الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غُرْبَةُ الْإِسْلَام
تَألِيف
الشَّيْخ حمود بن عَبد اللهِ التُّوَيجري رحمه الله
1334 هـ - 1413 هـ
طُبع بإشراف
أَبنَاء الشَّيْخ رحمه الله
حقق نَصه وعلق عَلَيْهِ
عبَّد الكَريم بن حمود التُّوَيجري
دَار الصميعي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم
تقدمة
الحمد لله الذي عمَّ البرية بجُوده، وأسبغ عليهم نعمه وفضله، ووالى عليهم إحسانه، وَصَلَ عمل من شاء منهم بعد مماته، وأجرى له الأجر بعد فراق دنياه، وأخبرنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له»
(1)
.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اختار أهل العلم واصطفاهم، وعلى علم ارتضاهم، رفع شأنهم، وبتحقيق الخشية اختصهم، فقال سبحانه وتعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقال سبحانه:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، إمام المتقين وقدوة السالكين، ورَّث العلم للعالمين، فكانوا ورثة النبيين ومصابيح السالكين، كشف الله بهم الحق ودلَّ الخلق، وأوضح المحجة وأقام الحجة، أحيا
(1)
رواه مسلم في صحيحه؛ باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، من كتاب الوصية، حديث (4310)، والبخاري في الأدب المفرد؛ باب بر الوالدين بعد موتهما، حديث رقم (38) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
بهم موتى القلوب وأنار بعلمهم الدروب.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه؛ صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فمن فضل الله سبحانه على والدنا الشيخ حمود بن عبد الله التويجري -أسبغ الله عليه الرحمة والرضوان- أنه ما إن شب عن الطوق إلا وحادي الرشاد ينادي بشوق: أدرِك ركب الخِيَرة، والحق بأهل النضرة، واحظ بنصيبك من الميراث النبوي.
فأجاب الداعي بنفسٍ إلى العلى توَّاقة، وهمة سامية وقَّادة، نهل من معين علماء عصره وعلّ، ولازم فقهاء مصره فما كلّ ولا ملّ، حفظ وقته من الضياع، وعمره بالقراءة والاطلاع، فما زال الكتاب جليسه والقلم أنيسه، قرأ في شتى الفنون، وخط يراعه عددا من المتون، جمع الشرائد ورتَّب الفوائد ونظم القلائد، ولما بلغ أشده واستوى سوق علمه، سمت همته للبذل والعطاء مما نهل منه وارتوى؛ استجابة لنداء ربه سبحانه وتعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، ولِمَا وعى من توجيه حبه صلى الله عليه وسلم لأمته بقوله:«الدين النصيحة» متفق عليه
(1)
.
اتجه رحمه الله لبذل العلم ونَشْره، وتبصير الناس بأمور دينهم، وما به
(1)
رواه البخاري في صحيحه؛ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» من كتاب الإيمان حديث رقم (57)، ومسلم باب بيان أن الدين النصيحة من أبواب الإيمان، حديث رقم (205) من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
نفعهم وصلاحهم في معاشهم ومعادهم، فجلس للطلاب وتولى الخطابة وقام بالحسبة، وسطر النصائح والمواعظ للعامة والخاصة، ثم اتجهت همته إلى التأليف والتصنيف؛ إيضاحا للحق وبيانا للسنة وردا للباطل ودفاعا عن الملة، وقد أمضى في ذلك جُلّ وقته وعامة عمره، فكان حصيلة ذلك نتاجا علميا ربى على الستين مؤلفا؛ طبع عامتها في حياته، ونسأل الله أن ييسر ظهور الجميع في تمام.
ومما خطَّه يراعه وسطره قلمه رحمه الله هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وهو كتاب عظيم النفع جليل القدر، لم يتسن له رحمه الله إكماله، ولعل انشغاله بغيره مما رأى أهمية تقديمه صرف النظر عن إكماله في وقته.
وحيث لم يكمله رحمه الله لم يُسمِّه، فسميناه بأول وصفٍ وصَفَ به الكتاب في مقدمته
(1)
.
والكتاب مسوَّدةٌ كثير الحواشي، واللَّحق، والإحالات، والتقديم والتأخير.
والموجود منه يقع في ثلاثمائة وثلاثين صفحة من الورق المسطر؛ قياس الصفحة 29سم طولا، و21سم عرضا
(2)
.
والكتاب من أوائل مؤلفاته رحمه الله إن لم يكن هو أولها، ولعل تصنيفه كان بين عام 1375 - 1380هـ وذلك لأمور:
(1)
قال في مقدمة الكتاب: أما بعد: فهذا كتاب في بيان غربة الإسلام الحقيقي وأهله في هذه الأزمان. فسميناه (غربة الإسلام).
(2)
يسمى عند العامة بالورق الحجازي أو الفرخ؛ والفرخ كما جاء في المعجم الوسيط (679): صحيفة تطوى لِفْقَيْن في حجم محدود. وهي مُحدثة.
أولها: نوع الخط ولون المداد؛ فهو شبيه بما كتبه في ذلك الزمن وإن كان الخط أدق، ولعل ذلك عائد إلى تغير نوعية القلم المستعمل في الكتابة.
ثانيها: نوع الورق؛ حيث كان استعماله للورق المسطر -المسمى بالحجازي أو الفرخ- على حاله دون طي من أواخر الستينات إلى نهاية السبعينات الهجري، حسب تتبع ذلك وسبره.
ثالثها: وجود بعض الشواهد في ثنايا الكتاب على ارتباطه بتلك الفترة ومن ذلك:
1 -
ما ذكره في صفحة 143 من أن التعداد السكاني للمسلمين في ذلك الوقت أو قبله بقليل كان أربعمائة مليون، نقلا عن المهتمين بذلك، وهذا العدد بالسبر وتتبع المقالات والدوريات المهتمة بهذا الشأن يوافق تلك الحقبة.
2 -
ما ذكره في صفحة 232، نقلا عن بعض الصحفيين؛ أن الزوار لمولد البدوي في سنة ألف وثلاثمائة وأربع وسبعين بلغوا خمسين ألفا تقريبا.
وقد جرت العادة أن الكاتب يذكر آخر إحصاء جرى قبل كتابته؛ ليتحقق به المقصود من إيراد الشاهد.
ولتقدم هذا الكتاب وكونه من أول مؤلفات الوالد رحمه الله كان مصدرا لما كتبه بعد ذلك، فقد وجِدت نقول منه في بعض كتبه اللاحقة؛ كإتحاف الجماعة وغيره.
وقد ضرب رحمه الله على مواضع عديدة من الكتاب؛ منها ما نقله إلى كتب أخرى ألّفها بعد هذا الكتاب وأشار إلى ذلك في الحاشية -وتأتي
الإشارة إليه في موضعه- ومنها ما ضرب عليه ولم يوجد في شيء من كتبه، ولعله لم يرتضه أو عدل عن وضعه في ذلك الموضع.
وقد وجد في منثور أوراقه رحمه الله ثلاث عشرة صفحة اشتملت على عناصر لهذا الموضوع، وقد ضرب على بعضها علامة على استكمال بحثها وجَمْع المادة العلمية المتعلقة بها، وأشار أمام بعضها إلى بعض النصوص الواردة حول ذلك العنصر أو بعض مراجعه.
ولعل ما أكمله من تلك العناصر قد أودعه بعض كتبه الأخرى التالية لهذا الكتاب؛ فمنها عناصر عن المعازف والغناء، ولعله أودعها كتابه "فصل الخطاب في الرد على أبي تراب"، ومنها عناصر تتعلق بالتبرج والسفور، ولعله أودعها كتابه "الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور"، ومنها عناصر عن الخمر والمسكرات، ولعله أودعها كتابه "الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات"، ومنها ما لم يرد في شيء من ذلك.
وقد اقتصر العمل على إخراج نص الكتاب -إذ هو المقصود- دون تزيُّد بإثقاله بالحواشي والتعليقات، إلا ما دعت إليه الحاجة في موضعه.
وأخيرا تمت إضافة فهرس للموضوعات لتسهيل الوصول إلى الغاية وتقريب محتويات الكتاب.
والله نسأل أن يجزي الشيخ الوالد -رحمه الله تعالى- خير الجزاء، وينفع بالكتاب كاتبه وقارئه وسامعه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.