الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُقُودُ الزّبَرْجَدِ عَلَى مُسْنَدِ الإمَام أحمَدَ فِي إعرَاب الحَدِيثِ
تأليف: جلال الدين السيوطي
تحقيق: الدكتور حسن موسى الشاعر أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة
مسند أنس بن مالك 1 رضي الله عنه
49-
حديث الشفاعة، قوله:"يُجْمَعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القيامة فَيُلْهَمُونَ ذلك".
قال أبو البقاء2: (ذلك) إشارة إلى المذكور بعده، وهو حديث الشفاعة. ويجوز أن يكون قد جرى ذكره قبل، فأشار بذلك إليه، ثم ذكر بعد منه طائفة.
وقوله: "فيقولون لو اسْتَشْفَعْنا على رَبِّنا".
عدّى (استشفعنا) بعلى، وهي في الأكثر تتعدّى بإلى، لأن معنى استشفعت توسلت، فتتعدى بإلى، ومعناها أيضاً استعنت، يقال: استشفعتُ إليه واستعنتُ عليه، وتحمّلت3 عليه بمعنى واحد. ومن هذا قول الشاعر:
1 أنس بن مالك بن الخضر الأنصاري الخزرجى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المكثرين من الرواية عنه. خدمه عشرين سنين شهد الفتوح ثم قطن البصرة، وكان أخر الصحابة موتاً بالبصرة. أنظر: الِإصابة 1/ 084 الأعلام 2/ 24.
49-
حديث الشفاعة حديث طويل وفيه "يجمع المؤمنون يوم القيامة فيلهمون ذلك فيقولون لو استشفعنا على ربنا فأراحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم
…
فيقول لهم: لست هناكم، ويذكر ذنبه الذي أصابه فيستحي ربّه عز وجل من ذلك
…
"أنظر: البخاري: كتاب التوحيد 13/477. مسلم 3/54 مسند أحمد 3/116 مشكاة المصابيح 3/69.
2 إعراب الحديث- لأبي البقاء العكبري، رقم29
3 في بعض النسخ (وتحيلت عليه) .
إذا رَضيَتْ عَلىَّ بنو قُشَيرٍ
…
لَعمرُ أبيكَ أعجبني رضاها [1
فعدّاه بعلى. قال أبو عبيدة2: "إنما ساغ ذلك لأن معناه أقبلت علىّ". انتهى.
قلت: في رواية للبخاري "لو استشفعنا إِلى ربّنا" بإلى على الأصل.
قال الكرماني3: وجواب "لو" محذوف، أو هي للتمني.
وقال الطيبي4: "لو" هي المتضمنة للتمني والطلب. وقوله (فَيُريحَنا) منصوب بأن المقدّرة بعد الفاء الواقعة جواباً للو5. وقوله: (أأنت آدم) من باب:
أنا أبو النجم وشِعْري شِعْري6
ثم قال أبو البقاء: وقوله: "لَسْتُ هُنَاكمُ": (هنا) في الأصل ظرف مكان وقد استعملت للزمان، ومعناها هاهنا عند، أي لست عند حاجتكم أنفعكم، والكاف والميم لخطاب الجماعة. وقوله:"فيستحي ربَّه من ذلك" الأصل فيستحي من ربّه فحذف (من) للعلم بها، كقوله تعالى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} 7 أي من قومه. ويجوز أن لا يكون فيه حذف، ويكون المعنى يخشى ربَّه أو يخاف ربَّه، لأن الاستحياء والخشية بمعنى واحد. وقوله:"ولكن ائتوا موسى عَبْدٌ" تقديره: هو عبد. ولو نصب جاز على البدل أو على الحال، والرفع أفخم. وقوله:"ائتوا عيسى عَبْد الله" الرفعِ فيه أجود كما رفع ما قبله على التعظيم، ويجوز النصب على الصفة. وقوله:"ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عَبْداً غفر الله له" فنصب هاهنا على البدل أو الحال أو على إضمار أعني، ولو رفع كما رفع (عَبْدٌ كلّمه الله) لجاز. وقوله:
1 هذا البيت من قصيدة قالها القُحيف العقيلي، وهو شاعر إسلامي مقل، يمدح بها حكيم بن المسيب القشيري. انظر: المقتضب 2/ 320 مغني اللبيب 153. خزانة الأدب 10/132 وما بعدها.
قال ابن جني: "ذهب الكسائي إلى أنه عدّى رضيت بعلى لما كان ضد سخطت، وسخطت مما يعدّى بعلى. وكان أبو علي يستحسنه من الكسائي ". الخصائص 2/289.
2 هو معمر بن المثنى اللغوي البصري، مولى بني تيم، أخذ عن يونس وأبي عمر. وهو أول من صنف في غريب الحديث. ومن مصنفاته: المجاز في غريب القرآن، معاني القرآن، نقائض جرير والفرزدق. توفي سنة 210 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/294
3 صحيح البخاري بشرح الكرماني 25/203.
4 شرح مشكاة المصابيح للطيبي، مخطوط في المكتبة المحمودية جـ4 ورقة 201.
5 الفاء واقعة في جواب لو على جعل لو للطلب، فإن جعلت شرطية فجوابها مقدر، كما أشار الكرماني.
6 قائله أبو النجم العجلي. انظر ديوانه ص 99. همع الهوامع 1/207. معاهد التنصيص 1/ 26. قال البغدادي في خزانة الأدب 1/ 439: استشهد به على أن عدم مغايرة الخبر للمبتدأ إنما هو للدلالة على الشهرة، أي شعري الآن هو شعري المشهور المعروف بنفسه لا شيء آخر
7 الأعراف 155.
"أنتظر أُمتِي تَعْبُرُ الصِّراط" التقدير: أنتظر أمتي أن تعبر، فأن والفعل في تقدير مصدر موضعه نصب بدلاً من أمتي بدل اشتمال، ولما حذف (أن) رفع الفعل، ونصبه جائز1.
وقوله: "فالخَلْقُ مُلْجَموُنَ في العَرَق" يجوز أن يكون المعنى أنهم في العرق ملجمون بغيره، فيكون (في العرق) خبراًَ عن الخلق، و (مُلْجَمون) خبراً آخر. ويجوز أن يكون (في) بمعنى الباء، ويكون العرق ألجمهم. هذا كلُّه كلام أبي البقاء
وقوله: "فَاحْمَدُهُ بِمَحامِدَ لا أقدر عليه الآن".
قال النووي2: هكذا هو في الأصول "لا أقدر عليه" وهو صحيح، ويعود الضمير في (عليه) إلى الحمد.
وقوله في الرواية الأخرى: "لستُ لها".
قال الطيبي3: اللام متعلقة بمحذوف. واللام هي التي في قولك: أنت لهذا الأمر، أي كائن له ونختص به. وعلى هذا قوله:"أنا لها" وقوله: "ليس ذلك لك".
50-
حديث الغار، قوله:"إِنَّهُ كانَ لي والدان فكُنْتُ أَحْلِبُ لَهمُا في إنائِهما فآتيهما، فإذا وَجْدتُهما راقِدَيْن قُمْتُ عَلى رُؤُوسِهما كرَاهِيةَ أنّ أَرُدِّ سِنَتَهمُا في رُؤوسهما حتّى يستيقظان متى استيقظا".
قال أبو البقاء4: هكذا وقع في هذه الرواية "حتى يستيقظان" بالنون، وفيه عدة أوجه: أحدها: أن يكون ذلك من سهو الرواة، وقد وقع ذلك منهم كثيراً، والوجه حذفها
1 قال ابن مالك لا شرح الكافية الشافية 3/1559: "وأما بقاء النصب بعد حذف (أنْ) في غير ذلك فضعيف قليل، ولا يقبلُ منه إلا ما نقله عدل، ولا يقاس عليه. ومما نُقِل فقبُل قول بعض العرب: خد اللصَّ قبل يأخَذَك ".
2 صحيح مسلم بشرح النووي3/62.
3 شرح مشكاة المصابيح جـ4 ورقة 203.
50-
حديث الغار، وأوله (إن ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فدخلوا غاراً..) مسند أحمد 3/ 0142 البخاري: باب حديث الغار 6/505 باختلاف الرواية
4 إعراب الحديث رقم 31. والرواية التي وجهها العكبري اعتمد فيها على كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي، وأما رواية المسند 3/142 فهي (حتى يستيقظا
…
) ، وهي متفقة مع القاعدة ولا تحتاج إلى توجيه. وبذلك نرى أن السيوطي يلفق بين الكتب دون إشارة.
بحتى، لأن معناها إلى أن يستيقظا1، وتتعلق بقمت.
والثاني: أن يكون ذلك على ما جاء في شذوذ الشعر، كقوله:
أَنْ تقرآنِ عَلى أسْماء وَيحكُما
…
مِنيّ السَّلامَ وأَنْ لا تُخْبِرا أَحَدا2
والثالث: أن يكون على حذف مبتدأ، أي حتى هما يستيقظان.
وقوله: "متى استيقظ" تقديره: سقيتهما. ويجوز أن يكون المعنى أؤخر أو أنتظر أي وقت استيقظا. انتهى.
51-
حديث الأوعية، قوله:"فالرصاص والقارورة، قال: ما بأس بهما".
قال أبو البقاء3: جعل اسم (ما) نكرة والخبر جار ومجرور، والأكثر في كلامهم أن يقدّم هاهنا الخبر، فيقال: ما بهما بأس. وتقديم المبتدأ جائز4 لأن البأس مصدر، وتعريف المصدر وتنكيره متقاربان. وقد قالوا:"لا رجلٌ في الدار". فرفعوا بلا النكرة. و (ما) قريب منها. ويجوز أن يحمل (ما) على (لا) .
52-
حديث "لا تَزالُ جَهَنَّمُ تقول "هَلْ مِنْ مَزيد" حتى يَضَعَ فيها رَبُّ العِزَّةِ قَدَمه، فتقول: "قَطْ قَطْ وعِزَّتِك".
قال الأندلسي5 في شرح المفصّل: (قَطْ) المخففة معناها حَسْب، وهي مبنية على
1 ذهب الكوفيون إلى أن (حتى) لا تكون حرف نصب ينصب الفعل من غير تقدير أن.. وذهب البصريون إلى أن الفعل بعدها منصوب بتقدير (أن)
…
انظر: الإنصاف مسألة 83.
2 هذا ثالث ثلاثة أبيات لا يعرف قائلها ،والشاهد فيها قوله (أن تقرآن) حيث أهمل (أن) ولم تنصب. قال ابن مالك: جاء على لغة من يرفع الفعل بعد (أن) حملاً على (ما) أختها. انظر: شواهد توضيح ص 180. شرح ابن يعيش 7/ 15.مغني اللبيب ص 28.شرح أبيات مغني اللبيب 1/ 135.حاشية الصبان 3/ 287.الإنصاف مسألة 77.
51 – سُئل أنس عن الشرب في الأوعية فقال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المزفتة ، وقال كل مسكر حرام. قال ، قلت: وما المزفتة؟ قال: المقيّرة. قال ، قلت: فالرصاص والقارورة؟ قال: ما بأس بهما
…
"مسند أحمد 3/ 112.
3 إعراب الحديث النبوي رقم 34.
4 في النسخ (غير جائز) والصحيح أنه جائز كما علّله هنا وذكره في إعراب الحديث. ومن مسوّغات الابتداء بالنكرة أيضاً هنا غير ما ذكره وقوعها في سياق النفي.
2 5- الحديث في البخاري 11/545 كتاب الأيمان والنذور ب الحلف بعزة الله. مسلم 17/183.
5 القاسم بن أحمد بن الموفّق، علم الدين اللورقي الأندلسي، إمام في العربية، عالم بالقراءات. صنف: شرح المفصل في أربعة مجلدات، شرح الجزولية، شرح الشاطبية. مات سنة 661 هـ بدمشق انظر: بغية الوعاة 2/250.
السكون لوقوعها موقع فعل الأمر، وتدخلها نون الوقاية حرصاً على إبقاء سكونها. قال:
امتلأ الحَوْضُ وقال قَطْني1
وربما حذفت نون الوقاية منها، مثله في عني ومني 2. وإنما لم تُبنَ حَسْب وإن كانت في معناها لأنها لم توضع في أول أحوالها وضع الفعل كما فُعل بقط، لأنك تصرفها فتقول أحسبني الشيء إحساباً، وهذا حَسْبُك أي كافيك، فلما تصرّف بهذه الوجوه دون قَط أُعرب ولم يُبْنَ، وتنون قَطْ هذه في التنكير لأنها بمنزلة صَهْ ومَهْ.
53-
حديث "قوموا فلأصلّي لكم".
قال أبو البقاء3: لم يقل (بكم) لأنه أراد من أجلكم لتقتدوا بي. انتهى.
وقال إن مالك في التوضيح4: يروي قوله (فلأصلّي) بحذف الياء وبثبوتها مفتوحة وساكنة، واللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، وأن الفعل في تأويل مصدر مجرور، واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: قوموا فقيامكم لأصلي لكم. ويجوز على مذهب الأخفش5 أن تكون الفاء زائدة، واللام متعلقة بقوموا، واللام عند حذف الياء لام الأمر، ويجوز فتحها على لغة سُليم، وتسكينها بعد الفاء
1 قال في الصحاح (مادة قطط) : قط: إذا كانت بمعنى حسب وهو الاكتفاء فهي مفتحة ساكنة الطاء، تقول: ما رأيتُه إلاّ مرة واحدة فقطْ. فإذا أضفت قلت قَطْكَ هذا الشيء، أي حسبك، وقطني وقطي وقطْ. قال الراجز:
امتلأ الحوضُ وقال قطني
…
مهلاً رويداً قد ملأتَ بطني
انظر: الخصائص لابن جني 1/32، الأشموني والصبان 1/125.
2 ومن حذف نون الوقاية منهما قول الشاعر:
أيّها السائل عنهُم وعني
…
لستُ من قيسٍ ولا قيسُ مِني
انظر: الأشموني والصبان 1/ 124.
53-
عن أنه (أن جدته مُليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلي لكم
…
) مسند أحمد 3/131.
وانظر: البخاري 1/488 كتاب الصلاة ب الصلاة على الحصير. مسلم 5/163. أبو داود 1/166 (تحقيق محي الدين) .
3 إعراب الحديث رقم 35.
4 شواهد التوضيح والتصحيح ص 186.
5 سعيد بن مسعدة، الأخفش الأوسط، قرأ النحو على سيبويه وكان أسنّ منه، دخل بغداد لينتقم لأستاذه سيبويه من الكسائي، ولكن الكسائي قرّبه، فأقام ببغداد، ومات سنة 210 هـ تقريباً ومن مصنعاته: معاني القرآن، المسائل، الأوسط في النحو. انظر: بغية الوعاة 1/590.
والواو وثُمّ على لغة قريش، وحذف الياء علامة الجزم. وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام1 فيصح قليل في الاستعمال، ومنه قوله تعالى:{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} 2. وأمّا في رواية من أثبت الياء ساكنة فيحتمل أن تكون اللام لام كي وسكنت الياء تخفيفاً، وهي لغة مشهورة، أعني تسكين الياء المفتوحة، ومنه قراءة الحسن {وذروا ما بَقِيْ من الرّبا} 3 وقرىء {فَنَسيْ} 4و {ثانيْ اثنين} 5 بالسكون. ويحتمل أن تكون اللام لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، كقراءة قُنْبُل6.. {إنه من يتقيْ ويصبر} 7.
وقال الزركشي8: قال ابن السّيد9: يرويه كثير من الناس بالياء، ومنهم من يفتح اللام ويسكن الياء ويتوهمونه قَسَما، وذلك غلط، لأنه لا وجه للقسم، ولو كان لقال فلأصلينّ، بالنون. وإنما الرواية الصحيحة (فلأصلّ) على معنى الأمر. والأمر إن كان للمتكلم والغائب كان باللام أبدا، وإذا كان للمخاطب كان بلام وغير لام.
قوله: "وصَفَفْتُ أنا واليتيم وراءه".
1 قال الأشموني 4/3: وأما اللام فجزمها لفعلي التكلم مبنيين للفاعل جائز في السعة لكنه قليل، ومنه "قوموا فلأصلّ لكم"{ولنحمل خطاياكم} وأقل منه جزمها فحل الفاعل المخاطب كقراءة أبي وأنا {فبذلك فلتفرحوا} وقوله عليه الصلاة والسلام "لتأخذوا مصافكم" والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر.
2 العنكبوت:12.
3 البقرة: 278. قال العكبري: الجمهور على فتح الياء، وقد قرىء شاذاً بسكونها، ووجهه أنه خفّف بحذف الحركة عن الياء بعد الكسرة. انظر: إملاء ما منّ به الرحمن 1/117، الدر المصون للسمين الحلبي 2/637.
4 طه: 115.
5 التوبة: 40. وانظر: إملاء ما منّ به الرحمن 1/15.
6 هو محمد بن عبد الرحمن المكي المخزومي، روي القراءة على ابن كثير بإسناد. توفي بمكة سنة 291 هـ. انظر: البدور الزاهرة ص 8.
7 يوسف: 90. وأنظر: السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 351.
8 محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، بدر الدين عالم بفقه الشافعية والأصول، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة، له مصنفات كثيرة منها: البرهان في علوم القران، التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح. توفي سنة 794 هـ. انظر: البرهان في علوم القرآن- المقدمة 1/ 5 الأعلام 6/ 60. وكلام الزركشي في كتابه شرح البخاري 2/ 22.
9 عبد الله بن محمد به السِّيد البطليوسي، كان عالماً باللغات والآداب، أقرأ النحو واجتمع إليه الناس. من مصنفاته: شرح أدب الكاتب، شرح الموطأ، شرح سقط الزند، إصلاح الخلل الواقع في الجمل. توفي سنة 521 هـ ببلنسية. انظر: بغية الوعاة 2 / 55- 56.
قال الزركشي1: بنصب اليتيم ورفعه. ويروى "وصففت واليتيم" من غير توكيد. والأول أفصح، إذ لا يعطف غالباً على الضمير المرفوع إلاّ مع التأكيد، كقوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 2.
54-
حديث "مرّ النبي بِتمْرَةٍ مسقوطة"3.
قال الكرماني4: القياس أن يقال سَاقطة، لكنه قد يجعل اللازم كالمتعدّي بتأويل، كقراءة من قرأ {وعُموا وصُمّوا} 5 بلفظ المجهول.
التيمي6: هي كلمة غريبة لأن المشهور أن (سقط) لازم، على أن العرب قد تذكرِ الفاعل بلفظ المفعول وبالعكس إذا كان المعنى مفهوماً. ويجوز أن يقال جاء (سُقِط) متعدياَ أيضاً بدليل قوله تعالى:{سُقِطَ فِي أَيْدِيهِم} 7. قال الخطابي8: "يأتي المفعول بمعنى الفاعل كقوله تعالى: {كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} 9 أي آتيا". [انتهى] .
وقال ابن مالك10: (مسقوطة) بمعنى مُسقَطة، ونظيره مرقوق بمعنى مُرَقّ أي مسترق، عن ابن جني11، ومثله أيضاً رجل مفؤود أي جبان، ولا فعل له، [إنما يقال فُئد
1 شرح صحيح البخاري (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح) 2/ 22 الطبعة الأولى.
2 البقرة:35.
3 عن أنس قال: "مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بتمرةٍ مسقوطةٍ فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها". البخاري: كتاب البيوع. باب ما يتنزه من الشبهات. فتح الباري 4/293.
4 صحيح البخاري بشرح الكرماني 9/187.
5 المائدة: 71. وهي قراءة إبراهيم النخعي كما سيأتي.
6 شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني الحافظ الكبير صاحب الترغيب والترهيب، رحل إلى بغداد ونيسابور، وجاورسنة. مات سنة 535 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي ص 1277.
7 الأعراف: 149.
8 حَمدَ بن محمد بن إبراهيم أبو سليمان الخطابي، كان حجة صدوقاً، روى عنه أبو عبد الله الحاكم وغيره. ومن مصنفاته: غريب الحديث، شرح البخاري، شرح أبي داود. مات ببست سنة 388 هـ. انظر: بغية الوعاة 1/547.
9 مريم:61.
10 شواهد التوضيح والتصحيح ص 197.
11 عثمان بن جني، من أحذق العلماء بالنحو والتصريف، لزم أبا علي الفارسي، ولما مات أبو علي تصدّر ابن جني مكانه ببغداد. من مصنفاته: الخصائص، سر صناعة الإعراب، المنصف شرح تصريف المازني، المحتسب في إعراب الشواذ. مات سنة 392 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/ 132.
بمعنى مرض فؤاده لا بمعنى جبن. وكما جاء مفعول ولا فعل له جاء فُعِلَ ولا مفعول له [1كقراءة النخعي {ثم عُمُوا وصُمُّوا} ولم يجيء مَعْمِيّ ولا مَصمُوم استغناء بأعْمى وأَصَمّ.
55 -
: حديث "ما صَلَّيْتُ ورَاء إمامٍ قَطّ أَخَفَّ صَلاةً".
قال الكرماني2: (أخفّ) صفة للإِمام. و (صلاة) تمييز له. وقوله: "وإنْ كانَ لَيَسْمَعُ بكاء الصبي" أصله: وإنّه كان، مخفف وفيه ضمير الشأن.
56-
حديث: "إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَبا بكرٍ وعمرَ كانوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بالحمدُ لله ربّ العالمين".
قال الزركشي3 والكرماني4: (الحمدُ) بضم الدال على سبيل الحكاية.
57-
حديث: "لقد رأيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكمُ الَجنَّةَ والنّار".
قال الكرماني5: فإن قلت (الآن) للحال، و (رأيتُ) للماضي، فكيف يجتمعان؟ قلت: دخول (قد) عليه قرّبه إلى الحال. فإن قلت: فما قولك في (صَلَّيتُ) فإنه للمضيّ البتة؟ قلت: قال ابن الحاجب: كل مخبر أو منشئ فقصده الحاضر، فمثل (صليت) يكون للماضي الملاصق للحاضر. أو أريد بالآن ما يقال عرفاً إنه الزمان الحاضر، لا اللحظة الحاضرة الغير المنقسمة المسماة بالحال. فإن قلت:(منذ) 6 حرف أو اسم؟ قلت: جاز
1 ما بين المعقوفين ساقط من النسخ، وهو مثبت في شواهد التوضيح لابن مالك ص 197.
55-
الحديث عن أنس "ما صليت وراء إمام قط أخفّ صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه"،. البخاري/ فتح الباري 2/ 201.
2 صحيح البخاري بشرح الكرماني 5/86.
56-
البخاري: كتاب الآذان والجماعة باب ما يقال بعد التكبير، فتح الباري 2/ 226. مسند أحمد 3/ 101، 203.
3 شرح صحيح البخاري 2/177.
4 صحيح البخاري بشرح الكرماني 5/ 111.
57-
عن أنس قال:"صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رقا المنبر فأشار بيديه قِبَل قبلة المسجد ثم قال: لقد رأيت الآن- منذ صليت لكم الصلاة- الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر- ثلاثاً". البخاري: كتاب الأذان. فتح الباري 2/232. مسند أحمد 3/162.
5 صحيح البخاري بشرح الكرماني 5/116.
6 أنظر الخلاف في مذ ومنذ: الإنصاف مسألة 56، شرح جمل الزجاجي لابن عصفور 2/53.
الأمران. فإن كان اسماً فهو مبتدأ وما بعده خبر، والزمان مقدّر قبل (صليت) . وقال الزجاج1بعكس ذلك2.
قوله: "فَلَمْ أَرَ كالْيَومِ في الخير والشرّ".
قال الطيبي3: الكاف في موضع الحال. وذو الحال المفعول به، وهو الجنة والنار. والمعنى: لم أر الجنة والنار في الخير والشر يوماً من الأيام مثل ما رأيت اليوم. أي رأيتها رؤية جليّة ظاهرة مثبتاً4 في مثل هذا الجدار، ظاهراً خيرها وشرّها. ونحوه قولِ الشاعر:
حتى إذا الكلاّبُ قالَ لها
…
كاليومِ مَطْلوباً ولا طَلَبا5
58-
حديث "يُؤْتَي بالرَّجلِ يَوْمَ القِيامةِ مِنْ أَهلِ الجنَّة، فيقولُ له: يا بْنَ آدم كيفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَك؟ فيقول: أيْ رب خيْرَ مَنزِل".
قال أبو البقاء6: النصب هو الوجه، أي وجدته خيرَ منزل.
59-
حديث "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُداً فَتَبِعَه أبو بكر وعمرُ وعثمانُ فرَجَفَ بهم، فقال: اسكُنْ نَبيٌّ وصدّيقٌ وشَهيدان".
1 إبراهيم بن السرّي أبو إسحاق الزجاج، كان يخرط الزجاج ثم مال إلى النحو فلزم المبرد، وكان يعلّم بالأجرة من تصانيفه: معاني القرآن، الاشتقاق، خلق الإنسان. مات سنة311 هـ انظر. بغية الوعاة 1/ 411.
2 أي إذا ولي منذ اسم مرفوع، فتعرب منذ ظرفاً في موضع الخبر المرفوع بعدها مبتدأ. وهذا مذهب الأخفش والزجاج وطائفة من البصريين. أنظر الجني الداني ص465، مغني اللبيب 373.
3 شرح مشكاة المصابيح للطيبي جـ3 ورقة 230 مخطوط في المكتبة المحمودية.
4 كذا في النسخ. وفي بعض نسخ شرح المشكاة (مثلها في قبل هذا الجدار) .
5 قائله أوس بن حجر. والبيت من القصيدة الأولى في الديوان ص 3. والرواية في النسخ المخطوطة (مطلوباً ولا طالباً) . والكلاب صاحب كلاب الصيد. واستشهد له الزمخشري على حذف الفعل جوازاً والتقدير: لم أر كاليوم
…
انظر: شرح ابن يعيش 01/125 الإيضاح في شرح المفصل 1/248.
وفي أمالي ابن الشجري 1/ 361. أراد قال للبقر والكلاب لم أر كاليوم مطلوباً ولا طالبا فحذف النافي والمنفي اللذين هما لم أر. فلذلك جاء بحرف النفي مع المعطوف في قوله (ولا طلبا) لأنه عطفه على ما عمل فيه فعل منفي. ووضع المصدر الذي هو طلب، موضع اسم المفاعل الذي هو طالبا
…
58-
الحديث عن أنس في مسند أحمد 3/208.
6 إعراب الحديث برقم 51.
59-
الحديث في البخاري- كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناف عثمان7/53.
قال أبو البقاء1: تقديره عليك نبيٌّ. وقد جاء مفسّراً في حديث آخر2.
60-
حديث "لا عَدْوَى ولا طِيْرة".
قال ابن مالك في شرح التسهيل: "أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا مع إلاّ نحو: لا إله إلاّ الله". ومن حذفه دون إلاّ قوله تعالى: {قَالُوا لا ضَيْر} 3 وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرار" 4 و "لا عدوى ولا طيرة"5.
61-
حديث "إنّه الإيمان حُبّ الأنْصارِ وإنَّهُ النِّفاقُ بُغْضُهم".
قال أبو البقاء6: " (إنَّ) المؤكدة، والهاء فيها ضمير الشأن مثل قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ} 7 وليست ضميراً عائداً على مذكور قبله، إذ ليس في الكلام ذلك. و "الإِيمان حبّ الأنصار" مبتدأ وخبر، وهو خبر إن كأنه قال: إنّ الأمر والشأن الإِيمان حبّ الأنصار. ويروى (آية الإيمان) وهو ظاهر". انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر8: " (آية) بهمزة ممدودة وياء تحتية مفتوحة وهاء تأنيث. و (الإِيمان) مجرورة بالإضافة. هذا هو المعتمد في ضبط هذه الكلمة في جميع الروايات في الصحيحين والسنن والمستخرجات والمسانيد. والآية العلامة".
57 إعراب الحديث برقم 52.
(2)
عن سهل بن سعد (ارتج أحد وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اثبت أحد ما عليك إلاّ نبي وصديق وشهيدان) . مسند أحمد 5/ 331.
60-
البخاري: كتاب الطب، باب الفأل- فتح الباري 1/ 214. مسلم 41/213. مسند أحمد 3/ 130، 154.
3 الشعراء 50.
4 مسند أحمد 5/327.
5 مسند أحمد 1/174 ، 2/153 ، 3/130 ،173.
61-
البخاريَ: الكتاب الإيمان 1/ 62. ومسلم 2/ 63 مسند أحمد 3/ 130، 134. وفي هذه المصادر جميعها (آية الإيمان.. وآية النفاق..) أما (إنه الِإيمان. وإنّه النفاق..) فهي رواية كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي الذي اعتمد عليه العكبري في إعراب الحديث
6 إعراب الحديث رقم 53.
7 سورة الحج. آية 46.
8 هو أحمد بن علي بن محمد العسقلاني ابن حجر، حافظ الإسلام في عصره، كان فصيح اللسان عارفاً بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين. له تصانيف كثيرة منها: الدرر الكامنة فِي أعيان المائة الثامنة، لسان الميزان، تقرب التهذيب، الإصابة، فتح الباري شرح صحيح البخاري. الأعلام 1/178.
قال: "وما ذكره أبو البقاء من أنه بهمزة مكسورة ونون مشدّدة وهاء، و (الإيمان) بالرفع، تصحيف منه"1.
قلت: ويؤيد ذلك أن في رواية النسائي2 "حبّ الأنصار آية الإيمان". و (الأنصار) أصله جمع ناصر كأصحاب وصاحب. أو جمع نصير كأشراف وشريف. صار علماً عليهم بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم.
62-
حديث "إنّي لأوَّلُ الناسِ تَنْشَقُ الأرض عن جُمْجُمَتي يَوْمَ القِيامةِ ولا فَخْرٌ".
كان مقتضى اللفظ (عن جمجمته) لكنه جاء على نسق الضمير في (إني) على حدّ قول الشاعر:
أنا الرَّجُلُ الضَّرْبًّ الذي تَعْرِفُونَني3
وقوله: "ولا فخر".
قال الطيبي4: حال مؤكدة، أي أقول هذا ولا فخر.
63-
حديث "إنَّ الشَّيْطانَ يَجْري مِن ابْنِ آدمَ مَجْرَى الدَّم".
قال الطيبي5: "عدّى (يجري) بمن على تضمنه معنى6 التمكن، أي يتمكن من الإنسان في جريانه مجرى الدم. وقوله (مجرى الدم) يجوز أن يكون مصدراًَ ميمياً، وأن يكون اسم مكان".
65 انظر: فتح الباري 1/63. أقول والتصحيف إن وجد فهو من جامع المسانيد وليس من العكبري. وقد أشار العكبري إلى رواية المشهورة.
66 سنن النسائي 8/ 116.
62-
الحديث في مسند أحمد 3/144.
3 صدر بيت لطرفة بن العبد، من معلقته المشهورة، وعجزه:
خشاش كرأس الحيةِ المتوقِد
انظر: شرح القصائد السبع لابن الأنباري صر 212، همع الهوامع 1/298 ديوان طرفة بن العبد بشرح الأعلم ص 42. والرواية فيها (تعرفونه) . والرجل الضرّب أي الخفيف من الرجال اللطيف. والخشاش: الماضي في الأمور.
4 شرح مشكاة المصابيح للطيبي- مخطوط بالمكتبة المحمودية جـ4 ورقة 249.
63-
البخاري- كتاب الاعتكاف باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه- فتح الباري 4/282. مسند أحمد 3/ 156 ، 285.
5 شرح مشكاة المصابيح جـ1 ورقة 84 مخطوط بالمكتبة المحمودية.
6 في شرح المشكاة (على التضمين بمعنى التمكن) .
64-
حديث "إِن اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصْبحَ وتُمسِيَ لَيْسَ في قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِن المسُلمين فَافْعَل".
قال الطيبي1: (تصبح) أي تدخل في وقت الصبح. و (ليس) حال تنازع فيه الفعلان2. والمراد بهما الديمومة.
وقوله (فافعل) جزاء. كناية عما سبق في الشرط من المعنى. أي إن فعلت ما نصحتك به فقد أتيت بأمر عظيم.
65-
حديث "قَدِمَ عَليٌّ على النبيِّ خيالها من اليمن، فقال: بِما أَهْلَلْتَ؟ ".
قال ابن مالك في توضيحه3: شذ ثبوت الألف في (بما أهللت) لأن (ما) استفهامية مجرورة، فحقّها أن تحذف ألفها فرقاً بينها وبين الموصولة. هذا هو الكثير نحو {لِمَ تَلْبِسُون} 4 و {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} 5 و {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} 6. ونظير هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:"ليأتينّ علَى الناَس زمان لا يبالي المرء مما أخذ المال أمن حلال أم من حرام"7. وقول سهل بن سعد وقد امتروا في المنبر ممّ عوده "إني لأعرف مما عوده" 8. ونظير ثبوت الألف في الأحاديث المذكورة ثبوتها في {عَمَّا يتساءلون} 9 في قراءة عكرمة وعيسى. ومن ثبوتها في الشعر قول حسان:
على ما قام يَشْتمُني لئيمِّ
…
كخِنْزيرٍ تَمرّغَ في رَمادِ10
64- الترمذي- أبواب العلم 4/ 151 رقم 2819 0 الجامع الكلب للسيوطي 1/960.
1 شرح مشكاة المصابيح جـ1 ورقة 156- 157.
2 أي تصبح وتمسي، فذهب البصريون إلى أن الثاني أولى بالعمل من الأول لقربه، وذهب الكوفيون إلى أن الأوّل أولى بالعمل لسبقه. انظر: شرح الأشموني 2/ 101، الإنصاف مسألة 13، التبيين للعكبري ص252
65-
البخاريَ- كتاب الحج، باب ومن أهلّ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم3/416.
3 شواهد التوضيح والتصحيح 160.
4 آل عمران: آية 71.
5 النمل: آية 35.
6 النازعات: آية 43.
7 فتح الباري شرح البخاري 4/313.
8 فتح الباري شرح البخاري 2/397.
9 النبأ: آية 1.
10 البيت لحسان بن ثابت. قال ابن الشجري: "ومن العرب من يثبت الألف فيقول لما تفعل كذا، وفيما جئت، وعلى ما تسبني؟ ". انظر: ديوان حسان بن ثابت ص 79، أمالي ابن الشجري 2/233. شرح ابن يعيش4/9. مغني اللبيب 331. حاشية الصبان 4/ 216.
وقول عمر بن أبي ربيعة:
عَجَبا ما عَجبْتُ ممّا لو ابْصَر
…
ْتَ خَليلي ما دُونه لَعجِبْتا
لمقالِ الصًّفِيِّ فِيمَ التَجنّي
…
ولما قد دعوتَنا وهَجَرْتا 1
وفي عدول حسّان عن (علام يقوم يشتمني) وعدول عمر عن (ولماذا) مع إمكانهما دليل على أنهما مختاران لا مضطران2
66-
حديث "ولا تَنْقُشُوا في خَواتيمكم عربي".
قالت أبو البقاء3: "إنما رفع (عَربي) لأنه حكاية لقوله (محمد رسول الله) فهو على الحكاية. أي لا تنقشوا ما صورته عربي".
قلت: رواه النسائي4 بلفظ (عربياً) بالنصب. ويمكن أن يكون في رواية أحمد منصوباً، ولكنه كتب بغير ألف، كما قدرناه في موضع آخر من هذا الكتاب.
67-
حديث "وايم الذي نَفْسي بيده لو رَأَيْتم ما رَأَيتُ لَضحِكْتُم قليلاً ولَبكيتم كثيراً".
قال ابن يعيشْ في شرح المفصل5: " (اَيْمُن الله) اسم مفرد موضوع للقسم مأخوذ من اليمن والبركة، كأنهم أقسموا بيمن الله وبركته، وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف للعلم به، كما كان كذلك في لَعَمْرُ الله. وتقديره: آيْمن الله قسمي أو يميني ونحوهما. وفتحت الهمزة منه لأنه غير متمكن، لا يستعمل إلا في القسم وحده، فضارع الحرف بقلة تمكنه، ففتح تشبيهاً بالهمزة اللاحقة لام التعريف، وذلك فيه دون بناء الاسم لشبه الحرف، ويؤكد
1 ديوان عمر بن أبىِ ربيعة ص 73 طبعة صادر.
2 مذهب ابن مالك أن الضرورة هي ما ليس للشاعر عنه مندوحة وهدا نحالف لمذهب الجمهور في الضرورة وأنها ما وقع في الشعر دون النثر سواء كان عنه مندوحة أو لا وقد نقل البغدادي الردّ على ابن مالك في هذا الرأي في خزانة الأدب 1/ 30-34.
66-
عن أنس "لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم عربياً". مسند أحمد 3/ 99. أما رفع (عربي) فهي رواية جامع المسانيد لابن الجوزي التي أعتمد عليها العكبري في الِإعراب. انظر: تخريج الحديث من جامع المسانيد- في حاشية إعراب الحديث للعكبري- رقم الحديث 32.
3 إعراب الحديث للعكبري رقم 32.
4 سنن النسائي 8/177.
67-
الحديث عن أنر، وتكملته
…
قالوا:" يا رسول الله وما رأيت؟ قال: رأيت الجنة والنار". مسند أحمد 3/ 102.
5 شرح المفصل لابن يعيش 9/92.
حال هذا الاسم في مضارعته الحرف أنهم قد تلاعبوا به فقالوا مرة اَيْمُن الله، بالفتح، ومرة اِيمُن الله بكسر الهمزة، ومرة اَيْمُ الله بحذف النون، ومرّة اِيمُ الله بالكسر، ومرة مُ الله، ومرة مَ الله، ومرة مُنِ ربي، ومرة مُنُ ربي"1.
وقال في النهاية2: " (ايمُ الله) من ألفاظ القسم، كقولك: لَعمُر الله وعَهْدُ الله. وفيها لغات كثيرة: وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل، وقد تقطع". انتهى.
68-
حديث "إنه أنزلت عليَّ آنفا سورة" وفي حديث جرير "ذكرك آنفا".
قال أبو البقاء3: " (آنفا) منصوب على الظرف، تقديره ذكرك زماناً آنفا، أي قريباً من وقتنا، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. ويجوز أن يكون حالاً من ضمير الفاعل، أي ذكرك مستأنفاً لذكرك. ومنه قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفاً} "4. انتهى.
ومثله حديث "إلاّ الدَّيْن سارَّني به جبريلُ آنفا"5. وحديث "هل قرأَ أَحدٌ منكم معي آنفا" 6 وحديث "عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط" 7.
وقال أبو حيان8: " (آنفا) منصوب على الحال، تقديره مؤتنفاً مبتدئاً. قالَ: وأعربه الزمخشري9 ظرفاً، أي الساعة، ولا أعلم أحداً من النحويين عدّه من الظروف". انتهى.
1 في القاموس المحيط مادة (يمن) : أَيْمن الله وأيمُ الله وبكَسر أولها وأَيْمَنُ الله بفتح الميم والهمزة وتكسر، واِيمِ الله بكسر الهمزة والميم، وقيل ألفه ألف وصل، وهيْمُ الله بفتح الهاء وضم الميم، وأم الله مثلثة الميم، وإِم الله بكسر همزة وضم الميم وفتحها، ومُن الله بضمّ الميم وكسر النون، ومُن الله مثلثة الميم والنون، ومُ الله مثلثة ، ولَيْمُ الله، ولَيْمنُ الله اسم وضع للقسم. والتقدير ايمُنُ الله قسمي.
2 النهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 302. وانظِر الإنصاف مسألة 59.
68-
حديث أنه في مسند أحمد 3/102 وحديث جرير في مسند أحمد 4/359.
3 إعراب الحديث رقم 96.
4 سورة محمد: آية 16. قال أبو البقاء: (آنفا) ظرف أي وقتاَ مؤتنفا. وقيل هو حال من الضمير في قال، أي مؤتنفاً إملاء ما منَ به الرحمن 2/237.
5 عن عبد الله بن جحش أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا رسول الله ماذا لي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: الجنة. فلما ولَّى قال إلاّ الذين، سارني به جبريل آنفا" مسند أحمد 4/139،140.
6 مسند أحمد 2/284.
7 مسند أحمد 3/162.
8 البحر المحيط 8/79.
9 تفسير الكشاف 3/ 534.
69-
حديث "تلك صلاةُ المنافقِ، يَجْلسُ يرقُبُ الشَّمْسَ حتى إِذا اصْفَرَّتْ قام فنَقَر أَرْبَعاً لا يذكر الله فيها إلاّ قليلا".
قال الطيبي: (تلك) إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة، والخبر بيان ما في الذهن. و (يجلس
…
) إلى آخره جملة مستأنفة بيان للجملة السابقة. ويجوز أن تكون حالاً. و (الشمس) مفعول (يرقب) ، و (إذا) ظرف معمول بدل اشتمال من الشمس، كقوله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} 1.يعني يرقب وقت اصفرار الشمس. وعلى هذا (قام) استئناف. ويجوز أن يكون (إذا) للشرط، و (قام) جزاؤه. والشرطية استئنافية.
وقال الشيخ ولي الدين العراقي2: "الإشارة بـ (تلك) إلى صلاة العصر التي تؤخر إلى اصفرار الشمس، وكأنه كان تقدم ذكرها من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو بحضرته، فأعاد الإشارة إليه".
70-
حديث "يَتْبَعُ الميّتَ ثلاثٌ أَهْلُه ومالهُ وعَملُه، فيرجعُ اثنان ويبقى واحد".
قال أبو البقاء3: الوجه أن يقال (ثلاثة) ، لأن الأشياء المذكورة مذكرات كلها، ولذلك قال:"فيرجع اثنان ويبقى واحدا" فذكرّ. والأشبه أنه من تغيير الرواة من هذا الطريق. ويحتمل أن يكون الوجه فيه ثلاث عُلَق، والواحدة عُلْقة، لأن كلاًّ من هذه المذكورات علقة، ثم إنّه ذكرّ بعد ذلك حملاً على اللفظ بعد أن حمل الأوّل على المعنى. ومنه قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً} 4 بتأنيث الأول وتذكير الثاني.
69- مسلم بشرح النووي 5/123. مسند أحمد 3/ 185. وفي مشكاة المصابيح: كتاب الصلاة- باب تعجيل الصلوات.
1 مريم: آية 16.
2 هو الإمام الحافظ المحدث الفقيه الأصولي أبو زرعة أحمد بن الحافظ الكبير أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين، ولد سنة 762 هـ واعتنى به والده، وكان إماماً. من مصنفاته: شرح سنن أبي داود- ولم يتم، شرح البهجة في الفقه، حاشية على الكشاف. مات سنة 826 هـ.. أنظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص 543. ذيل تذكرة الحفاظ 284-1 29.
70-
البخاري: كتاب الرقاق- باب سكرات الموت 11/ 362. مسلم 18/ 95 0 الترمذي: أبواب الزهد 4/17. مسند أحمد 3/ 110 والرواية فيه (الثلاث) وهي متفقة مع إعراب العكبري.
3 إعراب الحديث للعكبري رقم 33.
4 سورة الأحزاب: آية 31- قال العكبري {ومن يقنت} يقرأ بالياء حملاً على لفظ مَنْ، وبالتاء على معناها ومثله {وتعمل صالحاً} . ومنهم من قرأ الأولى بالتاء والثانية بالياء. انظر: إملاء ما منّ به الرحمن 2/192.
قلت: رواه البُخاري ومسلم والترمذي والنسائي بلفظ (ثلاثة) ، وكذا هو في النسخة التي عندي من المسند1.
71-
حديث "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لِنَفْسِه".
قال الحافظ ابن حجر2: " (يحبَّ) بالنصب، لأن (حتى) جارة، فأَنْ بعدها مضمرة، ولا يجوز الرفع على أن (حتى) عاطفة، لأن المعنى غير صحيح، إذ عدم الإيمان ليس سبباً للمحبّة".
72-
حديث "سألتُ الله عز وجل أَيّما إنسانٍ مِنْ أُمّتي دَعَوْتُ عليه أن يَجْعلَها له مغفرة".
قال أبو البقاء3: " (أيّما) يجوز النصب على معنى سببته، وما بعده تفسيرٌ له، والرفع على الابتداء وما بعده خبر".
73-
حديث "كان يَدْخُلُ الخَلاء".
قال ابن الحاجب وغيره 4 هو منصوب على الظرفية، لأن (دخل) من الأفعال اللازمة، بدليل أن مصدره على فُعول، وما كان مصدره على فُعول فهو لازم. ولأنه نقيض خرج، وهو لازم فيكون هو أيضاً كذلك.
واختار قومٌ أنه مفعول به. وعن سيبويه5 أنه منصوب بإسقاط الخافض. وجعله
1 الرواية في النسخة المطبعة من المسند 3/ 115 (ثلاث) .
71-
البخاري: كتاب الإيمان- باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحبّ لنفسه.
2 فتح الباري 1/57.
72-
مسند أحمد 3/141.
3 إعراب الحديث رقم 37.
73-
عن أنس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء" مسند أحمد 3/ 171. وفي البخاري: كتاب الوضوء "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" فتح الباري 1/242.
4 قال الرضي: اعلم أن دخلت وسكنت ونزلت تنصب على الظرفية كل مكان دخلت عليه، مبهماً كان أولا، نحو: دخلت الدار
…
انظر شرح الكافية 1/186.
5قال سيبويه: وأما دخلته دخولاً وولَجته ولوجاً فإنما هي ولَجْتُ فيه ودخلتُ فيه، ولكنه ألقى (في) استخفافاً.. أنظر: الكتاب 4/10.
الجرمي1 من الأفعال المتعدية تارة بنفسها وتارة بحرف الجر.
وقال أبو حيان: " (دخل) يتعدّى عند سيبويه لظرف الزمان المختص الحقيقي بغير واسطة في، فإن كان مجازياً تعدّى إليه بواسطة في، نحو: دخلتُ في الأمر"2.
74-
حديث "لَغَدْوةٌ في سَبيل الله أو رَوْحَةٌ خَير من الدنيا وما فيها".
قال الزركشي: (الغدوة) بالفتح المرة من غدا يغدو. و (روحة) بالفتح المرة من راح يروح. أي الخرجة الواحدة في هذا الوقت من أول النهار وآخره في الجهاد. أي ثواب ذلك في الجنة خير من الدنيا.
75-
حديث "مَنْ نَسِىَ صَلاةً أَوْ نامَ عَنْها".
قال الطيبي3: ضمت (نام) معنى غفل، أي غفل عنها يا حال نومه.
قوله: "فكفّارتها".
قال الطيبي: "الكفارة عبارة عن الفعلة أو الخصلة التي من شأنها أن تكفّر الخطيئة، وهي فعّالة للمبالغة كقتّالة وضرّابة، وهي من الصفات الغالبة في الاسمية".
76-
حديث "العيادَةُ فُواقُ ناقَة".
1 صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمي البصري. كان فقهياً عالماَ بالنحو واللغة، ديناَ ورعاً أخذ النحو عن الأخفش ويونس واللغة عن الأصمعي وأبي عبيدة. له من التصانيف: التنبيه وكتاب السِّيرَ، وغريب سيبويه. مات سنة 225 هـ. بغية الوعاة 2/ 8-9.
2 قال الأشموني 2/ 126 في نحو دخلت البيت وسكنتُ الدار: انتصابه على المفعول به بعد التوسع بإسقاط الخافض هذا مذهب الفارسي والناظم، ونسبه لسيبويه وقيل منصوب على المفعول به حقيقة، وأن نحو دخل متعد بنفسه، وهو مذهب الأخفش. وقيل على الظرفية تشبيهاً له بالمبهم، ونسبه الشلوبين إلى الجمهور.
74-
البخاري: كتاب الجهاد- باب الغدوة والروحة 6/13. مسلم: كتاب الإمارة- باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله 13/26 مسند أحمد 3/132-141.
75-
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاة أو نام عنها فكفّارتها أن يصليها إذا ذكرها" مسلم بشرح النووي 5/193. مسند أحمد 3/100 0 البخاري: كتاب المواقيت 2/ 70.
3 شرح مشكاة المصابيح- مخطوط المحمودية جـ1 ورقة 242.
76-
الحديث في ضعيف الجامع الصغير للسيوطي برقم 3903. وفي مشكاة المصابيح. كتاب الجنائز- باب عيادة المريض برقم1590.
قال الطيبي1: (فُواق) خبر المبتدأ، أيَ زمان العيادة مقدار فواق 2 ناقة.
77-
حديث "لَبَّيْكَ عُمْرةً وحَجًّا".
قال أبو البقاء3: النصب بفعل محذوف تقديره أريد عمرةً وحجا، أو نويت عمرةً وحجا.
78-
حديث "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلّي في نَعْلَيه".
قال ابن مالك4: (في) هنا بمعنى باء المصاحبة، كقوله تعالى:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِه} 5.
79-
حديث الإِسراء، قوله:"قالوا مَرْحَباً بِه وأَهْلاً".
هما منصوبان بفعل مضمر وجوباً، أي صادفت رُحباً، بضم الراء، أي سعة، ووجدت أهلاً، فاستأنس.
وقال القاضي عياض6 والنووي: " (مرحبا) نصب على المصدر، وهو لفظ استعملته العرب وأكثرت منه، تريد به البرّ وحسن اللقاء. ومعناه صادفت رُحباً وسعةًَ وبِرّاً".
وقال الزركشي7: "هو منصوب بفعل لا يظهر. وقيل على المصدر. وقال الفراء: معناه رحب الله بك، كأنه وضع موضع الترحيب"8.
1 شرح مشكاة المصابيح جـ2 ورقة 60.
2 الفواق ما بين الحلبتين من الوقت، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع (القاموس المحيط)
77-
مسند أحمد 3/99. مسلم 8/216.
3 إعراب الحديث النبوي برقم 38.
78-
البخاري: كتاب الصلاة- باب الصلاة في النعال 1/ 494. مسند أحمد 3/100.
4 شواهد التوضيح ص 196.
5 القصص: آية 79.
79-
حديث طويل ورد بروايات مختلفة. انظر: البخاري: كتاب بدء الخلق- باب ذكر الملائكة 6/ 302، كتاب مناقب الأنصار- باب المعراج 7/ 201، كتاب الصلاة- باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء 1/458. مسلم بشرح النووي 2/210 وما بعدها.
6 قال القاضي عياض:.. معناها صادفت رحباً أي سعة. نصبت على المفعول، وقيل على المصدر، أي رحب الله بك مرحباً، ووضع موضع الترحيب- وهو مذهب الفراء. انظر: مشارق الأنوار 1/285 طبع المكتبة العتيقة- دار التراث.
7 شرح صحيح البخاري للزركشي جـ2 ص 3.
8 في بعض النسخ (الرحب) .
قوله: "فلمّا مرَّ جِبرْيلُ بالنبي صلى الله عليه وسلم بإِدريس".
قال الكرماني1: "الباء الأولى للمصاحبة، والثانية للإِلصاق".
قوله: "ونعْمَ المجَيء، جاء".
قال المظهري2: "المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، تقديره: جاء فنعم المجيء مجيئه".
وقال ابن مالك في توضيحه3: فيه شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول، أو بالصفة عن الموصوف، في باب نِعْمَ، لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء، وإلى مخصوص معناها، وهو مبتدأ مخبر عنه بنِعْم وفاعلها، وهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير: ونعْمَ المجيء الذي جاء، أو نعم مجيء جاء. وكونه موصولاً أجود لأنه مخبر عنه، وكون المخبر عنه معرفة أولى من كونه نكرة.
قوله: "أَصَبْتَ الفِطْرةَ أَنْتَ وأُمَّتُك"4.
قال الكرماني5: "فإن قلت كيف تقدّر العامل هنا، إذ لا يصح أن يقال أصبت أمتُك؟ قلت: يقدر على وجه ينصبُّ إلى صحة المعنى، كما يقال في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} "6 إن تقديره: ولتسكن زوجُك.
قوله: "قَدْ والله راوَدْتُ بني إسرائيل".
قال الكرماني7: فإن قلت (قد) حرف لازم دخوله على الفعل. قلت: هو داخل عليه، والقسم مقحم بينهما لتأكيده.
قوله: "بيت المقدس".
1 صحيح البخاري بشرح الكرماني جـ4 ص 5.
2 هو مظهر الدين الحسين بن محمود بن الحسن الزيداني المتوفي سنة 727 هـ، له شرح على مصابيح السنة سماه (المفاتيح في شرح المصابيح) . انظر: كشف الظنون 2/ 1699.
3 شواهد التوضيح ص 110.
4 البخاري: كتاب الأشربة- باب شرب اللبن.
5 البخاري بشرح الكرماني 2/158.
6 البقرة: آية 35.
7 البخاريَ بشرح الكرماني 25/208.
قال أبو علي الفارسي: لا يخلو إما أن يكون مصدراً أو مكاناً، فإن كان مصدراً كان كقوله تعالى:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُم} 1ونحوه من المصادر. وإن كان مكاناً فمعناه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة".
وقال الزجاج: "أي بيت المكان الذي يطهر فيه من الذنوب".
قوله: "فإذا أنا بابني الخالة".
قال الأزهري2: "قال ابن السكيت3: يقال هما ابنا عمّ ولا يقال ابنا خال، ويقال هما ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة"4.
قوله: "إذا هو قد أُعطي شَطر الحسن".
قال الطيبي5: "بدل من الأول في معنى بدل الاشتمال".
قوله: "مسنداً ظهره".
قال الطيبي6: "منصوب على الحال. وروي بالرفع على حذف المبتدأ".
قوله: "يدخلُه كلَّ يَوْمٍ سبعون ألفَ مَلَكٍ إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم".
قال النووي7: "قال صاحب المطالع8: (آخر) برفع الراء ونصبها، فالنصب على الظرف، والرفع على تقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله. قال: والرفع أَوْجَه".
قوله: "كُتبت له حسنة".
قال الطيبي9: " (كتبت) مبني للمفعول، والضمير فيه راجع إلى قوله (حسنة) . و (حسنةً) وضعت موضع المصدر، أي كتبت الحسنة كتابة واحدة، وكذا (عشرا) وكذا (شيئاً) منصوبان على المصدر".
1 الأنعام: آية 60. يونس: آية 4
2 تهذيب اللغة 7/ 559.
3 إصلاح المنطق ص 312.
4 من قوله (بيت المقدس) إلى هنا، الكلام كفُه في مسلم بشرح النووي 2/ 211 وما بعدها.
5 شرح مشكاة المصابيح جـ4 ورقة 266 مخطوط.
6 مسلم بشرح النووي 2/ 225.
7 مسلم بشرح النووي 2/ 225.
8 مطالع الأنوار على صحاح الآثار: في فتح ما استغلق من كتاب الموطأ ومسلم والبخاري، في غريب الحديث، لابن قرقول إبراهيم بن يوسف المتوفى سنة 569 هو وضعه على منوال مشارق الأنوار للقاضي عياض. انظر: كشف الظنون 2/ 1715.
9 شرح مشكاة المصابيح للطيبي- مخطوط جـ4 ورقة 266.
قوله: "فشُقّ من النَّحرْ إلى مَراقِّ البطن".
قال الجوهري1:" [مراق [، لا واحد لها".
وقال الواحدي2: "واحدها مَرَق".
80-
حديث "رُصُّوا صُفُوفَكُم وقارِبوا بَيْنَها وحاذُوا بالأَعْناق، فوالذي نَفْسي بيده إني لأرى الشَّيطانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصفّ كأَنَّها الحَذَف"3.
قال المظهري في شرح المصابيح: الضمير في (كأنها) راجع إلى مقدر، أي جعل نفسه شاة أو ما عزة كأنها الحذف.
وقال الطيبي في شرح المشكاة4: الضمير إذا وقع بين شيئين أحدهما مذكر والآخر مؤنث يجوز تذكيره وتأنيثه، كما في قولهم: من كانت أمَّك، ومن كان أمَّك5. وهنا الحَذَف مؤنث، والشيطان شُبّه بها، فيجوز تأنيث الضمير باعتبار الحَذَف وتذكيره باعتبار الشيطان.
81-
حديث "ما مِنْ أَحدٍ يومَ القِيامة غَنِيّ ولا فَقير إلاّ وَدَّ أَنما كان أُوتي مِنَ الدّنيا قوتا".
قال أبو البقاء6: (مِنْ) زائدة. و (غني) بالرفع صفة لأحد على الموضع، لأن الجار والمجرور7 في موضع رفع. ونظيره قوله تعالى:{مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 8 بالرفعٍ على الموضع وبالجر على اللفظ. ويجوز في الحديث (غنيٍ ولا فقيرٍ) بالجر على اللفظ أيضاً.
1 الصحاح (مادة رقّ) : مراقُّ البطن ما رقّ منه ولان، ولا واحد له.
2 علي بن أحمد الإمام أبو الحسن الواحدي، إمام مصنف مفسرّ نحوي، أتقن الأصول على الأئمة، صنّف: البسيط والوسيط، والوجيز في التفسير، أسباب النزول، شرح ديوان المتنبي. مات سنة 468 هـ. انظر بغية الوعاة 2/ 145.
80-
مسند أحمد 3/ 260. سنن أبي داود: تسوية الصفوف برقم 667 (تحقيق الشيخ محيي الدين)
3 قال في النهاية 1/356: الحَذَف هي الغنم الصّغار الحجازية، واحدتها حَذَفة بالتحريك. وقيل: هي صغار جُرْدّ ليس لها آذان ولا أذناب يجُاء بها من جُرَش اليمن.
4 شرح مشكاة المصابيح للطيبي جـ2 ورقة 6.
5 قال بعض العربْ من كانت أًمك. حيث أوفي مَنْ على مؤنث.. قالوا: من كان أُمك
…
انظر: الكتاب لسيبويه 1/51 تحقيق هارون.
81-
مسند أحمد 3/117.
6 إعراب الحديث النبوي برقم 44.
7 الصحيح أن المجرور وحده في محل رفع.
8 الأعراف: آية 59. قرأ الكسائي وحده {ما لكم من إله غيره} خفضاً، وقرأ الباقون رفعاً. انظر: السبعة في القراءات ص 284.
82-
حديث "كان لا تشاء أَنْ تَراه مِنَ الليل مُصَلِّياً إلاّ رأَيْتَه".
قال المظهري: " (لا) بمعنى ليس، أو بمعنى لم، أي لست تشاء أولم تكن تشاء، أو تقديره لا زمان تشاء".
وقال الطيبي1: "لعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل، وتقديره على الإثبات أن يقال: إن تشأ رؤيته متهجداً رأيته متهجداً، وإن تشأ رؤيته نائماً رأيته نائماً، يعني كان أمره قصداً لا إسراف ولا تقصير".
83-
حديث "الصَّلاةَ وما مَلكَتْ أَيْمانكُم".
هو منصوب على الإغراء.
قال ابن مالك في شرح الكافية2: "معنى الإغراء إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد العكوف عليه من مواصلة ذوي القربى والمحافظة على عهود المعاهدين، ونحو ذلك. كقولك لمن تغريه برعاية الخلة وهي المودّة: الخلّةَ الخلِّةَ. أي إلزام الخلة. والثاني من الاسمين بدل من اللفظ بالفعل. وكذا المعطوف كقولك لمن تغريه بالذبّ والحميّة: الأهلَ والولدَ. أي الزم الذبّ عنهم. وقد يجاء باسم المغرى به مع التكرار مرفوعاً، قال الشاعر:
إِن قَوْماً مِنْهمُ عُميرٌ وأشبا
…
هـ عُمَيْرٍِ ومنهُمُ السَّفّاحُ
لجَديرونَ بِالوفاء إذا قا
…
ل أَخُو النًجدةِ السِّلاحُ السِّلاحُ"3
84-
حديث "اللهمَّ إنّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ الله لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ أَحَداً صَمَدا ".
قال الطيبي4: " (أحداً صمداً) منصوبان على الاختصاص، كقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا
82- عن أنس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نطن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئاً، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلاّ رأيته، ولا نائماً إلّا رأيته". البخاري: كتاب التهجد 3/12.
1 شرح مشكاة المصابيح للطيبي جـ2 ورقة 24.
83-
عن أنس "كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت. الصلاة وما ملكت أيمانكم
…
" مسند أحمد 3/117 ابن ماجه 1/618، 2/901.
2 شرح الكافية الشافية لابن مالك 3/1380.
3 البيتان من البحر الخفيف، ولم يعرف قائلهما. انظر: الأشموني مع الصبان 3/193. همع الهوامع 3/28.معاني القران للفراء 3/269.
84-
الحديث في مشكاة المصابيح: كتاب الدعوات- باب أسماء الله تعالى- برقم 2293.
4 شرح مشكاة المصابيح جـ2 ورقة 186.
إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} إلى قوله: {قَائِماً بِالْقِسْطِ} 1. وروي مرفوعان معرّفان صفتان لله"2.
85-
حديث "إنَّ الحَمْدَ لله وسُبْحانَ الله ولا إِله إِلاّ الله والله أَكْبرُ تُساقِطُ ذُنَوبَ العَبْدِ كما يتساقطُ وَرَقُ الشجَّر".
قال الطيبي3: (تُساقط) بضم التاء. وقوله: (كما يتساقط) إن جعل صفة مصدر محذوف لم تبق المطابقة بين المصدرين4، وإن جعل حالاً من الذنوب استقام، ويكون تقديره: تساقط الذنوب، مشبهاً تساقطها بتساقط الورق.
86-
حديث "قُلت: يا رسولَ الله وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيم، قال: الله أكبر، ما وَلَدَت؟ قلت: غُلاماً. قال: الحَمْدُ لله، هاتِه".
سئل أبو محمد بن السِّيد البطليوسي عن قولهم: "ما ولد لفلان؟ ولم يقولوا: مَنْ ولد لفلان؟ فأجاب بأن هذا توهمّ من السائل، وأن (مَن) أكثر استعمالاً وأذهب في القياس". انتهى.
وقوله: (غلاماً) بالنصب لأنه جواب ما المنصوبة بولدت، على حدّ قوله تعالى:{مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرا} 5.
وقوله: (هاته) يحتمل أن تكون هاء السكت، وأن تكون هاء المفعول، فيستدل به على أن (هات) فعل.
وقوله في الطريق الآخر "لعلّ أم سُلَيم ولدت"6.
1 آل عمران: آية 18.
2 كذا ورد النص في النسخ المخطوطة، وفيه إشارة إلى الحديث عن بريدة قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول:" اللهمّ إنّي أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت الأحدُ الصمدُ
…
". مسند أحمد 5/350-360.
85-
الترمذي. أبواب الدعوات 5/203 برقم 3599. مشكاة المصابيح: كتاب الدعوات- باب ثواب التسبيح. برقم 2318.
3 شرح مشكاة المصابيح 2/ 191.
4 أي مصدر تُساقط مساقطة ومصدر يتساقط تساقط فالتقدير يكون: تُساقط الذنوبُ مساقطةً مشبهةً تساقط ورق الشجر. فتخالف المصدران.
86-
مسند أحمد 3/181.
5 سورة النحل. آية 30.
6 الطريق الآخر للحديث في مسند أحمد 3/196.
الظاهر أن (لعل) للاستفهام كقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} 1. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الأنصار وقد خرج إليه مستعجلاً: "لعلَّنا أعجلناك" 2.
87-
حديث "إنّ رَجُلَين مِنْ أَصْحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم خرَجا مِنْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مُظلمة ومعهما مِثلُ المِصباحَينِ يُضيئانِ بًينَ أيديهما".
قال الكرماني3: "قال الزمخشري4: (أضاء) إما متعدّ بمعنى نوّر، وإما غير متعدّ بمعنى لَمعَ". قال5: "فقوله: (بين أيديهما) مفعول فيه إن كان فعل الإضاعة لازماً، ومفعول به إن كان متعدياًَ".
88-
حديث "أما تَرْضَى أَنْ تكونَ لهم الدُّنيا ولَنا الآخِرة".
ليست (أما) هذه الاستفتاحية، وإنما هي (ما) النافية دخلت عليها همزة الاستفهام. ولهذا قال عمر في الجواب:"بلى".
ومثله حديث "أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسه في الصلاة أن لا يرجع إليه بصره"6. وحديث "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار" 7. وحديث "أنه رأى رجلاً شعثاً فقال: أما كان يجد هذا ما يسكِّن به رأسه"8.
قالت ابن هشام في المغني9: زاد المالقي10 لِـ (أَمَا) معنى ثالثاً، وهو أن تكون حرف عرض بمنزلة لولا، فتختص بالفعل، نحو: أما تقوم، أما تقعد، وقد يُدّعى في ذلك أن
1 عبس: آية 3.
2 البخاريَ 1/ 284. مسند أحمد 3/ 21.
87-
البخاري: كتاب الصلاة 1/57.
3 صحيح البخاري بشرح الكرماني 4/126.
4 الكشاف 1/42.
5 أي الكرماني.
88-
مسند أحمد 3/ 140، مسلم بشرح النووي 10/87 وهذا جزء من حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
6 مسند أحمد 5/92.
7 البخاري 2/182 مسلم 4/151. مسند أحمد 2/472.
8 مسند أحمد 3/357.
9 مغني اللبيب لابن هشام ص 57.
10 رصف المباني للمالقي ص 96.
الهمزة للاستفهام التقريري مثلها في: ألم، وألا، وأنّ (ما) نافية.
89-
حديث "لما ثَقُلَ رسَولُ الله صلى الله عليه وسلم جَعلَ يتغشَّاه الكَرْب. فقالت فاطمة: واكَرْبَ أَبَتاه. فلما مات قالت: يا أَبتاه، أجاب ربّاً دَعاه، يا أبتاه مِنْ رّبه ما أدناه".
قال الزركشي: "رواه مبارك بن فضالة عن ثابت (واكرباه) ".
وقال الطيبي1: " (يا أبتاه) أصله يا أبي، فالتاء بدل من الياء لأنهما من حروف الزوائد، والألف للندبة لمدّ الصوت، والهاء للسكت".
قال: وقوله: " (مَنْ جَنّةُ الفِرْدَوس) وقع مَنْ موصولة، وفي بعض النسخ وقعت جارة. والأول أنسب لأنه من وادي قولهم: وامَنْ حفر بئر زمزماه"2.
90-
حديث "لمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أَتاه المهاجرون فقالوا: يا رسولَ الله ما رأينا قوماً أَبْذَلَ مِنْ كثيرٍ ولا أَحْسَنَ مواساةً من قليلٍ من قَوْمٍ نَزَلْنا بَيْنَ أَظْهُرِهم".
قال الطيبي: الجاران والمجروران- أعنى قوله: (من كثير ومن قليل) - متعلقان بالبذل والمواساة. وقوله (من قوم) صلة لأبذل وأحسنَ على سبيل التنازع، وقوم هو المفضّل.
91-
حديث "إِذا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ فَقَد اسْتكْمَلَ نِصْفَ دينه فَلْيَتَّقِ الله في النِّصفِ الآخر".
قال الطيبي: قوله: (فقد استكمل) يحتمل أن يكون جواباً للشرط، و (فليتق الله) عطف عليه. ويجوز أن يكون الجواب الثاني والأول عطف على الشرط، فعلى هذا السبب مركب والمسبب مفرد. فالمعنى أنه معلوم أن التزوج نصف الدين، فمن حصّل هذا فعليه بالنصف الباقي. وهذا أبلغ لما يؤذن أنه مقرر ومعلوم أن التزوج يحصّن نصف الدين.
وعلى الوجه الآخر إعلام بذلك فلا يكون مقرراً. وعلى الأوّل السبب مفرد والمسبب مركب. وفيه إعلام أن التزوج سبب لاستكمال نصف الدين المترتب عليه تقوى الله تعالى.
89- البخاريَ: كتاب المغازي- باب مرضه النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته 8/ 149 وفيه "يا أبتاه مَنْ جنة الفردوس مأواه
…
"
1 شرح مشكاة المصابيح للطيبىِجـ4 ورقة 287.
2 المندوب وهو المتفجع عليه أو المتوجع منه لا يكون نكرة كرجل، ولا مبهماًَ كأي واسم الإشارة والموصول، إلاّ ما صلته مشهورة فيندب نحو: وامنْ حفر بئر زمزماه، فإنه بمنزلة (واعبد المطلباه) .. انظر: أوضح المسالك 4/ 52-53.
90-
الترميذي: أبواب صفة القيامة 4/65.
91-
صحيح الجامع الصغيِر 1/176 برقم 443. مشكاة المصابيح: كتاب النكاح برقم 3096.
92-
حديث "اللهُمَّ إِنَّكَ إنْ تَشأْ لا تُعْبَد بَعْدَ اليوم".
قلت: الفصيح في مثل هذا جزم (تعبدْ) جواباً للشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر إنّ.
ومثله قوله تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا} 1. وقد يرفع2 كقول الشاعر:
يا أقرعُ بْنَ حابسٍ يا أقرعُ
…
إنّك إنّ يُصْرَعْ أخوك تُصْرَعُ3
وقال الكرماني4: "مفعول (إن تشأْ) محذوف، وهو نحو: إنّ تشأْ هلاكَ المؤمنين. إذ (لا تعُبدْ) في حكم المفعول، والجزاء محذوف".
93-
حديث "مَنْ يَشْتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذن والله تجِدَني كاسدا".
فيه الفصل بين إذن والفعل بالقسم وهو شائع مغتفر5.
94-
حديث "لَوْ خَرَجْتُم إِلى ذَوْدٍ لَنا فَشَرِبْتُم مِنْ أَلْبانِها".
قلت: فيه حذف جواب لو، أي لنفعكم أو لشفيتم.
قال ابن يعيش6: "قد يحذف جواب (لو) كثيراً. قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا
92- مسند أحمد 3/152 البخاري: كتاب التفسير- باب قوله {سيهزم الجمع ويولون الدّبر} 8/617. مسلم بشرح النووي12/48.
1 نوح: آية 27.
2 وعليه قراءة طلحة بن سليمان وهي قراءة شاذة {أينما تكونوا يدركُكُم الموت} . الأشموني 4/ 019 التصريح 2/249.
3 قاله جرير بن عبد الله البجلي وقيل عمر بن خثارم البجلي. والشاهد فيه (تصرعُ) الثاني حيث جاء مرفوعاًَ، وهو ساد مسدّ جواب الشرط. انظر: الكتاب لسيبويه 1/67. شرح أبيات سيبويه لا بن السيرافي 2/121-122. العيني على الأشمويى 4/18. شرح الكافية الشافية لابن مالك جـ3 ص1590.
4 صحيح البخاري شرح الكرماني 15/157 ببعض اختلاف.
93-
مسند أحمد 3/161.
(إذن) تنصب الفعل المضارع بثلاثة شروط: كونه مستقبلاً، أن تكون مصدرّة، أن يليها الفعل ويغتفر الفصل بالقسم وبلا النافية خاصة، لأن القسم تأكيد لربط إذن. انظر: همع الهوامع 4/ 105.
94-
عن أنس قال: "أسلم ناس من عرينة فاجتووا المدينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها.." مسند أحمد 3/ 205 وفي البخاريَ بروايات مختلفة: كتاب الوضوء- باب أبواب أبوال الإِبل 1/335. وفي ابن ماجه: باب أبوال الإِبل رقم 3503.
6 شرح المفصل لابن يعيش جـ9 ص 7-9.
عَلَى النَّارِ} 1 الجواب محذوف تقديره أي لرأيت سوء منقلبهم، {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال} 2 أي لكان هذا القرآن. ومن ذلك (لَوْ ذاتُ سِوارٍ لَطَمْتني) 3لم يأت بجواب، والمراد لانتصفْتُ. وذلك كلّه للعلم بموضعه. وقال أصحابنا إن حذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، لأن الإِبهام أوقع في النفس".
95-
حديث "إنه صلى الله عليه وسلم أُتي بالبُراقِ فاسْتَصْعَبَ عليه، فقال له جبريل: أبمحمد تفعلُ هذا؟ فو الله مَا رِكِبَكَ أَحدٌ قطُّ أكرم على الله منه. قالت: فأرْفَض عَرَقا".
] عرقا [هو منصوب على التمييز المحوّل عن الفاعل.
96-
حديث "آتي بابَ الجنَّةِ فأَسْتَفتحُ، فيقولُ الخازِنُ: مَنْ؟ فأقول: مُحَمّد. فيقول: بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لا أفتح لأحدٍ قَبْلَك".
قال الطيبي4: " (بك) متعلق بأمرت، والباء للسببيّة قدّمت للتخصيص.
المعنى: بسببك أمرت بأن لا أفتح لغيرك لا بشيء آخر. ويجوز أن يكون صلة للفعل، و (أن لا أفتح) بدلاً من الضمير المجرور، أي أمرت بأن لا أفتح لأحدٍ غيرك". اهـ.
97-
حديث "وإذا صلَّى جالِساً فصلُّوا جُلوساً أجمعون".
قال الزركشي5:] أجمعون [هو تأكيد لضمير الفاعل في قوِله (فصلوا) . ويروى (أجمعين) وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون حالاً أي مجتمعين، أو تأكيداًَ لقوله (جلوساً) . ولا يجيء عند البصريين لأن ألفاظ التأكيد معارفْ.
1 الأنعام: آية 27.
2 الرعد: آية 31.
3 مثل قاله حاتم الطائي حين لطمته جارية وهو مأسور في بعض أحياء العرب. أنظر: التصريح 2/ 259، الصبان والأشموني 4/39. ويروى أيضاً (لو غير ذات سوار لطمتني) انظر: مجمع الأمثال 2/ 174 ،202.
95-
مسند أحمد 3/164.
96-
مسند أحمد 3/136. مسلم بشرح النووي 3/73.
4 شرح مشكَاة المصابيح للطيبي جـ4 ورقهَ 244.
97-
مسند أحمد 3/110-162 البخاري: كتاب الصلاة- باب إنما جعل الإمام ليؤتم به 2/173. مسلم بشرح النووي 4/131. أبو داود: الإِمام يصلي من قعود.
5 شرح صحيح البخاري للزركشي 2/155.
98-
حديث "مَنْ صَلَّى الضُّحى ثنْتي عَشْرةَ رَكْعَةً بَنَى الله له قَصْراً في الجنّة".
قال الحافظ زين الدين العراقي1 في شرح الترمذي: "يحتمل أن يكون (الضحى) مفعول صلَّى، أقي صلاة الضحى. و (ثنتي عشرة) تمييز. ويحتمل أن يكون مفعول صلّى قوله (ثنتي عشرة ركعة) وأن يكون (الضحى) ظرفاً، أي من صلِّى وقت الضّحى".
99-
حديث "إنّي لأَخْشاكُم لله".
قال الطيبي2: (لله) مفعوٍل لأخشاكم. وأفَعْلَ لا يعمل في الظاهر إلاّ في الظرف.
قال: "وقوله: "ولكنّي أصومُ وأفْطِر" المستدرك منه مقدّر، أي أخشاكم لله فينبغي أن أقوم في العبادة إلى أقصى غايتها، لكني أقصد فيها فأصوم وأفطر وأصلي وأنام. وقوله: "فَمَنْ رَغِبَ عن سُنّتي" الفاء متعلقة بمحذوف، أي لكني أفعل ذلك لأبين للناس الطريقة المثلى والسنة العظمى، فمن رغب عنها فليس مني. و (مِنْ) في (مِنّي) إيصالية كما في قوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْض} 3. وقوله: "مَنْ لم يوتر فليس منّا" 4 أي فليس بمتصل بنا وبهدينا وطريقتنا. وقول الشاعر:
فإني لستُ منك ولسمتَ منّي"5
انتهى.
98- الترمذي: باب لا جاء في صلاة الضُحى 1/295 برقم 471.
1 هو الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين زين الدين العراقي المتوفى سنة 806 هـ من مؤلفاته: التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح. وقد مرت ترجمته في الحلقة السابقة.
99-
عن أنس "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألونا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أًخبروا كأنهم تقالّوها
…
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
…
أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنَي أصوم وأفطر وأصلّي وأرقد وأتزوج من النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني". البخاري: كتاب النكاح- باب الترغيب في النكاح 9/104. وانظر. مسند أحمد 3/ 285 باختلاف.
2 شرح مشكاة المصابيح جـ1 ورقة 139.
3 التوبة. آية 67
4 مسند أحمد 2/443 ، 5/ 385.
5 عجز بيت للنابغة الذبياني وصدره:
إذا حاولتَ في أسد فجوراً..
وبعده:
فهم درعي التي استلأمتُ فيها
…
إلي يوم النِّسار وهم مجنّي
من قصيدة قالها النابغة لما قتلت بنو عبس نضلة الأسدي، وقتلت بنو أسد منهم رجلين. والمخاطب بهذا الشعر عينية بن حصن الفزاري، لأنه أراد أن يقطع الحلف الذي بين بني أسد وبني ذبيان، والفجور أراد به نقض ما بين عيينة وبني أسد من الأمان والحلف. واللأمة: الدرع. واستلأمت: لبست الدرع. والمجن: الترس.
100-
حديث "أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ بْنَ جَبَل".
هو بنصب (ابن) لا غير، ويجوز في (معاذ) الضمّ والفتح.
قال ابن مالك في شرح الكافية 1: "يجوز في العلم المضموم في النداء أن يفتح إذا وصف بابن متصل مضافاً إلى علم نحو: يا زَيْدَ بْنَ عَمْرو. ولا يمتنع الضمّ، وهو عند المبردّ أولى من الفتحً".
وقال الأبَّدَي2 في شرح الجزولية: الضمّ على أصله يا النداء، ونصب الابن على النعت، لأنه لا يستعمل في الخبر إلاّ نعتاً فكذا يكون في النداء، والفتح على التركيب وجعلهما اسماً واحداً، وكأن حرف الإعراب على هذا في آخر النعت.
وقوله: "ما مِنْ أحدٍ يَشْهَدُ أًنْ لا إِله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله صِدْقا مِنْ قلبه إلاّ حرَّمَه الله على النار".
قال الكرماني3: "هو استثناء من أعمّ الصفات، أي ما أحد يشهد كائناً بصفة إلاّ بصفة التحريم".
وقوله: "أَفَلا أً خبرُ بِه الناسَ فيَسْتبْشِروا".
أنظر: ديوان النابغة الذبياني ص 123- طبعة دار صادر- بيروت شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي- تحقيق د. محمد علي سلطاني 2/335. وقد أستشهد سيبويه بالبيت على حذف ياء المتكلم تشبيهاً بياء القاضي، قال سيبويه 4/186: (ودلك قولك هذا غلامْ وأنت تريد هذا غلامي،.. وقال النابغة:
إذا حاولت في أسدٍ فجوراً
…
فإني لستُ منكَ ولست منْ
يريد منيّ. وقال النابغة.
وهم وردوا الجفار على تميمٍ
…
وهم أصحابُ يوم عكاظ إنْ
يريد. إنّي سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم. وترك الحذف أقيس
…
)
100-
الحديث عن أنس: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره، ورديفه معاذ بن جبل، ليس بينهما غير أخرة الرحل، إذا قال نبي الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ بن جبل
…
". مسند أحمد 3/ 260 البخاري: كتاب العلم- باب من خصّ بالعلم قوماً 1/226. مسلم بشرح النووي 1/230.
1 شرح الكافية الشافية لابن مالك 3/1297.
2 هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم الخشني الأبذي أبو الحسن، كان نحوياً ذاكراً للخلاف في النحو، من أهل المعرفة كتاب سيبويه، أقرأ بمالقة ثم انتقل إلى غرناطة فأقرأ بها إلى أن مات سنة. 680هـ. انظر: بغية الوعاة 2/ 199
3 البخاري بشرح الكرماني 2/155.
هو منصوب في جواب العرض. وروي (فيستبشرون) بالرفع، أي فهم يستبشرون، كقوله تعالى:{وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} 1.
[مسند أنس بن مالك يتبع في العدد القادم....]
1 المرسلات: آية 36.