4)

بن جماعة وأنشأ فقهاء كثيرين، ومع هذا كان صاحب شجاعة وفروسية، وله غارات كثيرة حتى نقل عن بعض مماليكه أنه صنع له طوبة من غبار الغزوات التى حضرها وغزا فيها، وأوصى أن تكون هذه الطوبة تحت رأسه إذا دفن، وكان إذا ركب يكون شعره على قربوس سرجه الورانى وجميعه أبيض، وكانت له صدقات وبرّ وأوقاف على عتقائه، وله بالقدس الشريف رباط رتب فيها شيخا وفقراء ووقفا جاريا، ولما ورد

(1)

هو: سنجر الدوادارى الغركى البرنلى. انظر ما بلى فى وفيات السنة.

(2)

دوادارية: صاحب هذه الوظيفة هو الدوادار: وهو الذى يحمل دواة السلطان أو الأمير، ويتولى أمرها، وما يلحق ذلك من المهمات، مثل تبليغ الرسائل، وتقديم القصص 550 الخ - صبح الأعشى ج 4 ص 19، ج 5 ص 462.

(3)

هو: أيوب بن محمد بن محمد بن أيوب، الملك الصالح بن الملك الكامل بن الملك العادل نجم الدين أيوب، توفى سنة 647 هـ/ 1249 م - المنهل الصافى ج 3 ص 227 رقم 634.

(4)

هو: محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، قاضى القضاة بدر الدين الكنانى الحموى الشافعى، المتوفى سنة 733 هـ/ 1333 م - المنهل الصافى.

ص: 19

خبره إلى دمشق صلّوا عليه صلاة الغائب فى جامع بنى أمية وسائر جوامع دمشق، وكذلك صلوا عليه صلاة الغائب بمصر.

وذكر فى النزهة أيضا: أن سيف الدين كرت نائب طرابلس قال للأمراء فى ذلك اليوم: ها أنا أحمل لعل الله يرزقنى الشهادة فى هذا اليوم، ثم التفت إلى الأمير جمال الدين قتال السبع وقال: يا أمير وصيتى [197] لك على أهل بيتى، فإنى والله ممن يستشهد فى هذا اليوم، فإنى رأيت رؤيا تدل على الشهادة: رأيت فى هذه الليلة طائر أخضر يرفرف على رأسى ويقول لى: أتل {(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا)}

(1)

الآية. فتلوتها إلى آخرها، ثم حملنى على جناحه الأيمن إلى أن وضعنى فى روضة خضراء، ثم انتبهت، فهذا يدل على الشهادة، ثم لما صدموا العدو كان هو أول من رمى فرسه بسهام كثيرة، فأصاب سهم منها نحره، فوقع إلى الأرض والسيف بيده مسلول يذبّ به عن نفسه إلى أن ضرب بسهم فسقط إلى الأرض، وقتل من مماليكه عليه نحو ستة عشر مملوكا، وجرح نحو اثنى عشر، وقتل من عسكر طرابلس فى تلك الوقعة ما ينيف على أحد عشر نفسا، وقتل من كل أمير جماعة من المماليك وجرح آخرون.

وجرح الأمير بدر الدين أمير سلاح بضربة سيف فى يده، وجرح الأمير جمال الدين قتال السبع فى فخذه، ولما نظر أمير سلاح إلى الهزيمة ورأى جرحه بكى بكاء شديدا وقال لمماليكه: هاتوا لى حصانى الدويك، وكان قد اشتراه

(1)

آية رقم 8 من سورة آل عمران رقم 3.

ص: 20

بثلاثمائة دينار، وحياصة

(1)

ذهب قيمتها مائتا دينار، وخلعة أطلس، وكلوتاة

(2)

زركش، ثم بعد أيام رأى بائع الفرس المذكور - وهو راكب عليه - فقال له: طاب خاطرك بالثمن الذى دفعته إليك. فقال: والله ياخوند كان أملى فيه أكثر من ذلك الثمن. فلما سمعه يقول ذلك قال له: امش معى إلى البيت، فمشى معه حتى أتى داره، فخلع عليه خلعة بكلوتاة وحياصة ذهب وأعطاه ثلاثمائة دينار، وكانت هذه القضية فى دولة كتبغا

(3)

، فبلغ ذلك بتخاص والأزرق وغيرهما فصار كل واحد منهم يسأله ويطلب منه هذا الفرس إنعاما عليه، فيبعث إلى كل منهم حصانا مشتراه خمسة آلاف درهم وصحبته خمسة آلاف درهم ويقول له: إنى قد حبست هذا الفرس فى سبيل الله يركبه الغزاة والمجاهدون فى سبيل الله، ثم إن مماليكه أحضروا الفرس المذكور فى ذلك اليوم لما طلبه، وكان جنيبا مع أحد الأوشاقية

(4)

فقال له مماليكه: يا خوند هذا فرس قوى شديد وأنت اليوم تضعف عن ردّ عنانه لما فيه من القوة، وكان من شدته رتب له أوشاقيا

(1)

الحياصة: الحزام أو المنطقة، ومنها ما يكون من ذهب مرصع بالفصوص، ومنها ما ليس كذلك - صبح الأعشى ج 2 ص 134.

(2)

كلوتة - كلوتات: غطاء للرأس - انظر صبح الأعشى ج 4 ص 6، 29، المواعظ والاعتبار ج 2 ص 98.

(3)

هو: كتبغا بن عبد الله المنصورى، السلطان الملك العادل زين الدين التركى، سلطان الديار المصرية، ثم نائب صرخد، ثم حماة، توفى سنة 702 هـ/ 1302 م - انظر مايلى فى وفيات سنة 702 هـ.

وكانت دولة كتبغا فى الفترة من 9 محرم 694 هـ وحتى خلع فى 22 محرم سنة 696 هـ - انظر عقد الجمان ج 3 ص 267 - 347.

(4)

الأوشاقية (الأوجاقية): واحدها أوشاقى (أوجاقى)، وهو الذى يتولى ركوب الخيل للتسيير والرياضة - صبح الأعشى ج 5 ص 454.

ص: 21

وحده برصم ركوبه وخدمته، ولم يسمع منهم فركبه، فلما قعد على ظهره ألوى عنانه

(1)

نحو العدو وقال للأمراء: من أراد الشهادة فليتبعنى، فرجعت الأمراء إليه وسألوه أن يرجع فأبى وقال: والله كنت منتظرا لهذا اليوم، وقال له الأمير علم الدين الدوادارى

(2)

- وكان قد خرج فى مواضع كثيرة -: يا أمير أنت اليوم قوام العسكر وأتابكه، وما فينا أحد إلا وقد جرح جراحات ومعظم مماليكنا قد قتلوا، وما يحل أن تلقى نفسك فى التهلكة، فلم يلتفت إليه، بل قال: يا أمير ما بقى فينا شئ، فهل تنتظر خلاف هذا اليوم؟ فتقدم نحو العدو، واتفق رأى مماليكه على منعه وساق بعضهم إليه وأخذ برأس فرسه إلى نحو حمص وبعضهم [198] ضرب كفل فرسه بالمقرعة، فخرج من تحته مثل البرق الخاطف، وأرادوا بذلك إبعاده عن الفرس حتى يأخذوا بعنانه ويتوجهوا إلى طريق النجاة، فلما أحس الفرس بالضرب فرّ مثل الريح العاصف حتى لم يروا منه إلا غباره، ولم يزل يجرى على ميدان واحد إلى أن وصل إلى نهر حمص، فقوى عليه العطش من كثرة الجرى وشدة العدو إلى أن أرمى نفسه فى النهر، وشرع يعبّ من الماء، وأمير سلاح ماسك بيديه الشنن رافعه على أن يرفع رأسه من الماء فلا يرفع، فشرب حتى انتفخ فؤاده، ثم طلع من النهر ووقع طائحا وقد انفقع من شرب الماء، فلحقه مماليكه وأركبوه جنهبا آخر، فكان هذا يعد من حسناته حيث اشترى فرسا بمائتى ألف درهم لركوب ساعة واحدة.

(1)

العنان - الأعنة، من أجزاء اللجام: وهو الجزء الذى يقبض عليه الفارس - الخيل ورياضتها ص 81.

(2)

«الديوادارى» فى الأصل، والتصحيح مما سبق.

ص: 22

وقال صاحب النزهة: ومن قوة خذلان العسكر الإسلامى عاينت الأمير حسام الدين لاجين المعروف بزيرياح ومعه أعناق الحسامى من المقدمين ومعهما نحو ثلاثة آلاف فارس منهزمين، وقد أفرد فى أعقابهم رجل واحد من المغل ولا يلتفت إليه أحد منهم. ورأيت فتى شابا من العرب راكبا على حجرة شقراء وليس عليه شئ يمنع السهام وقد أخذته الحميّة وهو يقول: يا مسلمين أش خلفكم ماثمة إلا رجل واحد، فلا يجيبه أحد، فلوى رأس فرسه عنهم ورجع إلى ذلك الرجل وهو يقول: الله أكبر، فلما رآه ذلك الرجل مصمّما عليه ولّى فرسه ورجع عنهم، وما كان ذلك الرجل ينتظر فى ذلك الوقت غير صناديق مفتوحة، وكلوتات زركش، وحوائص ذهب ملقاة، وأسلحة، وسناجب، وأكياس ذهب، ودراهم، وخزائن الأمراء بما فيها.

‌ذكر ما جرى للعسكر بعد ذلك:

أما السلطان الناصر فإنه رجع فى طائفة من الجيش على ناحية بعلبك، وسار إلى مصر، وسافر جماعة من أهل دمشق من أعيانها وغيرهم إلى مصر كالقاضى إمام الدين الشافعى

(1)

، وقاضى المالكية جمال الدين الزواوى

(2)

، وتاج الدين بن الشيرازى وعلم الدين الصوافى والى البرّ، وجمال الدين بن النحاس والى البلد، والمحتسب، وغيرهم وبقيت

(3)

دمشق شاغرة ليس فيها حاكم ولارادع سوى نائب

(1)

هو: عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد، قاضى القضاة إمام الدين القزوينى الشافعى، المتوفى سنة 699 هـ/ 1299 م - انظر ما يلى فى وفيات سنة 699 هـ.

(2)

هو: محمد بن سليمان بن يوسف الزواوى، قاضى المالكية بدمشق، المتوفى سنة 717 هـ/ 1317 م - شذرات الذهب ج 6 ص 45.

(3)

«وبقى» فى الأصل.

ص: 23

القلعة علم الدين أرجواش

(1)

، وهو مشغول عن البلد بالقلعة، وأما العسكر تفرقوا فى كل ناحية ووصل بعضهم إلى القلاع القريبة من مكان الوقعة، ونجى بنفسه من كان فيه نهضة، وتوجه أقوام إلى جبال بعلبك وغيرها جياعا عراة مشاة، وتخطفت الجبلية بعض من سلك تلك الطرق وقتلوا منهم ونهبوا وسلبوا، فكان هؤلاء عدوّا ثانيا، وكل من كان يهرب يرمى خوذته من رأسه ويقطع قرقله بالسكين إذا لم يلحق لحلها ويقطع البر كستوان

(2)

المثمنة، وكل ذلك قصدا للتخفيف

(3)

.

قال صاحب النزهة: ورأيت جماعة من مماليك السلطان تخرج من وسطه كيس الفضة ويناوله لرفيقه، فإن لم يأخذه سريعا وإلاّ يرميه من يده إلى الأرض ويسوق. قال: ورأى [199] الأمراء البرجية مع حسن أشكالهم وتزين لباسهم قد صاروا قطعة واحدة هاربين منهزمين، وقازان فى أعقابهم وقد بسط جيشه من الجانبين وانفرد هو بنفسه فى صدر جيشه ورجل قدامه وبين يديه على فرسه طبل أكبر من طبل الجمالق يضربه ساعة بعد ساعة ضربة واحدة، وكلما سمعها الجيش زادت هزيمتهم وهربت فرقة منهم إلى ناحية البرية وسلكوا فيها وهلكوا بأجمعهم، وفرقة سلكت ناحية البحر المالح فهلكوا، ولم يسلم منهم إلاّ الفرقة التى سلكت الطرق التى يسلك فيها، ولكن الذين سلكوا الجبال

(1)

هو: أرجواش بن عبد الله المنصورى، توفى سنة 701 هـ/ 1301 م - انظر مايلى فى وفيات 701 هـ.

(2)

البركستوان - البركستوانات: غاشية الحصان المزركشة - صبح الأعشى ج 4 ص 58، 62.

(3)

«وألقوا عن أنفسهم السلاح طلبا للنجاة» - السلوك ج 1 ص 888.

ص: 24

قاسوا من أهلها ما قاسوا مثله من التتار، وقتل من المسلمين خلق لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.

وقال صاحب النزهة: وكان وصولنا إلى قلعة حمص والشمس فى الغروب، فوجدنا أهلها فوق الأسوار يبتهلون إلى الله عز وجل بالدعاء وكانوا ينادون:

يا مسلمون الرجعة الرجعة لا تسلمونا إلى العدو، يا مسلمون المروءة المروءة

(1)

، ولم يلتفت إليهم أحد، فتباكوا وبكت الناس وبكى السلطان الناصر، ثم قال للأمير حسام الدين: يا أبى أنت ما قلت إن المسلمين يقفون ويقاتلون نوبة ثانية فى حمص ومالى لا أنظر أحدا يقف ويقاتل. فقال: يا خوند ما يقاتلون إلا فى دمشق وقصدهم أن يستجروا العدو حتى يتعبوهم ويدخلوهم فى مواضع ليس لهم خبرة بها، وكل ذلك يريد به التعلل للسلطان لئلا يزداد خوفه.

قال الراوى: وما وصلنا إلى حمص إلا وأكثر الخيل قد وقفت ولم تتحرك خصوصا خيول الأمراء والمماليك الموقرة، ولما دخل الليل انقطع التتار من خلف عسكر المسلمين. قال: ثم وصلنا إلى بعلبك صبيحة الجمعة ونحن كلنا محتاجون إلى قوت أنفسنا ولخيولنا، فوجدناها قد أغلقت، وصعدت أهلها على الأسوار وكانوا يتناولون الفضة بالحبال، فمنهم من يعطى ما يطلبه صاحب الفضة ومنهم من يأخذ الفضة ويغيب من فوق السور ولا يراه أحد.

قال: ثم أصبحنا يوم السبت ودخلنا إلى دمشق وتلقتنا أهلها بالويل والثبور، وما أقمنا فيها غير ساعة واحدة ووقع الصياح بأن طوالع العدو قد لاحت، فخرجت الناس لا يلتفتون إلى شئ، وأكثرهم خرجوا بلا زاد، وأما أهل دمشق فمنهم

ص: 25

من طلع القلعة ومنهم من توجه نحو القدس والخليل عليه السلام

(1)

، ومنهم من طلب قلعة صفد وقلعة كرك، ومنهم من أقام وتوكل على الله، وصارت الناس كأنهم يساقون إلى المحشر يوم القيامة، فلا يلتفت الأخ إلى أخيه ولا الأب إلى ابنه ولا المملوك إلى سيده.

قال الراوى: وأما الفرقة التى كان سفرهم على الساحل فإنهم قاسوا شدة عظيمة من أهل جبل كسروان، فكانوا ينزلون إليهم ويمسكون عليهم المضايق، ويأخذون الجندى قبضا بالكف، ويأخذون ما معه، ويرسلونه عريانا إذا أحسنوا إليه، وربما يقتلونه أو يرسلون عليه حجرا من فوق فيهلك هو وفرسه، وكانوا قد استوقفوا [200] جماعة كثيرة عن المسير، وقصدوا أن يأخذوا منهم ما يريدونه حتى يفتحوا لهم الطرق، فاتفق فى ذلك الوقت حضور طائفة من العسكر الذين هم صحبة الأمير بدر الدين أمير سلاح، وصحبته الأمير بلبان الطباخى نائب حلب وجماعة من الأمراء، فلما رأوا ذلك حملوا عليهم وأزاحوهم عن الطريق، فرجعوا، واجتمعوا جماعة كثيرة ووقفوا لمنع الأمراء أيضا، فلما رآهم الأمير بدر الدين مصمّمين على القتال رسم الذين معه أن يترجلوا وأن لا يتهاونوا فى أمرهم كيلا يدركهم التتار فيكونون بين العدوّين، فترجلوا وزحفوا عليهم وقتلوا منهم جماعة، فقام القتال بينهم من ضحوة النهار إلى الظهر، وجرحت من جماعة أمير سلاح خلق، فآخر الأمر كسروهم وفتحوا الطرق وذهبوا، وبعض الأمراء وراءهم ساقة لهم إلى أن وصلوا إلى غزّة، وأقام أمير سلاح فيها ينتظر المنقطعين من العسكر، والتحق به جماعة كبيرة من الناس والجند

(1)

هكذا فى الأصل، والمقصود مدينة الخليل عليه السلام.

ص: 26

والأمراء، وهو يداوى المجروح، ويركّب الراجل، ويكسو العارى، ومن جملة ما وجده فى غزّة القاضى «فتح»

(1)

الدين بن القيسرانى، فأركبه وكساه وصحبه إلى القاهرة.

وأما قازان، فإنه لما رأى أن جيش المسلمين قد انهزموا فرح فرحا عظيما، وقصد أن يلحق المسلمين، فمنعه الأمير قفجق وقال له: لا تعجل فربما يكون لهم كمين ويكون انهزامهم هذا مكيدة منهم، فقبل كلامه وتوقف عن اللحوق بهم، وإلا لو مشى وراء المسلمين لكان أخذ الجميع.

ولما أصبح يوم الخميس ورأى أن أخبار السلطان والعسكر قد انقطعت اطمأنّ، وسيّر إلى حمص وأخذ ما وجد فيها من الأموال والودائع والذخائر، وقبض على من وجد فيها من الجند من الجرحى والمنقطعين، وفيهم جماعة من الكتاب والموقعين وممن وقف فرسه، ثم اقتضى رأيه أن يجرّد أميرا يسمى بورى ومعه جماعة يكشفون الخبر، ثم توقف من ذلك خوفا أن يكون فى الطريق جماعة من عسكر السلطان يشوشون عليه، ثم أرسل شخصا على هيئة جاسوس ليكشف خبر السلطان هل هو أقام بدمشق أم راح إلى مصر؟، فخرج الرجل وغاب يوما وليلة، ثم جاء وأخبر أن دمشق خالية ليس فيها لا سلطان ولا عسكر.

ولما سمع بذلك أمر بالمسير إلى الشام، ولكنه انتظر المنهزمين من عسكره، ثم رجع هو إلى مكان الوقعة وهو وادى الخزندار، بينه وبين تربة خالد بن الوليد رضى الله عنه مسافة نصف يوم أو دونه، فوجد هناك بعض الجند جرحى ممن

(1)

«» بياض فى الأصل، والإضافة مما يلى، فهو: عبد الله بن محمد بن أحمد ابن خالد القيسرانى، فتح الدين أبو محمد، المتوفى سنة 703 هـ/ 1303 م - انظر ما يلى فى وفيات 703 هـ.

ص: 27

وقع فى الوقعة، ووجد من أصناف الأسلحة والأقمشة المفتخرة والحوائص الذهب والكلوتات الزركش والأكياس من الذهب والفضة ما لا يوصف، وكذلك من السروج الزركشى والبركستوانات والقرقلات والخوذ ما عجزوا عن حمله، وأما الدواب من الخيول المسومة فكان شيئا كثيرا واقفة من مكان المصاف إلى قرب حمص، ورأى قازان من هذه الأشياء ما أذهله عن عقله، فإن الدولة كانت جديدة وأمراؤها كانوا يفتخرون بأنواع [201] الزينة، وكل منهم كان يريد أن يزيد على صاحبه بالعدد المفتخرة والأشياء الحسنة.

وكان من جملة من أسره من حمص برهان الدين المنجم، فلما أحضروه بين يدى قازان عرفه قفجق وبكتمر وقالا لقازان: هذا منجم عارف، فلما رآه قازان أحضر إليه ابن الخواجا نصير الدين الطوسى حكيم الزمان، وكان هو عند قازان حكيما ومنجما، كما كان أبوه نصير الدين عند هلاون وأمثاله، ولما قدم هلاون الشام كان الخواجا نصير الدين معه كما ذكرنا.

فقال له قازان: سل هذا المنجم كيف ما عرّف أستاذه الناصر بأمر هذه الواقعة؟ فسأله وقال له: يا حكيم كيف حكمت على صاحب مصر وعسكره أن يلاقى عدوه فى مثل يوم الأربعاء وهو آخر الأربعاوات فى السنة

(1)

وهو يوم نحس مستمر؟ فقال له: قد عرّفته ذلك، وعرّفت أكابر عسكره، ولم يسمعوا منى ونهرونى، ولم يلتفتوا إلى كلامى، وكان قد وقع ذلك، فإن السلطان عند نزوله حمص طلب الأمير سيف الدين سلار والأمير ركن الدين بيبرس وشمس الدين الفارقانى وطلبوا برهان الدين هذا، ثم شرع سلار يسأل من الفارقانى عن أحوالهم وكيف يكون أمرهم عند الملاقاة وأى الأيام يصلح لذلك، وكان

(1)

هكذا فى الأصل، والأرجح أن يكون «فى الشهر» - انظر ما سبق ص 12 عن تاريخ الموقعة، ونظر باقى الفقرة.

ص: 28

الفارقانى له اليد فى أحكام الفلك أكثر من برهان الدين المذكور. فقال له الفارقانى: يا خوند إن قدرت أن تؤخر الملاقاة مع العدو إلى مستهل الشهر تكون النصرة إن شاء الله لكم، وما عندى فى هذا اليوم طائل، وكان يوم الأحد. قال:

ولا يوم الإثنين ولا يوم الثلاثاء وخصوصا أن يكون يوم الأربعاء فإنه يوم لا يحمد فيه لقاء العدو. فقال له سلار: إذا - وافانا عدو نقول له، اصبروا حتى نبصر يوما جيدا نلقاكم فيه. ما هذا الفشار؟ ونهضوا من عنده مثل المطرودين.

‌ذكر ما جرى فى دمشق بعد انهزام الجيش:

بتاريخ ليلة الأحد الثانى من ربيع الآخر

(1)

كسر المحبوسون بباب الصغير باب السجن، وخرجوا منه قريبا من مائتى راجل. فنهبوا ما قدروا عليه، وجاءوا إلى باب الجابية فكسروا أقفال الباب الجوانى وأخذوا من الباشورة ما شاءوا، وكسروا أقفال الباب البرانى وخرجوا منه على حمية، فتفرقوا حيث شاءوا، لا يقدر أحد على ردّهم ولا صدهم، وعاثت الحرافشة فى ظاهر البلد، فكسروا أبواب البساتين، وقلعوا من الأبواب والشبابيك وغير ذلك ما قدروا عليه، وباعوه بأرخص الثمن، هذا وسلطان التتار قد قصد ورود دمشق بعد الوقعة.

واجتمع أعيان البلد والشيخ تقى الدين بن تيمية

(2)

فى مشهد على

(3)

، واتفقوا

(1)

«ربيع الأول» فى البداية والنهاية ج 14 ص 7، وهو تحريف، فالموقعة كانت فى 28 ربيع الأول - انظر ما سبق ص 12 - 14.

(2)

هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، شيخ الإسلام تقى الدين أبو العباس، المتوفى سنة 728 هـ/ 1327 م - المنهل الصافى ج 1 ص 358 رقم 195.

(3)

«بمشهد على من الجامع الأموى» - فى السلوك ج 1 ص 889.

ص: 29

على المسير إليه لتلقيه وأخذ الأمان منه لأهل دمشق، فتوجهوا يوم الإثنين الثالث من ربيع الآخر، فاجتمعوا به عند النبك

(1)

، وكلمه الشيخ ابن تيمية كلاما قويا فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين، ودخل المتسلمون للبلد من جهة قازان، فنزلوا بالباذرائية

(2)

، وغلقت أبواب المدينة سوى باب توما، وخطب الخطبة [202] يوم الجمعة سابع الشهر المذكور بالجامع ولم يذكر سلطانا فى خطبته

(3)

، وبعد الصلاة قدم الأمير إسماعيل [التترى]

(4)

ومعه جماعة من الرسل فنزلوا ببستان الظاهر عند الطريق، وحضر الفرمان بالأمان فطيف به فى البلد، وقرئ يوم السبت ثامن الشهر. بمقصورة الخطابة، ونثر شئ من الذهب والفضة

(5)

.

وفى نزهة الأنام: الذين خرجوا من دمشق لطلب الأمان من قازان هم:

خطيب دمشق القاضى بدر الدين بن جماعة، والشيخ زين الدين الفارقى

(6)

، والشيخ تقى الدين بن تيمية، والقاضى نجم الدين بن صصرى

(7)

، والصاحب

(1)

النبك: قرية بين حمص ودمشق - معجم البلدان.

(2)

المدرسة الباذرائية بدمشق: داخل باب الفراديس بدمشق، أنشأها الشيخ عبد الله بن محمد ابن الحسن الياذرائى، نجم الدين البغدادى، المتوفى سنة 655 هـ/ 1257 م - الدارس ج 1 ص 205.

(3)

«ولم يعين فى الخطبة اسم سلطان» - فى كنز الدرر ج 9 ص 19.

(4)

[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 890.

(5)

البداية والنهاية ج 14 ص 7.

(6)

هو: عبد الله بن مروان بن عبد الله، الشيخ زين الدين الفارقى الشافعى، خطيب الجامع الأموى، المتوفى سنة 703 هـ/ 1303 م - انظر ما يلى فى وفيات سنة 703 هـ.

(7)

هو: أحمد بن محمد بن سالم، قاضى القضاة نجم الدين أبو العباس بن صصرى، المتوفى سنة 722 هـ/ 1323 م - المنهل الصافى ج 2 ص 97 رقم 264.

ص: 30

فخر الدين بن الشيرجى

(1)

، والقاضى عز الدين بن الزكى

(2)

، والشيخ وجيه الدين ابن المنجى، والصدر الرئيس عز الدين بن القلانسى وابن عمه شرف الدين، وأمين الدين شقير الحرانى، والشريف زين الدين بن عدنان، والشيخ نجم الدين ابن أبى الطيب، وناصر الدين بن عبد السلام، وشرف الدين بن الشيرجى، والصاحب شهاب الدين الحنفى، والقاضى شمس الدين الحريرى، والشيخ محمد بن قوام البالسى والقاضى جلال الدين أخو قاضى القضاة إمام الدين القزوينى، والقاضى جلال الدين ابن قاضى القضاة حسام الدين، وجماعة كثيرة من الفقهاء والقراء

(3)

، وتوجهوا نحو جيش التتار.

وبقيت

(4)

المدينة بلا نائب ولا حاكم، وأكل الناس بعضهم بعضا، ومن قدر على أمر فعله، ووصلت أربعة من التتار، ومعهم الشريف القمى ونزلوا بالباذرائية، وأصبح الصباح ولم يفتح من أبواب دمشق باب، فكسرت أقفال باب توما، وكان الذى تولى كسرها نواب الولاة: الشجاع همام الدين وابن ضاعن وابن الذهبى النقيب، ووصل إلى ظاهر دمشق جماعة من التتار ومعهم أمير إسمه إسماعيل، فنزلوا ببستان الظاهر بطريق القابون، وأما الجماعة الذين خرجوا من دمشق فإنهم التقوا بالعساكر التترية بالنبك، واجتمعوا بالملك، ووقف

(1)

هو: سليمان بن محمد بن عبد الوهاب، الصاحب فخر الدين أبو الفضل بن الشيرجى، المتوفى سنة 699 هـ/ 1299 م - المنهل الصافى.

(2)

هو: عبد العزيز بن يحيى بن محمد بن على بن الزكى، قاضى القضاة، المتوفى سنة 699 هـ/ 1299 م.

(3)

انظر كنز الدرر ج 9 ص 19، النجوم الزاهرة ج 8 ص 123.

(4)

«وبقى» فى الأصل.

ص: 31

الترجمان، وتكلم منهم، وكان المتكلم فخر الدين بن الشيرجى، وأحضروا ما كان معهم من المأكول، فلم يظهر له وقع ولا حضر قدام الملك. وقال الملك قازان:

إن الذى تطلبونه من الأمان قد أرسلناه إليكم قبل حضوركم، فرجعوا إلى دمشق، وحضر الأمير إسماعيل إلى مقصورة الخطابة وحضر الخطيب ابن جماعة وفخر الدين ابن الشيرجى وابن القلانسى وابن منجى وجماعة لقراءة الفرمان، واجتمع الناس، وقرئ الفرمان على السدّة. فحمد الناس الله تعالى، وحصل للناس سكون وطمأنينة، وقرب التتار من دمشق وأحدقوا بالغوطة، وكثر العبث والفساد والنهب بالحواضر البرانية مثل العقيبة والشاغور وقصر حجاج وحكر الساق، ووصل الأمير قفجق وبكتمر السلحدار مع جماعة ونزلوا بالميدان الأخضر.

وورد مرسوم من الأمير إسماعيل بأن العلماء والقضاة والأكابر يتحدثون مع أرجواش نائب القلعة ويحسنون له تسليم القلعة [203] وإلا يدخل الجيش البلد، ولا تبقى بعد هذا الفلعة ولا البلد، فاجتمع جماعة منهم بدار الحديث وأرسلوا رسولا إلى أرجواش فلم يجبهم، فقاموا فى دار الحديث بأجمعهم إلى باب القلعة وأرسلوا إليه رسولا ثانيا فبلغه سلامهم. فقال: ومن هم الذين أرسلوك؟ فسماهم له بأنسابهم، فقال: هم المنافقون الخائنون للمسلمين، وليس عندى جواب، ومع هذا فهذه بطاقة وصلت إلى من السلطان صاحب مصر مضمونها أنهم قد اجتمعوا على غزة وكسروا الطائفة الذين تبعتهم من التتار، وهو يوصينى بالقلعة، وكان من جملة الجماعة الواقفين بباب القلعة: بدر الدين

(1)

بن فضل الله.

(1)

هو: محمد بن فضل الله العمرى، الدمشقى، القاضى بدر الدين، كاتب السر بدمشق، توفى سنة 706 هـ/ 1306 م - انظر ما يلى فى وفيات 706 هـ.

ص: 32

فقال أرجواش: وصل ابن فضل الله ويقف على البطاقة فإنها بخط أخيه

(1)

، فامتنع ابن فضل الله من الدخول واشتد خوفه وهرب من بين الجماعة، وتفرقت الجماعة على هذه الصورة.

وفى اليوم الثانى: حضر الأمير قفجق وجلس بالمدرسة العزيزية

(2)

وأمر بالمراجعة بأرجواش فى أمر القلعة، فراجعوه فلم يجبهم، وكتبوا فى هذا اليوم فرمانات كثيرة من شيخ الشيوخ [نظام]

(3)

الدين للتتار، ولم يحصل بأكثرها نفع، وخاف الناس، وأصلحوا أبواب الدروب، وكثر دخول التتار البلد، ونزل شيخ الشيوخ نظام الدين بالمدرسة العادلية

(4)

وادعى أنه يصلح أمور الناس، وطلب الأموال، ووقع النهب فى جبل الصالحية

(5)

، ودخلوا الناصرية

(6)

، والمارستان

(1)

هو: يحيى بن فضل الله العمرى: القاضى الرئيس، كاتب السر بالشام ثم بمصر، توفى سنة 738 هـ/ 1337 م - المنهل الصافى.

(2)

المدرسة العزيزية بدمشق: شرقى التربة الصلاحية: لصيق الجامع الأموى، أنشأها الملك العزيز عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، المتوفى سنة 595 هـ/ 1198 م - الدارس ج 1 ص 382.

(3)

[] إضافة مما يلى، وهى ساقطة من الأصل.

وهو: نظام الدين محمود بن على الشيبانى، شيخ الشيوخ - السلوك ج 1 ص 891.

(4)

هى: المدرسة العادلية الكبرى بدمشق، داخل دمشق، شمالى الجامع بغرب، وتجاه باب الظاهرية، يفصل بينهما طريق، أول من أنشأها نور الدين محمود، وتوفى ولم تتم فبنى بعضها الملك العادل أخو صلاح الدين، ثم توفى ولم تتم أيضا، فتممها الملك المعظم عيسى - الدارس ج 2 ص 359.

(5)

الصالحية: قرية كبيرة فى لحف جبل قاسيون. تطل على دمشق - معجم البلدان.

(6)

هى: المدرسة الناصرية الجوانية بدمشق، داخل باب الفراديس، شمالى الجامع الأموى، من إنشاء الملك الناصر يوسف بن صلاح الدين يوسف بن أيوب المتوفى سنة 659 هـ/ 1260 م - الدارس ج 1 ص 459.

ص: 33

القيمرى

(1)

، وكسروا الأبواب والشبابيك، وصعدوا إلى مغارة الدم، وإلى مغارة الجوع، ولم يعص عليهم موضع، ودخلوا إلى جامع الحنابلة، وأخذوا بسطه وكسروا القناديل والمنبر، ودخلوا فى مدرسة الشيخ ضياء

(2)

فنهبوها، وأخذوا من الصالحية من المطعومات والقمح والشعير والدفائن والذخائر شيئا كثيرا حتى كان الواحد يأتى إلى الخبيئة كأنه هو الذى خبأها من سرعة هدايته إلى مكانها.

وبلغ الناس بالبلد ما جرى بالصالحية، فشق عليهم، وتوجه الشيخ تقى الدين ابن تيمية وجماعة إلى شيخ الشيوخ الذى نزل بالعادلية وشكوا إليه الحال، فخرج معهم إلى الصالحية، فسمع التتار بخروجه فهربوا، ودخل أكثر الناس عرايا عليهم الجوالق والبلاسات، واشتد الأمر وسار التتار إلى قرية المزة

(3)

؛ وكان أكثر أهلها لم ينتقلوا عنها فنهبوها، وسبوا أهلها، وفعلوا بها كما فعلوا بالصالحية؛ ثم ساروا إلى داريا فاحتمى أهلها بالجامع، فلم يزالوا حتى دخلوه وفعلوا كما تقدم؛ وقتل من التتار جماعة من أهل داريا جماعة.

ثم خرج الشيخ تقى الدين بن تيمية إلى مخيم السلطان الذى يسمونه الأردو؛ وكان بتّل راهط، فدخل عليه ولم يمكّن من الإعلام كما ينبغى، بل أذن له فى

(1)

البيمارستان القيمرى بدمشق: بسفح قاسيون، أنشأه يوسف بن موسك القيمرى الكردى، الأمير سيف الدين أبو الحسن، المتوفى سنة 654 هـ/ 1256 م - الدارس ج 2 ص 271 - 272.

(2)

هى: المدرسة الضيائية المحمدية بدمشق، بسفح قاسيون شرقى الجامع المظفرى، أنشأها الشيخ الضياء أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسى الحنبلى، المتوفى سنة 643 هـ/ 1245 م - الدارس ج 3 ص 91.

(3)

المزة، قرية كبيرة وسط بساتين دمشق - معجم البلدان.

ص: 34

الدعاء والإسراع، وقيل: إنه كان مشغول الدماغ ولم يعلم بما جرى، ولو علم كان قتل جماعة من المغل، فيحصل بذلك فتنة وتفريق كلمة، فاجتمع تقى الدين بالوزير ابن سعد الدولة ورشيد الدولة [204] وتحدث معهما، فذكر أن جماعة من مقدمى المغول الأكابر لم يصل إليهم شئ من مال دمشق ولا بد من إرضائهم، فدخل الشيخ تقى الدين البلد، وقد ضاق الأمر بالناس، وهم فى شدة عظيمة، واشتاع بينهم أن قازان يريد الدخول إلى البلد، وقد جعل ما فيه للمغول خاصة، فضاقت صدور الناس، وقيل لهم: من لم يخرج من البلد ندقه فى عنقه، ومن أراد الخروج فليخرج إلى الصالحية، وكان هذا الكلام من جهة شيخ الشيوخ، ثم حمل حوائجه وخرج من العادلية، فقالت الناس: لو لم يكن الخبر صحيحا لما خرج مسرعا، فلما كان آخر النهار رجع بعض حوائجه وحضر إليه أعيان البلد وقالوا: إن رسم السلطان أن يضع على البلد شيئا معلوما سعينا فى استخراجه، ويكون مثل الشراء عن السلطان ويمنّ السلطان بالعتق على المسلمين، وكان قد قتل فى هذه الليلة رجلان من متولى أمر المناجيق من جهة أهل القلعة، وكان السلطان غضب من ذلك غضبا شديدا.

وقال الشيخ وجيه الدين بن منجى: أنا أبذل جميع ما أملكه من العين.

وقال الرئيس عز الدين بن القلانسى: قد أخذ منا شئ كثير، ولم يبق إلا أن يموت بعضنا على بعض، كل هذا وشيخ الشيوخ ساكت مصمم لا يفرج كربة عن مسلم، ولكن اشتدّ الطلب من الناس فقرّر على سوق الخوّاصين مائة ألف وثلاثون ألف من الدراهم، وعلى سوق الرمّاحين مائة ألف درهم، وعلى سوق علىّ ستون ألف

(1)

درهم، وعلى أكابر البلد ثلاثمائة ألف دينار، وجبيت من حساب

(1)

«مائة ألف» - فى السلوك ج 1 ص 893.

ص: 35

أربعمائة

(1)

ألف، ورسّم عليهم طائفة من المغل، مع كل إنسان طائفة منهم، وضيقوا عليهم، وعصروا ابن شقير، ووعدوا ابن منجى وابن القلانصى بوعيد، والمغل محيطون بهم يضربونهم، فصار جميع أهل دمشق فى الذل والهوان، وكثر النهب فى البلد، والقتل عمّال فى ضواحى دمشق وضياعها. يقال: إنه قتل ما يقارب مائة ألف إنسان من الجند والفلاحين والعامّة، وكثر الطلب، وعجز المطلوب، وعسر الأمر على الناس، وكان متولى الطلب الصفىّ السنجارى وعلاء الدين أستادار قفجق وأولاد الشيخ على الحريرى الحنّ والبنّ، وكان هؤلاء من أكبر المصائب على الناس، فنظم فيهم الشيخ كمال الدين بن الزملكانى

(2)

:

لهفى على جلّق يا سوء

(3)

ما لقيت

من كل علج له فى كفره فنّ

بالطمّ والرمّ جاءوا ولا عديد لهم

فالجنّ بعضهم والحنّ والبنّ

وقال علاء الدين الوداعى:

دهتنا أمور لا يطاق احتمالها

فسلّمنا منها الإله له المنّ

اتتنا تتار كالرمال تخالهم

هم الجنّ حتى معهم الحنّ والبنّ

(1)

وورد «وعلى سوق على مائة ألف درهم، وعلى سوق النحاسين ستون ألف درهم، وعلى قيسارية الشرب مائة ألف درهم، وعلى سوق الذهبيين ألف وخمسمائة دينار. وقرر على أعيان البلد تكملة ثلاثمائة ألف دينار، جبيت من حساب أربعمائة ألف» - السلوك ج 1 ص 893 - 894.

(2)

هو: محمد بن على بن عبد الواحد، كمال الدين الزملكانى، الدمشقى، توفى سنة 727 هـ/ 1326 م - المنهل الصافى.

(3)

«يا شر» - فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 126.

ص: 36

وقال الشيخ كمال الدين ابن قاضى شهبة

(1)

:

[205]

رمتنا صروف الدهر منها بسبعة

فما أحد منّا من السبع سالم

غلاء، وغازان، وغزو، وغارة،

وغدر، وإغبان، وغمّ ملازم

ثم استهلّ شهر جمادى الأولى: ففى أول ليلة منه بات المغل منتشرين بباب البريد إلى القلعة بسبب حفظ مناجيقهم التى بالجامع، وكانت لهم مدة يحاصرون القلعة، وكسروا دكاكين باب البريد وأخذوا ما فيها، وانتقل الناس من تلك الناحية، وتركوا حوائجهم وأقواتهم، عجزوا عن حملها، وغلقت أبواب الجوامع وترك منها باب صغير، وانقطع الناس عن الجامع.

وفى الجمعة الأولى من الشهر: نهب دير الحنابلة مرة ثانية، وسبيت من كان فيه من النساء والأولاد، ومن جملة ما أخذوا: مائة وعشرون بنتا، وأسروا القاضى تقى الدين الحنبلى

(2)

وعملوا فى رقبته حبلا يجرونه به، ثم تركوه.

وأما البلد فأحرقت منه دار الحديث الأشرفية

(3)

وما جاورها، ودار الحديث

(1)

هو: عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب، كمال الدين، ابن قاضى شهبة، المتوفى سنة 726 هـ/ 1326 م - المنهل الصافى.

(2)

هو: سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن قدامة المقدسى الحنبلى، قاضى القضاة تقى الدين، المتوفى سنة 715 هـ/ 1315 م - شذرات الذهب ج 6 ص 35 - 36.

(3)

دار الحديث الأشرفية بدمشق: جوار باب القلعة الشرقى، أنشأها المسلك الأشرف موسى ابن أبى بكر بن أيوب المتوفى سنة 635 هـ/ 1237 م - الدارس ج 1 ص 19 - 20.

ص: 37

النورية

(1)

، والعادلية الصغيرة

(2)

وما جاورها، وأحرقت القيمارية

(3)

وما جاورها إلى دار السعادة إلى المارستان النورى، ومن الجهة الأخرى إلى المدرسة الدماغية

(4)

إلى باب الفرج، وأحاطت التتار بالقلعة من جميع الجهات

(5)

، وبقيت الأماكن موحشة لا يجسر أحد أن يمرّ بها، ولم تبق حارة ولا محلة إلا وقد دخلها التتار ونهبوها، واختفى الناس، وكان الرجل إذا حصلت له حاجة يخرج فى أثواب رثّة وهو خائف وجل، ثم عاد مسرعا، ولم يكن يصلى فى الجامع خلف الإمام إلا رجل أو رجلان، والتتار منتشرون فيه لأجل حفظ المناجيق، وشربوا فى الجامع الخمور، وانتهكوا حرمته، وفجروا فيه بالنساء، ونجسوه بالبول، وامتنع الناس من حضور الجمعة خوفا على أنفسهم، والأمر فى المصادرة والجباية حثيثا لم يعف عنه أحد لا غنى ولا فقير.

وحصّل لشيخ الشيوخ من البراطيل فوق الثلاثين ألف دينار، وكان لا يزال الدبوس على كتفه، ويفخم كلامه، ولم يكن فيه شئ من أخلاق المشايخ،

(1)

دار الحديث النورية بدمشق: أنشأها الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى، المتوفى سنة 569 هـ/ 1173 م، وهو أول من بنى دارا للحديث - الدارس ج 1 ص 99.

(2)

المدرسة العادلية الصغرى بدمشق: داخل باب الفرج شرقى باب القلعة الشرقى، أنشأتها زهرة خاتون بنت الملك العادل أبو بكر بن أيوب - الدارس ج 1 ص 368.

(3)

المدرسة القيمرية بدمشق: بسوق الحريميين بدمشق، أنشأها الأمير ناصر الدين الحسين ابن على القيمرى، المتوفى سنة 665 هـ/ 1266 م - الدارس ج 1 ص 441.

(4)

المدرسة الدماغية بدمشق: داخل باب الفرج، وهى قبلى وشرقى الطريق الآخذ إلى باب القلعة الشرقى، وهذا الطريق بينها وبين الخندق، أنشأتها زوجة شجاع الدين بن الدماغ العادلى سنة 638 هـ/ 1240 م - الدارس ج 1 ص 236.

(5)

«وأخذ أرجواش فى هدم ما حول القلعة من العمائر والبيوت، وصيروها دكا لئلا يستتر العدو فى المنازلة بجدرانها، فأحرق ذلك كله» - السلوك ج 1 ص 893، وانظر ما يلى.

ص: 38

وكان كثير الطمغ وكان يستهزئ بقلعة دمشق ويقول: إش هذه؟ لو أردنا أخذها أخذناها من أول يوم جئنا، وإنما الملك يريد الرفق.

كل هذا والناس فى المصادرة، وكان المستخرج من الدراهم برسم خزانة الملك ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف سوى الدواب والقماش والسلاح والقمح والشعير، وذلك غير الذى أخذه المغول من النهب والبرطيل، وحصل لخواجا أصيل الدبن بن النصير الطوسى نحو من مائتى ألف لأنه كان منجم الملك وناظر الأوقاف التى فى ممالك التتار، وطلب من أوقاف دمشق أجرة النظر عن سنة كاملة، واستخرج الصفى السنجارىّ لنفسه مائة ألف درهم، وكل هذا غير الذى استخرجه قفجق لنفسه ولأمراء المغول، وسوى الرواتب المرتبة للملك فى كل يوم ولخواصه، ونهب لأهل دمشق ما يقارب ذلك، وأحرق من الأملاك والأوقاف والمدارس ما لا يقدر أحد على ضبط قيمته.

‌ذكر نسخة فرمان التى كتبها قازان:

[206]

لما تولى قازان بظاهر المرج والغوطة خرج إليه أهل دمشق بمفاتيح أبوابها ونفائس هداياها، فأقبل عليهم وقبل ما أحضروه وأمنهم فكتب فرمان لأهل دمشق ونواحيها وأرسلها بأنهم آمنون وأن مغل لا يتعرضون للرعية ولا لأموالهم، وهم يقيمون جمع ما يختاره الملك، فإن البلاد بلاده والرعية رعيته، وكتب ذلك على يد الشريف، وصورة ذلك

(1)

:

(1)

كانت بداية الفرمان: «بقوة الله تعالى وإقبال دولة السلطان محمود غازان» - كنز الدرر ج 9 ص 25. و «بقوة الله تعالى، وميامين الملة المحمدية، فرمان غازان» - فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 208 أ.

ص: 39

ليعلم أمراء التوامين والألوف، وعموم عسكرنا المنصور من المغل والكرج والأرمن أن الله نور قلوبنا بالإسلام، وهدانا إلى ملة نبيه عليه السلام {(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)}

(1)

. وأتم الله علينا نعمته، وأنزل علينا سكينته، وقهرنا العدو الطاغية، والجيوش الباغية، وصدّرنا أن لا يتعرض أحد من العساكر على اختلاف أجناسها لدمشق وأعمالها، وسائر البلاد الشامية، وأن يكفوا أظفار التعدى عن الأنفس والأموال والحريم والعيال، والتعرض لأهل الأديان، وكل راع مسئول عن رعيته {(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)}

(2)

.

ثم أرسل قازان إلى دمشق قطلوشاه، ومعه يحيى بن جلال الدين، ورشيد الدين المسلمانى، وزيره، ونجيب الدولة اليهودى، مشيره، والأمراء المصريّون وهم: الأمير سيف الدين قفجق، والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار، وأكابر دمشق صحبتهم، وكان ذلك يوم الجمعة، ولم يدركوا الخطبة بدمشق، وكان وصولهم دمشق بعد العصر، ودخلوا الجامع، وحضرت أهل دمشق، وقرئ الفرمان على المنبر، واطمأنت نفوس الناس بعض شئ، ثم أقاموا بها أياما لجباية الأموال كما ذكرنا صورة الجباية.

وأطاع أهل دمشق جميعهم قازان ما خلا الأمير علم الدين سنجر المنصورى المعروف بأرجواش نائب القلعة، وكان من مماليك السلطان الملك المنصور

(1)

آية رقم 22 من سورة الزمر رقم 39.

(2)

آية رقم 90 من سورة النحل رقم 16. وانظر نص الفرمان فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 258 أ - 212 أ، كنز الدرر ج 9 ص 25 - 23.

ص: 40

القدماء، فإنه أظهر حزما واجتهادا ويقظة واستعدادا ولم يسلم القلعة، بل صمم على امتناعه وأخذوه بأنواع من الترهيب والترغيب، فلم يرهب السطا ولا رغب فى العطا، ونصبت عليها المجانيق، فما هاله أمرها ولا فتح لها بابا حتى رحل قازان عن البلاد ولم ينل منها ما أراد، ولما اشتد الحصار وأحاطت بالقلعة جموع التتار خاف أن يستولوا عليها من الأماكن والمساكن التى عليها، فهدم جميع ما حولها من العمائر والبيوت وصيرها دكا، وهدم دار السعادة وكان هدمها من السعادة لئلا يتستر العدو فى المنازلة بجدرانها ويتسلطوا بنصب المجانيق خلف بنيانها، فتناوبوا على حصارها أياما متواترة، وليالى متكاثرة، ولم ينالوا منها مراما ولا رأوا من نائبها تسليما ولا سلاما، فصبروا إلى أن أدركهم لطف الله، فسلموا وصابروا وما سلموا.

وعلم

(1)

قازان أن أموال دمشق جميعها بالقلعة، وفيها خزانة السلطان الناصر، وأموال الأمراء وغيرهم، وأنه لا يتم له ملك ولا يملك قلعة من قلاع الشام حتى يملك قلعة دمشق، فإن أمر القلاع معدوق بأمرها، فطلب قفجق وبكتمر وغيرهما واستشارهم فى أمرها، فعرفوه أنها قلعة حصينة، وأن نائبها رجل شديد البأس وما يمكن أخذها إلا بعد قتال شديد وتلاقى العسكر.

وحضر فى ذلك الوقت نجيب الدين وزير قازان من غزنة، فأشار عليه أن يعمل المنجنيق ويتوصل به إلى هدم القلعة

(2)

، فرسم له عند ذلك بالإنعام الكثير، فشرع فى عمل ذلك، وساعده جماعة من أهل دمشق على قطع الأخشاب

(1)

بداية ما كتب على هامش الورقتين 206، 207.

(2)

«وجاء رجل منجنيقى فالتزم لغازان بأخذ القلعة، وقرر أن ينصب المجانيق عليها فى جامع دمشق» - نهاية الأرب ج 27 ص 412.

ص: 41

وعمل المنجنيق فى وسط الجامع الأموى، فبلغ ذلك أرجواش نائب القلعة، فصبر إلى أن هجم الليل، وأرسل جماعة من القلعة ومعهم النفط، فأطلقوا النار أولا فى دار السعادة، ثم فى سائر الأماكن القريبة من القلعة

(1)

، فصارت تلك الأماكن شعلة نار، وكان فيها جماعة من التتار، فهربوا منهزمين، فبقيت النار تعمل يومين وثلاث ليال.

ولما بلغ ذلك قازان غضب غضبا شديدا وأمر لسائر المغل بالركوب، وركب هو مع الأمراء إلى أن وصل إلى القلعة، ونظر إليها، واستهون أمرها، وأمر بردم الخندق. فقالوا له: لا يمكن ردمه فى شهر لأن المياه مسلطة عليه وصعّبوا أمره، وكان قصدهم إخماد النار، وأشار قفجق أن يخاطب نائب القلعة بحضور قازان ويعد - له - بكل خير، وسمع قازان جوابه، فخرج قفجق وبكتمر وبعض أمراء المغل، فوقفوا قريبا من الخندق، وكان أرجواش قد نصب له كرسى عال

(2)

بحيث يراهم ويرونه، فلما رأوه سلموا عليه، وسلم عليهم، ثم شرع قفجق يعرّفه عن قازان بالمواعيد والعطايا، وإنه إن لم يفعل فإن الملك يفعل كذا وكذا.

فلما سمع أرجواش كلامه أجابه فأغلظ فى جوابه، فقال له: يا منافق، من يتقرب إلى القلعة؟ والله لو تقرب إليها أستاذى الملك المنصور ما كان له عندى غير سهم فى صدره، ولكن قل لقازان يتقدم حتى ينظر ما يجرى عليه، وأخذ فى سبّهم ولعنهم، وبلغ المغل ذلك لقازان، فغضب غضبا شديدا، وأمر

(1)

«لئلا يتمكنوا من محاصرة القلعة من أعاليها» - البداية والنهاية ج 14 ص 9.

(2)

«عالى» فى الأصل.

ص: 42

عند ذلك « ...... »

(1)

وأحدقوا بجوانبها، وما شعروا إلا وقد شقتهم سهام من أكف الرماة من سهام قسىّ وجرخ ونفط ومدافع ومكاحل، وكان فى القلعة من الرماة أكثر من ألف رام، فنزلت السهام عليهم مثل المطر، واختلطت الرجالة بالخيالة، فقتلت طائفة وجرحت آخرون

(2)

.

ورأى قازان يوما عظيما لم ير مثل ذلك، فتقدم قفجق والأمراء منه وقالوا له: يا خوند أمهل حتى يفرغ عمل المنجنيق تبلغ به ما تريد، وتلطفوا معه فى الكلام إلى أن رجّعوه، فعند ذلك جهز أمراء من المغل يستعجلون بعمل المنجنيق.

وبقى أرجواش يكشف أمر المنجنيق إلى أن يعرف أنه على الفروغ، فطلب أربعة أنفس من الرجال المعدودين فقال لهم: أنزلوا واقتلوا صانع المنجنيق وارموا النفط فيه، فنزلوا وقد بايعوا أنفسهم من الله تعالى، فوجدوا المغل نائمين وعامل المنجنيق سهران فى العمل، فوثب بعضهم عليه وضربه بسكين فى بطنه أخرج أمعاءه، وضرب كل واحد منهم آخر من رفقته فقتلوا ثلاثة، ورموا فى الأخشاب النفط فعلق من ساعته، ووقع الضرب فى الجامع، وقتل من المغل اثنان، وركبت المغل وهم متحيرون لم يعرفوا من أين جاءتهم الداهية، ورأوا النار تعمل فى الجامع، وكانت ليلة عظيمة، ودقت الكوسات فى القلعة.

وبلغ ذلك قازان، فصعب عليه جدّا، فطلب الأمير إسماعيل وأمره أن يأخذ معه جماعة من المغل ويتولى عقوبة أهل دمشق ويستخرج منهم الأموال، فركبوا،

(1)

« ...... » موضع ثلاث كلمات غير مقروءة.

(2)

هكذا بالأصل.

ص: 43

ورأى أهل دمشق منهم شدة عظيمة، فجاء

(1)

قفجق إلى قازان وتلطف به وقال له:

يا خوند الأموال لا تستخرج على هذه الحالة، ولكن بالتلطف على الناس.

فأجاب إليه، وعين لذلك جماعة - وقد ذكرناهم - حتى جبوا الأموال التى ذكرناها.

قال صاحب النزهة: واستمر الأمر على أهل دمشق من النهب وأخذ الأموال خمسة وأربعين يوما، فإن قازان نزل الغوطة فى العشر الأول من ربيع الآخر ورحل منها فى منتصف جمادى الأولى

(2)

، والله أعلم

(3)

.

‌ذكر إرسال قازان جماعة من جيشه ذوى الطغيان إلى الأغوار وبيسان:

ولما وصل قازان إلى دمشق أرسل من عسكره عشرين ألفا مجردين صحبة مولاى [207] وأبشغا وجبجك وهلاجو، فنزلوا بالأغوار وبيسان وشنوا الغارات على تلك البلاد. ونهبوا ما وجدوا من المواشى والأقوات والأزواد، وقتلوا من وقع فى أيديهم، وانتهت غاراتهم إلى القدس الشريف والخليل عليه السلام، ووصلوا إلى غزة وقتلوا بجامعها خمسة نفر

(4)

من المسلمين كانوا به منقطعين، ثم رجعوا إلى الشام وقد عاثوا ونهبوا وسبوا وأسروا جماعات كثيرة، وحصروا قرى كثيرة

(1)

«جاء» فى الأصل.

(2)

«ورحل غازان فى يوم الجمعة ثانى عشر جمادى الأولى» السلوك ج 1 ص 895، «تاسع عشر جمادى الأولى» - فى البداية والنهاية ج 14 ص 9.

(3)

نهاية ما وجد على هامش الورقتين 206، 207.

(4)

«وقتلوا بجامعها خمسة عشر رجلا» - السلوك ج 1 ص 896.

ص: 44

وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا، ولما وصلوا إلى دمشق - وكان قازان قد رحل بعسكره - جبى له قبجق من أهل دمشق جباية أخرى لأجل مولاى، وخرج تقى الدين بن تيمية إلى مخيم مولاى، فاجتمع به فى مكان، فرأى من معه من أسارى المسلمين، فاستنقذ كثيرا منهم. وأقام عنده ثلاثة أيام، ثم عاد.

وفى عشية يوم السبت الرابع من رجب

(1)

: رحل مولاى وأصحابه، وأشمروا عن البلد، وساروا من على عقبة دمّر، فعاثوا فى تلك النواحى فسادا، ولم يأت سابع الشهر وفى حواشى البلد منهم أحد، ولله الحمد

(2)

.

‌ذكر رحيل قازان من الشام:

لما ملّ قازان من الإقامة على الشام همّ بالرحيل، وكانت إقامته قدر شهرين، ثم رحل متوجها إلى بلاده فى الخامس عشر

(3)

من جمادى الأولى من هذه السنة، وكان قد ولّى الأمير سيف الدين قفجق النيابة بالبلاد الشامية، والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار البلاد الحلبية والحموية، والأمير سيف الدين إلبكى البلاد الساحلية، ظنا أنه قد صارت الممالك الإسلامية فى قبضته وانحازت إلى حوزته، فلم يتم له ما أراد، ولا بلّغه الله شيئا من هذا المراد، وأقام بعد رحيله نائبه قطلوشاه مع جمع كثيف من الجيش، فلما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر المذكور قرئ بالجامع تقليد الأمير قفجق بنيابة السلطنة بالشام،

(1)

«ورحلوا عن دمشق يريدون بلادهم فى ثانى رجب» - السلوك ج 1 ص 896.

(2)

البداية والنهاية ج 14 ص 10 - 11.

(3)

«ثانى عشر» - السلوك ج 1 ص 895، كنز الدرر ج 9 ص 31 «السابع عشر من جمادى الآخرة» - التحفة الملوكية ص 159.

ص: 45

وتولية الأمير يحيى بن جلال الدين الختنى

(1)

الوزارة.

وفى يوم الإثنين الثانى والعشرين من الشهر: رحل قطلوشاه والعساكر، ففرح الناس بذلك واطمأنت قلوبهم، وخرج الناس إلى جبل الصالحية وإلى الحواضر والمزارع وأظهر الناس ما تخلف من أمتعتهم، وجلسوا فى الأسواق وباعوا واشتروا، واشتد الغلاء، فبلغ سعر القمح الغرارة منه بثلاثمائة درهم، ومن الشعير إلى مائتى درهم، والرطل الخبز بدرهمين، والرطل من اللحم بإثنى عشر، والرطل من الجبن بإثنى عشر، ومن الزيت بستة. والبيض كل أربعة بدرهم.

وأما الأمير قفجق فإنه لما عاد من وداع قازان ركب

(2)

الموكب فى دمشق والعصابة على رأسه، ونادى فيها برجوع الناس، وآمنهم على أنفسهم.

وكان قد حضر إليه بعض أهل الفساد وضمنوا منه الخمر وبيعه وعين عليه كل يوم ألف درهم وجعل دار ابن جرادة خارج باب توما خمّارة وحانة.

وأخذ أموالا أخر من أوقاف المدارس وغيرها، ثم شرع يركب بالعصابة والشاويشية بين يديه، وجهّز نحوا من ألف فارس نحو خربة اللصوص، ومشى مشى الملوك فى الولايات وتأمير الأمراء والمراسيم العالية النافذة والآراء، وصار كما قال الشاعر:

(1)

الختنى: نسبة إلى بلدة محتن بالقرب من كاشغر بالتركستان - معجم البلدان.

(2)

هكذا بالأصل هو «ورد» وأقام الأمير قطلوشاه مقدم عساكر التتار بعد غازان بدمشق

حتى سافر ببقية التتار فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين جمادى الأولى، وخرج الأمر قيجق نائب الشام لتوديعه، ثم عاد يوم الخميس خامس عشرينه» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 177.

ص: 46

يا لك من قنبرة بمعمرى

خلالك الجوّ فبيضى واصفرى

ونقرىّ ما شئت أن تنقرى

(1)

[208]

ثم نهض الشيخ تقى الدين بن تيمية واجتمع بالأمير قفجق وقال له: إن الذى فعلته من ضمان الخمور شنعة كبيرة، وثلمة عظيمة فى حق الإسلام، واستأذنه فى إبطاله، فأذن له، وخرج بنفسه وأراق ظروف الخمر جميعها.

ولما كان يوم الجمعة

(2)

رسم للخطيب بإعادة الخطبة فى سائر الجوامع باسم السلطان الملك الناصر، وكان بالجامع الأموى ذلك النهار بكاء عظيم وتضرع إلى الله تعالى وتذاكر بما كانت الناس فيه من الشدة والنهب والسبى، وكانت مدة انقطاع الخطبة عن ملك الإسلام نحو مائة يوم، ثم أعادها الله تعالى.

وكان تقدير الذى حمل إلى خزانة قازان ثلاثة آلاف ألف دينار

(3)

سوى ما أخذ من البراطيل للأمراء والوزراء وأكابر المغل، وهذا هو الذى حصره ابن المنجى، وأما الذى نهب من دمشق والأماكن التى ذكرناها فإنه لا يمكن حصره، وكذا الذى كسبه الأمراء والجند يوم الهزيمة، وذكر أن الذى صحبهم من الأسرى أحد عشر ألف نفس من الرجال والنساء والأطفال، وكان معظمهم من جبل

(1)

البداية والنهاية ج 14 ص 10.

(2)

«يوم الجمعة سابع عشر رجب» - فى البداية والنهاية ج 14 ص 11.

(3)

«قال ابن المنجا: إن الذى حمل إلى خزانة قازان خاصة نفسه ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 127.

ص: 47

الصالحية ولم يصحب معهم

(1)

إلى البلاد إلا القليل منهم، فإن منهم من هرب بالليالى، ومنهم من مات، ومنهم من اختفى، وأخذوا من البلد فوق عشرة آلاف فرس، وكان معظم فسادهم فى جبل الصالحية، وكان غالب ذلك من طائفة الأرمن، فإن صاحب سيس كان فى قلبه حزازات من فعل المسلمين فى بلاده التى أخذت منهم

(2)

، وضياعه التى أخربت، ورجاله الذين قتلوا، والغارات التى كانت تتواتر على بلاده من جهة المسلمين، ولما اتفق من نصرة قازان ما اتفق حضر صاحب سيس قدام قازان وسأله أن يمكنه من الدخول من الباب الشرقى والخروج من باب الجابية، ويضع السيف بين البابين ويشتفى من المسلمين ويقيم بألف ألف دينار، فوقف قفجق فى طريقه وتحدث مع قازان وقال له:

قد ملكت هذه البلاد وهى فى يدك والمال الذى تحمله هذا تأخذه من أهل الشام من غير سفك دم، وما زال به حتى طرد صاحب سيس عن مراده.

‌ذكر صور الفرمانات التى كتبها قازان: وهى أربعة:

‌الأول: كتبه إلى الأمراء والعساكر والجيوش والأكابر،

وهذه نسخته

(3)

:

ميامين الملة المحمدية

(4)

، فرمان غازان، ليعلم

(5)

الأمراء والأكابر وأشراف السادات العظام، والمشايخ الكرام، وسائر مشاهير الأعراب، من الخواص

(1)

هكذا بالأصل.

(2)

هكذا بالأصل بصيغة الجمع.

(3)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 208 أ - 212 أ.

(4)

«بقوة الله تعالى» وميامين الملة المحمدية» - فى زبدة الفكرة.

(5)

«أعلم» - فى زبدة الفكرة.

ص: 48

والعوام، إنه فى كل زمان يقتضى الدوران. يرسل الله تعالى نبينا لهداية العالم، ودلالة الإنسان إلى طريق الصواب. وحفظ الأساطير فى مال الدين، فلما انتهت النوبة إلى خاتم النبيين محمد المصطفى الذى أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أرسله إلى جميع الخلائق ليهدى كافة الأنام من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، ويرشدهم من علائق الجثمانيات إلى زوايا الروحانيات، ويزيّنهم بكمال الدين وتهذيب الأخلاق، وأنزل عليه القرآن العظيم، [209] وعلمه الأحكام الشرعية الشريفة المطهرة لينقذ بها التابعين من نار جهنم، فالواجب على كل أحد متابعة هذا النبى ومطاوعة شريعته، والذى يخالفه يكون مأواه

(1)

جهنم وبئس المصير، ومن أول بعثته ومفتتح رسالته إلى زماننا هذا كلما وقع فى أمور الدين الخلل وظهر الوهن فى شريعة المسلمين، وأقدم الإنسان على العصيان وأصر على الطغيان، أظهر لهم

(2)

من أولى الأمر شخصا يقوى الأمور الدينية ويزكى الخلائق طرا، وينهاهم عن الأمور المستنكرة، ويردّهم إلى الطرائق المستقيمة المستحسنة، وقبل زماننا

(3)

هذا قد ظهر المشركون وعبدة الأوثان، والجماعة الذين كانوا يلايمونهم من المسلمين الذين يقولون آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ظلموا وتعدّوا، وكانوا يعلّمونهم الحيف والجور على الرعية وغصب أموالهم وأكل الربا

(4)

، وترك الصلاة والزكاة والصيام والصدقات وأعمال البر.

(1)

«مأواهم» - فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، ويتفق مع السياق.

(2)

«سبب له» - فى زبدة الفكرة.

(3)

«زمان» - فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

«الربوا» فى الأصل.

ص: 49

وقدر الله من المعجز النبوى المصطفوى المحمدى على صاحبه الصلاة

(1)

والسلام أننا من أولاد جنكز خان الأعظم الذى تحت حكمهم معظم الأقاليم العظيمة دخلنا فى هذا الدين القويم والصراط المستقيم بغير تكليف، بل جلا نور هداية الحق ودين النبى المصطفى على قلوبنا، وكرّمنا الله بالإسلام، وفضلنا بالعدل والإحسان، ورسخ فى قلوبنا محبة الدين الحنيفى، ووفقنا الله تعالى بالجهاد فى قتل المشركين وعبدة الأوثان والمخالفين، وهدم بيوت الأصنام ودفع شر الظالمين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما أمر الله فى محكم كتابه:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ}

(2)

الآية. فأمرنا فى الممالك كلها ببناء المساجد ونصب المنابر وإقامة الصلوات وإيتاء الزكاة

(3)

، ونهينا عن أخذ الربا

(4)

، ومنعنا من سائر أنواع الظلم والخطأ، فإن الظلم مرتعه وخيم، وقررنا فى بلاد الإسلام الأموال المقننة لمصالح عساكر الإسلام عند المجاهدة فى سبيل الله عز وجل، حسبما اقتضاه الشرع المطهر بلا إحداث قاعدة ولا حيف ولا عدوان ولا تطاول على أحد من المسلمين، واجتهادنا فى استخدام هذه المعانى زائد عن الحد، {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللهُ}

(5)

.

وحيث آباؤنا وأجدادنا سمّونا غازان، كان ذلك بتقدير الله عز وجل فى الأزل فى الإلهام الإلهى الملهم بالتلقيب لهذا الاسم الذى هو مشتق من الغزو،

(1)

«الصلوة» فى الأصل.

(2)

جزء من الآية رقم 90 من سورة النحل رقم 16.

(3)

«الزكوة» فى الأصل.

(4)

«الربوا» فى الأصل.

(5)

الآية رقم 43 من سورة الأعراف رقم 7.

ص: 50

أوجبنا على أنفسنا الغزو والجهاد، وقمع المشركين والخوارج والمتمردين والظالمين، وسمعنا أن أهل مصر والشام الذين أمسى منهم مسلمون مالهم عهد ولا ميثاق ولا أمانة ولا ديانة، ويأخذون أموال المسلمين، ويقصدون دماءهم

(1)

، توجهنا قاصدين دمارهم لدفع الحركات الرديّة البادية منهم، وإثباتهم على دين الإسلام ليكونوا هم وذرياتهم مفلحين من أهل الجنة، ويحصل لنا ثواب الاجتهاد، ويردّهم السؤال فى معنى خللهم وزللهم فى دين الإسلام. والجواب أنهم لما تحققوا أننا أولاد سلاطين ربع أقاليم الأرض، وإنا مسلمون ومعاونون دين الإسلام يجب على كل أحد [210] مطاوعتنا، اقتداء بكلام الله عز وجل:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ،}

(2)

فحيث عصى من عندنا سولتمش، [وانخرط فى الخوارج والمرتدين]

(3)

، وأقدم على إيذاء المسلمين ببعض بلاد الروم، وتخريب بيوتهم، ونهب أموالهم، هرب من عسكرنا المنصور، وتوجه إلى تلك البلاد، كانت الشريعة النبوية والشفقة الإسلامية تقتضى أن تمسكوه وتبعثوه مغلّلا بالحديد، مسلسلا إلى عتبتنا العالية، فتغافلتم وتهاونتم عن هذا، بل زودتموه بالعساكر والأنعام والنجدة إلى فوج من التركمان، ووعدتموه مواعيد عرقوب حتى يقع القتال بين المسلمين من عسكرنا المغول [وساكنى بلاد الروم، وعسى ما بلغهم أن جميع عسكرنا من

(1)

يشير بذلك إلى إغارة العسكر الحلبى على ماردين سنة 696 هـ، انظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 365 وما بعدها.

(2)

الآية رقم 59 من سورة النساء رقم 4.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 51

المغول

(1)

] والأيغورية والقفجاق والخطائية، وكل من كان بعد هذا من اختلاف الملل دخلوا كافة وطرا بصدق النية فى الإسلام، وأدركهم بتوفيق الله حسن الاتفاق، وارتضعوا أفاويق الوفاق، ونحن كأسنان المشط فى الاستواء والنفس الواحدة فى التئام الأهواء، وما كان فينا من لم يؤمن بربّه الأعلى ونبيه المصطفى، وعاش

(2)

على دين المغول ثمانين عاما، فإنه فى هذه السنة آمن بالله والملة الحنيفية ودخل فى زمرة المهتدين والحمد لله رب العالمين.

وإذا كنتم متهاونين فى قضية سولتمش وسائر الطاغين

(3)

، فالله تعالى الذى هدانا للصراط المستقيم ردّه مقيدا

(4)

مكبلا على يد أقل مملوك من مماليكنا، فجاءوا به إلى عتبتنا العالية لما أنعم الله علينا بالدين القويم، ووفقنا لتشييد قواعد سنن رسوله الكريم، وأرشدنا فى عنفوان الصّبا وريعان الحداثة للانخراط فى سلك أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه الكرام، عسى لم يعجبكم تقوية دين الله عز وجل التى نحن مصرّون عليها. ولو وصل لأجل هذا لقلوبكم البهجة والسرور لشكرتم الرحيم الغفور، وبعثتم من يهنئنا بدخولنا فى دين الحق من إخوانكم وأقاربكم، فما فعلتم من هذا شيئا

(5)

؟ ألا إن من اعتصم بالله كفاه.

وأيضا من أفعالكم المذمومة أن تنصبوا فى كل شهر وعام سلطانا، وتبايعون وتحلفون على طاعته والإعراض عن مخالفته، ثم تخالفونه بعد قليل، وتقتلون

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

«إلا مرليه فإنه عاش» - فى زبدة الفكرة.

(3)

هكذا بالأصل.

(4)

«رده الله مقيدا» - فى زبدة الفكرة.

(5)

«فما فعلتم شيئا من هذا» - فى زبدة الفكرة.

ص: 52

ذوى الأمر منكم خلافا لما أمر الله فى كتابه العزيز بطاعة أولى الأمر منكم.

وتنقضون ميثاقكم، ولم توفوا بعهدكم حتى تصيروا من {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ}

(1)

، وأى جرح أقبح من هذا.

وأما سائر أخلاقكم وعدم مشروعيتها فهى واضحة غير خافية، ومستغنية عن الشرح والتفصيل. فقد وافقنا مع عمنا

(2)

خان الأعظم وسائر أعمامنا وإخوتنا وعشائرنا فمنهم: قايدو، ونوقاى. وتوفتا، وقرمجى، [وطو]

(3)

، وغيرهم، وها نحن متوجهون بأنفسنا إلى تلك البلاد بالعساكر الكثيرة التى ما لها نهاية ولا حدّ، والكتائب الجرارة التى لا تحصى ولا تعدّ، ومن ولاية الإفرنج والروم والتكفور وديار بكر وبغداد بعثوا أفواجا كثيرة لا تعد، وجما غفيرا لنهدى بهم سهيل الرشاد، وندفع عن سائر المسلمين الشر والفساد.

[211]

فإن كنتم تتبعون الهدى وتستقبلون عساكرنا المنصورة، فنحن فى هذه النهضة الميمونة عازمون على أن لا يصدر عن أمرنا المطاع إلاّ إطفاء النائرة، ومحافظتهم فى الأمن والأمان، ليستريح المسلمون فى عهد الشفقة والإحسان، تعظيما لأمر الله وشفقة على خلق الله، وقد حرمنا على عساكرنا المنصورة التعرض إلى نفوس المسلمين والطموح إلى أموالهم، فإن لم تسمعوا ما رسمنا ونصحنا:

ف:

السيف أصدق أنباء من الكتب

فى حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

(1)

الآية رقم 27 من سورة البقرة رقم 2.

(2)

«قاآن» - فى زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 53

ولما كانت همتنا المنصورة مقصورة على وضع قواعد العدل والإنصاف» وعزمتنا المنيفة مصروفة إلى رفع قوانين الزور والاعتساف بحيث يستقيم الأمر فى مركزه تأسّيا بقوله تعالى: {يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}

(1)

الآية.

ولهذا توجهنا إلى تلك الجهات، وكيف يجوز تعذيب الرعية من غير جريمة صادرة عنهم لا سيما سفك دمائهم وسبى حريمهم

(2)

، فتجب علينا محافظتهم

(3)

ودفع الأسواء عنهم بموجب قوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته

(4)

». والتزمنا بمحافظة الرعية فى أنفسهم وأموالهم، والسعى فى ترفيه خواطرهم وتطييب قلوبهم، فينبغى أن يسكنوا فى دورهم آمنين مستكنّين، ويقيموا أسواقهم ويرتبوها، ويشتغلوا بالكسب والمعاملات بعد أداء وظائف العبادات وإقامة مراسم الطاعات، داعين

(5)

لدوام هذه الدولة القاهرة، ودوام أيامنا الزاهرة

(6)

؛ إذ وجب عليهم وعلى كافة المسلمين طاعتنا لقوله تعالى وأمره بطاعة أولى الأمر منكم

(7)

، وعليهم أن يخطبوا على المنابر باسمنا، وعند قرب

(1)

جزء من الآية 26 من سورة ص رقم 38.

(2)

هكذا بالأصل.

(3)

هكذا بالأصل.

(4)

قال عليه الصلاة والسلام: «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» - انظر سنن أبى داود - ج 3 باب الخراج والإمارة والفئ ص 130 حديث رقم 2928.

(5)

«لداعين» فى الأصل.

(6)

«الزاهرة» ساقط من زبدة الفكرة.

(7)

يشير إلى قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» - جزء من الآية رقم 59 من سورة النساء رقم 4.

ص: 54

الوصول إلى بلادهم يستقبلوننا، وتصاحبنا القضاة والعلماء والصلحاء والمشايخ والسادات والفقهاء مرشدين إلى المزارات المباركة من مشاهد الأولياء ومواقف الأنبياء، مستوهبين من الله تعالى التوفيق لنيل مثوباتهم، وإحراز بركاتهم، وبعد ذلك نقصد الإحرام بحجة الإسلام وزيارة بيت الله الحرام، سيما وهو أكبر قواعد الإسلام؛ إذ هو على كافة لقوله عز وجل:{وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}

(1)

.

وقد نذرت يميننا [على ذلك

(2)

]، وانعقد نذر بأنه ينادى من جهتنا بأن جميع المسلمين وسائر المتوكلين فى أمان من الله ورسوله، ويكونون مطمئنين، فارغى البال، رافعى الحال، ونحن عاهدنا الله ورسوله على جميع ذلك، وإذا وقفوا على ما أنفذنا إليهم يبعثون إلينا من يعرف أحوالهم، وخلوص عقيدتهم، وصفاء طويتهم حتى نعين الشحانى

(3)

المعتبرين. وفى صحبتهم التواقيع والفرامين

(4)

ليحفظوا البلاد، ويقيموا الأسواق، ولا يمكنوا أحدا من الظلم والجور، ولا تشويش خواطرهم، لأن العسكر المجهز إليهم معهم ما يكفيهم سنة وأكثر

(5)

، فاستراحوا من ذلك.

فإذا تشرفوا بمطالعة هذا التوقيع الشريف، وامتثلوا مقاصده وفحواه فقد فازوا فوزا عظيما، والاّ فقد خسروا خسرانا مبينا، وعقاب ذلك سفك الدماء

(1)

جزء من الآية رقم 97 من سورة آل عمران رقم 3.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

المقصود جمع «شحنة» .

(4)

المقصود جمع «فرمان» - فرمانات.

(5)

«لأن العساكر الجمة إذا وصلوا إليهم تبع المعاملات معهم ما يكفيهم سنة وأكثر» - فى زبدة الفكرة، وفيه اضطراب واضح.

ص: 55

[212]

وغارة الأموال بوقوع الهرج والمرج، ونحن نبرأ من ذلك، وقد أعذر من أنذر {(وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى)}

(1)

.

‌الثانى من الفرامين

(2)

: كتبه عند رحلته من الشام،

فقرئ بجامع بنى أميّة.

بقوة الله وميامين الملة المحمدية، فرمان السلطان محمود غازان:

ليعلم الأمراء والنواب والولاة والقضاة والسادة والصدور والناس كافة بممالك الشام والسواحل أنّ جدنا جنكز خان كان ملكا وابن ملك إلى سبعة جدود فى بلاد المغول

(3)

، وحيث أيده الله تعالى ملك بسيفه ربع الأرض المسكون، ولم يبلغنا فى تاريخ من التواريخ من لدن آدم عليه السلام وإلى يومنا [هذا

(4)

] أن ملكا ملك من الأقاليم ما ملكه، ولا تيسر له من التأييد ما تيسر له، ونحن سادس ملك من صلبه، وكان قد سبق فى تقدير الله أن يصيب أولاده ممن سلف قبلنا عين نافذة، فوقع بينهم الخلف وطال التنازع بينهم سنين كثيرة، فاجتمع من من بقايا سيوفهم أمم مختلفون يتسترون فى الأكنان ويتغيبون فى أبعد المكان، وكان منهم سكان مصر والشام، واجتمع بها من المماليك والخوارج زمرة غرّتهم سلامتهم من المغل المشتغلين عنهم بما كان أهم عندهم منهم، وطفقوا كل قليل يختارون من بينهم مملوكا من أرذل الأجناس، فيملكونه على الإسلام، ويحكمونه فى رقاب الأنام، وحسبوا أن ذلك تدبير الملك، ولم يتعرفوا طريق

(1)

جزء من الآية رقم 47 من سورة طه رقم 20.

(2)

المقصود «فرمانات» . وانظر نسخته أيضا فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 212 أ - 214 أ.

(3)

«الملوك» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، ويتفق مع السياق.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 56

النجاة من الهلك، حتى وصلت نوبة المملكة إلينا. وزفّت عروسها علينا، زين الله قلوبنا بالإسلام

(1)

، وأبهجها بأنوار الإيمان، وكان من الواجب المتعين وأدب الملوك الهين أن هؤلاء المماليك يهنئوننا

(2)

بما وهب الله لنا من الملك العظيم وهدانا إليه من الصراط المستقيم، ويرسلون إلينا رسلهم بتحف السلاطين، ويجدون فى استجلاب مودتنا أوضح القوانين، فمرت على ذلك ثلاث سنين، وهم يجهلون حقوق الأدب، ولم يؤدوا من عوائد الملك ما يجب، ولما علموا أننا دخلنا فى الإسلام راغبين، ولرضى الله سبحانه طالبين، حسبوا أنهم إذا فتحوا إلينا طريق المودّة جاءنا أكثر عسكرهم هاربين، ولم يكن لهم من التمييز أن يعلموا أن الملك يؤتيه من يشاء من عباده، وقد ملّك كثيرا من الكفار أكثر بلاده، كما بلغهم عن جنكز خان وعن كثير ممن كان، ولو كان نيل الملك بالتقوى لكان بنو فاطمة [عليهم السلام

(3)

] على الخلافة أقدر وأقوى، ولم يرضوا بذلك حتى سلكوا من التهجم والتقحم أقبح المسالك، وقصدوا طرفا من أطراف بلادنا على غرّة، وهجموا عليها على فترة، وكذلك سلامش

(4)

لما تسحب خوفا من ذنوب اقترفها وديون ارتكبها حموه، وأنفذوا معه عسكرا، وقصدوا أن يشعثوا الروم، وقد يكون حتف المغرور فيما يروم.

(1)

«بحب الإسلام» - فى زبدة الفكرة.

(2)

«يهنونا» فى الأصل.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

«سولتمش» - فى الفرمان الأول - انظر ما سبق ص 49.

ص: 57

فلما رأيناهم قد تجاوزوا فى البغى غاية الحدّ، واتخذوا المملكة لعبا واتكلوا على الجد، واغتروا بعدم التفاتنا إليهم، فكان

(1)

ذلك وبالا عليهم، لأنا رفعنا التنازع بيننا وبين أقاربنا، وجعلنا قصد مهلكتهم من مطالبنا، خشينا [213] أن جيوشنا تستأصل من المسلمين الأصاغر والأكابر، فأرسلنا إليهم رسلا ينذرونهم ويحذّرونهم ويذكرونهم، فحبسوا الرسل وقطعوا السبل، ثم حملهم الجهل والغرة على مقابلة جيوشنا ومقاتلتهم، وتمثلوا فى أنفسهم الغلبة فأقدموا على مماثلتهم، وكانوا قد عاجلونا وأكثر عساكرنا لم يركبوا خيولهم ولم يشهدوا الحرب، لما لم يعلموا تعجيلهم، وما لقيهم غير تسعة آلاف كانوا قد ركبوا معنا، فلقونا بأجمعهم، وما قابلوا جمعنا، وكان [من]

(2)

أمرهم ما كان، وتبين لذوى البصائر أن الله لم يرض منهم ذلك العدوان، فاجتمعت معنا أمراء دولتنا، وذكروا لنا أن هذه الطائفة من المماليك لهم أربعون سنة يقصدون الحصون فيخربونها، والمدن المستصعبة فيدمّرونها، حتى إنهم خرّبوا من البلاد وقتلوا من العباد ما يعادل أهل مصر والشام، وأوضحوا فى ذلك مقول الكلام، والمصلحة أننا نشن الغارة

(3)

على الشام من غزّة إلى الفرات، وينقل من فيها من الرعية فيعمّر بها ما خرّبوا ليقابل الفاسد بمثله، فما قبلنا مشورتهم، وقلنا: نحن لم نرض [فعلهم، ا]

(4)

فنصير بما فعلوا مثلهم، وأعرضنا عن ذلك، ورحمنا الرعية، وجعلنا مأمنهم أول نعمة لله عليهم، ومبدأ عطية، وإن كان قد وقع إلى أحد من عساكرنا بعض من استضعف

(1)

«وكان» - فى زبدة الفكرة.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«الغارات» - فى زبدة الفكرة.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 58

فقد أمنه بانتزاعه من يد من استلبه، حتى يبلغ برجوعه إلى أهله إربه، فأرسلنا إلى أهل القلاع والجبال والأعراب والتركمان والعشائر كتب الأمان ليكونوا فى أمان الله ورسوله وأماننا، وإذا خفت العساكر من هذه البلاد ردّ كل إلى وطنه، ورجع كل إلى سكنه.

ولقصدنا مصلحة الرعايا وحمايتهم، رتبنا مولاى وجبجك وأبشغا وبغا وهلاجو وقرابغا وبهادر مقدّمين على أربعين ألف فارس، وتركناهم على غزّة والغور، وأمرنا الأمير سبا أن يقيم على حلب وحماة وحمص فى عشرين ألف راكب، وأعطينا الأمير سيف الدين قفجق

(1)

نيابة السلطنة بدمشق، ورتبنا الأمير سيف الدين بكتمر نائب السلطنة بحماة وحلب

(2)

، والأمير فارس الدين إلبكى نائب السلطنة بصفد وطرابلس والسواحل، وجعلنا ملك الأمراء والوزراء ناصر الدين يحيى شادّا على الدواوين فى هذه الأقاليم كلها، فكل من أعطاه أحد من هؤلاء الأمراء أمانا فهو أماننا، وكل جندى أراد خدمتنا فقد أمرناهم أن يعيّنوا له إقطاعا يليق به، وليثقوا بما أودعه الله لهم فى قلوبنا من الرأفة وحسن النية، وليطيعوا هؤلاء الأمراء طاعة موفقة، ولا يتخلف أحد عن طاعتهم، فقد أخذنا عليهم العهود بالعدل والشفقة، وإن خالف أحد أو عصى فلا بد أن يذوق كأس الردى، والله تعالى يجمع قلوب رعايانا على الهوى، إن شاء الله تعالى.

(1)

«قفجاق» - فى زبدة الفكرة، فى هذا الموضع والمواضع التالية.

(2)

«بحلب وحماة» - فى زبدة الفكرة.

ص: 59

‌الثالث من الفرامين

(1)

: فرمان الأمير سيف الدين قفجق:

بتقوى الله وميامين الملة المحمدية، [214] فرمان السلطان محمود غازان:

الحمد لله الذى جرّد لنصر هذه الدولة القاهرة سيفا ماضيا، وانتضى لتأييدها من أوليائها قاضيا قاضيا

(2)

، وارتضى لها من أصفيائها من أصبح الملك عنه راضيا، نحمده ونشكره على نعمته التى أورثتنا الممالك، وجمعت لنا ما بين النصر والفتح وما أشبه ذلك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنيل النجاة وترفع الدرجات، ونشهد أن محمدا نبيه المرسل بالهدى والصدق، والمبعوث بدين الحق صلى الله عليه صلاة تنيله الوسيلة والفضيلة. وعلى آله خير آل وأشرف قبيلة، وبعد:

فإن الله تعالى لما منّ علينا بالإيمان، وهدانا إلى أشرف الأديان، حمدناه وشكرناه على أنه أضاف إلى ملكنا للدنيا ملكنا للآخرة، وجلّل علينا حلل الدين الفاخرة، ونذرنا أن نعم الرعيّة بعدلنا، ونشمل البريّة بفضلنا، وأن لا نسمع بمظلوم إلاّ نصرناه، ولا نطلع على مقهور إلا أنقذناه، فلما اتصل بنا ما بمصر من المظالم، ومن فيها من غاصب وظالم، هاجرنا لنصر الله تعالى ونصرة الدين، وبادرنا لإنقاذ من فيها من المسلمين، وراسلناهم وأنذرنا، وكاتبناهم وزجرناهم، ووعظناهم فلم تنفع فيهم العظة، وأيقظناهم فلم تكن فيهم

(3)

يقظة، فلقيناهم

(1)

المقصود: الفرمانات. وانظر أيضا نسخته فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 214 أ - 215 ب.

(2)

هكذا فى الأصل، وفى زبدة الفكرة.

(3)

«عندهم» - فى زبدة الفكرة.

ص: 60

بتقوى

(1)

الله تعالى، فكسرناهم وقطعنا

(2)

آثارهم، وملّكنا الله تعالى أرضهم وديارهم، وتبعناهم إلى الرمل وحطمناهم كما حطم سليمان وجنوده وادى النمل، فلم ينج منهم إلا الفريد، ولا سلم إلاّ البريد، فلما استقر تملكنا البلاد وجب علينا حسن النظر فى العباد، فاحضرنا الفكر فيمن نقلده الأمور، وأمعنا النظر فيمن نفوض إليه مصالح الجمهور، فاخترنا لها من يحفظ نظامها المستقيم، ويقيم ما أباد من قوامها القويم، يقول فيسمع مقاله، ويفعل فتقتفى أفعاله، يكون أمره من أمرنا، وحكمه من حكمنا، وطاعته من طاعتنا، ومحبته هى الطريق إلى محبتنا، فرأينا أن الجناب العالى الأوحدى الكفيلى المجاهدى الأميرى الهمامى النظامى السيفى، ملك الأمراء فى العالمين، ظهير الملوك والسلاطين قفجق، هو المخصوص بهذه الصفات الجليلة، والمحتوى على هذه المناقب الجميلة، وأن له حرمة المهاجرة إلى أبوابنا، ووسيلة القصد إلى ركابنا، فعرفنا له هذه الحرمة، وقابلناه بهذه النعمة، ورأينا أنه لهذا المنصب حفيظ قمين، وعلى ما استحفظ قوى أمين، وأنه يبلغنا الغرض من حفظ الرعايا، فأقمناه مقامنا فى العدل والقضايا، فلذلك رسمنا أن نفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الدمشقية والبعلبكية والحمصيّة والساحلية والجبلية والعجلونية والرّحبيّة من العريش الى سلميّة، نيابة تامة عامّة، كاملة شاملة، يؤتمر فيها بأمره، ويزدجر فيها بزجره، ويطاع فى أوامره ونواهيه، ولا يخرج أحد عن حكمه ولا يعصيه، له الأمر التامّ والنظر العام، وحسن التدبير وجميل التأثير، [215] والإحسان الشامل لأهل

(1)

«بقوة» - فى زبدة الفكرة.

(2)

«وقلعنا» فى زبدة الفكرة.

ص: 61

البلاد، واستجلاب الغزاة والقوّاد، وتأمين من يطلب الأمان والطاعة والامتنان متفقا فى الاستخدام والتأمين مع ملك الأمراء ناصر الدين، فإن اجتماع الآراء بركة، والهمم تؤثر إذا كانت مشتركة، وكل من أمّناه فإنه أماننا أجريناه على قلمهما ولسانهما

(1)

.

وقد أنعمنا

(2)

عليه بالسيف، والسنجق الشريف، والكؤوس، والبائزة الذهب برأس السبع، ورسمنا له بألف فارس من المغل يركبون لركوبه وينزلون لنزوله، وليكونوا تحت حكمه رفعة لقدره، وتنويها باسمه، وسبيل الأمراء والمقدمين وأمراء العربان والتركمان والأكراد والدواوين والصدور والأعيان والجمهور بأن يتحققوا أنه نائبنا فى السلطنة الشريفة، فإن

(3)

له هذه المنزلة المنيعة، وليطيعوه طاعة تزلفهم لديه وتقربهم إليه، ويحصل لهم بها رضاه عنهم وإقباله عليهم وقربهم منه. وليلزموا عنده الأدب فى الخدمة كما يجب، وليكونوا معه فى الطاعة والموافقة على ما يحبّ.

وعلى ملك الأمراء سيف الدين بتقوى الله فى أحكامه، وخشيته فى نقضه وإبرامه [وتعظيم الشرع وحكامه، وتنفيذ قضية كل قاض على قول إمامه

(4)

] وليعتمد الجلوس للإنصاف والعدل

(5)

، وأخذ حق المشروف من الأشراف، وليقم

(1)

«على قلبه ولسنانه» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

«أنعم» - فى زبدة الفكرة.

(3)

«وأن» فى زبدة الفكرة.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

«للعدل والإنصاف» - فى زبدة الفكرة.

ص: 62

الحدود والقصاص على كل من وجبت عليه، وليكف الكفّ العادية عن كل من يتعدى إليه، وقد تقدم من الأمر بالآثار الجميلة فى الشام المحروس ما تشوقت إليه الأعين وتاقت إليه النفوس، وقد ردّه الله سبحانه إليهم ردّا جميلا، فليكن بمصالح الدولة ومصالح الرعية كفيلا، والله تعالى يجعل له إلى الخير سبيلا ويوضح له إلى مراضى الله ومراضينا دليلا، بمنّه ولطفه.

‌الرابع من الفرامين

(1)

: [فرمان]

(2)

الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار.

بقوة الله وميامين الملّة المحمديّة. فرمان السلطان محمود غازان:

الحمد لله الذى أيدنا بالنصر العزيز

(3)

والفتح المبين، وأمدّنا بملائكته المقربين، وجعلنا من جنده الغالبين، نجدة على الهداية إلى سبيل المهتدين، والإرشاد إلى إحياء الدين، حمدا يوجب المزيد من فضله كما وعد الحامدين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنظمنا فى سلك المخلصين، ونشهد

(4)

أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، أما بعد:

فإن الله تعالى لما ملّكنا البلاد وفوض إلينا النظر فى أمور العباد، وجب علينا أن ننظر فى مصالحهم، وأن نهتم بنصائحهم، وأن نقيم عليهم نائبا يتخلّق

(1)

المقصود: الفرمانات. وانظر أيضا نسخته فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 215 ب - 216 ب.

(2)

[] إضافة للتوضيح يقتضيها السياق، كما ورد فى أول الفرمان السابق.

(3)

«والعز» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

«وأشهد» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، ويتفق مع السياق.

ص: 63

بأخلاقنا فى كرم السّجايا، ويبلغنا الأغراض فى مصالح الرعايا، فأعملنا الفكر فيمن نقلده الأمور، وأمعنا

(1)

النظر فيمن نفوض إليه مصالح الجمهور، واخترنا لها من يحفظ نظامها المستقيم، ويقيم ما تأوّد

(2)

من قوامها القويم، يقول فيسمع مقاله، ويفعل فتقتفى أفعاله، يكون أمره من أمرنا، وحكمه من حكمنا، وطاعته من طاعتنا، ومحبته هى الطريق إلى محبتنا، فرأينا أن الجناب العالى الأوحدى المؤيدى العضدى النصيرى العالمى العادلى الذخرى الكفيلى [216] السيفى سيف الدين، ملك الأمراء فى العالمين، ظهير الملوك والسلاطين بكتمر، هو المخصوص بهذه الصفات الجميلة، والمحتوى على هذه السمات الجليلة، وله حرمة المهاجرة إلى أبوابنا، ووسيلة الوصلة إلى ركابنا، فرعينا له هذه الحرمة، وقابلناها بهذه النعمة، ورأينا أنه لهذا المنصب حفيظ مكين، وخاطبنا لسان الاختيار {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}

(3)

، وعلمنا أنه يبلغ الغرض من صون الرعايا، ويقوم مقامنا بالعدل فى القضايا، فلذلك رسمنا أن نفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الحلبية، والحمويّة، وشيزر، وأنطاكية، وبغراس، وسائر الحصون، والأعمال الفراتية، وقلعة الروم، وبهنسى

(4)

، وما أضيف إليها من الأعمال والثغور، نيابة تامة عامة، كاملة شاملة، يؤتمر فيها بأمره، ويزدجر فيها بزجره، ويطاع فى أوامره ونواهيه، ولا يخرج أحد عن حكمه ولا يعصيه، له الأمر التام والنظر العام، وحسن التدبير وجميل التأثير،

(1)

«وأنعمنا» - فى زبدة الفكرة.

(2)

«إتآد» - فى زبدة الفكرة.

(3)

جزء من الآية رقم 26 من سورة القصص رقم 28.

(4)

«بهسنا» - فى زبدة الفكرة.

ص: 64

والإحسان الشامل إلى أهل البلاد، واستجلاب الولاء والوداد، وتأمين من يطلب الأمان

(1)

، ويتلقى من يترامى [إلى]

(2)

الطاعة والخدمة بالامتنان، متفقا فى الاستخدام والتأمين مع ملك الأمراء والوزراء ناصر الدين، فإن اجتماع الآراء بركة

إلى آخره مثل ما فى آخر الفرمان الثالث

(3)

.

ثم فى آخر الكل: مؤرّخ فى ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وستمائة بمقام مرج.

‌ذكر قدوم السلطان مصر مع أمراء دولته بعد الانهزام فى الوقعة المذكورة:

لما جرى ما جرى من انهزام الجيش السلطانى وصل السلطان الناصر إلى القاهرة وصحبته الأمير سيف الدين سلاّر، والأمير ركن الدين الأستادار، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار، ومن يلوذ بهم، وطلعوا القلعة فى العشر الأخير من ربيع الآخر

(4)

.

وقال صاحب النزهة: وكان ذلك اليوم يوم الأربعاء بكرة النهار الثانى عشر من ربيع الآخر، وكان المصاف الكائن بينهم يوم الأربعاء الثامن والعشرين من ربيع الأول بين الصلوتين، وتواردت بعده الأمراء المتأخرون والأجناد

(1)

«الأمن» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

انظر ما سبق ص 60 - 61.

(4)

«الأول» فى الأصل، وهو تحريف. وقد ورد:«قدم إلى قلعة الجبل يوم الأربعاء ثانى عشر ربيع الآخر» - السلوك ج 1 ص 896، النجوم الزاهرة ج 8 ص 128، وانظر ما يلى.

ص: 65

المنقطعون، وآخر من حضر كان أمير سلاح والطباخى وتغريل الأيغانى، وهم الذين كانوا سافروا على الساحل وحموا العسكر، وحملوا من وجدوه من المنقطعين، ووقع عند وصولهم فى قلوب الخلق توجع كثير وأسف وبكاء، وأقاموا المأتم على من فقد، وأقاموا أياما فى الحزن والنياح على من فقد من الأمراء إلى أن منعوا من جهة السلطنة.

وقال بيبرس فى تاريخه: وصل الأمير سيف الدين بلبان السلحدار المنصورى المعروف بالطباخى نائب السلطنة بالمملكة الحلبية وصحبته العسكر الحلبى، وكان عبورهم على جانب الساحل من جهة طرابلس، وصادفوا

(1)

المضيق، وقاسوا مشقة عظيمة من وعر الطريق، وخرج عليهم الجبليّة ونهبوا منهم جماعة وقتلوا جماعة، ووصل الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب السلطنة

(2)

بالشام [217] ومعه العسكر الدمشقى، والأمير سيف الدين كراى المنصورى نائب السلطنة بصفد وصحبته العسكر الصفدى، وحضر بعدهم الأمير زين الدين كتبغا المنصورى من صرخد، وعبر فى طريقه بالكرك وترك بها عائلته وأولاده، وأقبلت العساكر السلطانية واجتمعوا بالقاهرة

(3)

.

وقال صاحب النزهة: الأمير زين الدين كتبغا هذا قد كان تولى السلطنة وتلقبّ بالملك العادل كما تقدم ذكره، ثم لما خلعوه ولوه نيابة صرخد

(4)

، فلما

(1)

«فصادفوا» - فى زبدة الفكرة.

(2)

«بالشام المحروس» - فى زبدة الفكرة.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 217 أ، ب.

(4)

انظر الجزء الثالث من هذا الكتاب ص 312 وما بعدها، ص 350 وما بعدها.

ص: 66

دخل العدو البلاد ووصل السلطان الناصر والأمراء إلى دمشق تكلموا فى أمر حضوره، فلم يعجب الأمراء حضوره وسيروا إليه، فطلبوا مماليكه وعرفوّه أنهم أعفوه من الحضور ليحفظ قلعتّه، فسير إليهم جماعة من مماليكه، فحضروا المصافّ، فلما اتفق ما اتفق، نزل من صرخد وسافر على البريد إلى مصر، وكان يجلس مع الأمير سيف الدين سلار والأمير ركن الدين بيبرس ويأخذ المرملة ويرمّل على العلامات التى يكتبها نائب السلطان، فكان سلاّر يسأله أن يعفيه من ذلك، وكان كتبغا يحلف أنه لا بد أن يفعله، فكانت الناس إذا رأوا ذلك يتعجبون من صنع الله تعالى وعظمة قدرته أن سلار وغيره من الأمراء الكبار وأصحاب الوظائف كانوا فى خدمة كتبغا وهو سلطان يتخدمون له ويتضرعون إليه فى الأمور، ثم قلب الله ذلك حتى صار كتبغا فى خدمة سلار الذى هو أمير وليس بسلطان، ويرمّل على ما يكتبه من العلامات، ويسأله فى أشغال كثيرة سؤال مملوك مخدومه، وهذا من غرائب الزمان وعجائب الدهر، فسبحان المعزّ والمذلّ.

ومن العجائب أن كتبغا هذا عرضوا عليه جوشنا

(1)

فى أيام دولته وقد أعطى فيه بيبرس الجاشنكير أربعة آلاف درهم، فلما رآه كتبغا قال للدلال: كم جاب هذا الجوشن؟ قال: يا خوند أربعة آلاف درهم على بيبرس الجاشنكير. قال:

وهذا يصلح لذاك الخرياطى؟ فأخذه ووزن ثمنه، ومرت الأيام إلى أن اتفق لكتبغا ما اتفق ونفى إلى الشام ووقعت الحوطة على جميع حواصله، ووجد ذلك الجوشن فى حاصله، فأخذه لاجين، ثم انتقل بالعطاء من يد إلى يد حتى وقع فى يد بيبرس فعرفه وأخذه، وجعله فى حاصله إلى أن اتفق حضور كتبغا بعد

(1)

جوشن - جواشن: لفظ فارسى، وهو درع يتكون من حلقات يتداخل فيها صفائح رقيقة من التنك - صبح الأعشى ج 3 ص 473.

ص: 67

هذه الوقعة، ولما اجتمع بالأمراء أراد بيبرس ينكى كتبغا، فأرسل من يحضر بالجوشن المذكور، فلما حضر به قام بيبرس ولبسه، والأمراء كلهم حاضرون وكتبغا فيهم، ثم نظر بيبرس إلى كتبغا وقال: يا أمير إش تقول؟ يصلح لى هذا الجوشن فألبسه أم لا؟ فنظر إليه كتبغا ولم يعلم ما فى نفس بيبرس مما قصده من إنكائه. فقال: والله يا أمير هذا كأنه قد فصّل لك، ولو لبسه غيرك ما لاق به، فنظر بيبرس إلى الأمراء وتغامزوا، وعلم كل منهم ما قصده بيبرس فيما فعله، وهذا الذى اتفق لكتبغا لم يسمع فى دولة من الدول، فسبحان الفعال لما يريد

(1)

.

‌ذكر ما دبّر السلطان وأمراء دولته بعد قدومهم:

[218]

ولما استقر ركاب السلطان فى القاهرة أمر للأمراء فى أخذ الأهبة والتجهيز وتحصيل أصناف السلاح، فشرعوا فى ذلك ولم يدعوا صانعا إلا وأحضروه، وأمروا للوزير بجمع الأموال من سائر الجهات لأجل النفقات، وكان من أجلّ من قام فى أمر النفقة الأمير سيف الدين سلار، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار.

قال صاحب النزهة: حكى لى بعض مماليك بكتمر فقال: خرجت أنا والأمير ومعنا من مماليكه ستة أنفس من المصافّ يوم الهزيمة، وإذا أنا بشخص جندى اعترضنا وبيده رمح، وقال للأمير: إلى أين يا من يأكل ثلث ديار مصر، أما تستحى من الله وأنت هارب؟ قال: فالتفت إليه الأمير فقال: ويلك أنا وحدى إش أقدر أعمل؟ فتقدم أغير أنا وأنت. فقال: لأى شئ عملت لى لما قبضت ريع خبزك، فقال: أنا وأنت نأكل، وأنت تأكل ثلث إقطاعات مصر وأنا آكل

(1)

انظر السلوك ج 1 ص 896 - 897.

ص: 68

خمسة آلاف درهم، فالآن تقول: تقدم للحرب، فأعرض عنه وتولى راجعا وهو يقول: لا بيّض الله لك وجها ولا لخشداشيتك. قال المملوك المخبر لهذا:

قصدت أن أرجع إليه أنا وبعض رفقتى فنقتله على إساءته الأدب على الأمير، فمنعنا الأمير وقال: خلّوه فإنه معذور والله لقد قلت للأمير سلار عدة مرات انظر فى حال الأجناد، فما قبل كلامى.

قال صاحب النزهة: ثم حكى سيف الدين الطشلافى خشداش سلار قال:

كنت مع سلار وخرجنا من المصاف وقد جرح فرسى وجرح لسلار فرسا تحته، ولما انهزمنا سقنا إلى أن وصلنا ديوسية فوق حمص فى الليل، وكان أمامنا جماعة من الجند يتحدثون وفيهم واحد يقول لرفيقه: كيف كان خروجك وإش جرى لك؟ فقال: والله كنت أنا وفلان وفلان وسمى جماعة دخلنا فى ضياع من ضياع حمص ووجدنا فيها جماعة يشترون شعيرا وكنا نحن ستة نفر، قد كنّا تحالفنا أن لا نحضر المصاف لأجل ما جرى علينا من أولئك الفعلة الترك بيبرس وسلار والبرجيّة، وذلك أنهم لا يذكرون الأجناد إلا بالسّبّ والشتيمة ويقولون:

والله ما هم إلا سخرة، ولقد كتبنا قصة فى غزّة وأعطيناها لهم وقلنا: إنا قد خرجنا بلا نفقة متكلين على نفقة السلطان، وما معنا شئ ننفق، وألحفنا فى الطلب، فكان جوابهم لنا: والله أنتم ما تنفقون شيئا سواء تأخذون النفقة أو لا تأخذونها، ما عندنا شئ نعطيكم حتى نصير فى دمشق، فلما حصلت النفقة فى دمشق ألزمنا أنفسنا أن لا نحضر المصاف لأجل ما حصل لنا من الغبن، وهؤلاء يأكلون مصر كلها وقد تقاسموها ونحن كل واحد ما يصل خبزه ألفى درهم، ومع هذا ضاقت أعينهم علينا، وهذا الذى جرى عليهم بسبب [219] الأجناد،

ص: 69

فإن نياتهم للأجناد كانت سيئة، فقاتلهم الله تعالى وأحوجهم إليهم، وكان سلار يسمع ذلك ويبكى ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقعنا والله فى ألسنة الناس، هم معذورون. قال: وبقيت أشاغله حتى لا يسمع ما يقولونه، وهو لا يريد إلا سماع كلامهم، فيسمع ويتوجع لهم.

‌ذكر تصدّيهم للنفقات على العسكر:

لما اجتمع الأمراء للمشاورة لأجل النفقة كان أول من تكلم فيها الأمير سلار والأمير بكتمر الجوكندار، وشرعوا فى طلب الخيل التى فى الدشار جميعها من البغال والأكاديش

(1)

، وكتب لسائر الأقاليم بطلب العربان المستجيزة، وأخذ الخيل من عرب الصعيد والولاة، وفى طلب السيوف والرماح وغير ذلك من آلات الحرب، وسفروا البريدية لذلك.

وتحسنت أسعار الدواب، فالفرس الذى كان يساوى ثلاثمائة درهم بيع بألف، كذلك الجمال والبغال والهجن، واشترت الأجناد الخيل حتى من الطواحين، كذلك تحسنت أسعار سائر أصناف السلاح، والقرقل الذى كان يساوى مائة درهم بيع بسبعمائة، والبركستوان التى كانت تساوى مائتى درهم بيعت بألف، والجوشن الذى كان بخمسين بيع بمائتين وثلاثمائة، والخوذة التى كانت تساوى خمسين بيعت بمائتين وثلاثمائة وما توجد إلا نادرا، وتحسن أسعار سائر أصناف آلات الحرب، وأمروا أن يضاف إلى كل واحد

(1)

إكديش - أكاديش: هو البرذون - البراذين: من أصناف الخيل التى تطلب للصبر على السير وسرعة المشى - انظر صبح الأعشى ج 2 ص 14، الخيل ورياضتها ص 35.

ص: 70

من الأمراء المقدمين الألوف عشرة من البطالين يقيم بهم طول السفر، ولكل واحد من أمراء الطبلخاناة خمسة أنفس، ولأمير العشرة شخصان، واستخدم الأمراء الذين لهم مقدرة جماعة برسم الغزاة فى سبيل الله احتسابا، وكذلك كثير من الأغنياء، حتى استخدمت جماعة من نساء الأمراء اللائى فيهن الخير.

ثم إن السلطان فتح بيوت الأموال والذخائر وأنفق فى الجيش نفقة ما سمع مثلها، فجعل الحلقة

(1)

ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أعطى لكل واحد منهم ثمانين دينارا.

والقسم الثانى: لكل واحد منهم خمسة وسبعين دينارا.

والقسم الثالث: لكل واحد منهم خمسة وستين دينارا.

وأعطى لكل واحد من أجناد الشام خمسة عشر إردبا من القمح والشعير والفول، وأعطى لأجناد الأمراء لكل واحد منهم خمسين دينارا.

قال بيبرس فى تاريخه: هذه النفقات حين أقبلت العساكر السلطانية واجتمعوا بالقاهرة فرقت عليهم، فأزالوا شعثهم، وجدّدوا عددهم، ورخصت قيمة الذهب حتى بلغ الدينار إلى سبعة عشر درهما

(2)

، وقلت الدراهم حتى طاف الجند بالدنانير فلم يجدوا من يشتريها، وارتفعت أسعار العدد وآلات السلاح، وأثمان الخيل والبغال والجمال، ولم تمض على العساكر إلا أيام يسيرة حتى عادوا إلى أحسن صورة

(3)

.

(1)

المقصود: جند الحلقة.

(2)

«بعد خمسة وعشرين درهما ونصف» - فى السلوك ج 1 ص 899.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 217 ب.

ص: 71

وقال صاحب نظم الجمان: ثم أنفق السلطان نفقة ثانية لكل جندى اثنى عشر دينارا، وهذه النفقة حين خروج السلطان والعساكر إلى الشام بعد مجيئه إلى القاهرة بعد الانهزام على ما نذكره عن قريب إن شاء الله.

قال صاحب النزهة: وكان قد قدم إلى القاهرة خلق كثير من سائر البلاد - عقيب انهزام [220] السلطان - من الحلبيين والحمويين والدماشقة والحمصيين ومن أهل السواحل من الأجناس المختلفة حتى ضاقت بهم القاهرة ومصر، وسكنوا القرافة وجامع [ابن]

(1)

طولون والحسينية، وكان من ألطاف الله تعالى على خلقه أنه رخّص أسعار سائر الحبوب والمأكول، فكان الأردب من القمح قبل أن يسافر السلطان بستة عشر درهما إلى ثمانية عشر، والأردب من الشعير بعشرة، والأردب من الفول بثمانية، ثم لما دخلت العساكر وفتح الأمراء والأجناد الشون باعوا الأردب من القمح بخمسة عشر وأربعة عشر وثلاثة عشر، وباعوا الأردب من الشعير بعشرة وتسعة وثمانية، وباعوا الأردب من الفول بسبعة وثمانية، ولم تتحسن إلا أسعار آلات الحرب من أصناف السلاح وأسعار الدواب.

وقال صاحب النزهة أيضا: وكانت الأمراء اجتمعوا عند السلطان قبل النفقة وتشاوروا أن يؤخذ من سائر التجار والسّوقة وسائر من يتسبب

(2)

بمصر والقاهرة عن كل رأس دينار، وطلبوا مجد الدين [عيسى]

(3)

بن الخشاب نائب الحسبة وقالوا

(1)

[] إصنافة تتفق والسياق.

(2)

يتسبب، يرتزق. والمقصود، له عمل يرتزق منه أو يتعيش بسببه.

(3)

[] إضافة للتوضيح من السلوك ج 1 ص 897.

وهو: عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن، مجد الدين أبو الروح، ابن الخشاب، المتوفى سنة 711 هـ/ 1311 م - الدرر ج 3 ص 285 رقم 3121.

ص: 72

له: انزل وتحدث مع القضاة فى ذلك وخذ لنا الفتوى منهم. فقال لهم مجد الدين:

إن عندى فتوى بخط الشيخ عز الدين بن عبد السلام

(1)

، لما خرج الملك المظفر قطز

(2)

إلى ملتقى نائب هلاون وهو كتبغا نوين لما سيره إلى أخذ مصر، فتلاقى معه على عين جالوت كما ذكرناه مفصلا

(3)

، وأنه لما لم يجد من المال ما يكفى نفقة العساكر وقصدوا أخذ المال من العامة استفتوا الشيخ عز الدين فى هذا فأفتى لهم بأخذ دينار من كل أحد، وهذه الفتوى عندى، فأحضرها عندهم وقال له الأمير سلار: اكتب صورة الاستفتاء وانزل بها إلى الشيخ تقى الدين [محمد بن دقيق العيد]

(4)

قاضى القضاة حتى يكتب عليها بخطه، فكتب مجد الدين صورة الاستفتاء ونزل بها إلى قاضى القضاة ومعه شخص من الحجاب، وتحدثوا مع الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد وناولوه صورة الاستفتاء، فأخذها وتأمل ما فيها، ثم هز رأسه وقال يا فقيه: ما القصد فى ذلك؟ فقال: يا سيدى القصد أن تكتب على هذا لتطيبّ خواطر الناس بالعطاء. قال: فرماها من يده وقال: لا حاجة للفتوى، وما ثم مانع إذا أراد ولاة الأمر بشئ قبل الناس، فخرج المحتسب والحاجب من عنده على هذا، وجاءوا إلى الأمراء وعرّفوهم

(1)

هو: عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم، شيخ الإسلام عز الدين أبو محمد السلمى الدمشقى الشافعى، توفى سنة 660 هـ/ 1261 م - المنهل الصافى.

(2)

هو: قطز بن عبد الله المعزى، السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز، توفى سنة 658 هـ/ 1260 م - المنهل الصافى.

(3)

انظر الجزء الأول من هذا الكتاب ص 243 وما بعدها.

(4)

[] إضافة للتوضيح من السلوك ج 1 ص 898.

وهو: محمد بن على بن وهب القشيرى، قاضى القضاة تقى الدين، الشهير بابن دقيق العيد الشافعى، المتوفى سنة 702 هـ/ 1302 م - انظر ما يلى فى وفيات 702 هـ.

ص: 73

بذلك. فقال الأمير سلار: ما بقى يمكن الكلام فيما قصدناه دون أن نجتمع بالقاضى ونعرفه بالأمر ونسأله هل هذا جائز أم لا؟ فإذا امتنع أخرجنا له فتوى الشيخ عز الدين بن عبد السلام. ففى بكرة النهار إنزلوا إليه، وسلموا عليه واسألوه

(1)

الاجتماع بنا لالتماس بركته، فلما أصبحوا نزلوا إليه وبلّغوه الرسالة، فقام وركب وجاء عند الأمراء، والكل حاضرون عند الأمير سلار، فلما رأوه قاموا كلهم وتلقوه من أسفل الإيوان، وأخذ السلار بيمينه والأمير بيبرس بشماله إلى أن أجلساه بينهما، وبقية الأمراء جلسوا بين يديه، وتأنّسوا به حتى فتحوا له باب النفقات [221] وقلة الحواصل فى بيت المال وبينوا له الضرورات، ثم ذكروا له أمر الفتوى. فقال الشيخ: أيها الأمراء ما المانع لما تفعلوه إذا رسمتم بشئ ولا ثمة أحد يخالف. وقال الأمير سلار: يا سيدى نريد أن يكون معنا فتوى حتى لا نقع فى أمر غير جائز، فيحصل علينا الإثم.

فقال الشيخ: أما الفتوى فما يمكن أن أكتبها فى مثل هذا. فقال له مجد الدين ابن الخشاب المحتسب: يا سيدى هذا خط الشيخ عز الدين بن عبد السلام كتبها فى أيام الملك مظفر قطز، فنظر إليه وتبسم وقال: يا فقيه تعرف كيف أفتى الشيخ عز الدين فى ذلك الوقت؟ قال: لا. فقال لما سألوه الفتوى، قال لهم: إن الفتوى فى هذا لها شروط إن فعلتموها صحّت الفتوى. فقالوا:

ما هى؟ فقال: أن يتقدم كل أمير منكم ويحلف بالله أنه لا يملك فضة ولا ذهبا ولا لزوجته وأولاده مصاغ ولا غيره، فلما سمعوا هذا من الشيخ قام كل منهم وأحضر من موجوده وموجود أهله من حلىّ وغيره، ثم حلف كل واحد منهم أنه

(1)

«وسلوه» فى الأصل.

ص: 74

لا يملك شيئا غير ذلك، فعند ذلك كتب لهم هذه الفتوى، ويا فقيه أما أنا فإنه يبلغنى أن كل أمير يجهّز بنته بأنواع اللؤلؤ والفصوص، ويعمل بكالى فضة لبيت الماء

(1)

، وقباقيب مكللة بأصناف الجواهر

(2)

، وتريد منى أن أكتب فتوى على ما لا يحل، ثم قام ناهضا وخرج، وقد أفحم كل واحد منهم عن الجواب.

وكان الشيخ قصد بهذا تسميع الأمير سلار حيث جهز بنته لما زوجها من أمير موسى ابن أستاذه الملك الصالح، والأمير بيبرس حيث جهز بنته لما زوجها من برلغى قريب السلطان، وكان كل منهما قد جهز بنته بما لا يوصف ولا يضبط.

ولما انقضى الأمر على هذا الوجه وعلموا مقصود الشيخ اقتضى رأيهم أن ناصر الدين الشيخى متولى القاهرة ينزل ويستعلم حال التجار وأرباب الأموال وينظر فى أمرهم، ويأخذ من كل واحد منهم مقدار ما يطيقه على قدر حاله، ثم بعد أيام قال ناصر الدين المذكور للأمراء: نحن نجبى من المدينة ونواحيها، ونسير إلى ولاة الأقاليم كل إقليم يرتب عليه شئ ونسميه مقرّر الخيالة، فقالت الأمراء: هذا فيه شنعة كبيرة، وفيه شطط وعنف، والمصلحة أن يكون المقرر على كل أردب غلة خرّوبة

(3)

، وفى القماش والسلع يؤخذ نصف السمسرة،

(1)

«ويعمل الإناء الذى يستنجى منه فى الخلاء من فضة» - السلوك ج 1 ص 898.

(2)

«ويرصع مداس زوجته بأصناف الجواهر» - السلوك ج 1 ص 898.

(3)

«عن كل أردب يباع من الغلال خروبة تؤخذ من المشترى» - السلوك ج 1 ص 899. خروبة - خراريب: قطعة صغيرة من النقود النحاسية، قيمتها عشر درهم - السلوك ج 1 ص 899 هامش (1).

ص: 75

ومعنى ذلك أن المنادى إذا باع قطعة قماش أو غيرها فإن له فيها درهمين فيكون الدرهم من ذلك باسم السلطان والدرهم الآخر للمنادى، والأردب إذا طلع للطحان يكون عليه خروبة، ومهما تحصل من هاتين الجهتين يستخدم به البطالون، فقرّر ذلك على هذا الوجه واستخدم به نحو مائتى نفر، ثم بعد ذلك شرعوا فى طلب التجارة من القياسر والدكاكين، واعتبر حال كل واحد منهم من قدرته وسعة ماله، فمنهم من حمل مائتى دينار، ومنهم من حمل مائة وخمسين وأربعين وثلاثين وعشرين وعشرة، واقترضوا أيضا من التجار الكبار مما يأتى عليهم من الحقوق التى كانت توجد منهم، فانجمع من ذلك أموال عظيمة وصار يحمل أوّلا فأولا إلى أن جمعت فى بيت المال، ثم بعد ذلك شرعوا فى النفقات.

‌ذكر خروج السّلطان إلى الصالحيّة:

قال بيبرس فى تاريخه: وفى العشر الأوائل

(1)

من شهر رجب من هذه السنة تجهز السلطان، والأمير سيف الدين سلار، والأمير ركن الدين [222] الأستاذ الدار، وخرجوا بالعساكر الإسلامية، ولما وصلوا إلى الصالحية أقام السلطان بها وتوجه الأميران بالعساكر لتدبير البلاد وإصلاح ما استحكم بها من الفساد، واستصحبوا نواب الممالك الشامية وعساكر البلاد الإسلامية ليرتبوا كلا منهم فى مكانه ويعمروا كل بلد شغر من سكانه، وينظروا فى المصالح التى يجب النظر فيها، ويتلافوا الأحوال التى ينبغى تلافيها، ورحلوا فى الثانى والعشرين من رجب الفرد، فلما وصلوا إلى منزلة سكرير

(2)

راسلوا الأمير سيف الدين

(1)

«الأول» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

سكرير: منزلة بين غزة وعسقلان - السلوك ج 1 ص 900.

ص: 76

قفجق والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار والأمير فارس الدين ألبكى فى الحضور إلى الخدمة والطاعة، والانتظام فى سلك الجماعة وتوثقوا منهم وحضروا إليهم بمنزلة سكرير، فأرسل الأمراء الأمير بدر الدين [بكتوت]

(1)

الجوكندار المعروف بالفتاح على خيل البريد إلى الدهليز المنصور مخبرا بمهاجرتهم وحسن إنابتهم، فابتهجت بذلك الخواطر وضربت البشائر

(2)

.

وفى العاشر من شعبان: وصلوا إلى الوطاق، فركب السلطان لتلقيهم، وبالغ فى إكرامهم والإحسان إليهم، ورحل عائدا إلى القلعة، فوصلها رابع عشره، وأسكنهم فى القلعة، وأجرى عليهم الإقامات، ووصلهم بأجزل الصلات

(3)

.

وأما الأميران سيف الدين سلار وركن الدين أستاذ الدار فإنهما دخلا دمشق، ورتبا أحوالها. وسدّدا اختلالها، وأقرا الأمير جمال الدين أقوش الأفرم فى وظيفته على قاعدته، وفوضا إلى الأمير زين الدين كتبغا نيابة السلطنة بحماة، وأولياه إحسانا، ورتبا الأمير سيف الدين قطلوبك بطرابلس والفتوحات والسواحل، عوضا على الأمير سيف الدين كرت

(4)

المستشهد فى الوقعة، وأرسلا الأمير شمس الدين قراسنقر الجوكندار إلى حلب ليباشر النيابة بها بحكم إعفاء الأمير سيف الدين بلبان الطباخى منها، وأعادا كل قوم إلى وظيفتهم،

(1)

[] إضافة للتوضيح من زبدة الفكرة.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 218 ا، ب.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 218 ب.

(4)

«كرد» فى زبدة الفكرة.

ص: 77

[وطيبا خواطر نواب الحصون، وأحسنا إلى من اعتمد المناصحة منهم]

(1)

، ثم عادا إلى الديار المصرية، فوصلا فى العشر الأول من شوال. وعند وصولهما عينا للأمير سيف الدين قفجق نيابة الشوبك، وللأمير سيف الدين بكتمر السلحدار إمرة بالديار المصرية وتقدمة ألف فارس من العساكر الإسلامية.

وللأمير فارس الدين ألبكى طبلخاناة بدمشق

(2)

، واستقر الأمير سيف الدين بلبان الطباخى بالديار المصرية بخبز الأمير سيف الدين كرتيه المتوفى إلى رحمة الله.

وقال صاحب النزهة: ولما تكامل أمر النفقة نودى فى الجند بالخروج، وأى من تخلف شنق، وكان قد حصل للجند تعب كثير بسبب نقص الذهب، فإن النفقات كلها كانت ذهبا، وكان صرف الدينار بخمسة وعشرين ونصفا، فتناقص إلى أن أصرفوا الدينار بستة عشر حتى قام نائب السلطان فى ذلك وطلب الوالى وأمره أن ينزل إلى الصيارف ويلزمهم بإخراج الدراهم وصرف كل دينار بعشرين، فنزل الوالى وهو ناصر الدين الشيخى [223] وفعل ما أمره به حتى استقرت الأحوال.

ثم خرج السلطان والأمراء من مصر فى العشر الأول من رجب من هذه السنة، فكان بين دخوله مصر وإقامته وبين خروجه ثانى مرة شهرين وثمانية وعشرين يوما، فإنه دخل فى الثانى عشر من ربيع الآخر وخرج فى العشر الأول من رجب.

ولما دخل السلطان الصالحية وردت كتب قفجق وبكتمر السلحدار وألبكى بخروج التتار من دمشق وسائر الأماكن، وأنهم قاصدون الديار المصرية لخدمة

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 218 ب، 219 أ.

ص: 78

السلطان ويستعيذون مما صدر عنهم مما قدّره الله عليهم. فلما وقعت الأمراء على ذلك اقتضى رأيهم أن يقيم السلطان على الصالحية إلى أن يشبع الصيد والتفرج، ثم إن شاء يدخل مصر وإن شاء يقيم هناك، وأن الأمراء يرحلون ويلاقون الأمراء الذين يحضرون، ثم رحلوا طالبين دمشق، فلما وصلوا إلى أرض عسقلان لاقوا قفجق ومن معه بين غزة وعسقلان. فلما تلاقوا ترجلوا كلهم وتعانقوا وتباكوا، ولم يزالوا حتى دخلوا دمشق، وكان يوم دخولهم نهارا عظيما وكان فى مستهل شعبان، وخرجت

(1)

سائر أهل دمشق ولاقوهم، وكان يوما مشهودا، ثم كتبوا كتبا لسائر النواب وأهل القلاع، وسيّروا بين يديه لسائر نواحى الشام وطرابلس وحماة وحمص وحلب، وللقلاع التى فى بلاد حلب نحو كختا وكركر وبهسنى وعينتاب وسائر النواحى، وجلبت أهل الضياع الخيرات من سائر النواحى، وجلب التركمان الأغنام؛ وكان سعر الغلة قد تحسن فوصلت الغرارة من القمح إلى ثلاثمائة، ثم انحط قليلا قليلا إلى أن بقيت الغرارة بمائة وخمسين، وكان الرطل من اللحم بدرهمين

(2)

، وكثر الجلب، وطابت قلوبهم، ووقفت الدماشقة للأمراء واستغاثوا من جماعة منهم وافقوا المغل فى أخذ أموال الناس والأذى، وكانوا يدخلون معهم بيوت السعداء والأكابر من أهل دمشق ويأخذون أموال لهم ويعاقبونهم، فرسم الأمراء لوالى المدينة ووالى البرّ أن يحصّلاهم وكانوا قد أخفوا أنفسهم، فأخرجوهم من المواضع التى اختلفوا فيها، فلما أحضروهم أمروا بإشهارهم فكان منهم الشريف القمى، فرسم بتسميره

(1)

هكذا بالأصل.

(2)

«وأبيع اللحم الضأن بدرهمين الرطل الدمشقى» - السلوك ج 1 ص 901.

ص: 79

وتسمير ابن العوفى، وكانا برددارية

(1)

، ومنهم ابن خطليجا شنق وكان كاتب خطبه الولاية، وإبراهيم مؤذن بيت لهيا، ومنهم كجكن والحاج مندوه سمّرا، وقطع لسان ابن ظاعن، ثم يده ورجله، وقطع يد الشجاع همام، ثم كحل وتوفى فى ليلته، وقطعت أيدى جماعة وأرجلهم، وكحلت جماعة من المستصنعية بدار الولاية، ومن الحرافيش الذين عرفتهم الدماشقة وكانوا يؤذون الناس مع المغل ويأخذون أموالهم، ثم طلب الأمير سيف الدين أرجواش نائب القلعة وخلع عليه خلعة سنية، ورسم له بعشرة آلاف درهم إنعاما عليه، ثم عادوا طالبين مصر، فوصلوا إليها فى العشرين من شوال، وركب السلطان إلى ملاقاتهم، وصحبته الأمير سيف الدين قفجق [224] وبكتمر السلحدار وفارس الدين ألبكى.

‌ذكر ما تجدّد فى الشام من الحوادث:

بتاريخ يوم الخميس النصف من شعبان أعيد القاضى بدر الدين بن جماعة إلى قضاء قضاة دمشق مع الخطابة بعد إمام الدين القزوينى، ولبس الخلعة، ولبس معه فى هذا اليوم أمين الدين العجمى خلعة الحسبة.

وفى الحادى والعشرين من شعبان: تولى قضاء الحنفية شمس الدين بن الصفى، عوضا عن حسام الدين الرازى الذى فقد يوم المعركة، وباشر تاج الدين ابن الشيرازى نظر الدواوين.

(1)

البرددار: هو الذى يكون فى خدمة مباشرى الديوان - انظر صبح الأعشى ج 5 ص 468، 496.

ص: 80

وفيها: ألزموا الناس بتعليق الأسلحة على الدكاكين، وعملوا لكل سوق مقدّما.

وفيها: طلب المقدمون من قيس ويمن، وطلب منهم جميع ما اعتمده العربان من أصحابهم من الفساد وأخذ أموال الأجناد.

واتفق نائب طرابلس مع نائب حماة أن يركب كل منهما بعسكره إلى جبل كسروان، ثم رسم بتجهيز عسكر الشام وعسكر صفد أيضا مع هؤلاء، فاجتمعت العساكر وجاءوا إلى جبل كسروان ووجدوا أهله كلهم مستعدين للقتال، وكان هذا الجبل حصينا قويا لا يمكن صعود الفرس إليه إلا بعد مشقة كبيرة مع عدم مانع منه، والراجل أيضا لا يمكن صعوده إلا إذا كان مخفا، وكان أهله من أعظم غلاة الروافض والزنادقة، وحصل لهم فى هذه السنة من الأموال من جهة العسكر لما انهزموا ما لم يحصل لأحد قبلهم، فإنهم كانوا يأخذون الأمير بطلبه عند ما يتوسط الجبل قبضا باليد، ولم يكن أحد يقدر أن يمانع عن نفسه، فإذا تعسر عليهم أحد منهم أرموا عليه حجرا يقتله أو يهشمه، وذكر أنهم كانوا فى هذا الجبل نحو اثنى عشر ألف رجل كلهم يرمون بقسى قوية، ولما نزلت الأمراء عليهم رتبوا أمرهم، وأصبحوا فى الزحف إليهم من كل جانب، ولم يقدروا على الثبات معهم إلى الظهر حتى رجعوا وتأخروا وخرجت من العسكر جماعة كثيرة، فلما عادوا إلى الوطاق استشاروا فيما بينهم، وقالوا القتال معهم صعب، والرجوع عنهم أصعب، ثم اتفقوا أن يكون الأمير سيف الدين أسندمر

(1)

(1)

هو: أسندمر بن عبد الله الكرجى، الأمير سيف الدين، المتوفى سنة 711 هـ/ 1311 م - المنهل الصافى ج 2 ص 443 رقم 465.

ص: 81

نائب طرابلس بعسكره ومضافيه من ناحية من الجبل، وأن يكون الأمير زين الدين كتبغا نائب حماة ونائب حمص معه من ناحية أخرى، وأن يكون سيف الدين بهادر آص

(1)

، وكجك من ناحية أخرى، وأن يكون الأمير سيف الدين قطلوبك - الذى كان نائب طرابلس وعزل - من ناحية أخرى، وأن يكون نائب الشام من ناحية أخرى، واتفقوا أن تكون المواظبة على الزحف ستة أيام.

وأهل الجبل أيضا قد تعرفوا على نواحى الجبل وجعلوا جانبا من الجبل للنساء والصبيان يرمون الأحجار.

ولما ركبوا فى ذلك اليوم وزحفوا ترجل الأمير أسندمر الكرجى، ثم أرسل إلى الأمراء وأخبرهم أنه ترجل وليترجل الأمراء أيضا، فترجلوا كلهم فى ذلك اليوم، وكان أول من صعد قدام العسكر أسندمر المذكور وكان شجاعا مقداما، ولما رأى أهل الجبل هؤلاء قد ترجلوا وقع فى قلوبهم الرعب حتى ذكر عن [225] بعضهم أنه قال: كنت أرمى على قوس أربعين رطلا بالدمشقى، وفى هذا اليوم لحقتنى رعدة فى يدى ولم أقدر على الرمى، فأوقع الله فيهم الذلة والرعب وانهزموا، وقتلوا منهم جماعة كثيرة، فلما رأوا ذلك أرموا أسلحتهم وطلبوا الأمان، فكفوا عنهم القتل وأسروا منهم جماعة كثيرة ثم حضرت مشايخ الجبل وأكابرهم والتزموا أن يحضروا جميع ما أخذوه من العسكر ولا يخلون عندهم شيئا يساوى درهما ولا يخفونه، فرضى العسكر بذلك، وأقاموا هناك إلى أن أحضروا جميع ما أخذوه من القماش والسلاح والعدد من السيوف والرماح والقرقلات وغير ذلك، ثم حلفوهم على اعتقادهم أنهم لا يخفون شيئا، وبعد

(1)

هو: بهادر بن عبد الله، الأمير الكبير سيف الدين، المعروف بآص، والمتوفى سنة 730 هـ/ 1329 م - المنهل الصافى ج 3 ص 428 رقم 704.

ص: 82

ذلك قرروا عليهم مائتى ألف درهم، وأخذوا جماعة من مشايخهم وأكابرهم رهائن وأصحبوهم

(1)

معهم الى دمشق الى أن يحضروا بالمال الذى قرر عليهم، ثم كتبوا للسلطان والأمراء بذلك.

‌ذكر الحرب الذى وقع بين الملك طقطا وبين نوغيه وأولاده، ومقتل نوغيه

(2)

:

وفيها عزم الملك طقطا بن منكوتمر على حرب نوغيه للأخذ بثأره وإطفاء جمرة ناره. واتفق أن جماعة من أمراء نوغيه الذين كان يعتمد عليهم ويعتمدون عليه فارقوه وانحازوا إلى طقطا، فقويت بهم عزيمته واشتدت بهم شكيمته وهم: ماجى وسدن، واتراج، واقبغا، وطيطا، ومعهم ثلاثون ألف فارس، فعزم على المسير إليهم واتصل بهم أنه هاجم عليهم: وأنه قد جمع لهم من العساكر أعدادا، واستصحب من الجيوش أمدادا، وكان قد صحبته من الخانات ومقدّمى التمانات: مرتد طقطا، ومنجك، وجهركس، وينجى» وصلجوداى؛ ويبلق، وتلك تمر، وأقبغا، وألطنبغا، وقجماز، وإخوة الملك وهم: برلك، وصراى بغا، وتدان، والأمراء الذين انحازوا إليه من عسكر نوغيه: وقد ذكرناهم، وركب نوغيه وأولاده وهم: جكا، وتكا، وطراى وأمراؤه وعسكره وتأهبوا اللقاء.

(1)

هكذا بالأصل.

(2)

ينقل العينى هذا النقص عن بيبرس الدوادار دون أن يشر إلى ذلك - انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 219 أ - 220 أ.

ص: 83

فلما صار بين العسكرين مسافة يوم واحد أرسل شخصا يسمى بغا ومعه مائة فارس ليكشفوا له الخبر؛ ويعلموا أين وصل طقطا ومن معه من العسكر، فسار لكشفهم، فلما أشرف عليهم أحاطوا به وقتلوا كل من معه وسلم هو بنفسه ورجع، فأخبر نوغيه بأنهم قد دهموه، فركب نوغيه وأولاده ومن عنده والتقى الجمعان على مكان يسمى كوكان تلك

(1)

واقتتلوا: فكانت الكسرة على نوغيه وقت المغرب، وانهزمت بنوه وعساكره وتفرقوا، وثبت هو على ظهر فرسه، وقد طعن فى السنّ وتغطت عيناه بشعر حواجبه وعلاه الكبر

(2)

وضعفت به

(3)

القدرة فوافاه روسىّ من عسكر طقطا فعرفه بنفسه وقال له: لا تقتلنى فأنا نوغيه وأحملنى

(4)

إلى طقطا فإن لى به اجتماعا ولى معه حديث.

فلم يصغ الروسى إلى مقاله، بل حزّ رأسه لوقته وحاله، وأحضرها إلى الملك طقطا وقال له: هذه رأس نوغيه، فقال له: وما الذى أعلمك أنه نوغيه؟ قال: إنه عرّفنى بنفسه واستوقفنى عن قتله، فلم أصغ إليه وأجهزت عليه، فغضب طقطا لذلك غضبا شديدا [226] وأمر بالروسىّ فقتل لكونه تعدى على مثل هذا الرجل الكبير الشأن ولم يحضره إلى السلطان، وقال: إن السياسة توجب قتله حتى لا يعود أحد يفعل مثل

(5)

ذلك، وعاد طقطا إلى مقامه وقد ظفر بمناه، وقرّت بنصرته

(6)

على أعدائه عيناه.

(1)

«كوكان لك» فى زبدة الفكرة.

(2)

«وعلته الكبره» فى زبدة الفكرة.

(3)

«منه» فى زبدة الفكرة.

(4)

«فأنا هو ونوغيه، وانما احملنى» فى زبدة الفكرة.

(5)

«مثل» مكتوبة بهامش المخطوط، ومنبه على موضعها بالمتن. «مثله» فى زبدة الفكرة.

(6)

«بنصره» فى زبدة الفكرة.

ص: 84

وأما أولاد نوغيه ومن سلم من عسكرهم فإنهم استتروا بجنح الليل واختفوا فى غمار عساكر طقطا، وتنادوا بشعارهم ليظنوا أنهم من أصحابهم، وكان شعارهم على ما حكاه من شهد الوقعة معهم: إتل بايق، فسلموا ليلتهم تلك، وساروا مغلّسين وعادوا راجعين، وكان الذى سبى من نسوانهم وذراريهم الخلق الكثير والجمّ الغفير، وبيعوا بالأقطار، وجلبوا إلى الأمصار، واشترى السلطان والأمراء منهم بالديار المصرية جماعة من الطوائف التى جلبها التجار، ودخلوا فى دين الإسلام بالرغبة، وأقاموا الصلاة باجتهاد ومحبة، وصاروا من أنصار الملة وأعوان الأمة

(1)

.

‌ذكر الخلف الواقع بين ولدى نوغيه وهما جكا وتكا

(2)

:

وذلك أنهما لما عادا إلى مقامهما من الهزيمة، ورجع إليهما فلّ عسكرهما الذين سلموا من القتل والغنيمة، استقر جكا فى تقدمة أبيه وأستأثر بها دون أخيه، فأوغر صدره وغير ضميره، وأراد مفارقته واللحاق بطقطا هو وجماعته، ولله درّ القائل فى مثل ذلك:

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته

على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركب حدّ السيف من أن تضيمه

إذا لم يكن عن شفرة السيف مرحل

واتصل بأخيه نفاره منه، وما أزمع عليه من الخروج عنه، فخشى غائلة ذلك، فجهز قوما - فى الباطن - إليه، فقصدوه ليلة من الليالى وهو راقد

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 219 أ - 320 أ.

(2)

ينقل العينى هذا النص عن بيبرس الدوادار دون أن يشير إلى ذلك - انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 22 ب - 221 أ.

ص: 85

فى خركاته خلى البال، فأحاطوا بالخركاة من كل الجهات، وطعنوه بالرماح وهو فى الداخل

(1)

حتى ظنوا أنه مات، وتركوه وعادوا، وبه رمق الحياة، فثارت الضجة فى خيامه، وقام الصراخ بين أهله وألزامه، وسارعوا بإعلام أخيه إلى مصرعه

(2)

، فبادر إلى نحوه سائلا عن أمره، وموهما أنه لم يشعر بقاصدى غدره، ودخل إليه فى صورة الزائر، [وأظهر له أنه متألم الخاطر

(3)

]، وأخذ يسأله

(4)

عن القوم الذين أتوه، ويستخبره هل عرفهم حين طعنوه؟ فقال له أخوه إن الذى قتلنى لن تطول مدته بعدى، وسيفقد عقيب فقدى، وإنك لتعرفه أكثر منى، وهو الذى جاءنى ليسأل عنى، فعلم أخوه أنه إليه يشير وله نسب تلك الحيلة والتدبير، فخرج من عنده ودسّ إليه من تمم قتله جهرا، فلما

(5)

شاع ذلك بين عساكره وقومه أنكروه على أخيه

(6)

، وتغيرت قلوبهم، وتشوشت خواطرهم، وفارقه كثير منهم

(7)

.

وفيها: اشتهر فى آخر السنة قتل جماعة من المسلمين ممن أسروهم من المغل، وكان قتلهم سرا فى ديار بكر.

(1)

«وطعنوه وهو داخلها بالرماح» - فى زبدة الفكرة.

(2)

«بمصرعه» فى زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

«يسائله» فى زبدة الفكرة.

(5)

«فلما» ساقط من زبدة الفكرة.

(6)

«وشاع ذلك بين عساكرهم، وذاع لأقاربهم وعشائرهم، فأكبروا فعله، وأنكروا تدبيره على أخيه وقتله» - فى زبدة الفكرة.

(7)

زبدة الفكرة (مخطوط) ح 9 ورقة 220 ب - 221 أ.

ص: 86

وقال علاء الدين [على بن مظفر

(1)

] الوداعى:

ما لبست الصوف من عبث

ولا الخلقات

(2)

مجانا

إنه زىّ لمن هو من

فقراء الشيخ غازانا

وقال أيضا:

أما دمشق فأهلها قد أصبحوا

بكرية جعلوا التستّر

(3)

مذهبا

[227]

سرّا وجهرا أنفقوا أموالهم

حتى تحلل كل شخص بالعبا

وقال أيضا:

شيخ غازان ما خلا

أحد من تجرده

وغدا الكل لابسى

خرقة الفقر من يده

وفيها: حج بالناس الأمير « ..... »

(4)

.

(1)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 903.

وهو: على بن مظفر بن إبراهيم: الشيخ علاء الدين، المحدث، الشاعر، المعروف بكاتب ابن وداعة «وبالوداعى» والمتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى.

(2)

«الخلقان» فى السلوك ج 1 ص 904.

(3)

«التسنن» فى السلوك ج 1 ص 903.

(4)

«

» بياض فى الأصل مقدار ثلاث كلمات.

ص: 87

‌ذكر من توفى فيه من الأعيان

قاضى القضاة حسام الدين أبو الفضائل الحسن

(1)

بن قاضى القضاة تاج الدين أبى المفاخر أحمد بن الحسن بن أنو شروان الرازى الحنفى.

ولى قضاء ملطية مدة عشرين سنة، ثم قدم من الروم مع الملك الظاهر سنة خمس وسبعين وستمائة إلى دمشق، فتولى القضاء بها مدة

(2)

، ثم انتقل إلى مصر مدة، وتولى ابنه جلال الدين

(3)

بالشام، ثم سار

(4)

إلى الشام، فعاد إلى الحكم بدمشق، ثم لما خرج مع الجيش إلى لقاء غازان بوادى الخزندار عند سلمية، ففقد بين الصفوف، ولم يدر ما خبره وقد قارب السبعين. وقيل: إن مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة.

وكان من سادات العلماء الأكابر الرؤساء النبلاء، محبوبا إلى جميع الناس، ولم يخيّب قصد من قصده، ويستقلّ الكثير فى حق من سأله، ورزق سعادة فى ولايته بالشام ومصر والروم، ولم يزل متقدما عند الملوك.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 5 ص 63 رقم 887، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 64 رقم 65، البداية والنهاية ج 14 ص 13، الدرر ج 2 ص 91 رقم 1492، شذرات الذهب ج 5 ص 446، درة الأسلاك ص 141، 148، تذكرة النبيه ج 1 ص 227، السلوك ج 1 ص 906.

(2)

ولى القضاء بدمشق سنة 677 هـ، انظر ما سبق بالجزء الثانى من هذا الكتاب ص 250.

(3)

هو: أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنو شروان، قاضى القضاة جلال الدين الحنفى، المتوفى سنة 745 هـ/ 1344 م - المنهل الصافى ج 1 ص 264 رقم 141.

(4)

«صار» - فى الأصل.

ص: 89

وكان له نظم حسن، وكان مولده باقسراى

(1)

من بلاد الروم فى المحرم من السنة التى ذكرناها، وكان فقده

(2)

يوم الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول منها، وهو يوم الواقعة، وولى قضاء الحنفية بعده شمس الدين

(3)

بن الحريرى.

ويقال إن الجبلية أسروه وباعوه للفرنج، ولما وصل إلى قبرس جعل نفسه طبيبا، وكان صاحب قبرس مريضا فداواه فتعافى، وكان قد وعد له أنه إذا تعافى يطلقه ويبعثه إلى بلاد المسلمين، فلما تعافى الملك مرض حسام الدين مرض الإسهال فأقام أياما قلائل ومات إلى رحمة الله تعالى.

قاضى القضاة الإمام العالم إمام الدين أبو المعالى عمر

(4)

بن القاضى سعد الدين أبى القاسم عبد الرحمن بن الشيخ إمام الدين أبى حفص عمر بن أحمد بن محمد القزوينى الشافعى.

قدم هو وأخوه جلال الدين

(5)

فقررا فى تداريس، ثم انتزع إمام الدين قضاء

(1)

أقسرا، أو أقصرا: من بلاد الروم، بينها وبين قونية ثلاثة مراحل - تقويم البلدان ص 382.

(2)

«ولا شك أنه عاش إلى بعد السبعمائة» - فى الدرر ج 2 ص 91.

(3)

هو: محمد بن عثمان بن أبى الحسن بن عبد الوهاب، قاض القضاة شمس الدين الأنصارى الحنفى، المعروف بابن الحريرى، المتوفى سنة 728 هـ/ 1327 م - المنهل الصافى.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 148، العبر ج 5 ص 402، البداية والنهاية ج 14 ص 13، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 117 رقم 181، شذارت الذهب ج 5 ص 451، طبقات الشافعية الكبرى ج 5 ص 131، تذكرة النبيه ج 1 ص 226، السلوك ج 1 ص 905.

(5)

هو: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، قاضى القضاة جلال الدين القزوينى الشافعى، المتوفى سنة 739 هـ/ 1338 م - المنهل الصافى.

ص: 90

القضاة بدمشق من يد بدر الدين بن جماعة

(1)

، كما تقدم فى السنة السابعة والتسعين

(2)

، وناب أخوه عنه، وكان جميل الأخلاق كثير الإحسان قليل الأذى، ولما أزف قدوم التتر سافر إلى مصر، فلما وصلها لم يقم بها سوى أسبوع وتوفى، ودفن بالقرب من قبة الشافعى رضي الله عنه عن ست وأربعين سنة، وعاد المنصب إلى ابن جماعة المذكور مضافا إلى الخطابة كما كان، ودرّس أخوه بعده بالأمينية

(3)

.

قلت: وكانت وفاته يوم الثلاثاء الخامس عشر من ربيع الآخر، وحضر جنازته خلق كثير وترحموا عليه لغربته، ومولده فى سنة ثلاث وخمسين وستمائة.

المسند الرحله المعمّر شرف الدين أبو الفضل أحمد

(4)

بن هبة الله بن أحمد ابن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الدمشقى.

ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع الكثير وروى، وكانت وفاته فى الخامس والعشرين من جمادى الأولى منها عن خمس وثمانين سنة.

(1)

هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، بدر الدين، المتوفى سنة 733 هـ/ 1332 م - المنهل الصافى.

(2)

هكذا بالأصل. وورد فيما سبق أن صاحب الترجمة ولى قضاء دمشق عوضا عن ابن جماعة سنة 696 هـ - انظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 353.

(3)

المدرسة الأمينية بدمشق: قبلى باب الزيادة من أبواب الجامع الأموى، المسمى قديما باب الساعات، وتنسب إلى أمين الدين كمشتكين بن عبد الله الطغتكينى، أتابك العساكر بدمشق، والمتوفى سنة 541 هـ/ 1146 م - الدارس ج 1 ص 177 - 178.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 254 رقم 333، النجوم الزاهرة ج 8 ص 190، العبر ج 5 ص 395، البداية والنهاية ج 14 ص 13، شذرات الذهب ج 5 ص 445.

ص: 91

الخطيب الإمام العالم الرئيس موفق الدين أبو المعالى محمد

(1)

بن محمد بن الفضل البهرانى

(2)

[228] القضاعى الحموى، خطيبها

(3)

، ثم خطب بدمشق عوضا عن الفاروثى

(4)

، ودرس بالغزالية

(5)

، ثم عزل بابن جماعة وعاد إلى بلده، وقدم دمشق عام قازان، فمات بها فيها.

الصدر شمس الدين محمد

(6)

بن سلمان بن حمايل بن على المقدسى المعروف بابن غانم.

كان من أعيان الناس وأكثرهم مروءة، ودرس بالعصرونية

(7)

وجاوز الثمانين، وكان من الكتاب المشاهير المشكورين، وهو والد الصدر علاء الدين

(8)

بن غانم.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 13، الدارس ج 1 ص 423، شذرات الذهب ج 5 ص 453.

(2)

«النهروانى» - فى شذرات الذهب، والبداية والنهاية.

(3)

«ويعرف بابن حبيش» - فى شذرات الذهب.

(4)

هو: أحمد بن إبراهيم بن عمر، الفاروثى الواسطى، المتوفى سنة 694 هـ/ 1294 م - عقد الجمان ج 3 ص 290.

(5)

المدرسة الغزالية بدمشق: فى الزاوية الشمالية الغربية من الجامع الأموى، الدارس ج 1 ص 413، ص 423.

(6)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 14، الدارس ج 1 ص 403 - 404، شذرات الذهب ج 5 ص 451 - 452.

وورد اسمه: سليمان بن محمد - الدارس.

(7)

المدرسة العصرونية بدمشق: داخل بابى الفرج والنصر شرقى القلعة، أنشأها عبد الله بن محمد بن هبة الله، قاضى القضاة شرف الدين بن عصرون، المتوفى، سنة 585 هـ/ 1189 م - الدارس ج 1 ص 399.

(8)

هو: على بن محمد بن سليمان بن حمايل، علاء الدين بن غانم، المتوفى سنة 737 هـ/ 1336 م - المنهل الصافى.

ص: 92

ومولده بالقدس الشريف سنة خمس عشرة وستمائة، ومات فى السادس عشر من شعبان، وكان قد حج هو ووالده فمات والده بمكة شرفها الله ودفن بالزاهر، وكان حجازى الأصل، وإنما مولده ببغداد بمحلة الجعافرة، وكان جعفريا، وكان من الأجواد الكرام، رحمه الله.

الشيخ جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم

(1)

بن عمر بن عثمان الموصلى البآجر بقى

(2)

الشافعى.

أقام مدة بالموصل يشغل ويفتى، ثم قدم دمشق وأقام بها مدة كذلك، ودرس بالفتحية

(3)

والدولعية

(4)

، وناب فى الخطابة، ودرس بالغزالية نيابة عن الشمس الأيكى

(5)

، وكان قليل الكلام، مجموعا عن الناس، وهو والد الشمس محمد

(6)

المنسوب

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 150، النجوم الزاهرة ج 8 ص 194، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 122 رقم 186، البداية والنهاية ج 14 ص 14، شذرات الذهب ج 5 ص 449، تذكرة النبيه ج 1 ص 228، الدارس ج 1 ص 244.

ويلاحظ أن المصادر اختلفت فى اسم صاحب الترجمة فهو: عبد الله بن عمر فى العبر: وعبد الرحيم بن عمرو فى شذرات الذهب، وعبد الرحيم بن عبد المنعم بن عمر فى تذكرة النبيه.

(2)

الباجربقى: نسبة إلى بلدة باجربق: قرية بشمال العراق - معجم البلدان.

(3)

المدرسة الفتحية بدمشق، أنشأها الملك الغالب فتح الدين صاحب بار بن نسيب صاحب حماة، الدارس ج 1 ص 429.

(4)

المدرسة الدولعية بدمشق. ببيرون قبلى المدرسة البادرائية، أنشأها العلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أبى الفضل بن زيد بن ياسين التغلبى الأرقمى الدولعى المتوفى سنة 635 هـ/ 1237 م - الدارس ج 1 ص 242 وما بعدها.

(5)

هو: محمد بن أبى بكر بن محمد الفارسى الأيكى، شمس الدين، المتوفى سنة 697 هـ/ 1297 م - البداية والنهاية ج 13 ص 353، تذكرة النبية ج 1 ص 209.

(6)

هو: محمد بن عبد الرحيم بن عبد المنعم بن عمر بن عثمان الباجريقى، حكم عليه القاضى المالكى بدمشق بالقتل واراقة دمه سنة 704 هـ/ 1304 م، ولكنه هرب إلى مصر، ثم تسحب إلى دمشق فأقام بالقابون قرب دمشق حتى توفى سنة 724 هـ/ 1323 م - الوافى ج 3 ص 249 رقم 1269، فوات الوفيات ج 2 ص 444 رقم 421، تذكرة النبيه ج 1 ص 264.

ص: 93

إلى الزندقة والإنحلال، وله أتباع ينسبون إلى ما ينسب إليه، ويعكفون على ما كان يعكف عليه.

وقد حدث جمال الدين المذكور بجامع الأصول عن بعض أصحاب مصنف ابن الأثير، وله نظم ونثر حسن، ومات بالمدرسة الفتحية بدمشق، ودفن بمقابر باب الصغير.

القاضى عماد الدين إسماعيل

(1)

بن تاج الدين بن الأثير الحلبى، كاتب السر بمصر.

عدم فى وقعة قازان فى هذه السنة.

القاضى علاء الدين أحمد

(2)

بن عبد الوهاب بن خلف بن محمود بن بدر العلامى المعروف بابن بنت الأعزّ.

(1)

هو إسماعيل بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير، الحلبى، التنوخى.

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 391 رقم 428، النجوم الزاهرة ج 8 ص 190، درة الأسلاك ص 149، الوافى بالوفيات ج 9 ص 90 رقم 4007، تذكرة النبيه ج 1 ص 230.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 378 رقم 252، النجوم الزاهرة ج 8 ص 189، درة الأسلاك ص 149، الوافى ج 7 ص 163 رقم 3096، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 121 رقم 185 وورد فيه اسم صاحب الترجمة «علاء الدين على» ، شذرات الذهب ج 5 ص 444، تذكرة النبيه ج 1 ص 228، طبقات الشافعية الكبرى ج 8 ص 23 رقم 1049، السلوك ج 1 ص 904، فوات الوفيات ج 1 ص 106 رقم 42.

ص: 94

كان فصيح العبارة، جميل الصورة، لطيف المزاج، فيه مكارم أخلاق وإحسان، تولى الحسبة بالقاهرة والأحباس، ودرس بالمدرسة الكهارية

(1)

والقطبية

(2)

، وحج ودخل اليمن، وقدم دمشق متوليا نظر ديوان الأمير حسام الدين طرنطاى الخزندار المنصورى، ودرس بالظاهرية

(3)

، والقيمرية

(4)

، ولما تولى علم الدين الشجاعى نيابة السلطنة بدمشق باشر عنده مدة يسيرة، ثم أنه طلب منه دستورا للسفر إلى مصر خوفا منه، فأذن له فسافر، وأقام بالقاهرة إلى أن مات فى ربيع الآخر منها.

وله نظم حسن، فمن ذلك قوله:

إن أومض البرق فى ليل بذى سلم

فإنه ثغر سلمى لاح فى الظلم

وإن سرت نسمة فى الكون عابقة

فانها نسمة من ربّة الخيم

تنام عين التى اهوى وما علمت

بأن عينىّ طول الليل لم تنم

إذا هدى الليل يطوينى وينشرنى

شوق أبيت به فى غاية الألم

(1)

المدرسة الكهارية بالقاهرة: أنشأها الملك السعيد محمد بركة بن الملك الظاهر بيبرس سنة 677 هـ/ 1278 م، وعرفت بالكهارية نسبة إلى الدرب الذى أنشئت فيه وهو درب الكهارية بجوار حارة الجودربة - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 41.

(2)

المدرسة القطبية بالقاهرة: فى خط سويقة الصاحب داخل درب الحريرى، أنشأها الأمير قطب الدين خسرو بن بلبل بن شجاع الهذبانى - من أمراء صلاح الدين الأيوبى - وذلك سنة 575 هـ / 1174 م، وجعلها وقفا على الفقهاء الشافعية - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 365.

(3)

هى المدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق: أنشأها الملك الظاهر بيبرس لتكون مدرسة للحنفية والشافعية ودارا للحديث - الدارس ج 1 ص 348، ص 352، خطط الشام ج 6 ص 82.

(4)

المدرسة القيمرية بدمشق: أنشأها الأمير ناصر الدين حسين بن على القيمرى المتوفى سنة 665 هـ/ 1266 م - الدارس ج 1 ص 441، ص 443.

ص: 95

وترسل الدمع أجفانى محاكية

لفيض وبل من الوسمىّ منسجم

لله عيش مضى فى سفح كاظمة

قد مرّ حلوا مرور الطيف فى الحلم

أيام لا نكد فيها نشاهده

ولّت بغير الرضى منى ولم تدم

(1)

وحكى الشيخ

(2)

أثير الدين

(3)

أبو حيان قال: استدعانى القاضى علاء الدين بن بنت الأعزّ [229] يوما لمأدبة صنعها لنا بالروضة تجاه مصر، وهو مكان يحفه الماء من جميع جوانبه، وحضر معنا القاضى فخر الدين بن صدر الدين الماردانى

(4)

، فرأينا شابا مليحا يسبح، ثم يخرج من الماء فيتلطخ بالتراب. فقال لنا القاضى علاء الدين: لينظم كل منا فى هذا الشاب شيئا، فقام كل منا إلى ناحية وانفرد، فنظمنا نظما قريب الاتفاق، ولم يطلع أحد منا على ما نظم رفيقه، فكان الذى نظمه القاضى علاء الدين:

ومترب لولا التراب بجسمه

لم تبصر الأبصار منه منظرا

فكأنه بدر عليه سحابة

والترب ليل من سناه أقمرا

(5)

(1)

انظر شذرات الذهب ج 5 ص 444.

(2)

«قال الشيخ صلاح الدين الصفدى: أخبرنى من لفظه الإمام العلامة أثير الدين أبو حيان» - المنهل الصافى ج 1 ص 378.

(3)

هو: محمد بن يوسف بن على بن يوسف بن حيان، أثير الدين الغرناطى، المتوفى سنة 745 هـ/ 1344 م - المنهل الصافى.

(4)

هو: عثمان بن إبراهيم بن مصطفى، فخر الدين أبو عمرو الماردينى الحنفى، المتوفى سنة 731 هـ/ 1330 م - المنهل الصافى.

(5)

«مقمرا» فى فوات الوفيات.

ص: 96

والذى نظمه القاضى فخر الدين:

ومترّب تربت يدا من حازه

كقضيب تبر ضمخوه بعنبر

وكأن طرته ونور جبينه

ليل أطلّ على صباح أنور

والذى نظمه الشيخ أثير الدين رحمه الله:

ومترّب قد ظن أن جماله

سيصونه منّا بترب أعفر

فغدا يضمخه فزاد ملاحة

أو قد حوى ليلا بصبح أنور

وكأنما الجسم الصقيل وتربه

كافورة لطخت بمسك أذفر

(1)

وقال الشيخ أثير الدين: وحضرنا معه مرة أخرى بالروضة، ومعنا شهاب الدين العزازى، فأنشدنا لنفسه

(2)

:

تعطلت فابيضت دواتى لحزنها

ومذ قلّ مالى قلّ منها مدادها

وللناس مسودّ الثياب حدادهم

ولكن مبيضّ الدواة حدادها

(3)

ولعلاء الدين دو بيت:

للسمر

(4)

معان لا ترى فى البيض

تالله لقد نصحت فى تحريضى

(5)

(1)

انظر المنهل الصافى ج 1 ص 379 - 380، فوات الوفيات ج 1 ص 106 - 107.

(2)

المقصود: علاء الدين بن بنت الأعز - انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 228 - 229.

(3)

انظر تذكرة النبيه ج 2 ص 229.

(4)

«فى السمر» - فى السلوك ج 1 ص 904.

(5)

«تعريض» - فى السلوك.

ص: 97

ما الشهد إذا طعمته

(1)

كاللبن

يكفى فطنا محاسن التعريض

وله:

وقالوا بالعذار تسلّ عنه

وما أنا عن غزال الحسن سال

وإن أبدت لنا خدّاه مسكا

فانّ المسك بعض دم الغزال

(2)

وله فى دمشق:

إنى أدلّ على دمشق وطيبها

من حسن وصفى بالدليل القاطع

جمعت جميع محاسن فى غيرها

والفرق بينهما بنفس الجامع

وقال فى حماة:

حماة غزالة البلدان أضحت لها

من نهرها العاصى عيون

وقلعتها لها جيد بديع

ومن سود التلول لها قرون

مات علاء الدين فى هذه السنة بالقاهرة كما ذكرناه.

الشيخ الإمام الحافظ الزاهد البارع الورع بقية السلف شهاب الدين أبو العباس أحمد

(3)

بن فرج بن أحمد بن محمد اللخمى الإشبيلى.

(1)

«إذا أطعمته» - فى السلوك:

(2)

انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 229، وفوات الوفيات ج 1 ص 107.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 59 رقم 24، النجوم الزاهرة ج 8 ص 191، طبقات الشافعية الكبرى ج 8 ص 26 رقم 1052 وفيه «أحمد بن فرح بالفاء والحاء المهملة، شذرات الذهب ج 5 ص 443، درة الحجال ج 1 ص 36 رقم 41، الوافى ج 7 ص 286 رقم 3266، السلوك ج 1 ص 904.

ص: 98

مات داخل دمشق [بسكنه]

(1)

بتربة أم الصالح

(2)

، وصلّى عليه فى الجامع، ودفن بمقابر الصوفية.

وله نظم حسن، فمن ذلك قوله

(3)

:

غرامى صحيح والرّجا فيك معضل

وحزنى ودمعى مرسل ومسلسل

وصبرى عنكم يشهد القلب أنه

ضعيف ومتروك وذلّى أجمل

[230]

ولا حسن إلاّ سماع حديثكم

مشافهة تملى علىّ فأنقل

وأمرى موقوف عليك وليس لى

على أحد إلاّ عليك معوّل

ولو كان مرفوعا إليك لكنت لى

على رغم عذّالى ترقّ وتعدل

وعذل عذول منكر لا أسيغه

وزور وتدليس يردّ ويهمل

أقضّى زمانى فيك متّصل الأسى

ومنقطعا عما به أتوصّل

وها أنا فى أكفان هجرك مدرج

يكلّفنى مالا أطيق فأحمل

وأجريت دمعى بالدماء مدبجا

وما هى إلا مهجتى تتحلّل

فمتفق جفنى وسهدى وعبرتى

ومفترق صبرى وقلبى مبلبل

(1)

[] إضافة للتوضيح من المنهل الصافى ج 2 ص 60.

(2)

تربة أم الصالح المدرسة الصالحية بدمشق: أوقفها الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل أبى بكر المتوفى سنة 648 هـ/ 125 م - الدارس ج 1 ص 316.

(3)

«قصيدة غزلية فى صفات الحديث وهى عشرون بيتا» - المنهل الصافى ج 2 ص 60.

ص: 99

ومؤتلف وجدى وشجوى ولوعتى

ومختلف حظى وما منك آمل

خذ الوجد عنى مرسلا ومعنعنا

فغيرى لموضوع الهوى يتحيل

غريب يقاسى البعد عنك وماله

وحقك من دار الفنى متحول

فرفقا بمقطوع الوسائل ماله

إليك سبيل لا ولا عنك معدل

فلا زلت فى عزّ منيع ورفعة

ولا زلت تعلو بالتحنى فأعزل

أروى بسعدى والرباب وزينب

وأنت الذى تعنى وأنت المؤمل

فخذ أوّلا من آخر ثم أولا من

النصف منه فهو فيه مكمّل

أبرّ إذا أقسمت إنى بحبّه

أهيم وقلبى بالصباية يشعل

مولده فى سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع الكثير، توفى فى التاسع من جمادى الأولى منها.

الشيخ الإمام العالم المفتى شمس الدين محمد

(1)

بن الشيخ فخر الدين عبد الرحمن ابن يوسف البعلبكى الحنبلى.

كان من فضلاء الحنابلة فى الفقه والأصول والنحو والحديث والأدب، درس وأعاد وأفتى، وأفاد وروى عن ابن عبد الدايم، وشيخ الشيوخ الحموى، وخطيب مردا، واليونينى، وغيرهم، مات فى تاسع رمضان، ودفن بمقابر باب توما.

(1)

وله ترجمة فى: الوافى ج 3 ص 243 رقم 1256، العبر ج 5 ص 403، شذرات الذهب ج 5 ص 452.

ص: 100

وله نظم حسن فمنه قوله:

الحسن أجمع جرء من محيّا

ريم تبارك من بالحسن حلاّه

حلو اللمى غنج فى طرفه دعج

كأنما كحلت بالسحر عيناه

مهفهف خنث الإعطاف ريقته

من الرحيق ومن در ثناياه

داجى الغداير لا يحنو على دنف

تذرى الدموع على خديه عيناه

الغصن قامته والمسك نكهته

والورد والندّخداه وريّاه

بدر بدا وظلام الشعر غيهبه

ظبى غدا وفؤاد الصبّ مرعاه

نهى رقادى فتور فى لواحظه

والخصر للجسم بالأسقام أعلاه

[231]

إن لم أنل منه وصلا حبذا شرف

بمهجتى إن غدت من بعض قتلاه

لله كم من صبابات حوت كبدى

ومن غرام بقلبى ظلّ مثواه

جار الحبيب على قلبى بجفوته

ولست أنسى طوال الدهر ذكراه

وشى الوشاة بأنى قد كلفت به

وكيف لا وفؤادى بعض أسراه

بالروح أفديه من ظبى تملّكنى

شفاء داء بقلبى قبلتى فاه

رمى فؤادى بسهم من لواحظه

عمدا فلم يحظ ذاك السهم مرماه

أمات قلبى بالهجران منه ولو

أراد بالوصل بعد الموت أحياه

نهى العواذل عن حبىّ له سفها

ولو رأوا حسنه يوما لما فاهو

يا سائلى ما اسم من أهوى لتعرفه

اجمع أوائل أبياتى لتلقاه

ص: 101

قلت: اسمه أحمد بن الجوبرانى، كان صاحب جمال عظيم متفق على حسنه عند أهل دمشق، وكان محبوب الشيخ، وكل من فى دمشق من قضلاء عصره نظموا فيه، وتفاخروا بعشقه، وعند طلوع وقته عشقته زوجة الحميدى والى نوى - وكانت قرابته - وتزوجت به، وأعطت له ما لا كثيرا، فبقى معها قليلا ومات، وماتت بعده.

ومن نظم شمس الدين المذكور دو بيت:

أصبحت بسحر المقلة الكحلا

صبّا دنفا مقلقل الاحشاء

ما يطفئ نارا أضرمت فى كبدى

إلاّ لثمى للشفة اللعساء

وقال شمس الدين المذكور أنشدنى بدر الدين الصائغ لنقسه:

لى فى القدود وفى لثم الخدود

وفى ضم النهود لبانات وأوطار

فإن توافق فذاك السؤل يا أملى

وإلا فدعنى وما أهوى وأختار

وقال شمس الدين فعملت فى المعنى:

لى فى النحور وفى رشف الثغور

وفى ضمّ الخصور غرام ينقرض

فإن توافق فذاك السؤل يا أملى

وإلاّ فلاتك ممّن راح يعترض

قال: وأنشدت للشيخ عز الدين البابصرى خازن كتب الخانقاة الشميصاطيّة:

فى صدرها كوكبا نور كانهما

ركنان لم يدنيا من لمس مستلم

صانتها فى ستور من غلائلها

فنحن فى الحل والركنان فى الحرم

ص: 102

وقال فأنشدنى لنفسه:

أهوى الغزال الذى قد نمّ عارضه

كانّه عنبر من فوق كافور

ولا أحبّ فتاة الحىّ قط

ولو كانت من الآنسات الخرد الحور

ولشمس الدين أيضا:

عرانى الهوى الممدود من بعد ما هوى

بجسمى الهوى المقصور حتّى أذابه

وبعضهما أعيى الأنام علاجه

فكيف بمن هذا وذا قد أصابه

وقال أيضا:

أأحبابنا إن رمتم فى مسيركم

مياها ترويكم فها فيض أدمعى

[232]

:

وإن شئتم نارا تأجّج وقدها

فما قدّ آثار البين ما بين أضلعى

وله دو بيت:

ما أصرف عن جنابكم آمالى

عمدا ؤارى التخفيف من أثقالى

إلا وتردّى إليكم طمعى

فى وصلكم وعلمكم بالحال

الشيخ الفاضل الأصيل شمس الدين أحمد

(1)

بن شرف الدين مفضل بن عيسى ابن إبراهيم بن مطروح، الكاتب الضرير، وهو ابن أخى الصاحب جمال الدين

(2)

ابن مطروح.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 151، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 45 رقم 68، تذكرة النبيه ج 1 ص 222 - 223.

(2)

هو: يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن الحسين، الصاحب جمال الدين أبو الحسين، الوزير والشاعر، والمتوفى سنة 649 هـ/ 1251 م - المنهل الصافى، وفيات الأعيان ج 5 ص 302 رقم 782.

ص: 103

توفى بدمشق، ودفن بمقابر باب توما، كان كاتبا جيدا، وأضرّ فى آخر عمره، وكان شاعرا فاضلا، فمن شعره:

رويد الهوى كم ذا يراق

(1)

دمى عمدا

ويغنى وجودى فى أهيل الحمى وجدا

ولى بالكثيب الفرد أنّه وامق

(2)

تذيب الحديد الصلب والحجر الصلدا

وكم وقفة لى بالغوير ورامة

أبثّ غراما جاوز الوصف والحدّا

وها جلدى عن حمل ما أنا واجد

وجار الهوى ظلما وكم نالنى جهدا

ألا فى سبيل الحبّ مهجة مغرم

قضى نحبه شوقا وما بلغ القصدا

(3)

الشيخ الإمام بهاء الدين أيوب

(4)

بن أبى بكر بن إبراهيم بن النحاس، الحنفى الحلبى.

مات بدمشق فى شوال، ودفن بمقابر الصوفية، روى عن جماعة من البغداديين وغيرهم، وكان مدرسا بالمدرسة القليجية مدة طويلة، ومولده فى سنة سبع عشرة وستمائة.

الشيخ الإمام العالم العلامة بهاء الدين محمد

(5)

بن يوسف بن محمد البرزالى.

(1)

«يريق» فى تذكرة النبيه ج 1 ص 223.

(2)

وامق: أى المحب - تاج العروس.

(3)

أنظر أبيات أخرى فى تذكرة النبيه ج 1 ص 223.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 224 رقم 630، النجوم الزاهرة ج 8 ص 194، الوافى بالوفيات ج 10 ص 36 رقم 4478.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 149، الوافى بالوفيات ج 5 ص 252 رقم 2331، تذكرة النبيه ج 1 ص 224.

ص: 104

مات بدمشق ودفن بمقابر الباب الشرقى إلى جانب قبر والده بالقرب من أبىّ بن كعب رضى الله عنه، وهو والد الشيخ علم الدين البرزالى

(1)

، وكانت له إجازات من بغداد وديار مصر والشام، وكان من أكثر الناس مروءة وديانة وصيانة، وكان عفيفا نزها، ولم يكتب فى مكتوب فيه ريبة أو منازعة.

الشيخ الإمام العالم الفاضل جمال الدين عمر

(2)

بن إبراهيم بن الحسين بن سلامة العقيمى الرسعنى.

مات بدمشق ودفن بسفح قاسيون، ومولده برأس العين سنة ست وستمائة، وكان فاضلا جيد الشعر، حسن النثر، جمع مقامات كثيرة فى فنون شتّى.

ومن نظمه قوله:

يا سائرا نحو الأثيل مبكرا

عرج على أكناف

(3)

جلّق مسحرا

واحبس بوادى النيريين وبانه

يستحل أنفاس النسيم معطرا

والمح قلائد زهرها منظومة

والكلّ ينثر من نداه جوهرا

واجنح إلى الروض الأريض لتس

تمع لحن الغريض عن الهزار محرّرا

حرم إذا اعتلّ النسيم بأرضه

عبثت نعائمه بمسك أذفرا

ما ناوحت ريح الشمال رياضه

إلا حسبناها الشمول المسكرا

أو صافحت ريح الجنوب جنابه

إلا وجدنا كل ترب عنبرا

(1)

هو: القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف البرزالى، المتوفى سنة 739 هـ/ 1338 م - المنهل الصافى، الدرر ج 3 ص 321 رقم 3229.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 151، النجوم الزاهرة ج 8 ص 194، العبر ج 5 ص 401 - 452، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 122 رقم 187، تذكرة النبيه ج 1 ص 225، الوافى ج 22 ص 413 رقم 292.

(3)

الكنف هو الجانب والناحية، والكنف: الرحبة - معجم البلدان للبغدادى.

ص: 105

وقال:

سقى الله أكناف الجزيرة ريّها

وحقّ لأرض تنبت الود أن تسقى

أناس متى استمسكت من حبل ودّهم

بأيسره استمسكت بالعروة الوثقى

[233]

وقال:

يا صبر لا تفعل فصبرك أجمل

ودع العذول بناره يتململ

ضنّوا وما أنا بالضنين على هوى

أنت الأخيريه وأنت الأوّل

وكلت طرفى بالسهاد وبالسهى

فإلى خيالك والكرا أتوسّل

فعلام طرفك طارق فى فترة

تدعو القلوب له وصدعك مرسل

وإلام تهجر مغرما هجر الكرى

حتى لقد جارت عليه العدّل

واعجب لعذرى فى عذارك إنّنى

أدعى به المجنون وهو مسلسل

وقال:

شبّهت بدرّ سمائها لما بدت

منه الثريّا فى قبض سندس

ملكا مهيبا قاعدا فى روضة

حيّاه بعض الزائرين بنرجس

وقال:

أغصن النقا ابن القدود الموايس

وابن الظبا النافرات الأوانس

لقد درست أطلالهنّ وهل ترى

يهيج الشجى إلا الطلول الدّوارس

وعندى دواعى جمّة لفراقهم

على أنّنى من ذلك الوصل آيس

مهاة كناس فارقته فمالها

شبيه سوى ما مثلته الكنائس

ص: 106

فجفنى على آثارهم مطلق دمى

ودمعى وقلبى للصّبابة حائس

أبى بيننا إلاّ جماحا وقسوة

تذوب لملقاها نفوس نفائس

بهاء الدين يوسف بن الشيخ تاج الدين موسى بن محمد بن مسعود المراغى، عرف بابن الحيوان.

مات بالمارستان النورى، ودفن عند والده بمقبرة باب الصغير، وكان شابا صالحا ذكيا، فاضلا، له اشتغال بالعلوم وله شعر فمنه قوله:

أناشدكم بالله ألاّ وقفتم

ليقضى أوطارا من الوصل مغرم

أخو صبوة ما زال يكتم حبّه

فأظهر قانى الدمع ما كان يكتم

يقولون لى ما العشق والوجد

والأسى وما البعد حتى يشتكيه المتيّم

فوا حسرتا واطول حزنى ولوعتى

يهوّن أمر الحبّ من ليس يعلم

الشيخ الصالح الواعظ سيدى أبو محمد عبد الله

(1)

بن محمد المرجانى، شيخ المغرب وواعظه بتونس.

كان عالما متفنّنا مذكرا، حلو العبارة، كبير القدر، له شهرة فى الآفاق، قدم الإسكندرية ومصر ووعظ بهما، وكان عارفا بالحديث، وله قدم فى التصوف، وكان ربما فسّر فى الآية الواحدة ثلاثة أشهر، مات فى هذه السنة وخلّف كتبا كثيرة، وعدة أولاد، رحمه الله.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى.

ص: 107

الشيخ الإمام البارع العلامة نجم الدين أحمد

(1)

بن محسّن بن ملىّ الأنصارى البعلبكى، الشافعى الأصولى المتكلم.

مولده سنة سبع عشرة وستمائة ببعلبك، سمع من البهاء عبد الرحمن

(2)

وابن الزبيدى وابن رواحة، واشتغل بدمشق، وأخذ العربية عن ابن الحاجب، والفقه عن ابن عبد السلام، والحديث عن زكى الدين المنذرى، والأصول عن جماعة، وقرأ القانون وكتبا كثيرة فى الطب، والأصول، واشتغل على عز الدين بن مقبل فى مذهب الشيعة، ودرس، وأفتى، وناظر، وتخرج به جماعة، وكان متبحرا فى علوم كثيرة، [234] فصيح العبارة، ذكيا متيقظا، مقداما شجاعا، إماما فى مذهب الشيعة، يقتدى به، مات فيها بقرية نجعون من جبل الظنين

(3)

.

الشيخ الإمام العالم مفتى المسلمين شمس الدين محمد

(4)

بن الشيخ الإمام العلامة شيخ المذاهب قاضى القضاة صدر الدين سليمان بن أبى العزّ بن وهيب الحنفى.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى فى ج 2 ص 65 رقم 245، درة الأسلاك ص 150، الوافى ج 7 ص 305 رقم 3294، طبقات الشافعية الكبرى ج 8 ص 31 رقم 1055، شذرات الذهب ج 5 ص 444، تذكرة النبيه ج 1 ص 230.

(2)

هو: عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور، المقدسى، الحنبلى، المتوفى سنة 624 هـ/ 1226 م - شذرات الذهب ج 5 ص 114.

(3)

جبل الظنين: بين طرابلس وبعلبك - شذرات الذهب ج 5 ص 445.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 149، النجوم الزاهرة ج 8 ص 191، 192، الوافى بالوفيات ج 3 ص 137 رقم 1077، تذكرة النبيه ج 1 ص 225، السلوك ج 1 ص 906.

ص: 108

كان فقيها كبيرا فى مذهبه، أفتى مدة أربعة وثلاثين سنة، ودرّس بالعذراوية

(1)

، والخاتونية البرانية

(2)

، والنورية، وكان لا يتردد إلى أحد ولا يخالط الناس، مات فى النورية فى السادس عشر من ذى الحجة، ناب فى القضاء عن والده، وكان من خيار الناس.

الشيخ العارف سعد الدين محمد

(3)

بن أحمد الكاشانى الفرغانى، شيخ خانقاة الطاحون

(4)

.

مات فى السابع عشر من ذى الحجة منها، ودفن فى مقابر الصوفية، وكان شيخا فاضلا عارفا بكلام الشيخ محيى الدين بن العربى، وشرح قصيدة ابن الفارض.

الشيخ الإمام العارف بدر الدين الحسن

(5)

بن الإمام أبى الحسن على بن أمير المؤمنين أبى الحجاج يوسف بن هود المرسى.

(1)

المدرسة العذراوية بدمشق: أنشأتها الست عذراء ابنة أخ السلطان صلاح الدين الأيوبى سنة 580 هـ/ 1184 م - الدارس ج 1 ص 270، خطط الشام ج 6 ص 86.

(2)

المدرسة الخاتونية البرانية بدمشق، أوقفتها زمرد خاتون أخت الملك دقاق صاحب دمشق، المتوفاة سنة 557 هـ/ 1162 م - الدارس ج 1 ص 502، خطط الشام ج 6 ص 92.

(3)

هكذا بالأصل. وورد «سعيد الكاسانى» فى كل من: الدارس ج 2 ص 164، شذرات الذهب ج 5 ص 448.

(4)

خانقاة الطاحون بدمشق: خارج البلد، وتنسب إلى السلطان نور الدين محمود بن زنكى - الدارس ج 2 ص 164.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 150، العبر ج 5 ص 397، شذرات الذهب ج 5 ص 446، السلوك ج 1 ص 905، تذكرة النبيه ج 1 ص 231، فوات الوفيات ج 1 ص 345 رقم 122.

ص: 109

توفى عشية الإثنين السادس والعشرين من شعبان منها بدمشق، ودفن بقاسيون، ومولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمرسية

(1)

، وكان والده متوليها نيابة عن أخيه أمير المؤمنين المتوكل على الله محمد بن يوسف بن هود صاحب الأندلس

(2)

.

وكان يلبس الصوف، وعلى رأسه قبع صوف عسلى، وترك بلاده وهاجر إلى دمشق، وأقام بالخانقاه الشميصاتية وبالأندلسية وبخانقاة الطاحون.

وقال الذهبى: كان ابن هود قد حصل له زهد وفراغ عن الدنيا وسكرة عن ذاته، وغفلة عن نفسه، فسافر وترك الحشمة، وصحب ابن سبعين واشتغل عليه بعلوم الأوائل، وحج وقدم اليمن، ثم رحل إلى الشام، وكان فيه انقباض عن الناس، حمل مرة إلى والى البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود خبثا منهما ليقصوا منه بذلك، وكان أسلم على يده جماعة، وكان يمشى فى الجامع باهت الطرف، ذاهل العقل، وهو رافع أصبعه السبابة كالمتشهد.

ومن شعره:

فؤادى من محبوب قلبى لا يخلو

وسرّى على فكرى محاسنه يجلو

ألا يا حبيب القلب يا من بذكره

على ظاهرى من باطنى شاهد عدل

تجليت لى منى علىّ فأصبحت

صفاتى تنادى: ما لمحبوبنا مثل

(1)

مرسية: مدينة فى شرق الأندلس، بنيت أيام الأمويين بالأندلس، اختطها عبد الرحمن ابن الحكم بن هشام - معجم البلدان، تقويم البلدان ص 178.

(2)

تولى حكم مرسية فى الفترة من 621 - 635 هـ/ 1224 - 1237 م - معجم الأسرات الحاكمة ج 1 ص 93.

ص: 110

أورّى بذكر الجزع عنه وبانة

فلا البان

(1)

مطلوبى ولا قصدى الوبل

(2)

وأذكر سعدى فى حديثى مغالطا

بليلى ولا ليلى مرادى ولا جمل

ولم أر فى العشاق مثلى لأننى

تلذّ لى البلوى ويحلو لى العذل

مجانين إلا أنّ ذلّ جنونهم

عزيز على أبوابهم

(3)

يسجد العقل

ومن شعره:

خضت الدجنة حتى لاح لى قبس

وبان بان الحمى من ذلك القبس

فقلت للقلب

(4)

هذا الربع ربعهم

وقلت للسمع لا تخلو من الحرس

وقلت للعين غضّى عن محاسنه

وقلت للمنطق هذا موضع الخرس

[235]

وله موشحه يصف دمشق:

أشاقك البرق سارى

أم راعك الطيف زائر

فما لدمعك جارى

وما لقلبك طائر

لا ذا ولا ذاك ذكرا

منى أثارت شجونا

أيام شربى يرعى

روض الأمانى أمينا

معنى به كل معنا

يفيد دنيا ودينا

فمن خليع عذارى

له من الحسن عاذر

(1)

«ولا البان» - فى فوات الوفيات.

(2)

«الرمل» - فى فوات الوفيات.

(3)

«أعتابهم» - فى فوات الوفيات.

(4)

«للقوم» - فى فوات الوفيات.

ص: 111

ومن حليف وقار

ذاكى الفؤاد وذاكر

حيّاك ربع الأحبّة

دمع الحيا المستهل

وأطلع السعد شهبه

بأفقك المستعل

وعرّس النجح ركبه

ما بين ماء وظل

لذى قرى وقرار

بمزهر وزاهر

عذب الجنا والنجار

سامى العلا والمفاخر

اشبهت جنة عدن

دمشق حسنا وطيبا

أبديت من كلّ فنّ

للحسن معنى غريبا

لا زلت منزل آمن

رحب الفضا خصيبا

بكل حامى الديار

وكامل الفضل وافر

طويل باع الفخار

بسيط كف المآثر

هل عائد لى عهد

بروضة النّيرين

انى وقد دان بعد

ما بين ذاك وبينى

لله ودق ووقد

بأضلعى وبعينى

فكم أجنّ بجارى

وحاكم البين جائر

وكم أوارى أوار

والدمع لى متواتر

الصبر دونك عجز

لا تحسبيه اختيارا

والذلّ عندك عزّ

ما آن أراه صغارا

ص: 112

ترنّم الطير غمز

به إليك أشارا

معناه أنت اختيارى

واننى جد خابر

عليك يا خير دار

قطب السعادة دائر

عماد الدين يوسف

(1)

بن أبى نصر بن أبى الفرج الشقارى.

كان زمن الظاهر أمير الركب، وكان له حجّات كثيرة، ومولده سنة عشر وستمائة، مات فى هذه السنة، ودفن بالنيرب بتربته جوار الجامع.

الأمير جمال الدين أقوش

(2)

المطروحى، وسيف الدين كرد، والأمير ركن الدين الجمالى، نائب غزّة، عدموا فى وقعه قازان فى هذه السنة.

الزين خضر بن دانيال الأنطاكى الزرّادى الضرير المقرئ.

كان عارفا بعلم النجم والرمل، وكان يخيط ويدخل الخيط فى خرت الابرة، وكانت خياطته فى غاية الجودة، ويوصل الأوصال ويرقع ما يفصّله فى مواضعه ترقيعا حسنا، وكان آية من آيات الله، وأصله من مسيحى أنطاكية وقع فى قسم الأمير عز الدين الزرّاد نائب قلعة دمشق فربّاه وأقرأه القرآن، فحفظ الكتاب العزيز وتلا بالسبع على المشايخ، مات بدمشق فى الثامن من شعبان منها، ودفن بمقابر باب الصغير.

الأمير عماد الدين حسن

(3)

بن على بن محمد بن النشابى الحلبى.

(1)

العبر ج 5 ص 407، شذرات الذهب ج 5 ص 454 - 455 وفيه «ابن السفارى» .

(2)

شذرات الذهب ج 5 ص 446.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 5 ص 102 رقم 911، شذرات الذهب ج 5 ص 447، العبر ج 5 ص 397، الوافى ج 12 ص 159 رقم 129، الدارس ج 2 ص 300.

ص: 113

مات [236] بالبقاع من أعمال بعلبك. ودفن بقاسيون بتربته، وكان قد ولى ولايات بالبرّ، ثم نقل إلى ولاية المدينة، ثم ولاية البرّ، ثم جعل أمير طبلخاناة، فمكث قليلا ومات، وكان مشكورا فى ولايته، وعنده شهامة ونهضة وكفاية.

الأمير الكبير العالم المحدث أبو موسى سنجر

(1)

الدوادارى التركى البرنلى.

مولده فى سنة نيف وعشرين وستمائة، وقدم من بلاد الترك فى حدود الأربعين وستمائة، وكان عبس الشكل، كبير الوجه، خفيف اللحية، صغير العينين، ربعة من الرجال، حسن الخلق والخلق، مهيبا فارسا شجاعا، دينا، عالما فاضلا، حسن الخط، حافظا لكتاب الله تعالى، قرأ القرآن على الشيخ جبريل الدلاصى وغيره، وحفظ الإشارة

(2)

فى الفقه لسليم الرازى. وكتب بخطه، وحصّل الأصول، وكانت له عناية بالحديث وسماعه، سمع كثيرا، وخرج له المزّى جزأين عوالى، وخرّج له ابن الظاهرى، وحج ستّ مرات.

وكان من الأمراء الظاهرية، ثم نقل إلى حلب، ثم قدم إلى دمشق، وكان من أصحاب سنقر الأشقر، ثم مسك، ثم أعيد إلى رتبته، ثم أعطى تقدمة ألف، وزادت رتبته فى دولة لاجين المنصور، وقدّمه على الجيش فى غزوة سيس، وكان

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 6 ص 68 رقم 1109، درة الأسلاك ص 147، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 87 رقم 128، الوافى ج 15 ص 479 رقم 644، شذرات الذهب ج 5 ص 449، السلوك ج 1 ص 905، تذكرة النبيه ح 1 ص 228، كنز الدرر ج 9 ص 40.

(2)

هو كتاب «الإشارة فى الفروع لمؤلفه سليم بن أيوب بن سليم الرازى، أبو الفتح، الفقيه الشافعى» المتوفى سنة 447 هـ/ 1055 م - هدية العارفين ج 1 ص 459.

ص: 114

له معروف كثير وأوقاف بالقدس ودمشق، وروى عن الحافظ زكى الدين عبد العظيم المنذرى، والرشيد العطار، والكمال الضرير، وابن عبد السلام، وجماعة كثيرة، وشهد الوقعة وهو ضعيف، فالتجأ بأصحابه إلى حصن الأكراد، فمات به ليلة الجمعة الثالث من رجب الفرد منها، وكان المنصور لاجين قد فوّض إليه عمارة جامع ابن طولون فعمّره وعمّر أوقافه وقرّر فيه دروس الفقه والحديث والطب

(1)

.

وله شعر حسن، فمنه قوله:

سلوا عن موقفى يوم الخميس

وعن كرات خيلى فى الخميس

شربت دم العدى فرويت منه

فشربى منه لا خمر الكؤس

وجاورت الحجاز وساكنيه

وكان البيت فى الليل

(2)

أنيسى

وأتقنت الحديث بكل قطر

سماعا عليا ملء الطروس

أباحت فى الوسيط لكل خبر

وألقى القوم فى حرّ الوطيس

فكم لى من جلاد فى الأعادى

وكم لى من جدال فى الدروس

(3)

وقد ذكرنا طرفا من ترجمته فيمن استشهد من الأمراء فى وقعة قازان

(4)

.

(1)

انظر وثيقة وقف السلطان حسام الدين لاجين رقم 17/ 3 وصورتها رقم 18/ 3 بمجموعة المحكمة الشرعية بدار الوثائق القومية بالقلعة بالقاهرة - فهرست وثائق القاهرة ص 7 مسلسل 19 - 20.

(2)

«فى ليلى» الوافى ج 15 ص 482.

(3)

الوافى ج 15 ص 482.

(4)

انظر ما سبق ص 17.

ص: 115

حسام الدين بلال

(1)

الطواشى المغيثى، خادم الملك المغيث صاحب الكرك.

مات فى هذه السنة، وخدم الملك الصالح، وكان معظما فى الدولة المصرية يجلس فوق الأمراء كلهم.

وقال صاحب النزهة: وعاينته يجلس فوق البيسرى وسنقر الأشقر على باب القبة، وكان السلطان الملك المنصور سلّم إليه الملك الصالح علاء الدين وقال له:

هذا ولدك ربّه، وكان مقيما فى القلعة بدار الملك الصالح أستاذه، وكان له أوقاف على تربة النبى صلى الله عليه وسلم، وأوقاف على عتقائه وأولادهم، ولما توفى أثبت مجد الدين بن الخشاب أن بعض الأوقاف التى أوقفها كان فى غير عقله وأنه كان مخبلا فى ذلك الوقت وأخذ منها ما اختاره، وكانت له مكارم، وقصده [237] الشعراء ومدحوه، وكان يهب لهم ويعطيهم، وامتدحه فى وقت شرف الدين القدسى الكاتب بقصيدة مطولة منها:

ما رأيت الناس مثل حسنك لا لا

هكذا هكذا وإلا فلالا

فتبسم وقال: يا شرف الدين بعد الثمانين يكون الحسن، والله أسرفت فى التجمل. فقال له: يا سيدى أحسن الشعر ما كذب الشاعر فيه، فأعجبه ذلك ورسم له بخمسمائة درهم.

وكان قد خرج من مصر على نيّة الجهاد، فأدركه مرض منعه أن يحضر المصاف، وبقى إلى أن رجع العسكر فركّبه مماليكه إلى أن وصل منزلة السوادة، فتوفى بها ودفن هناك، ونقل بعد شقحب إلى مصر ودفن بتربته بالقرافة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 396، شذرات الذهب ج 5 ص 446، السلوك ج 1 ص 905.

ص: 116

الأمير سيف الدين جاغان مملوك السلطان لاجين، مات فى هذه السنة بمرض أصابه بدمشق.

الأمير علاء [الدين

(1)

] قطلوبرس

(2)

العادلى، مات فى هذه السنة بعد شنقه فى سوق الخيل، وأقام ثلاثة أيام، ثم دفن وكان قد هرب فى نوبة الأويراتية واستخفى بمصر، ثم وجد عند مملوك له فيه هوى

(3)

.

(1)

[] إضافة للتوضيح من السلوك.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 396، شذرات الذهب ج 5 ص 446 وفيهما «جاعان» ، السلوك ج 1 ص 905.

(3)

انظر ما جاء بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 278 وما بعدها، ص 304 وما بعدها، ص 355 وما بعدها.

ص: 117

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة السبعمائة من الهجرة

(*)

استهلت والخليفة: الإمام الحاكم أبو العباس أحمد بن الأمير أبى على بن الإمام أبى بكر بن الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين العباسى.

وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية: الملك الناصر محمد بن قلاون الصالحى، ونائبه بمصر: سيف الدين سلار، وفى دمشق: جمال الدين أقوش الأفرم

(1)

، وفى حلب: شمس الدين قراسنقر المنصورى، وبطرابلس والسواحل:

سيف الدين قطلوبك، وبصفد: سيف الدين [بلبان

(2)

] طرنا السلحدار، وبحماة: زين الدين كتبغا العادلى، وبالكرك: جمال أقوش

(3)

الأشرفى.

والقاضى الشافعى بمصر: تقى الدين بن دقيق العبد، والحنفى: شمس الدين السروجى

(4)

، والمالكى: زين الدين بن مخلوف، والحنبلى: شرف الدين الحرانى.

(*) يوافق أولها يوم الجمعة 16 سبتمبر 1300 م.

(1)

«ملك الأمراء بدمشق المحروسة» - فى كنز الدرر ج 9 ص 41.

(2)

[] إضافة للتوضيح من كنز الدرر ج 9 ص 41.

وهو: بلبان بن عبد الله، أمير جندار، الأمر سيف الدين، المعروف ببلبان طرنا، والمتوفى سنة 734 هـ/ 1333 م - المنهل الصافى ج 3 ص 421 رقم 698.

(3)

هو: أقوش بن عبد الله الأشرفى، الأمير جمال الدين نائب الكرك، والمتوفى سنة 736 هـ/ 1335 م - المنهل الصافى ج 3 ص 27 رقم 518.

(4)

هو: أحمد بن إبراهيم بن عبد الغنى، قاضى القضاة شمس الدين السروجى، المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 1 ص 201 رقم 102.

ص: 119

وقاضى الشافعية بدمشق: بدر الدين بن جماعة، وقاضى الحنفية: شمس الدين ابن الحريرى، والمالكية: جمال الدين الزواوى، والحنابلة: تقى الدين سليمان بن مزة المقدسى، والخطيب: بدر الدين بن جماعة.

والوزير بمصر: شمس الدين سنقر الأعسر.

وصاحب المغرب: أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن يحيى بن محمد وأبو يعقوب المرينى.

وصاحب اليمن: الملك المؤيد هزبر الدين داود بن المظفر.

وصاحب ماردين: الملك المنصور نجم الدين غازى بن الملك المظفر الأرتقى.

وصاحب مكة: الشريف نجم الدين أبو نمى محمد بن أبى سعد بن على بن قتادة الحسينى.

وصاحب المدينة: عز الدين جماز بن شيحة الحسينى.

وملك التتار: محمود قازان، وصاحب المملكة الشمالية: طقطاى ابن أخى الملك بركة، والمتولى على الصين قان بن قان بن جنكز خان، ومن حد بلاد خراسان إلى خان بالق الملك قيدو.

وصاحب الحبشة: الأمحرى النصرانى.

وصاحب الهند إلى نجد إلى كنبايت: الملك المسعود ناصر الدين محمود ابن علم الدين سنجر عتيق شمس الدين أيتمش مملوك شهاب الدين الغورى.

ص: 120

‌ذكر اختلاف عربان بحيرة:

قال بيبرس فى تاريخه: وفى سنة سبعمائة اختلفت عربان البحيرة، وهم طائفتان جابر ومرديس

(1)

اختلافا كثيرا

(2)

أنشأ بينهم حربا، وأفنى بعضهم بعضا، [238] وكانت مرديس

(3)

هى المستظهرة على جابر، وقد كسرتها كسرا [أعتى على الجابر

(4)

]، فاتصل ذلك بالأبواب السلطانية، فندبت

(5)

لإخماد فتنتهم وإطفاء جمرتهم وردع المعتدين منهم، وجرّد معى من أمراء الطبلخاناة

(6)

عشرون أميرا، وهم: الأمير شمس الدين سنقرجاه السلحدار، والأمير حسام الدين لاجين الجاشنكير، والأمير سيف الدين بلبان الطغريلى، والأمير سيف الدين طشتمر الجمقدار، والأمير علاء الدين بن أمير مجلس، والأمير بدر الدين محمد الوزيرى، والأمير عز الدين أيدمر الشمسى القشاش، والأمير بهاء الدين قراقوش الصوابى، والأمير سابق الدين بوزبا الساقى، والأمير ناصر الدين محمد بن طرنطاى، والأمير ناصر الدين محمد بن أيتمش السعدى، والأمير علاء الدين على بن ددا التركمانى، والأمير جمال الدين أقوش الرومى، والأمير شمس الدين الدكز السلحدار،

(1)

هكذا بالأصل، و «مرديش» فى التحفة الملوكية، ولعل الصواب «مرداس» - انظر نهاية الأرب فى معرفة قبائل العرب ص 418.

(2)

«كثيرا» ساقط من زبدة الفكرة.

(3)

«جابرديس» فى الأصل، وهو تحريف - انظر ما يلى، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

ضمير المتكلم هنا يعود على بيبرس الدوادار المنصورى.

(6)

«الطبلخانات» فى زبدة الفكرة.

ص: 121

والأمير سيف الدين قطز بن الفارقانى، والأمير علاء الدين مغلطاى المسعودى، وأصحاب الأمير مظفر الدين أمير موسى، وأصحاب الأمير جمال الدين الطشلاقى وغيرهم، وأنهى إلى الأبواب الشريفة أنهم صافون، وعلى القتال عاكفون، وذلك على ظاهر تروجة، فسرنا سيرا حثيثا، فوجدناهم قد اتفقوا وافترقوا، فتبعناهم فانهزموا، وقصدوا جهة الليونة وغربى الإسكندرية، فأخذنا مواشيهم من الجمال والأغنام، وسقنا

(1)

إلى الباب الشريف، وأحضرنا هؤلاء العربان بالأمان، وقررنا قواعدهم، ونظمنا الصلح بينهم، وعدنا إلى الأبواب الشريفة، فتواترت الأخبار بحركة التتار

(2)

.

‌ذكر ورود القصّاد من بلاد الشرق:

وردت القصاد فى أوائل هذه السنة من بلاد الشرق وأخبروا أن قازان ملك التتار قد بلغه أن قفجق التحق بمصر إلى السلطان بمن معه من الأمراء، وسلم إليه دمشق، وخطب للسلطان صاحب مصر، وأبطل اسمه، فعز عليه ذلك، ورسم أن يجمع جيشه للعبور إلى الشام، وكان قد حنق على قفجق، وجمع المغول واستشارهم، فمنهم من أشار عليه بالركوب، ومنهم من قال له: ياخوند الذى حصل لك ما حصل لأحد من ملوك المغول حيث نصرت على عسكر ما عرف قط أنه انهزم من المغول، وقد بقى لك فى نفوسهم هيبة، وما فى الاستعجال فى الركوب إليهم فائدة، فربما يكون بعد الربح الخسران، ولا تأمن أن ينصروا

(1)

«وسبقت» فى زبدة الفكرة.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 221 أ، ب.

ص: 122

علينا، والمصلحة أن تبعث إليهم رسلا فى ذلك وتطالبهم أن يحملوا لك مالا ويكون ذلك راحة للعسكر وحرمة للملك.

ثم تواترت مطالعات نواب الشام بأن التتار قاصدون البلاد، ووقع الجفل فى أهل البلاد إلى الديار المصرية، وتتابعوا من جميع الأعمال حتى ملأوا الأقاليم والنواحى، وضاقت بهم الأماكن، وعجز أكثرهم عن المساكن، وظن الناس أنهم يعدمون الأقوات، فوضع الله البركة فى الغلال، وأنزل الرخاء فى الأسعار، فكانوا كلما تكاثروا انحطت الأسعار حتى أبيع الأردب من القمح بخمس عشرة درهما

(1)

.

وقال ابن كثير: وفى مستهل صفر وردت الأخبار بقصد التتار

(2)

بلاد الشام، [239] [وأنهم عازمون على دخول مصر

(3)

] وانزعج الناس، وازدادوا ضعفا على ضعفهم، [وطاشت عقولهم وألبابهم

(4)

] وشرعوا فى الهروب إلى مصر والكرك والحصون المنيعة، فبلغت الحمارة إلى مصر خمسمائة درهم، وأبيع الجمل بألف، والحمار بخمسمائة، وبيعت الأمتعة بأرخص الأثمان وأبخسها، وجلس الشيخ تقى الدين بن تيمية فى ثانى صفر بمجلسه فى الجامع، فحرض الناس على القتال، وتلا عليهم الآيات والأحاديث الواردة فى ذلك، وهى عن التسرع فى الحركة، ونودى فى البلدان لا يسافر أحد إلا بمرسوم، فتوقف الناس عن السير، وسكن

(1)

هذا الخبر ملخصا عن زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 221 ب، 222 أ.

(2)

«التتر» فى البداية والنهاية.

(3)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(4)

[] إضافة من البداية والنهاية.

ص: 123

جأشهم، وتحدّث الناس بخروج السلطان من القاهرة بالعساكر المنصورة، فبلغ السلطان ذلك، فقصد أن يجمع مالا من الناس لأجل العساكر

(1)

.

‌ذكر عزم السلطان على السّفر وأمره بجمع الأموال من الناس:

لما جرى ما ذكرنا اجتمعت الأمراء عند السلطان وتشاوروا فيما بينهم، واتفقوا على تجهيز أمرهم، وخروج السلطان مع العساكر، وأن يجمعوا مالا يكون فى الخزانة برسم نفقات العساكر، وكتبوا لنائب الشام أن يدبّر أمره ويستخدم بطّالين إلى وقت حضور السلطان، وطلبوا ناصر الدين [محمد

(2)

بن] الشيخى، وأمروه أن ينظر فى أمر التجار والمكارم والأكابر، ويتفقد أيضا من لم يخرج مع العسكر فى النوبة الأولى، فيأخذ منهم شيئا، ثم اتفق رأيهم أن يعرضوا الجيش، وذلك لأنهم استجدوا جماعة كثيرة من الجند، وكان فيهم جماعة كثيرة من أهل الصنائع والناس المجمعين، فطلب مقدمى الحلقة وأمروهم أن يحضروا الأجناد راكبين خيولهم وأرماحهم بأيديهم ويدخل كل واحد ويعرض نفسه لينظر الأمراء إلى حملة الرمح وسوقة الفرس، ويعرفون بذلك هل هو أصيل فى الجندية أو دخيل فيها، وأيضا يعرف المقدمون من كان منقطعا يوم الواقعة الأولى ومن كان حضرها، وكان الأمراء نصبوا لهم مخيما بميدان القبق

(3)

، وأقاموا أياما

(1)

انظر البداية والنهاية ج 14 ص 14 حيث يوجد اختلاف فى بعض الألفاظ لا يغير المعنى.

(2)

[] إضافة للتوضيح من السلوك.

(3)

ميدان القبق: وهو ميدان خاص للعب القبق، ويقع خارج القاهرة المعزية فيما بين النقرة التى ينزل من قلعة الجبل إليها وبين قبة النصر تحت الجبل الأحمر، ويقال له أيضا الميدان الأسود، وميدان العيد، والميدان الأخضر، وميدان السباق، وهو ميدان الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الصالحى النجمى - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 111.

ص: 124

يعرضون الجيش فى كل يوم عشر مقدمين من الحلقة بمضافيها.

وأما أمر المال فإن السلطان والأمراء قصدوا التوسع بشئ يعين على كلف العساكر، وسمّوا بتقدير مال على الأملياء والتجار وأرباب المعايش والأسباب بالقاهرة ومصر، فقرّر، وتولاّه الأمير سنقر المعروف بالأعسر، والأمير ناصر الدين محمد الشيخى متولى القاهرة، فاستخرجا منه نحو مائة ألف دينار، وسمّى مقرّر الخيالة.

وقال صاحب نزهة الناظر: لما تولى ناصر الدين الشيخى استخراج المال المقرّر على هؤلاء المذكورين عجز عن ذلك، وبلغه كلام كثير منهم، فاختار أن يشرك الوزير معه فى أمر الجباية، واتفق مع ذلك حضور بعض الجند وشكايته إليه ما قاسى من العامة ومن كلامهم الفاحش، وذكر أن الأجناد ما بقيت لهم حرمة عند العوام، وإذا وقف واحد منهم لشراء حاجته مما يتعلق بحال الجندية يسمعونه الكلام الفج ويقولون له: أما تستحون بالله تتحدثون اليوم وبالأمس كنتم هاربين، والآن تتشطرون علينا، وإذا هب واحد منهم على أحد من العامة بمقرعة فى يده، ينهض إليه ويمسكها من يده ويقول: إش معنى ما كانت هذه الحرمة على مثل الذين فعلوا بكم كذا وكذا وهربتم منهم، فصارت الأجناد فى ألم عظيم من مثل ذلك، [240] وعرف ناصر الدين الشيخى ذلك للأمراء، وأختار أن يشرك معه فى هذا الأمر من هو أكبر وأكثر حرمة، فرسموا أن يكون شريكه فى ذلك الأمير شمس الدين الأعسر، فإنه كان ذا حرمة عظيمة وهيبة قوية بحيث أن أحدا من العوام إذا وقف بين يديه لم يقدر أن ينطق بكلمة واحدة، فاستقام حينئذ حال ناصر الدين المذكور، ثم نودى فى

ص: 125

القاهرة بأن أىّ عامىّ يزيد فى الكلام على جندى كانت روحه وماله للسلطان

(1)

، فانقطعوا بعد ذلك عما هم فيه من تشويشهم على الأجناد.

قال الراوى: ثم جاء خبر من نائب الشام صحبة قاصد من عنده أن عسكر قازان يتواردون أولا فأولا، وهو يحثهم على عبور الشام، وأنه قد استخرج من الأملاك والأوقاف وأصحاب البساتين أجرة أربع شهور وأنه استخدم بها من التركمان وغيرهم نحو ثمانمائة فارس، ونفق على كل جندى منهم ستمائة درهم نقرة

(2)

، ثم أعرضهم وهم منتظرون حلول الركاب الشريف، فعند ذلك تجهزت الأمراء والسلطان للخروج.

‌ذكر خروج السلطان من القاهرة متوجّها إلى الشّام لأجل حركة التتار:

كان خروج السلطان مع عساكره فى النصف من شهر صفر

(3)

من هذه السنة، وتموا سائرين إلى أن وصلوا إلى غزّة وأقاموا عليها يومين، والثالث ورود خبر من نائب حلب ونائب الشام صحبة القصّاد أن قازان قد توجه بجيشه إلى نحو جبال أنطاكية وقد جفلت أهل السّواد بين يديه، فكتب السلطان الجواب بأن تكونوا على يقظة من أمره، وتعرفوا بحركاته كل وقت، فاقتضى رأيهم الرحيل من غزة إلى منزلة العوجاء، فضربوا الدهليز بها، وشرعت الأجناد فى

(1)

انظر السلوك ج 1 ص 907.

(2)

درهم نقرة: كان الدرهم النقرة على عهد الظاهر بيبرس عبارة الثلثان من فضة، والثلث من النحاس - صبح الأعشى ج 3 ص 462 - 463، الأوقاف والحياة الاجتماعية ص 297.

(3)

«فى يوم السبت ثالث عشر صفر» النجوم الزاهرة ج 8 ص 131.

ص: 126

تسفير جمالهم إلى تحصيل الشعير والتبن وما يحتاجون إليه، وجاءت الأمطار الكثيرة بإذن الله خارجة عن الحدّ والعادة، واستمرت ليلا ونهارا عشرة أيام، ثم أصبحت فى نهار واحد من بكرة النهار إلى الظهر، ثم شرعت وتزايدت إلى أن منعت المسافرين والجافلين عن جلب الأشياء، فضاقت بهم الأحوال، فصار كل أمير إذا أراد طبخ شئ من الطعام يستر مطبخه باللبابيد الكثيرة حتى يتيسر إيقاد النار، فأقامت المطر على منوال واحد أحدا وأربعين يوما بلياليها، لم يتلذذ فيها أحد بالنوم من شدة البرد والرّعد والمطر والثلج والبرد الذى يمنع الرجل عن القيام لمصلحته، وكذلك بلغت أحوال الخيول فلا يقدر أحدا منها أن يضع جنبه على الأرض ولا يشرب الماء إلا من النهر الذى يجرى بين يديه، فتحسنت أسعار التبن والشعير وغير ذلك.

قال صاحب النزهة: اشترينا الحمل من التبن بأربعين درهما، والعليقة الواحدة بثلاثة دراهم، والخبز كل ثلاثة أرغفة بدرهم، والرطل من اللحم بثلاثة دراهم، وانقطع الجلب من سائر الأماكن، ثم حصل بعد ذلك سيل عظيم من الأمطار والثلوج التى ذابت من الجبال وانحدر فى النهر إلى أن فاض من جوانبه وارتفع إلى أن علا من فوق القنطرة، وجاء عقيب ذلك برد عظيم جدا حتى مات من الغلمان جماعة كثيرة من البرد، وتلفت حال العسكر، وتلف جميع ما معهم من الثياب والقماش والخيام وأنواع [241] المأكولات بحيث أن أحدا ما كان يقدر على القعود فى الخيام من المياه من كثرة المطر، ثم أجمع رأيهم على الرحيل، فنودى فى العسكر بالركوب بكرة النهار، وأول من ركب وتقدم الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة، وقدّامه حزمة حطب على السرج ورماها فى الوحل، ثم

ص: 127

الأمير ركن الدين بيبرس، ثم بقية الأمراء أولا فأولا ومماليكهم وغلمانهم، وكذلك أجناد الحلقة، وبيد كل واحد قفة أو مخلاة من التراب أو الحجر أو غير ذلك فيرميه فى الوحل حتى تمشى الدواب عليه.

وهم فى ذلك إذ وصل مملوك من نائب حلب ومعه اثنان من الناصحين، وأخبروا أن قازان ركب بجيشه إلى أنطاكية، ثم إلى جبل السماق ورجع إلى قرون حماة وأرض شيزر، ونهب وسبى خلقا كثيرا، وأخذ مواشى كثيرة للتركمان وأهل البلاد، وأن صاحب سيس بذل له مالا عظيما فى شراء أسرى كثيرة من المسلمين، وأنه صمّم على عبوره الشام، فأرسل الله على جيشه أمطارا عظيمة وثلوجا لم يعهدوا مثلها قبل ذلك، ومع ذلك وقع الفناء فى خيولهم، وكان الفرس منهم يصيبه البرد وينزل عليه الثلج فيقع على الأرض، ثم لا ينتفع به بعد ذلك، وحكوا أن قازان كان معه خصوصا اثنى عشر ألف رأس من الخيل دشار، فلم يبق منها إلاّ مادون الألف، وأنه لما رأى ذلك استشار أمراءه فى

(1)

الرجوع، فرجعوا فى أسوأ حال، وتفرق عسكره، ورآه يردف بعضهم بعضا، فلما سمع السلطان والأمراء ذلك اقتضى رأيهم أن يجردوا بعض المقدمين بمضافيهم إلى حلب لأجل تطمئن البلاد ولسمعة العدو بأن عسكر مصر قد وردوا للقائهم، فعينوا الأمير سيف الدين بكتمر السلحدار ومضافيه، والأمير بهاء الدين يعقوب ومضافيه، وأشاروا برحيل بقية العساكر إلى مصر.

‌ذكر عود السلطان إلى مصر:

ثم رحل السلطان ببقية العسكر وتوجهوا إلى مصر، فوصل السلطان إلى

(1)

«أمرائه» فى الأصل.

ص: 128

قلعة الجبل فى عاشر جمادى الأولى

(1)

، وكان العود أحمد وأولى.

واستعفى الأمير سيف الدين كراى

(2)

السلحدار من نيابة صفد، ورسموا بنيابتها للأمير سيف الدين بتخاص

(3)

، وأنعم على الأمير كراى بإقطاع الأمير سيف الدين بلبان الطباخى بحكم وفاته.

وكان عند العسكر فرح عظيم من رجوع السلطان إلى القاهرة بسبب ما قاسوا من الشدة والقلة، وقال بعضهم فى ذلك:

أقمنا على العوجاء خمسين ليلة

ندبر أمرا قد حكاه انعواجها

وقال صاحب النزهة منشدا لنفسه:

يا سفرة العوجاء من سفرة

كادت بها أرواحنا تخرج

سماؤها ممطرة دائما

وغيثها من برده يثلج

والشمس فى أركانها ظلمة

وصبحها مع ليلها مدلج

لا برح الجندىّ من أرضها

إلاّ عليل الجسم أو أفلج

(1)

«فى يوم الإثنين حادى عشرة» - السلوك ج 1 ص 959، النجوم الزاهرة ج 8 ص 131.

(2)

هو كراى بن عبد الله المنصورى، نائب صفد، ثم نائب دمشق. اعتقل بعد سنة 715 هـ وتوفى معتقلا بقلعة الجبل سنة 719 هـ/ 1319 م - المنهل الصافى.

(3)

«بدخاص» فى السلوك ج 1 ص 909.

وهو: بتخاص بن عبد الله، الأمير سيف الدين، كان آخر العهد به سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 3 ص 237 رقم 640.

ص: 129

وقال ابن كثير: ولما وصلت الأخبار إلى الشام بأن السلطان صاحب مصر قد رجع عائدا إلى مصر، كثر الخوف واشتد الحال، وكثرت الأمطار جدا، وخرج كثير من الناس خفافا وثقالا [242] يتحملون بأهاليهم وأولادهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون

(1)

، ثم قويت الأراجيف بوصول التتار، وتحقق أهل الشام عود السلطان إلى مصر، ونادى ابن النحاس متولى دمشق فى الناس:

من قدر على السّفر فلا يقعد بدمشق، فتصايح النساء والولدان، وبقى على الناس ذلة وخمدة وزلزلوا زلزالا شديدا، وغلقت الأسواق، وتيقن الناس أن لا ناصر لهم، ودخل كثير من الناس إلى القلعة ولم يبق فى دمشق من الأكابر إلاّ القليل، وسافر قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة وشمس الدين بن الحريرى، ونجم الدين ابن صصرى، ووحيد الدين بن منجا، وقد كانت سبقتهم بيوتهم إلى ديار مصر.

وجاءت الأخبار بوصول التتار إلى سرمين، وخرج الشيخ نجم الدين بن القرافى، وإبراهيم الرقى، وابن قوام، وابن تيمية، وابن حبان إلى نائب السلطنة الأفرم، فقؤوا عزمه على ملاقاة العدو، واجتمعوا بمهنى أمير العرب، فأجابه إلى السمع والطاعة، وقويت نياتهم على ذلك، وخرج طلب الأمير سلار من دمشق إلى ناحية المرج، واستعدوا للحرب والقتال بنيات صادقة.

ورجع ابن تيمية من الديار المصرية فى السابع والعشرين من جمادى الأولى على البريد، وقد أقام بقلعة مصر ثمانية أيام، واجتمع بالسلطان والوزير وأعيان

(1)

يوجد هذا الخبر ملخصا فى المطبوع الذى بين أيدينا من كتاب البداية والنهاية ج 14 ص 15.

ص: 130

الدولة وحرضهم، فأجابوه، وكان الشيخ قد خرج من الشام مستهل جمادى الأولى، وقد غلت الأسعار بدمشق جدا حتى أنه بيع خروفان بخمسمائة درهم، واشتد الحال جدّا.

ثم جاءت الأخبار بأن ملك التتار قد خاض الفرات راجعا فى عامه ذلك لضعف جيشه وقلة مدده، فطابت الأخبار، وسكن الناس، ورجعوا إلى منازلهم منشرحين آمنين، ولله الحمد رب العالمين، وعاد نائب السلطنة إلى دمشق من المرج، وكان فيه مخيما مدة أربعة شهور متتابعة، وكان هذا من أعظم الرباط، وتراجع الناس من الحصون حول دمشق إلى أوطانهم.

‌ذكر وصول الرسل من جهة قازان:

وفى أواخر شوال: جاء مملوك نائب حلب وأخبر بحضور الرسل من جهة قازان إلى السلطان، ورسم للأمير سيف الدين كراى المنصورى أن يتجهز إلى لقائهم، فتجهز وخرج، وقد كتبوا بالإقامات فى الطرقات، وتلقاهم الأمير كراى فأحضرهم، وهم: الأمير ناصر الدين [على

(1)

] خواجة، والقاضى كمال الدين يونس

(2)

قاضى الموصل، ورفقيهما، وكانوا رسموا قبل تمثلهم بين يدى

(1)

[] إضافة للتوضيح من السلوك ج 1 ص 915.

(2)

«موسى بن يونس» فى السلوك ج 1 ص 915. و «القاضى ضياء الدين بن بهاء الدين ابن يونس الشافعى» - فى كنز الدرر ج 9 ص 52. و «القاضى كمال الدين بن يونس قاضى الموصل» فى زبدة الفكرة.

وهو: موسى بن محمد بن موسى بن يونس الأربلى، القاضى كمال الدين، قاضى الموصل، والمتوفى سنة 715 هـ/ 1315 م - الدرر ج 5 ص 152 رقم 4897.

ص: 131

السلطان أن يلبس سائر الجيش الكلوتات الزركش والطرازات الذهب، وأن يلبسوا أفخر ما عندهم، ورتبوا من باب القلعة إلى داخل الإيوان صفّين، فدخلوا، وكان دخولهم فى النصف من ذى القعدة

(1)

، فلما وصلوا إلى مجلس السلطان رأوا ما أذهلهم من الحشمة والهيبة، ورأوا عسكرا كأنهم خلقوا من حسن ومهابة وجمال، وهم صور حسان ووجوه جميلة، وباسوا الأرض، واعطوا ما معهم من الكتب.

واجتمعت الأمراء، وقرئت الكتب بحضورهم، وفهموا ما فيها، ثم أنهم شافهوا السلطان بما حملهم قازان، فذكرها السلطان للأمراء، وأمر السلطان بإكرامهم واحترامهم، وأنزلوهم فى أحسن [243] منزلة، ورتبوا لهم الرواتب السنية، ثم اجتمعت الأمراء بعد ذلك فتشاوروا فيما بينهم عند السلطان، وطلبوا كاتب السر وأمروه أن يكتب الجواب عن سائر الفصول التى يتضمنها كتاب قازان.

وقال القاضى شرف الدين بن الوحيد فى تاريخه: لما حضر الرسل من جهة قازان استحضرهم السلطان فى الليل، فلما وقعوا بين يديه أحسن إليهم وقربهم منه، ولما رأى قاضى الموصل ذلك خطب خطبة بليغة وذكر آيات فى فى معنى الصلح بين الفريقين، واتفاق الملكين والعسكرين، ثم بسط يده ودعى لمولانا السلطان، ثم بعده لمحمود قازان، ثم أوضح الرسالة التى بيده وأعاد الكلام فى معنى الصلح وقال: ودفع الكتاب للسلطان وهو مختوم بغير عنوان، فلم يفتحه السلطان فى تلك الليلة، ورسم بإعادة الرسل إلى مكانهم، ولما كانت

ص: 132

الليلة الثانية طلب السلطان الأمراء المقدمين الأكابر وفتحوا الكتاب، وقرئ على السلطان فإذا هو بالخط المغلى، وهو فى قطع النصف البغدادى، أوله بسم الله الرحمن الرحيم.

‌ذكر نسخة الكتاب:

(1)

بقوة الله تعالى، وميامين الملة المحمدية، فرمان السلطان محمود غازان، ليعلم السلطان المعظم الملك الناصر أنه فى العام الماضى بعض عساكرهم

(2)

المفسدة دخلوا أطراف بلادنا وأفسدوا فيها، لعناد الله تعالى

(3)

وعنادنا، كماردين ونواحيها، وجاهروا الله بالمعاصى فيمن ظفروا به من أهلها، وأقدموا على أمور بديعة

(4)

وأحوال شنيعة

(5)

من محاربة الله، وخرق ناموس الشريعة، فأنفنا من تهجمهم، وغرنا من تقحمهم، وأخذتنا الحمية الإسلامية، فحدتنا على دخول بلادهم ومقابلتهم على إفسادهم، فركبنا بمن كان لدينا من العساكر، وتوجهنا

(1)

انظر نص الخطاب أيضا فى كل من: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 223 ب - 224 ب، نهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 330 أوما بعدها، صبح الأعشى ج 7 ص 243 وما بعدها، وانظر أيضا ملاحق كتاب السلوك ج 1 ملحق رقم 14 ص 1016. وما بعدها.

ويوجد نص مختلف فى كنز الدرر ج 9 ص 53 - 56، وفى النجوم الزاهرة ج 8 ص 136 - 139.

(2)

هكذا بالأصل.

(3)

«تعالى» ساقط من زبدة الفكرة.

(4)

هكذا بالأصل.

(5)

«وارتكبوا آثاما شنيعة» فى زبدة الفكرة.

ص: 133

بمن اتفق منهم أنه حاضر، وقبل وقوع الفعل منا، واشتهار الفتك عنا، سلكنا سنن المرسلين، واقتفينا آثار المتقدمين، واقتدينا بقول الله تبارك وتعالى:

{(لِئَلاّ يَكُونَ «لِلنّاسِ عَلَى اللهِ» 1 حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)}

(2)

وأنفذنا صحبة يعقوب الكرجى جماعة من القضاة والأئمة الثقات، وقلنا:(هذا نذير من النذر الأولى، أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة)

(3)

.

فقابلتم ذلك بالإصرار، وحكمتم عليكم وعلى المسلمين بالأضرار، وأهنتموهم وسجنتموهم، وخالفتم سنن الملوك فى حسن السلوك، فصبرنا على تماديكم فى غيكم وإخلادكم

(4)

إلى بغيكم إلى أن نصرنا الله وأراكم فى أنفسكم قضاة، {(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ)}

(5)

، وظننتا أنهم حيث تحققوا كنه الحال، وآل بهم إلى ما آل، أنهم ربما تداركوا الفارط من أمرهم، ورتقوا ما فتقوا بغدرهم، وأوجه إلينا وجه عذرهم، وأنهم ربما سيروا إلينا حال دخولهم إلى

(6)

الديار المصرية رسلا لاصلاح تلك القضية، فبقينا بدمشق غير متحثحثين، وتثبطنا تثبط المتملكين المتمكنين، فصدّهم عن السعى فى صلاح حالهم التوانى، وعللوا نفوسهم بالأمانى

(7)

.

(1)

«على الناس» فى الأصل، وهو تحريف، والتصحيح من المصحف.

(2)

جزء من الآية رقم 165 من سورة النساء رقم 4.

(3)

الآيات رقم 56، 57، 58 من سورة النجم رقم 53.

(4)

«وخلودكم» فى زبدة الفكرة.

(5)

جزء من الآية رقم 99 من سورة الأعراف رقم 7.

(6)

«إلى» ساقط من زبدة الفكرة.

(7)

«وعللوا نفوسهم عن اليقين بالأمانى» فى زبدة الفكرة.

ص: 134

ثم بلغنا بعد عودنا إلى بلادنا، أنهم ألقوا فى قلوب العساكر والعوام، وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام، أنهم فيما بعد يلتقونا

(1)

على حلب أو الفرات، وأن عزمهم مصر على ذلك لاسواه، فجمعنا العساكر وتوجهنا للقياهم، ووصلنا

(2)

[244] الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم، وقلنا لعلهم وعساهم، فما لمع لهم بارق، ولا ذرّ لهم

(3)

شارق، فتقدّمنا إلى أطراف حلب، وتعجبنا من بطائهم

(4)

غاية العجب، فبلغنا رجوعهم بالعساكر، وتحققنا نكوصهم عن الحرب. وفكرنا أنه متى

(5)

تقدّمنا بعساكرنا الزاخرة

(6)

، وجموعنا العظيمة القاهرة، ربما أخرب البلاد مرورها، وبإقامتهم فيها فسدت أمورها، وعم ضرر

(7)

العباد، وخراب

(8)

البلاد، فعدنا بفتيا

(9)

عليها، ونظرة لطف من الله إليها.

وها نحن أيضا الآن مهتمون بجمع العساكر المنصورة، ومشحذون غرار عزماتنا المشهورة، ومستعملون

(10)

المجانيق وآلات الحرب، وعازمون بعد الإنذار، {(وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً)}

(11)

.

(1)

«يلقوننا» فى زبدة الفكرة.

(2)

«ووصلنا» مكررة فى بداية الورقة التالية.

(3)

«لهم» ساقط من زبدة الفكرة.

(4)

هكذا بالأصل.

(5)

«متى» ساقط من زبدة الفكرة.

(6)

«الباهرة» فى زبدة الفكرة.

(7)

«الضرر» فى زبدة الفكرة.

(8)

«الخراب» فى زبدة الفكرة.

(9)

«بفتى» فى الأصل.، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(10)

«ومشتغلون بصنع» فى زبدة الفكرة.

(11)

جزء من الآية رقم 15 من سورة الإسراء رقم 17.

ص: 135

وقد سيّرنا حاملى هذا الفرمان الأمير الكبير ناصر الدين

(1)

بن على خواجا، والإمام العالم ملك القضاة كمال الدين موسى بن يونس، وقد حملناهما كلاما يشافهانهم بهن

(2)

، فليثقوا بما تقدمنا به إليهما، فإنهما من الأعيان المعتمد عليهما، لنكون كما قال الله تعالى:{(قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ}

(3)

، فتعدّون

(4)

لنا الهدايا والتحف، فما بعد الإنذار من عاذر، وإن لم تداركوا

(5)

الأمر فدماء المسلمين وأموالهم مطلوبة بتدبيرهم، ومطلوبة منهم عند الله على طول تقصيرهم.

فليمعن السلطان لرعيته النظر فى أمره، فقد قال صلى الله عليه وسلم:

«من ولاّه الله أمرا من أمور هذه الأمة واحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلّته وفقره

(6)

». وقد أعذر من أنذر، وأنصف من حذّر، {وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى}

(7)

.

(1)

«بن» ساقط من زبدة الفكرة.

(2)

«يشافههم به» فى زبدة الفكرة.

(3)

الآية رقم 149 من سورة الأنعام رقم 6.

(4)

«فتعدوا» فى زبدة الفكرة.

(5)

«تتداركوا» فى زبدة الفكرة.

(6)

قال عليه الصلاة والسلام: «من ولاه الله عز وجل شيئا من المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره» - انظر سنن أبى داود ج 3 باب «فيما يلزم الإمام من أمر الرعية» ص 135 حديث رقم 2948.

(7)

جزء من الآية رقم 47 من سورة طه رقم 20.

ص: 136

كتب فى العشر الأول من شهر رمضان «سنة سبعمائة»

(1)

بجبال الأكراد، والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد المصطفى وآله الطاهرين

(2)

.

وسنذكر ما أجابه السلطان عن هذا الكتاب فى السنة الآتية إن شاء الله تعالى

(3)

.

‌ذكر وقوع الفناء فى الأبقار:

وفيها: أصاب الفناء الأبقار دون غيرها من المواشى حتى تعطلت الدواليب والسواقى، وغلت أسعارها غلوا لم يسمع بمثله، وبيع الرأس البقر بألف

(4)

درهم وما يقاربها، واستعمل الناس الخيل والجمال والحمير عوضا عنها، فما أجدت فى الحرث والكرب ولا أغنت عنها، فتعذرت الأقصاب وتعطلت، وترك زراعة أكثرها وأبطلت، فارتفعت قيمة القنود وبلغت عشرة دنانير القنطار. ولقد حكى عن شيخ من أهل الفلاحة ببلد أشموم

(5)

أنه كان يملك من الأبقار الخيسية السارحة فى تلك الجزائر ما جملته ألف وإحدى عشرة رأسا، فماتت فى هذا الفناء أولا فأولا حتى لم يبق له منها غير ثمانية

(6)

لا سواها

(7)

.

(1)

«» ساقط من زبدة الفكرة.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 223 ب - 224 ب.

(3)

انظر ما يلى ص 155 - 166.

(4)

«وبلغ الثور ألف درهم» فى السلوك ج 1 ص 914.

(5)

«أشموم طناح» فى السلوك ج 1 ص 913.

(6)

«ثمانية عشر» فى السلوك ج 1 ص 914.

(7)

ينقل العينى هذا الخبر عن زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 222 ب - 223 أ.

ص: 137

وقال صاحب نزهة الناظر: كان مبدأ فناء الأبقار فى أواخر سنة تسع وتسعين وستمائة، فلما دخلت سنة سبعمائة تزايد الأمر فى موتها، وتعطلت الدواليب وزراعات الأمصار، وتوقف حال أرباب السواقى، وتزايد الأمر على الناس فكان يكون فى الساقية عشرة أروس يصبح الستة منها موتى، ويأتى اليوم الثانى والثالث فلا ترى منها شئ، ويحتاج صاحبها إلى شراء غيرها بقيمة زائدة، فحصل الضرر البالغ لأصحاب البساتين، خصوصا لأهل دمياط وأشمون والمزاحميين والقليوبيين، [245] وكذلك بلاد الصعيد ودواليب المعاصر، وقال: لقد بلغنى أنه كان بدمياط رجل من أكابرها وله عدة بساتين، وكان فيها مائة واثنى عشر رأسا مثمنة

(1)

، فما مضى عليها ثلاث شهور إلا وقد بقيت منها تسعة أروس لا ينتفع بها.

وكتب الأمراء إلى سائر البلاد أن لا يذبح أحد شيئا من البقر ولا من العجول، وكتبوا إلى نائب الشام بأن يجهز إليهم أبقارا شامية من سائر البلاد للدواليب السلطانية، ثم وصلت أبقار كثيرة مع التجار، وأبيع الرأس منها بثلاثمائة، وبمائتين، وغلقت معاملة سوق البقر فى تلك السنة للمقطعين، وفاضت على ذلك مائة وستون ألف درهم.

‌ذكر بقيّة حوادث مصر والشام:

وفيها: اقتضى رأى السلطان والأمراء أن يخرج الأمير شمس الدين سنقر الأعسر مع جماعة من المماليك السلطانية إلى الوجه القبلى ليحصّل من عزبة الخيل

(1)

هكذا فى الأصل، ولعل المقصود «مسمنة» .

ص: 138

والجمال وآلات السلاح، والسبب لذلك أنهم لما علموا بسفر السلطان مع العسكر لحقهم الطمع فى مغل الأمراء والجند، ومنعوا الحقوق، وعصوا على الولاة، وقطعوا الطريق، وأخافوا السبيل، فجرد لذلك سنقر المذكور وصحبته مائة نفر من المماليك السلطانية، فركب إلى أن وصل إليهم، وكان له فى نفوس الناس حرمة عظيمة ومهابة قوية، فكيس البلاد، وأتلف كثيرا من المفسدين، ولم يزل سائرا إلى أن وصل الأعمال القوصية، ولم يدع فرسا فى بلاد الصعيد من خيل العرب ولا خيل القضاة والفقهاء والمتعممين إلا أخذه، وأخذ سائر السلاح من الرماح والسيوف والدرق

(1)

، فكانت عدة ما حضر معه من الخيل ألف وستون فرسا، ومن الجمال ثمانمائة وسبعون رأسا، ومن الرماح ألف وستمائة رمح، ومن السيوف ألف ومائتا سيف، ومن الدرق تسعمائة درقة، ومن الغنم ستة آلاف رأس، فأصلح تلك البلاد حتى أخذ الناس مغلهم كاملا.

وقال بيبرس فى تاريخه: جرّد الأمير سيف الدين سنقر الأعسر إلى الصعيد للكشف والتمهيد، [ورسم له بحسم مادة العربان، فانهم تظاهروا بالنفاق والعصيان]

(2)

وتوجهنا إلى الوجه

(3)

فاجتمعنا بمنفلوط وأحضرنا أعيانهم، وقررت عليهم جباية من المال والخيل والجمال والسلاح، وجبيت فكانت ألف ألف وخمسمائة ألف درهم، وألف رأس خيل، وألفى جمل، وعشرة آلاف

(4)

رأس

(1)

الدرق: آلة لاتقاء فذائف العدو، وتكون من الجلد، وخاصة جلد البقر - صبح الأعشى ج 2 ص 143.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«وتوجهت إلى ذلك الوجه» - فى زبدة الفكرة.

(4)

«ألف» فى زبدة الفكرة.

ص: 139

غنم، وحسمت مادتهم فى ذلك الوقت

(1)

.

وفيها: فى يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذى القعدة عزل شمس الدين ابن الحريرى عن قضاء الحنفية بالقاضى جلال الدين أبى حسام الدين على قاعدته وقاعدة أبيه من قبله، وذلك باتفاق من الأمير سنقر الأعسر والنائب جمال الدين أقوش الأفرم.

وفيها: استقال الأمير كراى السلحدار من نيابة صفد، فأقيل، وجهز إليها عوضا عنه الأمير بتخاص المنصورى من دمشق

(2)

.

وفيها: استعفى سيف الدين قطلوبك من نيابة الحصون، فأعفى، وجهّز إليها من دمشق سيف الدين أسندمر الكرجى، وأعيد قطلوبك إلى دمشق، فاستقر من أمرائها.

(3)

وفيها: ولّى الأمير فارس الدين البكى الظاهرى نيابة السلطنة بحمص، وجهّز الأمير قفجق إلى الشوبك وأعطى بأعمالها إقطاعا

(4)

.

وفيها: ألزمت السلطنة طائفتى النصارى واليهود بمصر والشام بلبس العمائم الغيار [246]، فألبس النصارى عمائم زرقاء، واليهود عمائم صفراء، والسامرة بالشام عمائم حمراء، وغلقت كنائسها

(5)

، ثم فتح بعضها أولا فأولا

(6)

، ثم اتفق

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 223 أ.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 222 ب.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 222 ب.

(4)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 224 ب.

(5)

«وأغلقت كنائسهم» فى زبدة الفكرة.

(6)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 223 أ.

ص: 140

أن بعض أكابر النصارى سعى فى فتح كنيسة وفتحها، واشتهر ذلك بين العامة، فوقفت حرافيش كثيرة للنائب والأمراء بسبب ذلك.

وقالوا أيضا: إن بعض النصارى تكبروا عن لبس الأزرق، وإن بعضهم احتمى ببعض أكابر الأمراء، فاقتضى رأيهم باشهار النداء، فأمروا والى القاهرة بالمناداة فى مصر والقاهرة بأن كل من لا يلبس الزرق من النصارى، أو الصفر من اليهود ينهبه العامّة، ويستحل ماله وحريمه، وأن لا يستخدم نصرانى عند أمير ولا فى شغل من أشغال السلطنة إلا إذا أسلم، فتسلطت عليهم العامّة من الحرافيش وغيرهم، فمن رأوا منهم ما عمل بموجب النداء ضربوه إلى أن كاد أن يقتلوه، وكذا إذا رأوا أحدا منهم راكبا على حمار من غير أن يثنى رجله عليها، فصار كثير منهم لا يجترئ على الركوب ويمشى فى الطريق وهو خائف على نفسه وأسلمت منهم جماعة كثيرة

(1)

.

وفيها: قصد الأمراء عزل الأمير شمس الدين سنقر الأعسر عن الوزارة، وذلك لكبره وشممه وزيادته عن الحدّ وعدم توقيره لمن يكون من جهة الأمراء حتى أنه مسك التاج بن سعد الدولة

(2)

، وكان مستوفى الدولة وممن يلوذ بالأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وعرّاه وضربه بالمقارع ضربا مؤلما، فأسلم من حرارة الضرب وألزمه أن يشهد عليه بالإسلام، وبعد ذلك تحمل مال السلطان، فلما أطلقه دخل إلى زاوية الشيخ نصر

(3)

وألزم نفسه أن لا يخرج منها،

(1)

انظر ما ورد فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 132 - 135.

(2)

«بن سعيد الدولة» فى السلوك ج 1 ص 916.

(3)

زاوية الشيخ نصر المنبجى: خارج باب النصر من القاهرة، أنشأها الشيخ نصر بن سليمان أبو الفتح المنبجى الناسك القدوة، المتوفى سنة 719 هـ/ 1319 م - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 432.

ص: 141

وأرسل الشيخ نصر إلى بيبرس الجاشنكير أن يتحدث فيه ليعفى من المباشرة، ففعل ذلك واستمر عليه إلى أن وقفت الأمراء لبيبرس وحسنوا له أن يطلب الأمير عز الدين أيبك البغدادى من نيابة الإسكندرية ويتولى الوزارة بالديار المصرية، عوضا عن شمس الدين سنقر المذكور، وأجمع بيبرس مع الأمير سلاّر على ذلك وولوا أيبك المذكور الوزارة، ثم اتفق رأيهم أن يكون شمس الدين سنقر كاشف القلاع الشامية بأسرها، فينظر فيها ويصلح أمورها ويرتب الرجال وما تحتاج إليه من سائر الأصناف، فخلع عليه بذلك

(1)

.

وفيها: أعرس السلطان على بنت الأمير كرتيه

(2)

، وكانت تعرف بالأشرفية، فكانت زوجة أخيه الملك الأشرف، فعمل على ذلك مهما عظيما، وخلع على سائر الأمراء وأرباب الوظائف بخلع سنية.

‌ذكر ما جرى فى بلاد الشمال:

قد ذكرنا فى العام الماضى ما وقع بين ولدى نوغيه، وهما جكا وتكا

(3)

، وأن جكا استقر موضع أبيه، وكان عند استيلائه على المملكة قد أقام له نائبا يسمى طنغر من أكابر الأمراء، فلما أقدم على قتل أخيه تكا نفرعنه واتفق مع طاز بن منجك - وهو صهر نوغيه زوج ابنته طغلجا - على التوجه للإغارة على بلاد أولاق والروس، فسارا بمضافيهما، ولما خلا أحدهما بالآخر تحادثا وتفاوضا فى أمر جكا وجرأته وسوء سيرته وقالا: إذا كان هذا لم يبق على أخيه، [247]

(1)

أعاد العينى ذكر هذا الخبر فى أحداث سنة 701 هـ - انظر ما يلى ص 189.

(2)

«خوندا أردكين بنت نوكاى» فى السلوك ج 1 ص 917.

(3)

انظر ما سبق ص 83.

ص: 142

فكيف يبقى علينا؟، واتفقا على أن يعودا إليه ويقبضا عليه، فعادا نحو مقامه، فشعر واحد من عسكرهما أنهما اتفقا على إعدامه، فركب وساق مسرعا، وأعلمه بالحال تنصحا، فلما تيقن أنهما قد دهماه ركب من ساعته فى مائة وخمسين فارسا من جماعته ودخل بلاد آص، وكان بها مقدم وتمان من عسكره، فآوى إليهم وأقام بينهم.

وحضر طنغر نائبه وطاز صهره إلى بيوته، فنهبوها واستولوا عليها، ووجدوه قد فاتهما.

ولما أقام جكا ببلاد آص وتحقق عسكره أنه حى موجود باق تسلّل إليه كثير منهم، فكثرت بهم عدّته وعاد لحرب طنغر وطاز، والتقى الجمعان، فاستظهر عليهم وكسرهم، وفرق شملهم، وسبى وغنم ما شاء، واسترد بيوته وغنائمه منهم.

ولقد حكى من شهد الوقعة أن أخته طغلجا - بنت أبيه نوغيه - ركبت الخيول وقابلته مع الفحول، فلما انكسر زوجها ومن معه كاتبوا طقطا يستمدونه ويلتمسون أنجادهم بعسكر يقاتلون به جكا ويعاودونه، فأمدّهم بجيش صحبة أخيه برلك بن منكوتمر، فلما جاءهم المدد من عند طقطا دعوا نزال وعادوا إلى القتال، فلم يكن لجكا بهم قبل، فهرب ولحق ببلاد أولاق، وكان ملكها والحاكم عليها متزوجا إحدى أقاربه، فتطلع إلى حصنه معتقدا أنه يمتنع عنده، فقال لذلك أصحابه: هذا الوارد إليك هو عدو لطقطا، وهو مجدّ فى طلبه، ومتى علم بمقامه عندنا سار إلى نحونا وأهلكنا، والصواب تعويقه وإعلامه بأمره، فقبض

ص: 143

عليه وعوقه فى قلعته، واسمها ترنو، وطالع طقطا بأمره، فأمره بقتله، فقتل فى هذه السنة.

وخلت مملكة طقطا ممن يناوئه، وبلغ من إبادة أعاديه أمانيه، ولم يبق من أولاد نوغيه إلا أصغرهم المسمى طرنه، ورتب ينجى بن قرمشى موضع أباجى أخيه، وجهز تكل بغا ويربصار ولديه إلى بلاد نوغيه، فأما تكل بغا فإنه استقر فى طقجى ونهرطنا وما يلى باب الحديد، وهى منازل نوغيه، وأقام ايربصار بنهر بيق، وتكملت بلاد الشمال للملك طقطا

(1)

.

‌ذكر ما جرى فى بلاد الغرب من الحوادث فيها:

ومن الحوادث فيها أن جزيرة جربة كانت قد خرجت عن أيدى المسلمين، كما ذكرناه فى سنة ثمانين وستمائة

(2)

، وأقامت بيد المزاليا نائب الإفرنسى بصقلية يجبى إليه خراجها كل عام، فهلك فى هذه السنة، أعنى سنة سبعمائة، فاغتنم أهلها الفرصة بهلاكه فأرسلوا إلى صاحب تونس يعلمونه بذلك ويستنجدونه، فجهّز إليهم ابن عمه أبا زكريا يحيى وجهز معه تقدير عشرين قطعة من المراكب، وثلاثة آلاف فارس، وعشرة آلاف راجل، فتوجه إليها ونزل عليها، وبلغ ذلك ولد المزاليا صاحب صقلية، فتجهز فى طواعيته، وجاءهم بجماعته، فلما أقبلت شوانيه خرجت شوانى تونس عنها، وأقلعت منها، وعاد أبو زكريا اللحيانى ولم ينل مراما ولا شفى أواما، فدخلها ابن المزاليا وتملكها وأمن أهلها، وأقام بها إلى سنة ست وسبعمائة، والله أعلم.

(1)

ينقل العينى هذا الخبر عن زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 225 أ، ب.

(2)

لم يرد هذا الخبر فى المطبوع من عقد الجمان، نظرا لوجود سقط فى المخطوط تضمن بعض حوادث سنة 680 هـ.

ص: 144

وفيها: كان وفاء النيل [248] المبارك على سبعة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبع، وكانت السنة من السنين المقبلة على الناس من كثرة الغلال ورخص الأسعار.

وفيها: حج بالناس الأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار، وصنع لفقراء الحرمين معروفا، وفرق من الأموال ألوفا، قيل: إنه قد فرق من ماله خمسة وثمانين ألف دينار مصرية.

«وقال

(1)

صاحب « .... »

(2)

أن الأمير بكتمر هذا جهز سبعة مراكب « .... »

(3)

قمحا وشعيرا ودقيقا وسكرا « .... »

(4)

، وزيتا وحلواء وقاووتا سوى ما حمله معه على الجمال، وعند وصوله إلى ينبع قد وجد ثلاث مراكب قد وصلت قبله بيومين، فأخرج جميع ما فيها وجعل كل صنف من الأصناف المذكورة كوما بمفرده، وأمر مناديا ينادى فى الركب أن أى من كان محتاجا إلى مؤنة أو حلواء أو شيئا من ذلك، فليحضر إلى خيمة الأمير، فحضرت الناس وفرق عليهم، ثم فرق على الأمراء والجند من الحجاج وعلى أرباب البيوت كذلك، وما فضل من ذلك فرق على أهل ينبع، وعند الرحيل بقيت بقايا من الدقيق والشعير

(5)

.

(1)

بداية المكتوب على هامش الورقة 248، وبنفس الخط.

(2)

موضع ثلاث كلمات غير مقروءة.

(3)

موضع كلمة غير مقروءة.

(4)

موضع كلمة غير مقروءة.

(5)

«» نهاية المكتوب على هامش الورقة 248، وبنفس خط المخطوط.

ص: 145

ولم يحج أحد فى هذه السنة من الشام، والذى حج راح إلى غزة ولحق بالمصريين عند عقبة أيلا

(1)

.

(1)

هكذا بالأصل.

ص: 146

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ الصالح حسن الكردى

(1)

المقيم بالشاغور فى بستان يأكل من غلته، ويطعم من ورد عليه، وكان يزار، وكانت له كرامات وأحوال، ولما احتضر اغتسل وأخذ من شعره، واستقبل القبلة وركع ركعات، ثم توفى يوم الإثنين الرابع من جمادى الأولى منها وقد جاوز المائة، وصلى عليه بجامع جراح، ودفن بمقابر باب الصغير.

الشيخ يعقوب بن محمد بن حسن الزرزارى الكردى العدوى، توفى فى هذه السنة.

الشيخ الإمام العالم العلامة محمود

(2)

بن أبى بكر بن أبى العلاء الكلاباذى

(3)

البخارى الفرضى، الملقب شمس الدين، أحد السادات الحنفية.

له المصنفات الفائقة فى الفرائض وغيرها

(4)

، وكان محدثا متقنا فاضلا، حسن الأخلاق، سمع ببخارى وقدم بغداد، فأقام بها يسمع وصنف وكتب، ثم رحل إلى دمشق والقاهرة وسمع بها من أصحاب ابن طبرزد والكندى، وحدّث.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 5 ص 146 رقم 937، البداية والنهاية ج 14 ص 17، الوافى ج 12 ص 313 رقم 285.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، تاج التراجم ص 70 رقم 210، العبر ج 5 ص 412، السلوك ج 1 ص 918، شذرات الذهب ج 5 ص 457.

(3)

الكلاباذى، نسبة إلى كلاباذ: محلة فى بخارى - معجم البلدان.

(4)

من مؤلفات صاحب الترجمة انظر هدية العارفين ج 2 ص 406.

ص: 147

قال الذهبى: هو رأس فى الفرائض، عارفا بالحديث والرجال، جم الفضائل، مليح الكتابة، واسع الرحلة، سوّد كتابا كبيرا فى

(1)

مشتبه النسب

(2)

ونقلت منه كثيرا، وسمع منه الحافظ المزّى وابن سيد الناس وغيرهما. ومولده ببخارى فى مستهل جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وستمائة.

وفى تاريخ ابن كثير: توفى بدمشق فى العشر الأول من ربيع الأول سنة سبعمائة

(3)

. وذكر غيره: أنه مات بماردين.

الشيخ الصالح المسند عز الدين أحمد

(4)

بن عبد الحميد بن عبد الهادى بن يوسف بن قدامة المقدمى.

كان شيخا مباركا كثير الصلاة والذكر، حسن الخلق، متوددا إلى الناس، سمع جماعة، وحدّث بجميع مسموعاته، مات فى هذه السنة

(5)

بجبل الصالحية، ودفن بتربة الشيخ موفق الدين بقاسيون.

الشيخ عماد الدين القصاص

(6)

، الفقيه الأحمدى المزمزم.

(1)

«فى» مكررة فى الأصل.

(2)

هو كتاب: مشتبه النسب فى أسماء الرجال - هدية العارفين ج 2 ص 406.

(3)

لم يرد هذا النص فى المطبوع الذى بين أيدينا من البداية والنهاية.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 409، شذرات الذهب ج 5 ص 455.

(5)

«فى ثالث المحرم، وله ثمان وثمانون سنة» - العبر ج 5 ص 409.

(6)

هو: أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح، أبو العباس المقدسى الصالحى الحنبلى، المسند عماد الدين.

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 84 رقم 258، العبر ج 5 ص 409، الوافى ج 7 ص 402 رقم 3401، شذرات الذهب ج 5 ص 455.

ص: 148

مات فيها

(1)

بزاويته بميدان الحمصى، ودفن بمقابر الصغير، وكان فقيرا حسنا، مليح الشيبة، معروفا مشهورا.

الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن أبى بكر عبد الرحمن بن عبد الله الكنجى.

جاور بجامع بنى أمية بدمشق أكثر من ستين سنة، وسمع من الزين خالد، والحرستانى، وابن عبد الدايم، وابن البرهان، وكان من الصلحاء الأخيار، كثير الذكر والعبادة، مات فى هذه السنة، وكان قد بلغ تسعين سنة، ودفن بمقابر باب الصغير.

الشيخ يوسف

(2)

بن أحمد بن أبى بكر الغسولى الصالحى الحجار

(3)

.

كان قد انفرد بالرواية عن موسى

(4)

بن الشيخ عبد القادر وبأشياء، ومولده فى سنة اثنتى عشرة وستمائة، ومات فى هذه السنة.

الشيخ الصالح عبد الله، المعروف بالفانولة.

كان من عقلاء المجانين، وله كرامات ومكاشفات وكان على حاله مسفة من خشونة العيش، مات بمسجد الرفاعة

(5)

[249] العتيقة بدمشق، ودفن بسفح قاسيون بتربة المولّهين.

(1)

«فى المحرم» وله ثلاث وثمانون سنة» - العبر ج 5 ص 409.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 197، شذرات الذهب ج 5 ص 458، العبر ج 5 ص 412.

(3)

«المعروف بابن غالية» - فى المنهل الصافى.

(4)

هو موسى بن عبد القادر الجيلى، أبو نصر، المتوفى سنة 618 هـ/ 1221 م - العبر ج 5 ص 75.

(5)

المقصود: زاوية الرفاعى - الدارس ج 1 ص 41.

ص: 149

الشيخ عمار المشرقى المولّه.

كانت له كرامات ومكاشفات، وكان يعلق فى رقبته عظام الجمال، مات فى هذه السنة.

الشيخ الكبير المعمّر شمس الدين أبو إسحاق إبراهيم

(1)

بن أبى بكر بن عبد العزيز الجزرى الكتبى، المعروف بالفاشوشة، ويعرف أيضا بابن سمعون.

كان مشهورا بالكتب ومعرفيها والتجارة فيها، وكانت عنده فضيلة تامّة، ومذاكرة حسنة، ومروءة كثيرة، وكرم نفس، كثير السعى فى حوائج أصحابه.

وعلى ذهنه قطعة جيدة من التاريخ وأيام الناس وماجراياتهم.

وله نظم حسن، فمنه قوله:

وما ذكرتكم إلاّ وضعت يدى

على حشاشة قلب قلّ ما بردا

وما تذكرت أياما بكم سلفت

إلا تحدّر من عينى ما بردا

(2)

وله مخمّس:

ولما وقفنا بالقوير وعينه

من الربع قد بانوا وبان قرينه

وقد كاد من حزن تدكّ حرونه

بكيت على الوادى ففاضت عيونه

ونحت على النادى فمالت غصونه

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الوافى ج 5 ص 338 رقم 2407، شذرات الذهب ج 5 ص 456 ص.

(2)

انظر شذرات الذهب ج 5 ص 456.

ص: 150

زمانا تذكرت الحمى وأحبتى

ولذة عيش معهم لى تولّت

سقيت رياه من سحائب مقلتى

وأحرقت بان الجروع من حرّ رذى

فأسهله مسوده وحزونه

وكيف يطيق الغمض أو يعرف الكرى

محبّ جرى من جفن عينيه ما جرى

ويؤلمه مسّ النسيم إذا سرى

وإنى امرء أضحى من السقم لا يرى

ولا يعرفون الناس إلاّ أنينه

سألتكم بالله يا ساكنى قبا

صلوا مغرما أمسى حزينا معذّبا

سوى حبكم لم يتخذ قط مذهبا

يحنّ اشتياقا كلما هبّت الصبا

وتبكيه شجوا سرب سلع وعينه

له مهجة ذاب بطول عنائها

وأجفانه قد فرّجت من دمائها

رحلتم فأضحى ذاهب العقل تائها

وما جادت السحب العوادى بمائها

سل الذى جادت عليكم جفونه

لقد شمتت من بعد بعدكم العدا

وقد بان يوم البين طرفى مسهدا

فرقوا الصبّ بالسقام قد ارتدى

تهيّجه نوح الحمام إذا شدى

ويعلقه وجدانه وحنينه

غدا يوم وشك البين فى زىّ حابر

يسائل عنكم كل عاد سائر

حكمتم عليه فى الهوى حكم جائر

ولولاكم ما هاجه نوح طاير

ولا فاض من أجل الظبا عيونه

ص: 151

ألا أيها الحادى المحث لركبه

إذا جزت فى وادى الأواك وكثبه

فقل للظبا الراتعات بسربه

لكل محبّ فنّ وجد يحبّه

وصبّكم فيكم كثير فنونه

مات بدمشق فى التاسع عشر من رجب منها، ودفن بسفح قاسيون، ومولده سنة اثنتين وستمائة بالجزيرة العمريّة.

الشيخ أبو جلنك أحمد

(1)

بن أبى بكر الحلبى، الشاعر المشهور.

كان بقلعة حلب أيام وصول التتار إليها، فنزل هو وجماعة للكشف والإغارة على التتار، فوقعت نشابة فى فرسه فمات وبقى راجلا، فأسروه وأحضروه بين يدى المقدم، فسأله عن عسكر المسلمين فكثّرهم ورفع شأنهم، فأمر بقتله، فقتل.

ومن نظمه قوله:

أتى العذار بماذا أنت معتذر

وأنت كالوجد لا تبقى ولا تذر

[250]

لا عذر يقبل إذ نم

(2)

العذار ولا

ينجيك من شرّه خوف ولا حذر

(3)

كأننى بوحوش الشعر قد أنست

(4)

بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 721 رقم 113، درة الأسلاك ص 153، النجوم الزاهرة ج 8 ص 194، الوافى ج 6 ص 271 رقم 2766، فوات الوفيات ج 1 ص 60 رقم 225، شذرات الذهب ج 5 ص 456، تذكرة النبيه ج 1 ص 236.

(2)

«إن نم» - فى فوات الوفيات.

(3)

«ينجيك من خوفه بأس ولا حذر» - فى فوات الوفيات.

(4)

«قد نزلت» - فى فوات الوفيات.

ص: 152

وكلما مرّ بى مرد أقول لهم

قفوا

(1)

انظروا وجه هذا الحرّ و

(2)

اعتبروا

هذا الذّى قد سرت يا صاحبىّ له

بقبح سيرته بين الورى سير

قد كان شكلا نقى الخد معتدلا

كأنه غصن بان فوقه قمر

ذا حمرة وبياض فوق وجنته

لها اجتماع بطرف زانه الحور

وحكمه نافذ فى عاشقيه فلا

يخالفون له أمرا إذا أمروا

فعاد لحيان فانفلّ الجماعة إذ

رأوا طريقا إلى السلوان وانتصروا

وعاد فى قبضهم لا شكر

(3)

جودلة

الأفراح والدمع من عينيه منهمر

يبكى على ما مضى من حسنه اسفا

وعسكر الشعر من خدّيه معتكر

لا يستطيع له ردّا وكم حرصوا

بردّ ذلك أقوام فما قدروا

فهذه الموتة الأولى تجرّعها

فصار أولى من الدنيا به الحفر

فاقرأ على نعشه آخر سبأ فلقد

جاءت بما يقتضى أحواله السور

إذ كان حاحبه نونا وناظره صادا

وعشّاقه من حوله زمر

إذا رأى عاشقا فى النازعات غدا

ما بعدها وهو قد أودى به الضرر

فعاد والليل يغشى نور طلعته

وزال عن عاشقيه الهم والحصر

هذا جزاؤك يا من لا وفاء له

والعاشقون لهم طوبى بما صبروا

(4)

(1)

«قف» فى الأصل، والتصحيح من شذرات الذهب.

(2)

«هذا الكيس» فى شذرات الذهب.

(3)

«لا شك» فى شذرات الذهب.

(4)

انظر بعض الأبيات الواردة هنا فى شذرات الذهب ج 5 ص 456، وفى فوات الوفيات ج 1 ص 61.

ص: 153

وله:

جعلتك المقصد الأقصى وموطنك ال

بيت المقدّس من روحى وجثمانى

(1)

وقلبك الصخرة الصّماء حين قست

قامت قيامة أشواقى وأشجانى

أما إذا كنت ترضى أن تقاطعنى

وأن يزورك ذا زور وبهتان

فلا تغرك

(2)

نار فى حشاى فمن

وادى جهنم تجرى عين سلوان

ولآخر ألطف من هذا:

أيا قدس حسن قلبه الصخرة التى

قست فهى لا ترثى لصبّ متيّم

ويا سولى الأقصى عينى باب رحمة

ففى كبد المشتاق وادى جهنم

ولأبى جلنك المذكور فى مليح يصفع عاشقه:

وشادن يصفع مغرى به

براحة أندى من الوابل

فصحت فى الناس: ألا فاعجبوا

بحر غدا يلطم فى الساحل

(3)

الأمير عز الدين أيدمر

(4)

الظاهرى، الذى كان نائب الشام فى الأيام الظاهرية.

(1)

ورد هذا البيت هكذا:

[جعلتك المسجد الأقصى ومنزلك بياض البيت المقدس من قلبى وجثمانى].

تذكرة النبيه ج 1 ص 237.

(2)

«فلا تغرنك» فى فوات الوفيات ج 1 ص 62.

(3)

انظر المنهل الصافى ج 1 ص 223، النجوم الزاهرة ج 8 ص 195.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 183 رقم 609، درة الأسلاك ص 153، نهاية الأرب ج 29 (مخطوط) ورقة 128، العبر ج 5 ص 410، شذرات الذهب ج 5 ص 456 - 453، السلوك ج 1 ص 917، تذكرة النبيه ج 1 ص 235.

ص: 154

مات برباطه بالجبل

(1)

ودفن به، وكان رجلا كبير للقدر، شجاعا مقداما، كريم النفس، وكانت له جماعة من المماليك [251] أمراء، فمن جملتهم الأعسر وأيدمر النقيب وآخرون.

الأمير عز الدين محمد

(2)

بن أبى الهيجاء الهمدانى الإربلى متولى دمشق.

كانت لديه فضائل كثيرة فى التاريخ والشعر، وربما جمع شيئا من ذلك، قيل: جمع مجلدا ابتدأ فيه من النبى عليه السلام إلى وقعة قازان، وكان يسكن درب سعود فعرف به. فيقال: درب بن أبى الهيجاء.

وقال ابن كثير: وهو أول منزل نزلناه حتى قدمنا دمشق فى سنة ست وسبعمائة

(3)

.

وكانت وفاة ابن أبى الهيجاء فى طريق مصر بالسّوادة، ونقل إلى جبل قاسيون، فدفن به، ومولده سنة عشرين وستمائة بإربل، ومات وله ثمانون سنة، وكان مشكور السيرة، حسن المحاضرة.

الأمير جمال الدين أقوش

(4)

الشريفى، والى الولاة بالبلاد القبلية.

وتولى نيابة الصلت أيضا، توفى فى شوال منها، وكانت له هيبة وسطوة.

(1)

«برباط له بالجسر الأبيض بدمشق» - المنهل الصافى.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 5 ص 128 رقم 2135، البداية والنهاية ج 14 ص 17.

(3)

البداية والنهاية ج 14 ص 17.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 17.

ص: 155

الأمير الكبير سيف الدين بلبان

(1)

السلحدار المنصورى، المعروف بالطباخى.

مات بالعسكر على الساحل وهو البيكار الذى خرج فيه السلطان إلى جهة الشام، ودفن عند قبر بنيامين بن يعقوب عليه السلام، فورثه الملك الناصر بالولاء وصارت إليه أمواله ومماليكه، وكان من أعيان الأمراء وشجعانهم، وأكثرهم مماليك وأصحاب، ولى نيابة السلطنة بحلب مدة، وكانت سيرته فى ولايته حميدة، وكان قليل الأذى، كان إذا غضب على أحد يكون عقوبته البعد عنه من غير ضرب ولا مصادرة.

وفى النزهة: كان بلبان هذا اشتراه الحاج إبراهيم أخو جاشنكير الملك المنصور، فرباه وهو صغير، وكان يدخل مع أستاذه يحمل سرموحته عند قلاون وهو أمير، فرآه فطلبه منه وأخذه، وعوضه عن ثمنه ثلاثة آلاف درهم، واستمر عنده إلى أن تسلطن قلاون وكان من أمره ما كان.

الطواشى صفى الدين جوهر

(2)

التفليسى المحدث.

اعتنى بسماع الحديث وتحصيل الأجزاء، وكان رجلا جيدا، مباركا صالحا، ووقف أجزاءه

(3)

التى ملكها على المحدثين، مات فى هذه السنة، رحمه الله.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 422 رقم 699، درة الأسلاك ص 152، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 56 رقم 85، الوافى ج 10 ص 282 رقم 4788، النجوم الزاهرة ج 8 ص 194، شذرات الذهب ج 5 ص 457، كنز الدرر ج 8 ص 53، تذكرة النبيه ج 1 ص 224.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 17.

(3)

«أجزائه» - فى الأصل.

ص: 156

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السّنة الحادية بعد السّبعمائة

(*)

استهلّت هذه السنة: والسلطان هو: الملك الناصر، والخليفة هو: الحاكم بأمر الله العباسى، ونوّاب البلاد والقضاة وهم المذكورون قبلها.

‌ذكر جواب السّلطان عن كتاب قازان:

قد ذكرنا كتاب قازان إلى الملك الناصر فى السنة الماضية، وذكرنا نسخته

(1)

.

وفى أول هذه السنة حصل الاهتمام بإعادة جواب كتاب قازان وإرسال الرسل إليه، فجهز إليه الأمير حسام الدين أزدمر المجيرى أحد الأمراء

(2)

، والقاضى عماد الدين بن السكرى

(3)

من أعيان القضاة والكبراء، وكتب الجواب على يدهما، وأنشأ الكتاب وكتبه القاضى علاء الدين

(4)

بن محيى الدين بن عبد الظاهر.

(*) يوافق أولها يوم الأربعاء 6 سبتمبر 1301 م.

(1)

انظر ما سبق ص 131 - 135.

(2)

«وشخصا أمير آخور من البرجية» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 140.

(3)

هو: على بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد، عماد الدين بن السكرى، كان خطيب جامع الحاكم، ومدرس مشهد الحسين، توفى سنة 713 هـ/ 1313 م - الدرر ج 3 ص 333 رقم 2776.

(4)

هو: على بن محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر، علاء الدين، أحد أعيان كتاب الإنشاء بمصر، توفى سنة 717 هـ/ 1317 م - المنهل الصافى.

ص: 157

‌ذكر نسخة الكتاب

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم: بقوة الله وميامين الملة المحمدية.

أما بعد حمد الله الذى جعلنا من السابقين الأولين الهادين المهتدين، التابعين لسنة سيد المرسلين بإحسان إلى يوم الدين، والصلاة

(2)

على سيدنا محمد، والسلام على آله وصحبه الذين فضل الله من سبق منهم إلى الإيمان فى كتابه المكنون. فقال سبحانه وتعالى:{(وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)}

(3)

.

بإقبال دولة السلطان الملك الناصر، كلام محمد بن قلاون.

فليعلم السلطان المعظم محمود غازان أن كتابه ورد، فقابلناه [252] بما يليق بمثلنا لمثله من الإكرام، ورعينا له حق القصد فتلقيناه منا بسلام، وتأملناه تأمل المتفهم لدقائقه، والمستكشف عن حقائقه، فألفيناه قد تضمن مؤاخذة بأمور، هم بالمؤاخذة عليها أحرى، معتذرا فى التعدى بما جعله ذنوبا لبعض طالب بها الكل، والله تعالى يقول:{(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)}

(4)

.

(1)

انظر نص الخطاب فى كل من: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 226 أ - 230 أ، ونهاية الأرب (مخطوط) ج 29 ورقة 330 وما بعدها، صبح الأعشى ج 7 ص 243 وما بعدها.

وانظر أيضا نصا مختلفا لهذا الخطاب فى كنز الدرر ج 9 ص 66 - 70، والنجوم الزاهرة ج 8 ص 142 - 146.

(2)

«والصلوة» فى الأصل.

(3)

الآيتان رقم 10، 11 من سورة الواقعة رقم 56.

(4)

جزء من آية تكرر فى أكثر من سورة - انظر الآية رقم 164 من سورة الأنعام رقم 6، والآية رقم 15 من سورة الإسراء رقم 13، والآية رقم 18 من سورة فاطر رقم 35، والآية رقم 7 من سورة الزمر رقم 39.

ص: 158

أما حديث من أغار على ماردين فمن

(1)

رجّالة بلادنا المتطرفة، وما نسبوه إليهم من الإقدام على الأمور البديعة، والأحوال الشنيعة. وقولهم إنهم أنفوا من تهجّمهم، وغاروا من تقحمهم، واقتضت الحمية ركوبهم فى مقابلة ذلك، فقد تلمّحنا هذه الصورة التى أقاموها عذرا فى العدوان، وجعلوها سببا إلى ما ارتكبوه من طغيان، فالجواب

(2)

عن ذلك أن الغارات من الطرفين، لم يحصل من المهادنة والموادعة ما يكف يدها الممتدة، ولا يغير هممها المستعدة، وقد كان آباؤكم وأجدادكم على ما علمتم من الكفر والنفاق، وعدم المصافاة للإسلام والوفاق، ولم يزل ملك ماردين ورعاياه منفذين ما يصدر من الأذى للبلاد والعباد، عنهم متوليّين، كبر مكرهم، والله تعالى يقول:{(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)}

(3)

.

وحيث جعلتم هذا ذنبا موجبا للحمية الجاهلية، وحاملا على الانتصار الذى زعمتم أن هممكم به مليّة، فقد كان هذا القصد الذى ادعيتموه يتم بالانتقام من [أهل

(4)

] تلك الأطراف التى أوجب ذلك فعلها، والاقتصار على أخذ الثأر ممن ثار، اتباعا لقوله تعالى:{(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)}

(5)

لا أن تقصدوا الإسلام بالجموع الملفقة على اختلاف الأديان، وتطأوا البقاع الطاهرة بعبدة الصلبان، وتنتهكوا حرمة البيت المقدس الذى هو ثانى بيت [الله

(6)

] الحرام، وشقيق مسجد

(1)

«من» فى زبدة الفكرة.

(2)

«والجواب» فى زبدة الفكرة.

(3)

جزء من الآية رقم 51 من سورة المائدة رقم 5.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

جزء من الآية، رقم 40 من سورة الشورى رقم 42.

(6)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 159

رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن احتججتم بأن زمام تلك الغارة

(1)

بيدنا، وسبب تعدّيهم من سببنا، فقد أوضحنا الجواب عن ذلك، وأن عدم الصلح والموادعة أوجب سلوك هذه المسالك.

وأما ما ادعوه من سلوك سنن المرسلين، واقتفاء آثار المتقدمين فى إنفاذ الرسل أولا، فقد تلمحنا هذه الصورة، وفهمنا ما أوردوه من الآيات المسطورة، والجواب عن ذلك أنهم

(2)

ما وصلوا إلا وقد دنت الخيام من الخيام، وناضلت السهام عن السهام، وشارف القوم القوم، ولم يبق للقاء إلا يوم أو بعض يوم، وأشرعت الأسنة من الجانبين، ورأى كلّ خصمه رأى العين، ولا نحن

(3)

ممن لاحت له رغبة راغب، فتشاغل عنها ولها، ولا ممن يسالم فيقابل ذلك بجفوة النفار والله تعالى يقول:{(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)}

(4)

. كيف والكتاب بعنوانه، وأمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول: ما أضمر الإنسان شيئا إلا أظهره

(5)

الله فى صفحات وجهه وفلتات لسانه. ولو كان حضور هؤلاء الرسل والسيوف وادعة فى أغمادها، والأسنة مستكنة فى أعوادها، والسهام غير مفوقة، والأعنة غير مطلقة، لسمعنا خطابهم، وأعدنا جوابهم.

وأما ما أطلقوا به لسان قلمهم، وأبدوه من غليظ كلمهم فى قولهم: فصبرنا على تماديكم [253] فى غيّكم، وإخلادكم إلى بغيكم، فأىّ صبر ممن أرسل

(1)

«الغيارة» فى الأصل، و «الغبارة» فى زبدة الفكرة.

(2)

«أن هؤلاء الرسل» - فى زبدة الفكرة.

(3)

«وما نحن» - فى زبدة الفكرة.

(4)

جزء من الآية رقم 61 من سورة الأنفال رقم 8.

(5)

«إلا ظهر» - فى زبدة الفكرة.

ص: 160

عنانه إلى المكافحة، قبل إرسال [رسل

(1)

] المصالحة، وجاس خلال الديار، قبل ما زعمه من الإنذار والإعذار، وإذا فكروا فى هذه الأسباب، ونظروا فيما صدر عنهم من خطاب، علموا الغدر فى تأخير الجواب، وما يتذكر إلا أولوا الألباب

(2)

.

وأما ما يتحججوا به مما اعتقدوه من نصرة، وظنوا

(3)

من أن الله جعل لهم على حزبه الغالب فى كل كرة الكرّة، فلو تأملوا ما ظنّوه ربحا لوجدوه هو الخسران المبين، ولو أمعنوا

(4)

النظر فى ذلك لما كانوا به مفتخرين، ولتحققوا أن الذى اتفق لهم كان غرما لا غنما، وتدبّروا معنى قوله تعالى:{(إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً)}

(5)

. ولم يخف عنهم ما أبلته السيوف الإسلامية منهم، وقد رأوا عزم من حضر من عساكرنا التى لو كانت مجتمعة عند اللقاء لما ظهر خبر عنهم، فإنا كنا فى مفتتح ملكنا، ومبتدى أمرنا، حللنا بالشام للنظر فى أمور البلاد والعباد، فلما تحققنا خبركم، وقفونا أثركم، بادرنا نقدّ أديم الأرض سيرا، وأسرعنا لندفع عن المسلمين ضررا وضيرا، ونؤدى من الجهاد السنة والفرض، ونعمل بقوله تعالى:{(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)}

(6)

.

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

أسلوب قرآنى مأخوذ من «إنما يتذكر أولوا الألباب» - جزء من الآية رقم 9 من سورة الزمر رقم 39.

(3)

«وظنوه» - فى زبدة الفكرة.

(4)

«أنعموا» - فى زبدة الفكرة، وهو تحريف واضح.

(5)

جزء من الآية رقم 178 من سورة آل عمران رقم 3.

(6)

جزء من الآية رقم 133 من سورة آل عمران رقم 3.

ص: 161

فاتفق اللقاء بمن حضر من عساكرنا المنصورة، وثوقا بقوله تعالى:{(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً)}

(1)

، وإلا فأكابركم يعلمون وقائع الجيوش الإسلامية التى كم وطئت موطئا يغيظ الكفار، فكتب لها به عمل صالح، وسارت فى سبيل الله يفتح الله عليها أبواب المناجح، وتعدّدت أيام نصرتها التى لو دققتم الفكر فيها لأزالت ما حصل عندكم من لبس، ولما قدرتم أن تنكروها، وفى تعب من يجحد ضوء الشمس، وما زال الله لها نعم المولى ونعم النّصير، وإذا راجعتموهم قصّوا عليكم نبأ النصرة:{(وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)}

(2)

.

وما زالت تتفق الوقائع بين الملوك والحروب، وتجرى المواقف التى هى بتقدير الله فلا فخر فيها للغالب ولا عار على المغلوب، وكم من ملك أستظهر عليه ثم نصر، وعاوده التأييد فجبره بعد ما كسر، خصوصا ملوك هذا الدين، فإن الله تكفّل لهم بحسن العقبى فقال سبحانه:{(وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)}

(3)

.

وأما إقامتهم الحجة علينا، ونسبتهم التفريط إلينا، كوننا لم نسيّر إليهم رسولا عند حلولنا بدمشق، فنحن عندما وصلنا إلى الديار المصرية لم نزد على أن اعتددنا وجمعنا جيوشنا من كل مكان، وبذلنا فى الاستعداد غاية الجهد والإمكان، وأنفقنا جزيل الأموال فى جمع العساكر والجحافل، ووثقنا بحسن الحلف لقوله تعالى {(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ)}

(4)

.

(1)

جزء من الآية رقم 249 من سورة البقرة رقم 2.

(2)

جزء من الآية رقم 14 من سورة فاطر رقم 35.

(3)

جزء من الآية رقم 128 من سورة الأعراف رقم 7.

(4)

جزء من الآية رقم 261 من سورة البقرة رقم 2.

ص: 162

ولما خرجنا من الديار المصرية بلغنا خروج الملك من البلاد، لأمر حال بينه وبين المراد، فتوقفنا عن المسير توقف من أغنى رغبة عن حث الركاب، وتلبثنا تلبث الراسيات، {(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ)}

(1)

وبعثنا طائفة من العساكر لمقابلة من أقام بالبلاد، فما لاح لهم منهم بارق ولا ظهر، وتقدمت فلحقت

(2)

من حمله على التأخير الغرر، ووصلت الفرات فما وقعت للقوم على أثر.

[254]

وأما قولهم إنا ألقينا فى قلوب العساكر والعوام أنهم فيما بعد يلتقوننا على حلب أو الفرات. وأنهم جمعوا العساكر ورحلوا إلى [الفرات وإلى]

(3)

حلب مرتقبين وصولنا، فالجواب عن ذلك أنه من حين بلغنا حركتهم جزمنا، وعلى لقائهم عزمنا، وخرجنا وخرج أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ابن عم سيدنا رسول الله، [صلى الله عليه وسلم

(4)

]، الواجب الطاعة على كل مسلم، المفترض المبايعة والمتابعة على كل معترض

(5)

ومسلّم، طائعين لله ولرسوله فى أداء فرض الجهاد، باذلين فى القتال

(6)

بما أمرنا الله غاية الاجتهاد، لا يتم أمر دين ولا دينا إلا بمتابعته

(7)

، ومن والاه فقد حفظه الله وتولاه، ومن عانده أو عاند من أقامه فقد أذلّه الله،

(1)

جزء من الآية رقم 88 من سورة النمل رقم 27.

(2)

«فتخطفت» - فى زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

«منازع» - فى زبدة الفكرة.

(6)

«فى القيام» - فى زبدة الفكرة.

(7)

«إلا بمشايعته» - فى زبدة الفكرة.

ص: 163

فحين وصلنا إلى البلاد الشامية تقدّمت عساكرنا تملأ السّهل والجبل، وتبلغ بقوة الله فى النّصر الرجاء والأمل، ووصلت أوائلها إلى أطراف بلاد حماة وتلك النواحى، فلم يقدم أحد عليها، ولا جسر أن يمدّ حتى ولا الطرف إليها، فلم نزل مقيمين حتى بلغنا رجوع الملك إلى البلاد، وإخلافه موعد اللقاء، والله لا يخلف الميعاد

(1)

، فعدنا لاستعداد جيوشنا التى لم تزل تندفع فى طاعة الله تعالى اندفاع السيل، عاملين بقول الله تعالى:{(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)}

(2)

.

وأما ما جعلوه عذرا فى الإقامة بأطراف البلاد وعدم الإقدام عليها، وأنهم لو فعلوا ذلك [ودخلوا بجيوشهم

(3)

] ربما أفسد

(4)

البلاد مرورها، وبإقامتهم فيها فسدت أمورها، فقد فهم هذا المقصود، ومتى ألفت البلاد والعباد منهم هذا الإشفاق؟، ومتى اتصفت جيوشهم بهذه الأخلاق؟، وها آثارهم موجودة، ودعاوى خلافها بمشاهدة الحال مردودة، وهل هذا اعتماد من رمق شخص الإسلام بإنسانه؟، كيف ورسول الله عليه السلام

(5)

يقول (المسلم من سلم

(1)

أسلوب قرآنى مأخوذ من الآية «إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ» - جزء من الآية 9 من سورة آل عمران رقم 3، وجزء من الآية 31 من سورة الرعد رقم 13، وجزء من الآية 20 من سورة الزمر رقم 39.

(2)

جزء من الآية رقم 60 من سورة الأنفال رقم 8.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

«أفسدوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(5)

«صلى الله عليه وسلم» فى زبدة الفكرة.

ص: 164

الناس من يده ولسانه

(1)

، وأسارى المسلمين عندهم فى أشدّ وثاق، فى يد الأرمن والتكفور منهم ما يخالف ما أدعوه من الإشفاق

(2)

.

وقد كان المسلمون غزوا عسكر أبغا وقتلوا من قتلوا من التتار، وحصل لهم التمكن فى البلاد والاستظهار. واستولوا على ملك آل سلجوق ولا

(3)

تعرضوا لدار ولا جار، ولا عفوا أثرا من الآثار، ولا حصل لمسلم منهم ضرر، ولا أوذى فى ورد ولا صدر، وكان أحدهم يشترى قوته بدرهمه وديناره، ويأبى أن يمتد إلى أحد من المسلمين يد أضراره، هذه سنة أهل الإسلام، وفعل من يريد لملكه الدوام.

وأما ما أرعدوا به وأبرقوا، وأرسلوا فيه عنان قلمهم وأطلقوا، وما أبدوه من الاهتمام بجمع العساكر، وتهيئة المجانيق إلى غير ذلك مما ذكروه من التهويل، فالله تعالى يقول:{(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)}

(4)

.

وأما قولهم وإلا فدماء المسلمين مطلولة، فما كان أغناهم عن هذا الخطاب، وأولاهم بأن لا يصدر عن ذلك جواب، ومن قصده الصّلح والإصلاح، كيف يقول هذا القول الذى عليه فيه من جهة الله وجهة رسوله [255] أى جناح؟

(1)

قال عليه الصلاة والسلام: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» . انظر فتح البارى - ح 1 ص 53 - باب «الإيمان» حديث رقم 10.

(2)

«إشفاق» - فى زبدة الفكرة.

(3)

«وما» فى زبدة الفكرة.

(4)

الآية رقم 173 من سورة آل عمران رقم 3.

ص: 165

وكيف يضمر هذه النية، وينجح بهذه الطوية، ولم يخف مواقع هذا القول وخلله؟، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول:(نية المرء أبلغ من عمله)

(1)

. وبأىّ طريق تهدر دماء المسلمين التى

(2)

من تعرض إليها يكون الله له فى الدنيا والآخرة مطالبا وغريما، ومؤاخذا بقوله تعالى:{(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً)}

(3)

.

وإذا كان الأمر كذلك فالبشرى لأهل الإسلام بما نحن عليه من الهمم المصروفة إلى الاستعداد وجمع العساكر التى يكون لها الملائكة الكرام إن شاء الله [تعالى

(4)

] من الإمداد

(5)

، والاستكثار من الجيوش الإسلامية المتوفرة العدد، المتكاثرة المدد، المدعوة بالنصر الذى يحفها فى الظعن والإقامة، الواثقة بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على عدوهم إلى يوم القيامة

(6)

، المبلغة فى دين الله آمالا، المستعدة لإجابة داعى الله إذ قال:{(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً)}

(7)

.

(1)

قال عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنية، ولكل امرئ مانوى» فتح البارى ج 1 ص 135، باب «الإيمان» حديث رقم 54، وانظر بنفس الكتاب أحاديث رقم 1، 54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953.

(2)

«الذى» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(3)

جزء من الآية رقم 93 من سورة النساء رقم 4.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

«الاتجاد» - فى زبدة الفكرة.

(6)

قال عليه الصلاة والسلام: «لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» - انظر سنن أبى داود ج 3 ص 4، كتاب الجهاد، باب «فى دوام الجهاد» حديث رقم 2484.

(7)

جزء من الآية رقم 41 من سورة التوبة رقم 9.

ص: 166

وأما رسلهم وهم فلان وفلان فقد وصلوا إلينا، ووفدوا علينا، فأكرمنا وفادتهم، وعززنا لأجل مرسلهم من الإقبال مادتهم، وسمعنا خطابهم، وأعدنا جوابهم، هذا مع كوننا لم يخف علينا انحطاط قدرهم، ولا ضعف أمرهم، وأنهم ما دفعوا لأفواه الخطوب، إلا لما ارتكبوه من ذنوب، وما كان ينبغى أن يرسل مثل هؤلاء لمثلنا من مثله، ولا يندب لهذا المهم إلا من يجمع على فصل خطابه وفضله.

وأما ما التمسوه من الهدايا والتحف، فلو قدموا من هداياهم حسنة لعوضناهم بأحسن منها، ولو أتحفونا

(1)

بتحفة لقابلنا [هم]

(2)

بأجل عوض عنها، وقد كان عمه الملك أحمد

(3)

راسل والدنا السلطان الشهيد، وناجاه بالهدايا والتحف من مكان بعيد، وتقرب إلى قلبه بحسن الخطاب، فأحسن له الجواب، وأتى البيوت من أبوابها بحسن الأدب، وتمسك من الملاطفة بأقوى سبب.

والآن فحيث انتهت الأجوبة إلى حدها، وأدركت الآنفة من مقابلة ذلك الخطاب غاية قصدها، فنقول: إذا

(4)

جنح الملك للسلم جنحنا لها، وإذا دخل فى الملة المحمدية ممتثلا ما أمر الله به مجتنبا ما عنه نهى، وانضم فى سلك الإيمان، وتمسك بموجباته تمسّك المتشرف بدخوله فيه لا المنّان، وتجنب التشبه بمن قال الله فى حقهم:{(قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ)}

(5)

،

(1)

«تحفونا» - فى الأصل.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

هو: أحمد سلطان، المسمى توذكار بن هلاون بن باطو بن جنكز خان، ملك التتار، المتوفى سنة 683 هـ/ 1284 م - المنهل الصافى ج 2 ص 254 رقم 234.

(4)

«إذ» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(5)

جزء من الآية رقم 17 من سورة الحجرات رقم 49.

ص: 167

وطابق فعله قوله، ورفض الكفار الذين لا يحل له أن يتخذهم حوله، وأرسل إلينا رسولا من جهته يرتل آيات الصلح ترتيلا، ويروق جوابه وخطابه حتى يتلو كل أحد:{(يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً)}

(1)

. صارت حجتنا وحجته المركبة على من خالف ذلك، وكلمتنا وكلمته قامعة أهل الشرك فى سائر الممالك، ومظافرتنا له تكسب الكافرين هوانا، والمشاهد لتصافينا يتلو قوله تعالى:{(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً)}

(2)

.

وينتظم إن شاء الله شمل الصلح أحسن انتظام، ويحصل التمسك من الموادعة والمصافاة بعروة لا انفصال لها [256] ولا انفصام، وتستقر قواعد الصلح على ما يرضى الله ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام

(3)

.

قال صاحب النزهة: وختم الكتاب وأرسل على يد الرسل الذين ذكرناهم من جهة السلطان صحبة الرسل الواردين من جهة قازان فى العشرين من المحرم من هذه السنة.

‌ذكر ما جرى للأمير حسام الدّين المجيرى مع قازان:

قال القاضى جمال الدين بن الكرم فى تاريخه

(4)

: قال المجيرى لما حضرت بين

(1)

جزء من الآية رقم 27 من سورة الفرقان رقم 25.

(2)

جزء من الآية رقم 103 من سورة آل عمران رقم 3.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 226 أ - 230 أ.

(4)

انظر أيضا ما أورده ابن أيبك فى كتابه كنز الدرر حيث يقول: «كان الأمير حسام الدين أزدمر بينه وبين الوالد - سقى الله عهدهما - صحبة أكيدة وخشداشية من قديم الزمان، فلما عاد بعد طول مدة إقامته عند التتار، حتى هلك غازان، وتملك خدابنده - حسبما -

ص: 168

يدى قازان أوقفنى بعيدا

(1)

منه وسألنى عن أمور كثيرة وتحدث مع الحجاب، فكان أول كلامه لى: ما اسمك؟ قلت: أزدمر. قال: لا أنتم تتسمون بأسماء ثلاثة، قلت: نعم. قال: وما هى أسماؤك أنت؟ قلت: حسام الدين أزدمر المجيرى. قال: وما معنى المجيرى؟ قال: فقبلت الأرض وقلت: يحفظ الله القان، نحن يشترينا التجار ونحن صغار، ثم يجلبوننا إلى البلاد، ينسب كل منا إلى اسم تاجره أو لقبه، وكان اسم أستاذى الذى اشترانى مجير الدين. فقالوا لى: المجيرى. قال: صدقت، ثم قال: ما جنسك؟ قلت: تركى. قال:

من أىّ الترك؟ قلت: من قفجاق. قال: صدقت.

قال المجيرى: لما سألنى قازان عن أشياء كثيرة، فجاوبته عنها، وعرف منى الصدق فى القول، قربنى إليه

(2)

، ثم سألنى عن أشياء أخرى منها: أنه قال لى: ما محلك عند السلطان - يعنى الملك الناصر -؟ قلت: جندى. قال:

جندى؟ قلت: نعم. قال: فنظر إلى وأطال نظره، ثم قال: مثل ملك مصر يرسل إلى مثلى جنديا. قلت: نعم. قال: ما أنت أمير؟ قلت: نعم. قال:

على بابك طبلخاناة. قلت: نعم. قال: فكيف تقول: أنا جندى. قال:

فقبلت الأرض وقلت: يحفظ الله القان إنما الأمير هو جندى السلطان، والجندى هو جندى الأمير وكلنا جند الله، ثم قال لى: أنت مملوك هذا السلطان وشراء ماله. قلت: مملوكه ومملوك أبيه وأخيه، وهو الذى أحسن لى وأنشأنى وعمل

(4)

- يأتى ذكر ذلك فى تاريخه إن شاء الله تعالى - فحضر عنده فى داره الوالد رحمه الله وأنا مع أسمع». كنز الدرر ج 9 ص 71 وما بعدها.

(1)

«وكلمنى من أربعة حجاب» كنز الدرر ج 9 ص 71.

(2)

«وكلمنى من حاجب واحد» كنز الدرر ج 9 ص 72.

ص: 169

معى خيرا، وعمل على بابى طبلخاناة، وإنما أنا مملوك الملك الظاهر البندقدارى، ثم قال لى: كم رأيت مصافا؟ قلت: فى نفسى ما للسكوت محل، فقبلت الأرض وقلت: يحفظ الله القان، إنى كنت مع جدك هلاون نوبة تمرقابو، قال: لما سمع هذا الكلام أطرق برأسه إلى الأرض، ثم التفت إلى شيخ من التركمان إلى جانبه وتحدّث معه، ثم قال: كيف هربتم منا؟ فقبلت الأرض وقلت: عسكرا كثيرا لهم سنون يهربون منا، ونحن هربنا منكم مرة واحدة، وما كان هروبنا منكم خوفا من كثرتكم ولكن احتقارا بكم. قال الملك:

كيف ذلك؟ قلت: يحفظ الله القان، نحن كسرنا التتر مرات عديدة مدة سنين من أيام جدك هلاون حتى صار ملتقاهم علينا أهون ما يكون، وإن عساكر مولانا السلطان الملك الناصر عساكر كثيرة وخلق عظيم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، وإن لنا أعداء كثيرة من سائر الأقاليم، ولنا إقليم يعرف ببلاد قوص، وهى تجاور بلاد السودان، تركنا فيها عشرة آلاف فارس، وتركنا أيضا بإقليم يعرف ببلاد دمياط مجاورة لأقاليم الإفرنج عشرة آلاف فارس، وكل هذا مع قلة اهتمامنا بالنثر، وكانت سعادة القان كبيرة، وكان فى ذلك فى الكتاب [257] مسطورا.

قال المجيرى: وكلّ هذا جرى بينى وبينه ولم يكن بيننا غير حاجب واحد وهو يسمع كلامى مشافهة، ولم يحصل لى منه حرج إلا فى كلام واحد. قال:

ثم سألنى قازان فقال: كيف يترك أمراؤكم الرجال ويستخدمون الشباب، وأراد بذلك المردان.

قال المجيرى: فعلمت أنه يريد أذاى، فجاوبته بجواب أسخطه علىّ، فقبلت الأرض وقلت: يحفظ الله القان، إن أمراءنا ما كانوا يعرفون شيئا من

ص: 170

ذلك، وإنما هذا استجدّ فى بلادنا لما جاء إلينا طرغاى، فإنه لما ورد كان معه شباب من أولاد التتر، فاشتغل الأمراء بهم عن النساء.

قال المجيرى: لما سمع قازان منى هذا الجواب أطرق إلى الأرض وعظم عليه كلامى» والتفت إلى جماعة من أعيان التتر، فنحدث معهم بلسان التتر، وأنا واقف بين يديه، ثم التفت إلى القاضى عماد الدين بن السكرى فقال: يا قاضى تشهد على صاحبك بما قال؟. قال: نعم

(1)

، والله منذ حضرنا بين يديه إلى حين خروجنا من عنده لم يتحدث مع القاضى عماد الدين غير هذا الكلام.

قال المجيرى: ثم سألنى قازان على لسان حاجبه ما تقول فى نسائنا ونسائكم؟ فقبلت الأرض وقلت: أيدّ الله الملك

(2)

، إنه ملك عظيم، فيقبح أن نذكر النساء فى مثل هذا المجلس، إن نساءنا يستحين من الله ومن الناس، فيسترن وجوههن وأما نساؤكم فأنتم أخبر بحالهن. قال: فأطرق قازان رأسه إلى الأرض زمانا، ثم أمر لحاجبه أن يحطونا فى لفة منجنيق ويرمونها.

قال: فلما خرجنا من عنده توضأ للموت، وقام القاضى عماد الدين ليتوضأ وهو يرتعد وتطقطق أسنانه، فتبسمت، فالتفت إلى وقال: يا حسام الدين هذا وقت الضحك قلت له: يا قاضى لا تخف فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

قال المجيرى: كان قازان سألنى قبل أن أخرج من بين يديه كم يكون فى عسكركم مثلك تركى؟ قلت: عشرون ألف من الفرسان، فالتفت الملك غازان إلى أمير على بن بركنجان - وكان بعيدا منه - فأشار إليه، فدنا منه وقال: ما تقول

(1)

«بما قال؟ نعم، قال: نعم» فى الأصل.

(2)

هكذا بالأصل.

ص: 171

فى حسام الدين؟ أصحيح ما يقوله أم لا؟ قال: والله يا خوند

(1)

ما قال صحيحا.

وحق رأس القان ما فى عسكر مصر مثله خمسة أنفس. قال: فالتفت نحوى وقال: يا حسام الدين تسمع ما قال ابن بركنجان. قلت: وما يقول أيدّك الله؟ قال: يقول إنك ما قلت الصحيح.

قال المجيرى: فقبلت الأرض وقلت: يحفظ الله القان هو والله ما قال الصحيح، وهو من جملة الذين ما رضى بهم السلطان أن يستخدمهم فى عسكر مصر وأعطاه أربعة آلاف درهم فى حلب، ولو وجد فى مصر أربعة آلاف ما هرب وجاء إليكم، فالتفت قازان إلى ابن بركنجان فقال له: أنت من عسكر الشام، فأطرق، فقال قازان: أنت لما جئت إلينا ما قلت أنا من عسكر مصر.

قال المجيرى: قلت وحق رأس القان هو أقل من فى عسكر الشام.

قال: ثم لما خرجنا من بين يدى قازان على أنهم يحطونا فى المنجنيق إذا بمرسوم ثان أتى بأن يحبسونا فى مدرسة هناك ولا يمكنوا أحدا من العبور إلينا لا المهمندار

(2)

ولا غيره من الناس ممن نعرف وممن لا نعرف. قال: فعلمنا عند ذلك أنه غضبان علينا، وسنذكر ما جرى عليهم بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

(1)

«يا خواند» فى الأصل.

(2)

«المهماندار» فى الأصل. المهماندار: لفظ فارسى مركب بمعنى القائم على أمر الضيف، ويقوم صاحب هذه الوظيفة بلقاء الرسل والعربان الواردين على السلطان، وينزلهم دار الضيافة، ويتحدث فى اليام بأمرهم - صبح الأعشى ج 5 ص 459.

ص: 172

[258]

‌ذكر عصيان عربان الوجه القبلىّ:

قال بيبرس فى تاريخه: وفى هذه السنة كثرت شكوى الولاة الذين بالوجه القبلى من فساد العربان، وما ظهر منهم من العصيان والنفاق والعدوان، وأنهم لم يزدجروا بالجباية التى أخذت منهم فى السنة الماضية، ولم يسيروا مع الرعية والجند السيرة الراضية، بل منعوا الحقوق واعتمدوا العقوق، وقطع أراذلهم الطريق، وهاشوا على الأجناد، وثاروا فى البلاد، وأكثروا من الفساد، فسار الأمير سيف الدين سلار، والأمير ركن الدين أستاذ الدار كفيلا المماليك ومشيراها وممهدا الدولة ومدّبراها إلى الأعمال المذكورة فى جموع من العساكر المنصورة

(1)

، وفرقا العساكر ثلاثة فرق ليحيطوا بهم برا وبحرا، ويأخذوهم حيث حلوا سهلا ووعرا، فتوجهت فرقة من البر الغربى، وفرقة من الحاجر، وفرقة من البر الشرقى

(2)

، وضربوا على البلاد حلقة كحلقة الصيد، فبقى العربان جميعا فى حلقتهم، وحصلوا فى قبضتهم، فما أفلت منهم أحد من ربقتهم، وأخذوهم بنواصيهم وأقدامهم، وجاؤوهم من خلفهم وقدامهم، وأذاقوهم الوبال، ونكلوا بهم كل النكال، وأبادوا مفسديهم، وأهلكوا معتديهم، ومزقوهم تمزيقا، وفرقوهم بيد الحتوف تفريقا، وأوثقوا مشايخهم بالقيود، وملأوا من رهائنهم السجون، وأخذوا ما كان لهم من خيل وإبل وبقر وغنم، ومنعوا أن يركب أحد من العربان فرسا أو يحمل سلاحا، فانطفأت جمراتهم،

(1)

«فى رابع جمادى الآخرة» - فى السلوك ج 1 ص 921، النجوم الزاهرة ج 8 ص 151.

(2)

«فرقة من البر الشرقى، وفرقة من البر الغربى، وفرقة من الحاجر» - فى زبدة الفكرة. وانظر بعض التفاصيل فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 149 - 154.

ص: 173

وزالت مضراتهم، وتمهدت تلك الأعمال تمهيدا واضحا، وعاد من سلم من مفسدى العرب فقيرا صالحا، وحمل أكثرهم السواك والسبحة

(1)

، عوضا عن حمل الرماح والأسلحة، وكان الذى أخذ من موجودهم وسيق من خيولهم خمسة آلاف

(2)

فرس، وعشرون ألف جمل، ومائة ألف رأس غنم

(3)

، سوى الأبقار والأتن والأغنام

(4)

، وتركوهم على الديار، وعادوا فى أواخر شعبان

(5)

وقد فرغوا من أمر العربان وتمهيد البلدان، فخلع عليهم السلطان

(6)

.

وقال صاحب النزهة: وفيها كثر فساد العرب بالوجه القبلى، وقطعوا الطريق، وأوغلوا إلى أن كانوا يدخلون مدينة أسيوط ومنفلوط ويقتسمون تجارها، ويأخذون من كل واحد مبلغا على زى الجالية

(7)

، وتسمى كل واحد منهم باسم أمير من أمراء البرجية، وأمروا من بينهم كبيرين، فسموا أحدهما بيبرس والآخر سلار، ومنعوا حقوق الجند والأمراء من المغل، وكانوا يهجمون على السجون ويخرجون منها المفسدين.

(1)

«والمسبحة» - فى زبدة الفكرة.

(2)

«ألف» فى زبدة الفكرة.

(3)

«ثمانين ألف رأس ما بين ضأن وما عز، ونحو أربعة آلاف فرس، واثنين وثلاثين ألف جمل، وثمانية آلاف رأس من البقر» - فى السلوك ج 1 ص 922.

(4)

«والأغيار» - فى زبدة الفكرة.

(5)

«فى سادس عشر رجب» - السلوك ج 1 ص 922، النجوم الزاهرة ج 8 ص 153.

(6)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 231 أ - 232 أ.

(7)

الجالية: يقصد بها الجزية - محيط المحيط، وهى الجزية المقررة على أهل الذمة فى كل سنة - صبح الأعشى ج 3 ص 462.

ص: 174

ثم اتفق الأمراء على الخروج إليهم، وطلبوا ناصر الدين [محمد]

(1)

بن الشيخى متولى الجيزة، وقالوا له أن يمنع سائر المسافرين فى البر والبحر، وأى من خرج من مصر شنق

(2)

، وأشاعوا بالتجهيز إلى الشام، وكتبوا الأوراق بأسماء المقدمين، كل مقدم بمضافيه من الأمراء والأجناد، فكانوا أربعة وعشرين مقدما بمضافيها، وافترقوا أربع فرق: فرقة فى البر الغربى، وفرقة فى البر الشرقى، وفرقة فى البحر بالحراريق

(3)

، وفرقة فى الطريق السالك، واتفقوا أن يضعوا السيف فى الكبير والصغير والرضيع، [259] والحقير والجليل، ولا يرحموا شيخا ولا صبيا، ولا يبقوا على أحد من الذين يظفرون به، ولا يقع لهم فى قلبهم رحمة.

وكان سفرهم من مصر فى نصف ربيع الآخر، ورسم للأمير شمس الدين الأعسر أن يكون فى جهة الواحات، وصحبته خمسة من الأمراء، وتفرقت عشرون من المقدمين الألوف بأمراء الطبلخانات، وتخلف مع السلطان أربع من المقدّمين، وكان أول أمرهم من الجيزة وانتهوا فى عمل قوص، واستقبلوا من وجدوه بسفك دمه، فمنهم من عف عن الحريم وعن الشيخ الكبير وعن الطفل، ومنهم من استحل الجميع، وكانوا إذا وجدوا رجلا ويريدون مسكر

(1)

[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 920.

(2)

وذلك حتى لا تصل أخبار الاستعداد للخروج إلى الصعيد إلى العربان، إذ ورد «وقد عميت أخبار الديار المصرية على أهل الصعيد لمنع المسافرين إليها» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 152.

(3)

حراقة - حراقات، حراريق: نوع من السفن الحربية التى ترمى بالنيران، وهى من السفن الخفيفة - السفن الإسلامية على حروف المعجم.

ص: 175

فيقول الرجل حضرى، فيقولون له قل: دقيق، فإذا قالها: دكيك يقتلونه

(1)

، وإذا قال: دقيق يتركونه، وأخذل الله العرب إلى أن ضاقت عليهم المسالك، ودماهم الله فى طريق المهالك، وما أحسوا بالعساكر إلا وقد دهموهم وأخذوا عليهم الطرقات، فأى موضع قصدوه وجدوا فيه طائفة من العساكر حتى إن الغلمان والجمالين يخرجونهم من الأماكن، أما الذين قصدوا جهة البحر فإن أكثرهم قتل بالنشاب والغرق، والذى سلم نفسه إليهم قتلوه، ولم يرفعوا عنهم السيف من الأعمال الجيزية إلى الأعمال القوصية من الشرق إلى الغرب حتى جافت سائر الطرق بالموتى، وأسروا منهم، فمن اختفوا بالفلاحة نحو ألف وستمائة نفر، وحصل للعسكر من الأموال والمواشى والخيل والسلاح ما لا يحصر، والذى فهم بالتقدير وأحيط به العلم من الغنم نحو ستة عشر ألف رأس، ومن الخيل نحو ألف وثمانمائة فرس، ومن الجمال نحو إثنى عشر ألف رأس، ومن الأبقار من المعاصير وغيرها نحو ثمانية آلاف رأس، وما يعلم أحد ما حصل من الكسب للجمالين والغلمان، وبيع خروف سمين بثلاثة دراهم وما دونه، وبيع الماعز بدرهم وأقل من ذلك، والجزة الصوف المرعزى بنصف، والكساء بخمسة دراهم، والرطل من السمن بربع درهم، وكذلك الرطل من العسل.

وكانوا يجدون مطامير القمح فلا يلتفت أحد إليها، ولا يجدون من يشتريها أو يحولها، وما رجعت العساكر من بلاد الصعيد إلا وقد تركوها كما قال الله

ص: 176

تعالى: {(قاعاً صَفْصَفاً، لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)}

(1)

.

وكان شخص يمشى فى بلاد الصعيد بعد رجوع العسكر فلا يجد فى طريقه أحدا، وإذا بات فى بلد لا يجد من يحدثه فيه غير النساء أو الأطفال الصغار.

ولما وصلوا إلى القاهرة عرضوا الرجال الذين أحضروهم على السلطان، فاقتضى رأيهم أن يصفحوا عنهم ليذهبوا إلى البلاد لحفظ الزراعات والسواقى وغيرهما.

‌ذكر قضية الفتح أحمد بن البققى

(2)

:

بتاريخ يوم الإثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول، قتل الفتح المذكور، وكان من أهل حماة، رمى بالزندقة، فمسك وسجن بالقاهرة ثم حكم فيه القاضى زين الدين

(3)

بن مخلوف المالكى بما ثبت عنده من تنقيصه للشريعة المطهرة، واستهزائه بالآيات المحكمات، ومعارضته المشابهات، وذكر عنه أنه كان يحلّ

(1)

جزء من الآية رقم 106، الآية رقم 107 من سورة طه رقم 20.

(2)

«الثقفى» فى الأصل، وفى شذرات الذهب، وورد «البققى» فى مصادر ترجمته، وورد فى المنهل الصافى «بباء موحدة وقافين» .

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 187 رقم 26، الدرر ج 1 ص 329 رقم 784، الوافى ج 8 ص 158 رقم 3583، شذرات الذهب ج 6 ص 2، السلوك ج 1 ص 925، تذكرة النبيه ج 1 ص 241.

(3)

هو: على بن مخلوف بن ناهض، أبو الحسن، المالكى، زين الدين، المتوفى سنة 718 هـ/ 1318 م - المنهل الصافى.

ص: 177

المحرمات من اللواطة وشرب الخمر لمن يجتمع بهم من الفسقة من الترك وغيرهم من الجهلة، هذا وقد كان لديه فضيلة وله اشتغال وهيئة «جميلة» فى الظاهر، ولبسة [260] جيدة، ولما أوقف عند شباك الكاملية ببين القصرين استغاث بالقاضى تقى الدين بن دقيق العيد وقال: ما تعرف منى؟ فقال: إنما أعرف منك الفضيلة، ولكن حكمك إلى القاضى زين الدين، فأمر القاضى للوالى أن يضرب عنقه، فضربت وطيف برأسه فى البلد، هذا جزاء من طعن فى الله ورسوله.

وفى نزهة الناظر: وكان هذا الرجل من أهل حماة، وله اشتغال، وحفظ كتبا كثيرة، وكان ذكيا مفرطا، وحفظ سائر كتب الفقه ودواوين الأشعار، وكان قليل الدين، سئ الاعتقاد، كثير الزندقة، وكان قد اشتغل بكتب المنطق والحكمة وهى التى أفسدت عليه نظامه، وكان له إدلال على القضاة وجرأة لسان من غير أن يهاب منهم.

وقال صاحب النزهة: حكى لى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس أنه دخل يوما على قاضى القضاة الشيخ تقى الدين، فسلم عليه ووقف بين يديه وسأله مسألة، وقصد الشيخ أن يجيبه عنها، فولى ظهره وهو يقول: وقف الهوى، وقف الهوى، فأجابه الشيخ تتمة البيت، فلم يعبأ به، وتتمته:

وقف الهوى بى حيث أنت فليس لى

متأخر عنه ولا متقدّم

أجد الملام على هواك يلذ لى

حبا لذكرى فليلمنى اللّوّم

قال: والتفت إلى الشيخ وقال لى: يا فتح الدين عقبى هذا الرجل إلى التلاف. قال: فو الله كان بين ذلك الكلام وقتله واحد

(1)

وعشرون يوما، فإنه

(1)

«أحد» - فى الأصل.

ص: 178

صار يقع فى حق القاضى زين الدين بن مخلوف قاضى القضاة المالكية ويسبّه، ويبلغه ذلك عنه، وبلغ من أمره إلى أن شهدت عليه عنده جماعة كثيرة ممن حضروه: أنه كان عزم على جماعة فى بيته وأطعمهم طعاما، وأنه قام إلى رف عنده فى البيت يتناول منه شيئا فقصرت يده عنه، فوضع الكتاب العزيز تحت رجليه ليطول إلى الرف، فقاموا وأنكروا عليه، فشرع فى سبّهم بأنهم ناس حمير، ثم تلفظ بعد ذلك بالكفر، فشهدوا عليه عند القاضى زين الدين، وكتبوا محضرا بأمور، ثم أتوا بها إلى قاضى القضاة تقى الدين، فلما وقف عليها قال: ما المراد من هذا؟ قالوا: يا سيدى إثباتها. قال: ما أفتى فى رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ورماها من يده. فتوقف حال إثباتها.

وسعت جماعة كثيرة ممن كانوا يعنون بابن البققى

(1)

من جملتهم ناصر الدين الشيخى وجماعة من أكابر القبط وغيرهم وسألوا القاضى زين الدين فى أمره بأن يستتيبه، وسعوا فيه بشئ كثير حتى أرادوا أن يثبتوا له جنونا ليتخلص من هذه الورطة، فكتبوا محضرا وشهدت فيه جماعة كثيرة ممن يسمع قولهم، وأرادوا أن يثبتوه على قاضى القضاة الشيخ تقى الدين لما رأوا عنه الإعراض من إثبات كفره، وفهموا أيضا أن للشيخ به عناية، فأحضروا المحضر إليه، فلما وقف عليه رفع رأسه وقال: من يجعل المولى فتح الدين مجنونا؟ ما نعرفه إلا رجلا عاقلا، ثم لما أحضروا المحضر إلى القاضى زين الدين ونظر فيه خلاه إلى جانب منه وتفكر فى أمره، وأقتضى رأيه أنه يصلى تلك الليلة صلاة الاستخارة ويسأل الله فى أمره، فلما نام تلك الليلة رأى كأن جماعة جاءوا إليه وبينهم كلب أسود

(1)

«الثقفى» فى الأصل، والتصحيح من مصادر الترجمة.

ص: 179

زوبرىّ قدر الكبش، وفى رقبته [261] طوق وزنجير وهم يقودونه إليه، ثم قتلوه وألقوه فى حفرة وهو يراه، فلما استيقظ حمد الله تعالى على تلك الرؤيا، وأصبح عازما على قتله.

ولما فتح بابه وجد شخصا من طلبته جالسا على الباب، فسلم عليه وناوله ورقة مكتوب فيها من شهاب الدين الأعزازى

(1)

الشاعر وأخبر أن شهاب الدين المذكور حضر إلى بيته وقت الأذان وأعطاه هذه الورقة وقال: عرّف قاضى القضاة ما انتظاره فى هذا الزنديق، وفيها من شعره:

قل للإمام [العادل

(2)

] المرتضى

وكاشف المشكل والمبهم

لا تمهل الكافر واعمل بما

قد جاء فى الكافر عن مسلم

فلما وقف عليها تبسم وقال: شاعر ومكاشف، هكذا عزمنا إن شاء الله.

وكتب وهو فى سجن المالكى إليه من شعره:

يا من يخادعنى باسهم مكره

بسلاسل نعمت كلمس الأرقم

(3)

اعتد لى زردا تضايق نسجه

وعلى فكى

(4)

عيونها بالأسهم

(1)

هكذا فى الأصل، وهو: أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازى، شهاب الدين، المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 1 ص 362 رقم 196.

(2)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 926.

وورد هذا البيت:

«

قل للإمام المرتضى كاشف ال

مشكل بين الناس والمبهم

» - كنز الدرر ج 9 ص 78.

(3)

«

يا لابسا لى حلة من مكره

بسلاسة فعمت كلمس الأرقم

» - السلوك ج 1 ص 926

(4)

«خرق، - فى السلوك.

ص: 180

وأرسلها إليه، فوقف عليها وقال: نرجو أن الله لا يمهله لذلك، ثم اجتمع هو والقاضى زين الدين السروجى، وشاوروا السلطان، وعرفوه زندقته وكفره، وكان قد بلغ السلطان أمره، فتحدث السلطان بكلام فهم القاضى منه المهلة عليه، فانزعج القاضى لذلك وقال: هذا الرجل ثبت عندى كفره وزندقته، وقد وجبت عندى إراقة دمه، فلما رأى السلطان تصميم القاضى قال: إذا كان لا بدّ فاعقدوا له مجلسا بحضور الحكام، فإذا وجب عليه أمر شرعى افعلوه، ورسم لناصر الدين بن الشيخى والحاجب بأن يحضرا المجلس، فجلست القضاة والأمراء فى شباك الصالحية وطلبوه من السجن، وشقوا به بين القصرين. وهو بزنجير فى رقبته، مكشوف الرأس، وهو يستغيث: يا قوم أتقتلون رجلا يقول ربى الله ويعلن بالشهادة، إلى أن وصل إليهم، ووقعت الدعوى والإنكار، وأخرجوا الشهادة عليه والإثبات بكفره، فنهض القاضى السروجى وهو ينشد:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يراق على جوانبه الدم

وأشار أن يخرجوه إلى ظاهر المدرسة إلى أن وقف مقابل الشباك وهو يصيح ويعلن بالشهادة ويقرأ القرآن، والتفت الحاجب وناصر الدين للقاضى زين الدين وقالا: يا سيدنا إش ثبت عندك فى هذا الرجل؟ قال: ثبت عندى كفره ووجب قتله، فنهض السروجى وقال: إضربوا رقبة الكافر ودمه فى عنقى، فأشار فى ذلك لعلاء الدين آقبرص بعض مقدمى الحلقة أن يضرب رقبته، وكان قوى اليد، ماضى السيف، فضربه ثلاث ضربات وأراد بذلك تعذيبه، ثم علق جسده على باب زويلة وطيف برأسه المدينة، وكان قد تكهل.

ص: 181

وقال ابن دانيال

(1)

فيه لما ضربت عنقه:

لا نلم البق فى فعله

إن زاغ تضليلا عن الحق

لو هذّب الناموس أخلاقه

ما كان منسوبا إلى البق

(2)

[262]

وقال فيه لما سجن ليقتل:

يظن فتى البققى

(3)

إنه

سيخلص من قبضة المالكى

(4)

نعم سوف بسلمه المالكى

قريبا ولكن إلى مالك

(5)

ولفتح المذكور شعر، فمنه قوله:

جبلت على حبى لها وألفته

ولا بدّ أن ألقى به الله معلنا

ولم يخل قلبى من هواها بقدر ما

أفول وقلبى خاليا فتمكّنا

وله أيضا:

أين المراتب فى الدنيا ورفعتها

من الذى جاز علما ليس عندهم

لا شك أن لنا قدرا رأوه

وما لمثلهم عندنا قدر ولا لهم

هم الوحوش ونحن الأنس

حكمتنا تقودهم حيث ما شئنا وتعم

(1)

هو: محمد بن دانيال بن يوسف الموصلى، الحكيم شمس الدين الكحال، الأديب. المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 3 ص 330 رقم 443.

(2)

المنهل الصافى ج 2 ص 188.

(3)

«الثقفى» فى الأصل، والتصحيح من تذكرة النبيه ج 1 ص 242، الدرر ج 1 ص 329

(4)

المقصود: قاضى القضاة المالكية.

(5)

المقصود: مالك خازن النار.

ص: 182

وليس شئ سوى الاهمال

يقطعنا عنهم لأنهم وجدانهم عدم

لنا المرتجان من علم ومن عدم

وفيهم المتعبان الجهل والحشم

قلت: عارض بهذه الأبيات الأبيات التى للقاضى تقى الدين بن دقيق العيد وهى:

أهل المراتب فى الدنيا ورفعتها

أهل الفضائل مرذولون بينهم

فما لهم فى توقى صبرنا نظر

ولا لهم فى ترقى قدرنا همم

قد أنزلونا لأنا غير جنسهم

منازل الوحش فى الإهمال عندهم

فليتنا لو قدرنا أن نعرّفهم

مقدارهم عندنا أو لو درّوه هم

لهم مرتجان من جهل وفرط غنىّ

وعندنا المتعبان العلم والعدم

وله:

لحى الله الحشيش وآكليها

لقد خبثت كما طاب السلاف

كما تصبىّ كذا تضنى وتشقى

كما تشقى وغايتها انحراف

وأصفر دائها والداء جمّ

بغاء أو جنون أو نشاف

‌ذكر غزوة سيس:

وفيها كتب نائب حلب إلى السلطان والأمراء بأن تكفور صاحب سيس منع الحمل وتجاهر بالعصيان وادعى أن البلاد لقازان وأنه يحمل الحمل، فاقتضى رأيهم بتجريد الأمير بدر الدين أمير سلاح والأمير عز الدين أيبك الخزندار بمضافيهما أن يدخلوا بلاد سيس ومعهما نائب حلب وحماة وحمص ويخربوها

ص: 183

وينزعوا زرعها، وأن لا يوغلوا فى عتورهم إلا إذا وجدوا فرصة، وألا يكونون فى أطراف البلاد.

وقال ابن كثير: وكان رحيلهم فى شهر رمضان، وفى ذى القعدة ضربت البشائر بقلعة دمشق أياما بسبب فتح أماكن من بلاد سيس عنوة، وفى الحادى والعشرين من ذى الحجة قدم الجيش إلى دمشق، فخرج نائب السلطنة والجيش إلى تلقيهم

(1)

.

‌ذكر الجزيرة التى سكنها الفرنج مقابل طرابلس:

وفيها: كتب الأمير سيف الدين أسندمر نائب طرابلس إلى السلطان بأن الإفرنج قد أنشأوا جزيرة مقابل طرابلس

(2)

، واتخذوها لهم حصنا ونقلوا إليها عددا ورجالا، وتزايد أمرهم إلى أن صاروا يركبون البحر ويتجرمون فيه ويأخذون المراكب، وأضر ذلك بحال أهل الساحل، وأنه قصد على تجريد عسكر فى مراكب تأتى إليهم مع جند طرابلس، [263] ولعل الله أن يظفر المسلمون بها، وأخذ من فيها من الإفرنج قبل أن يشتدّ أمرها ويقوى حال العدو فيها، وهم يريدون أن يعمروا فيها قلعة، فإذا بنوها يصعب على المسلمين أمرها، فلما وقف السلطان على الكتاب أمر للوزير بالاهتمام فى تعمير أربع شوانى

(3)

.

(1)

انظر البداية والنهاية ج 14 ص 19، حيث يوجد جزء من هذا الخبر فى المطبوع بين أيدينا من البداية والنهاية.

(2)

«تعرف بجزيرة أرواد» - السلوك ج 1 ص 923.

وهى جزيرة رودس المعروفة، والفرنج المقصودون هنا هم: هيئة الفرسان الاسبتارية.

(3)

شينى - شانى - شينية أو شونة: شوانى: السفينة الحربية الكبيرة، وهى من أهم القطع التى يتكون منها الأسطول فى الدول الإسلامية - السفن الإسلامية على حروف المعجم.

ص: 184

وفى المحرم من السنة الآتية: جهزت الشوانى وتكملت.

قال بيبرس فى تاريخه: وفى المحرم من سنة اثنتين وسبعمائة جهزت الشوانى للسفر إلى جزيرة أرواد، وهى جزيرة قبالة انطرطوس فى البحر المالح، وكان قد اجتمع فيها جمع من الفرنج الذين جلوا من الساحل وسكنوها، وأحاطوا بها سورا وحصنوها، فجهزت الشوانى لقصدها، وجرد فيها جماعة من الجند لأخذها، ولما تجهزوا وتكملوا ولم يبق إلا سفرهم ركب مقدم الأجناد الذين سفروا فيها فى الشينى الكبير وهو جمال الدين أقوش

(1)

العلائى المعروف بوالى البهنسا، ومعه جماعة، وخرجوا قبالة مقياس مصر

(2)

ليلعبوا وينحدروا، فانقلب الشينى فى خروجه، فغرق المقدم المذكور وأكثر من كان فيه، فجهز عوضا عنه سيف الدين كهرداش

(3)

، وسفر بالشوانى، فوصلوا إلى الجزيرة وأوقعوا بأهلها وأخذوا ما كان فيها، وأحضروا منها عدة أسرى

(4)

وعبروا بهم عند وصولهم إلى القاهرة مصفّدين، وشقوا بهم المدينة مقيدين وبقوا

(5)

فى الأسر مخلدين

(6)

.

وقال ابن كثير: وفى يوم الأربعاء الثانى من صفر من سنة ثنتين وسبعمائة فتحت جزيرة أرواد المذكورة، وقتلوا منها نحوا من ألفين، وكانت الأسرى قريبا من خمسمائة نفس

(7)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 427 رقم 1030.

(2)

مقياس مصر: هو المقياس الذى يقاس به ماء النيل، ويقع بطرف جزيرة الروضة - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 185.

(3)

هو: كهرداش بن عبد الله، الأمير سيف الدين، المعروف بالزراق، توفى سنة 714 هـ/ 1314 م - المنهل الصافى.

(4)

«فكانت عدة الأسرى مائتين وثمانين» - السلوك ج 1 ص 929.

(5)

«ويقيوا» - فى الأصل.

(6)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 233 ب.

(7)

البداية والنهاية ج 14 ص 21.

ص: 185

وقال صاحب النزهة: وكانت الشوانى مشحونة بالعدد والسلاح والنفطيّة والزاد، وفيها جماعة من الحلقة، ومن كل مقدم نفران، ومن الطبلخانات والعشرات، وجرد أيضا من المماليك السلطانية جماعة من الّزرّاقين، وزينت الشوانى بأشياء من الآلات، وباتت الناس تلك الليلة، لم يبت أحد فى بيته، وغلقّت مصر والقاهرة يومين لأجل التفرج، وكان من أول بولاق إلى الصناعة

(1)

خلائق من البرين لا يحصى عددهم حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يضع قدمه إلى الأرض، وأما بقية مراكب البحر والشخاتير

(2)

الصغار فإنها طبقت وجه البحر، والمركب الذى كان يكرى بعشرة أكروه بمائة درهم

(3)

.

ففى صبيحة يوم السبت الثانى عشر من محرم سنة ثنتين وسبعمائة: نزل السلطان والنائب وسائر الأمراء، ووقفت العساكر جميعهم على برّ بستان الخشاب، وعدّى الأمراء فى الحراريق إلى الروضة، ثم أمر بخروج الشوانى واحدة بعد واحدة، فخرج الشينى الأول ولعب ساعة ولعبوا فيه بالنفط، وصاحت الخلائق من الجانبين، ثم الثانى، ثم الثالث، ثم خرج الرابع وهو الذى كان فيه أقوش العلائى، ولعبت فيه الهوى، فمال ميلة، فانقلب فصار أعلاه أسفله، وصرخت الناس عن صوت واحد، وتكدر ذلك الصفاء، فتحيرت الأمراء والسلطان، وحزنوا حزنا عظيما، وأدركت المراكب إليه، وخلصوا منه خلقا وغرق آحرون، وممن غرق أقوش المذكور المقدم فيه

(4)

.

(1)

صناعة مصر: بساحل فسطاط مصر - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 197.

(2)

شخنور - شخاتير: سفينة صغيرة بسار واحد فى الوسط، وهو من اصطلاح النوتية - السفن الإسلامية على حروف المعجم.

(3)

انظر النجوم الزاهرة ج 8 ص 155 - 156.

(4)

«فلم يعدم منه سوى أقوش، وسلم الجميع» - فى السلوك ج 1 ص 928.

ص: 186

ومن الغرائب أن أقوش هذا كان فيه من الكبر والحمق ما لا يوصف، ومن الظلم وقتل النفس ما لا يعد، وكان [264] هو الذى زين هذا الشينى من عنده بأفخر زينة وأكمل عدة، وعند نزوله إليه قدمت له الاسقالة، فمشى عليها إلى أن جلس، ثم عند الخروج استعجل، فقال له الرئيس: طول روحك ياخوند، فانحرف وشتمه وقال: اخرج لا كتب الله علينا بالسلامة ولا أحيانا أن نرد إليهم.

قال الراوى: وأغرب من ذلك أن هذا الشينى انحدر إلى أن وقف عند بولاق وبقى هناك ثلاثة أيام مقلوبا إلى أن ركب والى الصناعة والرئيس ومعهم رجال، فجاءوا إليه وأقلبوه ووجدوا زوجة الرئيس وولدها وهى ترضعه وهما بالحياة، فسألوها عن حالها فقالت: إن الشينى لما انقلب لم يحصل عليها تشويش أصلا ولا بذل عليها من الماء، فتعجبوا من ذلك وقالوا: قدرة الله أعظم من هذا.

ثم رسم السلطان بأن يجهز شينى آخر عوض ذلك، فجهزوه وكانوا قد أحضروا رؤساء من الإسكندرية ودمياط، ثم سافروا إلى أن وصلوا إلى طرابلس ودقت بوقاتهم، ووجدوا أهل طرابلس أيضا قد تجهزوا كما ينبغى مما يحتاجون إليه من العدد والنفط وآلات الحصار، ثم ركبوا نصف الليل ورئيت لهم الجزيرة وجه الصبح، وصاحوا بالتكبير والتهليل، وزعقت البوقات والطبلخانات، وقاموا فى المقاديف قومة رجل واحد، فتوجه كل مركب بمقدمه على الميناء ونفر الفرنج أيضا، فبينما يركبون مراكبهم سبقت مراكب المسلمين بمقدميها

(1)

.

(1)

«بمقاديموها» فى الأصل.

ص: 187

على الساحل، وتسابقت الفرسان من المقابلة إلى أن أحاطوا الساحل وتقاتلوا بالسيوف فى الوجوه والصدور وبالرماح بالطعن فى المحاجر والنحور، وانعزلت الجرخية نحية والأقحيّة ناحية، ولم تتعال الشمس صبيحة ذلك اليوم حتى خذلت الكفار، وانتصرت ملة الإسلام، وملأوا من قتلاهم الأرض، ورجع من بقى إلى قلعتهم وأغلقوها، وزحفت الرجال إليهم، وأرسلوا سهامهم إلى من فيها، فثبتوا ساعة مقاتلين، ثم وقع كلهم ما بين قتلى وجرحى، وصاحوا طالبين الأمان، وسلموا أنفسهم، وملك المسلمون القلعة أيضا، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة الثامن والعشرين من صفر عام ثنتين وسبعمائة، وأخذوا جميع ما فيها من حواصل وسلاح، ووجدوا فيها تجارا ومعهم تجارة.

وكانت هذه القلعة أعتنى بها وبعمارتها صاحب قبرس مع جماعة من أكابر الفرنج على أنهم يتخذونها سكنا لهم ويسمونها عكا الصغيرة، ثم هدّها المسلمون إلى أن صارت دكا دكا، فحصل للمسلمين بذلك السرور التام والشكر على دين الإسلام.

‌ذكر وفاة الخليفة:

الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أبى العباس أحمد

(1)

بن محمد بن الحسن بن أبى بكر بن الحسن بن على القبى بن الراشد بالله الهاشمى العباسى البغدادى ثم المصرى

(2)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 230 ب، المنهل الصافى ج 1 ص 79 رقم 253، درة الأسلاك ص 155، الوافى ج 6 ص 317 رقم 2819، تاريخ الخلفاء ص 192، السلوك ج 1 ص 919، النجوم الزاهرة ج 7 ص 118، كنز الدرر ج 9 ص 306، الدرر ج 1 ص 128 رقم 332، شذرات الذهب ج 6 ص 2» تذكرة النبيه ج 1 ص 210، البداية والنهاية ج 14 ص 19، التحفة الملوكية ص 162.

(2)

اختلف المؤرخون فى نسبه - انظر مصادر الترجمة.

ص: 188

بويع بالخلافة فى الدولة الظاهرية فى أول سنة إحدى وستين وستمائة، فاستكمل أربعين سنة فى الخلافة، وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى منها [265] بالمناظر المعروفة بالكبش

(1)

بمرض عراه، وصلى عليه العصر بسوق الخيل

(2)

، وصلى عليه الشيخ كريم الدين عبد الكريم

(3)

الآملى

(4)

شيخ الصوفية، ودفن بجوار مشهد السيدة نفيسة

(5)

رضى الله عنها، ومشى الأمراء والكبراء والقضاة والحكام والأعيان فى جنازته إكراما لمحله، وخلّف من الأولاد سليمان

(6)

، وهو أول من دفن بمصر من الخلفاء العباسيين.

وقال صاحب النزهة: وصلّى عليه شيخ سعيد السعداء كريم الدين المذكور ومعه الصوفية كلهم، وحضر السلطان أيضا جنازته، وصلّى عليه بجامع ابن طولون.

(1)

مناظر الكبش: أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب (1240 - 1249 م) على جبل يشكر بجوار الجامع الطولونى، وهى عبارة عن قصر كبير سماه «الكيش» ، وكان يشرف على بركة قارون عند الجسر الأعظم الفاصل بين بركة الفيل وبركة قارون. وظل بعده من المنازل الملوكية، وما زال موضعه يعرف بالكبش إلى اليوم - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 133. صبح الأعشى ج 3 ص 362، السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب (رسالة غير منشورة بجامعة القاهرة) ص 182 - 183.

(2)

«من تحت قلعة الجبل» المنهل الصافى.

(3)

هو: عبد الكريم بن الحسين بن عبد الله الآملى الطبرى، أبو القاسم كريم الدين، شيخ خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة، المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى.

(4)

«الأبلى» فى السلوك ج 1 ص 919.

(5)

هى: نفيسة إبنة الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، توفيت بمصر سنة 208 هـ/ 823 م، ودفنت بمنزلها، وهو الموضع الذى به قبرها الآن - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 440 وما بعدها.

(6)

توفى سنة 740 هـ/ 1339 م - المنهل الصافى.

ص: 189

وقال بعض معاصرينا فى تاريخه: وتولى تغسيله والصلاة عليه شيخ الشيوخ كريم الدين عبد الكريم المذكور، وخلّف من الأولاد سليمان أبو الربيع، وإبراهيم أبو إسحاق.

‌ذكر خلافة الإمام المستكفى بالله أبو الربيع سليمان بن الإمام الحاكم بأمر الله:

بعهد من أبيه بويع له يوم وفاة أبيه

(1)

، وتقدير عمره عشرون سنة، وخطب له على المنابر، واستمر فى صحبة السلطان والركوب معه كانهما أخوان، وفى اللعب بالصوالجة فى الميدان، والسفر والتفرج فى الصيد، وأجرى له الإكرام والإحسان.

وقال ابن كثير: وكان أبوه عهد إليه وكتب له بذلك تقليدا، وقرئ بحضرة السلطان والدولة

(2)

يوم الأحد العشرين من ذى الحجة منها، وكان يوما مشهودا

(3)

.

‌ذكر مجلس عقد فيه لليهود:

وفى شوال: عقد مجلس لليهود الخيابرة، وألزموا بأداء الجزية أسوة أمثالهم من اليهود، فأحضروا كتابا معهم يزعمون أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وضع الجزية عنهم، فلما وقف عليه الفقهاء تبينوا أنه كذب مفتعل لما فيه

(1)

يذكر ابن تغرى بردى: «وبقى الأمر موقوفا إلى يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى المذكور» - انظر النجوم الزاهرة ج 8 ص 149.

(2)

هكذا بالأصل، ولعل المقصود «كبار رجال الدولة» .

(3)

البداية والنهاية ج 14 ص 20.

ص: 190

من الألفاظ الركيكة والتواريخ المخبطة واللحن، وحاققهم عليه الشيخ تقى الدين ابن تيمية، وبين لهم كذبهم، وخطأهم وأنه مزوّر مكذوب، فأنابوا إلى أداء الجزية، وخافوا من أن يستعاد عليهم بالسنين الماضية.

وقال ابن كثير: وقد وقفت أنا على هذا الكتاب، فرأيت فيه شهادة سعد بن معاذ عام خيبر، وقد توفى قبل ذلك «بنحو من ثلاث سنين، وشهادة معاوية بن أبى سفيان ولم يكن أسلم إذ ذاك وإنما أسلم بعد ذلك

(1)

» بنحو من سنتين، وفيه: كتب على بن أبى طالب

(2)

، وهذا لحن لا يصدر عن أمير المؤمنين على أنه يسند إليه علم النحو من طريق أبى الأسود الدؤلى عنه

(3)

.

قال ابن كثير: وقد جمعت فيه جزءا مفردا وذكرت فيه ما جرى أيام القاضى الماوردى وكبار

(4)

أصحابنا فى ذلك العصر

(5)

.

‌ذكر بقية الحوادث:

وفيها: عزل شمس الدين الأعسر عن الوزارة

(6)

، وسفّر إلى الشام لكشف القلاع، وقرّر عوضه نائب الإسكندرية الامير عز الدين أيبك البغدادى،

(1)

«» ساقط من المطبوع من البداية والنهاية، مما أدى إلى تغيير المعنى.

(2)

«بن طالب» فى البداية والنهاية.

(3)

البداية والنهاية ج 14 ص 19.

(4)

«وكتاب» - فى البداية والنهاية.

(5)

البداية والنهاية ج 14 ص 19.

(6)

سبق أن ذكر العينى هذا الخبر فى أحداث سنة 70 هـ - انظر ما سبق ص 140

ص: 191

وهو الرابع من الوزراء [الأمراء

(1)

] الترك أرباب السيوف والأقلام: أولهم علم الدين سنجر الشجاعى، ثم الأمير بدر الدين بيدرا قبل النيابة، ثم شمس الدين الأعسر، وهذا عز الدين أيبك.

وفيها: فى يوم الثلاثاء العاشر من ربيع الآخر: شنق الشيخ على الحورانى

(2)

بواب الظاهرية على بابها، بسبب أنه اعترف بقتل الشيخ زين الدين السمرقندى

(3)

.

وقال الشيخ علم الدين البرزالى [266] فى تاريخه: وفى وسط ربيع الأول ورد كتاب من حماة يخبر فيه أنه وقع فى هذه الأيام ببارين من عمل حماة برد [كبار

(4)

] على صور حيوانات مختلفة، منها سباع وحيات وعقارب وطيور ومعز وبلشون

(5)

، ورجال فى أوساطهم حوائص، وأن ذلك ثبت بمحضر عند قاضى الناحية، ثم نقل ثبوته إلى قاضى حماة

(6)

.

(1)

[] إضافة للتوضيح من النجوم الزاهرة ج 8 ص 141.

«من الوزراء الأمراء الأتراك بالديار المصرية، الذين كان تضرب على أبوابهم الطبلخاناة على قاعدة الوزراء بالعراق زمن الخلفاء» - النجوم الزاهرة.

(2)

«الحويرالى» فى البداية والنهاية.

(3)

البداية والنهاية ج 14 ص 18.

(4)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(5)

«ونساء» - فى البداية والنهاية.

بلش - البلشون: طائر طويل العنق والجناحيز والساقين، يعرف بمالك الحزين، وهو يعيش بالقرب من المياه، فإذا جفت يبدو كئيبا.

(6)

هذا الخبر منقول من البداية والنهاية ج 14 ص 18.

ص: 192

وفيها: نقل ناصر الدين محمد الشيخى من ولاية القاهرة إلى الخاص السلطانى بالجيزية، وبقى فيها إلى أن نقل إلى الوزارة.

وفيها: ولى الأمير سيف الدين أقجبا المنصورى نيابة غزة.

وفيها: فى شوال، حصل بالشام جراد عظيم أكل الزروع والثمار، وجرد الأشجار حتى صارت كالعصى، ولم يعهد مثل هذا.

وقال ابن كثير: وفيها ولد كاتبه - يعنى نفسه - إسماعيل بن عمر ابن كثير القرشى البصراوى الشافعى

(1)

.

وفيها: ظهر بالقاهرة إنسان سمى نفسه المهدىّ وادعى أنه من ذرية الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما، وأنه ينذر بوقائع يعلم وقوعها، فاعتقل امتحانا لنقله

(2)

، فلم يصح شئ من قوله، وظهر أن به فسادا فى عقله، فعزّر تأديبا له، ثم خلّى سهيله

(3)

.

وفيها: كان خروج بكتمر الحسامى من وظيفة الأمير آخورية، بسبب غيظ الأمراء عليه، لأنه نقل عنه أنه يكثر الحديث مع السلطان ويذكر الأمراء عنده، وكان الأمراء قد اتفقوا أنهم لا يدعون أحدا يجتمع بالسلطان أو يتحدث معه، مع ما كان فى نفوسهم منه من تكبره عليهم، فأخرجوه إلى الشام من غير إقطاع، وأقام مدة إلى أن توفى الأمير علاء الدين مغلطاى التقوى بدمشق

(1)

لم يرد هذا الخبر فى المطبوع الذى بين أيدينا من البداية والنهاية.

(2)

هكذا بالأصل، ولعل المقصود «امتحانا لقوله» .

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 232 أ.

ص: 193

وطالع نائب الشام بسببه، فرسم بإقطاع له، وتولى عوضه فى الأمير آخورية علم الدين سنجر الصالحى.

وفيها: وصل كتاب نائب الشام يخبر بحضور القاضى علاء الدين بن القاضى شرف الدين بن القلانسى، وشرف الدين بن الأثير من عند قازان، وذلك أنهما كانا مع الوزير نجيب الدين وزير قازان، فإنه كان أخذهما رهينة إلى أن يحضر أخوه عبد اللطيف الذى كان معوقا عند السلطان، والمذكوران قد تحيلا بحيل كثيرة حتى تخلصا، واختفى ابن القلانسى بتبريز، وتحيل وبذل ما لا إلى أن منّ الله عليهما بالخلاص.

‌ذكر تحرك طراى بن نوغيه لطلب ثأر أبيه وأخويه:

فشرع فى التحيل لإدراك مطلبه، فلحق بصراى بغابن منكوتمر، وقد ذكرنا

(1)

أن أخاه طقطا رتبه فى مقام نوغيه، فتوصل طراى إليه ولازمه، فلما آنس منه الميل إليه فاتحه فى أمر أخيه طقطا، وفاوضه فى أنه أحق منه بالمملكة وأقدر على تدبير السلطنة، فاستغواه فمال معه، وانصاع إلى خداعه، وركب فى تمانه وعبر على نهر إتل وهو جامد بفرسانه، وخطر بباله أن يستشير أخاه برلك ويستعينه، فنزل العسكر ناحية، وتوجه جريدة، فاجتمع ببرلك وشاوره فى أمره، فأظهر له الموافقة لهواه، ثم بادر لوقته بإعلام طقطا بما هم به صراى بغا أخوه وطراى بن نوغيه من الوثوب عليه، فركب طقطا لوقته فى خواصه وبطانته، وجهز إلى نحوهما من أحضرهما، فقتلا بين يديه [267] وتفرق عسكرهما،

(1)

انظر ما سبق ص 140 وما بعدها.

ص: 194

وأرسل طقطا ولده إيل بصار إلى المكان الذى كان قد رتب صراى بغا، فاستقر به عوض أخيه

(1)

.

وفيها هرب قراكسك بن جكا بن نوغيه، وهرب معه اثنان من أقاربه، وهما جركتمر ويلقطلو، وذلك أنه لما قتل طقطا أخاه صراى بغا وطراى بن نوغيه أرسل برلك فى طلب قراكسك، فانهزم هو وهذان المذكوران وطرحتهم الجفلة إلى بلاد ششمن إلى مكان يسمى بدول بالقرب من كزل، ومعهم نحو من ثلاثة آلاف فارس، فأواهم ششمن وأصحابه، وأقاموا عندهم يغيرون على الأطراف ويأكلون بالأسياف.

قال بيبرس فى تاريخه: إلى يومنا هذا

(2)

.

وفيها: حج الأمير ركن الدين بيبرس أستاذ الدار فى جماعة من ألزامه وخواصه، وكان رحيله من البركة مستهل ذى القعدة.

وقال بيبرس فى تاريخه: فندبت للتقدم على الركب المصرى وكان ركبا كبيرا، [وقد جمع خلقا

(3)

كثيرا].

وحج فى هذه السنة ثلاثون أميرا، وجعلوا ركبانا ثلاثة يتعاقبون فى المنازل والمراجل.

قال: ولما حصل اجتماعنا فى الحرم الشريف حضر اثنان من أولاد الشريف نجم الدين بن نمى أحدهما يسمى عطيفة والآخر أبو الغيث، وشكوا إلى المقر

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 232 ب، 233 أ.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 233 أ.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 195

المشار إليه بحضرة من حضر من الأمراء فى أخويهما الكبيرين، وهما أسد الدين رميثة وعز الدين حميضة، وذكرا أنهما لما اتفقت وفاة والدهم الشريف ابن نمى فى هذه السنة، وثبا عليهما وأساءا إليهما واعتقلاهما ظلما وبغضا، فتحيلا وهريا من مكان سجنهما، وتوجها إلى بنى عمهما أولاد إدريس بن قتادة، وأقاما عندهم، وسألا إنصافهما من أخويهما، [ومقابلتهما بما جنياه عليهما

(1)

] فاتفقت الآراء بإمساك رميثة وحميضة وتأديبهما بالسجن والعزل لإساءتهما على بنى أبيهما

(2)

، [والجرأة عليهما

(3)

] وغير ذلك من أمور نقلت عنهما، فأمسكا، [ونسبت إليهما

(4)

] ورتب المشار إليهما

(5)

عطيفة وأبا الغيث عوضا عنهما، وأحضرا هذان

(6)

إلى الأبواب السلطانية واعتقلا مدة

(7)

.

وقال صاحب نزهة الناظر: لما فرغ الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير من الوقوف بعرفة، ورجع إلى طواف الزيارة وطواف الوداع بعده، وقف له أبو الغيث وعطيفة

(8)

وبقية إخوتهما من البنات، وشكوا من أخويهم حميضة ورميثة وبالغوا فى الشكوى، فأرسل الأمير ركن الدين وراءهما، فحضرا بالحرم

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

«لما أقدما عليه من الإساءة إلى بنى أبيهما» - زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

«إليه» فى الأصل، وفى زبدة الفكرة، والتصحيح يتفق والسياق.

(6)

«هذان» ساقط من زبدة الفكرة.

(7)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 232 أ، ب.

(8)

«رميثة» فى الأصل، وهو تحريف، والتصحيح مما سبق، وانظر أيضا ما يلى.

ص: 196

الشريف فقال لهم: اسمع يا حميضة لأى شئ تفعل كذا حتى يشكو منك أخويك؟ فأجابه بقوة نفس وقال: يا أمير نحن نفتصل مع إخوتنا، وأنتم قد قضيتم حجكم وجزيتم خيرا، فلا تدخلوا بيننا. فغضب بيبرس لذلك غضبا شديدا، وأشار إلى الأمير سيف الدين طشتمر الجمقدار أن يلكمه، فلكمه فأرماه إلى الأرض، وما قام إلا وقد [وجد

(1)

] روحه مكّتفا هو وأخاه

(2)

، ووقع الصوت فى الحرم بمسكهما، فتصايحت النسوان والعبيد، وطلعوا على البيوت وأسطحة الحرم بالأحجار، وركبت الأشراف والعبيد.

فلما رأت الأمراء ذلك أدركوا خيولهم وركبوها، وركّبوا الأميرين المذكورين مكتفين مزنجرين فى رقابهما، وهم يصيحون يا لبنى حسن، يا لبنى أولاد نمى، فخرجت البنات من مكة وسبقت خيل الشرفاء، ومسكوا طرق الأبواب والأزقة، وسمعت أيضا بقية الأمراء النازلين [268] فى الوطاق، فركبوا بالقسى والرماح، واستعدوا، ولما رأى بنو الحسن الجند والأمراء من خلفهم ومن بين أيديهم أخذ كل منهم فى طريق، وخرج منهم نحو ثلاثة عشر نفرا، وقتل ستة نفر، وقيل ثمان رءوس من الخيل، وخرجت جماعة من الذين على الأسطحة إلى أن خرجوا إلى المخيّم وطلبوا أبا الغيث وعطيفة وولوهما مكة، وخلعوا عليهما ودخلوا بالممسوكين مصر مزنجرين وأودعا بالسجن مدة.

قال صاحب النزهة: وكان وصول الأمير ركن الدين بيبرس من الحجاز الشريف فى أول المحرم من سنة اثنتين وسبعمائة، وكان خروجه من مصر نصف

(1)

[] إضافة يقتضيها السياق.

(2)

«وأخوه» - فى الأصل.

ص: 197

ذى القعدة، ووصل إلى مكة فى التاسع والعشرين منه، فكان سفره أربعة عشر يوما.

قلت: بيبرس هذا هو بيبرس الجاشنكير أحد أركان الدولة بمصر، وليس هو بيبرس الدوادار، فإن بيبرس الدوادار كان أمير الركب على ما ذكرنا عنه الآن، وقد ذكرنا أيضا أنه ذكر أن بيبرس الجاشنكير قد رحل من البركة مستهل ذى القعدة، وهذا صاحب النزهة ذكر أنه رحل فى نصف ذى القعدة، وبينهما تفاوت كثير على ما لا يخفى.

ص: 198

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ الإمام العالم العامل شرف الدين أبو الحسين على

(1)

بن الشيخ الإمام العلامة الحافظ تقى الدين أبى عبد الله محمد بن أبى الحسين بن عبد الله بن عيسى ابن أحمد بن محمد بن محمد اليونينى البعلبكى.

وكان أكبر من أخيه الشيخ قطب الدين، وولد شرف الدين سنة إحدى وعشرين وستمائة

(2)

، تفقه وسمع الكثير، وكان عابدا عاملا، كثير الخشوع، وكانت وفاته أنه دخل فى الخامس من رمضان إلى خزانة الكتب التى بمسجد الحنابلة ببعلبك ليعزل كتبه من كتب الوقف وعنده خادمه الشجاع، فدخل عليه فقير اسمه مؤمن المصرى، فضربه بعصى على رأسه ضربات، ثم أخرج سكينا صغيرة فجرحه فى رأسه، فاتقى بيده فجرحه فى يده، فدخل عليه الناس، وأمسك

(3)

وحمل إلى متولى البلد وضرب، فصار يظهر الاختلال ويتكلم بكلام غير منتظم، فحبس بعد الضرب الكثير.

وأما الشيخ فإنه حمل إلى داره، وأقبل على أصحابه وتحدث معهم على جارى عادته، وأتم صومه، فحصل له حمى واشتد مرضه، فلما كان يوم الجمعه الثانى

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 156، النجوم الزاهرة ج 8 ص 198، الدرر ج 3 ص 171 رقم 2853، البداية والنهاية ج 14 ص 20، شذرات الذهب ج 6 ص 3، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 66 رقم 102، تذكرة النبيه ج 1 ص 242.

(2)

«فى حادى عشر شهر رجب

ببعلبك» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 198.

(3)

«ومسك» فى الأصل.

ص: 199

عشر من رمضان

(1)

مات، وصلى عليه بدمشق وغيرها صلاة الغائب.

وقال ابن كثير: ودفن بباب سطحا.

الصدر ضياء الدين أحمد

(2)

بن الحسين، ابن شيخ السلامية.

والد القاضى قطب الدين موسى

(3)

الذى تولى فيما بعد نظر الجيوش الإسلامية الشامية، وفى وقت المصرية أيضا، وكانت وفاته يوم الثلاثاء العاشر من ذى القعدة، ودفن بقاسيون.

المسند المعمر الشيخ الجليل بقية السلف شهاب الدين أبو المعالى أحمد

(4)

بن إسحاق بن محمد بن المؤيد بن على بن إسماعيل بن أبى طالب الأبرقوهى الهمدانى، ثم المصرى.

ولد بأبرقوه

(5)

من بلاد شيراز فى رجب أو شعبان سنة خمس عشر وستمائة، وسمع الكثير من الحديث على المشايخ الكثيرين، وخرجت له مشيخات، وكان شيخا حسنا متيقظا، وكانت وفاته بمكة بعد خروج الحجبج بأربعة أيام، ودفن بالمعلاّ، رحمه الله.

(1)

«الخميس حادى عشر شهر رمضان» - النجوم الزاهرة ج 8 ص 198.

(2)

هو: أحمد بن الحسين بن بدر بن أحمد، ضياء الدين.

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 133 رقم 349، البداية والنهاية ج 14 ص 20.

(3)

هو: موسى بن أحمد بن الحسين، القاضى قطب الدين الخاقانى، المتوفى سنة 732 هـ/ 1331 م - المنهل الصافى.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 235 رقم 124، النجوم الزاهرة ج 8 ص 198، الوافى ج 6، ص 242 رقم 2721، الدرر ج 1 ص 109 رقم 282، العقد الثمين ج 3 ص 15 رقم 518، شذرات الذهب ج 6 ص 4.

(5)

أبرقوه: بلد مشهور بأرض فارس من كورة اصطخر بأصبهان - معجم البلدان.

ص: 200

الإمام العالم الكامل الأوحد العلامة شمس الدين أبو الندى معد [269] ابن الشيخ الإمام العلامة زين الدين أبى الفتح نصر الله بن رجب، المعروف بابن الصيقل الجزرى.

مات بهرمز، وكان فقيها شافعيا، متفننا بعلوم كثيرة، صنف المقامات الزينية خمسين مقامة على منوال الحريرى.

الشيخ الإمام العالم الصالح الزاهد العابد مفتى المسلمين ركن الدين عبيد الله

(1)

ابن محمد بن عبد العزيز السمرقندى الحنفى.

مات بالمدرسة الظاهرية بدمشق، وجد بالبركة بها ميتا، ولم يعلم حاله، فغسل وكفّن، وصلّى عليه، ودفن بمقابر الصوفية، وكان كثير الصوم والصلاة والاجتهاد فى العبادة، وكان ورده كل يوم مائة ركعة، فلما اتفق له ذلك مسك يحيى قيم دار الحديث الظاهرية وضرب، فاعترف بقتل الشيخ ركن الدين، فشنق على باب الظاهرية فى عاشر ربيع الآخر.

الشيخ جمال الدين عثمان

(2)

بن أحمد بن عثمان بن هبة الله بن أبى الحوافر، المتطبب بالقاهرة.

مولده سنة تسع وعشرين وستمائة، وكان رئيس الأطباء بالديار المصرية، وإليه تنسب الحمام التى بمصر عند الجامع الجديد، مات فى هذه السنة.

شيخ الشيوخ فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ تاج الدين أبى بكر عبد الله ابن شيخ الشيوخ عماد الدين عمر بن على بن محمد بن حموية الجوينى.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الدرر ج 3 ص 47 رقم 2559.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 49 رقم 2566.

ص: 201

مات فى ربيع الأول بالشميساطية، ودفن بسفح قاسيون عند أخيه، وله من العمر خمسون سنة، وتولى عوضه فى المشيخة قاضى القضاة بدر الدين ابن جماعة.

الخطيب علاء الدين على بن الحسن بن عبد الله الشافعى، المعروف بابن الجابى، خطيب جامع جراح ظاهر باب الصغير.

مات فى هذه السنة، وكان يقصد لسماع خطبته من حسن صوته، وكان مهووسا بعلم الكيمياء، وتولى مكانه الشيخ شرف الدين الفزارى.

الشيخ العالم الصدر وجيه الدين محمد

(1)

بن عثمان بن أسعد بن المنجى الحنبلى.

مات بمدرسته دار القرآن بدمشق، ودفن بقاسيون، ومولده سنة ثلاثين وستمائة بدمشق.

الشيخ الصالح الزاهد العابد العارف القدوة عيسى بن الشيخ ثروان بن الشيخ محمد بن الشيخ الكبير ثروان التدمرى البيانى.

مات بدمشق، ودفن بباب الصغير جوار قبر الشيخ أبى البيان، وكان شيخ البيان، وكان له صيت وقبول تام وكلمة مسموعة، وكان عمره جاوز تسعين سنة.

الصدر الكبير الفاضل مجد الدين يوسف

(2)

بن محمد بن على الأنصارى، المعروف بابن القباقبى.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 156، الوافى ج 4 ص 91 رقم 1561، الدرر ج 4 ص 157 رقم 3972، شذرات الذهب ج 6 ص 3، تذكرة النبيه ج 1 ص 242.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 5 ص 247 رقم 5156.

ص: 202

مات بالقاهرة، ودفن بتربة ابن عبد الظاهر، كان فاضلا فى صناعة الترسّل وحساب الديوان، ولّى كتابة الدرج بالفتوحات الطرابلسية

(1)

.

وله نظم حسن، فمن ذلك قوله فى زهر الباقلاء:

عطّر زهر الباقلا الرّبى

فنشره فى الروض منشور

لا يعجب الناشق من ريحه

فإنه مسك وكافور

وقال وقد وقع بدمشق ثلج عظيم:

طمت الثلوج على الوهاد مع الربى

فالكون يعجب منه وهو مفضض

فانهض لتجمع شمل أنس مقبل

بلذاذة فاليوم يوم أبيض

[270]

وكتب إلى الأمير علم الدين الدوادارى:

يا من كفانى وحرب الدهر قائمة

بنصرة شمتها من فضله الخدم

حللت من بابك العالى بذى سلم

فليهنى

(2)

أننى من جيرة العلم

الشريف الكبير أبو نمى محمد

(3)

بن الأمير أبى سعد حسن بن على بن قتادة الحسنى، صاحب مكة منذ أربعين سنة، توفى فى هذه السنة وكان حليما وقورا ذا رأى وسياسة وعقل ومروّة، وخلف من الأولاد أحدا وعشرين ولدا ذكرا، ومن البنات عشرة.

(1)

«كان ناظر الفتوحات بدمشق» - فى الدرر.

(2)

«ليهننى» - فى الدرر.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 165، البداية والنهاية ج 14 ص 21، النجوم الزاهرة ج 8 ص 199، الدرر ج 4، ص 42 رقم 3644، شذرات الذهب ج 6 ص 2، تذكرة النبيه ج 1 ص 241، كنز الدرر ج 9 ص 80، غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام ج 2 ص 9 رقم 174.

ص: 203

وقال بيبرس: ويكنى أبا مهدى أيضا، وساق نسبه، وهو محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن على بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم.

الأمير الكبير المجاهد المرابط علم الدين أرجواش

(1)

بن عبد الله المنصورى، نائب قلعة دمشق.

كان ذا همة وشهامة وقصد صالح، قدّر الله على يديه حفظ معاقل الشام لما ملكت التتار أيام قازان، وكانت وفاته بقلعة دمشق ليلة السبت الثانى والعشرين من ذى الحجة، وأخرج منها ضحوة يوم السبت، فصلّى عليه، وحضر نائب السلطنة فمن دونه، ثم حمل إلى قاسيون ودفن فى تربته.

وقال صاحب النزهة: ولم يخلف غير أربع بنات، ووجد له من تركته من الذهب خمسة عشر ألف دينار، ومن الفضة خمسين ألف درهم، وأوصى بعتق مماليكه وجواريه، وأوقف عليهم وقفا، ووجد له فى زردخاناته ثمانمائة قوس حلقة ومائتا عدة كاملة.

وقال: حكى لى من كان خصيصا بمنادمته، ولم يعرف أنه اجتمع بأحد غيره، أنه لحقه فى بعض الأيام قولنج، فأحضر له طبيب يهودى، فوصف له حقنة ولم يجسر أحد يصف له صفة الحقنة غير ذلك النديم، فلما رآها قال:

ما هذه؟ قال: هى الحقنة، فنهض وقعد، وأراد أن يشربها، فقال له الرجل:

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 294 رقم 358، الوافى ج 8 ص 338، رقم 3766: الدرر ج 1 ص 371 رقم 865، كنز الدرر ج 9 ص 80، البداية والنهاية ج 14 ص 20، وورد اسم «سنجر بن عبد الله المعروف بأرجواش المنصورى» فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 198.

ص: 204

ياخوند هذا ما يشرب. فقال: وما يعمل به. فقال له: كذا وكذا، فحين سمع ذلك تغيّر لونه، ثم توجه إلى اليهودى فقال: ويلك يا ملعون، أنا اشترانى الملك المنصور بعشرة آلاف درهم وما قدر أن يعيّر فى دبرى شيئا، وأنت جئت فى آخر عمرى تحط فى دبرى عظما، ثم أشار لمماليكه أن يسقوا اليهودىّ تلك الحقنة، فكتّفوه وأسقوها إياه، فلما شربها مات فى اليوم الثانى.

الأمير عز الدين أيبك

(1)

بن عبد الله النجيبى الدوادار، والى البر (بدمشق)، وأحد الأمراء الطبلخانات بها.

مات بدمشق يوم الثلاثاء السادس عشر من ربيع الآخر منها، ودفن بسفح قاسيون، وكان مشكور السيرة، ولم تطل مدته.

قنجى

(2)

بن أردنو بن دوشى خان بن جنكز خان صاحب غزنة وبامبان.

توفى فى هذه السنة، واختلف بنو عمه وأولاده وهم: بيان، وكبلك، وطقتمر، وبغاتمر، ومنفطاى، وصاصى، وافترق بعضهم من بعض، وكان كبلك قد استقر فى الملك بعد أبيه، وسار أخوه بيان إلى طقطا مستنجدا ومستمدا على أخيه، فأمدّه وعضده، وسار كبلك إلى قيدو مستغيثا ومستعينا، فأعانه وأيّده، ثم التقى الجمعان واقتتل الأخوان، فكسر كبلك وأدركه أجله، فهلك، واستقر بيان أخوه فى المملكة الغزنوية.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 452 رقم 1111.

(2)

انظر تاريخ الدول الإسلامية ج 2 ص 508 حيث يوجد اختلاف فى الأسماء والسنوات إذ ورد فيه أن قونجوق خان بن دووا خان حكم من 706 - 708 هـ، ثم قاليقو 708 - 79 هـ، ثم كبك خان سنة 709 هـ.

ص: 205

[271]

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السّنة الثّانية بعد السبعمائة

(*)

استهلّت هذه السنة: والخليفة المستكفى بالله أمير المؤمنين بن الحاكم بأمر الله العباسى.

وسلطان البلاد: الملك الناصر محمد بن قلاون، ونائبه بمصر الأمير سيف الدين سلاّر، ونائب الشام الأمير جمال الدين أقوش الأفرم، ونائب حلب شمس الدين قراسنقر، وقضاة مصر والشام هم المتقدم ذكرهم.

وفيها: وصلت رسل من جهة قازان، ولم تعد معهم رسل السلطان، وقد ذكرنا أن السلطان جهز إليه الأمير حسام الدين أزدمر المجيرى أحد الأمراء، والقاضى عماد الدين بن السكرى من أعيان القضاة والكبراء

(1)

.

وقال ابن كثير: ولم يعد رسل السلطان هؤلاء المذكورون إلاّ بعد هلاك قازان فى أيام خربندا، وكان وصول رسل قازان يوم الأحد الثامن من محرم هذه السنة

(2)

.

وقال بيبرس فى تاريخه: وتواترت الأخبار بحركة التتار، ثم وردت كتب

(*) يوافق أولها يوم الأحد 26 أغسطس 1302 م.

(1)

انظر ما سبق ص 150.

(2)

لم يرد هذا الخبر فى المطبوع الذى بين أيدينا من البداية والنهاية.

ص: 207

النواب بالبلاد الحلبية مخبرة بأن قطلوشاه نائب قازان قد تحرك إلى جهة الفرات، ويخشى من تقدمه إلى هذه الجهات، وأنه قدّم بين يدى قدومه كتابا محشوا من خبثه ولؤمه مضمونه ما معناه أن بلادهم فى هذه السنة قد أمحلت، وأراضيهم من الأعشاب والمراعى خلت، وأن التتار على عزم الانتشار لارتياد المروج والأماكن التى توجد بها المرعى ويروج، وربما وصلت منهم طائفة إلى صوب الفرات لأجل قصد الأعشاب، فيحصل بهم الإرتياب، وليس قصدهم سوى الانتجاع والنزول بهما صادفوا به خصبا من تلك البقاع، فإذا سمع أهل البلاد الحلبية وسكان الأعمال الفراتية باقترابهم لا يبرحون من أماكنهم ولا ينزحون من مواطنهم، فلا بأس عليهم وليس ثمّ تعرض إليهم، فعلم أن هذا الكلام عين الخداع، ولم يلج القلوب ولا الأسماع.

ثم تواترت الأخبار بقدوم التتار، وأنهم جاسوا خلال الديار، وقدمت طائفة منهم من جهة الرحبة، ووصلت إلى دير بسير، وجاءت طائفة على مرعش، فجفلت الرعية من البلاد الحلبية، وحصل التأهب والاهتمام، وبرزت المراسيم السلطانية بالاستخدام، وأن كل أمير [من الأمراء

(1)

] بمصر والشام يستخدم نظير الربع من عدته ويضيفهم إلى جماعته، وقرّر على أهل البلاد من الحواضر والبواد خيّاله يقومون بها من أموالهم، ويقيمونها من أحوالهم، واتفقت الآراء عند الاجتماع فى المشاورة على تجريد مقدّمة من العساكر تقوية لجأش أهل الشام، وتثبيتا لجيوشه على المقام إلى أن يتضح الحال ويزول الإشكال

(2)

.

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 233 ب - 234 ب، التحفة الملوكية ص 163.

ص: 208

وقال صاحب النزهة: لما وصل القاصد إلى السلطان والأمراء، وأخبرهم بأن قازان مجتهد على دخوله البلاد، وقع انفاق الأمراء مع السلطان على أنه لا بدّ من تجريد عسكر ويكون صحبتهم أمير كبير يشار إليه فى الأمور، فإن فيه إرداعا للعدو وتطمينا للإسلام وأهل القلاع والنواب، ويكونون مقيمين فى دمشق، فإن وجدوا حركة قازان صادقة كتبوا إلى مصر فيخرج السلطان بمن بقى من الأمراء والعساكر، وإن كان قازان يبعث من يختاره من جنسه، ورأى نائب الشام والأمراء أن يلاقوهم بجميع عسكر الشام، فالرأى رأيهم [272] فى ذلك، وإن بلغهم أن عسكر قازان كثيرون يتأخرون قدامهم منزلة بمنزلة إلى أن يدركهم السلطان مع العسكر، وما نهضوا من المشورة حتى وقع اتفاقهم على تعيين أمراء للتجريدة.

‌ذكر من جرد من الأمراء ومن مضافيهم إلى الشام:

قال بيبرس فى تاريخه: جرّد الأمير ركن الدين بيبرس أستاذ الدار، والأمير حسام الدين لاجين الرومى أستاذ الدار، والأمير سيف الدين طغريل الإيغانى، والأمير سيف الدين كراى المنصورى السلحدار، والأمير شمس الدين سنقرجاه المنصورى، وجامع هذا التأليف - وأراد به نفسه بيبرس الدوادار - قال: فكنا ستة من مقدمى الألوف، وجماعة المضافين من الأمراء والمقدمين، فرحلنا من مسجد التبر فى الثامن عشر من رجب الفرد من هذه السنة، وسرنا على

(1)

«النبن» فى زبدة الفكرة.

مسجد النبر: يقع هذا المسجد خارج القاهرة قريبا من المطرية، ويعتبر موضعه المنزلة الأولى فى الطريق إلى الشام، وتسميه العامة مسجد التبن، وهو خطأ، وتبر هذا أحد الأمراء الأكابر فى أيام الأستاذ كافور الإخشيدى - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 413.

ص: 209

اسم الله وبركته، فلما وصلنا قاقون تواترت الأخبار بصحة وصول التتار، وأن قازان كان فيهم، وعبر الفرات معهم، وبلغ إلى الرحبة، فقصد منازلتها ورام محاولتها، وبها يومئذ نائب يسمى علم الدين سنجر الغتمى، فأرسل إليه الإقامات صحبة ولده، فتلطف به واستوقفه عما أزمعه من المحاصرة والمنازلة، وأرسل يقول له: الملك الآن سائر إلى الشام لقصد المدن العظام، وهذا بلد سهل المرام، فإذا أخذت البلاد التى قدامك وحويت تلك الممالك التى هى أمامك، فهذا البلد بين يديك وما يتعّسر أمره عليك، وخاطبه بهذا ومثله، فاستوقفه عن التعرض إليها، ثم أنه رحل ولم بعج عليها، وأخذ ولد علم الدين الغتمى المذكور صحبته إلى بلاد الشرق، ثم لم يلبث أن عاد راجعا وعبر الفرات قاطعا، وعدّى نحو بلاده مسارعا، وجرّد من العسكر الذى وجهه نحو الشام قطلوشاه نائبه، ومعه اثنى عشر تومان، لقصد هذه البلدان، وأخبروا أنه لما عاد عن الرحبة كتب منها كتابا إلى أهل الشام يستغويهم ويستميلهم عن مضافرة أهل مصر ويخدعهم، [وجعله ملطفا

(1)

]، ودسه

(2)

إلى من يوصله إليهم

(3)

.

‌ذكر نسخة الفرمان الذى سطّره قازان من رحبة الشام

(4)

:

بسم الله الرحمن الرحيم

‌فرمان السلطان محمود غازان

ليعلم الأمير أفرم وأكابر الأمراء، ورعاء العساكر، والأجناد، والقضاة

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

«ودس الكتاب» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(3)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 234 ب - 235 أ، التحفة الملوكية ص 163 - 164.

(4)

انظر نص الفرمان فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 235 أ. وما بعدها.

ص: 210

والسادات، والأئمة والصدور، والأكابر، والمشاهير والرؤساء، وعوام الرعايا من أهل دمشق، أنه حيث خصنا الله تعالى بالعناية الأزلية، والسعادة الأبدية، وشرح صدرنا للإسلام، ونوّر قلبنا للإيمان، وأورثنا سلطنة

(1)

الآباء والأجداد، وأمدنا بالنصرة المتواترة الأمداد، تصدينا لإثابة الشكر على نعمائه حسب الإمكان، فعاهدنا الله تعالى على ملازمة البر والإحسان، ودفع الرزايا عن الرعايا، وإيصال البرّ إلى البرايا، سيّما طوائف المسلمين، وطبقات المؤمنين، وأن لا نرخص فى القتال، ما لم يبدأنا به الجهال، فكل لبيب يعلم أن البادى أظلم، والذى يحقق ذلك ما عرفه الدانى والقاصى، من طريقتنا المسلوكة مع المطيع والعاصى، وما ترتب بيننا وبين أنسابنا [273] الأصاغر والأكابر، وتركنا المقاتلة إلا مع باد مكابر.

وحيث كان أهل مصر والشام، يحبّون ويؤدّون قوة الإسلام، كان الواجب عليهم إظهار السرور، وإبداء الحبور بإسلام ذرارى جنكز خان، وعساكرهم التى لا غاية لأواخرهم وتؤمن غلبة المتسلطين فى تلك البلاد، وإنفاذ الرسل إلينا عن الوداد، وإرسال التحف والهدايا، والشكر لله ولنا على تلك المزايا، فما أبصرنا منهم فى

(2)

عموم الأوقات إلا ما لا يحسن من الحركات حتى أنهم عمّوا

(3)

على ماردين وديار بكر طغيانا، وأقدموا على القتل والنهب فيها عدوانا، فدعتنا الحمية على الإسلام إلى الفساد بالإنتقام، وهممنا بأن نجر إليهم العساكر، ونبيد

(1)

«سلطان» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

«من» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(3)

«عملوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

ص: 211

البادى منهم والحاضر، فصادفتهم المراحم العميمة التى لم تزل لنا خلقا وشيمة، فتوقفنا مقتدين بقوله تعالى:{(وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً)}

(1)

فأنفذنا الإيلجية

(2)

مع قضاة ثقات، لعلهم فى أمرهم يتفكرون، وإلى الإنابة يهتدون، فأتوهم بصرائح النصائح، وهدوهم إلى جدد المصالح، فعصى سلطان مصر عتوا ونفورا، وأودعهم السجن تجبرا وغرورا، فأفضت حركاتهم الذميمة إلى أن هال عليهم الجنود، وحل عليهم ما حل بعاد وثمود، ولولا رفقنا المجبول بنا لأضحت شام خالية الديار.

وأما ما أصاب

(3)

من لاحقه بعض العساكر من بعض الرعية فما كان أحد بذلك مأمورا، وكان أمر الله قدرا مقدورا.

وجرم جرّه سفهاء قوم

فحلّ بغير جانيه العقاب

ولما ثنينا عنان العزيمة ترحمّا

(4)

على البراء من الجريمة، ثنينا لتركيب الحجة الرسالة، لعلهم ينتهون عن التمادى فى الجهالة، فما سمعوا من الرسول قيلا، وحبسوه زمانا طويلا.

وأما فى الإعادة، فقد خالفوا الذاهبين فى العادة، لأنهم لم يصحبوه واحدا من رسلهم، ليتداركوا ما فرط من زللهم، ويا ليت ما حملوه من الجواب، كان

(1)

جزء من الآية رقم 15 من سورة الإسراء رقم 17.

(2)

إلجى، وإيلجى: لفظ تركى الأصل، وهو السفير أو المبعوث Dozy:SUpp. Dict-Ar -

(3)

«وأما ما كان» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

«ترحمنا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

ص: 212

متضمنا لوجه من الصواب، فإن كتابهم دلّ على فساد آرائهم، وتعمقهم فى متابعة أهوائهم، فقد ضمنوا مهذين المقال مطواه، وكتبوا اسم سلطانهم بالألقاب البليغة بالذهب أعلاه، واسم

(1)

الله [تعالى

(2)

] ورسوله عليه [الصلاة و]

(3)

السلام بالمداد، واسمنا بعد عدّة سطور للعناد، فحملنا ذلك على عدم معرفتهم بالرسوم والآداب، وقلة ممارستهم مراسيم الخطاب والجواب.

وحيث أردنا [أن

(4)

] لا يتأذّى بذلك المسلمون، «صفحنا عنهم وتلونا»

(5)

:

{(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)}

(6)

وعاودنا إرسال

(7)

الإيلجيّة مع أكابر القضاة، وحملنا إليهم الخلع والموهبات، ليسلكوا مسالك الموافقات، ويجتنبوا جوانب المخالفات، فوصل الخبر عقيب توجه الإيلجية أن القوم قصدوا ديار بكر، وحلّوا حبى الكيد والمكر، فأمرنا بركوب العساكر وإهلاك الباغين بالسيوف البواتر، فانتهى خبر ذلك إليهم، وفزعوا من سطواتنا عليهم، فأخذوا عن ديار بكر جانبا، وأصبح صحيح أملهم كاذبا، لكنهم عموا على خرت برت وملطية وسيس، وأخربوا أطرافها وحواليها بالحيلة والتلبيس، ولا شبهة لأحد إن خرت برت وملطية من ولايتنا [274] وصاحب سيس من الداخلين فى

(1)

«وباسم» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

«تلونا» فى زبدة الفكرة.

(6)

الآية رقم 89 من سورة الزخرف رقم 43.

(7)

«إيفاد» فى زبدة الفكرة.

ص: 213

شريعة طاعتنا، وقد كانوا أظهروا للإيلجية الألية

(1)

، واستلزم

(2)

إقدامهم على ذلك كذب القضية، وأيضا كاتبوا الأكراد والروم بخطاب الأخ مرارا، ودعوهم إلى إثارة الشر والفتن سرا وجهارا، وما علموا أن صحارى بلادنا مملوءة من أمثال أولئك، ولا التفات لأحد إلى ذلك، وكتبوا أيضا إلى ملك الكرج بار بن داود، وأثبتوا البرّ والعبودية،

(3)

مع أنه عندنا خالص النية والطوية، وحرضوه على العصيان، والبغى والكفران، وأرسلوا الرسل إلى طقطا وسائر أنسابنا بدست قفجاق، وأغروهم على إظهار الخلاف والشقاق، فوقفنا واطلعنا على ما يمكرون، وتوقفنا النظر بم يرجع المرسلون، فلما أتوا وقصوا العجب بما رأوا، وذكروا أنهم أمسكوا فى البيوت إلى حين الإعادة، وقالوا هذه عادتنا وبئست العادة، وقد أتوا بمكتوب مسطور، على الوضع المذكور، فأفصح ذلك أنهم يتكبرون، وحيث يناسب التواضع يتجبرون، وإلا كيف يسوغ أن تكون مكاتباتهم مع المذكورين كذلك، والكتاب الذى أنفذ إلينا بذلك، لا سيما إذا زعموا الألية وخلوص النية، فما عساه أفضى إلى هذا الندا، كما أفضى مرارا فيما مضى، لكنه وصل الخبر حالته أنهم أنفذوا بيبرس بشبهة الحج مع جمع وافر، وعموا على ملوك مكة - شرفها الله تعالى - وأخذوهم بأنهم دعوا لنا فى المواسم الشريفة، والمقامات المنفية، وأى مسلم يقصد بيت الله الحرام، الواجب تعظيمه على كافة الأنام، وهو البيت المطهر للطائفين والعاكفين والركع السجود، ويستوى فيه الأمير والمأمور، والسلطان والجنود.

(1)

الألى، الإلى: النعمة - محيط المحيط.

(2)

«واستلزام» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(3)

من الواضح أنه توجد ورقة ناقصة من مخطوط زبدة الفكرة تبدأ من هذا اللفظ، وانظر نهاية هذا السقط فيما يلى.

ص: 214

فحيث لم يبق من وجوه العدد شئ، تبيّن أن آخر الطبّ الكىّ، فشحذنا عرار العزم متوكلين واثقين، بما عودنا الله من النصر العزيز والفتح المبين، ونهضنا من قرب منا من الجنود، ورفعنا على السماك الألوية والبنود، عازمين على الإقامة هذه الصيفية بالشام، منتقمين لما فى الضمير من الانتقام، والله المستعان وعليه التكلان.

وإنما المراد من تسطير هذا الفرمان الرّابع: أنّا حيث نعلم أن أهل الشام من أهل الدهاء والفطنة، فلا يشاركون المصريين فى الشر والفتنة، ولا يرون بما يؤول إلى وقوع المصريين فى العذاب والمحنة، أردنا أن ننبّههم من رقدة الغفول، ونوضح لهم طرف الود والقبول، بيّنا لهم أنهم هل وجدوا فى قواعد الأصول والفروع، وصحائف المعقول والمشروع، وجها يقتضى أن يتبع من ليس إتباعه ضرورة، ولا نزلت فى وجوبه آية ولا سورة، ويخالفوا من لا تعارض شوكته، ولا تطاق سطوته، فتصيبهم المحن والفناء، وينزل بساحتهم الجهد والبلاء، وها نحن قد وردنا بالجنود المجندة، والجيوش المؤيدة، وسيصل إلينا من الروم والكرج، وتكفور والإفرنج، عساكر لا تحصى، [275] كالنجوم فى موعد مقرّر ووقت معلوم، ويكون مصيف الجميع ببلاد الشام وحواليها، وجبالها وصحاريها، فكشفنا القناع وركبنا الحجة، وقدمنا الوعيد وأظهرنا المحجة، وعقدنا النية بأنه كل من سلك سبيل مخالفتنا، ولم ينتهج طريق طاعتنا، فإنا نأمر برعى غلاتهم

(1)

، وسبى أزواجهم وبناتهم، وبقطع أشجارهم، وبقتل صغارهم وكبارهم،

(1)

نهاية الورقة الناقصة من مخطوط زبدة الفكرة.

ص: 215

ونحرق مساكنهم، ونتبع مخافيهم ومكامنهم، ونجعل أطلالهم ممحوة بالطمس، وأجسادهم كأن لم تغن بالأمس.

وإن لاح لهم الاحتراز فليستدركوا فارطهم، وليرحموا أنفسهم وأزواجهم وأولادهم وأموالهم، وليبادروا إلى ما هو السبب للخلاص، ويدخلوا فى طاعتنا عن صدق وإخلاص، وليتحققوا أنا لا نريد منهم خزائن ولا أموالا، فإن الله تعالى قد أتانا من المال (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة

(1)

، أغنانا بما أعطانا، عما هو فى أيدى من سوانا، وفيما منحنا من المملكة العريضة، والسلطنة المستفيضة، والعساكر والجيوش غير المحصورة، والألوية والأعلام المنصورة، متسع وكفاية، بل يخطبون باسمنا، ويضربون

(2)

الدينار بسكتنا حتى نقرر الجمهور على أمورهم، من أميرهم ومأمورهم، زائدين فى الإقطاعات والمشاهرات، والمرتبات والإقرارات.

ولا يخفى عليهم أن الشام كان فى الأعوام الماضية، والأيام الخالية، تارة مع الروم وأخرى مع العراق، وعن مصر لا زال منقطع العلاق، إلى زمان تغلب طائفة من أهل الخروج والفتن، فكما كانوا يتصورون أن الثغر هو العراق وديار بكر، فليتصوروا بعد اليوم أنه غزّة وحدود الرمل، وكما كانوا يستمدون منهم علينا، يستمدون منا عليهم، ولا يعتمدوا على القلاع، فإنهم بالمحاصرة يعجزون، ومن الاضطرار يسلّمون، ومهما تركوا الوساوس

(3)

والخيالات، وأطاعونا بصدق النيات، فهم فى أمان الله الملك العلام، وأمان الرسول عليه السلام، وأماننا فى النفس والأهل والمال، ولا تصيبهم فى عساكرنا أذية فى عموم الأحوال.

(1)

جزء من الآية رقم 76 من سورة القصص رقم 28.

(2)

«ويضربوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(3)

«الوسواس» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

ص: 216

وكتب فى رابع شعبان سنة اثنتين وسبعمائة.

والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وآله الطيبين

(1)

الطاهرين أجمعين وسلم تسليما

(2)

.

وفى نزهة الناظر: كتب ونحن بأرض

(3)

الرحبة، على عزم الركوب، فى مستهل شعبان المبارك، وقال أيضا: واتفق قبل وصول رسله حضور البطائق من حلب، تخبر عن نائب الرحبة ما أخبره.

وكان قد وصل إلى دمشق الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بمن معه من الأمراء المجردين، ووقفوا على سائر الأحوال، واتفق أمرهم على أن يكتبوا للسلطان وللنائب يعرفونهم بالحال، ويستحثوهم على الخروج، ثم توارد خيل حلب وحماة أولا فأولا.

وكان أهل دمشق عند حضور عسكر مصر اطمأن أمرهم، وطابت نفوسهم، فلما وصلت جفال حلب، أخذ كل أحد لنفسه الخلاص، واعتدوا للرحيل، واشتروا الدواب للسفر، فوقع اتفاق الأمراء مع نائب الشام أن ينادى بدمشق أن أى من خرج من بيته حلّ ماله ودمه، ثم وقع اتفاق الأمراء أن يجردوا عسكرا من الشام، ويقيمون بين حماة وحمص [276]، فيكون فى ذلك قوة وطمأنينة لأهل البلاد، فجردوا الأمير سيف الدين بهادر آص، والأمير سيف الدين قطلوبك المنصورى، وآنص الجمدار، وكتبوا لنائب حماة وطرابلس وحلب أن

(1)

«الطيبين» ساقط من زبدة الفكرة.

(2)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 235 أ - 237 ب، مع ملاحظة وجود ورقة ناقصة من المخطوط والترقيم موضعها فيما بين 236 ب و 237 أ - انظر الهوامش السابقة بهذا الخصوص.

(3)

«بأرض» مكتوبة بهامش المخطوط، وبنفس الخط، ومنبه على موضعها بالمتن.

ص: 217

يركبوا بالعسكر، ويكون الجميع مقيمين بين حماة وحمص، وركبوا إلى أن وصلوا.

وفى بكرة ذلك النهار حضرت جماعة من العربان وأخبروا أن طائفة من المغل قد طرقت نحو القريتين للغارة، فاجتمع الأمراء بنائب حلب وقالوا: ينبغى أن يركب بعض العرب على الهجن ويكشف خبر هذه الطائفة وهم فى مثل ذلك، وإذا قد حضر الأمير ثابت بن يزيد وعرفهم أن الخبر صحيح، وطائفة من المغل كبست على القريتين وأخذت وتركمانها

(1)

وجيمع ما فيها من المواشى، ولم يدعوا فيها أحدا، وساقوا أموالا عظيمة، وأنهم عازمون العود، وبكرة النهار يكونون بالقرب من عرض.

‌ذكر إغارة التّتار على القريتين:

قال بيبرس فى تاريخه: وعند دخولنا دمشق استبشر أهلها وفرحوا، واتصل بنا اجتماع عسكر حلب صحبة الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى، نائب السلطنة بها، وعسكر حماة صحبة الأمير زين الدين كتبغا المنصورى الملقب بالعادل، وعسكر طرابلس صحبة الأمير سيف الدين أسندمر الكرجى نائب السلطنة بها، ومن كان قد جردّ إليهم من العساكر الدمشقية وهم: الأمير سيف الدين بهادر آص، والأمير سيف الدين آنص الجمدار وغيرهما، واتفق وصول مقدمة التتار إلى قريب القريتين

(2)

فأغاروا عليها فى خمسة آلاف فارس، وبها جمع كثير من التركمان الجافلين

(3)

بحريمهم وأولادهم وأغنامهم، فوقع التتار

(1)

هكذا بالأصل: ويبدو أن هناك كلمة ساقطة قبل ذلك اللفظ.

(2)

بلدة كبيرة من أعمال حمص، وتدعى حوارين - معجم البلدان.

(3)

«الحالين» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

ص: 218

عليهم وحووهم وما فى يديهم، فاتصل بهؤلاء [الأمراء

(1)

] الخبر، فركبوا على الأثر، وجردوا سيف الدين أسندمر، وسيف الدين بهادر آص، وسيف الدين آنص، وسيف الدين تمر الساقى، وشجاع الدين غرلو

(2)

الزينى مملوك الأمير زين الدين كتبغا، وهو يومئذ من أمراء حماة، وناصر الدين محمد ولد الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى، فى ألف وخمسمائة فارس إلى نحو هؤلاء التتار الذين شنوا هذه الغارة

(3)

، فساقوا خلفهم إلى مكان يسمى عرض

(4)

، فوجدوهم قد نزلوا بما كسبوا، واطمأنوا بما غنموا، وفرحوا بما أوتوا، فأشرفوا عليهم وأقبلوا من أمامهم، فظن هؤلاء أنهم من عسكرهم قد جاءوا فى أثرهم، فما تحركوا من أماكنهم حتى خالطوهم واتصلوا بهم، فتحققوا أنهم من العساكر الإسلامية والعصابة المحمدية، فاعتزلوا ناحية وتركوا المواشى والغنائم مهملة ليتشاغل العسكر بالنهب وينهمكوا على الكسب، فينالوا منهم الغرض إذا تشاغلوا بالعرض، ففطن الأمراء بمكائدهم، وعرفوا أن المكر عادتهم، فما عرجوا على الغنائم، بل تفرقوا على القوم أربع فرقات، وجاؤوهم من أربع جهات، ورتبوا أن الفرقة الواحدة تحمل عليهم وتتقدم إليهم، فإذا اشتغلوا بقتالها واستعدوا لنزالها

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

«أغرلو» فى زبدة الفكرة.

(3)

آخر ما وجد من هذا النص فى زبدة الفكرة، ويبدو أن هناك أوراق ناقصة وساقطة من من الترقيم فى زبدة الفكرة فيما بين الورقة 238 ب، والورقة 239 أ. انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 238 ب. وانظر التحفة الملوكية ص 164 - 165، حيث يوجد باقى النص ولكن مع اختلاف فى الألفاظ.

(4)

عرض: بلدة فى برية الشام بين تدمر والرصافة الهاشمية - معجم البلدان.

ص: 219

يحيط بهم الفرق الثلاث من سائر الجهات، ففعلوا كذلك وأخلطوا بهم فدهكوهم [277] بهذا التدبير، وغلب القليل من المسلمين جمعهم الكثير، وكسروهم، واستنقذوا التركمان الذين كانوا أسروهم، وخلصوا النسوان والولدان، واقتلعوا منهم المواشى والأموال، وأبلوا بلاء حسنا، وفازوا بالأجر والثناء، وتفاءلوا بهذه البداية المباركة، وأيقنوا النصرة المتداركة، وكانت هذه مقدمة لنتيجة الظفر، وقضية موجبة للتأييد المنتظر، سالبة ما استلبه فراط التتر، ولم يستشهد فى الوقعة إلا الأمير سيف الدين آنص الجمدار، وناصر الدين محمد بن باشقرد الناصرى.

وقال صاحب النزهة: كان السبب لغارة المغل على القريتين أن قطلوجا لما عدّى الفرات طلب بعض أمراء التوامين وقال له: اركب بمن معك من عسكرك، وأغر على طريقك أى جهة رأيتها قريبة منك، واقتل وانهب واسب وسق ما تجده وما تقدر عليه من أسرى المسلمين، وكان قصد بذلك إيقاع هيبته فى قلوب الرعية والعساكر، ثم أنه أول ما جاءت طريقه على القريتين رأى بها بيوت التركمان والعرب والخلق الكثير، وقد سرحوا مواشيهم إلى أن سدت تلك تلك الأرض، فضربوا عليهم حلقة ووضعوا فيهم السيوف، فلما رأوهم صاحوا بالأمان، وأقاموا ذلك اليوم وتلك الليلة، إلى أن ساقوا جميع أموالهم، وأخذوا مواشيهم، وشرعوا فى أخذ الرجال والنساء والأطفال، وربطوا الجميع أسرى، وساقوهم بين أيديهم، والرجال تبكى، والنساء يصحن، والأطفال يتصاعون.

فلما جاء الخبر بذلك إلى الأمراء عينوا جماعة من الأمراء وهم الذين ذكرناهم ومعهم يزيد بن ثابت بجماعة من عربه، وكلهم بالهجن راكبون، وفرس كل

ص: 220

واحد منهم جنيبا على يده، وساروا ذلك اليوم إلى أن دخل عليهم الليل فاستراحوا ساعة واحدة، وجاء فى ذلك الوقت بعض العرب وأخبرهم أن العدو يكونون فى نصف الليل نازلين على عرض بمن معهم من الكسب والأسرى، فركبوا وساروا الليل كله إلى أن انبثق الفجر، وجاء فى ذلك الوقت بعض العرب أيضا وأخبروا أن العدو قد نزلوا فى الليل وإنكم قربتم منهم، ثم أن الأمراء نزلوا واستراحوا، وتوضؤوا لصلاة الفرض، ثم بعدها صلاة الموت، وودّع بعضهم بعضا، ثم ساقوا على نفس واحد إلى أن طلع قرص الشمس، فتراءت مضارب العدو، وكانوا تحت تل من تلك الأرض، فساق الأمراء بمن معهم إلى أن ركبوا التلّ، ثم قال لهم سيف الدين بهادر آص: إعلموا يا أمراء أن هذه الوقعة هى وقعة الانفصال بيننا وبينهم، فإن كانت النصرة لنا فهى بشارة تستمر بنا، وإن كان غير ذلك فنعوذ بالله. وقال الأمير سيف الدين أسندمر:

كل زوجة لى طالق وكل جارية ومملوك لى حرّ إن ولّيت ظهرى حتى أبلغ قصدى، وإن مت فما يكون لى موتة أكرم منها، ثم شرع كل واحد منهم يقول بمثل هذه المقالة، وكانت العدو فى المقام، وكان يحرسهم أمير ومعه خمسمائة فارس، وأول من حمل بمن معه الأمير سيف الدين أسندمر، وصاح الله أكبر، فجاوبه العسكر بصوت واحد حتى الأسرى: الله أكبر، الله أكبر [278]، وكانت الأسرى نحوا من ستة آلاف نفس.

وكانت هذه الساعة ساعة عظيمة، وقتل المسلمون منهم خلقا كثيرا، وأفنوا أكثرهم على السيف، وأسروا منهم نحو مائة وثمانين أسيرا، ومن وجد مجروحا قتلوه، ثم كتبوا بهذا الفتوح لنائب حلب ونائب حماة، ورفعوا بعد ذلك طالبين الأمراء.

ص: 221

وكانت الوقعة فى الحادى عشر من شعبان من هذه السنة، واستشهد فيها الأمير آنص، وناصر الدين بن الباشقردى الناصرى، ونحو ستة وخمسين من الجند ومماليك الأمراء، وجرحت

(1)

نحو ثمانين نفرا، وقتلت خيول كثيرة.

ولما سبق البشير إلى الأمراء، ركب الأمير شمس الدين قراسنقر نائب حلب، والأمير زين الدين كتبغا نائب حماة، وبقية الأمراه والعسكر، والتقوهم ودعوا لهم، وفرحوا.

ولما نزلوا الخيم اجتمع رأيهم على أن يكتبوا لنائب الشام والأمراء المصريين ويبشّرونهم بما فتح الله من النصر على الأعداء، وخلاص أسرى المسلمين، فكتبوا كتابا، وخلّقوا عنوانه، وأول الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم «إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً»

(2)

، «وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً» }.

(3)

ثم عرفوهم بما اتفق من لطف الله تعالى ونصره، فاستبشرت الأمراء بذلك، وضربت البشائر، وفرح أهل دمشق وشكروا الله على ذلك، وتيقن كل أحد منهم أنهم منصورون على عدوهم.

ثم فى ذلك الوقت وصلت جماعة من العرب وأخبروا أن قطلو شاه جاس خلال الديار، وقد سارت خيوله سيرا غير حثيث ينتظر قازان يأتى من بعده، فاتفق رأى الأمراء على أن يكتبوا للسلطان ويستّحثوه على الخروج بالعسكر، ويعرفوه بما اتفق من النصر، فلما وصل الكتاب إلى السلطان فرح فرحا عظيما، وأمر بعرض العساكر والخروج سريعا.

(1)

هكذا بالأصل.

(2)

الآية رقم 1 من سورة الفتح رقم 48.

(3)

الآية رقم 3 من سورة الفتح رقم 48.

ص: 222

وقال ابن كثير: قدمت الأسارى دمشق يوم الحميس منتصف شعبان، وكان يوم خميس النصارى، ثم لما قوى خبر التتار خافت الأمراء والعسكر أن يدهمهم التتار لإقتراب محنتهم، فرحلوا ونزلوا المرج يوم الأحد الخامس والعشرين من شعبان، ودخل التتار إلى حمص وبعلبك، وعاثوا فى تلك الأرض فسادا، وقلق الناس قلقا عظيما وخافوا خوفا شديدا، واختبطت دمشق لتأخير قدوم السلطان ببقية الجيش. وقال الناس: لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء العدو لكثرتهم، وتحدث الناس بالأراجيف، فاجتمع الأمراء يوم الأحد المذكور بالميدان الأخضر وتحالفوا على لقاء العدو، وشجعوا أنفسهم، ونودى فى البلدان لا يجفل أحد، فسكن الناس، وجلس القضاة بالجامع، وحلفوا جماعة من الفقهاء والعامة على حضور الغزاة، وتوجه الشيخ تقى الدين بن تيمية رحمه الله إلى العسكر الواصل من حماة، فاجتمع بهم فى القطيعة فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك، وحلفوا معه.

وكان الشيخ ابن تيمية يحلف للأمراء وللناس أنكم لمنصورون فى هذه الكرة على التتار، ثم يقول إن شاء تحقيقا لا تعليقا، وكان يتأوّل فى ذلك أشياء [279] منها قوله تعالى:{(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)}

(1)

.

ولما كان يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شعبان

(2)

: خرجت العساكر الشامية فخيمت على الجسور ومعهم القضاة.

(1)

الآية رقم 60 من سورة الحج رقم 22.

البداية والنهاية ج 14 ص 23.

(2)

«ولما كان يوم الرابع والعشرين من شعبان» فى البداية والنهاية.

ص: 223

ولما كان ليلة الخميس: ساروا إلى ناحية الكسوة، وقد وصلت التتار إلى القطيعة، فانزعج الناس لذلك، ولم يبق حول دمشق من القرى والحواضر أحد، وامتلأت القلعة، وازدحم الناس فى المنازل والطرقات، وخرج تقى الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس المذكور من باب النصر بمشقة كبيرة، وفى صحبته جماعة ليشهد القتال بنفسه ومن معه، وبقى البلد ليس فيه حاكم، وعاثت اللصوص والحرافيش فى بساتين الناس يخربون وينهبون، وانقطعت الطريق إلى الكسوة، وظهرت الوحشة على البلد، ويتعجبون من أمر الجيش مع كثرتهم أين ذهبوا، ولا يدرون ماذا فعل الله بالناس، فانقطعت الآمال، وألحّ الناس فى الدعاء والابتهال

(1)

.

‌ذكر ما جرى لعسكر الشام وما فعل التّتار القادمون:

ولما كان الناس فى الحيرة والدهشة من قدوم التتار وتأخر السلطان، وعدم علمهم بأمر عسكر الشام، جاء فخر الدين إياس - أحد أمراء دمشق - آخر نهار يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان يبشر بوصول السلطان واجتماع العساكر المصرية والشامية، وقد أرسل ليكشف هل طرق البلد أحد من التتار، فوجد الذين يكشفون الخبر أن التتار قد عرجوا عن دمشق إلى ناحية العساكر، ولم يشتغلوا بالبلد، لأنهم كانوا يقولون: إن غلبنا فالبلد لنا وإن غلبنا فلا حاجة لنا به، فعند ذلك نودى فى البلد بتطييب الخواطر لأن السلطان قد وصل وإن التتار غير متوجهين إلى البلد، فسكنت قلوب الناس، والله المستعان

(2)

.

(1)

انظر البداية والنهاية ج 14 ص 24 حيث يوجد اختلاف فى بعض الألفاظ وإضافات لا تغير المعنى.

(2)

البداية والنهاية ج 14 ص 24 - 25.

ص: 224

وقال بيبرس فى تاريخه: ولما عاد التتار الذين انهزموا من القريتين اجتمعوا مع بقية عساكرهم وتحدثوا فى مشاورهم وقالوا: إن السلطان لم يتحرك من الديار المصرية فى هذه الأيام، وما ثم إلاّ بعض العسكر المصرى وعسكر الشام، واتفقوا على المبادرة ليغتنموا الفرصة - على زعمهم - وأقبلوا مسرعين بطمّهم ورمهم، فكثرت الأراجيف لمفاجأتهم والإنذار بمهاجمتهم، هذا والسلطان ومن معه لم يتحقق حالهم، ولا علم قبالهم، فتقسمت الأفكار والظنون، وتطلعت لقدومه العيون، واجتمعنا للاستخارة، واقتدحنا زناد الاستشارة، فأجمعنا على استطلاع الحال قبل العزم على الترحال.

قال: فتوجهت مستكشفا، وللأخبار متعرفا، فلما وصلنا القطيعة

(1)

صادفنا عسكر حلب وحمص وحماة قد تقدموا جائين، وأقبلوا متواترين، وأخبروا بأن العدو سائر سير المجدّ فى الرواح والغدو، وقد اقترب الإقدام من الأقوام، ودنت الخيام من الخيام، فرجعنا إلى مرج راهط، وخرج الأمير ركن الدين الأستادادار، والأمير جمال الدين أقوش الأفرم، ومعهما الأمراء المصريون والشاميون، فاقتضت الآراء التأخر عن المرج قليلا والنزول من دونه ولو ميلا، ريثما يحصل التوثق من وصول السلطان واجتماع العساكر قبل أن يلتقى الجمعان، فلما رجعوا إلى خلف شيئا [280] يسيرا ولّت الأطلاب، وعادت العساكر على الأعقاب حتى إن أكثرهم ترك حماله، ورمى أثقاله، وأهمل قماشه وماله، ولم يتهيّأ ردّهم ولا أمكن صدّهم، وعبروا على مدينة دمشق بهذه الصورة، فتصدعت قلوب أهلها المكسورة، وعجوا وضجوا واستصرخوا ولجوّا، وحملهم ما دهموه

(1)

أول ما وجد من هذا النص فى نسخة مخطوط زبدة الفكرة التى بين أيدينا - انظر ما سبق ص 217 هامش رقم 3.

ص: 225

من انتقاض العزائم على أن صرحوا بالشتائم، وبادر أكثرهم بالجفل لينجو، وقالوا: إذا رجعت عنا العساكر فأىّ حياة نرجو، فحصل بلطف الله التوقف والتثبط والتمسك بالمرج والتضبط، فما كان إلا كلمح شرارة أو وحى إشارة حتى أتى البريد مخبرا بإقبال الملك الناصر وأطلاب العساكر، فزال البأس وغلب الرجاء اليأس، ثم أقبل السلطان فى جيوشه، وأسوده الكاشرة ووحوشه، فقويت القلوب، وانحلت الكروب، واجتمعت العساكر المصرية والشامية وتكتبت الكتائب المحمدية

(1)

.

وقال صاحب النزهة: وقد كان السلطان كتب إلى نائب الشام والأمراء وعرفهم بأنه خرج من مصر وصحبته الخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان، فلما وصل إليهم الخبر فرحوا واستبشروا بذلك وطابت خواطر العامة بكون العسكر مقيمين عندهم، وكون السلطان فى الطريق وهو جاى.

وفى ثالث اليوم من ذلك: جاءت الأمراء المقيمون بمصر وهم: نائب حلب، ونائب حماة، ونائب طرابلس، فلاقتهم الأمراء الذين بدمشق واجتمعوا، فلما نزلوا للمشورة تحققوا أن قطلوبغا نائب قازان بمن معه من العسكر قد وصل إلى قرون حماة طالبا دمشق طلبا لقلعتها، فإنه بلغه ما برى على السرية التى غارت على أهل القريتين، وبلغه أن نائب الشام متوجها للقائه بعسكر الشام، فعند ذلك اجتمعت سائر الأمراء: نائب حلب قراسنقر، ونائب حماة كتبغا العادل، ونائب طرابلس أسندمر، ونائب الشام الأفرم، والأمير ركن الدين

(1)

«كان قدوم السلطان فى يوم السبت مستهل شهر رمضان» - انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 239 أ، ب.

ص: 226

بيبرس الجاشنكير، والأمير حسام الدين الرومى، ومبارز الدين بن قرمان، وكراى المنصورى، وتغريل النوغاى، وسائر أمراء مصر والشام، على أنهم يخرجون إلى مرج دمشق ويلاقون العدو فيه، ولا يدعونهم يدخلون دمشق.

فلما انتظم الحال على هذا لم يعجب هذا الرأى الحسام الأستاذ الدار ولا تحدث معهم فى هذا الرأى. فقال له بيبرس: مالك لا تتكلم مع الأمراء؟ فهذا ليس وقت السكوت، وأنت رجل كبير ورأيت ما لا رأيناه، وجرت عليك التجاريب، فلا يحل لك أن تسكت، فإن رأيت خيرا من هذا الرأى تكلم، حتى نوافقك على هذا إن رأيناه مصلحة، وإلا فأنت تعلم شيئا فيه مصلحة وتسكت عنه تطالب به يوم القيامة. فقال يا أمراء: أنا أقول ما أعلم أنه يخلّصنى عند الله تعالى، ولكن ما يعجب ذلك بعض الأمراء. قال له بيبرس: قل حتى نسمع. فقال: إعلموا أن هذا عدوّ ثقيل، وهو قاصدكم وطامع فيكم لكون أنكم نواب البلاد، ولا يعلم أن عسكر مصر مع السلطان، قد قربوا منكم، فمتى لاقيناهم يجرى علينا ما لا نحبه من غلبة العدو علينا، فيتفرق شمل العسكر الذين تجمعوا، ويحضر السلطان والعسكر على حال الفساد، ويكون العدو خلفنا، فيتوهم عسكر السلطان، وتنكسر قلوب الناس، [281] ويقع العتب علينا أيضا من السلطان حيث يقول: كنتم صبرتم حتى اجتمعنا كلنا جملة، والحال أنكم سمعتم بقدومى، فلا يفيد بعد ذلك الندم، وهذا السلطان قد قرب وبقى بيننا وبينه يوم أو يومان، والمصلحة عندى أن نرجع إليه، ونجتمع بين يديه، وتكون الآراء رأيا واحدا، واللقاء جملة واحدة، ويعطى الله النصر لمن يشاء.

ص: 227

فلما سمع بيبرس هذا الكلام التفت إلى الأمراء فقال: والله أنا لا أخرج عن إشارة هذا، فإن الذى قاله وأشار إليه ما عليه فيه جناح عند الله، ثم قال نائب الشام للحسام الأستاذ الدار: يا أمير أنت إذا خرجت الساعة يغير العدو على دمشق من بعدك، ويضع السيف فى أهلها، فماذا يكون عذرك عند الله؟ فقال له الحسام: يا أمير إن العدو إذا علم بخروج العسكر من دمشق لا يلتفت إليها، ولا يكون عزمه إلاّ على اللحوق بالعسكر ويقول: إن دمشق فى يدنا، ومع هذا يتوهم عن خروج العسكر.

فلما سمع الأمراء هذا الكلام منه أمروا ساعتئذ بقلع الخيام والركوب، ونادى المنادى بالرحيل، فوقع الصوت فى دمشق، فتحير أهلها ودهشوا بحيث لا يغفل الوالد على ولده، ولا الولد على والده، وسيّبت النساء والبنات، وغلت أسعار الجمال والحمير، فبلع كل حمار كان يساوى مائة بخمسمائة وستمائة، وكل جمل كان يساوى ثلاثمائة بيع بألف وأكثر، وفى الناس من نجا بنفسه وخلّى حريمه، ومن كان ظهره ثقيلا طلع القلعة، وما جاء الليل إلا ودمشق يبكى عليها ويندبها النوادب.

وأما الجند والعسكر فإن أحدا منهم لا يلتفت إلى رفيقه ولا إلى خشداشه، ولا ينظر المملوك إلى أستاذه، وخرجت الغلمان والحمالة على وجوهها، والصناديق التى فيها الأكل والحلواء يرمونها لأجل الخفة، وكان يوما عظيما، وأما فقراء دمشق ومشايخها وصلحاؤها وفقهاؤها وقضاتها، فقد اجتمعوا بالجامع الأموى، ووطنوا أنفسهم على الموت، وكشفوا رؤوسهم يتضرعون إلى الله تعالى ويبكون، ولم يزالوا كذلك إلى أن طلع الفجر، ولاحت للناس مواكب العدو وجحافله،

ص: 228

وقد رجعوا عن دمشق وركبوا أعالى الغوطة، ففرحت الناس لذلك وعلموا أن الله قد استجاب دعاءهم ورحمهم.

وكان سبب عدولهم عن دمشق أن جواسيس قطلوشاه قد حضروا إليه فى الليل، وعرفوه أن النواب مع عساكرهم، لما سمعوا بوصولك إليهم، وتحققوا أن عسكرك عظيم، وأنهم ليس لهم طاقة للملاقاة، اتفقوا على أن يخلوا لك دمشق حتى تدخل إليها وتشتغل بأهلها، وينجون هؤلاء بأنفسهم، مع أنا سمعنا أن لهم عسكرا خرجوا من مصر وهم مقبلون، فهؤلاء قد ذهبوا إليهم حتى يعتضدون بهم، ثم يرجعون جملة واحدة ويعملون شيئا وأنتم مشغول فى المدينة، فلما سمع قطلوشاه ذلك أعلم أمراءه بذلك وأكابر عسكره، واتفق رأيهم أن لا يدخلوا دمشق، فإنه إن دخلوا يفسد أمرهم ويشتغل العسكر بالكسب، فيحصل الفساد إن عاد عسكرهم علينا، ومع هذا يمكن أن يكون هذا مكيدة من نائب الشام، فعند ذلك ركبوا وقصدوا الطريق التى من وراء المرج حتى ينزلون من خلف دمشق على الكسوة، ثم يتتبعون آثار [282] عسكر الشام، فحيثما يتلاقون بهم يحطمونهم.

فلما رأت أهل دمشق ذلك حمدوا الله تعالى. واستمروا مقيمين فى الجامع، مشتغلين بالدعاء والقنوت فى الصلوات.

قال الراوى: وكان يوم خروج الشاميين من دمشق يوم نزول السلطان الملك الناصر بعساكره على رأس العقبة، وكان يوم استهلال شهر رمضان المعظم.

‌ذكر خروج السلطان من القاهرة ووصوله إلى شقحب:

كان خروج السلطان من مصر فى الثالث من شعبان من هذه السنة، وأسرع

ص: 229

فى السير إلى أن وصل إلى رأس العقبة مستهل رمضان كما ذكرنا، والتقى الأمراء بالسلطان وترجلوا وباسوا الأرض، وما لحقوا أن يقفوا إلا وأجناد العدو قد وصلت بوصوله، فوقف السلطان وأمر للنقباء والحجاب أن يدوروا على الجيش ويأمروهم بلبس الأسلحة والاستعداد للملاقاة، وبقى السلطان والأمراء راكبين فى الموكب سائرين، واستعد العساكر باللبس والتجهيز.

وفى ذلك الوقت وقع كلام فج بين الأمير شمس الدين سنقر العلائى - أحد الأمراء البرجيّة - وبين الأمير حسام الدين الأستادار، وكان هذا سنقر من جمرة البرجية التى تتعد وكان مدلا بشبابه وقوة ساعده وفروسيته، ولما رأى الأمراء سلّم عليهم، ورآهم على تلك الصورة، أنكر عليهم، فصار كل أحد منهم يحكى له حكاية، ومال بعضهم فيها على حسام الدين الأستادار حيث أنه منع العسكر عن ملاقاة العدو، وترك دمشق وأخذ العسكر وأخلاها، وأشار إليهم أن الملاقاة تكون بحضور السلطان، وأن الأمير ركن الدين بيبرس وافقه على هذا الرأى، فتبعته الأمراء، فما سمع سنقر هذا الكلام إلاّ وقد ركض فرسه وسط الموكب وقال للأمير بيبرس: يا أمير إش هذا الرأى الذى فعلته بالناس حتى أفسدت حال العسكر، وكسرت قلوب أهل دمشق، ونهبت أموالهم، وسمعت من واحد قد كبر وخرف وما يشتهى الموت، والأمير حسام الدين إلى جانب السلطان يتحدث معه ويسمع كلامه، ثم التفت بيبرس إليه وقال له: اسكت، ما هذا الكلام؟، ثم قال حسام الدين: يا أمير - يخاطب سنقرا - أما أنا فإنى أشرت إليهم، فالله يطالبنى بها يوم القيامة إن كان قصدى فساد المسلمين، وأما أنى كبرت فصحيح، ولكنى ما خرفت، فوقع بينهما كلام كثير، ثم غضب بيبرس وصاح على سنقر العلائى وأخرجه من مكان كان واقفا فيه.

ص: 230

قال الراوى: سمعت من قال: إنى رأيت حسام الدين تخرج الدموع من عينيه، وقد بلّت شيبته، وهو يتمثل بأبيات من شعر الطغرائى:

تقدّمنى رجال كان سوطهم

وراء خطوى إذا أمشى على مهل

هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا

من قبله فتمنى فسحة الأجل

‌ذكر وقعة شقحب:

قال صاحب النزهة: هذه الوقعة عرفت بين الناس بوقعة شقحب، ثم بغباغب، فإنها كانت مشتملة على طرف شقحب وغباغب والضمين.

قلت: هذه أسماء قرى هناك، وهى فى أراضى وعرة ذات أحجار سود.

[283]

قال بيبرس فى تاريخه: ذكر كسرة التتار على مرج الصفّر فى غرّة الشهر الأزهر: لما انتظم شمل العسكر انتظام الجمان، واصطفت صفوفه كأنها

(1)

بنيان، أضحوا كما قال أبو الطيب المتنبى:

وإذا رأيت

(2)

إلى السهول رأيتها

تحت العجاج فوارسا وجنائبا

وإذا نظرت إلى الجبال رأيتها

فوق السهول عواسلا وقواضبا

فكأنما كسى النهار بها دجى

ليل واطلعت الرماح كواكبا

أسد فرائسها الأسود يقودهم

أسد تصير له الأسود ثعالبا

(3)

(1)

«كا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

«وإذا نظرت» فى زبدة الفكرة.

(3)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 239 ب.

ص: 231

وقال النويرى: لما وصل الملك الناصر رتب العساكر الإسلامية ميمنة وميسرة وقلبا، والتقى الفريقان بمرج الصّفر نصف النهار.

وقال صاحب النزهة: وكما قدر الله تعالى وصول السلطان والعسكر وجدوا قطلوشاه ومن معه من المغل قد وصلوا، ووقف على أعلا النهر وقد نظروا العساكر من علوه، فظنوا أنها عسكر الشام، فتباشروا، وأخذت الحجاب فى ترتيب المواكب والأمراء والمقدّمين، واجتمع الجميع قدام السلطان، وحضر الخليفة أبو الربيع، ووقفت أكابر الأمراء والنواب، وأجمعوا على تعيين أمراء للميمنة، وأمراء للميسرة.

ووقف السلطان فى القلب بلوائة، والخليفة بإزائه، والأمير سيف الدين سلار، والأمير ركن الدين أستادار، والأمير عز الدين أيبك الخزندار، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار، والأمير جمال الدين أقوش نائب الشام ومن معه من عساكر الشام، وبلرغى، وأيبك الحموى، وبكتمر الأبو بكرى، وقطلوبك، ونوغيه السلحدار، وأغرلو الزينى.

وفى الميمنة: الأمير حسام الدين الرومى أستاذ الدار، والأمير جمال الدين أقوش الموصلى، والأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزورى، والأمير مبارز الدين بن قزمان، ومبارز الدين سوارى أمير سنجار.

وفى الميسرة: الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح، والأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب حلب ومن معه من العسكر الحلبى، والأمير سيف الدين بتخاص المنصورى نائب صفد، والأمير سيف الدين طغريل الإيغانى، والأمير بكتمر السلحدار، والأمير بيبرس الدوادار صاحب التاريخ.

ص: 232

وفى الجناح الأيمن: الأمير سيف الدين قفجاق نائب حماة ومعه العسكر الحموية، وجماعة العربان فيهم مهنى وآل فضل.

وقال صاحب النزهة: وفى الجناح الأيمن شمس الدين قراسنقر نائب حلب مع مهنى وآل فضل، والأمير بهاء الدين أولياء بن قزمان، وفى الجناح الأيسر:

سيف الدين برلغى، وعلم الدين الجاولى، وشمس الدين سنقر الكمالى.

وقال صاحب النزهة: كانت الأمراء قصدوا أن يعزلوا السلطان مع جماعة بناحية عن المصاف، فأبى ذلك ولام الأمراء وقال: والله أنا أول من يحمل قدامكم. فقال له أسندمر كرجى نائب طرابلس: ياخوند نحن ما نريد منك أن تحمل، ولا للملوك عادة بالجملة، ولكن إثبت أنت مكانك، فإذا ثبت السلطان [284] ثبت العسكر. فقال له: يا أمير إن اخترتم هاتوا قيدا فقيّدوا فرسى به حتى أموت وهو واقف، فأعجب ذلك الأمراء ودعوا له.

وقال ابن كثير: ولما اصطفت العساكر والتحم القتال ثبت السلطان ثباتا عظيما، ويقال: إنه

(1)

أمر بجواده فقيد حتى لا يهرب، وبايع الله تعالى فى ذلك الموقف

(2)

.

وقال صاحب النزهة: ولما تكامل ما رتبوا وقف كل أحد مكانه، والخليفة إلى جانب السلطان يتلو كتاب الله ويذكر ما أعدّ الله للمجاهدين من الثواب والأجر، ويقول: أيها المجاهدون لا تقاتلوا لأجل سلطانكم، فقاتلوا لأجل حريمكم، فعند ذلك ما كنت ترى إلا أدمعا على الخدود تترادف، وزعقات من صميم

(1)

«ويقال أنه» ساقط من البداية والنهاية.

(2)

البداية والنهاية ج 14 ص 26.

ص: 233

الأكباد تتضاعف، وعاينت جماعة من الجند وقع بهم الاختلال فى عقولهم فى ذلك الوقت ووقعوا إلى الأرض، وبقى الأمير سيف الدين سلار فى حفدته ومضافيه، والأمير ركن الدين فى حفدته من البرجية ومضافيه، يترددان بين القلب والميمنة، وكان هؤلاء جمرة الإسلام، وعليهم العمدة فى الأحكام، وكل منهما فى نحو أربعين طبلخاناة.

قال الراوى: وبلغنى من أحد الأمراء أنه سمع بيبرس يقول: أنا عاهدت نفسى الموت، وذلك حين قال له سلار: يا أخى أنت تعلم أن الحديث فينا كثير، وأنا نسبونى إلى التتار لكونى من جنسهم، وأنت نسبوك إلى أنك تبغض الجند، فبالله أوص لأصحابك بالثبات وإلا لا يبقى لنا وجه عند أحد بعد هذا اليوم، وتعاهدوا، ووثق بعضهم بكلام بعض، ثم نشروا السناجق والأعلام الخليفتية والسلطانية، وسيروا النقباء فداروا على الركبدارية والغلمان والجمالة، وجمعوا الجمع، وأوقفوهم صفا واحدا خلف أستاذيهم ليكثر بهم السواد، ونادى منادى: أى جندى خرج من المصاف بغير عذر أو جرح، فدمه حلال، وعدته وفرسه لهم، وكذلك الجمالة والغلمان.

‌ذكر ما اعتمد عليه قطلوشاه فى ذلك اليوم:

ولما تناهى ترتيب المسلمين، عاين ذلك قطلوشاه مقدم المغل وهو أعلى الخيل، وهو فى جيش قد سدّ السهل والوعر، ثم شرع فى ترتيب أمره، فقصد أن يرتب مقابل كل موكب موكبا، وجمع الأمراء على ذلك، فلم يجد فى أمرهم فسحة، ووجد ميسرة المسلمين قد انتشرت، وبينهم وبين التتار النهر الكبير هناك فلا يمكن الوصول إليهم، فمشوا إلى آخر النهر إلى أن وصلوا إلى

ص: 234

رأس الميمنة، فوجدوا النهر رائجا مديدا، ولكن وجدوا مخافا للجبل، فتشاوروا فى أمر نزولهم، واتفق رأيهم على أنهم لا يجدون مكانا للنزول أسهل من هذه المخاضة، وأنهم ينزلون جملة واحدة. وأنهم إذا كسروا هذه الطائفة التى بين أيديهم يدورون خلف الذين يبقون، فإنهم لما رأوا ميمنة المسلمين ورأوا عسكرهم أمثال هؤلاء استحقروهم.

وقال بيبرس: وفى الوقت الحاضر أقبلت كراديس التتار كقطع الليل، لا يبين فيها الرجل من الخيل، وقد علاهم القتام والغبار، وفيهم من مقدميهم الكبار: قطلوشاه، وسوتاى [285] أقطاجى، وجوبان بن تداون، ومولاى، وقرمشى بن الناق

(1)

، [وطوغان]

(2)

، وسبوشى بن قطلوشاه، وطغريل ابن آجاى، وآبشقا، وأولا جغان، والكان، وطيطق فى مائة ألف من المغول والكرج والأرمن وغيرهم

(3)

.

‌ذكر كيفيّة الوقعة:

قال صاحب النزهة: لما رأت التتار عسكر الإسلام وهم على الجبل صاحوا وضربوا الطبول، ونزلوا وقد أحاطوا النهر، ووقفوا عند المخاضة، وكان مقابلهم من ذلك الجانب الأمير حسام الدين الأستادار. والأمير بهاء الدين أوليا بن قزمان، ولما رآهم حسام الدين قال: بسم الله نية الغزاة، فجذب سيفه ومشى، وقال بعض مماليكه: ياخوند ارجع قليلا عن يمينك أو عن شمالك، فلم يلتفت

(1)

«ومولاى، وقرمشى بن الناق» مكتوبة بهامش المخطوط، ومنبه على موضعها بالمتن.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 240 ب.

ص: 235

إليهم إلى أن صدمته الحيل، وصدمت ابن قزمان أيضا، فكان الإثنان بينهم كالواحد فى ألف، فإن الجميع اجتمعوا على مخاضة واحدة، وطلعوا طلوع رجل واحد، وكان الأمير الجاولى رديفهم، وبرلغى رديف الجاولى، والأمراء متصلون بعضهم ببعض، وارتفع الغبار، ولم يشعر الناس إلا وقد اندق الجاولى وبرلغى على الكمالى، ورأى بيبرس وسلاّر ذلك، فصاح سلار: هلك والله الإسلام، وصاح على بيبرس والأمراء البرجية، فنهض الأمراء المنهزمون وصدموا جيش المغل، فرّجعوها قهرا، ورموا منهم جماعة كثيرة إلى أن كشفوهم عن المسلمين.

وكان جوبان وقرمشى ومن معهما قد ساقوا يعينون مولاى وهو خلف المسلمين، فرأوا قطلوشاه وقد انكسر، فعادوا إليه، ووقف فى وجه بيبرس وسلار.

وكان السلطان والأمراء قد رأوا سلار وبيبرس قد خلى مكانهما، ورأوا أطلاب العدو تتواتر، فخرج أسندمر وقطلبك وقفجق والمماليك السلطانية وردفوهما، ولما رأى سلار السلطان والأمراء أخذ على جانب وتمكن من العدو، وطعن فيهم وأبادهم، ولم يبق أمير إلا وقد ألقى نفسه للموت، فلما رأى المغل ذلك أخذوا جهة وتمكنوا منها، وكان الأمير سيف الدين برلغى بين أيديهم، فصدموه ومزّقوا طلبه وفرقوه، ثم صاروا أىّ جهة مالوا إليها فرقوها، وتم الحرب بين سلار بمن معه من الأمراء والسلطان وبين قطلوشاه تارة تارة، وكل من الفريقين قد ثبت.

ولم يعلم سلار والأمراء أن الجانب الذى نزلوا عليه قتلت أمراؤهم وانهزم من كان معهم، وأن طائفة من المغل ساقت وراء المنهزمين، وفى ذلك نهبت

ص: 236

خزائن السلطان، فإن الكسرة حيث انتهت بالمسلمين على تلك الطريق جعلت الناس بين أيديهم، وتفرق من كان حول الخزائن، ولما رأى السواد الأعظم ذلك صاروا يتركون جمال الخزائن البخاتى ويكسرون الصناديق، ويخرجون أكياس الذهب والفضة، فيأخذ كل أحد ما يقدر عليه.

وما زالت الحرب بينهم إلى أن مالت الشمس للغروب، وكان الملتقى بينهم بعد الظهر، ثم مال قطلوشاه بمن معه إلى جانب جبل [286] إلى جانبه، وطلع عليه وفى نفسه أنه منصور، ورجع جماعة منهم كانوا وراء المنهزمين، ومعهم جماعة من أسراء المسلمين وفيهم الأمير عز الدين أيدمر النقيب من المماليك السلطانية، فلما اجتمعوا قال قطلوشاه: هذا عسكر كثير وليس الأمر كما ظننا فلا بد أن نعلم خبرهم، فاقتضى رأيهم أن يحضروا أسيرا من الأسرى ويستخبروا منه خبر العسكر، وقالوا لقطلوشاه: إن فى الأسرى رجلا وهو أمير، وهو عز الدين أيدمر المذكور، فأمر بإحضاره، فأحضروه بين يديه وقال: أنت من أمراء الشام؟ قال: لا أنا من أمراء مصر. فقال له: وما جاء بك ههنا؟ فقال: جئت مع السلطان. قال: مع الملك الناصر. قال: نعم. قال: وأين السلطان وعسكر مصر؟ قال: الكل واقفون. قال له: وعسكر مصر جميعهم الساعة ههنا حاضرون والملك الناصر حاضر. قال له: نعم. قال: فأى وقت وصلتم إلى ههنا، فأخذ يعرفه ويخبره بجميع أمور السلطان من يوم خرج من مصر إلى هذا اليوم. ومن جملة ما قال له: هذا الذى كسرتموه من الميمنة فقط، وعسكر الملك الناصر كثير، فلم يصدقوه حتى أحضروا غيره، فسألوه فأخبره نحو ما أخبره عز الدين أيدمر، ثم سألوا غيره وغيره إلى أن سألوا جماعة كثيرة، فالكل أخبروا بخبر واحد، ولما تحققوا صدق مقالهم وقعوا فى بحر زخار، فقال لهم مولاى:

ص: 237

تحققتم أن هذا هو الملك الناصر قالوا: ما بقى شك فى أمره. فقال: ألم تعلموا أن الخان قازان قد كتب يغلق

(1)

، وعاهدنا أننا إذا رأينا أو سمعنا أن الملك الناصر حاضر بعسكره أو بغير عسكره لا نضرب معه مصافا؟ فقال له قطلوشاه: لو علمنا من الأول أن الملك الناصر حاضر ههنا ما ضربنا معه رأسا، ولكن اعتقادنا أنه نائب الشام مع عسكر الشام، والآن فقد وقعنا كلنا فى فم السبع فما بقى إلاّ الموت جميعا أو الحياة جميعا، وهم فى مثل ذلك الكلام إذا بالكوسات قد دقت والبوقات قد زعقت، حتى ملأت الأرض وأزعجت القلوب، وكان ذلك برأى الأمراء حيث رأوا التتار قد تجمعوا فوق الجبل حتى تقع الهيبة فى قلوبهم، وحتى يسمع المنهزمون فيرجعون.

ولما سمعوا حسّ الكوسات، قال مولاى لقطلوشاه: هذا الطبل ما يدق إلاّ للسلطان، وأنا ما أخالف يسق الخان، فضرب طبله وخرج من قدام قطلوشاه بتومانه، ونزل من الجبل بين العشائين، ولم يزل إلى أن طلع من المخاضة التى نزلوا منها، وعلم به بعض العسكر، فلم يجسر أحد أن يقربه ولا أن يتبعه.

وبات الأمراء والناس فى هذه الليلة والنيران قد ملأت الأرض، والمشاعل توقد، وكذلك التتار قد اوقدوا النيران وباتوا محترسين على أنفسهم، ولم يزل فى تلك الليلة النقباء والحجاب ومعهم سلار وبيبرس وأسندمر وقبجق وأكابر الأمراء دائرين على الأمراء والأجناد يوصونهم بأن يكونوا على يقظة من أمرهم، فعرفهم الأمير سيف الدين قفجق أن التتار لو قتلوا عن [287] آخرهم فى هذا المكان ما ينزل أحد منهم فى الليل ولا يقاتل، وإنما لا بد لهم من النزول غدا.

(1)

أى مرسوم.

ص: 238

‌ذكر هزيمة التتار:

قال الراوى: وما أصبح الصباح إلا وقد انضم شمل عساكر السلطان، وأخذ كل أحد موضعه، وأما قطلوشاه فإنه شاور مع بعض الأمراء الكبار الذين معه فيما يفعله، وقد تحققوا فى أنفسهم الموت، فوقع رأيهم على أن يقيموا على الجبل ولا ينزلوا ويقاتلوا العسكر إلى أن يفنوا ولا يسلموا أنفسهم، وما زالوا محترسين على أنفسهم إلى أن طلعت الشمس وقوى نورها، فنظروا إلى عسكر قد ملأ الأرض، ولم يروا مثلهم فى أعمارهم، وأراهم الله فى عيونهم فى كثرة لا تحصى ولا تعد.

ثم شرع المسلمون يريدون أن يهجموا عليهم، فمنعهم الأمراء، وفرقوا العساكر حول الجبل على بعد.

وشرع قطلوشاه والأمراء ورتبوا عسكرهم، فجعلوا كل مقدم إلى جهة، ونزل منهم بعض ركاب وجماعة من الرجالة وقصدوا قتال العسكر.

ولما رأى السلطان والأمراء ذلك جعلوا قبالة كل مقدم مع طائفته أميرا من الأمراء، وأضافوا إليه من كان يناسبه، وخرج مماليك السلطان إلى مقابل قطلوشاه وجوبان، فشرعوا يقاتلون معهم تارة بالرمى وتارة بالهجوم عليهم، وقد لاح للإسلام وجه النصر على الأعداء، وصار كل مقدم من الأمراء يقاتل بالنوبة، يقاتل واحد ثم يذهب ويجئ غيره، وكذلك فعل المغل، والسلطان والأمراء واقفون ينظرون إليهم، فإذا قتل فرس واحد منهم أحضروا غيره فى الساعة حتى أن بعضهم كان يقتل له فرس وفرسان وثلاثة من النشاب.

ص: 239

ولم يزالوا فى القتال إلى أن توسطت الشمس من نهار الأحد، وانفصل القتال بينهم، وطلع قطلوشاه ومن معه من التتار وقد قاسوا نهارا عظيما، وقتل منهم نحو ثمانين رجلا، وخرجت جماعة وركبتهم الذلّة، وقاسوا من قلة الماء أمرا عظيما لأنهم لم يحسنوا انحصارهم على الجبل، فما أخذوا من الماء إلا قليلا، ولما رأوا ذلك أجمعوا على النزول بكرة النهار، فمن مات مات ومن له أجل عاش، وذبحوا من خيولهم وشووا وأكلوا.

ولما أصبحوا اعتمدوا على النزول، وهرب منهم ناس من الأسرى وجاءوا إلى السلطان وأخبروه بما هم فيه من الذلة والعطش والخوف، وأنهم اتفقوا على أن يصدموا الجيش، وأنهم قد تحققوا الموت، فعند ذلك تشاور أكابر الأمراء، ووقع رأيهم على أن يفسحوا لهم طريقا ولا يتقرب إليهم أحد إلى أن ينزل الجميع قدام العسكر، ثم يركبون ظهورهم.

ولما أرادوا النزول رأوا جماعة من المغل قد عدمت خيولهم وبقوا رجالة، وما بقى مع أحد من الأمراء فضلة خيل، فاتفقوا أن يأخذوا خيول الأرمن الذين معهم، فأخذوا منهم نحو مائتى فرس وأعطوا هؤلاء، ثم شرعوا فى تجهيز حالهم إلى الساعة الرابعة من النهار، ثم ضربوا طبولهم ونزلوا، وكل منهم قد أعدّ نفسه للموت وتموا سائقين إلى أن وصلوا إلى النهر، ورموا خيولهم فيه، فمن كان فرسه قويا طلع، ومن كان فرسه قليل القوة وقف فيه، ولما طلعوا [288] منه تبعتهم خيول المسلمين، وأنزل الله عليهم الذلة والمسكنة، ومزّقت جموعهم، وتفرقوا بحيث لم يلتفت أحد إلى أحد.

وكانت تلك الأراضى وعرة كما ذكرنا لا يتمكن الفرس من حط رجلها إلا على حجر، فقاست خيول المسلمين من ذلك شدة.

ص: 240

وأما التتار فإن راكبا منهم ما يهرب مقدار رمية نشاب إلا وقد وقع على الأرض.

ولو عاينت ما كنت ترى غير رؤوس ترمى بالسيوف، ورجال يقبض عليهم بالأيادى والكفوف، وتمت خيل المسلمين تابعة أثرهم إلى أن صار وقت العصر، فرجعت الأمراء واجتمعوا عند السلطان، واتفق رأيهم على تجريد أمراء يتبعونهم، فجردت جماعة منهم بمضافيهم من أصحاب الخيول الجياد، فتزودوا وساروا وراءهم، ورسم للعرب أيضا أن يتبعوا آثارهم، فأىّ موضع أدركوا منهم جماعة يقبضون عليهم ويقتلونهم ويأسرونهم.

وقال النويرى: التقى الفريقان بمرج الصفر نصف النهار، فاضطربت ميمنة المسلمين، واستشهد جماعة من الأمراء، وانهزم بعضهم إلى دمشق، وأردف القلب الميمنة فردّت التتار عنها، وأما الميسرة فثبتت وحملت على ميمنة التتار كان مقدمهم مولاى، فولى منهزما وتبعهم المسلمون، وحجز الليل بينهم، والتجأ التتار إلى الجبل وأحاطت العساكر الإسلامية بهم وضايقوهم أشد مضايقة إلى الصباح، ثم أفرج لهم الأمير أسندمر فرجة من رأس الميسرة، فخرجوا منها هاربين على أعقابهم، وتبعتهم العساكر الإسلامية فأبادوهم قتلا وأسرا وغنموا منهم خيلا عظيمة حتى بيع الأكديش بخمسة دراهم.

وقال ابن كثير

(1)

: وأصبح الناس يوم الجمعة أول رمضان فى هم شديد وخوف أكيد لا يعلمون ما خبر الناس، فبينما هم كذلك إذ جاء الأمير غرلو العادلى، فاجتمع بنائب القلعة، ثم عاد سريعا ولم يدر أحد ما الخبر، ولم يفهم أحد من العامة فيم جاء غرلو.

(1)

انظر البداية والنهاية ج 14 ص 25 - 26.

ص: 241

وأصبح الناس يوم السبت على ما كانوا عليه من شدة الحال، فرأوا [من المآذن

(1)

] سوادا وغبرة من ناحية العسكر والعدوّ، فغلب على الظنون أن الوقعة فى هذا اليوم، فابتهلوا إلى الله بالدعاء فى الجامع والبلد، وطلعت النساء والصغار على الأسطحة، وكشفوا رءوسهم وضج البلد ضجة عظيمة، ووقع فى ذلك الوقت مطر عظيم غزير، ثم سكن الناس.

فلما كان بعد الظهر قرئت بطافة بالجامع تتضمن أن فى الساعة الثانية من نهار السبت هذا اجتمعت الجيوش، ووصل الركاب السلطانى إلى مرج الصفّر، وفيه طلب الدعاء من الناس، والأمر بحفظ القلعة والتحرّز على الأسوار، فدعى الناس فى المأذنة والجامع والبلد، وانقضى النهار، وكان يوما مزعجا هائلا.

وأصبح الناس يوم الأحد يتحدثون بكسر التتار، وخرج ناس إلى ناحية الكسوة، فرجعوا ومعهم شئ من المكاسب [289] ورءوس التتار، وصارت أدلة الكسر تقوى قليلا قليلا، ولكن الناس مما عندهم من شدة الخوف لا يصدقون.

فلما كان بعد الظهر قرئ كتاب السلطان إلى متولى القلعة يخبر باجتماع الجيش ظهر السبت بشقحب وبالكسرة، ثم جاءت بطاقة بعد العصر من النائب جمال الدين الأفرم إلى نائب الغيبة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد، وأن السيف كان يعمل فى رقابهم ليلا ونهارا، وأنهم وهنوا وركنوا إلى الفرار، وأنه لا يسلم منهم إلا القليل، فأمسى الناس وقد استقرت خواطرهم ودقت البشائر بالقلعة.

(1)

[] إضافة للتوضيح من البداية والنهاية.

ص: 242

وفى يوم الإثنين الرابع من رمضان: رجع الناس من الكسوة، ودخل ابن تيمية وأصحابه البلد، ففرح الناس به ودعوا له، وذلك لأنه ندب العسكر الشامى إلى أن يسير إلى ناحية السلطان، وحرّض السلطان وبشره وجعل يحلف له بالله الذى لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم فى هذه الكرة، ويقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، وأفتى للناس بالفطر يومئذ، وكان يدور على الأطلاب فيأكل من شئ معه من يده فيأكل الناس ويناول فى الشاميين قوله عليه السلام: (إنكم تلاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم

(1)

، يعزم عليهم فى الفطر عام الفتح، كما فى حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه.

وأما السلطان فإنه رجع مع الأمراء إلى مكان الوقعة، فوجدوا المجاهدين قد ملأوا تلك الأرض، وهم بين تلك الأحجار مطروحين، وكل من رأوه وجدوه مستقبل القبلة، وسبابته تشير بالشهادة، ووجهه يتقد نورا، فكأنه فى حال الحياة، وكل من رأوا من قتلى المغل وجدوه ملقى على وجهه، ثم أمر السلطان بأن يروح بدر الدين الفتاح مبشرا إلى مصر، وكتب معه كتاب البشارة، وكان النائب فى مصر عز الدين البغدادى، وكتب إلى غزة أيضا بالبشارة، وأمر النائب فيها أن لا يمكن أحدا من المنهزمين من التوجه إلى مصر،

(1)

قال أبو سعيد الخدرى: خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى رمضان عام الفتح، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ونصوم، حتى بلغ منزلا من المنازل فقال:«إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم» ، فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر، قال: ثم سرنا فنزلنا منزلا فقال: «إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا» ، فكانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر سنن أبى داود ج 2 ص 328 كتاب الصوم - باب الصوم فى السفر حديث رقم 2406.

وانظر أيضا البداية والنهاية ج 14 ص 14 ص 25 - 26.

ص: 243

وكتب أيضا إلى سائر القلاع والحصون بالبشارة والتهنئة بما فتح الله على الإسلام بالنصر على الأعداء، وأقام السلطان إلى يوم الثلاثاء، ثم ركب إلى نحو دمشق.

‌ذكر دخول السلطان دمشق مؤيدا منصورا:

قال ابن كثير: ثم دخل السلطان إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس رمضان، وبين يديه أبو الربيع سليمان الخليفة ونزل بالقصر الأبلق، ثم تحول إلى القلعة يوم الخميس، وصلى بها الجمعة، وخلع على النواب وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم، واستقرت الخواطر، وذهب الناس، وطابت قلوب الناس.

ولما دخل السلطان دمشق خرجت إليه سائر الدماشقة من الصلحاء والمشايخ والحكام والكتاب والعامة حتى لم يبق بدمشق مخلوق، وتلقوه بالدعاء والثناء، وازدحموا عليه حتى لم يبق لفرسه مكان يمشى عليه من كثرة العامة، وضربت البشائر والكوسات، وسيقت الأسارى بين يدى موكبه مقرنين فى الأصفاد، وسناجقهم بأيديهم منكوسة، وطبولهم معكوسة.

وكان السلطان لما دخل دمشق ولى وعزل، وأمر ونهى، وقطع ووصل، [290] وعزل ابن النحاس عن ولاية المدينة، وعوض عنه بالأمير علاء الدين أيدغدى أمير علم، وعزل صارم الدين إبراهيم والى الخاص عن ولاية البر، وعوّض عنه بحسام الدين لاجين الصغير رحمه الله

(1)

.

‌ذكر ما جرى للتتار بعد انهزامهم:

وقال صاحب النزهة: لما انكسرت التتار انتشروا فى الأرض، فكان

(1)

يوجد هذا النص ملخصا فى البداية والنهاية ج 14 ص 26.

ص: 244

الرجل منهم يقع من نفسه، وآخر يقف فرسه فينزل ويمشى ساعة، ثم يقطع من لباده الذى عليه قطعة فيلفها على رجليه، هذا هم الذين غفل عسكر الإسلام عنهم، وأما الذى يصادفه أحد منهم فإما يقتله أو يأسره ويقوده مثل الكلب، وقد ملئت الأرض من دمائهم ومن أجسادهم، فأوقع الله عليهم الذلة والصغار حتى يقبض على واحد منهم فلا يمد يده ولا يقاتل، وإذا كان فى يده قوس أو سيف يرميه إلى الأرض، وإذا رأى الرجل طالبه يمدّ رقبته إليه ويسلم نفسه من غير قتال، وقتلت منهم الغلمان والحرافيش خلقا كثيرا، وكانت الجند ومماليك الأمراء يتذاكرون فى قتلاهم، فمنهم من يقول: قتلت عشرين، وآخر يقول: قتلت ثلاثين، وآخر يقول: قتلت عشرة، ونحو ذلك، وأما العرب فقد فعلوا بهم من النهب والقتل ما لا يحصى، ومنهم خلق كثير ماتوا عطشا فى البرارى، وكذلك دوابهم، ومنهم ناس التجأوا ببساتين دمشق فدخلوا فيها، فكان الرجل يجئ إلى بستانه فيجد فيها اثنين وثلاثة فيقتلهم، ولا يقدر أحد منهم على منعه من الخوف والجوع والتعب، ولما علم الأمراء بذلك نادوا فى دمشق إن من وجد أحدا من المغل أو الأرمن ولم يحضره إلى نائب الشام فقد حل دمه. فصار من يظفر بواحد منهم أو أكثر يأتى به إلى النائب، فالنائب إما يقتله وإما يستخلصه لنفسه.

وقال بيبرس فى تاريخه

(1)

: لما حصل التظافر

(2)

على التتار أسرع

(3)

مولاى أحد

(1)

النص التالى اختصره العينى من زبدة الفكرة، ولم ينقله نصا - زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 241 أ - 241 ب.

(2)

«وحصل التضافر» - فى زبدة الفكرة.

(3)

«فأسرع» . - فى زبدة الفكرة، ويبدو أن العينى عدل بعض الحروف ليتسق الكلام.

ص: 245

مقدميهم فى الفرار، وفر معه منهم زهاء عشرين ألفا، ثم افترق التتار ثلاث فرق: الأولى فرقة فيها جوبان فى زهاء ثلاثين ألفا، والثانية فرقة فيها قطلوشاه ومعه تقدير ثلاثين ألفا، والفرقة الثالثة كانت مع طيطق تقدير عشرين ألفا، فحملت العساكر عليهم فصيروهم رميما، وركبوا أكتافهم فغادروهم هشيما.

ولما كان من غد يوم الوقعة يوم الإثنين ثالث رمضان: جرد خيل الطلب فى الآثار، فكان فيها الأمير سيف الدين سلار، والأمير عز الدين أيبك الخزندار وتتابعت العساكر تقفو قفى التتار، وتأخذ من حماتهم وكماتهم الثأر بالبتّار، فامتلات من قتلاهم القفار، وأمسوا حديثا فى الأمصار، وعبرة لأولى الأبصار:

مضوا متسابقى

(1)

الأعضاء فيهم

لأرجلهم بارؤسهم

(2)

عثار

إذا فاتوا

(3)

السيوف تناولتهم

بأسياف من العطش القفار

(4)

وسرح السلطان واحدا من أسراهم ليخبرهم بماتم، وأرسل على يده كتابا تحدث فيه بنعمة ربه وما منحه من نصرة حزبه.

(1)

«تتسابق» فى التحفة الملوكية.

(2)

«لأروسهم بأرجلهم» فى التحفة الملوكية.

(3)

«فات» فى التحفة الملوكية.

(4)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 241 أ، ب. وانظر التحفة الملوكية ص 167 حيث يوجد بيتان آخران.

ص: 246

‌ذكر نسخة الكتاب الصادر [291] من السلطان من مرج الصفّر إلى قازان فى رابع شهر رمضان

(1)

:

الحمد لله على ما جدّد لنا من النعمة التامة، وسمح به من الكرامة العامةّ حين أعاد النعيم إلى كماله، والسرور إلى أتم حاله، فاستأنست النفوس إلى استمرار عوائدها، وارتاحت القلوب إلى معجز فوائدها، وأضاءت شمس المعالى، وطلعت بدورها بالسعد المتوالى، إذ كانت غلطة من الدهر فاستدركها، وسقطة بدت عنه فما تركها، فقرّت بذلك العيون، وتحققت فى بلوغ الآمال الظنون، فلله الشكر الجزيل ما أومض فى الجو بارق، وسرى فى الآفاق نجم طارق.

وبعد: فليعلم الملك الجليل محمود، جامع الجيوش وحاشد الجنود، أنه تظاهر بدين الإسلام، وأشهر ذلك بين الأنام، وأبطن خلاف ما ظهر، وتظاهر بالباطل والحقّ ستر، ثم فعل ما قدره الله عز وجل وما حكم به القدر، فحملنا ذلك على أنه تقدير، وأن ليس يجدى فيما أراد الله عز وجل تدبير، فما لبث الملك إلا أيسر مدّة، وأرسل رسله إلينا مجدّه، وهو يطلب الصلح ويحرّض عليه، ويذكر الإسلام ويندب إليه، وزعم أنه ليس يختار الفساد فى الأرض، فإن الواجب علينا وعليه إصلاح ذوى الدين وأنّ ذلك فرض، فعلمنا مقصده فى مقاله، وتستر منا بستر يلوح وجه القدر من خلاله، فأكرمنا رسله كرامة تليق بفعالنا، وسمعنا رسالتهم وجاو بناهم على مقتضى حالهم لا مقتضى حالنا، وأعدناهم إليه بما هم مصروّن عليه، فعاد رسوله يطلب رسولا يسمع

(1)

انظر نص الخطاب فى كنز الدرر ج 9 ص 119 - 122، حيث يوجد اختلاف فى نعض الألفاظ، ولكنها لا تغير من المعنى.

ص: 247

كلامه، وليس يخفى عنا مقصده ومرامه، فأرسلنا إليه ما طلب، وركبناه فرس البغى فيابئس ما ركب.

فما كان إلا عند وصول رسلنا إليه، فجهز عسكره وأظهر من الغدر مالم يكن يخفى عليه، وأمرهم بما عاد وباله عليهم، وحرضهم على ما وجدوه حاضرا لديهم، ثم تقدّم معهم وعدى بهم ماء الفرات، وجهزهم ورجع، وعلم أن الغلبة من قراه، فما كان إلا أن دخلوا البلاد، وعملوا بما أمرهم من الفساد، وتفرقت خيولهم فى الأطراف والأوقاف، وقطعوا أيدى الأشجار وأرجل الزروع من خلاف، ونزلوا بالقرب من حلب، وشنوا الغارات وجدوا فى الطلب، وجيوشنا الشامية لهم بالمرصاد، قد أخلصوا لله تعالى نية الجهاد، وهم يتقدمون إليهم كل وقت ويظهرون لهم الضعف والتأخير ليتوسطوا البلاد ويحصل هناك التدبير، فعاد منهم تومان إلى القريتين، فجهز من جيوشنا إليهم ألفان، فوجدوهم قد أخذوا أغنام التركمان، فوافوهم بالقرب من عرض فكانا كفرسى رهان، فلم يلبث الباغون {ساعَةً مِنَ النَّهارِ}

(1)

، حتى عجل الله بأرواحهم إلى النار، وبقيت أجسادهم ملقاة بأرض عرض إلى يوم العرض، ولم يفلت منهم إلا من يفعل الخير إنهم قد صاروا أخيارا، ثم أخذ منهم جماعة أسارى: كرج، وأرمن، ومغل، ونصارى.

فما أقنعهم ذلك، ولا اكتفى بأرواحهم مالك، [292] وهموا طالبين الغوطة، ولم يعلموا أن من دونها رماحا مشروعة وجيادا مربوطة، وعساكر يتأخرون عنهم قليلا بعد قليل، وجيوشنا ترصدهم بالغداة والأصيل، فلما عاينوا دمشق المحروسة ظنوا أنهم بدخولها يستبشرون، وما علموا أنهم من حولها إلى

(1)

جزء من الآية 35 من سورة الأحقاف رقم 46.

ص: 248

جهنم يحشرون، فعبروا عليها وطلعوا إلى جبل يعرف بالمانع، فأخذ الرعب من قلوبهم بالمجامع، وتحققوا أن نتيجة الغدر الهلاك، وأن مصرع البغى ليس لهم منه فكاك، فمالوا إلى جانب البرية للفرار، وطلبوا أطراف الميمنة للذلة والانكسار، فضربت عليهم جيوشنا حلقا، وسلبوهم أثواب الحياة والبقاء، ودارت بهم الخيول وبثت سنابكها سماء من العجاج نجومها الأسنة، فطارت إليهم عقبان من الجياد قوادمها القوادم وخوافيها الأعّنة، وتصوّبت عيون السمر إلى قلوبهم كأنها تطلب سويداها، وقصدت أنهار السيوف أكبادهم فكأنها أرادت تروى صداها، فشربوا كأس المنون لما تبلجت صفحات الصفاح، وعانتهم عيون الرماح، وأنشأت لهم الحوافر غمامة من الغبار، ونزلت عليهم أمطار من السهام كمطار الشرار، وأخذتهم رعود من الصّهيل، وأبرقت فى جوانبها بروق من كل سيف صقيل، ولم تغب الشمس حتى افترشوا أديم الأرض والوعر والسهل، والتجأ من بقى منهم إلى جبل يعصمهم من القتل، وباتوا عليه ليلة الأحد، وأيقنوا أن ليس ينجو منهم أحد، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة، وأيسوا من الخلاص وقنطوا من السّلامة، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وظنوا أن أرواحهم من أجسادهم قد ذهبت، ونادوا بلسان حالهم، وقد قربت مدّة آجالهم، اعتقنا أيّها الملك الرحيم، واعف عنا أيها الملك العظيم، فإننا جميعنا مسلمون ولا تؤاخذنا بما جناه كفارنا المسرفون، فإننا منهم بريئون، فأردنا أن يطلب النصر من حيث عوّدنا من العفو، فأمرنا جيوشنا أن تفتح لهم طريقا ليذهبوا، وتركناهم من فعالنا يتعجبوا، ففروا فرار الشاة من الأسد، ولم يلتفت منهم والد إلى ولد

ص: 249

فلو رأيت أيها الملك ذلك اليوم، لبقيت زمانا يروعك رؤياه فى النوم، وما كنت ترى من جيشك إلا قتيلا أو أسيرا {وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً}

(1)

فلله درّه من يوم تصاحب فيه الذئب والنسر، والقيد والأسر، وهلك الذين هم ديوية الفرسان، قد قادهم الذل والصغار ورعاة العربان، والكرج قد لحقت بقية آثارهم، وعجل الله بدمارهم، والأرمن وقد سيق من سلم منهم فى القيود إلى خزانة البنود

(2)

.

ولو نظرت عيناك ما جرى من أرض حوران إلى الفرات، لراعك وأرعبك من الهول ما كنت تراه، ولو رأيت أصحابك كيف بقوا طعم الرخم والذباب، لقلت من هول ما شاهدت:{يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً}

(3)

، وكيف لك بالتراب؟ ولكن روعك من السماع أسهل عليك من العيان، [293] فنظرك إلى من عاد إليك من أصحابك يكفيك فى البيان، وإنما لو حضرت لرأيت ذلك المقام مشهود، الذى فيه الملائكة شهود.

ولقد نصحنا لك أيها الملك فما ارعويت، وبذلنا من القول فما رعيت، وركبت من خيل البغى أجرى كميت، وقلنا لك إن من جرد سيف البغى كان به المقتول، فلم تع القول ولم تصغ لمن يقول، فاستيقظ لنفسك، وتلق هذه المصيبة التى تدخل بها إلى رمسك، ولا يغرك بالله الغرور، واعلم أن ذلك فى

(1)

جزء من الآية 26 من سورة الفرقان رقم 25.

(2)

خزانة البنود: أنشاها الخليفة الظاهر الفاطمى بالقاهرة فيما بين قصر الشوق وباب العيد لخزن وصنع أنواع البنود من الرايات والأعلام، ثم احترقت سنة 461 هـ، وجعلت بعد ذلك حبسا للأمراء والوزراء والأعيان، وفى العصر الأيوبى أصبحت منازل للأسرى من الفرنج وغيرهم - صبح الأعشى ج 3 ص 354، المواعظ والاعتبار ج 1 ص 423.

(3)

جزء من الآية رقم 40 من سورة النبأ رقم 78.

ص: 250

الكتاب مسطور، واندك المين بالإيمان، ودع عنك ما يسوله الشيطان، فإنه ما يأمرك إلا بما جنيت ثماره، ولا تحصد إلا ما زرعت بذاره.

وأنت تزعم أن الإسلام شريعتك وبه تدين، فنجتمع نحن وأنت على كلمة الإيمان، {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}

(1)

وتخرج عن بغداد والعراق ونعيدها إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى شرق به ظلام الآفاق، ونتبع نحن وأنت أمره ونؤيد به هذا الدين، ومن فعل غير هذا فعليه اللعنة إلى يوم الدين، لتعلم أنك كما تزعم متمسك بشريعة المسلمين، وإن أنت سولت لك نفسك خلاف ذلك، فأنت لا محالة هالك، وعن قليل تخلو منك العراق والعجم، ويصير وجودك إلى العدم، وقد أوضحنا لك القول لكيلا تميل، وهديناك إلى أقوم سبيل، ثم تتقدم بإرسال رسلنا المسيّرة إليك فى أتم الكرامة، وتسيّر معهم من يوصلهم إلينا فى حرز الأمن والسلامة، وترتحل بمن بقى من جيشك إلى طبرستان، وتخلى لمالكها هذه الأوطان.

وبلغنا أنك قلت إن خيلك ورجلك تدخل الديار المصرية، فقد صدقت أنت لكن المنجميّن غلطوا فى القضية، أما الخيل فإنها دخلت مجنونة، وأما الرجال فكان فى حلوقهم الطبول وبأيديهم الصناجق مقلوبة، فقد صدقت منهم المقال، وتباركت بهذا الفأل، وعن قليل نأتيك برجال تميد من تحتها الأرض وتزحف، فترى ما يهولك حتى تتمنى أن تنجو ولو على بطنك تزحف، فتيقظ من رقدة المنام، وبادر الرحيل، والسلام.

(1)

جزء من الآية رقم 60 من سورة البقرة رقم 2.

ص: 251

‌ذكر من استشهد من أمراء المسلمين:

الأمير حسام الدين الأستادار، والامير مبارز الدين أوليا بن قرمان، والأمير شمس الدين سنقر الكافرى، والأمير عز الدين أيدمر الشمسى القشاش، والأمير جمال الدين أقوش الشمسى الحاجب، وعز الدين أيدمر الرفا المنصورى، وعز الدين أيدمر النقيب، وعلاء الدين على [بن]

(1)

ددا التركمانى، وحسام الدين على بن باخل، واستشهد من أجناد الأمراء وغيرهم تقدير ألف فارس

(2)

.

وقال صاحب النزهة: وكان ولد الأمير حسام الدين الأستادار قد حمل والده فى تابوت وأحضره إلى دمشق على أنه يدفنه بها، فشاور الأمراء، فأنكر عليه الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير والأمير سيف الدين سلار وقالا:

إحضره، فأحضره، وكشفوا التابوت ورأوا تلك الشيبة الحسنة وقد تخضبت بالدماء [294] وفى وجهه أثر ضرب السيوف وقد أصاب نحره النشّاب، وقد ملئ سلاحه دما، فلما رأوا ذلك تباكوا، وتمنى كل منهم أن يموت هذه الموتة، وأشاروا لبعض أمراء دمشق ووالى البر أن يركبوا ويذهبوا إلى موضع الوقعة ويجمعوا من يجدونه من الموتى من الأمراء وغيرهم، ويدفنون الجميع - من غير أن يغسلوهم - فى مكان واحد، ثم تبنى عليهم قبة، وأمروا أن يدفنوا الجند والمماليك الذين قتلوا مع أستاذهم خارج القبة.

وقال الراوى: أخبرنى من حضر دفنهم أنه شاهد الأمير أوليا بن قرمان وعليه من الأنوار والجلالة والمهابة ما لا رآه على أحد غيره، وأخبر عن بعض

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 240 ب.

ص: 252

العسكر الذين أسروا من عدة جوبان أنهم لما قصدوا للقتال كان ابن قزمان هذا راكبا حصانا أشهب، وأنه كان يعرف أستاذهم جوبان، فما جعل دأبه إلا هذا، وكان يحمل إلى أن يكاد يقرب منه، فتردّه جماعته، فينعطف، فيأتى من مكان آخر، وعلم جوبان أيضا قصده إياه، قصده فى جماعته ولم يبق بينهما إلا القليل، فرماه سلحدار جوبان بياسج فى خاصرته، فمال عن فرسه، ثم استوى، ثم قصده ثانيا، فقتل فرسه بسهمين متواليين ووقع إلى الأرض، ونهض ابن قزمان قائما، فرماه ذلك السلحدار فى وجهه وفى صدره إلى أن وقع واستشهد. فقال جوبان:

هذا أمير كبير، عرفه بلبسه وفرسه.

وأما الأمير حسام الدين الأستادار فإنه من حين وقع بينه وبين سنقر العلائى قدام الأمراء والسلطان لم يسمع أحد عنه كلاما غير وصيته لولده على بناته ومماليكه، ثم قال: كنت أنتظر هذا اليوم، والله لا عشت بعد هذا اليوم، وقد عشنا سعداء، ونرجو أن نلقى الله ونحن شهداء، ثم إنه من حيث جذب سيفه وتقدم لم يلتفت إلى أحد بوجهه، ولا سمعوا منه غير الله أكبر، فقاتل حتى قتل.

‌ذكر رحيل السلطان من دمشق ودخوله القاهرة:

أقام السلطان بدمشق مع العسكر إلى يوم عيد الفطر، وقد ذكرنا أنه قد دخلها فى الخامس من رمضان

(1)

، وكان عيدا عظيما لما اتفق فيه من نصرة أهل الإسلام واجتماع شملهم بالأمن والطمأنينة، ثم رحل السلطان من دمشق فى الثالث من شوال، فوصل فى ذلك اليوم شمردل الركاب، وأخبر السلطان والعسكر أن القاهرة قد صنعوا فيها زينة عظيمة وقلاعا، والناس فى أرعد عيش وأطيبه.

(1)

انظر ما سبق ص 244.

ص: 253

وقال ابن كثير: عاد السلطان إلى مصر مع العسكر فى يوم الثلاثاء

(1)

الثالث من شوال، ودخل القاهرة يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شوال مؤيدا منصورا، وزين له البلد، وكان يوما مشهودا

(2)

، ويوم دخوله القاهرة كانت الأسارى بين يديه مقرنين فى الأصفاد، وسناجق بأيديهم منكوسة، وطبولهم معكوسة، وشق المدينة، ولما وصل السلطان إلى تربة والده الشهيد الملك المنصور قلاون ترجل ودخل إلى ضريحه وزاره ثم [295] ركب والأمراء فى ركابه يمشون إلى أن طلع القلعة، وتحت حوافر فرسه شقق حرير مبسوطة.

وقال بيبرس فى تاريخه: وكانت مدة هذه السفرة السافرة عن وجه النجاح، المشرقة إشراق الصباح منذ استقلال ركابه وإلى حين إيابه تمانين يوما، وصل فيها إلى الشام وكسر عدوّ الإسلام، ورتب أحوال البلاد وأعاد النازحين بين الربى والوهاد

(3)

.

وقال صاحب النزهة: لما قدم السلطان إلى القاهرة خرج إليه سائر من كان فى مصر من الجند والعامة وسائر المتعيشين والحرافيش، ولم يبق فى البيوت من النساء والأطفال أحد، وبلغت بيوت الأرباع التى على طريقه كل بيت منها بمائة درهم وأكثر، وأقلها خمسون درهما

(4)

، وكان عبوره من باب النصر

(1)

إذا كان الثلاثاء 23 شوال حسب ما ورد فى المصادر، فيكون رحيل السلطان يوم الأربعاء ثالث شوال.

(2)

إلى هنا ينتهى الخبر الوارد فى البداية والنهاية ج 14 ص 26 - 27.

(3)

لا يوجد هذا النص فى مخطوط زبدة الفكرة الذى بين أيدينا لوجود نقص فى أوراق المخطوط

(4)

المقصود: «وبلغ كراء البيت الذى يمر عليه السلطان من خمسين درهما إلى مائة درهم» انظر النجوم الزاهرة ج 8 ص 166

ص: 254

لأجل ما اتفق من نصب القلاع التى صنعها الأمراء وتباهوا فيها لما حضر الأمير بدر الدين الفتاح بالبشارة بنصرة المسلمين وهزيمة العدو كما ذكرنا.

وكانوا قد قرأوا كتاب البشارة بحضور نائب الغيبة الأمير أيبك البغدادى، وكان من إنشاء القاضى علاء الدين بن عبد الظاهر.

بسم الله الرحمن الرحيم: {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}

(1)

، خصه الله من البشائر بأحسنها وأجملها، ومن التهانى بأتمها وأكملها، ومن المسرات بأوفرها وأجزلها.

نعلمه أن التتار المخذولين كانوا قد امتدوا إلى البلاد المحروسة ووصلوا إلى حمص، وتعدوا جهة دمشق، وكانت العساكر المنصورة بحلب وحمص قد انضموا إلى دمشق، وعند وصولنا إلى مرج شقحب ساق التتار المخذلون، ووصلوا إلى المنزلة التى نحن بها، وكانوا فى العدد الذى لا يحصى، وذكر عدتهم عن مائة ألف أو يزيدون، وللوقت قابلناهم بالعزائم الصادقة، والنيات الخالصة وركبنا بالجيوش المؤيدة، وصدمناهم بالعساكر المنصورة الصدمة العظمى، ومازال الحرب إلى أن نصر الله تعالى عليهم، وقتل منهم ما لا يحصى عددهم إلا الله، ثم بعد ذلك استند من بقى منهم إلى جبل واجتمعوا به، فأحاطت عساكرنا المنصورة بهم، ومازلنا راكبين بأنفسنا وخيولنا، مجاهدين فى الليل والنهار، والحرب قائمة على أوزارها، وفى كل وقت يتناقص عددهم حتى امتلأت من قتلاهم الأرض، واتهزموا من بين أيدينا، وكسبت العساكر المنصورة من أموالهم وخيولهم ما فتح الله، وبقينا يومين وليلة فى مضايقتهم فى الجبال التى تحصنوا بها

(1)

جزء من الآية رقم 13 من سورة الصف رقم 61.

ص: 255

إلى ظهورهم ثانى شهر رمضان، فنزلوا على حمية وساقت عساكرنا المنصورة فى إثرهم إلى أن قتلوهم عن آخرهم بقوة الله تعالى.

وسطرت هذه المكاتبة، ونحن نحمد الله تعالى طيبون سالمون، نحن وأمراؤنا وعساكرنا المنصورة، وقد رحلنا إلى دمشق، وكتهنا للجناب أن يشيع خبر هذه البشارة {أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

(1)

.

ولما وقف عليها، وفرحت قلوب الناس، واطمأنت أهل البلاد. واتفق رأيه مع الأمير بدر الدين الفتاح أن يصنعوا زينة مفتخرة، يراها السلطان والعسكر، وذكروا زينة السلطان الملك الأشرف عند أخذ عكا، وطلب سائر مباشرى الأمراء [296] وعرفهم أن مرسوم السلطان برز: يعمل كل أمير قلعة وتزيينها بأفخر ملبوس، ويكون من باب النصر

(2)

إلى باب السلسلة

(3)

، وعرفهم أنه متى فرغ شهر رمضان وتأخر عمل ذلك كانت روحه وماله للسلطان، وكتب مراسيم لسائر الأقاليم أنهم لا يدعون فى بلاد الأمراء من مغانى العرب ولا من أرباب الملهى أحد إلا ويرسلوه إلى المدينة، وكل أمير فى بلده مغانى تأتى وتكون فى قلعة ذلك الأمير، وطلب ناصر الدين الشيخى متولى المدينة وعرفه أن يأخذ أستادرية الأمراء ويرتب لكل أحد مكانا ويسلمه إليه، ثم شرع المباشرون فى طلب الصناع بحيث أنه نودى على أرباب الصنائع أن أحدا منهم لا يعمل عند أحد وأن أحدا لا يستعمل أحدا منهم حتى يفرغ العمل الذى عينوه، ثم وقع الاهتمام فى أمر

(1)

جزء من الآية رقم 28 من سورة الرعد رقم 13.

(2)

باب النصر: أحد أبواب القاهرة فى سورها الشمالى - المواعظ والاعتبار.

(3)

باب السلسلة: أحد أبواب قلعة الجبل - المواعظ والاعتبار.

ص: 256

العمل، وتحسنت معيشة التجار سيما تجارة الخشب والقصب وآلة النجارة، واستعملت الحرافيش بالأجرة، وشرع كل أحد يفتخر بصنعه على غيره من أرباب جنسه، وعملوا قلاعا حسنة عظيمة، ووضعوا فيها آلات الحرب والحصار وجعلوا فيها من الصور المضحكة والوحوش والخيالة والفرسان، وزين كل أحد قلعته بأفخر ما يقدر عليه من الفصوص واللآلى والحرير والزركش والأشياء المفتخرة.

وما فرغ شهر رمضان إلاّ وجميع القلاع قد تكامل عملها وزينتها.

وكان أول القلاع على باب النصر، صنعه متولى المدينة، ودخل على النائب بهذا السبب، وصنع فيها من كل شئ من الهزل والجدّ، وعمل حيضانا

(1)

برسم السكر والليمون، وعين هنالك مماليك بأيديهم كاسات يسقون الجند والأمراء.

وعند وصول السلطان إلى باب النصر ترجلت أرباب الوظائف، وأول من ترجل على كبر سنه كان الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح، وأخذ السلاح

(2)

، فطلبه السلطان وسأله أن يركب ويحمل السلاح وهو راكب، فأبى ذلك، وحمل الأمير مبارز الدين الرومى أمير شكار القبة والطير

(3)

، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار العصاة

(4)

، والأمير سيف الدين سنجر الجمقدار الدبّوس، ومشت سائر الأمراء فى منازلها، وكان كل أمير من أصحاب القلاع بسط شققا

(1)

حيضان - أحواض - حياض: جمع حوض - لسان العرب، وانظر أيضا المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية ص 38.

(2)

«وأخذ سلاح السلطان» - فى السلوك ج 1 ص 939.

(3)

يبدو أن المقصود بهما المظلة - انظر صبح الأعشى ج 4 ص 7 وما بعدها.

(4)

المقصود الصولجان.

ص: 257

أطلس كل واحد من حد قلعته إلى قلعة صاحبه، وكان السلطان يمشى هوينا والأسراء بين يديه مقيدين، والأرقاب المضروبة معلقة فى أرقابهم، ونحو ألف رأس على الأرماح مشتالة، ونحو ألف وستمائة أسير وطبولهم مخرقة فى حلوقهم.

وكانت الثانية من القلاع للأمير علاء الدين مغلطاى أمير مجلس

(1)

، وبعده لابن أيتمش السعدى، ثم للأمير علم الدين الجاولى، ثم للأمير سيف الدين تغريل الأيغانى، ثم للأمير سيف الدين بهادر اليوسفى، ثم للأمير سيف الدين سودى، ثم للأمير بدر الدين بيليك الخطيرى، [ثم برلغى]

(2)

، ثم للأمير مبارز الدين أمير شكار، ثم للأمير عز الدين أيبك الخزندار، ثم للأمير شمس الدين سنقر الأعسر، ثم للأمير ركن الدين بيبرس الدوادار، ثم للأمير شمس الدين سنقر الكمالى

(3)

، ثم للأمير مظهر الدين موسى بن الملك الصالح، [297] ثم للأمير سيف الدين آل ملك، ثم للأمير علم الدين الصوابى، ثم للأمير جمال الدين الطشلاقى، ثم للأمير سيف الدين آدم، ثم للأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة، ثم للأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ثم للأمير بدر الدين أمير سلاح، ثم للطواشى شهاب الدين مرشد الخزندار على باب المنصورية وبعده للأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار، ثم للأمير عز الدين أيبك البغدادى، ثم لابن الأمير سيف الدين أمير سلاح، ثم للأمير بكتوت الفتاح، [ثم تباكر التغريلى]

(4)

، ثم للأمير قلّى

(1)

«ابن أمير مجلس» - فى الأصل، والتصحيح من النجوم الزاهرة ج 8 ص 167.

(2)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 940.

(3)

«الكاملى» - فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 167.

(4)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 940، «قاكز الطغريلى» - فى النجوم الزاهرة ج 8 ص 168.

ص: 258

السلحدار، ثم لبكتمر السلحدار

(1)

، ثم للاجين زيرباج

(2)

الجاشنكير، ثم لطيبرس الخردارى

(3)

نقيب الجيش، ثم لبلان طرنا، ثم لسنقر العلائى، ثم لبهاء الدين يعقوبا، ثم للأمير الأبوبكرى، ثم لبهادر العزّى، [وكوكاى بعده

(4)

]، ثم لقرا لاجين، ثم لكراى المنصورى، ثم للأمير جمال الدين الموصلى قتال السبع على باب زويلة، ومنه اتصل القلاع إلى باب السلسلة، وأولها من باب النصر كما ذكرنا، وكانت عدة القلاع سبعين قلعة.

‌ذكر ما استجد فى هذه السنة من الولايات:

وفيها استعفى الأمير سيف الدين بتخاص من نيابة صفد، وتولاها الأمير شمس الدين سنقرجاه المنصورى، وأقام بتخاص بمصر، ورسم بنقل الأمير سيف الدين قفجق من مدينة الشوبك إلى نيابة حماة بحكم وفاة نائبها، ورسم للأمير سيف الدين بلبان الجوكندار بنيابة حمص بحكم وفاة نائبها الأمير سيف ألبكى، وكان بلبان المذكور نائب قلعة دمشق تولاها عوضا عن الأمير سنجر المعروف بأرجواش بحكم وفاته، ثم تولى نيابة قلعة دمشق عوضا عن بلبان المذكور الأمير ركن الدين بيبرس التلادى، ثم استعفى الأمير بلبان المذكور عن نيابة حمص، وتولاها الأمير عز الدين الحموى الظاهرى.

وفوض قضاء القضاة الشافعية بالشام للقاضى نجم الدين أبى العباس أحمد ابن صصرى الشافعى، عوضا عن بدر الدين بن جماعة، وطلب بدر الدين

(1)

«ثم لبكتمر السلحدار» - لم ترد فى السلوك والنجوم الزاهرة.

(2)

«زبرباج» فى، السلوك.

(3)

«الخازندارى» فى السلوك، النجوم الزاهرة.

(4)

[] إضافة من السلوك.

ص: 259

للقاهرة، فتولى قضاءها، عوضا عن تقى الدين ابن دقيق العيد بحكم وفاته، وفوضت خطابة جامع بنى أمية لزين الدين عبد الله

(1)

بن مروان الشافعى الفارقى، وفوضت مشيخة الشيوخ بالشمبساطيّة للقاضى جمال الدين الزّرعى

(2)

، ثم عزل، وفوضت للشيخ أبى عز الدين بن عبد السلام، ثم عزل، وفوضت للشيخ صفى

(3)

الدين محمد الأرموى

(4)

المعروف بالهند بسؤال من الصوفية، وباشر الشيخ شرف الدين الفزارى مشيخة دار الحديث الظاهرية، عوضا عن الشيخ شرف الدين

(5)

الناسخ.

‌ذكر الزلزلة الكائنة بالبلاد المصرية:

قال بيبرس فى تاريخه

(6)

: وفيها فى يوم الخميس الثالث والعشرين من ذى الحجة:

حدثت زلزلة عظيمة بكرة النهار بالقاهرة ومصر وسائر أعمال الديار المصرية، وخاصة فى ثغر الإسكندرية، وكانت عظيمة حتى أن الجدر

(7)

تساقطت، والجبال

(1)

هو: عبد الله بن مروان عبد الله بن الحسن الفارقى، شيخ الشافعية، توفى سنة 703 هـ/ 1203 م - انظر ما يلى فى وفيات 703 هـ.

(2)

هو: سليمان بن عمر بن سالم، قاضى القضاة جمال الدين، أبو الربيع الأذرعى، والزرعى، الشافعى، توفى سنة 734 هـ/ 1333 م - المنهل الصافى ج 6 ص 46 - 48 رقم 1094

(3)

هو: محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموى، الهندى، الشافعى، شيخ الشيوخ صفى الدين أبو عبد الله المتوفى سنة 715 هـ/ 1315 م - شذرات الذهب ج 7 ص 37.

(4)

«الأموى» فى الأصل، والتصحيح من شذرات الذهب.

(5)

هو: عمر بن محمد بن عمر بن حسن بن خواجا إمام الفارسى، شرف الدين، المعروف بالناسخ، المتوفى سنة 72 هـ 1302 م - انظر ما يلى فى وفيات 702 هـ.

(6)

لا يوجد النص التالى فى مخطوط زبدة الفكرة الذى بين أيدينا لوجود نقص فى أوراق المخطوط، وانظر ما ورد فى التحفة الملوكية ص 173.

(7)

جدار، جدر وجدران: والجدار هو الحائط، ويطلق على الحوائط الداخلية للغرف، أو الحوائط الخارجية التى بين الديار - المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية ص 28، 32.

ص: 260

تشققت، والمبانى تهدمت، والصخور تقطعت، والمياه من خلال الأرضين تفجرت، ومادت الأرض بمن عليها، وماجت المساكن بساكنيها، وتشعثت الأسوار والأركان، وثار الصراخ بكل مكان، وخرجت النساء حاسرات إلى الطرقات، وظن الناس أنها إماتة الأحياء وقيامة الأموات، وابتهلوا إلى رب السموات لما عراهم من المخافات، فأدركتهم رأفته، وأنقذتهم رحمته بأن سكّن [298] زلزالها، وخفّف أهوالها، ولو دامت ثلث ساعة من النهار لم يبق على الأرض دار ولا ثبت بها جدار، فكان تقصير مسافتها وتخفيف آفتها لطفا من الله بعباده، ومنّة على ساكنى بلاده، وأثرت فى البحرين العذب والأجاج، وأثارت فيهما الأمواج، وارتج كل منهما غاية الارتجاج، وكان تأثيرها قويا جدا بالإسكندرية والنواحى الغربية، وهدمت بالثغر أكثر الأبراج والأسوار، ورمت جانبا وافرا من المنار، وفاض البحر المالح وطمىّ، وتعطمط الماء وأغرق قماش القصارين، وكسر قوارب البحارين، وقطع مراسى المراكب الفرنجية وطرح أكثرها إلى الأسوار والشعاب.

ولما عاين أهل الثغر هيجان البحار، وانهدام المنار، وتساقط المآذن والأسوار وتناثر الأحجار من الجدران، وتداعى الأركان المشيدة البنيان، بادروا مسرعين وخرجوا من باب السدرة هاربين، ولما سكّن الله حركتها، وأذهب رجفتها، تراجعوا إلى أماكنهم، وعادوا إلى مساكنهم.

وتواترت الأخبار، فإن الزلزلة المذكورة كانت قوية الأثر فى البلاد الغربية والجزائر البحرية، وجهات الفرنجية، وأنها أيضا حدثت فى تلك الساعة وذلك النهار ببلاد الكرك والشوبك والسواد وتلك الأقطار.

ص: 261

وحكى أن شخصا من الباعة يبيع اللبن فى بعض الحوانيت بالقاهرة سقط فى الزلزلة حانوته عليه، وظنه الناس قد مات وأقام ثلاثة أيام ولياليها تحت الردم، ثم نظف التراب ووجد الرجل سالما وأخرج حيّا سويا، لأنه تشبكت عليه الأخشاب، وحملت عنه الطوب والتراب، وسلمت له من حانوته جرة لبن، فكان يقتات منها إلى أن نظف عنه الردم.

وفيها: سقط جانب من قلعة صفد وأسوارها، وبرج الباب، عند حدوث هذه الزلزلة، فرممت فى السنة القابلة.

وفيها: تهدّم جانب من جامع بنى أمية وأعيد ترميمه، وأقام الناس أياما وهم خائفون وجلون، ومن مكان إلى مكان ينتقلون، ولمعاودة الزلزلة متوقعون وكان ذلك فى الصيف فتوالت بعدها سموم تلفح فتشوى الوجوه حين تنفخ، ولم يمت مع ذلك إلاّ نفر قليل بالقاهرة ومصر وثغر الإسكندرية.

وقال النويرى: وجزر البحر باسكندرية، ثم رجع فأتلف أموالا عظيمة للتجار، وغرق جماعة كثيرة، وانكشف البحر بساحل عكا، فظهر فى قاعه شئ كثير مما ألقاه أهل عكا فى مدّة حصارها، فتبادر الناس لأخذه، فرجع البحر عليهم فغرّقهم عن آخرهم.

وقال صاحب النزهة: قد تقدم ذكر الاهتمام بعمل القلاع والتفاخر فى زينتها، وكان ابتداء ذلك خامس رمضان وانتهاؤه فى العشر الأخير، وتهتكت الخلائق على التفرج عليها، ولم يخشو الله تعالى، واستمروا على ذلك إلى [أن

(1)

] استهل شوال، ومشى فيهم المنكر والأمور القبيحة، وصار لكل قلعة أهل يحمل إليها من

(1)

[] إضافة تتفق وسياق الكلام.

ص: 262

المحرمات، ويتجاهرون بالمعاصى، وتهتكت بسبب ذلك مخدّرات النساء، وافتضح من كان يخشى الفضيحة من كل مستور، ولم يبق فى المدينة من أكابر البيوت من الأمراء وغيرهم من الأعيان إلا من خرج من بيته مع غلمان أو خدام أو قهرمانات

(1)

، وكان يرى ما يذهله ويروع به عقله، حتى كان يطرح الحشمة ويستحسن الفضيحة.

وطمس الله على قلوبهم، لقضائه السابق وأمره اللاحق، حتى أرسل الله عليهم زلزلة [299] عظيمة يوم الخميس الثالث والعشرين من ذى الحجة عند صلاة الصبح، فتزلزلت الأرض بأركانها، وسمعت للحيطان قعقعة ورعدة، وكذلك السقوف، ومالت الأرض بالماشى وأخرجته عن طريقه، وأرمت الراكب، وقيل للخلق إن السماء انطبقت على الأرض، فكان الماشى يهرب من الخوف إلى زقاق آخر فيجد فيه من الرعد والقعقعة أكثر مما هرب منه، وخرجت النساء مستبيّات حاسرات، فما قدرت من الخوف أن تأخذ شيئا تستتربه، وكذلك البنات والأطفال، وخرجت الفقراء من المساجد والزوايا، وأسقطت كثير من النساء الحبالى حملها، وورد على البحر ريح بموج عاصف متلاطم، ففاض البحر فيضا حتى طلع بالمراكب التى على ساحل البحر وحدفهم من البحر مع الريح مقدار رمية نشاب، ثم لما عاد الماء إلى حاله بقيت المراكب على اليبس، فتقطعت مراسها، وكذلك مراكب المسافرين اقتلعها الريح من وسط البحر إلى ساحل البر.

وقد ضرب كثير من الأمراء خياما فى الفضاء وأخرجوا حريمهم إليهم، وكذلك خرجت خلق كثير نحو بولاق والجزيرة والروضة وغير ذلك،

(1)

القهرمان: الوكيل، أو أمين الدخل والخرج - المنجد.

ص: 263

وأصبحت المدينة إذا نظر إليها إنسان لا يجد فيها بيتا صحيحا، إما هدم منه حائط أو وقع منه جانب، أو اشتق بناؤه، وهدمت الأزربة

(1)

التى على البيوت، وبقيت الأتربة والطوب أكواما أمام البيوت، وقنتوا فى صبح الجمعة وفى ليلتها فى سائر الجوامع والمساجد، وأقاموا ليلتهم ويومهم إلى حين صلاة الجمعة واقفين يبتهلون إلى الله تعالى ويتضرعون.

ثم جاءت الأخبار من إقليم الغربية أن بعض بلادها وهى تعرف بسخا هدم جميعه حتى لم يبق فيه حائط، فصار كوما، وكذا جرى على قريتين أخريتين وكذا وقع بإقليم الشرقية.

ثم شرع الأمراء والسلطان فى افتقاد الأعمال الضرورية التى لا بد منها ومن إصلاحها.

وقد أفلح الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة ما هدم من الجامع العمرى بمصر، وأصرف عليه مالا جزيلا.

وتصدى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير لعمارة جامع الحاكم بأمر الله، وقد كان هدم منه حائط كبير ووقعت مأذنته، ولما نزل إليه ومعه المهندسون والمباشرون قال لهم: اجعلوا بالكم فى هدم ما يستحق الهدم، فإنى سمعت أن فى ركن من أركان هذه المأذنة ذهبا كثيرا ادخره الحاكم بأمر الله، وربما أحاط بحكمته أن يعرض على هذا الجامع عارض من أمر الله يكون ذلك الذهب برسمه وعمارته، فإنه كان رجلا حكيما، ثم إنه عمّره كما ينبغى وزاد فيه زيادة واسعة

(1)

أزربة، زروب: جمع زرب، وهى المزارب أو الميزاب: قناة توضع فى أرضية الأسطح وترز من حائط المبنى لإزالة مياه الأمطار وغيره خارج هذه الأسطح - انظر المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية ص 59.

ص: 264

للمصلين، وجددّ المأذنة وعمر فيها زيادة، وأوقف عليه أوقافا حسنة، ووضع فيه مدرسا، وحديثا، وصدقة، ومؤذنين، وقراء، وفقهاء، ورتب لهم الرواتب والصدقات، وأوقف وقفا يكفى ذلك كله

(1)

، وعند هدم المأذنة وجدوا فى ركن منها كفا بزنده ملفوفا فى قطن، وعليه أسطر مكتوبة لم يعلم أحد ما هى، والكف طرية، وعجزوا عن قراءة الكتابة.

وتصدى الأمير سيف الدين سلار لعمارة الجامع الأزهر وإصلاحه، وإصلاح مأذنته، وإصلاح الواجهة التى وقعت، وجدّد فيه جميع أماكنه، وبلّطه وبيّضه، وأنفق عليه نفقات كثيرة، وكان للأمير شمس الدين سنقر الأعسر مشاركة له فى الجامع الأزهر.

وعمر جامع الصالح الذى خارج باب الزويلة من مال بيت المال، وكان الأمير علم الدين سنجر مشده، وأرصدوا لعمارة مأذنة [300] المنصورية الأمير سيف الدين كهرواس الزرّاق، وأصرف على عمارتها من مال الوقف، ورسم للأمير ركن الدين بيبرس بالسفر لثغر إسكندرية ليكشف

(2)

ما هدم من المنار وغيره، وأن يرمم جميع ما يحتاج إلى الترميم، وكان نائب إسكندرية كتب إلى السلطان أن الذى هدم من المنارستا وأربعين بدنة

(3)

، ومن السور خمس عشرة بدنة، ورسم السلطان أن يعمر جميع ذلك من مال السلطان.

(1)

انظر وثائق وقف السلطان بيبرس الجاشنكير - فهرست وثائق القاهرة ص 8 - 9 مسلسل 25، 26.

(2)

«ليكشف» فى الأصل.

(3)

البدنة: فى العمارة المملوكية هى الدعامة القائمة بذاتها، أى حاملة، وتكون عادة من الطوب أو الحجر، وقد تكون مربعة أو مستطيلة المسقط - المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية ص 20.

ص: 265

‌ذكر ظهور دابّة عجيبة من النيل:

بتاريخ يوم الخميس الرابع من جمادى الآخرة: ظهرت دابة عجيبة الخلق

(1)

من بحر النيل إلى أرض المنوفية، وهذه صفتها: لونها لون الجاموس بلا شعر، وآذانها كآذان الجمل، وعيناها وفرجها مثل الناقة، يغطى فرجها ذنب طوله شبر ونصف طرفه كذنب السمك، ورقبتها مثل غلظ الكيس

(2)

المحشوّ تبنا، وفمها وشفتاها مثل الكربال، ولها أربعة أنياب اثنان من فوق واثنان من أسفل طولها دون شبر وعرض أصبعين، وفى فمها ثمانية وأربعون ضرسا وسنا مثل بنادق الشطرنج، وطول يديها من باطنها إلى الأرض شبران ونصف، ومن ركبتها إلى حافرها مثل أظافير الجمل، وعرض ظهرها مقدار ذراعين ونصف، وطولها من فمها إلى ذنبها خمسة عشر قدما

(3)

، وفى بطنها ثلاثة كروش، ولحمها أحمر، وزفرته مثل السمك، وطعمه كلحم الجمل، وغلظ جلدها أربع أصابع ما تعمل فيه السيوف، وحمل جلدها على خمسة جمال

(4)

فى مقدار ساعة من ثقله على جمل بعد جمل، وأحضروه إلى القلعة المعمورة بحضرة السلطان، وحشوه تبنا، وأقاموه بين يديه، ذكر هذا الشيخ علم الدين البرزالى فى تاريخه.

وقال النويرى: وهى التى تسمى فرس البحر، كانت تطلع ترعى فى البرّ، ثم تعود إلى البحر، فرصدها الصيادون وصادوها بالمنوفية، وهى سوداء قدر

(1)

«تعرف بفرس البحر» - فى كنز الدرر ج 9 ص 80.

(2)

«التيس» فى السلوك، و «التليس» فى النجوم الزاهرة، و «التيس» فى البداية والنهاية.

(3)

هكذا بالأصل.

(4)

«أجمال» فى الأصل.

ص: 266

البغل، بأظلاف كأظلاف البقر، وذنب قصير، وسلخت وحمل جلدها إلى القاهرة وحشّى تبنا، وتعجب الناس منه.

قال صاحب النزهة: وكانت هذه الدابة تأتى من نحو جزيرة مقابل شبرا، وتنتقل فى الأماكن، وتؤذى كثيرا من الزرع والمواشى، ولا يجسر أحد على أن يقربها، وبلغ ذلك الأمراء، وطلبوا متولى الجزيرة وأمروه أن يجمع عليها أهل البلاد ويتحيلون على مسكها، فجمعوا خلقا كثيرا، وتتبعوا آثارها أياما، وهى كلما رأت الرجال تحيد عنهم، وإذا غلبت تنزل إلى البحر، إلى أن أرموها فى مكان وحل وتكاثروا عليها إلى أن قتلوها.

‌ذكر ما أبطله الأمير بيبرس رحمه الله من الأمور المنكرة:

منها: كتب إلى مكة أن لا يمكنوا الزيدية من الآذان الذى كانوا يجهرون فيه بقولهم: حىّ على خير العمل، وأن لا يقتدوا بإمام منهم، ولا يدعوا أهل السنة أن يصلوا معهم.

ومنها: ما كانت أهل مكة تربط الحاج بالصعود إلى التمسك بالعروة الوثقى، فكان الحاج يقاسى من الصعود إليها أمرا عظيما حتى يصل إليها، [301] وكان أكثر الشدة على النساء، وربما كان ينكشف عوراتهم

(1)

، وكان كثير من الحرامية يقفون ويعاينون الناس عند انكشاف ما عليهم من نفقة مربوطة على وسطه من ذهب أو فضة فيتحيلون على أخذها.

ومنها: أن النصارى كانوا يزعمون أن كبراءهم من علمائهم كانوا يزعمون أن إصبعا من أصابع أحد الحواريين موضوعا فى تابوت، فإذا جاء أوان

(1)

هكذا بالأصل.

ص: 267

احتياجهم إلى زيادة النيل يرمون ذلك الأصبع فى البحر فيزداد، ومتى لم يرموه لم يزد شيئا، وكان يجتمع فى ذلك اليوم الذى يرمى الأصبع فيه خلق من سائر الأقاليم من أهل الملة النصرانية ويركبون الخيل فى ذلك اليوم ويلعبون عليها، وكان أهل مصر والقاهرة يرحلون إليهم فى المراكب والخيل، ويضربون الخيام على جانبى البحر وفى وسط الجزائر، ولا يبقى شئ من الملاهى وأرباب الطرب إلاّ ويكون هناك فى ذلك اليوم، ويجتمع هناك نساء خواطى، وربما يقتل فيه قتيل، وتقوم فيه فتن، وتباع فيه الخمور بنحو مائة ألف درهم.

قال صاحب التاريخ: حكى لى بعض النصارى أنه باع فى ذلك اليوم خمورا بإثنى عشر ألف درهم، ولما جاء أوان عيده سيّر الأمير ركن الدين بيبرس متولى المدينة وجماعة من الحجاب ومنعوهم عن ذلك، وكتب للولاة أن ينادوا فى النصارى أن لا يخرج أحد فى ذلك اليوم، ولما بلغ ذلك النصارى اجتمعوا بالتاج بن سعد الدولة ودخلوا عليه على أن يتحدث مع الأمير بيبرس، لما كانوا يعلمون من منزلته عنده، فشرع فى الحديث معه من طريق الأموال، وأن هذا يحصل منه مال عظيم، والعادة جارية به، فلم يلتفت إلى كلامهم وقال: إن كان النيل ما يزيد إلا بهذا الأصبع لا يزيد ولا يطلع، وإن كان الله عز وجل يتصرف فيه كيف يشاء فهؤلاء يفشرون، فأبطله

(1)

.

ومنها: أن القمامة

(2)

التى بالقدس الشريف كان فى وسطها قنديل كبير، صنعته أكابر النصارى، وفى كل سنة يوم معلوم عندهم يجتمع إليه النصارى من

(1)

المقصود: إبطال عيد الشهيد، انظر السلوك ج 1 ص 941 - 942، وعن عيد الشهيد انظر المواعظ والاعتبار ج 1 ص 68 وما بعدها.

(2)

هى كنيسة القمامة أو القيامة.

ص: 268

سائر الأجناس، ولا يوقد ذلك القنديل فى كل السنة إلا فى ذلك اليوم، ولا يظهر نوره إلا فى الرابعة من ذلك اليوم، ومتى أبطأ فى ذلك الوقت يقولون:

إن نيل مصر فى هذه السنة شحيح، وكانت عادة السلطان يبعث إليها قرب هذا اليوم من يثق بأمانته. فيحصّل شيئا كثيرا من الذهب والفضة وسائر التحف، ثم يحضره إلى السلطان، وينقل من زيت ذلك القنديل إلى سائر نصارى البلاد من الملوك وغيرهم على سهيل التبرك عندهم، وكان هذا القنديل يشتعل من ذاته، وهو أمر عظيم عندهم، فهو الذى يكون سببا لضلال النصارى وثباتهم على دينهم الباطل، واتفق أن نجم الدين بن الحباب سافر إليه فى الدولة المنصورية حتى يتحقق أمر هذا القنديل، فلما حضر فحص عن ذلك واجتهد فيه إلى أن انكشف له أنه مصنوع من أدوية بحكمة مذكورة عندهم، وأن الشمس فى الرابعة من النهار يقوى جرمها فيقع شعاعها من طاقة قريبة من القنديل المذكور، فإذا وقع يطلقون موضع وقوع جرم الشمس شيئا من القلفونية المصنوعة بالحكمة فتصل قوتها إلى فتيلة ذلك [302] القنديل فيشتعل، فلما ظهر له ذلك كتب إلى الوزير والسلطان فى ذلك فتهاونوا فى أمره، فأمر الأمير بيبرس بمنعه وتبطيله، فأنكروا عليه من حيث أنه يحصل من ذلك كل سنة جملة من المال لبيت المال، ولم يزل يسعى فيه إلى أن كتب السلطان بإبطال ذلك القنديل، وكان آخر ذلك فى صحيفته.

وفيها: كان صاحب سيس جهز مركبا من مراكب الإفرنج وفيه أصناف كثيرة مقدار ما يساوى قيمتها مائة ألف دينار، على أنه يدخل بلاد قبرس والجزائر، فاتفق أن الله عز وجل أراد أن يجعلها غنيمة لأهل الإسلام

(1)

، فأرسل

(1)

«السلام» فى الأصل.

ص: 269

ريحا عاصفا أتى

(1)

به إلى ميناء دمياط، فأخذه المسلمون وغنموه.

وفيها: كان الجدب والقحط والغلاء ببلاد الشمال - بلاد طقطاى - لأنهم زرعوا ثلاث سنين فلم ينبت لهم شئ، فهلك الخفّ والحافر، وبلغت حالهم من القحط إلى أن صاروا يبيعون أولادهم ونسوانهم فى الأسواق، فاشتراهم الفرنج والتجار وجلبوهم إلى سائر البلاد خصوصا إلى مصر.

‌ذكر القصائد الّتى مدح بها السلطان فى هذه الغزوة:

وأول من نظم فى ذلك القاضى علاء الدين بن عبد الظاهر، نظم فيها مجلدا صغيرا وسماه: الروض الزاهر فى غزوة السلطان الملك الناصر

(2)

، وتوصل إلى أن قرأه عليه، وأنعم عليه بمائة دينار، من غير أن يعلم بها بيبرس وسلار.

ومن نظمه قوله:

هم زعموا بأنك ليس تأتى

ركبت إلى لقائهم البريدا

ولاذوا بالفرار فلم تدعهم

وأعددت السلاسل والقيودا

(3)

ومنها: قصيدة من نظم الشيخ شهاب الدين أحمد

(4)

بن عبد الملك العزازى الشاعر:

(1)

«إلى آتى» فى الأصل.

(2)

أورد النويرى نص هذا الكتاب - انظر نهاية الأرب (مخطوط) ج 30 ورقة 337 ب وما بعدها.

وقد نشر هذا النص فى ملاحق كتاب السلوك - ملحق رقم 16 - انظر السلوك ج 1 ص 1027 - 1039.

(3)

هذه الأبيات غير واردة فى المنشور بالسلوك من هذا الكتاب.

(4)

هو: أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم، الأديب الشاعر شهاب الدين أبو العباس العزازى، المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 1 ص 262 رقم 196.

ص: 270

لقد تمت النعمى وضوعفت البشرى

وأظهر هذا الفتح فى الأوجه البشرا

فمن كان ذا ندر فهذا أوانه

ومن كان ذا وتر فقد أدرك الوترا

هناء هناء أيّها الناس فالهدى

علا الشرك والإيمان قد غلب الكفرا

ولما غزا غازان عقر ديارنا

وأعطاه من يعطى ومن يمنع النصرا

تمرّد طغيانا وتاه تجبرا

ولم يستبن نصحا ولم يستفق سكرا

وظنّ بأن لا غالبا لجنوده

ولا قاهرا حتّى فتكنا بهم قهرا

وراسلنا فى الصلح مكرا وخدعة

وأىّ امرئ يرضى الخديعة والمكرا

فسار له منّا رسول مذكّر

يحذّره العقبى فلم تنفع الذكرا

وعاودنا بغيّا وللبغى مصرع

فشاهد من إقدامنا الآية الكبرى

وأنصفت الأيام فى الحكم بيننا

وكانت له الأولى وكانت لنا الأخرى

هو الدهر لا يبقى على فرد حالة

فطورا يرى حلوا وطورا يرى مرا

رعى الله يوم المرج للترك أنفسا

تدرّعت الإقدام والبأس والصبرا

[303]

غداة يرون القتل فى الله طاعة

صيام يودّون الحمام لهم فطرا

إذا ذكروا أحدا تمنّوا بأنهم

رأوا أحدا أو شاهدوا قبله بدرا

تنادوا وقالوا فى الثبات حياتنا

ومن ههنا نلقى النجاة أو الخسرا

وجاءت جيوش المغل كالرمل كثرة

وقد ملأت سهل البسيطة والوعرا

وأقبل سلطان الزمان محمد

يقود العتاق

(1)

الجرد والعسكر المجرا

فطارت قلوب المارقين مخافة

وذعرا ويا ما أقبل الخوف والذعرا

(1)

«القباق» فى التحفة الملوكية، وهو تحريف.

ص: 271

رأت سيّفا شهبا وبيضا قواضبا

وخطية سمرا وألوية صعرا

وحزبا من الأتراك شوسا ضراغما

يذودن عن مصر وعن ساكنى مصرا

وكان نهار السبت بالنصر شاهدا

صدوقا وكان الوقت قد زاحم العصرا

(1)

فكّرت وكرّ المسلمون فلا تسل

لدى الروع عن بحر غدا صادما

(2)

بحرا

ومدّ سواد النقع ليلا فأطلعت

ذبال القنى فى كل داجية فجرا

ولله

(3)

درّ الترك كم سفكت دما

وكم فلقت رأسا وكم طعنت نحرا

وكم طعنت بالسمر حتى تقصّفت

وكم ضاربت بالبيض حتى انثنت حمرا

(4)

أمالوا عروش الكافرين وكافحوا

عن الدّين يرجون المثوبة والأجرا

فذلّت وكان العزّ ملء رؤوسها

وقد أوطأتها الترك من بأسها جمرا

وولّت ولاذت بالجبال تحصّنا

ولولا تخاف القتل لاختارت الأسرا

وجافت رحاب الأرض من قتلائها

ولكنها طابت لنا شقها نشرا

ولمّا أتى الفتّاح بالفتح نحونا

شكرنا الذى يستوجب الحمد والشكرا

فحمدا لمن أعلى منار نبيّه

وشكرا لسلطان أباد العدى قسرا

أجلّ الملوك النّاصر بن قلاون

وأبركهم وجها وأرحبهم صدرا

لقد خلّف المنصور هديا وهيبة

ومنقبة طولى ومنقبة بكسرا

فلا زالت

(5)

الأقدار طوع مراده

ولا زال يعلو فوق هام السهى قدرا

(6)

(1)

«قد أرحم» فى التحفة الملوكية، وهو تحريف.

(2)

«صازما» فى التحفة الملوكية.

(3)

«فلله» فى التحفة الملوكية.

(4)

«حسرى» فى التحفة الملوكية.

(5)

«ولا زالت» فى التحفة الملوكية.

(6)

يوجد عشرون بيتا من هذه القصيدة فى التحفة الملوكية ص 170 - 171.

ص: 272

وقال الفقيه عبد الواحد التبريزى - الخطيب

(1)

بعجلون - قصيدة منها:

الله أكبر: جاء النصر والظفر

والحمد لله، هذا كنت أنتظر

وأبرز القدر المحتوم بارئه

سبحانه بيديه النفع والضرر

وهوّن الصعب بالفتح المبين لكم

ربّ يهون عليه المقفل العسر

أين النجوم وتأثير القران وما

تخرّصوا فيه من إفك وما زجروا

قد دبّر الله أمرا غير أمرهم

وخاب ما زخرفوا فينا وما هجروا

[304]

وأقبل العسكر المنصور يقدمه

من الملائك جند ليس تنحصر

كنانة الله مصر جندها ثبتت

لا ريب فيه وجند الله تنتصر

ثاروا سراعا إلى إدراك ثأرهم

وهجّروا فى طلاب المجد وابتكروا

وأسهروا أعينا فى الله ما رقدوا

(2)

أكرم بقوم إذا نام الورى سهروا

وأوجفوا نفرا بالخيل ملجمة

وبالركاب وما ملّوا ولا فتروا

حتى أتوا جلّقا

(3)

فى يوم ملحمة

فيه الأسود أسود الغاب تهتصر

والجو أغبر والتتار راجفة

مثل الجراد على الدنيا قد انتشروا

(4)

حتّى إذا عبّ مثل البحر جحفلنا

ومدّ قبضا على أعدائنا جزروا

لاذوا بشمّ شماريخ الجبال فما

حمتهم قلل منها ولا مغر

(5)

ومزّقوا شذرا بين الزحام فكم

شلو تنازع فيه الذئب والنّمر

(1)

«القاضى جمال الدين أبو بكر قاضى عجلون» - فى كنز الدرر ج 9 ص 93.

(2)

«ما رقدت» - فى كنز الدرر ج 9 ص 94.

(3)

جلق - دمشق.

(4)

لم يرد هذا البيت فى كنز الدرر.

(5)

«ولا صور» فى كنز الدرر ج 9 ص 95.

ص: 273

أين المفرّ وقد حام الحمام بهم

هيهات لا ملجأ يرجى ولا وزر

جاءوا وقد حفروا من مكرهم قلبا

ألقاهم الله قسرا فى الذى حفروا

أتوا فراة

(1)

وقد راموا النجاة فكم

حلّت بهم عبر فيها وما اعتبروا

جميعهم قتلوا صبرا وقد جعلت

عظامهم

(2)

بنواحى جلّق صبر

لم يقبروا فى نواويس ولا جدث

وإنما فى بطون الوحش قد قبروا

والطير ترعى نهارا لحمهم فإذا

ما الليل جنّ ففى إقحافهم تكر

ملك أعيد به عصر الشباب لكم

مسترغدا صافيا واستوقف العمر

(3)

إنا انرجوه من بغداد ينهلها

بماء دجلة ريّا ثم تصطدر

(4)

نؤمّها

(5)

وإمام المسلمين معا

ثقوا بقولى فهذا منه منتظر

فدام للدّين والدنيا يسوسهما

فكر له فيه سرّ الله مستتر

(6)

وعمره الجمّ أعيادا مجدّدة

وأشهرا بعزيز النصر تشتهر

(7)

وقال الشيخ بدر الدين محمد

(8)

بن عمر البزار، المعروف بالمنبجى، الشاعر فى ذلك أيضا قصيدة:

(1)

«أموا الفراة» فى كنز الدرر ج 9 ص 96.

(2)

«وأعظمهم جميعها» فى كنز الدرر ج 9 ص 96.

(3)

جاءت هذه الشطرة «مستوردا صافيا واستوفق العمر» - فى كنز الدرر ج 9 ص 99.

(4)

جاءت هذه الشطرة «بماء دجلة يرويها فتصطدروا» - فى كنز الدرر ج 9 ص 99.

(5)

«يؤمها» فى كنز الدرر ج 9 ص 100.

(6)

جاءت هذه الشطرة «فكن فيه له حرز ومستتر» - فى كنز الدرر ج 9 ص 100.

(7)

انظر كنز الدرر ج 9 ص 93 - 100 حيث أورد ابن أيبك 114 بيتا من هذه القصيدة.

(8)

توفى سنة 723 هـ/ 1323 م - المنهل الصافى، الوافى ج 4 ص 286 رقم 1806.

ص: 274

وافى على قدر ما يختاره

(1)

القدر

وجاء عمّا جناه الدهر يعتذر

(2)

وإن أساءت لياليه التى سلفت

ظلما فقد أحسنت أيامه الأخر

وبعد إدراكك الثارات منتصرا

فكل ذنب جناه قبل مغتفر

بشائر طار بالإقبال طائرها

لمثلها كانت الآمال

(3)

تنتظر

فتح على جبهة الأيّام أسعده

بالجدّ والسعد والتأييد مستطر

(4)

ما شاهد الناس فتحا مثله أبدا

إلاّ فتوحا تولّى أمره

(5)

عمر

سارت بأخبارها الركبان واقعة

لم تحوّ أمثالها الأخبار والسير

[305]

وفى الّليالى إذا عدّت محاسنها

السمّار

(6)

فى كل ناد ذكرها سمر

عم السرور بها كلّ النفوس فما

للنّاس فى لّذة من بعدها وطر

إن البغاة بنى خاقان

(7)

أقدمهم

على هلاكهم الطغيان والأشر

(8)

راموا وقد حشدوا غلبا فما غلبوا

وحالوا النصر تضليلا فما نصروا

أتوا وقد مكر الله الخبير بهم

فردّ كفارهم

(9)

بالغيظ إذ مكروا

(1)

«ما تختاره» فى التحفة الملوكية.

(2)

«معتذر» فى كنز الدرر ج 9 ص 91.

(3)

«الأيام» - فى كنز الدرر.

(4)

«منتظر» - فى كنز الدرر.

(5)

«أمرها» - فى كنز الدرر، والتحفة الملوكية.

(6)

«أسمار» - فى كنز الدرر.

(7)

«بنى قاقان» فى التحفة الملوكية.

(8)

«والأسر» فى التحفة الملوكية.

(9)

«فرد طغيانهم» فى كنز الدرر ج 9 ص 92.

ص: 275

وطبّقوا الأرض من سهل ومن جبل

كأنما هم جراد فيه منتشر

داسو بلادك لا يثنى أعنتّهم

عن قصدها جهلهم والتيه والبطر

غرتهم فلتة فى الدهر عن غلط

منه

(1)

فحلت بهم من بعدها الغير

وأمّلوا أنّها مثل التى ذهبت

فغودروا

(2)

ودماهم فى الفلا غدر

قابلتهم بجيوش ما لهم قبل

ببأسها فلقد قلّوا وإن كثروا

قاموا وأقعدتهم عن قصدهم بشبا

البيض الرقاق فقد غابوا وإن حضروا

(3)

أفنيتهم بليوث منك باسلة

وهل تقاوم آساد الشرى الحمر

فكم قتيل لهم

(4)

من بعد صولته

تحت السنابك أمسى وهو منعقر

عصابة لم تزل بالحق ظاهرة

فى الحرب بالله والأملاك تنتصر

من سيّد الرسل بالتأييد قد وعدت

فالنصر يخدمها ما زال والظفر

يا وقعة المرج مرج الصفر افتخرت

بك الوقائع فى الآفاق والعصر

رفعت بالنصر أعلام الهدى ولقد

جرّدت للشرك كسرا ليس ينجبر

يوم تدارك جمع المسلمين به

من لم يزل فى يديه النفع والضرر

يا من أوامره والله يعضده

بها الليالى مع الأيام تأتمر

لولا يثبّتك الله العزيز بعدة

(5)

لم يبق للدين

(6)

لا سمع ولا بصر

(1)

«منها» - فى كنز الدرر.

(2)

«فعودوا» - فى كنز الدرر.

(3)

لم يرد هذا البيت - فى كنز الدرر.

(4)

«له» - فى كنز الدرر.

(5)

«به» - فى كنز الدرر.

(6)

«للناس» - فى كنز الدرر.

ص: 276

قرّت به أعين الإسلام وابتهجت

به القلوب وكادت فيه تنفطر

نامت عيون الرعايا فى ذرى ملك

فى رعيهم طرفه عاداته السهر

(1)

المخجل السيف

(2)

عزما وهو منصلت

والمرعب الليث بأسا وهو مهتصر

والثابت الجأش والإقدام فى دحض

فيه التثبّت إلاّ عنده عسر

(3)

يا ناصر الدين يا من حسن دولته

أمست على دول الماضين تفتخر

فأوقدت

(4)

نيران حرب أصبحوا حطبا

للجمر منها لها شوك القنى شرر

دارت عليهم رحى الحرب الزيون فما

لجمعهم بعدها عين ولا أثر

(5)

وضاقت الأرض مذ ولّوا بما رحبت

عليهم فهم بالخوف قد حصروا

وألبسوا الذلّ حتى أنّ أشجعهم

يأتى إليك بألف منهم نفر

(6)

[306]

وأصبحوا بعد ذاك الكبر يحسد

قتلاهم من الذلّ والتقريع من أسروا

(7)

وبعد قد أمنا من كل حادثة

فما لنائبة منه ناب ولا ظفر

(8)

(1)

لم يرد هذا البيت فى كنز الدرر.

(2)

«يا مخجل السيف» - فى كنز الدرر.

(3)

«إلا أنه عسر» - فى كنز الدرر.

(4)

«أوقدت» - فى كنز الدرر ج 9 ص 93.

(5)

ورد هذا البيت - فى كنز الدرر هكذا:

«

دارت عليهم رحاء الموت فانهزموا

فما لهم بعدها عين ولا أثر»

(6)

«نفروا» - فى كنز الدرر.

(7)

لم يرد هذا البيت - فى كنز الدرر.

(8)

ورد هذا البيت - فى كنز الدرر هكذا:

«وبعدها قد أمنا كل حادثة

فما لنابية ناب ولا ظفر»

.

ص: 277

بالسيّد

(1)

الناصر المنصور جحفله

زهت برونقها

(2)

الآصال والبكر

هزّت معاطفها الدنيا به فرحا

وطاب

(3)

بالأمن فى أيامه العمر

أزال عنّا مخافات النفوس فما

يدور بالخوف أوهام ولا فكر

يا من به راقت الأوقات وابتسمت

بعد العبوس فما فى صفوها كدر

لا زال ملكك ملكا لا نفاذ له

ما شق شقّة جلباب الدجى سحر

(4)

وقال الشيخ تقى الدين عبد الله بن تمام الحنبلى قصيدة طويلة، منها قوله:

كرّر علىّ فمالى بعدها وطر

بشارة كنت أرجوها وأنتظر

هبّت علينا بنصر الله هاتفة

لم ترو أخبارها الأخبار والسير

نتلو أحاديثها دأبا وندرسها

كأنها بيننا الآيات والسور

وقال صاحب نزهة الناظر:

لمثل ذا اليوم كان الدهر ينتظر

فليهنك اليوم هذا النصر والظفر

يا يوم شقحب لو عاش الألى سلفوا

من الملوك لهذا اليوم ما ذكروا

لله درّك والأعداء قد بسطت

خيولهم سربا فى الأرض تنتشر

صدمتهم بخيول لو صدمت بها

صرف الزمان لولىّ وهو منذعر

يأتوا بليل تمنّوا أنه لهم

ليل الضرير وصبح ليس ينتظر

(1)

«السيد» - كنز الدرر.

(2)

«برونقه» - فى كنز الدرر.

(3)

«فطاب» - فى التحفة الملوكية.

(4)

انظر كنز الدرر ج 9 ص 91 - 93 حيث أورد ابن أيبك 40 بيتا من هذه القصيدة، كما أورد بيبرس الدوادار 16 بيتا من هذه القصيدة فى التحفة الملوكية ص 171 - 173.

ص: 278

وجاوزوا النهر خوضا من دمائهم

محمّرا وصفاه منهم كدر

ولّوا ظهورهم والسيف حاكمها

كأنّهم حمر استنفروا نفروا

وأصبح الدين منصورا بناصره

والكفر يخذل والإسلام منتصر

وشتّت الله شملا كان مجتمعا

وضرب الله أرقاب الألى كفروا

فإن تكن زلّة للدهر واحدة

فقد أتاك «

»

(1)

وهو يعتذر

فليهنك اليوم هذا الفتح يا ملكا

وافى لك الفتح ما وافى به عمر

وافت لغازان أخبار معنعنة

فصدّق الخبر لمّا عاين الخبر

وأصبح النوح تترى فى منازلهم

بالحزن والويل والتعديد والفكر

كل يؤمل أن يلقى لصاحبه

حتى يراه فلا عين ولا أثر

وأحسن ما قيل فى هذه الوقعة قصيدة شمس الدين

(2)

الطيبى، وهى هذه:

برق الصوارم للأبصار

(3)

تختطف

والنقع يحكى سحابا بالدما تكف

[307]

أحلا وأغلا وأعلا قيمة وسنا

من ريق ثغر الغوانى حين يرتشف

وفى قدود الفنى معنى شغفت به

لا بالقدود التى قد زانها الهيف

ومن غدا بالخدود الحمر ذا كلف

فإنّنى بخدود البيض لى كلف

(1)

« ......... » بياض فى الأصل.

(2)

هو: أحمد بن يعقوب بن إبراهيم بن أبى نصر الطيبى، الشيخ الأديب شمس الدين، أبو الفضل، المتوفى سنة 717 هـ/ 1317 م - المنهل الصافى ج 2 ص 267 رقم 340.

كما ورد اسمه: أحمد بن يوسف بن يعقوب، القاضى شمس الدين، المعروف بالطيبى - انظر المنهل الصافى ج 2 ص 280 رقم 348.

(3)

«والأبصار» - فى تذكرة النبيه ج 1 ص 251.

ص: 279

ولامة الحرب فى عينى أحسن من لام

العذار الذى فى الخدّ منعطف

(1)

كلاهما زرد هذا يفيد وذا يردى

فشأنهما فى الفعل مختلف

والخيل فى طلب الأوتار صاهلة

ألذّ لحنا من الأوتار تختلف

(2)

ما مجلس الشرب والأقداح دائرة

كموقف الحرب والأبطال تزدلف

والعزّ من تحت طلّ الرمح مقترن

بالعزّ والذلّ يأباه الفتى الصلف

لا عيش إلاّ لفتيان إذا انتدبوا

ثاروا وإن بذلوا

(3)

فى غمّة كشفوا

يقى بهم ملة الإسلام ناصرها

كما يقى الدرّة المكنونة الصدف

قاموا لقوة دين الله ما وهنوا

لما أصابهم فيه ولا ضعفوا

وجاهدوا فى سبيل الله فانتصروا

من بعد ظلم ومما ساءهم أنفوا

لمّا أتتهم جيوش الكفر يقدمهم

رأس الضلاّل الّذى فى عقله جنف

جاءوا وكل مقام ظل مضطربا

منهم وكل مقام بات يرتجف

فشاهدوا علم الإسلام مرتفعا

بالعدل فاستيقنوا أن ليس ينصرف

لا قاهم الفيلق الجرار فانكسروا

خوف العوامل بالتأنيث فانصرفوا

يا مرج صفّر بيّضت الوجوه كما

فعلت من قبل فالإسلام يؤتلف

أزهر روضك أزهى عند لفحته

أم يانعات رءوس فيك تقتطف

غدران أرضك قد أضحت لواردها

ممزوجة بدماء المغل تغترف

زلّت على كتف المصرىّ أرجلهم

فليس يدرون أنّى يؤكل الكتف

(1)

«ينعطف» فى تذكرة النبيه.

(2)

«تأتلف» فى تذكرة النبيه.

(3)

«وإن نهضوا» فى تذكرة النبيه.

ص: 280

آووا إلى جيل لو كان يعصمهم

من موج فوح المنايا حين يختطف

دارت عليهم من الشجعان دائرة

فما نجا سالم منهم وقد زحفوا

ونكّسوا منهم الأعلام فانهزموا

ونكوصهم على الأعقاب فانتصفوا

ففى جماجمهم بيض الطلا زبروا

وفى كلاكلهم سمر القنا قصفوا

فروّا من السيف ملعونين حيث سروا

وقتّلوا فى البرارى حيث ما ثقفوا

فما استقام لهم فى أعوج بهج

ولا أجارهم من مانع كثف

ومّلت الأرض قتلاهم بما قذفت

منهم وقد ضاق منها المهمه القذف

والطير والوحش قد عافت لح

ومهم ففى مراح الضوارى منهم قذف

[308]

ردوا

(1)

فكل طريق نحو أرضهم

يدل جاهلها الأشلاء والجيف

وأدبروا فتولى قطع دابرهم

والحمد لله قوم للوغى ألفوا

ساقوهم فسقوا شط الفراة

وما وطمهم بعباب السيف فانحرفوا

وأصبحوا بعد لا عين ولا إثر

غير القلاع عليها منهم شعف

يا برق بلغ إلى غازان قصتهم

وصف فقصتهم من فوق ما تصف

بشّر بهلكهم ملك العراق لكى

يعطيك حلوانها حلوان والنجف

وإن يسل عنهم قل تركتهم

كالنحل صرعى فلا تمر ولا سعف

ما أنت كفؤ عروس الشام مخطبها

جهلا وأنت إليها الهائم الدنف

قد مات قبلك آباء بحسرتها

وكلهم مغرم مغرس بها كلف

إنّ الذى فى جحيم النار مسكنه

لا يستباح له الجنان والغرف

(1)

«فروا» فى درة الأسلاك ص 159.

ص: 281

وإن تعودوا تعد أسيافنا لكم

ضربا إذا قابلتها رضب الحجف

ذوقوا وبال تعديكم وبغيكم فى

أمركم ولكأس الخزى فارتشفوا

فالحمد لله معطى النصر ناصره

وكاشف الضرّ حيث الحال منكشف

(1)

‌ذكر ما اتّفق لقطلوشاه ومن معه من التتار:

قد ذكرنا عند نزولهم من الجبل اتبعهم العسكر وجردوا خلفهم الأمراء وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وكذلك العرب قتلوا منهم، ومات أكثرهم من العطش والجوع، والذى سلم منهم أو خرج قتل فى الطريق، وقتلت أهل المدن والضياع منهم خلقا عظيما، وما وصل قطلوشاه إلى الفرات إلا فى نفر يسير، ولم يعد الفرات سالما إلاّ مولاى فإنه ما عدم له إلاّ نفر يسير من الذين انقطعوا منه فإنه خرج أولا وذهب كما ذكرنا، ولم يقابل العسكر، وبلغ الخبر إلى غازان، وإلى همدان، ووقعت الضجات، واستقبلهم أهل البلاد بالبكاء والعويل، وخرجت أهل تبريز وغيرها، وركبت النساء والخواتين لسماع أخبارهم، لينظرن من قتل ومن بقى، ونظر الخلائق إلى عسكر مبدد ما بين ماش وراكب، ومحمول ومجروح، ونادب على ولده وعلى أخيه.

قال الراوى: وحكى لى من حضرهم من تجار تبريز أنه أقام مدة شهرين لم يسمع غير بكاء ونياحة وتعديد بلسان المغل، ولما وصف لقازان كيفيّة انكسارهم، وما جرى عليهم، خرج من منخريه دم كثير إلى أن كاد يقتله،

(1)

انظر أيضا تذكرة النبيه ج 1 ص 251 - 252، درة الأسلاك ص 159 حيث توجد أبيات أخرى من هذه القصيدة.

ص: 282

ودخل إلى حركاته

(1)

، ولم يجتمع بأحد من الأمراء، ولا من الخواتين إلى أن أخبروا له أنّ مولاى وصل، وحكى له طرفا من أمره، وأقام إلى أن وصل قطلوشاه وعسكره، وملك مسامعه من البكاء والتعديد، وخرجت نساء المغل وأهل العسكر لملتقى رجالهم وأولادهم فلم يجدوا من كل عشرة واحدا، فركب الأردو عن بكرة أبيهم، فهنّى بعضهم باللقاء. وقيل لبعضهم: خلّفناه فى ماردين أو غيرها. وقيل لبعضهم: [309] جرح. وقيل لبعضهم: أسر، ومثل هذا الكلام.

فلما علم غازان بذلك خرج وجلس على التخت

(2)

، وطلب أمراء التوامين الذين كانوا قد تأخروا عنده، والخواتين، فأجلسهم على العادة، ورسم بحضور قطلوشاه وجوبان وسوتاى، ومن كان معهم من الأمراء، وأوقفهم بين يديه موقف الذلّ، وقال للحاجب: قل لهم كيف خالفتم يسق

(3)

السلطان حتى كسرتم عسكره؟ فقالت الأمراء: نحن كنا مع نائبك ويسقك أن لا نخالفه فيما يفعله. فقال لقطلوشاه: كيف خالفت يسقى ولاقيت الملك الناصر صاحب مصر وعسكره. فردّ عليه الجواب بما اتفق له من سوقه خلف عسكر الشام وكيف أدركهم وكسرهم، وأن سلطان مصر وصل فى ذلك الوقت على غفلة منه، فلم يقبل له عذرا، ورسم أن يقيد بالكلاليب، فقامت الأمراء والخواتين وشفعوا فيه، وقالوا له: إن له على الخان خدمة كثيرة،

(1)

خركاة: كلمة فارسية، ويقصد بها هنا فى المتن: الخيمة الكبيرة أو السرادق - انظر المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية - ص 41.

(2)

التخت: كرسى المملكة الذى يجلس عليه الملك لإدارة المملكة انظر: صبح الأعشى ج 1 ص 132 - 133.

(3)

اليسق: كلمة مغولية بمعنى القانون أو الأمر - انظر صبح الأعشى ج 4 ص 310 - 311.

ص: 283

وأنه اجتهد غاية الاجتهاد. ولكن أتاه الأمر بغير ما حسبه، وما زالوا به وهم واقفون بين يديه، والخواتين قد كشفن رءوسهن إلى أن عفى عنه، ورسم أن يوقفوه على بعد من بين يديه وهو ممسوك بين الحجاب، ويقوم كل من حضر بين يدى الخان فيخرج إليه ويتفل فى وجهه، وهذه حدّ الإهانة عندهم للكبير إذا لم يقتلوه، ثم رسم أن يخرج مع جماعته وعسكر آخر إلى كيلان ولا يوريه وجهه إلى أن يملكها، وكان من أمره ما سنذكره إن شاء الله، وطلب بعدها مولاى ورماه وضربه تسع عصا وقال: كنت متّ معهم. وأهانه الإهانة البالغة.

وفيها. كان النيل أو فى على ستة عشر ذراعا، وكان كسر الخليج خامس المحرّم.

وقال صاحب النزهة: الصحيح أن النيل غلّق ثمانية عشر ذراعا.

وفيها: حج بالناس سيف الدين برلغى.

ص: 284

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ الإمام شيخ الإسلام بقية المجتهدين قاضى القضاة تقى الدين محمد

(1)

بن الشيخ [ال

(2)

] صالح بقية السلف مجد الدين أبى الحسن على بن وهب بن مطيع ابن أبى الطاعة القشيرى المصرى، المعروف بابن دقيق العيد.

ولد يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة بساحل مدينة ينبع من أرض الحجاز، وتوفى يوم الجمعة الحادى عشر من صفر ببستان عند باب اللوق، وصلّى عليه تحت القلعة، وحضر جنازته: نائب السلطان، والأمراء، وأعيان الدولة، وخلق كثير من الناس، ودفن بالقرافة.

وكان أجل من بقى من علماء المسلمين علما وديانه وعملا، وكان من علماء الحديث، وكان إماما متقنا، متفننا، أصوليا، فقيها، أديبا، نحويا، شاعرا، ناثرا، مجتهدا، وافر العقل، كثير السكينة، تام الورع، شديد التديّن، مديم السهر، مكبا على المطالعة والجمع، قلّ أن ترى العيون مثله.

وكان قد قهره الوسواس فى أمر المياه والنجاسات، وله فى ذلك حكايات عجيبة، وكان كثير التسرى والتمتع، وكان مهوّسا بعلم الكيمياء، معتقدا صحتها،

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 162، الوافى ج 4 ص 193 رقم 1841، فوات الوفيات ج 3 ص 442 رقم 486، الدرر ج 4 ص 210 رقم 4120، طبقات الشافعية ج 6 ص 2، شذرات الذهب ج 6 ص 5، تذكرة النبيه ج 1 ص 254، السلوك ج 1 ص 947 - 948، الطالع السعيد ص 567 رقم 463، البداية والنهاية ج 14 ص 27، البدر الطالع ج 2 ص 229، النجوم الزاهرة ج 8 ص 206 - 207.

(2)

إضافة تتفق والسياق - انظر مصادر الترجمة.

ص: 285

وكان له عدة أولاد بأسماء الصحابة العشرة، تفقه بأبيه وبالشيخ عزّ الدين بن عبد السلام وغيرهما، واشتهر اسمه فى حياة مشايخه، وتخرج به أئمة، وكان عارفا بمذهبى مالك والشافعى، كان مالكيا أولا، ثم صار شافعيا.

وقال [310] ابن كثير: سمع الحديث الكثير، ورحل وخرّج، وصنّف فيه إسنادا ومتنا بمصنفات عديدة

(1)

مفيدة فريدة: وانتهت إليه رئاسة العلم فى زمانه، وفاق جميع أقرانه، ودرس فى أماكن كبار كثيرة، ثم ولى قضاء مصر سنة خمس وتسعين وستمائة، ومشيخة دار الحديث الكاملية

(2)

.

وقال بيبرس: وكانت مدة ولايته ست سنين وسبعة أشهر وأياما.

وقال النويرى: وكان نشوه بمدينة قوص، وتفقه على أبيه، وعزل نفسه عن القضاء، وسئل فى العود: فامتنع، فألحّ عليه، فعاد، وهو الذى نقل خلع القضاة من الحرير إلى الصوف، وكان يخلع على القضاة قبله الحرير الكنجى، وتولى بعده القضاء بدر الدين بن جماعة.

وقال صاحب النزهة: وصلى عليه السلطان وسائر الأمراء والأكابر. وهو آخر من ولى القضاء من المجتهدين الذين لم ير فى دولة الترك من ولى منصب القضاء مثله.

قال: ويذكر له نكتة غريبة، وهى: أنه اتفق أن شخصا أحضر إليه فتيا فكتب عليها، فلما فارقه تذكر أنه كتب فيها ما لا يجوز، فقلق لذلك قلقا عظيما ولم يحكم ذلك النهار. فلما كان بكرة اليوم الثانى حضر الرجل ومعه الفتوى، وسأل الشيخ أن يكتب له عليها بخط مفسّر وذكر أنه من حين خرج من عند

(1)

عن مصنفات صاحب الترجمة، انظر هدية العارفين ج 2 ص 140.

(2)

ملخصا عن البداية والنهاية ج 14 ص 27.

ص: 286

الشيخ بالفتوى عرضها على الناس، فكل من أخذها لم يحسن قراءتها لكون حروفها مخبطة ولم يظهر منها شئ ولا حرف واحد. فأخذها فكتب عليها بما يجوز.

وروى عنه الشيخ فتح الدين بن سيد الناس شيئا كثيرا من لطافته وكرمه واحتمال نفسه، ومن أشعاره الرائقة، ومن ذلك قوله:

أفكّر فى حالى وقرب منيّتى

وسيرى حثيثا فى مصيرى إلى القبر

فينشئ لى فكرى سحائب للأسى

تسحّ هموما دونها وابل القطر

إلى الله أشكو من وجودى فإننى

تعبت به مذ كنت فى مبدء العمر

تروح وتغدو للمنايا فجائع

تكدّره والموت خاتمة الأمر

وله:

سحاب فكرى لا يزال هاميا

وليل همّى لا أراه راحلا

قد أتعبتنى فكرتى وهمّتى

(1)

فليتنى كنت مهينا جاهلا

(2)

وقال الشيخ شمس الدين محمد بن نباتة، أنشدنى الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد لنفسه:

أتعبت نفسك بين ذلّة كادح

طلب الحياة وبين حرص مؤمل

وأضعت عمرك لا خلاعة ما جن

حصلت فيه ولا وقار مبجّل

وتركت حظ النفس فى الدنيا

وفى الأخرى ورحت عن الجميع بمعزل

(1)

«همتى وفطنتى» فى النجوم الزاهرة، الوافى.

(2)

انظر النجوم الزاهرة ج 8 ص 207.

ص: 287

وله دو بيت:

الجسم تذيبه حقوق الخدمة

والقلب عذابه

(1)

علو الهمّة

والعمر بذاك ينقضى فى تعب

والراحة ماتت فعليها الرحمة

ومن العجب أن هذين البيتين حفظهما الشيخ تاج الدين أحمد أخو الشيخ تقى الدين، فاتفق له أنه قال: بينا أنا وقت الهاجرة بمسجد الجوارى بالحسينية؛ إذ غلبتنى عيناى فنمت ورأيت والدى الشيخ مجد الدين، فسلم علىّ وسألنى عن حالى فقلت يا سيدى بخير. فقال: كيف محمد أخوك؟ [311]- يعنى الشيخ تقى الدين - فقلت: بخير، الساعة كنت عنده وأنشدنى دو بيت، وأنشدته البيتين المذكورين. فقال: سلم عليه وقل:

الروح إلى محلّها قد تاقت

والنفس لها مع جسمها قد عاقت

والقلب معذّب على جمعهم

والصبر قضى وحيلتى قد ضاقت

فانتبه تاج الدين، وقد حفظ الدو بيت المذكور.

وله أيضا:

يا معرضا عنى ولست

(2)

بمعرض

يا ناقضا عهدى ولست

(3)

بناقض

أتعبتنى بخلائق لك لم

(4)

تفد

فيها وقد جمحت - رياضة رائض

أرضيت أن تختار رفضى مذهبا

فيشيع

(5)

للأعداء أنك رافضى

(1)

«والنفس هلاكها» - فى الوافى.

(2 و 3)«وليس» - فى فوات الوفيات.

(4)

«لم يفد» فى الوافى، وفوات الوفيات.

(5)

«فتشنع» فى الطالع السعيد، و «فيشتع» فى الوافى.

ص: 288

وقال شهاب الدين بن الكويك التاجر الكارمى: اجتمعت به مرة فرأيته فى ضرورة شديدة. فقلت له: يا سيدى ما تكتب ورقة لصاحب اليمن وأنا أقضى فيها الشغل. فكتب ورقة لطيفة فيها:

تجادل أرباب الفضائل إذا رأوا

بضاعتهم موكوسة الحظّ فى الثمن

وقالوا

(1)

عرضناها فلم نلف طالبا

ولا من له فى مثلها نظر حسن

ولم يبق إلاّ رفضها وإطراحها

فقلت لهم لا تعجلوا السوق باليمن

وأرسلها إليه. فأرسل له مائنى دينار، واستمرّ يرسلها له فى كل سنة إلى أن مات صاحب اليمن، رحمه الله.

الشيخ برهان الدين إبراهيم

(2)

بن فلاح بن محمد بن حاتم السكندرى.

سمع الكثير وتفقه، ودرس بالقوصية، وأعاد وأفتى، وناب فى الخطابة مدة، وفى الحكم عن ابن جماعة، وكان دينا فاضلا، ولد سنة ست وثلاثين وستمائة، ومات يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شوال، عن خمس وستين سنة، ودفن بالقرب من الصندلاوى بباب الصغير.

الشيخ المحدث شرف الدين

(3)

عمر بن محمد بن عمر بن الحسن بن خواجا إمام الفارسىّ، شيخ الحديث بدار الحديث الظاهرية.

مات بها وقد ناهز التسعين سنة، ودفن عند مسجد القدم، وكان قد أوصى به، وأوصى أيضا أن يشترى بخمسمائة درهم حلاوة صابونية وتفرق على قبره بعد

(1)

«فقالوا» فى الطالع السعيد.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 54 رقم 138، البداية والنهاية ج 14 ص 27.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 266 رقم 3074.

ص: 289

دفنه على من يشيع جنازته، ففعلوا ذلك، فأكل الناس وترحموا عليه، وكان مشكور السيرة، حسن المخالطة.

الشيخ محيى الدين عثمان

(1)

بن الشيخ أحمد بن عثمان ابن إمام الكلاّسة، إمام مشهد عروة.

مات فى هذه السنة فى عاشر شوال

(2)

، ودفن بقاسيون، وكان من القراء الصيّتين.

الشيخ الإمام شمس الدين محمد

(3)

بن إبراهيم بن يحيى الصنهاجى، إمام المالكية بجامع دمشق.

مات بالمارستان النورى ودفن بباب الصغير، وكان فقيها فاضلا من أهل العلم والصلاح، وتولى مكانه أبو الوليد بن الحاج الإشبيلى.

الصدر الكبير العالم الفاضل كمال الدين أبو العباس أحمد

(4)

بن أبى الفتح محمود ابن أبى الوحش أسد بن سلامة بن سلمان بن فتيان الشيبانى. المعروف بابن العطار، كاتب الدرج الشريف منذ أربعين سنة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 49 رقم 2567.

(2)

«مات فى شعبان» - فى الدرر.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 386 رقم 3320.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 210 رقم 310، درة الأسلاك ص 163، نهاية الأرب (مخطوط) ج 30 ق أو رفة 66، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 25 رقم 36، البداية والنهاية ج 14 ص 27، تذكرة النبيه ج 1 ص 256، النجوم الزاهرة ج 8 ص 203، الوافى ج 8 ص 197 رقم 3590.

ص: 290

مات بباب البريد، وحمل إلى قاسيون فدفن فى تربة له فى نواحى الكهف، وكان فيه تلاوة قرآن، وذكر، وملازمة للصلوات مع الجماعة. واقتنى كتبا كثيرة جليلة، [312] وله ترسّل ونظم، فمن نظمه:

قل يا نسيم فإن رجعت مخبرا

برضاهم ومبشرا بقبول

فلك الهناء لأمنحنك رقتى

ولأخلعنّ عليك ثوب نحول

الأمير فارس الدين ألبكى

(1)

الساقى المنصورى نائب حمص.

كان أميرا كبيرا مقدّما. مات فى هذه السنة يوم الثلاثاء الثامن من ذى القعدة، وهو الذى توجه إلى قازان ملك التتار وعاد إلى الشام. وولى مكانه عز الدين أيبك

(2)

الحموى، وكان نائبا بصرخد، فنقل إلى حمص، كذا قال النويرىّ.

وقال بيبرس: تولى عوضه الأمير بلبان

(3)

الجوكندار المنصورى، وكان نائبا بقلعة دمشق.

الأمير شمس الدين سنقر العينتابى. توفى فى هذه السنة بدمشق، وكان من أمرائها.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 37 رقم 524، الوافى ج 9 ص 351 رقم 4280، الدرر ج 1 ص 432 رقم 1040، النجوم الزاهرة ج 8 ص 204.

(2)

توفى سنة 703 هـ/ 1303 م - المنهل الصافى ج 3 ص 132 رقم 576.

(3)

توفى سنة 706 هـ/ 1306 م - المنهل الصافى ج 3 ص 420 رقم 697.

ويبدو مما ورد فى المنهل أن كلا من أيبك الحموى، وبلبان الجوكندار تولى نيابة حمص، فقد وليها - بعد وفاة كتبغا - أيبك الحموى، ثم وليها بلبان بعد وفاة أيبك - المنهل الصافى ج 3 ص 132، ص 421، وانظر أيضا السلوك ج 1 ص 949.

ص: 291

الأمير سيف الدين بكش رأس النوبة الجمدارية، توفى فى هذه السنة.

الأمير ناصر الدين بن باشقرد

(1)

[الناصرى الأيوبى

(2)

].

تقنطر به فرسه فى سوق الخيل، فوقع ميتا، ودفن بجبل قاسيون عند والده.

وكان شابا حسنا جميلا.

الأمير حسام الدين

(3)

الأستادار، استشهد فى الوقعة المذكورة وكان يعرف بالرومى.

وكان مملوك السلطان الملك المنصور قلاون، اشتراه من تاجر، وذكر أنه رومى ولقبه بلاجين، وكبّره عنده، وترقى إلى أن عمله أستاذالدار، وحكى عنه أنه قال: ما أنا من الروم، وإنما جنسى وبيتى من التركمان، وكان أبى وأمى مسلمين، وكان اسمى خليلا واتفق أن زوقنا

(4)

كبست وأغير عليها، فأسر كل من فيها، وباعونى فى بلاد الروم، ثم اشترانى تاجر وجلبنى إلى مصر، وكان له تلاوة وسماع حديث.

الأمير أولياء

(5)

بن قرمان، وقد ذكرناه من المستشهدين فى الوقعة المذكورة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 163، الدرر ج 2 ص 3 رقم 1268، تذكرة النبيه ج 1 ص 256.

(2)

[] إضافة للتوضيح من تذكرة النبيه ج 1 ص 256.

(3)

هو لاجين الرومى، الأمير حسام الدين. وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 357 رقم 3224، النجوم الزاهرة ج 8 ص 26.

(4)

هكذا بالأصل. ولعله اسم القرية التى كان يعيش بها.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 448 رقم 1091، النجوم الزاهرة ج 8 ص 205.

ص: 292

وكان قد وفد إلى مصر فى الدولة الظاهرية، وكان يقال ابن قرمان، ولم يكن كذلك وإنما كان ابن أخت قرمان.

الأمير عزّ الدين أيدمر الرفا، ذكرناه فى المستشهدين.

وكان من الأمراء المنصورية المشهورين بالفروسية والشجاعة، وحكى من أكابر مماليكه أنه أخذه التركمان. ثم وصل إلى بيت الملك الناصر صاحب حماة.

الأمير عز الدين أيدمر

(1)

القشاش

(2)

. قد ذكرناه فى المستشهدين أيضا.

وكان له تقدم وسمعة فى الولايات، وحرمة كبيرة، وآخر ولايته ولاية الغربية، وأضيفت له ولاية الشرقية، وكان يتحدث فى الإقليمين، وكانت له اختراعات فى الأعمال من جملتها: كان يضرب فى الأرض خوازيق ويضع على علوها صارى ببكرة، فإذا علق عليه أحد من المفسدين يجذبونه

(3)

إلى فوق جدا، ثم يرخونه إلى أن يقع على خازوق من تلك الخوازيق، فيخرج من جسده حيث يقع منه، وكانت له مهابة فى النفوس ولم يجسر أحد فى أيام ولايته أن يلبس مئزرا أسودا، ولا يتقلد بسيف، ولا يحمل عصى، ولا يركب فرسا. ورئى فى المنام بعد موته راكبا حصانا أشهب. وعليه عدة الحرب، وبيده رمحه، وعليه مهابة عظيمة، فقيل له: بم نلت هذه؟ فقال: غفر الله لى بعمارتى جسر السقفى،

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 457 رقم 1125، النجوم الزاهرة ج 8 ص 205.

(2)

«الحشاش» - فى الدرر.

(3)

«يجيدونه» فى الأصل.

ص: 293

وهو جسر كان أنشأه بين ملقة صندفا وبين أرض سمنّود. وكان فى آخر عمره عرض له وجع المفاصل، فدخل على الأمراء أن يعفوه عن الولايات. فأعفى وأقام فى بيته إلى أن خرج السلطان إلى لقاء العدو، فتجهّز للسفر. فقيل له:

إنك ما تحمل على الركوب على الخيل، فلم يسمع كلامهم [313] وما زال راكب المحفّة إلى أن قامت الحرب، فركب فرسه وهو فى غاية ما يكون من الألم ورجلاه متورمتان. فقيل له: أنت ترمى نفسك للموت. فقال. ويلكم لمثل هذا اليوم كنت أنتظر، وإلا كيف يخلّص القشاش نفسه من ربّه. فرفص فرسه وحمل عليهم ورمحه فى يده. ووصل إلى صدر العدوّ وكأنه ليس به ألم، فلم يزل يقاتل حتى قتل، ووجد فيه نحو من ست جراحات، رحمه الله.

الشيخ نجم الدين أيوب

(1)

الكردى، قتل فى هذه الوقعة.

وكان قد ورد من البلاد فى سنة سبع وثمانين وستمائة، ومعه جماعة من الأكراد، وأقام بدمشق مدة سنتين، ونال من أمرائها حظا كبيرا. وظهرت له أمور من المكاشفات والصلاحية. وكان لا يدخل إليه أمير إلاّ ويطالبه بالهدية، ولا بد أن يحمل له شيئا من الدنيا، واتبعوا أمره فى ما يأخذه، فوجدوه يتصدق به ولا يدخره. ثم رحل إلى مصر ويوم عبوره حصلت له معرفة مع ابن قرمان المذكور. فأخذه إلى بيته. ثم بنى له زاوية بجوار بيته. وأقام فيها إلى أن خرج السلطان للقاء العدو، فخرج معهم. ولما التقوا بالعدو كان راكبا بآلة الحرب، واقفا إلى جانب ابن قرمان، فقتل معه، ثم دفنا جملة واحدة،

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 464 رقم 1145، النجوم الزاهرة ج 8 ص 206.

ص: 294

الأمير عثمان بن يغمراس بن عبد الوادّ صاحب تلمسان.

توفى فى هذه السنة على فراشه. وجلس بعده ولده محمد بن عثمان بن يغمراس.

قال بيبرس فى تاريخه: وقد أمضهم الحصار ومسهّم الجهد. فأقام أربع سنين والمحاصرة مستمرة والمضايقة متضاعفة، وعدمت الأقوات وغلت الأسعار، فبلغ الحمل من الملح إلى مائة دينار، والحمل من القمح إلى ستين دينارا كبارا، ولحم الفرس الواحد إلى مائة دينار، والشاة إلى عشرة دنانير، والثور إلى ستين دينارا. والدجاجة إلى ثلاثة دنانير. وورد على المحاصرين خبر من بلاد العدو فأوجب رحيلهم.

الملك العادل زين الدين كتبغا

(1)

. توفى بحماة نائبا عليها بعد صرخد كما ذكرناه.

وكانت وفاته يوم عيد الأضحى ونقل إلى تربته بسفح قاسيون غربى الرباط الناصرى، وله عليها أوقاف دارّه على وظائف قراءات وغيرها، وكان من كبار المنصورية، وقد تملك بعد مقتل الأشرف خليل بن المنصور قلاون، ثم عزله عنها لاجين وحوله إلى صرخد، فكان بها حتى قتل لاجين وعاد الملك إلى الملك الناصر محمد بن قلاون فاستنيب بحماة، وكانت وفاته بها.

وكان من خيار الملوك وأعدلهم، وأكثرهم برا.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 162، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 131 رقم 208، النجوم الزاهرة ج 8 ص 55 - 70، ص 206، الدرر ج 3 ص 348 رقم 3301، السلوك ج 1 ص 86، 947، تذكرة النبيه ج 1 ص 254، البداية والنهاية ج 14 ص 27.

ص: 295

ورتب بحماة عوضه الأمير قفجق، فتوجّه إليها وولى النيابة فيها، وكان نائبا بالشوبك.

وقد تقدم فى ترجمته أنه أخذ فى نوبة حمص هو وبيدرا عقيب كسرة المغل على عين جالوت، وحكى أنه لما فتح هلاون الشام أحضر منجما حاذقا يقال له: نصير الطوسى، فقال: أبصر من يملك مصر من مقدمى عسكرى فقد قيل إنى لا أملكها. فنظر فلم يجد من الأسماء من يملكها إلا كتبغا، وكان صهر هلاون يسمى كتبغا نوين، فظنه هلاون إياه، فأنفذه على العسكر الذى خذله الله على عين جالوت على يد الملك المظفر قطز، وكان بين ذلك وبين ملك كتبغا هذا مصر خمسة وثلاثين سنة، وملك صاحب هذا الاسم لكنه ليس من أصحاب هلاون. والذى اتفق لهذا ما اتفق لأحد من الملوك فى دولة الترك، فإنه خرج من السلطنة إلى نيابة بلد [314]، ثم حضر إلى مصر وجلس مع الأمراء، وصار يرمّل على ما يكتبه نائب السلطان، ويمشى فى خدمته، ويخاطب بالأمير، وهذا لم يتفق لأحد أصلا والله أعلم.

ص: 296

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثّالثة بعد السبعمائة

(*)

استهلت هذه السنة، وخليفة الوقت: المستكفى بالله بن الحاكم العباسى.

وسلطان البلاد: الملك الناصر محمد بن قلاون، ونائبه محمد بمصر الأمير سلاّر، وقاضى الشافعية بدر الدين بن جماعة، ونائب الشام جمال الدين أقوش الأفرم، وقاضى الشافعية بدمشق نجم الدين بن الصصرىّ.

‌ذكر المدرسة الناصرية التى بين القصرين:

قال ابن كثير

(1)

: وفى هذه السنة كمل عمارة المدرسة الناصرية

(2)

ببين القصرين.

وكان الملك العادل زين الدين كتبغا قد شرع فى عمارتها وابتدأ فى إنشائها، فلم تطل مدته لتمام بنائها، فعند عود الملك الناصر إلى مملكته ثانيا أمر بتكميلها، ورسم بترتيبها، ورتب الدروس على المذاهب الأربع، فللحنفيّة شمس الدين السروجى

(3)

، وللمالكية زين الدين على

(4)

، وللحنابلة شرف الدين عبد الغنى

(5)

الحرانى،

(*) يوافق أولها يوم الخميس 15 أغسطس 1303 م.

(1)

لم يرد الخبر التالى فى المطبوع من البداية والنهاية الذى بين أيدينا.

(2)

المدرسة الناصرية بالقاهرة: بجوار القبة المنصورية من الجهة البحرية - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 382.

(3)

هو: أحمد بن إبراهيم بن عبد الغنى، شمس الدين السروجى، المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 1 ص 201 رقم 102.

(4)

هو: على بن مخلوف بن ناهض، المالكى، قاضى قضاة مصر، المتوفى سنة 318 هـ/ 1318 م - المنهل الصافى.

(5)

هو: عبد الغنى بن يحيى بن محمد، قاضى القضاة شرف الدين أبو محمد الحرانى، الحنبلى، المتوفى سنة 709 هـ/ 1309 م - المنهل الصافى.

ص: 297

وللشافعية الشيخ الفاضل صدر الدين محمد

(1)

بن المرحل المعروف بابن الوكيل، ونقل الملك الناصر والدته من التربة المجاورة لمشهد السيّدة نفيسة إلى قبة المدرسة المذكورة، ودفنت بها، وعيّن لها أوقافا جارية

(2)

.

وفى النزهة: وكانت هذه المدرسة دارا تعرف بدار الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى. ولما تسلطن الأمير زين الدين كتبغا وتلقب بالملك العادل اختار أن يجعل له مدرسة ومكانا يدفن فيه، فسعى له جماعة ودلّوه على هذا المكان لأنه مجاور لمدرسة

(3)

السلطان قلاون أستاذه، وفى وسط المدارس، ففرح بذلك واشتراه من ورثته، وشرع فى عمارته، وجلب إليه سائر الصناع، وعمل لها بابا عجيبا، وهو رخام أبيض قطعة واحدة، وكذلك واجهة الباب وأعتابه

(4)

، وأصل ذلك أن الملك الأشرف خليل بن قلاون لما أخذ حصن عكا

(5)

وجد فيها بناء عظيما من أيام السنين من العمائر العجيبة جدا

(6)

، وكان هذا الباب فى هذا البناء، وكان الأشرف قد رتب علم الدين الدوادار الصالحى على تخريب سور عكا وسور

(1)

هو: محمد بن عمر بن مكى بن عبد الصمد، صدر الدين بن المرحل، ويعرف أيضا بابن الوكيل، المتوفى سنة 716 هـ/ 1316 م - المنهل الصافى.

(2)

انظر المواعظ والأعتبار ج 2 ص 382.

(3)

«المدرسة» فى الأصل.

(4)

عتب الباب: هو الحجر الذى يعلو الباب أو الذى يوطأ - المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية ص 80.

(5)

فى سابع عشر جمادى الأولى سنة 690 هـ - انظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 58 وما بعدها.

(6)

«أقام الأمير علم الدين سنجر الشجاعى لهدم أسوارها وتخريب كنائسها فوجد هذه البوابة على باب كنيسة من كنائس عكا، وهى من رخام قواعدها وأعضادها وعمدها كل ذلك متصل بعضه ببعض، مخمل الجميع إلى القاهرة» - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 382، وانظر ما سبق بالجزء الثالث من هذا الكتاب ص 63.

ص: 298

عثليث وغيرهما من القلاع التى فتحها الله على يديه، ولما سمع الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة بهذا الباب أرسل إلى الأمير علم الدين المذكور وطلب منه هذا الباب، وسأله أن يحمله إلى مصر، ويكون ذلك إحسانا منه إليه، ولما انتهى شغل الأمير علم الدين حمل هذا الباب إلى مصر، وقدمه له، وكان عند بيدرا إلى أن جرى عليه ما جرى فى قضية الأشرف، وقتل كلاهما وتسلطن كتبغا، وشرع فى عمل هذه المدرسة، فأخبره من كان يعرف هذا الباب أنه عند ورثة بيدرا وأنه معدوم المثل، فسأل كتبغا ورثة بيدرا عن ذلك. فأحضروه إليه وأمر بوضعه بابا للمدرسة، ولما اتفق لكتبغا ما اتفق، وقدم [الناصر محمد

(1)

] إلى مصر اشتراها القاضى زين الدين المالكى بطريق الوكالة عن السلطان الناصر، وشرع فى استكمال عمارتها [315]، وشرع فى شراء أملاك ليوقفها عليها، فمن جملتها فيساريّة أمير على بالشّرابشيّين. والربع المعروف بالدهشة

(2)

، وحوانيت بباب الزهومة، والحمام المعروف بالفخرية بجوار السيفية، ودار والدة السلطان قلاون، والحمامان اللتان تعرفان بالشيخ خضر، وخان الطعم بظاهر دمشق.

(3)

‌ذكر الإفراج عن الشريفين أسد الدين رميثة وعزّ الدين حميضة ولدى الشريف نجم الدين بن نمى:

ولما اتفق وصول الأمير سيف الدين برلغى الأشرفى من الحجاز الشريف،

(1)

[] إضافة للتوضيح.

(2)

الدهشة أو الدهيشة - النجوم الزاهرة ج 8 ص 210.

(3)

انظر ملخص كتاب الوقف الخاص بالمدرسة الناصرية فى نهاية الأرب (مخطوط) ج 30 ورقة 341 ب وما بعدها، والمنشور بالملحق رقم 17 بالجزء الأول من كتاب السلوك ص 1040 - 1050.

ص: 299

أخبر عن أميرى مكة أبى الغيث وأخيه عطيفة بأنهما عاجزان وليست لهما حرمة، وأن عبيدهما يشوشون على الحاج وأن الحال تقطع من مكة، اتفق رأى الأمراء بين يدى السلطان على إخراج الشريفين رميثة وحميضة من الاعتقال فى الإسكندرية، وكان قد سبق سؤالهما فى الإفراج عند حضور الأمراء والسلطان من الغزاة، وأن يقيما بمصر فى خدمة السلطان، ولما ذكر سيف الدين برلغى ما ذكر، أمر السلطان بإخراجهما، وسيّروا أمير جندار إليهما، فأحضرهما، ولما قدما اقتضى رأى الأمير بيبرس والأمير سلار أن يخلع عليهما وأن يلبسا الكلوتات الزركش، فامتنع حميضة من ذلك، وقالوا له: متى خالفت ذلك رجعت إلى السجن، فعند ذلك لبس، وأجلسوهما فوق الأمراء لشرف نسبهما، ثم أرسل إليهما سائر الأمراء ما يحتاجان إليه من سائر الأشياء، وخصوصا - أحسن إليهما غاية الإحسان - سلار وبيبرس، وكانا يركبان مع السلطان فى الميدان، وألزموا حميضة أن يلعب الأكرة مع السلطان والأمراء تلعب، واتصل بهم اتصالا حسنا.

وقال بيبرس فى تاريخه: وأنعم عليهما وأعيدا إلى منصبهما، وعزل أخواهما عطيفة وأبو الغيث، وسيّر صحبتهما الأمير عز الدين أيدمر الكوندكى، فرتبهما فى الإمرة

(1)

.

‌ذكر تجريد العساكر إلى سيس:

قال ابن كثير: وفى هذه السنة أمر السلطان بتجريد العساكر إلى سيس، وسبقه أن طائفة من العسكر الحلبى دخلت بلاد الأرمن غارة، فكبستهم التتار

(1)

انظر غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام ج 2 صفحات: 54 - 55، 80 - 81، 112، التحفة الملوكية ص 174.

ص: 300

ببلاد سيس وسلموا، فجرد السلطان الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى ومعه عدّة من العسكر المصرى ثلاثة آلاف، فتوجهوا إلى دمشق، ووصلوها ثانى عشر رمضان

(1)

، وأضيف إليهم ألفان من دمشق صحبة الأمير بهادر آص، وساروا، فأخذوا معهم نائب حمص الأمير بلبان الجوكندار، ووصلوا إلى حماة، فصحبهم الأمير قفجق نائب حماة، وجاء إليهم الأمير أسندمر

(2)

نائب طرابلس، وانضاف إليهم الأمير قراسنقر

(3)

نائب حلب، وانفصلوا كلهم عنها، فافترقوا فرقتين: فرقة سارت صحبة قفجق إلى ناحية ملطية وقلعة الروم، والفرقة الأخرى صحبة قراسنقر ودخلوا الدربندات

(4)

، وحاصروا تلّ حمدون، فتسلموه عنوة فى الثالث عشر

(5)

من ذى القعدة، بعد حصار طويل، ووقع الاتفاق مع صاحب سيس على أن تكون للمسلمين من نهر جهان إلى حلب، وللأرمن من النهر إلى ناحيتهم، وأن يعجلوا حمل سنتين، ووقعت الهدنة على ذلك بعد [316] ما قتل خلق كثير من أمراء الأرمن ورؤسائهم

(6)

.

(1)

يذكر ابن أيبك أن الخروج من مصر كان فى «العشرين من شهر رمضان المعظم» - كنز الدرر ج 9 ص 110.

(2)

هو: أسندمر بن عبد الله الكرجى، نائب طرابلس، ثم حلب، والمتوفى سنة 711 هـ/ 1311 م - المنهل الصافى ج 2 ص 443 رقم 465.

(3)

هو: قراسنقر بن عبد الله المنصورى، المتوفى سنة 728 هـ/ 1327 م - المنهل الصافى.

(4)

الدربند - الدربندات: لفظ فارسى من معانيه: المضايق والطرقات، والمعابر الضيقة Dozy .-

(5)

«ثالث وعشرين» - فى كنز الدرر ج 9 ص 111.

«فى ثالث ذى القعدة» - فى البداية والنهاية.

(6)

ورد هذا الخبر ملخصا فى المطبوع من البداية والنهاية ج 14 ص 28 - 29.

ص: 301

وقال النويرى: وتأخر بدر الدين بكتاش فى حلب

(1)

عن هذه الغزوة لمرض عرض له. وإن تلّ حمدون لما فتحوها كان بها جماعة من نواب القلاع المجاورة لها لقبض مال، فلما أطلقهم المسلمون وصل رسول صاحب سيس يقول:

إن هؤلاء الذين بتلّ حمدون هم ملوك القلاع، وكلما أردت بذل الطاعة وإرسال الحمول للسلطان خالفونى وعصونى، فإن أنتم مسكتموهم سلموا إليكم القلاع والأموال. فأرسل الأمراء من أدركهم قبل وصولهم إلى مأمنهم وكانوا ثمانية

(2)

، فقتلوهم إلا واحدا

(3)

اسمه السرماق صاحب قلعة نجمية، فإنه لما شاهد الموت أسلم وقال: أنا لى أخ فى خدمة السلطان الملك الناصر، وأنا أسلّم قلاعى إلى السلطان، والتزم له فتح سيس بألفى فارس، فعادت العساكر إلى مصر ووصولها فى المحرم سنة أربع وسبعمائة.

وقال صاحب النزهة: ولما تأخر بدر الدين أمير سلاح فى حلب لمرض عاقه عن الذهاب مع العسكر أرسل طلبه صحبة ولده، ودخلت العساكر إلى بلاد سيس وأخربوا الضياع، وأحرقوا جميع المزارع، وأسروا أهلها، وبلغهم أن قلعة تلّ حمدون قد تجمع فيها جماعة كثيرة من الأرمن، فنزلوا عليها وأقاموا أياما فى حصارها إلى أن فتح الله عز وجل وتسلموها بالأمان، وكان فيها ثمانية من ملوك الأرمن أصحاب القلاع، وكانوا قد أتوها على سبيل زيارة كنيسة فيها، فبلغهم وصول العسكر، فخافوا النزول منها واستأمنوا، فأعطاهم الأمراء أمانا وأمهلوهم يومين، فبلغ ذلك صاحب سيس، فصعب عليه ذلك لكون مثل هذا الحصن

(1)

«بغزة» - فى كنز الدرر ج 9 ص 110.

(2)

«ستة ملوك» فى السلوك ج 1 ص 949.

(3)

«فضربت رقاب الملوك الخمسة» فى السلوك ج 1 ص 949.

ص: 302

يخرج من يده بمكيدة فعلها الأرمن، فأرسل قاصده إلى نائب حلب، وجرى ما ذكرناه آنفا.

‌ذكر وفود جنكلى بن البابا أحد مقدمى التتار إلى السلطان:

قال ابن كثير: وفى هذه السنة ورد إلى الأبواب الشريفة الأمير سيف الدين جنكلى

(1)

بن شمس الدين المعروف بابن البابا، أحد مقدّمى التتار ومعه حريمه وألزامه عدتهم أحد عشر

(2)

نفرا منهم أخوه فيروز، فأقبل عليه السلطان وأمّره طبلخاناة، ثم نقله إلى أمير مائة، وكان مقام المذكور ببلاد آمد، وكان يكاتب السلطان بالنصيحة، فلهذا عظم شأنه

(3)

.

قال صاحب النزهة: وفيها ورد مملوك نائب حلب وعرف السلطان أن جنكلى ابن البابا نائب رأس العين سير إليه وكاتبه فى الدخول إلى مصر، فكتب السلطان إلى نائب حلب بالركوب إليه وتلقيه والإكرام إليه، وكذلك كتب لنائب دمشق وأن يجهز له الإقامات.

وفى ثالث ذى الحجة منها: قدم جنكلى المذكور، وكان قد جهز حاله وهو فى بلاده إلى أن اتفق موت قازان وبلغه ذلك، فوجد الفرصة فركب بمن معه من ألزامه وأقاربه، وأخذ كلّ ما عز عليه، وركب على نية افتقاد ما حوله

(1)

«بدر الدين جنغلى» فى السلوك ج 1 ص 950، وتوفى الأمير جنكلى سنة 746 هـ/ 1345 م - المنهل الصافى ج 5 ص 22 رقم 864.

(2)

«وفى صحبته نحو من عشرة» - البداية والنهاية ج 14 ص 29.

(3)

«وأعطاه مائة فارس» - التحفة الملوكية ص 175.

ص: 303

من البلاد التى يتولاها وقصد الفرات وعدّى، وبلغ ذلك نائب حلب، فكتب إلى بهسنى وكختا وسائر النواب بالركوب إليه وإكرامه، وعند وصوله إلى حلب تلقّاه نائبها وأكرمه، وكذلك نائب دمشق إلى أن [317] وصل إلى مصر، وركب الأمير ركن الدين بيبرس إلى لقائه ومعه سائر الأمراء إلى قبة النصر، وأحضروه بين يدى السلطان، وباس الأرض ثم يده، فقرّبه وتحدّث معه، ووعده بكل خير، ورسم له أن يسكن فى القلعة، وعند استقراره رسم للأمير بهاء الدين قراقوش الظاهرى أن يذهب ثانيا إلى صفد ورسم بإقطاعه لجنكلى المذكور، وكتب له زيادة على ذلك مائة ألف درهم، ورسم لأمير على أخو قطلوبك بعشرة، ولنيروز الذى جاء معه تقدمة.

قال ابن كثير: وفيها وصل أيضا الأمير بدر الدين بأهله من آمد ومعه جماعة إلى مصر، فأقبل عليهم السلطان وأحسن إليهم

(1)

.

‌ذكر وصول الرسول من جهة البرشونى الفرنجى:

قال ابن كثير

(2)

: وفيها وصل رسول من جهة الريداكون البرشونى

(3)

، أحد ملوك الفرنج، برسالة تتضمن الشفاعة فى النصارى الذين بمصر ليجروا على عوائدهم، وينعم عليهم بفتح كنائسهم، فقبل شفاعته وفتحت لهم كنيستان بالقاهرة:

كنيسة لليعاقبة بحارة زويلة، وكنيسة بالبندقانيين للملكية، وعاد الرسول إلى بلاده، وسيّر صحبته فخر الدين عثمان الأفرمى، فلما وصلا إلى إسكندرية وركبا

(1)

البداية والنهاية ج 14 ص 29.

(2)

لم يرد هذا الخبر فى المطبوع من البداية والنهاية الذى بين أيدينا.

(3)

المقصود ملك أرجونة، وكانت عاصمته برشلونة.

ص: 304

منها فى البحر تفاوضا مفاوضة أدّت إلى أن رسول البرشونى طرح عثمان من المركب إلى القارب الذى خرج من الميناء، فشيعهم هو وغلمانه، فأقلع من فوره، فرجع فخر الدين عثمان إلى مصر.

وفى النزهة: وصل رسول البرشونى وصحبته هدية حسنة خارجة عن عادته، فإن تناهى فى التحف والأشياء المفتخرة من المصاغ والبلور والذهب للسلطان وأرباب الوظائف من الأمراء وغيرهم، فأعجب السلطان والأمراء ذلك، وكان فى كتابه سأل أن يحضر إليه رسول من جهة السلطان فإنه اختار أن يشافهه، فرسم بتجهيز فخر الدين عثمان استادار الأمير عز الدين الأفرم، وكان قد تأمر وولى ولاية القاهرة أياما وعزل، فتجهز وأولع فى الطمع حتى اقترض على ذمته نحو ستين ألف درهم غير ما كان فى حاصله، واشترى أصنافا كثيرة من أصناف صالحة لتلك البلاد، ولما فرغ الرسل من التجهيز تمثلوا بين يدى السلطان وباسوا الأرض، وأخرجوا فى ذلك الوقت ملطفا صغيرا وقالوا للترجمان: إن الملك كان أوصى إليهم أن السلطان إذا قضى حاجته فى الكنائس نخرج هذا الملطف ونعطيه، وإن لم يجب إلى ذلك فلا تعطوه، فلما قرئ على السلطان وجد فى ضمنه أنه طلب بعض الأسرى المحبوسين فى مصر، وذكر أن أباه وأمّه قد توفيا ولم يبق غير أخته، وأنها قد دخلت على زوجته أن تسأل صدقات السلطان أن يجمع بينها وبين أخيها، فرسم السلطان أن يفك قيد هذا الأسير المطلوب ويسلم إليهم، ثم كتب لمتولى الإسكندرية بإكرامهم وتسفيرهم، ولما وصلوا إلى إسكندرية باتوا تلك الليلة على نية السفر، وعند طلوع الشمس تغيّر الهواء وأعاقهم عن الخروج من الميناء، وعندما تضاحى النهار وقعت بطاقة: إن كانت الرسل قد سافروا تحيلوا

ص: 305

على ردهم [318] إلى إسكندرية إن أمكن ذلك، وإن كانوا ما سافروا عوّقوهم وخذوا منهم ذلك الأسير الذى فكّ قيده وسلم إليهم، وأحضروه إلى مصر، ويأذن السلطان بعد ذلك للسفر.

وكان الموجب لذلك أن هذا الأسير لما طلب من بين الأسراء كان قد حصل بينه وبين أحد منهم كلام أوجب التباغض بينهما، اجتمع بمشدّ الأمراء وعرّفه أن له نصيحة يريد أن يبديها للسلطان، فعرّف المشد بذلك للأمراء وبلغوا السلطان فطلبه، فلما حضر قال: إن هذا الأسير الذى شفع فيه صاحب برشونة وأجاب إليه السلطان ابن ملك كبير فى البلاد، وله مال عظيم، ولو طلب السلطان منه ملء مركب ذهبا أعطاه وأعطى أضعافه. فقيل له: كيف أصل أسر هذا وما جرى عليه؟ فقال: هذا كان قد حضر بمركب تجارة إلى مدينة طرابلس وأخذ منها متجرا عظيما، وتردد إليها مرات، وكان يتردّد أيضا إلى جزيرة أرواد لما كانت عامرة، وجعل له فيها حواصل

(1)

كثيرة، ولما أخذت جزيرة أرواد واستولى عليها المسلمون كان هو مقيما فيها، وأخذ مع جملة الأسراء وقال:

أنا أعرف بلده وأعرف أباه وأمه وما هو عليه من الدنيا الواسعة وأنا أسرت معه، وتم الأمر علينا إلى هذه الأيام، ولما بلغ والده أن ابنه فى قيد الحياة وأنه أسير عندكم، فتحيل ودخل على صاحب برشونة وقدم له هدية عظيمة، وهو الذى أقام بجميع ما جهزه إلى للسلطان من عنده ما قيمته أربعون ألف دينار، وكتب صاحب برشونة إلى السلطان بسبب الكنائس وما كان قصده إلا خلاص هذا الأسير، وإنما جعل ذكر الكنائس حجّة وسلّما إلى وصول قصدهم.

(1)

الحاصل: فى العمارة المملوكية تدل على معنى: مخزن أو حانوت - انظر: المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية ص 31.

ص: 306

فعند ذلك كتب بطائق إلى متولى الإسكندرية، وسيروا بعدها البريد، فسبقت البطاقة، وأراد الله عز وجل أن لا يبلغهم آمالهم، وفسدت الريح إلى أن أدركهم الأمر، فركب متولى إسكندرية فى الحال وأخذ الأسير منهم وأعاده للقيد، وسيره صحبة البريد إلى مصر، وعرف رسول صاحب برشونة أن السلطان علم خبر هذا الأسير ورسم أن يرجع إلى مكانه، وسافروا أنتم، فلم يمكنهم الكلام بعد ذلك، وعلموا أن الذى جاءوا بسببه لم يتم لهم، وخشيوا عاقبة أمرهم، فأقلعوا من وقتهم وسافروا.

ولما بعدوا عن إسكندرية تشاوروا فيما بينهم فى أمر الرسول الذى معهم من جهة السلطان، فاتفقوا على أن يأخذوا جميع ما معه من جهة السلطان، ثم يقتلوه ويسافروا، فتصدى شخص من عقلائهم فقال: قتل الرسول ليس بجيّد وأيضا إذا قتلناه نخشى عاقبة ذلك، وربما يصعب ذلك على الملك أيضا، وصاحب مصر لا يعاند، فعند ذلك اقتضى رأيهم أن يأخذوا جميع ما معه ويردّوه إلى إسكندرية، ولما انتظم الأمر بينهم على ذلك قاموا إليه وأخذوه وحده ووضعوه فى قارب، وكان رجلا ضخما وقالوا له: رح إلى مكان جئت منه، فلو كان قتل الرسول جائزا لقتلناك ورميناك فى البحر، فسألهم أن يردوا عليه شيئا من ماله فإنه أخذه بالدين، فأبوا أن يردوا عليه شيئا، وقالوا: هذا بعض ما جبناه إلى ملككم، وأقلعوا، ورجع هو بالقارب إلى [319] الإسكندرية وليس معه سوى ما عليه من القماش، فجهزّه متولى الإسكندرية إلى القاهرة، وكتب إلى السلطان وعرفه بخبره، ولما وصل إلى مصر دخل إلى الأمراء وشكى حاله فقال: إنى تداينت أموالا كثيرة على ذمتى وأخذ جميعها، وبكى بين أيديهم، فكان جواب سلاّر: نحن سيرنا رسولا ما سيرنا تاجرا، وأرسلوا إلى متولى

ص: 307

الإسكندرية وأمروا له بأن يحتاط على من عنده من الإفرنج التجار وغيرهم من برشونة، وإن لم يكن عنده أحد منهم يترقب حضورهم، فإذا حضر أحد منهم يعرف الأبواب الشريفة بذلك.

‌ذكر بقيّة الحوادث فى هذه السّنة:

منها: أنه ولد للملك الناصر ولد من زوجته أردكين خاتون بنت الأمير سيف الدين نوكيه السلحدار الظاهرى، وسماه عليّا ولقبّه علاء الدين، ثم لقبّ بعد ذلك بالملك المنصور، وكانت هى زوجة أخيه الملك الأشرف رحمه الله.

وقال صاحب النزهة: وعملت له الأمراء مهما كبيرا وفرحوا به، وقصد السلطان أن يقيم عنده المغانى سبعة أيام فلم يوافقه الأمراء على ذلك وعملوه يوما واحدا.

ومنها: أنه ارتفع سعر الغلال بالديار المصرية فبلغ الأردب من القمح إلى أربعين درهما فما فوقها، ثم أخذ فى الانحطاط.

ومنها: أنه وقع الموتان فى الحيوان بحلب والشام وأعمالهما، فقيل: إن الذى نفق منها يناهز ثمانين ألف رأس.

قال بيبرس: ووصلت ريح الوباء التى أصابتها إلى الديار المصرية، فنفق من خيول العسكر شئ عظيم.

ومنها: أنه وقع ببلاد قاقون وغزة والساحل وما حولها جراد لا يحصى كثرة فجمع الفلاحون منه شيئا كثيرا، ولم يؤذ الزروع وغيرها.

ص: 308

ومنها ما قال بيبرس فى تاريخه: وفى هذا العام شملنى الإنعام بأن رشحت بحمل الجتر السلطانى فى المواكب، وهى وظيفة معزوقة

(1)

بذوى المراتب، فشكرت الله تعالى على ذلك

(2)

.

ومنها: أن القاضى صدر الدين بن المرحل قدم من دمشق إلى القاهرة، ومعه كتاب نائب الشام إلى الأمير ركن الدين بيبرس، والأمير سيف الدين سلار نائب السلطان، بسبب وظائف كانت بيده وخرجت عنه، وكان هذا الرجل مشهورا بالفضيلة، والشعر الحسن، والمنادمة الحسنة، وله شهرة بشغفه الشراب، ومنادمة الأكابر، وبهذه الأشياء اتصل بنائب الشام حتى كتب معه فى حقه، ولما اجتمع بالأمير بيبرس اتفق مبيته عنده تلك الليلة.

قال الراوى: فحكى لى شمس الدين البلخى المؤذن شيئا من بعض لطائفه، أنه لما بات عند الأمير بيبرس تلك الليلة أحضر إليه الأمير بيبرس بعد العشاء سلطانية كبيرة ملآنة بالسكر وماء الليمون مع بعض السقاة، وكان ذلك الساقى تركيا صاحب وجه حسن، ولكنه كان أجرودا كبيرا فى العمر، فلما ناوله المشروب أخذه منه وبهت فى وجهه زمانا، ثم التفت إلىّ وقال: يا شمس الدين إن هذا شاب مليح. قال: فقلت له: يا مولانا لا يغرك نظر الشمع، هذا كبير ولكنه أجرود، ومع ذلك يا مولانا هو رجل مأبون ما منه خلاف، فقال:

وإلى الآن، قلت له: نعم، فشرب منه، فأنشأ يقول:

شاب قلبى بشاب من سنى البدر أوجه

كلما شاب ينحنى بيّض الله وجهه

(1)

عزق الخبر: حبسه، والمقصود أن هذه الوظيفة لا يتولاها إلا ذو المراتب.

(2)

انظر التحفة الملوكية ص 175.

ص: 309

[320]

ثم أنه حصل له ما طالع به نائب الشام، فكتب له توقيع بالعدراوية، ودار الحديث، وخطابة الجامع الأموى والإمامة، ثم سافر إلى دمشق، وأوقف نائب الشام على توقيعه، فعلّم عليه، وكان الخطيب إذ ذاك الشيخ شرف الدين الفزارى، وكان قد تولى الخطابة بحكم وفاة الشيخ زين الدين الفارقى.

وكان الناس فرحوا بتولية الشيخ شرف الدين الخطابة لكونه من أهل الصلاح والدين والعلم، فلما بلغ أهل دمشق أن صدر الدين المذكور قد تولى هذه الوظائف المذكورة تعصبوا عليه، واتفقوا أنه إذا حضر وأراد أن يخطب لا يصلون وراءه، وكان حضوره من القاهرة يوم الأربعاء، فصبروا عليه إلى أن كان يوم الجمعة، اجتمعت أكابر دمشق مثل: كمال الدين ابن الزملكانى، وإمام الدين القزوينى، وعلاء الدين بن العطار، والشيخ على الكردى، والشيخ تقى الدين بن التيمية، وأصحابه، وقاضى الشافعية، وقاضى الحنفية، ومنعوا الناس عن سماع خطبته والصلاة خلفه، وكان نائب الشام ركب إلى الجامع للصلاة، فرأى المدينة قد انقلبت إلى أن دخل الجامع، وخرج الشيخ صدر الدين وهو لابس حلة الخطابة، وما لحق أن يصعد المنبر حتى صاحت الناس فى وجهه، وخرجت جماعة، فخرجوا من الجامع وهم يصيحون ويقولون: أين الإسلام؟ كيف يجوز أن يكون هذا الرجل خطيب المسلمين وإمامهم، وصدر الدين لم يعلم ما يقال من قوة غلبة الناس والصياح، وما صدّق نائب الشام فراغه من الصلاة وسكون الحال حتى خرج وركب إلى دار السعادة، فحضرت إليه القضاة وابن تيمية والمشايخ، وقد نظموا محضرا على صدر الدين، وشهدوا عليه فيه أنه رجل فاسق يشرب الخمر، وأن الصلاة خلفه لا تجوز، وقرئ المحضر بحضرته.

ص: 310

ورأى نائب الشام أنه لا يقدر على دفع هؤلاء، وعرف أن هذا الأمر لا يتم لصدر الدين، فمشى فى طوعهم، وقال: أنا ما وليت هذا الرجل، وإنما جاب توقيعا سلطانيا، وأنا امتثلت ما رسم به، وعلّمت على توقيعه، وأنا أطالع السلطان فيه، فمهما رسم به اتبعناه، وكتب من وقته وعرّف للسلطان وللأمراء ما وقع من الأمر، وبقى صدر الدين

(1)

يصلى بالجامع، ولكن أكثر الناس لا يصلون وراءه، ويصلون فى الكّلاسة وغيرها إلى أن ورد الجواب أن يتبع ما يقوله القضاة وأهل الشرع، فإذا لم يختاروا صدر الدين يستقر من كان قبله، فطلب نائب الشام أكابر دمشق والقضاة، واستقر بشرف الدين الفزارى فى الإمامة والخطابة، وهرعت الناس إليه، وكان حسن الصوت، فخطب خطبة فى العزل والولاية، وكان يوما مشهودا.

‌ذكر ما اتفق لناصر الدين الشيخى مع الدّواوين وتوليته الوزارة:

كان ناصر الدين هذا متولى القاهرة، ثم انتقل إلى ولاية الجيزيّة، ففى ولايته على الجيزية تعاظم على الوزير وعلى المباشرين لقوة حرمته، وما كان أحد منهم يجسر عليه، وقلّ متحصل أرباب الأقلام فى أعمال الجيزة، فاتفق رأيهم مع الوزير [321] أن يثبتوا فى حقه وفى حق مماليكه أموالا سلطانية، فسعى الوزير عند نائب السلطان سلاّر فى أمره، لأنه كان يعلم أن سلار يكره ناصر الدين الشيخى، فقرّر معه أن يحضر الأمراء عند النائب، ويحضر المباشرون، ويطلبون

(2)

ناصر الدين وينظرون

(3)

فى أمره، فلما أصبحوا طلبوا ناصر الدين وسائر الدواوين

(1)

«صدر الناس» - فى الأصل، وهو تحريف.

(2)

«ويطلبوا» فى الأصل.

(3)

«وينظروا» فى الأصل.

ص: 311

والنظار، وشرعوا فى المحاققة، وكان التاج الطويل مستوفى الدولة حاقق معه كثيرا، وكلما سألوه فصلا من الأموال أجاب عنه ناصر الدين، وإذا أنكروا المصروف أخرج لهم خصمه بالشواهد، فأبطل كلامهم وأدحض صحتهم، فتزايد الكلام بينهم إلى أن قال التاج الطويل: يا ناصر الدين مال السلطان ما يؤخذ بالفجور. فقال ناصر الدين: ويلك أنتم أكلتم مال السلطان، وأنتم تقاسمتموه، ثم نهض واقفا، ثم قال للأمراء: وحق نعمة السلطان هؤلاء هم الذين أكلوا مال السلطان، فسلمونى إياهم آخذ منهم ثلاثمائة ألف دينار للسلطان، واكتب خط يدى بذلك. فقال له التاج الطويل: يا ناصر الدين بقيت تأمر وتنهى، لو طلعت رأسك إلى السماء أنت عندى ضامن

(1)

بتقارير مكتوبة عليك مثل سائر الضمان، فلما سمع بيبرس بذلك غضب فقال: والك ما كفى كذبكم حتى تجعل أميرا من أمراء السلطان مثل الضامن الذى يأكل المقارع؟، والله ما يأكل مال السلطان غيركم يا مناحيس يا كلوب، فنهزه وأشار بقيامه من المجلس.

وكان فى المجلس من الأمراء: الأمير سيف الدين سلاّر، والأمير برلغى، والبغدادى، وأيبك الخزندار، وبكتمر الخزندار، وغيرهم، فلما رأوا أن بيبرس مال عليه، وشدّ من ناصر الدين، مالوا معه عليه، وشدوا من ناصر الدين، ثم التفت إلى ناصر الدين وقال له: اعلم ما تقول إنك تحمل من جهتهم المبلغ الذى ذكرته. قال: نعم يا خوند وأكثر مما قلت، ثم قال الأمير بيبرس للوزير

(1)

الضامن: الملتزم الذى يتولى لحسابه جمع ضريبة أومكس، ويضمن فى مقابل توليه ذلك مبلغا من المال يدفعه إلى الجهة المختصة فى أوقات محددة كل سنة - المواعظ والاعتبار ج 1 ص 79.

ص: 312

والحجاب: اجمعوا جميع الدواوين وسلموهم له يفعل فيهم ما يختاره، ويطالبهم بالحساب والمال، وإذا لم يقم بالذى قاله أخذته من أجنابه.

وما بقى مستوفى ولا كاتب ولا متصرف ولا معين ولا مشد حتى سلّم إليه، غير القاضى تاج الدين بن السنهورى، والقاضى شهاب الدين بن الواسطى، فإنهما كانا ناظرين فى ذلك الوقت، وكانا محترمين لأمانتها.

ولما جمعهم ناصر الدين عنده طلب منهم حساب ثلاث سنين، ورسّم عليهم، وضيق عليهم، وخصوصا على التاج الطويل فإنه أهانه ونكل به، فما مضى عليهم أيام يسيرة حتى أظهر فى حقهم أموالا كثيرة من حاصل الأهراء والقنود والدواليب وغيرها، وعرف الأمراء بذلك، وقام معه ابن سعيد الدولة وعرّف الأمير بيبرس فى الباطن أن ناصر الدين ظهر عليهم، وكان كلامه عند بيبرس مقبولا، فتحدث بيبرس مع سلار والأمراء، وشكر من فعل ناصر الدين، فرسموا له باستخراج الأموال منهم وعقوبتهم، فعند ذلك شدّ عليهم ناصر الدين، فشرعوا فى تحصيل الأموال وتبع موجودهم، ثم سعوا عند أكابر الأمراء حتى دخلوا على ناصر الدين [322] بأن يلطف فى أمرهم، وحذّره بعض الناس أيضا عاقبة أمرهم، وعرف ناصر الدين للأمير بيبرس أنه حمل من جهتهم لبيت المال ثلاثمائة ألف درهم، وهى التى وجد لهم.

فحاصل الأمر لما كثر عليه الشفاعات رسم بالإفراج عنهم، وأعيدوا إلى مباشراتهم ووظائفهم، وكان الوزير هو الأمير عز الدين البغدادى، وكان بينه وبين ناصر الدين وقعة كبيرة بسبب المباشرين وما جرى عليهم، وأراد أن يعزل نفسه عن الوزارة، ولم يجد سبيلا لذلك، غير أنه سأل أن يحج فى خدمة

ص: 313

الأمير سيف الدين سلار، وكان سلار فى تجهيز الحج، فأجيب إليه، فعلم ناصر الدين بذلك فسعى بواسطة الأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار، وسيف الدين برلغى، وسيف الدين بينجار، وبالأمراء الذين يسمع كلامهم عند سلاّر، وأهدى إلى كل واحد من هؤلاء ما يناسبه، وحصل لهم بلاد فى الجيزيّه بالإجارة من ديوان السلطان، وعمل لهم سواقى وغير ذلك، حتى ملأ أعينهم، ثم استعمل الأكواز الفضة والذهب، والسلاسل الذهب والفضة، وما يناسب سفر الحاج لمثل سلاّر نائب السلطان، وحصل « ...... »

(1)

، وكان فى ذلك الوقت لا يوجد، وغير ذلك من الأشياء الحسنة وقدّم الجميع لسلار.

وكان سلار يكرهه لقربه من بيبرس وتعرضه للأمراء، ومع ذلك لما نظر إلى ما قدّمه أعجبه ذلك، وأراه البشاشة والقبول، وشكره على ذلك، ثم بعد أيام خاطبه الأمير سيف الدين برلغى، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار، وغيرهما، وقالوا: يا خوند من تعملون وزيرا وأنتم تسافرون بخير وسلامة. فقال: النظار يتحدثون إلى حين نعود من الحج. فقال بكتمر الجوكندار: أنا أعرف واحدا يصلح للوزارة. فقال: من؟ قال: ناصر الدين الشيخى، فلما سمعه أحمرّ وجهه وظهر فيه الغضب. وقال: يا أمير ما يكفى ما سمعنا فى حقه حتى نعمله وزيرا.

وبقى الأمير على ذلك إلى أن خرج الحاج، وتأخّر الأمير سلاّر خلف الحجاج قليلا، ففى يوم خروجه جاء إليه الأمير برلغى، وبكتمر الجوكندار، وطغلق،

(1)

« ...... » موضع كلمة غير مقروءة «وعمل للأمير سلار من آلات السفر شيئا كثيرا» فى السلوك ج 1 ص 954.

ص: 314

وتباكز، وجماعة آخرون من الأمراء، وسألوه أن يقبل شفاعتهم، وتولى ناصر الدين الوزارة إلى أن يحضر الأمير من الحجاز، فإذا حضر بخير وسلامة ووجده قد حصل من الأموال ما يرضيه يبقيه وإلا فعل فيه ما يختاره، فقام برلغى وباس يده، وكذلك الجوكندار، وساعدتهما الأمراء الحاضرون ممن كان يتعصب لناصر الدين، فعلم الأمير سلاّر أنه لا يمكن ردّ كلامهم، ولا يفيد التعلل بعد وقوف هؤلاء، فأجاب إلى سؤالهم ورسم بكتابة توقيعه، وأحضروه، وباس يده، وما جاء آخر النهار حتى كتب التوقيع

(1)

، وفصّلت له الخلعة، ولما أحضروا توقيعه قام الأمير سيف الدين برلغى وأخذ الدواة، [223] وأخذ الأمير بكتمر الجوكندار المرملة، والأمير سلار ينظر إليهم وهم معتنون بأمره، ولكن قلبه يكره ذلك، فعلم على توقيعه وألبسوه الخلعة، وحضر ليبوس يده، فالتفت إليه والأمراء حاضرون وقال له: اسمع يا ناصر الدين أنا أقول لك قدام هؤلاء الأمراء: تعرف أش كنت وأين وصلت؟ وما أوصلك إلى هذه المنزلة سيفك ولا رمحك ولا فروسيتك؟ وإنما أوصلك شطارتك ومعرفتك وأمانتك، وأنا ما يمكننى أن أخالف هؤلاء، وإياك إذا حضرت من الحجاز أسمع عنك أنك ظلمت أحدا من الرعيّة، أو جددت ظلما، أو أحدثت حادثا، أو خنت فى مال السلطان، فأسلخ جسد جنبك بالمقارع. فقال: يا خوند: ما يكون إلا ما يبيّض وجهى عندك، وباس يده وخرج من عنده، وهو طائر من فرحه بما نال، وما علم أن ليس لارتقاء هذه الدرجة بقاء، ويصير ذلك التنعم إلى شقاء، وكل من تعدى درجته سقط، ومن استعلى على أبناء جنسه هبط.

(1)

«يوم الإثنين سابع عشر شوال» - فى كنز الدرر ج 9 ص 113.

ص: 315

وقال الشاعر:

ومن طلب العلياء ولم يك أهلها

ترجّله الأيّام لو كان راكبا

قال الراوى: ولما خرج ناصر الدين من عند سلار نظر إليه من ورائه نظر المغضب، ومسك لحيته بيده وقال: يا قواد إن عشت ورجعت إن لم أقتلك تحت المقارع فلا يكون اسمى سلاّر.

ثم إن ناصر الدين جلس فى دست الوزارة وحكم، وركب فى اليوم الثانى فى موكب عظيم، ثم طلب سائر المباشرين والولاة، فعزل ناسا وولى آخرين، ومدحته الشعراء مثل شهاب الدين الأعزازى، وشرف الدين القدسى، وغيرهما، فأحسن إليهم، وكان فيه كرم وأريحيّة، وسكن فى دار الحاج بهادر آص المجاورة لمشهد الحسين رضى الله عنه، لأنه كان تزوج بزوجته، وكان إذا نزل من القلعة ينزل فى حفدة

(1)

كثيرة، وجميع أرباب الوظائف فى خدمته إلى أن يصل إلى داره، وكانوا يترجلون له من بعيد حتى عزّ الدين الأشقر مشد الدواوين، والأمير بدر الدين المحسنى متولى القاهرة، وكل منهما يعضده وينزله، ولا يلتفت إلى أحد منهم، وكان يفعل فعل من لا يفتكر فى عاقبته، ومن غرّ بدنياه وسلامته، وسنذكر ما جرى عليه إن شاء الله تعالى.

‌ذكر وفاة قازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون بن طولو بن جنكز خان فى الثالث عشر من شوال منها:

قال بيبرس فى تاريخه: وفيها، أى فى سنة ثلاث وسبعمائة، اتفقت وفاة

(1)

حفدة - خدام - لسان العرب.

ص: 316

قازان

(1)

ملك التتار بمقام جبل من نواحى الرىّ، وذلك أنه لما بلغه انكسار جيوشه، واقتناص وحوشه، فاعتورته الهموم، واستولت عليه الغموم، ثم وصلت إليه صبابات

(2)

عسكره المغلول، مشمولة بالذلة والخمول، فسقط فى يده، وفتّ ذلك فى عضده، فمرض بحمىّ حادّة، كان بها الحمام موصولا، والحتف مقرونا، فمات مكمودا، وما نال مقصودا، وأدركه الردى، وكفى الله شر العادى والعدى، وكانت مدة مملكته ثمان سنين وعشرة أشهر.

[324]

وقال ابن كثير: توفى قازان بالقرب من همدان ونقل إلى تربته بتبريز، بمكان يسمى بالشّام، ويقال: إنه مات مسموما، والله أعلم.

وفى نزهة الناظر: لما حصل من كسر عسكر قازان ما حصل، وما عدم من أمرائه وأكابر المغل لم يتق ينظر إلى وجه بقية أمرائه ولا يتحدث معهم، وعزل نفسه عن النوم مع أزواجه، وصار كلما ركب يجد فى أىّ مكان يجوز

(3)

عليه أو ينزل عزاء وبكاء وتعديدا على من عدم من أهله، واشتاع بين نساء المغل أن قازان هو الذى قتل هؤلاء لأنه ما كانت عادة المغل أن يدخلون الشام بغير ملك، ومتى كان للمغل عادة بالدخول إلى بلاد الإسلام.

(1)

قازان، أو غازان، وقيل محمود، بن أرغون.

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 122، البداية والنهاية ج 14 ص 29، الدرر ج 3 ص 292 رقم 3133، النجوم الزاهرة ج 8 ص 212، السلوك ج 1 ص 956، تذكرة النبيه ج 1 ص 257، نهاية الأرب ج 27 ص 416، التحفة الملوكية ص 174.

(2)

صبابات: جمع صبة: وهى الجماعة من الناس، أو القطعة من الخيل - لسان العرب.

(3)

جاز المكان: سار فيه - لسان العرب. مادة جاز.

ص: 317

واتفق فى هذه الأيام وصول خبر من كيلان أن نائبه قطلوشاه قتل هو واميران معه من أمراء المغل وجماعة من الذين كانوا معه، فازداد نارا على نار وحرقة على حرقة، ولا سيما اشتاع الخبر بين نساء المغل وبقية العسكر أن أحدا من ملوك المغل لم يظفر بأخذ هذا المكان، وكانت عادة الملوك من المغل إذا أرادوا هلاك أحد من أمرائهم أرسلوه إلى هذا المكان، فلا بد وأن قازان سير قطلوشاه إلى هذا المكان ليقتل هناك والجماعة الذين معه، ولما سمع بذلك قازان ازداد غيظا فى نفسه وانطلقت نيران فى كبده بسبب ما اتفق لعساكره، وبقى متحيرا لا يدرى أى جهة يقصد إلى أن قوى عزمه على جمع العساكر ليغزو بلاد الإسلام، ثم يتوجه إلى بلاد كيلان، وطلب وزراءه وأمرهم أن يحصلوا أموالا لأجل النفقات.

ولما سمع الأمراء بذلك أرادوا أن يسألوه أن يؤخر الغزاة فى هذه السنة، ولم يجسر أحد على الكلام معه.

ووجد قازان فى نفسه من الانحصار وضيق الصدر، فطلب حكيما له وعرّفه بحاله. فقال له: إنه يصلح للملك الركوب والتنزّه، وأمر بالتجهز إلى الرى، وما وصل إليها إلاّ وقد أحسّ فى جسمه بالألم.

فمن الناس من أخبر أنه مات من دبلة

(1)

على قلبه.

ومنهم من أخبر أن أمراء المغل اتفقوا مع امرأة غازان على إهلاكه وقالوا لها: إن الملك يريد إفناء المغل، ثم يدخل عسكر مصر وسلطانها إلى هذه البلاد ويخربوها، وإن القصاد حضروا من مصر وعرفوهم بذلك، وإن سلطان مصر عزم

(1)

الدبل: اللقم من الثريد - لسان العرب «د ب ل»

ص: 318

على أن يفعل بهذه البلاد ما فعله قازان ببلادهم، وجهّزوا لها فصوصا مثمنة وجواهر مقوّمة على أن تسقيه شيئا يمرض به، ليشتغل بنفسه عن الركوب، ولم يزالوا بها إلى أن وافقتهم على ما اختاروا، وكان قازان يحب زوجته محبة عظيمة، واسمها بلغان خاتون

(1)

، فصنعت له شيئا من السموم فى مشروب وسقته.

ومنهم من يقول: إنّها سمته فى منديل الجماع، فسقطت محاشمه بعد أيام.

وحمل إلى تربة كان صنعها على مرحلة من تبريز، فسّماها دمشق الصغيرة، وعمّر فيها عمارات عظيمة، وأوقف عليها أوقافا كثيرة.

‌ذكر جلوس خربندا أخ قازان [325] فى السلطنة بعده:

قال بيبرس فى تاريخه: جلس خربندا

(2)

أخو قازان فى السلطنة، ولقّب غياث الدين محمد، وله من الأولاد: أبو يزيد وبسطام.

وقال ابن كثير: وكان جلوسه على سرير المملكة بتاريخ الثالث والعشرين من ذى الحجة، ولقّب أو لجاتو سلطان، ولقب أيضا غياث الدين محمد، وخطب له على منابر العراق، وخراسان وتلك النواحى

(3)

.

وقال صاحب النزهة: وكان خربندا فى جهة الروم، وكان قازان أرسل إليه ليحضر عنده، فحضر قبل وفاة أخيه، ولما تولّى رسم لعسكره الذى جمعه قازان

(1)

«هميا خاتون» - فى كنز الدرر ج 9 ص 112.

(2)

ويعرف أيضا باسم: خدابنده، ومعناه بالعربية: عبد الله، توفى سنة 716 هـ/ 1316 م.

ووردت ترجمته بالمنهل الصافى تحت اسم: محمد بن أرغون بن أبغا، وانظر أيضا الدرر ج 3 ص 468 رقم 3522، درة الأسلاك ص 164، 209، نهاية الأرب ج 27 ص 409.

(3)

ورد الخبر ملخصا فى البداية والنهاية ج 14 ص 29.

ص: 319

أن يذهب كل أحد منهم إلى مكانه، ثم طلب رسل السلطان الملك الناصر الذين عوقهم قازان عنده من يوم أرسلهم الناصر فأكرمهم وأنعم عليهم، ورسم بتجهيزهم، وتجهيز رسول من جهته صحبتهم، ليسعى بينه وبين السلطان بالودّ والمحبة وبرد الجواب.

‌ذكر خروج السّلطان إلى الصيد والتنزه:

وفيها: قصد السلطان الصيد والفرجة، وطلب الأمير ركن الدين بيبرس وعرفه أن صدره ضيق وأنه يختار أن يتصيد نحو البحيرة، فأجاب إليه، وسيّر وراء ناصر الدين الشيخى الوزير وعرّفه أن السلطان يقصد الخروج إلى الصيد نحو البحيرة، وأمره أن يجهّز الإقامات، فقال له الوزير: يا خوند ما لهذا الأمر إلا أن يخرج المملوك بنفسه بهذا السبب، وأيضا أريد أن أكشف أحوال الإسكندرية وما يتحصل منها، وللسلطان فيها مصالح، فرسم له بذلك، وكتب لسائر الولاة بتجهيز الإقامات، ثم خرج الوزير والمباشرون معه قبل خروج السلطان، ووصل إلى الإسكندرية، وخرج إليه الأمير بدر الدين أمير شكار وتلقاه، فلم يكرمه الوزير، ولم يرو له وجها، وكان الأمير بدر الدين هذا له حرمة عند سائر الأمراء وتقدم فى الدولة، وله وصلة بالأمير سلاّر والأمير بيبرس، فلما رآه تكبّر عليه لم يلتفت إليه، ورجع إلى الإسكندرية، وشرع ناصر الدين فى طلب الدواوين والحسّاب، وطلب التجار وقصد العسف بأهلها، فلم يمكنه أمير شكار من ذلك، وأرسل إليه ناصر الدين يقول له إن أموال السلطان ضائعة وأنت تمنعنى من استخراجها، وأرسل إليه أمير شكار يقول له: إن قصدك

ص: 320

أن تخرب الإسكندرية وترميها فى رقبتى، فاصبر إلى أن يجئ نائب السلطان وهو الذى تسلمت منه هذا الثغر فيتسلمه منى.

وفى أثناء هذه المفاوضة وصل مركب من تجار الإفرنج فيه بضائع كثيرة وتجارة عظيمة فيها الموجب للسلطان أربعون ألف دينار، فتحدث فيها ولم يعارضه أمير شكار فيها.

واتفق وصول السلطان على تروجة، فطلب ابن عبادة وهو وكيل السلطان، فقال له: أبصر لى دراهم ترسلها إلى الإسكندرية يشترى بها هدية، فقال يا خوند:

ما ثم الآن حاصل، فقال له: اقترض من أحد من التجار ونحن نوفيه.

فركب ابن عبادة إلى أن وصل قريب إسكندرية، فوجد الوزير نازلا بخيمة فما أمكنه أن يتعداه، فنزل وسلم عليه، فرحب به وأكرمه، وسأله إش قصده؟ وعرفه ما سأله السلطان، وما هو فيه من قلّة النفقة، وحاله ضعيف، [326] وأن الأمراء ما يدعون له تصرفا ولا له خزانة.

وكان ناصر الدين ناظرا إلى حال السلطان ملتفتا إلى القرب منه، لأنه لما كان والى مصر، كان الأمراء رسموا له أن يكبس بيوت المنجمين، ويأخذ كتبهم وأوراقهم، لأنه بلغهم أنهم أخبروا أن الملك الناصر تطول أيامه وأنه يقتل الأمراء، ولما وقف ناصر الدين على كتبهم وأوراقهم وجد فيها أن الناصر يصلح شأنه جدا فى آخر دولته وتطول أيامه، فلذلك كان ناصر الدين يتقرب إليه حتى تكون له منزلة عنده، ولما سمع كلام ابن عبادة قال يا مولانا: ملك مصر لا يجد لنفسه شيئا حتى يقترض، ثم قال له: ارجع إليه وعرّفه أن عندى ألفى دينار حاصلة، فإن كان السلطان يأذن لى أجى إليه وأحضرها له، وقل له:

ص: 321

إنى أحق بجميع ما يختاره السلطان، فركب ابن عبادة وجاء إلى السلطان وأخبره بما جرى، ففرح بذلك فرحا كثيرا.

وفى اليوم الثانى حضر ناصر الدين، ودخل على السلطان، وباس الأرض، وأجلسه بين يديه، ورحب به، وشرع السلطان يقول له ما هو فيه مع الأمراء من قلة نفاذ الكلمة وقصر اليد، فقال ناصر الدين: يا مولانا السلطان مهما تحتاج إليه عرفنى به أحمل إليك، ولا تتكل على الطلب من الأمراء، وطول روحك يا خوند فإن الأمور مصيرها إليك، وجسّر السلطان على الأمراء، وهون

(1)

أمرهم عليه، ثم نهض من عنده.

وكان هناك أصحاب النّوبة والجمداريّة، فسمعوا ما جرى بينه وبين السلطان، ثم إن السلطان أقام هناك أياما، ثم رجع إلى المدينة، وكذلك ناصر الدين رجع إلى المدينة، بعد أن حصّل مالا جزيلا، وذهبا كثيرا، وكساوى هائلة، وبلغ الأمير ركن الدين بيبرس جميع ما جرى له مع السلطان، وأضمر فى نفسه، ثم إن ناصر الدين عرّف بيبرس أن أمير شكار قد غلب على إسكندرية، وحصّل منها أموالا عظيمة، وكانت إسكندرية فى ذلك الوقت ليس فيها للسلطان إلا شئ قليل، وكان فيها متجر وبيع وشراء لسائر الأمراء مثل سلار وبيبرس والجوكندار وبرلغى وغيرهم.

وفيها: بلغ النيل المبارك بعد وفائه إلى ستة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا، وكان قد توقف فى أوائل الأمر، وتحسن فيه سعر الغلّة.

وفيها توجه سلار إلى الحجاز الشريف بعد رحيل الركب المصرى بأيام قلائل، وحج صحبته من الأمراء:

(1)

و «ويهون» فى الأصل.

ص: 322

الأمير عز الدين أيبك البغدادى.

والأمير شمس الدين سنقر الكمالى الحاجب.

والأمير علم الدين سنجر الجاولى الأستادار.

والأمير سنقر الأعسر.

والأمير سيف الدين كورى الصالحى السلحدار.

والأمير سيف الدين سودى.

والأمير سيف الدين الملك الجوكندار.

والأمير بدر الدين بكتوت الشجاعى.

والأمير بدر الدين بكتوت القرمانى.

والأمير نظام الدين آدم.

والأمير علاء الدين على.

والأمير سيف الدين سموك.

والأمير سيف الدين أدكاون الحسامى.

والطواشى شهاب الدين بن مرشد الخزندار.

وآخرون من الأمراء جملتهم خمسة وعشرون أميرا، وحجوا وتوجهوا من المدينة النبوية [327] إلى القدس الشريف، فقدّسوا حجهم، والتحقوا بالركب، ودخلوا المدينة صحبة سلار.

ص: 323

وكان الذى حج بالركب المصرى فيها سيف الدين الناق الحسامى، وجهز سلار فى البحر عشرة آلاف أردب قمح برسم الصدقة، وجهّز سنقر الأعسر ألف أردب، وكل أمير منهم سيّر على قدره لأجل الصدقة، وتصدّقوا، وانتفع أهل الحرمين والمجاورين بها نفعا كثيرا.

ص: 324

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ القدوة الورع أبو إسحاق إبراهيم

(1)

بن أحمد بن محمد بن معالى بن محمد ابن عبد الكريم الرقى الحنبلى.

ومولده بالرقّة فى سنة سبع وأربعين وستمائة، اشتغل وحصل وسمع شيئا من الحديث، وقدم دمشق فسكن بالمأذنة الشرقية فى أسفلها، بأهله، إلى جانب الطهارة [بالجامع

(2)

] وكان معظما عند الخاص والعام، فصيح العبارة، كثير العبادة، خشن العيش، حسن المجالسة، لطيف المفاكهة، كثير التلاوة، عارفا بالتفسير والحديث والفقه والأصلين، وله مصنفات وخطب وشعر حسن، وفى عمره ما أكل شيئا من الوقف، وكان يعرض عليه المناصب فلا يتولى شيئا، وكانت له رياضات ومجاهدات، وكانت وفاته بمنزله ليلة الجمعة الخامس عشر من المحرم، وصلّى عليه نائب السلطان وأكثر أهل البلد، ودفن بسفح قاسيون بتربة الشيخ أبى عمر، رحمهما الله.

الخطيب ضياء الدين أبو محمد عبد الرحمن

(3)

بن الخطيب جمال الدين أبى الفرج عبد الوهاب بن على بن أحمد بن عقيل العقيلى السلمى.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 34 رقم 5، درة الأسلاك ص 166، الوافى ج 5 ص 313 رقم 2387، مرآة الجنان ج 4 ص 238، الدرر ج 1 ص 15 رقم 22، شذرات الذهب ج 6 ص 7، تذكرة النبيه ج 1 ص 260، البداية والنهاية ج 14 ص 29 - 30.

(2)

[] إضافة للتوضيح من البداية والنهاية.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 166، الدرر ج 2 ص 443 رقم 2320، البداية والنهاية ج 14 ص 3، شذرات الذهب ج 6 ص 9، تذكرة النبيه ج 1 ص 261.

وورد اسمه «عبد الرحيم» فى درة الأسلاك، وهو تحريف.

ص: 325

خطيب بعلبك نحوا من ستين سنة، بعد والده، وكان مولده فى سنة أربع عشرة وستمائة، سمع الكثير، وتفرد عن القزوينى، وكان رجلا جيدا حسن القراءة، من كبار العدول، توفى ليلة الإثنين ثالث صفر، ودفن بباب سطحا.

الشيخ زين الدين أبو محمد عبد الله

(1)

بن مروان بن عبد الله بن الحسن الفارقى، شيخ الشافعية.

ولد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث الكثير، واشتغل، ودرّس فى عدّة مدارس، وأفتى مدة طويلة، وهو الذى عمر دار الحديث

(2)

بعد خراجها من زمن قازان حين احترقت، وقد باشرها سبعا وعشرين سنة، من بعد النووى إلى حين وفاته، وكانت معه الشامية البرانية

(3)

، والخطابة، وإنما باشر الخطابة تسعة أشهر قبل وفاته، وقد انتقل إلى دار الخطابة، وكانت وفاته بها يوم الجمعة بعد العصر، وصلّى عليه ضحى يوم السبت القاضى ابن صصرى عند باب الخطابة، وبسوق الخيل قاضى الحنفية ابن الحريرى، وعند الجامع بالصالحية قاضى الحنابلة تقى الدين سليمان، ودفن بتربة أهله شمالى تربة الشيخ أبى عمر، رحمه الله.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: نهاية الأرب ج 30 ق أورقة 96، الدرر ج 2 ص 411 رقم 2237، البداية والنهاية ج 14 ص 30، مرآة الجنان ج 4 ص 239، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 9 رقم 11، شذرات الذهب ج 6 ص 8، تذكرة النبيه ج 1 ص 258، الدارس ج 1 ص 26.

(2)

المقصود دار الحديث الأشرفية بدمشق: وتنسب إلى الأشرف موسى بن الملك العادل المتوفى سنة 635 هـ/ 1237 م - الدارس ج 1 ص 19 وما بعدها.

(3)

المدرسة الشامية البرانية بدمشق: أنشأتها ست الشام ابنة نجم الدين أيوب بن شادى، أخت السلطان صلاح الدين - الدارس ج 1 ص 277، ص 281.

ص: 326

الشيخ حسن بن السراج الحلبى - من قرية باب الله - المقرئ، وكان هو الملقن بالكلاسة

(1)

، وكان مجتهدا على التلاوة، وعمر حتى انحنى كثيرا زائدا عن حد الركوع، مات فى هذه السنة ودفن بمقبرة باب الصغير.

الصدر كمال الدين موسى بن قاضى القضاة شمس الدين بن خلكان.

مات فيها بقاسيون، ودفن عند والده، ومولده سنة خمسين وستمائة، وكان عاقلا ذكيا ذا مروءة.

الشيخ الصالح [328] الزاهد بدر الدين على

(2)

بن محمد السمرقندى الحنفى.

شيخ خانقاة خاتون

(3)

، وشيخ الخانقاة الشبلية

(4)

، مات فى هذه السنة ودفن بقاسيون، وكان دينا، متنعما، يلبس الرفيع من الثياب الحسان، وعنده تجمل ومكارم أخلاق.

(1)

المدرسة الكلاسة بدمشق: لصيق الجامع الأموى من شمال، ولها باب إليه، أنشأها العادل نور الدين محمود سنة 555 هـ/ 1160 م، وسميت بهذا الاسم لأنها كانت موضع عمل الكلس أيام بناء الجامع، ثم جعلت زيادة بالجامع لما ضاق الجامع بالناس - الدارس ج 1 ص 447 - 448.

الملقن: المحفظ، والمقصود محفظ القرآن بالمدرسة.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 171 رقم 2852.

(3)

الخانقاة الخاتونية بدمشق: تنسب إلى خاتون بنت معين الدين أنر، وزوجة نور الدين محمود - والمتوفاة سنة 581 هـ/ 1185 م - الدارس ج 1 ص 507، ج 2 ص 144 وما بعدها.

(4)

الخانقاة الشبلية بدمشق: تنسب إلى شبل الدولة كافور الحسامى طواشى حسام الدين محمد ابن لاجين ولد ست الشام، والمتوفى سنة 623 هـ/ 1226 م - وقد أنشأ هذه الخانقاة بسفح قاسيون - الدارس ج 1 ص 53، ج 2 ص 163.

ص: 327

الصاحب الوزير الصدر الكبير فتح الدين أبو محمد عبد الله

(1)

بن محمد بن أحمد ابن خالد بن محمد بن نصر القرشى المخزومى، المعروف بابن القيسرانى الحلبى.

كان شيخا جليلا، دينا فاضلا، شاعرا مجيدا، من بيت الرئاسة والوزارة، وولى وزارة دمشق مدة، ثم أقام بمصر موقعا مدة، وكان له اعتناء بعلوم الحديث وسماعه وإسماعه، وله مصنف فى أسماء الصحابة الذين خرج لهم فى الصحيحين، وأورد شيئا من أحاديثهم فى مجلدين

(2)

موقوفين بالمدرسة الناصرية بدمشق، وقد خرج عنه الحافظ الدمياطى، وهو آخر من توفى من شيوخه، وتوفى بالقاهرة يوم الجمعة الحادى والعشرين من ربيع الآخر، وأصلهم من قيسارية الشام، وكان جده موفق الدين أبو البقاء خالد وزيرا لنور الدين الشهيد، وكان والده عز الدين وزير الملك الناصر صاحب دمشق، وكان من الكتّاب المجيدين، توفى فى الأيام الصلاحية سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وأبوه محمد بن نصر، ولد بعكا قبل أن يأخذها الفرنج سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، فلما أخذت بعد التسعين وأربعمائة انتقل أهلهم إلى حلب، فكانوا بها.

وكان شاعرا مطيعا، وله ديوان مشهور، ومعرفة جيدة بالنجوم والهيئة، وغير ذلك، ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ودفن بتربته بجوار مشهد السيدة نفيسة رضى الله عنها.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، نهاية الأرب ج 30 ق أورقة 106، درة الأسلاك ص 165، الدرر ج 2 ص 389 رقم 2200، البداية والنهاية ج 14 ص 31، شذرات الذهب ج 6 ص 9، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 22 رقم 32، تذكرة النبيه ج 1 ص 261، النجوم الزاهرة ج 8 ص 213.

(2)

هو كتاب «معرفة الصحابة» - كشف الظنون ج 2 ص 1739. هدية العارفين ج 1 ص 464.

ص: 328

ومن نظمه:

بوجه معذبى آيات

(1)

حسن

فقل ما شئت فيه ولا تحاشى

ونسخة حسنه قرئت وصحت

(2)

وها خطّ الكمال على الحواشى

وله فى مليح بوجهه أثر:

قالوا بوجه الذى أحببته أثر

يشينه فأتئد فى الوصف والقصر

(3)

فقلت قد جاء بالآيات ظاهرة

فى حسنه وهى تغنينا عن الأثر

فكان كالشمس لكن خاف يوصف

بالتأنيث يوما فحاكى صورة القمر

القاضى الإمام شمس الدين سلمان

(4)

بن إبراهيم بن إسماعيل الحنفى الملطى.

كان نائبا فى الحكم مدة طويلة بدمشق عن قاضى القضاة حسام الدين الرازى الحنفى، وناب أيضا بالقاهرة عن السروجى، وكان رجلا مباركا ديّنا صالحا، مات بدمشق فيها، ودفن بقاسيون.

القاضى علاء الدين على

(5)

بن عبد الرحيم بن مراجل الكاتب.

(1)

«آثار» فى شذرات الذهب.

(2)

«فصحت» فى النجوم الزاهرة.

(3)

«واقتصر» - فى تذكرة النبيه.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 2 ص 233 رقم 1824، النجوم الزاهرة ج 8 ص 212، وفيهما:«سليمان بن إبراهيم» .

(5)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 167، الدرر ج 3 ص 131 رقم 2772، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 108 رقم 164، السلوك ج 1 ص 956، تذكرة النبيه ج 1 ص 262.

ص: 329

كان ماهرا فى صناعة الكتابة والحساب، ويعرف بلسان التركى، وعنده فضيلة تامّة، وأدب حسن، وهو والد الصاحب تقى الدين سليمان

(1)

بن مراجل، مات فى السادس عشر من ذى القعدة.

ومن نظمه:

أأحبابنا شوقى إليكم مضاعف

وذكركم عندى مع البعد وافر

وقلبى لما غبتم طار نحوكم

وأعجب شئ واقع وهو طائر

[329]

وله:

هذا كتاب محبّ رقّ حاسده

من فرط وجد بكم أضحى يكابده

غرامه فيكم أضحى يحاكمه

وشوقه نحوكم والله قائده

وشوقه حاصل والقلب عندكم

باق وخاطره فيكم يراوده

والدمع مصروفة قد صح شاهده

يودّ ناظركم لو كان شاهده

والليل يحييه كى يرعى فراقده

ومن يموت به وجدا فراقده

عاهدتموه على حفظ الوداد لكم

وهو الملىّ بما قد كان عاهده

قد مسّه الضرّ من طول السقام

فما يضر طيفكم لو كان عائده

وقال وهو بمصر لما دخل إليها فى سنة إحدى وسبعمائة:

أقول فى مصر إذ طال المقام بها

وساء من سوء خلقى أهلها خلقى

(2)

(1)

هو: سليمان بن على بن عبد الرحيم بن مراجل، الصاحب تقى الدين، وزير دمشق، توفى سنة 764 هـ/ 1362 م - المنهل الصافى ج 6 ص 45 رقم 1093.

(2)

«وساء من ملق ملقى على حلق» - فى الدرر ج 2 ص 131.

ص: 330

يا أهل مصر أجيبونى السؤال عسى

يسكن الله ما ألقاه من قلقى

هل فيكم من يرجى للنوال ومن

يلقى لوفد بوجه ضاحك طلق

أم عندكم لغريب فى دياركم

بقية من يد أو عارض غدق

فقيل لى ذاك

(1)

مما ليس نعرفه

وإنما سقتنا فيها على الملق

(2)

الصدر شرف الدين محمد

(3)

بن شمس الدين سعيد بن محمد بن سعيد، المعروف بابن الأثير، كاتب الإنشاء بدمشق.

مات فى سابع ربيع الأول، ودفن بسفح قاسيون، وكان شابا حسنا، عاقلا وقورا، خلّصه الله من أسر التتار ورجع إلى أهله.

الشيخ الصالح العارف المحقق السيد الشريف أبو فارس عبد العزيز

(4)

بن عبد الغنى ابن سرور بن سلامة، المعروف بالمنوفى.

مات بمنزله بمصر ليلة الإثنين خامس عشر ذى الحجة، ودفن بالقرافة، وكان من الصلحاء الأخيار المعمرين، وله ديوان شعر، فمنه قوله:

خيام بنجد كل قلب ثوى بها

وكل محبّ قد غدا فى طلابها

وتمّ لليلى العامرية مضرب

إذا جئت تلقاه قريب قبابها

تجلّت على عشاقها من خبائها

وقد لاح بدر التم تحت نقابها

(1)

«ذلك» - فى الدرر.

(2)

«وإنما سفننا برى على الملق» - فى الدرر.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 4 ص 66 رقم 3716.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، نهاية الأرب ج 30 ق أورقة 100، درة الأسلاك ص 166، الدرر ج 2 ص 483 رقم 2435، تذكرة النبيه ج 1 ص 258.

ص: 331

على رغم عذّالى وصلت لحبّها

وطفت سبوعا كاملا بخبائها

وقبلت أعتابا لها ومواطنا

ومرغت خدى فى التراب ببابها

ولى شرف إن صحّ لى ما ذكرته

إذا فزت فى الدنيا بلثم ترابها

ولما رأتنى خاطبتنى بلطفها

وقد أسكرتنى من لذيذ شرابها

ودارت كؤوس العتب بينى وبينها

وما العيش إلا ساعة من عتابها

نعم جودها عدل نعم سخطها رضى

نعم كل عذب فى أليم عذابها

لقد كملت حسنا وفاقت ملاحة

وقد ملكت منها تمام نصابها

وفى حبّها كم مات من مغرم بها

فلو جاوبته عاش عند جوابها

وكم فى ربى نجد قتيل صبابة

وكم طائح قد ظل بين شعابها

[330]

وكم عاشق بين الخيام موله

يهيم بها فى بعدها واقترابها

سبت قلبه والحجب ما ارتفعت له

فما حاله عند ارتفاع حجابها

وله يعارض بانت سعاد:

قلبى وإن أطنب العذال مشغول

عن الملام فمهما شئتم قولوا

ما يكتم السرّ إلاّ كيّس فطن

ويظهر الصبر إلاّ ماجد قيل

ويودع السّر إلاّ عند من

تثبت له العدالة لا زيغ ولا ميل

ما كل علم إذا الغيبة اتسعت

له العقول ولا ماء الحسا نيل

أيضا ولا كل مديح بالقريض إذا

نظمته حسنت فيه الأقاويل

يا مدّعى مدح من أسرى الإله به

ليلا فلم يدر إلا وهو محمول

ص: 332

ماذا تقول إذا ما رمت تمدحه

وقد أتاه بوحى الله جبريل

هذا ومركبه متن البراق

وقد جاءت ببشراه تورية وإنجيل

وأنزلت فيه من حب الآله طه

وشورى ويس وتنزيل

فمن يرى أنه وفى المديح له

فعقله وجلال الله مخبول

هذا هو الحقّ عندى والدليل على

ما قلته أنه بالعلم منقول

ما يمدح المصطفى إلا الإله

وقد جاءت بذلك آيات وتأويل

إن النبىّ لمولى يستجار به

عبد بسيف الهوى والحط مقتول

يرجو شفاعته يوم المعاد

إذا قال الآله له قل أنت مقبول

صلى عليه إلآه العرش ما

طلعت شمس وما لاح فى الظلماء إكليل

وازنت من قال قبلى وهو مرتجل

بانت سعاد فقلبى اليوم متبول

النصير

(1)

- بفتح النون - ابن أحمد بن على المناوى الحمامى، الأديب المشهور.

مولده بمنية خصيب فى سنة تسع وستمائة.

قال الشيخ صلاح الدين الصفدى: أخبرنى الحافظ العلاّمة أثير الدين أبو حيان من لفظه قال: كان المذكور بمصر أديبا كيّس الأخلاق، يتحرّف باكتراء الحمامات

(2)

، ثم طعن فى السنّ وضعف عن ذلك، وكان يستجدى بالشعر، وكتبت عنه قديما وحديثا. قال: وأنشدنى أثير الدين من لفظه، قال: أنشدنى النّصير المذكور لنفسه قوله:

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 4 ص 205 رقم 551، الدرر ج 5 ص 166 رقم 4941.

(2)

«وكان يرتزق بضمان الحمامات» - الدرر.

ص: 333

لا تفه ما حييت إلا بخير

ليكون الجواب خيرا لديكا

قد سمعت الصّدى وذاك جماد

كل شئ تقول ردّ عليكا

قال الصفدى: وأنشدنى له أثير الدين أيضا:

[331]

أقول للكأس إذ تبدّت

فى كفّ أحوى أغنّ أحور

خربت بيتى وبيت غيرى

وأصل ذا كعبك المدوّر

قال: وأنشدنى له أيضا:

إن الغزال الّذى هام الفؤاد به

استأنس اليوم عندى بعدما نفرا

أظهرتها ظاهريات وقد ربضت

فيها

(1)

الأسود رآها الظبى فانكسرها

قال: وأنشدنى له أيضا:

قالوا افتضحت بحبّه

فأجبت لى فى ذا اعتذار

من لى بكتمان الهوى

وبخدّه نمّ العذار

قال: وأنشدنى له أيضا:

ما زال يسقينى زلال رضابه

لما خفيت ضئ وذبت توقّدا

ويطينى

(2)

حيّا رويت بريقه

فإذا دعا قلبى يجاوبه الصّدا

قال: وأنشدنى له أيضا:

ماذا يضرك لو سمحت بزورة

وشفعتها بمكارم الأخلاق

وردعت نفسك حين تمنعك اللقا

وتقول هذا آخر العشاق

(1)

«بها» - فى الدرر.

(2)

المقصود: يميتنى، مأخوذ من طن فلان، أى مات، والطنء هو بقية الروح - لسان العرب.

ص: 334

قال: وأنشدنى له أيضا:

إنّى لأكره فى الأنام ثلاثة

ما إن لها فى عدّها من زائد

قرب البخيل وجاهلا متعاقلا

لا يستحى وتودّدا من حاسد

ومن البليّة والرزيّة أن ترى

هذى الثلاثة جمعت فى واحد

وقال الصفدى: أنشدنى القاضى جمال الدين إبراهيم بن شيخنا الشهاب محمود قال: أنشدنى النصير لنفسه بقلعة الجبل قوله:

رأيت فتى يقول بشط مصر

على درج بدت والبعض غارق

متى غطّى لنا الدرج استقمنا

فقلت نعم وتنصلح الدقائق

وله أيضا:

ومذ لزمت الحمّام صرت فتى

(1)

خلاّ يدارى من لا يداريه

أعرف حرّ الأشياء وباردها

وآخذ الماء من مجاريه

وقال الصفدى: أنشدنى الشيخ العلامة فتح الدين محمد بن محمد بن محمد ابن سيد الناس قال: أنشدنى النصير الحمامى لنفسه:

رأيت شخصا آكلا كرشة

وهو أخو ذوق وفيه فطن

وقال ما زلت محبّا لها

قلت من الإيمان حبّ الوطن

وكتب النصير إلى السراج الورّاق:

أتى فصل الخريف علّى جدّا

بأمراض لواعجها شداد

واعذر عائدى إن لم يعدنى

وربّ مريض قوم لا يعاد

(1)

«فى» - فى الدرر.

ص: 335

فأجاب الوراق عن ذلك:

خلائفك الربيع فليس يخشى

خريفا فى الجسوم له اعتياد

ولا والله لم أعلمك إلا صحيحا

والصّحيح فما يعاد

[332]

وكتب إليه يستدعيه إلى حمامه:

من الرأى عندى أن تواصل خلوة

لها كبد حرّى وفيض عيونى

تراعى نجوما فيك من حرّ قلبها

وتبكى بدمع قارح وحزين

غدا قلبها صّبا عليك وأنت إن

تأخّرت أضحى فى حياض منون

وله دو بيت:

فى وجهك للجمال والحسن فنون

فى طرفك للسحر فتور وفتون

أنّى يسلو هواك يا من باتت

عيناه تقول للهوى كن فيكون

وله:

إن عجّل النوروز قبل الوفا

عجّل للعالم صفع القفا

فقد كفى من دمعهم ما جرى

وما جرى من نيلهم ما كفى

الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر

(1)

بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء ابن درع القرشى.

من بنى حصلة، وهم منسوبون إلى الشرف، وبأيديهم نسب. وهو والد الشيخ الإمام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير صاحب التاريخ المشهور

(2)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 14 ص 31 - 33، الدرر ج 3 ص 261 رقم 3058.

(2)

هو كتاب «البداية والنهاية» .

ص: 336

ولد عمر المذكور فى قرية يقال لها الشركوين غربىّ بصرى، بينها وبين أذرعات، فى حدود سنة أربعين وستمائة، واشتغل بالعلم عند أخواله بنى عقبة ببصرى، فقرأ البداية

(1)

فى مذهب أبى حنيفة، وجمل الزجاجى، وعنى بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب حتى كان يقول الشعر الجيد الرائق الفائق فى المديح والمراثى، وقليل من الهجاء، ونزل بمدارس بصرى، وأمّ بمبرك الناقة شمالى البلد، ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقى بصرى، وتمذهب للشافعى، وأخذ عن النورى وعز الدين الفزازى، فأقام نحوا من ثنتى عشرة سنة، ثم تحول إلى خطابة مجيدل القرية التى منها والدة الشيخ عماد الدين إسماعيل ولده، فأقام بها مدة طويلة، وقد ولد له عدّة أولاد من والدة الشيخ عماد الدين ومن أخرى قبلها، فأكبرهم إسماعيل، ثم يونس، وإدريس، ومن والدة الشيخ عماد الدين عبد الوهاب، وعبد العزيز، ومحمد، وأخوات عدّة.

قال ابن كثير فى تاريخه: ثم أنا أصغرهم وسمّيت باسم الأخ إسماعيل لأنه كان قد [قدم دمشق ف

(2)

] ااشتغل بالعلم، وسقط من سطح الشامية البرانية، فمات بعد أيام، ووجد عليه والده وجدا كثيرا، ورثاه بأبيات، قال: فلما ولدت أنا له بعده سمانى باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل وأصغرهم إسماعيل. ثم قال: وكانت وفاة الوالد فى جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمائة بقرية مجيدل، ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتونة، وكنت إذ ذاك صغيرا ابن ثلاث أو نحوها، لا أدركه إلا كالحلم، ثم تحولنا بعده فى سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق صحبة الأخ

(1)

هكذا بالأصل، وفى البداية والنهاية، ولعلها «الهداية» .

(2)

[] إضافة للتوضيح من البداية والنهاية.

ص: 337

كمال الدين عبد الوهاب، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين، فاشتغلت على يديه بالعلم.

ومن أشعار عمر بن كثير والد الشيخ عماد الدين إسماعيل:

نأى النوم عن جفنى فبتّ مسهّدا

أخا كلف جلف الصّبابة مكمدا

(1)

[333]

سمير الثريّا والنجوم مدلها

فمن ولهى خلت الكواكب ركّدا

طريحا على فرش الصبابة والأسى

فما ضركم لو كنتم لى عوّدا

تقلبنى أيدى الغرام بلوعة

أرى النار من تلقائها لى أبردا

ومزّقنى

(2)

صبرى بعد جيران حاجز

سعيد غرام بات فى القلب موقدا

فأمطرته دمعى لعل زفيره

يقلّ فزادته الدموع توقدا

فبتّ بليل أنعى ولم أر

على النأى من بعد الأحبّة مسعدا

(3)

فيالك من ليل تباعد فجره

علىّ إلى أن خلته أن

(4)

يخلّدا

غراما ووجدا لا يحدّ أقلّه

بأهيف معسول المراشف أغيدا

له طلعة كالبدر زان جمالها

بطرّة شعر حالك اللون أسودا

يهزّ من القدّ الرشيق مثقّفا

ويشهر من جفنيه سيف مهندا

(1)

«موجدا» فى البداية والنهاية.

(2)

«ومزق» - فى البداية والنهاية.

(3)

ورد هذا البيت فى البداية والنهاية هكذا:

فبت بليل نابغى ولا أرى

على النأى من بعد الأحبة صعدا

(4)

«قد» فى البداية والنهاية.

ص: 338

إلى ورد

(1)

خدّيه وآس عذاره

وضوء ثناياه فنيت تجلدا

غدا كل حسن دونه متقاصرا

وأضحى له رب الجمال موحّدا

أيا كعبة الحسن التى طاف حولها

فؤادى أما للصدّ عنك

(2)

من فدا

قنعت بطيف من خيالك طارقا

وقد كنت لا أرضى بوصلك سرمدا

وقد شفنى شوق تجاوز حدّه

وحسبك من شوق تجاوز واعتدا

سألتك إلا ما مررت بحينا

بفضلك يا ربّ الملاحة والندا

غلطت بهجرانى ولو كنت صائبا

لما صدّك الواشون عنى ولا العدا

(3)

الشيخ شهاب الدين أحمد

(4)

بن سامة بن كوكب الطّائى الحنفى، إمام المدرسة الفارقانية التى بحارة الوزيرية.

سمع من جماعة، وكتب وروى، توفى فى هذه السنة، وكان عدلا يشهد على القضاة، ويكتب الشروط والإسجالات.

الأمير زين الدين قراجا

(5)

أستادار الأفرم.

توفى فى المحرم منها، ودفن بتربته بميدان الحصى عند النهر.

(1)

«وفى ورد» فى البداية والنهاية.

(2)

«عندك» فى البداية والنهاية.

(3)

انظر البداية والنهاية ج 14 ص 32 - 33 حيث توجد أبيات أخرى من هذه القصيدة التى عدتها ثلاثة وعشرون بيتا.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 144 رقم 276.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 30.

ص: 339

الأمير الكبير عز الدين أيبك

(1)

الحموى.

ناب بدمشق مدة، ثم عزل عنها إلى صرخد، ثم نقل قبل موته بستة أشهر إلى نيابة حمص، فكانت وفاته بها يوم الأحد عشرين ربيع الآخر، ونقل إلى تربته بالسفح، غربىّ زاوية ابن قوام، وإليه ينسب الحمام بمسجد القصب الذى يقال له حمام الحموى، عمّره فى أيام ولايته، وكان أميرا عاقلا، شجاعا مقداما، كثير التلاوة، وكان من مماليك المنصور صاحب حماة هو والأمير علم الدين أبو خرص، وكان ضنينا بهما، فأرسل الملك الظاهر وطلبهما منه، فاعتذر بمرضهما، فأرسل من يحضرهما فى محفات، فأرسلهما إليه، وعند وصولهما أمرّهما، وصار لهما صورة فى الدولة الظاهرية وغيرها، وولاه الملك الأشرف [334] نيابة دمشق، عوضا عن الشجاعى فى سنة إحدى وتسعين، فاستمر فى النيابة إلى سنة خمس وتسعين، ولما تملك كتبغا العادل عزله وولى غرلوا العادلى عوضه، وأرسله إلى صرخد، فأقام بها إلى هذه السنة، ثم أعطى نيابة حمص فأقام بها قليلا، ومات فى التاريخ المذكور.

الأمير ركن الدين بيبرس

(2)

التلاوى، مشد الدواوين بالشام.

توفى يوم الإثنين تاسع رجب ودفن بقاسيون، وكان ظالما عسوفا جبارا، وكانت مدة ولايته سنة واحدة وستة وأربعين يوما، أقام منها مريضا تسعة

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 132 رقم 576، درة الأسلاك ص 165، الدرر ج 1 ص 451 رقم 1107، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 16 رقم 25، النجوم الزاهرة ج 8 ص 212، البداية والنهاية ج 14 ص 30، الوافى ج 9 ص 479 رقم 4440، تذكرة النبيه ج 1 ص 258.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: النجوم الزاهرة ج 8 ص 212، الدرر ج 2 ص 41 رقم 1375.

ص: 340

أشهر وأياما، وولى الشدّ مكانه شرف الدين قيران الدوادارى، وكان مشدا بطرابلس، فنقل إلى دمشق.

الأمير سيف الدين بكتمر

(1)

السلحدار الظاهرى.

توفى فيها، وهو أحد من كان توجه إلى قازان وعاد، وكان من أكابر الأمراء الشجعان الفرسان المقاديم فى الحروب، وخدم الدولة الظاهرية والمنصورية، وكان يرمى على ستة وخمسين رطلا بالدمشقى مع خفة ولطافة، وكان يحبّ الطرب ويتولع بالسماع والرقص فيه، ويلبس الكامليات، ويتعانى الطرافة فى ملبسه، وفى الأكل المفتخر من الطعامات، وله مكارم كثيرة على الناس.

الملك قازان بن أرغون بن أبغا بن هلاون بن طلوبن جنكز خان.

مات فى هذه السنة، وقد ذكرناه

(2)

، وقازان - بالقاف، ويقال بالغين المعجمة، وبعد الألف زاى معجمة، وفى آخره نون - وكان تسمّى بمحمود لما أظهر الإسلام، كما أن أخاه خربندا تسمى بمحمد.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 401 رقم 681، الدرر ج 2 ص 16 رقم 1305، كنز الدرر ج 9 ص 113.

(2)

انظر ما سبق ص 316.

ص: 341

‌فصل فى ما وقع من الحوادث فى السّنة الرابعة بعد السّبعمائة

(*)

استهلّت هذه السنة: والسلطان: الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاون، وقد عاد من صيده وتنزهه فى بلاد البحيرة، وقد ذكرنا خروجه من القاهرة فى السنة الماضية وما اتفق لناصر الدين الشيخى الوزير معه

(1)

.

وذكر بيبرس فى تاريخه: خروج السلطان إلى الصيد فى هذه السنة.

وقال: وفى سنة أربع وسبعمائة توجه الركاب الشريف إلى الإسكندرية والجهات الغربية متصيدا فى الحمامات ومتفرجا فى تلك الجهات، ولما قضى وطره عاد إلى دياره، وكان عوده فى جمادى الأولى.

قلت: التوفيق بين الكلامين أن سفره كان فى أواخر السنة الماضية وعوده فى هذه السنة، والله أعلم.

‌ذكر مجئ ناس إلى خدمة السلطان من بلاده ومجئ رسل من ملوك بلاد غيره:

منهم ما قال بيبرس فى تاريخة: وفد إلى الأبواب الشريفة من الشرق أعيان العربان منهم: الأمير قطايا بن سيف

(2)

أمير بنى كلاب وجماعة من شيوخهم،

(*) يوافق أولها يوم الثلاثاء 4 أغسطس 1304 م.

(1)

انظر ما سبق ص 311.

(2)

«سيغر» فى السلوك ج 2 ص 3.

ص: 343

فأكرم مثواهم، وأصغى لنجواهم، وشملتهم الصدقات بالإقطاعات، وعادوا إلى حلب وقد نال كل فوق ما طلب.

وقال صاحب النزهة: وفى مستهل المحرم تواترت الأخبار بوصول الأمير سيف الدين قطايا بن الأمير سيف أمير بنى كلاب، وكان هذا الرجل قد خرج عن طاعة السلطان وأفسد فى نواحى حلب وقطع الطريق، فطلبته السلطنة، فدخل هو وجماعته إلى بلاد الشرق، وأقاموا مع المغلّ وأكرموهم إكراما كثيرا، فلما اتفق موت غازان كاتب نائب حلب، ورجع إلى الطاعة، وورد إلى مصر، وأقبل عليه السلطان والأمراء وأكرموه، وكتبوا لنائب حلب بردّ أخبازهم وإكرامهم، وهؤلاء قوم معروفون بالفروسية والشجاعة، وكانوا يركبون [335] ويغيرون على المغل كل وقت، وكان يتفق لهم معهم وقائع غريبة، وما كانوا يخرجون من بلاد المغل إلا بالكسب والغنيمة.

ومنهم ما ذكره بيبرس وغيره: أنه قدم إلى مصر الأمراء الذين توجهوا إلى بلد سيس فى السنة الحالية وهم: الأمير بدر الدين أمير سلاح، والأمير علم الدين سنجر الصوابى، والأمير سنقرجاه المنصورى، ومن معهم من العسكر المنصور بعد ارتجاع القلاع التى كان الأرمن قد عدوا عليها وتطرقوا إليها وخربوا تل حمدون.

ومنهم: رسل السلطان الذين كانوا قد توجهوا إلى قازان وعوقهم قازان عنده كما ذكرنا، وهما الأمير حسام الدين [أزدمر

(1)

] المجيرى، والقاضى عماد الدين [على بن عبد العزيز

(2)

] ابن السّكرى، وقد عادوا إلى الديار المصرية فى رمضان،

(1)

[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 2 ص 6.

(2)

[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 2 ص 6.

ص: 344

وحضر صحبتهما رسل خربندا برسالة مشتملة على طلب الصلح وكف الغارات من من الجهتين، فأحسن السلطان إلى رسل خربندا وأعادهم، وأرسل صحبتهم علاء الدين على بن سيف الدين بلبان القلنجى

(1)

، أحد مقدمى الحلقة، والقاضى صدر الدين سليمان المالكى الشبرامريقى

(2)

، وشبرا مريق: قرية من قرى الغربية من أعمال مصر، وتوجهوا فى ذى القعدة وعادوا فى رمضان سنة خمس، ومعهم رسول خربندا.

وفى نزهة الناظر: وعند تملك خربندا بلاد قازان وجلوسه على التخت جهّز رسل السلطان: حسام الدين المجيرى ومن معه بعد أن أنعم عليهم، وكتب معهم كتابا خاطب فيه السلطان بالأخوة، وسأل إخماد الفتن والصلح بين المسلمين، وآخر كلامه فى كتابه: وعفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه. وسيّر صحبتهم قليلا من الهدية، ولما وردوا أكرمهم السلطان أيضا وأجاب إلى سؤالهم، وأرسل معهم هدية تليق به.

ومنهم: رسل الملك طقطاى صاحب سراى وبر القفجاق

(3)

، وصلوا إلى الأبواب الشريفة.

قال بيبرس فى تاريخه: وفى هذه السنة وصل رسول من جهة الملك طقطا اسمه قرقجى، فأكرم غاية الإكرام، وأنزل بمنظرة الكبش فى خير مقام، وتفرّج فى الجيزة والأهرام، ثم أعيد جوابه، وجهّز إلى مرسله بأنواع التحف والهدايا، وسفّر الأمير سيف الدين بلبان الصرخدى صحبته رسولا من الباب العزيز.

(1)

«القلنجقى» - فى السلوك ج 2 ص 6.

(2)

«المرتقى» - فى السلوك ج 2 ص 6.

(3)

«القبجاق» فى السلوك ج 2 ص 7.

ص: 345

وقال صاحب النزهة: وصل رسول طقطاى ومعه هدية وتحف، وكان قد حمل مماليك وجواريا كثيرة، فمات أكثرهم فى البحر وبقى منهم قليل، ولما حضر قدّم بعضهم وباع بعضهم، ومن جملة مضمون كتابه: أن السلطان يركب بعسكره وهو أيضا يركب بعسكره ويأخذون بلاد قازان وعسكره بينهم، ويكون لكل منهما مكان يصل إليه خيله، وكتب السلطان فى جوابه: أن الله عز وجل كفاهم أمر غازان، وأن أخاه قد سيرّ إليه رسولا فسأله الصلح، وأنه أسلم واتبع الدين المحمدى والشريعة الإسلامية.

ومنهم: جماعة وصلوا من جهة أبى يعقوب المرينى صاحب الغرب

(1)

، وفيهم رسول سمى علاء الدين أيدغدى الشهرزورى، أصله من أولاد الشهرزوريّة الذين نفيوا إلى المغرب فى الدولة الظاهرية، وحضر صحبته من جهة صاحب المغرب المذكور هدايا جليلة، وتحف كثيرة، وخيل عربيّة، وبغال مغربيّة، وجمال وقماش، وجملة كثيرة من الذهب العين على سبيل الإمداد والهدية، ووصل معه ركب كبير فيه من المغاربة خلق كثير لقصد الحجاز الشريف، ولما كان أوان الحج حج الرسول المذكور، وحجوا معه جميعا، وعادوا إلى مرسله فى سنة خمس وسبعمائة.

[336]

وفى النزهة: وكان علاء الدين أيدغدى المذكور من أصحاب الأمير بهاء الدين يعقوبا أمير الأكراد الشهرزوريّة، ولما حصل له العبور إلى مصر مسك يعقوبا فى الدولة الظاهرية هو وجماعة من أكابرهم، فهرب هذا الرجل مع جماعة من الأكراد إلى بلاد البحيرة، ثم دخلوا إلى الإسكندرية، وكان معه شئ من المال، واجتمع بجماعة من المغاربة وعاشرهم إلى أن أخذوا له بضائعا

(1)

الغرب: المقصود بلاد المغرب الأقصى - انظر ما يلى.

ص: 346

تصلح للمغرب، وركب معهم فى مركب هو وأصحابه، ولما وصلوا إلى أبى يعقوب المرينى عرّفوه بحاله، فأكرمه وقرّبه، فوجده كافيا للأمور، فتعاظم عنده فى تلك المدة إلى أن مكنّه فى التحدث فى الوزارة، وسار فيها سيرة حسنة، وعرف أخلاق المغاربة لطول مدته عندهم، وكان وقت دخوله إليهم شابا، ثم سأل المرينىّ أن يحج ويقضى فرضه، فأنعم له بذلك، وجهّز أيضا صحبته جماعة من أهله وأقاربه، وتبعتهم جماعة كثيرة، وسيّر صحبته خيلا وبغالا، وتحفا سنية تصلح للملوك، وأخذ الوزير أيضا صحبته ما يليق به، ولما دخل على السلطان أكرمه وقرّبه وأمر بإنزالهم فى الميدان، ورتّب لهم كل ما يحتاجون إليه، ورسم للوزير والمباشرين أن يجهزوهم بكل ما أمكن.

ومنهم متملك دنقلة وبلاد النوبة واسمه أياى، وصل إلى مصر وأحضر معه هدية من الرقيق والهجن والجمال والأبقار والشبّ والسنباذج، وأنزل بدار الضيافة، وقبلت هداياه، وشرّف بالخلع الملوكية والتشاريف السلطانية، وسأل أن يجرد معه عسكرا لينهض به على إعداده

(1)

، فجرّد معه جماعة من أجناد الأمراء وجند الولايات وعربان الصعيد، وجعل سيف الدين طقصبا الذى كان والى قوص مقدما عليهم.

وقال صاحب النزهة: وجردّوا من مصر نحوا من ثلاثمائة فارس من جند الحلقة والأمراء، فخرجوا إلى أن وصلوا فى المركب والبر أيضا إلى قوص، وأقاموا إلى أن أكتمل الجند والعرب، ورحل طقصبا بالعسكر جميعه وصحبتهم ملك دنقلة، فبلغه خبر بهروب صاحب دنقلة صحبته جماعة كثيرة من السودان، وعلم أنه لا ينال طائلا، واتفق مع الملك، ورجع بالعسكر إلى مصر.

(1)

هكذا بالأصل، ولعل المقصود «على أعدائة» .

ص: 347

ومنهم: جماعة من التتر نحو مائتى فارس وصلوا فى جمادى الأولى منها بنسائهم وأولادهم وأموالهم، ودخلوا دمشق تاسع الشهر، وقيل: إن فيهم أربعة من السلاحدارية للملك قازان.

وقال صاحب النزهة: ورد مملوك نائب حلب يخبر أن جماعة من المغل قصدوا بلاد الإسلام، وفيهم جماعة من ألزام قازان، وفيهم بعض أولاد سنقر الأشقر

(1)

، وعند وصولهم إلى مصر تلقوهم ملتقى حسنا، وأكرموهم، وأعطوا بعضهم الأخباز، وأطلقوا لبعضهم الرواتب، وفرق منهم جماعة على الأمراء، وكان فيهم ناس من ألزام الأمير بدر الدين جنكلى بن البابا، فأخذهم إليه، وكان السبب لحضورهم أن الأمير سيف الدين سلاّر كان سيّر جماعة من القصاد بسبب حضور والدته وبقية إخوته، ووقع النحيل فى أمرهم، فلم يجدوا التمكّن من ذلك، واتفق موت غازان وتفرق عسكره بحيث لم يلتفت أحد على أحد، فتحيلوا وخرجوا بهم، ووصلوا إلى قريب حلب، ووجس فى خاطرهم الدخول إلى مصر والاجتهاد [237] فى الرغبة فى الإسلام، ولما وصلوا إلى مصر حصل لهم الخير، وعند حضور والدة الأمير سيف الدين سلاّر وإخوته:

فخر الدين داود وسيف الدين جبا، عمّر لوالدته فى الميدان الذى أنشأه الملك العادل، وكان اصطبل الجوق فى الدولة المنصورية، ثم آل أمرها إلى أن يعرف بحكر الخازن.

(1)

«الأشرف» فى الأصل، والتصحيح من السلوك ج 2 ص 5. وعن سنقر الأشقر انظر المنهل الصافى ج 6 ص 87 رقم 1123.

ص: 348

وقال الراوى: أخبرنى شخص من جهتهم أن هذين الاثنين افترقا عن أخيهما

(1)

سلار فى وقعة أبلسّتين للملك الظاهر مع تداون، وبعد ذلك لم يكن أحد يعرف حال صاحبه ولا مكانه إلى أن أراد الله باجتماعهم فى هذه المدة.

‌ذكر بقيّة الحوادث فى هذه السّنة:

منها: أن الأمير سيف الدين سلار قدم من الحجاز فى رجب المحرم، وذكر عنه أنه أنفق فى هذه السفرة [ما

(2)

] لم ينفق أحد من الأمراء مثله، ولما أراد أن يحج طلب مباشريه وقال لهم: جهزوا لى أشياء لأعمل خيرا ما سبقنى أحد إليه، واعملوا أضعاف ما عمله الأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار لما حج، وقد ذكرنا ما فعله فيما مضى

(3)

، وقال لهم أيضا: خذوا معكم شيئا كثيرا من الذهب والفضة، واحملوا من الغلال فى المراكب، فإن سلمت فيها ونعمت، وإلاّ يكون معنا شئ نعوّض عنها، فأوسقوا ثمانى مراكب ما بين غلّة ودقيق وسكر وغير ذلك، وجهّزوا المال فى صناديق صحبته.

وعند وصوله إلى مكة شرّفها الله جلس وسيّر أستاداره بدر الدين أبا غدّة وجماعة ممن يثق بهم إلى المجاورين بالحرم، واستعلم من كل منهم ما عليه من الدين وكم مؤنته فى السنة، وما يحتاج إليه، فداروا على الجميع وكتبوا أسماءهم وأسماء أصحاب الديون، فطلب الجميع وأوفى ما على المجاورين وغيرهم من الديون، ثم أعطى لكل واحد منهم مؤنة سنة، وفى ذلك الوقت وصل قاصده من جدّة

(1)

«من أخيه» - فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.

(2)

[] إضافة يقتضيها السياق.

(3)

انظر ما سبق فى أحداث سنة، 70 هـ.

ص: 349

وأخبره بوصول المراكب سالمة إلى جدة، فرسم بحمل ما فيها، ثم سيّر إلى بيوت أهل مكة وطلب الجمع، الجليل منهم والفقير، وأعطى لهم من الذهب والفضة والغلة مؤنة سنة حتى لم يبق فى مكة لا كبير ولا صغير، ولا شيخ ولا شاب، ولا فقير ولا غنى، ولا شريف ولا عبد إلاّ وقد حصل له من ذلك شئ، ولما فرغ من ذلك طلب الحاج من الزيلع وفرق عليهم من الذهب والفضة والغلة والسكر والحلواء شيئا كثيرا، وكان الزيلع تطوف بالبيت ويقولون فى طوافهم: يا سلاّر كفاك الله همّ النار، ثم سيّر المباشرين إلى جدة وفعلوا بأهلها كما فعل هو بأهل مكة.

ولما أتم سلاّر حجّة ركب إلى المدينة، وعند وصوله وادى بنى سالم وقفت العرب التى بالجبال التى هناك، وعبثوا على الحاجّ، وأخذوا أطرافهم، ونهبوا جمالا كثيرة، فركبت الأمراء عليهم وقاتلوهم بالحجارة ساعة، فانهزموا، فتبعوهم إلى الجبال، وأخذوا منهم خمسين نفرا، وجرحوا منهم جماعة، وأحضرهم الأمير سيف الدين سلاّر إلى المدينة واستفتى العلماء فيهم، فأفتى الجميع بقوله تعالى:{إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}

(1)

. الآية، فأمر عند ذلك بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.

قال الراوى: وبلغنى ممن حضر هذه القضية، أنه من الخمسين، صبىّ ما دون البلوغ، فرحمه الأمراء، وسألوا سلاّرا بإطلاقه، فأمر بإطلاقه، فقال:

لا والله لست أكون سالما دون أبى وأخى وأصحابى ولى أسوة بهم [338]، فأمر عند ذلك بقطعه، فتعجبت الناس من قوة نفس هذا الصبىّ.

(1)

الآية رقم 33 من سورة المائدة رقم 5.

ص: 350

ولما وصل سلاّر مصر أراد مباشروه أن يرفعوا حساب ما نفق فى هذه السفرة فلم يرض بذلك، وقال: مال أنفقناه فى سبيل الله من وجه حل، فنرجو قبوله، ولا ينبغى أن نحاسب فيه.

ومنها أن الأمير سيف الدين أسندمر نائب طرابلس كتب إلى السلطان والأمراء أن أميرا من أمراء طرابلس يقال له سيف الدين بالوج الحسامى - من مماليك لاجين - أساء عليه الأدب فى دار السلطنة بحضور الأمراء كلهم، وأخرق حرمة السلطنة، فالمسؤول تأديبه، فكتب السلطان بأن يطلبه قدام الأمراء ويأخذ سيفه ويحبسه، فلما وصل إليه الكتاب طلبه وأخذ سيفه وأهانه وحبسه.

وكان السبب فى ذلك أن شخصا من السمرة

(1)

كان يتحدث فى ديوان النائب ويتّجر له فى سائر الأصناف، فطغى بسبب ذلك حتى صار يركب الحجورة العربية بالسروج المحلاة بالذهب والفضة، ولم يدع كلاما لأحد فى طرابلس حتى صار يحكم فى الجيش، وحصّل أموالا عظيمة له وللنائب، وتألم منه أهل طرابلس ألما عظيما، ولم يخلّوا أحدا من الأمراء حتى شكوه إليه، ولم يكن أحد منهم يجترئ أن يبلغ ما يفعله للنائب إلى أن تزايد أمره وفشى طغيانه، ثم إن بالوج المذكور اتفق مع الأمراء على أنه يتحدث مع النائب بسبب ذلك بشرط أن يساعدوه عند فتح الكلام، فاتفقوا على ذلك، ولما حضروا يوم الموكب للخدمة شرع الأمير بالوج وفتح الكلام، وقال: يا خوند أهل طرابلس جميعهم يشكون من هذا السامرى، وعندهم ألم كثير وضرر عظيم بسببه. فالتفت إليه النائب

(1)

السمرة أو السامرة؛ طائفة من اليهود، وهم أتباع السامرى الذى أخبر الله تعالى عنه بقوله فى سورة طه آية 85 (وأضلهم السامرى) - صبح الأعشى ج 13 ص 268 وما بعدها.

ص: 351

كالمغضب وقال: يكذب أهل طرابلس فإنهم مراجفون مناجيس، وأنت أيضا بقيت مثلهم، وكان بالوج شرس الأخلاق، فقال يا أمير أقول لك إن هؤلاء ناس مسلمون يشتكون من هذا الخنزير الكافر وتقول لى أنت منهم، يعنى تقول لى تكذب. قال: نعم، فلما سمع بالوج هذا الكلام نهض قائما، وقال: والله لأضربن عنق هذا السامرىّ حيث وجدته، فالسلطان ما يشنقنى لأجل سامرىّ خبيث، ثم اتفق ما ذكرناه من النائب فى حقه، فتزايد السامرىّ على الناس إلى أن وقع منه كلام فى يوم من الأيام يوجب قتله، فشهدت جماعة بذلك من العدول وغيرهم، وكتبوا بذلك محضرا وأرسلوه إلى قاضى المالكية بدمشق، فأثبته القاضى، ثم اجتمع بالقاضى الشافعى والحنفى، وتوجهوا إلى ملك الأمراء جمال الدين الأفرم وعرّفوه بالقضية، فكتب إلى الأمراء بمصر وعرّفهم بجميع ما وقع، وعرّف أيضا أن هذا الرجل خصيص بنائب طرابلس، فقام الأمير ركن الدين فى ذلك وكتب إلى أسندمر نائب طرابلس أن يرسل هذا السامرى إلى دمشق ليتولى أمره القاضى المالكى، ويفعل فيه ما يجب عليه بالشرع، ويطلق سيف الدين بالوج عن الحبس، فلما وصل الكتاب إلى أسندمر، وفيه الإنكار عليه بسبب ما بلغ الأمراء من أمر السامرىّ، وعلم أنه لا دافع عنه، وتصوّر أن السامرىّ إذا [339] وصل إلى دمشق يحدّث بما كان يفعله هو، أراد به أسندمر نفسه، فيقع بسبب ذلك فى أمر أعظم مما كان، فطلب سيف الدين بالوج، واعتذر إليه وقال: ما كنت أعرف حال هذا الملعون وما كان يفعله حتى ظهر لى فى هذا الوقت، وخلع عليه وطيب خاطره، ثم طلب السامرىّ بين يديه وأهانه وقيده، وجعله فى زنجير، وسلّمه إلى البريدىّ، وسيّر معه بعض مماليكه ووصّى بهم بأنكم إذا وصلتم إلى حمص وركبتم منها فى الليل

ص: 352

اضربوا رقبة السامرى، وخذوا معكم رأسه، فإذا وصلتم إلى الشام عرفوا نائب الشام بأنا لما نزلنا فى حمص جاءت علينا جماعة فى الليل وضربوا رقبته، وهم من أهل طرابلس، فإنهم اتبعونا من طرابلس لما خرجنا منها، فما وقعت لهم فرصة فى قتله إلا فى حمص، وكانوا أرادوا أن يفعلوا هذا وهم فى طرابلس ولكن ما اتفق لهم ذلك، وذلك أن الأمير سيف الدين بالوج لما كان فى الحبس، وأخذ بعض الناس هذا السامرى إلى ان ركب فى ليلة من مكان كان يتنزه فيه، فوقفوا له فى طريقه، فضربه بعضهم بالسيف على أن يطيّر رقبته، فلم تجئ الضربة إلاّ على شاشه فأرمته من رأسه، ووقع السامرىّ على الأرض مذعورا، فهرب أولئك القوم ونجا السامرى، ولما بلغ ذلك نائب طرابلس قال: هذا شغل بالوج، سلّط عليه هؤلاء القوم، ولما سمع نائب الشام بذلك طلب القضاة وأخبرهم بما جرى على السامرى فى الطريق وأراهم رأسه، فقالوا: قد قتله الله وكفى المسلمين شرّه.

ومنها: أنه حضرت جماعة من الكارم من جهة اليمن فى هذه السنة، وأخبروا أن الملك المؤيد صاحب اليمن

(1)

تعرّض لهم، ولم يجزهم على عادتهم، وقال لهم: إن السلطان صغير، وقطع أيضا الهدية التى كانت ملوك اليمن ترسلها إلى صاحب مصر، خارجا عما كان مقررا عليهم فى كل سنة فى الأيام الظاهرية فإن الملك المظفر

(2)

ولى اليمن نحو أربعين سنة، ولم يقطع ما كان عليه من المقرر

(1)

هو: داود بن يوسف بن عمر بن على بن رسول، الملك المؤيد هزبر الدين المتوفى سنة 721 هـ/ 1321 م - المنهل الصافى ج 5 ص 307 رقم 1023.

(2)

هو: يوسف بن عمر بن على بن رسول، الملك المظفر أبو منصور، المتوفى سنة 694 هـ/ 1294 م - المنهل الصافى، العبر ج 5 ص 384.

ص: 353

وهو ستة آلاف دينار فى كل سنة، كان يشترى بها أصناف المتجر، ويسيرها إلى قلعة الإسماعيلية فكانت ترصد هناك، وهذا كانت عادتهم من تقادم السنين مع هدية يختص بها السلطان، فلما ولى ولده الأشرف أياما قليلة وخرج عليه هزبر الدين ملك اليمن قطع الجهتين، وتجاهر للتجار بصغر السلطان، ولما سمع الأمراء بذلك اقتضى رأيهم أن يسيّروا إليه رسولا وكتابا وينتظرون ما يجئ جوابه، فعينوا لذلك مقدما من مقدمى الحلقة يقال له ناصر الدين

(1)

الطورى، ومعه القاضى شمس الدين [محمد]

(2)

بن عدلان، وكتبوا كتابا، وأغلظوا عليه فى الكلام، وهدّدوه وقالوا له: لا تحوج نفسك إلى مجئ عسكر إليك، فيكون دماء أهل اليمن فى ذمتك.

وكتب الكتاب القاضى ناصر الدين بن عبد الظاهر، ومن محاسن كتابه:

أنه غير خاف عليك ما كان والدك عليه وما صار إليه، وكان عندنا بالاستعفاء والجنوح إلى سبيل الوفاء، وسلك فيه من التلطف أبهج المسالك، واجتنب أن يوقع نفسه فى المهالك، وحسم تلك المادّة أن ترعى، وربما أوصى بها أصلا وفرعا، ووافاه الموت فقصم عروة عتابها، وحال بين المسألة [340] وبين أعتابها وأفضت نوبة الملك إلينا فدانت لنا الرقاب وتباطت لنا الهضاب، وكاتبنا الملوك شرقا وغربا، ووصلت إلينا هداياهم، وكان اعتقادنا أنه أول ملك تصل إلينا كتبه، فكان أوحدهم عقوقا وأوعرهم طريقا، فكما علمت أن عدونا المقهور، وسلطاننا ناصر الدين المنصور، وعلمت أمر التتار، وما لها من المنازلة فى طول المدد، وقوة الجأش، واقتياتهم بما على الأرض من خشاش، فما

(1)

«مبارز الدين» فى العقود اللؤلؤية ج 1 ص 367.

(2)

[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 2 ص 7.

ص: 354

لبث ملكهم أن سلّم جيشه وولّى، بعدما قال أنا ربكم الأعلى

(1)

، وكانوا مائة ألف أو يزيدون، هذا وهم العدو الأكبر، والخصم الأقدر، فما ظنك بمن هو أضعف ناصرا، وأقلّ عددا، ممّن قد ألف الوساد، وأوصل النوم، وجفى السهاد، وجعل دأبه فينة، زاعما بعدم الوصول إليه من بعد المسافة، وهى أقرب إلينا من حبل الوريد

(2)

، ولا مانع عنه فى اقتحام الأهوال، وما ذلك على جندنا ببعيد، والطريق التى استولى عليها الملك المسعود ابن مولانا السلطان الملك الكامل معروفة، ومسالكها مألوفة، ونحن نحمد الله ما ثارت إلينا سحابة إلا وجنت بحمد الله ثمراتها من حيث حلّت، ولا أتيحت سفينة إلا ألقت ما فيها وتخلّت، فيقف عند حدّه ويستدرك هزله بجدّة، فما بعد العتاب من ألم، ويقتفى سنن المهادنة، فمن أشبه أباه فما ظلم، ويقدّم ما فى ذمته لبيت مال المسلمين من الحقوق، ويتجنب طريق العقوق، فمن النهج أن لا تكون عقوق.

وقرئت هذه النسخة على السلطان والأمراء، فطلبوا الطورى والقاضى شمس الدين وعرفوهما ما يقولانه، واتفق رأيهم أن يكتب الخليفة أيضا إليه كتابا وينهاه، فكتب من جهته كتابا وأغلظ على الملك المؤيد فيه، وأمره ونهاه.

(1)

إقتباس قرآنى، مأخوذ من الآية «فقال أنا ربكم الأعلى» - الآية رقم 24 من سورة النازعات رقم 79.

(2)

إقتباس قرآنى مأخوذ من الآية «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» - جزء 5 من الآية رقم 16 من سورة ق رقم 50.

ص: 355

ومنها: أن قاضى القضاة المالكى بدمشق حكم بإراقة دم شمس الدين

(1)

ابن الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الباجربقى بمقتضى ما ثبت عنده ما يوجب ذلك، فهرب المذكور واختفى، ثم حكم تقى الدين سليمان الحنبلى بحقن دمه بثبوت عداوة الشهود الشاهدين عليه، فأنكر المالكى عليه ذلك وأشهد على نفسه أنه باق على ما حكم به من إراقة دمه، فاستمر هروب الباجر بقى لذلك.

ومنها: أن نجم الدين أبا بكر بن بهاء الدين بن خلكان ادعى بدمشق أنه حكيم الزمان، وأنه يخاطب بكلام يشبه الوحى من جملته: يا أيّها الحكيم افعل كذا، يا أيها الحكيم افعل كذا، وادعى أنه قد اطلع على علوم كثيرة وطلسمات عظيمة منها: طبل إذا ضرب به انكسر العدو وانهزم، وغير ذلك، وادعى أنه أرسل إلى الملك الناصر بمصر أنه إذا اجتمع به عمل له طلسمات عظيمة فى فنون شتى، فعقد مجلس بدمشق بحضرة النائب جمال الدين أقوش الأفرم وطولب بإقامة البرهان على صحة دعواه، فلم ينهض، فاستتيب وأطلق على أنه لا يعود، فأقام مدة، ثم عاد إلى دعواه فأمسك واستتيب وأطلق، فأقام مدة، ثم عاد إلى دعواه فأودع المارستان وأقام مدة، ثم خرج منه، فتوجّه إلى القاهرة وعاد إلى دعواه، فأمسكه الأمير سيف الدين ألجاى الدوادار [341] واستتابه وأطلقه، فأقام مدة، ثم عاد إلى دعواه ولم يزل مصرّا عليها، وكان هذا الرجل قبل هذه الدعوى

(1)

هو: محمد بن عبد الرحيم بن عبد المنعم بن عمر بن عثمان الباجربقى.

وكان قد هرب بعد الحكم عليه، وأقام بمصر بالجامع الأزهر، ثم تسحب إلى دمشق ونزل إلى القابون قرب دمشق، وأقام به إلى أن مات سنة 724 هـ/ 1323 م - درة الأسلاك ص 169، الدرر ج 4 ص 120 رقم 3893، فوات الوفيات ج 2 ص 444 رقم 421، الوافى ج 3 ص 249 رقم 1269، شذرات الذهب ج 6 ص 64.

ص: 356

ينوب عن الحكام بالشام، فلما غلب عليه هذا الحال ترك الولايات الحكميّة وأخذ فى هذه الحال.

ومنها: أن الشيخ تقى الدين ابن تيمية

(1)

توجه ومعه جماعة إلى مسجد النارنج

(2)

بدمشق، فأحضر جماعة من الحجارين وقطع صخرة هنالك كان الناس يزورونها ويندرون لها، وكان لهم فيها أقاويل كثيرة فأزالها

(3)

.

وقال صاحب النزهة: وفيها وصل كتاب نائب الشام يذكر فيه عن الشيخ تقى الدين بن تيمية أنه جرى بينه وبين أهل دمشق منازعة بسبب الصخرة التى كانت بمسجد النارنج، وكان كثير من الدماشقة يترددون إليها يدّعون أن فيها أثر قدم النبى صلى الله عليه وسلم، ويتغالون فى أمرها، ففسدت بذلك حال جماعة كثيرة من الرجال والنساء، واتفق أن الشيخ تقى الدين أنكر ذلك، وأنكر على جماعة كثيرة، فوقع بينهم تنازع، فبلغ ذلك إلى نائب الشام، وبلغ أنه يريد قطعها، وأكابر الشام والقضاة لا يمكنونه، وآخر الأمر قام الشيخ فيه قياما عظيما، وركب بنفسه، وأخذ جماعة من الحجارين ودخل المسجد، وأخذ الفأس بيده، وقطع الحجارون بعده، ولم يبق لها أثر، وكيف يكون العمل فى هذا الرجل؟ فإنه يقول: إن هذه بدعة، وإنه لم يصح عنده شئ فيها، فكتب الجواب عن كتاب نائب الشام: أن الأمر إن كان على ما زعمه ابن التيمية فقد

(1)

هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، شيخ الإسلام تقى الدين أبو العباس - المعروف بابن تيمية، المتوفى سنة 728 هـ/ 1327 م - المنهل الصافى ج 1 ص 358 رقم 195.

(2)

«بجوار مصلى دمشق» فى السلوك ج 2 ص 8.

(3)

«وأن الأثر الذى بها ليس هو قدم النبى صلى الله عليه وسلم» - السلوك ج 2 ص 8.

ص: 357

فعل الخير وأزال بدعة فى الإسلام، وإن كان أمره غير صحيح فبينوا عليه عدم صحة ما فعله وتعديه، ثم قابلوه على ما فعله.

ومنها: ما كان دخول الأمير مظفر الدين موسى بن الملك الصالح علاء الدين على بن الملك المنصور على بنت الأمير سلاّر نائب السلطان.

وقال صاحب النزهة: وكان سلاّر مملوك الملك الصالح، وهو الذى ربى أمير موسى المذكور، وأحسن تربيته، ورأى أن ابن أستاذه أحق وأولى من غريب يأتى، فعرف السلطان والأمراء بذلك، وسرعوا فى أمر التهادى والتقادم للعرس، فقدّموا شيئا كثيرا، ويقال: إن سلار أقام ثلاث سنين يعمل جهاز بنته من سائر الأصناف، وعمل من كل شئ حتى عمل برسم بيت الخلاء

(1)

بكلة من الفضة والنحاس المكفت

(2)

، وكان جملة ما صنعه من الجهاز - على ما نقله من يوثق به - مبلغ مائة ألف وستين ألف دينار، وكان المهم فى القلعة، ولم يبق أحد من الأمراء إلاّ وقد مشى فى خدمته، وكان الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير هو الذى تولى أمر ذلك المهم، وجميع الأمراء، وحمل له من الشمع ثلاثمائة وثلاثون قنطارا.

ومنها: أن نيابة صفد فوضت لسيف الدين سنقرجاه المنصورى، عوضا عن الأمير بتخاص، وحضر بتخاص إلى مصر وأقام بها، وفوضت الحجوبية بدمشق للأمير بكتمر الحسامى.

(1)

بيت الخلاء: المرحاض، وهو موضع قضاء الحاجة والاغتسال - المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية - ص 14.

(2)

مكفت: مطعم بمعدن آخر ثمين بأشكال أو رسومات أو كتابات - المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية - ص 115.

ص: 358

ومنها: أنه ظهر فى معدن الزمرد بمصر قطعة كبيرة لم تكن ظهرت فى المعدن من أول ظهوره إلى ذلك الوقت مثل ذلك، وكان وزنها مائة وخمسة وسبعين مثقالا، فسرقها الضامن وحملها إلى ملك اليمن، فدفع له فيها مائة ألف وعشرين ألف، فما رضى ببيعها ورجع بها، فأخذت منه وحملت إلى الملك الناصر [342]، فانفطرت مرارة الضامن ومات، وهذا المعدن لا يوجد فى الدنيا إلا بالديار المصرية فقط، والله أعلم.

ومنها: أنه أجدب الشام من الغور إلى مصر جدبا عميما، وقلت المياه حتى ارتحل بعض أهلها من عدم الماء واختلاف أنواء السماء.

‌ذكر الإيقاع بناصر الدين الشيخى الوزير:

قال بيبرس فى تاريخه: وفيها أوقع بناصر الدين الشيخى

(1)

الوزير إيقاعا شديدا، وعزل عن الوزارة عزلا مبيدا، وخلع من الإمارة خلعا عنيفا عتيدا، وطولب بالمال، وجنح سعده فمال

(2)

وآل إلى شر مآل، وبسط عليه العقاب، وعذّب أمر العذاب، فأدركه حتفه، وفارقه إلفه، ومات شرّ ميتة، فكثر الشامت بوفاته، والناعت لسوء صفاته، والذاكر لظلماته ومحدثاته التى كان بها يتوصل إلى أرباب الدول، ويتوسل بأحداثها فى تولية العمل، ولا يفكر فى جانب الله عز وجل، ولا يعلم أن الدعاء لا بد من تأثيره وإن طال الأجل، فأسخط الله عليه

(1)

هو: محمد - ويقال ديباى - الشيخى، الأمير الوزير ناصر الدين. وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 2 ص 14.

(2)

بداية ما يوجد فى مخطوط زبدة الفكرة - الذى بين أيدينا - بعد السقط فيما بين الورقة 241 ب، 242 أ، والمفروض أن بهذا السقط باقى أحداث سنة 702 هـ من أثناء الكلام عن وقعة شقحب، وأحداث سنة 703 هـ، وأحداث سنة 704 هـ حتى هذا الموضع.

ص: 359

الذين أرضاهم بظلم عباده، وعجل له عذاب الدنيا قبل عذاب معاده، فلله در القائل

(1)

:

وابغ رضى الله فأغنى الورى

من أسخط المولى وأرضى العبيد

قلت: وناصر الدين المذكور كان من أولاد القاهرة فقيرا

(2)

، وكان يتكسب بخياطة الكوافى والاقباع، ثم امتدت به أسباب الأطماع، فصافر مع الفقراء المجردين، ووصل إلى بلد ماردين، واتفق إلمامه بابن الصاحب، وهو الأمير شمس الدين محمد المعروف بابن التيتى

(3)

، وحضر معه إلى الديار المصرية عند تردده فى الرسلية من جهة أحمد

(4)

سلطان بن هلاون فى الدولة المنصورية، ولما أقام شمس الدين المذكور بالأبواب السلطانية أقام المذكور وتظاهر بالجندية، وأعطى مبلغا مرتبا على ساحل الغلة بالقاهرة ومصر، فما لبث أن تحدث فى المعاملة حديثا كثيرا، وأظهر فصولا وأبدى فضولا، وألزم بها لمقطعها ضمانا، وحدد فيها رسوما ظلما وعدوانا، ثم توصل حتى أنه باشر شدّ الدواوين، وانتقل منه إلى ولاية القاهرة، ومنها إلى ولاية الخاص بالجيزيّة، ثم طمحت نفسه إلى الإمارة، وسوّلت له طلب الوزارة، فبذل بذولا قرّرها، ووعد أرباب الدولة وعودا كرّرها وكثّرها، فتولى الوزارة كما ذكرنا، وآثر فيها ما شرحنا، ولم يخل من تفتيق مظلمة وتجديد حادثة مؤلمة، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، وأولاه

(1)

«فلله القائل» - فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 242 أ.

(2)

«أصله من بلاد ماردين» - السلوك ج 2 ص 14.

(3)

هو: محمد بن محمد بن عقيل بن سالم بن عقيل بن التيتى، المتوفى سنة 693 هـ/ 1293 م - انظر الجزء الثالث من هذا الكتاب ص 248.

(4)

هو: أحمد سلطان تكدار بن هولاكو، الذى ولى أمر السلطنة ببلاد التتار سنة 681 هـ/ 1282 م وتوفى سنة 683 هـ/ 1284 م - المنهل الصافى ج 2 ص 254 رقم 334.

ص: 360

ما كان به من الهوان أولى، وأنجز للظالم وعيده، وللمظلوم وعده، إن وعده كان مفعولا

(1)

، فليحذر الغافل إذا نزقت به الأيام إلى المعاقل، فإن لها بعد الرفع [وضعا

(2)

]، وبعد التمكين صرعا، وليأخذ بالرفق ويتجنب الجور والخرق.

قال الشاعر

(3)

:

فإن المظالم يوم المعاد

لمن قد تزوّدها شر زاد

(4)

وقال صاحب نزهة الناظر: وكان السبب للإيقاع به أنه لما حضر الأمير سلاّر من الحجاز بلغه من خواصه ما فعله ناصر الدين المذكور عند سفر السلطان إلى بلاد البحيرة للتصيد، [343] وما تحدّث للملك الناصر من السرّ وحمله إليه ألفى دينار كما ذكرنا، وأنه جسّره على أمور كثيرة لم تكن فى ذهنه، وأن السلطان ملتفت إليه التفاتا كبيرا، وكل ما كان يحتاج إليه طلبه منه فيحمله إليه، ولما سمع سلاّر بذلك خرج عليه نقما كان فى نفسه منه، فكتم ذلك فى باطنه إلى أن جهّز الأمير ركن الدين بيبرس لأجل سفر الحجاز، وعلم أنه متى أوقع به فى غيبة بيبرس كان يتوهم أنه كياد فى حقه حيث ما فعله وهو حاضر، فاستشار الأمير علم الدين الجاولى فى أمره واتفق الحال على أن يقيموا شخصا من القبط يرافع عليه ويظهر فى جهته أموالا كثيرة أخذها هو ومماليكه، فأحضروا شخصا من القبط وأمروه بذلك، فكتب أوراقا عليه بجملة مستكثرة، ولما

(1)

«إنه كان وعده مفعولا» - فى زبدة الفكرة.

وهو اقتباس قرآنى مأخوذ من بعض الآيات، ولكنه ليس آية فى القرآن.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«قال الشاعر» - ساقط من زبدة الفكرة.

(4)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 242 أ، ب.

ص: 361

حضر الأمراء فى دست المملكة شرع الأمير سلار وتحدث فيه بأنه فعل كذا وأخذ

(1)

. فقالت الأمراء: إذا ظهر أنه حاق قطع جلده بالمقارع، فعند ذلك.

رسم بطلبه وطلب مماليكه، كبك وبكتوت وغيرهما، وكان قد أرصد هؤلاء يتحدثون فى أعمال الجيزة، فلما حضر قال له سلاّر: اسمع إش يقول هذا الرجل فيك بأنك أخذت من مال السلطان كذا وكذا، وإنك خنت، وقد عرفت كيف شرطت على نفسك، ثم قال للمرافع: تكلم معه وقل له على هذه الفصول التى ذكرتها عنه، فأخذ ناصر الدين يتكلم بعزة نفس وقال: إش هذا النجس حتى أتكلم معه أو يسمع منه فى حقى، فما هو أتم كلامه حتى قال سلار: وأنت أيضا يا قواد يا نجس ما كنت بين الخلق حتى تكبر نفسك ونتكلم بنفس وعزة، وإذا عرف أحد خيانتك تخرق به قدامنا، فما لنا عندك حرمة، ثم التفت إلى الحاجب وقال له: انزل على رأسه، فضربه على رأسه إلى أن أخرب شاشه، ثم طلب مشد الدواوين وقال له: خذ هذا ومماليكه واستخلص منهم مال السلطان، ولم يتكلم أحد من الأمراء كلمة واحدة، وخرج به مشد الدواوين منكّلا به وقد أخذ سيفه

(2)

.

وفى اليوم الثانى: شاور عليه مشد الدواوين الأمير عز الدين الاشقر فقال له:

اطلبه قدامك وطالبه بالمال وإلا أسلخ جلده بالمقارع، فخرج عز الدين وطلبه إليه، وعرّفه ما رسم به نائب السلطان. فقال: السمع والطاعة، وشرع فى تحصيل المال وفى بيع خيله وعدته وجميع حواصله أولا فأولا، وصار مشد

(1)

«وأخذا» فى الأصل.

(2)

«فى آخر يوم من شعبان» - السلوك ج 2 ص 10.

ص: 362

الدواوين كل يوم يخرجه وينكل به، وكان فى نفسه منه شئ كثير لما سبق له من إهانته إياه وتكبّره عليه، وجلس يوم الثلاثاء فى الصناعة، وسيّر وراءه من أحضره من القلعة، وهو راكب حمار وعليه أربع رسل، ودخلوا به إلى سوق مصر ونواحى أسواق الصناعة، فقامت إليه أهل مصر وصاحوا عليه وسبوه ولعنوه وأرادوا أن يرجموه، فمنعهم من ذلك مماليكه، فبلغ ذلك سلارا وكان يعلم أن الأمير بيبرس ممن يعينه ويساعده، وبقى ينتظر أن بيبرس يفتح معه كلاما فى حقه فلم يتكلم بشئ فى حقه.

ثم أقاموا أياما إلى العشر الأول من شهر رمضان [344] يتشاورون فيمن يولّوه وزيرا يدبّر أمر الدولة، فاقتضى رأيهم وزارة القاضى سعد الدين بن عطايا، وسنذكر توليته

(1)

، وقد ذكرنا أن ناصر الدين هذا كان قد تزوج بامرأة الأمير سيف الدين بهادر رأس نوبة، وسكن فى بيتها المجاور لمشهد الحسين رضى الله عنه، وكانت أولادها جركتمر وأمير على وخليل أولاد بهادر خصيصين بخدمة الأمير بيبرس، وكانوا يسعون لناصر الدين عند بيبرس، وبيبرس تارة يجيبهم، وتارة ما يردّ عليهم كلاما، ومع هذا كان لبيبرس عناية لناصر الدين فى الباطن، ولكن كان يعلم أن سلارا يكرهه، ولا يريد أن يعارضه فى أمر يفعله هو.

وبقى الأمر على هذا إلى ليلة عيد الفطر، وطلعت زوجته إلى بيت بيبرس، ودخلت على أهله فى أمر زوجها ناصر الدين، وتكلمت امرأة الأمير بيبرس معه فى أمره، فوعد لها بأن يتكلم فى خلاصه، ولما جلست الأمراء فى الشباك، وهنّوا نائب السلطان سلارا، فتح الأمير بيبرس معه الكلام فى أمره وقال:

(1)

انظر ما يلى ص 365.

ص: 363

هذه ليلة العيد، تصّدق على هذا المسكين وارسم بخلاصه. فقال له سلار:

يا أبى أنت غافل عما فعل هذا، والله والله أنت تعلم محلك عندى، لو كان هو إلى اليوم باقيا فى الوزارة ما كنت أنا ولا أنت فى الحياة، وأنا أعرفك به، فإن كان ذهبه

(1)

يسيرا وأمرت لى بخلاصه أخلّصه، ثم شرع يحدثه ما فعله فى غيبته، وكيف راح إلى الإسكندرية، وكيف اجتمع مع السلطان وتكلم معه شيئا كثيرا، ومن جملة ما قال: أش هم هؤلاء وأراد به إيانا، فأى وقت اشتهيت مسكتهم مثل الكلاب، واتفق معه على أمور كثيرة فى الفساد والإيقاع بنا، وجسّر السلطان على أمور ما كانت فى نفسه، وهذا الرجل قد قصد فتنة كبيرة بين المسلمين، والله عز وجل يقول:{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}

(2)

. فإن كنت تختار أن نطلقه، نفرج عنه، قد عرفتك ذنبه، فلما سمع بيبرس ذلك منه تحقق أن سلار ما يفعل كذبا. فقال له: من يرمى فتنة بين المسلمين يستحق هذا وأنحس منه، ثم قام من عنده وشرع فى تجهيزه إلى الحجاز الشريف.

ولما استهل شهر ذى القعدة: ركب الأمير بيبرس والأمراء صحبته، وأمر لمشد الدواوين بعقوبة ناصر الدين المذكور وضربه بالمقارع، فأقام يعاقبه سبعة أيام، وتوفى بعدها من ألم الضرب، وكان فيه عصبية ومروءة وأريحية، وكان ينبعث للخير، وله كتابة حسنة، ومعرفة بالحساب.

قال صاحب النزهة: وكان أصله من بلاد ماردين، وكان قدم إلى الديار المصرية مع رسل السلطان أحمد وقاصد صاحب ماردين، وكان ماشيا طول

(1)

هكذا بالأصل، ولعلها «ذنبه» - انظر ما يلى.

(2)

جزء من الآية رقم 191 من سورة البقرة رقم 2.

ص: 364

الطريق فقيرا، ثم عمل صنعة الأقباع فى مصر فى دكان أشهرا، ثم عمل جنديا شادا فى موضع، وصار يكثر التردّد إلى خدمة الحسام يرتاق

(1)

مشدّ الكيالة مدة طويلة إلى أن [عرف

(2)

] الدخل والخرج

(3)

، ثم ضمن ساحل الغلة وفاض معه جملة، ثم خدم الصاحب ابن الخليلى وبعض الأمراء، وقدم لهم الهدايا والتقادم، وأرغب حكام الدولة إلى أن تولى مشد الدواوين، ومنه تنقل إلى شدّ الأعمال الخيزية، ثم إلى الطبلخاناة، وعمل ولاية [345] القاهرة مضافا للجيزة، ثم انتقل إلى الوزارة، ومنها كان هلاكه.

‌ذكر تولية ابن عطايا الوزارة:

قد ذكرنا أن سلارا شاور الأمراء فى منصب الوزير، واتفق رأيهم على تولية القاضى سعد الدين محمد بن عطايا، وكان ناظرا بديوان البيوت السلطانية، وله إلمام بالأمير علم الدين الجاولى من جهة أستادرية الدار، ففوضت إليه الوزارة، وخلع عليها

(4)

، وحملت إليه دواتها وبغلها، وكانت مباشرته لها فى الثانى عشر من شهر رمضان.

وقال ابن كثير: وتولى ابن عطايا الوزارة بعناية علم الدين سنجر الجاولى، وجلس يوم الأربعاء الثانى عشر من شهر رمضان

(5)

.

(1)

«برناق» - فى السلوك ج 2 ص 14.

(2)

[] إضافة يقتضيها السياق.

(3)

«حتى عرف دخل المباشرة وخرجها» - فى السلوك ج 2 ص 14.

(4)

هكذا بالأصل «يقتضيها عليه خلعها» فى زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 242 ب.

(5)

يوجد هذا الخبر ملخصا فى البداية والنهاية ج 14 ص 34.

ص: 365

وقال النويرىّ: رأيت الصاحب شمس الدين بن عطايا قبل وزارته بثلاثة أيام قائما بين يدى علم الدين سنجر يقرأ عليه ورقة حساب، ورأيته يوم جلس فى الوزارة والأمير سنجر الجاولى جالس بين يديه، وقد وقع الصاحب وكتب علم الدين بالامتثال وذيل على خطه، وكان علم الدين المذكور استاذ الدار.

‌ذكر حج الأمير بيبرس:

حج الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصورى وصحبته جماعة من الأمراء وهم: الأمير ركن الدين

(1)

بيبرس الدوادار، والأمير يعقوبا، وآخرون من الأمراء، وأولاد الأمراء، وتسامعت الناس بحج الأمير ركن الدين بيبرس وكثروا، فاجتمع عالم كثير إلى أن خرج المحمل إلى البركة، ورأى أمير الركب خلقا كثيرا لم يعهد الناس مثلهم، واجتمع رأى الأمراء على أن يكون الحج ثلاث

(2)

ركوب:

ركب صحبة الأمير بيبرس الدوادار، وركب صحبة الأمير بهاء الدين يعقوبا، وركب صحبة أمير الركب الأمير عز الدين أيبك الخزندار، وتأخر الأمير ركن الدين بيبرس إلى العشر الأخير من شوال، ثم قصد أن يسافر مع الحاج وعرض له أمر أخره إلى أن سافر مستهل ذى القعدة على الهجن مخففا.

وحصل للحاج فى هذه النوبة أمر لم يعهد بمثله، لأنهم كانوا ثلاث ركوب، ومن حين خرجوا من مصر لم يجد أحد ماء يروى دوابّه إلى العقبة، وعند نزولهم إلى العقبة قلّ الواصل، وتحسّن الشعير، وبيع الأردب من الشعير بخمسين درهما، وتم الأمر على ذلك وهم يرجون وصول المراكب إلى ينبع من مراكب الأمراء

(1)

«ركن الدين» مكتوبة بهامش المخطوط، ومنبه على موضعها بالمتن.

(2)

«ثلاث» مكررة فى الأصل.

ص: 366

والتجار، فلم يصل شئ، وغرقت مراكب كثيرة، فتخبطت أحوال الناس، وغلت الأسعار، ثم عند رحيلهم إلى وادى النار لفح الناس هواء بسموم، فهلك خلق كثير، ونشفت قربهم حتى صارت كالقدّ من اليبس، ولم يجدوا فى الوجه ماء إلا قليلا، ولفح الناس هواء أيضا، فكان الركاب يقعون من الجمال موتى، وأما المشاة فإن أكثرهم ماتوا، وبعضهم أنقطعوا، وهرب المقومون، وقاست الناس شدة عظيمة، وتاه ركبّ الأمير يعقوب بدليله، فانقطعت منه جماعة كثيرة وماتوا، واشتد الغلاء إلى أن بيعت الويبة من الشعير بأربعين درهما، والويبة من الدقيق بستين درهما، والبقسماطة بإثنى عشر درهما، وكانت سنة شديدة، وسمت الناس تلك السنة سنة راعم

(1)

، وبلغ الخبر مع المبشرين إلى الأمير سيف الدين سلار وبقية الأمراء، فجهزوا للحاج من الأمراء ولغيرهم الإقامات والجمال [346] بالأحمال، واستقبلوا الحاج بالشعير إلى قريب ينبع بجمال العرب، وبالدقيق وغيره إلى عيون القصب وعقبة، وأرسلوا إلى نائب غزة أن يجلب للناس الزيت والعسل وغير ذلك، فألزم نائب غزة تجارا كثيرين بذلك، وحضرت أيضا جماعة إلى العقبة من الكرك والشوبك ومعهم أصناف كثيرة، وحصل للناس بذلك رفق عظيم.

وفيها: كان وفاء النيل على سبعة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا.

وفيها: حج بالناس عز الدين أيبك الخزندار المنصورى أمير الركب المصرى كما ذكرناه، وحج بالركب الشامى الأمير ركن الدين بيبرس المعروف بجالق، ومعه سيف الدين جوبان المنصورى.

(1)

رعم - رعاما: وأرعمت الشاة: اشتد هزالها فسال رعامها، والرعام: المخاط، والمقصود: سنة الهزال - لسان العرب.

ص: 367

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ شرف الدين عبد المؤمن

(1)

بن خلف بن الحسن بن شرف بن الخضر ابن موسى الدمياطى، شيخ الحديث بمدرستى الظاهر

(2)

والمنصور

(3)

ببين القصرين.

وكان إماما فى وقته، صدرا فى طبقته، مات فيها

(4)

بالقاهرة، ودفن بباب النصر.

وقال ابن كثير: ولم يزل فى إسماع الحديث دائما إلى أن أدركته وفاته وهو صائم فى مجلس الإملاء، فغشى عليه وحمل إلى منزله، فمات من ساعته يوم الأحد الخامس عشر من ذى القعدة، وكان مولده فى سنة ثلاث عشرة وستمائة، وكان جمع معجما لمشايخه الذين لقيهم بالحجاز والشام والجزيرة والفرات

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 170، نهاية الأرب (مخطوط) ج 30 ورقة 38، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 244 أ، الدرر ج 3 ص 30 رقم 2525، فوات الوفيات ج 2 ص 409 رقم 308، شذرات الذهب ج 6 ص 12، مرآة الجنان ج 4 ص 241، طبقات الشافعية ج 6 ص 132، تذكرة النبيه ج 1 ص 272، البداية والنهاية ج 14 ص 40، النجوم الزاهرة ج 8 ص 218.

(2)

المدرسة الظاهرية بالقاهرة: تنسب إلى الملك الظاهر بيبرس، وانتهى من عمارتها سنة 661 هـ/ 1262 م - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 378.

(3)

المدرسة المنصورية بالقاهرة: داخل باب المارستان المنصورى - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 379.

(4)

ورد ذكر وفاته سنة 705 هـ/ 1305 م - انظر مصادر الترجمة.

ص: 369

ومصر يزيدون على ألف وثلاثين شيخا، وهو عندى بخطه رحمه الله

(1)

.

وذكر بعضهم

(2)

وفاته فى السنة الآتية، وكان نخرج بالحافظ زكى الدين المنذرى، وروى عنه المزىّ والذهبى وخلق، وكان مولده بتونه

(3)

، قرية من أعمال تنيس، ونشأ بدمياط، ومات وله اثنان وتسعون سنة.

الشيخ المحدث الصالح نور الدين على

(4)

بن مسعود بن نفيس الموصلى، ثم الحلبى.

مات بالمارستان الصغير بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، وكان رجلا صالحا من المشهورين بطلب الحديث وكتابته وقراءته عن نحو خمسين سنة، روى عن ابن رواحة، وأصحاب البوصيرى، وأصحاب الخشوعى، وغيرهم.

الشيخ الإمام علم الدين عبد الكريم

(5)

بن على بن عمر، المعروف بالعراقى.

كان عالما كثير الفضائل، شافعى المذهب، جاوز الثمانين، مات فى هذه السنة، وولى مكانه بالقبة المنصورية الشيخ عز الدين النمراوى.

الشيخ الكبير المعمّر ركن الدين أحمد

(6)

بن عبد المنعم بن أبى الغنائم المقرئ، القزوينى، الصوفى، الطاوسى.

(1)

انظر البداية والنهاية ج 14 ص 40 حيث يوجد اختلاف فى بعض الألفاظ، وفى ترتيب العبارات.

(2)

منهم ابن كثير فى البداية والنهاية ج 14 ص 40، وشذرات الذهب، والنجوم الزاهرة.

(3)

تونة: جزيرة فى بحيرة تنيس، وتعرف حاليا بكوم سيدى عبد الله بن سلام الواقع فى بحيرة المنزلة - القاموس الجغرافى.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الدرر ج 2 ص 203 رقم 2916، شذرات الذهب ج 6 ص 10.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 13 رقم 2486.

(6)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 373 رقم 197، الوافى ج 7 ص 158 رقم 3083، الدرر ج 1 ص 206 رقم 498، شذرات الذهب ج 6 ص 10.

ص: 370

مات بالشميساطية، ودفن بمقابر الصوفية، وكان يذكر أن مولده فى شعبان سنة إحدى وستمائة، وكانت وفاته فى سابع جمادى الأولى منها.

الشيخ أمين الدين محمد

(1)

بن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد القسطلانى.

مات بمكة فى المحرم منها، وكان شيخا صالحا من بيت الصلاح والحديث، أسمعه أبوه بمكة على مشايخها والواردين إليها شيئا كثيرا، وكان عنده فضيلة فى علم الحديث، وكان شيخ الحديث بمكة، روى عن ابن الجمّيزى

(2)

وغيره.

الشيخ العالم نجم الدين

(3)

عمر بن أبى القاسم بن أبى الطيب.

مات بداره داخل باب الفرج، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكان رجلا جيدا، مشكورا فى ولاياته، باشر نظر المارستان النورى، ونظر ديوان [347] الخزندار، وصاحب حماة، ونظر الخزانة، ووكالة بيت المال، وكان مدرّسا بالكروسية نحو أربعين سنة، وسمع الحديث من الجمال العسقلانى، وغيره.

الشيخ بهاء الدين عبد المحسن

(4)

بن الصاحب محيى الدين محمد بن أحمد ابن هبة الله بن أبى جرادة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 168 - 169، الدرر ج 4 ص 287، السلوك ج 2 ص 13، تذكرة النبيه ج 1 ص 264.

(2)

هو: على بن هبة الله بن سلامة اللخمى، المصرى، الشافعى، بهاء الدين أبو الحسن ابن الجميزى، المتوفى سنة 649 هـ/ 1251 م - المنهل الصافى، عقد الجمان ج 1 ص 57.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 261 رقم 3057، السلوك ج 2 ص 13.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 168، الدرر ج 3 ص 26 رقم 2512، أعلام النبلاء ج 4 ص 538، تذكرة النبيه ج 1 ص 267، السلوك ج 2 ص 13.

ص: 371

مات بالديار المصرية، ودفن بمقابر باب النصر، روى عن يوسف

(1)

بن خليل وغيره، وكان شيخا جليلا فاضلا.

الشيخ الحكيم الفاضل الأديب النحوى شهاب الدين أبو بكر

(2)

بن يعقوب ابن سالم الديرى الرحبى، المعروف بالشاعور.

مات فى أوائل هذه السنة ببلاد اليمن بقلعة تعز

(3)

، كان قد حصل مالا كثيرا، وحصل له إقبال من أهل اليمن، ومن صاحبها الملك المؤيد، وله التصانيف المفيدة.

الشيخ الإمام الزاهد أبو القاسم خلف

(4)

بن عبد العزيز بن محمد القبتورى الإشبيلى.

مات بمدينة النبى صلى الله عليه وسلم فى أوائل السنة، ومولده فى سنة خمسة عشر وستمائة، وله نظم ونثر، وفضائل كثيرة، فمن شعره.

ماذا جنيت على نفسى بما كتبت

كفى فياويح نفسى من أذى كفّى

ولو يشاء الذى أجرى علّى بذا

قضاءه الكفّ

(5)

عنى كنت ذا كفى

(1)

هو: يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله، محدث الشام الدمشقى، المتوفى سنة 648 هـ/ 1250 م - عقد الجمان ج 1 ص 45.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 501 رقم 1258.

(3)

«مات بقلعة مصر» - فى الدرر.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 2 ص 174 رقم 1652.

(5)

«لكف» - فى الدرر.

ص: 372

وله:

وا حسرتا لأمور ليس يبلغها

مالى وهنّ منى نفسى وآمالى

أصبحت كالآل لا جدوى لدىّ

وما ألوت جدّا ولكن جدّى الآل

الصاحب زين الدين أحمد

(1)

بن الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب الكبير بهاء الدين على بن محمد بن سليم، المعروف بابن حنا.

كان رئيسا كبيرا، فقيها شافعيا، ذا حرمة وافرة، ودين متين، وله فضيلة تامة فى العلوم الشرعية، روى الحديث عن سبط السلفى وغيره، مات فى صفر منها

(2)

ودفن فى قبر كان قد حفره لنفسه تحت رجلى الشيخ ابن أبى حمزة بالقرافة قبلى الحوش الظاهرىّ.

الصدر شرف الدين محمد

(3)

بن على بن محمد بن سعيد التميمى، المعروف بابن القلانسى.

مات بداره بقاسيون، ودفن به، وكان من بيت كبير، وورث أموالا كثيرة، وهو صاحب حمام الزهور بجبل الصالحية بدمشق، سمع فى صغره من السخاوى، والقرطبى، والعزّ بن عساكر، وابن مسلمة، وغيرهم، وهو خال المولى عز الدين بن القلانسى.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 168، الدرر ج 1 ص 302 رقم 727، النجوم الزاهرة ج 8 ص 215، تذكرة النبيه ج 1 ص 265، السلوك ج 2 ص 12.

(2)

«ليلة الخميس ثامن صفر» - السلوك ج 2 ص 12.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 4 ص 250 رقم 4092.

ص: 373

شمس الدين محمد

(1)

بن الصاحب شرف الدين إسماعيل بن أبى سعد الآمدى، عرف بابن التيتى.

مات بالقاهرة، جفلت به الفرس فوقع وتعلقت رجله بالركاب فتكسرت أعضاؤه، وحمل إلى منزله، فبقى قليلا ومات، وكان رجلا فاضلا؛ عارفا خبيرا، خالط الملوك والدول، وباشر المناصب الجليلة، وكان نائب دار العدل بالقاهرة، يقعد مع القضاة؛ وله سماع كثير من ابن المقير، وابن الجمّيزى، والكفرطابى، وغيرهم، ومات وله من العمر خمس وستون سنة.

شمس الدين محمد

(2)

بن الخطيب شمخ

(3)

بن ثابت العرضى، خطيب داريا.

مات بمدرسة سيف الدين السامرى بدمشق، سمع من والده، وغيره.

الشريف الأمير عز الدين جماز

(4)

بن شيحة الحسينى، صاحب المدينة النبوية.

مات فيها، وكان شيخا كبيرا، أضر فى آخر عمره، وقام بالأمر بعده ولده [348] الشريف ناصر الدين منصور

(5)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 168، الدرر ج 4 ص 6 رقم 3540، الوافى ج 2 ص 227 رقم 619، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 155، رقم 5253، شذرات الذهب ج 6 ص 11، تذكرة النبيه ج 1 ص 266، السلوك ج 2 ص 13.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 4 ص 76 رقم 3743، وفيه أن صاحب الترجمة توفى «فى رجب سنة 734 هـ» .

(3)

«شيخ» فى الدرر، وورد «شمخ» فى فهرس الدرر.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 168، زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 244 أ، المنهل الصافى ج 5 ص 18 رقم 861، مرآة الجنان ج 4 ص 239، الدرر ج 2 ص 75 رقم 1457، النجوم الزاهرة ج 8 ص 217، شذرات الذهب ج 6 ص 10، تذكرة النبيه ج 1 ص 265، السلوك ج، ص 13، كنز الدرر ج 9 ص 130.

(5)

توفى منصور بن جماز سنة 725 هـ/ 1324 م - المنهل الصافى.

ص: 374

الأمير ركن الدين بيبرس

(1)

الموفقى المنصورى، مات فيها

(2)

بدمشق، وظهر بعد موته بقليل أن مماليكه خنقوه وهو سكران

(3)

، وجرى فى ذلك فصول كثيرة، وادعى أولاد سنقر الأشقر أنه مملوكهم باق على ملكهم، فلم يثبت لهم ذلك.

الأمير سيف الدين بهادر سمز

(4)

المنصورى.

مات بأرض المرج، كان مع نائب السلطنة والأمراء فى الصيد، فدهمهم فى الليل طائفة من العرب فقاتلوهم، فقتل من العرب أكثر من نصفهم، ودخل سمز بينهم ولم يرجع عنهم، فضربه واحد منهم برمح فقتله، وحمل إلى قبر البيت فدفن هناك.

وقال ابن كثير: لما دهمهم العرب كان يرميهم بالنشاب ويقول: أنا بهادر دمشق، فرماه بعض العرب بحربة وقال: خذها، وأنا عصفور بن عصفور

(5)

، فقتله.

الأمير مبارز الدين سوارى

(6)

بن بركرى الجاشنكير الرومى، أمير شكار، توفى فى هذه السنة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 2 ص 43 رقم 1385، السلوك ج 2 ص 13.

(2)

«فى يوم الأربعاء ثالث عشرى جمادى الآخرة» - السلوك ج 2 ص 13.

(3)

«وهو سكران» بهامش المخطوط، وموضح موضعها بالمتن.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 2 ص 31 رقم 1359، السلوك ج 2 ص 14، النجوم الزاهرة ج 8 ص 217، وورد اسمه «بهادر تمر» فى البداية والنهاية ج 14 ص 34، «بهادر سمر» فى الدرر.

(5)

لم يرد هذا النصف فى المطبوع الذى بين أيدينا من البداية والنهاية.

(6)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 243 ب، السلوك ج 2، ص 13، النجوم الزاهرة ج 8 ص 217، الدرر ج 2 ص 275 رقم 1908.

ص: 375

الشيخ تاج الدين بن الرفاعى، شيخ الأحمدية بأمّ عبيدة من مدة مديدة.

وكان يكتب عنه إجازات الفقراء، توفى فى هذه السنة، ودفن هناك عند سلفه بالبطائح.

ص: 376

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السّنة الخامسة بعد السبعمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والسلطان، الملك الناصر محمد بن قلاون.

والخليفة: المستكفى بالله العباسى.

ونائب الشام: جمال الدين الأفرم، ونائب حلب: شمس الدين قراسنقر المنصورى.

‌ذكر من قدم من الرسل ومن غيرهم:

وفيها: وصل رسول الملك المؤيد صاحب اليمن، ومعه الهدية الثمينة من البهار والقنا والشاشات والتحف، فقومت هديته فكانت أقل قيمة من الهدايا الجارى بها عادة أبيه، فصدرت إليه الكتب الشريفة بالإنكار والتهديد والإغلاظ والوعيد، وأرسلت على يد بدر الدين

(1)

محمد الطورى أحد مقدمى الحلقة، فلم يصادف منه لما اجتمع به قبولا، ولا أعاد معه رسولا، فرجع بعد مدة

(2)

.

وفيها: وصل من بلاد التتار اثنان من أخوة المقر السيفى سلار. أحدهما بعد الآخر ببرهة يسيرة، وهما الأمير سيف الدين جبا، والأمير فخر الدين داود

(3)

، ووصلت والدته صحبة الأول، فقرّت عينه بجمع شمله، وحضور أهله بعد طول

(*) يوافق أولها يوم السبت 24 يولية 1305 م.

(1)

«ناصر الدين» - فيما سبق - انظر ص 354.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 244 أ.

(3)

انظر التحفة الملوكية ص 178.

ص: 377

الافتراق والإياس من التلاق، فإن له منذ فارقه أهله وانصدع شمله، من نوبة الأبلستين فى الدولة الظاهرية فى سنة خمس وسبعين وستمائة، ثلاثين سنة معدودة إلى هذه المدة المحدودة، فأتوه من شاسع البلاد، وبلغ بقربهم المراد، كما صنع الله ليوسف بن يعقوب، وابتهجت بجمعهم القلوب

(1)

.

قد يجمع الله الشتيتين بعد ما

يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

فأمّر كل منهم بطبلخاناة، وانتظم عقدهم جميعا، وعاد خبائهم منيعا

(2)

.

وفى كتاب اللطائف: كان وصول سيف الدين ووالدته وأولاده أولا فى العشر الأوسط من صفر، وبعدهم وصل داود فى العشر الأول من جمادى الأولى.

وفيها: وصلت رسل من جهة ملك الكرج إلى القسطنطينية لقصد الأبواب الشريفة، فجهز الأشكرىّ [349] معهم رسولا من عنده وأرسلهم، فوصلوا فى البحر إلى ثغر الإسكندرية، ومنها إلى الأبواب الشريفة

(3)

برسالة يسألون فيها أن تعاد إليهم كنيسة معروفة بهم بالقدس الشريف تسمى المصلّبة، كانت قد أخذت منهم منذ مدة، وبنى فيها مسجد بمئذنة، فأعيدت إليهم، وردّت ضالّتهم عليهم

(4)

.

وقال ابن كثير: وكان الشيخ خضر انتزعها منهم فى الدولة الظاهرية، وجعلها زاوية فأعيدت عليهم بمقتضى فتاوى العلماء، وأذن لهم فى الاستواء فى

(1)

انظر ما سبق ص 348.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 245 ب، 246 أ.

(3)

«السلطانية» فى زبدة الفكرة.

(4)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 246 أ، ب.

ص: 378

الركوب، وكانوا قبل ذلك يركبون عرضا من ناحية واحدة

(1)

.

وفيها: كان عود رسول البرشونى الواصل من جهته، وفخر الدين عثمان الأفرمى المجّهز فى صحبته، فلما خرجا من الأبواب الشريفة، ووصلا إلى الإسكندرية ركبا المركب، وعزما على الإقلاع، فتفاوضا مفاوضة أفضت إلى الخصام، فاستشاط الفرنجى غضبا، وطرح فخر الدين من المراكب إلى قارب الخيمة التى خرج من الميناء مشيعا للمركب على العادة، هو وغلمانه، ولم يعطهم شيئا مما كان معهم، وأقلع من فوره، فعاد المذكور إلى الثغر، وحضر إلى الباب العزيز خائبا مسعاه، مجدبا مرعاه

(2)

.

وفيها عاد علاء الدين [أيدغدى

(3)

] الشهرزورى رسول المرينى من الحجاز، وجهّز إلى بلاد المغرب، وجهز صحبته الأمير علاء الدين أيدغدى التليلى، وعلاء الدين أيدغدى الخوارزمى، وصحبتهم ما يليق من الهدايا النفيسة والتحف الثمينة، وسيّر صحبتهم خمسة عشر تتريّا من المأخوذين فى وقعة مرج الصّفّر، وخمس مماليك أتراك، وغير ذلك

(4)

.

وفيها: وصل إلى دمشق رسل خربندا، ومعهم صدر الدين المالكى الخطيب رسول المسلمين، فأقاموا بدمشق يومين وتوجهوا إلى الديار المصرية.

(1)

لا يوجد هذا النص فى حوادث سنة، 7 هـ فى البداية والنهاية (المطبوع) الذى بين أيدينا.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 246 أ.

(3)

[] إضافة للتوضيح من زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 244 أ.

(4)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 244 أ.

ص: 379

‌ذكر من أنعم عليه بوظيفة أو إمرة أو أفرج عنه:

وفى أول المحرم: باشر القاضى جلال الدين

(1)

القزوينى الحكم [بدمشق

(2)

] نيابة عن القاضى نجم الدين

(3)

بن صصرى.

وفيها: رسم للأمير سيف الدين بكتمر الحاجب أن يباشر شدّ دمشق، فامتنع من الدخول فى ذلك إلا بشروط، وكتب مطالعة، فعاد الجواب بما اشترطه، وأجيب إلى سؤاله.

وقال ابن كثير: تولى سيف الدين بكتمر الحسامى الحاجب بدمشق وشد الدواوين بالشام، عوضا عن شرف الدين قيران، واحتيط على قيران المذكور

(4)

.

وفيها: رسم للقاضى شمس الدين محمد

(5)

بن إبراهيم بن سليمان الأذرعى بقضاء الحنفية بالشام، عوضا عن شمس الدين الحريرى.

وفى شهر جمادى الآخرة: أمّرت جماعة بدمشق وأقطعوهم جبال الجرذيين والكسروانيين وهم: علاء الدين بن معبد البعلبكى، وسيف الدين بكتمر عتيق بدر الدين بكتاش أستادار حسام الدين لاجين، وعز الدين خطاب العراقى،

(1)

هو: محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزوينى، قاضى القضاة جلال الدين، أبو عبد الله، القزوينى الشافعى» قاضى قضاة دمشق» ثم الديار المصرية، المتوفى سنة 739 هـ/ 1338 م - المنهل الصافى

(2)

[] إضافة للتوضيح من السلوك ج 1 ص 14.

(3)

هو: أحمد بن محمد بن سالم، قاضى القضاة نجم الدين أبو العباس الدمشقى الشافعى، الشهير بابن صصرى، المتوفى سنة 723 هـ/ 1323 م - المنهل الصافى ج 2 ص 97 رقم 264

(4)

لا يوجد هذا النص فى البداية والنهاية (المطبوع) الذى بين أيدينا.

(5)

توفى سنة 712 هـ/ 1312 م - المنهل الصافى.

ص: 380

وركبوا بالشرابيش

(1)

، ثم بعد ذلك توجهوا لأجل عمارة الجبال وحفظ ميناء البحر من جهة بيروت وتلك النواحى.

وفيها: قصور الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح الصالحى من الكبر وعجز القدرة، وسأل الإعفاء من الخدمة، فأجيب إلى سؤاله، وارتجع إقطاعه إلى الخاص السلطانى، وأضيفت أجناده الى الحلقة المنصورة.

وفيها: أفرج عن الأمير سيف الدين الحاج بهادر

(2)

السلحدار» وأعطى إمرة بدمشق» فسافر إليها.

‌ذكر غزوة سيس:

وفيها: جرّد الأمير شمس الدين قراسنقر المنصورى نائب حلب عسكرا إلى بلد سيس ليغيروا عليها، وذلك أن صاحبها أخرّ حمل المال المقرّر عليه، وقطع القطيعة، فتوجه العسكر المذكور صحبة سيف الدين قشتمر الشمسى

(3)

، ومعه من أمراء حلب: شمس الدين آقسنقر الفارسى، وفتح الدين بن صبرة المهمندار

(4)

، وسيف الدين [350] قشتمر النجيبى، وسيف الدين قشتمر المظّفرى، ومن معه من الحلقة والأجناد» فدوّخوا تلك البلاد، وشنّوا الغارة على الأرمن.

(1)

الشربوش: قلنسوة طويلة أعجمية، تلبس بدل العمامة، وكانت شارة للأفراد، وكان الشربوش يلبس عادة مع الخلع السلطانية - المواعظ والأعتبار ج 2 ص 99.

(2)

هو: بهادر بن عبد الله المنصورى، الأمير سيف الدين، المعروف بالحاج بهادر، المتوفى سنة 710 هـ/ 1310 م - المنهل الصافى ج 3 ص 436 رقم 712.

(3)

«أحد مقدمى حلب» - السلوك ج 2 ص 16.

(4)

المهمندار: لفظ فارسى مركب معناه: القائم على أمر الضيف وكان صاحب هذه الوظيفة يقوم بلقاء الرسل الواردين على السلطان، وينزلهم فى دار الضيافة، ويتحدث فى القيام بأمرهم - صبح الأعشى ح 5 ص 459.

ص: 381

وكان التتار المجرّدون ببلد سيس قد علموا بهم، وكمنوا لهم فى موضع مخرجهم، فلما رجعوا ونزلوا بأثناء الطريق خرجوا إليهم وصالوا عليهم، ودهموهم بغتة: ولما اقتتلوا قتل من المسلمين جماعة، وأسر الأمراء الأربعة المذكورين

(1)

، وجماعة من الجند وأرسلوهم إلى الأردو.

فلما جرت هذه الواقعة استشعر صاحب سيس الخور، وتحقق وقوعه فى الغرر، وأيقن أنه من السطوات الشريفة على خطر، فأرسل إلى الأمير شمس الدين قراسنقر رسلا يبدى الطاعة، ويذكر الإنابة، والقيام بما عليه من القطيعة، ويسأل الصفح والإغضاء والمسامحة والإعفاء، فوردت كتب المشار إليه إلى الأبواب العالية يعرض ذلك على الآراء الشريفة ويذكر ما التمسه المذكور ويستأذن فى هذه الأمور، فاقتضى الحال أن يجرّد عسكرا إلى حلب، ويكتب لصاحب سيس بأنه أجيب إلى ما طلب، فإن حقق قوله بفعله وحمل ما جرت عادته بحمله أعفى من الإغارة وكفى من الاستثارة، وإن سوف وتوقف كانت الجيوش قريبة من إرهاقه متمكنة من خناقه.

قال الراوى: فجرد أربعة آلاف فارس وجماعة من الأمراء والمقدّمين وأصحاب الطبلخانات والمئين صحبة الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح.

قال بيبرس فى تاريخه: وكنت فى المجردين، فرسم لى بالحديث معه فى تقدمة العسكر، وتدبير أحوال التجريد، وتلقى الوارد والصادر من البريد

(2)

، لأن

ص: 382

المشار إليه

(1)

كان قد مكن منه الكبر وخانه الثّقبان، السمع والبصر، فلم يكن يستبين شخصا، ولا يسمع لمخاطب نصّا، فتحدثت فى التقدمة وأسبابها، وحملت عنه جميع أتعابها، ولم أقطع أمرا دون عرضه عليه، وتوصيله إليه، رعاية لقد مته، وحفظا لسابقته. وكان فى التجريد من مقدمى الألف: الأمير جمال الدين الموصلى قتال السبع، والأمير شمس الدين الدكز السلحدار، وجماعة من الحلقة. وكان الخروج من القاهرة فى منتصف شعبان من هذه السنة. ولما وصلنا غزّة أقمنا بها، وصدرت الكتب إلى الأمير شمس الدين قراسنقر معلمة له بذلك، فكاتب صاحب سيس يخبره بالصورة، وينذره بحركة العساكر المنصورة ويعرفه أنه إن بذل الطاعة والإنابة، وعجّل القطيعة قرين الإجابة، فإنه يوفر من المغزى الصائر، ويغنى من الغزو الثائر، وإلا فالعساكر تطأ بلاده وتستأصل طريفه وتلاده، فعند ورود هذه الرسائل عليه، أرسل يبذل الإذعان، ويلتمس تحقيق الأمان بالأيمان، ووصلت رسله إلى الأمير شمس الدين، فأرسلهم إلى الأبواب العالية، ونحن بظاهر غزّة نازلون، فاقتضى الحال عودنا، إذ قد حصل الغنى عن العنا، فعادت العساكر. وكان الرحيل من غزة آخر شوال، والوصول إلى الباب الشريف أول ذى الحجة، ولما وصل الأمير بدر الدين أمير سلاح إلى الأبواب العالية استعفى من الخدمة لأجل كبره [351] فأجيب إلى سؤاله، وقد ذكرناه عن قريب

(2)

.

(1)

المقصود الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى.

(2)

انظر ما سبق ص 381.

ص: 383

وقال ابن كثير

(1)

: لما جرّد هؤلاء الأمراء المذكورون إلى غزوة سيس، كان ولد قطلوشاه بأطراف بلاد الروم فى ثلاثة آلاف فارس، فأرسل إليهم صاحب سيس، وبذل لهم مالا جزيلا، وكان عنده جمع من الفرنج فاجتمعوا هم والتتار فى ستة آلاف فارس، فلما بلغ العسكر الحلبى اجتماعهم أشاروا على مقدّمهم قشتمر بالرحيل بالغنائم قبل أن يدركهم العدو، فلم يرجع إلى رأيهم وقال: أنا وحدى ألقى هذا الجمع، ففارقه بعض الأمراء فى نحو ربع العسكر، وساقوا تلك الليلة كلها فنجوا، وبقى بقية العسكر، فأدركهم التتار ومن انضم إليهم من الفرنج والأرمن، فانهزم العسكر الحلبىّ من غير قتال، وأسر التتار منهم الأمراء الأربعة المذكورين وجماعة من الجند، وأرسلوهم إلى الأردو، وسلم قشتمر فى جماعة ووصل إلى حلب، ثم إن صاحب سيس ندم وخاف العاقبة وكتب إلى نائب حلب يبذل له الطاعة والأموال ويسأل العفو، فكاتب النائب الملك الناصر فى ذلك، فأجيب إلى سؤاله، ثم جرى ما ذكرناه الآن.

‌ذكر قضّية جبال الكسروان:

قال ابن كثير

(2)

: وفيها توجهت العساكر الشامية إلى جبال الكسروان، وكان أهلها قد طغوا واشتدّت أذيتهم، وتطرقوا إلى أذى العسكر عند انهزامه فى سنة تسع وتسعين وستمائة، وتراخى الأمر وحصل الإغفال. فزاد طغيانهم وخرجوا عن الطاعة، فتوجه إليهم الشريف زين الدين بن عدنان، ثم توجه بعده تقى الدين بن تيمية، وقراقوش الظاهرى، ووعظوهم فلم يفد فيهم،

(1)

لم يرد هذا الخبر فى المطبوع الذى بين أيدينا من البداية والنهاية.

(2)

لم يرد هذا الخبر فى المطبوع الذى بين أيدينا من البداية والنهاية.

ص: 384

فعند ذلك رسم بتجريد العساكر إليهم من كل مملكة من الممالك الشمالية، فتوجه أقوش الأفرم من دمشق يوم الإثنين ثانى المحرم بالعساكر الشامية، وصحبته من الرجالة نحو خمسين ألفا على ما قيل، وتوجهوا إلى جبال الكسروانيين والجرذيّين، وطلع إليهم سيف الدين أسندمر النائب بطرابلس من أصعب المسالك، واجتمعت عليهم العساكر من الرجال والتراكمين الأبطال، فأبادوهم قتلا وتشتيتا فى البلاد، وسبيت نساؤهم، وبيعت أولادهم، واستخدم أسندمر المذكور منهم جماعة بطرابلس، وانقطع أثرهم من الجبال، وعاد العسكر إلى دمشق، وقتل فى هذه الوقعة الأوحد ابن الملك الزاهر، أحد أمراء دمشق، وعاد الناس إلى دمشق فى رابع صفر.

‌ذكر مهلك قطلوشاه نائب خربندا ملك التتار:

قال بيبرس فى تاريخه: وفيها هلك قطلوشاه نائب قازان، وكان قد استقر به خربندا على قاعدته، وجرّده إلى بلاد كيلان لقتال الأكراد والغارة على تلك البلاد، فسار إليهم، وقد حشدوا واستعدوا، فخرجوا للقائه، واقتتلوا معه، فكانت لهم النصرة وعليه الكسرة، فعلت كلمتهم لأنها كلمة التوحيد، وتبدّد التتار أى تبديد، وقتل قطلوشاه فى الوقعة

(1)

.

قلت: وكان السبب فى تجريد خربندا نائبه قطلوشاه إلى بلاد كيلان ما بلغه عنهم أنهم على مذهب يخالف مذهب المسلمين، فقال: لا بد لى أن أبعث إلى

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 246 ب، التحفة الملوكية ص 178، وانظر أيضا نهاية الأرب ج 27 ص 417.

ص: 385

كيلان وأطلب أكابرهم وأجمع بينهم وبين فقهاء تبريز، فيبحثون معهم فى عقيدتهم، فإن لم يظهر لها صحة ضربت أعناقهم، فكتب [352] إلى ملوك كيلان، وكانوا سبعة عشر ملكا، وكبيرهم الذى يرجعون إليه يقال له: نوبرشاه، فلما وصل إليه رسول خربندا وناوله الكتاب وقرأه. قال: من أين لخربندا معرفة بهذا الأمر؟ فسألوا الرسول

(1)

عن ذلك. فقال: قد بلغ الملك من الشيخ براق، وهو شيخ يعتقد فيه الملك اعتقادا عظيما بأنكم على مذهب شخص من أهل دمشق يقال له: ابن تيمية، وقد وقع عليه الانكار من المسلمين، وقد ذكر عنكم أنكم مجسّمون، وأن مذهبكم بطال، وما أنتم على شئ من الدين.

ولما سمعوا بذلك جمعوا فقهاءهم وأخبروهم بهذا الخبر. فقالوا: أىّ من راح منا أو منكم إلى خربندا يقتل بلا خلاف لأن فقهاءهم لا يرجعون إلينا، فأىّ شئ يذكر لهم يردّونه، ثم يفتون فى إباحة أرواحنا وأموالنا. فقال نوبر شاه:

ما الحيلة فى ذلك؟ فقالوا: نحن نكتب عقيدتنا ونسيّرها إليهم ونقول: هذه عقيدتنا ما نعتقد بشئ غيرها. فقال لهم نوبرشاه: افعلوا ذلك.

فخرجوا من عنده وكتبوا بعد البسملة: اعلم أيها الملك العظيم الشأن، صاحب الأقاليم والبلدان، أنا نحن قوم منقطعون فى هذه البلاد، وقد نقل عنا بأنا مجسمون، فنعوذ بالله من ذلك، ونحن نرى بأن من يجسّم ماله توبة عندنا، وليس حده إلا القتل، وأما ما ذكره الملك من أمر حضورنا وتمثلنا بين يديه لنبحث مع الفقهاء، فالملك لا يخفى عليه أن ضد كل أحد من جنسه، ونحن فى هذه البلاد نتسبّب ولا نتاول شيئا فى الجوامك

(2)

، وجميع فقهاء بلادكم أصحاب

(1)

«عن الرسول» - فى الأصل.

(2)

المقصود: أن لهم أعمال يتكسبون منها، وليست لهم رواتب.

ص: 386

الجوامك، وأكثرهم يتناولونها بغير استحقاق، فنحن نرى بحرمة هذا، بل فيهم أناس بلغنا أنهم يتناولون من المكس ومن المظالم، فمن هذا الوجه بيننا وبينهم نزاع، فإذا بحثنا معهم لا ينصفوننا، وأما عقيدتنا فهذه، وكانوا كتبوا عقيدة على طريقة أهل السنة والجماعة كما هى المذكورة فى الكتب.

فعاد رسول خربندا بذلك، فلما وقف عليه ازداد غضبا فقال: لا بد من إحضارهم، فأرسل رسولا آخر، فلما حضر قال له نوبر شاه: ارجع من حيث أتيت، فما عندنا أحد يروح، وأنتم قوم تتار، فإش تعرفون من أمور الدين، فإن كان قصدكم خراب البلاد فافعلوا. فقال الرسول: إن لم تسمعوا كلام الملك يأتى إليكم بنفسه بعساكر المغل جميعها، فيخرب البلاد، ويسفك الدماء، ويسبى الحريم والأولاد. فقال له نوبر شاه: افعلوا ما شئتم.

فرجع الرسول وأخبر خربندا بذلك، فغضب غضبا شديدا، وطلب نائبه قطلو شاه وأخبره بالخبر، ثم جمع أمراءه وأمرهم بالتجهيز، وكان قد سيّر جوبان إلى ناحية باب الحديد، ولما جمعت عساكره ولم يبق إلا الرحيل تقدم إليه وزيره رشيد الدولة وقال: أيدّ الله القان، هذا الأمر الذى عوّلت عليه لم يعول عليه أحد من القانات، فهذا الذى تفعله يخرّب بلادك، ويضعف أجنادك، ويجعل لك عدوّا فى وسط بلادك، والصواب أن تبطل هذا الرأى، فإن كان قصدك أهل كيلان فأنا أحضرهم إليك، فقال: لا بدّ لى من الدخول إلى بلادهم على كل حال، فسكت رشيد الدولة وركب عدو الله فى عساكره، ومعه أمراء التوامين والألوف، وكان أشدّ المغل حنّقا على أهل كيلان قطلوشاه.

ص: 387

ولما نزلوا على مكان، كان بنى به مدينة، فأقاموا هناك ثلاثة أيام، وجرد عساكره [353] فكانوا سبعين ألفا، ثم أرسل إلى جوبان وهو فى ناحية باب الحديد وأمره أن يجوز إلى كيلان، ويضع فيهم السيف ولا يرفعه عنهم حتى يفنيهم، ثم هم أن يركب من هذه المنزلة تقدم إليه أمراء الألوف وقطلوشاه معهم. فقالوا له: يا خوند إش هؤلاء؟ أوباش العجم، حتى تذهب إليهم بنفسك وتقلّ حرمة المغل بذلك - فقال: من يشفينى فيهم فى هذه النوبة؟ فقال قطلوشاه: أنا أذهب إليهم وأخرب ديارهم، وأقتل رجالهم، وأسوق إليك نساءهم وأولادهم، فلما سمع بذلك خربندا قال: أخاف عليكم أن يجرى مثل نوبة مرج الصفّر. فقالوا: يا خوند ليس هذا مثل ذلك، فإن هؤلاء ناس أعجام

(1)

أوباش، لا قدر لهم ولا قدرة، ولا لهم عسكر، فعند ذلك أمر قطلوشاه أن يأخذ أمراء التوامين ويسير، وأوصاه أن لا يبقى على كبير ولا على صغير، فسار قطلوشاه طالبا بلاد كيلان.

وبلغ ذلك أهل كيلان، فوقع فيهم صائح بذلك، وبلادهم كلها جبال وأودية ودربندات وعرة ما يقدر أحد أن يسلكها إلا بمشقة عظيمة، واجتمع أهلها مع ملوكهم وحصّنوا الدربندات، واجتمعوا كلهم فى مكان واحد، وكان أمر ملوكهم وغيرهم يرجع إلى ثلاثة أنفس، وهم: نوبرشاه ودوباج وزكايزن، فتشاوروا فيما بينهم، واتفقوا على أن يسيّروا جواسيس، وقالوا:

إن قصدونا من رأس الدربند نزلنا إليهم، وربما يقع الصلح بيننا وبينهم لأنه لا قدرة لنا معهم، فسارت الجواسيس وغابوا أربعة أيام، ثم حضروا وأخبروا أن المغل وصلت إلى رأس الدربند وهم فى جمع عظيم قد سدّوا تلك الأراضى،

(1)

هكذا بالأصل.

ص: 388

فحصل لهم فزع وخوف، فقال لهم دوباج: يا قوم أنتم تعلمون أن بينى وبين قطلوشاه صحبة عظيمة، وله عندى لباس فتوة، فإن رأيتم أن أسيّر إليه ولدى ومعه شئ من الهدية، ويدخل عليه، فلعله أن يردّ هذا العسكر عنا، ومهما أرادوا نحمل إليهم، فاستصوبوا ذلك منه، ثم جهز ابنه ومعه عشرة من أكابر كيلان، ومعهم هدية سنية، ولما وصلوا إلى رأس الدربند لاقاهم طوالع قطلوشاه. فقالوا لهم: نحن رسل ملوك كيلان فحملوهم إلى قطلوشاه، فتقدم ابن دوباج وقبّل الأرض، وقدم ما معه من الهدية، ثم قال: إن والد المملوك يقبل الأرض بين يدى النوين، ويذكر أن بينكم وبينه صداقة ومودة، ويسألكم أن تكونوا سببا للصلح نظرا فى حال المساكين أهل كيلان، وهؤلاء أكابرهم، وقد أحضرتهم بين يديك، فافعل فيهم ما شئت. فقام هؤلاء ودعوا له ولخربندا وتحدثوا، فقال لهم: ما الذى تريدون؟ فقالوا: نريد أمان القان على حريمنا وأولادنا، وكل ما يطلبه القان والنوين يحمله، وندخل تحت ما يرسم به، فعند ذلك ضحك قطلو شاه اللعين وقال: هيهات هيهات، فأمر بضرب رقبة ابن دوباج، فضربوا رقبته، ثم علقوا رأسه فى رقبة واحد من هؤلاء العشرة، وكان من فقهائهم، وقال لهم: روحوا فى أسرع وقت وقولوا لهم: يحضر الجميع بأولادهم ونسائهم وملوكهم حتى نحضرهم بين يدى القان، فمن شاء قتله ومن شاء أبقاه وأخذ كل ما كان معهم، ثم شيّعهم، فخرجوا ولا يصدقون بالنجاة.

ولما وصلوا قصوا بقصّتهم، ولما علين دوباج إلى رأس ابنه قامت عليه اليقامة، وحزن على ولده حزنا عظيما [354] ووبّخ نفسه على إرساله ولده، ثم أقسم بالله وبالنبى صلى الله عليه وسلم أنه إن مكّنه الله منهم لأنزل بهم ما يتحدث به الركبان فى كل زمان ومكان.

ص: 389

وكان له أخ يسمى جوان يغير ما يشاء على بلاد العجم، أشد بأسا منه والأكثر شجاعة. وكان مغرما بتواتر الغارات على بلاد الكرج، وكان له مدة شهر غائبا فى بلاد الكرج، وكان دوباج متعلقا بسبب غيبته، وكان يتمنى أن يكون عنده ليلاقى به التتار.

وأما باقى ملوك كيلان فقد ضعفت قلوبهم، وتشاوروا فيما بينهم، وقالوا ما لنا قدرة بهؤلاء العدو، وقد عجز عنهم سلطان مصر وجيشه، فاتفقوا كلهم على النزول إلى قطلو شاه إلا اثنان منهم عارضا بذلك، هما: دوباج وزكايون، فإنهما قالا: لا سمع ولا طاعة، ولا نبدل إيماننا بكفر ونحن قط ما رأينا ولا سمعنا بعبور التتار إلى بلادنا، وعندنا سناجق الخليفة، ونحن على إيمانه وعهوده، ومن قال غير هذا ما نسمع منه، فمال إليهما أكثر أهل كيلان. وشجعان الرجال، ومن فى رأسه نخوة الإسلام، والفقهاء، والعلماء.

ولما مضى ذلك النهار وأقبل الليل ركب نوبرشاه؛ وأخذ أصحابه، وسار بهم يطلب قطلو شاه. ولما أصبح دوباج لم يجد إلا زكايون لا غير، والبقية راحوا إلى التتار، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، راحت والله البلاد منا، وصعدت أكثر الناس إلى الجبال والمواضع المنيعة، وتحصنوا فيها.

وركب دوباج وزكايون. وأخذا معهما الفقهاء وأهل بلادهما، وكان هؤلاء أصحاب البلاد الجوانية من كيلان على جانب البحر، فتشاوروا فيما بينهم. وكانوا جماعة كثيرة. وقالوا إذا كان هؤلاء قد وطنوا أنفسهم إلى الذلة فنحن ما نقدر على ذلك، وكانت لهم فى ساحل البحر مائة مركب. فنقلوا إليها أولادهم ونساءهم وما يعز عليهم من أموالهم، وأوسقوا بها المراكب. وقالوا، إذا رأينا

ص: 390

التتار تدخل إلى بلادنا وملوكوها ركبنا فى المراكب. فاتفقوا على ذلك، ولكن فى قلب دوباج نار بسبب غيبة أخيه.

ثم سيروا كشافة إلى رؤوس الجبال، وهم فى ذلك، فإذا أخو دوباج قد وصل، ومعه أصحابه - ورفقته، ومعهم غنائم كثيرة، فلاقى أخاه، وهو يبكى وينوح لأجل ولده، وأظلمت الدنيا فى وجهه بسبب ذلك، وغضب على أخيه على تسييره ولده إلى قطلو شاه الكافر الظالم، وقال: وإش هذه المراكب الموسوقة، فأخبروه بحكايتهم، فلما سمع بذلك، قال: والله العظيم لقد كان فى قلبى من هؤلاء الكلاب من سنة عبر قازان إلى بلاد الشام، وقال لأخيه: وكم مرة أردت الغارة على بلادهم، وتمضى أنت! ويلك إذا هربنا من أعداء الله ورسوله، فأين الإيمان؟ وأين الإسلام؟ ثم إنه جمع رجاله، وكانوا سبعمائة فارس مجردين لخوض البلاد، وكان قد جعل عليهم مقدما يسمى توكل، رجل طويل، عريض الهامة، معجر الوجه

(1)

، مكسر الأبدان، عريض القلال، وافى النيبال، صاحب زنود عريضة، وأعضاد قوية، فقال له: يا توكل خذ أصحابك وسيرهم إلى رأس الدربند، فاكشفوا لنا خبر هؤلاء الكلاب، ولا تنزل من مكانك وإن جاء قطلو شاه، ثم أرسل وأعلمن بذلك، فقال له: السمع والطاعة، فسار من ساعته، وثبت قلوب الناس من الغم، وقال: كونوا مكانكم فوحدى ألتقى أعداء الله، وسوف ترون منى [355] ومنهم العجب.

وسمعت أهل تلك البلاد بقدوم جوان شير، فأتت الناس من جميع الجهات ثم كتب كتبا إلى جبال اللكزية والقيدية، وكان بينه وبينهم هدنة ومصاحبة،

(1)

معجر الوجه: أى ممتلئ الوجه - انظر مادة عجر - لسان العرب.

والمقصود بالصفات المذكورة بالمتن: أن هذا الرجل ضخم الجثة.

ص: 391

وقال لهم: هؤلاء العدو قاصدون إلينا، وأنتم تعرفون أن آباءنا وأسلافنا قط ما أطاعوا التتار، فإن هؤلاء قوم ما يحبون إلاّ الفساد وهتك حريم الناس، فإن تخليتم عنا أخذونا، ثم عبروا إليكم، ولما وقفوا على كتبه وكان مقدمهم يومئذ شخص يقال: أمير حاج ابن ناجى. قال: والله ما نقعد عن نصرة جوان شير، فإن له علينا أيادى كثيرة.

فتجهزوا وساروا إليه فى جمع كثير، فلاقاهم دوباج، وأنزلوهم فى أعز مكان، وحملوا إليهم ما يحتاجون إليه من سائر الأشياء، ثم تشاوروا فيما بينهم فى أمر العدو. فقال جوان شير: قد رأيت رأيا فلا تخالفونى فيه. فقالوا: ما هو؟ فقال: يأخذ أمير حاج رجاله ويسير بهم، ويمسك لنا رأس الدربند، فإذا رآهم وقد دخلوا الدربند يعلمنا بذلك، فنقوم وندور من خلفهم ونقطع الطريق عليهم، فإذا رآنا وقد التقينا، وكان النصر لنا، لا يمكّن أحدا من الخروج. فقال دوباج: أنت تعلم إنك تكسر هؤلاء الجيش العظيم. فقال له: إما أكسرهم أو أموت، فلا أبالى بما يكون بعدى. فقال أمير حاج:

يا جوان شير إعلم أنى ما جئت إليك بهؤلاء الرجال إلا ونحن قد بايعنا الله على أنفسنا، فمونا بما تريد. فدعى لهم جوان شير، ثم ركب أميرها من وقته وسار بجيشه إلى الدربند، وكان جوان شير قد أوصى له بأنه إذا رأى أنا نحن كسرنا التتار لا يمكن أحدا من الخروج، وإن رأى أنهم كسرونا يذهب هو بمن معه إلى رءوس الجبال، ثم يذهب إلى بلاده.

وفى ذلك النهار وصلت إلى جوان شير أخبار من عند توكل: بأن أول العدو قد وصلوا إلى رأس الدربند، وهم معولون على العبور، وقد منعناهم، فألحقوا

ص: 392

بنا سريعا، أو ترسل إلينا وتعلمنا ماذا نفعل لأنهم خلق كثير. فلما سمع جوان شير بذلك طلب أخاه دوباج وزكايون وقال لهما: إنى قد عولت على أمر.

فقالا: ما هو؟ فقال: أسير إلى رأس الدربند بمن معى، وكان معه أربعمائة رجل، ومع التوكل ستمائة، فأضرب مع العدوّ رأسا فى الدربند فى آخر النهار، ثم أظهر لهم الإنهزام، فيتحققون منا الإنكسار ولا يتبعوننا من وجهين:

أحدهما: إقبال الليل وهجوم الظلام وهم لا يعرفون حال تلك الأرض.

والآخر: يستخفون بنا لقلتنا ويستحقرون شأننا، ثم آخذ أنا بقية الجيش الذين عند توكل ونطلب موضع مقدمهم، ويكون رجاله قد تفرقوا لأجل طلب الكسب، فآخذهم بعون الله تعالى. فقالوا له: أفعل ما بدا لك. فأخذ أربعمائة فارس، وسار بهم تحت الظلام فى تلك الليلة وصبيحة الغد، وأما توكل فإنه لما أصبح ثار عليه غبار حتى سدّ الدربند وعلا على عنان السماء، ثم انكشف عن خيل قد سدّت الأرض بكثرتها وأظلمت الدنيا من غبرتها.

ولما رأت المغل رجال العجم تقدمت كالعقبان، وصاح توكل على رجاله فكبروا، وذكروا النّبى صلى الله عليه وسلم، ثم حملوا، ورشّت المغل السهام عليهم كالمطر، واختلطت الخيل بالخيل، فصار النهار كالليل، وكان مقدم هؤلاء المغل شخص يقال له: دمندار، فلما رأى ما حل بهم من العجم نبه رجاله، وصرخ [356] فى إبطاله، فحملت المغل حملة رجل واحد، فبينما هم فى الحرب الشديدة، إذ وصل من المغل تومان مع شخص يسمّى نوين رمضان، فرأى الحرب فى عمل عظيم، فعند ذلك تأخرت العجم وقد كثر عليهم الرجال، ولما رأى ذلك توكل كشف رأسه وزعق: إلى أين يا لئام؟ تسلمون البلاد إلى هؤلاء الأوغاد؟ أما لكم نخوة الكرام؟، ثم نادى: يا لدين محمد صلى الله عليه وسلم،

ص: 393

فحمل، فعند ذلك تراجعت العجم كأنهم أسود قد خرجت من الآجام. فلله درّ توكل فى ذلك اليوم، لقد قاتل قتالا شديدا، ما رأت الراؤون مثله، ولا سمعت السامعون نظيره، ولقد قاتل بستمائة فارس مع عشرين ألف فارس من أول النهار إلى آخره، ولما أمسى الليل تأخرت المغل وخرجوا من الدربند، ونزلت العجم مكانهم.

ثم افتقد توكل أصحابه، فوجد مائة نفس عدموا، وجرح أكثر البقية، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، أفغدا لا يبقى معى أحد، فأرسل تلك الليلة فارسا يعلم جوان شير إن لم تلحقنا لا يبقى منا أحد، فلما علم بذلك جوان شير أسرع فى السير حتى وصل إليهم فى آخر الليل، ولما رآهم على تلك الحالة ضاق صدره إلا أنه أضمر ذلك فى نفسه، فشرع يثبّت قلوبهم ويشجعهم.

ولما أشرق الصبح، ركب ورفع على رأسه السناجق، ودقت الطبول، ونفخ فى البوقات، وصاحت العجم، ورأى الترك ذلك فعلموا أن مددا جاء لهم، وكان قطلو شاه قد وصل إلى رأس الدربند، فلما رأى المغل على تلك الحالة استعجزهم فقال: إش هؤلاء العجم حتى طولتم هذا المقدار، فقالوا: يا نوين والله لقد قاسينا منهم أمس ما قاسينا يوم مرج الصفّر. فضحك قطلو شاه من ذلك ثم أمرهم بالحملة، ولما رأت العجم ذلك أعلنوا بالتكبير والتهليل، ثم حملوا وتصادموا فى وسط الدربند، وتقدم جوان شير، وعمل بالمغل حتى أيقنوا بالهلاك، وخيّل لهم أن قد نزل عليهم من السماء عذاب، ولكنهم يستطيلون لكثرتهم، وتخبلت العجم أيضا، فلما رأى جوان شير ذلك مزّق درعه، ورمى خوذته عن رأسه، وصرخ: يا لدين محمد! إلى أين تفرون يا بنى الأندال وتتركون

ص: 394

حريمكم وأولادكم إلى أعداء الله ورسوله، فلله درّ فارس ما أجرأه، وسيد بأمور الحرب ما أخبره وأدراه، فلقد زلزل المغل عن مكانهم، وأنزل بهم الويل والثبور، ومن خلفه أولاد أخيه وهم ينادون: يا لثأرات أخينا الذى قتله قطلو شاه حين راح إليه فى الرسلية لأجل الاصطلاح، كما ذكرنا.

ولقد أخبر من حضر هذه الوقعة أن جوان شير غير فى ذلك اليوم عشرة أروس

(1)

من الخيل. وكلما رجع لأجل تغيير الفرس يتزاحم أصحابه فى الهروب إلى الخيام، فإذا رجع هدر كالأسد فيرجع أصحابه إلى الحرب، ففى أقل من ساعة أخرج المغل من الدربند، فنظر إلى ذلك قطلو شاه فكفر ونحر وعتى وتجبر، ثم حمل بمن معه وكان آخر النهار، ولما رأى جوان شير ذلك، قال لأصحابه:

انقلعوا من بين أيديهم لأن الليل قد أقبل، وأكون أنا خلفكم، فتقلعوا وخرجوا من الدربند، وصاحب المغل [357] وراءهم من سائر النواحى، وتبعوهم، وقالوا: لو حمل قطلو شاه من أول النهار ما وقفت العجم ساعة واحدة، وانقطع جوان شير من خلف العجم ومعه جماعته الخواصّ، ورأى ذلك أمير حاج بن ناجى مقدم اللكزية من رأس الدربند وقال: والله ما بقى تقوم لهم قائمة، وروحوا بنا فى رءوس الجبال. وأما المغل فإنهم لا زالوا خلف العجم إلى دخول الليل، ورجعوا إلى قطلو شاه، وكان نازلا فى رأس الدربند من داخل، وقالوا له: إنا لم نزل سعيا وراء العجم حتى أظلم علينا الليل، ففرح قطلو شاه فرحا عظيما، وقال: إلى أين تذهبون؟ والله لا أبقى منهم أحدا لا صغيرا ولا كبيرا.

ثم إنه بات مكانه فى تلك الليلة إلى الصباح، فلما أصبح ركب وسار يطلب كيلان وبلادها، فنظر إلى المدينة وإلى رستاقها وما فيها من الأموال والخيل

(1)

أروس: رأس - رؤوس - انظر المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية ص 12.

ص: 395

والأبقار والأغنام، وكان دوباج نادى فيهم بأن يتركوا أموالهم وأولادهم ويحفلوا بأنفسهم فقط، فلما عاين قطلوشاه ذلك قال لأصحابه: والله لقد رابنى أمر العجم، وأخاف من ردهم علينا. فقالت له الأمراء: وكيف يكون ذلك؟ فقال: لأنهم ما حصنوا أموالهم ولا أولادهم، وأخاف أن تكون ذلك مكيدة كانوا قد دبروها حتى نشتغل وتنصرف عسكرنا، ثم يرجعون إلينا. فضحك دمندار وقال: أطال الله عمر النوين، ومن أين للأعجام هذا الفهم؟ وهم مثل البقر السارحة، غير أنهم أرادوا النجاة لأرواحهم وتركوا أموالهم وأولادهم، فعند ذلك تفرقت المغل فى البلاد والشعاب والأودية والتلال فى طلب الكسب، فحاشوا أموالا لا تعد ولا تحد، ولم يبق عند قطلوشاه إلاّ اليسير من المغل، والباقى تفرقوا فى طلب الكسب.

وكان جوان شير لما انكسر أرسل إلى أمير حاج بن ناجى أمير اللكزية:

لا يهولنكم ما جرى علينا، فنحن هربنا من بين أيديهم مكرا منا وحيلة دبرناها لعل الله أن يجعل فيها دمارهم، فاحفظوا أنتم الدربند، وانظروا منا العجب، ولما سمع أمير حاج هذه الرسالة قال للرسول: والله لولا وصولك إلينا فى هذه الساعة لعولت على المسير إلى بلادى.

وأما جوان شير ودوباج وزكايون فإنهم قد جمعوا العجم، فكان فرسانهم ألفين وخمسمائة، ومشاتهم ثلاثين ألف راجل، وقد بايعوا الله تعالى وتحالفوا بالله الذى لا إله إلا هو أنهم لا يولون من بين أيدى المغل ولو يبقى واحد منهم.

ثم أن جوان شير أرسل كشّافة يكشفون الخبر فقال لهم: إذا رأيتم قطلوشاه قد وصل إلى مرج الجاموس تعالوا اعلمونى بذلك. فسارت الكشافة، وإذا

ص: 396

قطلوشاه مع عسكره قد أشرفوا على المرج، فعادوا فى الحال وأعلموا جوان شير. فقال جوان شير: الحرب خدعة فما ترون فى أمر الكبسة على هؤلاء بالليل؟ فقالوا له: افعل ما بدالك، فركب وركبت العساكر، وساروا على طريق ليس فيه ديدبان قطلوشاه، فساروا بين جبال شامخات، وأماكن وعرات، وآجام وغابات، ومع ذلك هم خبيرون بتلك الأراضى لأنها أرضهم، ثم قال لهم جوان شير: يا قوم قد قربنا منهم ولم يبق بيننا وبينهم [358] إلا هذا الجبل، والرأى عندى أن تنزلوا وتستريحوا، وتريحوا خيولكم إلى آخر الليل، وفى وقت السحر فى الغلس نكبسهم فنزلوا.

وقال جوان شير: أنا أروح وأكشف هؤلاء، فمنعوه ولم يسمع منهم، فأخذ معه جماعة ممن يثق بهم ويتكل عليهم فى الشدائد، وساروا وهم مشاة، فصعدوا إلى ذلك الجبل، ثم نزلوا إلى مرج الجاموس، فإذا هم نازلون فيه، وهم آمنون مطمئنون، وخيولهم سارحة، فدار جوان شير مع أصحابه حولهم. فقال: القوم نحو ثلاثين ألفا والباقى تفرقوا فى طلب الكسب، ثم رجعوا إلى أصحابهم فقال لهم: قوموا ندهمهم قبل إسفار الصبح. فقاموا وركبوا، وساروا غير بعيد، فإذا بصياح من خلفهم يقول: قد دهمت الخيل من ورائنا فقال دوباج:

قد عملت التتار علينا الحيلة وسبقونا إلى ما قد دبرناه. فقال لهم جوان شير:

سيروا أنتم هوينا وأنا أرجع وأكشف لكم هذا. فأطلق عنان جواده وطلب المكان الذى سمع منه الصياح، فلما قرب منه سمع صهيل الخيل وزمجرة الفرسان وقعقعة السلاح. فقال: هذا والله عسكر لا محالة وهلكنا لا محالة. فأنصت إليهم وإذا هم يتحدثون بالعجمى ويقولون: ما نظن أن نلحق بجوان شير لأنه

ص: 397

رجل مقدام على البلاء وربما يكبس الكفرة من قبل وصولنا إليه، فناداهم جوان شير بالعجمى: من أنتم رحمكم الله؟ فأنا جوان شير. فلما سمعوا به تسابقت إليه الفرسان وفى أوائلهم نشاوور الششترى صاحب مازندران، وهم أربعة آلاف فارس كأنهم الأسود العوابس، وقد أتوا إلى نصرة جوان شير، فلما تلاقوا اعتنقوا على ظهور الخيل وساروا يطلبون دوباج وزكايون، فتلاقوا واعتنقوا وفرحوا ولم ينزلوا، بل ساروا من وقتهم فأشرفوا على أعداء الله وهم على الحالة التى خلاّهم جوان شير - ولهم - يزك من ناحية كيفان ففرق جوان شير أصحابه حولهم من الخيالة والرجالة، وقال لهم: لا تخرجوا حتى تسمعوا النفير وقد ضرب، فكل منهم يحرك كوسانه ويخرج من مكانه، ودوّسوهم بسنابك الخيول.

ففعلوا مثل ما قال، وصرخوا صرخة واحدة وقالوا: الله أكبر فتح الله ونصر.

قال: فنادتهم الجبال والأشجار، فخيل للمغل بأن السموات قد انطبقت على الأرض، وثأر قطلوشاه وقد طار فؤاده، ثم قال: حسبت هذا الحساب، ونطّ على ظهر جواده، وكان هذا الجواد لا يبرح واقفا فى النوبة، فلما ركب صرخ فى مماليكه وأتباعه وقال: لا تفارقونى وإذا هو بدمندار ورمضان نوين وسيباوجى ونوينات المغل وأمراؤها وقد أقبلوا إلى قطلوشاه، فلما رآهم وقد اشتد ظهره، وقال لهم: ماذا ترون فى هذه الحيلة التى تمت علينا؟ فقال سيباوجى: اعلم أنهم عملوا شيئا، وما تم معهم. فقال له: وكيف العمل؟ فقالت الأمراء:

ها نحن قد اجتمعنا عليك والآن يلوح الضوء فنأخذهم على رءوس الرماح والمرهفات الصفاح. فقال لهم دبندار: إش هذا الكلام والله ما يصبح الصباح إلا وعسكرنا على الأرض وهم أشباح [359] بلا أرواح. وهم فى الكلام فإذا العجم قد

ص: 398

صرخت كالأسود «

»

(1)

فكشف جوان شير رأسه وحمل، فحملوا معه حملة الأسود على فرائسها.

وبينما قطلوشاه فى جماعته وأصحابه، وهو يحرضهم على القتال، إذ هجم عليه جوان شير وضربه ضربة صادقة، فوقعت الضربة على بيضته

(2)

فغدتها نصفين وقطعت أذنه، وحافت رأسه ووجهه، فصاح وصرخ، وقال: أيها الفارس لا تعجل علىّ فأنا قطلوشاه، فانتظر وأعطيك ما شئت، فلم يلتفت إلى كلامه، وجذبه، وأخذه أسيرا، وقاده حقيرا، ووصل نشاوور إلى دمندار، وضربه « ..... » من حديد

(3)

فأرماه، وأخذه أسيرا، ووصل دوباج إلى ابن قطلوشاه، وهو هارب، فقال له: إلى أين يا لئيم ابن اللئيم، فأنا الذى أقتلك لآخذ ثأرى، وأقر عينى، ثم أخذه أسيرا، فعند ذلك عملوا السيوف فى المغل، وقتلت منهم جماعة لا تحصى، والذين هربوا وأتوا إلى الدربند فوجدوها [360] مسدودة، كما ذكرنا.

وكان قطلوشاه لما عبر بعساكره أخلى الدربند، وكان أمير حاج نزل إليها فى اللكزية، وسدّوها بالأحجار والأخشاب « ...... »

(4)

.

وهرب جماعة من المغل. ودخلوا الدربند، والعجم مشغولون بالقتال والأسر، فلحقهم نشاوور وجوان شير على مسيرة يوم. ثم عادوا والمغل معهم أسارى فى القيود.

(1)

يوجد عشرون سطرا مطموسة بحيث يصعب متابعة النص.

(2)

البيضة: غطاء حديد واق للرأس أشبه بالخوذة، وتلبس على البيضة العمامة أو القلنسوة - صبح الأعشى ج 2 ص 142.

(3)

« .... » موضع كلمة غير مقروءة.

(4)

« .... » يوجد بالأصل نحو سنة أسطر مطموسة بحيث تصعب متابعة النص.

ص: 399

ثم احترست العجم، وجمعوا ما حصّلوا من خيول المغل. وأثاثهم، وقماشهم، وساروا إلى أن أتوا مدينة دوباج، وهى على « ...... »

(1)

يقال لها ذماهى، فالتقاهم أهل المدينة مهللين ومكبرين إلى أن دخلوا البلد، ولما استقروا قام إليهم دوباج وهو يبكى ويصرخ بسبب ولده الذى قتله قطلوشاه، وأرسل رأسه إليه - كما ذكرنا - فقالت له أمراء العجم: لا تبك. فهؤلاء المغل بين يديك، ونحن نمتثل كلامك، فافعل بهم ما تريد، فقال: والله إنى أريد أن أعذبهم عذابا ما عذب به أحد فى العالم. فقالوا له: إفعل ما تريد. فعند ذلك طلب قطلو شاه والأمراء الذين كانوا معه، وكانوا سبعين أميرا، وطلب جماعة من اليهود المزينين، وأمرهم بأن يقطعوا أيديهم وآذانهم وأنوفهم، ويحلقوا ذقونهم، ففعلوا بهم ذلك، ثم أركبوهم حميرا وداروا بهم فى بلادهم، ثم أمر بعد ذلك بأن تنصب لهم خوازيق، فلما نظر قطلوشاه إلى ذلك عرف ما يريد به وبكى وتحسّر، ونظر إلى دوباج، وقال له: يا أمير ارحمنى، فالله عليك لا تهلكنى بهذه الخوازيق، وأعلم بأنك ميت بعدى، وبلادك تخرب، فقدم إلى حبلا، وما يضيع فىّ، فقال له: يا كلب بن كلب ما عملت معى من الخير حتى أقدم لك جميلا، وقد قتلت ولدى وقطعة كبدى. فأمر لمماليكه بأن يشيلوه فشالوه، وهو يبكى ويقول: هل من مخبر يخبر خربندا بحالنا، وما نحن فيه، وأرموه على الخازوق فدخل فى دبره وخرج من ظهره.

وأقاموا أياما والعجم يأتون برجال من المغل حيث خمسة وعشر مقشرة، وأكثر وأقل، ويضربون رقابهم، فحسبوا القتلى منهم. فمات أربعون

(2)

ألف

(1)

«

» موضع ثلاث كلمات غير مقروءة.

(2)

«وأربعين» فى الأصل.

ص: 400

نفس، وسبعون

(1)

أميرا من الأمراء الكبار، فهذا الذى جرى على هؤلاء المغل.

وأما خربندا فإنه كان نازلا على مدينته الجديدة التى بناها، وهو ينتظر خبر قطلوشاه ساعة بساعة، وفى بعض الأيام ركب إلى الصيد إلى ناحية الدروب. فإذا بغبار قد لاح من بعيد، فقال: إيتونى بخبر هذا، وأظنه من عسكرى، فتسابقت إليه الخيل. ثم رجعوا [361] ومعهم بعض ناس من المنهزمين، فلما رأوا خربندا أرموا أنفسهم على الأرض، وحثوا التراب على رؤوسهم، وعووا مثل ما تعوى الكلاب، ونعوا لأهلهم وأصحابهم، ثم احكوا

(2)

لخربندا بما جرى عليهم مفصلا. فقال خربندا: ما فعل قطلوشاه؟ فقالوا: ما نعلم إلا أنهم تبعونا إلى الدربند، وكانوا قد مسكوا الدربند، فقاتل قطلوشاه بمن معه وهم مشاة، والظاهر أنهم أخذوا أسرى.

ولما سمع بذلك خربندا ألوى رأس فرسه ورجع، وبات تلك الليلة بأشر بيات، ولما أصبح أرسل كشافة إلى رأس الدروب ليستصحوا الأخبار، ورحل هو طالبا مدينة تبريز، ثم بعد مدّة رجعت كشافته وأخبروا بما جرى على عسكره، وما فعلوا بقطلوشاه وبقية الأمراء، ولما سمع بذلك خربندا طار فؤاده وخرج من عقله من الغضب والقهر، وكان فى ذلك الوقت الشيخ براق حاضرا وهو الذى كانت هذه الفتنة من تحت رأسه. وكان بينه وبين قطلوشاه مودة عظيمة. فقال لخربندا: لا تحمل الهم فأنا أسير إلى بلاد كيلان فأحضر بقطلوشاه

(1)

«وسبعين» فى الأصل.

(2)

هكذا بالأصل.

ص: 401

ومن معه، وكان يعتقد أنهم أحياء. فقال له خربندا: افعل بما تريد، فركب الشيخ براق وسار طالبا كيلان.

وأما خربندا فإنه انقطع عن الركوب سبعة أيام، فلما رأت المغل ذلك خافوا أن يطمع أعداؤه فى الملك. فقالوا لجوبان نائب أبى سعيد: هذه التى فعلها الملك ما هى عادة الملوك فإنه قوى يورى الناس الضعف، وهذا نقص فى حقه.

فقال لهم جوبان: اليوم أركب إليه وأتحدث معه فى هذا الأمر. فقام وركب، وجاء إلى باب خربندا وطلب العبور، فمنعوه، ثم قال لبعض الخدام: اعبر وقل للملك إن جوبان على الباب يريد أن يتحدث مع الملك من باب النصيحة، فدخل الخادم واستأذن له، فأذن؛ فدخل جوبان وقبّل الأرض ودعا له. فقال له خربندا: ما معك من النصيحة؟ فقال له: أيد الله الملك، الملوك يورون

(1)

الناس القوة عند الضعف لأجل حرمة المملكة، وأنت تورى الضعف عند القوة، فلا تحمل هذا الهم على قلبك، فرجا لك أجواد، وليوثك أفراد، وسيوفك حداد، ويخشى أن يسمع الملك الناصر صاحب مصر فيطمع فيك وفى مملكتك. فقال له:

يا جوبان كيف لا أحمل الهم وقطلوشاه وسبعون أميرا فى الأسر وأكثر عسكرى قد فنى. فقال يا مولانا: أمّا أمر الأجناد هين، فإن المغل لو باتت عند نسائها ليلة واحدة لجابت النساء أكثر من ذلك، ولم يزل عليه جوبان حتى أمر بشد الخيل للصيد، فركب وركبت معه الأمراء وسار يطلب الصيد.

وأما الشيخ براق فإنه وصل إلى دربند كيلان، فمسكه اللكزية الذين يحفظون الدربند، وأتوا به الى دوباج، فلما مثل بين يديه سلم عليه، فقال له دوباج:

(1)

المقصود: يظهرون.

ص: 402

أنت براق. فقال: نعم، فأمره بالجلوس، فجلس وكان قد بلغه منه أنه هو الذى حرض المغل على الدخول إلى بلادهم، ثم قال دوباج: الحمد لله الذى أتى بك يا شيخ براق من غير تعب، فو الله لقد كان فى قلبى نار من جهتك، ثم قال له: لماذا أتيت فى هذا الوقت؟ فقال له: اعلم أن سلطان البلاد، [362] ومالك رقاب العباد خربندا قد سيرنى إليكم ناصحا، لما علم أننى صادق، وكلامى للحق موافق، وهو يأمركم أن تحلوا قطلوشاه ومن معه من الأمراء وتبعثوا إليه ما عليكم من الأموال، وأن ترجعوا عما تعتقدون من مذهب المجسمة، وتعتقدوا بما قاله الأشعرى، وإلا سار إليكم بعساكر تضيق لها الأرض.

فلما سمع دوباج بذلك قال له: أنت يا براق ما جئت إلا فى هذا الأمر.

قال: نعم. فقال له: فكأنك تحب قطلوشاه. فقال: نعم، لأنه أخى وصاحبى.

فقال له يا فقير: وأين الإسلام الذى عندك إذا كان مثل هذا أخوك؟ واش هذه الحالة التى أنت عليها؟ محلوق الذقن والرأس وقد خليت شواربك كأنك شيطان، اش هذا الذى تعتقده من الأديان؟ اليوم أخلى منك الأوطان» وافجع فيك أصحابك والخلان، ثم قال: ردوه إلى أخيه قطلوشاه فإنه يحبه، فأخذوه وجاءوا به إلى قطلوشاه وهو قاعد على الخازوق، وهو ميت قديد، فلما رآه على هذه الهيئة بكى وصاح، ثم نظر فإذا هم قد نصبوا خازوقا مثله بجنب قطلوشاه. فقال لهم: ما هذا؟ قالوا له: هذا مجلسك الذى أمرنا بأن نجلسك عليه. فقال: يا قوم لا تفعلوا فما أظن دوباج يفعل بهذا

(1)

لأنه صاحب دين ويقين صادق، وهو صالح من الصالحين. فقالوا له: لا تطول هذا

(1)

هكذا بالأصل.

ص: 403

الكلام، فلا بد لك من الجلوس على هذه الخشبة، ونصبوا مع خشبته ثلاثين خشبة لأصحابه، وأقعدوا جميعهم على الخوازيق، ولم يتركوا منهم إلا واحدا من غلمانهم ليروح بالخبر، ثم قطعوا أنفه وأذنيه، وقالوا له: اذهب واعلم خربندا بالذى رأيت، فسار وهو ذليل حقير حتى وصل إلى جوبان، فلما رآه جوبان على هذه الهيئة قام ودخل على خربندا.

وكان خربندا ينتظر قدوم الشيخ براق. فقال له يا مولاى: قد جاء واحد من أصحاب الشيخ براق، وهو مقطوع الأذنين والأنف ومحلوق الذقن والشنبات، فقال: أتونى به، فلما دخلوا به عليه أرمى روحه على الأرض، وبكى وانتحب، ونعى الشيخ براق، فقال خربندا: ويلك حدثنى ما جرى لكم، فحدثه بجميع ما جرى، وأنه رأى قطلوشاه ومن معه من الأمراء قاعدين على الخوازيق وهم أموات صاروا قديدا، فلما سمع خربندا بذلك أرمى روحه على الأرض من سريره، وبكى حتى غشى عليه لأجل براق وقطلوشاه والأمراء الذين معه، ثم قال، كيف هان عليهم عملوا هذا بالشيخ الصالح، ثم قال: والله يا أمراء لقد حملت هما على الشيخ براق أكثر من همى على قطلوشاه وعسكرى، ثم نادى بالتجهيز إلى كيلان ويكون البيكار ثلاث سنين إما تفنى المغل أو تخرب كيلان، ثم إنه فتح الخزائن وأنفق الأموال، وسنذكر ما جرى بعد ذلك.

واعلم أن قضية الشيخ براق مع أهل كيلان إنما كانت بعد سنة ستّ وسبعمائة

(1)

، لأن المؤرخين ذكروا قدوم الشيخ براق إلى الشام فى سنة ست وسبعمائة على ما سنذكره إن شاء الله، وإنما ذكرناها فى هذه السنة قصدا لسوق ما جرى

(1)

قتل براق سنة 707 هـ/ 1307 م - انظر مصادر ترجمته فيما يلى.

ص: 404

لأهل كيلان مع عسكر خربندا على تمامها وكمالها من غير فصل [363] بأجنبىّ.

‌ذكر ترجمة الشيخ براق

(1)

:

كان أصله روميا من بعض قرى توقات

(2)

، وكان يمشى وفى صحبته مائة فقير كلهم محلوقة اللحى وقد وفّروا شواربهم، عكس ما وردت به السنة، وعلى رؤوسهم قرون لبابيد، ومعهم أجراس وكعاب وجواكين

(3)

خشب، وكانت له منزلة عند قازان، وذلك أنه سلط عليه نمرا، فزجره فانهزم منه، فحظى عنده، وصارت له مكانة، وأعطاه فى يوم ثلاثين ألفا ففرّقها كلها، ومن طريقة أصحابه أنهم لا يقطعون الصلاة، ومن ترك صلاة ضربوه أربعين جلدة، وكان الشيخ براق يزعم أنه إنما سلك هذا الزىّ ليخرّب به على نفسه، ويرى أنه فى زىّ المسخرة، وإنما المقصود الباطن ونحن إنما نحكم بالظاهر، والله متولى السرائر.

وقال صاحب النزهة: كان الشيخ براق شيئا عجيبا، قد حلق ذقنه وترك شواربه، وعمل على رأسه من اللباد على صفة قرون البقر، وعلّق فى رقبته أجراسا

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 247 رقم 645، النجوم الزاهرة ج 8 ص 169، الوافى ج 10 ص 106 رقم 4563، السلوك ج 2 ص 28 - 29 كنز الدرر، ج 9 ص 150.

(2)

توقات - دوقات: بلدة فى أرض الروم بين قونية وسيواس - معجم البلدان.

(3)

الجوكان: المحجن أو الصولجان الذى تضرب به الكرة - صبح الأعشى ج 5 ص 458.

ص: 405

وكعاب الأبقار والأغنام، وفى رقبته سلاسل الحديد، وهو جبّار من الجبابرة، ومعه مائتا نفس بهذه الصفة.

قال: وهؤلاء الذين يأكلون الحرام، وأكثرهم ما يصومون شهر رمضان، وقد جعل براق له منهم نائبا وقاضيا ووزيرا وحاجبا ومحتسبا وسلحدارية، وله طبلخاناة، وكان كلامه مقبولا عند التتار، وأمره مسموعا نافذا خصوصا عند الملك خربندا، وكان يقال عند التتار إنه يركب السباع، ولما قتل فى بلاد كيلان على ما ذكرنا كان عمره ما ينيف على أربعين سنة.

‌ذكر بقيّة الحوادث:

منها ما قال ابن كثير: وفى يوم السبت تاسع جمادى الأولى حضر جماعة كثيرة من الفقراء الأحمدية الرفاعية

(1)

إلى نائب السلطنة بالقصر بدمشق، وحضر ابن تيمية، فسألوا من النائب بحضرة الأمراء أن يكفّ تقى الدين إنكاره عليهم وأن يسلم لهم حالهم، فقال [لهم الشيخ

(2)

]: هذا لا يمكن ولا بد لكل أحد أن يدخل تحت الشريعة

(3)

قولا وفعلا، ومن خرج عنها وجب الإنكار عليه على كل أحد، فأرادوا أن يفعلوا أشياء من الأحوال التى يتعاطونها فى سماعهم، فذكر الشيخ أن هذا كله من باب الحيل والبهتان، ومن أراد منكم أن يدخل النار فليدخل الحمام وليغسل جسده غسلا جيدا ويدلكه بالخل، ثم يدخل النار إن كان صادقا، ولو فرض أن أحدا من أهل البدعة دخل النار، فإنه لا يدل على

(1)

«الرفاعية» ساقط من البداية والنهاية.

(2)

[] إضافة للتوضيح من البداية والنهاية.

(3)

«تحت الكتاب والسنة» - فى البداية والنهاية.

ص: 406

صلاحه، بل هذا من الأحوال الدجالية المخالفة للشريعة المحمدية إذا كان صاحبها على غير الطريقة السنية

(1)

، فابتدر شيخ المنيبع الشيخ صالح وقال: نحن أحوالنا تتفق عند التتار ما تتفق عند الشرع، فضبط عليه هذه الكلمة الأمراء والحاضرون، وكثر الإنكار عليهم من كل أحد، ثم اتفق الحال على أنهم يخلعون الأطواق الحديد [من رقابهم

(2)

]، وأن من خرج منهم عن السنة ضربت عنقه، وصنف ابن تيمية جزءا لطيفا فى طريقة الأحمدية وأصل مسلكهم، وما فى ذلك من مقبول ومردود بالشرع

(3)

.

ومنها ما ذكره ابن كثير أيضا: أن فى خامس رمضان يوم الإثنين جاء كتاب من الأبواب السلطانية [364] وفيه الكشف عما كان وقع للشيخ ابن تيمية «بسبب فتيا الطلاق

(4)

»، وأن يحمل إلى مصر، وكذلك نجم الدين بن صصرى، فتوجها على البريد يوم الإثنين ثانى عشر رمضان، وكان دخول تقى الدين إلى غزة يوم السبت، فعمل فيها مجلسا بجامعها، ودخلا معا إلى القاهرة يوم الإثنين الثانى والعشرين من رمضان، وعقد لابن تيمية مجلس بالقلعة، وأراد أن يتكلم فلم يمكن على عادته، وحبس ببرج هناك أياما، ثم نقل إلى الجبّ ليلة عيد الفطر هو وأخواه زين الدين وشرف الدين

(5)

.

(1)

«إذا كان صاحبها على السنة» - فى البداية والنهاية.

(2)

[] إضافة للتوضيح من البداية والنهاية.

(3)

البداية والنهاية ج 14 ص 36.

(4)

«فى أيام جاغان» فى البداية والنهاية.

(5)

هذا الخبر ملخصا عما ورد فى البداية والنهاية ج 14 ص 37 - 38.

ص: 407

وأما ابن صصرى فإنه أكرم وجدّد له توقيع بالقضاء، وخلع عليه، وجاء بعده كتاب إلى دمشق فيه الحط على ابن تيمية ومخالفته فى العقيدة، وأن ينادى بذلك فى البلاد الشامية، وألزم أهل مذهبه مخالفته، وكذلك وقع بمصر بجاه الجاشنكير والشيخ نصر [المنبجى

(1)

]، وساعدهم طائفة كثيرة من الفقهاء، وجرت فتن منتشرة، وحصل للحنابلة بمصر إهانة كثيرة جدا، وكان قاضيهم كثير العقل، كثير العلم، وهو شرف الدين الحرانى، ولولاه

(2)

نال أصحابه أذى كثير، فلطف الله بهم إذ كان هو قاضيهم

(3)

.

وقال بيبرس فى تاريخه: استدعى الشيخ تقى الدين احمد بن تيمية الحنبلى من دمشق لأمور نقلت عنه، وعقد له مجلس بحضور الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير والأمير سيف الدين سلار والقضاة وغيرهم، واقتضى الحال اعتقاله مدة، ثم خلّى سبيله أياما، ثم ردّ إلى السجن

(4)

.

ومنها: أن أبا سعيد ابن عم محمد بن الأحمر - صاحب مالقه - أخذ مدينة سبتة بالأندلس، وكانت فى يد شخص من أهل الأندلس يسمى العسفى، كان أولا ينوب فيها عن الموحدين، فخلع طاعتهم لما وهت مملكتهم واستبدّ بها وانتمى إلى المرينى إذ كان أشدّ شوكة وأكثر جماعة، وجعل له جعالة يحملها إليه كل سنة، فاتفق بينه وبين شخص يسمى ابن زيد مستحفظ القلعة [التى بسبتة

(5)

]

(1)

[] إضافة للتوضيح من البداية والنهاية.

(2)

«ولولا هو» - فى الأصل.

(3)

هذا الخبر ملخصا عما ورد فى البداية والنهاية ج 14 ص 38.

(4)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 247 أ.

(5)

[] إضافة من زبدة الفكرة حيث نقل العينى هذا الخبر.

ص: 408

شيئا، ووقع بينهما واقع، فكاتب ابن زيد صاحب مالقه وهو ابن عم الأحمر يستدعيه ليسلم له قلعة سبتة، فعزم على التوجه إليه وخشى من ظهور أمره واتصال خبره بالعسفى فيحتاط لنفسه، فلا يبلغ منه مراما، فأعمل الحيلة، وورّى بقصد طنجة، وكتب إلى العسفى بسببه يقول له: إن أهل طنجة قد كاتبونى وقرروا الأمر معى أن يسلموها إلى على أن أوجه إليهم بأربعين ألف دينار وأسير إليهم

(1)

وأتسلمها، وقصدت أن تكون لى مساعدا بأمرين: -

أحدهما: أن تسعفنى ببعض المال.

والثانى: أن أجعل عبورى على سبتة وتسير جفانى - يعنى المراكب - من تحتها ليخفى على من بطنجة أمرنا، فنأتيهم بغتة فنظفر بالبغية.

فمشت هذه الخدعة على صاحب سبتة، وظن المكيدة حقا، وسار أبو سعيد على الأثر بجفانه وأنصاره وأعوانه إلى نحو سبتة، فلما رأى النواظير والأحراس مراكبه مقبلة أخبروا صاحب سبتة. فقال: لا بأس عليكم منه، فإن له مقصدا هو قاصده، [465] فلما جنّ الليل طرق البلد على غفلة، وتسلم القلعة من مستحفظها من أول وهلة [واحتلها

(2)

]، وانبسط فى البلد، هو ومن معه، فأخذها، وأسر أولاد العسفى، وساقهم إلى غرناطة فى الأسر، واستولى على سبتة بكيده، وبقيت فى يده وأيده

(3)

.

(1)

«نحوهم» فى زبدة الفكرة.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 247 أ - 248 أ.

ص: 409

ومنها: أنه فى رمضان جاء كتاب من مقدم الخدّام بالمشهد النبوى يستأذن السلطان فى بيع طائفة من قناديل الحرم النبوى، ففيها قنديلان من ذهب زنتهما ألف دينار، وأن يصرف ذلك فى بناء مئذنة

(1)

عند باب السلام، الذى عنده المطهرة، فرسم بذلك، وشرع فى بنائها

(2)

، وولى خطيبها سراج الدين عمر قضاءها «مع الخطابة بدمشق، ذلك على الروافض

(3)

».

ومنها: أن فى هذه السنة اختلفت السوقة والعامة فى أخذ الفلوس المصكوكة عددا، وقرروا أمرها وزنا، وقطع سعرها - بدرهمين ونصف - الرطل، واستمرت على ذلك.

ومنها: أن فى شهر رجب قرأ الشيخ جمال الدين المزى فصلا فى الرد على الجهمية من كتاب أفعال البخارى

(4)

تحت [قبة

(5)

] النسر

(6)

، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وقالوا: نحن المقصودون بهذا التكفير، وسعوا به إلى قاضى القضاة ابن صصرى، فأحضره إلىّ بين يديه ورسم بحبسه، فبلغ ذلك الشيخ ابن تيمية فقام حافيا وأصحابه خلفه إلى الحبس فأخرجه منه، وطلع القاضى إلى النائب، وطلع الشيخ تقى الدين، فالتقوا

(7)

عند النائب، وتخاصما، فأسقط تقى الدين على القاضى،

(1)

«مأذنة» فى الأصل.

(2)

البداية والنهاية ج 14 ص 38.

(3)

«» هكذا بالأصل.

(4)

«أفعال العباد للبخارى» فى البداية والنهاية ج 14 ص 37.

(5)

[] إضافة للتوضيح من البداية والنهاية.

(6)

«بعد قراءة ميعاد البخارى بسبب الاستسقاء» - فى البداية والنهاية.

(7)

هكذا بالأصل.

ص: 410

وذكر نائبه جلال الدين، وأنه آذى أصحابه بسبب غيبة ملك الأمراء، فأمر ملك الأمراء أن ينادى فى المدينة: من تكلم فى العقائد حلّ قتله، ونهبت داره. وكان قصد الأمراء تسكين الفتنة.

ومنها فى رجب

(1)

طلبوا القضاة والمفتين والفقهاء والشيخ تقى الدين بن تيمية إلى حضرة نائب دمشق، بالقصر الأبلق، فلما اجتمعوا عنده سأل الشيخ تقى الدين عن عقيدته، فأملى شيئا منها، ثم أحضر عقيدته: الواسطية، وقرئت فى المجلس، وبحث فيها، وبقى مواضع أخر أخرت لمجلس آخر، ثم اجتمعوا يوم الجمعة الثانى عشر من رجب، وحضر المجلس أيضا الشيخ صدر الدين الهندى، وبحثوا معه، وسألوه عن مواضع، وجعل الشيخ صدر الدين يتكلم معه، ثم رجعوا عنه، واتفقوا على [أن

(2)

] الشيخ كمال الدين ابن الزملكانى يحافقه، ورضوا بذلك، وانفصل الحال أن الشيخ تقى الدين أشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعى المذهب، يعتقد ما يعتقده الإمام الشافعى، رضى الله عنه، فرضى منه بهذا القول وانصرفوا، وبعد ذلك حصل من أصحاب الشيخ تقى الدين كلام، وقالوا: ظهر الحق مع شيخنا، فأحضر واحد منهم إلى القاضى جلال الدين القزوينى، وأمر بتعزيزه، فشفع فيه، وكذلك فعل القاضى الحنفى بإثنين من أصحابه.

(1)

«ثامن شهر رجب الفرد» - فى كنز الدرر ج 9 ص 133.

(2)

[] إضافة تنفق وسياق الكلام - انظر البداية والنهاية ج 14 ص 36.

ص: 411

ومنها: أن الله تعالى أغاث الشام بالأمطار، ووقع الرخاء، وكان عاليا.

وفيها انتهت زيادة النيل إلى ستة عشر ذراعا وأثنى عشر أصبعا.

وفيها حج بالناس حسام الدين لاجين الجاشنكير المنصورى، أميرا على الركب المصرى، وكان على الركب الشامى (366) الأمير شرف الدين حسين ابن حيدر.

ص: 412

‌ذكر من توفى فيها من الاعيان

الشيخ عيسى

(1)

بن الشيخ القدوة الكبير سيف الدين رجيحى بن سابق بن الشيخ يونس

(2)

.

توفى فى هذه السنة، ودفن بزاويتهم التى بالشرف الأعلى، غربى الوراقة المطلة على الميدان الأخضر. وكانت وفاته يوم الثلاثاء سابع عشر المحرم منها.

الخطيب شرف الدين أبو العباس أحمد بن

(3)

إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزارى المقرئ، النحوى، المحدث، شيخ الشافعية.

ولد سنة ثلاثين وستمائة، وسمع الحديث الكثير، وانتفع على المشايخ فى ذلك العصر كابن الصلاح، والسخاوى، وغيرهما، وتفقه، وأفتى، وناظر، وبرع وساد أقرانه، وكان أستاذا فى العربية، واللغة، والقراءات، وإيراد الأحاديث النبوية. مات عشية الأربعاء تاسع شوال عن خمس وسبعين سنة،

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 8 رقم 1789، ح 7، الدرر ج 3 ص 379 رقم 3107، البداية والنهاية ج 14 ص 39.

(2)

ورد: «عيسى بن أيرحجى» فى الدرر، و «عيسى بن الشيخ سيف الدين الرحبى» فى البداية والنهاية.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 170، البداية والنهاية ج 14 رقم 39، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 10 رقم 12، الدرر ج 1 ص 91 رقم 34، النجوم الزاهرة ج 8 ص 217، شذرات الذهب س 6 ص 12، الدارس ج 1 ص 119، تذكرة النبيه ج 1 ص 271.

ص: 413

ودفن عند أبيه وأخيه العلامة الشيخ تاج الدين عبد الرحمن

(1)

بباب الصغير

(2)

، وولى الخطابة بعده ابن أخيه العلامة برهان الدين

(3)

شيخ الشيخ ابن كثير.

ورثاه الشيخ شمس الدين بن الصائغ بقوله:

لا تطمعى يا عين فى الإغفاء

وثقى بسهد دائم وبكاء

فلقد بليت بصدمة ما مثلها

صبرى عدمت بها وعزّ عزائى

مالى وما للنائبات فقد رمت

فلبّى بأنواع من البرحاء

يا ليلة حققت فيها ما جرى

كم بتّ تبكى بليلة ليلاء

قالوا خطيب المسلمين أصيب فى

عليائه فقضى بسهم قضاء

فوجمت فى البر الفسيح تألما

حتى حسبت بضيقة النداء

وترنم الحادى فقلت له: اتئد

فالحزن قدّامى وكان ورائى

أفلت نجوم المجد بعد طلوعها

وخبت بروق العلم بعد ضياء

وتوقدت شمس النهار تأسفا

واصيبت السراء بالضراء

« .............. »

(4)

وبكى الرجاء سائر الأرجاء

وجدوا على الشيخ الإمام أخى العلم

اء قطب الأئمة سيد العلماء

من للمنابر عند مجتمع الورى

لعظيمة يا فارس الخطباء

(1)

هو: عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزارى الشافعى، تاج الدين أبو محمد، المتوفى سنة 690 هـ/ 1291 م - المنهل الصافى ح 7، تذكرة النبيه ج 1 ص 143.

(2)

باب الصغير: بدمشق.

(3)

هو: إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزارى، برهان الدين، المتوفى سنة 739 هـ/ 1328 م - المنهل الصافى ج 1 ص 99 رقم 45.

(4)

هذه الشطرة والبيت التالى مطموس فى الأصل.

ص: 414

وهى قصيدة طويلة.

الصدر علاء الدين على بن

(1)

معالى الأنصارى الحرانى الحاسب، يعرف بابن الوزير.

كان فاضلا، بارعا فى صناعة الحساب

(2)

، وانتفع به جماعة. وكانت وفاته فى أواخر صفر

(3)

منها فجأة، ودفن بقاسيون.

الشريف الرئيس الصدر عماد الدين يحيى بن

(4)

أحمد بن يوسف بن السراج الحنفى، المعروف بالبصراوى، ناظر ديوان الأشراف.

كان من أعيان الأشراف، دينا، صالحا، ورعا، من أهل السنة، وكان على ذهنه طرف جيد من التاريخ والمحاضرات، كثير المحفوظ، وكان أمينا [367] فى مباشرته، باشر ديوان الأشراف نحو خمسين سنة، مات بدمشق، ودفن بمقابر الصوفية.

الأديب الفاضل بدر الدين محمد

(5)

بن عبد الله، المعروف بابن البابا، المغزى الشاعر.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 207 رقم 3920، البداية والنهاية ج 14 ص 39.

(2)

ويقول ابن كثير، وقد أخذت الحساب عن الحاضرى عن علاء الدين الطيورى عنه» - البداية والنهاية ج 14 ص 39.

(3)

«توفى فى آخر هذه السنة» - فى البداية والنهاية.

(4)

وله أيضا ترجمة فى، الدرر ج 5 ص 188 رقم 4999.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 171، الدرر ج 4 ص 86 رقم 3774. تذكرة النبيه ح 1 ص 270.

ص: 415

وكان قد توجه من دمشق إلى طرابلس، إلى نائبها الأمير سيف الدين أسندمر ومدحه بقصيدة فأدركه أجله، فمات بها، ومن شعره:

لاح مثل الهلال وهو منير

وانثنى كالقضيب وهو نضير

رشا فاتن اللحاظ كحيل الطرف

ساجى الجفون أحور غرير

بابلى الألفاظ حلولما

بابلى اللحاظ فيها فتور

يتهادى مثل « ....

(1)

» ولم لا

وهو من ريق ثغره مخمور

فهو للأحباء روض انيق

وهو للثّم جنة وحرير

شفّنى خدّه وناهيك خدّ

وسبانى عذاره المستدير

وسقانى من ريقه العذب

كأسا كالحمّيا مزاجها كافور

بشفاه مثل العقيق

وثغر لؤلؤى كأنه بلور

وهى طويلة.

الشيخ الصالح تقى الدين حسين بن

(2)

صدقة بن بدران الموصلى.

كان رجلا صالحا، خيرا، على قدم التجريد لا يملك شيئا، وربما بقى أياما لا يحصل له ما يأكله وهو صابر لا يسأل أحدا، وعنده فضيلة.

وله شعر، فمنه قوله فى مجد الدين يوسف بن القباقبى وكان بديع الحسن، وقد رآه يشتغل فى النحو على شيخه النور المصرى:

يحق لقلبى لا يقرّ قراره

إذا بان من أهوى وشط مزاره

(3)

(1)

«

» كلمة غير مقروءة.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 2 ص 143 رقم 1591.

(3)

وردت هذه الفقرة هكذا «إذا صد من يهوى وعز اصطباره» - فى الدرر ج 2 ص 143.

ص: 416

فيا عذّلى لا تنكروا فرط ذلّتى

فذلّ المعنّى للحبيب فخاره

تمرّ ليالى الصبر شوقا وحسرة

وتفنى بما قاساه ليلا نهاره

بليت بمن لا يعرف العطف قلبه

كذلك قلبى ليس تخمد ناره

فيا منيتى رفقا بمن عيل صبره

غدا نازحا عنه وشط مزاره

وصله فإنّ الهجر راح بعمره

فحتى متى هذا الغرام حواره

ولم أنس يوما فيه شاهدت يوسف

كبدر على غصن زهاء اخضراره

فحاولت أخفى الغرام فلم أطق

وقام بعذرى فى هواه عذاره

فكن أيها المصرىّ يا أفصح الورى

سجيا بعلم النحو فهو اختياره

وعلمه باب

(1)

العطف كيما يرقّ لى

ويحنو فقد أودى بقلبى نفاره

وعرّفه معنى الوصل فى شرح درسه

جعلت جوارا للذى عزّ جاره

(2)

القاضى شمس الدين محمد

(3)

بن محمد بن بهرام الشافعى، خطيب حلب، المعروف بالدمشقى.

باشر نيابة الحكم بدمشق عن قاضى القضاة بهاء الدين بن زكى، وتولى قضاء القضاة بحلب، وكان دينا صالحا ورعا، [368] مات بحلب فى مستهل

(1)

«بأن» - فى الدرر.

(2)

ورد فى الدرر:

«وعلمه بأن للعطف كيما يرق لى

جعلت جوار الذى عز جاره».

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 155، 171، الدرر ج 4 ص 289 رقم 4323، الوافى ج 1 ص 209 رقم 135، شذرات الذهب ج 6 ص 13، تذكرة النبيه ج 1 ص 271، النجوم الزاهرة ج 8 ص 220.

ص: 417

جمادى الأولى منها وقد بلغ الثمانين

(1)

.

القاضى مجد الدين سالم

(2)

بن أبى الهيجاء بن حميد الأذرعى، قاضى نابلس.

أقام قاضيا بها مدة أربعين سنة

(3)

، وعزل عنها فى آخر عمره، فحمله أولاده على التوجه إلى الديار المصرية للتسبب فأدركه أجله هناك، ومات فى ثانى عشر صفر، ودفن بمقابر باب النصر، رحمه الله.

الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسى.

مات بدمشق بالمارستان الصغير، ودفن بقاسيون، كان شيخا كبيرا، كثير الصلاة والذكر، صحب الفقراء طول عمره، وروى عن أبى مسلمة، والمرسى، وغيرهما.

الملك الأوحد تقى الدين شادى

(4)

بن الملك الزاهر مجير الدين داود بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن شيركوه بن شادى ابن مروان.

(1)

«مولده سنة خمس وعشرين وستمائة» - تذكرة النبيه.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 2 ص 218 رقم 1776.

(3)

«ناب فى الحكم بدمشق نحوا من أربعين سنة» - فى الدرر.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 170، المنهل الصافى، نهاية الارب (مخطوط) ج 30 ورقة 38، الدرر ج 2 ص 281 رقم 1920، تذكرة النبيه ج 1 ص 270، النجوم الزاهرة ج 8 ص 219 - 220، البداية والنهاية ج 14 ص 39.

ص: 418

مات بقرية من عمل الجرد، وحمل منها إلى الصالحية فدفن بتربة والده بسفح قاسيون، وكان أحد الأمراء بدمشق، معظما فى الدولة، وكان لديه فضيلة وخبرة بالأمور، ومولده سنة ثمان وأربعين وستمائة، وكانت وفاته فى ثانى صفر منها آخر نهار الأربعاء.

ص: 419

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السّنة السّادسة بعد السبعمائة

(*)

استهلت هذه السنة: والخليفة: المستكفى بالله العباسى.

وسلطان البلاد المصرية والشامية: الملك الناصر محمد بن قلاون، ونواب مصر والشام وقضاتها هم المذكورون فى التى قبلها.

والشيخ تقى الدين بن تيمية مسجون بالجب فى قلعة الجبل.

‌ذكر من قدم من الرسل وغيرهم:

وفيها: عادت الرسل السلطانية من عند طقطا

(1)

ملك التتار وهم: الأمير سيف الدين بلبان الصرخدّى، وسيف الدين بلبان الجكمى

(2)

، وفخر الدين [إياز

(3)

] أمير آخور الشمسى، وصحبتهم رسول اسمه نامون من جهة الملك المذكور، فبولغ فى إكرامه، وأعيد بجواب لرسالته، وجهّز معه شمس الدين بكمش الخزندارى رسولا، وفخر الدين إياز أمير آخور الشمسى.

(*) يوافق أولها يوم الأربعاء 13 يولية 1306 م.

(1)

«طقطاى» - فى السلوك ج 2 ص 27.

(2)

«الحكيمى» - فى التحفة الملوكية ص 180، وهو تحريف.

(3)

[] إضافة من التحفة الملوكية ص 180 للتوضيح.

ص: 421

وقال بيبرس فى تاريخه: وكان من مساهلة سفرهم وتيسيره لهم على ما أخبر به من لسانه سيف الدين الجكمى المذكور إنهم استهلوا هلال صفر من هذه السنة فى قرم، وسافروا أول الشهر، فوصلوا فى العشر الأخير منه إلى اسكندرية، وتوجهوا فى الحراريق إلى مصر فوصلوها سلخ صفر، وكانت المسافة شهرا من قرم إلى اسكندرية

(1)

.

وفيها: وصلت رسل صاحب سيس بالقطيعة إلى الباب العزيز

(2)

، وأطلق من أسرى المسلمين مائتين وسبعين أسيرا، وأوصلهم إلى حلب.

وفيها: وصل فتح الدين بن صبره من بلاد التتار، وكان قد أسر فى جملة الأمراء الذين أسروا ببلاد سيس كما ذكرنا.

وفى يوم الخميس التاسع من جمادى الأولى دخل الشيخ براقى إلى دمشق وصحبته فقراؤه، أكثر من مائة فقير، وقد ذكرنا صفاتهم وزيّهم وهيئتهم فى ترجمة الشيخ براق فى السنة الماضية

(3)

، فنزلوا بالمنيبع، وحضروا صلاة الجمعة برواق الحنابلة، ثم توجهوا نحو القدس فزاروا، ثم استأذنوا فى الدخول [369] إلى مصر، فلم يؤذن لهم، فعادوا إلى دمشق، فصاموا بها رمضان، ثم انشمروا راجعين إلى بلاد الشرق إذ لم يجدوا بدمشق قبولا ولا منزلا ومقيلا.

(1)

«إلى مصر» فى زبدة الفكرة.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 248 ب.

(3)

انظر ما سبق ص 405.

ص: 422

وفى بعض التواريخ، ونظم فى الشيخ براق السراج المحار موشحة

(1)

أولها:

جتنا عجم من جوّا الروم

صور تحير فيها الأفكار

لهم قرون مثل الثيران

إبليس يصبح منهم زنهار

وهى طويلة:

ولما قدم دمشق أراد الدخول إلى الأفرم فى الميدان، فأرسل الأفرم نعامة كان قد تعاظم أمرها وتفاقم شرها فلا يكاد يقاومها أحد، فلما عرضوه لها قصدته، فتوجّه إليها وركبها، فطارت به فى الهواء فى الميدان تقدير خمسين ذراعا إلى أن قرب من الأفرم فقال له: أطير بها إلى فوق شيئا آخر. فقال: لا، ثم أحسن إليه، وكان القان قازان أحضره مرة وأحضر له سبعا ضاريا، فركب على ظهره ولم ينله سوء، فأعظم قازان ذلك، ونثر عليه عشرة آلاف دينار فلم يتعرض لشئ منها.

وقال صاحب النزهة: وكان خربندا أرسله إلى الشام فى الرسلية وذلك لأمر جرى له كما سنذكره إن شاء الله تعالى، ولما توجّه الشيخ براق إلى الشام كان معه بيرق خربندا وكتابه إلى سائر البلاد أن يخدموه أوفر خدمة، ولم يزل سائرا حتى وصل من ناحية الروم إلى بلاد سيس، فسمع صاحب سيس بقدومه، فركب إلى ملتقاه وأنزله فى دار المضيف، وحمل إليه كل ما يحتاج، وكان معه خط خربندا بأنه يعطيه عشرة آلاف درهم، فأحضرها له وسير معه جماعة من أصحابه فى خدمته إلى دربساك، وهى حده إلى بلاد المسلمين، ولم يزل براق

(1)

هكذا بالأصل، والصواب «مواليا» ، فالموحشة - تلتزم باللفظ العربى الصحيح، بينما المواليا لا تلتزم بذلك، وهو ما نلاحظه فيما يلى.

ص: 423

حتى وصل إلى حلب، وعلم قراسنقر بقدومه فطلبه إليه، فلما حضر قرّبه وأدناه، ولما خلا به حدّثه وسأله لما جاء به، فقال: جئت حتى أصلح بين الملك الناصر وبين خربندا بحيث أن لا يعلم بذلك أحد غيره، وفى الحال أرسل قراسنقر بريديا إلى الملك الناصر يعلم بذلك، وبعد قليل جاء البريدى وطلبه إلى دمشق، فجهز قراسنقر معه جماعة يخدمونه إلى دمشق، ودخلها فى يوم مشهود لأنه قد كان وقع صيته بين الناس بأن شيخا جاء من بلاد التتار يركب السبع، واجتمع خلق كثير عنده إلى أن دخل ميدان دمشق إلى القصر الأبلق، وحوله أصحابه، وكان نائب السلطان الأفرم جالسا فى شباك القصر الذى يشرف على الميدان، وحوله أمراء دمشق مثل: بهادر رأس نوبة، وقطلبك الشيخى، وبكتمر أمير آخور، والبدرى، وقطلوبك الوشاقى، فلما رآهم براق زمجر وأخذه حال الفقراء، وحمل عليهم يطلبهم، وكان فى الميدان طير نعامة لها أربع سنين يربّونها فى الميدان، فلما رأت الشيخ براق حملت عليه، وقبضت بفمها على رقبته، وكادت أن تقصفها، وأرمت براق تحته وبركت فوقه، ولو لم يدركه الرجال لمات براق تحته، فتعجبت الناس منه، وعلم براق أن هذه عبرة ليعتبرها، فأسرّها فى نفسه، ثم لما قام [370] تقدم إلى الأفرم وسلّم عليه، وكذلك سلّم على الأمراء، فقال له بهادر آص: أش هذا يا براق؟ أنت تقول: إنك تركب الأسد فى خراسان، فهذا طير من طيور الشام عمل بك ما حارت به الأوهام، ولكن أزل ما قلبك، واستغفر ربك، وتأدب مع رجال الشام، ثم إن بهادر آص حقق النظر فيه، فإذا هو محلوق الذقن، وقد عفى عن شواربه، وفى رقبته خيوط من صوف الأغنام، وفيها كعاب البقر والغنم والأحراش. فقال له: إش هذا؟ هو دينك.

فقال يا أمير: المملوك رجل فقير من جملة فقراء المسلمين. فقال له بهادر

ص: 424

آص: ما أنت مسلم. فقال له: لم؟ فقال له: بدليل واضح لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال وهو صادق فى المقال: «قصّوا الشوارب واعفوا عن اللحى»

(1)

.

وأنت خالفت، قصّيت اللحية وعفوت عن الشارب، وهذه مخالفة لدين الإسلام ولمحمد عليه السلام، والله لولا حرمة مولانا السلطان لأضربن رقبتك. فقال براق: استغفر الله من سوء فعلى، ثم إن بهادر آص طلب مقصّا، فقص شواربه، ثم أمر ملك الأمراء أن ينزلوهم فى اللمنييع، وأن ينقلوا إليهم كل ما يحتاجون إليه، ورتب لهم كل يوم: خمس أروس من الغنم، وقنطار خبز، وعشرين رطلا من الحلاوة السكّرية، وعشرة أطباق فاكهة، ثم أرسل البريدى إلى مصر بسببه، فرجع البريدى بطلبه، فجهزه النائب ورتب له الإقامات فى الطرقات إلى غزّة، ولما ورد غزة، فإذا بمرسوم السلطان حضر بالإقامة إلى حين يطلبهم، وذلك أن السلطان لما جاء إليه خبره شاور الأمراء فيه وما يكون الصواب، فاتفق رأيهم على أن لا يمكن من الدخول إلى مصر، فربما يكون من دخوله غائلة، فأرسل إليه مملوكا من مماليكه يقول له: اكتب ما معك من المشافهة وسيّره، ثم رجع براق من غزة إلى دمشق، وصاحب دمشق جهزّه إلى أطراف البلاد وسار يطلب خربندا.

‌ذكر من أنعم عليه بإمرة أو وظيفة ومن قطع:

وفيها: تولى بكتوت الجوكندار المعروف بالفتاح وظيفة أمير جندار على ما نذكره.

(1)

انظر ما جاء فى سنن أبى داود ج 4 باب فى أخذ الشارب ص 82.

ص: 425

وفيها: تولى قضاء الحنفية بدمشق يوم الأحد العشرين من ربيع الأول

(1)

القاضى شمس الدين الأذرعى

(2)

الحنفى، ثم عزل، وتولى عوضه قاضى القضاة صدر الدين أبو الحسن على بن الشيخ صفى الدين أبى القاسم بن محمد الحنفى البصراوى، وذلك يوم الجمعة التاسع والعشرين من ذى القعدة منها.

وفيها: سفّر الأمير علم الدين سنجر الجاولى الأستادار إلى الشام، وقطع خبزه من مصر لتغيّر حصل من ركن الدين بيبرس من جهته، وبعد وصوله إلى الشام بمدة أنعم عليه بإقطاع وإمرة، وكان قد تقدم إلى الدواوين بمحاققته على ما يتعلق بمباشرته، فعملوا عليه أوراقا بجملة، وطولب بجملتها، فشملته الصدقات السلطانية بالإعفاء من كلها، بعد وصوله إلى الشام بمدة أيام.

وفى الثامن من ذى الحجة: عزل الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب عن شدّ دمشق، وولى عوضه الأمير جمال الدين أقوش الرسمى والى الولاه، وأعيد سيف الدين بكتمر إلى الحجوبية بدمشق.

وفيها: صرف القاضى سعد الدين [371] بن عطايا عن الوزارة، وصودر على مائة ألف درهم خرّجت فى معاملة البيوت مذ كان يباشرها، فقام بثمانين ألف

(3)

منها، ثم سومح وأطلق، فلزم بيته، واستوزر عوضا عنه القاضى ضياء الدين

(1)

ورد هذا الخبر فى أحداث سنة 705 هـ/ 1315 م - فى تذكرة النبيه ج 1 ص 269.

(2)

هو محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم الأذرعى الحنفى، قاضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله، المتوفى سنة 712 هـ/ 1312 م - المنهل الصافى.

(3)

«ألفا» فى الأصل. والتصحيح من زبدة الفكرة.

ص: 426

أبو بكر

(1)

بن عبد الله النشائى، وكان يباشر ذلك

(2)

الوقت نظر الدواوين، وقبله استيفاء المقابلة، فلما صارت الوزارة إليه كان فيها محكوما عليه إلا أنه اعتمد لين الجانب وخفض الجناح، ومسالمة الناس. وكان الأمر والنهى والحل والعقد إلى التاج بن سعيد الدولة، فإنه كان مستبدا بالإشارة والنظر على الوزارة

(3)

.

قال ابن كثير

(4)

: وفى أول المحرم ظهر الوحشة بين الملك الناصر وبين الأمراء:

سلار النائب، وركن الدين بيبرس الجاشنكير، وكان السلطان قد امتنع عن العلامة زمانا حتى ظنه الناس مريضا، ثم عبرا له فى ثالث الشهر، فتنكر لهما ومنعهما، فاستعطفاه وألا نا له الكلام حتى رضى وخلع عليهما. ولما خرجا قويت نفوسهما، وأظهرا ما بنفوسهما، ورسما بأن يركب جماعة من العسكر وتقف تحت القلعة، فركب شمس الدين الأعسر بعد العشاء، فظهر السلاح، وشق القاهرة، ووقف تحت القلعة، وكذلك ركبت إخوة سلار، وهم: داود، وسمول، وحبا، فخرج إليهم بعض الوشاقية، فراسلوهم بالنبل، ووصل سهم سمول أخى سلار إلى الشباك الذى يجلس فيه السلطان.

وبات الأمراء تلك الليلة على مساطب الدركاه بباب القلة، ولما أصبحوا ترددت المراسلة بينهم وبين السلطان على لسان أقوش الموصلى، وسيف الدين اكراى، وبهاء الدين يعقوبا الشهرزورى، وسألوا رضى السلطان، والتمسوا منه

(1)

هو: أبو بكر بن عبد الله بن أحمد بن منصور النشائى، ضياء الدين، المتوفى سنة 716 هـ/ 1316 م - الدرر ج 1 ص 474 رقم 1183، درة الأصلاك ص 206.

(2)

«إذ ذلك» فى زبدة الفكرة.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 248 أ، ب.

(4)

لم ترد الأحداث التالية فى المطبوع الذى بين أيدينا من كتاب البداية والنهاية.

ص: 427

بعض الخاصكية الذين هم سبب إثارة هذه الفتنة، فسيرهم إليه

(1)

بعد أن استحلفهم أنهم لا يتعرضون إليهم بمكروه، وهم: سيف الدين بيبغا، الذى كان من خواص السلطان، وسيف الدين خاص ترك، وسيف الدين بقتمر، فأرسلوهم من وقتهم إلى القدس، وانتظم الصلح.

ولما بلغ ذلك الأمير أقوش الأفرم - نائب دمشق - أرسل يلوم الأمراء، ويعنفهم على ما وقع منهم فى حق الأمراء، ويسأل إعادتهم، وإلاّ حضر هو بنفسه، فأعادوهم، فلم يسكن الأمير بيبغا القلعة بل بسويقة العزى، ثم لم يلبث أن مرض ومات، فى السنة المذكورة.

وفى خامس عشر المحرم منها - بعد إخراج المماليك السلطانية - رسم بإخراج سيف الدين بكتمر الجوكندار وقطع خبزه، فأخرج من ساعته إلى الشام، فلما وصل إلى غزة عيّنت له الصبيبة فتوجه إليها فاستوحشها، فسأل غيرها، فعينت له صرخد، واتفقت وفاء الأمير سنقر جاه المنصورى - نائب صفد - فرسم له بها، فتوجه إليها، ولما خرج من مصر تولى بعده وظيفة أمير جاندار بمصر بكتوت الجوكندار المعروف بالفتاح.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: ابتداء الأمير بيبرس فى عمارة الخانقاة والتربة داخل بابى النصر، موضع دار الوزارة، فعمرت، وأوقف عليها أوقافا جليلة

(2)

، ومات قبل فتحها،

(1)

هكذا بالأصل.

(2)

انظر وثائق وقف بيبرس بن عبد الله الجاشنكير المحفوظة بدار الوثائق القومية (مجموعة المحكمة الشرعية) رقم 22/ 4، 23/ 4، والمؤرخة 26 شوال 707 هـ - فهرست وثائق القاهرة ص 8، 9 مسلسل 25 - 26.

ص: 428

فأغلقها الملك الناصر مدة ثم فتحها، ورتب فيها جماعة من الصوفية [372] وأبقى بعض الأوقاف التى كانت لها، وارتجع البقية، وأما التربة فاستمرت مغلقة إلى آخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة، كما نذكره إن شاء الله تعالى.

وفيها: كملت عمارة الجامع الجديد الذى بسفح قاسيون، والذى أنشأه جمال الدين أقوش الأفرم، وخطب فيه شمس الدين أبو العز الحنفى يوم الجمعة الرابع والعشرين من شوال.

وفيها: وردت كتب من حماة تتضمن حدوث أمر غريب، متضمنة فيها محضر مثبوت بأنه كان فى حصن الأكراد جبلين بالقرب من بارين

(1)

- من بلد حماة - بينهما واد تجرى الماء فيه، فانتقل نصف الجبل الواحد من موضعه، وتعدى الوادى، والتصق بالجبل الآخر، ولم يسقط فى الوادى الذى بينهما شئ من الحجارة، وبقى ما انسلخ منه منقطعا من الجبل كهيئة محراب، والماء جار على العادة، وكشف ذلك القاضى والحاكم ببارين، وعمل به محضرا

(2)

، وكان طول النصف الذى انفصل من الجبل مائة ذراع وعشرة أذرع، وعرضه خمسة وخمسون ذراعا، ومسافة الوادى الذى بين الجبلين مائة ذراع، واسم الجبل:

بنبابة، واسم القرية القريبة منه: دانة

(3)

.

وفيها: إهتم الأمراء المصريون بتعزير الخيول السوابق ورياضتها حتى إذا بلغت الحد من التعزير وأخذت مأخذها من التسيير خرجوا جميعا إلى بركة الحجاج،

(1)

بارين (بعرين): مدينة بين حلب وحماة، من جهة الغرب - معجم البلدان.

(2)

انظر نص المحضر فى: نهاية الأرب ج 30 ورقة 40.

(3)

وردت هذه الحادثة فى كل من: درة الأسلاك ص 172، نهاية الأرب ج 30 ورقة 40، النجوم الزاهرة ج 8 ص 222، السلوك ج 2 ص 23، تذكرة النبيه ج 1 ص 274.

ص: 429

وتتباهى وتتهادى حتى إذا كان انتهاء المطلق تقدم فرس الأمير سيف الدين سلار وانطلق ففاز بالسبق، وكان الرهن لمن سبق، وجملته سبعة آلاف درهم لمن سبق - عن كل فرس مائة درهم، وعدة الخيول الأخرى سبعين فرسا.

وفيها: فى آخر يوم من رمضان أحضر نائب السلطنة الأمير سلار القضاة وجماعة من الفقهاء كالباجى والجزرى وغيرهما، وتكلموا فى إخراج ابن تيمية من السجن، فاشترط بعض الحاضرين شروط عليه فى ذلك، وأرسلوا إليه المحضر فامتنع، وصمم، وتكررت الرسالة ست مرات فلم يجب، وطال عليهم المجلس، فتفرقوا عن غير شئ، فطلب النائب أخاه الشيخ شرف الدين عبد الله، وأخاه الآخر زين الدين عبد الرحمن، وجرى بينهما وبين المالكى كلام كثير. ولما كان يوم الجمعة أحضروا شرف الدين وحده، وحضر شمس الدين بن عدلان فى مجلس النائب، ووقع بينهما بحث كثير.

وفيها: فى يوم عرفة عقد مجلس بالقصر الأبلق بدمشق، وحضر القضاة والعلماء، وحضر موسى أحد فقهاء الباذرائية من المارستان فاعترف إنه مصر على القول بخلق القرآن، وأصر على ذلك، فاختلفوا فى تكفيره، ورسم بتعزيره، فضرب، وأخذ ونودى عليه، وحبس، ثم أحضر إلى مجلس قاضى القضاة نجم الدين بن صصرى، وأظهر التوبة، والتبرؤ من ذلك، فأطلق سبيله.

وفيها أختلف أهل جزيرة جربة فيما بينهم، فسعى محمد بن السمو من - شيخ الوهبيّة - فى ابن أمغر شيخ النكاره، ونقل إلى الفرنج عنه أمورا منكرة، فأمسكوه، وسيّروه إلى بلاد صقلية، فاعتقل هناك [373] ثم إنه فدى نفسه

ص: 430

بمال، فأطلقوه

(1)

، فعاد إلى جربة، وحشد حشودا كثيرة

(2)

، وقصد ابن السمومن ومن معه من الفرنج، فخرجوا لقتاله [والتقوا معه

(3)

]، فكانت الكسرة على ابن السمومن والفرنج، وظهر ابن أمغر عليهم، وأرسل يعلم صاحب تونس باستظهاره وسأله نجدة، وأرسل الفرنج الذين بجربة يعلمون أصحابهم بصقلية بحالهم ويسألونهم إنجادهم، فكان منهم ما نذكره، إن شاء الله تعالى.

‌ذكر قضيّة أبى يعقوب المرينى صاحب المغرب ومقتله:

وكان أبو يعقوب

(4)

هذا بمدينة تلمسان، وهو نازل فيها، محاصرا إياها، وكان قد ضايقها سنين كثيرة، ونفد ما كان لأهلها ولصاحبها من الأزواد والأقوات، وخلت من سكانها، فمنهم من تسلّل من الضرّ والضيق، ومنهم من مات، ولم يكن بقى عندهم إلى هذه الغاية إلا شئ يميرهم مقدار شهر لا غير، واتفق موته مقتولا.

(1)

«فأطلقه الفرنج من صقلية» - فى زبدة الفكرة التى ينقل العينى عنها هذا الخبر.

(2)

«حشدا كبيرا» - فى زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 251 أ، ب، هو يوسف بن يعقوب المرينى، أبو يعقوب، المتوفى سنة 706 هـ/ 1306 م وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 172، النجوم الزاهرة ج 8 ص 225، السلوك ج 2 ص 23، التحفة الملوكية ص 180، تذكرة النبيه ج 1 ص 276، الدرر ج 5 ص 256 رقم 5183، شذرات الذهب ج 6 ص 12، ومرآة الجنان ج 4 ص 241، الأنيس المطرب ص 374، ص 388، روضة النسرين ص 21 وما بعدها وورد فى الدرر وشذرات الذهب أنه توفى سنة 705 هـ.

ص: 431

وكان سبب قتله: أنه كان قد تعلق بخدمته شخص من بنى عبد الوادّ يسمّى الزعيم، من أصحاب صاحب تلمسان، فحظى عنده، وبقى فى خدمته سنين ثم غضب عليه، فسجنه مدة طويلة، وكان له وزير يقال له العزّ، فلما سجن الزعيم العبد الوادى تعرّض العز الوزير إلى حرمه، ثم إن المرينى رضى عن الزعيم، وأطلقه ونفاه إلى بلد الأندلس، واتفق بعد مدة أن ولدت جارية من جوارى المرينى اسمها إزرزاره بنتا، ومعنى هذا الاسم الغزالة، فبشّر بها المرينى فأنكرها، وقال: ما أعلم أننى باشرت أمها. فقالت له إحدى النساء الحاضرات: إن مولاى باشرها وهو على حالة سكر [فسلم

(1)

] وأمسك، وبلغ الزعيم الخبر وهو يومئذ بالأندلس، وكان قد اطلع على ما فعله العز الوزير بحريمه، فأرسل يقول للمرينى: إننى لم يشق علىّ تعرض الوزير العزّ إلى حرمى كما شق علىّ تعرضه لحرمك، وما فعله بإزرزاره

(2)

حتى إنه أولدها الطفلة التى أنكرت كونها منك، وهى فى الحقيقة منه، فاستشاط المرينى غضبا، وأمر من ساعته بإحضار العزّ وجبّه، وقلع عينيه، وصلبه، واستدعى الخادم الذى هو زمام داره واسمه عنبر، واتهمه بمواطأة العزّ على فساد حريمه، وأمر بإخراجه ليقتل، وفيما هم مارون به رآه جماعة أصحابه الأزمّه والخدام، فسألوه عما جرى، فقال لهم: يجر لنا خير وها هم ذاهبون بى إلى القتل وكلكم يقتل بعدى، فانظروا لنفوسكم ماذا تصنعون؟

وكان أبو يعقوب قد خضّب لحيته بالحناء ذلك النهار، واستلقى مضطجعا فى خضابه داخل داره، وليس عنده إلا بوابة الباب، فهجم عليه خادم من

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة حيث ينقل العينى هذا الخير.

(2)

«بإزراره» فى الأصل، والتصحيح مما سبق، من زبدة الفكرة.

ص: 432

الخدم وفى يده سكين فضربه فى جوفه وابتدر الخروج عنه، وأغلق الباب عليه، فصاحت البوابّة فدخل أصحابه عليه فأدركوه وبه بعض الرمق.

وكان ابنه أبو سالم عنده فقال له: إنى ميت فانظر فى أمرك

(1)

.

وقضى أبو يعقوب من يومه، فأمر ابنه أبو سالم [374] أن تضرب الطبول، فضربت واستدعى أعيان القوم لمبايعته، فبلغ ذلك ابن أخيه أبا ثابت عامر

(2)

بن عبد الله، وعمه يحيى، وكانا على مباشرة الحصار، فاشتورا واتفقا على أن يقصدا أبا سالم ويمنعاه من السلطنة، وأن تكون لأبى ثابت

(3)

دونه، ويكون عمه يحيى مدبرا لأمره، وأبرما هذا الرأى بينهما

(4)

.

ولما اتفق المذكوران على هذا الرأى أرسلا إلى محمد بن عثمان صاحب تلمسان العتيقة، وهو على شفا جرف هار لما توالى عليه من تضييق وحصار، وصالحاه، ورفعا عنه المحاصرة، والتمسا منه المناصرة، فأمدهما بمن كان قد بقى عنده من الجند، وتوجها نحو أبى سالم، فهرب منهما وخرج على وجهه، فحصل فى يد بعض أهل البلاد، فأمسكوه وأرسلوا يخبرون ابن أخيه بأنهم قد قبضوا عليه، فأرسل جماعة من فوارس الفرنج والمسلمين فقتلوه هناك، وجاءوا إليه برأسه

(5)

.

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 249 أ - 250 أ.

(2)

«أبا عامر ثابت» - فى الأصل، والتصحيح من المصادر المذكورة فى ترجمة أبو يعقوب المرينى، ومما أورده العينى فيما يلى فى أحداث نفس السنة.

(3)

«لأبى عامر» فى الأصل.

(4)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 250 أ.

(5)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 250 ب.

ص: 433

واستقر أبو ثابت المذكور فى هذه السنة، وأمر بقتل الخادم الذى أقدم على قتل أبى يعقوب، فقتل من وقته، وأخذ الخدم كافة فقتلوا، وأضرمت لهم النيران، وزجّوهم فيها بالرماح، ولم يترك أبو ثابت بمملكته خادما خصيّا حتى أباده، ثم وثب على عمّه بسعاية قومه فقتله ثانى يوم، فكان بين يحيى وبين أخيه أبى يعقوب يوم واحد أو يومان، ورحل أبو ثابت من تلمسان وأطلق لمحمد بن عثمان العبد الوادى كل ما كان عنده بتسلمان الجديدة من الحواصل والذخائر والغلال والأزواد، وكان شيئا كثيرا، وأخذ المال صحبته، وكان من الذهب ثلاثمائة حمل، كل حمل إثنان وعشرون ألف دينار كبارا، ومن الفضة مائتين وسبعين حملا، ومن حفائظ الذهب التى تكتب فى آخر جمعة من رمضان للتعوذ والتبرك على عادة المغاربة وقر إثنى عشر بغلا، وسار إلى فاس، وجهّز مستحفظا من بنى عمه إلى مراكش اسمه يوسف بن أبى عياد، وجهز معه جماعة ليقيم بها، وأرسل إليه شخصا من الحاضرة يسمى الحاج محمد، ولقبه المحنة، ليكون على جباية الأموال، فوقع بينهما، فقتله ابن أبى عياد، فكانت الأحنة قاتلة للمحنة، وخلع يوسف المذكور طاعة أبى ثابت وعصى عليه، وقعد بما فى يديه من العمل، فسار أبو ثابت لقتاله على ما نذكره إن شاء الله تعالى

(1)

.

وفيها: انتهت زيادة النيل إلى ستة عشر ذراعا وخمسة عشر أصبعا.

وفيها حج بالناس الأمير سيف الدين نغيه قفجاق السلحدار أميرا على الركب المصرى، ومن الشام ركن الدين بيبرس المجنون.

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 250 ب، 251 أ، وانظر ما يلى ص 468 وما بعدها.

ص: 434

ولما حضر المبشرون من الحج أخبروا أن أمير الحاج حصل بينه وبين أمير مكة حميضه وعبيده كلام أوجب سفك الدماء، وذلك أنه يوم النزول من عرفة شرعت عبيد الشريف تخطف التجار وتتعرض للحاج، فأخذوا من بعض التجار قماشا، فمنعهم، فضربوه، فصاح صياحا منكرا إلى أن أقلت

(1)

الركب، فسمع أمير الحاج نغيه، فأرسل بعض مماليكه ليكتشفوا [375] الخبر، فحضر من عرّفه الأمر، فأشار لمماليكه بمسكهم، فساقوا إليهم، فانهزموا، فلحقوا البعض بعد أن خرج منهم جماعة، ووقع الصوت فى مكة بوصول العبيد، فركب حميضة لابسا سلاحه، وركب معه بنو حسن، وكان عند حميضة جهل كبير، فجاء الخبر إلى الأمير نغيه، فركب هو ومماليكه وركب من كان فى الركب من الأمراء والجند ووقع الصوت، ثم إن نغيه نادى للحاج أن لا يخرج أحد من خيمته، وتوجه هو ومن معه فأشاروا عليه بأن يقف إلى أن يحضروا إليه، فلم يقبل وساق، فلقى جماعة من السرو، فظن أنهم عبيد للشرفاء، فوضع السيف فيهم، فترجل إليه بعض الأمراء وعرّفه أن هؤلاء أناس صالحون، ووصل الخبر إلى حميضة أن أمير الركب قتل السرو - وهو واصل إليك، وهو رجل تترىّ لا يعرف الإسلام، فحكموا على حميضة بالرجوع، فرجع إلى مكة، وبلغ ذلك نغيه فلم يرجع، ووصل إلى مكة، ونظر الأشراف إلى جيش لا يهابون شريفا ولا غيره، فهربوا، وخرج إليه شيوخ مكة والمجاورون وسألوه، فرجع وقتل فى هذه النوبة من السرو خلق كثير.

(1)

هكذا بالأصل، ولعلها «أقبل» .

ص: 435

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

القاضى تاج الدين صالح

(1)

بن ثامر بن حامد بن على الجعبرى الشافعى

(2)

، نائب الحكم بدمشق، ومعيد الناصرية.

وله فضائل، وعلوم، وديانة، وأمانة، مات فى ربيع الأول عن ست وسبعين سنة

(3)

، ودفن بقاسيون.

الشيخ ضياء الدين أبو محمد عبد العزيز

(4)

بن محمد بن على الشافعى الطوسى، مدرس النجيبية

(5)

، شارح الحاوى

(6)

، ومختصر ابن الحاجب

(7)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 173، الدرر ج 2 ص 298 رقم 1961، البداية والنهاية ج 14 ص 43، الدارس ج 1 ص 466.

(2)

ورد اسمه «صالح بن أحمد بن حامد بن على الجعدى» فى البداية والنهاية، كما ورد «صالح بن تامر» فى الدارس.

(3)

«مولده سنة ثلاثين وستمائة» - تذكرة النبيه ج 1 ص 275.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 173، المنهل الصافى: النجوم الزاهرة ج 8 ص 225، السلوك ج 2 ص 32، البداية والنهاية ج 14 ص 43، مرآة الجنان ج 4 ص 241، الدارس ج 1 ص 247، شذرات الذهب ج 6 ص 14، تذكرة النبيه ج 1 ص 277.

(5)

المدرسة النجببية بدمشق: لصق المدرسة النورية، وضريح نور الدين جهة الشمال، أنشأها النجيبى جمال الدين أقوش الصالحى النجمى، أستادار الملك الصالح أيوب - الدارس ج 1 ص 467.

(6)

هو كتاب: «الحاوى الصغير فى الفروع» ، لمؤلفه عبد الغفار بن عبد الكريم، القزوينى، المتوفى سنة 668 هـ/ 1269 م، وقد شرحه الطوسى وسماه:«المصباح» - كشف الظنون ج 6 ص 625.

(7)

هو مختصر كتاب «منتهى السؤل والأمل فى علمى الأصول والجدل» لمؤلفه عثمان بن عمر ابن أبى بكر الكردى الإسنائى، المعروف بابن الحاجب، والمتوفى سنة 646 هـ/ 1248 م - كشف الظنون ج 2 ص 1625، 1853.

ص: 437

كان شيخا فاضلا، دخل الحمام وخرج، فغشى عليه ومات، وشكّ فى موته، وأخّروا دفنه إلى ثانى يوم، ودفن بمقابر الصوفية، وكانت جنازته حفلة.

وقال ابن كثير: وكان موته فى التاسع والعشرين من جمادى الأولى منها

(1)

.

الشيخ الجليل سيف الدين الرجحى

(2)

بن سابق الدين

(3)

هلال بن يونس، شيخ اليونسية بمقامهم.

مات فيها ودفن فى داره التى كان يسكنها داخل باب توما، وتعرف بدار أمين الدولة، وكان ضخم الهامة جدا، محلوك

(4)

الشعر، وخلف أولادا، وجلس مكانه ولده الشيخ حسام الدين فضل، وكانت له حرمة وافرة، ومنزلة عالية فى الدولة من حين قدم من الشرق فى زمان المنصور قلاون، وكان عنده أتباع كثير.

الشيخ جمال الدين إبراهيم

(5)

بن محمد بن سعد الطيبى، المعروف بابن السواملى، والسوامل

(6)

الكاسات

(7)

.

(1)

هكذا بالأصل، وفى النجوم الزاهرة، ولكن ورد «تاسع عشر من جمادى الأولى» فى المطبوع الذى بين أيدينا من البداية والنهاية ج 14 ص 43.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 44، السلوك ج 2 ص 31.

(3)

«ابن سابق» فى البداية والنهاية، والسلوك.

(4)

هكذا فى الأصل، و «محلوق» فى البداية والنهاية.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 61 رقم 159، البداية والنهاية ج 14 ص 43، شذرات الذهب ج 6 ص 13.

(6)

هكذا بالأصل: وفى شذرات الذهب، ووردت «السوابلى، والسوابل» فى البداية والنهاية.

(7)

«والسوامل أوعية من حرث (خزف)» - فى الدرر.

ص: 438

كان معظما ببلاد الشرق جدا، وكان تاجرا كبيرا، مات فى جمادى الأولى منها، وكان قد سافر فى أول عمره إلى الصين ومعه مال يسير، ففتح عليه، وتمول إلى الغاية، وكان ينطوى على دين وكرم وبر وصدقة، واعتقاد فى أهل الخير، وكان يحمل إلى الشيخ عز الدين الفاروثى فى كل عام ألف مثقال، ثم مالت عليه التتار بالأخذ حتى تضعضع حاله وقلت أمواله، وانتقل إلى واسط.

قال ابن منتاب، قال لى جمال الدين السواملى: ما بقى لى شئ سوى هذا الحبّ، وأرانى حبّا فيه ثمانون ألف دينار، [371] فبعثه إلى الصين، فكسب الدرهم تسعة، وولى ابنه سراج الدين عمر نيابة الملك بالمعبر، وصار ابنه محمد ملك شيراز، وابنه عز الدين كامل جميع المملك التى لفارس، ورزق جمال الدين من السعادة ما لاحد لها.

قيل: إنه اشترى صدفة مجوفة بدرهم، وذلك فى أول سعادته، وكسرها، فخرج منها درة بيضاء مدورة زنتها خمسة عشر حبة، فقيل: إنها قوّمت على الملك أبغا بستين ألف دينار، وهى التى كانت أول سعادته، وكان من حسنات الزمان، رحمه الله.

الشيخ العابد الصالح خطيب دمشق شمس الدين محمد

(1)

ابن الشيخ أحمد ابن عثمان الخلاطى، إمام الكلاّسة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 173، المنهل الصافى، الوافى ج 2 ص 119 رقم 461، ص 169 رقم 527، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 155 رقم 253، الدرر ج 3 ص 424 رقم 3411، السلوك ج 2 ص 32، شذرات الذهب ج 6 ص 14، البداية والنهاية ج 14 ص 44، تذكرة النبيه ج 1 ص 276.

ص: 439

كان شيخا حسنا بهى المنظر، باشر إمامة الكلاسة قريبا من أربعين سنة، وخطب لخطابة جامع دمشق من غير سؤال منه ولا طلب، فباشرها ستة أشهر ونصفا، وكان حسن الصوت، طيب النغمة، عارفا بصناعة الموسيقى، مع ديانة وعفة، وكانت وفاته فجأة بدار الخطابة يوم الأربعاء ثامن شوال عن ثنتين وستين سنة

(1)

، ودفن بقاسيون فوق مغارة الجوع، وكان أولا أمّ بالمسجد الذى بالقرب من المارستان النورى مدة وهو صبى، ثم انتقل إلى إمامة مشهد ابن عروة، ثم لما مات والده انتقل إلى إمامة الكلاسة، رحمه الله.

الشيخ القدوة العابد أبو عبد الله بن مطرف.

توفى بمكة فى رمضان، وكان مجاورا بمكة ستين سنة، وكان يطوف فى كل ليلة خمسين أسبوعا

(2)

، توفى عن تسعين سنة، رحمه الله.

الشيخ الصالح عمر

(3)

السعودى

(4)

.

توفى بزاويته بالقرافة فى ثانى جمادى الآخرة

(5)

، ودفن بها.

القاضى شرف الدين محمد بن القاضى فتح الدين بن عبد الله بن القيرانى الحلبى، أحد كتاب الدرج بمصر.

(1)

«مولده سنة أربع وأربعين وستمائة» - تذكرة النبيه.

(2)

هكذا بالأصل، ومن المعروف أن الطواف سبعة أشواط، ولعل المقصود، خمسين طوافا كاملا.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 275 رقم 3095، كنز الدرر ج 9 ص 153 - 154.

(4)

ورد اسم صاحب الترجمة «عمر بن يعقوب بن أحمد السعودى» - فى الدرر.

(5)

«سنة سبع وسبعمائة» - فى كنز الدرر، والدرر.

ص: 440

توفى فيها، ودفن بالقرافة، وكان دينا فاضلا، سمع الحديث النبوى.

القاضى جمال الدين أبو بكر محمد

(1)

بن عبد العظيم بن على بن سالم الشافعى، المعروف بابن السفطى، خليفة الحكم العزيز.

توفى فيها ليلة الإثنين حادى عشر شعبان بالقاهرة

(2)

، ودفن بالقرافة، ومولده سنة ثمان وعشرين وستمائة، وولى نيابة الحكم بالقاهرة نحوا من أربعين سنة وتركها فى آخر عمره.

الصاحب الكبير شهاب الدين أحمد

(3)

بن أحمد بن عطا الحنفى الأذرعى.

مات فى هذه السنة، ودفن قبالة داره بسفح قاسيون، وكان رجلا حسنا متواضعا، مليح الملتقى، حصّل أملاكا كثيرة، وعمرّ عمائر كثيرة، وخالط الدولة من الأيام الظاهرية، وولى الوزارة فى دولة الملك العادل زين الدين كتبغا أياما يسيرة، وولى حسبة دمشق مدة مضافا إلى الديوان العادلى، وغير ذلك.

الصدر الرئيس بدر الدين محمد

(4)

بن فضل الله بن مجلى العدوى.

مات بدمشق، ودفن بقاسيون، وكان من أعيان الكتاب المتصرفين، جاوز السبعين من العمر، وهو أخو القاضى شرف الدين

(5)

، والقاضى محى الدين

(6)

،

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 4 ص 136 رقم 3910.

(2)

«مات فى شعبان سنة 707 هـ» - فى الدرر.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 106 رقم 273.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 224، الوافى ج 4 ص 328 رقم 1887، الدرر ج 4 ص 254 رقم 4224، السلوك ج 2 ص 32.

(5)

هو: عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلى، القاضى شرف الدين، كاتب السر بمصر، توفى سنة 717 هـ/ 1317 م - المنهل الصافى.

(6)

هو يحيى بن فضل الله بن مجلى، القاضى الرئيس محيى الدين كاتب السر بالشام ومصر: توفى سنة 738 هـ/ 1337 م - المنهل الصافى.

ص: 441

وهو الأوسط، وكان التتار قد أخذوه معهم من دمشق فى سنة تسع وتسعين وستمائة، ولطف الله به وخلّصه حتى مات بين أهله وولده، رحمه الله.

الصدر علاء الدين على بن الحسن بن النحاس المعروف بابن عمرون.

مات [377] بدمشق ودفن بقاسيون، وكان ناظر ديوان الحشرية

(1)

بدمشق، وخدم فى عدة جهات، وأقطار كبار، وكان مشكور السيرة

(2)

.

الشيخ أبو بكر

(3)

بن مسعود بن عصرون القدسى، المعروف بالزرعى.

مات فى دمشق، ودفن بمقابر الصوفية، وكان فقيرا، وعمرّ، وأضر فى آخر عمره، ومولده فى سنة اثنتى عشرة وستمائة

(4)

.

وله شعر، فمنه فى زهرة السفرجل:

زهر السفرجل قد أتاك مبشر

بالورد وهو لذلك غير مخلّد

فكأنه عيسى بن مريم قد أتى

للعالمين مبشرا بمحمد

(1)

ديوان المواريث الحشرية: وهو الديوان المسئول عن تحصيل مال المواريث الحشرية وهى التى يستحقها بيت المال، وهى مال من يموت وليس له وارث، أو المال الباقى بعد الفرض أى من له وارث لا يستحق كل الميراث - انظر صبح الأعشى ج 3 ص 460، المواعظ والاعتبار ج 1 ص 111.

(2)

باقى هذه الترجمة يقع فى نحو عشرين سطرا، معظمها مطموس، ويصعب معه متابعة النص.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 499 رقم 1251، وورد فيه اسم صاحب الترجمة «أبو بكر بن مسعود بن هارون القدسى، يعرف بالروسى» .

(4)

«بالقدس» - فى الدرر.

ص: 442

وله:

لا سحر إلا الذى تبديه عيناك

ولا ملاحة إلا « ...... »

(1)

لمحياك

قال زجل

(2)

:

[379]

مالى وللناموس

أش بى عبوس

الشرب بالقادوس يحيى النفوس

الشرب فى الماجور قلبى يحنّ

ومجلسى معمور، من كل فن

ودع نصير طنبور

أنقر أطنّ

أرنّ بالناقوس

بين القوس

الشرب بالقادوس يحيى النفوس

يوم أرى عندى

نكرش خليع

فذاك يكون سعدى

وأنا جميع

وكلما عندى

أرهن وبيع

وأجور فى السالوس

وأهجم وبوس

الشرب بالقادوس يحيى النفوس

ما العيش يا حضار

عيش خطيب

(1)

« ...... » كلمة مطموسة، كما توجد أبيات أخرى من الشعر 28 بيتا تشغل باقى هذه للورقة والورقة التالية (378)، ومعظمها مطموس مما يصعب معه متابعة النص.

(2)

توجد بعد ذلك أربعة أسطر مطموسة.

ص: 443

غير الزهرّ والطار

وأغيد حبيب

مالى ويلتقيان

كانى خطيب

قاعد كذا كيموس

أسمع دروس

الشرب بالقادوس يحيى النفوس

يا عاذلى اقصر

عن الملام

فى الراح واستبصر

يا ذا الغلام

وكلما نقتدر

نوش المدام

واخلع الملبوس

على الجلوس

الشرب بالقادوس يحيى النفوس

ما أحسن الخضرة

ما بيننا

وساقى الخمرة

هو زيننا

ما عندنا فكرة

ولا عنا

ووقتنا محروس

من كل بوس

الشرب بالقادوس يحيى النفوس

وله مواليا:

لما رقم طرز أطلس

وجنتو سندس

قال العذول صباحو

قد رجع حندس

دعو فورد خد

وذ قد ملى كندس

فقلت ما أظرف

الأطلس مع القندس

ص: 444

وقال:

جاء البشير يبشرنا بعزل البرد

فقدّم الباطيه يا صاحبى والنرد

واشرب على وجه أغيد فى الملاحة فرد

يجلو عليك البنفسج فى رياض الورد

وقال دو بيت:

عرج بربوع جيرة قد خانوا

عهدى وناءوا كأنّهم ما كانوا

ساروا صحرا وأضرموا حين باتوا

من قلبى من مرامهم نيران

الأمير سيف الدين بلبان

(1)

الجوكندار المنصورى، نائب حمص.

توفى فيها، وتولاها سيف الدين بكتمر الساقى، وكان بلبان المذكور من خيار الترك، ولى نيابة قلعة صفد، وشدّ دمشق، ونيابة القلعة بها، ونيابة حمص فى آخر عمره.

الأمير علم الدين سنجر

(2)

الصوابى الجاشنكير، أحد الأمراء المقدمين بمصر

(3)

، توفى فيها.

الأمير بدر الدين بكتاش

(4)

الفخرى أمير سلاح.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 420 رقم 697، النجوم الزاهرة ج 8 ص 224، الوافى ج 10 ص 283 رقم 4789، الدرر ج 2 ص 26 رقم 1333، السلوك ج 2 ص 31.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 2 ص 268 رقم 1878.

(3)

«ولى ولاية القاهرة فى سنة 693 هـ» - الدرر.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 172، المنهل الصافى ج 3 ص 385 رقم 675، تالى كتاب وفيات الأعيان ص 56 رقم 86، الدرر ج 2 ص 14 رقم 1301، النجوم الزاهرة ج 8 ص 224، الوافى ج 10 ص 188، كنز الدرر ج 9 ص 146، تذكرة النبيه ج 1 ص 277، السلوك ح 2 ص 30.

ص: 445

كان أصله من مماليك الأمير فخر الدين بن الشيخ، وارتجع إلى مملكة السلطان الملك الصالح، وكان من أكابر الأمراء الصالحية المترددين فى الغزوات، المشهورين بالخير والصدقات، ولما قتل الملك المنصور لاجين أجمعوا على تمليكه فلم يوافق، وأشار بالملك الناصر محمد بن قلاون، وفى آخر عمره طلب النزول عن الإمرة لكبر سنه، فأجيب إلى ذلك، فأقام فى منزله حتى مات [380]، وكان منزله داخل القاهرة. ووفاته فى ربيع الأول من هذه السنة وكان بين موته وقطع خبزه ثلاثة أشهر كوامل، وكان ذا همة ونهضة، ورأى ومعرفة، وهو آخر من مات من الأمراء الصالحية النجمية من الركب الأول رفيق الملوك.

وقيل: آخر من مات ركن الدين بيبرس الجالق

(1)

.

الأمير علاء الدين على

(2)

بن الملك القاهر عبد الملك بن المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب.

توفى فيها بدمشق، ودفن بقاسيون.

الأمير فارس الدين أصلم

(3)

الردّادى، توفى فيها.

الأمير سيف الدين كاوركا المنصورى

(4)

، توفى فيها.

(1)

انظر ما يلى ص 480.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 150 رقم 2791.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 455 رقم 472، النجوم الزاهرة ج 8 ص 225، السلوك ج 2 ص 32.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: النجوم الزاهرة ج 8 ص 224، الدرر ج 3 ص 347 رقم 3298 وورد فيه «كاوزكا» ، السلوك ج 2 ص 32.

ص: 446

الأمير بهاء الدين أصلم

(1)

بن مرداش، توفى فيها بدمشق.

الأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزورى

(2)

، مات فى سابع عشر ذى الحجة

(3)

منها بمصر.

الأمير عز الدين أيبك الطويل

(4)

الخازندار المنصورى.

مات فيها، ودفن بقاسيون، وكان أميرا دينا، كبير القدر، له بر وصدقة.

الطواشى الكبير الصالح شمس الدين صواب

(5)

السهيلى الخزندار.

مات فيها بالكرك، وقد قارب المائة سنة، وكان الملك الظاهر قد سلّم إليه قلعة الكرك، فاستمر بها إلى سنة إحدى وثمانين وستمائة فى أيام الملك المسعود نجم الدين خضر بن الظاهر، فتوجه إلى الحجاز الشريف فى جملة الركب الشامى، فلما وصل إلى تبوك لحقه الأمير عينه أمير بنى عقبه وقبض عليه وحمله إلى الملك المنصور قلاون، فلما ملك المنصور قلعة الكرك أعاده إليها وثوقا بأمانته

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 416 رقم 992، وفيه «أسلم بن تمركاش أحد الأمراء بدمشق، مات فى ذى القعدة سنة 707 هـ» .

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 5 ص 212 رقم 5077، كنز الدرر ج 9 ص 154، النجوم الزاهرة ج 8 ص 225، السلوك ج 1 ص 32.

(3)

«توفى فى السابع والعشرين من ذى الحجة، سنة 707 هـ، فى كنز الدرر ج 9 ص 154، الدرر.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 1 ص 452 رقم 1110، السلوك ج 2 ص 30.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 225، الدرر ج 2 ص 307 رقم 1984، كنز الدرر ج 9 ص 154، السلوك ج 2 ص 31 - 32،

ص: 447

وديانته، فلم يزل بها إلى أن مات فيها، وكان له برّ ومعروف، ورباط وتربة، وكان كثير المال كبير السن.

الطواشى شهاب الدين فاخر

(1)

المنصورى، مقدم المماليك السلطانية.

توفى فى سابع ذى الحجة منها، وكان ذا مهابة وسطوة، وأخلاق حسنة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 8 ص 228 وفيه «توفى سنة 707 هـ» الدرر ج 3 ص 299 رقم 3150 وفيه «توفى سنة 704 هـ» .

ص: 448

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة السابعة بعد السبعمائة

(*)

استهلت هذه السنة: والخليفة المستكفى بالله العباسى.

والسلطان: الملك الناصر محمد بن قلاون، ونائب دمشق الأفرم، ونائب حلب قراسنقر، وصاحب البلاد الشمالية طقطا، وصاحب العراقين وما والاها الملك خربندا، وصاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود.

وذكر بيبرس فى تاريخه فى هذه السنة: وقوع الوحشة بين السلطان الملك الناصر محمد وبين الأمراء سلاّر وبيبرس

(1)

وغيرهما، وقد ذكرناه فى السنة الماضية كما ذكره ابن كثير

(2)

.

‌ذكر إغارة خربندا على بلاد كيلان:

قال بيبرس فى تاريخه: وفيها وصل الأمير فتح الدين صبره

(3)

المهمندار من بلاد التتار، وأخبر من لسانه أن خربندا سار إلى بلاد كيلان وأغار عليها، ونهب من بها من العجم والأكراد، وقتل منهم خلقا يتجاوز الأعداد، وسبى النسوان والأولاد، وباعوهم بتبريز وتلك البلاد، مجاز يا لهم مما فعلوه من كسر

(*) يوافق أولها يوم الإثنين 3 يولية 1307 م.

(1)

انظر زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 251 ب، كنز الدرر ج 9 ص 147.

(2)

انظر ما سبق ص 427.

(3)

«بن ضبرة» - فى كنز الدرر ج 9 ص 149.

ص: 449

عسكره وقتل قطلوشاه نائبه

(1)

.

قلت: قد ذكرنا فيما مضى قضية قطلوشاه وكيف قتل

(2)

، ولما جاء الخبر بذلك إلى خربندا اغتم غما شديدا وأمر بأن ينادى فى عسكره بأن البيكار ثلاث سنين إلى كيلان، إما تفنى المغل أو [381] تموت كيلان، ثم إنه فتح الخزائن، ونفق الأموال، وأمر أن من قتل له أخ أو قريب فليتزوج بامرأته، وإن كان ما له أخ ولا قريب فليتزوجها أكبر غلمانه، وأخذت العساكر الأموال، وأخذوا فى إصلاح أحوالهم.

وقد كانت جماعة من ملوك كيلان قد هربوا وجاءوا إلى قطلوشاه، لما سار قطلوشاه إلى بلادهم، وكان قطلوشاه قد أرسلهم إلى خربندا، فلما جرى للمغل ما جرى من الإنكسار والهزيمة، وقتل قطلوشاه، ندم هؤلاء على مجيئهم، واجتمعوا عند كبيرهم نوبر شاه، وقالوا له: أخطأنا فى مجيئنا إلى ههنا، وتركنا أموالنا وأولادنا، وجرى علينا ما جرى، وما بقينا نقدر على الرواح إلى كيلان، ولا نأمن على أنفسنا من المغل، [فقال لهم:

(3)

] والله يا قوم ما ظننت أصلا أن أهل كيلان تكبس التتار، ولكن النصر بيد الله تعالى ينزله على من يشاء من عباده، فما بقى إلا أننا نستغفل خربندا ونهرب طالبين بلادنا. فقالوا: ما يكون عذرنا عن جوان شير - وكان أكبر ملوكهم - وعند أصحابه إذا لا مونا على خطئنا. فقال: نقول لهم: كان رواحنا

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 253 ب.

(2)

انظر ما سبق ص 385 وما بعدها.

(3)

[] إضافة تتفق مع السياق.

ص: 450

لمصلحة لكم لأنا خشينا عواقب الأمور، فقلنا إن جرى أمر والعياذ بالله كنا لكم عليه عند الشدة، ونكون عينا لكم عندهم، فاتفقوا على مثل ذلك، ولم يعلموا ما قدره الله فى الأزل.

ثم إنهم خرجوا فى بعض الليالى، وباتوا خارج تبريز فى وليمة صنعت لهم، فقاموا فى نصف الليل وركبوا، وطلبوا بلادهم. فسمع خربندا بذلك، وأركب جوبان خلفهم ومعه ألفا فارس، فساقوا خلفهم ولا حقوهم فى أرض سوداء ليس فيها أنيس، ولا حس حسيس.

ولما رأى هؤلاء غبار التتار، قال بعضهم لبعض: جاءنا الفناء، خذوا فى رواحكم، وقالوا: وماذا نصنع فى هذه البرية، فقال نوبر شاه: نقاتل عن أنفسنا، وإلاّ أىّ من سلّم نفسه يقعدونه على الخازوق، كما فعل بقطلوشاه، وكانت عدتهم خمسة عشر أميرا ومائتى جندى، فتحالفوا أنهم لا يسلمون أنفسهم حتى تسقط رؤوسهم عن أبدانهم. فعند ذلك نزلوا عن خيولهم، واعتدوا للحرب ووهبوا أنفسهم لله عز وجل، وأيقنوا الموت، وهم فى ذلك، فإذا الغبار قد انكشف، وأظهرت التتار الإهتمام، فتسابقوا إليهم، وكان أسبق الناس إليهم قجمرن، وكان من فرسان التتر المشهورين، ولما رأته المغل، وهو قاصد إليهم حملوا عليه، وضجوا بكلمة التوحيد، ووثبت عليهم التتار « ...... »

(1)

فلم يفكروا فيه، وواجهوهم بالرماح، فكم من رأس قد طارت، وكم من دماء قد «سالت

(2)

»، وفى ذلك الوقت « ......

(3)

» فحمل كل منهما على صاحبه،

(1)

«» موضع كلمة غير مقروءة.

(2)

«طارت» فى الأصل، ولعله تحريف، والتصحيح يتفق مع السياق.

(3)

« ...... » موضع ست كلمات غير مقروءة.

ص: 451

فرمى كلتمر على نوبر شاه - زعيمهم - فأصاب نحره، وخرج من ظهره، ثم ولّى فصوّب نوبر شاه رمحه إليه - وهو فى ألم شديد مشرف على الموت - وطعنه بين كتفيه. فخرج الرمح من صدره، فوقع كلاهما، فولّى هذا إلى الجنة، وذاك إلى النار.

فلما نظر جوبان إلى ذلك أظلمت الدنيا فى عينيه، وصرخ فيمن معه من التتار [382]، وضربوا عليهم حلقة، وشرعوا فى الحرب، فلله در العجم، لقد قاتلوا قتال الموت، وجعلوا الآخرة نصب أعينهم، وما أمسى الليل إلاّ والقوم صرعى على وجه الأرض، ولم يسلم منهم أحد. فأمر جوبان بأن تحز رؤوسهم، وبات تلك الليلة فى مكان الوقعة.

ولما أصبحوا رحلوا طالبين خربندا، فلمّا وصلوا، ومعهم رؤوس هؤلاء، فرح خربندا فرحا عظيما بذلك الثأر، وخلع على جوبان، وولاّه موضع قطلوشاه، وجعله صاحب المشورة والتدبير.

وكان ذلك الوقت مستهل الشتاء، فأعطى خربندا الأمراء دستورا ليروح كل أمير إلى مشتاه، ويتجهز، فإذا خرج الشتاء يجتمعون ليسير بهم خربندا إلى كيلان، وسار خربندا أيضا إلى مشتاه، وهو موضع يسمى موغاى.

وفى أول الربيع رجع إلى تبريز، وأمر بحضور العساكر، وكتب إلى جبال الأكراد يأمرهم بالحضور، فحضرت أمراء الأكراد، ومعهم خلق عظيم، ولم يخلّ طائفة فى بلاده حتى سير خلفهم، فجمع خلقا لا يحصون.

ص: 452

وكان لأهل كيلان جواسيس أتوا إليهم، وأعلموهم بأن خربندا قد جمع العساكر، وهو قاصد إليكم، فتحصنوا فى الجبال، وسدّوا الدربندات، وتجهزوا للملتقى معه، وكتبوا إلى أمير حاج، وتشاوروا بأن يجهزا أحوالهما حتى اذا سيروا خلفهما يكونان متجهزين، فأخذا فى التجهيز، ثم إن جوان شير قال: إنى أريد أن آخذ معى مائة فارس، وأكشف الأخبار، فسار غير بعيد، ثم رجع، وقال: الذى طلبت من الله قد أعطانى. فقالوا له: وما ذاك؟ فقال: كنت أريد من الله أن يسوق إلينا من نأخذ الخبر، وقد ساق الله إلينا جماعة منهم، فحين رأيتهم رديت، فقالوا: وكم يكون هؤلاء؟، قال: مقدار أربعين فارسا أو أقل، ثم إنه فرّق أصحابه ما بين تلك الرجوم، وقال لهم: إذا سمعتم حس الطبل بازا خرجوا وأمسكوا عليهم الطرق من بين أيديهم وأنا آخذ عليهم الدرب من خلفهم.

وكان خربندا لما نزل على قنغر أولان طلب علجا من علوج المغل - يقال له:

زنبور، كان معروفا عندهم فى المهمات، وقال له: اذهب واكشف لى جبال كيلان ودربنداتها، وكان أخبر الناس ببلاد كيلان، فأخذ معه خمسين فارسا، وسار بهم، فلما أشرف على هذه الرجوم، وكانت تعرف عندهم برجوم الغيلان، قال لأصحابه: يا قوم هذا مكان نحس، وعر مضيق، ونخاف من هذا المكان، فقال له بعض المغل: يا زنبور تخاف فى قنغر أولان من جوان شير؟، فقال:

نعم، فتضاحكت المغل عليه، فاستحى زنبور، وسار قدامهم، وقلبه خائف، فلما توسط الرجوم نظر إلى الأرض فاذا عليها أثر خيل جديد، فصرخ فى المغل، فتشوشوا وهموا بالرجوع، وإذا قد خرج من خلفهم جوان شير وضرب عليهم طبل بازه، فخرج أصحابه من كل ناحية وأخذتهم الصيحات من جميع الجهات،

ص: 453

وتنادوا جوان شير، قال لهم زنبور: ما قلت لكم، ما سمعتم منى، وضحكتم على ورديتم نصيحتى، ولا بقى لكم غير الصبر على البلاء، ثم صرخ زنبور فى أصحابه، وحمل على العجم، وهو على مقدمتهم [383] فرمى واحد من العجم بسهم فأرماه، فتهاربت العجم من بين يديه، وفتحوا له طريقا، خرج هو وأصحابه وطلبوا صوب كيلان، لأن جوان شير كان قد ملك الطريق الذى جاءوا منه.

ولما رأى جوان شير أن طرائق المغل قد أخذت خرج على أصحابه وقال لهم: دونكم وإياهم، ثم أطلق عنان فرسه، وكان حصانا كرجيا أبرش، إن حمحم أدهش، وإن صهل أرعش، وساق وراءهم فأيقنت المغل بالدمار، ثم لحق جوان شير الهاربين فطعن فارسا منهم فأرماه، ثم الثانى، ثم الثالث، ثم وصل أصحابه إليه وأحاطوه بهم، ومسكوا منهم ثلاثين فارسا، وهرب زنبور ومعه عشرة من أصحابه، والتجأوا إلى تل عال، وأسندوا ظهورهم إليه، وأخذوا قسيّهم بأيديهم، وأيقنوا بالحمام، وجاء جوان شير بمن معه، فضربوا عليهم حلقة، ونادى جوان شير ويلكم يا كلاب، سلّموا أرواحكم وإلا نزل بكم الدمار، ولما رأى زنيور أن الذى ينادى جوان شير طلب منه الأمان عليه وعلى من معه، فأمنهم جوان شير، وسلّموا أنفسهم، وفرح بذلك جوان شير، ثم سأل عن خربندا، فأخبروه بأنه نازل على قنغر أولان ومعه خلق لا تحصى، وهو قاصد إليكم وقد سيّرنا لنكشف له الأخبار.

ثم قال جوان شير لتوكل: خذ معك عشر فرسان وخذ هؤلاء الأسرى وسر بهم إلى البلاد، فقال له: وأنت؟. فقال: أنا قد عولت أن أغار على دشارات خربندا وعسكرة ما داموا آمنين من جهتنا. فقال توكل: لا تفعل.

ص: 454

فقال: لا غنى عن ذلك، ثم قال توكل: فإن كان لا بد من ذلك فأنا ما أروح مع هؤلاء، ولا أنقطع عنك، وسألتك بالله العظيم أن لا تحرمنى الغزوة فى هذه النوبة فقال جوان شير: أين الفارس منكلى؟ فأجابه بالتلبية. فقال له: سر بهؤلاء، فسار منكلى بهم.

ورجع جوان شير وأصحابه طالبين دشارات المغل، فسار فى ذلك اليوم والثانى وعند آخر النهار أشرف على قنغر أولان وإذا عليها عساكر قد سدت تلك الأراضى، ونصبت خيام وقباب لا تحصى، ودشارات الخيل والجمال سارحات فى البرية، فلما عاين جوان شير ذلك أكمن بأصحابه فى جانب من العسكر بين كثبان رمل إلى أن ولّى النهار وأقبل الليل، ولما أظلم الليل قام ومعه أصحابه وقصدوا موضع الدشارات فأتوها وهى سارحة، والرعاة نيام لكونهم آمنين فى هذا الموضع، فضربوا عليها الحلقة، ومن الغرائب أنهم وقعوا بدشار خربندا من خيوله الخاص التى يعتمد عليها، وخيل الأمراء أيضا، وهى سبعة آلاف حصان، ثم ساقوها من بعد ما تمكنوا من قمم الرعيان، وقال للدليل: افتح عينك واسلك طريق السلامة ولا تخف، فها نحن خمسون فارسا خلفك، ثم ساروا والخيل أمامهم وجوان شير وراء الكل، ولم يزالوا سائرين إلى الصبح، فما أصبحوا إلا فى أراضى بعيدة.

ثم علم بذلك المغل وبلغوا الخبر لخربندا بأن جوان شير ساق الدشارات، فماجت عساكره، وركب خربندا وقد خفق فؤاده، وطار رقاده، وكان إلى جانبه رشيد الدولة الوزير، [384] وسعد الدين، وقدامه جوبان، وأتته أمراء الألوف من كل جانب، ولم يزالوا واقفين إلى طلوع الفجر، وكان

ص: 455

جوبان سير جماعة من أصحابه يكشفون له الدشارات فينظرون ما نقص منها، فحضروا عند الصباح وقالوا: إنما ساقوا خيل خربندا الخاص ودشار الأمراء، فأعلم جوبان بذلك لخربندا، فصعب عليه وكبر لديه وقال: ما دلّهم على هذا إلا أحد من جندنا، وإلاّ كيف يكون هذا؟ فقال جوبان: طيب قلبك يا خوند، فأنا آتيك بها، فإلى أين يسيرون بها ونحن فى طلبهم، ثم إنه انتخب خمسة آلاف فارس وسار خلفهم، وخربندا يقول له: اجعل بالك من حيلة تعمل عليك، فلا تهمل لهم أمرا، وقلبى خائف من جهة الكشافة الذين سيّرناهم، فلا يكون التقاهم فى الطريق شيطان العجم - يعنى جوان شير - فقال جوبان: إن زنبورا خبير بهذه الأراضى، وما أظن أنه يسلك على الطريق الجادّة ثم سار جوبان على عجل، ويقطع الأراضى فى اليوم والثانى والثالث.

وأما جوان شير فإنه جدّ فى السير، وكلّما يقف فرس من الدشارات يعرقبه، ولم يزل كذلك حتى أشرف بمن معه على دربند كيلان، ثم جازوا الدربند، فإذا دوباح التقاهم ومعه ألف فارس وخمسمائة راجل، وذلك لأنه لما وصل إليه منكلى ومعه زنبور وأصحابه، وأخبره منكلى بأن جوان شير قد عوّل على أن يذهب ويسوق دشارات خربندا وأمرائه، ففزع من ذلك وخاف على جوان شير، وركب من وقته وساق بمن معه إلى أن التقى جوان شير، وكان آخر النهار، ولما رأى دوباج تلك الخيل تعجب منها، وكان لها أيام وهى فى السوق والطرد، وفى الدربند عشب ومرعى ومياه تجرى من تلك الجبال، فوقفت تلك الخيل فى تلك المراعى واشتغلت بها. فقال لهم دوباج، انزلوا بنا نبيت فى هذه الليلة ههنا ونستريح ونريح الخيل ونقوم وقت الصباح، فأجابوه إلى ذلك ونزلوا.

ص: 456

ولما دخل الليل أخرج دوباج من أصحابه يزكا إلى باب الدربند فباتوا ليلتهم إلى الصباح، ثم عولوا على الرحيل، وإذا باليزك قد جاءوا من باب الدربند وأخبروا بأنهم رأوا غبارا قد ظهر من الدرب الذى جاءوا منه. فقال جوان شير:

هذا والله خيل خربندا وقد جاءوا وراءه. فقال دوباج: تخلّى الدشارات، وتأخذ معك مائة فارس وتدبر لنا عليهم مكيدة، ثم إن جوان شير ودوباج وأصحابهما جميعهم ساروا إلى رأس الدربند، وإذا بالغيار قد نما ولحق بعنان السماء، فقال دوباج عندى رأى. فقالوا: وما هو؟ فقال: أنا أكمن خارج الدربند فى لحف هذا الجبل بين الصخور والأحجار، ويقف جوان شير بجماعة مقدار سبعين أو ثمانين فارسا، فإذا رأوك يحملون عليك لأنهم لا يعتقدون أن معك أكثر من هؤلاء، فصابروا ساعة، ثم اهربوا واطلبوا الدربند، فإذا [385] ساروا وراءك، وعبروا إلى الدربند أخرج أنا من خلفهم، وأملك عليهم الدرب، وترد أنت أيضا بمن معك « ......

(1)

».

وسار الوزير يطلب خربندا ومعه جماعة من أهل كيلان من أكابرها [387] وأعيانها حتى وصلوا إلى خربندا، وحدثه الوزير بما جرى، فرضى خربندا بما وقع عليه الإتفاق، ثم خلع على هؤلاء وردوهم إلى بلادهم فى إكرام، ثم رحل خربندا، وسار حتى وصل إلى قنغر أولان، وإذا بها خراب، وقد وقع من قلعتها ثلاثة أبراج وبدنتان من الزلزلة، وخرب أكثر بيوتها، وأقام عليها ثلاثة أيام، ثم رحل حتى أتى تبريز، ونزل من قلعتها، ثم سيّر خلف أمرائه وملوك بلاده، فأتى جميعهم وجمعهم للمشورة، وتحدث معهم فى الركوب إلى الشام،

(1)

« ...... » ورقتان مطموستان مما يصعب معه متابعة النص.

ص: 457

وذلك لأنه أمن من جهة كيلان ومن جهة خراسان. فقال رشيد الدولة: الرأى عندى أن تتركوا حديث الشام، وذلك لأن العسكر ضعيف، ولهم ثلاث سنين فى البيكار، ووافقه الأمراء على كلامه، فسكتوا عن ذلك واشتغلوا بغيره.

وسنذكر ما جرى بعده فى السنة الآتية والتى بعدها إن شاء الله.

‌ذكر مقتل هيثوم صاحب سيس:

قال بيبرس فى تاريخه: وفيها: وئب مقدم من مقدمى التتار، كان مجردا ببلاد

(1)

سيس، مقدما على التومان المقيم بها، اسمه برلغو

(2)

على هيثوم

(3)

صاحب سيس فقتله.

قيل. كان السبب فى ذلك أن برلغو قصد أن ينشئ مدرسة ببلد أذنه، ويجعل فيها مئذنة، فلم يوافق هذا رأى صاحب سيس، وأرسل إلى خربندا يشكوه ويقول له: إنه اتفق مع أهل الشام وواطأ بلاد الإسلام، فأطلع بعض أصحاب برلغو المقيمين بالأردو على ذلك، فأرسلوا يعرفونه يشكوى المذكور منه، فخاف على نفسه، وخطر له أن يحيل بالذنب على صاحب سيس ويحتال عليه، فعزم على أن يعمل له طوى وهى الوليمة

(4)

ويدعوه، ورتب مع أصحابه إذا حضر واستقر به القرار يقتلونه، فلما هيأ له الضيافة حضر إليه هو وإخوته وهم: الناق، وليون، وأوشين، فما استقر بهم القرار إلا وقد وثب أصحاب برلغو عليهم وبذلوا السيوف فيهم، فقتل هيثوم والناق، وجرح برلغو، جرحه بعض الأرمن،

(1)

«ببلد» فى زبد الفكرة.

(2)

«برلغى» فى التحفة الملوكية.

(3)

«هشوم» فى التحفة الملوكية، وهو تحريف.

(4)

«طى وهو الوليمة» فى زبدة الفكرة.

ص: 458

فسار متوجها نحو الأردو، وأمسك شخصا يسمى أيدغدى الشهرزورى من مماليك الأمير شمس الدين قراسنقر نائب حلب، كان عند صاحب سيس من جهة المشار إليه، وجهه له فى طلب القطيعة، وعلم برلغو به، فأمسكه وأخذه معه [على

(1)

] أنه إذا قدمه إلى خربندا يثبت فعله

(2)

عن صاحب سيس فى مواطأته للمسلمين ومراسلته لهم، ثم إن أخا صاحب سيس المسمى ليون توجه إلى الأردو واستصحب معه نساء أخويه الذين قتلا، لابسات الحداد، متذرعات بالسواد، شاكيات من قتل أصحابهن، فلما وقف خربندا على الخبر أمر بقتل برلغو بالسيف، فقتل على مكانته، وأقر صاحب سيس على مملكته وأعاده إلى بلاده

(3)

.

‌ذكر ما اتفق لابن تيمية فى هذه السنة:

وفى يوم الجمعة رابع عشر صفر: اجتمع قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة بابن تيمية فى دار الأوحد

(4)

من قلعة الجبل، وطال بينهما الكلام، ثم تفرقا قبل الصلاة، وابن تيمية مصمم على عدم الخروج من السجن، [388] فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول: جاء الأمير حسام الدين مهنى ابن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه، وأقسم على الشيخ ليخرجن إليه، فلما خرج أقسم لا يعود حتى يأتى معه إلى دار سلاّر: فاجتمع به بعض الفقهاء فى دار سلار وجرى بينهم بحوث كثيرة، ثم فرقت بينهم الصلاة، ثم اجتمعوا إلى المغرب، وبات تقى الدين عند سلار، ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

هكذا بالأصل، والمقصود «قوله» .

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 253 ب - 254 ب، وانظر أيضا التحفة المملوكية ص 183.

(4)

«دار الأوحدى» - فى البداية والنهاية.

ص: 459

السلطان أول النهار، ولم يحضر أحد من القضاة، بل اجتمع هناك الفقيه نجم الدين ابن رفعة

(1)

، وعلاء الدين بن الباجى

(2)

، وتقى الدين ابن بنت سعد

(3)

، وعز الدين النمراوى، وشمس الدين بن عدلان

(4)

، وانفصل المجلس على خير، فبات الشيخ عند نائب السلطنة.

وكان حسام الدين مهنى يريد أن يستصحبه معه إلى الشام، فأشار سلار بإقامة الشيخ مدة بمصر ليرى الناس فضله، ويجتمعوا به، وكتب الشيخ كتابا إلى الشام بمضمون ما وقع من الأمور.

ثم عقد له مجلس بالصالحية بعد ذلك كله، ونزل الشيخ بالقاهرة بدار ابن شقير، وأكب الناس على الإجتماع به ليلا ونهارا.

وفى بعض التواريخ: وفيها حضر إلى الأبواب الشريفة الأمير حسام الدين مهنى بن عيسى، فأكرمه السلطان وخلع عليه، فخاطب السلطان فى أمر الشيخ ابن تيمية، فأجاب سؤاله فيه، وأحضر مهنى بنفسه إلى الجبّ وأخرجه منه، ثم جرى ما ذكرناه.

وفى شوال اجتمع نحو خمسمائة من الصوفية، وفيهم شيخ الشيوخ كريم الدين الآملى إلى الحاكم الشافعى، فاشتكوا الشيخ ابن تيمية من كثرة ما ينال من ابن عربى، فلم يثبت من ذلك شئ، وجرى كلام فيما يتعلق بالإستغاثة، فعنفه

(1)

«ابن رفع» فى البداية والنهاية.

(2)

«التاجى» فى البداية والنهاية.

(3)

«وفخر الدين بن بنت أبى سعد. - فى البداية والنهاية.

(4)

«عدنان» فى البداية والنهاية.

ص: 460

الحاكم وقال: هذا يعزر، ثم خيرته الدولة بين المسير

(1)

إلى الإسكندرية أو إلى الشام بشروط، وبين الحبس، فاختار الحبس على ذلك.

فأشار عليه بعض أصحابه بالشام، فاختارها، فأركب على البريد، فلما انفصل لحقه بريدى آخر فرده، ثم أحضره إلى الحاكم الشافعى فقال له: الدولة لا ترضى إلا بالحبس، فأناب القاضى شمس الدين التونسى المالكى. فقال: ما ثبت عليه شئ وامتنع أن يحكم، فأناب نور الدين الزواوى المالكى، فامتنع أيضا.

فقال الشيخ: أنا أمضى بنفسى إلى السجن من غير حكم للمصلحة، فحبس فى حبس القاضى - فى المكان الذى كان فيه تقى الدين بن بنت الأعز حين سجن - وجعل عنده من يخدمه، وكل ذلك بإشارة الشيخ نصر المنبجى، فأقام الشيخ فى السجن مدة يستفتيه الناس ويزورونه ويتوالونه ويحبونه

(2)

.

وقال بعضهم: فى شوال اجتمع الشيخ ابن عطا السكونى وشيخ الخانقاة وجميع الصوفية، فكانوا أكثر من خمسمائة نفس وطلعوا إلى القلعة، فلما وصلوها كان هناك جماعة من أرباب الصنائع، فاختلطوا معهم، فصاروا جمعا كثيرا، فلما رآهم أهل الدولة قالوا لهم: اش مرادكم؟ قالوا: إن تقى الدين بن تيمية تكلم فى مشايخ الطريقة وأنه قال: لا ينبغى أن يستغاث بالنبى صلى الله عليه وسلم، وسألوا أن يعقد لهم وله مجلس، [389] فردّوا الأمر فى ذلك إلى قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعى، ففوض ابن جماعة إلى القاضى تقى الدين الزواوى المالكى، فاقتضى الحال تسفيره إلى الشام، فسافر مع البريدى، ثم ردّوه، وحبس بحبس الحاكم.

(1)

«المصير» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

(2)

انظر البداية والنهاية ج 14 ص 44 - 46.

ص: 461

وفيها: عقد مجلس بالقصر الأبلق لنجم الدين بن خلكان بحضور نائب السلطنة، وأحضروا مسطورا كتب عليه بالتوبة فى سنة أربع وسبعمائة، وذكروا أنه تجدد منه أمور بعد ذلك واختلفوا فى أمره، فبعضهم أشار بقتله وبعضهم رأى ضربه وتعزيره، ومنهم من جنح إلى استنابته وحبسه عن الناس، والرفق به، وهو الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين، فرسم نائب السلطنة أن يعمل بقوله، وانفصل الحال على ذلك، وكتب عليه مكتوب آخر بالتوبة والإقلاع عما صدر منه من الكلام فى المغيبات، ووضع بالمارستان مدة، وأخرج منه وأقام بالنيرب.

‌ذكر من انعم عليه بإمرة أو وظيفة أو قطع:

وفيها: تولى نيابة غزة الأمير ركن الدين بيبرس العلائى الحاجب، عوضا عن الأمير سيف الدين أقجبا.

وفيها: نزل سيف الدين كراى المنصورى عن إقطاعه وعدته، واستقال من إمرته، واختار الإنقطاع والتخلى عن الإقطاع، وارتجع خبزه، وأعطى للأمير يتخاص ومضى إلى القدس، وأقام ببلاد غزة.

‌ذكر ما فعل الملك طقطا صاحب البلاد الشمالية ملك التتار:

وفيها: نقم طقطا على الفرنج الجنوية الذين بقرم وكفا والبلاد الشمالية، لأمور قيلت عنهم منها: استيلاؤهم على أولاد التتار واستجلابهم إلى هذه الأقطار وغير ذلك، فأرسل جيشا إلى مدينة كفا وهى مسقط رءوسهم، فأحسوا

ص: 462

بوصولهم فتهيأوا فى مراكب فى البحر وركبوا

(1)

وساروا إلى بلادهم، فلم يظفر التتار منهم بأحد، فنهب طقطا أموال من كان منهم بمدينة صراى وما يليها

(2)

.

‌ذكر العزم على تجهيز العساكر إلى اليمن:

وفيها: وقع عزم ولاة الأمور بمصر على تجهيز عسكر إلى اليمن، لأن صاحبها الملك المؤيد هزبر الدين داود [ابن الملك المظفر صلاح الدين يوسف بن رسول]

(3)

منع الهدية التى كانت العوائد جارية بإرسالها إلى الأبواب السلطانية، فبرز المرسوم على أن كل مقدم ألف منهم يعمّر مركبا كبيرا يسمى جلبة، وقياسة لطيفة تسمى فلوة، برسم حمل الأزواد والآلات، وتسفيرها إلى جهة الطور والسويس على الظهر لتركّب هناك وترمى البحر وتسفّر، فأشترك كل مقدم ألف ومضافيه فى مركب وقارب، وندب عز الدين أيبك الشجاعى المشد إلى قوص لعمارة هذه المراكب، وانقضت هذه السنة والإجتهاد مستمر فى ذلك، على أنه إذا تنجزت الأشغال توجه العسكر المجرد صحبة سيف الدين سلاّر.

فسأل أعيان الكارم الإمهال إلى أن يتوجه الرسّل إلى صاحب اليمن ويعود الجواب، فأمهلوا، وأرسل القاضى شمس الدين بن عدلان والأمير سنقر السعيدى رسلا إلى اليمن، وكتب إلى صاحب اليمن كتاب من الخليفة ليتقدم بين يدى

(1)

«وركبوها» - فى زبدة الفكرة.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 258 أ.

(3)

إضافة للتوضيح من زبدة الفكرة.

ص: 463

البعوث المجهزة بألفاظ مرجزة، وهذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم [390]: - {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ [أَطِيعُوا] الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)}

(1)

. {(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)}

(2)

. أما بعد حمد الله مانح القلوب السليمة هداها، ومرشد العقول إلى أمر معادها ومبداها، وموفق من اختاره إلى محجة صواب لا يضل سالكها، ولا تظلم عند اختلاف الأمور مسالكها، وملهم من اصطفاه لإقتفاء آثار السّنن النبوية، والعمل بموجبات القواعد الشرعية، والإنتظام فى سلك من طوقته الخلافة عقودها، وأفاضت على سدّته الجليلة برودها، وملّكته أقاصى البلاد وأناطت بأحكامه السديدة أمور العباد، وصارت تحت خوافق أعلامه أعلام الملوك الأكاسرة، وشيّدت بأحكامه مناهج الدنيا ومصالح الآخرة، وتبختر كل منبر بذكره فى ثوب من السيادة معلم، وتهلّلت من ألقابه الشريفة أسارير كل دينار ودرهم، الذى يحمده أمير المؤمنين على أن جعل أمور الخلافة ببنى العباس منوطة، وجعلها كلمة باقية فى عقبه إلى يوم القيامة محوطة، ويصلى على ابن عمه محمد الذى أخمد الله بمبعثه ما ثار من الفتن، وأطفأ برسالته ما اضطرم من نار الإحن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حموا حمى الخلافة وذادوا عن مواردها، وعمدوا الى تشييد المعالم الدينية فأقاموها على قواعدها، صلاة دائمة الغدو والرواح، متصلا أولها بطرةّ الليل وآخرها بجبين الصباح، هذا وأن الدين الذى فرض الله على الكافّة الإنضمام إلى شعبه، وأطلع فيه شموس هداية تشرق من مشرقه ولا تغرب فى غربه، جعل الله حكمه بأمرنا منوطا، وفى

(1)

جزء من الآية رقم 59 من سورة النساء رقم 4.

(2)

الآية رقم 30 من سورة النمل رقم 27. وورد «من عبد الله ووليه أبى الربيع سليمان» - فى زبدة الفكرة.

ص: 464

سلك أحكامنا مخروطا، وقلّدنا من أمر الخلافة المعظمة سيفا طال نجاده، وكثر أعوانه وأنجاده، وفوّض إلينا أمر الممالك الإسلامية، فإلى حرمنا تجبى ثمراتها، ويرفع إلى ديواننا العزيز نفيها وإثباتها، يخلف الأسد اذا مضى فى غابه شبله، ويلقى فى الخبر والخبر مثله.

ولما أفاض الله علينا حلة الخلافة، وجعل محلّنا الشريف محل الرحمة والرأفة، وأفعدنا على سدّة خلافة طالما تشرفت

(1)

بالخلائف من آبائها، وابتهجت بالسادة الغطاريف من أسلافنا، وألبسنا خلعة من ملابس السؤدد مصبوغة، ومن سواد العيون وسويداوات القلوب مصوغة، أمضينا على سدّتنا الشريفة أمر الخاص والعام، وقلّدنا كل إقليم من عملنا من يصلح سياستها على الدوام، واستكفينا بالكفاة من عمالنا على أعمالنا، واتخذنا مصر دار مقامنا وبها سدة مقامنا لما كانت فى هذا العصر قبة الإسلام، وقبة الإمام، وثانية دار السلام، تعين علينا أن نتصفح جرائد أعمالنا، ونتأمّل نظام عمالنا، مكانا فمكانا، وزمانا فزمانا، فتصفحاها فوجدنا قطر اليمن خاليا من ولايتنا فى هذا الزمن، عرّفنا هذا الأمر من اتخذناه والممالك الإسلامية عينا وقلبا، وصدرا ولبا [391] وفوضنا إليه من الممالك الإسلامية فقام فيها قياما ما أقعد الأضداد، وأحسن فى ترتيب ممالكها، فهابه الإصدار، وغاته الإيراد، وهو السلطان الأجل السيد الملك الناصر، لا زالت أسباب المصالح على يديه جارية، وسحابة الإحسان من أفق راحته سارية، فلم يعد جوابا لما ذكرناه، ولا عذرا عما أيديناه إلا بتجهيز شرذمة من جحافله المشهورة، وتعيين أناس من فوارسه المذكورة، يقتحمون الأهوال،

(1)

«أشرفت» فى زبدة الفكرة.

ص: 465

ولا يعبأون بتغييرات الأحوال، يرون الموت مغنما إن صادفوه، وسبا المرهف مكسبا إن صافحوه، لا يشربون سوى الدماء مدامة، ولا يلبسون غير الترايك غمامة، ولا يعرفون طربا إلا ما أصدره صليل الحسام من غنى، ولا ينزلون قفرا إلاّ ونبت ساعة نزولهم قنا.

ولما وثفنا منه بإيفادهم راجعنا رأينا الشريف فاقتضى أنّ يكاتب من بسط يده فى مهالكها، واحتاط على جميع مسالكها، واتخذ أهلها خولا، وأبدى فى خلال ديارها من عدم سياسته خللا، برز مرسومنا الشريف النبوى أن يكاتب من قعد على تخت ملكها، وتصرف فى جميع أمور دولتها، فطولع بأنه ولد السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر الذى له شبهة تمسك بأذيال المواقف المستعصمية، وهو مستصحب الحال على زعمه، أو ما علم الفرق بين الأحياء والأموات، أو ما تحقق الحال التى بين النفى والإثبات، أصدرناها إلى الرحاب الثغرية، والمعالم اليمنية، نشعر من تولى فيها فاستبد، وتولّى كبره، فلم يعرج على أحد أن أمراء اليمن ما برحت نوابنا، تحكم فيه بالولاية الصحيحة، والتفويضات التى هى غير جريحة، وما زالت تحمل إلى بيت المال المعمور ما يمشى به الجمال وئيدا، وتقذفه بطون الجوارى إلى ظهور اليعملات وليدا، ويطالعنا بأمر مصالحه ومفاسده، ومجال معاهده ومعاهده، ولك أسوة بوالدك فلان، هلاّ اقتضيت ما سنّه من آثاره، ونقلت ما دونته أيدى الزمن من أخباره.

واتصل بمواقفنا الشريفة أمور صدرت منك:

منها: وهى العظمى التى ترتب عليها ما ترتب: قطع الميرة عن البيت الحرام، وقد علمت أنه واد غير ذى زرع، ولا يحلّ لأحد أن يتطرق إليه بمنع.

ص: 466

ومنها: انصبابك إلى تفريغ مال بيت المال فى شراء لهو الحديث، ونقض العهود القديمة بما تبديه من حديث.

ومنها: تعطيل أجياد المنابر من عقود اسمنا، وخلو تلك الأماكن من أمر عقدنا وحلنا.

ولو أوضحنا لك ما اتصل بنا من أمرك لطال ولا تسعت فيه دائرة المقال، رسمنا بها، والسيف يود لو سبق القلم حدّه، والعلم المنصور يود لوفات العلم، واهتز بتلك الروابى قدّه، والكتائب المنصورة تختار لو بدرت عنوان الكتاب، وأهل العزم والحزم يودّون إليك إعمال الركائب، والجوار المنشآت قد تكونت من ليل ونهار، وبرزت كصور الأفيلة لكنها على وجه الماء كالأطيار. وما عمدنا إلى مكاتبتك إلا للإنذار، ولا جنحنا إلى مخاطبتك إلا للأعذار، فاقلع عمّا أنت بصدده من الخيلاء والإعجاب، وانتظم [392] فى سلك من استخلفناه، فأخذ بيمينه ما أعطى من كتاب، وصن بالطاعة من زعمت أنهم مقيمون تحت لواء علمك، ومنتظمون فى سلك أوامر كلمك، وداخلون تحت طاعة قلمك، فلسنا نشن الغارات على من نطق بالشهادتين لسانه وقلبه، وامتثل أوامر الله المطاعة عقله ولبه، ودان الله بما يجب من الديانة، وتقلد عقود الصلاح، والتحف مطارف الأمانة، ولسنا ممن يأمر بتجريد سيف إلاّ على من علمنا أنه خرج عن طاعتنا، ورفض كتاب الله، ونزع عن مبايعتنا.

فأصدرنا مرسومنا هذا إليه نقص عليه من أنباء حلمنا ما أطال مدة دولته، وسيد قواعد صولته، ونستدعى منه رسولا إلى مواقفنا الشريفة، ورحاب ممالكنا المنيفة، لينوب عنه فى قبول الولاية مناب نفسه، وليجن بعد ذلك ثمار

ص: 467

شفقاتنا إن غرس شجر طاعتها، ومن سعادة المرء أن يجنى ثمار غرسه، بعد أن يصحبه من ذخائر الأموال ما كثر قيمته وخفّ حملا، وتعالى رتبة وحسن مثلا، واشرط على نفسك فى كل سنة قطيعة ترفعها إلى بيت المال، وإياك ثم إياك أن تكون عن هذا الأمر ممن مال، ورتّب جيشا مقيما تحت علم السلطان الأجل الملك الناصر للقاء العدو المخذول التتار، ألحق الله أولهم بالهلاك وآخرهم بالبوار، وقد علمت تفاصيل أحوالهم المشهورة، وتواريخ سيرهم المنكورة، فأحرص على أن يخصك فى هذا المشرب السائغ أوفر نصيب، وأن تكون ممن جهز جيشا فى سبيل الله، فرمى بسهم فله أجر، كان مصيبا أو غير مصيب، ليعود رسولك من دار الخلافة بتقاليدها وتشاريفها، حاملا أهلة أعلامنا المنصورة، شاكرا بر مواقفنا المبرورة، وإن أبى حالك إلا أن استمريت على غيّك، واستمريت مرعى بغيك، فقد، فقد منعناك التصرف فى البلاد، والنظر فى أحكام العباد حتى تطأ خيلنا العتاق مشمخرات حصونك، وتعجل حينئذ ساعة منونك. وما علمناك غير ما علمه قلبك، ولا فهمّناك غير ما حدّسه لبك، ولا تكن كالصغير تزيده كثرة التحريك نوما، ولا ممن غره الإمهال يوما فيوما، أعلمناك ذلك فاعمل بمقتضاه، موفقا إن شاء الله

(1)

.

‌ذكر قضية أبى ثابت المرينى:

قال بيبرس فى تاريخه: وفى هذه السنة سار «أبو ثابت عامر بن عبد الله ابن أبى يعقوب»

(2)

المرينى لمحاربة يوسف بن أبى عياد متحفظ قلعة مراكش

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 255 أ - 257 ب.

(2)

«أبو عامر ثابت بن عبد الله» - فى الأصل: والتصحيح من زبدة الفكرة، وروض القرطاس ص 389، روضة النسرين فى دولة بنى مرين ص 22، وانظر ما سبق ص 433.

ص: 468

لخروجه عن الطاعة، فخرج يوسف [لمحاربته

(1)

] والتقيا على مراكش، فكانت الهزيمة على ابن أبى عياد، فأخذ أسيرا، وقتل من جماعته تقدير ألف نفر، وعاد أبو ثابت

(2)

إلى طنجة ظافرا، وكان بها أقدام من عرب رباح وغيرهم قد نافقوا عليه فقاتلهم، وقتل منهم خلقا، ثم أقام بطنجة فمرض ومات

(3)

، وكانت مدته سنة وثلاثة أشهر وأياما

(4)

.

وجلس بعده على بن يوسف بن يعقوب، عمه، وذلك أنه كان مع العسكر لما مات ابن أخيه، فاستقر فى الأمر وظن أنه يتم له فوثب عليه شخص اسمه عبد الله بن أبى مدين، كان وزير الدولة فخلعه لليوم [393] الثانى من جلوسه، ووافقه العسكر على ذلك.

ولما خلع على المذكور اتفق عبد الله الوزير مع الأشياخ ونصبوا سليمان ابن عبد الله وبايعوه

(5)

، فاستمال الناس إليه، وأخرج الأموال المدخورة وفضها فيهم، وفرقها عليهم، وزاد فى أعطيات بنى مرين، وأحسن إليهم، وأبطل المكوس، ووضع المظالم، وأحسن إلى الرعية، فمالت إليه النفوس، وقبض على [على

(6)

] المخلوع، واعتقله بطنجة، واستوزر عبد الله المذكور وأقام اثنين من

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

«أبو عامر» - فى الأصل، انظر ما سبق عن تصحيح الاسم.

(3)

انظر ما يلى فى وفيات السنة. وورد أن أبو ثابت عامر توفى 8 صفر سنة 708 هـ - روض القرطاس ص 389.

(4)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 258 أ، ب. «فأيامه سنة واحدة وثلاثة أشهر ويوم واحد» - روض القرطاس 389.

(5)

بويع فى 9 صفر سنة 708 هـ/ 1308 م، وتوفى فى سنة 710 هـ/ 1311 م - الأنيس المطرب ص 393، ص 394، روضة النسرين ص 23.

(6)

[] إضافة للتوضيح من زبدة الفكرة.

ص: 469

بنى مرين لجباية الأموال، أحدهما يسمى رجّو بن يعقوب، والآخر إبراهيم ابن عيسى

(1)

.

وقال بيبرس أيضا وفيها: خرج الشيخ أبو إدريس بن إبراهيم بن عيسى المرينى ابن عم أبى يعقوب من المغرب قاصدا الحج، فاتفق وصوله إلى تونس فى أواخر هذه السنة، فسأله صاحب تونس أن يتوجه إلى جزيرة جربة مقدما على جيش جهزه إليها، فأجابه وأخر حجه وتوجه

(2)

.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أنه جرّد الأمير شرف الدين أمير أحمد بن قصرا التركمانى، والأمير بدر الدين بيليك المحسنى إلى برقة لتمهيد العربان الثائرين بذلك الوجه، فساروا فى شعبان وأوقعوا بأهل العصيان، واستاقوا إبلهم وعادوا

(3)

.

ومنها ما قاله بيبرس فى تاريخه وفيها: مدّا النيل مدّا أروى البلاد وشمل الربى والوهاد، وكان قد قصّر منذ سنوات عن المعتاد، وتضرر بتقصيره أهل السواد، فلطف الله تعالى فى عامه وأجراه بإنعامه، فانتهت زيادته إلى تسعة عشر ذراعا إلاّ ثلاثة أصابع، وكانت بركته كثيرة، وبلغ غاية ما بلغته الآمال العزيزة، وزرعت البلاد زرعا شاملا، وخضّرت تخضيرا كاملا، وأقبل الزرع إقبالا

(1)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 258 أ - 259 أوانظر تفصيل هذه الأحداث فى روض القرطاس ص 389 - 395، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ج 3 ص 91 - 103، روضة النسرين ص 22 - 23.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 259 أ.

(3)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 254 ب.

ص: 470

أعجب الزراع، فاهتزوا طربا، وتاهوا به عجبا وعجبا، فلما كان فى أواسط نيسان الموافق لشهر شوال من السنة العربيّة وبرمهات من السنة القبطية، وهو وقت كمال الغلّة وختامها، وحين نهايتها وتمامها، أرسل الله تعالى عليها ريحا زعزعا، فخفقت من الحّب ما كان ممرعا، فهاف أكثر الزروع وجف معظم الضروع، حتى ترك أكثرها فى الأرض بغير حصاد، وغالب الناس لم يستردّ ما بذر، وأكثرهم من خسر وانكسر، ولم يتحصل للأمراء وأصحاب الإقطاعات إلا النذر اليسير من الغلات، واحتسبوا بأكثرها بالمسامحات تخفيفا عن الفلاحين ورغبة فى العمارة والتوطين، فكان ذلك كما قال عز من قائل فى محكم تنزيله:

{إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ} .

إلى قوله {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}

(1)

. وتميزت أسعار الغلال حتى انتهى القمح إلى خمسين درهما الأردبّ، ثم انحط يسيرا بعد يسير بلطف المسهل كل عسير

(2)

.

وفيها: حج بالناس الأمير طغريل السلحدار الإيغانى، أميرا على الركب المصرىّ، وبالركب الشامى الأمير سيف الدين بلبان البدرى.

(1)

آية رقم 24 من سورة يونس رقم 10.

(2)

زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 253 أ، ب.

ص: 471

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ صالح

(1)

الأحمدى الرفاعى، شيخ المنيبع.

وكان التتار يكرمونه [لما قدموا دمشق

(2)

] ولما جاء قطلو شاه نائب ملك التتار [394] نزل عنده، وهو الذى قال لابن تيمية حين تناظروا بالقصر:

نحن ما يتفق حالنا إلا عند التتار وأما قدام الشرع فلا.

الشيخ الصالح أبو حفص عمر

(3)

بن يعقوب بن أحمد السعودى، توفى يوم الأربعاء ثانى جمادى الآخر منها.

الشيخ فخر الدين عثمان بن جوشن السعودى، توفى فيها، وجلس أحد أولاده مكانه.

الصدر الرئيس أمين الدين يوسف

(4)

بن محمد بن رجب الرومى المحتسب بدمشق.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 14 ص 47، وورد فى الدرر «صالح بن عبد الله البطائحى، شيخ المنيبع بالشام» - ج 2 ص 300 رقم 1965.

(2)

[] إضافة للتوضح من البداية والنهاية.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 259 أ. السلوك ج 2 ص 41، النجوم الزاهرة ج 8 ص 228، الدرر ج 3 ص 275 رقم 3095.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 259 أ، السلوك ج 2 ص 42، الدرر ج 5 ص 244 رقم 5148.

ص: 473

مات فيها

(1)

، ودفن بتربته جوار الصوفية، وكان مشكور فى حسبته، أقام متوليها سنين، وعزل قبل موته بنصف سنة، ومات وهو ناظر المارستان النورى، وكان موصوفا بالأمانة والكفاية فى جميع أموره.

الصدر الكبير شرف الدين محمد

(2)

بن فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد ابن خالد القيسرانى الحلبى

(3)

، أحد أعيان الموقعين بالديار المصرية.

مات فى مستهل شعبان بالقاهرة، ودفن بالقرافة الصغرى، وكان مشكور السيرة، حسن الطريقة، كثير التلاوة ولديه فضيلة مشهورة، وبيته مشهور، رحمه الله.

أفضى القضاة جمال الدين أبو بكر محمد

(4)

بن عبد العظيم بن على بن سالم الشافعى المعروف بابن السقطى.

مات بالقاهرة، ودفن بالقرافة الصغرى، كان مشكور السيرة فى قضاياه، ناب فى القاهرة مدة أربعين سنة، وترك القضاء فى آخر عمره، ومولده سنة اثنين وعشرين

(5)

وستمائة، ووفاته فى حادى عشر شعبان منها.

(1)

ورد أن صاحب الترجمة «مات فى جمادى الآخرة سنة 704 هـ - فى الدرر.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 175، نهاية الأرب (مخطوط) ج 30 ورقة 46، الوافى ج 3 ص 370 رقم 1448، السلوك ج 2 ص 42، الدرر ج 4 ص 100 رقم 3806، تذكرة النبيه ج 1 ص 280.

(3)

«ومولده بحلب سنة ثمان وأربعين وستمائة» - تذكرة النبيه، الدرر.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 4 ص 136 رقم 3910، شذرات الذهب ج 6 ص 16، السلوك ج 2 ص 42.

(5)

«ولد سنة 632 هـ» - فى الدرر.

ص: 474

الشيخ الصالح أبو القاسم عمر

(1)

اليونينى السّلاوى.

مات بزاويته خارج باب النصر بدمشق، كان رجلا صالحا خيرا، وهو ابن أخت الشيخ ناصر الدين السلاوى، ومولده فى سنة خمس وعشرين وستمائة.

الشيخ المسند شهاب الدين

(2)

محمد بن أبى العز بن مشرف البزاز الأنصارى الدمشقى.

مات بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، وكان قد تفرد بالرواية عن ابن صبّاح

(3)

، واشتهر بالرواية، وصار متسمعا بدار الحديث الأشرفية، رحمه الله.

الصاحب الكبير الفاضل تاج الدين محمد

(4)

بن الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب الكبير الوزير بهاء الدين على بن محمد بن سليم المصرى الدار والوفاة، المعروف بابن حنا.

سمع من سبط السلفى جزء الذهلى، ومن الشرف المزينى بدمشق، مات بمنزله ببركة الحبش، وحمل إلى تربته بالقرافة بالقرب من مشهد الإمام الشافعئ

(1)

هو عمر بن أبى الفتح بن أبى القاسم بن عمر اليونينى، وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج 3 ص 260 رقم 3054.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 177، الدرر ج 4 ص 67، رقم 4006، شذرات الذهب ج 6 ص 16، تذكرة النبيه ج 1 ص 283،

(3)

هو الحسن بن صباح المخزومى المصرى، الكاتب، أبو صادق، المتوفى سنة 632 هـ/ 1234 م - شذرات الذهب ج 5 ص 148.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 259 أ. درة الأسلاك ص 176، نهاية الأرب (مخطوط) ج 30 ورقة 45، المنهل الصافى، الدرر ج 4 ص 322 رقم 4412، الوافى ج 1 ص 317 رقم 146، شذرات الذهب ج 6 ص 14 - 15، فوات الوفيات ج 2 ص 315 رقم 371، مرآة الجنان ج 4 ص 242، كنز الدرر ج 9 ص 152، تذكرة النبيه ج 1 ص 284، السلوك ج 2 ص 41.

ص: 475

رضى الله عنه، وكانت عنده رئاسة وحشمة وكرم نفس، وحسن عقيدة فى فى الفقراء والصالحين، وجده لأمه الوزير شرف الدين الفائزى، وهو من بيت رئاسة ووزارة كابرا عن كابر، وهو الذى اشترى الآثار النبوية على ما يقال بأربعمائة ألف درهم

(1)

، وهى قطعة من العترة، وبرود، ومخصف، وملقط، وقطعة من قصعة، وجعلها فى المكان المعروف بالمعشوق، انتهت إليه رئاسة عصره بمصر، وكان يتباهى فى المطاعم والملابس والمساكن، وكان كثير الصدقات والتواضع.

قال القاضى شرف الدين بن فضل الله: اجتزت على تربته بالقرافة فرأيت إلى جانبها مكتبا للأيتام وهم يكتبون القرآن فى الألواح، فإذا أرادوا مسحها غسلوا ألواحهم [395] وسكبوا ذلك الماء على قبره، فسألت عن ذلك، فقيل لى: هذا شرط الواقف

(2)

، وهذا قصد جيد، وعقيدة صحيحة.

وله شعر حسن، فمنه قوله:

لله فى الأحوال لطف جميل

فاغن به عن ذكر قال وقيل

ولا تفارق أبدا بابه

فمنه قد جاء العطاء الجزيل

واشكر على الإنعام فيما مضى

كم أسبل الستر زمانا طويل

وأخيبه المعرض عن بابه

خلّى كريما ثم أم البخيل

فقل لمن عدد أنعامه

كل لسان عند هذا كليل

ص: 476

وله موشح

(1)

:

قد انحل الجسم أسمر أكحل

وأوحل القلب فيه مذحل

يميل

وعنه لا أميل

يحول

وعنه لا أحول

أقول

إذ زاد بى التحول

أما حل عقد الصدود ينحل

ويرحل عن نجمى المزحّل

برغمى

كم يستبيح ظلمى

ويرمى

بحربه لسلمى

وجسمى

مع النزام سقمى

منحّل وقد غدا مزّحل

فلم حل سفك دمى وما حل

متّوج

بالحسن هذا الأبهج

مدبّخ

عذاره البنفسج

مفلّح

يرنو بطرف ادعج

مكحّل وريقه المنحّل

مفحّل بالعنبر المحلل

كم ابعد

وكم أبيت مكمّد

ويعمد

بهجره لا يفقد

ويجهد

فى ارتضاء من قد

تمحّل والحاسدون دحّل

ومحّل والوعد منه أمحل

ص: 477

قلانى

واشترط هذا الجافى

رمانى

فى عشقه زمانى

خلانى

أشكو لمن يرانى

قد انحل الجسم أسمر أكحل

وأوحل القلب فيه مذ حلّ

(1)

وله أيضا:

بالله انشدوا لى فؤادى

قد ضاع وقت الرحيل

واستجيروا كل حادى

واستوقفوهم قليل

***

لا أوحش الله منكم

يا أهل وادى العقيق

والله مذ غبت عنكم

انسان عينى غريق

والقلب قد سار عنكم

مرفقا بذلك الرقيق

***

غربتموه عن بلادى

والظن فيكم جميل

يهيم فى كل وادى

ما ترحموا ابن السبيل

***

قد ذاب قلبى وطرفى

وشرح حالى يطول

ما تنظرون لضعفى

أو تسمعوا ما أقول

يا جفن ما صرت تخفى

ما اشتكى عن عذول

***

(1)

انظر الوافى ح 1 ص 231 - 232.

ص: 478

أشمتّ بى الأعادى

كم ذا عليهم تميل

قد سار عنى رقادى

وصار ليلى طويل

***

فاشهد إن جزت نجدا

فاقرئ عليها السلام

وجز ديار ......

وانزل بتلك الخيام

وقل لهم مات وجدا

قتل ذاك الغرام

***

وان صحبت فادى

فى حبكم بالبعاد

وليس عنكم بديل

***

يا لائم الصب جهلا

دع عنك ما لا يفيد

أكثرت فى الحب عذلا

والصبر عنك بعيد

وأنت يا شوق مهلا

كم ذا عليهم يزيد

***

هذى العرب فى البوادى

ترعى ذمام النزيل

من فضلهم والأيادى

تلقاك ظل ظليل

***

البرق يخق وهنا

يحكى فؤادى الحزين

والد تبكى حزنا

فى دارهم بالأفين

*** [396]

والجسم أصبح مضنى

والقلب معهم رهين

***

ص: 479

يا ساكنا بفؤادى

ارحم خضوع الذليل

فأنت مالك قيادى

بكل فضل جزيل

الأمير الكبير ركن الدين العجمى بيبرس

(1)

الصالحى النجمى، المعروف بالجالق

(2)

.

أحد الأمراء البحرية، كان رأس الجمدارية فى أيام الصالح نجم الدين أيوب، وأمّره الملك الظاهر، رحمه الله، وكان من أكابر الدولة، كثير المال. وكان له مدة بالشام. مات بالرملة فى منتصف جمادى الأولى، ونقل إلى القدس، وكان قد أسنّ فكان آخر البحرية، وخاتمة الأمراء النجمية

(3)

، رحمه الله.

الأمير علاء الدين مغلطاى

(4)

البيسرى، توفى فيها بدمشق.

الأمير بهاء الدين يعقوبا بن نور الدين بدل الشهرزورى

(5)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 175، نهاية الأرب (مخطوط) ج 35 ورقة 46، المنهل الصافى ج 3 ص 474 رقم 719، النجوم الزاهرة ج 8 ص 227، السلوك ج 2 ص 40، البداية والنهاية ج 14 ص 47، الدرر ج 2 ص 41 رقم 1376، تذكرة النبيه ج 1 ص 280، كنز الدرر ج 9 ص 151 - 152، الوافى ج 10 ص 348 رقم 4842.

(2)

جالق: بفتح الجيم وبعد الألف لام مكسورة وقاف ساكنة، باللغة التركية: اسم للفرس الحاد المراج الكثير اللعب - المنهل الصافى ترجمة بيبرس الجالق، النجوم الزاهرة ج 8 ص 227 - 228.

(3)

انظر ما سبق ص 446.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة (مخطوط) ج 9 ورقة 259 أ، الدرر ج 5 ص 124 رقم 4826، السلوك ج 2 ص 41.

(5)

انظر ما سبق ص 446 حيث ذكره المؤلف فى وفيات سنة 706 هـ.

ص: 480

مات بالقاهرة، وكان من أكابر الأمراء مقدمى الألوف بالديار المصرية، وله مكانة عالية فى الأيام الظاهرية، والمنصورية. وكان من فرسان المسلمين المشهورين، رحمه الله.

الأمير شمس الدين الخضر

(1)

الحلبى، المعروف بشلّحونه

(2)

.

كان فى أيام الظاهر والى القاهرة، واستمر فى الولاية أيام الظاهر والمنصور، ولما تولى الأشرف عزله وجعله شاد الدواوين لأنه كان ناهضا أمينا فى جميع ما تولاه، وعنده معرفة ومروءة وديانة، ولقب شلحونة زمن الولاية، لأنه كان إذا أراد أن يضرب أحدا يقول: شلحونه

(3)

، فبقيت عليه لقبا. وكان والده أمير جاندار الملك الظاهر

(4)

صاحب حلب.

علاء الدين أيدمر

(5)

السنانى.

مات فيها، ودفن بمقابر الحمزيين بدمشق. كان معروفا بتعبير المنامات، وينظم الشعر الجيد، وخدم بقلعة دمشق، وبقى فى مغارة بها.

(1)

هو: خضر بن إبراهيم، الأمير شمس الدين الحلبى وله، أيضا ترجمة فى: الدرر ح 2 ص 172 رقم 1643، كنز الدرر ج 9 ص 154، السلوك ح 2 ص 41.

(2)

«بشلجونة» - فى كنز الدرر.

(3)

«كان يستعمل هذه اللفظة مكان عروة» - الدرر.

(4)

هكذا بالأصل وورد «وكان أبوه خازندار السلطان صلاح الدين يوسف صاحب حلب ودمشق» - فى السلوك ج 2 ص 41.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 3 ص 179 رقم 606، درة الأسلاك ص 153. النجوم الزاهرة ج 8 ص 337: الدرر ج 1 ص 407 رقم 1123. الوافى ج 10 ص 15 رقم 4460، تذكرة النبيه ج 1 ص 235، فوات الوفيات ج 1 ص 214 رقم 79. وأورد ابن حبيب وفاة صاحب الترجمة فى سنة 705 هـ - انظر درة الأسلاك، وتذكرة النبيه.

ص: 481

ومن شعره:

سفرت فخلت الصبح حين تبلّجا

فى جنح فود كالظلام إذا شجا

فتانة فتّاكة من طرفها

كم حاول القلب النجاة فما نجا

نحلت نضير الغصن قامة قدّها

وحبت مهاة الجزع طرفا أدعجا

تفتّر عن برد نقى برده

بالرّشف حرّ حشاشتى قد أثلجا

ما إن دخلت رياض جنة وجهها

(1)

فرأيت عنها الدهر يوما مخرجا

لما رشفت رحيق فيها ظاميا

فازددت إلاّ حرقة وتوهّجا

تعطو برخص طرفته بعندم

وتريك ثغرا كالأقاح مفلّجا

أنّى نظرت إلى رياض جمالها

عاينت ثمّ مفوّقا ومدبّحا

زارت وعمر اللّيل فى غلوائه

فغدا من الشمس البهية أبهجا

وسرى نسيم الروض ينكر إثرها

فتعرّفت آثاره ونأرّجا

(2)

وله:

ورد الورد فأوردنا المداما

وأرحّ بالرّاح أرواحا هيامى

وأجلها بكرا على خطّابها

بنت كرم قد أبت إلاّ الكراما

[397]

ذات ثغر جوهرىّ وصفه

فى رحيق رشفه يشفى الأواما

برقعت باللؤلؤ الرّطب على

وجنتها

(3)

كالنار لا تألو ضراما

(1)

«خدها» فى فوات الوفيات.

(2)

الوافى ج 10 ص 16، فوات الوفيات ح 1 ص 214.

(3)

«وجنة» فى الوافى. وفوات الوفيات.

ص: 482

أقبلت تسعى بها شمس ضحى

(1)

تخجل البدر إذا يبدو تماما

بجفون بابلىّ سحرها

سقمها أهدى

(2)

إلى جسمى السّقاما

ونضير الورد فى وجنتها

نبته أنبت فى قلبى الغراما

ودّت الأغصان لما خطرت

لو حكت منها التثنى والقواما

قال لى خال على وجنتها

حين ناديت أما تخشى الضّراما

منذ ألقيت بنفسى فى لظى

خدّها ألفيت بردا وسلاما

(3)

السلطان أبو ثابت عامر

(4)

بن عبد الله بن يعقوب المرينى.

توفى فيها بطنجة، وكانت مدة سلطنته سنة وثلاثة أشهر وأياما؛ وجلس بعده على بن يوسف بن يعقوب المرينى، وقد مرّ خبر قضيته.

*** والحمد لله وحده.

يتلوه فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة: الثامنة بعد السبعمائة، إن شاء الله تعالى

(5)

.

(1)

«الضحى» فى الوافى، فوات الوفيات.

(2)

«أبدى» فى الوافى.

(3)

«قلت شعر متوسط» - الوافى ج 1 ص 16 - 17.

(4)

انظر ما سبق ص 468 وما بعدها، وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الدرر ج 2 ص 338 رقم 2077؛ الأنيس المطرب ص 389، روضة النسرين ص 22، الدرر ج 2 ص 338 رقم 2077، وورد فى مصادر الترجمة أن صاحب الترجمة توفى سنة 708 هو انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 283.

(5)

أخر ما وجد بهذا الجزء بخط المؤلف.

ص: 483

‌كشاف بأسماء الكتب الواردة فى النص

(*)

صفحة

الإشارة فى الفروع

سليم الرازى: أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم الرازى 114

أفعال البخارى - أفعال - أفعال العباد

البخارى: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل 410

البداية فى مذهب أبى حنيفة 337

تاريخ ابن كثير - البداية والنهاية

ابن كثير: عماد الدين أبى الفدا إسماعيل بن عمر 148، 336، 337

تاريخ بيبرس - زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة

بيبرس الدوادار: ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصورى: 15، 66، 71، 76، 121، 139، 173، 185، 195، 207، 209، 218، 225، 231، 232، 245، 254، 260، 295، 300، 309، 316، 319، 343، 345، 359، 382، 385، 408، 422، 449، 468، 470

تاريخ الشيخ علم الدين البرزالى 192، 266

(*) قامت بعمل هذا الكشاف السيدة/لهيبه إبراهيم مصطفى الباحثة بمركز تحقيق التراث.

ص: 623

تاريخ القاضى جمال الدين بن الكرم 168

تاريخ القاضى شرف الدين بن الوحيد 132

جامع الأصول

ابن الأثير الجزرى: أبو السعادات مبارك بن محمد 94

جزء الذهلى 475

جمل الزجاجى 337

الحاوى الصغير فى الفروع

القزوينى الشافعى: عبد الغفار بن عبد الكريم 437

الروض الزاهر فى غزوة السلطان الملك الناصر

ابن عبد الظاهر: علاء الدين على بن عبد الظاهر 270

الصحيحين - صحيح البخارى وصحيح مسلم 328

اللطائف

بيبرس الدوادار: ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصورى 378

مختصر ابن الحاجب

ضياء الدين الطوسى: أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن على الشافعى 437

مشتبه النسب فى أسماء الرجال

الكلاباذى البخارى الفرضى: محمود بن أبى بكر بن أبى العلاء 148

المصباح

ص: 624

ضياء الدين الطوسى: أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن على الشافعى 437

معرفة الصحابة

ابن القيسرانى الحلبى: أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن محمد 328

المقامات الزينية

ابن الصيقل الجزرى: أبو الندى معد بن نصر الله بن رجب 201

منتهى السؤل والأمل فى علمى الأصول والجدل

ابن الحاجب: عثمان بن عمر بن أبى بكر الكردى الإسنائى 437

نزهة الأنام: 15، 18، 20، 23، 25، 30، 44، 65، 66، 68، 69، 72، 78، 116، 127، 129، 156، 168، 174، 178، 186، 189، 197، 198، 204، 209، 220، 226، 231، 232، 233، 235، 244، 252، 254، 262، 267، 284، 286، 298، 302، 303، 305، 308، 319، 344، 346، 347، 348، 357، 358، 364، 405، 423.

نزهة الناظر فى سيرة الملك الناصر

اليوسفى: موسى بن محمد بن يحيى 125، 138، 178، 196، 217، 278، 317، 345، 361

نظم الجمان 72

***

ص: 625

‌مختصرات مصادر ومراجع التحقيق

تحتوى القائمة التالية على أسماء المصادر والمراجع الإضافية ومختصراتها التى استلزمها تحقيق هذا القسم من كتاب «عقد الجمان لبدر الدين العينى

(1)

».

(1)

القرآن الكريم، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

(2)

الاستقصا - السلاوى (أحمد بن خالد الناصرى ت 1315 هـ/ 1897 م):

- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - 9 أجزاء - الدار البيضاء 1954 م.

(3)

أعلام النبلاء - ابن هاشم الطباخ الحلبى (محمد راغب بن محمود):

- أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، 7 أجزاء - حلب 1923 م.

(4)

إعلام الورى - ابن طولون (محمد بن على الصالحى الدمشقى ت 953 هـ/ 1546 م).

- إعلام الورى بمن ولى نائبا من الأتراك بدمشق الشام الكبرى.

تحقيق د. عبد العظيم حامد خطاب، القاهرة 1973 م.

(1)

تخفيفا لهوامش التحقيق استخدمنا مختصرات فى الإشارة إلى غالبية المصادر والمراجع، وفى هذه القائمة أثبتنا المختصرات - كما وردت فى الهوامش - مرتبة ترتيبا أبجديا، وأمام كل مختصر اسم المصدر أو المرجع بالكامل.

ص: 627

(5) أعيان العصر - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين ت 764 هـ/ 1363 م):

- أعيان العصر وأعوان النصر - مخطوط مصوّر بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة.

(6)

الألقاب الإسلامية - د. حسن الباشا:

- الألقاب الإسلامية - القاهرة 1957 م.

(7)

الإنتصار - ابن دقماق (إبراهيم بن محمد ت 809 هـ/ 1406 م):

- الإنتصار لواسطة عقد الأمصار، نشر فولرز، بولاق 1309 هـ/ 1893 م.

(8)

الأوقاف والحياة الاجتماعية - د. محمد محمد أمين:

- الأوقاف والحياة الإجتماعية فى مصر فى عصر سلاطين المماليك.

دار النهضة العربية، القاهرة 1980 م.

(9)

الإيضاح والتبيان - ابن الرفعة الأنصارى (أبو العباس نجم الدين ت 910 هـ/ 1310 م):

- الإيضاح والتبيان فى معرفة الكيل والميزان.

تحقيق د. محمد أحمد إسماعيل الخاروف من منشورات مركز البحث العلمى، جامعة أم القرى - دمشق 1980 م.

ص: 628

(10) بدائع الزهور - ابن إياس (محمد بن أحمد الحنفى ت 930 هـ/ 1524 م.

- بدائع الزهور فى وقائع الدهور.

نشر وتحقيق محمد مصطفى - 5 أجزاء - القاهرة 1961 م - 1965 م.

(11)

البداية والنهاية - ابن كثير (إسماعيل بن عمر ت 774 هـ/ 1373 م):

- البداية والنهاية، 14 جزء - بيروت 1966 م.

(12)

البدر الطالع - الشوكانى (محمد بن على بن محمد ت 1255 هـ/ 1834 م).

- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع جزءان، القاهرة 1348 هـ/ 1929 م.

(13)

بغية الوعاة - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد ت 911 هـ/ 1505 م):

- بغية الوعاة فى طبقات النحاة - جزءان القاهرة 1964 م.

(14)

تاج التراجم - قاسم بن قطلوبغا (الشيخ أبو العدل زين الدين ت 879 هـ/ 1474 م):

تاج التراجم فى طبقات الحنفية، بغداد 1962 م.

(15)

تاريخ الخلفاء - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر ت 911 هـ/ 1505 م):

- تاريخ الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الله - القاهرة 1351 هـ.

ص: 629

(16) تاريخ الدول الإسلامية - د. أحمد السعيد سليمان:

- تاريخ الدول الإسلامية ومعجم الأسرات الحاكمة، جزءان، دار المعارف بالقاهرة 1969 م.

(17)

تالى كتاب وفيات الأعيان - الصقاعى (فضل الله ابن أبى الفخر ت القرن 8 هـ/ 14 م).

- تالى كتاب وفيات الأعيان، تحقيق جاكلين سويلة، المعهد الفرنسى - دمشق 1974 م.

(18)

التحفة السنية - ابن الجيعان (شرف الدين يحيى بن شاكر ت 885 هـ/ 1480 م):

- التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية.

نشره مريتز، بولاق 1296 هـ/ 1898 م.

(19)

التحفة اللطيفة - السخاوى (محمد بن عبد الرحمن ت 902 هـ/ 1497 م):

- التحفة اللطيفة فى تاريخ المدينة الشريفة.

3 -

أجزاء، القاهرة 1979 م - 1980 م.

(20)

التحفة الملوكية - بيبرس المنصورى (ت 725 هـ/ 1325 م):

- التحفة الملوكية فى الدولة التركية.

تحقيق د. عبد الحميد صالح حمدان.

القاهرة 1987 م

ص: 630

(21) تثقيف التعريف - عبد الرحمن محمد التميمى الحلبى، الشهير بابن ناظر الجيش (ت 786 هـ/ 1384 م).

- كتاب تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف.

تحقيق رودلف فسلى - المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة - 1987 م.

(22)

تذكرة الحفاظ - الذهبى (محمد بن أحمد ت 748 هـ/ 1348 م):

- تذكرة الحفاظ، 4 أجزاء، بيروت 1374 هـ/ 1954 م.

(23)

تذكرة النبيه - ابن حبيب (الحسن بن عمر ت 779 هـ/ 1377 م):

- تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه.

3 -

أجزاء - تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1976 م - 1982 م - 1986 م.

(24)

تقويم البلدان - أبو الفدا (إسماعيل بن على، الملك المؤيد ت 732 هـ/ 1331 م):

- تقويم البلدان، باريس 1840 م.

(25)

التكملة - المنذرى (زكى الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوى ت 656 هـ/ 1258 م):

- التكملة لوفيات النقلة

مجلد 5 - 6 تحقيق بشار عواد معروف، القاهرة 1975 م - 1976 م.

ص: 631

(26) التوفيقات الإلهامية - محمد مختار

- التوفيقات الإلهامية فى مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الأفرنكية والقبطية - مصر 1311 هـ.

(27)

الجوهر الثمين - ابن دقماق (إبراهيم بن محمد ت 809 هـ/ 1406 م):

- الجوهر الثمين فى سير الخلفاء والملوك والسلاطين تحقيق د. سعيد عبد الفتاح عاشور، ومراجعة د. السيد أحمد دراج - مركز البحث العلمى - جامعة أم القرى 1403 هـ/ 1982 م.

(28)

حسن المحاضرة - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر ت 911 هـ/ 1505 م):

- حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة جزءان، القاهرة 1967 م.

(29)

حوادث الدهور - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):

- منتخبات من حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور، كاليفورنيا 1930 م - 1943 م

(30)

الخطط التوفيقية - على مبارك

- الخطط التوفيقية، 20 جزء، بولاق 1306 هـ.

(31)

خطط الشام - محمد كرد على

- خطط الشام - 6 أجزاء - دمشق 1925 م.

ص: 632

(32) الخيل ورياضتها - د. نبيل محمد عبد العزيز

- الخيل ورياضتها فى عصر سلاطين المماليك - المماليك - القاهرة 1975.

(33)

الدارس - النعيمى (عبد القادر بن محمد ت 927 هـ/ 1521 م):

- الدارس فى تاريخ المدارس، جزءان، دمشق 1948 م.

(34)

الدرر - ابن حجر (أحمد بن على العسقلانى ت 852 هـ/ 1448 م)

- الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة، 5 أجزاء.

القاهرة 1966 م.

(35)

درة الأسلاك - ابن حبيب (الحسن بن عمر ت 779 هـ/ 1377 م):

- درة الأسلاك فى دولة الأتراك، مخطوط مصور بدار الكتب المصرية رقم 6170 ح.

(36)

درة الحجال - ابن القاضى (أبو العباس أحمد بن محمد المكناسى ت 1025 هـ/ 1615 م):

- درة الحجال فى أسماء الرجال - تحقيق د. محمد الأحمدى أبو النور، 4 أجزاء، القاهرة 1970 م.

(37)

الدليل الشافى - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):

- الدليل الشافى على المنهل الصافى.

تحقيق فهيم شلتوت، جزءان، من منشورات

ص: 633

مركز البحث العلمى، جامعة أم القرى، القاهرة 1984 م.

(38)

الديباج المذهب - ابن فرحون (إبراهيم بن على، برهان الدين ت 799 هـ/ 1396 م):

- الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب - تحقيق د. محمد الأحمدى أبو النور - القاهرة.

(39)

الذيل على رفع الأصر - السخاوى (محمد بن عبد الرحمن ت 902 هـ/ 1497 م):

- الذيل على رفع الأصر أو بغية العلماء والرواد تحقيق د. جودة هلال، ومحمد محمود صبح.

(40)

ذيل مرآة الزمان - اليونينى (قطب الدين موسى بن محمد ت 726 هـ/ 1325 م):

- ذيل مرآة الزمان - 4 أجزاء - الهند 1380 هـ - 1961 م.

(41)

رحلة ابن بطوطة - ابن بطوطة (محمد بن عبد الله ت 779 هـ/ 1377 م).

- تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، القاهرة 1966 م.

ص: 634

(42) رشيد الدين - (فضل الله الهمدانى):

- تاريخ المغول

المجلد الثانى فى جزأين ترجمة عن الفارسية محمد صادق نشأت، محمد موسى هنداوى، فؤاد عبد المعطى الصياد - القاهرة 1970 م.

(43)

رفع الإصر - ابن حجر (أحمد بن على العسقلانى ت 852 هـ/ 1448 م):

- رفع الإصر عن قضاة مصر

جزءان، تحقيق د. حامد عبد المجيد، محمد أبو سنة - القاهرة 1957 م - 1961 م.

(44)

الروض الزاهر - ابن عبد الظاهر (محيى الدين ت 692 هـ/ 1292 م):

- الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر.

تحقيق د. عبد العزيز الخويطر، الرياض 1976 م.

(45)

روض القرطاس - ابن أبى زرع (على بن محمد بن أحمد ت 726 هـ/ 1325 م):

- الأنيس المطرب بروض القرطاس فى أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس - الرباط 1973 م.

(46)

روضة النسرين - إسماعيل بن الأحمر (ت 807 هـ/ 1404 م):

- روضة النسرين فى دولة بنى مرين - الرباط 1962 م.

ص: 635

(47) زبدة الفكرة - بيبرس الدوادار (الأمير ركن الدين بن عبد الله المنصورى ت 725 هـ/ 1324 م):

- زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة، الجزء التاسع - مخطوط مصور بمكتبة جامعة القاهرة رقم 24028.

(48)

زبدة كشف الممالك - ابن شاهين (خليل بن شاهين الظاهرى ت 872 هـ/ 1468 م):

- زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك نشر بولس راويس، باريس 1894 م.

(49)

السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب - د. محمد محمد أمين.

- السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب (1240 م - 1249 م) رسالة ماجستير - غير منشورة - بجامعة القاهرة 1968 م.

(50)

السلوك - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):

- كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك

ج 1 - 2 (6 أقسام) تحقيق د. محمد مصطفى زيادة، القاهرة 1934 م - 1958 م.

ج 3 - 4 (6 أقسام)، تحقيق د. سعيد عبد الفتاح عاشور - القاهرة 1970 م - 1972 م.

ص: 636

(51) السفن الإسلامية - د. درويش النخيلى:

- السفن الإسلامية على حروف المعجم.

الإسكندرية 1974 م.

(52)

شذرات الذهب - ابن العماد الحنبلى (عبد الحى بن أحمد بن محمد ت 1089 هـ/ 1678 م):

- شذرات الذهب فى أخبار من ذهب، 8 أجزاء، القاهرة 1350 هـ.

(53)

شفاء الغرام - الفاسى (محمد بن أحمد الحسنى المكى ت 832 هـ/ 1428 م):

- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، القاهرة 1956 م.

(54)

صبح الأعشى - القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على بن أحمد ت 821 هـ/ 1418 م):

- صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء، 14 جزء، القاهرة 1919 م - 1922 م.

(55)

الطالع السعيد - الإدفوى (أبو الفضل كمال الدين جعفر بن ثعلب ت 748 هـ/ 1347 م):

- الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، تحقيق سعد محمد حسن، القاهرة 1966 م.

ص: 637

(56) الطبقات السنية - الدارى (تقى الدين بن عبد القادر التميمى الدارى ت 1005 هـ/ 1596 م):

- الطبقات السنية فى تراجم الحنفية. ج 1 تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، القاهرة 1970 م.

(57)

طبقات الشافعية - السبكى (عبد الوهاب بن على ت 771 هـ/ 1370 م).

- طبقات الشافعية الكبرى، 10 أجزاء، القاهرة.

(58)

طبقات القراء - ابن الجزرى (محمد بن محمد ت 823 هـ/ 1429 م):

- غاية النهاية فى طبقات القراء، نشره ج. برجستراسر، 3 أجزاء القاهرة 1351 هـ/ 1932 م.

(59)

طبقات المفسرين - الداودى (محمد بن على بن أحمد ت 945 هـ/ 1538 م):

- طبقات المفسرين، جزءان تحقيق د. على محمد عمر القاهرة 1972 م.

(60)

العبر - الذهبى (محمد بن أحمد ت 748 هـ/ 1348 م).

- العبر فى خبر من غبر، نشر صلاح الدين المنجد، وفؤاد السيد - 5 أجزاء، الكويت 1960 م - 1966.

(61)

العقد الثمين - الفاسى (محمد بن أحمد الحسنى المكى ت 832 هـ/ 1428 م):

- العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين، تحقيق فؤاد السيد، 8 أجزاء، القاهرة 1959 م - 1969 م.

ص: 638

(62) عقد الجمان - العينى (محمود بن أحمد بن موسى، بدر الدين ت 855 هـ/ 1451 م):

- عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان.

القسم الخاص بعصر سلاطين المماليك، تحقيق د. محمد محمد أمين، وصدر منه:

ج 1 648 - 664 هـ

ج 2 665 - 668 هـ

ج 3 689 - 698 هـ

وباقى الكتاب مخطوط مصور بدار الكتب المصرية تحت رقم 1584 تاريخ.

(63)

العقود اللؤلؤية - الخزرجى (على بن الحسن الخزرجى ت 812 هـ/ 1409 م):

- العقود اللؤلؤية فى تاريخ الدولة الرسولية - جزءان - القاهرة 1329 هـ/ 1911 م.

(64)

غاية المرام - ابن فهد (عبد العزيز بن عمر بن محمد الهاشمى القرشى ت 922 هـ/ 1517 م):

- غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام - جزءان - تحقيق فهيم شلتوت - مركز البحث العلمى وإحياء التراث الإسلامى - جامعة أم القرى. جزءان - مكة المكرمة 1406 هـ/ 1986 م، 1409 هـ/ 1988 م.

ص: 639

(65) الفنون الإسلامية والوظائف - د. حسن الباشا:

- الفنون الإسلامية والوظائف 3 أجزاء - القاهرة 1962 م.

(66)

فوات الوفيات - ابن شاكر الكتبى (محمد بن شاكر بن أحمد ت 764 هـ/ 1363 م):

- فوات الوفيات، 5 أجزاء.

تحقيق د. إحسان عباس - بيروت 1973 م.

(67)

فهرست وثائق القاهرة - د. محمد محمد أمين:

- فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك. مع نشر وتحقيق تسعة نماذج.

المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية، القاهرة - 1981 م.

(68)

القاموس الجغرافى - محمد رمزى:

- القاموس الجغرافى للبلاد المصرية.

قسمان فى 5 أجزاء، القاهرة 1953 م - 1963 م.

(69)

القاموس المحيط - الفيروزآبادى (محمد بن يعقوب الشيرازى ت 803 هـ/ 1400 م):

ص: 640

(70) كشف الظنون - حاجى خليفة (مصطفى بن عبد الله كاتب جلبى ت 1067 هـ/ 1656 م):

- كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون - طهران 1387 هـ/ 1947 م.

(71)

كنز الدرر - ابن أيبك الدوادارى (أبو بكر بن عبد الله ت بعد 736 هـ/ 1335 م):

- كنز الدرر وجامع الغرر.

الجزء التاسع: الدر الفاخر فى سيرة الملك الناصر، حققه: هانس روبرت رويمر - القاهرة 1960 م.

(72)

لسان العرب - ابن منظور (جمال الدين محمد مكرم الأنصارى ت 711 هـ/ 1311 م):

- لسان العرب، 20 جزء، بولاق 1300 هـ.

(73)

المختصر - أبو الفدا (عماد الدين إسماعيل، الملك المؤيد ت 732 هـ/ 1331 م):

- المختصر فى أخبار البشر - 4 أجزاء - إستانبول 1286 هـ.

(74)

مدن مصر وقراها - د. عبد العال عبد المنعم الشامى:

- مدن مصر وقراها عند ياقوت الحموى.

الكويت 1981 م.

ص: 641

(75) مرآة الجنان - اليافعى (أبو محمد عبد الله بن أسعد ت 768 هـ/ 1366 م):

- مرآة الجنان وعبرة اليقظان فى معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، 4 أجزاء، حيدرآباد 1377 هـ.

(76)

المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية - د. محمد محمد أمين، ليلى على إبراهيم:

- المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية.

دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1990.

(77)

معجم البلدان - ياقوت الرومى (ابن عبد الله الحموى ت 626 هـ/ 1229 م):

- معجم البلدان، 5 أجزاء، بيروت.

(78)

المقفى - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):

- المقفى

مخطوط مصور بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة

(79)

الملل والنحل - الشهرستانى (محمد بن عبد الكريم ت 548 هـ/ 1153 م):

- الملل والنحل، القاهرة 1951 م.

(80)

المنهل الصافى - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):

ص: 642

- المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى

ج 1، 2 تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1984 م.

ج 3، تحقيق د. نبيل محمد عبد العزيز - القاهرة 1985 م.

ج 4، تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1986 م.

ج 5، تحقيق د. نبيل محمد عبد العزيز، القاهرة 1989 م.

ج 6، تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1989 م.

ج 7، ج 8 تحقيق د. محمد محمد أمين (تحت الطبع) وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية.

(81)

المواعظ والاعتبار - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):

- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، جزءان، بولاق 1270 هـ/ 1854 م.

(82)

النجوم الزاهرة - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):

- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 16 جزء، القاهرة 1929 م - 1972 م.

(83)

نزهة الناظر - موسى بن محمد بن يحيى اليوسفى (ت 759 هـ/ 1358 م):

- نزهة الناظر فى سيرة الملك الناصر.

تحقيق د. أحمد حطيط - عالم الكتب - بيروت 1984 م.

ص: 643

(84) نزهة النفوس - الصيرفى (على بن داود الصيرفى ت 900 هـ/ 1494 م):

- نزهة النفوس والأبدان فى تواريخ الزمان

3 -

أجزاء تحقيق د. حسن حبشى، القاهرة 1970 م - 1973 م.

(85)

نظم العقيان - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر ت 911 هـ/ 1505 م):

- نظم العقيان فى أعيان الأعيان

تحقيق فيليب حتى، نيويورك 1927 م.

(86)

نكت الهميان - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين خليل ت 764 هـ/ 1362 م):

- نكت الهميان فى نكت العميان، القاهرة 1911 م.

(87)

نهاية الأرب - النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب ت 732 هـ/ 1333 م):

- نهاية الأرب فى فنون الأدب

29 -

جزء مطبوع بالقاهرة 1923 م - 1989 م.

وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 549 معارف عامة.

(88)

هدية العارفين - البغدادى (إسماعيل باشا):

- هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، جزءان.

ص: 644

(89) الوافى بالوفيات - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين أبو الصفا خليل ت 764 هـ/ 1362 م):

- الوافى بالوفيات

17 -

جزء نشر جمعية المستشرقين الألمانية، وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب رقم 771 تاريخ تيمور.

(90)

وفيات الأعيان - ابن خلكان (أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد ت 681 هـ/ 1282 م):

- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، 8 أجزاء، تحقيق د. إحسان عباس، بيروت 1967.

***

ص: 645

‌من أعمال المحقق التى أفاد منها فى تحقيق هذا المجلد:

1 -

الأوقاف والحياة الاجتماعية فى مصر 648 - 923 هـ/ 1250 - 1517 م - دار النهضة العربية بالقاهرة 1980 م.

2 -

الأوقاف والحياة الثقافية فى العصور الوسطى - بحث مقدم للندوة الدولية عن الأوقاف فى الوطن العربى - الرباط 1985 م.

- نشر ضمن أبحاث الندوة التى صدرت عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

3 -

الأوقاف ونظام التعليم فى مصر فى العصور الوسطى - بحث مقدم لمؤسسة آل البيت لبحوث الحضارة الإسلامية - الأردن 1986 م.

4 -

تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه - للحسن بن عمر بن الحسن ابن عمر بن حبيب المتوفى سنة 779 هـ/ 1377 م - دراسة ونشر وتحقيق - صدر فى ثلاث مجلدات:

المجلد الأول: حوادث وتراجم 678 - 709 هـ/ 1279 - 1309 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1976 م.

المجلد الثانى: حوادث وتراجم 709 - 741 هـ/ 1309 - 1340 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1982 م.

ص: 647

المجلد الثالث: حوادث وتراجم 741 - 770 هـ/ 1340 - - 1368 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986 م.

5 -

تطور العلاقات العربية الإفريقية فى العصور الوسطى - فصل من كتاب «العلاقات العربية الإفريقية» - معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة 1977 م.

6 -

تفويض من عصر السلطان العادل طومان باى «صانع السلاطين» (وهو الوثيقة 739 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة، والمؤرخة 12 رجب 906 هـ وهو تفويض صادر من السلطان جان بلاط) - المجلة التاريخية المصرية - مجلد 27 سنة 1981 م.

7 -

السخاوى ومؤرخو عصره، مع نشر وتحقيق مقامة الكاوى على تاريخ السخاوى للسيوطى - بحث مقدم للندوة الدولية عن المؤرخ السخاوى - الجمعية المصرية للدراسات التاريخية القاهرة 1982 م - بحث منشور ضمن أبحاث الندوة التى صدرت عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر.

8 -

الشاهد العدل فى القضاء الإسلامى - دراسة تاريخية مع نشر وتحقيق إسجال عدالة من عصر سلاطين المماليك (وهو الوثيقة 791 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة والمؤرخة سنة 860 هـ) حوليات إسلامية Annales Islamologiques المجلد 18 سنة 1982 م المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة.

ص: 648

9 -

شمال إفريقيا والحركة الصليبية - مجلة الدراسات الإفريقية - العدد الثالث 1975.

10 -

الصومال فى العصور الوسطى - فصل من كتاب عن جمهورية الصومال أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1986 م.

11 -

العبدلاب وسقوط مملكة علوة - بحث فى انتشار الإسلام والعروبة فى وسط سودان وادى النيل - مجلة الدراسات الإفريقية - العدد الثانى 1974 م.

12 -

العرب والدعوة الإسلامية فى شرق إفريقيا - مجلة الدارة - الرياض 1985 م.

13 -

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - لبدر الدين محمود العينى المتوفى سنة 855 هـ/ 1451 م - دراسة ونشر وتحقيق، صدر من القسم الخاص بعصر سلاطين المماليك:

المجلد الأول: حوادث وتراجم 648 - 664 هـ/ 1250 - 1265 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987.

المجلد الثانى: حوادث وتراجم 665 - 688 هـ/ 1266 - 1289 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988 م.

المجلد الثالث: حوادث وتراجم 689 - 698 هـ/ 1290 - 1298 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989 م.

14 -

العلاقات بين دولتى مالى وسنغاى وبين مصر فى عصر سلاطين المماليك 1250 م - 1517 م - مجلة الدراسات الإفريقية - العدد الرابع 1976 م.

ص: 649

15 -

علماء زيلع فى مصر ودورهم فى الحضارة الإسلامية فى القرن 9 هـ/ 15 م - بحث مقدم للندوة الدولية عن القرن الإفريقى - نشر ضمن أبحاث الندوة - صدر بالقاهرة 1987 م.

16 -

فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك (329 - 923 هـ/ 853 - 1516 م) مع نشر وتحقيق تسعة نماذج - المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة 1980.

17 -

مرسوم السلطان برقوق إلى رهبان دير سانت كاترين بسيناء (وهو المرسوم المحفوظ بمكتبة الدير رقم 45 والمؤرخ 17 شعبان سنة 800 هـ) - مجلة جامعة القاهرة بالخرطوم - العدد الخامس 1974.

18 -

مصارف أوقاف السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون على مصالح القبة والمسجد والجامع والمدارس ومكتب السبيل بالقاهرة (وهى الوثيقة 40/ 6 المحفوظة بدار الوثائق القومية بالقاهرة، وصورتها رقم 881 ق المحفوظة بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة) - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986.

19 -

المصطلحات المعمارية فى الوثائق المملوكية.

بالإشتراك مع ليلى على إبراهيم - دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة - 1990.

20 -

معاهدة تجارية بين مصر والبندقية من عصر السلطان المؤيد شيخ - دراسة فى العلاقات الإقتصادية بين مصر والبندقية فى أوائل القرن 9 هـ/ 15 م - بحث مقدم للندوة الدولية عن مصر وعالم

ص: 650

البحر المتوسط - القاهرة 1985 - نشر ضمن أبحاث الندوة التى صدرت بالقاهرة عن دار الفكر بالقاهرة 1986.

21 -

منشور بمنح إقطاع من عصر السلطان الغورى (وهو الوثيقة 789 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة، والمؤرخة 7 ذو الحجة 916 هـ) - حوليات إسلامية Annales Islamolomogiques . المجلد 19 سنة 1983 م - المعهد العلمى الفرنسى للاثار الشرقية بالقاهرة.

22 -

المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى - ليوسف بن تغرى بردى المتوفى سنة 874 هـ/ 1470 م - دراسة ونشر وتحقيق - صدر منه 6 مجلدات عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984 م - 1989 (حقق الجزءان الثالث والخامس د. نبيل محمد عبد العزيز).

23 -

نهاية الأرب فى فنون الأدب - لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويرى المتوفى سنة 732 هـ/ 1332 م - دراسة ونشر وتحقيق للمجلد رقم 28 - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1991.

24 -

وثائق من عصر سلاطين المماليك - دراسة ونشر وتحقيق تسعة نماذج متنوعة - المعهد الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة 1981.

25 -

وثائق وقف السلطان قلاون على البيمارستان المنصورى (الوثيقة رقم 15/ 2 بدار الوثائق القومية بالقاهرة، وصورتها رقم

ص: 651

1010 -

ق بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة) - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977 م.

26 -

وثائق وقف السلطان الناصر محمد بن قلاوون (وهى الوثائق رقم 25/ 4 وصورتها 31/ 5، 27/ 5، 30/ 5) المحفوظة بدار الوثائق القومية بالقاهرة - والمتضمنة وقف خانقاة سرياقوس والوقف على مصالحها - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1982 م.

27 -

وثيقة وقف ذمية (وثيقة وقف ماريا ابنة أبى الفرج بركات - من وثائق بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة رقم 41/ 19 - الدرب الأحمر) - انظر:

of Orient)G.E.S.H.O.(Vol.XVIII،p.l،5791 enne-Journal of Economic and Social History Un Acte de Fondation du Waqf Par une Chreti -

28 -

وثيقة وقف السلطان قايتباى على المدرسة الأشرفية وقاعة السلاح بدمياط (الوثيقة 889 ق أوقاف وصورتها رقم 703 جديد بأرشيف وزارة الأوقاف بالقاهرة) - المجلة التاريخية المصرية مجلد 22 سنة 1975 م.

***

ص: 652