المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه تخصص فقه مقارن تقدم بها الباحث - فقه الهندسة المالية الإسلامية

[مرضي العنزي]

فهرس الكتاب

‌أصل هذا الكتاب

رسالة دكتوراه تخصص فقه مقارن تقدم بها الباحث إلى قسم الفقه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم، وأجيزت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وهي أول رسالة دكتوراه تناقش في كلية الشريعة في جامعة القصيم.

ص: 3

‌المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

ففي ظل التطور الاقتصادي الذي يشهده العالم المعاصر اليوم، أصبح من الصعوبة أمام المؤسسات الإسلامية أن تبقى محبوسة على أدوات محدودة، أو أن تحاكي الأدوات التقليدية دون مراعاة لضوابط الشرع وحدوده؛ لذا كان التحدي أمامها أن تتطور وتغير من أدواتها، وتطور هذه الأدوات، جامعة بين الكفاءة الاقتصادية، والمصداقية الشرعية، وهذا لا يكون إلا عن طريق تأصيل لهندسة مالية إسلامية؛ ولأهمية الهندسة المالية الإسلامية، وأهمية الكتابة فيها، أحببت أن تكون رسالتي لنيل درجة الدكتوراه في"فقه الهندسة المالية الإسلامية، دراسة تأصيلية تطبيقية".

مشكلة البحث:

تتمثل مشكلة البحث في الأسئلة التالية:

ما مفهوم الهندسة المالية الإسلامية؟

ما الحاجة للهندسة المالية الإسلامية، وما الذي ستقدمه؟

ما مدى شرعية الهندسة المالية الإسلامية؟

ما هي أدوات الهندسة المالية الإسلامية؟

ما هي الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية؟

ما مدى موافقة التطبيقات الموجودة في المصارف الإسلامية للضوابط الشرعية؟

‌أهمية البحث:

تكمن أهمية البحث في بيان مقدرة الهندسة المالية الإسلامية في تطوير أدوات المؤسسات الإسلامية، وابتكار حلول لما يواجهها من مخاطر، من غير تجاوز للضوابط الشرعية.

ص: 7

‌أسباب اختيار الموضوع:

الأسباب التي دعتني للكتابة في هذا الموضوع كثيرة، منها:

1 -

وجود الحاجة للبحث في الهندسة المالية الإسلامية مع قلة الكتابة فيها، وعدم وجود رسالة علمية شرعية أكاديمية فيها، يقول الدكتور سامي السويلم بعد بيان أهمية الحاجة للهندسة المالية الإسلامية:"والموضوع بهذا الطرح فيما يبدو لم تسبق الكتابة فيه على نحو أكاديمي"

(1)

.

2 -

إن التحدي أمام المؤسسات الإسلامية من قبل المؤسسات التقليدية جعل بعض مهندسي المصارف الإسلامية يحومون حول حمى الحرام لبيان مقدرة المؤسسات الإسلامية على المنافسة، قال الدكتور عبدالله السكاكر:"إن أي مهتم بالاقتصاد الإسلامي يدرك حجم التحدي والضغط الذي تواجهه المؤسسات المالية الإسلامية من قبل المؤسسات المالية التقليدية التي ترتع بعيداً عن ضوابط الشرع، وهذا التحدي الكبير هو الذي اضطر كثيراً من مهندسي المصرفية الإسلامية للاقتراب من الخطوط الحمراء بغية القدرة على المنافسة"

(2)

، مما يستلزم على الفقهاء بيان الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، وتجليتها لتكون واضحة أمام مهندسي المصارف الإسلامية؛ كي تضبط عملهم بضوابط الشرع.

3 -

إن الكتابة في الهندسة المالية من الناحية الشرعية يعد تعاوناً بين الشرعيين والاقتصاديين في تطوير الاقتصاد الإسلامي، وقدرته على تلبية متطلبات الحياة المعاصرة، وحاجات المجتمع المعاصر.

(1)

صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم ص 3.

(2)

الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، لعبدالله السكاكر ص 2 - 3.

ص: 8

‌أهداف البحث:

يهدف البحث في الهندسة المالية الإسلامية إلى:

1 -

بيان أهمية الهندسة المالية الإسلامية وخصائصها والعوائق التي تحول دون تطبيقها.

2 -

المقارنة بين الهندسة المالية الإسلامية، والهندسة المالية التقليدية.

3 -

التأصيل الشرعي للهندسة المالية الإسلامية.

4 -

بيان أدوات الهندسة المالية الإسلامية كالحيل، والمخارج الشرعية، والرخص الشرعية، والاستحسان، وسد الذرائع وفتحها، والتلفيق، وتركيب العقود.

5 -

بيان الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية.

6 -

دراسة لبعض التطبيقات المعاصرة للهندسة المالية الإسلامية.

‌الدراسات السابقة:

سبق كلام الدكتور سامي السويلم أن الموضوع لم يكتب فيه على نحو أكاديمي، وقد بحثت في مكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة الملك فيصل المركزية، والمعهد العالي للقضاء، والانترنت، فلم أجد رسالة أكاديمية في الهندسة المالية الإسلامية، ووجدت ثلاثة بحوث فيها، وكتابًا واحدًا لأحد أصحاب هذه البحوث، وهي على النحو التالي:

أولاً: بحث للدكتور سامي السويلم بعنوان"صناعة الهندسة المالية نظرات في المنهج الإسلامي" وجدت هذا البحث في موقع صيد الفوائد

(1)

، ويعد الدكتور سامي أول من كتب في الهندسة المالية من الناحية الشرعية، ويقع البحث في أربع وثلاثين صفحة دون صفحات المصادر والعنوان، وقد قسم البحث ثلاثة أقسام، استهل بذكر مقدمة عن الهندسة المالية الإسلامية في صفحتين، ثم تكلم في القسم الأول في مفهوم الصناعة المالية

(1)

على الرابط التالي:

http:// www.saaid.net/ book/ open.php? cat=102&book=6637

ص: 9

والحاجة للصناعة المالية الإسلامية والفرق بين الصناعة الإسلامية والتقليدية في سبع صفحات، وفي القسم الثاني تكلم في أسس الهندسة المالية الإسلامية وفي الإبداع والابتداع والحلول الشرعية والحيل البدعية والعزيمة والرخصة وخصائص المنتجات الإسلامية وتحدث فيها عن خمس من التطبيقات في عشر صفحات، وفي القسم الثالث تكلم في الكفاءة الاقتصادية والشروط العقْدية، والكلام في هذا القسم يدور حول قاعدة بيعتين في بيعة، وذكر في خاتمة البحث أن هناك عددًا من الجوانب التي لم تستوفها هذه الورقة

(1)

. وطلب "أن تكون الملتقيات والندوات الإسلامية مجالاً خصباً لإنضاج هذه التصورات والأفكار"

(2)

.

وكما ذكر الدكتور فالبحث يحتاج إلى كتابة فيه وإضافة عليه، وستكون الإضافة-بإذن الله- على بحث الدكتور سامي السويلم من عدة جوانب:

1 -

لم يبين الدكتور مفهوم الهندسة المالية الإسلامية، وخصائصها وعوائقها وأهدافها.

2 -

لم يتوسع الدكتور في التأصيل الشرعي للهندسة المالية الإسلامية، إنما ذكر أنها من السنن الحسنة، وسأقوم بالتوسع في التأصيل الشرعي للهندسة المالية الإسلامية، وبيان مستندات الهندسة المالية من السنة النبوية، ومستنداتها من جهود الصحابة رضي الله عنهم، ومستنداتها من المقاصد الشرعية، ومستنداتها من القواعد الفقهية.

3 -

تكلم الدكتور في الحيل البدعية، والحلول الشرعية، والرخص، دون توسع، وسأتكلم عن هذه الأدوات بتوسع، وأضيف عليها من الأدوات الاستحسان، وسد الذرائع وفتحها، والتلفيق، وتركيب العقود.

(1)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 37.

(2)

المرجع السابق.

ص: 10

4 -

تكلم الدكتور في قاعدة بيعتين في بيعة وأنها الضابط للهندسة المالية الإسلامية، وسأتكلم في غيرها من الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية.

5 -

أشار الدكتور إلى بعض التطبيقات للهندسة المالية الإسلامية في الفقه الإسلامي كبيع العينة، والتورق، وبيع الوفاء، دون ذكر صورها أو دراسة لها، وسأقوم بإضافة تطبيقات أخرى من الفقه الإسلامي، مع دراسة لجميع التطبيقات.

6 -

ذكر الدكتور بعض صور للتطبيقات المعاصرة للهندسة المالية الإسلامية، كبطاقة الائتمان، والتأجير المنتهي بالتمليك، وسأضيف عليها تطبيقات معاصرة للهندسة المالية الإسلامية، مع دراسة لجميع التطبيقات.

ثانياً: بحث للأستاذ عبدالكريم قندوز بعنوان" الهندسة المالية الإسلامية" وهو منشور في مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، الاقتصاد الإسلامي، المجلد 20، العدد 2، ص 3 - 46 (2007 م/ 1428 هـ)، ويقع البحث في أربعين صفحة سوى صفحات المصادر والعنوان، وبحث الأستاذ عبدالكريم قندوز قريب من بحث الدكتور سامي السويلم، وقد قسم البحث قسمين، القسم الأول من الصفحة الثالثة إلى الصفحة التاسعة عشرة تكلم في أهمية وجود هندسة إسلامية، ثم أفاض في تعريف الهندسة المالية التقليدية، ونشأتها وأسباب ظهورها، وفي القسم الثاني تكلم في الهندسة المالية الإسلامية وتعريفها وذكر تطبيقين من التطبيقات التي ذكرها الدكتور سامي السويلم في بحثه، ثم تكلم في أسس الهندسة المالية الإسلامية الأسس العامة والخاصة، ثم تكلم في بيعتين في بيعة وفي الفرق بين الهندسة المالية الإسلامية والتقليدية، وأهمية وجود هندسة مالية إسلامية.

والإضافة على بحث الأستاذ عبدالكريم قندوز كالإضافة على بحث الدكتور سامي السويلم.

ص: 11

ثالثا: كتاب" الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق"، للأستاذ عبدالكريم قندوز صدر الكتاب عن مؤسسة الرسالة في عام 2008 م، وقد قسم الكتاب أربعة فصول، الفصل الأول تكلم فيه في الهندسة المالية التقليدية من الصفحة الخامسة والعشرين إلى الصفحة الثانية والتسعين، والفصل الثاني تكلم فيه في المؤسسات المالية الإسلامية من الصفحة الثالثة والتسعين إلى الصفحة المائة وثمان وخمسين، وتكلم في الفصل الثالث في صناعة الهندسة المالية الإسلامية من الصفحة المائة وتسع وخمسين إلى الصفحة المائتين وأربع وثلاثين، والفصل الرابع ذكر تجارب بعض الدول؛ كالسودان، والجزائر، وماليزيا في مجال صناعة الهندسة المالية الإسلامية من الصفحة المائتين وخمس وثلاثين إلى الصفحة الثلاثمائة واثنتي عشرة.

وكلام الأستاذ عبدالكريم قندوز عن الهندسة المالية الإسلامية كان في الفصل الثالث في قرابة السبعين صفحة، تكلم في هذا الفصل عن ثلاثة مباحث: المبحث الأول في خصائص وأسس الهندسة المالية الإسلامية، والمبحث الثاني في منتجات صناعة الهندسة المالية الإسلامية في عشرين صفحة، تكلم فيه عن مطلبين المطلب الأول في الأدوات والأوراق المالية ذكر فيه بعض التطبيقات؛ كالسلم الموازي، والاستصناع الموازي، وسندات الإجارة الموصوفة في الذمة والوكالة بأجر، وذكر صور هذه التطبيقات دون دراسة لها، والمطلب الثاني تكلم في المشتقات المالية والتوريق، وذكر حكم المشتقات المالية، وحكم التوريق دون توسع، والمبحث الثالث في دور الهندسة المالية في تحقيق أهداف المؤسسات المالية الإسلامية تكلم فيه عن أهمية الهندسة المالية الإسلامية في حل المشاكل وإدارة المخاطر وتطوير الأسواق النقدية الإسلامية.

والإضافة على كتاب الأستاذ عبدالكريم قندوز ستكون-بإذن الله- من عدة جوانب:

1 -

لم يتكلم الأستاذ عبدالكريم عن التأصيل الشرعي للهندسة المالية الإسلامية، وسأتكلم عنها.

ص: 12

2 -

لم يتكلم الأستاذ عبدالكريم عن أدوات الهندسة المالية الإسلامية، وسأتكلم عنها.

3 -

لم يتكلم الأستاذ عبدالكريم عن الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، وسأتكلم عنها.

4 -

لم يتكلم الأستاذ عبدالكريم عن تطبيقات الهندسة المالية الإسلامية في الفقه الإسلامي، وسأتكلم عنها.

5 -

ذكر الأستاذ عبدالكريم بعض صور للتطبيقات المعاصرة للهندسة المالية الإسلامية، كالسلم الموازي، والاستصناع الموازي، والإجارة الموصوفة في الذمة، وسأتكلم عنها وأضيف عليها تطبيقات معاصرة للهندسة المالية الإسلامية، مع دراسة لجميع التطبيقات.

وقد أُجري حوار مع الأستاذ عبدالكريم قندوز في المجلة الاقتصادية عام 2010 م ذكر فيه أهمية البحث في وضع أسس وضوابط للهندسة المالية الإسلامية تكون واضحة، وأن العبء الأكبر يقع على الجامعات ومراكز التدريب

(1)

.

رابعًا: بحث للدكتور عبدالله السكاكر بعنوان"الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية" والبحث غير منشور، وحصلت على نسخة منه من المؤلف، ويقع البحث في عشرين صفحة دون صفحات المصادر والعنوان، والبحث عبارة عن مقدمة في صفحتين تكلم فيها عن الكتابة في ضوابط الهندسة المالية الإسلامية، ثم تمهيد في تعريف الهندسة المالية في أربع صفحات، ثم المبحث الأول في أهمية الهندسة المالية في صفحتين، والمبحث الثاني في الفرق بين الهندسة المالية والحيل المحرمة في ثلاث صفحات، والمبحث الثالث في

(1)

الاقتصادية على الرابط التالي:

http:// www.aleqt.com/ 2010/ 02/ 01/ article_342415.html

ص: 13

ضوابط الهندسة المالية الإسلامية في خمس صفحات، وتكلم عن ضابط واحدٍ فقط وهو (الحكمة) ورأى أنه الضابط الوحيد الذي يضبط الهندسة المالية الإسلامية.

والإضافة على بحث الدكتور عبدالله السكاكر ستكون-بإذن الله-كالإضافة على البحوث السابقة، مع دراسة الضابط الذي رآه الدكتور وبيان هل هذا الضابط ينضبط في جميع الصور، وعليه يكون ضابطاً للهندسة المالية الإسلامية، أو لا ينضبط، ودراسة غيره من الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية.

‌منهج البحث:

في البحث سأعتمد على المنهج الوصفي للهندسة المالية الإسلامية الذي يقوم على دراسة للهندسة المالية الإسلامية وأهميتها، وأهدافها، وخصائصها، وسأعتمد على المنهج المقارن بين الهندسة المالية الإسلامية، والهندسة المالية التقليدية، وبين أدوات الهندسة المالية الإسلامية كالحيل والذرائع، وسأعتمد على المنهج التحليلي النقدي في التطبيقات للهندسة المالية الإسلامية؛ بحيث أقوم بتحليل المعاملة، ثم نقدها وبيان موافقتها للشرع، أومخالفتها له.

‌إجراءات البحث:

سرت في هذا البحث على الخطوات التالية:

1 -

أقوم بعزو الآيات في الهامش إلى مواضعها من القرآن الكريم بذكر اسم السورة، ورقم الآية.

2 -

أقوم بتخريج الأحاديث والآثار التي أوردها، فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما فأكتفي بذكر المصدر الذي ورد فيه الحديث، واسم الكتاب، والباب، ثم رقم الحديث.

3 -

إذا لم تكن الأحاديث والآثار التي أوردها في الصحيحين فإني أخرجها من مصادرها الأصلية، مع ذكر اسم الكتاب، والباب، ثم رقم الحديث إن وجد. مع دراسة

ص: 14

أسانيد هذه الأحاديث مستنيرًا بآراء أئمة الصنعة ثم أثبت في الحاشية النتيجة التي توصلت إليها دون إطالة الحواشي بالخلاف الحديثي.

4 -

وزيادة في التوثيق أقوم بالتنصيص بين قوسين مضاعفين " " لكل نص أنقله من مرجعه، وأجعل رقماً على آخر النص، وأهمش عليه بذكر اسم الكتاب، ورقم الجزء، والصفحة، وإذا تصرفت في النقل، أو ذكرته بالمعنى فإني لا أضع قوسين، وأجعل رقماً على آخر الكلام، وأهمش عليه بقولي: انظر، ثم اذكر اسم الكتاب، والجزء، والصفحة.

5 -

أرجع في جمع المادة العلمية إلى أمهات المراجع في التفسير، والحديث، والأصول، والقواعد الفقهية، والفقه، واللغة، والاقتصاد الإسلامي وإلى الأبحاث والمقالات في المجلات المتخصصة، وقرارات المجامع الفقهية، وغيرها من المراجع مما هو موجود في قائمة مصادر البحث.

6 -

في المسائل الفقهية القديمة اقتصر على آراء المذاهب الفقهية المعتمدة، وآراء بعض الأئمة داخل المذهب، أما في المسائل المعاصرة فأذكر آراء الفقهاء المعاصرين المعروفين، وآراء المجامع، والهيئات الشرعية إن وجدت.

7 -

أذكر حكم المسألة، مع ذكر أقوال الفقهاء فيها، ثم أنتقل إلى إيراد الأدلة النقلية والعقلية لكل قول، ووجه الدلالة من كل دليل، كما أذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يجاب على المناقشة، وإن كانت المناقشة والإجابة مني أقول: يناقش، ويجاب، وإن كانت من غيري أقول: نوقش، وأجيب.

8 -

بعد عرض الأدلة والمناقشة والإجابات عليها، أبين القول الراجح -حسب ما ظهر لي-مع ذكر سبب الترجيح، معتمداً على قوة أدلة القول الراجح.

9 -

أحرص على توثيق المعاني من معاجم اللغة المعتمدة، وتكون الإحالة عليها بالجزء، والصفحة، والفصل، والباب.

ص: 15

10 -

أبيّن في الحاشية معاني الألفاظ الغريبة الواردة في متن الرسالة، ومراجع هذه المعاني التي اعتمدت عليها.

11 -

أحرص قدر الإمكان على العناية بقواعد اللغة العربية، والإملاء، وعلامات الترقيم، ومنها علامات التنصيص للآيات الكريمة، وللأحاديث الشريفة، وللآثار، ولأقوال العلماء، وتمييز العلامات أو الأقواس، فيكون لكل منها علامته الخاصة.

12 -

أترجم للأعلام بالقدر الذي يُعرِّف بهم ما عدا الصحابة، والأئمة الأربعة؛ لغناهم عن التعريف، ولم أترجم للمعاصرين؛ جريًا على العادة، وقد رجعت إلى كتب التراجم المعتمدة.

13 -

أختم الرسالة بخاتمة ألخص فيها أهم النتائج التي توصلت إليها.

ذيّلت الرسالة بالفهارس الفنية المتعارف عليها، وهي:

• فهرس الآيات.

• فهرس الأحاديث والآثار.

• فهرس الأعلام.

• فهرس المصادر والمراجع.

• فهرس الموضوعات.

‌خطة البحث:

تتكون خطة البحث من مقدمة، وتمهيد، وبابين، وخاتمة، وفهارس، كالتالي:

مقدمة: وفيها مشكلة البحث، وأهمية البحث، وأسباب اختيار الموضوع، وأهداف البحث، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وإجراءات البحث، وخطة البحث.

ص: 16

تمهيد: في أهمية الاقتصاد الإسلامي ودوره في الحياة المعاصرة.

الباب الأول: تأصيل الهندسة المالية الإسلامية، وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: المفهوم، والخصائص، والفروق، وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الهندسة المالية الإسلامية.

المبحث الثاني: نشأة مصطلح الهندسة المالية

المبحث الثالث: أهمية الهندسة المالية الإسلامية، وأهدافها.

المبحث الرابع: خصائص الهندسة المالية الإسلامية

المبحث الخامس: معوقات تطبيق الهندسة المالية الإسلامية

المبحث السادس: الفروق بين الهندسة المالية الإسلامية والهندسة المالية التقليدية

الفصل الثاني: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من السنة النبوية.

المبحث الثاني: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من اجتهادات الصحابة.

المبحث الثالث: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من المقاصد الشرعية.

المبحث الرابع: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من القواعد الفقهية.

الفصل الثالث: أدوات الهندسة المالية الإسلامية، وفيه خمسة مباحث:

المبحث الأول: الحيل والمخارج الشرعية.

المبحث الثاني: الرخص الشرعية.

ص: 17

المبحث الثالث: الاستحسان.

المبحث الرابع: سد الذرائع وفتحها.

المبحث الخامس: التلفيق.

الفصل الرابع: ضوابط الهندسة المالية الإسلامية، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الضوابط الخاصة بالمهندس المالي.

المبحث الثاني: الضوابط الخاصة بالهندسة المالية الإسلامية.

الباب الثاني: تطبيقات للهندسة المالية الإسلامية، وفيه فصلان:

الفصل الأول: تطبيقات للهندسة المالية الإسلامية في الفقه الإسلامي، وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: بيع الوفاء.

المبحث الثاني: بيع الاستجرار.

المبحث الثالث: بيع العينة.

المبحث الرابع: السُفْتَجة.

المبحث الخامس: التورق.

المبحث السادس: الإجارة الموصوفة في الذمة.

الفصل الثاني: تطبيقات معاصرة للهندسة المالية الإسلامية، وفيه ثمانية مباحث:

المبحث الأول: السلم الموازي.

المبحث الثاني: الاستصناع الموازي.

ص: 18

المبحث الثالث: الصكوك الإسلامية.

المبحث الرابع: التورق المصرفي.

المبحث الخامس: بيع المرابحة للآمر بالشراء.

المبحث السادس: الإجارة المنتهية بالتمليك.

المبحث السابع: المشاركة المنتهية بالتمليك.

المبحث الثامن: بطاقات الائتمان.

الخاتمة، وفيها أهم النتائج، والتوصيات.

الفهارس الفنية المتعارف عليها.

وبعد؛ فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمدلله أولًا، وآخرًا، وظاهرًا، وباطنًا، فهو أولى من ذكر، وأحق من شكر، أهل الثناء والحمد الذي لا ينقضي.

ثم أتقدم بالشكر لوالديّ الكريمين على كل ما بذلاه لي، أطال الله في عمرهما على طاعته، وأطعمهما برّ أولادهما، وأكرمهما بمقعد صدق عند مليك مقتدر.

كما أشكر زوجي أم أنس فقد كنت أعتكف لبحث هذه الرسالة الساعات الطويلة، ولم أجد منها إلا الصبر، والتشجيع، وفقها الله لكل خير في الدنيا والآخرة.

والشكر موصول لمشرفي الفاضل الدكتور/ عبدالله بن حمد السكاكر حفظه الله، فقد عرفته أيام دراستي في البكالوريوس، وقد فتح لي قلبه ومنزله، وأكرمني وبالغ في الإكرام، وزاد في إكرامه بتفضله للإشراف على رسالتي، فكان نعم الموجه، والمربي، وقد أفدت من توجيهاته، وملاحظاته القيمة على الرسالة، وكنت في فترة البحث أتصل به كثيرًا، وأحيانًا أكرر الاتصال به في اليوم مرات فلا أجد إلا طيب الكلام، وحسن الاستقبال، مع ختام بدعوات مباركات، بارك الله في عمره، وعمله، ونفع به، ورزقه الذرية الصالحة المباركة.

ص: 19

كما أشكر كل من قدم لي معروفًا لاتمام هذه الرسالة، سواء كان هذا المعروف رأيًا، أونصحًا، أوتشجيعًا، أودعوة في ظهر الغيب، أو غيرها، فجزاهم الله خيرًا.

وفي الختام فالكتابة في الهندسة المالية الإسلامية ليست بالأمر اليسير، وقد بذلت وسعي لاتمام هذه الرسالة، أرجو أن يكون فيها من الجدة والطرافة ما ينفع القارئ لها، وأن تكون هذه الرسالة لبنة في بناء هذا الموضوع المهم، عسى أن يأتي من يضيف عليها مستدركًا أو مكملًا ليبلغ البنيان يومًا تمامه، أسأل الله أن يكتب فيها الإخلاص والقبول، هو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه/

مرضي بن مشوح العنزي

إيميل/ Murdi 100@hotmail.com

جوال/ 0503380332

ص: 20

‌تمهيد:

أهمية الاقتصاد الإسلامي ودوره في الحياة المعاصرة

أولت الشريعة الإسلامية الاقتصاد اهتمامًا بالغًا، وحثت على العمل والتكسب، والمشي في مناكب الأرض، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}

(1)

، كما قرنت بين العاملين في النشاط الاقتصادي والمجاهدين في سبيل الله، قال الله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

(2)

، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن خير طعام يأكله المسلم ما كان نتيجة لسعيه، وحصيلة لعمل يده، ففي صحيح البخاري عن المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السلام، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»

(3)

، ومن ترغيب الشريعة الإسلامية في العمل والكسب كافأت من يحيي الأرض الميتة بأن ملكته إياها، جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ»

(4)

.

وحفاظًا على الاقتصاد الإسلامي أحاطته الشريعة الإسلامية بقيم وأخلاق، فحرمت الاعتداء على أموال الآخرين، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»

(5)

، ولم تجعل الاقتصاد

(1)

سورة الملك، الآية 15.

(2)

سورة المزمل، الآية 20.

(3)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، برقم 2072.

(4)

رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، برقم 2335.

(5)

رواه مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، برقم 2564.

ص: 21

مفتوحًا دون ضوابط، بل ضبطته؛ فمنعت الربا، قال الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(1)

، ومنعت الاحتكار كما ورد في صحيح مسلم أن معمرًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ»

(2)

؛ كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء، وليحافظ المجتمع المسلم على توازنه، واستقراره

(3)

.

وأما أهمية الاقتصاد الإسلامي في عالمنا المعاصر فتتبين في التالي:

1 -

أن الدول الكبرى تقوم على المال، ولأجل المال تقوم معظم الصراعات الدولية، وتُدار حروب فتاكة، ويُضحى بالأنفس في سبيل الحصول على المعادن، والمواد الخام، والبترول، والغاز، وكما قيل: إن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، فأقوى الدول اقتصادًا هي التي تمسك بزمام القوة، وهي أكثر الدول تأثيرًا في عالم السياسة

(4)

.

2 -

وجود الأزمات الاقتصادية العالمية الكبيرة، والتي كان لها أسباب كثيرة، منها ما يعود إلى جوهر النظام الرأسمالي السائد؛ كالتعامل بالربا، والاحتكار، وتوسع المضاربات في الأسواق المالية وغيره، ومنها ما يعود إلى أسباب سياسية وعسكرية

(5)

.

3 -

عدم قدرة الأنظمة الأخرى على مواجهة هذه الأزمات أو حلها، بل كانت هي إحدى أهم الأسباب لوجودها، واستمرارها؛ فالنظام الشيوعي انهار بانهيار الاتحاد

(1)

سورة البقرة، الآية 275.

(2)

رواه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، برقم 1605.

(3)

انظر: النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي، لعمر بن فيحان المرزوقي، منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، السنة السادسة عشرة، العدد الخامس والأربعون، 1422 هـ، ص 251 - 294.

(4)

انظر: المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، للقره داغي 1/ 5.

(5)

المرجع السابق 1/ 92 - 93.

ص: 22

السوفييتي مخلفًا أسوأ الآثار للشعوب التي كان يحكمها من حيث الفقر والتخلف، و"النظام الرأسمالي الذي يسوده النشاط الخاص غير المنسق، والذي لا توجد فيه أداة للتخطيط الاقتصادي السليم تجعله معرضًا بالضرورة إلى التقلبات الدورية، وهذه حقيقة أثبتها التاريخ الاقتصادي، ولا سبيل إلى إنكارها"

(1)

، مما أدى إلى البحث عن نظام اقتصادي جديد يكون سببًا في حل هذه الأزمات، ويحقق كافة المزايا الاقتصادية، والنظام الإسلامي للاقتصاد هو البديل وهو الحل؛ حيث إن الاقتصاد الإسلامي رباني المصدر، وهو الذي يحقق التوازن للحياة، وفيه شفاء لكل ما يحدث من أزمات، ورحمة للعالمين.

وقد تنبأ كبار الاقتصاديين الغربيين بأن النظام الإسلامي سيسود -بإذن الله- قال الاقتصادي الفرنسي جاك أوستري: "إن هناك اقتصادًا ثالثًا غير رأسمالي، أو اشتراكي، وهو الاقتصاد الإسلامي الذي يبدو أنه سيسود المستقبل؛ لأنه أسلوب كامل للحياة يحقق كافة المزايا الاقتصادية"

(2)

، وصدر من الفاتيكان في مجلة" لي أوسيرفاتوري رومانو"

(3)

بشأن المصرفية الإسلامية: "نحن نعتقد أن النظام المالي الإسلامي قادر على المساهمة في إعادة تشكيل قواعد النظام المالي الغربي، ونحن نرى أننا نواجه أزمة مالية، لا تقتصر على مسألة شح السيولة لكنها تعاني من أزمة انهيار الثقة بالنظام ذاته، يحتاج النظام المصرفي

(1)

مبادئ علم الاقتصاد، لمحمد يحيى عويس ص 98.

(2)

اقتصاديون أوروبيون يطالبون بتبني فكر المصارف الإسلامية بعد الأزمة العالمية، على الرابط: http:// www.qaradaghi.com/ portal/ index.php? option=com_content&view=article&id=1681: 2010 - 09 - 08 - 17 - 11 - 39&catid=9: 2009 - 04 - 11 - 15 - 09 - 29&Itemid=7

(3)

وهي المجلة شبه الرسمية التي تمثل البابا، وتصدر بصفة أسبوعية، وتغطي نشاطات البابا، وتنشر فيها المقالات التي يحررها كبار رجال الكنيسة الكاثوليكية، بالإضافة إلى الوثائق الرسمية بعد صدورها من الفاتيكان.

ص: 23

العالمي إلى أدوات تمكن من إرجاع القيم الأخلاقية إلى مركز الاهتمام مرة أخرى، أدوات تمكن من تعزيز السيولة وكذلك إعادة بناء سمعة نموذج نظام رأسمالي ثبت فشله"

(1)

.

(1)

http:// www.iifef.com/ node/ 860

ص: 24

‌الباب الأول: تأصيل الهندسة المالية الإسلامية

وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: المفهوم، والخصائص، والفروق.

الفصل الثاني: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية.

الفصل الثالث: أدوات الهندسة المالية الإسلامية.

الفصل الرابع: ضوابط الهندسة المالية الإسلامية.

ص: 25

‌الفصل الأول: المفهوم، والخصائص، والفروق

وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الهندسة المالية الإسلامية.

المبحث الثاني: نشأة مصطلح الهندسة المالية.

المبحث الثالث: أهمية الهندسة المالية الإسلامية، وأهدافها.

المبحث الرابع: خصائص الهندسة المالية الإسلامية.

المبحث الخامس: معوقات تطبيق الهندسة المالية الإسلامية.

المبحث السادس: الفروق بين الهندسة المالية الإسلامية، والهندسة المالية التقليدية.

ص: 27

‌المبحث الأول:

تعريف الهندسة المالية الإسلامية.

‌المطلب الأول: تعريف الهندسة المالية.

مصطلح الهندسة المالية مركب من كلمتين، الهندسة، والمال، ولا بد من تعريفهما قبل تعريف هذا المصطلح.

فالهندسة في اللغة كلمة فارسية معربة من: إندازة أي المقادير

(1)

، والمهندس: الذي يقدر مجاري القنى ومواضعها حيث تحفر

(2)

، والهندسة مشتقة من الهندزة، فصيرت الزاي سيناً في الإعراب لأنه ليس بعد الدال زاي في كلام العرب

(3)

.

والهندسة في الاصطلاح: "الْعلم الرياضي الَّذِي يبْحَث فِي الخطوط، والأبعاد، والسطوح، والزوايا والكميات، أَوْ الْمَقَادِير المادية من حَيْثُ خواصها، وقياسها، أَوْ تقويمها وعلاقة بَعْضهَا بِبَعْض"

(4)

.

وأما المالُ في اللغة فهو ما ملكته من جميع الأشياء، والجمع أموال، وفي الأصل ما يملك من الذّهب والفضّة، ثمّ أطلِق على كل ما يُقتنى ويملك من الأَعيان

(5)

.

(1)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 6/ 252، مفاتيح العلوم، للخوارزمي، ص 225.

(2)

انظر: الصحاح، للجوهري 3/ 992، مختار الصحاح، للرازي ص 329.

(3)

انظر: الصحاح، للجوهري 3/ 992، لسان العرب، لابن منظور 6/ 251 - 252.

(4)

المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى وآخرين 2/ 997.

(5)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 11/ 635 - 636.

ص: 29

وأما المال في الاصطلاح فقد عرفه الحنفية بأنه: "ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة"

(1)

، فالحنفية يقيدون المال في تعريفهم له بما يمكن ادخاره؛ ليُخرجوا المنافع من التعريف؛ لأنهم لا يعدون المنافع مالًا

(2)

.

وأما الجمهور فتعريفاتهم للمال متقاربة

(3)

، والمختار منها في تعريف المال هو:"ما يباح نفعه مطلقًا، واقتناؤه بلا حاجة"

(4)

.

واصطلاح الجمهور أولى بالقبول؛ لأن المنافع "يصح تمليكها في حال الحياة، وبعد الموت، وتضمن باليد والإتلاف، ويكون عوضها عينًا ودينًا"

(5)

، فهي داخلة في مصطلح المال

(6)

.

وأما مصطلح الهندسة المالية فهو مصطلح اقتصادي، وهو حديث نسبيًا من حيث الاصطلاح، وقديم من حيث التعامل قدم التعاملات المالية

(7)

، وله عدة تعريفات، فقد عرفه فينرتي بأنه:"تصميم وتطوير وتطبيق عمليات وأدوات مالية مستحدثة وتقديم حلول خلاقة ومبدعة للمشكلات المالية "

(8)

.

(1)

حاشية ابن عابدين 4/ 501.

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي 11/ 79، حاشية ابن عابدين 4/ 502.

(3)

انظر: الفواكه الدواني، للنفراوي 2/ 281، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 301، منتهى الإرادات، لابن النجار 1/ 244.

(4)

منتهى الإرادات، لابن النجار 1/ 244.

(5)

المغني، لابن قدامة 5/ 322.

(6)

انظر: الحاوي الكبير، للماوردي 7/ 392

(7)

صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم ص 5.

(8)

الهندسة المالية الإسلامية، لعبدالكريم قندوز، ص 10، بحث منشور في مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، الاقتصاد الإسلامي، م 20، ع 2، 2007 م.

ص: 30

وعرفته الجمعية الدولية للمهندسين الماليين بأنه: "التطوير والتطبيق المبتكر للنظريةِ الماليةِ والأدوات الماليةِ لإيجاد حلول للمشاكلِ الماليةِ المعقّدةِ ولاستغلال الفرصِ الماليةِ"

(1)

.

وعرفه شوقي جباري بأنه: "عملية القيام أو تصميم أو تطوير أدوات مالية أو استحداث أدوات جديدة قصد التغلب على مشكلة التمويل"

(2)

.

وكل هذه التعريفات بمعنى واحد، وهي تشير إلى أن الهندسة المالية تتضمن ثلاثة أنواع من الأنشطة:

أولًا: ابتكار وتطوير أدوات مالية جديدة، لتلبي هذه الأدوات المبتكرة حاجات تمويلية جديدة، أو التطوير في العقود الحالية لزيادة كفاءتها، مثل بطاقات الائتمان، وأنواع جديدة من السندات والأسهم

(3)

.

ثانيًا: ابتكار آليات تمويلية جديدة من شأنها أن تكون منخفضة التكلفة، ومرنة وعملية، مثل التداول الالكتروني للأوراق المالية

(4)

.

ثالثًا: ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية، مثل إدارة السيولة أو إدارة الإئتمان

(5)

.

وعليه فيمكن إجمال مفهوم الهندسة المالية بأنها ابتكار لحلول مالية، فهي ترتكز على عنصر الابتكار والتجديد

(6)

.

(1)

المرجع السابق.

(2)

دور الهندسة المالية في تأجيج شرارة الأزمة الراهنة، لشوقي جباري ص 13، بحث مقدم لمؤتمر الأزمة الاقتصادية المعاصرة، أسبابها، وتداعياتها، وعلاجها، جامعة جرش، الأردن 1432 هـ.

(3)

انظر: الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، ص 14.

(4)

المرجع السابق.

(5)

انظر: الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، ص 14.

(6)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 5.

ص: 31

‌المطلب الثاني: تعريف الهندسة المالية الإسلامية.

لا يختلف تعريف الهندسة المالية الإسلامية عن تعريف الهندسة المالية التقليدية إلا بقيد يجعل هذه الهندسة المالية موافقة للشرع

(1)

، وقد عُرفت الهندسة المالية الإسلامية بأنها:"مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل، وكل ذلك في إطار موجهات الشرع الحنيف"

(2)

وعلى هذا التعريف للهندسة المالية الإسلامية يشترط في الأنشطة التي تتضمنها الهندسة المالية- والتي سبق ذكرها- من ابتكار وتطوير الأدوات والآليات والحلول التمويلية أن تكون في إطار الضوابط الشرعية

(3)

.

(1)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، لعبدالكريم قندوز، ص 161.

(2)

مدخل للهندسة المالية الإسلامية، لفتح الرحمن علي، منشور في مجلة المصرفي، بنك السودان، 2002 م، على الرابط: http:// www.bankofsudan.org/ arabic/ period/ masrafi/ vol_26/ masrafi_26.htm

(3)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، لعبدالكريم قندوز، ص 162.

ص: 32

‌المبحث الثاني:

نشأة مصطلح الهندسة المالية

الهندسة المالية من حيث الممارسة والتعامل قديمة قدم المعاملات المالية

(1)

، فعلى مر التاريخ هناك الكثير من التعاملات التي يصدق عليها أنها من قبيل الهندسة المالية، فبعد ما كان الناس يتبادلون السلع بعضها ببعض في مبايعاتهم أصبحت النقود المعدنية من ذهب وفضة وسيطًا في المبادلات المالية، ثم حلت الأوراق النقدية محل النقود المعدنية

(2)

، وأخذ الناس بعدها يبتكرون العقود التي تخدم مصالحهم، فبرزت منتجات جديدة كالأسهم والسندات ففي عام 1599 م تأسست شركة الهند الشرقية وطرحت أسهمها للتداول، وفي القرن السادس عشر الميلادي أخذت الحكومات تقترض من الجماهير، ولجأت الشركات إلى الاقتراض عن طريق إصدار السندات

(3)

، ثم توسعت الابتكارات حتى صار تحويل عمليات الدفع اليدوية إلى بطاقات دفع في عام 1914 م، ثم بدأ العمل بالبطاقات الائتمانية في عام 1950 م، وفي الربع الأخير من القرن العشرين فاجأت الهندسة المالية أصحاب الأموال بالمشتقات المالية التي صنعت عهدًا جديدًا في الهندسة المالية

(4)

، إلى غير ذلك من المنتجات والابتكارات، ولا زال المجال مفتوحًا أمام الهندسة المالية لتبتكر وتطور أدواتها وآليتها المالية.

أما من حيث مصطلح الهندسة المالية فهو مصطلح حادث، ففي بداية السبعينات من القرن العشرين حصلت أسباب كثيرة أدت إلى نشأة مصطلح الهندسة المالية، ومن هذه الأسباب:

(1)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 5.

(2)

انظر: الورق النقدي، لعبدالله بن منيع، ص 23 - 26.

(3)

انظر: الأسهم والسندات، لأحمد الخليل، ص 38 - 39.

(4)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، ليحيى النعيمي، ص 16 - 18.

ص: 33

1 -

حصول أحداث عالمية كانهيار اتفاقية بريتون وودز

(1)

التي أدت إلى التقلبات العنيفة في أسعار الصرف، وانهيار أسواق الأوراق المالية العالمية المتتابعة، ومحاولة المؤسسات المالية والمصرفية تجاوز قيود السياسات النقدية

(2)

.

2 -

التقلبات الكبيرة وغير المتوقعة في محيط الاقتصاد العالمي، مما شكل خطرًا كبيرًا على المؤسسات المالية، وهدد وجودها، ترتب على ذلك ضرورة ابتكار منتجات مالية جديدة، وتطوير قدرات عالية للسيطرة على هذه المخاطر

(3)

.

3 -

تطور تقنية المعلومات مما أدى إلى تحويل الأسواق العالمية والمتعددة إلى سوق مالي كبير، وأدى ذلك إلى زيادة عدد المشاركين، وتتطلب زيادة عدد المشاركين من المهندسين الماليين العمل بصورة اقتصادية مقبولة، فكلما ابتكروا أداة تمويلية جديدة وجدوا من يطلبها ويأخذها

(4)

.

4 -

زيادة عدد الأسواق المالية، أدت إلى المنافسة في ابتكار أدوات مالية جديدة بآليات أقل تكلفة لكسب أكثر عدد من طالبي التمويل

(5)

.

(1)

اتفاقية بريتون وودز هو الاسم الشائع للمكان الذي انعقد فيه مؤتمر النقد الدولي في 1944 م، وقد وضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، وظل هذا النظام متماسكاً إلى أوائل السبعينات. انظر: http:// www.borsaat.com/ vb/ t 427837.html

(2)

انظر: المشتقات المالية، لسمير رضوان، ص 77 - 78.

(3)

انظر: البورصات والهندسة المالية، لفريد النجار، ص 244.

(4)

انظر: الهندسة المالية، لمحمد أحمد الجلي، مقال منشور على الرابط:

http:// www.abofru.net/ vb/ archive/ index.php/ t-2019.html

(5)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، لعبدالكريم قندوز، ص 33.

ص: 34

5 -

الاحتياجات المختلفة للمستثمرين، فلم تعد الأدوات التمويلية القديمة تلبي رغبات المستثمرين، مما أدى إلى الحاجة إلى الابتكار والتجديد فيها

(1)

.

6 -

مع تطور الأدوات التمويلية، يحتاج طالب التمويل الحصول عليها بأقل التكاليف؛ مما أدى إلى الحاجة إلى تطوير الآليات التمويلية؛ ليتم الحصول على الأدوات بسهولة، وبتكلفة قليلة.

7 -

وجود بعض المشاكل في الإدارة التمويلية استوجب ابتكار حلول لمعالجتها، وإعداد صيغ تمويلية تلائم الظروف المحيطة ببعض المشاريع

(2)

.

8 -

ظهور مفهومي الكفاءة والفاعلية: ويقصد بالكفاءة أن يتم مقابلة هذه الحاجات بتكلفة قليلة، وبسرعة ودقة عاليتين، ويقصد بالفاعلية المقدرة على تلبية حاجات طالبي التمويل

(3)

.

هذه هي أبرز الأسباب التي جعلت السوق المالي الأمريكي يستعين ببعض من حازوا درجات علمية عالية من الأكاديميين وغيرهم ليقوموا بتطوير المنتجات المالية، ثم في منتصف الثمانينات أطلق على عملية ابتكار المنتجات وتطويرها اسم الهندسة المالية

(4)

، ومنذ ذلك الوقت انتشر مصطلح الهندسة المالية، وأصبح مصطلحًا دارجًا في مراكز الأبحاث، وبين أهل الاقتصاد، بل صار تخصصًا يدرس في الجامعات، وتؤخذ فيه الشهادات

(5)

.

(1)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 3، الهندسة المالية، لمحمد أحمد الجلي، مقال منشور في الانترنت.

(2)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 5.

(3)

انظر: الهندسة المالية، لمحمد أحمد الجلي، مقال منشور في الانترنت.

(4)

انظر: المشتقات المالية، لسمير رضوان، ص 92 - 93.

(5)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، ليحيى النعيمي، ص 19.

ص: 35

ولأن الهندسة المالية التقليدية ولدت من رحم النظام الرأسمالي كانت هي إحدى الأسباب في تأجيج شرارة الأزمات المالية التي يشاهدها العالم المعاصر

(1)

، حتى إن بعض الكتاب الغربيين سماها: عبثًا ماليًا بدلًا من هندسة مالية

(2)

، وأدى ذلك إلى ضرورة أن تكون الهندسة المالية وفق المنهج الإسلامي تجمع بين المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية العملية، ولعل البحث الذي كتبه الدكتور سامي السويلم بعنوان"صناعة الهندسة المالية-نظرات في المنهج الإسلامي"، والذي نشره مركز البحوث بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار في عام 1421 هـ-2000 م، أولى المحاولات الجادة التي استعرضت ملامح مصطلح الهندسة المالية الإسلامية، وحاولت سبر عناصره، ثم ظهرت بعد ذلك بعض البحوث، وأقيمت بعض الندوات والمؤتمرات في الهندسة المالية الإسلامية، إلا أنها قليلة مقابل ما خُدمت به الهندسة المالية التقليدية، والمأمول أن تأخذ الهندسة المالية الإسلامية حقها من التأصيل، والتطوير، والتطبيق، كفرع من فروع التمويل الإسلامي، وأن تكون إحدى التخصصات التي تدرس في الجامعات، وتكتب فيها الرسائل والبحوث الأكاديمية المتخصصة

(3)

.

(1)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 3، دور الهندسة المالية في تأجيج شرارة الأزمة الراهنة، لشوقي جباري ص 2، بحث مقدم لمؤتمر الأزمة الاقتصادية المعاصرة، أسبابها، وتداعياتها، وعلاجها، جامعة جرش، الأردن 1432 هـ.

(2)

انظر: الحوار الذي أجري مع الدكتور عبدالكريم قندوز، صدر في العدد الأخير لمجلة المصرفية الإسلامية، العدد 10، شهر فبراير.

(3)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، ليحيى النعيمي، ص 40.

ص: 36

‌المبحث الثالث:

أهمية الهندسة المالية الإسلامية، وأهدافها

‌المطلب الأول: أهمية الهندسة المالية الإسلامية.

تتبين أهمية الهندسة المالية الإسلامية في الأمور التالية:

1 -

أن معظم الأدوات التمويلية الموجودة هي تلك التي تم تطويرها منذ قرون، وكانت تفي بحاجة المجتمعات في ذاك الوقت، وفي الوقت الحاضر تتزايد حاجات المجتمع بشكل مستمر، ويتطلب ذلك إيجاد أدوات تمويلية منضبطة بالضوابط الشرعية؛ كي تساهم في تحقيق مرضاة الله سبحانه وتعالى، وتعبيد العباد لخالقهم بالتزام أوامره، واجتناب نواهيه، واقتفاء شرعه فيما يتعلق بالمعاملات المالية

(1)

.

2 -

الاستفادة من التطورات التي تشهدها الأسواق العالمية، بدلًا من محاربتها، واتخاذ موقف العداء منها، وتصحيح ما يحتاج منها إلى تصحيح لتتوافق مع ضوابط الشريعة الإسلامية

(2)

.

3 -

أن الهندسة المالية الإسلامية تساهم في كسر حلقة التبعية للعالم الغربي؛ وذلك بابتكار الأنشطة الأكثر ملاءمة لظروف التنمية الاجتماعية، دون الوقوع في الديون الربوية وأعبائها الثقيلة

(3)

.

(1)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية، لعبدالكريم قندوز، ص 39، الضوابط الشرعية للهندسة المالية، لعبدالله السكاكر، ص 11.

(2)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية، لعبدالكريم قندوز، ص 39.

(3)

انظر: دور الهندسة المالية في زيادة فاعلية السياسة النقدية في النظام النقدي الإسلامي، لشهناز مدني، ص 12.

ص: 37

4 -

أن الهندسة المالية الإسلامية هي البديل والعلاج للأزمات المالية التي يشهدها العالم بسبب المعاملات غير المنضبطة بضوابط الشرع الحنيف

(1)

.

5 -

أن الهندسة المالية الإسلامية بجمعها لعنصري المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية العملية، تضمن استمرارية النظام الإسلامي، وحماية اقتصاده من التأثر بالأزمات الاقتصادية الخانقة المتتابعة

(2)

.

6 -

أن جمهور المسلمين ممن يتعاملون بالعقود المالية يقعون في حرج ومشقة؛ لوجود كثير من المعاملات المنافية للشرع، وفي الهندسة المالية الإسلامية رفع لذلك الحرج، والمشقة؛ حيث إنها تبتكر لهم أو تطور عقودًا مالية متوافقة مع الشرع

(3)

.

7 -

أن من مقاصد المكلفين الاكتساب وطلب الرزق وتنمية المال، والوسائل تتغير وتختلف باختلاف العصور والعادات، والهندسة المالية الإسلامية تستخدم الوسائل التي تتواكب مع كل عصر ومجتمع، مع المحافظة على الأصالة الإسلامية

(4)

.

8 -

أن الهندسة المالية الإسلامية تحتاج إلى اجتهاد سواء في تكييف العقود الموجودة، أو تطويرها، أو استحداث عقود جديدة، مما يجعل الفقه الإسلامي حاضرًا على الساحة الاقتصادية، ومما يعين على استمرار الاجتهاد الفقهي

(5)

.

(1)

انظر: الضوابط الشرعية للهندسة المالية، لعبدالله السكاكر، ص 11، دور الهندسة المالية الإسلامية في معالجة الأزمات المالية، لهناء الحنيطي، على الرابط: http:// www.aliftaa.jo/ index.php/ research/ show/ id/ 53

(2)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 3، الضوابط الشرعية للهندسة المالية، لعبدالله السكاكر، ص 11.

(3)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية، لعبدالكريم قندوز، ص 40.

(4)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 459.

(5)

انظر: ضوابط الاجتهاد في المعاملات المالية المعاصرة، لأحمد الضويحي، بحث منشور في مؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، المؤتمر العلمي السنوي الرابع عشر، ص 32.

ص: 38

9 -

أن في الهندسة المالية الإسلامية إبرازًا للنظام الاقتصادي الإسلامي، وهذا يشكل دعوة عظيمة لهذا الدين بسموه وشموله وعلاجه لمشاكل العالم الاقتصادية

(1)

.

‌المطلب الثاني: أهداف الهندسة المالية الإسلامية.

للهندسة المالية الإسلامية أهداف كثيرة، يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1 -

إيجاد المؤسسات المصرفية الخالية من المخالفات الشرعية، والتي تمكن من تنفيذ معاملات المسلمين وفقًا لمعتقداتهم الدينية

(2)

.

2 -

المساهمة في إنعاش الاقتصاد؛ وذلك بمشاركة كثير ممن ترك المشاريع بسبب مخالفتها للشرع

(3)

.

3 -

توفير منتجات مالية إسلامية ذات جودة عالية، وتمتاز بالمصداقية، كبديل شرعي للمنتجات المالية المحرمة

(4)

.

4 -

المساعدة في تطوير الأسواق المالية المحلية والعالمية؛ من خلال الأدوات المالية الإسلامية المبتكرة

(5)

.

(1)

انظر: الضوابط الشرعية للهندسة المالية، لعبدالله السكاكر، ص 11.

(2)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 11.

(3)

انظر: دور الهندسة المالية الإسلامية في معالجة الأزمات المالية، لهناء الحنيطي، بحث منشور في الانترنت.

(4)

انظر: الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، ص 16.

(5)

انظر: دور الهندسة المالية الإسلامية في معالجة الأزمات المالية، لهناء الحنيطي، بحث منشور في الانترنت.

ص: 39

5 -

تحقيق الكفاءة الاقتصادية؛ عن طريق توسيع الفرص الاستثمارية، وتخفيض تكاليف المعاملات، وتخفيض تكاليف الحصول على معلومات وعمولات الوساطة والسمسرة وتتميز هذه الكفاءة الاقتصادية بموافقتها للشريعة الإسلامية

(1)

.

6 -

تحقيق الحصول على الاعتبار والتقدير من قبل بعض المؤسسات الدولية

(2)

.

7 -

منافسة المصارف الإسلامية للمصارف التقليدية، عن طريق تقديم أدوات وآليات وحلول متوافقة مع الشريعة الإسلامية

(3)

.

8 -

تقليل مخاطر الاستثمار، بتنويع صيغه، وقطاعاته الشرعية

(4)

.

9 -

توفير حلول شرعية مبتكرة للإشكالات التمويلية

(5)

.

10 -

تحقيق عوائد مجزية لطالبي التمويل، وتنويع المصادر الربحية الإسلامية

(6)

.

(1)

انظر: دور الهندسة المالية في زيادة فاعلية السياسة النقدية في النظام النقدي الإسلامي، لشهناز مدني، ص 49.

(2)

انظر: دور الهندسة المالية الإسلامية في معالجة الأزمات المالية، لهناء الحنيطي، بحث منشور في الانترنت.

(3)

انظر: الحوار الذي أجري مع الدكتور عبدالكريم قندوز، صدر في العدد الأخير لمجلة المصرفية الإسلامية، العدد 10، شهر فبراير.

(4)

انظر: نحو منتجات مالية إسلامية مبتكرة، لمحمد عمر الجاسر، بحث مقدم إلى مؤتمر المصارف الإسلامية اليمنية تحت عنوان:"الواقع وتحديات المستقبل"، مارس 2010، ص 8.

(5)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 5.

(6)

انظر: دور الهندسة المالية الإسلامية في معالجة الأزمات المالية، لهناء الحنيطي، بحث منشور في الانترنت.

ص: 40

11 -

المساعدة في المواءمة بين العوائد والمخاطر والسيولة لدى الشركات والمؤسسات المالية

(1)

.

12 -

توفير تمويل مستقر وحقيقي، ومن موارد موجودة أصلًا مما يقلل من آثار التضخم

(2)

.

(1)

المرجع السابق.

(2)

المرجع السابق.

ص: 41

‌المبحث الرابع:

خصائص الهندسة المالية الإسلامية

تمتاز الأدوات التي تبتكرها أو تطورها الهندسة المالية الإسلامية بميزتين:

الميزة الأولى: المصداقية الشرعية: ويقصد بالمصداقية الشرعية أن تكون المنتجات الإسلامية متوافقة مع الشرع، ويتضمن ذلك الخروج من الخلاف الفقهي قدر المستطاع

(1)

، فليس الهدف الأساس من الصناعة الإسلامية ترجيح الآراء الفقهية على بعضها، إنما الهدف الوصول إلى حلول مبتكرة تكون محل اتفاق قدر الإمكان، فكلما كانت محل اتفاق من الفقهاء أو كان الخلاف فيه نادرًا كانت أكثر مصداقية شرعية

(2)

.

الميزة الثانية: الكفاءة الاقتصادية: والمقصود بالكفاءة الاقتصادية أن تحقق مقاصد المتعاملين بأقل قدر ممكن من التكاليف الإجرائية أو التعاقدية، فيتطلب مع تسارع وتيرة الحياة الاقتصادية المعاصرة، والتقدم التقني في عالم الاتصالات والمعلومات تطوير أساليب التعامل الاقتصادي إلى أقل قدر ممكن من الالتزامات والقيود

(3)

.

(1)

من الأمثلة على الخروج من الخلاف الفقهي الرسوم التي يأخذها المصرف من التاجر في بطاقة الائتمان؛ فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكمها بين مبيح لها؛ لأنها عبارة عن سمسرة أو عمولة، وبين محرم لها؛ لأنها أجرة على الضمان أو من باب حسم الكمبيالة، ويمكن الخروج من هذا الخلاف بأن تُبنى علاقة مشاركة بين المصرف والتاجر، فتكون النسبة التي يخصمها المصرف على التاجر حصة في السلعة المباعة، ويصبح التاجر شريكًا للمصرف في الأرباح، وبذلك نخرج من الخلاف الفقهي فيها. انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 19.

(2)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 17 - 18.

(3)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، لعبدالكريم قندوز، ص 163 - 164.

ص: 42

وهاتان الميزتان ليستا منعزلتين عن بعضهما البعض، بل مترابطتين، فليس كل ما هو مباح في دائرة الشرع يكون ذا كفاءة اقتصادية؛ فالشرع جاء لكل زمان ومكان، وظروف الناس تختلف بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة، والهندسة المالية الإسلامية تطمح إلى منتج نموذجي بمقياس العصر الحاضر، وليس كل ما هو نموذجي في عصر مضى يكون نموذجيًا في عصرنا الحاضر، فينبغي اختيار أكفأ النماذج الاقتصادية لعصرنا مع الحفاظ على المصداقية الشرعية

(1)

.

(1)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 17 - 18، الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، لعبدالكريم قندوز، ص 163 - 164.

ص: 43

‌المبحث الخامس:

معوقات تطبيق الهندسة المالية الإسلامية.

وعلى الرغم من أهمية الهندسة المالية الإسلامية والإنجازات الكبيرة التي تحققها للمؤسسات، والبنوك الإسلامية، إلا أن استفادة المؤسسات والبنوك الإسلامية من الهندسة المالية الإسلامية في مجال أعمالها مازالت متدنية، وذلك لوجود المعوقات أمامها، وكل ما يعيق المؤسسات والبنوك الإسلامية يكون معيقًا لتطبيق الهندسة المالية الإسلامية، وأبرز هذه المعوقات:

1 -

المعوقات المتعلقة بالجانب المؤسسي:

أ-البنوك الإسلامية تحتاج إلى عدد من الترتيبات الداعمة لها بغية القيام بوظائفها المتعددة، وهي تحاول الاستفادة من الإطار المؤسسي الذي يدعم العمل المصرفي التقليدي، لكنها تعاني من انعدام الدعم المؤسسي الذي يُوظَف خصوصًا لخدمة حاجاتها. كما أن بناء كيان مؤسسي سليم يعد أخطر تحد يواجه التمويل الإسلامي؛ وذلك لأن قوانين التجارة والمصارف والشركات فى معظم البلدان الإسلامية على النمط الغربي، وتحتوى هذه القوانين أحكامًا تضيق من مدى نشاطات العمل المصرفي وتحصره في حدود تقليدية

(1)

.

ب- عدم وجود إطار إشرافي فعّال يعد أحد نقاط ضعف النظام القائم، ويستحق الإطار الإشرافي اهتماما بالغًا، وهناك حاجة ماسة لتنسيق وتقوية الأدوار التي تقوم بها كل من هيئات الرقابة الشرعية والبنوك المركزية في الدول الإسلامية

(2)

.

(1)

انظر: الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، ص 24 - 25. واقترح الدكتور صالح السلطان-أثناء المناقشة-: أنه لو كان هناك رابطة مثل اتحاد عالمي للمصارف الإسلامية يُعنى بصياغة السياسات العامة، ويكون حلقة وصل بين المصارف الإسلامية، وبينها وبين البنوك والمؤسسات المالية التقليدية.

(2)

المرجع السابق، ص 25 - 26.

ص: 44

2 -

المعوقات المتعلقة بالجانب التشغيلي:

أ-البنوك والمؤسسات الإسلامية تواجه منافسة مستمرة من البنوك التقليدية، ومؤخرًا قام عدد من البنوك التقليدية في أنحاء العالم بممارسة النظام الإسلامي، وفي ذلك منافسة للبنوك والمؤسسات الإسلامية، لقد حققت البنوك الإسلامية نجاحًا كبيرًا في الماضي في حشد الودائع، والكثير من هذه الودائع لدى البنوك الإسلامية لم تأت بسبب جاذبية العوائد المرتفعة، بل بسبب الالتزام الديني للعملاء، وحيث إن البنوك والمؤسسات التقليدية تستخدم خبرتها الواسعة في إنشاء أدوات مالية تتفق مع الصيغ الإسلامية، وذات كفاءة عالية، فإن المدخرين المسلمين سيودعون أموالهم فيها، وهذا الأمر يتطلب المزيد من الجهود المضنية للمؤسسات الإسلامية كي تحافظ على استمرار نموها، وتزداد المنافسة بزيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل للبلدان على نطاق عالمي من خلال تزايد حجم وتنوع المعاملات التي تتم عبر الحدود في البضائع والخدمات والتدفق الدولي لرؤوس الأموال، وكذلك من خلال الانتشار المتزايد لوسائل الاتصالات والمعلومات

(1)

.

ب- قلة التمويل عن طريق تقاسم الأرباح؛ لقد علق المختصون الاقتصاديون الإسلاميون آمالهم على البنوك الإسلامية لتقديم قدر معتبر من التمويل عن طريق تقاسم الأرباح، وينتج عن هذا آثار اقتصادية مماثلة للاستثمار المباشر، والتي تحدث تأثيرًا قويًا على صعيد التنمية الاقتصادية، إلا أنه فعليًا ظل تمويل المشاركة في الأرباح ضئيلًا في المعاملات الإسلامية؛ ويعزى ذلك إلى وجود تكاليف ناجمة عن توظيف الأموال على أساس المشاركة في الأرباح؛ حيث إن اختيار المشروع المناسب لتمويله يتطلب دراسات

(1)

انظر: الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، ص 27 - 28.

ص: 45

جادة وتقويمًا فنيًا ماليًا، وعادة ما تتجاوز تكلفة هذه الجهود تكلفة الإيداعات بعوائد ثابتة، بالإضافة إلى أن ترتيبات المشاركة في الأرباح تتطلب متابعة وتقديم دعم فني، وأحيانًا دعمًا ماليًا إضافيًا للمتعهدين، والبنوك لا تريد ذلك

(1)

.

ج- انتشار صيغ التمويل القائمة على أساس الدين سبب مشكلة؛ وهى صعوبة تحويل هذه الصيغ التمويلية إلى أدوات مالية يمكن التفاوض بشأنها، فمجرد إحداث الدين لا يمكن تحويله إلى أي شخص إلا بقيمته الاسمية، ويجعل ذلك هيكل السوق المالية الإسلامية غير قابل للتسييل بدرجة عالية، ويمثل ذلك عقبة في تطوير أسواق ثانوية في الأدوات المالية الإسلامية؛ لإنه مالم تصبح الصيغ القائمة على الأسهم أكثر شعبية، أو يتم تطوير أدوات أخرى قابلة للتداول، فإن السوق المالية الإسلامية لن تتطور

(2)

.

هذه هي أبرز المعوقات التي تعيق استمرار المؤسسات والبنوك الإسلامية، وبالتالي تعيق تطبيق الهندسة المالية الإسلامية.

ومن العوائق أمام الهندسة المالية الإسلامية على وجه الخصوص غياب الكفاءات البشرية التي تتمتع بمعرفة أساسيات العلوم المالية المصرفية، مع الإلمام بالفقه الإسلامي

(3)

.

ويرى بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي أن مما يعيق الهندسة المالية الإسلامية الاختلافات الفقهية، وأنها تحد من انتشار التمويل الإسلامي، وعلى الوجه المقابل يرى

(1)

المرجع السابق، ص 26.

(2)

انظر: الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، ص 27.

(3)

انظر: الحوار الذي أجري مع الدكتور عبدالكريم قندوز، صدر في العدد الأخير لمجلة المصرفية الإسلامية، العدد 10، شهر فبراير.

ص: 46

بعضهم أن الاختلافات الفقهية تؤدي إلى التنوع وإثراء تجربة الصناعة الإسلامية، وأن قضية الخلافات الفقهية لا ينبغي أن تكون سدًا مانعًا لانتشار التمويل الإسلامي، وفي الوقت نفسه يجب عدم التضييق على الناس في معاملاتهم المالية

(1)

، ويقترح بعضهم أن يكون الحل أن تلزم جميع المؤسسات الإسلامية بقرارات المجامع الفقهية

(2)

.

وإلزام المؤسسات الإسلامية بقرارات المجامع الفقهية، أو غيرها من دور الإفتاء، أو الهيئات الشرعية

(3)

، فيه ضبط للتوجه الشرعي للمؤسسات الإسلامية، وحد من تضارب الممارسات الفعلية لها الذي يؤدي إلى زعزعة ثقة الناس الذين يريدون التعامل معها، وليس في هذا الإلزام تضييق عليها، أو حد من ثراء الفقه أو تنوعه؛ لأن هذه المجامع الفقهية والهيئات الشرعية تراعي هذا التنوع الفقهي، وتستفيد منه.

(1)

المرجع السابق.

(2)

انظر: الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، ص 33، والحوار الذي أجري مع الدكتور عبدالكريم قندوز، صدر في العدد الأخير لمجلة المصرفية الإسلامية، العدد 10، شهر فبراير.

(3)

من المهم ألا يكون للبنك تأثير على هذه الهيئات الشرعية في اختيارها الفقهي.

ص: 47

‌المبحث السادس:

الفروق بين الهندسة المالية الإسلامية والهندسة المالية التقليدية.

تتفق الهندسة المالية الإسلامية مع الهندسة المالية التقليدية بأن كلتيهما تبتكر وتطور أدوات مالية، لكن الهندسة المالية الإسلامية ملتزمة بالأحكام الشرعية؛ مما أدى إلى وجود بعض الفروق بينهما، وهي كالتالي:

1 -

الانضباط في الهندسة المالية الإسلامية أكبر منه في الهندسة المالية التقليدية؛ وذلك أن حافز التدين لدى المسلمين عميق، ومن شأنه أن يحد من محاولات الالتفاف على الأنظمة الإسلامية، بعكس الهندسة المالية التقليدية التي لا تمتلك حوافز داخلية للالتزام والمحافظة على روح الأحكام واللوائح القانونية، مما يجعلها تتحايل عليها كلما سنحت لها فرصة كافية للربح

(1)

.

2 -

إن المحافظة على الأحكام الشرعية أيسر من المحافظة على الأحكام الوضعية؛ وذلك أن النظام الإسلامي نظام رباني، فهو أكثر انضباطًا وإحكامًا وتناسقًا، أما الأحكام الوضعية فيتطرق إليها الخلل والقصور والتناقض بما لا يسمح للمتعاملين بها أن يحافظوا عليها

(2)

.

3 -

إن الأحكام الشرعية تهدف لمصلحة المتعاملين بها وفق إطار الشريعة، فالالتزام بها يحقق رضا المتعاملين وقناعتهم لما يحققون من هذه المصالح، بينما الأنظمة الوضعية لا تفرق بين المصالح الجزئية، والمصالح الكلية، وتبعًا لذلك يتم التنافر بين هذه الأنظمة ومصلحة المتعاملين

(3)

.

(1)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 11.

(2)

المرجع السابق.

(3)

المرجع السابق.

ص: 48

‌الفصل الثاني: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من السنة النبوية.

المبحث الثاني: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من اجتهادات الصحابة.

المبحث الثالث: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من المقاصد الشرعية.

المبحث الرابع: المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من القواعد الفقهية.

ص: 49

‌المبحث الأول:

المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من السنة النبوية.

أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية وللناس تعاملاتهم الدنيوية المختلفة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يدع أمور الدنيا للناس يديرون شؤونها، فعن رافع بن خديج رضي الله عنه، قال:"قَدِمَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ، يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ، فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَالَ: «لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا» فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ، قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» "رواه مسلم

(1)

، قال النووي

(2)

: "قال العلماء قوله صلى الله عليه وسلم من رأيي أي في أمر الدنيا ومعايشها"

(3)

، وفي رواية أخرى عند مسلم أيضا عن أنس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»

(4)

، ومن ضمن التعاملات الدنيوية التي كان يتعامل بها أهل المدينة المعاملات المالية، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الناس على معاملاتهم

(1)

كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي، برقم 2362.

(2)

هو محيي الدين أبو زكريا يحي بن شرف بن مري النووي الدمشقي، ولد في نوى في سنة 631 هـ، شافعي المذهب، وله عدة تصانيف منها:"رياض الصالحين"، و"الأذكار"، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين"، و"المنهاج في شرح صحيح مسلم"، و" المجموع شرح المهذب " وغيرها، توفي سنة 676 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 8/ 395، طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 2/ 153.

(3)

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي 15/ 116.

(4)

كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي، برقم 2363.

ص: 51

التي وجدهم عليها، إلا ما اشتمل منها على ضرر، فكان موقفه منها إما التعديل

(1)

، أو الإلغاء

(2)

؛ ليحافظ على مصالح الناس في معاشهم ومعادهم، ولتدوم روابط الأخوة والمحبة بين المسلمين، وليدفع عنهم أسباب العداوة والبغضاء، وليقوم الناس بالعدل"فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها"

(3)

.

وإذا كان من ضمن الأنشطة التي تقوم بها الهندسة المالية الإسلامية تطوير المعاملات المالية وفقًا للشريعة الإسلامية

(4)

؛ كي يحصل الناس على أكبر قدر من المصالح، ويُدرأ عنهم أكبر قدر من الأضرار والمفاسد التي يمكن حصولها، وتطوير المعاملات المالية عبارة

(1)

مثل حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» . رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، برقم 2201، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلا بمثل، برقم 1592.

(2)

مثل حديث أبي هريرة، قال:«نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . رواه مسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، برقم 1513.

(3)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 11.

(4)

انظر ص 22 من هذا البحث.

ص: 52

عن تعديلها، فإنه يمكن القول إن كل معاملة كانت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأجرى لها تعديلًا، أو نهى عنها وأوجد لها بديلًا، فإن هذا التعديل، وذلك التبديل، يعد هندسة مالية إسلامية لهذه المعاملة، ويصلح دليلًا على مشروعية الهندسة المالية الإسلامية، ومن أمثلة المعاملات التي قام النبي صلى الله عليه وسلم بتعديلها، أو تبديلها، وتعد مستندًا شرعيًا للهندسة المالية الإسلامية الأمثلة التالية:

المثال الأول: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:"قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " متفق عليه

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد من ضمن معاملاتهم المالية عقد السلم، وكان عقد السلم على الطريقة التي يتعامل بها أهل المدينة يشتمل على مصالح ومفاسد؛ فمن المصالح التي يشتمل عليها أن"المشتري يحتاج إلى الاسترباح لنفقة عياله، وهو بالسلم أسهل؛ إذ لا بد من كون المبيع نازلًا عن القيمة، فيربحه المشتري، والبائع قد يكون له حاجة في الحال إلى السلم، وقدرة في المآل على المبيع بسهولة، فتندفع به حاجته الحالية إلى قدرته المآلية"

(2)

، ومن المفاسد التي يشتمل عليها الخلاف الذي ينشأ بين المسلمين بسبب عدم العلم بالمقدار الذي تم بيعه، وعدم تحديد أجل التسليم؛ لذلك قام النبي صلى الله عليه وسلم بإجراء تعديل أو هندسة مالية إسلامية على عقد السلم فاشترط على من أراد التعامل به أن يعلم مقدار المبيع وصفته، وأجل التسليم؛ كي لا يحدث بين المسلمين أي

(1)

رواه البخاري، كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم، برقم 2240، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب السلم، برقم 1604.

(2)

فتح القدير، لابن الهمام 7/ 71.

ص: 53

خلاف بسبب الجهل بالمقدار، أو الأجل، وبهذه الهندسة المالية الإسلامية الجديدة لعقد السلم يحقق عقد السلم مصالحه كاملة، دون حصول أي مفاسد منه بين المتعاقدين به إذا التزموا بما أمرهم به رسول صلى الله عليه وسلم.

المثال الثاني: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الرجل الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر لما بين للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم يأخذون الصاع من التمر بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، وفي ذلك مفسدة الوقوع في ربا الفضل الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لما يسببه من آثار سلبية على المجتمع

(2)

، قام النبي صلى الله عليه وسلم بإيجاد عقد مالي مباح بديلًا عن العقد المالي المحرم، وهذا يعد هندسة مالية إسلامية على هذه المعاملة بأن أرشد الرجل إلى أن يبيع التمر الرديء بالدراهم، ويشتري بالدراهم تمرًا جيدًا، وفي ذلك اجتناب للتعامل بربا الفضل، ودفع للمفاسد التي تحصل من جراء مبادلة الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة من التمر، وقد يكون من مقاصد

(1)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، برقم 2201، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلا بمثل، برقم 1592.

(2)

كما جاء في حديث عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . رواه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، برقم 1587.

ص: 54

هذه الهندسة المالية الإسلامية لهذه المعاملة تحقيق مصلحة رواج السلعة في السوق كما قال الدكتور سامي السويلم: "فهو-أي الحديث- دال على منع مبادلة ربوي بجنسه مع التفاضل، والمقصود بذلك والله أعلم، الفصل بين عمليتي بيع التمر الجنيب (الجيد) وبيع التمر الجمع (الرديء) من خلال توسيط السوق، فإذا تحقق الفصل بين هاتين العمليتين تحقق مقصود الشارع، ومن حكم هذا الفصل عدم تركيز القوت الضروري لدى الأقلية، فإن توسيط السوق يستلزم تداول القوت عبر السوق، فيصبح متاحًا للجميع"

(1)

.

المثال الثالث: عن جابر رضي الله عنه: "أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ:«بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ» ، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ:«بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ» ، فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ:«مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ» . متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الأصل في البيع أن يتم التسليم مباشرة يدًا بيد، وما سمي البيع بيعًا إلا لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه لصاحبه وقت الأخذ والإعطاء

(3)

، إلا أن جابر بن عبدالله رضي الله عنه اشترط في هذا البيع ألا يسلم النبي صلى الله عليه وسلم الجمل إلا بعد الوصول إلى أهله، وفي ذلك يحقق مصلحة استثناء المنفعة فترة معينة، مع ضمان بيعها، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط، ولو كان في هذا الشرط منافاة لمقصود العقد لكان لغوًا،

(1)

صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 23.

(2)

رواه البخاري، كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، برقم 2718، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، برقم 715.

(3)

انظر: المغني، لابن قدامة 3/ 480.

ص: 55

وباطلًا، ولما أقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه، قال ابن تيمية

(1)

: " فإذا كان الشرط منافيًا لمقصود العقد كان العقد لغوًا، وإذا كان منافيًا لمقصود الشارع كان مخالفًا لله ورسوله"

(2)

، وقال:"ولهذا اتفق العلماء على أن من شرط في عقد من العقود شرطًا يناقض حكم الله ورسوله فهو باطل"

(3)

، وهذا الشرط من جابر رضي الله عنه يعد تعديلًا، وتطويرًا، وهندسةً ماليةً إسلاميةً لعقد البيع، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الهندسة لما تحققه من مصلحة، فقد يحتاج البائع أن يبيع سلعة ويستثني منفعتها زمنًا معينًا، كسكنى الدار شهرًا، أو ركوب الدابة مدةً معينةً، أو إلى بلدٍ بعينه، فإذا رضي المشتري، وكانت مدة الاستثناء معلومة، تحققت المصلحة دون منافاة لمقصود العقد، أو مخالفة لله ورسوله.

فهذه الأمثلة الثلاثة التي قام النبي صلى الله عليه وسلم بتطوير العقود فيها، أو أقر على تطويرها، تعد أدلة على مشروعية الهندسة المالية الإسلامية، وهي من المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من السنة النبوية.

(1)

هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، ولد سنة 661 هـ، العالم المجاهد المجدد، حنبلي المذهب، وأمده الله بسرعة الحفظ، وكثرة تأليف الكتب، ومنها:"السياسة الشرعية"، و"منهاج السنة" وغيرها، وقد جمع عبدالرحمن بن قاسم في مجموع فتاوى ابن تيمية العديد من كتبه، وسجن بسبب بعض الفتاوى، وتوفي بسجن القلعة بدمشق سنة 728 هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة، للسلامي 4/ 491، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني 1/ 168.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 156.

(3)

نظرية العقد، لابن تيمية، ص 23.

ص: 56

‌المبحث الثاني:

المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من اجتهادات الصحابة

من قواعد الحياة أنها لا تدوم على وتيرة واحدة، بل هي في تغير دائم، وتطور مستمر، وهذه إحدى السنن الكونية، قال ابن خلدون

(1)

: "إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم، لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول سنة الله التي قد خلت في عباده"

(2)

.

وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم سنة التغير في الحياة فشجع أصحابه على الاجتهاد؛ ليعرفوا حكم الوقائع المستجدة مع تجدد الحياة، فعن عمرو بن العاص: رضي الله عنه "أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» ". متفق عليه

(3)

، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين بعثهم إلى بني قريظة على اجتهادهم في أداء وقت صلاة العصر، مع الاختلاف بين الاجتهادين، فعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: "قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي

(1)

هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون الحضرميّ الإشبيلي، الفيلسوف المؤرخ، العالم الاجتماعي، أصله من إشبيلية، ومولده ومنشأه بتونس عام 732 هـ، اشتهر بكتابه "المقدمة" وهي تعد من أصول علم الاجتماع، توفي عام 808 هـ. انظر: الأعلام، للزركلي 3/ 330.

(2)

مقدمة ابن خلدون، ص 23.

(3)

رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم 7352، ومسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، برقم 1716.

ص: 57

بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ"متفق عليه

(1)

، وفي إقراره لهم صلى الله عليه وسلم على هذا الاختلاف تشجيع لهم على الاجتهاد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين أي الطائفتين كانت على صواب، وفي ذلك تشجيع للفقهاء الذين جاؤوا من بعد الصحابة رضي الله عنهم ليجتهدوا أي الطائفتين كانت أقرب للصواب

(2)

، فمنهج رسول صلى الله عليه وسلم التشجيع على الاجتهاد لمن كان عالمًا أهلًا للحُكم، قال النووي:"قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث-أي حديث إذا اجتهد الحاكم- في حاكم عالم أهل للحكم"

(3)

.

ولقد سار الصحابة رضي الله عنهم على النهج الذي رسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أولى الناس باتباع نهجه، واقتفاء سيرته، فكان لهم الكثير من الاجتهادات في شتى نواحي الحياة، يقول الجويني

(4)

: "لم يخلُ أحد من علماء الصحابة من الاجتهاد في مسائل، وإن لم ينقل عنهم الاجتهاد في مسألة واحدة، فقد صح النقل المتواتر في مصير كل واحد منهم إلى

(1)

رواه البخاري، كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، برقم 946، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، برقم 1770.

(2)

قال ابن القيم: "واختلف الفقهاء أيهما كان أصوب؟ فقالت طائفة: الذين أخروها هم المصيبون،

، وقالت طائفة أخرى: بل الذين صلوها في الطريق في وقتها حازوا قصب السبق " زاد المعاد 3/ 131.

(3)

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي 12/ 240.

(4)

هو أبو المعالي الجويني، عبدالملك بن عبدالله بن يوسف، الفقيه الشافعي، ولد سنة 419 هـ، وتفقّه على والده، وجاور بمكة في شبيبته أربعة أعوام، ومن ثم قيل له إمام الحرمين، وكان أحد أوعية العلم، ومن تصانيفه:"نهاية المطلب في دراية المذهب"، و"البرهان"، و"غياث الأمم"، توفي سنة 478 هـ. انظر: شذرات الذهب، لابن العماد 5/ 338، سير أعلام النبلاء، للذهبي 18/ 468.

ص: 58

أصل الاجتهاد في مسائل قضى فيها، أو أفتى بها"

(1)

، وكان منهجهم أنهم يتفاعلون مع القضايا التي تحتاج لاستخراج حكم فيها، سواء كانت هذه القضايا في السياسة، أو القضاء، أو العبادات، أو المعاملات، أو الأحوال الشخصية

(2)

، فما كانوا يؤجلون النظر في معالجة النازلة لاستخراج حكمها، وفق ما وضعوه من معالم للاجتهاد

(3)

، وفتحوا بذلك لمن بعدهم من العلماء باب الاجتهاد، يقول ابن القيم

(4)

: "فالصحابة رضي الله عنهم مثلوا الوقائع بنظائرها، وشبهوها بأمثالها، وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد، ونهجوا لهم طريقه، وبينوا لهم سبيله"

(5)

.

وفي القراءة في اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم في جانب الاقتصاد، والمعاملات المالية، نجد بعض الاجتهادات التي تصلح أن تكون أمثلة للهندسة المالية الإسلامية، ومنها:

المثال الأول: عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه في قصة دين أبيه وسداده له- قال: "وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ، أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ، فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لَا وَلَكِنَّهُ

(1)

البرهان، للجويني 2/ 14.

(2)

في كتاب اجتهادات الصحابة، لمحمد معاذ الخن، كثير من الأمثلة لاجتهادات الصحابة في شتى المجالات.

(3)

انظر: أصول الفقه عند الصحابة معالم في المنهج، لعبدالعزيز العويد، ص 215.

(4)

هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي المعروف بابن القيم، ولد سنة 691 هـ، حنبلي المذهب، كان من كبار الفقهاء، تتلمذ على ابن تيمية وانتصر له كثيرًا، وسجن معه بدمشق، من تصانيفه:"الطرق الحكمية"، و"زاد المعاد في هدي خير العباد"، و"إعلام الموقعين"، توفي سنة 751 هـ. انظر: ذيل طبقات الحنابلة، للسلامي 5/ 171، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني 5/ 137.

(5)

إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 166.

ص: 59

سَلَفٌ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ" رواه البخاري

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: في هذا الحديث لما خشي الزبير ضياع مال المستودِع، قام بإجراء تعديل على العقد فبدلًا من أن يكون وديعة، جعله قرضًا، وفي ذلك مصلحة للمُقرض بحيث يضمن بقاء ماله في ذمة الزبير رضي الله عنه حتى لو ضاع، ومصلحة للزبير بحيث يكسب ثقة المتعامل معه، ويستطيع التصرف بهذا المال في التجارة ونحوها، قال ابن حجر

(2)

: "وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه، فرأى أن يجعله مضمونا فيكون أوثق لصاحب المال، وأبقى لمروءته. زاد ابن بطال

(3)

: وليطيب له ربح ذلك المال"

(4)

، وهذا التعديل على العقد من الزبير رضي الله عنه يعد هندسةً ماليةً إسلاميةً ضمنت المصلحة لكلا الطرفين، وحققت هدفًا اقتصاديًا للمجتمع

(1)

كتاب فرض الخمس، باب بركة الغازي في ماله حيًا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر، برقم 3129. في حديث طويل، وذكر فيه السبب الذي أعانه على سداد دينه، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ عن أبيه: "فجعل يوصيني بدينه، ويقول: يا بني إن عجزت عنه في شيء، فاستعن عليه مولاي، قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبة من مولاك؟ قال: «الله»، قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه، إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه، فيقضيه".

(2)

هو أحمد بن علي بن محمد العسقلاني الشافعي ويعرف بابن حجر، ولد في 773 هـ في مصر، وحفظ القران وهو ابن تسع، شرح صحيح البخاري وسماه فتح الباري، لم يؤلف أحد مثله حتى أنه يقال" لا هجرة بعد الفتح" وله كثير من المصنفات توفي رحمه الله سنة 852 هـ. انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي 2/ 36، البدر الطالع، للشوكاني 1/ 87.

(3)

هو علي بن خلف بن بطال البكري، القرطبي، مالكي المذهب، كان من أهل العلم والمعرفة، عني بالحديث العناية التامة، وألف شرحًا لكتاب البخاري كبيراً، كثير الفائدة، توفي سنة 449 هـ، وقيل: 474 هـ. انظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض 8/ 160، سير أعلام النبلاء، للذهبي 18/ 47.

(4)

فتح الباري، لابن حجر 6/ 230.

ص: 60

بأن يبقى المال في دائرة التداول، قال الدكتور النعيمي:"والذي يظهر هنا أن الزبير رضي الله عنه لا يريد لهذا المال أن يتعطل عن دائرة التداول فهو هنا حقق مطلبًا ماليًا معتبرًا"

(1)

.

المثال الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه، "أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ

(2)

: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا، فَقَالَ مَرْوَانُ: مَا فَعَلْتُ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى» ، قَالَ: فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ، «فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا» ، قَالَ سُلَيْمَانُ

(3)

: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ" رواه مسلم

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أنه في عصر الصحابة رضي الله عنهم تم ابتكار الصكوك، وهو منتج مالي جديد، وهو عبارة عن الرقاع، أو الأوراق التي يكتب فيها ولي الأمر برزق من الطعام للناس

(5)

، وهي عطاء مؤجل الدفع إلى موسم الحصاد

(6)

، وفي ابتكار الصكوك

(1)

الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، ليحيى النعيمي، ص 38.

(2)

هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو عبد الملك، الأموي. ولد بمكة عام 2 للهجرة، ونشأ بالطائف، لا يثبت له صحبة، وكان يعد من الفقهاء، وروى عن غير واحد من الصحابة، ولما كانت أيام عثمان جعله في خاصته واتخذه كاتبًا له، ولي إمرة المدينة أيام معاوية، وبويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية، ومدة حكمه تسعة أشهر و 18 يومًا، توفي عام 65 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 3/ 476، الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر 10/ 388.

(3)

هو سليمان بن يسار، أبُو أيوب، مولى ميمونة أم المؤمنين، من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، ولد في خلافة عثمان سنة 34 هـ، كان سعيد بن المسيّب إذا اتاه مستفتٍ يقول له:"اذهب إلى سليمان فإنه أعلم من بقي اليوم"، توفي سنة 107 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 4/ 444، الأعلام، للزركلي 3/ 138.

(4)

كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل قبضه، برقم 1528.

(5)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 4/ 285، شرح الزرقاني على موطأ مالك 3/ 433.

(6)

انظر: النظام المصرفي الإسلامي، لمحمد سراج، ص 28.

ص: 61

حل لأزمة السيولة لدى الدولة

(1)

، وهذا الابتكار يعد هندسة مالية إسلامية؛ إذ من أنشطة الهندسة المالية الإسلامية ابتكار المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وقد منع الصحابة رضي الله عنهم بيع هذا الصكوك ممن ملكها قبل أن يقبضها؛ كي تحافظ على مصداقيتها الشرعية، كما سبق في الحديث أن أبا هريرة نهى عن بيع الصكوك، وجاء في مصنف عبدالرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة عن الزهري

(2)

: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنهما كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِشِرَى الرِّزْقِ، إِذَا أُخْرِجَتِ الْقُطُوطُ

(3)

، وَهِيَ الصِّكَاكُ، وَيَقُولُونَ: لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ"

(4)

، وورد عندهما أيضًا عن نَافع مولى ابن عمر رضي الله عنه

(5)

،

(1)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، ليحيى النعيمي، ص 40.

(2)

هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، من كبار التابعين الحفاظ والفقهاء، ولد سنة 50 هـ، وهو أول من دون الأحاديث النبوية، ودون معها فقه الصحابة، قال أبو داود: جميع حديث الزهري " 2200 " حديث، توفي سنة 124 هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 26/ 419. سير أعلام النبلاء، للذهبي 5/ 326.

(3)

القطوط: الجوائز والأرزاق، سميت قطوطا؛ لأنها كانت تخرج مكتوبة في رقاع وصكاك مقطوعة. انظر: شرح السنة، للبغوي 8/ 142، غريب الحديث، لابن الجوزي 2/ 252.

(4)

مصنف عبدالرزاق الصنعاني، كتاب البيوع، باب الأرزاق قبل أن تقبض، برقم 14168، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، باب في بيع صكاك الرزق، برقم 21078. والأثر منقطع؛ فالزهري لم يدرك زيدًا رضي الله عنه فقد ولد في نفس السنة التي توفي فيها زيد رضي الله عنه، ولم يسمع الزهري من ابن عمر رضي الله عنه، فقد جاء عن ابن معين وأحمد وأبي حاتم: أن الزهري لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنه. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 10/ 31، 26/ 440، تهذيب التهذيب، لابن حجر 9/ 450.

(5)

هو نافع المدني أبو عبد الله مولى عبد الله بن عمر، من أئمة التابعين بالمدينة، كان علامة في فقه الدين، متفقًا على رياسته، كان كثير الرواية للحديث، ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه، أرسله عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليعلم أهلها السنن، توفي عام 117 هـ. انظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر 10/ 412، الأعلام، للزركلي 8/ 5.

ص: 62

قال: " نُبِّئْتُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه كَانَ يَشْتَرِي صَكَّاكَ الرِّزْقِ، فَنَهَى عُمَرُ رضي الله عنه أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ"

(1)

.

المثال الثالث: ما جاء عند البيهقي في السنن الكبرى: "عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّائِغَ وَقَالَ: لَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ إِلَّا ذَاكَ"

(2)

، وجاء عنده أيضًا:" أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَضْمَنُ الْأَجِيرَ"

(3)

.

وجه الدلالة من الأثرين: أن الأجراء يدهم على المال يد أمانة، والأمين: هو الحائز للمال بإذن الشارع، أو إذن مالكه، بغير قصد تملكه

(4)

. وهذا ينطبق على الأجراء فقد أخذوا المال بإذن من مالكه، والأمين لا يضمن ما تلف بيده بغير تعد، أو تفريط

(5)

، إلا أن

(1)

مصنف عبدالرزاق الصنعاني، كتاب البيوع، باب الأرزاق قبل أن تقبض، برقم 14170، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، باب في بيع صكاك الرزق، برقم 21079. والأثر منقطع؛ لجهالة الذي نبأ نافعًا، وقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة، برقم 21080، عن نافع عن ابن عمر عن عمر، بنحو هذا الأثر وإسناده صحيح.

(2)

كتاب الإجارة، باب ما جاء في تضمين الأجراء، برقم 11666. والأثر منقطع، قال أحمد: منقطع بين أبي جعفر وعلي، وقال الشافعي: لا يثبت عند أهل الحديث. انظر: معرفة السنن والآثار، للبيهقي 8/ 338.

(3)

كتاب الإجارة، باب ما جاء في تضمين الأجراء، برقم 11667. والأثر من رواية خلاس عن علي، وخلاس لم يسمع من علي. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 8/ 366، تهذيب التهذيب، لابن حجر 3/ 176.

(4)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 87، الذخيرة، للقرافي 8/ 112، ربح مالم يضمن، لمساعد الحقيل، ص 100.

(5)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 3/ 320، نهاية المطلب، للجويني 8/ 160، الموسوعة الفقهية الكويتية 28/ 258.

ص: 63

علي بن أبي طالب رضي الله عنه رأى أن المصلحة في تضمينهم، فلو لم يضمنوا لأدى بهم الحال-جريًا وراء الكسب السريع- إلى الإقدام على إهلاك أموال المؤجرين دون تحفظ

(1)

، والقول بعدم تضمينهم سببٌ لضياع أموال الناس، والتهاون في حفظها، وسببٌ أيضًا في عدم انتفاع الناس بأعمال الأجراء؛ خوفًا على أموالهم، مع حاجتهم جميعًا إلى ذلك

(2)

، وفي ذلك مفسدة، ولا يصلح الناس إلا تضمين الأجراء كما قال علي رضي الله عنه، خاصةً إذا فسد الناس، فقد" كان الشافعي رحمه الله يذهب إلى أنه لا ضمان على الأجير، ولكنه لا يفتى به لفساد الناس"

(3)

، وفي تضمين الأجراء من علي رضي الله عنه تعديل على العقد، وتطوير له؛ كي يحمي أموال الناس، وهو عبارة عن هندسة مالية إسلامية.

وفي هذه الأمثلة الثلاثة بيان أن الصحابة كانوا يجتهدون في هندسة العقود المالية ابتكارًا، وتطويرًا؛ ليحققوا مصالح للناس، ويدرؤوا عنهم المفاسد قدر الإمكان، وفيها مستندات شرعية للهندسة المالية الإسلامية من اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم، وهم خير قدوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

انظر: تطوير الأعمال المصرفية، لسامي حمود، ص 402.

(2)

انظر: أحكام المعاملات الشرعية، لعلي الخفيف، ص 447.

(3)

المهذب، للشيرازي 2/ 267.

ص: 64

‌المبحث الثالث:

المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من المقاصد الشرعية

شرع الله الدين لمقاصد وحكم؛ فالمقاصد هي الركن في بناء الصرح التشريعي

(1)

، ولا ينكر مسلم ما اشتملت عليه الشريعة من المصالح والمحاسن والمقاصد التي للعباد في المعاش والمعاد

(2)

، فالله تعالى لا يفعل شيئًا عبثًا-سبحانه- قال الله تعالى:{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ}

(3)

، وقال تعالى:{ـأَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}

(4)

، ومن أعظم ما اشتمل عليه خلق الإنسان قبوله التمدن الذي أعظمه وضع الشريعة له

(5)

، فالإنسان ما خلق إلا لعبادة الله وامتثال الشريعة التي وضعها الله له ليعمر هذه الأرض التي يعيش عليها

(6)

، قال تعالى:{ـوَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}

(7)

، وليؤدي الإنسان هذه العبادة لابد له من فهم مقصد الشارع منها؛ لأنه من غير فهم لمقصد الشارع في هذه العبادة قد يؤديها على غير ما شرعت لأجله، وبذلك يكون كالفاعل لغير ما أمر به، أو التارك

(1)

انظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 8، مناظرات في أصول الشريعة الإسلامية، لعبدالرحمن تركي، ص 517.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 8/ 179 - 180.

(3)

سورة الدخان، الآية 38.

(4)

سورة المؤمنون، الآية 115.

(5)

انظر: مقاصد الشريعة، لابن عاشور، ص 179.

(6)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لعلال الفاسي، ص 112.

(7)

سورة الذاريات، الآية 56.

ص: 65

ما أمر به، يقول الشاطبي

(1)

: "إن الآخذ بالمشروع من حيث لم يقصد به الشارع ذلك القصد آخذ في غير مشروع حقيقة؛ لأن الشارع إنما شرعه لأمر معلوم بالفرض، فإذا أخذ بالقصد إلى غير ذلك الأمر المعلوم؛ فلم يأت بذلك المشروع أصلا، وإذا لم يأت به ناقض الشارع في ذلك الأخذ، من حيث صار كالفاعل لغير ما أمر به والتارك لما أمر به"

(2)

.

وفي الهندسة المالية الإسلامية تحقيق مقاصد شرعية، وفي فهمها إعانة للمسلم على أداء المشروع في المال كما شرع الله تعالى، ومن المقاصد الشرعية التي تحققها الهندسة المالية الإسلامية:

1 -

أنها تحقق مصالح للناس.

2 -

أنها ترفع الحرج عن الناس. وسأفرد كل مقصد من هذه المقاصد بمطلب.

‌المطلب الأول: تحقيق المصلحة في الهندسة المالية الإسلامية.

من مقاصد الشريعة تحقيق المصلحة للمكلف، فمبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها

(3)

، يقول العز بن عبدالسلام

(4)

: "من مارس الشريعة

(1)

هو إبراهيم بن موسى بن محمد، أبو إسحاق، الشهير بالشاطبي المالكي، كان إمامًا محققًا أصوليًا فقيهًا بارعًا في العلوم، من تصانيفه:"الموافقات"، و" الاعتصام "، توفي سنة 790 هـ. انظر: تذكرة المحسنين بوفيات الأعيان وحوادث السنين، للفاسي 2/ 703، شجرة النور الزكية، لمحمد مخلوف، ص 231.

(2)

الموافقات، للشاطبي 3/ 30.

(3)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 10/ 512.

(4)

هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السلمي الملقب بسلطان العلماء، ولد سنة 577 هـ، برع في المذهب الشافعي، وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه والأصول والعربية، ومن تصانيفه:"القواعد الكبرى"، و"الفوائد في اختصار المقاصد (القواعد الصغرى) "، توفي سنة 660 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 8/ 209، طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 2/ 109.

ص: 66

وفهم مقاصد الكتاب والسنة عَلِم أن جميع ما أمر به لجلب مصلحة أو مصالح، أو لدرء مفسدة أو مفاسد، أو للأمرين، وأن جميع ما نهي عنه إنما نهي عنه لدفع مفسدة أو مفاسد، أو جلب مصلحة أو مصالح، أو للأمرين، والشريعة طافحة بذلك"

(1)

.

الفرع الأول: تعريف المصلحة.

المصلحة في اللغة: المصلحة ضد المفسدة، وهي واحدة المصالح

(2)

، "فالصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد"

(3)

.

وفي الاصطلاح: عرفها الغزالي

(4)

بأنها: "المحافظة على مقصود الشرع"

(5)

. وقال: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة"

(6)

.

وعرفها الدكتور البوطي بأنها: "المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده، من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم، طبق ترتيب معين فيما بينها"

(7)

.

(1)

الفوائد في اختصار المقاصد، للعز بن عبدالسلام، ص 53.

(2)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 2/ 517، مختار الصحاح، للرازي، ص 187.

(3)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 3/ 303.

(4)

هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي الشافعي، ولد سنة 450 هـ، تولى التدريس في المدرسة النظامية ببغداد، ومن تصانيفه:"إحياء علوم الدين"، و"الوجيز"، و"المستصفى"، توفي سنة 505 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 6/ 191، سير أعلام النبلاء، للذهبي 19/ 323.

(5)

المستصفى، للغزالي، ص 174.

(6)

المستصفى، للغزالي، ص 174.

(7)

ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 37.

ص: 67

فالغزالي عرف المصلحة بأسبابها، بينما لجأ البوطي في تعريفه إلى حقيقة المصلحة -وهي المنفعة- لا إلى أسبابها

(1)

، لكن ابن تيمية ينتقد من حصر المصلحة بحفظ الأمور الخمسة، فيقول:"لكن بعض الناس يخص المصالح المرسلة بحفظ النفوس والأموال والأعراض والعقول والأديان، وليس كذلك، بل المصالح المرسلة في جلب المنافع وفي دفع المضار وما ذكروه من دفع المضار عن هذه الأمور الخمسة فهو أحد القسمين"

(2)

؛ لذا يعرف ابن تيمية المصلحة بـ"أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة؛ وليس في الشرع ما ينفيه"

(3)

.

وكلام ابن تيمية في عدم حصر المصلحة بحفظ هذه الأمور الخمسة صحيح؛ فالمصلحة تشتمل على المصلحة المعتبرة التي نص الشرع عليها، وتشتمل على المصلحة المرسلة التي لا يوجد نص عليها، وهي محققة لمقصوده، وحصر المصلحة بهذه الأمور الخمسة يخرج قسم المصلحة المرسلة؛ فالشرع نص على اعتبار هذه الأمور الخمسة، وهناك كثير من المصالح المرسلة التي لم ينص الشرع عليها، وهي محققة لمقصوده، وتعريف المصلحة لابد أن يشتمل على القسمين جميعًا، وتعريف ابن تيمية للمصلحة تعريف للوسيلة الموصلة إليها، وليس تعريفًا لها، فنظر المجتهد وسيلة للتعرف على المصلحة، ويمكن أن يتم تعريف المصلحة عن طريق الدمج بين تعريف البوطي، وتعريف ابن تيمية، فيكون تعريف المصلحة: هي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده، في أمور دينهم ودنياهم، وليس في الشرع ما ينفيها.

(1)

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 245 - 246.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 11/ 343.

(3)

المرجع السابق 11/ 342 - 343.

ص: 68

الفرع الثاني: أقسام المصلحة.

تنقسم المصلحة أقسامًا عدة باعتبارات مختلفة، ولهذا التقسيم تأثير في الموازنة بينها، وترجيح بعضها على بعض في حالة التعارض

(1)

، وهذه الأقسام كما يلي:

أولًا: تقسيم المصلحة من حيث اعتبار الشارع لها:

تنقسم المصلحة من حيث اعتبار الشارع لها ثلاثة أقسام:

1 -

المصلحة المعتبرة: وهي المصلحة التي شهد الشارع باعتبارها؛ كمصلحة الجهاد، ومصلحة قطع يد السارق، ومصلحة النظر إلى المخطوبة وغيرها

(2)

.

2 -

المصلحة الملغاة: وهي المصلحة التي شهد لها الشرع بالبطلان

(3)

؛ مثل مصلحة المرابي في زيادة ماله، فقد ألغاه الشارع، قال الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(4)

، والمصلحة الموجودة في الخمر والميسر، والتي ذكرها الله تعالى في قوله:{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}

(5)

، ومع ذلك ألغى الشارع هذه المصلحة لوجود المفاسد الكبيرة في الخمر والميسر، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(6)

، ومثل "قول بعض العلماء لبعض الملوك لما جامع في نهار رمضان: إن عليك صوم شهرين متتابعين، فلما أنكر عليه حيث لم يأمر بإعتاق رقبة

(1)

انظر: اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي، لوليد الحسين 1/ 285.

(2)

انظر: المستصفى، للغزالي، ص 173، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 246 - 248، اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي، لوليد الحسين 1/ 285.

(3)

انظر: المستصفى، للغزالي، ص 174.

(4)

سورة البقرة، الآية 275.

(5)

سورة البقرة، الآية 219.

(6)

سورة المائدة، الآية 90.

ص: 69

مع اتساع ماله، قال: لو أمرته بذلك لسهل عليه، واستحقر إعتاق رقبة في جنب قضاء شهوته، فكانت المصلحة في إيجاب الصوم لينزجر به"

(1)

، قال الشاطبي:"وهذه الفتيا باطلة"

(2)

، قال الغزالي:"فهذا قول باطل ومخالف لنص الكتاب بالمصلحة"

(3)

، وبطلان هذه الفتيا من جهة أن هذا العالم لم يبين للملك أن كفارة الجماع في رمضان لها ثلاثة مراتب؛ عتق رقبة، أوصيام شهرين متتابعين، أوإطعام ستين مسكينًا، كما ورد بذلك النص

(4)

، بل ألزمه بنوع واحد من الكفارات، وهو صيام شهرين متتابعين؛ ليزجر الملك، وهذه المصلحة ملغاة لمخالفتها ما جاء به النص من التنوع في الكفارة، سواء كانت هذه الكفارة على الترتيب، أو على التخيير

(5)

، فضلًا على أن المصلحة التي رآها العالم

(1)

المستصفى، للغزالي، ص 174.

(2)

الاعتصام، للشاطبي، ص 610.

(3)

المستصفى، للغزالي، ص 174.

(4)

والنص الذي ورد: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا» قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» " رواه البخاري، كتاب الصيام، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه، فليكفر، برقم 1936، ومسلم، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع، برقم 1111.

(5)

عند الجمهور الكفارة على الترتيب، وعند الإمام مالك على التخيير. انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 327، بداية المجتهد، لابن رشد 2/ 67، مغني المحتاج، للشربيني 5/ 377، المغني، لابن قدامة 3/ 140.

ص: 70

في صوم الملك شهرين متتابعين تقابلها مصلحة أرجح منها، وهي اعتاق الرقبة، فهذه مصلحة متعدية النفع، وتلك قاصرة النفع على الملك؛ لذلك قدم النبي صلى الله عليه وسلم كفارة عتق الرقبة على كفارة صيام شهرين متتابعين، "وفتح هذا الباب يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع ونصوصها بسبب تغير الأحوال، ثم إذا عرف ذلك من صنيع العلماء لم تحصل الثقة للملوك بفتواهم، وظنوا أن كل ما يفتون به فهو تحريف من جهتهم بالرأي"

(1)

.

3 -

المصلحة المرسلة: وهي المصلحة التي لم يشهد لها الشارع بالاعتبار، ولا بالإلغاء

(2)

، ولكنها محققة لمقصود الشارع

(3)

؛ مثل جمع القرآن في زمن الصحابة رضي الله عنهم، فهذه مصلحة لم يرد فيها نص على اعتبارها أو إلغائها، وهي محققة لمقصود الشارع، فجمع القرآن حفظ للشريعة، وهي مقصودة للشارع

(4)

.

ولابد أن تكون المصلحة المرسلة مستندة إلى دليل قد اعتبره الشارع، غير أنه لا دليل يتناولها بخصوصها، وإنما يتناول الجنس البعيد لها

(5)

.

ثانيًا: تقسيم المصلحة من حيث قوتها في ذاتها:

تنقسم المصلحة من حيث قوتها في ذاتها ثلاثة أقسام:

1 -

المصلحة الضرورية: وهي المصلحة التي تتوقف عليها حياة الناس، بحيث لا يستقيم النظام باختلالها، فإذا اختلت تؤول حالة الأمة إلى فساد، وتكون حياتهم أشبه بحياة

(1)

المستصفى، للغزالي، ص 174.

(2)

انظر: المستصفى، للغزالي، ص 174، الاعتصام، للشاطبي، ص 611.

(3)

انظر: ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 342.

(4)

انظر: اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي، لوليد الحسين 1/ 285، المصالح المرسلة وأثرها في المعاملات، لعبدالعزيز العمار، ص 109.

(5)

انظر: ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 230.

ص: 71

الأنعام، ولا تكون على الحالة التي أرادها الله من خلق الإنسان، وقد يفضي هذا الاختلال إلى اضمحلال الأمة بأن يقتل بعضهم بعضًا، أو بتسليط الأعداء عليها

(1)

، يقول الشاطبي:"فأما الضرورية، فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين"

(2)

، ومثَّل الغزالي للمصلحة الضرورية بحفظ الضروريات الخمسة، قال:"وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح"

(3)

.

2 -

المصلحة الحاجية: وهي المصلحة التي تحتاجها الأمة لاقتناء مصالحها، وانتظام أمورها على وجه حسن، بحيث لولا مراعاته لكانت في حالة غير منتظمة، لكنها لا تبلغ مرتبة المصلحة الضرورية

(4)

، قال الشاطبي:"وأما الحاجيات، فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين- على الجملة- الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة"

(5)

، ويُمثل لها بالبيوع، والإجارات، والقرض، والنكاح الشرعي، والرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض والسفر، وغيرها

(6)

.

(1)

انظر: مقاصد الشريعة، لابن عاشور، ص 300.

(2)

الموافقات، للشاطبي 2/ 17 - 18.

(3)

المستصفى، للغزالي، ص 174.

(4)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 306.

(5)

الموافقات، للشاطبي 2/ 21.

(6)

انظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 21 - 22، مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 306 - 307.

ص: 72

3 -

المصلحة التحسينية: وهي المصلحة التي تكون من قبيل التحسين والتزيين والتيسير لحياة الناس، ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات

(1)

، قال ابن عاشور:" هي عندي ما كان بها كمال الأمة في نظامها حتى تعيش آمنة مطمئنة ولها بهجةُ منظر المجتمع في مرأى بقية الأمم، حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبًا في الاندماج فيها أو التقرب منها"

(2)

، ومن أمثلتها: ستر العورة، والتقرب بنوافل العبادات، وآداب الأكل، وغيرها من مكارم الأخلاق

(3)

.

ثالثا: تقسيم المصلحة من حيث الشمول:

تنقسم المصلحة من حيث شمولها ثلاثة أقسام:

1 -

مصلحة عامة: وهي المصلحة التي تتعلق بحق الخلق كافة؛ مثل حماية الدين، وحفظ القرآن من التلاشي العام

(4)

.

2 -

مصلحة تتعلق بجماعات: وهي المصلحة المتعلقة بحق جماعة من الأمة، وليس عامة لكل الأمة؛ كالمصالح المتعلقة ببلد معين، أو المصالح المتعلق بأصحاب مهنة معينة، كتأمين التجارة للتجار المسلمين في البلاد غير الإسلامية

(5)

، وكالاحتكام للقضاء غير الشرعي في البلاد التي لا يوجد فيها قضاء شرعي.

3 -

مصلحة خاصة: وهي المصلحة التي تخص فردًا معينًا

(6)

؛ كمصلحة فسخ بيع فيه غش لشخص، أو مصلحة تطليق امرأة من زوجها بسبب الضرر الواقع عليها.

(1)

انظر: المستصفى، للغزالي، ص 175.

(2)

مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 307.

(3)

انظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 22 - 23.

(4)

انظر: شفاء الغليل، للغزالي، ص 99، مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 313.

(5)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 314.

(6)

انظر: شفاء الغليل، للغزالي، ص 99، مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 314.

ص: 73

الفرع الثالث: أدلة اعتبار المصلحة

اعتبار المصلحة هو الأساس الذي بنيت عليه الشريعة، يقول ابن القيم:"فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة "

(1)

.

وأدلة اعتبار الشريعة الإسلامية للمصلحة كثيرة، منها:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية: أنه لو لم تكن الشريعة التي بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بها مبنية على المصلحة، لم يكن إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة، بل نقمة عليهم؛ إذ لو أرسله بحكم لا مصلحة لهم فيها، لكان تكليفًا بلا فائدة، ومشقةً تخالف الرحمة التي أرسل بها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فتعقل المعنى، ومعرفة أنه بني على مصلحة أقرب إلى الانقياد والقبول

(3)

.

الدليل الثاني: من خلال استقراء الشريعة وجد الكثير من الأدلة المعللة بما هو أصلح للعباد، ففي ختام آية فرض الوضوء، قال تعالى:{ـمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}

(4)

، وفرَض الله الصلاة، وعلل {ـإِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}

(5)

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 11.

(2)

سورة الأنبياء، الآية 107.

(3)

انظر: رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، للسبكي 4/ 329.

(4)

سورة المائدة، الآية 6.

(5)

سورة العنكبوت، الآية 45.

ص: 74

وفرض الله الصيام، وفي ختام الآية قال:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

(1)

، إلى جانب الكثير من الآيات التي يثبت بمجموعها على دليل الاستقراء أن الشريعة مبنية على تحقيق مصالح العباد، آتية بإسعادهم في حياتهم الدنيا، وحياتهم الأخرى

(2)

.

الدليل الثالث: أن المجتهدين من الصحابة رضي الله عنهم عملوا أمورًا لمجرد تحقق المصلحة، دون تقدم شاهد بالاعتبار، من ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه لما اقترح عليه جمع القرآن:"هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ"

(3)

، وكذلك قال أبو بكر رضي الله عنه لزيد عندما أمره بجمع القرآن:"هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ"

(4)

، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أمر بتضمين الصناع:"لَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ إِلَّا ذَاكَ"

(5)

، وغيرها كثير

(6)

، فتبين من ذلك أن المتقرر عندهم رضي الله عنهم بناء الشريعة على المصلحة، وأنه متى وجدت المصلحة فثم شرع الله، ودينه

(7)

.

الدليل الرابع: أن من قواعد الشريعة الكبرى، قاعدة:"لا ضرر ولا ضرار"

(8)

، المستندة إلى الحديث الذي رواه ابن ماجه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله

(1)

سورة البقرة، الآية 183،

(2)

انظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 12 - 13، ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 89.

(3)

رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، برقم 4679.

(4)

المرجع السابق.

(5)

سبق تخريجه ص 52.

(6)

انظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 446، شرح مختصر الروضة، للطوفي 3/ 213.

(7)

انظر: الطرق الحكمية، لابن القيم 1/ 31.

(8)

انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 7، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 72.

ص: 75

-صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

(1)

، وهذا الحديث وإن لم يصح فإن الأمة مجمعة على معناه المستفاد من أدلة كثيرة، فإذا نفى الشرع الضرر، لزم منه إثبات المصلحة؛ لأنهما نقيضان لا واسطة بينهما

(2)

.

الدليل الخامس: أن الأصول محصورة، والوقائع غير محصورة

(3)

، و"نعلم قطعًا أنه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى معزو إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم "

(4)

، فلابد أن تبنى هذه الوقائع على تحقيق المصلحة للناس فيما يتوافق مع مقاصد الشريعة، وأهدافها الكلية؛ كي يتحقق خلود الشريعة، وصلاحيتها الدائمة لكل زمان ومكان

(5)

.

هذه هي أبرز الأدلة في اعتبار الشريعة الإسلامية للمصلحة، وقد اتفق العلماء على اعتبارها، قال القرافي

(6)

: "وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا وجمعوا وفرقوا بين

(1)

كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، برقم 2341. والحديث ضعيف؛ فقد جاء عند ابن ماجه وأحمد من طريق جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس، وجابر الجعفي ترك الأئمة حديثة، واتهمه بعضهم بالكذب، وجاء الحديث عند ابن ماجة وأحمد أيضًا من طريق إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت، وإسحاق لم يدرك عبادة بن الصامت. وقال ابن عبدالبر عن هذا الحديث: "إن هذا الحديث لا يستند من وجه صحيح" وقال ابن رجب: "وقال خالد بن سعد الأندلسي الحافظ: لم يصح حديث: «لا ضرر ولا ضرار» مسندا". انظر: تهذيب الكمال، للمزي 2/ 493، 4/ 465، ميزان الاعتدال، للذهبي 1/ 204، 380، تهذيب التهذيب، لابن حجر 1/ 256، التمهيد، لابن عبدالبر 20/ 158، جامع العلوم والحكم، لابن رجب 2/ 208.

(2)

انظر: التعيين في شرح الأربعين، للطوفي، ص 238.

(3)

انظر: المنخول، للغزالي، ص 457.

(4)

البرهان، للجويني 2/ 162.

(5)

انظر: أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي 2/ 43.

(6)

هو أحمد بن إدريس القرافي المالكي، كان إماماً في الفقه والأصول، من مصنفاته:"الفروق"، و"الذخيرة" في الفقه وهو من أجل كتب المالكية، توفي سنة 684 هـ. انظر: الديباج المذهب، لابن فرحون، ص 62. معجم المؤلفين، لعمر بن عبدالغني 1/ 158.

ص: 76

المسألتين لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا وفرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة

(1)

، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب"

(2)

، وقال أيضًا:"إن المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق"

(3)

، وقال الطوفي

(4)

: "أجمع العلماء، إلا من لا يعتد به من جامدي الظاهرية، على تعليل الأحكام بالمصالح ودرء المفاسد، وأشدهم في ذلك مالك حيث قال بالمصلحة المرسلة، وفي الحقيقة لم يختص بها، بل الجميع قائلون بها، غير أنه قال بها أكثر منهم"

(5)

.

وقد اشتهر عن الإمام الشافعي ومذهبه إنكار اعتبار المصلحة في التشريع، إلا أن المحققين في المذهب، بينوا أن الشافعي لا ينكر اعتبار المصلحة في التشريع، لكنه ينكر البعد فيها، والإفراط، واتباع الأهواء باسم المصلحة، وبينوا أنه لا وجه للخلاف في اعتبارها، قال الجويني: "وذهب الشافعي ومعظم أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهما إلى اعتماد الاستدلال

(6)

، وإن لم يستند إلى حكم متفق عليه في أصل، ولكنه لا يستجيز النأي والبعد

(1)

"المناسب عبارة عن وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودًا من شرع ذلك الحكم" الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي 3/ 270.

(2)

شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 394.

(3)

المرجع السابق، ص 446.

(4)

هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم، أبو الربيع، نجم الدين، الطوفي، حنبلي المذهب، عالم أصولي، ولد عام 657 هـ، وله عدة تصانيف، منها:"شرح مختصر الروضة"، و"التعيين في شرح الأربعين"، توفي عام 716 هـ. انظر: الأعلام، للزركلي 3/ 127 - 128، المصلحة في التشريع، لمصطفى زيد، ص 81 - 105.

(5)

التعيين في شرح الأربعين، للطوفي، ص 244.

(6)

وقد عرّف الجويني الاستدلال بأنه: "معنى مشعر بالحكم مناسب له فيما يقتضيه الفكر العقلي من غير وجدان أصل متفق عليه والتعليل المنصوب جار فيه". البرهان، للجويني 2/ 161.

ص: 77

والإفراط، وإنما يسوغ تعليق الأحكام بمصالح يراها شبيهة بالمصالح المعتبرة وفاقًا وبالمصالح المستندة إلى أحكام ثابتة الأصول قارة في الشريعة"

(1)

.

وقال الغزالي: "وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه للخلاف في اتباعها، بل يجب القطع بكونها حجة"

(2)

وقال الزركشي

(3)

: "فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك"

(4)

وفي ثنايا كتب المذاهب الفقهية الكثير من الفروع التي بنى علماء المذاهب فتاواهم على تحقيق المصلحة

(5)

.

وبعدما تبين ذلك، فلا ينبغي التردد في صحة الاستناد إلى المصلحة

(6)

، واعتبارها في التشريع، فإن المصلحة هي "أخصب الطرق التشريعية فيما لا نص فيه"

(7)

، وفيها المتسع للفقيه في تدبير أمور الأمة عند نوازلها، ونوائبها إذا التبست عليه المسالك

(8)

.

(1)

البرهان، للجويني 2/ 161.

(2)

المستصفى، للغزالي، ص 179.

(3)

هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي الشافعي، عنى بالفقه والأصول والحديث، جمع في الأصول كتابا سماه البحر في ثلاثة أسفار، وشرح علوم الحديث لابن الصلاح، وجمع الجوامع للسبكى، توفي سنة 794 هـ. انظر: طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 3/ 167، شذرات الذهب، لابن العماد 8/ 572.

(4)

البحر المحيط، للزركشي 7/ 275.

(5)

انظر: المصلحة في التشريع، لمصطفى زيد، ص 56 - 75، المصالح المرسلة وأثرها في المعاملات، لعبدالعزيز العمار، ص 138 - 152. فقد ذكرا كثيرًا من الأمثلة لفتاوى علماء المذاهب التي بُنيت على المصلحة.

(6)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 309.

(7)

مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، لعبدالوهاب خلاف، ص 85.

(8)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 315.

ص: 78

الفرع الرابع: ضوابط المصلحة

المصلحة هي أوسع الطرق، وهذا الاتساع فيها قد يغري أهل الأهواء بالدخول عن طريقها إلى تحقيق رغباتهم مستدلين بتحقيق المصلحة، منادين بها، لذلك لابد للمصلحة من ضوابط تضبطها، وقد ذكر العلماء ضوابط للمصلحة، وهي:

1 -

أن تكون المصلحة موافقة لمقصود الشارع، بأن تكون من جنس المصالح التي جاء بها، وليست غريبة عنها

(1)

.

2 -

أن ترجع إلى حفظ أمر ضروري، ورفع حرج لازم في الدين

(2)

، قال الغزالي:"أما الواقع من المناسبات في رتبة الضرورات أو الحاجات-كما فصلناها- فالذي نراه فيها: أنه يجوز الاستمساك بها، إن كان ملائمًا لتصرفات الشرع"

(3)

.

3 -

أن تكون مصلحة حقيقية لا مصلحة وهمية؛ فالوهمية هي التي يُتخيل فيها منفعة وهي عند التأمل مضرة، وذلك لخفاء الضرر فيها

(4)

.

4 -

عدم تفويتها مصلحة أهم منها، وذلك بالنظر لها من حيث قوتها، وبالنظر لها من حيث شمولها، فلا تقدم المصلحة الحاجية على المصلحة الضرورية، ولا تقدم المصلحة التحسينية على المصلحة الحاجية، ولا تقدم المصلحة الخاصة بأفراد على المصلحة المتعلقة بجماعات، ولا تقدم المصلحة المتعلقة بجماعات على المصلحة العامة لكل الأمة

(5)

،

(1)

انظر: الاعتصام، للشاطبي، ص 627، المصالح المرسلة وأثرها في المعاملات، لعبدالعزيز العمار، ص 119.

(2)

انظر: الاعتصام، للشاطبي، ص 632.

(3)

شفاء الغليل، للغزالي، ص 99.

(4)

انظر: علم أصول الفقه، لعبدالوهاب خلاف، ص 76، مقاصد الشريعة، لابن عاشور، ص 315.

(5)

انظر: ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 260 - 266.

ص: 79

قال ابن القيم: " وقاعدة الشرع والقدر تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما"

(1)

.

وقد ذكر بعض العلماء من ضوابط المصلحة ألا تعارض الشرع

(2)

، وقد سبق بيان أن ما يعارض الشرع لا يدخل في مفهوم المصلحة، فلا داعي لوضعه من الضوابط.

ولابد أن يضاف إلى هذه الضوابط أن يكون المقرر لهذه المصلحة هم العلماء، فالعلماء هم الذين يعرفون موافقة المصلحة لمقاصد الشارع، وهم الذين يميزون المصلحة الحقيقة من المصلحة الوهمية، ويدركون مآلات الأمور، وهم الذين يميزون بين المصالح فلا يقدمون المصلحة على مصلحة أهم منها، وهم أهل الذكر في معرفة المصالح الذين أمر الله بسؤالهم، قال الله تعالى:{فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

(3)

.

الفرع الخامس: المصلحة في الهندسة المالية الإسلامية

المصلحة في الهندسة المالية الإسلامية من حيث اعتبار الشارع لها، تعد من المصالح المرسلة التي لم يأمر الشرع بها، ولم يلغها، وهي ملائمة لمقصود الشارع، وقد دلت الأدلة على جنسها، ولم تنص عليها بخصوصها، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تطوير بعض العقود، كما في عقد السلم، وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم ابتكار الصكوك، وإن كان من ضمن المصالح التي تقوم بها الهندسة المالية الإسلامية مصالح معتبرة، كما تقوم بتطوير المعاملات التي تشتمل على الزيادة الربوية، بإلغاء هذه الزيادة، وهذه من المصالح التي اعتبرها الشارع، لكن الكلام عن الهندسة المالية الإسلامية من حيث العموم من حيث هي ابتكار وتطوير لمنتجات مالية.

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 217.

(2)

انظر: علم أصول الفقه، لعبدالوهاب خلاف، ص 76.

(3)

سورة النحل، الآية 43.

ص: 80

ومصلحة الهندسة المالية الإسلامية من حيث قوتها تعد من المصالح الحاجية التي يقع على الناس حرج وضيق في عدم وجودها، ولكنها لا تصل إلى قوة المصالح الضرورية التي تؤدي إلى هلاكهم واضمحلالهم بعدم وجودها، فالناس تسير أمورهم على العقود القديمة، لكن يقع عليهم مشقة وحرج في ظل هذه التطورات التي يشهدها العالم، ووجود الكثير من العقود المستحدثة من الغرب، والتي لا توافق الشريعة الإسلامية، وهم يريدون المتاجرة بأموالهم، فالهندسة المالية ترفع عنهم الحرج، بما تقوم به من تطوير للعقود القديمة، وما تقوم به من تطوير للعقود المستحدثة من الغرب كي توافق الشريعة الإسلامية، وبذلك تحقق لهم المتاجرة وفق الضوابط الشرعية.

ومصلحة الهندسة المالية الإسلامية من حيث الشمول تعد من المصالح العامة التي يحتاجها عامة الناس، فالمصارف والمؤسسات المالية في كل بلد، والناس يتعاملون معها، وهم بحاجة إلى الأدوات، والآليات الجديدة التي تجمع لهم بين المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية.

ومصلحة الهندسة المالية الإسلامية لا تخالف الضوابط التي وضعها العلماء للمصلحة، فهي متوافقة مع مقصود الشارع بحيث ترفع حرجًا لازمًا في الدين من الجانب الاقتصادي، وهي من المصالح الحقيقية، وليست من المصالح المتوهمة، ولا يوجد فيها تفويت مصالح أهم منها، بل في تطبيقها تحقيق لأهم المصالح في الجانب الاقتصادي، كتقوية اقتصاد الأمة، ومنافسة الاقتصاد الرأسمالي، وإبراز محاسن الدين الإسلامي في الجانب الاقتصادي، وتوفير منتجات خالية من المخالفات الشرعية، وتوفير تمويل حقيقي ومستمر مما يقلل المخاطر التي يقع فيها الناس، وغيرها كثير.

وعلى هذا فلا ينبغي التردد في قبول الهندسة المالية الإسلامية؛ لما تحققه من مصلحة للناس في حياتهم الدنيا، ومعادهم الأخروي، متلائمة مع مقاصد الشريعة، غير منافية لها.

ص: 81

‌المطلب الثاني: رفع الحرج والتيسير في الهندسة المالية الإسلامية

من الأصول التي بنيت عليها الشريعة رفع الحرج عن المكلفين

(1)

، فالشارع لم يكلف عباده بالشاق ولم يعنتهم في التكليف

(2)

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ}

(3)

، وعند التأمل في القواعد الخمس الكبرى التي عليها مدار الفقه الإسلامي نجد أنها كلها تندرج تحت أصل رفع الحرج؛ فلا عمل دون نية، ولو لم يتم اعتبار هذه النية لوقع الناس في حرج، فإعمال قاعدة"الأمور بمقاصدها" يرفع ذلك الحرج، وفي إعمال قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" ثبات لحياة الناس بثبات اليقين، ولو زال اليقين بالشك لما استقرت حياتهم، ولوقعوا في حرج؛ لعدم ثبات الشكوك، وكثرتها، وفي إعمال قاعدة:"العادة محكمة" مرجع يتحاكم الناس إليه في معاملاتهم، ولولا إعمالها لطالت خصوماتهم، ولوقعوا في الحرج، وفي إعمال قاعدة"المشقة تجلب التيسير" رفع لحرج المشقة غير المعتادة، وكذلك في إعمال قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" حماية لحياة الناس من الضرر الذي يوقعهم في الحرج، قال ابن العربي

(4)

: "ولو ذهبت إلى تعديد نعم الله في رفع الحرج لطال المرام"

(5)

، فرفع الحرج"من أعظم مقاصد التشريع"

(6)

.

(1)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 192، حجة الله البالغة، للدهلوي 1/ 310.

(2)

انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 22/ 284.

(3)

سورة البقرة، الآية 220.

(4)

هو محمد بن عبدالله، ابن العربي الأندلسي، الإشبيلي، المالكي، ولد سنة 468 هـ، من مصنفاته:"عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي"، و"أحكام القرآن"، توفي سنة 543 هـ. انظر: الديباج المذهب، لابن فرحون، ص 281. سير أعلام النبلاء، للذهبي 20/ 198.

(5)

أحكام القرآن، لابن العربي 3/ 309.

(6)

تيسير علم أصول الفقه، لعبدالله الجديع، ص 48.

ص: 82

الفرع الأول: تعريف رفع الحرج

رفع الحرج يتكون من كلمتين (رفع) و (الحرج)، ولابد من تعريف كل كلمة على حدة حتى نتوصل عن طريق تعريفهما إلى تعريف رفع الحرج مركبًا.

فالرفع في اللغة يطلق على خلاف الوضع، فالراء والفاء والعين أصل واحد، يدل على خلاف الوضع

(1)

، ومن معاني الرفع الإزالة، فرفع الشيء إذا أزيل عن موضعه

(2)

، ومعنى الإزالة هو المقصود هنا.

والرفع في الاصطلاح لا يخرج عن المعنى اللغوي فهو بمعنى الإزالة

(3)

.

أما الحرج في اللغة: فيدل على الضيق

(4)

، فالحاء والراء والجيم أصل واحد يدل على تجمع الشيء وضيقه

(5)

.

وأما في الاصطلاح فلم أجد للحرج تعريفًا عند العلماء المتقدمين مما يدل على أنهم يكتفون بمعناه اللغوي، وقد وجدت للمعاصرين من العلماء عدة تعريفات للحرج في الاصطلاح، منها:

تعريف الدكتور يعقوب الباحسين: "ما أوقع على العبد مشقة زائدة عن المعتاد، على بدنه أو على نفسه، أو عليهما معًا في الدنيا والآخرة، أو فيهما معًا، حالًا أو مآلًا، غير معارض بما هو أشد منه، أو بما يتعلق به حق للغير مساو له أو أكثر منه"

(6)

.

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 423.

(2)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 8/ 87.

(3)

انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 25.

(4)

انظر: الصحاح، للفارابي 1/ 305، لسان العرب، لابن منظور 2/ 234.

(5)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 50.

(6)

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 38.

ص: 83

ومنها تعريف الدكتور صالح بن حميد: " كل ما أدى إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حالًا أو مآلًا"

(1)

.

ومنها تعريف الدكتور عثمان شبير: "ما فيه مشقة فوق المعتاد"

(2)

.

ويؤخذ على تعريف الباحسين أنه أطال التعريف بذكر عدد مواقع وجود الحرج، ووقته، مع إمكانه الاختصار، فالحرج عام لكل مشقة زائدة مهما كان موقعها بالنسبة للشخص أو زمان وقوعها إذا كان يلحقه ضيق منها.

وتعريف ابن حميد قريب من تعريف الباحسين، وأضاف المال في مواقع وجود الحرج، والحرج أعم كما سبق بيانه.

وتعريف شبير أقرب تعريف للحرج فالمشقة فوق المعتاد هي الحرج الذي يحتاج إلى رفع، مهما كان موقعها أو زمان وقوعها.

وبعدما تمت معرفة معنى الرفع، ومعنى الحرج منفردين، نبين تعريفهما مركبين.

فرفع الحرج عرفه الدكتور يعقوب الباحسين بأنه: "منع وقوع أو بقاء الحرج على العباد بمنع حصوله ابتداءً، أو بتخفيفه، أو تداركه بعد تحقق أسبابه"

(3)

.

وهذا التعريف يلزم منه الدور، ولكي يخرج الدكتور الباحسين من هذا الدور أشار في الحاشية إلى الرجوع إلى معنى الحرج الذي قرره سابقًا، وفي إضافة معنى الحرج إلى هذا التعريف يصبح تعريف رفع الحرج: "منع وقوع أو بقاء ما أوقع على العبد مشقة زائدة عن المعتاد، على بدنه أو على نفسه، أو عليهما معًا في الدنيا والآخرة، أو فيهما معًا، حالًا أو مآلًا،

(1)

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، لصالح بن حميد، ص 47.

(2)

القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، لعثمان شبير، ص 188.

(3)

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 48.

ص: 84

غير معارض بما هو أشد منه، أو بما يتعلق به حق للغير مساو له أو أكثر منه على العباد بمنع حصوله ابتداءً، أو بتخفيفه، أو تداركه بعد تحقق أسبابه".

وهذا التعريف طويل، ومن شروط الحد (التعريف):"أن يوجز الحادُّ في الحدِّ على حسب الاستطاعة"

(1)

، قال الغزالي حين كلامه عن شروط الحد:"واجتهد في الإيجاز ما قدرت"

(2)

، فضلًا عن المآخذ على تعريف الحرج، وأيضًا زيادة "بمنع حصوله ابتداءً، أو بتخفيفه، أو تداركه بعد تحقق أسبابه" لا حاجة لذكرها في التعريف؛ لأن منع وقوع الحرج يشمل منع حصوله ابتداءً أو يخففه قبل الوقوع، ومنع بقاء الحرج يشمل تداركه بعد تحقق أسبابه أو يخففه.

وبعد ذلك يمكن تعريف رفع الحرج بأنه: منع وقوع أو بقاء المشقة الزائدة عن المعتاد.

الفرع الثاني: الأدلة على رفع الحرج.

الأدلة على رفع الحرج في الشريعة الإسلامية كثيرة، ومنها:

الدليل الأول: الآيات القرآنية الدالة على رفع الحرج، والتيسير، والتخفيف، ونفي التكليف بما ليس في الوسع؛ كقول الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

(3)

.

وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

(4)

.

وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ

(1)

المهذب، لعبدالكريم النملة 1/ 86.

(2)

المستصفى، للغزالي، ص 14.

(3)

سورة الحج، الآية 78.

(4)

سورة المائدة، الآية 6.

ص: 85

الْعُسْرَ}

(1)

.

وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}

(2)

.

وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(3)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن هذه الآيات تدل على أن الله نفى الحرج عن الدين، ولم يُرد الله ليجعل على عباده من حرج، وأنه يريد اليسر بعباده، ويريد أن يخفف عنهم، ولا يكلفهم إلا ما في وسعهم، وقد تضمنت الآيات أن جميع ما كلفهم به أمرًا أونهيًا فهم مطيقون له قادرون عليه، وأن الله لم يكلفهم ما لا يطيقون، وأنهم في سعة ومنحة من تكاليفه، لا في ضيق وحرج ومشقة؛ فإن الوسع يقتضي أن ما كلفهم به مقدور لهم من غير عسر لهم ولا ضيق ولا حرج

(4)

، "وذلك عام مطرد؛ لأن الله عز وجل لم يشرع حكمًا إلا وأوسع الطريق إليه، ويسره حتى لم يبق من دونه حرج ولا عسر"

(5)

، والآيات التي تدل على رفع الحرج أكثر من أن تحصر، قال الشاطبي:"النصوص على رفع الحرج فيه -أي القرآن-كافية"

(6)

.

الدليل الثاني: الأحاديث النبوية الكثيرة الدالة على التيسير والسماحة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» رواه البخاري

(7)

.

(1)

سورة البقرة، الآية 185.

(2)

سورة النساء، الآية 28.

(3)

سورة البقرة، الآية 286.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 14/ 137 - 138.

(5)

الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية، للطوفي 2/ 104.

(6)

الموافقات، للشاطبي 4/ 350.

(7)

رواه البخاري معلقًا في كتاب الإيمان، باب الدين يسر.

ص: 86

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» رواه البخاري

(1)

.

وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:«مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الأحاديث: في هذه الأحاديث بيان أن دين الله يسر، وأن أحب الدين إلى الله الحنيفة السمحة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما مالم يكن إثمًا، والحرج يناقض اليسر، ويناقض الحنيفية السمحة، فإذا كان مناقضًا لهما فهو مناقض للدين، ومناقض لما يحبه الله، والله لا يأمر به، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يختاره، وهو من أبعد الناس عنه، و"كل أوامره يراعي فيها التوسيع على الأمة، وعدم المشقة، لا يحب لهم المشقة أبدًا، ويحب لهم دائمًا التيسير عليهم، ولذلك جاءت شريعته سمحة سهلة"

(3)

.

الدليل الثالث: الأحاديث التي تدل على بعد النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يشق على أمته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ» . متفق عليه

(4)

.

(1)

كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم 39.

(2)

رواه البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3560، ومسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح، أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، برقم 2327.

(3)

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، لصالح الفوزان 1/ 312.

(4)

رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، برقم 36، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم 1876.

ص: 87

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» . متفق عليه

(1)

.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال:«إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» . متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمر بهذه الأمور مع ما فيها من الفضل لكي لا يشق على أمته، وفي هذا "دليل على أن الحرج والمشقة مرفوعان عن هذه الأمة"

(3)

.

الدليل الرابع: الأحاديث النبوية التي تدل على نهي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابة عن التشدد والتعمق، وأمرهم بأن يكلفوا من الأعمال ما يطيقون، كما جاء عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال:"جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما يطيل بنا فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ» "متفق عليه

(4)

.

(1)

رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم 887، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم 252.

(2)

رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب النوم قبل العشاء لمن غلب، برقم 569، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 638.

(3)

فتح الباري، لابن رجب 5/ 375.

(4)

رواه البخاري، كتاب الآذان، باب من شكا إمامه إذا طول، برقم 704، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 466.

ص: 88

وعن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قالها ثلاثا. رواه مسلم

(1)

.

وعن عائشة، رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ» . متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الأحاديث: هذه الأحاديث وغيرها كثير في نفس معناها تدل على سير النبي صلى الله عليه وسلم على طريق اليسر، وتمسكه بالحنيفية السمحة، ونهيه أصحابة عن التنطع والتكلف الذي يسبب لهم الحرج في الدين، والضيق من أحكامه، وألا يوقع بعضهم بعضًا في الحرج والضيق خاصة إذا كان متوليًا أمرًا من أمورهم كإمامة الصلاة.

الدليل الخامس: الرخص الشرعية كلها أدلة على أن الحرج مرفوع عن هذه الأمة، "كرخص القصر، والفطر، والجمع، وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا نمط يدل قطعا على مطلق رفع الحرج والمشقة"

(3)

الدليل السادس: أن العقل السليم مفطور على عدم التناقض، فلو كان الشارع قاصدًا للمشقة والحرج لما كان مريدًا لليسر والتخفيف، وذلك باطل عقلًا

(4)

.

(1)

كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، برقم 2670.

(2)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب الجلوس على الحصير ونحوه، برقم 5861، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، برقم 782.

(3)

الموافقات، للشاطبي 2/ 212.

(4)

الموافقات، للشاطبي 2/ 212، القواعد الكلية والضوابط الفقهية، لعثمان شبير، ص 195.

ص: 89

الدليل السابع: إجماع علماء المسلمين منذ عهد الصحابة إلى يوم الناس هذا على أن الحرج مرفوع عن هذه الأمة، ولم يعلم في ذلك مخالف

(1)

.

هذه بعض الأدلة على رفع الحرج، وإلا فالأدلة على رفعه عن هذه الأمة كثيرة، قال الشاطبي:"إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع"

(2)

.

الفرع الثالث: رفع الحرج في الهندسة المالية الإسلامية.

الهندسة المالية الإسلامية ترفع الحرج عن الأمة في أمور كثيرة، منها:

1 -

أن أكثر المعاملات المالية الموجودة فيها مخالفات شرعية، وفي ذلك حرج على المسلمين في التعامل بها، والهندسة المالية الإسلامية ترفع هذا الحرج بتطوير هذا المعاملات المالية بما يتوافق مع الشرع الحنيف.

2 -

أن المجتمعات في تطور كما هي سنة الحياة، والمعاملات القديمة لا تفي بحاجات الناس وفق هذا التطور المتزايد، ويجد الناس حرجًا في عدم تلبية هذه المعاملات لحاجاتهم، وفي الهندسة المالية الإسلامية رفع لهذا الحرج بتطوير هذا المعاملات مع المحافظة على مصداقيتها الشرعية.

3 -

أن النظام السائد في عالم اليوم هو النظام الرأسمالي، وهو نظام لا يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وفي تغلب هذا النظام حرج على المصارف الإسلامية في تعاملها معه، وحرج على المسلمين في تأخر نظامهم الاقتصادي وعدم منافسته لهذا النظام الغربي، وفي الهندسة المالية الإسلامية منافسة لهذه النظام الرأسمالي، وفك لقيد التبعية للغرب، وفرض للنظام الاقتصادي الإسلامي بإذن الله.

(1)

انظر: رفع الحرج، ليعقوب الباحسين، ص 68، القواعد الكلية والضوابط الفقهية، لعثمان شبير، ص 195.

(2)

الموافقات، للشاطبي 1/ 520.

ص: 90

4 -

في حالة عدم توفر المعاملات المالية الإسلامية يبتعد كثير من المسلمين عن المتاجرة بأموالهم، وفي ذلك حرج عليهم، وفي الهندسة المالية الإسلامية توفير المعاملات الإسلامية التي تمكنهم من المتاجرة بأموالهم دون مخالفة للشرع.

5 -

أن الهندسة المالية الإسلامية توفر مصارف إسلامية تلبي حاجات الناس، وفقًا للشريعة الإسلامية، وفي ذلك رفع للحرج الذي يصيب المسلمين بتعاملهم مع البنوك التقليدية.

6 -

أن الهندسة المالية الإسلامية تفتح للمصارف الإسلامية آفاق المنافسة وتحقيق أهدافها وفق الأطر الشرعية، وتكسبها صفة المصداقية.

7 -

أن الهندسة المالية الإسلامية هي العلاج المناسب للأزمات المالية التي يشهدها العالم، ولا يخفى ما تسببه هذه الأزمات من حرج على مستوى الدول والأفراد.

8 -

أن الهندسة المالية الإسلامية ترفع الحرج عن المستثمرين بتقليل المخاطر التي يواجهونها.

وعلى هذا فينبغي قبول الهندسة المالية الإسلامية وتطبيقها، وتطويرها؛ لما تحققه من رفع للحرج عن الناس، والتيسير عليهم بما تقدمهم لهم من نظام اقتصادي إسلامي، لا يتبع النظم الغربية، ويجمع لهم بين المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية.

ص: 91

‌المبحث الرابع:

المستندات الشرعية للهندسة المالية الإسلامية من القواعد الفقهية.

للقواعد الفقهية أهمية كبرى في ضبط الفقه، وجمع منثور المسائل في سلك واحد، وتُطلع الفقيه على ما غاب عنه من مآخذ الفقه، وتُقرب عليه كل متباعد

(1)

، فهي"عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف"

(2)

، يقول ابن نجيم

(3)

عن قواعد الفقه: "هي أصول الفقه في الحقيقة، وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد"

(4)

، ويقول السبكي

(5)

: " حق على طالب التحقيق ومن يتشوق إلى المقام الأعلى في التصور والتصديق أن يحكم قواعد الأحكام ليرجع إليها عند الغموض، وينهض بعبء الاجتهاد أتم نهوض"

(6)

.

(1)

انظر: القواعد، لابن رجب، ص 3.

(2)

الفروق، للقرافي 1/ 3.

(3)

هو زين الدين بن إبراهيم بن محمد، الشهير بابن نجيم، فقيه حنفي، ولد سنة 926 هـ، كان على خلق عظيم مع جيرانه، وغلمانه، له تصانيف، منها:"الأشباه والنظائر"، و"البحر الرائق في شرح كنز الدقائق"، توفي سنة 970 هـ. انظر: الأعلام، للزركلي 3/ 64، كشف الظنون، لحاجي خليفة 1/ 81، 2/ 1516.

(4)

الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 14.

(5)

هو عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي بن علي السبكي، فقيه شافعي، ولد سنة 727 هـ، تولى منصب قاضي القضاة، وامتحن فصبر، له مؤلفات نافعة، منها:"جمع الجوامع"، و"وطبقات الشافعية الكبرى"، و"الأشباه والنظائر"، توفي سنة 771 هـ. انظر: طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 3/ 104، مقدمة الأشباه والنظائر، للسبكي 1/ 6.

(6)

الأشباه والنظائر، للسبكي 1/ 10.

ص: 92

ومن القواعد الفقهية التي تندرج تحتها الهندسة المالية الإسلامية، قاعدة الأصل في العقود الصحة إلا ما دل الدليل على منعه، وقاعدة الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على منعه؛ لأن من الأنشطة التي تقوم بها الهندسة المالية الإسلامية ابتكارَ عقود جديدة، أو تعديلاً وتطويرًا لعقود قديمة، أو عقود مستوردة، ومن التطوير إضافة بعض الشروط على هذه العقود، وفي المطلبين التاليين بيان حكم هاتين القاعدتين، ومدى صحة الاستناد عليهما.

‌المطلب الأول: الأصل في العقود الصحة إلا ما دل الدليل على منعه

اختلف العلماء في الأصل في العقود، هل هو الصحة إلا ما دل الدليل على منعه، أو الفساد إلا ما دل الدليل على صحته؟، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: الأصل في العقود الصحة إلا ما دل الدليل على منعه. وهو قول أكثر الحنفية

(1)

، ومذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، بل حكي عليه الإجماع

(5)

.

القول الثاني: الأصل في العقود الفساد إلا ما دل الدليل على صحته. وهو قول الظاهرية

(6)

.

(1)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 87، فتح القدير، لابن الهمام 7/ 3، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 57.

(2)

انظر: الذخيرة، للقرافي 1/ 155، المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 61.

(3)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 3، الحاوي الكبير، للماوردي 5/ 3.

(4)

انظر: كشاف القناع، للبهوتي 3/ 299، القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 261.

(5)

قال ابن رجب: "واستقر أن الأصل في الأشياء الإباحة بأدلة الشرع. وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك" جامع العلوم والحكم 2/ 166.

(6)

انظر: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 2.

ص: 93

القول الثالث: لا يحكم على العقد بصحة ولا فساد إلا بدليل من الشرع. وهو قول تقي الدين السبكي

(1)

من الشافعية

(2)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: الآيات التي فيها الأمر بوفاء العقود والعهود، كقول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(3)

، وقوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا}

(4)

، وقوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}

(5)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن الآيات جاءت بالأمر بالوفاء بالعقود والعهود، وهذا يشمل كل العقود والعهود التي تخلو من المخالفات الشرعية، فدل على أن الأصل في العقود الصحة إلا ما دل الدليل على منعه، قال ابن تيمية:"وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأمورًا به: علم أن الأصل صحة العقود والشروط؛ إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده، ومقصود العقد: هو الوفاء به، فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العهود دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة"

(6)

.

(1)

هو تقي الدين علي بن عبدالكافي بن علي بن تمام السبكي، فقيه شافعي، ولد سنة 683 هـ، تولى قضاء الشام، ومن مؤلفاته:" الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم"، و"السيف المسلول على من سب الرسول"، و"الابتهاج شرح المنهاج"، توفي سنة 756 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 10/ 139، طبقات المفسرين، للأدنوي، ص 285.

(2)

انظر: الأشباه والنظائر، للسبكي 1/ 253.

(3)

سورة المائدة، الآية 1.

(4)

سورة الإسراء، الآية 34.

(5)

سورة النحل، الآية 91.

(6)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 146.

ص: 94

نوقش: بأن هذه النصوص ليست على عمومها، بل هي مخصوصة في العقود والعهود التي جاء في الكتاب والسنة الإلزام بها

(1)

.

أجيب: بأنه لا وجه لهذا التخصيص؛ لإنه يبطل دلالة العموم دون دليل

(2)

.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(3)

.

وجه الدلالة من الآية: أن لفظ البيع لفظ عام يتناول كل بيع، ويقتضي إباحة جميعها، إلا ما خصه الدليل، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيوع كانوا يعتادونها، ولم يبين الجائز، فدل على أن الآية الكريمة تناولت إباحة جميع البيوع إلا ما خص منها

(4)

، قال ابن رشد

(5)

: "يندرج تحت قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} كل بيع، إلا ما خص منه بالدليل، وقد خص منه بأدلة الشرع بيوع كثيرة؛ فبقي ما عداها على أصل الإباحة، ولذلك قلنا في البيوع الجائزة: إنها جائزة، ما لم يحظرها الشرع، ولا ورد فيها النهي"

(6)

.

الدليل الثالث: قول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}

(7)

.

(1)

انظر: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 14 - 15.

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 262.

(3)

سورة البقرة، الآية 275.

(4)

انظر: المجموع، للنووي 9/ 146.

(5)

هو أبوالوليد، محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، من كبار فقهاء المالكية، كان مقدمًا في الفقه على جميع أهل عصره، عارفًا بالفتوى، معترفًا له بصحة النظر، وجودة التأليف، ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم. ومن تصانيفه:"المقدمات الممهدات"، و"البيان والتحصيل"، توفي سنة 520 هـ. انظر: الديباج المذهب، لابن فرحون 278. سير أعلام النبلاء، للذهبي 19/ 501.

(6)

المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 62.

(7)

سورة الأنعام، الآية 119.

ص: 95

وجه الدلالة من الآية: أن الله فصل لنا ما حرم علينا، فكل ما لم يفصل تحريمه فلا يجوز تحريمه، وكما أنه لا يجوز إباحة ما حرمه الله، فكذلك لا يجوز تحريم ما عفا عنه ولم يحرمه

(1)

.

الدليل الرابع: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية: أن لفظ التجارة في الآية عام يشمل إباحة سائر التجارات

(3)

، و"الأصل المقطوع به فيها اتباع تراضي الملاك"

(4)

، وإذا كان كذلك فإذا تراضى المتعاقدان بتجارة، ثبت حلها بدلالة القرآن، إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله؛ كالتجارة في الخمر ونحو ذلك

(5)

.

الدليل الخامس: الآيات التي فيها حصر المحرمات؛ كقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}

(6)

.

وقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ

(1)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 262.

(2)

سورة النساء، الآية 29.

(3)

انظر: أحكام القرآن، للجصاص 3/ 131، أحكام القرآن، للكيا الهراسي 2/ 438.

(4)

غياث الأمم في الثياث الظلم، للجويني، ص 494.

(5)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 155.

(6)

سورة الأنعام، الآية 145.

ص: 96

وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 151}

(1)

.

وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ 33}

(2)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن في حصر الآيات للمحرمات دليلاً على أن ما عداها على الإباحة، "فما لا يعلم فيه تحريم يجري على حكم الحل؛ والسبب فيه أنه لا يثبت لله حكم على المكلفين غير مستند إلى دليل"

(3)

.

الدليل السادس: عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» متفق عليه

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين في الحديث عظم جرم من يسأل عن شيء فيحرم بسبب مسألته، وفي ذلك دلالة على أن الأصل في الأشياء الحل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد المحافظة على هذا الأصل، فنهى أصحابة عن السؤال، قال ابن حجر:" وفي الحديث بيان أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك"

(5)

.

الدليل السابع: إن الاستقراء دل على أن الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني، والشريعة جاءت لمصالح العباد

(6)

، ومن مصالحهم أن يتبايعوا كيف شاؤا، مالم تحرمه

(1)

سورة النعام، الآية 151.

(2)

سورة الأعراف، الآية 33.

(3)

غياث الأمم في الثياث الظلم، للجويني، ص 490.

(4)

رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، برقم 7289، ومسلم، كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع، ونحو ذلك، برقم 2358.

(5)

فتح الباري، لابن حجر 13/ 269.

(6)

انظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 520.

ص: 97

الشريعة، قال ابن تيمية:" فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة، فحرمت منها ما فيه فساد، وأوجبت ما لا بد منه، وكرهت ما لا ينبغي، واستحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها، وإذا كان كذلك: فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف شاءوا، ما لم تحرم الشريعة"

(1)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: الآيات التي تدل على اكتمال الدين، وتنهى عن تعدّي حدود الله؛ كقول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

(2)

، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(3)

، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}

(4)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن الله عز وجل بيّن في الآيات اكتمال الدين، وبيّن الوعيد لمن يتعدى حدود الله، "والعقود التي لم تشرع تعدٍّ لحدود الله وزيادة في الدين"

(5)

.

نوقش: بأن من كمال الدين أن الله بين فيه"شريعة تتناول حياة الإنسان من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها، وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان"

(6)

، ومن الأمور التي تتطور في هذه الحياة العقود التي يتعامل بها الناس، ومن القواعد الأساسية التي بينها الدين، قاعدة الأصل صحة العقود التي يتعامل بها الناس مالم يدل الدليل على منعها

(7)

، "وتعدي حدود الله هو تحريم ما

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 18.

(2)

سورة المائدة، الآية 3.

(3)

سورة البقرة، الآية 229.

(4)

سورة النساء، الآية 14.

(5)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 4/ 79.

(6)

انظر: في ظلال القرآن، لسيد قطب 2/ 842 - 843.

(7)

انظر: القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية، لعبدالسلام الحصين 2/ 161.

ص: 98

أحله الله، أو إباحة ما حرمه، أو إسقاط ما أوجبه، لا إباحة ما سكت عنه، وعفا عنه، بل تحريمه هو نفس تعدي حدوده"

(1)

.

الدليل الثاني: عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: في الحديث بيان"بطلان كل عقد عقده الإنسان والتزمه إلا ما صح أن يكون عقدًا جاء النص أو الإجماع بإلزامه باسمه أو بإباحة التزامه بعينه"

(3)

؛ وذلك أن ما لم يأت به النص أو الإجماع فليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مردود على صاحبه.

يناقش: بأن الحديث يدل على رد العقود المخالفة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لمخالفتها أمره، أما العقود التي لم ينه عنها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتطرق لها الحديث، فلا يصح الاحتجاج بهذا الحديث على ما أراد، بل إن في الحديث حجة لأصحاب القول الأول؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرُد من العقود إلا العقود المخالفة لأمره، مما يدل على قبول ما عداها من العقود، وأن أصلها الجواز.

دليل القول الثالث: أن الصحة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، وكذلك الفساد حكم شرعي يحتاج إلى دليل، فلا نقول عنه عقد صحيح أو عقد فاسد، "بل نقول: باق على حكم الأصل"

(4)

.

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 262.

(2)

رواه البخاري معلقًا في كتاب البيع، باب النجش، وموصولًا بلفظ:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد» ، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، باللفظين، برقم 1718.

(3)

الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 32.

(4)

الأشباه والنظائر، للسبكي 1/ 253.

ص: 99

يناقش: بأن أصحاب القول الأول يرون أن الأدلة دلت على أن الأصل في العقود الصحة، إلا ما دل الدليل على فساده، وكذلك أصحاب القول الثاني يرون أن الأدلة دلت على أن الأصل في العقود الفساد إلا ما دل الدليل على صحته، وأيضًا ما الأصل الذي بقيت عليه العقود؟ أليس هذا الأصل حكم شرعي يحتاج إلى دليل؟

وقد اختار السبكي تقوية "قول مدعي الصحة إذا تعارضا، وليس مع أحدهما مرجح"

(1)

، وفي ذلك دلالة على أن مدعي الصحة معه الأصل، وأن الأصل في العقود الصحة.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول، القائل بصحة العقود إلا ما دل الدليل على فساده؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة القولين الآخرين أمام المناقشة التي وردت عليها، وأن القول بفساد العقود إلا ما دل الدليل على صحته يجعل الناس"مقيدين بعدد العقود التي تذكرها الكتب، ووردت بها الآثار، ودلت عليها المصادر الشرعية، والأدلة الفقهية، فما لم يقم عليه الدليل فهو ممنوع، والوفاء به غير لازم؛ لأنه لا التزام إلا بما ألزم به الشرع، فما لم يرد دليل على وجوب الوفاء فلا وفاء، فليس للناس إذن على هذا القول أن يعقدوا ما شاءوا من العقود، إلا إذا وجد من الأدلة الفقهية ما يدل عليه، ويوجب الوفاء به"

(2)

؛ وفي ذلك حرج لا ترضاه الشريعة التي بنيت على تحقيق مصالح الناس، ورفع الحرج عنهم.

وعلى هذا الأصل فالعقود التي تبتكرها الهندسة المالية الإسلامية جائزة، ولا يمنع منها إلا ما اشتمل على محظور شرعي.

(1)

المرجع السابق 1/ 255.

(2)

الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، لمحمد أبو زهرة، ص 259.

ص: 100

‌المطلب الثاني: الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على منعه

في قاعدة "هل الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على منعه؟ " حصل اضطراب عند بعض الباحثين في نسبة الأقوال إلى المذاهب، فبعضهم نسب القول بأن الأصل في الشروط الصحة إلى المذاهب الأربعة

(1)

، وبعضهم على العكس نسب القول لهم بالمنع

(2)

، وبعضهم نسب القول بالمنع إلى الحنفية والمالكية والشافعية، والحنابلة بالصحة

(3)

، وبعضهم أضاف مع الحنابلة المالكية فنسب لهم القول بالصحة

(4)

، والسبب في ذلك عدة أمور، وهي:

الأمر الأول: أن المذاهب الفقهية لم يبينوا الأصل في الشروط عندهم، إنما كان ذلك عن طريق تخريج بعض الباحثين حكم أصل الشروط عند المذاهب من فروعهم الفقهية في الشروط

(5)

، وإذا كان الأمر كذلك فإن احتمالات الخطأ في تخريج الأصول أمر ممكن، ولا يمكن القطع بنسبة هذا الأصل إلى المذهب، لاسيما إذا كانت مبنية على فروع جزئية محدودة، أو استقراء جزئي، وهذا ما جعل بعض العلماء ينكر مثل هذه التخريجات

(6)

.

(1)

انظر: مبدأ الرضا في العقود، للقره داغي 2/ 1188.

(2)

انظر: ضوابط العقود، للبعلي، ص 297، الشرط الجزائي وأثره في العقود، لليمني، ص 121.

(3)

انظر: نظرية الشرط، للشاذلي، ص 337، ابن حنبل حياته وعصره، لمحمد أبو زهرة، ص 260.

(4)

انظر: الشروط التعويضية في المعاملات المالية، للعنزي 1/ 61.

(5)

انظر: الشرط الجزائي وأثره في العقود المعاصرة، لليمني، ص 121.

(6)

انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين، ليعقوب الباحسين، ص 40.

ص: 101

الأمر الثاني: أن أول من تكلم عن الأصل في الشروط هو ابن حزم

(1)

وتبعه ابن تيمية ثم ابن القيم، وقد اختلفوا أيضًا في نسبة الأقوال إلى المذاهب، فابن حزم وهو يناقش أدلة المخالفين له الذين قالوا بصحة العقود والشروط، قال:"فوجدناهم لا حجة لهم فيه أول ذلك الحنفيين والمالكيين المخالفين لنا"

(2)

، وبعدما ناقش أدلة صحة الشروط، قال:" والعجب كله من احتجاج الحنفيين والمالكيين بهذه الأخبار"

(3)

. وهذا يدل على أن الحنفية والمالكية يقولون بأن الأصل في الشروط الصحة. وابن تيمية يقول: "الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك: الحظر، إلا ما ورد الشرع بإجازته، فهذا قول أهل الظاهر، وكثير من أصول أبي حنيفة تنبني على هذا، وكثير من أصول الشافعي، وأصول طائفة من أصحاب مالك وأحمد"

(4)

. وهذا الكلام من ابن تيمية يخالف ما قاله ابن حزم في نسبة قول الجواز إلى الحنفيين والمالكيين. وابن القيم وهو يعدد الأخطاء التي وقع فيها الظاهرية قال: "الخطأ الرابع لهم: اعتقادهم أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلها على البطلان حتى يقوم دليل على الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة شرط أو عقد أو معاملة استصحبوا بطلانه، فأفسدوا بذلك كثيرًا من معاملات الناس

(1)

هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد سنة 384 هـ، كانت لابن حزم الوزارة وتدبير المملكة، فانصرف عنها إلى التأليف والعلم، كان حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة على طريقة أهل الظاهر، بعيدا عن المصانعة حتى شبه لسانه بسيف الحجاج، من مصنفاته:"الإحكام في أصول الأحكام"، و "المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار"، طارده الملوك حتى توفي مبعدا عن بلده سنة 456 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 18/ 184، البداية والنهاية، لابن كثير 15/ 795.

(2)

الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 19.

(3)

الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 24.

(4)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 126 - 127.

ص: 102

وعقودهم وشروطهم بلا برهان من الله بناءً على هذا الأصل، وجمهور الفقهاء على خلافه"

(1)

. وهذا القول من ابن القيم يخالف قول شيخه ابن تيمية؛ حيث نسب القول بالصحة إلى جمهور الفقهاء خلافًا للظاهرية، وابن تيمية نسب القول بالمنع إلى كثير من أصول الأئمة، وهذا الخلاف بين هؤلاء الأئمة سبب اضطرابًا لمن بعدهم في نسبة الأقوال إلى المذاهب، خاصةً فيمن يكتفي بالنقل عن هؤلاء الأئمة في نسبة الأقوال للمذاهب.

الأمر الثالث: أن العقود والشروط بنفس المعنى، قال ابن حزم"العقود والعهود والأوعاد شروط واسم الشرط يقع على جميع ذلك"

(2)

. وهذا أحد الأسباب التي حملت بعض الباحثين في نسبة القول بأن الأصل في الشروط الجواز إلى المذاهب الأربعة

(3)

، قال الدكتور محمد اليمني:"إن الأصل في المعاملات، والعقود عند أصحاب المذاهب الأربعة الإباحة، إلا ما دل الدليل على تحريمه، والشروط عقود ومعاملات فما الفرق إذًا؟ "

(4)

. ولعل هذا أيضًا هو سبب الخلاف بين ابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم في نسبة الأقوال للمذاهب الفقهية؛ لذلك يتكلمون عن حكم العقود والشروط في سياق واحد، فمنهم من غلب جانب الأصل في العقود كابن حزم، وابن القيم، أما ابن تيمية فغلب جانب الشروط عند الأئمة في كلامه عن الأصل في العقود والشروط، فقد قال بعد النقل السابق في الأصل في العقود والشروط:"فإن أحمدَ قد يعلل أحيانًا بطلان العقد بكونه لم يرد فيه أثر ولا قياس، كما قاله في إحدى الروايتين في وقف الإنسان على نفسه"

(5)

. فالرواية التي

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 259.

(2)

الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 13.

(3)

انظر: مبدأ الرضا في العقود، للقره داغي 2/ 1188، الشرط الجزائي وأثره في العقود المعاصرة، لليمني، ص 122.

(4)

الشرط الجزائي وأثره في العقود المعاصرة، لليمني، ص 122.

(5)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 127.

ص: 103

نقلها ابن تيمية عن الإمام أحمد ليست في بطلان أصل العقد إنما في بطلان الشرط، فالإمام لم يبطل الوقف لكونه وقفًا فالأصل عنده جواز الوقف، لكن أبطل هذا العقد لبطلان الشرط عنده وهو أن يكون الوقف على نفسه، ثم قال ابن تيمية بعد هذه الرواية:"كذلك طائفة من أصحابه قد يعللون فساد الشروط بأنها تخالف مقتضى العقد"

(1)

. مما يدل على أن ابن تيمية يتكلم عن حكم الشرط في الرواية التي نقلها عن الإمام أحمد، وليس عن العقد، وقال ابن تيمية عن أصول الإمام أبي حنيفية في العقود والشروط: " وأما أبو حنيفة فأصوله تقتضي أنه لا يصحح في العقود شروطًا يخالف مقتضاها في المطلق

"

(2)

. وهذا يدل على أنه يغلب جانب الشروط، ثم نقل ابن تيمية القول الثاني، وهو أن الأصل في العقود والشروط الصحة، ثم قال:"وأصول أحمد المنصوصة عنه: أكثرها يجري على هذا القول. ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط. فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه، وعامة ما يصححه أحمد من العقود والشروط فيها يثبته بدليل خاص من أثر أو قياس، لكنه لا يجعل حجة الأولين مانعًا من الصحة، ولا يعارض ذلك بكونه شرطًا يخالف مقتضى العقد"

(3)

. وهذا يدل على أنه يغلب جانب الشروط عند الأئمة في نظره إلى الأصل في العقود والشروط، ثم قال: " وما اعتمده غيره في إبطال الشروط

"

(4)

. وهذا يدل على أنه يتكلم عن حكم الشروط عند الأئمة غير الإمام أحمد، ثم قال:" وقد يعتمد طائفة من أصحابه عمومات الكتاب والسنة التي سنذكرها في تصحيح الشروط"

(5)

. كل هذه النصوص من ابن تيمية تبين أنه يغلب جانب الشروط في كلامه عن الأصل في العقود

(1)

المرجع السابق 29/ 127.

(2)

المرجع السابق.

(3)

المرجع السابق 29/ 132 - 133.

(4)

المرجع السابق 29/ 133.

(5)

المرجع السابق.

ص: 104

والشروط عند الأئمة، ولعل مما جعل ابن تيمية يغلب جانب الشروط في نسبة الأقوال إلى الأئمة عند كلامه عن الأصل في العقود أن الشروط الباطلة تؤثر على العقود الصحيحة؛ قال وهو يناقش الأدلة:"العقود توجب مقتضياتها بالشرع. فيعتبر تغييرها تغييرًا لما أوجبه الشرع؛ بمنزلة تغيير العبادات. وهذا نكتة القاعدة؛ وهي أن العقود مشروعة على وجه، فاشتراط ما يخالف مقتضاها تغيير للمشروع"

(1)

. فالعقد مشروع عند الجمهور وله مقتضى، والشرط الذي يخالف المقتضى يؤثر على مشروعية العقد.

الأمر الرابع: أن الشروط تنقسم إلى شروط يقتضيها العقد، وشروط تلائم العقد ومن مصلحة العقد وإن كان لا يقتضيها العقد، وشروط فيها مصلحة للمتعاقدين أو لأحدهما ولا يقتضيها العقد، وليست من مصلحته، وقد اتفقت المذاهب الفقهية على صحة الشروط في القسمين الأولين، التي يقتضيها العقد

(2)

، والتي فيها مصلحة للعقد وإن كان لا يقتضيها

(3)

، واختلفوا في القسم الثالث من الشروط وهي التي فيها مصلحة للمتعاقدين أو لأحدهما وليست من مقتضى العقد، ولا من مصلحته، ولم يرد نهي في الشرع عنها. وعدم التفريق بين أقسام الشروط أحد الأسباب التي جعلت بعض الباحثين ينسبون القول بصحة الشروط للمذاهب الفقهية، ويستدلون بأمثلة من كتب هذه

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 131.

(2)

انظر: المحيط البرهاني، لابن مازه 6/ 389، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 80، المجموع شرح المهذب، للنووي 9/ 364، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 189. قال النووي:"فهذا لا يفسد العقد بلا خلاف" المجموع 9/ 364. واشتراط ما يقتضيه العقد لا يعد شرطًا حقيقة؛ لأن العقد إذا تم ترتبت عليه أحكامه وآثاره دون حاجة لشرط. انظر: نظرية الشرط، للشاذلي، ص 207.

(3)

كاشتراط الرهن والكفيل. انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 171، فتح العلي المالك، لعليش 1/ 338، نهاية المحتاج، للرملي 3/ 453، الإنصاف، للمرداوي 4/ 340. قال ابن قدامة:"ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافًا". المغني 4/ 170.

ص: 105

المذاهب لشروط يقتضيها العقد أو هي من مصلحة العقد، دون نظر إلى الدليل الذي استدل به أصحاب هذا المذهب على جواز هذا الشرط، وهل الجواز كان استثناءً لدليل أو أن الأصل عندهم صحة الشروط.

وخلال الاستقراء للشروط عند المذاهب الفقهية وجدت:

1 -

أنه وإن كانت الشروط كالعقود، إلا أن الحنفية، والشافعية يرون أن الشريعة فرقت بينهما، فالأصل عندهم في الشروط الحديث الذي رواه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»

(1)

، قال السرخسي

(2)

: "والصحيح ما استدل به أبو حنيفة فإنه حديث مشهور-النهي عن بيع وشرط-، ومطلق النهي يوجب فساد المنهي عنه"

(3)

، وقال الشيرازي

(4)

: "فإن شرط ما سوى ذلك من الشروط

بطل البيع؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» "

(5)

. أما المالكية فهم مع احتجاجهم بهذا الحديث إلا أنهم

(1)

المعجم الأوسط، للطبراني 4/ 325، برقم 4361. والحديث ضعيف، ولم يخرجه أحد من أصحاب السنن والمسانيد، وقال ابن تيمية: "هذا حديث باطل ليس في شيء من كتب المسلمين وإنما يروى في حكاية منقطعة"، وقال ابن القيم: "لا يعلم له اسناد يصح". انظر: البدر المنير، لابن الملقن 6/ 497، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 18/ 63، إعلام الموقعين، لابن القيم 2/ 249.

(2)

هو محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، من أئمة الحنفية، أشهر مؤلفاته:"المبسوط" أملأه نحو خسمة عشر مجلدا وهو فى السجن، و"شرح السير الكبير"، توفي سنة 483 هـ. انظر: الجواهر المضية، للقرشي 2/ 28 - 29، الأعلام، للزركلي 5/ 315.

(3)

المبسوط، للسرخسي 13/ 14.

(4)

هو إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، من أئمة الشافعية، بنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية ببغداد، فكان يدرس فيها إلى أن مات، من مصنفاته:"المهذب"، و"التبصرة"، و"اللمع"، توفي سنة 476 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 4/ 215، طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 1/ 238.

(5)

المهذب، للشيرازي 2/ 23.

ص: 106

حملوه على شرط يناقض مقتضى العقد، أو يعود بخلل في الثمن؛ قال الحطاب

(1)

بعد ذكر الحديث: " وحمله أهل المذهب على وجهين، أحدهما الشرط الذي يناقض مقتضى العقد، والثاني الشرط الذي يعود بخلل في الثمن"

(2)

. فلم يستدلوا بالحديث على فساد كل الشروط، أما الحنابلة فلا يصححون الحديث، قال ابن قدامة

(3)

:

"ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع، وشرط"

(4)

.

2 -

أن الحنفية يجيزون الشروط التي جرى تعامل الناس بها

(5)

، ويستدلون للجواز بدليل الاستحسان؛ قال ابن عابدين

(6)

: " يصح البيع ويلزم للشرط استحسانًا للتعامل"

(7)

. مما يدل على أن الأصل عندهم في الشروط عدم الجواز، وإلا لما استدلوا

(1)

هو محمد بن محمد بن عبدالرحمن الرعيني، المعروف بالحطاب، مالكي المذهب، ولد سنة 902 هـ، من مصنفاته:"مواهب الجليل"، و"تحرير الكلام في مسائل الالتزام"، توفي سنة 954 هـ. انظر: الأعلام للزركلي 7/ 58، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي 7/ 288.

(2)

مواهب الجليل، للحطاب 4/ 373.

(3)

هو موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، من أئمة الحنابلة، ولد عام 541 هـ، حفظ القرآن وهو صغير، وانتهت إليه معرفة فروع المذهب وأصوله، ومن مصنفاته:"المغني"، و"روضة الناظر"، توفي عام 620 هـ. انظر: ذيل على طبقات الحنابلة، للسلامي 3/ 281، سير أعلام النبلاء، للذهبي 22/ 166.

(4)

المغني، لابن قدامة 4/ 73.

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي 12/ 196، تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 57.

(6)

هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، ولد سنة 1198 هـ. كان فقيه الديار الشامية، وكان شافعي المذهب ثم تحول إلى مذهب الحنفية على يد شيخه شاكر العقاد، فصار إمام الحنفية في عصره، من تصانيفه:"رد المحتار على الدر المختار " المشهورة بحاشية ابن عابدين ولكنه توفي قبل أن يكملها، فأكملها ابنه محمد علاء الدين، توفي سنة 1252 هـ. انظر: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، للبيطار، ص 1238، معجم المؤلفين، لابن عبدالغني 9/ 77.

(7)

حاشية ابن عابدين 5/ 88.

ص: 107

بالاستحسان، ولاكتفوا بالأصل إذا كان الأصل عندهم الجواز، أما الشافعية فإذا أرادوا جواز شرط ذكروه على وجه الاستثناء مما يدل على أن الأصل عندهم عدم الجواز

(1)

؛ قال الغزالي: "فاقتضى مطلقه امتناع كل شرط في البيع

ويستثنى من هذا الأصل حال الإطلاق ستة شروط"

(2)

، أما المالكية فيخصون الشروط الفاسدة بالتي تناقض مقتضى العقد، أو تعود بخلل في الثمن

(3)

، أو بالتي يكثر فيها الغرر، أو يوجد فيها الربا، فبعدما ذكر ابن رشد

(4)

أقسام الشروط عند الإمام مالك بين أن ضابط الفساد في الشروط يرجع "إلى كثرة ما يتضمن الشروط من صنفي الفساد الذي يخل بصحة البيوع وهما الربا والغرر، وإلى قلته، وإلى التوسط بين ذلك"

(5)

. مما يدل على أن الباقي من الشروط على أصل الصحة، أما الحنابلة فهم "أكثر تصحيحًا للشروط"

(6)

. مما يدل على أن الأصل عندهم في الشروط الصحة، ولو كان الأصل الفساد، لقلت شروطهم الصحيحة.

3 -

أن الحنفية أجازوا شرط الرهن أوالكفالة وشرط الرهن أو الكفيل يلائم العقد، ومن مصلحة العقد، وإن كان لا يقتضيه العقد، واستدلوا على الجواز بالاستحسان،

(1)

انظر: منهاج الطالبين، للنووي، ص 97، تحفة المحتاج، للهيتمي 4/ 297، مغني المحتاج، للشربيني 2/ 382.

(2)

الوسيط، للغزالي 3/ 73.

(3)

انظر: مواهب الجليل، للحطاب 4/ 373، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 80، منح الجليل، لعليش 5/ 52.

(4)

هو محمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد المالكي، ولد سنة 520 هـ، عني بالفلسفة وبمنطق أرسطو، كان متواضعا، منخفض الجناح، قيل عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه. أبرز مصنفاته:"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، توفي سنة 595 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 21/ 307، الأعلام، للزركلي 5/ 318.

(5)

بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 178.

(6)

القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 261.

ص: 108

والقياس عندهم أنه لا يجوز

(1)

؛ "لأن الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل"

(2)

، والشافعية أجازوا اشتراطهما أيضًا واستدلوا على الجواز بالحاجة

(3)

؛ مما يدل على أن الأصل عند الحنفية والشافعية في الشروط المنع، وإلا لما احتاجوا للاستدلال بالاستحسان أو الحاجة ليصححوا شرطًا إذا كان الأصل عندهم في الشروط الصحة لاسيما أن هذا الشرط يلائم العقد ومن مصلحته.

وبعد هذا الاستقراء تبين لي -والله أعلم- أن الفقهاء اختلفوا في حكم الأصل في الشروط

(4)

على قولين:

القول الأول: أن الأصل في الشروط الصحة إلا ما دل الدليل على منعه. وهو مذهب المالكية

(5)

، والحنابلة

(6)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 171، الهداية في شرح البداية، للمرغيناني 4/ 424.

(2)

بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 171.

(3)

انظر: نهاية المحتاج، للرملي 3/ 453، تحفة المحتاج، للهيتمي 4/ 297 - 298.

(4)

الكلام هنا عن الأصل في الشروط، ولا يعارض هذا اتفاق الفقهاء على جواز الشروط التي يقتضيها العقد، أو الشروط التي لا يقتضيها العقد وهي من مصلحته؛ لأن الشروط التي يقتضيها العقد لا تعد شروطًا حقيقة بل تسمى شروطًا من باب المجاز؛ لأن العقد إذا تم ترتبت عليه آثاره وأحكامه، والشروط التي من مصلحة العقد ولا يقتضيها أجازها الحنفية والشافعية أستثناءً بأدلة أخرى، وإلا فالأصل عندهم فساد الشروط، وقد سبق بيان ذلك.

(5)

انظر: مواهب الجليل، للحطاب 4/ 373، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 80، منح الجليل، لعليش 5/ 52.

(6)

انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 30، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 191. الأصل في الشروط عند الحنابلة الصحة، والمذهب عندهم أنه لا يصح أكثر من شرط، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد أنه يصح أكثر من شرط اختارها ابن تيمية وابن القيم. انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 348، إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 259.

ص: 109

القول الثاني: أن الأصل في الشروط الفساد إلا ما دل الدليل على جوازه. وهو مذهب الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، والظاهرية

(3)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ» متفق عليه

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث دلالة على أن الشروط مستحقة الوفاء، وأن أحقها بالوفاء شروط النكاح؛ لما فيها من استحلال الفروج، ولو لم يكن الأصل في الشروط الصحة لما استحقت الوفاء بها

(5)

.

نوقش: بأن المراد بالحديث الشروط الجائزة، أو الشروط الموافقة لمقتضى العقد، وليس فيه دلالة على جواز كل الشروط

(6)

.

أجيب: بأنا نسلم أن المراد في الحديث هي الشروط الجائزة، أما الشروط المحرمة فلا يجوز الوفاء بها، ونرى أن الأصل في الشروط الجواز؛ وذلك أن "مقتضى الحديث: أن لفظة «أَحَقُّ الشُّرُوطِ» تقتضي: أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء، وبعضها أشد

(1)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 175، الهداية في شرح البداية، للمرغيناني 3/ 228.

(2)

انظر: الحاوي الكبير، للماوردي 5/ 313، فتح العزيز، للرافعي 8/ 195.

(3)

انظر: المحلى، لابن حزم 7/ 324.

(4)

رواه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، برقم 2721، كتاب النكاح، باب الوفاء بالشروط في النكاح، برقم 1418.

(5)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 146.

(6)

انظر: طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي 7/ 36، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد 2/ 174.

ص: 110

اقتضاء له، والشروط التي هي مقتضى العقود: مستوية في وجوب الوفاء، ويترجح على ما عدا النكاح: الشروط المتعلقة بالنكاح من جهة حرمة الأبضاع، وتأكيد استحلالها"

(1)

.

الدليل الثاني: عن جابر رضي الله عنه: "أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ:«بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ» ، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ:«بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ» ، فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ:«مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ» . متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن جابرًا رضي الله عنه اشترط مع البيع أن يحمله البعير إلى أهله، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولو كان الأصل في الشروط الفساد، لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم.

نوقش: بأنه لم يكن بيعًا مقصودًا، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم البر لجابر رضي الله عنه والإحسان إليه بالثمن على وجه لا يستحي من أخذه

(3)

.

أجيب: بأن هذه مجرد دعوى تحتاج إلى دليل، وقوله صلى الله عليه وسلم:«بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ» ، يدل على إرادة البيع حقيقة

(4)

.

الدليل الثالث: عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا

(1)

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد 2/ 174.

(2)

سبق تخريجه ص 40.

(3)

انظر: المجموع، للنووي 9/ 377.

(4)

انظر: المماطلة في الديون، للدخيل، ص 500.

ص: 111

شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رواه الترمذي وغيره

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث بيانًا لوجوب الوفاء بالشروط إلا ما حرمها الشرع؛ مما يدل على أن أصلها الجواز، "والمشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبًا بدونه، فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبًا ولا حرامًا"

(2)

.

نوقش: بأن هذا الحديث ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به

(3)

.

(1)

رواه الترمذي، كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس، برقم 1352، وأبو داود، كتاب الأقضية، باب الصلح، برقم 3594. وأحمد، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 8784. والحديث ضعيف؛ فقد جاء عند الترمذي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده، وكثير بن عبدالله مجمع على ضعفه، بل رماه بعض الأئمة بالكذب، وقد صحح الترمذي هذا الحديث وانتُقد على تصحيحه، قال ابن حجر معلقًا على تصحيح الترمذي:" وأنكروا عليه؛ لأن روايه كثير بن عبدالله بن عمر بن عوف ضعيف"، وقال الشوكاني:"وهذا التصحيح من الترمذي هو مما انتقد عليه؛ فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وقد قال الشافعي وأبو داود فيه إنه ركن من أركان الكذب"، وقال الذهبي عن هذا الحديث الذي رواه الترمذي:"واه". وجاء الحديث عند أبي داود وأحمد من طريق كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، وكثير بن زيد ضعيف؛ ضعفه ابن معين في رواية، وابن المديني، وأبو حاتم، والنسائي، وقال أبو جعفر الطبري:"وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله"، وقال الذهبي عن هذا الحديث الذي رواه أبو داود:"منكر". انظر: تهذيب الكمال، للمزي 24/ 115، 138، ميزان الاعتدال، للذهبي 3/ 404، 407، تهذيب التهذيب، لابن حجر 8/ 414، 422، سنن الترمذي 3/ 28، بلوغ المرام، لابن حجر، ص 260، السيل الجرار، للشوكاني، ص 809، التلخيص بحاشية المستدرك للحاكم 4/ 113.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 148.

(3)

انظر تخريج الحديث.

ص: 112

الدليل الرابع: أن الشروط من باب الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم، فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم، وإذا لم تكن حرامًا لم تكن فاسدة؛ لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم، وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة

(1)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» رواه الطبراني

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اقتران الشرط بالبيع، والنهي يدل على فساد المنهي عنه، فدل على فساد الشروط المقترنة بالعقد إلا ما دل الدليل على جوازه

(3)

.

نوقش: بأن هذا الحديث ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به

(4)

.

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» متفق عليه

(5)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 150، القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 276.

(2)

سبق تخريجه ص 80.

(3)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 175، الحاوي الكبير، للماوردي 5/ 313.

(4)

انظر: المبدع، لابن مفلح 4/ 53، بيان الوهم والإيهام، لابن القطان 3/ 527. وانظر تخريج الحديث

(5)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، برقم 2168، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، برقم 1504.

ص: 113

وجه الدلالة من الحديث: دل الحديث على أن كل شرط اشترطه الإنسان على نفسه، أو لها على غيره فهو باطل، لا يلزم من التزمه أصلا، إلا أن يكون في كتاب الله الأمر به أو النص على إباحته

(1)

.

نوقش: بأن"معنى كونه ليس في كتاب الله أي يخالف كتاب الله، فلا يجب كونه مذكورًا فيه، بل يجب كونه غير مخالف لقواعد الشرع"

(2)

، وقد فسره البخاري

(3)

بذلك؛ فترجم له بباب "المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله تعالى"؛ لأن المراد بكتاب الله حكمه، وكل ما لم يكن من ذلك فهو مخالف لما في كتاب الله

(4)

.

الدليل الرابع: أن الشرط المقترن بالعقد يؤدي إلى الربا؛ وذلك أنه التزام منفعة زائدة في البيع، وزيادة منفعة مشروطة في البيع ربا؛ لأنها زيادة عارية عن العوض

(5)

.

نوقش: بعدم التسليم أن الشرط منفعة عارية عن العوض، بل لكل شرط مقابل من الثمن زيادة ونقصًا، وأيضًا هذا القول يؤدي إلى بطلان كل الشروط، حتى تلك الشروط التي اتفق العلماء على جوازها، كاشتراط صفة في المعقود عليه، أو اشتراط توثيق الثمن بكفيل، وأنتم لا تقولون بذلك

(6)

.

(1)

انظر: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 13، 31.

(2)

فيض الباري على صحيح البخاري، للديوبندي 4/ 39 - 40.

(3)

هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبدالله، أمير المؤمنين في الحديث، أكثر من الرحلة وطلب العلم، وصنف التصانيف النافعة ومنها:"صحيح البخاري"، و"الأدب المفرد"، توفي سنة 255 هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 24/ 430، سير أعلام النبلاء، للذهبي 12/ 391.

(4)

انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني 14/ 20.

(5)

انظر: الهداية في شرح البداية، للمرغيناني 3/ 48، العناية شرح الهداية، للبابرتي 6/ 442.

(6)

انظر: نظرية الشرط، للشاذلي، ص 555.

ص: 114

الدليل الخامس: أن الشرط لا ينفك ضرورة من أحد أربعة أمور لا خامس لها: إما أن يكون فيه إباحة لما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، أو التزام إسقاط ما أوجبه الله، أو التزام إيجاب ما لم يوجبه، وكل هذا عظيم لا يحل

(1)

.

نوقش: بأن هناك قسمًا خامسًا، وهو ما أباح الله عز وجل للمكلف من تنويع أحكامه بالأسباب التي ملكه إياها، فيباشر من الأسباب ما يحله له بعد أن كان حرامًا عليه، أو يحرمه عليه بعد أن كان حلالًا له، أو يوجبه بعد أن لم يكن واجبًا، أو يسقط وجوبه بعد وجوبه، وليس في ذلك تغيير لأحكامه، بل كل ذلك من أحكامه، فكما أن نكاح المرأة يحل له ما كان حرامًا عليه قبله، وطلاقها يحرمها عليه ويسقط عنه ما كان واجبًا عليه من حقوقها، كذلك التزامه بالشرط، فإذا ملك تغيير الحكم بالعقد ملكه بالشرط الذي هو تابع له

(2)

، فـ"الشرط يرفع موجب الاستصحاب لكن لا يرفع ما أوجبه كلام الشارع"

(3)

.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول، القائل بصحة الشروط إلا ما دل الدليل على فساده؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة القولين الآخرين أمام المناقشة التي وردت عليهما، وأن الشروط كالعقود، ولم يصح دليل في التفريق بينها، فإذا كان الأصل في العقود الصحة إلا ما دل الدليل على منعه فالشروط مثلها، والناس يحتاجون إليها في عقودهم، وفي منعهم

(1)

انظر: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم 5/ 13 - 14.

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 262 - 263.

(3)

القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 275.

ص: 115

عن ذلك تضييق عليهم، وحرج لهم، والشريعة جاءت بمصالح العباد، وبما يرفع عنهم الحرج والضيق.

وعلى هذا الأصل في الشروط، فإن الهندسة المالية الإسلامية يجوز لها أن تطور العقود بإضافة بعض الشروط عليها، إلا أن يكون هذا الشرط من الشروط المحرمة.

ص: 116

‌الفصل الثالث: أدوات الهندسة المالية الإسلامية

وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: الحيل والمخارج الشرعية.

المبحث الثاني: الرخص الشرعية.

المبحث الثالث: الاستحسان.

المبحث الرابع: سد الذرائع وفتحها

المبحث الخامس: التلفيق.

المبحث السادس: تركيب العقود.

ص: 117

‌المبحث الأول:

الحيل والمخارج الشرعية.

أهم غايات الاقتصاد الإسلامي تحقيق مقاصد الشريعة في المال، والمصارف الإسلامية من أهم وسائل تحقيق الاقتصاد الإسلامي، ولتحقيق ذلك تبحث المصارف الإسلامية في هندستها المالية الإسلامية عن حلول شرعية لابتكار منتجات مالية إسلامية، أو تطوير منتجاتها؛ للتوسع في خدمات التمويل، وتقليل المخاطر إلى أقصى درجة ممكنة؛ وللتوصل لهذه الحلول الشرعية استخدمت المصارف الإسلامية فقه الحيل والمخارج، بل قيل:"إنها نفخت فيه الروح بعد دهر من السبات"

(1)

. ولحداثة تجربة المصارف الإسلامية، ورغبتها في منافسة البنوك الربوية، والخلط بين الحيل الممنوعة والمخارج المشروعة، وعدم وجود الخلفية الشرعية أحيانًا عند بعض المهندسين الماليين

(2)

، والحرص على الربح دون أي مخاطر، لجأت بعض المصارف الإسلامية عن قصد أو غير قصد إلى الحيل الممنوعة، فتوصلت عن طريقها إلى المحرمات بحجة أنها مخارج شرعية، هذا مع وجود جهود مشكورة للفقهاء المعاصرين، والمجامع الفقهية، والهيئات الشرعية لتخليص المصارف الإسلامية من هذه الحيل الممنوعة، والبحث لها عن مخارج مشروعة

(3)

، إلا أنه لدقة الحيل وغموضها اضطربت فيها أنظار النظار

(4)

، وفي هذا المبحث دراسة للحيل بقسميها، الحيل الممنوعة، والمخارج المشروعة حتى يسهل-بإذن الله-"تنزيلها منازلها وإبداء الفروق بينها"

(5)

.

(1)

الحيل الفقهية في المعاملات، لعيسى الخلوفي، ص 347.

(2)

المرجع السابق، ص 348 - 349.

(3)

المرجع السابق، ص 343.

(4)

انظر: الفكر السامي، للحجوي 1/ 436.

(5)

مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 361.

ص: 119

‌المطلب الأول: تعريف الحيل والمخارج الشرعية

الحيل في اللغة: جمع حيلة وتطلق على"الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف"

(1)

.

والمخارج في اللغة: جمع مخرج، وهو موضع الخروج، ويراد به النفاذ من الشيء والخلوص منه

(2)

.

والحيل والمخارج في الاصطلاح بمعنى واحد؛ قال ابن نجيم: "واختلف مشايخنا رحمهم الله تعالى في التعبير عن ذلك؛ فاختار كثير التعبير بكتاب الحيل، واختار كثير كتاب المخارج"

(3)

. مما يدل على ترادفهما في المعنى، إلا أن اصطلاح الحيل غُلّب إطلاقه على الجانب الممنوع منها، والمخارج غُلّب إطلاقها على الجانب المشروع منها؛ قال ابن تيمية عن الحيل:"صارت في عرف الفقهاء إذا أطلقت قصد بها الحيل التي يستحل بها المحارم"

(4)

. والسبب في ذلك نفور الناس من مصطلح الحيل؛ قال ابن القيم: "ونسميه وجوه المخارج من المضائق، ولا نسميه بالحيل التي ينفر الناس من اسمها"

(5)

.

وعلى ذلك نجد أن تعريف الحيلة يختلف عند العلماء بحسب الزاوية التي ينظر منها العالم إلى الحيلة، فاختلفت أنظارهم إلى ثلاث اتجاهات:

(1)

لسان العرب، لابن منظور 11/ 185.

(2)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 175، لسان العرب، لابن منظور 3/ 515.

(3)

الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 350.

(4)

بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ص 175.

(5)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 149.

ص: 120

الاتجاه الأول: النظر إلى الحيلة من جانبها الممنوع، ومن ذلك تعريف الحيل: بـ"أن يُظهر عقدًا مباحًا يريد به محرمًا؛ مخادعةً وتوسلًا إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب، أو دفع حق، ونحو ذلك"

(1)

.

الاتجاه الثاني: النظر إلى الحيلة من جانبها المشروع (المخارج الشرعية)، ومن ذلك تعريف الحيل: بـ"جمع حيلة وهي الحذق وجودة النظر والمراد بها هنا ما يكون مخلصًا شرعيًا لمن ابتلي بحادثة دينية ولكون المخلص من ذلك لا يدرك إلا بالحذق وجودة النظر أطلق عليه لفظ الحيلة"

(2)

.

الاتجاه الثالث: النظر إلى الحيلة من جانبيها الممنوع والمشروع، ومن ذلك تعريف الحيل: بـ"جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي"

(3)

، أو تعريفها بقول الشاطبي:"التحيل بوجه سائغ مشروع في الظاهر أو غير سائغ على إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر، بحيث لا يسقط أو لا ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل ليتوصل بها إلى ذلك الغرض المقصود، مع العلم بكونها لم تشرع له"

(4)

.

وهذا الاختلاف في تعريف الحيلة أدى إلى الاختلاف في حكمها، وأفضل اتجاه في تعريف الحيلة هو الاتجاه الأخير الذي عرف الحيلة بالنظر إلى جانبيها المشروع والممنوع؛ فالحيلة تشتمل على الحيل المشروعة أو المخارج الشرعية، وتشتمل على الحيل الممنوعة، والتعريف لابد أن يكون جامعًا لهما.

(1)

المغني، لابن قدامة 4/ 43.

(2)

غمز عيون البصائر، للحموي 1/ 38.

(3)

فتح الباري، لابن حجر 12/ 326.

(4)

الموافقات، للشاطبي 3/ 106.

ص: 121

‌المطلب الثاني: أقسام الحيل

تنقسم الحيل ثلاثة أقسام: حيل محرمة، وحيل جائزة، وحيل مختلف فيها، قال الحجوي: "فالحيل ثلاثة أقسام: ملغاة بالاتفاق

وغير ملغاة اتفاقًا

والثالث مالم يتبين بدليل قطعي إلحاقه بالأول ولا بالثاني، وفيه اضطربت أنظار النظار، وهو محل التنازع"

(1)

.

وهناك اتجاهان سلكهما العلماء في تقسيمهم للحيل، الاتجاه الأول: تقسيمها بالنظر إلى المقصد الذي تحققه الحيلة، والاتجاه الثاني: تقسيمها بالنظر إلى المقصد وإلى الوسيلة الموصلة إلى هذه المقصد.

الاتجاه الأول: أقسام الحيل باعتبار المقصد.

وهذا الاتجاه سار عليه الشاطبي، وابن عاشور

(2)

، فالحيل تنقسم عندهما ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الحيل الجائزة: ذكر الشاطبي أن الحيل الجائزة هي التي لا تهدم أصلًا شرعيًا، ولا تناقض مصلحة شهد الشرع باعتبارها؛ مثل النطق بكلمة الكفر إكراهًا

(3)

، ثم قال:"إن هذا مأذون فيه؛ لكونه مصلحة دنيوية لا مفسدة فيها بإطلاق، لا في الدنيا ولا في الآخرة"

(4)

.

أما ابن عاشور فقد ذكر نوعين من أنواع الحيل التي تدخل في الحيل الجائزة:

النوع الأول: الحيلة التي تعطل أمرًا مشروعًا على وجه ينقل إلى مشروع آخر، مثل التجارة بالمال المتجمع خشية أن تنقصه الزكاة، فانتقل من الزكاة المشروعة إلى التجارة

(1)

الفكر السامي، للحجوي 1/ 436.

(2)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 124، مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 356.

(3)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 124.

(4)

المرجع السابق 3/ 124.

ص: 122

المشروعة

(1)

، ثم قال:"وهذا النوع على الجملة جائز؛ لأنه ما انتقل من حكم إلا إلى حكم، وما فوت مقصدًا إلا وقد حصل مقصدًا آخر"

(2)

.

النوع الثاني: الحيلة التي تعطل أمرًا مشروعًا على وجه يسلك به أمرًا مشروعًا هو أخف عليه من المنتقل منه؛ كمن أنشأ سفرًا في رمضان قاصدًا الفطر؛ لشدة الصيام عليه في الحر، متنقلًا منه إلى قضائه في وقت أرفق به

(3)

، وقد ذكر الدكتور عيسى الخلوفي أن هذا النوع الثاني الذي ذكره ابن عاشور ليس من جنس الحيل الفقهية، بل بابه الرخص الشرعية؛ لأنه سلك سبيلًا مشروعًا ابتداءً

(4)

، وهذا الكلام فيه نظر؛ لأن من سلك سبيلًا مشروعًا ليغير حكمًا مشروعًا إلى حكم آخر يعد متحايلًا على المقصد بهذا السبيل الذي سلكه، ولعل السبب الذي جعل الدكتور الخلوفي يعد هذا النوع من قبيل الرخص لا الحيل الفقهية، أن ابن عاشور ذكر من أمثلة هذا النوع المسح على الخفين، فمن مسح انتقل من حكم مشروع إلى حكم مشروع أخف عليه

(5)

، وهذا المثال في الحقيقة يدخل في باب الرخص الشرعية، وليس في باب الحيل الفقهية، والفرق بين الرخص الشرعية وبين هذا النوع من الحيل، أن الرخص الشرعية فيها دليل من الشارع على جواز سلوك هذه السبيل للانتقال من حكم شرعي إلى حكم شرعي أخف منه، أما الحيل الفقهية فلا يوجد دليل ينص على جواز سلوك هذا السبيل لتغيير الحكم الذي يريد الانتقال منه.

(1)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 357.

(2)

مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 358.

(3)

المرجع السابق، ص 358.

(4)

انظر: الحيل الفقهية في المعاملات، لعيسى الخلوفي، ص 241.

(5)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 358

ص: 123

القسم الثاني: الحيل المحرمة: ذكر الشاطبي أن الحيل الباطلة هي التي تهدم أصلًا شرعيًا وتناقض مصلحةً شرعيةً مثل حيل المنافقين، وحيل المرائين

(1)

، ثم قال:"فإنه غير مأذون فيه؛ لكونه مفسدة أخروية بإطلاق، والمصالح والمفاسد الأخروية مقدمة في الاعتبار على المصالح والمفاسد الدنيوية باتفاق؛ إذ لا يصح اعتبار مصلحة دنيوية تخل بمصالح الآخرة، فمعلوم أن ما يخل بمصالح الآخرة غير موافق لمقصود الشارع، فكان باطلا"

(2)

.

أما ابن عاشور فذكر نوعين من أنواع الحيل التي تدخل في الحيل المحرمة:

النوع الأول: الحيلة التي تفوت مقصدًا شرعيًا ولا تعوضه بمقصد شرعي آخر؛ مثل من وهب ماله قبل مضي الحول بيوم لئلا يعطي زكاته، واسترجعه من الموهوب له من غد

(3)

، ثم قال:"وهذا النوع لا ينبغي الشك في ذمه وبطلانه"

(4)

.

النوع الثاني: الحيلة التي لا تنافي مقصد الشارع أو تعين على تحصيل مقصده، لكن فيها إضاعة حق لآخر أو مفسدة أخرى؛ مثل تزوج المرأة المبتوتة قاصدًا أن يحللها لمن بتها

(5)

، "فإن فعله جار على الشرع في الظاهر وخادم للمقصد الشرعي من الترغيب في المراجعة، وفي توافر الشرط وهو أن تنكح زوجًا غيره، إلا أنه جرى لعن فاعله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(6)

.

(1)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 124.

(2)

الموافقات، للشاطبي 3/ 124.

(3)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 356 - 357

(4)

المرجع السابق، ص 356.

(5)

المرجع السابق، ص 359 - 360

(6)

المرجع السابق، ص 360.

ص: 124

القسم الثالث: الحيل المختلف فيها: ذكر الشاطبي أن الحيل المختلف فيها هي التي لا يتبين للشارع فيها مقصد يتفق على أنه مقصود له، ولا ظهر أنها على خلاف المصلحة التي وضعت لها الشريعة، وذكر أنها محل الإشكال، وفيها اضطربت أنظار النظار

(1)

.

أما ابن عاشور فذكر نوعًا واحدًا من أنواع الحيل المختلف فيها، وهو التحيل في أعمال ليست مشتملة على معان عظيمة مقصودة للشارع، وفي التحيل فيها تحقيق لمماثل مقصد الشارع من تلك الأعمال، مثل التحيل في الأيمان التي لا يتعلق بها حق للغير كمن حلف ألا يلبس ثوبًا، فإن البر بيمينه هو الحكم الشرعي، والمقصد هو تعظيم اسم الله، فيتحيل على هذا اليمين بوجه يشبه البر فيحصل مقصود الشارع من تهيب اسم الله

(2)

، ثم قال:"وللعلماء في هذا النوع مجال من الاجتهاد؛ ولذلك كثر الخلاف بين العلماء في صوره وفروعه"

(3)

.

هذه هي أقسام الحيل بالنظر إلى المقصد الذي تحققه، ذكر الشاطبي لها ثلاثة أقسام، وذكر ابن عاشور خمسة أنواع، كلها تعود إلى هذه الأقسام الثلاثة، فنوعان يدخلان في القسم الأول، ونوعان في القسم الثاني، ونوع في القسم الثالث.

الاتجاه الثاني: أقسام الحيل باعتبار المقصد والوسيلة.

وهذا الاتجاه سار عليه ابن تيمية وابن القيم

(4)

، فالحيل عندهم تنقسم قسمين:

(1)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 125.

(2)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 358.

(3)

مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 359.

(4)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 108، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 259.

ص: 125

القسم الأول: حيل مقصدها شرعي، ويقسم هذا القسم باعتبار الوسائل المفضية إليه ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن تكون الوسيلة محرمة، والمقصود بها مشروعًا؛ مثل من كان له حق عند آخر، فيجحده، فيقيم شاهدي زور ليتوصل لحقه

(1)

، وقد رأى ابن القيم أن فاعله يأثم على الوسيلة دون المقصد

(2)

، أما ابن تيمية فيرى أن ذلك محرم كله؛ لأنه إنما يتوصل إليه بكذب منه

(3)

. وهذا النوع محل خلاف بين الفقهاء؛ وذلك بالنظر لمفسدة الوسيلة المحرمة مقابل مصلحة المقصد المشروع، ومنه مسألة الظفر بالحق فقد منعها قوم، وأجازها آخرون، وأجازها ابن القيم إذا كان سبب الحق فيها ظاهرًا

(4)

.

النوع الثاني: أن تكون الوسيلة مشروعة، والمقصود بها مشروعًا، "وهذه هي الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها، كالبيع والإجارة والمساقاة والمزارعة والوكالة"

(5)

.

وهذا النوع لا يعد من الحيل عند الفقهاء، لأن الحيل فيها مهارة وحذق للتوصل إلى المقصود بالأسباب الخفية

(6)

. فالبيع والإجارة أسباب ظاهرة للوصول لمقصود الملك المشروع.

النوع الثالث: أن تكون الوسيلة مشروعة، لكنها لم توضع لهذا المقصد، فيتخذها المتحيل وسيلة إلى هذا المقصد المشروع، " فهي في الفعال كالتعريض الجائز في المقال"

(7)

.

(1)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 109، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 109.

(4)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 21.

(5)

المرجع السابق 3/ 260.

(6)

انظر: بيع العينة والتورق، لهناء الحنيطي، ص 58.

(7)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 261.

ص: 126

وهذا النوع جائز عند الفقهاء، ويعد من المخارج الشرعية؛ فالوسيلة مشروعة، والمقصود مشروعًا

(1)

.

القسم الثاني: حيل مقصدها غير شرعي، ويقسم هذا القسم باعتبار الوسائل المفضية إليه ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن تكون الوسيلة محرمة، والمقصود بها محرمًا؛ كالبائع إذا أراد فسخ البيع، فيحتال على ذلك أنه كان محجورًا عليه وقت العقد

(2)

. وهذا النوع محرم بالاتفاق

(3)

.

النوع الثاني: أن تكون الوسيلة مباحة، والمقصود بها محرمًا، كالسفر لقطع الطريق

(4)

.

وهذا النوع محرم سدًا للذريعة، ولا يعد عند الفقهاء من الحيل الفقهية؛ فالحيلة فيها مهارة وحذق وخفاء لتغيير الأحكام، أما هذه الوسيلة فليس فيها مقصد لتغيير حكم، وهي ظاهرة للتوصل للمقصود المحرم، وليس فيها أي خفاء.

النوع الثالث: أن تكون الوسيلة لم توضع للإفضاء إلى المحرم، فيتخذها المتحيل طريقًا إلى الحرام، كمن ينكح امرأة ليحللها لزوجها الأول بعد التطليقة الثالثة

(5)

.

وأكثر كلام الفقهاء عن الحيل إنما يقصدون به هذا النوع منها؛ قال ابن تيمية: "وهذا القسم هو الذي كثر فيه تصرف المحتالين ممن ينتسب إلى الفتوى وهو أكثر ما قصدنا الكلام فيه"

(6)

.

(1)

انظر: الحيل الفقهية في المعاملات، لعيسى الخلوفي، ص 77.

(2)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 108 - 109، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 259.

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 108.

(4)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 109، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 259 - 260.

(5)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 110، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

(6)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 110.

ص: 127

وقال ابن القيم: "وهذا معترك الكلام في هذا الباب، وهو الذي قصدنا الكلام فيه بالقصد الأول"

(1)

.

هذه هي أقسام الحيل بالنظر إلى المقصد والوسيلة، فهي تنقسم قسمين باعتبار مقصدها، ثم يتفرع كل قسم إلى ثلاثة أنواع باعتبار الوسيلة الموصلة إلى ذلك المقصد، ومنها ما لا يدخل في مفهوم الحيل عند الفقهاء كما سبق بيانه.

ويمكن أن نستخلص من هذا التقسيم للحيلة، أن الحيل تنقسم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: حيل جائزة، وهي ما كانت وسيلتها مشروعة والمقصد منها مشروعًا.

القسم الثاني: حيل محرمة، وهي ما كانت وسيلتها محرمة، والمقصد منها محرمًا.

القسم الثالث: حيل محتلف فيها، وتنقسم إلى نوعين:

النوع الأول: حيل وسيلتها ممنوعة، والمقصد منها مشروعًا.

النوع الثاني: حيل وسيلتها مشروعة، والمقصد منها تغيير الحكم الشرعي. وهذا النوع هو الذي اختلف فيه الفقهاء كثيرًا.

‌المطلب الثالث: حكم الحيل.

اختلف الفقهاء في حكم القسم الثالث من أقسام الحيل الذي سبق ذكره على قولين:

القول الأول: تحريم الحيل. وهو قول المالكية

(2)

، والحنابلة

(3)

.

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 260.

(2)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 109، حاشية الصاوي 3/ 623.

(3)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 43، الإنصاف، للمرداوي 9/ 121.

ص: 128

القول الثاني: جواز الحيل. وهو قول الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، والظاهرية

(3)

.

وسبب الاختلاف بينهم "اختلافهم هل المعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟ "

(4)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ،

وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابِ بَئِيسِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}

(5)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن أهل القرية "احتالوا على انتهاك محارم الله بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام"

(6)

، فأخذهم الله بالعذاب ومسخهم إلى قردة؛ مما يدل على حرمة التحايل على أحكام الله

(7)

.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}

(8)

.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي 30/ 210، البناية شرح الهداية، للعيني 11/ 387.

(2)

انظر: روضة الطالبين، للنووي 5/ 115، المنثور في القواعد، للزركشي 2/ 93، فتاوى ابن الصلاح، ص 47.

(3)

انظر: المحلى، لابن حزم 7/ 554.

(4)

فتح الباري، لابن حجر 12/ 326.

(5)

سورة الأعراف، الآيات 163 - 166.

(6)

تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 3/ 493.

(7)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 28.

(8)

سورة النساء، الآية 142.

ص: 129

وجه الدلالة من الآية: أن المنافقين"تحيلوا بملابسة الدين وأهله إلى أغراضهم الفاسدة"

(1)

؛ فذمهم الله على هذه المخادعة، فالحيل مذمومة؛ لأنها مخادعة لله، قال أيوب السختياني

(2)

: "يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون علي"

(3)

.

يناقش: بالفرق بين حيل المنافقين، وحيل الفقهاء؛ فمقصد المنافقين في حيلهم الفرار من الدين، ومخادعة الله والذين آمنوا، أما الفقهاء كأبي حنيفة ومحمد بن الحسن فمقصدهم البحث عن مخارج شرعية للمضايق التي يبتلى بها الناس، ولا يصح أن يوصفوا بأنهم يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًا.

الدليل الثالث: قول الله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}

(4)

.

وجه الدلالة من الآية: أن أصحاب الجنة لما أرادوا الاحتيال على حق المساكين، عاقبهم الله بإهلاك مالهم؛ مما يدل على تحريم الحيل المسقطة للحقوق

(5)

.

الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ:«إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ» ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا

(1)

الموافقات، للشاطبي 3/ 109.

(2)

هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة، كيسان السختياني، ولد سنة 66 هـ، كان إمامًا، حافظًا، ثقةً، كثير التبسم في وجوه الرجال، توفي سنة 131 هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 3/ 457، سير أعلام النبلاء، للذهبي 6/ 15.

(3)

رواه البخاري معلقًا في كتاب الحيل، باب ما ينهى من الخداع في البيوع.

(4)

سورة القلم، الآية 17.

(5)

انظر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب، لابن الجوزي، ص 410.

ص: 130

النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ:«قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» متفق عليه

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن اليهود لما حرم الله عليهم شحوم الميتة، تحايلوا على ذلك بإذابة الشحوم، ثم أكلوا ثمنها، فلعنهم الله على هذه الحيلة

(2)

، و"فيه دليل على بطلان كل حيلة تحتال للتوصيل إلى محرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه"

(3)

.

الدليل الخامس: عن أنس رضي الله عنه: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» رواه البخاري

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: في الحديث دلالة على النهي عن اتخاذ الحيلة التي تنقص الزكاة أو تسقطها

(5)

، قال ابن بطال: " قال المهلب

(6)

: وإنما قصد البخارى فى هذا الباب أن يعرفك أن كل حيلة يتحيل بها أحد فى إسقاط الزكاة، فإن إثم ذلك عليه؛

(1)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، برقم 2236، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم الخمر والميتة والخنزير والأصنام، برقم 1581.

(2)

انظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك 4/ 491.

(3)

تحفة الأحوذي، للمباركفوري 4/ 435.

(4)

كتاب الحيل، باب في الزكاة وألا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، برقم 6955.

(5)

انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني 24/ 110.

(6)

هو المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبدالله الأسدي، كان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء، له مصنفان:"شرح صحيح البخاري"، و" المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح"، توفي سنة 435 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 17/ 975، المختصر النصيح، للمهلب 1/ 12.

ص: 131

لأن النبى صلى الله عليه وسلم لما منع من جمع الغنم أو تفريقها خشية الصدقة؛ فهم منه هذا المعنى، وفهم من قوله:(أفلح إن صدق)

(1)

أنه من رام أن ينقص شيئًا من فرائض الله بحيلة يحتالها أنه لا يفلح"

(2)

.

الدليل السادس: أن الله أوجب الواجبات، وحرم المحرمات؛ لتحقيق حكم، ومصالح، ولدفع مفاسد، وفي التحايل على إسقاط الواجبات، أو فعل المحرمات تزول الحكم، والمصالح، ويقع الفساد في الأرض

(3)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}

(4)

وجه الدلالة من الآية: بين الله تعالى أن من يتق الله يجعل له مخرجًا، ولا ريب أن هذه الحيل مخارج مما ضاق على الناس

(5)

.

نوقش: أن هذه الآية لا علاقة لها بالحيل

(6)

؛ فالآية تدل على أن الله يَجْعَل لمن يتقيه مَخْرَجاً مما هو فيه من الغموم والوقوع في المضايق، ويفرج عنه وينفس ويعطيه الخلاص وَيَرْزُقهُ من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه

(7)

، أما الحيل فهي بحث الفقيه عن مخرج لمن

(1)

رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام، برقم 46، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، برقم 11.

(2)

شرح صحيح البخاري، لابن بطال 8/ 314 - 315.

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 166 - 167، الموافقات، للشاطبي 3/ 121.

(4)

سورة الطلاق، الآية 2.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 153.

(6)

انظر: الحيل الفقهية في المعاملات المالية، لمحمد إبراهيم، ص 86.

(7)

الكشاف، للزمخشري 4/ 555.

ص: 132

وقع في ضيق، وليس من التقوى التحايل على إسقاط الواجبات، أو فعل المحرمات، بحجة إخراج الناس من الضيق، بل قد يكون التحايل على الأحكام الشرعية سببًا في الوقوع في المضايق.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية: أن أيوب عليه السلام أقسم ليضربن زوجته مئة ضربة، فأمره الله أن يأخذ حزمة من حشيش فيضربها ضربة واحدة، وتلك وسيلة شرعها الله لنبيه ليتحلل عن يمينه، وفيها دلالة على جواز الحيل

(2)

.

نوقش: بأن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا، وعلى فرض التسليم بأنه شرع لنا فإن هذا الحكم خاص بأيوب؛ فلو كان عامًا لم يكن في اقتصاصه علينا كبير عبرة؛ ويدل على الاختصاص قوله تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} ، وهذه الجملة خرجت مخرج التعليل؛ فعلم أن الله عز وجل إنما أفتاه بهذا جزاء له على صبره

(3)

.

الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه

(4)

.

(1)

سورة ص، الآية 44.

(2)

انظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي 2/ 602، ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 316.

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 187، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 165.

(4)

سبق تخريجه ص 39.

ص: 133

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل أن يتوسط إلى ما أراده من أخذ الجيد بالرديء بالطريق المشروع في الأصل، وهو أن يبيع الرديء بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا جيدًا، وهذه الواسطة حيلة، فهي لا تتخذ لذاتها، إنما تتخذ لغرض آخر توقف نيله عليها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها مما يدل على جواز الحيل

(1)

.

نوقش: بأن في الحديث قصدًا سليمًا، ومبنًى متخلفًا عنه، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى إلحاق المبنى بالمقصد السليم

(2)

، والحيلة التي أرشد لها النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة للوصول إلى مقصد مشروع، فهي من الحيل الجائزة بالاتفاق، قال ابن تيمية:" أن تحصيل المقاصد بالطرق المشروعة إليها ليس من جنس الحيل سواء سمي حيلة، أو لم يسم، فليس النزاع في مجرد اللفظ، بل الفرق بينهما ثابت من جهة الوسيلة والمقصود"

(3)

.

الدليل الرابع: عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رَجُلٌ مُخْدَجٌ ضَعِيفٌ، فَلَمْ يُرَعْ إِلَّا وَهُوَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ الدَّارِ يَخْبُثُ بِهَا، فَرَفَعَ شَأْنَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«اجْلِدُوهُ ضَرْبَ مِائَةِ سَوْطٍ» ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هُوَ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ، لَوْ ضَرَبْنَاهُ مِائَةَ سَوْطٍ مَاتَ، قَالَ:«فَخُذُوا لَهُ عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» رواه أبو داود وغيره

(4)

.

(1)

ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 317 - 318.

(2)

انظر: المخارج الشرعية ضوابطها وأثرها في تقويم أنشطة المصارف الإسلامية، لحسين العبيدلي، ص 7.

(3)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 134.

(4)

رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في إقامة الحد على المريض، برقم 4472، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب الكبير والمريض يجب عليه الحد، برقم 2574، وأحمد، حديث سعيد بن سعد بن عبادة، برقم 21935. وقد اختلف في إسناد هذا الحديث، والصواب فيه أنه من رواية أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. انظر: العلل، للدارقطني 12/ 276 - 277، السنن الكبرى، للبيهقي 8/ 401.

ص: 134

وجه الدلالة من الحديث: أن الضرب بالعثكال ليس هو الحد الواجب في الأصل؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرشدهم إلى هذا: «اجْلِدُوهُ ضَرْبَ مِائَةِ سَوْطٍ» ، وهذه الواسطة حيلة للتوصل إلى إسقاط الحد في حق مثل هذا الرجل، وفيها دلالة على جواز الحيل

(1)

.

نوقش: بأن الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به

(2)

، وعلى فرض صحته فالحديث ليس من الحيل، ولم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحد، بل أمر بجلده مئة سوط، فلما أُخبر أنه مريض، أمر بجلده بعثكال فيه مئة شمراخ ضربة واحدة، فالحديث بيان لحد المريض، وليس إسقاطًا للحد؛ قال ابن قدامة:"المريض الذي لا يرجى برؤه، فهذا يقام عليه الحد في الحال ولا يؤخر، بسوط يؤمن معه التلف؛ كالقضيب الصغير، وشمراخ النخل، فإن خيف عليه من ذلك، جمع ضغث فيه مئة شمراخ، فضرب به ضربة واحدة"

(3)

، وليس في الحديث دلالة على جواز الحيل.

الدليل الخامس: أن الناس ليس لهم إلا الحكم بالظاهر، وأما المقاصد والنيات فحكمها إلى الله، ولو أوقفت الشريعة صحة العقود إلى أن ينقطع كل احتمال مخالف للظاهر، لتعطلت معظم المعاملات، ولعادت على الناس أضعاف المفاسد التي يمكن أن تعود عليهم جراء الاحتمالات المحجوبة عن الظاهر

(4)

، قال الشافعي: "ولو كان لأحد من الخلق أن يحكم على خلاف الظاهر ما كان ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يأتيه به الوحي وبما جعل الله تعالى فيه مما لم يجعل في غيره من التوفيق، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم

(1)

انظر: ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 321.

(2)

انظر تخريج الحديث.

(3)

المغني، لابن قدامة 9/ 48.

(4)

انظر: ضوابط المصلحة، للبوطي، ص 310.

ص: 135

يتول أن يقضي إلا على الظاهر، والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه ما لا يعرف غيره فغيره أولى أن لا يحكم إلا على الظاهر"

(1)

.

يناقش: بأن منع الحيل لا يعني إفساد العقود التي ظهرت صحتها، بل لا يفسد منها إلا ما كان ظاهر الفساد، أو كان المقصد الفاسد فيها ظاهرًا قبل التقابض، أما بعد التقابض فلو تبين أن المعاملة ربوية، وأن المتعامل بها ممن يبيح الحيل، فلا تُنقض، قال ابن تيمية:" كل عقد اعتقد المسلم صحته بتأويل من اجتهاد أو تقرير، مثل المعاملات الربوية التي يبيحها مجوزو الحيل، ومثل بيع النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته، ومثل بيوع الغرر المنهي عنها عند من يجوز بعضها، فإن هذه العقود إذا حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تُنقض بعد ذلك، لا بحكم ولا برجوع عن ذلك الاجتهاد"

(2)

. ومعاملة الناس على الظاهر لا يعني جواز ما أخفوا في الباطن، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل من المنافقين ظواهرهم مع أنهم يرتكبون كفرًا في بواطنهم، ومنع الحيل عن المسلم لكي يتوافق ظاهره مع باطنه، وجوازها يساعد على التناقض بين الظاهر والباطن.

الترجيح: بعد عرض القولين وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول، القائل بتحريم الحيل؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني أمام المناقشة التي وردت عليها، ومع أن الأصل في الحيل المنع، إلا أنه إذا كان في الحيلة تحقيق مصلحة أكبر من مفسدة الحيلة فتجوز في هذه الحالة تغليبًا لجانب المصلحة، وهذا الذي يُفهم من كلام الشاطبي وابن عاشور في الحيل، أن الأصل فيها

(1)

الأم، للشافعي 7/ 86.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 412 - 413.

ص: 136

عندهم البطلان إلا إذا كان فيها تحقيق مصلحة مقصودة للشارع أكبر من مفسدة الحيلة

(1)

، وهذا ما يُفهم من الأمثلة التطبيقية للحيل الجائزة عند ابن القيم، ففي القراءة في الحيل التي أجازها ابن القيم نجد أنه أجاز حيلًا لنوعي قسم الحيل المختلف فيها، وأذكر مثالًا لكل نوع:

النوع الأول: حيل وسيلتها ممنوعة، والمقصد منها مشروع، قال ابن القيم في مسألة الظفر بالحق بعد ذكر القولين فيها، المنع، والجواز: "وتوسط آخرون وقالوا: إن كان سبب الحق ظاهرًا كالزوجية والأبوة والبنوة وملك اليمين الموجب للإنفاق فله أن يأخذ قدر حقه من غير إعلامه

وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وعليه تدل السنة دلالة صريحة، والقائلون به أسعد"

(2)

.

النوع الثاني: حيل وسيلتها مشروعة، والمقصد منها تغيير الحكم الشرعي، قال ابن القيم في حيلة التحليل من الطلاق بعد الثلاث:"إذا وقع الطلاق الثلاث بالمرأة، وكان دينها ودين وليها وزوجها المطلق أعز عليهم من التعرض للعنة الله ومقته بالتحليل الذي لا يحلها، ولا يطيبها بل يزيدها خبثًا فلو أنها أخرجت من مالها ثمن مملوك فوهبته لبعض من تثق به فاشترى به مملوكًا ثم خطبها على مملوكه فزوجها منه فدخل بها المملوك ثم وهبها إياه انفسخ النكاح، ولم يكن هناك تحليل مشروط، ولا منوي ممن تؤثر نيته وشرطه، وهو الزوج"

(3)

.

(1)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 109 - 123، مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 355 - 359.

(2)

إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 21.

(3)

المرجع السابق 4/ 36.

ص: 137

فابن القيم مع تشديده النكير على المجيزين للحيل إلا أنه أجاز الحيلة في المثالين السابقين، ولا يوجد تأويل له إلا أنه رأى في الحيلة تحقيق مصلحة مقصودة للشارع أعظم من مفسدة الحيلة.

فعلى هذا فالأصل في الحيل المنع والبطلان، وإبطالها ليس إبطالًا لكل الحيل، فلا "يمكن إقامة دليل في الشريعة على إبطال كل حيلة، كما أنه لا يقوم دليل على تصحيح كل حيلة؛ فإنما يبطل منها ما كان مضادًا لقصد الشارع خاصة"

(1)

، فمتى كان في الحيلة تحقيق مصلحة أكبر من مفسدة الحيلة فتجوز في هذه الحالة تغليبًا لجانب المصلحة، وتحقيقًا لمقصد الشارع.

‌المطلب الرابع: ضوابط المخارج الشرعية

لابد للحيل الجائزة أو المخارج الشرعية من ضوابط تضبطها حتى تؤدي دورها، وحتى لا يقع المسلم في الحيل المحرمة، وهذه الضوابط هي:

1 -

أن تكون الحيلة متوافقة مع مقصد الشارع، وفيها تحقيق مصلحة شهد الشرع باعتبارها، وألا تهدم أصلًا شرعيًا، قال الشاطبي:"فإن فرضنا أن الحيلة لا تهدم أصلًا شرعيًا، ولا تناقض مصلحة شهد الشرع باعتبارها؛ فغير داخلة في النهي"

(2)

.

2 -

أن يكون النظر في تقرير مصالح الحيل وموافقتها لمقصود الشارع للعلماء الشرعيين؛ "ليكون الناظر متكيفًا بأخلاق الشريعة، فينبو عقله وطبعه عما يخالفها"

(3)

، ولا

(1)

الموافقات، للشاطبي 3/ 33.

(2)

المرجع السابق 3/ 124.

(3)

نفائس الأصول في شرح المحصول، للقرافي 9/ 4092.

ص: 138

يفتح المجال لغيرهم؛ لأن من كان جاهلًا بالأصول يكون بعيد الطبع عن أخلاق الشريعة، فيقع في مخالفتها بقصد أو دون قصد

(1)

.

3 -

ألا تتضمن إسقاط حق، أو تحريم حلال، أو تحليل حرام، قال ابن القيم:"وهكذا الحيلة في جميع هذا الباب، وهي حيلة جائزة؛ فإنها لا تتضمن إسقاط حق، ولا تحريم حلال، ولا تحليل حرام"

(2)

. وقد ذكر ابن القيم من هذه الحيل الجائزة مئة وستة عشر مثالًا

(3)

.

‌المطلب الخامس: الحيل والهندسة المالية الإسلامية

الحيل هي أكثر الأدوات التي تستخدمها المصارف الإسلامية في هندستها للعقود حتى ليُخيل للناظر أن عمل بعض الجهات الاستشارية للبنوك هو صناعة الحيل الفقهية التي تنمي أعمال البنوك

(4)

؛ حتى قال أحدهم: "على من ينشئ مصرفًا إسلاميًا أن يطبع نماذج مخصوصة للقروض، ونماذج أخرى للحيلة الشرعية، حتى يكون عقد القرض خاليًا من ذكر المنفعة، وهو أمر سهل جدًا"

(5)

. ويُعبر بعضهم عن الحيل الفقهية بالمخارج الشرعية تغريرًا بالناس وتدليسًا عليهم، فاسم المخارج الشرعية أقرب للقلوب من اسم الحيل

(6)

؛

(1)

المرجع السابق 9/ 4092.

(2)

إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 17.

(3)

المرجع السابق 3/ 261 - 4/ 37.

(4)

انظر: التطبيقات المصرفية لبيع المرابحة، لعطية فياض، ص 188.

(5)

الجامع في أصول الربا، لرفيق المصري، ص 179.

(6)

انظر: الحيل الفقهية في المعاملات، لعيسى الخلوفي، ص 329.

ص: 139

مما نتج عن هذه المعاملات التي بنيت على الحيل أن قربت بين البنوك الربوية والمصارف الإسلامية في حقيقة الأمر

(1)

، والذي ينبغي على المصارف الإسلامية أن تبتعد كل البعد عن الحيل الفقهية المحرمة؛ وذلك لتحافظ على أمانتها وسمعتها؛ فالناس لم يتعاملوا معها إلا للظفر بالمعاملات الشرعية التي ترضي الله عنهم، وأكثرهم يثق بهذه المصارف وبهيئاتها، ولا يسألون عن حكم المعاملة إذا صدرت من المصارف الإسلامية ثقةً بها

(2)

، وهم يفضلون المصارف الإسلامية على غيرها من البنوك حتى لو كانت خدماتها أقل جودة؛ لأجل انضباط معاملاتها بضوابط الشريعة

(3)

، فإذا فوجئوا أن المعاملة لم تكن شرعية، وأنه لا فرق بين معاملات المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية؛ فستخسر المصارف الإسلامية سمعتها وعملاءها، وهذا يخل بالمقاصد التي لأجلها أنشئت المصارف الإسلامية

(4)

.

وإذا أرادت المصارف الإسلامية الحيل الجائزة أو المخارج الشرعية فينبغي عليها أن تراعي الضوابط التي تضبطها، وعليها أن تجعل الحكم في المعاملات التي تمت هندستها للعلماء الشرعيين أو المجامع الفقهية، أو الهيئات الشرعية التي لا تأثير للمصرف عليها، ولا تكتفي برأي المهندسين الماليين أو غيرهم من الاقتصاديين، إذا لم يكونوا من أهل الاجتهاد، وكل ذلك يصب في مصلحة المصارف الإسلامية، ويحافظ على شرعيتها، ويحميها من الوقوع في الأزمات المالية التي وقعت فيها البنوك التقليدية؛ يقول الدكتور

(1)

انظر: بحوث في المصارف الإسلامية، لرفيق المصري، ص 12.

(2)

انظر: تجربة البنوك التجارية السعودية في بيع المرابحة، لعبدالرحمن الحامد، ص 446.

(3)

انظر: المصرفية الإسلامية الأزمة والمخرج، ليوسف كمال محمد، ص 162.

(4)

انظر: الحيل الفقهية في المعاملات، لعيسى الخلوفي، ص 340 - 342.

ص: 140

رفيق المصري: "إن بعض الباحثين الذين يوصفون بأنهم باحثون في الاقتصاد الإسلامي كتبوا قبل الأزمة مطالبين بإباحة المشتقات المالية وبيع الديون، ولو بطريق الحيل، ثم ما لبثت الأزمة أن وقعت، وتبين أن المشتقات والديون كانتا من أعظم أسباب وقوعها، فهل يؤتمن هؤلاء الباحثون وأمثالهم على إيجاد اقتصاد إسلامي سليم وفقه مالي صحيح"

(1)

.

(1)

الحيل الفقهية بين البوطي وابن قيم الجوزية، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2008 - 2009 م، ص 258.

ص: 141

‌المبحث الثاني:

الرخص الشرعية

من أبرز خصائص التشريع الإسلامي أنه دين السهولة واليسر والسماحة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» رواهما البخاري

(1)

، ومن اليسر والسماحة في الدين الإسلامي أن الله يخفف عن عباده عند مظنة المشقة العارضة على المكلف

(2)

، فالأحكام التي ينشأ عن تطبيقها مشقة على المكلف في نفسه أو ماله، فإن الشريعة ترخص له وتخفف عنه بما يقع تحت قدرته دون عسر أو إحراج

(3)

، وجميع هذه الرخص الشريعة وتخفيفاتها متفرعة عن قاعدة "المشقة تجلب التيسير"

(4)

؛ "قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته"

(5)

.

وقاعدة" المشقة تجلب التيسير" من القواعد الكبرى التي ترتكز عليها الشريعة الإسلامية، فلا غرابة بعد ذلك أن تكون الرخص الشرعية إحدى الأدوات التي يستخدمها العلماء الشرعيون وهم يبحثون عن حلول مالية لرفع المشقة التي تواجه المصارف الإسلامية في سيرها لتحقيق مقاصدها، وفي هذا المبحث دراسة لهذه الأداة.

(1)

سبق تخريجهما ص 66.

(2)

انظر: المشقة على النفس الصادرة من ذات المكلف، لعبدالعزيز العويد، ص 19 - 23.

(3)

انظر: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، لعثمان شبير، ص 191.

(4)

انظر: القواعد والأصول الجامعة، لعبدالرحمن السعدي، ص 19.

(5)

الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 77، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 64.

ص: 142

‌المطلب الأول: تعريف الرخص الشرعية

الرخص في اللغة جمع رخصة، وتدل على التخفيف والتيسير واللين وخلاف الشدة، قال ابن فارس

(1)

: "الراء والخاء والصاد أصل يدل على لين وخلاف شدة"

(2)

، وقال ابن منظور

(3)

: "والرخصة: ترخيص الله للعبد في أشياء خففها عنه"

(4)

.

أما الرخصة في الاصطلاح فلها عدة تعريفات؛ فقد عرفها البزدوي الحنفي

(5)

: بـ"ما يستباح بعذر مع قيام المحرم"

(6)

، وانتُقد هذا التعريف بأنه غير جامع؛ لعدم شموله الرخصة الثابتة على خلاف دليل الندب

(7)

، وبأنه متناقض؛ لأن الذي أبيح لا يكون حرامًا

(8)

.

(1)

هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني أبو الحسين، العلامة اللغوي، من أئمة اللغة والأدب، ولد سنة 329 هـ، أصله من قزوين وأقام بهمذان وانتقل إلى الري، له تصانيف من أشهرها:" المجمل"، و "معجم مقاييس اللغة"، توفي بالري سنة 395 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 13/ 103، الأعلام، للزركلي 1/ 193.

(2)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 500.

(3)

هو محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الأفريقى، الإمام اللغوي الحجة، ولد بمصر سنة 630، وخدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة، ثم ولي القضاء في طرابلس، وعاد إلى مصر، ترك بخطه نحو خمسمائة مجلد، من أشهر مؤلفاته:"لسان العرب"، توفى بمصر سنة 711 هـ. انظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي 1/ 248، الأعلام للزركلي 7/ 108.

(4)

لسان العرب، لابن منظور 7/ 40.

(5)

هو علي بن محمد بن الحسين، أبو الحسن البزدوي، ولد سنة 400 هـ، وكان إمام الحنفية بما وراء النهر، ومن أبرز مؤلفاته:" المبسوط"، و"كنز الأصول إلى معرفة الأصول" المعروف بأصول البزدوي، وهو من أفضل ما كتب في الأصول، توفي سنة 482 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 18/ 602، الجواهر المضية، للقرشي 1/ 372.

(6)

التقرير لأصول فخر الإسلام البزدوي، للبابرتي 3/ 467.

(7)

انظر: نهاية السول شرح منهاج الأصول، للإسنوي 1/ 34.

(8)

انظر: المستصفى، للغزالي 1/ 79، الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي 1/ 132.

ص: 143

وعرفها الغزالي: بـ"بما وسع للمكلف في فعله لعذر وعجز عنه مع قيام السبب المحرم"

(1)

.

وانتُقد هذا التعريف بأنه غير جامع؛ لأنه اقتصر على الفعل، والرخصة كما قد تكون بالفعل فقد تكون بالترك

(2)

، ولعدم شموله الرخصة الثابتة على خلاف دليل الندب

(3)

.

وكل تعريفات الرخصة قريبة من هذين التعريفين، وإن اختلفت قليلًا في الألفاظ، وعليها من الانتقادات ما على هذين التعريفين

(4)

.

وأجود تعريف للرخصة تعريف السبكي، وهو:"ما تغير من الحكم الشرعي لعذر إلى سهولة ويسر مع قيام السبب للحكم الأصلي"

(5)

.

وقد جوّده الشنقيطي، فقال:"ومن أجود تعاريف الرخصة، ما عرفها به بعض أهل الأصول من أنها هي الحكم الشرعي الذي غير من صعوبة إلى سهولة لعذر اقتضى ذلك، مع قيام سبب الحكم الأصلي"

(6)

.

‌المطلب الثاني: أقسام الرخص الشرعية

لقد قسم العلماء الرخصة عدة تقسيمات، من أهمها:

أولا: تقسيم الرخصة باعتبار الفعل والترك:

تنقسم الرخصة باعتبار الفعل والترك قسمين:

(1)

المستصفى، للغزالي 1/ 78.

(2)

انظر: الابهاج في شرح المنهاج، للسبكي 1/ 82.

(3)

انظر: نهاية السول شرح منهاج الأصول، للإسنوي 1/ 34.

(4)

انظر: الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس، لعبدالكريم النملة، ص 10 - 44.

(5)

رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، للسبكي 2/ 26.

(6)

مذكرة في أصول الفقه، للشنقيطي، ص 60.

ص: 144

القسم الأول: رخصة فعل؛ كإجراء كلمة الكفر على اللسان مع اطمئنان القلب إلى الإيمان عند الإكراه، وكالمضطر إلى أكل الميتة

(1)

.

القسم الثاني: رخصة ترك؛ كالفطر والقصر للمسافر، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حالة الخوف

(2)

.

ثانيًا: تقسيم الرخص باعتبار الحكم:

تنقسم الرخص باعتبار الحكم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: رخصة واجبة؛ كإساغة اللقمة بالخمر لمن غص باللقمة، وكتناول الميتة للمضطر

(3)

.

القسم الثاني: رخصة مندوبة؛ كقصر الصلاة للمسافر، والإبراد في صلاة الظهر في شدة الحر

(4)

.

القسم الثالث: رخصة مباحة؛ كالجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة، وبيع العرايا

(5)

.

وقد زاد بعض الأصوليين أقسامًا للرخصة، وهي: رخصة محرمة، ورخصة مكروهة، ورخصة خلاف أولى

(6)

، إلا أن أكثر الأصوليين يكتفون بالأقسام الثلاثة الأولى

(7)

، بل

(1)

انظر: أصول الشاشي، ص 385، الأصول والضوابط، للنووي، ص 37.

(2)

انظر: الأصول والضوابط، للنووي، ص 38، الرخص في المعاملات وفقه الأسرة، لمحمد أبا الخيل، ص 76.

(3)

انظر: البحر المحيط، للزركشي 2/ 34، شرح مختصر الروضة، للطوفي 1/ 465.

(4)

انظر: التمهيد، للإسنوي، ص 72 - 73، المهذب، لعبدالكريم النملة 1/ 456.

(5)

انظر: التمهيد، للإسنوي، ص 73، شرح الكوكب المنير، لابن النجار 1/ 480.

(6)

انظر: غاية الوصول، للسنيكي، ص 19، التمهيد، للإسنوي، ص 73، المهذب، لعبدالكريم النملة 1/ 458 - 459.

(7)

انظر: نهاية السول، للإسنوي 1/ 34، بيان المختصر، للأصفهاني 1/ 412.

ص: 145

نَسب الزركشي هذا التقسيم إلى جميع الأصوليين، فقال:"اعلم أن جميع الأصوليين يقسمون الرخصة إلى الأقسام الثلاثة المذكورة"

(1)

. فالرخصة "لا تكون محرمة، ولا مكروهة"

(2)

، ولا خلاف أولى؛ لأن الرخصة مشروعة، وهذه الأوصاف غير مشروعة، ولا اجتماع بينها، ولا توجد أمثلة صحيحة عند من ذكر هذه الأقسام.

والأصل في الرخصة ألا يوصف بها إلا الإباحة، ولكن قد يعرض للحكم الموصوف بأنه رخصة ما يجعله واجبًا، أو مندوبًا

(3)

، قال السبكي:"واعلم أن الإيجاب والندب واستواء الطرفين أو رجحان أحدهما أمر زائد على معنى الرخصة؛ لأن معناها التيسير؛ وذلك بحصول الجواز للفعل أو الترك، يرخص في الحرام بالإذن في فعله، وفي الواجب بالإذن في تركه، وأدلة الوجوب والندب وغيرها تؤخذ من أدلة أخرى"

(4)

.

ثالثًا: تقسيم الرخصة باعتبار العموم والخصوص:

تنقسم الرخصة باعتبار العموم والخصوص إلى رخصة عامة، ورخصة خاصة

(5)

، إلا أن ابن عاشور قسمها باعتبار عمومها وخصوصها مع اطرادها وتوقيتها ثلاثة أقسام:

القسم الأول: رخصة عامة مطردة؛ كانت سبب تشريع عام، مستثناة من أصل كان شأنه المنع؛ كالسلم

(6)

.

القسم الثاني: رخصة خاصة مؤقتة؛ وهذه أكثر الرخص التي يكتفي الأصوليون بضرب الأمثلة لها؛ كمن اضطر لأكل الميتة

(7)

.

(1)

البحر المحيط، للزركشي 2/ 36.

(2)

التحبير شرح التحرير، للمرداوي 3/ 1122.

(3)

انظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، للسلمي، ص 63.

(4)

الإبهاج في شرح المنهاج، للسبكي 1/ 82.

(5)

انظر: قواعد ابن رجب، ص 9.

(6)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 380.

(7)

المرجع السابق، ص 381.

ص: 146

القسم الثالث: رخصة عامة مؤقتة؛ "وذلك أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها، يستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي؛ مثل سلامة الأمة، وإبقاء قوتها، أو نحو ذلك"

(1)

، ومثل الكراء المؤبد الذي جرت به فتوى بعض علماء الأندلس في أرض الوقف عندما زهد الناس في كرائها لقصر المدة التي تكتري أرض الوقف لمثلها، وكثرة التكلفة التي تحتاجها الأرض للعمل فيها، فأفتى بعض العلماء بالكراء المؤبد، ورأوا أن التأبيد لا غرر فيه؛ لأنها باقية غير زائلة

(2)

.

‌المطلب الثالث: أسباب الرخص الشرعية

أكثر الكتب الأصولية تذكر أمثلة للرخص دون حصر لأسباب الرخص الشرعية، فتُمثل بالمرض، والسفر، والإكراه على كلمة الكفر، والاضطرار لأكل الميتة

(3)

، وقد حاول بعض الأصوليين حصر أسباب الرخص، فذكر السيوطي وابن نجيم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة: السفر، والمرض، والإكراه، والنسيان، والجهل، وعموم البلوى، والنقص

(4)

، وزاد بعضهم عليها ثلاثة أسباب، وهي: الضرورة، والمشقة، والخطأ

(5)

، وزاد بعضهم عليها سببًا رابعًا وهو: الحاجة

(6)

، وذكر السيوطي أن الأسباب التي ترخص في ترك الجماعة نحو أربعين سببًا

(7)

، وكل هذه الأسباب التي ذكرها العلماء وغيرها تعود إلى

(1)

مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 381.

(2)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 381 - 382.

(3)

انظر: التقرير لأصول فخر الإسلام البزدوي، للبابرتي 4/ 12 - 44، شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 85.

(4)

انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 77 - 80، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 64 - 70.

(5)

انظر: الرخص الشرعية، لأسامة الصلابي، ص 144 - 333.

(6)

انظر: الرخص في المعاملات المالية وفقه الأسرة، لمحمد أبا الخيل، ص 48 - 75.

(7)

انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 439.

ص: 147

المشقة، قال الشاطبي:"إن سبب الرخصة المشقة"

(1)

، فالمشقة هي سبب الرخصة، وهي إما أن تصل إلى درجة الضرورة، أو لا تصل إليها فتكون حاجية، قال الطوفي:"قد يكون سبب الرخصة اختياريًا؛ كالسفر، واضطراريًا؛ كالاغتصاص باللقمة المبيح لشرب الخمر"

(2)

.

وعلى ذلك يمكن تقسيم أسباب الرخصة إلى قسمين رئيسين:

القسم الأول: الضرورة؛ ويدخل فيه النطق بكلمة الكفر لمن أكره على ذلك، والمريض إذا كان المرض يؤدي به إلى الهلاك إن لم يترخص، وشرب الخمر لمن غص باللقمة ولم يكن عنده إلا الخمر

(3)

، وكل مشقة تؤدي إلى الهلاك إن لم يترخص تدخل تحت هذا القسم.

القسم الثاني: الحاجة؛ ويدخل فيه السفر، والنسيان، والجهل، والخطأ، والنقص، وعموم البلوى، ومن كان مرضه لا يؤدي به إلى الهلاك إذا لم يترخص، فكل هذه الأسباب يقع على الناس مشقة لو لم يرخص لهم بها، وهذه المشقة لا تصل بهم إلى درجة الهلاك والضرورة، وكل ما يؤدي إلى مشقة وحرج ولا يصل إلى درجة الضرورة يدخل تحت هذا القسم.

‌المطلب الرابع: أدلة الرخص الشرعية

للرخص الشرعية أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، منها:

الدليل الأول: الآيات الكثيرة التي تدل على التيسير، والتخفيف، ورفع الحرج عن الأمة؛ كقول الله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}

(4)

.

وقوله: {يُرِيدُ

(1)

الموافقات، للشاطبي 1/ 484.

(2)

شرح مختصر الروضة، للطوفي 1/ 466.

(3)

انظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 85.

(4)

سورة البقرة، الآية 185.

ص: 148

اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}

(1)

.

وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(2)

.

وجه الدلالة من الآيات: أن الآيات تدل على أن الله يريد أن ييسر ويسهل على عباده الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير؛ ليسهل سلوكها، ولهذا فإن جميع الأوامر لا تشق على المكلفين، وإذا حصل بعض المشاق والعجز خفف الشارع من الواجبات بحسب ما يناسب ذلك، فيدخل في هذا جميع التخفيفات، والرخص الشرعية

(3)

.

الدليل الثاني: الأحاديث النبوية الكثيرة الدالة على التيسير والتخفيف؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» رواه البخاري

(4)

.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» رواه البخاري

(5)

.

وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:«مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» متفق عليه

(6)

.

وجه الدلالة من الأحاديث: في هذه الأحاديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم سماحة هذا الدين ويسره، وتبين عائشة رضي الله عنها أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم اختيار الأيسر ما لم يكن إثمًا، والرخص الشرعية من السماحة والتيسير على عباد الله

(7)

، بل في الأحاديث "الإشارة إلى الأخذ

(1)

سورة النساء، الآية 28.

(2)

سورة البقرة، الآية 286.

(3)

انظر: تيسير اللطيف المنان، للسعدي، ص 93 - 94.

(4)

سبق تخريجه ص 65.

(5)

سبق تخريجه ص 65.

(6)

سبق تخريجه ص 66.

(7)

انظر: فتح الباري، لابن رجب 2/ 281.

ص: 149

بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع"

(1)

.

الدليل الثالث: الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة التي تدل على بعض الرخص، ومنها:

1 -

الرخصة للمكره على النطق بكلمة الكفر؛ قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}

(2)

.

2 -

الرخصة للمضطر بالأكل من المحرمات؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(3)

.

3 -

الرخصة للمريض والمسافر بالإفطار في رمضان؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(4)

.

4 -

الرخصة للمسافر بقصر الصلاة؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}

(5)

.

5 -

الرخصة لمن أكل وهو ناس في رمضان أن يتم صومه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» متفق عليه

(6)

.

6 -

الرخصة في العرايا؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي

(1)

فتح الباري، لابن حجر 1/ 94.

(2)

سورة النحل، الآية 106.

(3)

سورة البقرة، الآية 173.

(4)

سورة البقرة، الآية 184.

(5)

سورة النساء، الآية 101.

(6)

رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، برقم 1933، ومسلم، كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، برقم 1155.

ص: 150

العَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا» متفق عليه

(1)

.

7 -

الرخصة للحائض أن تترك طواف الوداع؛ عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:«رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ» رواه البخاري

(2)

.

8 -

الرخصة في لبس الحرير لمن احتاج إليه؛ عن أنس رضي الله عنه، قال:«رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي لُبْسِ الحَرِيرِ، لِحِكَّةٍ بِهِمَا» متفق عليه

(3)

.

وجه الدلالة من هذه الأدلة: كل هذه الأدلة تدل على مشروعية الرخص، وأن الشريعة تخفف على المسلم وترخص له متى ما وجدت المشقة.

الدليل الرابع: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» رواه أحمد

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: في الحديث دلالة على مشروعية الرخص، و"أن الله يحب إتيان ما شرعه من الرخص، وفي تشبيه تلك المحبة بكراهته لإتيان المعصية دليل على أن في ترك إتيان الرخصة ترك طاعة، كالترك للطاعة الحاصل بإتيان المعصية"

(5)

.

الدليل الخامس: الإجماع القائم من عصر الصحابة إلى عصرنا على مشروعية الرخص التي جاءت بها الشريعة، دون إنكار من أحد من العلماء.

(1)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب تفسير العرايا، برقم 2192، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، برقم 1539.

(2)

كتاب الحيض، باب المرأة تحيض بعد الإفاضة، برقم 328.

(3)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة، برقم 5839، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها، برقم 2076.

(4)

مسند عبدالله بن عمر رضي الله عنه، برقم 5866. والحديث من رواية عمارة بن غزية عن حرب بن قيس عن نافع، ولم أجد متابعًا لعمارة ولا لحرب، وقد جاء في أطراف الغرائب والأفراد عن هذا الحديث: "تفرد به حرب بن قيس عنه-أي عن نافع-"، ومثلهما لا يحتمل التفرد، وحرب بن قيس مجهول الحال؛ فلم يوثقه غير ابن حبان. انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 368، أطراف الغرائب والأفراد، لابن القيسراني 3/ 446، ميزان الاعتدال، للذهبي 3/ 178، الثقات، لابن حبان 6/ 230.

(5)

نيل الأوطار، للشوكاني 3/ 244.

ص: 151

‌المطلب الخامس: العلاقة بين الرخص الشرعية وتتبع رخص المذاهب

يقصد بتتبع رخص المذاهب أن يأخذ الشخص من كل مذهب ما هو أهون عليه وأيسر فيما يطرأ عليه من المسائل دون نظرٍ في الأدلة

(1)

.

والرخص الشرعية تجتمع، مع تتبع رخص المذاهب، في أن كلًا منهما أخذ بالأسهل، إلا أنهما يختلفان في أن الرخص الشرعية يكون الأخذ بالأسهل فيها مبنيًا على دليل، أما تتبع رخص المذاهب فلا يكون الأخذ بالأسهل فيها مبنيًا على دليل، بل يكون الأخذ بالقول الأسهل لمجرد البحث عن التيسير والتخفيف دون نظر في الأدلة؛ لذلك حرمها كثير من العلماء، بل نُقل الإجماع على تحريمها

(2)

.

(1)

أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي 2/ 431. وانظر: التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج 3/ 351.

(2)

اختلف العلماء في حكم تتبع رخص المذاهب على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن تتبع رخص المذاهب يجوز مطلقًا، اختاره ابن الهمام، والعز بن عبدالسلام.

القول الثاني: أن تتبع رخص المذاهب جائز بشروط، اختاره القرافي، وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي.

القول الثالث: أن تتبع رخص المذاهب لا يجوز مطلقًا، اختاره الأكثر، بل نقل الإجماع على ذلك ابن حزم وابن عبدالبر.

انظر: فتاوى شيخ الإسلام عز الدين بن عبدالسلام، ص 288، فتح القدير، لابن الهمام 7/ 258، شرح تنقيح الفصول، للقرافي ص 432، الموافقات، للشاطبي 5/ 99، قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، العدد 8، رقم 74/ 1، مراتب الإجماع، لابن حزم، ص 175، جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر 2/ 927.

ص: 152

‌المطلب السادس: الرخص الشرعية والهندسة المالية الإسلامية

تستخدم المصارف الإسلامية في هندستها للعقود الرخص الشرعية؛ وذلك عندما ترى أن هناك مشقة تواجه المصارف الإسلامية، ولا يمكن تجاوزها إلا بهذه الرخصة؛ ومن ذلك أن هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي في السودان ترى تحريم التأمين التجاري؛ لكونه من الغرر، ومع ذلك في الفتوى رقم 16 و 17، أجازت لشركات التأمين التعاوني إعادة التأمين لدى شركات التأمين التجاري؛ لوجود الحاجة المتعينة كما قدر خبراء البنك، واشترطت بعض الشروط لتضبط هذه الرخصة

(1)

، وهذه الرخصة عامة مؤقتة، وسببها الحاجة، فمتى وجدت شركات إعادة تأمين تعاوني تزول هذه الحاجة، ويعود الحكم للمنع.

إلا أن هناك توسعًا في دعوى الحاجة عند بعض العلماء مما جعلهم يرخصون في الربا استنادًا على الحاجة

(2)

، دون مراعاة لضوابط الحاجة؛ فالحاجة ليست مجرد التطلع إلى الشيء أو الرغبة فيه أو التشوف له

(3)

، بل لابد من ضوابط تضبطها، والذي ينبغي على الفقهاء الذين يراعون مصلحة المصارف الإسلامية، ويبحثون عن أدوات تحل مشاكلها أن يراعوا أمورًا قبل أن يرخصوا في عقد محرم استنادًا على الحاجة، وهذه الأمور هي:

(1)

انظر: التأمين وإعادة التأمين، لوهبة الزحيلي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني، ص 381.

(2)

انظر: فتاوى محمد رشيد رضا 2/ 607 - 608، الفتاوى، لمحمود شلتوت، ص 306 - 308.

(3)

انظر: غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص 480.

ص: 153

الأمر الأول: النظر إلى مرتبة الأمر المنهي عنه، فما كان في مرتبة عليا؛ كالربا فلا تؤثر فيه الحاجة، ولا تجيز منه لا قليلًا ولا كثيرًا

(1)

، وما كان في مرتبة وسطى؛ كالغرر فتؤثر فيه الحاجة بشروط

(2)

، فالحاجة لا تؤثر فيما ثبت النهي عنه بأدلة قوية، بحيث تعد مرتبة قوية

(1)

انظر: التاج والإكليل، للمواق 6/ 230. يرى بعض أهل العلم أن الحاجة تجيز ربا الفضل مستدلين بأن تحريم ربا الفضل من باب تحريم الوسائل لا المقاصد، وتحريم الوسائل يجوز للحاجة، وأن الشريعة أجازت العرايا للحاجة؛ وهي من ربا الفضل، ولا يسلم لهم ذلك؛ فتحريم ربا الفضل من باب تحريم المقاصد لا الوسائل؛ وقد جاء عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري، قال: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَيْنَ هَذَا؟»، قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ»، ونص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه عين الربا مع التأوه وهو من ربا الفضل دلالة على أن تحريمه تحريم مقاصد لا وسائل، وأما الاستدلال بالعرايا، فالنبي صلى الله عليه وسلم مع حاجة الناس لها لم يرخص أن يباع الرطب بالتمر مع العلم بالتفاضل، بل رخص في العرايا أن تباع بخرصها، والخرص يكون عن طريق أهل الخبرة وقلما يخطيء الخارص -إن كان من أهل الخبرة- في تقديرها، خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم حددها بخمسة أوسق، وهذا القدر قليل عند أهل الخبرة يندر خطؤهم في تقديره، ويغلب على الظن أن البيع يتم متماثلا، وهذه القيود التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم للعرايا مع حاجة الناس تدل على أن تحريم ربا الفضل من باب تحريم المقاصد، وعلى فرض أن هناك تفاضلًا فليس معلومًا، فالعرايا تدل على أنه إذا كانت هناك حاجة وتعذر العلم بالتماثل فإنه يجوز التبادل بين الجنس الربوي بمثله إذا غلب على الظن وجود التماثل، ولا دلالة في العرايا على جواز التبادل بين الجنس الربوي بمثله مع العلم بالتفاضل. ومن أراد أن يقيس غير العرايا على العرايا فليراع هذه القيود التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 25/ 109، 29/ 428، تفسير آيات أشكلت، لابن تيمية 2/ 625، إعلام الموقعين، لابن القيم 2/ 104، 107، مقاصد الأحكام المالية عند ابن القيم، لمحمد اليحيى، ص 504.

(2)

انظر: صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لابن بيه، ص 225.

ص: 154

من مراتب النهي، فلا تؤثر في تحليل الخمر، والميتة، والدم، بل تؤثر في عموم ضعيف كثرت أفراده، وتناوله التخصيص، وتؤثر في مرتبة المنهيات التي لا توصف بأنها في أعلى درجات المنهيات، فمن المعلوم أن محرمات المقاصد ليست كمحرمات الوسائل، فالأولى لا تبيحها إلا الضرورة الخاصة، بينما تتأثر الأخيرة بالحاجة المنزلة منزلة الضرورة، وتؤثر الحاجة في بعض العمومات وبعض المنهيات الأقل قوة، وهذه فروق دقيقة توزن بميزان دقيق، بحيث يلاحظ الفقيه أن الشارع لم يشدد فيها، فليست حرمة الربا كحرمة القمار، والميسر، والغرر، فالربا أشد

(1)

، قال ابن تيمية:"وتحريم الربا أشد من تحريم الميسر الذي هو القمار"

(2)

. وقال: "وقد أباح الشارع أنواعًا من الغرر للحاجة

وأما الربا فلم يبح منه"

(3)

. وقال: "ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا"

(4)

.

الأمر الثاني: أن تتوافر الحاجة إلى هذا العقد؛ بحيث تفوت مصلحة شرعية بفواته، ولو لم يباشر الناس هذا العقد لوقعوا في مشقة وحرج

(5)

.

الأمر الثالث: أن تكون الحاجة إلى هذا العقد متعينة؛ بحيث لا يتمكن الخلاص من حاجته بأمر مشروع

(6)

، فعلى التسليم بأنه: "إن كانت هناك حاجة إلى العقد لم يؤثر الغرر

(1)

انظر: صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لابن بيه، ص 230 - 231.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 341.

(3)

المرجع السابق 32/ 236.

(4)

القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 172.

(5)

انظر: عقد التأمين، لوهبة الزحيلي، ص 53.

(6)

انظر: ضوابط الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، لوليد الزير، منشور في مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 26، العدد الأول، 2010 م، ص 683.

ص: 155

فيه مهما كانت صفة الغرر، وصفة العقد"

(1)

، فإن مراعاة أن تكون الحاجة إلى العقد متعينة تُبين بُعد رأي من رأى أن"عقد التأمين ينطوي على غرر كثير، وأن الأصل فيه التحريم، ولكن أباحته الحاجة الملحة العامة"

(2)

؛ فإن الحاجة إلى التأمين التجاري غير متعينة مع وجود التأمين التعاوني، قال الدكتور الصديق الضرير: "وقد رأينا إن التأمين التعاوني لا شبهة في جوازه

؛ ولذا فإني أرى أن الحاجة إلى التأمين بقسط ثابت في صورته الحاضرة، وإن كانت عامة، إلا أنها غير متعينة، وعلى هذا فإن قواعد الفقه الإسلامي تقضي بمنعه؛ لأنه عقد معاوضه فيه غرر كثير من غير حاجة"

(3)

.

الأمر الرابع: أن يكون تقدير الغرر، والقمار، والخطر في العقد، لأهل الاختصاص من الاقتصاديين، وشأن الفقيه أن يبين الحكم الفقهي فيها، قال ابن القيم:"وقول القائل: إن هذا غرر ومجهول فهذا ليس حظ الفقيه، ولا هو من شأنه، وإنما هذا من شأن أهل الخبرة بذلك، فإن عدوه قمارًا أو غررًا فهم أعلم بذلك، وإنما حظ الفقيه يحل كذا؛ لأن الله أباحه، ويحرم كذا؛ لأن الله حرمه، وقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال الصحابة رضي الله عنهم، وأما أن يرى هذا خطرًا وقمارًا أو غررًا، فليس من شأنه بل أربابه أخبر بهذا منه، والمرجع إليهم فيه، كما يرجع إليهم في كون هذا الوصف عيبًا أم لا، وكون هذا البيع مربحًا أم لا، وكون هذه السلعة نافقة في وقت كذا وبلد كذا، ونحو ذلك من الأوصاف الحسية، والأمور العرفية، فالفقهاء بالنسبة إليهم فيها مثلهم بالنسبة إلى ما في الأحكام الشرعية"

(4)

.

(1)

الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 600.

(2)

المعاملات المالية، لدبيان الدبيان 4/ 153.

(3)

الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 658.

(4)

إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 4 - 5.

ص: 156

‌المبحث الثالث:

الاستحسان

قال الإمام مالك رحمه الله: "تسعة أعشار العلم الاستحسان"

(1)

. بل بالغ بعضهم في الاستحسان حتى عده عماد العلم، وأن الذي لا يستحسن يكاد أن يفارق السنة

(2)

، والعلماء متفقون على أصل الأخذ به في معناه الأساس، وإن كانت طرائقهم مختلفة في الوصول إلى تحقيق هذا المعنى

(3)

، ويعد الاستحسان من الأدوات التي تستخدم في الهندسة المالية الإسلامية للعقود، وفي هذا المبحث دراسة له.

‌المطلب الأول: تعريف الاستحسان

الاستحسان في اللغة مشتق من الحسن، والحسن ضد القبح، واستحسن الشيء أي عده حسنًا

(4)

.

والاستحسان في الاصطلاح له عدة تعريفات؛ منها: التعريف الأول: الاستحسان هو "دليل ينقدح في نفس المجتهد وتقصر عنه عبارته، فلا يقدر على إظهاره"

(5)

. ونُسب هذا التعريف إلى بعض الحنفية

(6)

. وانتقد هذا التعريف انتقادًا شديدًا

(7)

؛ "لأن ما لا يقدر على التعبير عنه لا يدري أنه وهم وخيال أو تحقيق ولا بد من ظهوره"

(8)

.

(1)

الموافقات، للشاطبي 5/ 198.

(2)

انظر: الموافقات، للشاطبي 5/ 199.

(3)

انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 277.

(4)

انظر: القاموس المحيط، للفيروز أبادي، ص 1189، مختار الصحاح، للرازي، ص 73.

(5)

نهاية السول، للإسنوي، ص 366.

(6)

انظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي 4/ 157.

(7)

انظر: المستصفى، للغزالي، ص 173، شرح مختصر الروضة، للطوفي 3/ 190.

(8)

المستصفى، للغزالي، ص 173.

ص: 157

التعريف الثاني: الاستحسان "ما يستحسنه المجتهد بعقله"

(1)

. ونُسب هذا التعريف إلى أبي حنيفة

(2)

، "ولكن أصحابه ينكرون هذا التفسير عنه"

(3)

.

وانتُقد هذا التعريف بأنه يفوض الأحكام إلى آراء الرجال

(4)

، و"لو فتح هذا الباب لبطلت الحجج وادعى كل من شاء ما شاء"

(5)

، يقول الشنقيطي منتقدًا التعريفين السابقين:"وبطلان هذين التعريفين ظاهر؛ لأن المجتهد ليس له الاستناد إلى مجرد عقله في تحسين شيء، وما لم يعبر عنه لا يمكن الحكم له بالقبول حتى يظهر ويعرض على الشرع"

(6)

.

التعريف الثالث: الاستحسان "هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه بوجه هو أقوى"

(7)

.

وهذا أبين التعريفات لحقيقة الاستحسان؛ لأنه يشمل كل أنواعه

(8)

، قال الغزالي عن هذا التعريف:"وهذا مما لا ينكر"

(9)

.

(1)

المرجع السابق، ص 171.

(2)

انظر: التحبير شرح التحرير، للمرداوي 8/ 3822.

(3)

التحبير شرح التحرير، للمرداوي 8/ 3822. وانظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، للبخاري الحنفي 4/ 3.

(4)

انظر: التحبير شرح التحرير، للمرداوي 8/ 3822.

(5)

الاعتصام، للشاطبي، ص 654.

(6)

مذكرة في أصول الفقه، للشنقيطي، ص 200.

(7)

شرح التلويح على التوضيح، للتفتازاني 2/ 163. وانظر: الفصول في الأصول، للجصاص 4/ 234.

(8)

انظر: أصول الفقه، لمحمد أبو زهرة، ص 232.

(9)

المستصفى، للغزالي، ص 173.

ص: 158

‌المطلب الثاني: أنواع الاستحسان

للاستحسان عند القائلين به أنواع، وهي:

النوع الأول: الاستحسان بالنص؛ كالسلم، فالقاعدة العامة تقضي ببطلان بيع ما لا يملك الإنسان، ولكن استثني السلم استحسانًا للنص الوارد في جوازه عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

النوع الثاني: الاستحسان بالإجماع؛ كالاستصناع، فالقاعدة العامة تقضي ببطلانه؛ لأنه عقد معدوم، وإنما جاز "للإجماع على التعامل به فيما بين الناس"

(2)

.

النوع الثالث: الاستحسان بالقياس الخفي؛ كالحقوق الارتفاقية للأرض الزراعية، عند الحنفية لا تدخل في عقد البيع دون نص عليها، لكنهم استحسنوا دخولها دون نص؛ وذلك أن وقف الأرض الزراعية يتجاذبه قياسان، الأول قياسه على البيع، والثاني قياسه على الإجارة، والقياس الأول هو الأظهر وهو قياس جلي؛ لاتفاق البيع والوقف في إخراج الملك من مالكه، وعلى ذلك لا تدخل الحقوق الارتفاقية إلا بالنص عليها، والقياس الثاني مبناه أن كلًا من الإجارة والوقف يفيد ملك الانتفاع بالعين دون تملكها وهذا قياس

(1)

انظر: الاستحسان، لعجيل النشمي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة الأولى، العدد الأول، 1404 هـ، ص 122.

(2)

أصول السرخسي 2/ 203.

ص: 159

خفي، ومقتضى هذا القياس دخول الحقوق الارتفاقية في الوقف تبعًا دون حاجة للنص عليها كما هو الحكم في الإجارة، فرجح القياس الخفي على القياس الجلي استحسانًا؛ لأن المقصود من الوقف الانتفاع لا تملك الرقبة، والانتفاع لا يتأتى دون الحقوق الارتفاقية

(1)

.

النوع الرابع: الاستحسان بالعرف؛ كالشروط المقترنة بعقد البيع فالأصل عند الحنفية منعها، إلا أنهم يجيزون الشروط التي جرى العرف بها استحسانًا

(2)

.

النوع الخامس: الاستحسان بالمصلحة؛ كتضمين الأجير المشترك عند المالكية، وإن لم يكن صانعًا، فإن الأصل عندهم عدم تضمينه؛ لأنه مؤتمن، إلا أنهم قالوا بتضمينه استحسانًا للمصلحة

(3)

.

النوع السادس: الاستحسان للضرورة؛ كتطهير الآبار التي تقع فيها النجاسة بنزح قدر معين من الماء منها استحسانًا للضرورة

(4)

.

هذه أنواع الاستحسان عند القائلين به، واكتفيت بمثال واحد لكل نوع، وإلا فالأمثلة التي ذكروها كثيرة، والملاحظ أن بعض الأمثلة تصلح لأكثر من نوع من أنواع الاستحسان؛ كالاستصناع فإنه يصلح أن يكون مثالًا للاستحسان بالإجماع، وللاستحسان بالعرف، وللاستحسان بالمصلحة، وليس في ذلك

(1)

انظر: الوجيز في أصول الفقه، لعبدالكريم زيدان، ص 232.

(2)

حاشية ابن عابدين 5/ 88.

(3)

انظر: الاعتصام، للشاطبي، ص 641.

(4)

انظر: الوجيز في أصول الفقه، لعبدالكريم زيدان، ص 232.

ص: 160

تعارض؛ فقد يثبت الشيء عرفًا، وتكون فيه مصلحة راجحة، وقد يتم الإجماع عليه

(1)

.

وقد اعتُرض على بعض أنواع الاستحسان؛ كالاستحسان بالنص، والاستحسان بالإجماع، بأن ثبوت هذه الأحكام بالنص والإجماع، لا بالاستحسان، "فإطلاق اسم الاستحسان على هذين النوعين هو حشر للشيء في غير زمرته"

(2)

.

وأجيب عليه: بأنه لا نزاع في أن الأحكام الثابتة بالنص إنما أثبتها النص، وكذلك الأحكام الثابتة بالإجماع، والقائلون بالاستحسان إنما أرادوا تعزيز نظرية شرعية عامة تتعلق بالفروع المستثناة من حكم نظائرها، وبالأدلة التي تصلح سندًا للاستثناء، واصطلحوا على تسميته بالاستحسان، ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذا لا يعارض أن الحكم ثابت بالنص، أو الإجماع، والاستحسان لم يثبت به حكم؛ لأن إثبات الأحكام واقع بوجوه الاستحسان، لا بالاستحسان نفسه، سواء كانت تلك الوجوه نصًا أو إجماعًا أو قياسًا أو عرفًا أو غيرها

(3)

.

ومع هذا فالأولى أن يسمي الحكم الثابت استحسانًا بالنص حكمًا ثابتًا بالنص، لا بالاستحسان، ولكن الحنفية اصطلحوا على تسميته استحسانًا، ولا مشاحة في الاصطلاح

(4)

.

(1)

انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 321.

(2)

المدخل الفقهي العام، لمصطفى الزرقا 1/ 95.

(3)

انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 305.

(4)

الوجيز في أصول الفقه، لعبدالكريم زيدان، ص 235.

ص: 161

‌المطلب الثالث: حكم الاستحسان

اتفق الحنفية والمالكية والحنابلة على القول بالاستحسان

(1)

، وخالف في ذلك الشافعية فلم يقولوا به، ونُقل عن الشافعي:"أن من استحسن فقد شرع"

(2)

.

وعند التحقيق نجد أن إنكار الشافعية إنما كان على الاستحسان بمجرد الهوى والتشهي والتلذذ دون دليل؛ قال الشافعي: "إنما الاستحسان تلذُّذ"

(3)

. ونَقل الشيرازي عن الشافعي تعريف الاستحسان عند أبي حنيفة وهو: "ترك القياس لما استحسنه الإنسان

(1)

انظر: أصول السرخسي 2/ 201، الموافقات، للشاطبي 5/ 194، روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 473.

(2)

تنقل أكثر كتب الأصول هذا القول عن الشافعي. انظر: المستصفى، للغزالي، ص 171، الإحكام، للآمدي 4/ 156، الفروق، للقرافي 4/ 145. وقد قال الدكتور عجيل النشمي بعدما ذكر أنه استقرأ كتب الشافعي:"فنكاد نجزم أن الشافعي لم يقلها، ولو قالها لذكرت في مواضعها من مبحث الاستحسان" وذكر في الحاشية ان ابن السبكي سبقه لذلك، ونقل كلام ابن السبكي من حاشية ابن العطار، قال ابن العطار:"ولكن قال المصنف-أي ابن السبكي- في الأشباه والنظائر أنا لم أجد إلى الآن هذا في كلامه نصًا ولكن وجدت في الأم أن من قال بالاستحسان فقد قال قولا عظيمًا ووضع نفسه في رأيه واستحسانه على غير كتاب ولا سنة موضعها في أن يتبع رأيه"، وصحيح أن الشافعي لم يقلها بهذا اللفظ، لكنها معنى كلامه؛ ففي آخر الكلام الذي نقله السبكي عن الشافعي في الأم أن من استحسن وضع رأيه موضع الكتاب والسنة، قال الشافعي بعد هذا النقل: "

في أن يتبع رأيه كما اتبعا، وفي أن رأيه أصل ثالث أمر الناس باتباعه"، فما معنى أن المستحسن يجعل رأيه موضع الكتاب والسنة، ويريد أن يتبع رأيه كما اتبعا، وأن رأيه أصل ثالث إلا "أن من استحسن فقد شرع"!. انظر: الاستحسان، للنشمي، ص 129، حاشية العطار على جمع الجوامع 2/ 395، الأم، للشافعي 6/ 216.

(3)

الرسالة، للشافعي، ص 507.

ص: 162

من غير دليل"

(1)

. فالشافعي"إنما أنكر استحسانًا بلا دليل"

(2)

، وقد نقل الزركشي قريبًا من عشرين مسألة فقهية قال بها الشافعي وأصحابه بالاستحسان؛ مما يبين أن ما استنكروه من الاستحسان هو ما كان من غير دليل

(3)

.

والاستحسان دون دليل ينكره القائلون بالاستحسان

(4)

، وحتى أصحاب أبي حنيفة ينكرون ما يُنسب له من أن الاستحسان ما استحسنه الإنسان من غير دليل

(5)

.

أما الاستحسان على المعنى المختار، وهو: العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه بوجه هو أقوى، فقد اتفق العلماء على قبوله

(6)

، وإنما الخلاف في تسميته استحسانًا

(7)

، قال الغزالي بعدما ذكر هذا التعريف للاستحسان:"وهذا مما لا ينكر، وإنما يرجع الاستنكار إلى اللفظ وتخصيص هذا النوع من الدليل بتسميته استحسانًا من بين سائر الأدلة"

(8)

. فالخلاف إذًا لفظي، قال الزركشي: " نبه ابن السمعاني

(9)

على أن الخلاف

(1)

التبصرة في أصول الفقه، للشيرازي، ص 492.

(2)

التحبير شرح التحرير، للمرداوي 8/ 3822.

(3)

انظر: البحر المحيط، للزركشي 8/ 106 - 109، الواضح في أصول الفقه، للأشقر، ص 145.

(4)

انظر: أصول السرخسي 2/ 201، الموافقات، للشاطبي 5/ 194، روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 473.

(5)

انظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، للبخاري الحنفي 4/ 3.

(6)

انظر: إرشاد الفحول، للشوكاني 2/ 182 - 183، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 277.

(7)

المهذب، لعبدالكريم النملة 3/ 982.

(8)

المستصفى، للغزالي، ص 173.

(9)

هو منصور بن محمد عبد الجبار، أبو المظفر، المعروف بابن السمعاني، من فقهاء الشافعية، ولد عام 426 هـ، كان فقيهًا أصوليًا مفسرًا محدثًا متكلمًا، تفقه على مذهب أبي حنيفة، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، ومن مصنفاته:"تفسير القرآن"، و"القواطع في أصول الفقه"، توفي عام 489 هـ. انظر: طبقات الشافعية، للسبكي 5/ 335، معجم المؤلفين، لعمر بن عبدالغني 13/ 20.

ص: 163

بيننا وبينهم لفظي؛ فإن تفسير الاستحسان بما يشنع عليهم لا يقولون به، والذي يقولون به إنه العدول في الحكم من دليل إلى دليل هو أقوى منه، فهذا مما لم ينكره، لكن هذا الاسم لا نعرفه اسمًا لما يقال به بمثل هذا الدليل، وقريب منه قول القفال

(1)

"

(2)

.

وعند النظر في أنواع الاستحسان يتبين أن الاستحسان لا يعد دليلًا قائمًا بذاته

(3)

، فالاستحسان بالنص دليله النص، والاستحسان بالإجماع دليله الإجماع، وكذلك الاستحسان بالقياس، والعرف، والمصلحة، والضرورة، فإن الذي يقول به إنما يقول بهذه الأدلة

(4)

.

فمن أراد أن يستحسن فلا يكتف به، بل لابد أن يذكر الدليل الذي بنى عليه استحسانه.

‌المطلب الرابع: العلاقة بين الاستحسان والرخص الشرعية

يتفق الاستحسان مع الرخص الشرعية في أن كلًا منهما استثناء من حكم أصلي، إلا أن الاستحسان أعم من الرخص الشرعية؛ فالرخصة الشرعية خاصة بأن يكون الحكم المستثنى أخف وأيسر من الحكم الأصلي له، أما الاستحسان فلا يشترط له ذلك، فقد يكون الحكم المستثنى أيسر من حكم نظائره وهو الغالب، كجواز الاستصناع، وقد يكون

(1)

هو محمد بن علي الشاشي القفال، أبو بكر، ولد عام 291 هـ، من أكابر علماء الشافعية في عصره، وعنه انتشر مذهب الشافعي في بلاده، من تصانيفه:" شرح رسالة الشافعي"، و"أصول الفقه". توفي عام 365 هـ. انظر: طبقات الشافعية، للسبكي 3/ 200، طبقات الشافعيين، لابن كثير، ص 299.

(2)

البحر المحيط، للزركشي 8/ 99.

(3)

انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ليعقوب الباحسين، ص 333.

(4)

انظر: الواضح في أصول الفقه، للأشقر، ص 145.

ص: 164

أشد كتضمين الراعي المشترك

(1)

، فالأصل أن الراعي المشترك أمين، والأمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط

(2)

، إلا أن المتأخرين من المالكية قالوا بتضمين الراعي المشترك استحسانًا

(3)

.

‌المطلب الخامس: الاستحسان والهندسة المالية الإسلامية

يعد الاستحسان من الأدوات التي تستخدم استخدامًا واسعًا في الهندسة المالية الإسلامية؛ ومن ذلك قول الدكتور عبداللطيف الفرفور عن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك في مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة: "فهذا العقد من جهة القواعد العامة للشريعة الإسلامية عقد مرفوض ومردود بجميع صوره وأشكاله إلا أن يصحح على القاعدة العامة التي ذكرتها، ومخالف شكلاً وموضوعاً لأصول التشريع الإسلامي، وللحديث وللمعقول والمنقول، ولا يصح اعتماده، إلا إذا رأى مجمعنا الموقر بفقهائه حاجة أو ضرورة، وما أرى ذلك، فحينئذ يصحح استحسانًا"

(4)

. مما يدل على أن الاستحسان يستخدم كأداة للهندسة المالية الإسلامية في هندستها للعقود، والذي ذكره الدكتور يعد من الاستحسان بالضرورة، أو الحاجة، وهناك أمثلة لاستخدام الاستحسان بالقياس

(5)

، والاستحسان

(1)

انظر: تبصرة الحكام، لابن فرحون 2/ 331.

(2)

انظر: فتح العلي المالك، لعليش 2/ 226.

(3)

انظر: الأصول الاجتهادية التي يبنى عليها المذهب المالكي، لحاتم باي، ص 397.

(4)

مداخلة الدكتور عبداللطيف الفرفور في مناقشات بحوث الإجارة المنتهية بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 12، ص 429 - 430.

(5)

انظر: وجه الاستحسان وضوابطه في ربط العملات متغيرة القيمة بالقيمة، لعبداللطيف الفرفور، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 5، ص 1340.

ص: 165

للمصلحة

(1)

، وقد صُححت عقود بحجة الاستحسان

(2)

، ورُدت استحسانات لعدم إسنادها بدليل

(3)

.

ومع إعطاء الاستحسان هذا الاعتبار والدور الواسع في إعطاء القضايا أحكامها، فإن مما ينبغي أن ندركه أن الاستحسان يحتاج إلى دقة نظر بالغة من المجتهدين

(4)

، وأن استخداماته الفعلية ينبغي أن تكون بحذر وتروّ بالغين، فلا بد للناظر فيه من إدراك أمرين هامين:

الأمر الأول: معرفة مدى معارضة موضوع الحكم للأدلة الصحيحة، أو القواعد العامة للشريعة

(5)

.

الأمر الثاني: إسناد الاستحسان بدليل من أدلة الشرع، فلا يقبل استحسان دون دليل

(6)

.

(1)

انظر: مناقصات العقود الإدارية، لرفيق المصري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 9، ص 835.

(2)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 12، ص 429 - 430.

(3)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 2، ص 1012، 1020، العدد 6، ص 1480، 1570، العدد 9، ص 888.

(4)

انظر: الاستحسان، لعجيل النشمي، ص 133.

(5)

المرجع السابق.

(6)

المرجع السابق، ص 134.

ص: 166

‌المبحث الرابع:

سد الذرائع وفتحها

"لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسبابٍ وطرقٍ تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها؛ فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود"

(1)

، وقد اهتم العلماء قديمًا وحديثًا بوصف الذرائع، وتوسعوا في الأخذ بها سدًا وفتحًا في معظم أبواب الفقه، بل اعتبرها ابن القيم أحد أرباع التكليف

(2)

.

وفي العصر الحديث كثرت المستجدات والنوازل خاصة في المعاملات المالية، ويتطلب هذا الأمر إبراز حكم الشرع في تلك القضايا بعد دراسة مآلاتها والطرق الموصلة إليها؛ لذلك أصبحت الحاجة إلى فقه الذرائع أكثر إلحاحًا

(3)

.

فالذرائع تعد من الأدوات المهمة التي تستخدم للوصول إلى عقود إسلامية تجمع بين المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية، وتحقق هندسة مالية إسلامية للعقود، وفي هذا المبحث دراسة لها، وتبيين رأي العلماء فيها.

‌المطلب الأول: تعريف الذرائع

الذرائع في اللغة جمع ذريعة، وتطلق على الوسيلة

(4)

، فـ"الذال والراء والعين أصل واحد يدل على امتداد وتحرك إلى قدم، ثم ترجع الفروع إلى هذا الأصل"

(5)

، يقال: تذرع

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 108.

(2)

المرجع السابق 3/ 126.

(3)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقاتها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، ص 27.

(4)

انظر: الصحاح، للفارابي 3/ 1211.

(5)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 350.

ص: 167

فلان بذريعة، أي توسل بوسيلة

(1)

.

وللعلماء في تعريف الذرائع اتجاهان:

الاتجاه الأول: النظر إلى الذرائع من جهة سدها فقط، دون النظر إلى جانب فتحها، ومن ذلك تعريفها: بأنها"الأشياء التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور"

(2)

. وأكثر العلماء على هذا الاتجاه، يعرفون الذرائع بمعناها الخاص بسدها

(3)

، قال ابن تيمية بعدما عرف الذريعة:"لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم"

(4)

.

الاتجاه الثاني: النظر إلى الذرائع بمعناها العام؛ ومن ذلك تعريف القرافي، وابن تيمية، وابن القيم للذريعة: بأنها"ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء"

(5)

.

وهذا الاتجاه في تعريف الذريعة هو المختار؛ لأنه يجمع بين نوعي الذريعة، فكما يجب سد الذرائع المفضية إلى المحرم، يجب فتح الذرائع المفضية إلى الواجب، قال القرافي: "واعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها

فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة"

(6)

. وقد اختار هذا الاتجاه في تعريف الذريعة عدد من المعاصرين

(7)

.

(1)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 8/ 96.

(2)

المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 39.

(3)

انظر: أحكام القرآن، لابن العربي 2/ 331، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 2/ 57 - 58، الموافقات، للشاطبي 5/ 183.

(4)

بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ص 283.

(5)

بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ص 283، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 109. وانظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 449.

(6)

الفروق، للقرافي 2/ 33.

(7)

منهم: محمد أبو زهرة، ووهبة الزحيلي، وعبدالله الجديع. انظر: أصول الفقه، لمحمد أبو زهرة، ص 253، أصول الفقه الإسلامي، للزحيلي 2/ 173، تيسير علم أصول الفقه، للجديع، ص 203.

ص: 168

سبق تعريف سد الذرائع في الاتجاه الأول، أما تعريف فتح الذرائع، فهو:"طلب الوسيلة الجائزة إذا كانت طريقًا إلى مصلحة راجحة"

(1)

.

‌المطلب الثاني: أقسام الذرائع

تنقسم الذرائع ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ذرائع معتبرة اتفاقًا؛ وهي ما تفضي إلى المقصود قطعًا

(2)

؛ كحفر الآبار في طرق المسلمين، وإلقاء السم في أطعمتهم

(3)

، فهذه يجب سدها، وكجلب البضائع إلى السوق

(4)

، وإنشاء البنوك الإسلامية لحفظ أموال المسلمين

(5)

، فهذه يجب فتحها.

القسم الثاني: ذرائع ملغاة اتفاقًا؛ وهي ما تفضي إلى المقصود نادرًا

(6)

؛ كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر، وأكل الأغذية التي غالب أصولها لا تضر

(7)

، فهذه لا يجوز سدها.

(1)

قواعد الوسائل، لمصطفى مخدوم، ص 366.

(2)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 54.

(3)

انظر: الفروق، للقرافي 2/ 32.

(4)

انظر: أصول الفقه، لمحمد أبو زهرة، ص 255.

(5)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، ص 85.

(6)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 54.

(7)

انظر: الفروق، للقرافي 2/ 32، الموافقات، للشاطبي 3/ 54.

ص: 169

القسم الثالث: ذرائع مختلف فيها؛ وهي ما تفضي إلى المقصود كثيرًا

(1)

؛ كالتورق، فقد اختلف فيه العلماء بين من يسده، ومن يفتحه

(2)

.

وهذا القسم موضع نظر والتباس عند العلماء

(3)

، والاختلاف فيه يرجع إلى تحقيق المناط الذي يتحقق به التذرع، وليس إلى أصل العمل بالذرائع

(4)

؛ وذلك بالنظر إلى مكان العالم، وعادات الناس في زمانه، فقد يختلف الإفضاء إلى المقصود كثرة وقلة، من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان.

ويلاحظ أن أكثر الأمثلة التي يذكرها العلماء للذرائع إنما هي في الذرائع إلى المحرم

(5)

.

‌المطلب الثالث: مشروعية اعتبار الذرائع

نص المالكية والحنابلة على أن اعتبار سد الذرائع أصلٌ من أصولهم

(6)

، قال أبو زهرة:"هذا أصل من الأصول التي أكثر من الاعتماد عليها في استنباطه الفقهي الإمام مالك رضي الله عنه، وقاربه في ذلك الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه "

(7)

.

(1)

انظر: الموافقات، للشاطبي 3/ 54.

(2)

انظر: الممتع، لابن عثيمين 8/ 219 - 221.

(3)

انظر: قاعدة سد الذرائع وتطبيقاتها المعاصرة، لحسن المرزوقي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 26، العدد 87، 1433 هـ، ص 158.

(4)

انظر: اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي، لوليد الحسين 1/ 328.

(5)

انظر: أصول الفقه، لمحمد أبو زهرة، ص 255.

(6)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 39، شرح مختصر الروضة، للطوفي 3/ 214.

(7)

مالك، لمحمد أبو زهرة، ص 345.

ص: 170

أما الحنفية، فلم ينصوا على اعتبارها من أصولهم، إلا أن من المقرر عندهم أن"الوسيلة إلى الشيء حكمها حكم ذلك الشيء"

(1)

، فهذا إعمال للذرائع في مذهب الحنفية، وقد أعملوها في فروعهم الفقهية

(2)

، فقد منعوا الشابة من الخروج للجماعات؛ "لأن خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة، والفتنة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام"

(3)

، ومنعوا المظاهر من لمس زوجته، وتقبيلها حتى يُكفّر؛ "لأنه لما حرم الوطء إلى أن يكفّر حرم الدواعي للإفضاء إليه؛ ولأن الأصل أن سبب الحرام حرام"

(4)

، وذكر الشاطبي أنه لا يلزم من خلاف أبي حنيفة في بعض التفاصيل"تركه لأصل سد الذرائع"

(5)

.

أما الشافعية فقد نصوا على عدم اعتبارها أصلًا

(6)

، إلا أنهم أعملوها في فروعهم الفقهية

(7)

؛ فقد منعوا مباشرة الحائض ما بين السرة والركبة؛ قال السيوطي: "قال الأئمة: وإنما كان التحريم أحب؛ لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم"

(8)

. ومنعوا من قرض الجارية؛ لأن"تجويز ذلك يفضي إلى أن يصير ذريعة أن يطأها وهو يملك ردها

وفيه منع الذرائع"

(9)

، وجاء عن الشافعي: "وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين:

(1)

بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 106.

(2)

انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي 1/ 352، فتح القدير، لابن الهمام 2/ 317.

(3)

بدائع الصنائع، للكاساني 1/ 157.

(4)

فتح القدير، لابن الهمام 10/ 47.

(5)

الموافقات، للشاطبي 4/ 68.

(6)

الأم، للشافعي 3/ 124.

(7)

انظر: نهاية المطلب، للجويني 5/ 152، روضة الطالبين، للنووي 8/ 75.

(8)

الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 106.

(9)

البحر المحيط، للزركشي 8/ 94.

ص: 171

أحدهما: أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى، فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام

والمعنى الأول أشبه"

(1)

. وهذا النص من الشافعي يدل على اعتباره للذرائع، وقد حمل السبكي كلام الشافعي على"تحريم الوسائل، لا سد الذرائع، وأن الوسائل تستلزم المتوسل إليه"

(2)

، و لا يسلم له؛ لأنه بالرجوع إلى مصطلح الذريعة والذرائع عند الشافعي في كتابه الأم نجد أنه استخدمها ست عشرة مرة تقريبًا

(3)

، وكلها بالمعنى المعروف لها والذي يستخدمه غيره من المذاهب؛ مما يدل على أن المراد بها هنا الذريعة بمعناها المعروف. وعلى فرض التسليم فقد ذكر السبكي بعد كلامه السابق أن"الذريعة ثلاثة أقسام: أحدها: ما يقطع بتوصله إلى الحرام؛ فهو حرام عندنا وعند المالكية"

(4)

، فهذا دليل منه أن الوسيلة التي يقصدها قسم من أقسام الذريعة، وأن الشافعية يعتدون بأصل الذرائع، وإن اختلفوا مع غيرهم في الأقسام الأخرى للذريعة، وجاء عن السبكي في موضع آخر أن"الذرائع هي الوسائل"

(5)

وأنها "قد تكون واجبة، وقد تكون حرامًا، وقد تكون مكروهة، ومندوبة، ومباحة"

(6)

، فالوسائل التي ذكر السبكي عن الشافعي تحريمها هي الذرائع، أو قسم من أقسام الذرائع، وفيه دلالة على إعمالها في المذهب الشافعي.

(1)

الأم، للشافعي 4/ 51.

(2)

الأشباه والنظائر، للسبكي 1/ 12.

(3)

الأم، للشافعي 3/ 124، 4/ 51، 120، 121، 230، 232، 233، 6/ 149، 7/ 312.

(4)

الأشباه والنظائر، للسبكي 1/ 12.

(5)

تكملة المجموع، للسبكي 10/ 160.

(6)

المرجع السابق.

ص: 172

وقد نقل الشافعي في الأم محاورة رجل له عن فروع أعمل الشافعي فيها الذريعة، وذكر الشافعي أن دليله القياس، ثم لما سأله الرجل: أفتقول بالذريعة؟ قال: لا. "ولا معنى في الذريعة، إنما المعنى في الاستدلال بالخبر اللازم، أو القياس عليه، أو المعقول"

(1)

، فالشافعي يُعمل الذرائع لكنه لا يجعلها دليلًا بل يستدل بأدلة أخرى؛ كالخبر، والقياس، والمعقول، والفقهاء الذين يستدلون بالذريعة لا تخرج أدلتهم عن هذه الأدلة التي ذكرها الشافعي، إلا أنهم، بدلًا من أن يقولوا في كل وسيلة تؤول لمحرم بأن الخبر، أو القياس، أو العقل، دلّ على أن للوسيلة حكم ما تؤول إليه، يقتصرون على النهي "سدًا للذريعة". فالنتيجة واحدة وهي إعمال الذرائع عند الشافعية وعند غيرهم، والتطبيقات الفقهية عند المذاهب الفقهية تدل على اعتبارهم للذرائع، وإن اختلفوا في المصطلح فلا مشاحة في الاصطلاح.

لقد تبين"أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة"

(2)

، والخلاف بين العلماء إنما هو اختلاف في المناط الذي يتحقق فيه التذرع

(3)

؛ قال القرافي: "فليس سد الذرائع خاصًا بمالك، بل قال بها هو أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه"

(4)

.

والأدلة على اعتبار الذرائع كثيرة، وقد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلًا على المنع من فعل ما يؤدي إلى الحرام، ولو كان جائزًا في نفسه

(5)

،

(1)

الأم، للشافعي 3/ 124.

(2)

الموافقات، للشاطبي 5/ 185.

(3)

تعليق الشيخ عبدالله دراز على الموافقات، للشاطبي 5/ 185.

(4)

الفروق، للقرافي 2/ 33.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 110 - 126.

ص: 173

ومن هذه الأدلة:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الله منع المؤمنين من سب آلهة المشركين، مع أنه حمية لله وإهانة لآلهتهم؛ لأن سب آلهتهم ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة السب لآلهتهم، وفي هذا منع من المباح؛ لئلا يكون سببًا في فعل ما لا يجوز

(2)

، قال ابن عاشور:"وقد احتج علماؤنا بهذه الآية على إثبات أصل من أصول الفقه عند المالكية؛ وهو الملقب بمسألة سد الذرائع"

(3)

.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا}

(4)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الله نهى المؤمنين من قول هذه الكلمة، مع قصدهم بها الخير؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبهًا بالمسلمين، ويقصدون بها سب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا غير ما يقصده المسلمون

(5)

؛ فهذا النهي"سدًا للذرائع، حتى لا يتخذ اللفظ المحتمل ذريعة لشيء قبيح"

(6)

.

(1)

سورة الأنعام، الآية 108.

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 110.

(3)

التحرير والتنوير، لابن عاشور 7/ 431.

(4)

سورة البقرة، الآية 104.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 110.

(6)

التفسير المنير، للزحيلي 1/ 258.

ص: 174

الدليل الثالث: قول الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}

(1)

وجه الدلالة من الآية: أن الله نهى في هذه الآية عن القرب من مال اليتيم الذي يعم وجوه التصرف، وفيه سد للذريعة؛ لكيلا يتوصل إلى أكل مال اليتيم

(2)

.

الدليل الرابع: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:"لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَبْتَاعُونَ جِزَافًا -يَعْنِي الطَّعَامَ-، يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ، حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ". رواه البخاري

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث نهيًا للمشتري عن بيع الطعام حتى يؤيه إلى رحله؛ لئلا يكون البيع ذريعة إلى جحد البائع البيع، وعدم إتمامه له إذا رأى المشتري قد ربح فيه، فيغره الطمع، وتشح نفسه بالتسليم

(4)

.

الدليل الخامس: عن زينب، امرأة عبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما، قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» رواه مسلم

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث نهيًا للمرأة أن تتطيب إذا أرادت الخروج إلى المسجد؛ لأن ذلك ذريعة إلى ميل الرجال وتشوفهم إليها، فنهاها عن التطيب سدًا للذريعة، وحماية عن المفسدة

(6)

.

(1)

سورة الأنعام، الآية 152.

(2)

المحرر الوجيز، لابن عطية 2/ 362.

(3)

كتاب البيوع، باب من رأى: إذا اشترى طعاما جزافا، أن لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله، والأدب في ذلك، برقم 2137.

(4)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 119.

(5)

كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 443.

(6)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 118.

ص: 175

الدليل السادس: أنه إذا"حرم الرب تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها؛ تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء"

(1)

.

هذه بعض الأدلة على اعتبار الذرائع، وكلها في جانب سد الذرائع، والشريعة كما سدت ذرائع فتحت ذرائع أخرى، فقد عمدت إلى ذرائع المصالح ففتحتها بأن جعلت لها حكم الوجوب، وإن كانت ممنوعة، أو مباحة في الأصل، وهذا ما يلقب عند الأصوليين بما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

(2)

؛ قال القرافي: "اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح، فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج"

(3)

. بل "قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار"

(4)

، والنظر إلى المخطوبة، وكلمة الحق عند سلطان جائر، ونحو ذلك

(5)

، قال ابن القيم:"فالشريعة جاءت بإباحة هذا القسم، أو استحبابه، أو إيجابه، بحسب درجاته في المصلحة"

(6)

.

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 109.

(2)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 369.

(3)

الفروق، للقرافي 2/ 33.

(4)

المرجع السابق.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 110.

(6)

المرجع السابق 3/ 110.

ص: 176

‌المطلب الرابع: العلاقة بين الذرائع والحيل

تتفق الذرائع مع الحيل في أن كلًا منهما وسائل إلى تحصيل مقصود

(1)

، لكن الذرائع تفارق الحيل في قصد الفاعل

(2)

؛ فالذرائع تشمل الوسيلة التي قصد صاحبها تغيير الحكم الشرعي، والوسيلة التي لم يقصد صاحبها تغيير الحكم الشرعي

(3)

، أما الحيل فهي خاصة بما قصد صاحبها تغيير الحكم الشرعي بمهارة وحذق وخفاء

(4)

، قال ابن تيمية: "إن الحيلة تكون مع قصد صاحبها ما هو محرم في الشرع

وأما سد الذرائع، فيكون مع صحة القصد"

(5)

. "فالفرق بين الذرائع والحيل يتلخص في أن الذرائع أعم من الحيل، وأن وجه أهميتها هو أنها تشتمل المقصود وغير المقصود مما تفضي إليه، أما الحيل فتختص بالمقصود ابتداءً"

(6)

.

وقد ذكر بعض الباحثين من الفروق بين الحيل والذرائع، أن الحيل تجري في العقود خاصة، والذرائع تعم العقود وغيرها

(7)

، ولا يُسلم له ذلك؛ فقد ذَكَرَ من أمثلة الحيل:

(1)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، ص 107.

(2)

انظر: أصول مذهب الإمام أحمد، للتركي، ص 501.

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 173.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 23/ 214 - 215.

(5)

تفسير آيات أشكلت، لابن تيمية 2/ 682.

(6)

الفروق في أصول الفقه، لعبداللطيف الحمد، ص 443.

(7)

انظر: فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي، لمحمد الطبقجلي، ص 319.

ص: 177

"احتيال المسلم على هزيمة الكفار، كما فعل نعيم بن مسعود رضي الله عنه يوم الخندق

(1)

"

(2)

. وهذه الحيلة ليست في العقود، وكذلك الحيلة بالسفر في رمضان للفطر

(3)

، وقد ذكر ابن القيم حيلًا فقهية في المسح على الخفين

(4)

، والحج

(5)

، وهي ليست من العقود.

‌المطلب الخامس: ضوابط العمل بالذرائع

بعدما تبين مشروعية اعتبار الذرائع وأهميتها، خاصة في الاجتهاد المعاصر؛ لما يشهده من كثرة في المستجدات والنوازل، فلا بد من ضوابط تضبط العمل بالذرائع حتى لا يحصل من جراء إعمالها تضييق على الناس، أو تجاوز لحدود المشروع، وهذه الضوابط:

1 -

أن تفضي الوسيلة إلى المقصود غالبًا، وألا يُبالغ في إعمال الذرائع؛ فإن "المبالغة في سد الذرائع، قد تحرم الناس من خيرات كثيرة، ومصالح كبيرة، كما أن المبالغة في فتحها قد تؤدي إلى شر مستطير، وفساد كبير"

(6)

.

(1)

قصة نعيم بن مسعود رضي الله عنه يوم الخندق في تخذيل المشركين يوم الأحزاب ذكرها ابن هشام في كتاب السيرة النبوية 2/ 229، وابن القيم في زاد المعاد 3/ 244، وهي من القصص التي انتشرت ولم تثبت من الناحية الحديثية؛ قال الألباني في تخريجه لأحاديث كتاب فقه السيرة للغزالي:"ذكر هذه القصة ابن إسحاق بدون إسناد". انظر: فقه السيرة، للغزالي، ص 236، ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية، للعوشن، ص 170.

(2)

فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي، لمحمد الطبقجلي، ص 320.

(3)

انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص 358.

(4)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 287.

(5)

المرجع السابق 3/ 272.

(6)

الاجتهاد المعاصر، للقرضاوي، ص 71.

ص: 178

2 -

ألا يعارض العمل بالذرائع النص

(1)

؛ كالنهي عن صيام ست من شوال سدًا لذريعة ظن بعض الناس إلحاقها برمضان

(2)

، فإن ذلك معارض لنص الحديث الذي رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أنه حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»

(3)

. وكفتح ذرائع الربا بحجة أنه: "لا دولة بلا اقتصاد، ولا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير ربا"

(4)

، وبحجة إمداد بعض المنشآت الحكومية بزيادة رأس مالها بفائدة؛ ليتسع نطاق معاملاتها، وتكثر أرباحها، فينتفع العمال والموظفون، وتنتفع الحكومة بفاضل الأرباح

(5)

؛ فإن ذلك معارض لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(6)

، ولغيرها من الآيات والأحاديث التي تنهى عن الربا.

3 -

ألا يعارض العمل بالذرائع المقاصد الشرعية

(7)

؛ فمن المقاصد الشرعية رفع الحرج، فلا ينبغي أن تسد ذريعة يلحق الناس حرج في سدها، ولا تفتح ذريعة يلحق

(1)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقاتها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، ص 169.

(2)

انظر: الموطأ، لمالك بن أنس 3/ 447.

(3)

كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان، برقم 1146.

(4)

فتاوى معاصرة، للقرضاوي 3/ 430.

(5)

الفتاوى، لشلتوت، ص 305. وانظر: فوائد البنوك هي الربا الحرام، للقرضاوي، ص 84. فقد نقل القرضاوي عن الشيخ شلتوت تراجعه عن الفتوى بإباحة عائد صندوق التوفير.

(6)

سورة البقرة، الآية 275.

(7)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقاتها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، ص 174.

ص: 179

الناس حرج في فتحها، فمراعاة المقاصد مقدم على مراعاة الوسائل، قال العز بن عبدالسلام:"الوسائل تسقط بسقوط المقاصد"

(1)

.

4 -

ألا تُنقل الفتوى التي أُعملت فيها الذرائع من زمان إلى زمان آخر، أو من مكان إلى مكان آخر؛ لاختلاف عادات الناس وتغير أحوالهم، فما يكون إفضاؤه إلى المقصود كثيرًا أو غالبًا في زمان أو مكان قد يكون إفضاؤه في زمان أو مكان آخر قليلًا أو نادرًا؛ قال القرافي:"فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك، والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين"

(2)

، وقد عقد ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين فصلًا:"في تغيير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد"

(3)

، وقال في مقدمته:"هذا فصل عظيم النفع جدًا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به"

(4)

.

هذه ضوابط العمل بالذرائع التي ينبغي من العالم والمجتهد مراعاتها قبل إعمال الذرائع سدًا وفتحًا.

(1)

قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبدالسلام 1/ 128.

(2)

الفروق، للقرافي 1/ 176 - 177.

(3)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 11.

(4)

المرجع السابق 3/ 11.

ص: 180

‌المطلب السادس: الذرائع والهندسة المالية الإسلامية

إعمال الذرائع من أهم الأدوات المستخدمة في الهندسة المالية الإسلامية للعقود؛ فلا تكاد تجد عقدًا من العقود المستحدثة تمت هندسته، واختلف فيه العلماء، إلا كان من ضمن أدلة المانعين سد الذرائع، ومن ضمن أدلة المجيزين فتح الذرائع، وعلى سبيل المثال عقود الإذعان

(1)

، فقد كان من ضمن أدلة المانعين لها سد الذريعة

(2)

؛ لأنها ذريعة من ذرائع الجور والظلم وعدم المساواة؛ لما فيها من عدم تعادل المراكز الاقتصادية، وسيطرة الطرف القوي على العقد، وإذعان الطرف الآخر له، من دون حق في المساومة الحرة، وفيها اختلال الرضا الذي يعد من أهم شروط التعاقد

(3)

، بسبب اضطرار المذعِن إلى شروط الطرف القوي، فعقود الإذعان على ذلك ينبغي أن تسد لما فيها من المفاسد

(4)

.

وفي الطرف الآخر الذين أجازوها

(5)

نظروا إلى أنها ذريعة لتحقيق مصالح اقتصادية، ففيها سرعة إنجاز العقود وإتمامها، وهذا ما تتطلبه الحركة الاقتصادية الدائبة في التطور،

(1)

عقد الإذعان هو: "العقد الذي يضطر أحد طرفيه لقبوله دون مساومة أو تغيير في شروطه". انظر: أحكام عقد الإذعان في الفقه الإسلامي، لمنال جهاد، ص 41.

(2)

نسب الفرفور منع عقود الإذعان إلى جمهور الفقهاء المعاصرين. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 14، 3/ 241

(3)

انظر: الإقناع، للحجاوي 2/ 57.

(4)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقاتها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، ص 227.

(5)

ذهب بعض المعاصرين إلى جواز عقود الإذعان، منهم: الجواهري، والفرفور، والندوي، وغيرهم. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 14، 3/ 447، 241، 417، أحكام عقد الإذعان في الفقه الإسلامي، لمنال جهاد، ص 59.

ص: 181

وبذلك لا يضيع الوقت والنفقة في المساومات، ويمكن عن طريقها تسويق المنتجات بسرعة وسهولة وبأدنى النفقات، فعقود الإذعان ذريعة من ذرائع تحقيق مقاصد الرواج والتكسب والاستثمار، ومن ثم يجب فتحها وتشجيعها

(1)

.

وقد قسم مجمع الفقه الإسلامي عقود الإذعان قسمين:

الأول: ما كان الثمن فيه عادلًا، ولم تتضمن شروطه ظلمًا بالطرف المذعن، فهو صحيح شرعًا

(2)

.

الثاني: ما انطوى على ظلم بالطرف المذعن؛ لأن الثمن فيه غير عادل، أو تضمن شروطًا تعسفية، فهذا يجب تدخل الدولة، بالتسعير، أو بتعديل وإلغاء الشروط التعسفية

(3)

.

وهذا القرار يجمع بين فتح ذرائع المصالح التي تشتمل عليها عقود الإذعان، وسد ذرائع المفاسد التي تشتمل عليها.

والذي يلاحظ على كثير من معاملات المصارف الإسلامية وجود مبالغة في فتح الذرائع بحجة "تشجيع المصارف الإسلامية القائمة ودعم إنشاء المزيد من هذه المصارف لتعم منافعها على جميع المستويات"

(4)

؛ فمن ضمن أدلة من أجاز التورق المصرفي المنظم فتح الذرائع؛ لأنه يحقق الغرض المنشود من التورق الفردي غير المنظم بتكلفة أقل، ودون مشقة وعناء، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها

(5)

.

(1)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقاتها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، ص 227.

(2)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن عقود الإذعان رقم 132 (6/ 14).

(3)

المرجع السابق.

(4)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 3، ص 893.

(5)

انظر: في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، ص 179.

ص: 182

ومن ضمن أدلة من أجاز بيع المرابحة للآمر بالشراء بوعده الملزم للطرفين فتح الذرائع؛ لأن "جمهور الناس في عصرنا أحوج ما يكونون إلى التيسير والرفق؛ رعايةً لظروفهم، وما غلب على أكثرهم من رقة الدين، وضعف اليقين، وما ابتلوا به من كثرة المغريات بالإثم، والمعوقات عن الخير

وهذا يجعل الفقيه يستحضر الرخص، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه، ويقدر الأعذار والضرورات، ويبحث عن التيسير ورفع الحرج، والتخفيف عن العامة"

(1)

.

وهذه المبالغة في فتح الذرائع للمعاملات المصرفية قربت المسافة بين المصارف الإسلامية، والبنوك الربوية، وهذا ليس من صالح المصارف الإسلامية، بل إنه أحد أسباب حصول البلبلة والحيرة بين المسلمين، وضعف الثقة في رجال الفقه المختصين بالفتوى، والتشكيك في قدراتهم ونزاهتهم، فضلًا عن الوقوع في مخالفات شرعية

(2)

، والذي ينبغي على العلماء المهتمين في دعم المصارف الإسلامية أن يراعوا أن المبالغة في فتح الذرائع لا يدعم المصارف الإسلامية، بل يكون سببًا في تأخرها، وضعف الثقة بها.

(1)

بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية، للقرضاوي، ص 25.

(2)

انظر: أثر مستقبل اختلاف الفتوى على تطبيق المنتجات المالية في المصارف الإسلامية، لمحمود إدريس، بحث منشور في مؤتمر الفتوى واستشراف المستقبل في جامعة القصيم، في الفترة 20 - 21/ 6/ 1434 هـ، 5/ 492.

ص: 183

‌المبحث الخامس:

التلفيق

بعد تدوين المذاهب الفقهية خرجت آراء تلزم الناس بمذهب واحد، وتحرم عليهم الخروج منه، وسبب هذا الأمر تضييقًا على الناس؛ لأنه من العسير على المرء أن يلتزم مذهبًا معينًا، أو يلتزم بقول إمام واحد لا يخرج عنه، حتى بعض أئمة المذاهب من يحتاج إلى الأخذ بقول غيره من الأئمة؛ فقد"روي عن أبي يوسف

(1)

أنه صلى الجمعة مغتسلًا من الحمام ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة"

(2)

. مما دعا ذلك بعض العلماء أن يرفعوا عن الناس هذا الضيق، ويسمحوا للناس أن يأخذوا بقول أي عالم يثقون بدينه وعلمه، ولهم ألا يلتزموا بمذهب معين

(3)

، فخرج ما يسمى

(1)

هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، أبو يوسف، ولد سنة 113 هـ، صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيهاً عالماً، وهو أول من دعي قاضي القضاة، وله مصنفات منها:"الخراج"، و"النوادر"، و"الأمالي في الفقه"، مات سنة 182 هـ. انظر: الجواهر المضية، للقرشي 2/ 220، الأعلام، للزركلي 8/ 193.

(2)

حاشية ابن عابدين 1/ 75.

(3)

اختلف العلماء في حكم إلزام المسلم بمذهب معين، وعدم الخروج منه على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجب التمذهب، ولا يجوز الخروج من المذهب، القول الثاني: أنه لا يجب التمذهب، ولا يجوز الخروج من المذهب لمن التزم مذهبًا، القول الثالث: أنه لا يجب التمذهب، ويجوز الخروج من المذهب لمن التزم مذهبا، والراجح هو القول الثالث؛ وذلك لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دون غيره، ولم يرد عن الصحابة أنهم أوجبوا على العوام تعيين المجتهدين، ووجوب الاقتصار على مفت واحد دون غيره. انظر: المستصفى، للغزالي 4/ 154، البحر المحيط، للزركشي 8/ 375، عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، لولي الله الدهلوي ص 31، إرشاد الفحول، للشوكاني 2/ 252، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 222، مطالب أولى النهى، للرحيباني 1/ 390.

ص: 184

بمصطلح التلفيق، فلم يكن التلفيق معروفًا كمصطلح في القرون الأولى، فلا يوجد مصطلح التلفيق في كتب أئمة المذاهب ولا أصحابهم، إنما حدث في القرون المتأخرة

(1)

، ولا يبعد أن يكون حدوث البحث في التلفيق في القرن الخامس بسبب شدة التعصب والتحزب، ودخلول السياسة في التمذهب

(2)

.

هذا الكلام في العصور المتقدمة، أما في عصرنا فقد استحدث فيه الكثير من المعاملات، وتعقدت فيه كثير من أمور الحياة التي كانت بسيطة وسهلة في العصور الأولى، وخف التعصب للمذاهب، وقلَّ من يسير على مذهب واحد في كل شؤونه، وأصبحت الحاجة ملحة للاستفادة من التراث الفقهي الكبير بشتى مذاهبه، ومن طرق الاستفادة من هذا التراث الفقهي التلفيق بين أقوال الفقهاء وضم بعضها إلى بعض، فالتلفيق له أهمية في شتى الأبواب الفقهية، وتزداد أهميته في أبواب المعاملات المالية؛ لكثرة المستجدات والنوازل فيها، وحاجة كثير من هذه العقود إلى هندسة مالية إسلامية لا تتم إلا عن طريق التلفيق بين أقوال الفقهاء، وفي هذا المبحث تبيين لذلك.

‌المطلب الأول: تعريف التلفيق

التلفيق لغة: مصدر لَفَقَ يَلْفِقُ، وتدور مادته على معنى الضم، فلفق الثوب ضم أحد شقيه إلى الآخر بخياطة، ونحوها

(3)

.

واصطلاحًا: عُرف التلفيق بعدة تعريفات، منها:"الإتيان بكيفية لا يقول بها مجتهد"

(4)

.

(1)

انظر: عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، للباني، ص 94.

(2)

الفتوى في الإسلام، للقاسمي، ص 170.

(3)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 10/ 330، القاموس المحيط، للفيروز أبادي، ص 922.

(4)

عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، للباني، ص 183.

ص: 185

ويؤخذ على هذا التعريف أنه بيان لنتيجة التلفيق، دون بيان للطريقة التي يتم بها الوصول لهذه النتيجة

(1)

، وأيضًا قد يأتي الشخص بكيفية لا يقول بها مجتهد، دون تلفيق بين قولين أو أكثر من أقوال الأئمة

(2)

.

وعُرف التلفيق أيضًا بأنه: "الأخذ في الأحكام الفقهية بقول أكثر من مذهب في أبواب متفرقة، أو باب واحد، أو في أجزاء الحكم الواحد"

(3)

.

ويؤخذ على هذا التعريف أنه أدخل في التلفيق ما ليس منه في قوله في أبواب متفرقة، فالعلماء يعدون الجمع بين أكثر من مذهب في أبواب متفرقة تنقل بين المذاهب، ولا يعدونه من التلفيق؛ لأنهم يشترطون للتنقل بين المذاهب ألا يأتي بكيفية لا يقول بها أحد من المذاهب، وهذا هو التلفيق، فهم إذًا يفرقون بين التنقل بين المذاهب، والتلفيق

(4)

، ويؤخذ عليه أيضًا أنه أخرج بعض صور التلفيق؛ لأن من صور التلفيق الأخذ بقول أكثر من إمام داخل المذهب الواحد، وهو اقتصر في تعريفه على الأخذ من المذاهب، وأخرج منه الأخذ من الأئمة داخل المذاهب الواحد.

وعُرف التلفيق أيضًا بأنه: "التقليد المركب من مذهبين فأكثر في عبادة أو معاملة واحدة"

(5)

(1)

انظر: التلفيق في الاجتهاد والتقليد، لناصر الميمان، ص 5.

(2)

انظر: التلفيق بين المذاهب الفقهية، لغازي العتيبي، ص 9.

(3)

التلفيق في الاجتهاد والتقليد، للميمان، ص 5.

(4)

انظر: التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي، لعبدالله السعيدي، ص 11.

(5)

التلفيق بين المذاهب الفقهية، للعتيبي، ص 10.

ص: 186

ويؤخذ على هذا التعريف أنه اقتصر على التلفيق الصادر من المقلد، وأخرج منه التلفيق الصادر من المجتهد، فالمجتهد قد يلفق بين قولين أو أكثر من أقوال الأئمة، والفرق بين المجتهد والمقلد في التلفيق أن المقلد يلفق دون نظر في الأدلة أو معرفة لمآخذ الأئمة، والمجتهد يلفق بعد بذل الوسع في دراسة مآخذ الأئمة، ودراسة أدلتهم، ويؤخذ على هذا التعريف أيضًا ما أخذ على التعريف السابق من أنه أخرج التلفيق بين أقوال الأئمة في المذهب الواحد.

و على ذلك يمكن أن يعرف التلفيق بأنه: الجمع بين أكثر من قول في قضية فقهية واحدة ذات جزئيات.

‌المطلب الثاني: أقسام التلفيق

ينقسم التلفيق أقسامًا؛ وذلك باعتبار الشخص الملفق، أو باعتبار القضية الفقهية الملفقة.

أولًا: تقسيم التلفيق باعتبار الشخص الملفق.

ينقسم التلفيق باعتبار الشخص الملفق قسمين: تلفيق المجتهد، وتلفيق المقلد

(1)

، إلا أن أكثر

الذين كتبوا في التلفيق لا يعدونه إلا نوعًا واحدًا، وهو تلفيق المقلد، ولا يذكرون التلفيق إلا حيث يذكرون التقليد باعتباره فرعا من فروعه؛ وذلك لسببين:

السبب الأول: أن مصطلح التلفيق حدث في العصور المتأخرة-وقد أقفل باب

(1)

انظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، لعياض السلمي، ص 333، التلفيق في التقليد، لعارف حسونة، منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة آل البيت، المجلد 7 - العدد 4 - صفر 1433 هـ، ص 203.

ص: 187

الاجتهاد من قرون

(1)

- فلا يوجد فيها أهل الاجتهاد المطلق

(2)

.

السبب الثاني: أن أهل الاجتهاد "أرباب استدلال واستنباط، وليسوا أهل تقليد، واستسلام حتى يضطروا إلى التلفيق الذي استنبطه الخلف"

(3)

.

والصحيح أن أهل الاجتهاد موجودون في كل عصر، "أما دعوى إقفال باب الاجتهاد فهي قضية غير مسلمة، بل هي من مهملات الدعاوى التي لا تسمع، ولا يعتد بها؛ لأن من مقتضيات خاتمة الشرائع التي ختمت بصاحبها النبوات فتح باب الاجتهاد إلى قيام الساعة"

(4)

، وأن المجتهد قد يلفق بين أراء العلماء عن طريق النظر، والاستدلال دون اضطرار، أو استسلام للتقليد.

ثانيًا: تقسيم التلفيق باعتبار القضية الفقهية الملفقة

ينقسم التلفيق باعتبار القضية الفقهية الملفقة ثلاثة أقسام:

(1)

"إن تشديد أنصار التقليد في إقفال باب الاجتهاد، وحظره مطلقا، وإقامة الحواجز المنيعة دون تلمسه، ولو من بعض المنافذ في الجملة، وتعصبهم لأقوال فقهائهم ومتفقهتهم بدون إعمال روية ولا تدبر أدى إلى ضرر محسوس، وجر على المسلمين ما هو مشهود من الجمود والانحطاط والتقهقر. على أن هذا التشديد المفرط مخالف لدين الله تعالى، ويكفيه معرة ما نجم عنه من هجر الكتاب والسنة، وتعطيل الاستفادة منهما، وعدم التبصر بأنوار هديهما، سوى التعبد بتلاوة الكتاب، والتبرك برواية الحديث، فحال بين أنوار الشريعة الغراء وبين المدارك البشرية آراء رجال غير معصومين، ولا من السلف الصالحين المشهود لهم، فضعفت مدارك العقول، واستخذت النفوس لاعتيادها على التقليد والجمود"عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، للباني ص 150.

(2)

انظر: التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي، للسعيدي، ص 13.

(3)

عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، للباني، ص 229.

(4)

المرجع السابق، ص 151.

ص: 188

القسم الأول: قضية فقهية ملفقة من مذاهب فقهية؛ كمن حج فمكث في مزدلفة بمقدار حط رحله كما هو عند المالكية

(1)

، وقلم أظفاره كما هو عند الظاهرية

(2)

، ثم طاف راكبا كما هو عند الشافعية

(3)

، ورمى يوم النفر قبل الزوال كما هو عند الحنفية

(4)

، فهذا الحج ملفق من مذاهب مختلفة، وكل مذهب لا يقول برأي المذهب الآخر في المسألة التي قلده فيها.

القسم الثاني: قضية فقهية ملفقة من مذهبين فقهيين؛ كمن توضأ فلم يدلك كما هو عند الشافعية

(5)

، ثم لمس امرأة بلا شهوة كما هو عند المالكية

(6)

، فهذا الوضوء ملفق من مذهبين وهو باطل على المذهب المالكي لعدم الدلك، وعلى المذهب الشافعي للمس المرأة

(7)

.

القسم الثالث: قضية فقهية ملفقة من رأيين فقهيين في المذهب الواحد؛ كمن وقف الدراهم كما هو عند زفر

(8)

، وكان وقفه على نفسه كما هو عند أبي يوسف، فهذا الوقف ملفق من قولين في مذهب واحد، وهو باطل عند الإمامين، فأبو يوسف لا يرى وقف الدراهم، وزفر لا يرى الوقف على النفس

(9)

.

(1)

انظر: الذخيرة، للقرافي 3/ 263.

(2)

انظر: المحلى، لابن حزم 5/ 278.

(3)

انظر: الأم، للشافعي 2/ 190.

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي 4/ 68.

(5)

انظر: الغاية والتقريب، لأبي شجاع، ص 3.

(6)

انظر: الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبدالبر 1/ 148.

(7)

انظر: تيسير التحرير، لأمير بادشاه الحنفي 4/ 254.

(8)

هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، أبو الهذيل، ولد سنة 110 هـ، من أصحاب الإمام أبي حنيفة، ومن كبار فقهاء المذهب الحنفي، توفي سنة 158. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 8/ 38، تاج التراجم، للجمالي الحنفي 1/ 169.

(9)

انظر: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، لابن عابدين 1/ 109.

ص: 189

والكلام عن حكم التلفيق يشمل كل هذه الصور، حتى التلفيق بين رأيين في مذهب واحد، فقد جاء في العقود الدرية بعد ذكر المثال السابق الملفق بين قولين داخل المذهب الحنفي:"فنقول النفاذ مبني على القول بصحة الحكم الملفق"

(1)

.

‌المطلب الثالث: حكم التلفيق

التلفيق إما أن يصدر من شخص مجتهد أو شخص مقلد كما سبق بيانه، ولكل قسم من هذين القسمين حكم يختلف عن الآخر، وفي الفرعيين التاليين بيان لحكم كل منهما.

الفرع الأول: تلفيق المجتهد

تلفيق المجتهد: هو أن يجتهد المجتهد في مسألة فيؤديه اجتهاده إلى الجمع بين قولين لمجتهدين قبله في نفس المسألة

(2)

، و يسمى هذا عند الأصوليين "إحداث قول ثالث"

(3)

، وقد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن إحداث قول ثالث لا يجوز مطلقًا، وهو قول جمهور الأصوليين

(4)

.

(1)

المرجع السابق.

(2)

انظر: التلفيق في التقليد، لعارف حسونة ص 207.

(3)

انظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، للسلمي ص 333، التلفيق في التقليد، لعارف حسونة ص 207.

(4)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 1/ 487، المحصول، لابن العربي، ص 123، شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 328، الإحكام، للآمدي 1/ 268، البحر المحيط، للزركشي 6/ 516، اللمع، للشيرازي، ص 93، روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 430، المسودة، لآل تيمية ص 326، العدة، لأبي يعلى 4/ 1113.

ص: 190

القول الثاني: أن إحداث قول ثالث جائز مطلقًا، وهو قول بعض الأصوليين

(1)

.

القول الثالث: أن إحداث قول ثالث جائز بشرط ألا يرفع ما اتفق عليه القولان السابقان، وهو قول بعض الأصوليين

(2)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن إجماع العلماء على قولين دليل على بطلان ما عداهما، كما أن الإجماع على قول واحد دليل على بطلان ما عداه

(3)

.

نوقش: بأن اختلافهم على قولين إجماع على جواز القولين، وإقرار أن هذه المسألة اجتهادية، وليست قطعية، ولا يكون القول الثالث باطلًا، إلا إذا اشترطوا عدم إحداثه

(4)

.

(1)

روي عن بعض الحنفية، والظاهرية. انظر: الإحكام، لابن حزم 1/ 560، التبصرة، للشيرازي، ص 387، الإحكام، للآمدي 1/ 268، روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 430، إرشاد الفحول، للشوكاني 1/ 229.

(2)

روي عن الإمام الشافعي، واختاره الآمدي، وابن الحاجب، والرازي، وابن اللحام، والطوفي. انظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 228، الإحكام، للآمدي 1/ 268، 430، المحصول، للرازي 4/ 128، بيان المختصر، للأصفهاني 1/ 590، المختصر في أصول الفقه، لابن اللحام، ص 79، شرح مختصر الروضة، للطوفي 3/ 92.

(3)

انظر: العدة، لأبي يعلى 4/ 1113، المعتمد، لأبي الحسين البصري 2/ 45.

(4)

انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 269، شرح مختصر الروضة، للطوفي 3/ 89، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، للسلمي، ص 133.

ص: 191

الدليل الثاني: أن ذلك يوجب نسبة الأمة إلى الخطأ، وإلى تضييع الحق، والغفلة عنه؛ فإنه لو كان الحق في القول الثالث، كانت الأمة قد أخطأته، وضيعته وغفلت عنه، وخلا العصر من قائم لله بحجته، ولم يبق منهم عليه أحد وذلك محال

(1)

.

نوقش: بأنه إنما يلزم من ذلك نسبة الأمة إلى الخطأ، وتضييع الحق، والغفلة عنه، أن لو كان الحق في المسألة معينًا، وأجمعوا فيه على قول واحد، وأما فيما اختلفوا فيه فلا؛ لأن غاية ذلك تخطئة بعضهم في أمر، وتخطئة البعض الآخر في غير ذلك الأمر

(2)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن الصحابة اجتهدوا في هذين القولين، ولم يصرحوا بتحريم إحداث قول ثالث

(3)

.

نوقش: بأن الصحابة كذلك لو اجتمعوا على قول واحد لم يصرحوا بتحريم إحداث القول الثاني، مع أنه لا يجوز لمخالفته لإجماعهم

(4)

.

الدليل الثاني: أن الاختلاف على قولين دليل تسويغ الاجتهاد، والقول الثالث حادث عن الاجتهاد فكان جائزًا

(5)

.

نوقش: بأن الاختلاف على قولين دليل تسويغ الاجتهاد إذا كان الاجتهاد في طلب الحق من القولين، فأما إحداث القول الثالث من غيرهما فلا؛ لأنهم قد أجمعوا على بطلانه،

(1)

انظر: روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 431، الإحكام، للآمدي 1/ 268.

(2)

انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 269، نهاية السول، للإسنوي ص 292.

(3)

انظر: روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 430.

(4)

انظر: روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 430، شرح مختصر الروضة، للطوفي 3/ 90.

(5)

انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 269، التبصرة، للشيرازي، ص 388.

ص: 192

وهذا كما لو أجمعوا في حادثة على إبطال حكم فيها فينقطع الاجتهاد في ذلك الحكم، ولا يمنع ذلك من الاجتهاد فيها على غير ما أجمعوا على بطلانه

(1)

.

يجاب: بأنه لا يسلم أن الخلاف على قولين إجماع منهم على إبطال إحداث قول ثالث مالم ينصوا على إبطاله، وقياس إحداث قول ثالث على إبطال حكم في حادثة قياس مع الفارق؛ لأنهم نصوا على إبطال الحكم في الحادثة خلافًا لإحداث القول الثالث الذي لم ينصوا على إبطاله.

الدليل الثالث: أن الصحابة إذا استدلوا بدليل، وعللوا بعلة، جاز لمن بعدهم الاستدلال بدليل آخر، والتعليل بعلة أخرى، فكذلك إذا كان لهم قول جاز لمن بعدهم إحداث قول آخر

(2)

.

نوقش: بأن الدليل يختلف عن الحكم؛ فالدليل يؤيد الحكم السابق لا يخالفه، بعكس الحكم الجديد، فإذا أجمعوا على أمر واستدلوا بدليل من القرآن، جاز لمن بعدهم أن يستدل بدليل آخر من السنة يؤيد ما أجمعوا عليه، ولا يجوز مخالفة ما أجمعوا عليه بإحداث حكم آخر

(3)

.

الدليل الرابع: أن إحداث قول ثالث وقع في هذه الأمة من غير نكير

(4)

.

نوقش: بأن عدم نقل الإنكار لا يدل على عدم الإنكار

(5)

.

(1)

انظر: التبصرة، للشيرازي، ص 388.

(2)

انظر: روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 431، العدة، للقاضي أبي يعلى 4/ 1114.

(3)

انظر: العدة، للقاضي أبي يعلى 4/ 1114.

(4)

انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 269، روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 431.

(5)

انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 272.

ص: 193

يجاب: بأنه حتى مع وجود الإنكار؛ فإن الإنكار ليس لأن هذا قول ثالث، بل ينكر العلماء القول الذي يخالف النص، أو الإجماع.

أدلة القول الثالث:

أصحاب القول الثالث جمعوا بين أدلة القول الأول وأدلة القول الثاني، واستدلوا بأن القول الثالث إذا رفع ما اتفق عليه القولان السابقان خالف ما أجمعوا عليه، وإذا لم يرفع ما اتفق عليه القولان لم يخالفه، بل وافق كل واحد من القولين من وجه وخالفه من وجه، فهو جائز إذ ليس فيه خرق للإجماع

(1)

.

يناقش: بأن اختلافهم على قولين إجماع منهم على أن هذه المسألة اجتهادية، وليست من الأمور القطعية، فمجال الاجتهاد فيها سائغ، حتى وإن رفع هذا الاجتهاد ما اتفق عليه القولان السابقان، مالم يخالف هذا الاجتهاد نصًا، أو إجماعًا قطعيًا فيرد.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلة كل قول، ومناقشة الأدلة، تبين لي أن الأدلة متكافئة، والأقرب -والله أعلم- أن الراجح أن إحداث قول ثالث جائز، ما لم يخالف هذا القول نصًا أو إجماعًا قطعيًا؛ لأن في اختلاف العلماء إقرارًا منهم بأن هذه المسألة اجتهادية، والاجتهاد سائغ فيها، فلا يرد هذا الاجتهاد لأنه قول جديد، بل يرد إذا خالف نصًا، أو إجماعًا قطعيًا.

وبناءً على هذا الترجيح يكون تلفيق المجتهد جائزًا، إلا إذا خالف نصًا، أو إجماعًا قطعيا.

الفرع الثاني: تلفيق المقلد

قد يلفق المقلد بين قولين لمجتهدين دون اجتهاد أو نظر منه، إما للجهل، أو لظنه جواز التلفيق، أو للضرورة، أو لتتبع رخص المذاهب وغيرها من الأسباب، وقد اتفق

(1)

انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 269، إرشاد الفحول، للشوكاني 1/ 229.

ص: 194

الأصوليون على أن هذا التلفيق لا يكون في مسائل الأصول، وما علم من الدين بالضرورة

(1)

، أما إن كان في مسائل الفروع الاجتهادية المختلف فيها، فقد اختلفوا في حكمه على قولين:

القول الأول: منع تلفيق المقلد مطلقًا، وهو قول جمهور الأصوليين

(2)

، بل حكي الإجماع على منع تلفيق المقلد

(3)

.

القول الثاني: جواز تلفيق المقلد بشروط، وهو قول بعض الأصوليين

(4)

، ومنهم من اشترط شرطا، ومنهم من اشترط أكثر من شرط، ومن هذه الشروط:

• أن تدعو إلى التلفيق الضرورة أو الحاجة

(5)

.

(1)

أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي 2/ 428، الفتوى في الإسلام، للقاسمي، ص 170.

(2)

انظر: القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد، للموروي، ص 79، حاشية الدسوقي 1/ 20، إعانة الطالبين، للدمياطي 1/ 25، التحقيق في بطلان التلفيق، للسفاريني، ص 171، التلفيق في التقليد، لعارف حسونه ص 212. قال الحلواني الشافعي:"وهذا الذي تقرر من اشتراط عدم التلفيق هو المعتمد عندنا وعند الحنفية والحنابلة" الوسم في حكم الوشم، للحلواني ص 133 نقلاً من التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي، للسعيدي ص 22

(3)

حكى الإجماع الحصكفي، وابن عابدين، وابن حجر الهيتمي. انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 75، 383، 3/ 508، الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي 3/ 330.

(4)

منهم ابن الهمام من الحنفية، والمغاربة من المالكية، والعز بن عبدالسلام من الشافعية. انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 258، حاشية الدسوقي 1/ 20، فتاوى شيخ الإسلام عز الدين بن عبدالسلام، ص 288.

(5)

من الذين نصوا على هذا الشرط: وهبة الزحيلي، وعبدالقادر الشفشاوني. انظر: أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي 2/ 428، عمدة التحقيق، للباني ص 212.

ص: 195

• أن يكون التلفيق في غير ما عمل به تقليدا

(1)

.

• ألا يكون التلفيق لتتبع رخص العلماء

(2)

.

• وألا يؤدي التلفيق إلى نقض حكم الحاكم

(3)

.

• وألا يترتب على التلفيق خرق للإجماع

(4)

.

• وألا يؤدي إلى حالةٍ مركبةٍ لا يقرها أحد من المجتهدين

(5)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن العلماء أجمعوا على أن التلفيق باطل

(6)

، قال الحصكفي:"وأن الحكم الملفق باطل بالإجماع"

(7)

.

(1)

من الذين نصوا على هذا الشرط: ابن الهمام، وابن أمير الحاج، وأمير بادشاه، والعز بن عبد السلام. انظر: التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج 3/ 351، تيسير التحير، لأمير بادشاه 4/ 254، نفائس الأصول، للقرافي 9/ 3963.

(2)

من الذين نصوا على هذا الشرط: الرحيباني، ومرعي الكرمي، وحسن الشطي. انظر: مطالب أولى النهى 1/ 390، عمدة التحقيق، للباني ص 210.

(3)

من الذين نصوا على هذا الشرط: الباني، والميمان. انظر: عمدة التحقيق، للباني ص 224، التلفيق في الاجتهاد والتقليد، للميمان ص 11. بل نقل الزركشي أنه حتى المجتهد يترك اجتهاده إذا خالف حكم الحاكم، فالمقلد الملفق من باب أولى، قال: " لو كان لمجتهد حكومة، فحكم حاكما فيها يخالف اجتهاده، فإنه يتدين في الباطن بحكم الحاكم وبترك اجتهاده، سواء كان الحكم له أو عليه" البحر المحيط 8/ 336 - 337.

(4)

من الذين نصوا على هذا الشرط: القرافي، وابن دقيق العيد، والروياني. انظر: نفائس الأصول، للقرافي 9/ 3964، التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج 3/ 352.

(5)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد 8، رقم 74/ 1، وقد نص القرار على الشروط الخمس الأخيرة.

(6)

انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 75، 383، 3/ 508، الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي 3/ 330.

(7)

حاشية ابن عابدين 1/ 75.

ص: 196

نوقش: بأن هذه المسألة خلافية، ولا إجماع فيها

(1)

.

الدليل الثاني: أن التلفيق يؤدي إلى الخبط والخلط، وفتح باب الحرام، وإفساد الشريعة

(2)

.

نوقش: بأن التلفيق الذي يؤدي إلى الخبط والخلط، وفتح باب الحرام، وإفساد الشريعة، ما كان مباحًا مطلقًا دون شروط، ونحن لا نقول بذلك، بل لا بد من شروط للتلفيق تضبطه

(3)

.

يجاب: بأن المقلد لن يتقيد بهذه الشروط؛ وذلك لأنه لا علم عنده بمسائل الإجماع، أو رخص المذاهب، أو غيرها من الشروط، ولا إدراك له بحالات الضرورة والحاجة، فمتى فتح له الباب فلن يتقيد بشرط؛ وذلك إفساد للشريعة.

الدليل الثالث: أن هذه المسألة الملفقة لم يقل أحد من المذاهب بجوازها

(4)

.

نوقش: بأن كل مذهب يحكم ببطلانها بالنظر إلى المذهب ذاته، ولكن لو نظر إلى المذهب الآخر فلا يحكم ببطلانها

(5)

.

الدليل الرابع: أن المقلد التزم مذهبًا معينًا، ومن التزم مذهبًا معينًا لا يجوز له الخروج منه في ما يعرض له من المسائل

(6)

.

(1)

انظر: عمدة التحقيق، للباني، ص 200، أصول الفقه، لوهبة الزحيلي 2/ 425.

(2)

انظر: التحقيق في بطلان التلفيق، للسفاريني، ص 171

(3)

انظر: التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي، للسعيدي، ص 40

(4)

انظر: الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي 3/ 330، مطالب أولي النهى، للرحيباني 1/ 390.

(5)

انظر: القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد، للموروي الحنفي، ص 94.

(6)

انظر: المستصفى، للغزالي 4/ 154، البحرالمحيط، للزركشي 8/ 375، إرشاد الفحول، للشوكاني 2/ 252.

ص: 197

نوقش: بأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دون غيره

(1)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن التلفيق هو عين التقليد، فمن قال بالتقليد فلابد له أن يقول بالتلفيق

(2)

.

نوقش: بأن التلفيق يختلف عن التقليد، فالمقلد لمذهب في عبادة لابد أن يلتزم شروط هذه العبادة وأركانها وواجباتها كما هي في المذهب، والملفق لا يلتزم ذلك

(3)

.

الدليل الثاني: أنه لم يرد عن أحد من الصحابة أنه ألزم أحدًا من الناس باتباع صحابي معين دون غيره

(4)

.

نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن مذاهب الأئمة لم تكن معلومة، ولا مدونة في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وأئمة المذاهب دونوا المذاهب بعد السبر والنظر، وبوبوا الأبواب، وهذبوا المسائل وبينوها وجمعوها، فأصبحت المذاهب وافية بجميع الأحكام

(5)

.

الوجه الثاني: أن المقلد في عهد الصحابة رضي الله عنهم لم يكن يلفق بين آراء المجتهدين من الصحابة رضي الله عنهم من عند نفسه دون معرفة لأدلتهم حتى نعرف حكم الصحابة رضي الله عنهم فيه، بل كان يسأل أهل العلم من الصحابة في المسألة التي يحتاجها.

الدليل الثالث: أن من مقاصد الشريعة اليسر والسماحة، ورفع الحرج، ومنع التلفيق فيه حرج ومشقة، وهذا ينافي مقصدًا من مقاصد الشريعة

(6)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 222، مطالب أولى النهى، للرحيباني 1/ 390.

(2)

انظر: عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، للباني، ص 182

(3)

انظر: التحقيق في بطلان التلفيق، للسفاريني ص 171.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 222، مطالب أولى النهى، للرحيباني 1/ 390.

(5)

انظر: نهاية السول، للإسنوي ص 406، التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي، للسعيدي، ص 41.

(6)

انظر: عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، للباني 193، أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي 2/ 426.

ص: 198

نوقش: بأن يسر الشريعة المعتبر هو ما كان على وفق دلائل الشريعة وأصولها، وليس التلفيق طريقًا من طرق التيسير المعتد بها، وكما أن من مقاصد الشريعة التيسير، ورفع الحرج، فإن من مقاصدها أيضا حفظ الشريعة من أن ترد إلى الأهواء، وتقحم الجهلاء، فلا تضرب المقاصد بالمقاصد

(1)

.

الدليل الرابع: أن منع التلفيق يؤدي إلى إفساد لكثير من عبادات العامة؛ إذ لا تكاد تجد عاميًا يفعل عبادة موافقة لمذهب معين

(2)

.

يناقش: بأننا نفرق بين التلفيق قبل الفعل وبعده، فنحن نمنع العامة من التلفيق ابتداءً، ونلزمهم بأن يسألوا أهل العلم ويتقيدوا بالرأي الذي أخذوه، ومن جاءنا منهم بعد الفعل وقد لفق في عبادته بين آراء العلماء المعتبرة فلا نفسدها؛ تيسيرًا عليه، ورفعًا للحرج

(3)

.

(1)

انظر: التلفيق بين المذاهب الفقهية، للعتيبي ص 31، التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي، للسعيدي ص 42.

(2)

انظر: عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، للباني 192، أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي 2/ 426.

(3)

جاء في حاشية ابن عابدين: "أن له التقليد بعد العمل كما إذا صلى ظانًا صحتها على مذهبه ثم تبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقليده، ويجتزي بتلك الصلاة"، وقال ابن عثيمين: "وكذلك إذا كان الأمر قد وقع وكان في إفتائه بأحد القولين مشقة وأفتى بالقول الثاني فلا حرج

وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي- رحمه الله يفعل ذلك أحيانًا ويقول لي: هناك فرق بين من فعل ومن سيفعل، وبين ما وقع وما لم يقع". انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 75، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 26/ 401.

ص: 199

الترجيح: بعد عرض الأقوال وأدلتها، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي أن أكثر الأدلة للفريقين لا تسلم من المناقشة، وأن أقرب الأقوال-والله أعلم- هو القول الأول، وأن المقلد لا يجوز له التلفيق بين أراء العلماء، بل فرض المقلد أن يسأل أهل العلم، ويلتزم الرأي الذي أخذه، وله أن يسأل من شاء من أهل العلم ويأخذ برأيه، دون أن يلتزم رأي عالم معين، ولا يجوز له التلفيق بين هذه الآراء؛ لأنه ليس أهلًا للاستنباط، ومعرفة الأدلة التي يبني عليها الأئمة اختياراتهم وترجيحاتهم فيلفق بينها.

‌المطلب الرابع: التلفيق وتتبع رخص المذاهب

سبق التعريف بتتبع رخص المذاهب، وهو أن يأخذ الشخص من كل مذهب ما هو أهون عليه وأيسر فيما يطرأ عليه من المسائل دون نظرٍ في الأدلة

(1)

.

وقد عرف بعض المؤلفين التلفيق بأنه" تتبع الرخص عن هوى"

(2)

؛ ورأى أنهما شيء واحد، ومع أن التلفيق وتتبع الرخص قد يجتمعان فيما لو كان التلفيق عن هوى، إلا أنهما يختلفان فيما لو لم يكن التلفيق عن هوى، ويختلفان أيضًا في أن الشخص قد يتتبع رخص المذاهب في مسائل مختلفة ليس بينها ارتباط، فبين التلفيق وتتبع رخص المذاهب عموم وخصوص من وجه

(3)

، ومما يدل على اختلافهما أن كثيرًا من العلماء الذين أجازوا التلفيق

(1)

أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي 2/ 431. وانظر: التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج 3/ 351.

(2)

قواعد الفقه، لمحمد البركتي، ص 236.

(3)

انظر: التلفيق بين المذاهب الفقهية، للعتيبي ص 18.

ص: 200

يشترطون فيه ألا يكون عن تتبع رخص المذاهب؛ فقد نقل القرافي عن الزناتي

(1)

من أصحابهم أن التلفيق جائز بثلاثة شروط، ذكر منها الثالثة:"وأن لا يتتبع رخص المذاهب"

(2)

. وقال المعلمي: "وقضية التلفيق إنما شددوا فيها إذا كانت لمجرد التشهي وتتبع الرخص، فأما إذا اتفقت لمن يتحرى الحق وإن خالف هواه فأمرها هين"

(3)

.

‌المطلب الخامس: التلفيق والهندسة المالية الإسلامية

التلفيق بين الأقوال الفقهية من الأدوات التي يستخدمها الفقهاء في الهندسة المالية الإسلامية؛ ومن ذلك ما جاء في فتوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي في السودان رقم 22، والمتعلقة بالشراكة التي تحدث بين المصرف الإسلامي والشريك، وخلاصتها أنه يجوز للمصرف أن يطلب من شريكه ضمانًا يضمن ما يضيع من مال الشركة بتعد أو تقصير من الشريك، عملًا بمذهب الحنفية والمالكية والحنابلة

(4)

، كما يجوز له أن يأخذ رهنًا من شريكه، عملًا بمذهب المالكية

(5)

، والغرض من الضمان والرهن توثيق الحق والاطمئنان إلى استيفائه

(6)

.

(1)

هو موسى بن عيسى بن أبي الحاج أبو عمران، الزناتي، الفاسي، من فقهاء المالكية، ولد سنة 368 هـ، قال حاتم بن محمد: كان أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم، من تصانيفه:"الفهرست"، و"التعاليق على المدونة"ولم يكمله، توفي سنة 430 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 17/ 545، الأعلام، للزركلي 7/ 326.

(2)

شرح تنقيح الفصول، للقرافي ص 232. وانظر: البحر المحيط، للزركشي 8/ 378.

(3)

التنكيل، للمعلمي 2/ 585.

(4)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 3 - 4، بداية المجتهد، لابن رشد 4/ 82، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 382.

(5)

انظر: شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 249.

(6)

انظر: الفتاوى الاقتصادية، لمجموعة من المؤلفين، ص 1166.

ص: 201

ففتوى الهيئة عبارة عن هندسة مالية إسلامية استخدم فيها التلفيق كأداة لهذه الهندسة.

وكذلك بيع المرابحة للآمر بالشراء مع الوعد الملزم هو عبارة عن هندسة مالية استخدم فيها التلفيق بين قول الشافعي بجواز المرابحة مع الوعد

(1)

، وقول ابن شبرمة

(2)

بالإلزام بالوعد

(3)

.

والذي ينبغي مراعاته في التلفيق بين الأقوال الفقهية لأجل الهندسة الإسلامية للعقود أن يكون المهندس من أهل الاجتهاد، فإن لم يكن فعليه أن يعرض ما قام به من تلفيق لهندسة العقود على أهل الاجتهاد، أو أن يلتزم الشروط التي وضعها أصحاب القول الذين أجازوا تلفيق المقلد؛ كي يبتعد عن التلفيق الممنوع

(4)

.

(1)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 39.

(2)

هو عبدالله بن شبرمة بن عمر بن شبرمة بن الطفيل الضبي، أبو شبرمة، من فقهاء المالكية، ولد سنة 72 هـ، كان ابن شبرمة عفيفًا، صارمًا، عاقلًا، خيرًا، يشبه النساك، وكان شاعرًا، كريمًا، جوادًا، تولى قضاء الكوفة، توفي سنة 144 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 6/ 347، فقه الإمام ابن شبرمة الكوفي، لمحمد العاني، ص 9 - 26.

(3)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 278، فقه الإمام ابن شبرمة الكوفي، لمحمد العاني، ص 93.

(4)

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي العدد 8، رقم 74/ 1: "يكون التلفيق ممنوعًا في الأحوال التالية:

أ - إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى .... ب- إذا أدى إلى نقض حكم القضاء. ج - إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدًا في واقعة واحدة. د - إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه. هـ - إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها أحد من المجتهدين".

ص: 202

‌المبحث السادس:

تركيب العقود

تطورت المعاملات المالية في العصر الحاضر، وتزايدت عوامل المخاطرة؛ مما جعل الاحتياطات الاقتصادية معقدة ومتشعبة، خاصة مع التوسع العلمي والمعرفي والتقني في الحاسب، والانترنت

(1)

، وأدى ذلك إلى انتشار العقود المالية المركبة وشيوعها في الأسواق المحلية، والعالمية، وأقبلت المؤسسات المالية الإسلامية على التعامل بها

(2)

؛ حيث وجدت فيها حلولًا لما تواجهه من مخاطر، وصيغًا ذات كفاءة اقتصادية عالية. وفي هذا المبحث دراسة لتركيب العقود المالية.

‌المطلب الأول: تعريف العقود المالية المركبة

قبل تعريف العقود المالية المركبة لابد من تعريف كل مصطلح منها منفردًا، ويمكن بعدها التوصل لتعريف العقود المالية المركبة.

فالعقود في اللغة جمع عقد، ويدل على الشد، والتوثيق

(3)

، قال ابن فارس:"العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها"

(4)

.

وأما العقد في الاصطلاح، فهو:"التزام المتعاقدين وتعهدهما أمرًا وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول"

(5)

.

(1)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 6 - 7.

(2)

انظر: العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 6.

(3)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 86، القاموس المحيط، للفيروز أبادي، ص 300.

(4)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 86.

(5)

مجلة الأحكام العدلية، ص 29.

ص: 203

وقد سبق تعريف المال لغة واصطلاحًا

(1)

.

وأما تعريف المركبة في اللغة فهي مؤنث مركب، والمركب اسم مفعول من ركب يركب تركيبًا، والتركيب في اللغة وضع الشيء بعضه على بعضه، وضمه إليه

(2)

، فـ"الراء والكاف والباء أصل واحد مطرد منقاس، وهو علو شيء شيئا"

(3)

.

وأما المركب في الاصطلاح، فهو:"مجموع الأشياء المتعددة بحيث يطلق عليها اسم الواحد"

(4)

.

وبعد تعريف هذه المصطلحات يمكن تعريف العقود المالية المركبة؛ وقد عرف الدكتور نزيه حماد العقود المركبة بشكل عام، وهي: "أن يتفق الطرفان على إبرام معاملة (صفقة) تشتمل على عقدين فأكثر

(5)

بحيث تعد موجبات تلك العقود المجتمعة، وجميع الحقوق والالتزامات المترتبة عليها جملة واحدة، لا تقبل التفريق والتجزئة والانفصال، بمثابة آثار العقد الواحد"

(6)

.

وهذا التعريف يعمّ جميع العقود المركبة، سواء كانت عقودًا مالية، أو غير مالية، ومن أمثلته التي ذكرها الدكتور: البيع، والهبة، والزواج

(7)

، والزواج عقد غير مالي.

(1)

انظر ص 20 من هذا البحث.

(2)

انظر: أساس البلاغة، للزمخشري 1/ 379، القاموس المحيط، للفيروز أبادي، ص 91.

(3)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 432.

(4)

العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 46.

(5)

ذكر الدكتور أمثلة هنا، وحذفتها رغبة في الاختصار.

(6)

العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 7. وانظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 263.

(7)

انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 263.

ص: 204

وأما الدكتور العمراني فقد عرف العقود المالية المركبة بشكل خاص، بأنها:"مجموع العقود المالية المتعدد التي يشتمل عليها العقد -على سبيل الجمع والتقابل- بحيث تعتبر جميع الحقوق والالتزامات المترتبة عليها بمثابة آثار العقد الواحد"

(1)

.

وهذا التعريف هو المختار؛ لأنه خاص بالعقود المالية المركبة، ولا يدخل فيه العقود المركبة غير المالية.

‌المطلب الثاني: أنواع العقود المالية المركبة

للعقود المركبة نوعان، وهما:

النوع الأول: العقود المجتمعة؛ وهي العقود المركبة المجتمعة في عقد واحد، وذلك بأن يجتمع عقدان أو أكثر في عقد واحد

(2)

، مثل أن يقول: بعتك هذه الدار وأجرتك الأخرى بألف

(3)

.

النوع الثاني: العقود المتقابلة؛ وهي العقود المركبة التي يكون فيها العقد الثاني في مقابلة العقد الأول

(4)

، وهي ما يعبر عنها الفقهاء بمسألة:"اشتراط عقد في عقد"

(5)

، مثل أن يقول: بعتك داري بكذا على أن تؤجرني دارك بكذا

(6)

.

(1)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 46.

(2)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 58.

(3)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 178.

(4)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 57.

(5)

انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي 3/ 660، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 288.

(6)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 176.

ص: 205

وقد ذكر العمراني أنواعًا أخرى للعقود المركبة؛ كالعقود المختلفة، وهي: أن يجتمع عقدان بينهما اختلاف في الأحكام

(1)

، والعقود المتجانسة، وهي: أن يجتمع عقدان دون اختلاف في الأحكام

(2)

، وكلها ترجع للنوعين السابقين، فالعقود المجتمعة أو المتقابلة إما أن تكون بين عقدين فيهما اختلاف في الأحكام، أو بين عقدين لا تختلف أحكامهما، قال العمراني:"يمكن حصر العقود المركبة في النوعين المتقدمين، وهي العقود المركبة المتقابلة، والعقود المركبة المجتمعة"

(3)

، وجاء في تعريف نزيه حماد:"بحيث تعتبر سائر موجبات تلك العقود المجتمعة أو المتقابلة"

(4)

، وجاء في تعريف العمراني:" التي يشتمل عليها العقد على سبيل الجمع أو التقابل"

(5)

، فاقتصرا في تعريفهما للعقود المركبة على النوعين السابقين دلالة على أن كل الأنواع الأخرى تدخل فيها.

‌المطلب الثالث: حكم تركيب العقود المالية

اتفق الفقهاء المعاصرون على جواز تركيب العقود المالية

(6)

؛ ومما يؤيد ذلك:

(1)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 65.

(2)

المرجع السابق، ص 66.

(3)

العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 58.

(4)

قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 263.

(5)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 46.

(6)

انظر: الأوراق المقدمة لندوة اشتراط الربط بين عقود المصارف الإسلامية، المنعقدة في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي بجدة، في 22 - 23/ 8/ 1425 هـ، العقود المستجدة، لمحمد علي القري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ص 970 العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 8، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 91، فقه الأولويات في المعاملات المالية المعاصرة، للعايدي ص 97.

ص: 206

1 -

اتفاق الفقهاء المتقدمين على جواز اجتماع أكثر من عقد في معاملة

(1)

، مالم يكن دليل شرعي حاظر

(2)

، ولم أجد خلافًا في ذلك؛ وذلك لأن المعاملة مشتملة على عقدين كل واحد منهما جائز حال الانفراد، فكذلك حالة الاجتماع

(3)

.

2 -

أن "الأصل بمقتضى دلائل نصوص الشريعة هو حرية التعاقد، ووجوب الوفاء بكل ما يتراضى المتعاقدان عليه ويلتزمانه، ما لم يكن نص أو قياس صحيح يمنع من ذلك، فعندئذ يمنع بخصوصه على خلاف القاعدة المطردة"

(4)

؛ فالأصل في العقود والشروط الصحة والجواز، إلا ما دل الدليل على منعه، وقد سبق بيان ذلك

(5)

.

‌المطلب الرابع: ضوابط تركيب العقود المالية

إذا كان الأصل في تركيب العقود المالية الصحة والجواز، إلا ما دل الشرع على تحريمه فلابد من ضوابط لها؛ كي تبقى على أصل الصحة والجواز، وتبتعد عن الوقوع في المحظور الشرعي، وهذه الضوابط:

(1)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 174، المدونة، للإمام مالك 3/ 168، البيان في مذهب الإمام الشافعي، للعمراني 5/ 148، المغني، لابن قدامة 4/ 178.

(2)

انظر: العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 8.

(3)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 6/ 58، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 45، المبدع، لابن مفلح 4/ 389.

(4)

فقه الأولويات في المعاملات المالية المعاصرة، للعايدي، ص 97.

(5)

انظر ص 75، 87 من هذا البحث.

ص: 207

1 -

ألا يكون الجمع بين العقود المالية محل نهي شرعي

(1)

؛ كاشتراط الجمع بين القرض والبيع

(2)

، فقد جاء عند أبي داود وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ»

(3)

. وقد أجمع الفقهاء على المنع من ذلك

(4)

، جاء في موسوعة الإجماع:"لم يوقف على خلاف أحد من العلماء على هذا الإجماع السالف، وهو المنع من اشتراط القرض مع البيع"

(5)

.

(1)

انظر: العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 13، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 179.

(2)

انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 268.

(3)

رواه أبو داود، كتاب البيع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، برقم 3504، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عنده، برقم 1234، والنسائي، كتاب البيوع، باب شرطان في بيع، برقم 4630، 4631. والحديث ضعيف؛ فهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعمرو بن شعيب فيه خلاف بين المحدثين؛ فقد ضعفه يحيى القطان، وابن معين في رواية، وأحمد، وأبو داود، وذكره البخاري في الضعفاء الصغير وذكر أن مما يعاب عليه أنه كان لا يسمع بشيء إلا حدث به، وقال عنه ابن معين: " ليس بذاك"، وقال أحمد: " له أشياء مناكير، وإنما يكتب حديثه يعتبر به، فأما أن يكون حجة فلا". ولعل تضعيف هؤلاء الأئمة له منصب على روايته عن أبيه عن جده؛ فأكثر مروايته هي عن أبيه عن جده، وسلسة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حصل خلاف بين الأئمة فيها، والراجح أنها ضعيفة؛ وممن نص على ضعفها أيضًا ابن معين، وابن المديني، وابن حبان، وابن عدي. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 22/ 64، الضعفاء الصغير، للبخاري، ص 84، ميزان الاعتدال، للذهبي 3/ 263، تهذيب التهذيب، لابن حجر 8/ 48.

(4)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 29، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 30/ 83، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، لمجموعة من المؤلفين 4/ 163.

(5)

موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، لمجموعة من المؤلفين 4/ 163.

ص: 208

2 -

ألا يكون الجمع بين العقود وسيلة للمحرم

(1)

، بحيث" تقوى التهمة، ويكثر القصد في التطرق، والتوسل بها إلى الأمر المحظور"

(2)

؛ كالاتفاق على العينة، أو التوصل إلى الربا

(3)

.

3 -

ألا يكون الجمع بين عقدين مختلفين في الأحكام إذا ترتب على ذلك تضاد في الموجبات والآثار، وذلك في حالة توارد عقدين على محل واحد في وقت واحد

(4)

؛ كما في الجمع بين هبة عين وبيعها، أو الجمع بين المضاربة وإقراض رأس المال للمضارب

(5)

.

‌المطلب الخامس: تركيب العقود المالية والهندسة المالية

يلجأ المهندس المالي إلى تركيب العقود المالية كأداة يستخدمها في صناعة الهندسة المالية، والعقود المالية المركبة هي نتيجة لهذا التركيب، وهي هندسة مالية، وكل عقد مالي مركب هو هندسة مالية، وليست كل هندسة مالية هي عقد مالي مركب، فالهندسة المالية أعم من العقود المالية المركبة؛ فبيع المرابحة للآمر بالشراء، هو عبارة عن معاملة مركبة من وعد بالشراء من العميل، ووعد من المصرف بالبيع بطريق المرابحة، مع الالتزام بالوعد

(6)

،

(1)

انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 275، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 185.

(2)

العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 22.

(3)

انظر: العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 19، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 185.

(4)

انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 284، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 185.

(5)

انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 284.

(6)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، للقرضاوي، ص 28.

ص: 209

فهذه معاملة مركبة باعتبار الالتزام الموجود في هذه المعاملة

(1)

، وهي هندسة مالية، أما إذا كانت على "صيغة الوعد غير الملزم، فهي معاملة ذات علاقات متعددة، إلا أنها لا تدخل في أحكام العقود المالية المركبة"

(2)

، ومع ذلك فهي هندسة مالية، فالهندسة المالية أعم من العقود المالية المركبة.

ومن العقود التي تمت هندستها عن طريق تركيب العقود المالية الإجارة المنتهية بالتمليك؛ فهي عبارة عن هندسة مالية اجتمع فيها عقد إجارة، وعقد بيع معلق بسداد الثمن، إلا أن هذا الاجتماع أدى إلى تضاد في الموجبات والآثار، مما دعا إلى هندسة مالية أخرى بفصل العقدين

(3)

؛ " ليستقل كل واحد منهما عن الآخر، زمانًا بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة"

(4)

؛ لذلك ينبغي على المهندس المالي أن يراعي ضوابط تركيب العقود؛ لأن لاجتماع العقود المالية تأثيرًا لا يكون حالة الانفراد، قال الشاطبي: "إن الاستقراء من الشرع عَرّف أن للاجتماع تأثيرًا في أحكام لا تكون حالة الانفراد

فقد نهى عليه الصلاة والسلام: عن بيع وسلف

(5)

، وكل منهما لو انفرد لجاز"

(6)

.

(1)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 266.

(2)

المرجع السابق، ص 266.

(3)

انظر: مقال العقود المالية المركبة بين المخارج الشرعية والحيل الربوية، للعمراني، منشور في موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي، على الرابط: http:// iefpedia.com/ arab/

(4)

قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 110 (4/ 12).

(5)

سبق تخريجه ص 158.

(6)

الموافقات، للشاطبي 3/ 468.

ص: 210

‌الفصل الرابع: ضوابط الهندسة المالية الإسلامية

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الضوابط الخاصة بالمهندس المالي.

المبحث الثاني: الضوابط الخاصة بالهندسة المالية الإسلامية.

ص: 211

تُحقق الهندسة المالية الإسلامية غايةً شرعيةً نبيلةً، ونجاحها يشد من أزر المصارف الإسلامية ويساعدها على مواصلة مسيرتها، وهي من الوسائل المعينة على التعريف بالإسلام، وجذب غير المسلمين إليه، إلا أنه مما يخشى منه استجابتها لضغط الواقع المخالف للشرع، ورغبتها في الحصول على الربح من أيسر الطرق، مع قوة المنافسة من البنوك التقليدية؛ فتنزلق بالهندسة المالية إلى منحدر المخالفات الشرعية التي يفقدها مصداقيتها، ويسلبها السند الأقوى الذي يكسبها رضا الله أولًا، ثم رضا المتعاملين معها

(1)

، والذي يحمي المصارف الإسلامية من ذلك هو الالتزام بالضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية.

وللهندسة المالية الإسلامية ضوابط تخص المهندس المالي، وضوابط تخص الهندسة المالية الإسلامية، وفي المبحثين التاليين بيان ذلك.

(1)

انظر: السلع الدولية وضوابط التعامل فيها، لحمزة الشريف، منشور ضمن بحوث ندوة البركة التاسعة والعشرون للاقتصاد الإسلامي، جدة، 6 - 7 رمضان 1429 هـ، ص 50.

ص: 213

‌المبحث الأول:

الضوابط الخاصة بالمهندس المالي.

طالبَ أحد الباحثين في الهندسة المالية الإسلامية أن يكون المهندس المالي ملمًا بالعلوم المالية، إضافة إلى العلوم الشرعية

(1)

، ولاشك أن هذا يعد من أهم الضوابط للهندسة المالية الإسلامية، وهو وجود المؤهلات العلمية عند المهندس المالي خاصة العلوم الشرعية، والتي ذكرها علماؤنا بالتفصيل عند تناولهم لشروط المجتهد من علم بالكتاب والسنة، وأصول الفقه، واللغة العربية، والمجمع عليه والمختلف فيه، وغيرها

(2)

، أو كما قال الشيخ عبدالله بن بيه:"إن مهندس هذه العملية الذي يقرر النتيجة يجب أن يكون مرتاضًا في الشريعة، بصيرًا بالمصالح المعتبرة فيها، متمرسًا بتوازنات منظوماتها. وقد آثرنا مصطلح الارتياض على مصطلح الاجتهاد؛ لئلا نصطدم بشروط الاجتهاد الصعبة التحصيل"

(3)

، إلا أن الواقع يشهد أن معظم الكوادر البشرية العاملة في المصارف الإسلامية وافدة إليها من البنوك التقليدية فهم لا يملكون المؤهلات العلمية، ويجهلون طبيعة العمل في المصارف الإسلامية

(4)

؛ لذا لابد أن تتوفر في المهندس المالي-على الأقل- صفتان؛ وهما: الخبرة بالعمل المصرفي والشؤون المصرفية، والعلم بالسوق وحاجاته، وبيانهما في المطلبين التاليين.

(1)

انظر: الحوار الذي أجري مع الدكتور عبدالكريم قندوز، صدر في العدد الأخير لمجلة المصرفية الإسلامية، العدد 10، شهر فبراير.

(2)

انظر: روضة الناظر، لابن قدامة 2/ 334، الإبهاج في شرح المنهاج، للسبكي 1/ 8، ففيهما تفصيل لشروط المجتهد.

(3)

مشاهد من المقاصد، لعبدالله بن بيه، ص 188.

(4)

انظر: إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية، لفضل عبدالكريم محمد، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2007 - 2008 م، ص 278.

ص: 214

‌المطلب الأول: الخبرة بالعمل المصرفي، والشؤون المصرفية

من أهم الصفات التي ينبغي للمهندس المالي أن يمتلكها الخبرة بالعمل المصرفي، والشؤون المصرفية؛ فهناك فرق بين المعرفة النظرية، والممارسة التطبيقية للشيء، فـ"الممارسة للشيء يفيد قوة عليه لا محالة"

(1)

، وقد بين الله تعالى أهمية المعلومة التي تأتي من الخبير بالشيء؛ فقال تعالى:{وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}

(2)

. وقال تعالى: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا}

(3)

. وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم العلم بتأبير النخل إلى أهل الخبرة، فقال صلى الله عليه وسلم:«أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» رواه مسلم

(4)

. وقال نبينا يوسف عليه السلام للملك: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}

(5)

. فأشار إلى مؤهلاته الخاصة التي ترشحه لهذه الولاية؛ ومنها العلم؛ والمراد به هنا: الخبرة في ذلك، والكفاية فيه

(6)

؛ فالأمر الذي يريد أن يتولاه"في حاجة إلى الخبرة وحسن التصرف والعلم بكافة فروعه الضرورية"

(7)

، وفي مسائل كثيرة يُرجع العلماء الحُكم فيها إلى أهل الخبرة

(8)

، ومن ذلك قول ابن القيم: "وقول القائل: إن هذا غرر ومجهول، فهذا ليس حظ الفقيه، ولا هو من شأنه، وإنما هذا من شأن أهل الخبرة

(1)

الرد على المنطقيين، لابن تيمية، ص 21.

(2)

سورة فاطر، الآية 14.

(3)

سورة الفرقان، الآية 59.

(4)

سبق تخريجه ص 37.

(5)

سورة يوسف، الآية 55.

(6)

انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري 16/ 150.

(7)

في ظلال القرآن، لسيد قطب 4/ 2005.

(8)

انظر: العناية شرح الهداية، للبابرتي 8/ 271، الذخيرة، للقرافي 10/ 397، المهذب، للشيرازي 2/ 250، المغني، لابن قدامة 6/ 203.

ص: 215

بذلك"

(1)

. فقول الخبير أولى بالقبول؛ لأنه أعلم ببواطن الأمور

(2)

. فالهندسة المالية الإسلامية لا يمكن نجاحها إلا بالمهندس المالي الأمين الخبير "العارف بأحوال الاقتصاد، ودقائقه، وصوره، ومآلاته، ودوافعه، وسائر متعلقاته"

(3)

، والعارف بالأزمات الاقتصادية، وأسبابها، وحلولها، وبالتجارب الناجحة، أو الفاشلة، والنظريات المتنوعة، فكل ذلك يعود بفائدة كبرى على المهندس المالي، وعلى الحلول التي يقدمها

(4)

، والمهندس المالي في المصارف الإسلامية لكي يحصل على هذه الخبرة يحتاج من المصرف القيام على عمل دورات تدريبية تنمي مهاراته، وتطور خبراته؛ كي يؤدي عمله على أفضل مستوى

(5)

.

‌المطلب الثاني: العلم بالسوق وحاجاته

من الأهداف التي تحققها الهندسة المالية الإسلامية تلبية الاحتياجات المختلفة للمستفيدين، وعلى هذا يلزم "أن تكون الحاجات التي يتطلبها السوق معروفة لمن يقوم بالابتكار والتطوير للأدوات والأوراق المالية"

(6)

، بالإضافة إلى معرفة كل ما يؤثر على عمله؛ كالمعلومات عن تقلبات أسعار الأسهم، والعملات، وأحوال الاقتصاد، وتوجهات السوق، والتشريعات والقوانين الجديدة

(7)

.

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 4.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 18/ 31.

(3)

استحداث العقود في الفقه الإسلامي، لقنديل السعدني، ص 270.

(4)

انظر: المقدمة في منهج الفقه الإسلامي للاجتهاد والبحث، للقره داغي، ص 145 - 146.

(5)

انظر: إدارة المخاطر، لابن علي بلعزوز وآخرين، ص 335.

(6)

الهندسة المالية الإسلامية، لعبدالكريم قندوز، ص 34.

(7)

انظر: إدارة المخاطر، لابن علي بلعزوز وآخرين، ص 369.

ص: 216

والمهندس المالي بعدما يمتلك هاتين الصفتين له أن يقوم بالهندسة المالية، وهذا لا يكفي لاعتماد هذه الهندسة المالية، بل لابد من التأكد من المصداقية الشرعية لما تمت هندسته، وهذا لا يتم إلا بعرض ما قام به على أهل الاجتهاد، إن لم يكن من المجتهدين؛ كالمجامع الفقهية، والهيئات الشرعية التي لا تأثير للمصارف على أحكامها الفقهية، فالحكم يحتاج إلى نوعين من الفهم، كما يقول ابن القيم: فهم الواقع، وفهم الواجب في الواقع

(1)

. والذي يقوم به المهندس المالي هو النوع الأول، والنوع الثاني يقوم به الفقيه المجتهد، فـ"كل واحد منهما فيما يقيم من العمل يكون معينًا لغيره فيما هو قربة وطاعة"

(2)

، وباجتماعهما يجتمع فهم الواقع، مع فهم الواجب في الواقع، ويُتوصل بإذن الله إلى الحكم الصحيح.

(1)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 69.

(2)

الكسب، لمحمد بن الحسن، ص 75.

ص: 217

‌المبحث الثاني:

الضوابط الخاصة بالهندسة المالية الإسلامية

أما الضوابط التي تخص الهندسة المالية الإسلامية، فهي عدم مخالفة الهندسة المالية للشرع، وسلامتها من العيوب الشكلية للعقود، وفي المطلبين التاليين بيان ذلك.

‌المطلب الأول: عدم مخالفة الهندسة المالية الإسلامية للشرع

من أهم الضوابط للهندسة المالية الإسلامية ألا تخالف الهندسة المالية الإسلامية الشرع، فمخالفتها له يخرجها من كونها هندسة مالية إسلامية إلى هندسة مالية تقليدية؛ فأبرز الفروق بين الهندسة المالية الإسلامية والهندسة المالية التقليدية مخالفة التقليدية للشرع الحنيف؛ ولكي تبقى الهندسة المالية الإسلامية موافقة للشرع يلزم مراعاة الفروع التالية.

الفرع الأول: عدم المخالفة للنص الشرعي

إذا ورد في الشرع نصوص تنهى عن معاملة معينة، فيجب على المهندس المالي ألا يقترب منها؛ ومما ورد النهي عنه مما له تعلق بالهندسة المالية: النهي عن الربا، وعن الغرر، وعن بيعتين في بيعة، وبيانها في المسائل التالية.

المسألة الأولى: عدم الوقوع في الربا

الربا في اللغة: الزيادة، والنمو، والعلو

(1)

؛ قال ابن فارس: "الراء، والباء، والحرف المعتل، وكذلك المهموز منه يدل على أصل واحد؛ وهو: الزيادة، والنماء، والعلو"

(2)

.

والربا في الاصطلاح: "التفاضل في مبادلة كل ربوي بجنسه، وتأخير القبض مما يجب فيه القبض"

(3)

.

(1)

انظر: تهذيب اللغة، للأزهري 15/ 195 لسان العرب، لابن منظور 14/ 304

(2)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 483.

(3)

الربا، لصالح السلطان، ص 7.

ص: 218

وقد جاءت نصوص كثيرة في الشريعة تنهى عن الربا، وتحذر من التعامل به؛ قال الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(1)

. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

(2)

. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ» رواه مسلم

(3)

. وعن أبِي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا» رواه مسلم

(4)

. والربا الذي جاءت النصوص بالنهي عنه نوعان: ربا النساء، وربا الفضل

(5)

، فلفظ الربا "يتناول كل ما نهي عنه من ربا النساء، وربا الفضل، والقرض الذي يجر منفعة، وغير ذلك، فالنص متناول لهذا كله"

(6)

؛ ومن أمثلة التعامل بالربا في البنوك، الفوائد على القرض سواء في بداية العقد، أو عند حلول الأجل، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، بشأن حكم التعامل المصرفي بالفوائد، وحكم التعامل بالمصارف الإسلامية:"أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد: هاتان الصورتان ربا محرم شرعًا"

(7)

، وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، بشأن بيع

(1)

سورة البقرة، الآية 275.

(2)

سورة البقرة، الآية 278.

(3)

كتاب المساقاة والمزارعة، باب لعن آكل الربا وموكله، برقم 1597، وللبخاري نحوه من حديث أبي جحيفة، كتاب البيوع، باب آكل الربا وشاهده وكاتبه، برقم 2086.

(4)

كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الورق نقدًا، برقم 1588. وللبخاري نحوه من حديث أبي سعيد، كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالفضة، برقم 2176، 2177.

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي 12/ 111، مختصر خليل، ص 147.

(6)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 1/ 155.

(7)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني، قرار رقم 3.

ص: 219

التقسيط: "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق، أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم"

(1)

.

المسألة الثانية: عدم الوقوع في الغرر

الغرر في اللغة: الخطر

(2)

، وهو الذي لا يُدري أيكون أم لا

(3)

، وغرر بنفسه وماله تغريرًا وتغرة: عرضهما للهلكة

(4)

.

والغرر في الاصطلاح: "ما يكون مستور العاقبة"

(5)

، أو"هو المجهول العاقبة"

(6)

، وكلاهما بنفس المعنى، وإن اختلفت ألفاظهما قليلًا

(7)

.

وقد وردت نصوص من السنة تنهى عن الغرر؛ إما نهيًا عامًا؛ كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رواه مسلم

(8)

. أو نهيًا عن معاملات خاصة لما فيها من الغرر؛ كما جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ». وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها" متفق عليه

(9)

، وجاء عن أبي سعيد

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، قرار رقم 53/ 2.

(2)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 381، لسان العرب، لابن منظور 5/ 13.

(3)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 381.

(4)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 5/ 13.

(5)

المبسوط، للسرخسي 12/ 194.

(6)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 22، القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 169.

(7)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 54.

(8)

كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، برقم 1513.

(9)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الغرر وحبل الحبلة، برقم 2143، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع حبل الحبلة، برقم 1514.

ص: 220

الخدري رضي الله عنه، قال:«نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَلِبْسَتَيْنِ، نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» ، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظرٍ ولا تراضٍ" متفق عليه

(1)

. قال النووي: " أما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه مسلم ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه

"

(2)

.

والغرر المنهي عنه يعود إلى أمرين:

الأمر الأول: الجهل بأحد عوضي البيع

(3)

؛ ويدخل فيه الجهل بذات المحل مثل بيع شاة من قطيع

(4)

، والجهل بجنس المحل مثل بيع المرء ما في كمه

(5)

، والجهل بنوع المحل مثل بيع حيوان لم يتبين هل هو بعير أو شاة

(6)

، والجهل بصفة المحل مثل بيع الحَمِل

(7)

، والجهل بمقدار المحل مثل بيع اللبن في الضرع

(8)

.

(1)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الملامسة، برقم 2144، ومسلم، كتاب البيوع، باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، برقم 1512.

(2)

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي 10/ 156.

(3)

انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428 هـ، ص 173.

(4)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 178.

(5)

المرجع السابق، ص 189.

(6)

المرجع السابق، ص 191.

(7)

المرجع السابق، ص 203.

(8)

المرجع السابق، ص 271.

ص: 221

الأمر الثاني: الشك في حصول أحد عوضي البيع

(1)

؛ ويدخل فيه الجهل بالأجل مثل بيع حبل الحبلة

(2)

، وعدم القدرة على تسليم المحل مثل بيع السمك في الماء

(3)

، وبيع المعدوم مثل بيع الثمار قبل بدو صلاحها

(4)

.

والأصل أن بيع الغرر باطل

(5)

، إلا أنه لا يمكن إبطال كل غرر؛ لأن ذلك يؤدي إلى إغلاق باب البيع

(6)

، فلا يكاد يخلو عقد من الغرر

(7)

، والغرر مكمل للبيع، وشرط كل تكملة "أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال"

(8)

؛ لذا استثنى العلماء من الغرر الممنوع أمورًا، وهي:

الأمر الأول: أن يكون الغرر في غير عقود المعاوضات المالية؛ فالحديث جاء في النهي عن بيع الغرر؛ لما فيه من أكل المال بالباطل، ولما يحدثه من مشاحنات وخصومات

(9)

، وألحق العلماء جميع عقود المعاوضات بالبيع

(10)

؛ لتحقق المعنى الذي من أجله منع الغرر

(1)

انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428 هـ، ص 173.

(2)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 299.

(3)

المرجع السابق، ص 317.

(4)

المرجع السابق، ص 374.

(5)

انظر: المجموع، للنووي 9/ 258.

(6)

انظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 26.

(7)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 41.

(8)

الموافقات، للشاطبي 2/ 26.

(9)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 585.

(10)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 2/ 8.

ص: 222

في البيع فيها

(1)

، وقد ذكر القرافي أن الغرر"ممنوع إجماعًا في عقود المعاوضات"

(2)

، أما العقود الأخرى فلا يتحقق المعنى الذي من أجله منع الغرر في البيع فيها؛ لذا فالغرر الذي فيها غير مؤثر؛ لعدم وجود دليل على المنع

(3)

.

الأمر الثاني: أن يكون الغرر تابعًا

(4)

؛ فإنه"يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا"

(5)

، قال ابن قدامة:"ويجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع"

(6)

. وقال النووي: " أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه لبن وإن كان اللبن مجهولًا؛ لأنه تابع"

(7)

. فالغرر التابع غير المقصود في العقد مستثنى من الغرر الممنوع.

الأمر الثالث: أن يكون الغرر يسيرًا؛ وقد أجمع العلماء على أن يسير الغرر لا يؤثر

(8)

، وقد وضع بعض علماء المالكية ضابطًا للغرر الكثير المؤثر؛ وهو ما غلب على العقد حتى صار يوصف به

(9)

، إلا أن العلماء اختلفوا في مسائل، فبعضهم يرى الغرر الذي فيها

(1)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 585.

(2)

الذخيرة، للقرافي 4/ 354.

(3)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 585.

(4)

انظر: حاشية الدسوقي 3/ 173، نهاية المحتاج، للرملي 4/ 148، المغني، لابن قدامة 4/ 58.

(5)

انظر: القواعد، لابن رجب، ص 298، موسوعة القواعد الفقهية، للبورنو 12/ 283.

(6)

المغني، لابن قدامة 4/ 58.

(7)

المجموع، للنووي 9/ 326.

(8)

ممن نقل الإجماع الجصاص، وابن العربي، والنووي، وابن قاسم، وغيرهم انظر: أحكام القرآن، للجصاص 2/ 189، المسالك في شرح موطأ مالك، لابن العربي 6/ 83، المجموع، للنووي 9/ 258، حاشية الروض المربع، لابن قاسم 4/ 351، موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 222 - 228.

(9)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 41، المسالك في شرح موطأ مالك، لابن العربي 6/ 83، المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 71.

ص: 223

مؤثرًا، وبعضهم يراه غير مؤثر

(1)

؛ قال الباجي

(2)

: "وإنما يختلف العلماء في فساد أعيان العقود؛ لاختلافهم فيما فيه من الغرر، وهل هو من حيز الكثير الذي يمنع الصحة، أو من حيز القليل الذي لا يمنعها؟ "

(3)

.

فعلى هذا أصبح الغرر ثلاثة أقسام كما يقول القرافي"كثير ممتنع إجماعًا

وقليل جائز إجماعًا

ومتوسط اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني؟ فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير، ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل"

(4)

.

فموضع الخلاف و الإشكال هو الغرر المتوسط

(5)

، قال الدكتور الصديق الضرير:"إن وضع ضابط محدد للغرر الكثير، والغرر اليسير في وقت واحد أمر غير ميسور؛ لأننا مهما فعلنا فسنجد أنفسنا قد حددنا الطرفين، وتركنا الوسط من غير تحديد مما يؤدي إلى الاختلاف"

(6)

؛ ولحل هذا الإشكال رأى الدكتور الصديق الضرير سلوك أحد مسلكين:

المسلك الأول: أن تترك معايير الغرر الكثير، والمتوسط، واليسير، مرنة تُفسر حسب الظروف، والأحوال، واختلاف العصور، والأنظار

(7)

.

(1)

انظر: المجموع، للنووي 9/ 258.

(2)

هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التُّجيبي الأندلسي القرطبي الباجي، ولد سنة 403 هـ، وارتحل فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، وولي القضاء بمواضع من الأندلس، وله مصنفات عديدة منها:"المنتقى شرح الموطأ"، و"إحكام الفصول في أحكام الأصول"، توفي سنة 474 هـ. انظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض 8/ 117، سير أعلام النبلاء، للذهبي 18/ 536.

(3)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 41.

(4)

الفروق، للقرافي 3/ 265 - 266.

(5)

انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428 هـ، ص 182.

(6)

الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 592.

(7)

المرجع السابق، ص 592.

ص: 224

المسلك الثاني: أن يوضع ضابط للغرر الكثير وحده؛ فيكون هو المؤثر، وكل ما عداه فلا تأثير له، وخير ضابط على ما يرى الدكتور هو الضابط السابق الذي وضعه بعض المالكية؛ وهو ما غلب على العقد حتى صار يوصف به

(1)

.

ويناقش هذا الرأي بأن المسلك الأول سيكون سببًا في زيادة الاختلاف بين الناس، فبينما كان خلاف العلماء السابقين على صور من الغرر، وهو الغرر المتوسط، سيكون خلافهم على الغرر الكثير، والغرر المتوسط، والغرر القليل؛ لعدم وجود ضابط بسبب اختلاف الظروف، والأحوال، والعصور، والأنظار.

أما المسلك الثاني فسيؤدي للنتيجة نفسها التي خرجت للعلماء السابقين؛ فالعلماء وضعوا هذا الضابط ليفرقوا بين الغرر المؤثر، والغرر غير المؤثر؛ قال ابن رشد في سياق حديثه عن حكم بعض الزروع التي فيها غرر:"هل هو من الغرر المؤثر في البيوع أم ليس من المؤثر؟ وذلك أنهم اتفقوا أن الغرر ينقسم بهذين القسمين"

(2)

. ومع ذلك خرجت لهم صور فيها غرر كثير، فبعضهم رأى أنه يغلب على العقد حتى يوصف به فيكون غررًا مؤثرًا، وبعضهم رأى أنه لا يغلب على العقد فيكون غررًا غير مؤثرٍ، فاختلفوا فيه فصار الغرر ثلاثة أقسام، كما يقول القرافي: الغرر الكثير، والغرر القليل، والغرر المتوسط المتردد بينهما، وعلى هذا المسلك الذي رآه الدكتور الضرير سيكون الغرر نفس هذه الأقسام، ويبقى الإشكال قائمًا.

واختار الدكتور سامي السويلم ضابطًا للغرر، وهو: أن المعاوضة إذا ترددت نتيجتها بين حالتين: نتيجة صفرية يربح فيها أحد الطرفين على حساب الآخر، ونتيجة إيجابية

(1)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 593.

(2)

بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 175.

ص: 225

ينتفع فيها كلا طرفي العقد، فإن العبرة في الحكم على العقد تتبع النتيجة الأرجح احتمالًا التي يقصدها الطرفان، فإن كانت النتيجة الإيجابية هي الأرجح، وهي مقصود الطرفين، كانت المعاملة جائزة، واحتمال النتيجة الصفرية من الغرر اليسير، وإن كانت احتمال النتيجة الصفرية هي الأرجح، فهذا غرر فاحش، فيكون العقد ممنوعًا

(1)

.

ويناقش هذا الرأي بما نوقش به الرأي السابق، وأنه ستخرج لنا عقود يكون الاحتمال فيها غير مترجح لأحد الطرفين، وستُحدث اختلافًا بين العلماء، ويكون عندنا ثلاثة أقسام: نتيجة إيجابية جائزة، ونتيجة صفرية ممنوعة، ونتيجة مترددة بينهما محل اختلاف بين العلماء.

مع أن هناك بيوعًا منهيًا عنها في الشريعة للغرر واحتمال النتيجة الإيجابية أرجح من احتمال النتيجة الصفرية، مثل بيع الثمار قبل بدو صلاحها، فالأرجح أن الثمار تصلح، وينتفع الطرفان من البيع، وهناك معاملات جائزة في الشريعة مع أن احتمال النتيجة الصفرية أرجح من احتمال النتيجة الإيجابية مثل الجعالة، فضبط الغرر بالأرجح من النتيجة الإيجابية، أو النتيجة الصفرية يسبب اختلافًا أكثر من الضابط السابق.

واختار الدكتور عبدالله السكاكر ضابطًا آخر للغرر: وهو أن يُضبط الغرر الممنوع أو المؤثر بكثرة الخصومات، يقول الدكتور:"إن كثرة الخصومات في عقد من العقود يمكن أن تكون علامة على أن الغرر الموجود فيه غير متسامح فيه شرعًا، فإن المتأمل في بيع الثمار قبل بدو صلاحها، والمزارعة على نتاج أشياء معينة من الزرع والشجر، يدرك أن الشارع لم ينه عنها حتى كثرت الخصومات بسببها"

(2)

.

(1)

انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص 266.

(2)

قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428 هـ، ص 185.

ص: 226

ويناقش هذا الاختيار بأن الخصومات لا تنضبط، فقد تكثر الخصومات في عقد مباح، وتقل في عقد محرم إذا سبقه شرط واتفاق، ثم كم عدد الخصومات التي إذا حدثت يمكن أن يُعلم أن الغرر الموجود في العقد غير متسامح فيه؟، وإذا نزلت نازلة جديدة وفيها غرر هل نقول بجوازها ثم ننتظر حتى تحصل الخصومات؟ وكم المدة التي ينبغي أن ننتظرها حتى نعرف هل الخصومات قليلة أو كثيرة؟.

ولو سلمنا أن كثرة الخصومة علامة على أن الغرر الموجود في العقد كثير وغير متسامح فيه، فهل يسلم أن عدم الخصومة أو قلتها دلالة على أن الغرر الموجود في العقد قليل أو متسامح فيه؟!

فكثرة الخصومة لا تصلح ضابطًا للتفريق بين الغرر المتسامح فيه، والغرر غير المتسامح فيه.

واختار الدكتور رفيق المصري أن ضابط الغرر الممنوع هو ما لا يمكن الاحتراز منه، أو ما لا يمكن اجتنابه

(1)

، وعلى هذا الرأي يقول الدكتور:"لم نعد بحاجة إلى عبارة غرر كثير أو فاحش، يسير أو قليل؛ لأننا استبدلنا بها عبارة: غرر يمكن اجتنابه، وغرر لا يمكن اجتنابه"

(2)

.

وفي مكان آخر أضاف الدكتور إلى الضابط السابق أن تكون هناك حاجة للغرر، فيقول: "ضابط الغرر المحرم هو الغرر الذي لا يمكن

(1)

انظر: فقه المعاملات المالية، لرفيق المصري، ص 141، الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2009 - 2010 م، ص 33.

(2)

الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2009 - 2010 م، ص 38.

ص: 227

اجتنابه مع الحاجة إليه، أو لا يمكن اجتنابه إلا بمشقة، أي هو الغرر الذي يتعذر أو يتعسر اجتنابه"

(1)

.

وأول من انتقد هذا الاختيار الدكتور رفيق المصري نفسه؛ حيث قال: "لكن قد تنشأ مشكلة جديدة في مقابل المشكلة القديمة؛ إذ ننتقل من مشكلة البحث عن ضابط للكثرة والقلة إلى ضابط للعسر واليسر"

(2)

. فنعود للنتيجة الأولى، وهو أن الغرر ينقسم ثلاثة أقسام: غرر يمكن اجتنابه، وغرر لا يمكن اجتنابه، وغرر متردد بينهما.

والدكتور بهذا الضابط جعل الغرر اليسير بحكم الغرر الكثير، فلا يجوز إلا إذا دعت له الحاجة، ولم يمكن التحرز منه، مع أن العلماء فرقوا بين الغرر الكثير، والغرر اليسير؛ فالغرر الكثير هو الذي تجيزه الحاجة مع عدم إمكان التحرز منه إلا بمشقة، أما الغرر اليسير فيجوز وإن لم تدع له حاجة، أو أمكن التحرز منه؛ قال ابن رشد:"وذلك أنهم اتفقوا أن الغرر ينقسم بهذين القسمين-أي المؤثر، وغير المؤثر-، وأن غير المؤثر هو اليسير، أو الذي تدعو إليه الضرورة، أو ما جمع الأمرين"

(3)

، والمقصود بالضرورة هنا الحاجة

(4)

.

قال النووي: "إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، أو كان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا"

(5)

.

(1)

انظر: فقه المعاملات المالية، لرفيق المصري، ص 141.

(2)

الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2009 - 2010 م، ص 38.

(3)

بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 175.

(4)

يقول الدكتور الصديق الضرير: "لاحظت أن كثيرًا من الفقهاء في حديثهم عن الغرر لا يفرقون بين الحاجة والضرورة، فيستعملون كلمة الضرورة في موضع الحاجة

وأود أن أسجل هنا أن أكثر الفقهاء التزامًا لاستعمال كلمة الحاجة هو الشيرازي من فقهاء الشافعية

كما أن فقهاء المالكية أكثر استعمالًا لكلمة الضرورة" الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 601 - 602.

(5)

المجموع، للنووي 9/ 258.

ص: 228

قال ابن تيمية: "وما يظن أن هذا نوع غرر فمثله جائز في غيره من البيوع؛ لأنه يسير، والحاجة داعية إليه، وكل واحد من هذين يبيح ذلك، فكيف إذا اجتمعا؟ "

(1)

.

فهذه النصوص تبين أن الغرر اليسير معفو عنه، سواء أمكن التحرز منه أو لا، دعت له الحاجة أو لا، وقد سبق نقل إجماع العلماء على أن الغرر اليسير معفو عنه دون أن يضعوا له شروطًا

(2)

.

وبعد، فلن يكون هناك ضابط يحسم الخلاف بين العلماء، فالعبادات مع كثرة النصوص من القرآن والسنة، والقواعد والضوابط الفقهية فيها، إلا أن الخلاف في مسائلها كثير، وخير ضابط يمكن وضعه هو الذي يقلل من الخلاف قدر الإمكان، والضابط الذي يقلل الخلاف هنا هو وضع ضابط للغرر اليسير، فيكون هو الغرر غير المؤثر، وما عداه غرر مؤثر؛ فالأصل في الغرر أنه محرم وممنوع، وأن اليسير منه معفو عنه، فوضع ضابط للغرر اليسير ثم يكون الباقي على الأصل وهو المنع، يقلل من الخلاف؛ لأن الاستثناء قليل، وضبطه أسهل من ضبط الكثير، فعندما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن ما يلبس المحرم ذكر له الممنوعات وهي قليلة

(3)

وترك الباقي على الأصل، فضبط القليل أسهل.

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 346.

(2)

انظر: موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 222 - 228.

(3)

نص الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا البَرَانِسَ، وَلَا الخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» رواه البخاري، كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، برقم 1543، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1177.

ص: 229

والعلماء لما تكلموا عن الغرر اليسير ذكروا أنه ما يتسامح فيه الناس

(1)

، والمتسامح فيه هو ما يقيد به المذهب الحنبلي اللقطة الجائز التقاطها دون تعريف:"بما لا تتبعه همة أوساط الناس"

(2)

؛ فالشريعة لما أجازت أخذ اللقطة التي لا تتبعها همة أوساط الناس دون تعريف دل ذلك على أن هذا هو القدر المتسامح فيه، والخلاف في تقدير ما لا تتبعه همة أوساط الناس قليل بين العلماء، فيصلح أن يكون ضابط الغرر اليسير المعفو عنه هو: ما لا تتبعه همة أوساط الناس، وما عداه يبقى على أصل المنع، "فإن شك في كونه يسيرًا فالأقرب المنع"

(3)

إبقاءً على الأصل، إلا أن يكون ثمة حاجة للغرر، ولا يمكن التحرز منه.

الأمر الرابع: أن تدعو إليه الحاجة، ولا يمكن التحرز منه إلا بمشقة

(4)

؛ فإذا كانت هناك حاجة للغرر، ولا يمكن التحرز منه إلا بمشقة، فإنه يجوز في هذه الحالة، فتحريم الغرر أخف من تحريم الربا؛ لذا يجوز الغرر للحاجة، ولا يجوز الربا إلا للضرورة، قال ابن تيمية:"ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا"

(5)

. وقال: "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر؛ بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك"

(6)

. وقال ابن رشد في وصف الغرر غير المؤثر: " وأن غير المؤثر هو اليسير، أو الذي تدعو إليه الضرورة، أو ما

(1)

انظر: فتح الباري، لابن حجر 4/ 357، تكملة المجموع، للمطيعي 13/ 28، الممتع، لابن عثيمين 10/ 107.

(2)

المبدع في شرح المقنع، لابن مفلح 5/ 119، كشاف القناع، للبهوتي 4/ 209.

(3)

حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي 5/ 75.

(4)

انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428 هـ، ص 186.

(5)

القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 172.

(6)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 227.

ص: 230

جمع الأمرين"

(1)

. والمقصود بالضرورة هنا الحاجة كما سبق بيانه، وقد منع ابن قدامة صحة عقد فيه غرر لعدم الحاجة لهذا الغرر

(2)

، ومنع صحة عقد آخر لأن الغرر الذي فيه يمكن التحرز منه

(3)

، وقال النووي: " فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار

ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع

قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا"

(4)

.

والحاجة هي التي يفتقر إليها من "حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين- على الجملة- الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة"

(5)

.

ويشترط للحاجة أن تكون متعينة، وأن تقدر بقدرها

(6)

، فإذا "لم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلًا، فلهم أن يأخذوا منه-أي الحرام- قدر الحاجة"

(7)

.

وقد قرر الجويني قاعدة؛ وهي: أن"الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة"

(8)

، ثم ذكرها كثير من المؤلفين بعده، ويتم الاستدلال بها كثيرًا في النوازل المعاصرة، خاصة في نوازل المعاملات المالية، وقبل الاستدلال بها نحتاج إلى مراعاة الأمور التالية:

(1)

بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 175.

(2)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 212.

(3)

المرجع السابق 5/ 301.

(4)

المجموع، للنووي 9/ 258.

(5)

الموافقات، للشاطبي 2/ 21.

(6)

انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 605 - 607.

(7)

غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص 478.

(8)

البرهان، للجويني 2/ 82.

ص: 231

الأمر الأول: أن الجويني قسم الضرورات ثلاثة أقسام: قسم: لا يستباح إلا بالضرورة لفحشه أو بعده عن الحل، فيرعى الشرع فيه تحقق وقوع الضرورة، ولا يكتفي بتصورها في الجنس، بل يعتبر تحققها في كل شخص؛ كأكل الميتة وطعام الغير

(1)

، وقسم:"يتناهى قبحه في مورد الشرع، فلا تبيحه الضرورة أيضًا، بل يوجب الشرع الانقياد للتهلكة والانكفاف عنه؛ كالقتل والزنا في حق المجبر عليهما"

(2)

، والقسم الثالث: ما يرتبط في أصله بالضرورة، ولكن لا ينظر الشرع في الآحاد والأشخاص وهذا كالبيع وما في معناه، فليس البيع قبيحا في نفسه عرفًا أو شرعًا

(3)

، فالضرورة عند الجويني على هذا التقسيم هي كل ما أباح المحرم، والحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحرم القريب من الحل، أو غير القبيح على اصطلاحه، أما ما كان بعيدًا عن الحل أو كان فاحشًا، فالحاجة لا تجيزة، وأما القسم الثاني فلا تبيحه الضرورة، والحاجة من باب أولى، فالحاجة تنزل منزلة الضرورة في قسم من أقسامها فقط، ولا تنزل منزلتها مطلقًا.

الأمر الثاني: أن هناك اختلافًا وتداخلًا في مصطلح الحاجة والضرورة، وقد تطور مفهوم الحاجة والضرورة من عصر الجويني إلى العصور التي بعده مما أدى إلى تطبيق القاعدة في غير محلها؛ فالحاجة عند الجويني: "لفظة مبهمة لا يضبط فيها قول

وليس من الممكن أن نأتي بعبارة عن الحاجة نضبطها ضبط التخصيص والتمييز حتى تتميز تميز المسميات والمتلقبات بذكر أسمائها وألقابها، ولكن أقصى الإمكان في ذلك من البيان تقريب وحسن ترتيب"

(4)

. وأقصى الإمكان في بيان الحاجة عند الجويني؛ أنه ليس

(1)

المرجع السابق 2/ 86.

(2)

المرجع السابق.

(3)

انظر: البرهان، للجويني 2/ 86.

(4)

غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص 479 - 480.

ص: 232

مشروطًا فيها الضرورة وخروج الروح، ولا يعني بها تشوف الناس إلى الطعام، وتشوقها إليه، فالحاجة إذًا بين ذلك

(1)

، وكل ما بين ذلك مما هو قريب من الضرورة وخروج الروح، أو بعيد عنها إلى درجة التشوف والتشوق فهو داخل في مفهوم الحاجة عند الجويني، ولكن ما الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة عنده؟

الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة عند الجويني هي التي يترتب عليها ضرر، والتي إذا صبر الناس كافة عليها وقعوا في الضرورة

(2)

، ومن نصوصه التي تبين ذلك:" الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة، في حق الواحد المضطر، فإن الواحد المضطر لو صابر ضرورته، ولم يتعاط الميتة، لهلك، ولو صابر الناس حاجاتهم، وتعدوها إلى الضرورة، لهلك الناس قاطبة، ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك، ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد"

(3)

. ومنها: "فالمرعي إذًا دفع الضرار، واستمرار الناس على ما يقيم قواهم"

(4)

. ومنها: "فإنا اعتمدنا الضرار وتوقعه"

(5)

. ومنها: "فليعتبر فيها درء الضرار بها"

(6)

. ومنها: "ويتحصل من مجموع ما نفينا وأثبتنا أن الناس يأخذون ما لو تركوه لتضرروا في الحال أو في المآل،

(1)

المرجع السابق، ص 479 - 480.

(2)

المرجع السابق، ص 481 - 483.

(3)

المرجع السابق، ص 478 - 479.

(4)

المرجع السابق، ص 480.

(5)

المرجع السابق، ص 482.

(6)

المرجع السابق.

ص: 233

والضرار الذي ذكرناه في أدراج الكلام عنينا به ما يتوقع منه فساد البنية، أو ضعف يصد عن التصرف والتقلب في أمور المعاش"

(1)

، ثم اشترط الجويني لتنزيل الحاجة منزلة الضرورة في إباحة المحرم أن يكون الحرام أطبق الزمان وأهله، فقال:"إن جميع ما ذكرناه فيه إذا عمت المحرمات، وانحسمت الطرق إلى الحلال"

(2)

. وقد ذكر في بداية تقريره لهذه القاعدة: "أن الحرام إذا طبق الزمان وأهله، ولم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلًا، فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة، ولا تشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس"

(3)

.

فالحاجة التي ذكر الجويني أنها تنزل منزلة الضرورة هي ما يترتب على فقدها ضرر، أو خوف هلاك، أو لا تجري بفقدها مصالح الدنيا على استقامة، والحاجة بهذا المفهوم هي بمعنى الضرورة عند كثير من أهل العلم، فمن تعريفات الضرورة عند الحنفية:"خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل"

(4)

.

ومنها عند المالكية: "أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا"

(5)

.

ومنها عند الشافعية: "ومن خاف من عدم الأكل على نفسه موتًا أو مرضًا مخوفًا أو زيادته، أو طول مدته، أو انقطاعه عن رفقته، أو خوف ضعف عن مشي أو ركوب ولم يجد حلالًا يأكله"

(6)

.

(1)

المرجع السابق.

(2)

المرجع السابق، ص 487.

(3)

غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص 478.

(4)

أحكام القرآن، للجصاص 1/ 159.

(5)

الموافقات، للشاطبي 2/ 17.

(6)

مغني المحتاج، للشربيني 6/ 158 - 159.

ص: 234

ومنها عند الحنابلة: "الضرورة المبيحة؛ هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل. قال أحمد: إذا كان يخشى على نفسه، سواء كان من جوع، أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي، وانقطع عن الرفقة فهلك، أو يعجز عن الركوب فيهلك"

(1)

.

ومن تعريفات المعاصرين: " أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة، بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس أو العضو، أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، وتوابعها"

(2)

.

فمفهوم الحاجة والضرورة تطور من عصر الجويني إلى العصور التي تليه، فالحاجة صارت تعني مجرد المشقة دون أن يترتب عليها ضرر، والضرورة التي قسمها الجويني ثلاثة أقسام أصبحت قسمًا واحدًا، فالقسم الذي تبيحه الحاجة، والقسم الذي تبيحه الضرورة، أصبح كله داخلًا في الضرورة، وإطلاق قاعدة "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة"، دون مراعاة للتطور في مفهوم الحاجة، والضرورة، ودون مراعاة لأقسام الضرورة، يوقع في إشكال من حيث إن الحاجة التي كانت بعيدة من الضرورة في عصر الجويني، صارت تتنزل منزلة الضرورة في قسمها الأول فتبيح من الحرام ما لا تبيحه إلا الضرورة، مع أن الجويني ذكر أن الحاجة -التي تنزل منزلة الضرورة، والتي هي داخلة في مفهوم الضرورة عند غيره، لا تبيح ما تبيحه الضرورة مما بعُد عن الحل؛ كأكل الميتة، وأكل مال الغير.

الأمر الثالث: أن الجويني ذكر أمثلةً للحاجة العامة التي تنزل منزلة الضرورة الخاصة في إباحة المحظور، وهي: تصحيح الإجارة

(3)

؛ "فإنها مبنية على مسيس الحاجة إلى المساكن

(1)

المغني، لابن قدامة 9/ 415.

(2)

نظرية الضرورة الشرعية، لوهبة الزحيلي، ص 67 - 68.

(3)

انظر: نهاية المطلب، للجويني 8/ 67، البرهان، للجويني 2/ 79.

ص: 235

مع القصور عن تملكها وضنة ملاكها بها على سبيل العارية

من حيث إن الكافة لو منعوا عما تظهر الحاجة فيه للجنس لنال آحاد الجنس ضرار لا محالة"

(1)

، والبيع ذكر أنه ضرورة أو حاجة منزلة منزلة الضرورة

(2)

، وجواز النظر إلى المخطوبة، إذا لم يُخف الفتنة؛ لعموم الحاجة في بناء النكاح على تمييزه، ودوام الحياة الزوجية، والخلق لا يستوون في تمييز الجمال من عدمه

(3)

، وكذلك جواز النظر إلى وجه المرأة عند تحمّل الشهادة عليها

(4)

، وولاية السلطان للمرأة التي لا ولي لها

(5)

، والمرأة المعتدة إذا خافت ضياع مالها، وله خطر وقدر يجوز لها الخروج

(6)

. وهذه الأمثلة التي ذكرها الجويني يترتب على فواتها ضرر أو اختلال في مصالح الدنيا والدين؛ كضياع المال، أو عدم استقرار الأسرة، أو ضياع الحقوق، أو غيرها، وإن كانت تختلف في مقدار الضرر، وبعضها يدخل في مفهوم الضرورة عند غيره، وبعضها لا يدخل، وكل هذه الأمثلة التي ذكرها الجويني للحاجة العامة تنزل بمنزلة الضرورة في إباحة بعض المحرمات؛ كالمحرم القريب من الحل، كما ذكر في خروج المعتدة:"والتربص وإن كان واجباً؛ فإنه من قبيل الأمورِ التابعة، والآدابِ المتأكدة المترقِّية من نهاية الندب إلى أول درجة الوجوب"

(7)

، أو المحرم للذريعة كما في كشف وجه المخطوبة، فإن النظر للمرأة ليس محرمًا لذاته، ولم يذكر الجويني أمثلة لإباحة محرمات لا

(1)

البرهان، للجويني 2/ 79.

(2)

المرجع السابق 2/ 83.

(3)

انظر: نهاية المطلب، للجويني 12/ 36.

(4)

المرجع السابق 12/ 36.

(5)

المرجع السابق 12/ 148.

(6)

المرجع السابق 15/ 255 - 256.

(7)

المرجع السابق 15/ 256.

ص: 236

تبيحها إلا الضرورة اطرادًا مع رأيه في أن الحاجة العامة لا تبيح كل المحرمات، بل تبيح المحرم القريب، أوغير القبيح كما سبق بيانه في الأمر الأول.

فالجويني مع تقعيده لهذه القاعدة لم ينزل الحاجة العامة منزلة الضرورة الخاصة مطلقًا في إباحة كل محرم؛ لا من حيث تقعيدها، ولا من حيث الأمثلة، فلا تبيح الحاجة العامة عنده أكل الميتة، وأكل مال الغير، وما فحش من المحرمات، أو بعُد عن الحلال، مع أن الحاجة التي ينزلها منزلة الضرورة تدخل في مفهوم الضرورة عند غيره كما سبق في التعريفات السابقة، فالأصل الذي بنى عليه الجويني قاعدته هو أن:"كل باب بني على معنًى، ثم فرض انخرام ذلك المعنى بشيء يقع معتاداً؛ فذلك المعنى يقتضي أن يطَّرد حتى لا ينخرم"

(1)

، وجواز المحرمات التي لا تبيحها إلا الضرورة كأكل الميتة، أو أكل مال الغير، للحاجة، خرم للمعنى الذي بني عليه الباب.

الأمر الرابع: أن الزركشي ذكر في المنثور قاعدة: "الحاجة الخاصة تبيح المحظور"

(2)

. وذكر لها أمثلة؛ كتضبيب الإناء، والأكل من طعام الكفار، ولبس الحرير لمن به حكة

(3)

؛ وتدل هذه الأمثلة على أن الحاجة الخاصة تبيح بعض المحظورات، كما سبق بيانه في الحاجة العامة، ولا يوجد فيها مثال لحاجة أباحت محرمًا من المحرمات التي لا تبيحها إلا الضرورة، فالقاعدة ليست على إطلاقها، لكن السيوطي أتى بعده وجمع بين قاعدة الجويني، والزركشي، فقال:"الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة"

(4)

، وذكر نفس الأمثلة التي ذكرها الزركشي، وهذه الصيغة الجديدة للقاعدة سببت إشكالًا من

(1)

نهاية المطلب، للجويني 15/ 255.

(2)

المنثور، للزركشي 2/ 25.

(3)

المرجع السابق 2/ 25.

(4)

الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 88.

ص: 237

حيث الإطلاق، ومن حيث المراد بالحاجة الخاصة، أما الإطلاق فقد سبق بيان أن الإطلاق في القاعدة غير مراد، وأما المراد بالحاجة الخاصة، فإن كان المقصود بالخاصة أهل حرفة معينة، أو بلد معين

(1)

؛ فقد ذكر الجويني أنهم إن تعذر عليهم تحصيل الحلال، ولو اقتصروا على سد الرمق، وانتظروا انقضاء أوقات الضرورات، لانقطعوا عن مطالبهم، فحكمها حكم الحاجة العامة فهي تنزل منزلة الضرورة، فليأخذوا أقدار حاجتهم كما سبق بيانه

(2)

.

أما إن كان المقصود بالخاصة آحاد الناس

(3)

، فإن المقرر عند الجويني صاحب القاعدة:"أن المرعي في حق الآحاد حقيقة الضرورة"، وقد افترض الجويني في نهاية المطلب صورة نادرة لحاجة خاصة بآحاد الناس: وهي امرأة معتدة لو لم تخرج لضاع مالها، فتردد الجويني في تركها للتربص، وقارن بين التربص الذي هو من قبيل الأمورِ التابعة، والآدابِ المتأكدة المترقِّية من نهاية الندب إلى أول درجة الوجوب، وبين ضياع المال وهو شديد

(4)

، واختار:" أن المال إذا كان يضيع، وله خطرٌ وقدر، فلا بأس لو خرجت، وإن فرض الضياع على وجه الندور"

(5)

. فهذه الصورة فيها ضرر ضياع المال، والضرر يُنزِل الحاجة العامة منزلة الضرورة عند الجويني، وعند غير الجويني حصول الضرر داخل في مفهوم الضرورة، والمحرم الذي فيها ليس من المحرمات التي تبيحها الضرورة، بل هو من المحرمات القريبة

(1)

ممن ذهب إلى هذا المعنى الشيخ مصطفى الزرقا. انظر: المدخل الفقهي العام، للزرقا 2/ 1005.

(2)

انظر: غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص 488.

(3)

ممن ذهب إلى هذا المعنى الدكتور وهبة الزحيلي. انظر: نظرية الضرورة الشرعية، لوهبة الزحيلي، ص 262.

(4)

انظر: نهاية المطلب، للجويني 15/ 255 - 256.

(5)

المرجع السابق 15/ 256.

ص: 238

من الحل، ومع ذلك لم ينزلها الجويني منزلة الضرورة بإباحة ترك التربص إلا بعد تردد، وإعمال النظر الفقهي، فتنزيل الحاجة الخاصة منزلة الضرورة الخاصة مطلقًا هو إلغاء للضرورة، فتكون العبرة في جواز المحرمات هي الحاجة فقط.

إن عدم مراعاة هذه الأمور يوقع في إشكالات، وإن الناظر للتطبيقات الفقهية التي تضرب مثالًا للقاعدة، والاستدلال بالقاعدة على بعض القضايا يدرك مدى الإشكال الذي سببه الإطلاق في القاعدة، دون مراعاة لما قصده صاحب القاعدة بها، وما مفهوم الحاجة والضرورة عنده؟، وما التطور الذي حصل لهما مع الزمن؟، وليست المشكلة في التطبيقات والأمثلة التي ورد الشرع بجوازها، والتي ذكرها الجويني والزركشي عند ذكرهم للقاعدة، والتي يذكرها أكثر من كتب عن القاعدة، فهذه لا إشكال فيها، ولم يقرر الجويني القاعدة لبيان جواز هذه الأمثلة أو ليستدل بالقاعدة لبيان جوازها فالسنة كافية، وإنما وقع الإشكال في التطبيقات التي لم يرد جوازها في الشرع، أو في الاستدلال بهذه القاعدة على جواز بعض النوازل، والمستجدات.

ومن التطبيقات التي ذكرها بعض المؤلفين مثالًا للحاجة العامة التي تنزل منزلة الضرورة، وتبين مشكلة الإطلاق في القاعدة بيع الوفاء

(1)

، وهو"البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع"

(2)

. وهو احتيال على الربا

(3)

، فقد جوزه مشايخ بلخ بخارى الحنفية لحاجة الناس العامة له بسبب كثرة الديون

(4)

، ومعلوم أن الربا من أكل أموال الناس بالباطل، وهو من قسم الضرورة التي ذكر الجويني أن الحاجة لا تبيحها، ولا

(1)

انظر: المدخل الفقهي العام، للزرقا 2/ 1006، نظرية الضرورة الشرعية، لوهبة الزحيلي، ص 266.

(2)

مجلة الأحكام العدلية، ص 30

(3)

انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 523.

(4)

انظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 68، نظرية الضرورة الشرعية، لوهبة الزحيلي، ص 266.

ص: 239

تبيحها إلا الضرورة بقسمها الأول كما سبق بيانه، وقد منعه كثير من العلماء منهم بعض الحنفية

(1)

ولم ينزلوا الحاجة العامة هنا منزلة الضرورة، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن بيع الوفاء:"إن حقيقة هذا البيع (قرض جر نفعًا) فهو تحايل على الربا، وبعدم صحته قال جمهور العلماء"

(2)

. فإدراج هذا البيع مثالًا للقاعدة يدل على المشكلة التي سببها الإطلاق في القاعدة، حيث أُدخل تحتها هذا المثال كتطبيق لها، ومنْعُ جمهور العلماء لهذا البيع يدل على أن القاعدة ليست على إطلاقها، فالحاجة موجودة، والربا تجيزه الضرورة، ومع ذلك لا تنزل هذه الحاجة منزلة الضرورة في جوازها.

ومن أمثلة الاستدلال بهذه القاعدة على جواز بعض النوازل، والمستجدات ويبين مدى المشكلة التي سببها الإطلاق في القاعدة، ما أفتى به المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث بجواز شراء بيوت السكنى في ديار غير المسلمين بالقرض الربوي، وكان من ضمن الركائز التي اعتمد عليها المجلس قاعدة:"الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة"

(3)

، مع أن الربا من المحرمات التي لا تجيزها إلا الضرورة، ولا تنزل الحاجة بمنزلة الضرورة في جوازه، فقد جاء عن الجويني صاحب القاعدة:"فأما المساكن، فإني أرى مسكن الرجل من أظهر ما تمس إليه حاجته، والكِنُّ الذي يؤويه وعيلته وذريته، مما لا غناء به عنه"

(4)

. ومع ذلك لم ينزل هذه الحاجة منزلة الضرورة في إباحة ما تبيحه الضرورة

(5)

، وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التمويل العقاري لبناء

(1)

انظر: البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 8 الفتاوى الهندية 3/ 209.

(2)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، رقم 4/ 68.

(3)

انظر الرابط: http:// islamtoday.net/ bohooth/ artshow-32 - 5520.htm

(4)

غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص 486.

(5)

انظر: البرهان، للجويني 2/ 86.

ص: 240

المساكن وشرائها: "إن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلال، وإن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها، من الإقراض بفائدة قلت أو كثرت، هي طريقة محرمة شرعًا لما فيها من التعامل بالربا"

(1)

، والاستدلال بهذه القاعدة على إباحة الربا يدل على الإشكال الذي سببه الإطلاق في القاعدة، ورفض العلماء لهذه الفتوى مع أن المسكن من الحاجات الأساسية، والربا تبيحه الضرورة، يدل على أن القاعدة ليست على إطلاقها، فإطلاق القاعدة مع عدم مراعاة التطور في مفهوم الحاجة والضرورة من عصر الجويني إلى عصرنا سبب في بعض الإشكالات.

فالحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة بعض المحرمات؛ كالمحرم لسد الذريعة "فإن ما حرم سدًا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد"

(2)

، أو ما كان الحرام فيه قريبًا من الحل

(3)

، أو ما كان في مرتبة وسطى فتبيحه الحاجة بشروط

(4)

؛ كالغرر؛ فـ"مفسدة الغرر أقل من الربا"

(5)

، أما ما كان محرمًا لذاته

(6)

، أو كان الحرام بعيدًا عن الحل

(7)

، والنهي في مرتبة عليا؛ كالربا فلا تؤثر فيه الحاجة، ولا تجيز منه لا قليلًا ولا كثيرًا

(8)

، قال

(1)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، رقم 1/ 52.

(2)

إعلام الموقعين، لابن القيم 2/ 107.

(3)

انظر: البرهان، للجويني 2/ 86.

(4)

انظر: صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لابن بيه، ص 225.

(5)

القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 172.

(6)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 2/ 107.

(7)

انظر: البرهان، للجويني 2/ 86.

(8)

انظر: التاج والإكليل، للمواق 6/ 230. سبق في حاشية ص 116 من هذا البحث ذكر قول بعض أهل العلم ممن يرى إن الحاجة تجيز ربا الفضل مع مناقشة هذا القول.

ص: 241

ابن تيمية: " وقد أباح الشارع أنواعًا من الغرر للحاجة

وأما الربا فلم يبح منه"

(1)

.

فإذا كانت هناك حاجة فلا بد للفقيه أن يمعن النظر في قوتها، وقوة الحرام الذي ستبيحه، ويقارن بينهما، ثم ينظر هل تنزل هذه الحاجة منزلة الضرورة في إباحة هذا المحرم، أو لا؟، فإن "كل باب بني على معنًى، ثم فرض انخرام ذلك المعنى بشيء، يقع معتاداً، فذلك المعنى يقتضي أن يطَّرد حتى لا ينخرم"

(2)

.

وبعد، فالغرر من العقود التي ورد النص بالنهي عنها، وهو عقد باطل، إلا ما استثني منه، قال الدكتور الصديق الضرير: "الضابط الذي استطعت استخلاصه من النصوص الواردة في الغرر، ومن أقوال الفقهاء، ومن الفروع الفقهية الكثيرة المتعلقة بأحكام الغرر

أن الغرر المؤثر لابد أن تتوفر فيه الشروط الآتية:

1 -

أن يكون في عقود المعاوضات المالية.

2 -

أن يكون كثيرًا.

3 -

أن يكون في المعقود عليه أصالة.

4 -

ألا تدعو للعقد حاجة"

(3)

.

المسألة الثالثة: عدم الوقوع في بيعتين في بيعة

ومما ورد النهي عنه ما جاء عند الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «نَهَى رَسُولُ

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 32/ 236.

(2)

نهاية المطلب، للجويني 15/ 255.

(3)

الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 584.

ص: 242

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»

(1)

. وقد أجمع العلماء على النهي عن بيعتين في بيعة

(2)

، وقد

(1)

رواه الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة، برقم 1231، والنسائي، كتاب البيوع، باب بيعتين في بيعة، برقم 4632، وأحمد، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 9584. والحديث صححه الترمذي، وابن عبدالبر. وقد تفرد بهذا الحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ومحمد بن عمرو ضعفه غير واحد من الأئمة، وذكره العقيلي وابن عدي في الضعفاء، وعلى أحسن أحواله فمثله لايحتمل التفرد، إضافة إلى أن روايته عن أبي سلمة مضطربة كما ذكر ذلك ابن معين وأحمد بن حنبل، قال ابن معين:"ما زال الناس يتقون حديثه. قيل له، وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشئ من رأيه ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة"، وقد جاء النهي عن بيعتين عن جمع من أصحاب أبي هريرة عند البخاري ومسلم وغيرهما دون زيادة (في بيعة) مما يدل على أنها زيادة منكرة، وفسر الحديث البيعتين المنهي عنهما ببيع الملامسة، والمنابذة. وجاء النهي عن بيعتين في بيعة عند الترمذي من طريق يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر، ويونس لم يسمع من نافع كما ذكر ذلك ابن معين، وأحمد، والبخاري، وأبو حاتم. وجاء النهي عن بيعتين في بيعة عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد سبق الكلام عن ضعف هذه السلسة في ص 158 من هذا البحث. إضافة إلى أن طرق الحديث إلى عمرو بن شعيب لا تخلو من ضعف، ولا يثبت منها إلا ما جاء عند الترمذي من طريق أيوب السختياني عن عمرو بن شعيب، وليس فيه النهي عن بيعتين في بيعة. انظر: الاستذكار، لابن عبدالبر 6/ 448 - 449، الطبقات الكبرى، لابن سعد، ص 363، الضعفاء الكبير، للعقيلي 4/ 109، الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي 7/ 456، تهذيب الكمال، للمزي 26/ 216، العلل ومعرفة الرجال، لأحمد رواية المروذي، ص 185، المراسيل، لابن أبي حاتم، ص 249، العلل ومعرفة الرجال، لأحمد رواية ابنه عبدالله 1/ 387، 3/ 31، العلل الكبير، للترمذي، ص 194.

(2)

ممن نقل الإجماع: ابن هبيرة، وابن رشد، والنووي. انظر: الإفصاح، لابن هبيرة 1/ 302، بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 167 - 168، المجموع، للنووي 9/ 338، موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 340 - 343.

ص: 243

وردت تفسيرات كثيرة لهذا الحديث

(1)

، أشهرها:

1 -

أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة، وبنسيئة بعشرين، ولا يفارقه على أحد البيعتين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس

(2)

. وهو قول عند الحنفية

(3)

، والمشهور عند المالكية

(4)

، وقول للشافعية

(5)

، وقول عند الحنابلة

(6)

، وقول لابن حزم

(7)

، والعلة على هذا التفسير هي الغرر

(8)

.

2 -

أن يشترط عقدًا في عقد

(9)

؛ كأن يقول: أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني سيارتك بكذا، فإذا وجبت لي سيارتك وجبت لك داري

(10)

. وهو المشهور عند الحنفية

(11)

، وقول للشافعية

(12)

، والمشهور عند الحنابلة

(13)

، وقول لابن حزم

(14)

. والعلة

(1)

الاستذكار، لابن عبدالبر 6/ 451. وجاء فيه:" قال عيسى بن دينار: سألت بن القاسم عن تفسير بيعتين في بيعة فقال لي: بيعتين في بيعة أكثر من أن يبلغ لك تفسيره".

(2)

انظر: سنن الترمذي 3/ 525.

(3)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 158، فتح القدير، لابن الهمام 6/ 447.

(4)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 20، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 72.

(5)

انظر: مختصر المزني 8/ 186، المهذب، للشيرازي 2/ 20.

(6)

انظر: الكافي، لابن قدامة 2/ 11، الانصاف، للمرداوي 4/ 350.

(7)

انظر: المحلى، لابن حزم 7/ 501.

(8)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 158، التاج والإكليل، للمواق 6/ 224.

(9)

انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي 3/ 659.

(10)

انظر: سنن الترمذي 3/ 525.

(11)

انظر: المبسوط، للسرخسي 13/ 16، الجوهرة النيرة، للزبيدي 1/ 203.

(12)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 75، الحاوي، للماوردي 5/ 341.

(13)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 176، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 3/ 659.

(14)

انظر: المحلى، لابن حزم 7/ 501.

ص: 244

على هذا التفسير هي الغرر

(1)

، أو الاستغلال

(2)

. واختار بعض العلماء أن كلا التفسيرين السابقين صحيح

(3)

.

3 -

أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، على أن يشتريها ممن باعها عليه بأقل حالًا، وهي مسألة العينة

(4)

. وهذا أحد تفسيرات الإمام مالك للحديث

(5)

، واختاره ابن تيمية

(6)

، وابن القيم

(7)

. والعلة على هذا التفسير هي الربا

(8)

.

(1)

انظر: فتح العزيز، للرافعي 8/ 194.

(2)

انظر: صناعة الهندسة المالية، للسويلم، ص 32، حكم اجتماع العقود في صفقة واحدة، لحمد فخري عزام، بحث منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة آل البيت، الأردن، المجلد 3 - العدد 1 - ربيع أول 1428 هـ، ص 71 - 72.

(3)

انظر: المسالك في شرح موطأ مالك، لابن العربي 6/ 146.

(4)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 86. قال ابن عبدالبر:" أما بيع العينة: فمعناه انه تحيل في بيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة" الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبدالبر 2/ 672.

(5)

الاستذكار، لابن عبدالبر 6/ 450. قال ابن عبدالبر:"وقد فسر مالك مذهبه في معنى النهي عن بيعتين في بيعة واحدة، وأن ذلك عنده على ثلاثة أوجه: أحدها العينة". وفي هذا رد على بعض الباحثين الذين ذكروا أن هذا التفسير للحديث لم يخرج إلا متأخرًا، قال العمراني عن هذا التفسير: أنه"لم يظهر إلا في القرن الثامن"، وقال الدبيان عن تفسير حديث بيعتين في بيعة:"وتفسير السلف، والذي عليه جماهير أهل العلم لم يفسروها بالعينة، وحملها على العينة إنما جاء متأخرًا". انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 88، المعاملات المالية، للدبيان 11/ 412.

(6)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 51.

(7)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 153.

(8)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 52.

ص: 245

وتفسيرات الحديث كثيرة كما سبق بيانه، وقد اختار بعض الباحثين المعاصرين أن الحديث ينهى عن الجمع بين عقدين أو أكثر إذا أدى هذا الجمع إلى الوقوع في المحذور الشرعي، إما لوجود الغرر، أو الربا، أو الاستغلال

(1)

.

والأقرب في تفسير الحديث-والله أعلم- هو أن يقال: إن حرف (في) بمعنى (على)، وإن لفظة (بيعة) يراد بها السلعة أو المبيع؛ فيكون المراد هو النهي عن إجراء بيعتين على السلعة في وقت واحد بعقد واحد، وهذا يصدق على بيعها بثمنين في وقت واحد دون تحديد لأحدهما؛ وهو التفسير الأول الذي عليه أكثر أهل العلم؛ فعدم تحديد أحد الثمنين جعل السلعة كأنها بيعت بيعتين في وقت واحد بعقد واحد، وهذا فيه جهالة للثمن يؤدي إلى النزاع.

أما التفسيرات الأخرى للحديث فلا تسلم من الاعتراض، فالتفسير الثاني الذي فسر البيعتين في بيعة بأن يشترط عقدًا في عقد، يُعترض عليه: بأن الذي حصل في العقد الأول هو الشرط فقط، والبيع الثاني تم على مبيع آخر في عقد آخر، فلا يصدق تسمية هذا الشرط بيعًا.

أما التفسير الثالث الذي فسر البيعتين في بيعة بالعينة، فيعترض عليه: بأن بيع العينة معروف زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويبعد أن ياتي عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم نهى عن العينة بألفاظ تختلف الأمة في تفسيرها اختلافًا كثيرًا، وهو يعلم أن العينة أجمع لفظًا وأبين معنى، وكذا يبعد أن يترك الصحابة رضي الله عنهم وهم أهل البيان لفظ العينة البين، ويذهبوا إلى ألفاظ أخرى تحتاج إلى بيان وإيضاح، إضافة إلى أن البيع الثاني

(1)

انظر: صناعة الهندسة المالية، للسويلم، ص 34، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 90، المعاملات المالية، للدبيان 11/ 417، حكم اجتماع العقود في صفقة واحدة، لحمد فخري عزام، بحث منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة آل البيت، الأردن، المجلد 3 - العدد 1 - ربيع أول 1428 هـ، ص 74.

ص: 246

للسلعة في بيع العينة يتم في عقد آخر في وقت آخر، وهي مستقل عن العقد الأول، فلا يصدق عليها أنها بيعتين في بيعة.

أما التفسير الذي اختاره بعض الباحثين المعاصرين وهو تفسير البيعتين في بيعة بالجمع بين عقدين أو أكثر أذا أدى هذا الجمع إلى الوقوع في المحذور الشرعي، فيُعترض عليه: بأن هذا إبطال لمعنى الحديث، فالحديث على هذا المعنى لم يأت بحكم جديد، فالجمع بين العقود إذا أدى إلى محذور شرعي فهو محذور ومنهي عنه بالأدلة الأخرى التي تنهى عن الربا، أو الغرر، أو الاستغلال، والأصل في الحديث أن يؤسس حكمًا جديدًا، وعلى افتراض أن هذا الحديث أتى مؤكدًا لحكم موجود، فتأكيد الأحكام يكون بنفس ألفاظ هذه الأحكام، لا بألفاظ بعيدة عنها، تحتاج إلى جهد كبير كي يُتبين أن هذه الألفاظ مؤكدة لتلك الأحكام.

الفرع الثاني: عدم كونها حيلة للتوصل إلى الحرام

ومن الأمور المخالفة للشرع ارتكاب الحيل للتوصل إلى الحرام، فإن المفاسد الموجودة في المحرم موجودة في التحايل عليه مع زيادة المكر والخديعة

(1)

؛ قال الله تعالى عن المنافقين: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}

(2)

. ويلخص ابن تيمية وجه الدلالة من هذه الآية بقوله: "وتلخيص هذا الوجه: أن مخادعة الله حرام، والحيل مخادعة لله"

(3)

.

وإن معاملة العبد مع ربه مبناها على المقاصد والنيات، فمن أظهر قولًا سديدًا، ولم يكن قد قصد به حقيقته، إنما ليتحايل به للوصول للمحرم كان آثمًا عاصيًا لربه، وإن قبل

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 445.

(2)

سورة البقرة، الآية 9.

(3)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 21.

ص: 247

الناس منه الظاهر

(1)

، قال أيوب السختياني:"يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون علي"

(2)

.

وإن هدف الهندسة المالية الإسلامية تحقيق رضا الله أولًا في تطبيق أحكام الشريعة، ثم تحقيق رضا الناس ثانيًا، وفي التحايل على المحرمات مخادعة لله، تورث بغض الناس للمتحايل، وهروبهم عنه، قال ابن حجر:" ومن ثم كان سالك المكر والخديعة حتى يفعل المعصية أبغض عند الناس ممن يتظاهر بها وفي قلوبهم أوضع وهم عنه أشد نفرة"

(3)

.

ومن أبرز صور التحايل على الحرام من يقصد الوصول للربا عن طريق بيع العينة، أو غيرها

(4)

، قال ابن القيم:"وأما ما تواطآ فيه على الربا المحض، ثم أظهرا بيعًا غير مقصود لهما البتة، يتوسلان به إلى أن يعطيه مائة حالّة بمائة وعشرين مؤجلة، فهذا ليس من التجارة المأذون فيها، بل من الربا المنهي عنه"

(5)

. وقال: "إن الشارع لم يشرع القرض إلا لمن قصد أن يسترجع مثل قرضه، ولم يشرعه لمن قصد أن يأخذ أكثر منه لا بحيلة ولا بغيرها"

(6)

.

الفرع الثالث: عدم كونها ذريعة للتوصل للحرام

التذرع للوصول إلى المحرم مخالف للشرع؛ لأن للوسائل حكم المقاصد، فوسيلة المحرم محرمة، ووسيلة الواجب واجبة؛ قال ابن القيم: "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها،

(1)

المرجع السابق 6/ 190 - 191.

(2)

رواه البخاري معلقًا في كتاب الحيل، باب ما ينهى من الخداع في البيوع.

(3)

فتح الباري، لابن حجر 12/ 336.

(4)

انظر: وبل الغمام، للشوكاني 2/ 135.

(5)

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم 2/ 105.

(6)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 186.

ص: 248

ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود"

(1)

. ومما يدل على النهي عن التذرع للوصول إلى المحرم ما جاء عند أبي داود والترمذي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ»

(2)

. وسر ذلك أن الجمع بينهما ذريعة إلى الربا

(3)

؛ قال القرافي: "وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين لذريعة الربا"

(4)

. ومن الأدلة على النهي عن التذرع للوصول إلى المحرم قاعدة سد الذرائع التي اتفق الفقهاء على اعتبارها

(5)

.

والقول بجواز الذريعة مع القول بتحريم ما تؤول إليه جمع بين النقيضين، قال ابن القيم:"الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشريعة لا تأتي بإباحتها أصلًا؛ لأن إباحتها وتحريم الغاية جمع بين النقيضين، فلا يتصور أن يباح ويحرم ما يفضي إليه، بل لابد من تحريمها أو إباحتها، والثاني باطل قطعًا فتعين الأول"

(6)

.

الفرع الرابع: عدم منافاتها الحكمة التي حرمت لأجلها بعض العقود

بنيت الشريعة لحكمة ومقصد، ولتحقق مصالح العباد؛ فهي إما تدرأ مفسدة، أو تجلب مصلحة

(7)

، فـ"الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية"

(8)

؛

(1)

المرجع السابق 3/ 108.

(2)

سبق تخريجه ص 158.

(3)

انظر: تهذيب السنن، لابن القيم بحاشية عون المعبود، للأبادي 9/ 295 - 296.

(4)

الفروق، للقرافي 3/ 266.

(5)

انظر: الفروق، للقرافي 2/ 33، الموافقات، للشاطبي 5/ 185.

(6)

تهذيب السنن، لابن القيم بحاشية عون المعبود، للأبادي 9/ 243.

(7)

انظر: قواعد الأحكام، للعز بن عبدالسلام 1/ 11.

(8)

الموافقات، للشاطبي 2/ 62.

ص: 249

قال ابن القيم: "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم، ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها"

(1)

. فـ" كل ما أمر الله به أمر به لحكمة، وما نهى عنه نهى لحكمة"

(2)

؛ فالحكمة هي الباعثة على شرع الحكم

(3)

، ولكن لعدم انضباط الحكمة أقيمت العلة مقامها

(4)

، والعلة: هي الوصف الظاهر المنضبط

(5)

. ولأن العلة مرتبطة بالحكمة وهي مظنة تحقيقها

(6)

، وفي ذلك حماية للشريعة من الفوضى

(7)

، قال الشاطبي:"فنصب الشارع المظنة في موضع الحكمة؛ ضبطًا للقوانين الشرعية"

(8)

. ولو كانت الحكمة ظاهرة منضبطة في جميع الأحكام لكانت هي العلة التي يناط بها الحكم

(9)

.

فالهندسة المالية الإسلامية لابد أن تراعي العلة دون منافاة للحكمة، فمراعاة العلة مع منافاة الحكمة إبطال للأصل التي اعتبرت العلة من أجله، ففي المتفق عليه عن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا، فَبَاعُوهَا»

(10)

.

(1)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 11.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 14/ 144.

(3)

انظر: فصول البدائع في أصول الشرائع، للرومي 2/ 421.

(4)

انظر: الأحكام، للآمدي 3/ 203 - 204.

(5)

انظر: بيان المختصر، للأصفهاني 1/ 404.

(6)

انظر: التقرير والتحبير، لابن أمير حاج 3/ 141.

(7)

انظر: نظرية المقاصد عند الشاطبي، للريسوني، ص 12.

(8)

الموافقات، للشاطبي 1/ 396.

(9)

الحكمة عند الأصوليين، للسامرائي، ص 94.

(10)

رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم 3460، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، برقم 1581.

ص: 250

فالله لعن اليهود مع أنهم لم يأكلوا الشحوم؛ نظرًا إلى مخالفتهم للحكمة التي من أجلها شُرع الحكم

(1)

؛ قال ابن تيمية: " لعنهم الله سبحانه وتعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الاستحلال؛ نظرًا إلى المقصود، فإن ما حكمه التحريم لا يختلف سواء كان جامدًا، أو مائعًا"

(2)

. وقال ابن القيم: "فإن الربا لم يكن حرامًا لصورته ولفظه، وإنما كان حرامًا لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع؛ فتلك الحقيقة حيث وجدت وجد التحريم في أي صورة ركبت وبأي لفظ عبر عنها؛ فليس الشأن في الأسماء وصور العقود، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له"

(3)

.

وعلى هذا فإن من يراعي العلة مع منافاة الحكمة له حظ من فعل اليهود الذين لعنهم الله عز وجل على مخالفتهم للحكمة من التحريم، وإن لم يخالفوا علة التحريم

(4)

.

وكذلك لا ينبغي مراعاة الحكمة وحدها دون مراعاة العلة؛ لعدم انضباط الحكمة التي نهي عن بعض المعاملات لأجلها، ولما يترتب عليها من فوضى، ومخالفات شرعية.

وقد رأى الدكتور عبدالله السكاكر أن تضبط الهندسة المالية الإسلامية باعتبار الحكمة وحدها دون العلة، فقال:"إن اعتبار الحكمة التي حُرّمت بعض المعاملات لأجلها يمكن أن يكون ضابطًا جليًا لما يسمى بالهندسة المالية الإسلامية أو المخارج الشرعية في المعاملات المالية، فإن العلة يمكن الالتفاف عليها كما في بيع العينة، وكما فعل اليهود حين حُرمت عليهم الشحوم، أما الحكمة فيعسر الالتفاف عليها"

(5)

.

(1)

انظر: الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، لعبدالله السكاكر، ص 18.

(2)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 35 - 36.

(3)

إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 93.

(4)

انظر: الضوابط الشرعية للهندسة المالية الإسلامية، لعبدالله السكاكر، ص 19.

(5)

المرجع السابق، ص 20.

ص: 251

ولا يسلم للدكتور السكاكر هذا الرأي للأمور التالية:

الأمر الأول: إن أكثر العلماء منعوا التعليل بالحكمة؛ لعدم انضباطها

(1)

، وأما العلماء الذين أجازوا التعليل بالحكمة فقد اشترطوا فيها أن تكون منضبطة

(2)

، والمنضبط: هو المطرد الذي لا تتناقض فروعه

(3)

. والِحكم التي حرمت لأجلها بعض المعاملات غير منضبطة؛ فالتعليل بحِكمها ممنوع على الرأيين، وبيانه: أن أصول المنهيات الشرعية في المعاملات الربا والغرر، وحكمة النهي عنهما، تدور حول: الظلم، وأكل المال بالباطل، والبغضاء والتشاحن والخصومات

(4)

؛ قال الله تعالى منبهًا على حكمة النهي عن الربا: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(5)

، وفي أحاديث النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها إشارة إلى بعض الحكم التي نهي لأجلها عن الغرر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ كي لا تُمنع الثمرة فيأكل المسلم مال أخيه بغير حق؛ ففي المتفق عليه عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ» ، فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: «تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ»

(6)

. وهذا بدوره يؤدي إلى التباغض والخصومات،

(1)

انظر: الأحكام، للآمدي 3/ 203، المهذب، لعبدالكريم النملة 5/ 2117.

(2)

انظر: الأحكام، للآمدي 3/ 203، الإبهاج في شرح المنهاج، للسبكي 3/ 140.

(3)

انظر: زاد المعاد، لابن القيم 5/ 393.

(4)

انظر: المفهم، للقرطبي 4/ 362، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 510، 29/ 22 - 23، حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي 5/ 75.

(5)

سورة البقرة، الآية 279.

(6)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع المخاضرة، برقم 2208، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب وضع الجوائح، برقم 1555.

ص: 252

وهي إحدى الحكم التي لأجلها نهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ، قَالَ المُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مُرَاضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ، عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: «فَإِمَّا لَا، فَلَا تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ» كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ" رواه البخاري

(1)

.

وقال ابن تيمية: "والأصل في العقود جميعها هو العدل

والشارع نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، والقرآن جاء بتحريم هذا وهذا، وكلاهما أكل المال بالباطل، وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المعاملات: كبيع الغرر

هي داخلة إما في الربا وإما في الميسر"

(2)

.

وقال: "والأصل في ذلك: أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل

وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا، والميسر

والغرر: هو المجهول العاقبة، فإن بيعه من الميسر الذي هو القمار

فيفضي إلى مفسدة الميسر: التي هي إيقاع العداوة والبغضاء، مع ما فيه من أكل المال بالباطل الذي هو نوع من الظلم، ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغضاء"

(3)

.

وهذه الحكم التي مُنع لأجلها الربا والغرر، لا تنضبط؛ فهناك صور من الربا تتخلف فيها الحكمة مع وجود العلة؛ كبعض صور ربا الفضل، كبيع صاع من البر الجيد بصاعين

(1)

كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، برقم 2193.

(2)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 510.

(3)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 22 - 23.

ص: 253

من البر الرديء، فلا يوجد فيها ظلم أو أكل للمال بالباطل، ومع ذلك حكم التحريم موجود مع تخلف الحكمة

(1)

.

وهناك مسائل مجمع على تحريمها، ويرى البعض أنه لا ظلم فيها، كما لو أعطى المصرف العميل المودع فائدة قليلة، مقابل الخدمة التي يقدمها العميل للمصرف من المتاجرة بماله، فهو من باب التشجيع والتعاون

(2)

، مع أن هذا من الربا المحرم بالإجماع

(3)

، وكما لو تم تحديد جزء معين من الربح للمشتركين فلا ظلم فيه، ولا استغلال

(4)

، وهو أيضًا محرم بالإجماع

(5)

.

وهناك الكثير من المعاملات التي فيها خلاف بين العلماء، ومن ضمن أدلة المانعين وجود الظلم، ومن ضمن أدلة المجيزين عدم وجوده، كالعربون

(6)

، والربح فوق الثلث

(7)

، وسداد الدين بقيمته لا بمثله

(8)

، فالتعليل بالحكمة هنا لا ينضبط؛ لاختلاف مقادير الظلم في رتبه، ومن أسباب عدم الانضباط اختلاف المقادير

(9)

.

(1)

انظر: الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، للسعيدي 1/ 269.

(2)

انظر: الفتاوى، لمحمود شلتوت، ص 305، معاملات البنوك وأحكامها الشرعية، لسيد طنطاوي، ص 142 - 143.

(3)

انظر: موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 4/ 169.

(4)

انظر: الفتاوى، لمحمود شلتوت، ص 302.

(5)

انظر: موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 4/ 623.

(6)

انظر: بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 399.

(7)

انظر: اتباع الآثار في حكم تحديد أرباح التجار، لأشرف الكناني، ص 94.

(8)

انظر: بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 261.

(9)

انظر: الفروق، للقرافي 2/ 165.

ص: 254

وكذلك البغضاء شيء نفسي خفي لا يمكن ضبطه

(1)

؛ فالخفاء من أسباب عدم انضباط الحكمة

(2)

فهو كالرضا في العقود، لم يعلق الشرع الحكم عليه لعدم انضباطه

(3)

، فقد يغضب الإنسان ويخاصم غيره والمعاملة مباحة، وقد يتفق مع غيره على معاملة ممنوعة، وهو راض غير غضبان، ومع ذلك رضاه وغضبه لا يغير الأحكام؛ فالتعليل بالحكمة في المعاملات غير منضبط وغير مطرد، والتعليل لابد أن يطرد، ومن القواعد المقررة"الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا"

(4)

.

الأمر الثاني: إن التعليل بالحكمة أحد أسباب فتح أبواب الربا

(5)

، فقد اختار الدكتور عبدالمنعم النمر جواز التعليل بالحكمة، وأن الحكمة من تحريم الربا ظلم المدين واستغلاله

(6)

، وبناءً على هذا الاختيار يقول:"فأنا ومن أيدني لا يرون ربح الشهادات مما ينطبق عليه مفهوم الربا؛ إذ ليس فيه استغلال الدائن لحاجة محتاج أو مضطر"

(7)

، وقال غيره: "إن حكمة تحريم الربا هي حماية الضعيف من القوي، غير أنه يوجد اليوم من القروض ما يكون المقترض هو القوي، والمقرض هو الضعيف، من ذلك القرض

(1)

انظر: مشاهد من المقاصد، لابن بيه، ص 166، مقاصد الأحكام المالية عند ابن القيم، لمحمد اليحيى، ص 138.

(2)

انظر: مقاصد الأحكام المالية عند ابن القيم، لمحمد اليحيى، ص 145.

(3)

انظر: الفروق، للقرافي 2/ 166

(4)

انظر: أصول السرخسي 2/ 178، روضة الناظر، لابن قدامة 1/ 180.

(5)

انظر: الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، للسعيدي 1/ 264، المعاملات المالية، للدبيان 13/ 307، فوائد البنوك هي الربا الحرام، للقرضاوي، ص 134.

(6)

انظر: الاجتهاد، لعبدالمنعم النمر، ص 292 - 293.

(7)

المرجع السابق، ص 282.

ص: 255

الحكومي الممثل في السندات، وكذلك السندات التي تصدرها البلديات، وبقية الهيئات، والمؤسسات الحكومية، وكذلك السندات التي تصدرها الشركات الكبرى القوية

فأصبح المدين هو الأقوى، وأصبح الدائن هو الضعيف، وأصبح هذا الأخير هو الجدير بالحماية، وليس من المعقول بعد ذلك أن نعتبر المدخر حامل السند ذي الفائدة مرابيًا"

(1)

، وأبرز مستند لمن قال بجواز الربا، إن لم يكن أضعافًا مضاعفة، هو عدم تحقق حكمة النهي عن الربا إلا إذا كان أضعافًا مضاعفة

(2)

، ومن ذلك ما اختاره الدكتور سيد طنطاوي من جواز التعامل مع البنوك التي تحدد الأرباح مقدمًا؛ لخلو المعاملة من الظلم والاستغلال

(3)

، وكثير من مبررات إباحة الفوائد الربوية تستند على عدم تحقق الحكمة التي لأجلها نهي عن الربا

(4)

؛ فالتعليل بالحكمة أحد الأبواب التي يدخل منها المبيحون للربا.

(1)

أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة، لمبارك آل سليمان 1/ 226 - 227، المعاملات المالية، لدبيان الدبيان 13/ 307 - 308. وقد نسب أصحاب المرجعين السابقين هذا الكلام إلى الدكتور علي عبدالرسول في كتابه المبادئ الاقتصادية في الإسلام، وقد قرأت الكتاب كاملًا ولم أجد هذا الكلام، بل وجدت الدكتور علي عبدالرسول يحرم السندات مطلقًا، فيقول: "أما تداول السندات فلا يجوز؛ لأنها تمثل قروضًا ذات فائدة ثابتة ربوية" المبادئ الاقتصادية في الإسلام، لعلي عبدالرسول، ص 272.

(2)

انظر: تفسير المنار، لرشيد رضا 4/ 102 - 108، أحكام الفوائد الربوية في القانون الكويتي والشريعة الإسلامية، للهاجري، ص 107 - 108.

(3)

انظر: معاملات البنوك وأحكامها الشرعية، لسيد طنطاوي، ص 144.

(4)

انظر: عقد القرض ومشكلة الفائدة، للجزائري، ص 336 - 354، أحكام الفوائد الربوية في القانون الكويتي والشريعة الإسلامية، للهاجري، ص 101 - 143.

ص: 256

الأمر الثالث: إن الخلاف بين المصارف الإسلامية كثير مع ربط غالب المصارف أحكامها بالعلة المنضبطة، فمعاملة يجيزها مصرف إسلامي، وعينها يحرمها مصرف آخر، وهذا الخلاف أحد أسباب تشكيك الناس في شرعية معاملاتها، وضعف ثقتهم بها، فكيف لو كان التعليل بالحكمة غير المنضبطة؟ سيكون الخلاف أكثر، ولن يكون هناك أي فرق بين البنك الإسلامي والبنك التقليدي إذا أجيز التعامل بالربا الذي هو أعظم المنهيات؛ بسبب التعليل بالحكمة.

الأمر الرابع: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الالتفاف على العلة كما في حديث تحايل اليهود حين حرمت عليهم الشحوم، وكما في حديث العينة، ومع ذلك لم يأمر بالتعليل بالحكمة لتجنب هذا الالتفاف، ولو كان التعليل بها حلًا لبينه لأمته؛ ولكن لعدم انضباطها هنا لم يعلل بها، ولأن الذي يلتف على العلة لن يراعي الحكمة، ومعالجة الالتفاف على العلة يكون في بيان تحريم هذا الالتفاف والتحايل كما بين النبي صلى الله عليه وسلم تحريم ذلك، ورد المعاملات التي فيها التفاف وتحايل.

إن مراعاة العلة مع منافاة الحكمة إبطال للأصل التي اعتبرت العلة من أجله، ومراعاة الحكمة وحدها دون العلة، يترتب عليها فوضى، ومخالفات شرعية؛ لعدم انضباط الحكمة، ولما يترتب عليه من مخالفات شرعية، فالذي ينبغي هو مراعاة العلة دون منافاة للحكمة، قد تتخلف الحكمة في بعض الصور كما سبق بيانه، لكن المهم ألا يكون هناك منافاة لها.

‌المطلب الثاني: سلامة الهندسة المالية الإسلامية من العيوب الشكلية للعقود

ومن ضوابط الهندسة المالية الإسلامية سلامتها من العيوب الشكلية للعقود، ويندرج تحتها الفروع التالية:

ص: 257

الفرع الأول: عدم الجمع بين العقود المتناقضة

إذا كان العقدان المكونان للعقد المركب متناقضين فلا يجوز اجتماعهما في عقد واحد

(1)

؛ يقول القرافي: " إن العقود أسباب لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها بطريق المناسبة، والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين، فكل عقدين بينهما تضاد لا يجمعهما عقد واحد"

(2)

. وهذا الضابط: وهو ألا يكون العقدان متضادين وضعًا متناقضين حكمًا، حقيق بالمراعاة

(3)

؛ "لأن العقود أسباب تفضي إلى تحصيل حكمتها، وغايتها، ومقصودها، في مسبباتها بطريق المناسبة، والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين، والمتناقضين"

(4)

، وسواء كان الاجتماع بين عقدين متضادين، أو شرطين متضادين في عقد واحد، فكل ذلك مبطل للعقد

(5)

؛ يقول الدكتور سامي السويلم: " إن النهي عن شرطين في بيع، وعن بيعتين في بيعة يدل على النهي عن الشروط والعقود المتنافية المتضادة، وأقل ما ينطبق عليه ذلك هو محل العقد؛ بحيث يتوارد شرطان أو عقدان على محل واحد، ينافي أحدهما مقتضى الآخر ويضاده"

(6)

.

فالمحظور إذًا إنما هو الجمع بين عقدين مختلفين في الشروط والأحكام، إذا ترتب على ذلك تناقض، أو تضاد، أو تنافر في الموجبات، والآثار

(7)

، وهذا يكون في حالة توارد

(1)

انظر: المخارج الشرعية ضوابطها وأثرها في تقويم أنشطة المصارف الإسلامية، لحسين العبيدي، ص 80.

(2)

الفروق، للقرافي 3/ 142.

(3)

انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 281.

(4)

المرجع السابق.

(5)

انظر: صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، ص 30

(6)

المرجع السابق، ص 31.

(7)

انظر: العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 31.

ص: 258

العقدين على محل واحد في وقت واحد

(1)

؛ ومن أمثلة ذلك: الجمع بين هبة عين وبيعها للموهوب، أو هبتها وإجارتها

(2)

، أو الجمع بين المضاربة وإقراض المضارب رأس مالها

(3)

، أو الجمع بين الإجارة والبيع في ما يسمى بالإجارة المنتهية بالتمليك إذا اتفق الطرفان على إجارة سلعة معينة بأجرة معلومة إلى أجل محدد، بحيث تنقلب تلقائيًا بعد أقساطها بيعًا، وتنتقل الملكية للمستأجر مع سداده القسط الأخير، ويكون ضمان السلعة خلال مدة الإجارة على المستأجر

(4)

.

الفرع الثاني: عدم كونها مجرد تغيير في التكييف الفقهي للمعاملات المحرمة

من القواعد المقررة أن"الْعبْرَة فِي الْعُقُود للمقاصد والمعاني، لَا للألفاظ والمباني"

(5)

، ومجرد تغيير التكييف الفقهي للمعاملة لا يغيرها إن لم تكن حقيقتها متفقة مع هذا التكييف الجديد، والشرع لَمّا حرم بعض المعاملات حرمها لِما يترتب عليها من مفاسد عاجلة وآجلة، وتغيير التكييف الفقهي لها لا يدفع هذه المفاسد، بل يكون سببًا في زيادتها؛ لزيادة المتعاملين بها عندما يصدر الرأي الفقهي بجوازها؛ يقول ابن القيم: "فالله سبحانه إنما حرم هذه المحرمات وغيرها لما اشتملت عليه من المفاسد المضرة بالدنيا والدين، ولم يحرمها لأجل أسمائها وصورها، ومعلوم أن تلك المفاسد تابعة لحقائقها، لا تزول بتبدل

(1)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 185.

(2)

انظر: العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، ص 31.

(3)

المرجع السابق.

(4)

المرجع السابق.

(5)

شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 55. وانظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 32/ 298، القواعد، لابن رجب، ص 13.

ص: 259

أسمائها وتغير صورتها

فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة فى المفسدة التى حرمت لأجلها"

(1)

.

وهناك بعض المعاملات المحرمة كالفائدة على الودائع المصرفية، التي رأى جمهور العلماء المعاصرين، والمجامع الفقهية، والهيئات الشرعية أنها عبارة عن فائدة مقابل القرض فهي ربا محرم

(2)

، إلا أنه من فترة لأخرى تخرج بعض الآراء الفقهية المبيحة لهذه الفوائد، عن طريق تغيير تكييفها الفقهي، فمرة تكيف بأنها وديعة

(3)

، ومرة مضاربة

(4)

، وأخرى جعالة

(5)

، أو تكيف على أنها معاملة جديدة والأصل في المعاملات الحل

(6)

إلى غير ذلك

(7)

.

(1)

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم 1/ 353 - 354.

(2)

صدر بذلك عدة قرارات وتوصيات وفتاوى من المجامع، والهيئات الفقهية، منها: قرار المؤتمر الإسلامي لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة عام 1385 هـ، وقرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة عام 1406 هـ، رقم 10 (10/ 2)، وعام 1415 هـ، رقم 86 (3/ 9)، وقرار مجمع رابطة العالم الإسلامي القرار السادس، وقرار مجمع الفقه الإسلامي بالهند عام 1410 هـ، وتوصيات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت عام 1403 هـ، وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية رقم 9410. انظر: فقه النوازل، للجيزاني 3/ 136 - 145، فوائد البنوك هي الربا الحرام، للقرضاوي، ص 106 - 122، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 9/ 200.

(3)

انظر: المنفعة في القرض، للعمراني، ص 385.

(4)

انظر: فوائد البنوك هي الربا الحرام، للقرضاوي، ص 139.

(5)

انظر: عقد القرض ومشكلة الفائدة، لمحمد الجزائري، ص 349.

(6)

انظر: المعاملات المالية، للدبيان 12/ 277.

(7)

انظر: عقد القرض ومشكلة الفائدة، لمحمد الجزائري، ص 335 - 354، المعاملات المالية، للدبيان 12/ 262 - 280.

ص: 260

وكل هذه التكييفات الفقهية -بغض النظر عن مقصد أصحابها- لا تغير حقيقة هذه المعاملة، ولا المفاسد التي تترتب عليها، فالذي يقرأ في أسباب الأزمات الاقتصادية يجد أن من أهم أسبابها الفوائد على الودائع أو القروض

(1)

؛ فلذا يجب على الفقيه المهتم بهندسة العقود المالية أن ينظر إلى ما تؤول إليه المعاملة

(2)

، وأن يعطى الأسماء حقيقتها

(3)

، وألا يتكلف في تلبيسها اللباس الشرعي، وهي ليست من الشرع، يقول الشوكاني موصيًا طالب العلم:"ومن جملة ما ينبغي له استحضاره أن لا يغتر بمجرد الاسم دون النظر في معاني المسميات وحقائقها فقد يسمى الشيء باسم شرعي وهو ليس من الشرع"

(4)

.

الفرع الثالث: عدم كونها مجرد قيود شكلية

من مهام هيئات الفتوى والرقابة الشرعية الفحص عن مدى التزام المصارف الإسلامية بالشريعة الإسلامية في جميع أنشطتها

(5)

، فهي تتابع سير أعمال البنك، وتتأكد من سلامة تطبيق الأحكام الشرعية، وتنبه العاملين على المخالفات الشرعية

(6)

؛ جاء في قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي أن أبرز مهام إدارة الرقابة الشرعية: "1 - التحقق من أن أي نشاط، أو منتج، أو خدمة، أو عقد جارٍ العمل به في المصرف مجاز من الهيئة الشرعية.

(1)

انظر: أسباب الأزمة المالية وجذورها، للجوزي جميلة، بحث منشور على الرابط:

http:// www.jinan.edu.lb/ conf/ Money/ 1/ dreldjouzi.pdf

(2)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 54.

(3)

المرجع السابق 6/ 101

(4)

أدب الطلب ومنتهى الأدب، للشوكاني، ص 198.

(5)

انظر: بحوث في فقه البنوك الإسلامية، للقره داغي 2/ 498.

(6)

انظر: إدارة البنوك الإسلامية، لشهاب العزعزي، ص 111.

ص: 261

2 -

مراجعة النماذج، والعقود، والاتفاقيات قبل استخدامها، ومراجعة إجراءات تنفيذ العمليات قبل تنفيذها؛ للتأكد من مطابقتها للقرارات الصادرة بشأنها

"

(1)

.

إلا أنه في بعض البنوك الإسلامية بسبب عدم وجود المراقبة أو ضعفها، وضعف الحصيلة الشرعية عند بعض العاملين فيها تقع أخطاء في تطبيق بعض العقود بسبب عدم مراعاة الضوابط الشرعية التي وضعتها هيئة الفتوى لجواز المعاملات، مما يجعل المعاملة لا تختلف عن نظيرتها في البنك الربوي، ويفتح ألسنة بعض الناس بنقد البنوك الإسلامية، وأنها لا تختلف عن البنوك الربوية، ويشككون في مصداقية معاملاتها، وفي نزاهة هيئتها، فهم يتعاملون مع واقع، ولا يقرؤون الفتاوى التي أخرجتها الهيئة الشرعية، إضافة إلى أن البنوك الإسلامية محاربة من قبل البنوك الربوية؛ وقد كتب الدكتور رفيق المصري بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على إنشاء المصارف الإسلامية بحثًا بعنوان:"اختبار الفتاوى المالية، هل المشكلة في الفتوى أم في التطبيق؟ "

(2)

. مما يدل على وجود خلل في التطبيق، "لا سيما وأن الجمهور يتساءلون عن هذه المؤسسات والمصارف هل تعمل وفق الشريعة أم أنها تحاكي المؤسسات والمصارف التقليدية"

(3)

، وقد ضرب الشيخ ابن منيع مثالًا لمعاملة يساء تطبيقها في البنوك الإسلامية؛ بحيث تطبق بشكل صوري لَمّا سُئِل: هل ترى أن هناك

(1)

قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 15 - 16.

(2)

بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2007 - 2008 م، ص 19 - 26.

(3)

اختبار الفتاوى المالية هل المشكلة في الفتوى أم في التطبيق؟، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2007 - 2008 م، ص 19.

ص: 262

عقودًا صورية في البنوك الإسلامية؟، فأجاب: بـ"لا شك أنه توجد عقود صورية؛ ما يسمى الآن بالتورق المنظم؛ حيث يأتي العميل للبنك، ويقول: أنا في حاجة إلى 100 ألف ريال فيقول البنك: تفضل، هذي مجموعة أوراق مستندية وقِّعها، وغدًا تجد ما تريد في حسابك، فماذا عمل؟ هل اشترى أو باع؟ "

(1)

.

وكذلك أفتى الدكتور الصديق الضرير بجواز الاتفاق بين الدائن والمدين-البنك والعميل- على التعويض عن الضرر الحقيقي الفعلي مسبقًا إذا تأخر المدين في السداد، واشترط أن يكون تقديره على أساس الربح الفعلي الذي حققه الدائن-البنك- في المدة التي تأخر المدين فيها بالوفاء

(2)

، ثم أوقف العمل بفتواه؛ لعدم مراعاة البنك لهذا القيد أو الشرط، قال الدكتور:"البنك الذي أصدرت له الفتوى لم يستطع تنفيذها التنفيذ الصحيح الذي قصدته؛ لأنه أراد أن يعتمد على الربح التقريبي، وليس الفعلي في تقدير الضرر، فوجهت بوقف العمل بالفتوى خوفًا من أن يؤدي تنفيذها إلى ما يشبه الفائدة (الربا) "

(3)

.

فعدم مراعاة القيود والشروط في المعاملات التي يتم هندستها هندسة مالية إسلامية، يجعلها مجرد قيود شكلية، ويكون سببًا في الوقوع في بعض المحرمات التي ما أنشئت الهندسة المالية الإسلامية إلا للفرار منها، وهذا يؤكد على أهمية الدور الذي تقوم به هيئات

(1)

جريدة الشرق الأوسط، الثلاثاء، 26 جمادى الثاني 1431، العدد 11515.

(2)

الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض عن ضرر المماطل، بحث منشور في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، الصادرة من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، المجلد الثالث، العدد الأول، 1405 هـ، ص 112.

(3)

مجلة جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، الاقتصاد الإسلامي، المجلد الخامس، 1413 هـ، ص 70.

ص: 263

المراقبة الشرعية في البنوك الإسلامية، وأنها تعزز من ثقة الناس بهذه المصارف، إذا تم اختيار المراقب بطريقة صحيحة، وتمت المراقبة كذلك بطريقة صحيحة.

ص: 264

‌الباب الثاني: تطبيقات للهندسة المالية الإسلامية

وفيه فصلان:

الفصل الأول: تطبيقات للهندسة المالية الإسلامية في الفقه الإسلامي

الفصل الثاني: تطبيقات معاصرة للهندسة المالية الإسلامية

ص: 265

تمهيد:

مصطلح الهندسة المالية مصطلح حديث النشأة، وإن كان من حيث الوجود قديمًا قدم المعاملات المالية

(1)

، وفي الفقه الإسلامي يوجد العديد من التطبيقات للهندسة المالية الإسلامية

(2)

، وكذلك في المعاملات المالية المعاصرة يوجد العديد من التطبيقات للهندسة المالية الإسلامية، وفي الفصل الأول دراسة لبعض تطبيقات الهندسة المالية الإسلامية في الفقه الإسلامي؛ وهذه التطبيقات هي: بيع الوفاء، وبيع الاستجرار، وبيع العينة، والسُفْتَجة، والتورق، والإجارة الموصوفة في الذمة، وفي الفصل الثاني دراسة لبعض التطبيقات المعاصرة للهندسة المالية الإسلامية؛ وهذه التطبيقات هي: السلم الموازي، والاستصناع الموازي، والصكوك الإسلامية،

(1)

صناعة الهندسة المالية، للسويلم، ص 5.

(2)

المرجع السابق، ص 3.

ص: 267

والتورق المصرفي، والمرابحة للآمر بالشراء، والإجارة المنتهية بالتمليك، والمشاركة المنتهية بالتمليك، وبطاقات الائتمان. وبيان ذلك في الفصلين التاليين.

ص: 268

‌الفصل الأول: تطبيقات للهندسة المالية الإسلامية في الفقه الإسلامي

وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: بيع الوفاء.

المبحث الثاني: بيع الاستجرار.

المبحث الثالث: بيع العينة.

المبحث الرابع: السُفْتَجة.

المبحث الخامس: التورق.

المبحث السادس: الإجارة الموصوفة في الذمة.

ص: 269

‌المبحث الأول:

بيع الوفاء

‌المطلب الأول: تعريف بيع الوفاء

بيع الوفاء مركب إضافي من كلمتين: البيع، والوفاء، ولابد من تعريف كل كلمة على حده، ثم يتم تعريفه مركبًا منهما.

فالبيع في اللغة ضد الشراء، والبيع: الشراء أيضًا، وهو من الأضداد

(1)

، قال ابن فارس:"الباء والياء والعين أصل واحد، وهو بيع الشيء، وربما سمي الشرى بيعًا. والمعنى واحد"

(2)

.

والبيع في الاصطلاح هو: "مبادلة المال بالمال، تمليكًا، وتملّكًا"

(3)

. وله تعريفات أخرى قريبة من هذا المعنى

(4)

.

والوفاء في اللغة يدل على إكمال الشيء وإتمامه؛ ومن الوفاء: إتمام العهد وإكمال الشرط. ويقال: أوفيتك الشيء؛ إذا قضيته إياه وافيًا، وتوفيت الشيء واستوفيته، إذا أخذته كله حتى لم تترك منه شيئًا

(5)

.

(1)

انظر: لسان العرب 8/ 23، المصباح المنير، للفيومي 1/ 69.

(2)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 1/ 327.

(3)

المغني، لابن قدامة 3/ 480.

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي 12/ 181، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 222، المجموع، للنووي 9/ 149.

(5)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/ 129، مختار الصحاح، للرازي، ص 343.

ص: 271

والوفاء في الاصطلاح لا يخرج عن المعنى اللغوي.

وبعد تعريف البيع والوفاء، يتم تعريف بيع الوفاء؛ وهو:"البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع"

(1)

.

وبيع الوفاء مصطلح خاص بالمذهب الحنفي، وله عدة مسميات في المذاهب الفقهية فيسمى عند الحنفية أيضًا:"بيع الإطاعة أو الطاعة"

(2)

، و"بيع الأمانة"

(3)

، و"بيع الجائز"

(4)

، و"بيع المعاملة"

(5)

، و"الرهن المعاد"

(6)

، ويسمى في المذهب المالكي"بيع الثنيا"

(7)

، وعند الشافعية يسمى"بيع العهدة"

(8)

، والحنابلة يسمونه"بيع الأمانة"

(9)

.

(1)

مجلة الأحكام العدلية، ص 30.

(2)

انظر: حاشية ابن عابدين 2/ 333، 5/ 276.

(3)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 184، البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 8، حاشية ابن عابدين 2/ 333، 5/ 276.

(4)

انظر: درر الحكام، لملا خسرو 2/ 207، البحر الرائق، لابن نجيم 7/ 190، حاشية ابن عابدين 5/ 276.

(5)

انظر: المحيط البرهاني، لابن مازة 7/ 139، حاشية ابن عابدين 5/ 276، مجمع الضمانات، للبغدادي، ص 242.

(6)

انظر: البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 8.

(7)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد 7/ 336، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 373، منح الجليل، لعليش 5/ 52.

(8)

انظر: تحفة المحتاج، للهيتمي مع حاشية الشرواني 4/ 296.

(9)

انظر: الإقناع، للحجاوي 2/ 58، حاشية الروض المربع، لابن قاسم 4/ 332.

ص: 272

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في بيع الوفاء

مقتضى البيع أن يكون الملك للمشتري، ويكون حر التصرف بما يشتريه، إلا أنه في بيع الوفاء أُجري تعديل على عقد البيع باستخدام الحيلة، أو المخرج الشرعي، فأضيف شرط رد المبيع متى ما رد البائع الثمن؛ ليحقق منفعة متبادلة للمتعاقدين؛ فالبائع يحصل على القرض، والمشتري يحصل على الانتفاع بالسلعة، مع ضمان رد القرض

(1)

، فالمشتري لا يملك حرية التصرف بما اشتراه، وأصبح من حق البائع أن يرد المبيع متى ما رد الثمن للمشتري؛ فالهندسة المالية في العقد هي إجراء تعديل على العقد من كون المشتري حر التصرف في المبيع إلى مقيد التصرف فيه، فمتى ما رد البائع الثمن يرد المشتري المبيع.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في بيع الوفاء

الفرع الأول: حكم بيع الوفاء

اختلف الفقهاء في حكم بيع الوفاء على قولين:

القول الأول: أن بيع الوفاء محرم.

وهو قول بعض الحنفية

(2)

، ومذهب المالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

(1)

انظر: عقد البيع، لمصطفى الزرقا، ص 156.

(2)

انظر: العناية شرح الهداية، للبابرتي 9/ 236، تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 184، الفتاوى الهندية 3/ 209.

(3)

انظر: مواهب الجليل، للحطاب 4/ 373، الشرح الكبير، للدردير 3/ 71.

(4)

انظر: تحفة المحتاج، للهيتمي مع حاشية الشرواني 4/ 296، بغية المسترشدين، للحضرمي، ص 133.

(5)

انظر: كشاف القناع، للبهوتي 3/ 149، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 4.

ص: 273

القول الثاني: أن بيع الوفاء جائز.

وهو المذهب عند الحنفية

(1)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الثُّنْيَا، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا" رواه مسلم

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا، وهي أن يستثني البائع شيئًا مجهولًا من المبيع؛ لما فيه من الغرر

(3)

، وفي بيع الوفاء اشترط البائع رد المبيع متى ما رد الثمن على المشتري، والمدة التي يرد فيها الثمن مجهولة؛ فهي من الثنيا الممنوعة بنص الحديث

(4)

.

الدليل الثاني: ما جاء عند أبي داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ»

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين السلف والبيع، وقد أجمع

(1)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 184، حاشية ابن عابدين 5/ 277.

(2)

كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة، وعن المخابرة، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وعن بيع المعاومة وهو بيع السنين، برقم 1536.

(3)

انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي 10/ 195، تحفة الأحوذي، للمباركفوري 4/ 426.

(4)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 4/ 210، قضايا الفقه والفكر المعاصر، لوهبة الزحيلي 1/ 225 - 226.

(5)

سبق تخريجه ص 158.

ص: 274

الفقهاء على المنع من ذلك

(1)

، وبيع الوفاء يجمع بين السلف والبيع

(2)

؛ "لأنه يكون مترددًا بين البيع والسلف; إن جاء بالثمن كان سلفًا، وإن لم يجئ كان بيعًا"

(3)

.

نوقش: بأن المراد بالحديث أن السلف يتميز عن ثمن البيع، أما في بيع الوفاء فالثمن إما يكون للبيع أو يكون سلفًا؛ فهو غير متميز، فلا يدخل في معنى الحديث

(4)

.

الدليل الثالث: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» رواه الطبراني

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اقتران الشرط بالبيع، والنهي يدل على فساد المنهي عنه، وفي بيع الوفاء اقترن البيع بالشرط، فدل على فساده

(6)

.

يناقش: بأن هذا الحديث ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به

(7)

.

الدليل الرابع: أن في بيع الوفاء شرط رد السلعة متى ما رد البائع الثمن، وهو شرط ينافي مقتضى العقد، والشرط المنافي لمقتضى العقد باطل

(8)

.

(1)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 29، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 30/ 83، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، لمجموعة من المؤلفين 4/ 163.

(2)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 4/ 210، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 373، منح الجليل، لعليش 5/ 52.

(3)

بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 179.

(4)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 4/ 210.

(5)

سبق تخريجه ص 80.

(6)

انظر: حاشية الشلبي على تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 184.

(7)

سبق تخريجه ص 80.

(8)

انظر: حاشية الشلبي على تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 184، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 373، تحفة المحتاج، للهيتمي 4/ 296.

ص: 275

نوقش: بأن هذا الكلام ليس على إطلاقه، فـ"إذا كان له غرض صحيح فإن الشرط صحيح"

(1)

، وإن كان يتنافى مع مقتضى العقد، وفي بيع الوفاء هناك مصلحة لأحد أطراف العقد؛ فلا ينبغي إهدارها

(2)

.

يجاب: بأن الشرط إذا كان ينافي مقتضى العقد ومقصوده، أو يخالف الشرع فهو باطل

(3)

، ولا عبره بالمصلحة المتوهمة التي يحققها أحد الأطراف في مخالفة مقصود العقد، أو مخالفة الشرع، وفي بيع الوفاء منافاة لمقصود العقد، ومخالفة للشرع؛ فالمشتري لا يملك السلعة، ولا يتصرف فيها، وللبائع أن يفسخ البيع متى ما رد الثمن، وهذا ينافي مقصود العقد، فالعقد مقصوده الملك وحرية التصرف، ويخالف الشرع في أن المعاملة تؤول إلى الربا في الانتفاع بالسلعة مقابل القرض، وفي الجهل في وقت رد البيع، والجهالة نوع من الغرر، نهى الشارع عنه.

الدليل الخامس: أن حقيقة بيع الوفاء قرض جر نفعًا

(4)

، فهو حيلة للتوصل للربا

(5)

؛ قال ابن تيمية: "أما بيع الأمانة الذي مضمونه اتفاقهما على أن البائع إذا جاءه بالثمن أعاد عليه ملكه ذلك ينتفع به المشتري بالإجارة والسكن ونحو ذلك: هو بيع باطل باتفاق العلماء إذا كان الشرط مقترنًا بالعقد. وإذا تنازعوا في الشرط المقدم على العقد: فالصحيح

(1)

الممتع، لابن عثيمين 8/ 246.

(2)

انظر: بيع الوفاء وآثاره بين الشريعة والقانون الكويتي، لخالد العتيبي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 26، العدد 84، 1432 هـ، ص 632.

(3)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 156.

(4)

انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 4/ 210، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 334.

(5)

انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 523.

ص: 276

أنه باطل بكل حال، ومقصودهما إنما هو الربا بإعطاء دراهم إلى أجل ومنفعة الدراهم هي الربح"

(1)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن عامة الناس بحاجة لبيع الوفاء، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة

(2)

، فهو كالاستصناع أبيح لحاجة الناس

(3)

.

يناقش: بأن النهي عن بيع الوفاء؛ لأنه قرض جر نفعًا؛ فهو ربا، وأما الاستصناع فالنهي عنه لما فيه من الغرر، وفرق بين الربا والغرر؛ فالحاجة لا تنزل منزلة الضرورة في إباحة الربا، وتنزل منزلة الضرورة في إباحة الغرر بشروط، فالربا لا تبيحه إلا الضرورة، وقد سبق بيان ذلك

(4)

.

الدليل الثاني: أن حقيقة بيع الوفاء عبارة عن رهن مقابل الدين، والرهن يجوز الانتفاع به بإذن مالكه، وقد أذن له في ذلك

(5)

.

نوقش: بأن الرهن يختلف عن بيع الوفاء؛ فكل منهما عقد مستقل، له أحكامه المستقلة؛ فغاية الرهن توثيقية فقط، أما بيع الوفاء فغايته توثيق الدين وانتفاع الدائن بالعقار

(6)

، وهو باطل؛ لأنه شرط رهنًا ينتفع به زيادة على الدين فصار قرضا جر منفعة

(7)

.

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 30/ 36.

(2)

انظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 68، المدخل الفقهي العام، للزرقا 2/ 1006.

(3)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 184.

(4)

انظر ص 183 من هذا البحث.

(5)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 183، درر الحكام، لملا خسرو 2/ 207، شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 210.

(6)

انظر: درر الحكام، لملا خسرو 2/ 207، قضايا الفقه والفكر المعاصر، لوهبة الزحيلي 1/ 226.

(7)

انظر: الحاوي الكبير، للماوردي 6/ 246.

ص: 277

الدليل الثالث: أن الناس تعاملوا ببيع الوفاء، والقواعد تترك بالتعامل

(1)

، وجرى التعامل به في غالب بلاد المسلمين، وحكمت بمقتضاه الحكام، وأقره من يقول به من العلماء

(2)

.

يناقش: بأنه لا يسلم بأن القواعد تترك لأجل التعامل، وتعامل الناس لا يبيح المحظور، وقد أنكر جمهور العلماء بيع الوفاء على مر العصور، ولم يبيحوه لجريان العادة به، بل ردوه لمخالفته للشرع؛ فالعادة محكمة ما لم تخالف الشرع

(3)

، وبيع الوفاء مخالف للشرع.

الدليل الرابع: أن بيع الوفاء جائز قياسًا على البيع بشرط الخيار المؤبد الذي أجازه الحنابلة

(4)

.

يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن البيع بشرط الخيار المؤبد مختلف فيه، ومن شروط القياس أن يكون الأصل متفقًا عليه

(5)

.

الوجه الثاني: أن شرط الخيار المؤبد لا يصح على الصحيح من المذهب الحنبلي

(6)

، وكذلك لا يصح عند المذاهب الفقهية الأخرى

(7)

، بل نقل الإجماع على منعه

(8)

؛ لأنها مدة

(1)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 184.

(2)

انظر: بغية المسترشدين، للحضرمي، ص 133.

(3)

انظر: شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 219، القواعد الكلية، لشبير، ص 245.

(4)

انظر: استحداث العقود في الفقه الإسلامي، لقنديل السعدني، ص 577.

(5)

انظر: روضة الناظر، لابن قدامة 2/ 249، الإحكام، للآمدي 3/ 197.

(6)

انظر: المغني، لابن قدامة 3/ 502، الإنصاف، للمرداوي 4/ 373.

(7)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 174، مختصر خليل، ص 152، المجموع، للنووي 9/ 225.

(8)

انظر: بدائع الصنئع، للكاساني 5/ 178، البناية شرح الهداية، للعيني 8/ 50، البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 6.

ص: 278

ملحقة بالعقد، فلا تجوز مع الجهالة؛ كالأجل؛ ولأن اشتراط الخيار أبدًا يقتضي المنع من التصرف على الأبد، وذلك ينافي مقتضى العقد، فلم يصح

(1)

.

الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلتهما، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن القول الراجح هو القول الأول القائل إن بيع الوفاء محرم؛ لقوة أدلته مقابل ضعف أدلة القول الثاني أمام ما ورد عليها من المناقشة؛ ولأن حقيقة بيع الوفاء قرض جر نفعًا، والبيع صوري لا حقيقة له؛ ومما يدل على ذلك أن الباعث لهذه المعاملة ليس البيع، إنما هو حاجة الناس للقرض، ورفض أصحاب الأموال القرض إلا بمنفعة، فتعاملوا ببيع الوفاء ليحتالوا على نفع الدائن من طريق لا يعد ربًا في نظرهم

(2)

، "وهيهات لهم ذلك؛ لأن الحرام حرام من أي طريق وصلوا إليه"

(3)

، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن بيع الوفاء:"إن حقيقة هذا البيع (قرض جر نفعًا) فهو تحايل على الربا، وبعدم صحته قال جمهور العلماء"

(4)

.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في بيع الوفاء

على القول الذي يجيز بيع الوفاء فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت بيع الوفاء مخرجًا شرعيًا يحقق منفعة متبادلة للمتعاقدين، فالبائع يحصل على القرض، والمشتري يحصل على الانتفاع بالسلعة، مع ضمان رد القرض

(5)

، أما على القول الراجح الذي يحرم بيع الوفاء

(1)

انظر: المغني، لابن قدامة 3/ 502.

(2)

انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 523، أحكام المعاملات المالية، لعلي الخفيف، ص 432، نظرية الضرورة الشرعية، لوهبة الزحيلي، ص 266.

(3)

أحكام المعاملات المالية، لعلي الخفيف، ص 432.

(4)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، رقم 4/ 68.

(5)

انظر: عقد البيع، لمصطفى الزرقا، ص 156.

ص: 279

فإن الهندسة المالية فيه لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمه؛ لأن الأصل في القرض أن يرد المقترض القرض نفسه دون زيادة، إلا أنه في بيع الوفاء استخدمت الحيلة ليتوصل إلى الزيادة على القرض ببيع سلعة صوريًا ينتفع بها المقرض مدة القرض، فيحصل المقترض على القرض، ويحصل المقرض على القرض وزيادة عليه الانتفاع بالسلعة مدة القرض، فالهندسة المالية عبارة عن قرض جر نفعًا، والبيع حيلة للتوصل للربا.

ص: 280

‌المبحث الثاني:

بيع الاستجرار

‌المطلب الأول: تعريف بيع الاستجرار

سبق تعريف البيع لغةً واصطلاحًا

(1)

. أما الاستجرار فهو في اللغة مأخوذ من جر يجر جرًا، وهو مد الشيء وسحبه

(2)

، وجررت الحبل وغيره أجره جرًا. وانجر الشيء: انجذب

(3)

، وأجررت الدين إذا مددت وقت السداد وتركت الدين باقيًا على المديون

(4)

. ولا يخرج معنى الاستجرار في الاصطلاح عن معناه اللغوي.

وأما بيع الاستجرار في الاصطلاح، فهو:"ما يستجره الإنسان من البياع إذا حاسبه على أثمانها بعد استهلاكها"

(5)

، أو" أخذ الحوائج من البياع شيئًا فشيئًا، ودفع ثمنها بعد ذلك"

(6)

، والمعنى قريب. ويسمى هذا البيع بيع الاستجرار في المذهب الحنفي

(7)

، والشافعي

(8)

، أما المالكية فيسمونه"بيع أهل المدينة"

(9)

، وأما الحنابلة فيذكرون له صورًا دون أن ترد له تسمية عندهم

(10)

.

(1)

انظر ص 204 من هذا البحث.

(2)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 1/ 410.

(3)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 4/ 125.

(4)

انظر: المصباح المنير، للحموي 1/ 96.

(5)

الدر المختار، للحصكفي مع حاشية ابن عابدين 4/ 516.

(6)

الموسوعة الفقهية الكويتية 9/ 43.

(7)

انظر: البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 243، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 4/ 516.

(8)

انظر: تحفة المحتاج، للهيتمي 4/ 217، نهاية المحتاج، للرملي 3/ 375، إعانة الطالبين، للدمياطي 3/ 7.

(9)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد 7/ 208، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 538، منح الجليل، لعليش 5/ 384.

(10)

انظر: مسائل الإمام أحمد، لأبي داود، ص 256، كشاف القناع، للبهوتي 4/ 108، النكت، لابن مفلح 1/ 298.

ص: 281

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في بيع الاستجرار

الأصل أن البيع يتم يدًا بيد، وما سمي البيع بيعًا إلا لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه لصاحبه وقت الأخذ والإعطاء

(1)

، إلا أنه في بيع الاستجرار يتفق المشتري مع البائع أن يأخذ منه الحوائج شيئًا فشيئًا، ويسدده بعد مدة، إما عند رأس الشهر، أو السنة

(2)

؛ فالهندسة المالية في بيع الاستجرار تكون بالتعديل على العقد بأن يأخذ المشتري حوائجه شيئًا فشيئًا، ويؤخر دفع ثمنها، فينتفع المشتري بهذه المهلة، وينتفع البائع بكثرة المتعاملين معه.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في بيع الاستجرار

الفرع الأول: حكم بيع الاستجرار

اتفق الفقهاء -في الجملة- على جواز بيع الاستجرار إذا كان الثمن معلومًا

(3)

، واختلفوا في حكمه إذا كان الثمن مجهولًا على قولين:

(1)

انظر: المغني، لابن قدامة 3/ 480.

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 5.

(3)

انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 516، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 538، مغني المحتاج، للشربيني 2/ 326، الإنصاف، للمرداوي 4/ 310. واشترط المالكية شرطين: الأول: أن يشرع في أخذ المبيع. الثاني: أن يكون أصله عند البائع. والمشهور في المذهب الشافعي أنه لا بد من التلفظ بالإيجاب والقبول؛ فلا يجوز عندهم بيع المعاطاة، واختار بعض فقهاء المذهب جواز بيع المعاطاة،؛ كابن سريج، والغزالي، والبغوي، وقال النووي:"وهذا هو المختار؛ لأن الله تعالى أحل البيع ولم يثبت في الشرع لفظ له فوجب الرجوع إلى العرف فكلما عده الناس بيعًا كان بيعًا". انظر: منح الجليل، لعليش 5/ 384 - 385، المجموع، للنووي 9/ 162 - 163.

ص: 282

القول الأول: أنه بيع محرم. وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، والظاهرية

(5)

، ونقل الإجماع على ذلك

(6)

.

القول الثاني: أنه بيع جائز. وهو وجه عند الشافعية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

، اختارها ابن تيمية

(9)

، وابن القيم

(10)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رواه مسلم

(11)

.

(1)

انظر: حاشية ابن عابدين 4/ 516، الفتاوى الهندية 3/ 3.

(2)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد 7/ 208، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 538.

(3)

انظر: مغني المحتاج، للشربيني 2/ 326، تحفة المحتاج، للهيتمي 4/ 217.

(4)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 310، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 174.

(5)

انظر: المحلى، لابن حزم 7/ 367.

(6)

قال النووي عن بيع الاستجرار إذا جهل الثمن: "وهذا باطل بلا خلاف" المجموع 9/ 163 - 164.

(7)

انظر: المجموع، للنووي 9/ 333، مغني المحتاج، للشربيني 2/ 326. قال النووي عن هذا الوجه:"وهذا ضعيف شاذ".

(8)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 310، إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 5.

(9)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 345، نظرية العقد، لابن تيمية، ص 155.

(10)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 5.

(11)

سبق تخريجه ص 167.

ص: 283

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر؛ والبيع مع جهل الثمن غرر يؤدي إلى الخصومة والنزاع

(1)

.

نوقش من وجهين: الوجه الأول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المبيع الذي هو غرر، فالمبيع نفسه هو الغرر؛ كالثمرة قبل بدو صلاحها، أما البيع في حال الجهل بالثمن فلا يسمى غررًا

(2)

.

يجاب: بأنه لا يسلم بأن الجهل بالثمن لا يسمى غررًا؛ فالجهل بالثمن غرر كالجهل بالمبيع؛ "لأنه أحد العوضين"

(3)

، والجهل به يؤدي إلى الخصومة والنزاع كالجهل بالمبيع، وقد ذكر ابن تيمية في موضع آخر أن الجهل بالثمن غرر

(4)

.

الوجه الثاني: بأنه جهل يؤول إلى علم وسيتمكن من معرفة الثمن

(5)

، ثم إن تراضيا به، وإلا ترادّا السلعة، فإن فاتت فثمن المثل، فلا وكس ولا شطط

(6)

.

يجاب: بأن الشارع إنما نهى عن الغرر لكي لا يحدث الاختلاف والخصومة، ثم رد السلعة، أو الوصول للقضاء وإجبار البائع أن يبيع بثمن المثل وهو غير راض، خاصة في السلع التي تتفاوت أسعارها كثيرًا، ولو جاز البيع بجهالة الثمن على هذه الكيفية، لجاز بجهالة المبيع، ثم إن تراضيا وإلا ترادّا الثمن، أو يعوض مثل المبيع، وهذا باطل للغرر، والأول مثله.

(1)

انظر: البناية شرح الهداية، للعيني 8/ 15، الموطأ، للإمام مالك 4/ 941.

(2)

انظر: نظرية العقد، لابن تيمية، ص 207.

(3)

الروض المربع، للبهوتي، ص 312.

(4)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 4/ 35.

(5)

انظر: المجموع، للنووي 9/ 333.

(6)

انظر: نظرية العقد، ص 154 - 156، 206 - 207.

ص: 284

الدليل الثاني: إجماع العلماء أن البيع لا يجوز مع الجهل بالثمن

(1)

.

نوقش: بعدم صحة الإجماع في هذه المسألة؛ لثبوت الخلاف فيها

(2)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(3)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الله اشترط في البيع حصول التراضي، وإذا تم التراضي بين البائع والمشتري فالبيع صحيح، ولا يضر الجهل بالثمن؛ لأن التراضي يحصل من غالب الخلق بالسعر العام، وبما يبيع به عموم الناس، فإن غبنه فله الخيار

(4)

.

يناقش: بأن التراضي لابد أن يكون مع مراعاة الضوابط الشرعية؛ قال ابن تيمية: " قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(5)

. لكن لا بد من مراعاة الشروط الشرعية"

(6)

، ومن الشروط الشرعية ألا يكون هناك غرر، والبيع مع جهالة الثمن من الغرر.

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي، فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ

(1)

ممن نقل الإجماع: العيني، وابن عبدالبر، وابن المنذر، وابن قاسم. انظر: البناية شرح الهداية، للعيني 8/ 15، الاستذكار، لابن عبدالبر 6/ 433، الإشراف، لابن المنذر 6/ 131، حاشية الروض المربع، لابن قاسم 4/ 459.

(2)

انظر: موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 292.

(3)

سورة النساء، الآية 29.

(4)

انظر: نظرية العقد، لابن تيميه، ص 155.

(5)

سورة النساء، الآية 29.

(6)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 499.

ص: 285

عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ:«بِعْنِيهِ» ، قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«بِعْنِيهِ» فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ» " رواه البخاري

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم "اشترى من عمر بعيره، ووهبه لعبدالله بن عمر، ولم يقدر ثمنه"

(2)

.

يناقش: بأن الحديث ليس فيه دلالة على أنه لم يقدر ثمنه، بل إن لفظ"فباعه"، وفي رواية:"فاشتراه"

(3)

يدل على البيع، والشراء المعروف المعلوم الثمن والمثمن.

الدليل الثالث: "أن هذا عمل المسلمين دائمًا، لا يزالون يأخذون من الخباز الخبز، ومن اللحام اللحم، ومن الفامي

(4)

الطعم، ومن الفاكهي الفاكهة، ولا يقدرون الثمن، بل يتراضيان بالسعر المعروف، ويرضى المشتري بما يبيع البائع لغيره من الناس"

(5)

.

يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن عمل الناس لا يعد دليلًا خاصة إذا خالف الشرع؛ فالعادة محكمة ما لم تخالف الشرع

(6)

؛ وقد قال النووي منكرًا هذا العمل: "فأما إذا أخذ منه شيئًا، ولم يعطه شيئًا، ولم يتلفظا ببيع، بل نويا أخذه بثمنه المعتاد كما يفعله كثير من

(1)

كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا، فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا، ولم ينكر البائع على المشتري، أو اشترى عبدا فأعتقه، برقم 2115.

(2)

انظر: نظرية العقد، لابن تيمية، ص 155.

(3)

رواه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق بها، برقم 2610.

(4)

الفامي: بائع السكر، وقيل: الفوم الحمص لغة شامية، وبائعه فامي. انظر: لسان العرب، لابن منظور 12/ 460.

(5)

انظر: نظرية العقد، لابن تيمية، ص 155.

(6)

انظر: شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 219، القواعد الكلية، لشبير، ص 245.

ص: 286

الناس، فهذا باطل بلا خلاف؛ لأنه ليس ببيع لفظي، ولا معاطاة، ولا يعد بيعًا؛ فهو باطل ولنعلم هذا ولنحترز منه، ولا نغتر بكثرة من يفعله، فإن كثيرًا من الناس يأخذ الحوائج من البياع مرة بعد مرة من غير مبايعة، ولا معاطاة ثم بعد مدة يحاسبه ويعطيه العوض وهذا باطل بلا خلاف"

(1)

.

الوجه الثاني: أن الأشياء التي يأخذها الناس من البائع، والتي ذكرها ابن تيمية؛ كالخبز، واللحم، والفاكهة، لا تدل على جواز البيع مع الجهل بالثمن مطلقًا، إنما تدل على أن هذه الأشياء مما يُتسامح فيها؛ لأن أسعارها لا تتفاوت، فليس الغرر فيها مؤثرًا، قال ابن الهمام: "ومما لا يجوز البيع به: البيع بقيمته، أو بما حل به، أو بما تريد

وكذا لا يجوز بمثل ما يبيع الناس إلا أن يكون شيئا لا يتفاوت؛ كالخبز واللحم"

(2)

.

الدليل الرابع: القياس على النكاح، فكما أن النكاح يجوز دون ذكر المهر، فكذلك البيع من باب أولى؛ لأن الله اشترط العوض في النكاح، ولم يشترطه في إعطاء الأموال

(3)

.

يناقش: بأن العوض في النكاح ليس مقصودًا، أو هو ليس المقصود الأعظم فيه، يقول ابن تيمية:"إن العوض عما ليس بمال؛ كالصداق، والكتابة، والفدية في الخلع، والصلح عن القصاص، والجزية والصلح مع أهل الحرب، ليس يجب أن يعلم كما يعلم الثمن والأجرة، ولا يقاس على بيع الغرر كل عقد على غرر؛ لأن الأموال إما أن لا تجب في هذه العقود، أو ليست هي المقصود الأعظم فيها، وما ليس هو المقصود إذا وقع فيه غرر لم يفض إلى المفسدة المذكورة في البيع"

(4)

.

(1)

المجموع، للنووي 9/ 163 - 164.

(2)

فتح القدير، لابن الهمام 6/ 260.

(3)

انظر: نظرية العقد، لابن تيمية، ص 155.

(4)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 4/ 34.

ص: 287

الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلتهما، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة منها، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح في بيع الاستجرار أنه لا يجوز إذا كان ثمن السلعة في السوق غير ثابت ويتفاوت تفاوتًا كبيرًا؛ للغرر المؤدي إلى النزاع والخصومة، أما إذا كان ثمن السلعة في السوق يتفاوت تفاوتًا يسيرًا؛ كالفاكهة، وسلع البقال، واللحم فإنه جائز؛ لأن هذا الغرر مما يتسامح فيه، والجهالة التي فيه لا تفضي إلى النزاع، كذلك إذا كان ثمن السلعة موحدًا في السوق، ومنضبطًا بمعيار معلوم يعرفه كل أحد، فلا يحتاج لذكر الثمن وقت البيع؛ لعلم الجميع به

(1)

.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في بيع الاستجرار

على القول الذي يجيز بيع الاستجرار مطلقًا، أو على القول الراجح الذي يجيز بيع الاستجرار إذا كان ثمن السلعة في السوق يتفاوت تفاوتًا يسيرًا، أو كان الثمن موحدًا في السوق، فإن الهندسة المالية الإسلامية انتجت بيع الاستجرار لينتفع المشتري في تأخير السداد، وينتفع البائع في كثرة العملاء، أما على القول الذي يحرم بيع الاستجرار مطلقًا، أو على القول الراجح الذي يحرم بيع الاستجرار إذا كان ثمن السلعة في السوق يتفاوت تفاوتًا كبيرًا، فإن الهندسة المالية في بيع الاستجرار لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمه؛ لوجود الغرر المفضي إلى النزاع والخصومة.

(1)

انظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة، لمحمد تقي العثماني، ص 64، 68.

ص: 288

‌المبحث الثالث:

بيع العينة

‌المطلب الأول: تعريف بيع العينة

سبق تعريف البيع لغة واصطلاحًا

(1)

. أما تعريف العينة في اللغة فهي مأخوذة من العين، وهو النقد الحاضر، وسميت عينة لحصول النقد لطالب العينة

(2)

.

وأما العينة في الاصطلاح: فـ"هي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به"

(3)

، وللعينة صور كثيرة في المذاهب الفقهية، وهذه أشهرها

(4)

.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في بيع العينة

إقراض المال وأخذ الزيادة عليه ربا، وليسلم بعض الناس من الربا يقومون باستخدام الحيلة أو المخرج الفقهي ببيع سلعة على المشتري -المحتاج للمال-بثمن مؤجل ثم شرائها

(1)

انظر ص 204 من هذا البحث.

(2)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 203، تاج العروس، للزبيدي 35/ 457.

(3)

الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 3/ 360.

(4)

انظر: حاشية ابن عابدين 5/ 325، الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبدالبر 2/ 672، فتح العزيز، للرافعي 8/ 231، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 25.

ص: 289

منه نقدًا بثمن أقل

(1)

؛ فالهندسة المالية تكون بتعديل المعاملة باستخدام الحيلة أو المخرج ليحصل على المال بالبيع بدلًا من التعامل بالربا.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في بيع العينة

الفرع الأول: حكم بيع العينة

اختلف الفقهاء في حكم بيع العينة على قولين:

القول الأول: أن بيع العينة محرم. وهو قول الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني: أن بيع العينة جائز. وهو قول الشافعية

(5)

، والظاهرية

(6)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم، قال: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا

(1)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 4/ 21.

(2)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 198، العناية شرح الهداية، للبابرتي 7/ 212 - 213.

(3)

انظر: الرسالة، للقيرواني، ص 108، مختصر خليل، ص 150.

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 132، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 185.

(5)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 79، روضة الطالبين، للنووي 3/ 418 - 419.

(6)

انظر: المحلى، لابن حزم 7/ 548.

ص: 290

يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود وغيره

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث وعيدًا وزجرًا على من ارتكب هذه الخصال التي وردت في الحديث، ومنها: التبايع بالعينة، ولو لم تكن محرمة لما جاء فيها هذا الوعيد الشديد

(2)

.

نوقش: بأن هذا الحديث ضعيف لا ينهض دليلًا على التحريم

(3)

، و"تفرد الضعفاء بهذا الحديث على أهميته علّة فيه توجب رده، إذ لو كان الحديث صحيحًا لم يتفرد به هؤلاء

(1)

رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة، برقم 3462، وأحمد، مسند عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، برقم 4825. وللحديث ثلاثة طرق كلها ضعيفة؛ الطريق الأول: عند أبي داود من رواية إسحاق أبي عبدالرحمن عن عطاء الخرساني، عن نافع عن ابن عمر، وعطاء الخرساني لم يسمع من ابن عمر كما ذكر ذلك ابن معين، وأحمد، وأبو حاتم. وإسحاق أبو عبدالرحمن ضعيف؛ قال أبو حاتم:"شيخ ليس بالمشهور لا يشتغل به"، وعد الذهبي في الميزان هذا الحديث من مناكيره. الطريق الثاني: عند أحمد من رواية الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر كما ذكر ذلك الإمام أحمد، والأعمش مدلس ولم يصرح بالسماع من عطاء، ويرى ابن حجر في التلخيص، أن عطاءً هنا هو عطاء الخراساني فرجع الحديث إلى الإسناد الأول. الطريق الثالث: عند أحمد من رواية أبي جناب عن شهر بن حوشب عن ابن عمر، وأبو جناب وشهر بن حوشب ضعيفان. انظر: المراسيل، لابن أبي حاتم، ص 154، 156، تهذيب الكمال، للمزي 2/ 413، 12/ 583، ميزان الاعتدال، للذهبي 4/ 547، 4/ 371، تقريب التهذيب، لابن حجر، ص 392، التلخيص الحبير، لابن حجر 3/ 48.

(2)

انظر: فيض القدير، للمناوي 1/ 397.

(3)

انظر تخريج الحديث، وقال الشوكاني في شرح هذا الحديث: "وجوز ذلك الشافعي

وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب". نيل الأوطار، للشوكاني 5/ 245، وقال الصنعاني: "والحديث له طرق عديدة عقد له البيهقي بابا وبين عللها

ولعلهم يقولون: حديث العينة فيه مقال فلا ينهض دليلا على التحريم". سبل السلام، للصنعاني 2/ 57 - 58.

ص: 291

الضعفاء"

(1)

، وليس في الحديث دلالة على تحريم كل خصلة من هذه الخصال بانفرادها، بل التحريم لجميع هذه الخصال إذا أشغلت عن الجهاد في سبيل الله، فالذل لا يكون إلا بترك الجهاد

(2)

.

الدليل الثاني: عن أبي إسحاق

(3)

، عن امرأته، أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها في نسوة فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين، كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة إلى أجل، ثم اشتريتها منه بست مائة، فنقدته الستمائة، وكتبت عليه ثمان مائة، فقالت عائشة رضي الله عنها:"بئس والله ما اشتريت، وبئس والله ما اشترى، أخبري زيد بن أرقم: أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب"؛ فقالت المرأة لعائشة رضي الله عنها: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ قالت: " {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى}

(4)

الآية، أو قالت:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}

(5)

الآية" مصنف عبدالرزاق

(6)

.

(1)

المعاملات المالية، للدبيان 11/ 400.

(2)

انظر: نيل الأوطار، للشوكاني 5/ 246.

(3)

هو عمرو بن عبدالله، أبو أسحاق السبيعي، من أئمة التابعين بالكوفة، كان صوامًا قوامًا، توفي عام 129 هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 22/ 102، ميزان الاعتدال، للذهبي 3/ 270.

(4)

سورة البقرة، الآية 275.

(5)

سورة البقرة، الآية 279.

(6)

كتاب البيوع، باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد اشتراءها بنقد، برقم 14812. والأثر ضعيف؛ لجهالة أم محبة والعالية، قال الدارقطني: " أم محبة والعالية مجهولتان لا يحتج بهما"، وممن ضعفه الشافعي، وقال ابن عبدالبر: " وهو خبر لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولا هو مما يحتج به عندهم". انظر: سنن الدارقطني 3/ 477، الأم، للشافعي 3/ 38 - 39، الاستذكار، لابن عبدالبر 6/ 272.

ص: 292

وجه الدلالة من الأثر: بأن هذا التغليظ من عائشة رضي الله عنها على هذا البيع يدل على تحريمه، "والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه، إلا بتوقيف سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى مجرى روايتها ذلك عنه"

(1)

.

نوقش: بأن هذا الأثر لا يحتج به من حيث السند

(2)

، "ومنكر اللفظ لا أصل له؛ لأن الأعمال الصالحة لا يحبطها الاجتهاد، وإنما يحبطها الارتداد، ومحال أن تلزم عائشة زيدًا التوبة برأيها ويكفره اجتهادها فهذا ما لا ينبغي أن يظن بها ولا يقبل عليها"

(3)

.

الدليل الثالث: أن العينة حيلة للتوصل للربا

(4)

، "لأنها يتوصل بها إلى دفع قليل في كثير، وإن لم يصرح المتعاقدان بذلك"

(5)

، قال النووي:"واحتج بهذا الحديث أصحابنا وموافقوهم في أن مسألة العينة ليست بحرام، وهي الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلًا إلى مقصود الربا، بأن يريد أن يعطيه مائة درهم بمائتين فيبيعه ثوبا بمائتين ثم يشتريه منه بمائة"

(6)

، فالنووي يصرح أن العينة حيلة للوصول للربا، والمجيزون للعينة لا يرون تحريم الحيل، والعبرة عندهم بظاهر العقود دون مقاصدها

(7)

، وقد سبق ذكر الخلاف في الحيل، وبيان رجحان تحريمها

(8)

.

(1)

المغني، لابن قدامة 4/ 132.

(2)

انظر تخريج الأثر.

(3)

الاستذكار، لابن عبدالبر 6/ 272.

(4)

انظر: العناية شرح الهداية، للبابرتي 7/ 148، الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبدالبر 2/ 672.

(5)

الفواكه الدواني، للنفراوي 2/ 102.

(6)

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي 11/ 21.

(7)

اانظر: فتح الباري، لابن حجر 12/ 337.

(8)

انظر ص 103 من هذا البحث.

ص: 293

الدليل الرابع: أن العينة محرمة حتى لو لم يقصد البائع بها التحايل على الربا؛ سدًا للذريعة، قال ابن تيمية:" الذرائع حرمها الشارع، وإن لم يقصد بها المحرم، خشية إفضائها إلى المحرم، فإذا قصد بالشيء نفس المحرم كان أولى بالتحريم من الذرائع، وبهذا التحرير يظهر علّة التحريم في مسائل العينة وأمثالها، وإن لم يقصد البائع الربا؛ لأن هذه المعاملة يغلب فيها قصد الربا، فيصير ذريعة، فيسد هذا الباب لئلا يتخذه الناس ذريعة إلى الربا"

(1)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الله أحل كل بيع إلا ما دل الدليل على تحريمه، والعينة من البيع الحلال؛ لعدم ثبوت الدليل بحرمتها

(3)

.

نوقش: بأن الدليل دل على تحريم العينة؛ وهذه الآية من ضمن الأدلة التي تحرم العينة؛ لأن الله حرم الربا، والعينة ربًا وليست بيعًا، وإن سماها مستحلها بيعًا؛ فإن الله لم يحرم الربا لمجرد صورته ولفظه، وإنما حرم لحقيقته ومقصوده، وتلك الحقيقة قائمة فى العينة، والمتعاقدان يعلمان ذلك من أنفسهما، ويعلمه من شاهد حالهما، فتواطؤهما على الربا، ثم إظهاره بيعًا، يتوسلان به إلى أن يعطيه مائة حالّة بمائة وعشرين مؤجلة، فهذا ليس من البيع المأذون فيه، بل من الربا المنهي عنه

(4)

.

(1)

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 173.

(2)

سورة البقرة، الآية 275.

(3)

انظر: تهذيب الفروق، لمحمد بن علي بحاشية الفروق للقرافي 3/ 276.

(4)

انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم 1/ 352، 2/ 105.

ص: 294

الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين أن يشتري من المشتري أو من غيره، فقط أرشده إلى الخلاص من الربا بذلك، وان كان المقصود تحصيل الجنيب بالجمع، فدل على جواز العينة

(2)

.

نوقش: بأن الحديث إنما كان لبيان الطريق الذي يتم به الحصول على التمر الجنيب لمن عنده تمر رديء، ولم يتعرض الحديث لشروط البيع أو موانعه، ولا لجواز شراء التمر الجنيب ممن باع منه التمر الأول، ولا عدمه؛ إنما أحيل المخاطب إلى البيع الصحيح المكتمل الشروط المنتفي الموانع الذي يتعارفه الناس، وليس في الحديث الإذن في بيع يكون وسيلة وذريعة ظاهرة إلى ما هو ربا صريح

(3)

.

الدليل الثالث: أن من اشترى السلعة ممن باعها له بعد مدة؛ فالبيع صحيح بالإجماع، فكذلك إذا اشتراها منه بعدما باعها له مباشرة، فلا فرق بين التعجيل والتأجيل

(4)

.

يناقش: بأنه لا يسلم بعدم وجود الفرق بين التعجيل والتأجيل، فإن وجود المدة دلالة على أن المتبايعين يريدان حقيقة البيع، بعكس بيع السلعة على البائع مباشرة فإنه يدل على أن المتبايعين لا يريدان حقيقة البيع، إنما كانت السلعة وسيلة لمبادلة دراهم بدراهم وزيادة.

(1)

سبق تخريجه ص 39.

(2)

انظر: تكملة المجموع، للسبكي 10/ 155 - 156، فتح الباري، لابن حجر 4/ 400 - 401.

(3)

انظر: المفهم، للقرطبي 4/ 483، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 174 - 176.

(4)

انظر: فتح الباري، لابن حجر 4/ 401.

ص: 295

الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلتهما، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي -والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل أن بيع العينة محرم؛ وذلك لأن العينة حيلة للتوصل للربا، ولو فرض أن البائع لا يقصد الربا، فهي ذريعة للربا، وتمنع سدًا للذريعة.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في بيع العينة

على القول الذي يجيز بيع العينة فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت بيع العينة مخرجًا شرعيًا عن الربا، يستفيد البائع الربح مع ضمان رجوع سلعته له، أما على القول الراجح الذي يحرم بيع العينة فإن الهندسة المالية فيه لا تعد إسلامية، وهي سبب في تحريمه؛ لأنها حيلة للتوصل للربا.

ص: 296

‌المبحث الرابع:

السُفْتَجة

‌المطلب الأول: تعريف السُفْتَجة

السُفْتَجة في اللغة تعريب لكلمة سفته الفارسية، وتعني الشيء المحكم

(1)

، والسُفْتَجة: أن يعطي مالًا لآخر، وللآخر مال في بلد المعطي فيوفيه إياه ثَمَّ، أي هناك، فيستفيد أمن الطريق

(2)

.

والسُفْتَجة في المذاهب الفقهية مطابقة لهذا التعريف

(3)

، وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية بيان لصورة السُفْتَجة، وهي:"أن يقرض شخص غيره - تاجرًا أو غير تاجر- في بلد ويطلب من المستقرض أن يكتب له كتابًا يستوفي بموجبه بدل القرض في بلد آخر من شريك المقترض أو وكيله"

(4)

.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في السُفْتَجة

الأصل أن وفاء القرض يكون في بلد القرض

(5)

، وفي السُفْتَجة تعديل على هذا الأصل

(1)

انظر: التعريفات، للجرجاني، ص 120،

(2)

انظر: تاج العروس، للزبيدي 6/ 39.

(3)

انظر: الحجة، لمحمد بن الحسن 2/ 609، التاج والإكليل، للمواق 6/ 532، المهذب، للشيرازي 2/ 84، الإنصاف، للمرداوي 5/ 415.

(4)

الموسوعة الفقهية الكويتية 25/ 25.

(5)

انظر: الكافي، لابن عبدالبر 2/ 727، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 142، الروض المربع، للبهوتي، ص 363.

ص: 297

بأن يكون وفاء القرض في غير بلد القرض، بأن يطلب المقرض من المقترض سداد القرض في بلد آخر، فينتفع بأمن خطر الطريق، وينتفع المقترض بالقرض، وبأمن الطريق أيضًا

(1)

.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في السُفْتَجة

الفرع الأول: حكم السُفْتَجة

اتفق الفقهاء على جواز السُفْتَجة إذا لم يكن لحملها مؤونة إن كانت من غير شرط

(2)

، وأما إذا كانت بشرط فقد اختلفوا على قولين:

القول الأول: أن السُفْتَجة لا تجوز. وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، والشافعية

(5)

، والحنابلة

(6)

، والظاهرية

(7)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 531، 534.

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي 14/ 37، الكافي، لابن عبدالبر 2/ 727 - 728، المهذب، للشيرازي 2/ 84، المغني، لابن قدامة 4/ 240. لم اتطرق للسفتجة التي لحملها مؤونة؛ لقلة وقوعها في هذا العصر.

(3)

انظر: تحفة الفقهاء، للسمرقندي 3/ 22، بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 395.

(4)

انظر: الذخيرة، للقرافي 5/ 293، مختصر خليل، ص 165. وأجازها المالكية للضرورة؛ كأن يعم الخوف. انظر: التاج والإكليل، للمواق 6/ 532، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 231 - 332.

(5)

انظر: الحاوي، للماوردي 5/ 356، تكملة المجموع، للمطيعي 13/ 170.

(6)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 240، الإنصاف، للمرداوي 5/ 415.

(7)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 347.

ص: 298

القول الثاني: أن السُفْتَجة جائزة. وهو رواية عند المالكية

(1)

، ورواية عند الحنابلة

(2)

اختارها ابن قدامة

(3)

، وابن تيمية

(4)

، وابن القيم

(5)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» رواه الحارث بن أبي أسامة

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث النهي عن قرض جر منفعة، وقد أجمع العلماء على معناه

(7)

، والسُفْتَجة داخلة في هذا؛ لأنها تجر منفعة للمقرض بسقوط خطر الطريق عنه

(8)

.

(1)

انظر: المنتقى، للباجي 5/ 97، عقد الجواهر الثمينة، لابن شاش 2/ 566.

(2)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 240، تصحيح الفروع للمرداوي بحاشية الفروع لابن مفلح 6/ 356.

(3)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 240 - 241.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 30/ 530 - 531، الاختيارات الفقهية، للبعلي، ص 194.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 295.

(6)

كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، للهيثمي 1/ 500. والحديث منكر؛ فيه سوار بن مصعب تركه الأئمة وأنكروا حديثه، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء. انظر: بلوغ المرام، لابن حجر، ص 256، الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي 4/ 531، ميزان الاعتدال، للذهبي 2/ 246، المغني عن الحفظ والكتاب، للموصلي، ص 403، خلاصة البدر المنير، لابن الملقن 2/ 78.

(7)

ممن نقل الإجماع: ابن المنذر، وابن حزم، والقرطبي، وابن قدامة، وغيرهم. انظر: الإشراف، لابن المنذر 6/ 142، المحلى، لابن حزم 6/ 347 - 348، أحكام القرآن، للقرطبي 3/ 241، المغني، لابن قدامة 4/ 240، موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 4/ 169.

(8)

انظر: المبسوط، للسرخسي 14/ 37، الفواكه الدواني، للنفراوي 2/ 89، تكملة المجموع، للمطيعي 13/ 170.

ص: 299

نوقش: بأن الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

، وأنه ليس كل منفعة في القرض محرمة، لأنه لا يخلو قرض من منفعة

(2)

؛ فالمحرم هو "المنفعة الزائدة المتمحضة المشروطة للمقرض، ولا يقابلها أي منفعة للمقترض سوى القرض"

(3)

، قال ابن القيم:"والمنفعة التي تجر إلى الربا في القرض هي التي تخص المقرض"

(4)

، وهذا لا ينطبق على المنفعة في السُفْتَجة؛ لأن المنفعة فيها للمقرض والمقترض معًا

(5)

، وهي"مشتركة بينهما، وهما متعاونان عليها، فهي من جنس التعاون والمشاركة"

(6)

، قال ابن تيمية:"المقرض رأى النفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، وقد انتفع المقترض أيضا بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريق، فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض، والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم، وإنما ينهى عما يضرهم"

(7)

.

الدليل الثاني: عن جابر بن سمرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السُّفْتَجَاتُ حَرَامٌ» رواه ابن عدي

(8)

.

(1)

انظر تخريج الحديث.

(2)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 361.

(3)

المنفعة في القرض، للعمراني، ص 341.

(4)

تهذيب السنن، لابن القيم بحاشية عون المعبود، للأبادي 9/ 297.

(5)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 240.

(6)

تهذيب السنن، لابن القيم بحاشية عون المعبود، للأبادي 9/ 297.

(7)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 531.

(8)

في الكامل في الضعفاء 1/ 432. والحديث موضوع؛ فيه عمر بن موسى الوجيهي وابن الجلاب تركهما الأئمة وأنكروا حديثهما. انظر: الكامل في الضعفاء، لابن عدي 1/ 431، 6/ 13، الموضوعات، لابن الجوزي 2/ 249، تنزيه الشريعة، للكناني 2/ 188.

ص: 300

وجه الدلالة من الحديث: أن في الحديث نهيًا صريحًا عن السفتجات

(1)

.

نوقش: بأن الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

.

الدليل الثالث: عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، قالت: أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسِينَ وَسْقًا تَمْرًا بِخَيْبَرَ وَعِشْرِينَ شَعِيرًا، قَالَتْ: فَجَاءَنِي عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ لِي: هَلْ لَكِ أَنْ أُوتِيَكِ مَالَكِ بِخَيْبَرَ هَا هُنَا بِالْمَدِينَةِ فَأَقْبَضَهُ مِنْكِ بِكَيْلِهِ بِخَيْبَرَ؟ فَقَالَتْ: لَا، حَتَّى أَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ:"لَا تَفْعَلِي فَكَيْفَ لَكِ بِالضَّمَانِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ"رواه البيهقي

(3)

.

وجه الدلالة من الأثر: بأن هذه المعاملة التي سُئل عنها عمر رضي الله عنه سفتجة، وقد نهى عنها؛ مما يدل على تحريمها

(4)

.

نوقش: بأن الأثر ضعيف لا يصح الاحتجاج به

(5)

، وقد روي عن بعض الصحابة جواز هذه المعاملة

(6)

، وليس قول بعضهم حجة على بعض إلا بدليل.

(1)

انظر: البناية شرح الهداية، للعيني 8/ 493.

(2)

انظر تخريج الحديث.

(3)

السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب ما جاء في السفاتج، برقم 10945، وعبدالرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، في باب السُفْتَجة. والأثر ضعيف؛ ففي السند الذي رواه البيهقي يزيد بن جعدبة تركه الأئمة وأنكروا حديثه، واتهم بالوضع. وأما السند الذي رواه عبدالرزاق ففيه أبوعميس، قال عنه الأعظمي:" أبو عميس هو عتبة بن مسعود من رجال التهذيب، وهو لايروي عن ابن عباس فيما أعلم، فلا أدري هل قوله: (عن ابن عباس) محرف، أو هو وهم من بعض الرواة، وفي الإسناد قصور أيضًا". انظر: تهذيب الكمال، للمزي 32/ 223 - 224، مصنف عبدالرزاق 8/ 141.

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي 14/ 35.

(5)

انظر تخريج الأثر.

(6)

فقد روي عن علي، وابن عباس، وابن الزبير جوازها، وتخريجها في أدلة القول الثاني.

ص: 301

الدليل الرابع: أن اشتراط الوفاء في غير بلد القرض يخرج عقد القرض عن موضوعه وهو الإرفاق، والقربة

(1)

.

نوقش: بأن هذا مسلم لو كانت المنفعة متمحضة للمقرض، لكنها هنا مشتركة بين المقرض والمقترض، فلا تخرجه عن موضوعه

(2)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: الآثار الواردة عن الصحابة الدالة على جواز السُفْتَجة

(3)

، فقد روي عن علي رضي الله عنه:"لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الْمَالَ بِالْمَدِينَةِ وَيَأْخُذَ بِإِفْرِيقِيَّةَ" رواه ابن أبي شيبة

(4)

، وروي عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما أنهما كانا "لَا يَرَيَانِ بَأْسًا أَنْ يُؤْخَذَ الْمَالُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، وَيُعْطَى بِأَرْضِ الْعِرَاقِ أَوْ يُؤْخَذَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَيُعْطَى بِأَرْضِ الْحِجَازِ" رواه ابن أبي شيبة

(5)

، وعند عبدالرزاق: "أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَسْتَلِفُ مِنَ التُّجَّارِ أَمْوَالًا، ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ إِلَى الْعُمَّالِ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ

(1)

انظر: المهذب، للشيرازي 2/ 84، تكملة المجموع، للمطيعي 13/ 170.

(2)

المنفعة في القرض، للعمراني، ص 160.

(3)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 42.

(4)

كتاب البيوع والأقضية، في الرجل يعطي الرجل الدرهم بالأرض ويأخذ بغيرها، برقم 21021. والأثر ضعيف، فيه عبيد الله بن عبدالرحمن، ضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس بذاك القوي. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 19/ 84، ميزان الاعتدال، للذهبي 3/ 12.

(5)

كتاب البيوع والأقضية، في الرجل يعطي الرجل الدرهم بالأرض ويأخذ بغيرها، برقم 21023. والأثر ضعيف، فيه حجاج بن أرطأة، ضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي والدارقطني وغيرهم. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 5/ 420، ميزان الاعتدال، للذهبي 1/ 458 - 459.

ص: 302

عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ"

(1)

.

نوقش: بأن هذه الآثار لا تصح عن الصحابة

(2)

، وما روي عن عمر رضي الله عنه مخالف لما روي عنهم، وليس قول بعضهم حجة على بعض إلا بدليل.

الدليل الثاني: أن الأصل في المعاملات الحل، ولم يرد دليل على تحريم السُفْتَجة، وأدلة المخالفين لا تقوى على تحريمها.

نوقش: بأن السُفْتَجة فيها منفعة على القرض، وقد دل الدليل على أن كل قرض جر نفعًا فهو ربا

(3)

.

وقد سبق الإجابة على هذه المناقشة بأن المنفعة المحرمة هي المتمحضة للمقرض إذا شرطها في العقد، ومنفعة السُفْتَجة لا تخص المقرض وحده، بل ينتفعان جميعًا، فكلاهما يأمن خطر الطريق، مع زيادة انتفاع المقترض بالقرض

(4)

.

(1)

كتاب البيوع، باب السُفْتَجة، برقم 14642. والأثر ضعيف؛ فهو من رواية ابن جريج عن عطاء، وابن جريج مدلس، قال الدارقطني: "تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فما سمعه من مجروح"، ومع أنه من أثبت الناس في عطاء، إلا أنه يدلس عنه أيضًا؛ قال الإمام أحمد: "كل شئ يقول ابن جريج قال عطاء، أو عن عطاء فإنه لم يسمعه من عطاء". انظر: تهذيب الكمال، للمزي 18/ 348، ميزان الاعتدال، للذهبي 2/ 659، تهذيب التهذيب، لابن حجر 6/ 405، بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، لابن عبدالهادي، ص 102.

(2)

انظر تخريج الآثار.

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي 14/ 37، الفواكه الدواني، للنفراوي 2/ 89، تكملة المجموع، للمطيعي 13/ 170.

(4)

انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 240، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 531، إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 295.

ص: 303

الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلتهما، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن القول الراجح هو القول الثاني القائل بجواز السُفْتَجة، وإن كانت بشرط؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، وأدلة المخالفين لم تقو على المنع، وفي السُفْتَجة مصلحة للطرفين دون مضرة بأحدهما، "والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم، وإنما ينهى عما يضرهم"

(1)

.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في السُفْتَجة

على القول الراجح الذي يجيز السُفْتَجة فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت السُفْتَجة لينتفع بها المقرض والمقترض معًا؛ المقرض ينتفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، وينتفع المقترض أيضا بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريق، فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض

(2)

، أما على القول الذي يحرم السُفْتَجة فإن الهندسة المالية في السُفْتَجة لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريم السُفْتَجة؛ لأنها قرض جر نفعًا مشروطًا في بداية العقد.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 531.

(2)

المرجع السابق.

ص: 304

‌المبحث الخامس:

التورق

‌المطلب الأول: تعريف التورق

التورق في اللغة مأخوذ من الوَرَق، والوَرَقُ يطلق على المال عمومًا

(1)

، و يقال رجل ورّاق أي كثير المال، والمُسْتَورِق: الذي يطلب الورق

(2)

.

والتورق في الاصطلاح هو: "أن يشتري سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدا لغير البائع بأقل مما اشتراها به؛ ليحصل بذلك على النقد"

(3)

.

ومصطلح التورق خاص بالمذهب الحنبلي

(4)

، أما المذاهب الفقهية الأخرى فيذكرون صورة التورق أثناء كلامهم عن العينة

(5)

.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في التورق

إقراض المال وأخذ الزيادة عليه ربا، وليسلم بعض الناس من الربا يقومون باستخدام الحيلة، أو المخرج الشرعي، باشتراء سلعة من البائع، بثمن مؤجل ثم بيعها لغيره نقدًا بثمن أقل، فالهندسة المالية تكون بتعديل المعاملة باستخدام الحيلة أو المخرج ليحصل على المال عن طريق البيع بدلًا من التعامل بالربا.

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/ 101.

(2)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 10/ 375، مختار الصحاح، للرازي، ص 336.

(3)

الموسوعة الفقهية الكويتية 14/ 147، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، لنزيه حماد، ص 153.

(4)

انظر: الفروع، لابن مفلح 6/ 316، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 26.

(5)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 211، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404، الأم، للشافعي 3/ 79.

ص: 305

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في التورق

الفرع الأول: حكم التورق

اختلف الفقهاء في حكم بيع التورق على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن بيع التورق جائز. وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمشهور عند المالكية

(2)

، ومذهب الشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني: أن بيع التورق مكروه. وهو قول عند الحنفية

(5)

، وقول عند المالكية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

، اختارها ابن تيميه في أحد قوليه

(8)

.

(1)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 213، حاشية ابن عابدين 5/ 326.

(2)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 42، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404.

(3)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 79، روضة الطالبين، للنووي 3/ 418. الشافعية يرون جواز بيع العينة، والتورق من باب أولى.

(4)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 337، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 26.

(5)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 163، حاشية ابن عابدين 5/ 325.

(6)

انظر: مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404. إذا لم يكن من أهل العينة فالمشهور عند المالكية جواز التورق، وعندهم قول بالكراهة قال الحطاب: "والمشهور أنه جائز وقول ابن مزين: إنه مكروه ولم يحك ابن رشد في جوازه خلافا"، أما إن كان من أهل العينة فالمذهب الكراهة؛ لأن أهل العينة يتهمون فيما لا يتهم فيه أهل الصحة، قال ابن رشد: "وذلك جائز لغير أهل العينة". انظر: مواهب الجليل، للحطاب 4/ 404، شرح مختصر خليل، للخرشي 5/ 106، الشرح الكبير، للدردير 3/ 89.

(7)

انظر: الفروع، لابن مفلح 6/ 316، الإنصاف، للمرداوي 4/ 337

(8)

انظر: مجموع الفتاوى 29/ 303، 431، 442، 447. قال ابن تيمية:"وقد اختلف العلماء في كراهته فكرهه عمر بن عبد العزيز وطائفة من أهل المدينة: من المالكية وغيرهم. وهو إحدى الروايتين عن أحمد ورخص فيه آخرون والأقوى كراهته" مجموع الفتاوى 29/ 302.

ص: 306

القول الثالث: أن بيع التورق محرم. وهو رواية عند الحنابلة

(1)

، اختارها ابن تيمية في أشهر قوليه

(2)

، واختارها ابن القيم

(3)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(4)

.

وجه الدلالة من الآية: دلت الآية على أن الأصل في البيع الإباحة، إلا ما قام الدليل على منعه، والتورق داخل في عموم البيع، ولم يقم دليل على منعه

(5)

.

نوقش: بأن الأصل في المعاملات الحل، يقابله أن الأصل في الحيل التحريم، وهو أخص من الأصل الأول، والخاص مقدم على العام، ولا نزاع في أن التورق حيلة للحصول على النقد، فهو محرم حتى يثبت الدليل على خلاف ذلك

(6)

.

أجيب: بأن الحيل المحرمة هي الموصلة للمحظور، أما الحيل للفرار من المحظور، والحصول على المباح فليست محرمة، كما في حديث «بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»

(7)

، والحصول على النقد لا يعد محظورًا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد الرجل أن يبيع التمر

(1)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 337، المستدرك على مجموع الفتاوى، لابن تيمية 4/ 9.

(2)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 5/ 392، الاختيارات الفقهية، للبعلي، ص 190، إعلام الموقعين لابن القيم 3/ 135، الفروع، لابن مفلح 6/ 316.

(3)

انظر: إعلام الموقعين لابن القيم 3/ 135، 157.

(4)

سورة البقرة، الآية 275.

(5)

انظر: مجموع فتاوى ابن باز 19/ 96.

(6)

انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص 377.

(7)

سبق تخريجه ص 39.

ص: 307

الرديء ليحصل على الجيد، وكذلك الذي يبيع بالسلم، أو غيرها من البيوع يريد النقد، فالحيلة في التورق ليست محرمة فهي للفرار من المحظور، والحصول على مباح

(1)

.

الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الرجل في هذا الحديث يريد بيع التمر الرديء للحصول على الدراهم، وهو لا يريدها إنما يريد الخروج من مبادلة التمر الرديء بالتمر الجيد، وهذا لا يقدح في صحة البيع ما دام أنه باع التمر الرديء على غير الشخص الذي اشترى منه التمر الجيد، فكذلك المتورق يشتري السلعة للحصول على المال، وهو لا يريد السلعة إنما يريد الخروج من مبادلة المال بالمال، وهذا لا يقدح في صحة البيع ما دام أنه باع السلعة لغير بائعها الأول

(3)

.

نوقش: بأن هذا الحديث يستدل به على جميع صور العينة الثنائية، والثلاثية، والتورق، وجمهور المجيزين للتورق لا يجيزون بقية صور العينة، فما كان جوابًا لهم عن هذا الحديث فهو جواب للمانعين منها مطلقًا

(4)

.

(1)

انظر: حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، للمنيع، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 348 - 349.

(2)

سبق تخريجه ص 39.

(3)

انظر: المعاملات المالية، للدبيان 11/ 463 - 464.

(4)

انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص 370.

ص: 308

أجيب: بأن العينة الثنائية والثلاثية فيها التواطؤ على عود السلعة للبائع، فهي حيلة للتوصل للربا، لذلك هي محرمة، أما التورق فليس فيه شيء من ذلك

(1)

، وإنما فيه تملك للمبيع تملكًا حقيقيًا، غنمًا وغرمًا، فبين الصورتين فرق واضح.

الدليل الثالث: أن الحاجة ماسة للتعامل بالتورق

(2)

؛ "لأن المحتاج في الأغلب لا يجد من يساعده في قضاء حاجته بالتبرع ولا بالقرض، فحينئذ تشتد حاجته إلى هذه المعاملة حتى يتخلص مما قد شق عليه في قضاء دين ونحوه "

(3)

.

نوقش: بأن مجرد الحاجة لا يكفي لاستباحة المحرم، ورفع الحرج لا ريب فيه، لكنه يستلزم سد أبواب الربا؛ لأن الربا من أعظم مصادر الحرج، وفي أنواع المبادلات النافعة غنية عن الحرام

(4)

.

أجيب: بأن التورق معاملة جائزة؛ "لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إما عين السلعة وإما عوضها، وكلاهما غرض صحيح"

(5)

، وهو مخرج شرعي عن التعامل بالربا

(6)

، ولا يثبت دليل على تحريمه.

الدليل الرابع: قال ابن تيمية: " المشتري الذي غرضه التجارة أو غرضه الانتفاع أو

(1)

انظر: حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، للمنيع، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 349.

(2)

انظر: أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 359.

(3)

مجموع فتاوى ابن باز 19/ 99.

(4)

انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص 377 - 378.

(5)

المداينة، لابن عثيمين، ص 7.

(6)

انظر: التورق كما تجريه المصارف، لمحمد القري، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 642.

ص: 309

القنية فهذا يجوز شراؤه إلى أجل بالاتفاق"

(1)

فكما يجوز للتاجر أن يشتري السلعة ليحصل على المال، فكذلك المحتاج يجوز له أن يشتري السلعة ليحصل على المال، بل هو أولى، فالتاجر يريد تكثير ماله، وهذا يريد دفع حاجته.

نوقش: بأن هذا قياس للشيء على ضده، فالتاجر مقصوده الربح، والمتورق مقصوده الخسارة، فالتاجر يبيع ليربح، والمتورق يبيع ليحصل على النقد الحاضر، ولا يمكن حصوله عليه إلا بخسارته، فكيف يقاس هذا على هذا؟

(2)

.

يجاب: بأن بيع المتورق للسلعة لا خسارة فيه فهو يبيعها بثمنها الحاضر، أما الزيادة في السلعة عند البائع الأول فهو في مقابلة الأجل، فثمن السلعة مؤجلة يزيد على ثمنها في الحاضر، كما أنه في السلم يبيع المسلم فيه المؤجل بثمن أقل حاضرًا، فلا ظلم على المتورق، ولا خسارة عليه.

أدلة القول الثاني والثالث:

أدلة القائلين بالكراهة، والقائلين بالتحريم، واحدة، فابن تيمية ذكر نفس الأدلة في اختياره لرواية الكراهة

(3)

، واختياره لرواية التحريم

(4)

.

الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ» رواه أبو داود وغيره

(5)

.

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 30.

(2)

انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص 375 - 376.

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 45 - 50.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 303، 431، 442، 447.

(5)

كتاب البيوع، باب في بيع المضطر، برقم 3382، أحمد، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، برقم 937. والحديث ضعيف، في سنده صالح بن عامر، قال عنه الذهبي: "نكرة، بل لا وجود له"، وفي السند شيخ من بني تميم مجهول، قال الخطابي: "في إسناده رجل مجهول لا ندري من هو". انظر: ميزان الاعتدال، للذهبي 2/ 295، معالم السنن، للخطابي 3/ 75.

ص: 310

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي رضي الله عنه نهى عن بيع المضطر، والمتورق مضطر لبيع السلعة فيدخل في النهي

(1)

.

نوقش: بأن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة

(2)

، والذي يشتري السلعة ثم يبيعها بغرض الحصول على النقد، قد لا يكون مضطرًا على كل حال، بل قد يكون غرضه للنقد لأمر حاجي، أو أمر تكميلي، كما هو مشاهد من حال المتعاملين بالتورق، فلا يصح اطراد حكم بيع المضطر على بيع التورق

(3)

.

الدليل الثاني: عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم، قال: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود وغيره

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العينة، والتورق شقيقة العينة، وصورة من صورها، وهذا يستلزم ذم التورق شرعًا

(5)

.

نوقش: بأن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به

(6)

، وهناك فرق بين التورق والعينة، من جهة أن المشتري للسلعة غير البائع الأول؛ قال ابن القيم:"فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة وإن باعها من غيره فهي التورق"

(7)

. ومن جهة أن البيع مقصود في

(1)

انظر: الفتاوى الكبرى، لابن تيمية 6/ 50، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 135.

(2)

انظر تخريج الحديث.

(3)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان التركي، ص 71.

(4)

سبق تخريج الحديث ص 218.

(5)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 157، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص 341.

(6)

انظر تخريج الحديث ص 218.

(7)

تهذيب السنن، لابن القيم بحاشية عون المعبود، للأبادي 9/ 250.

ص: 311

التورق، وقصد المتورق في شراء السلعة قد لا يكون معلومًا عند البائع، بعكس العينة التي تتم بالاتفاق بين البائع والمشتري على عود السلعة للبائع

(1)

، فهي دراهم بدراهم بينهما سلعة، والبيع غير مقصود.

الدليل الثالث: ما رواه عبدالرزاق في مصنفه عن ابن عباس قال: "إذا استقمت بنقد، وبعت بنقد، فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة، فلا، إنما ذلك ورق بورق"

(2)

.

وجه الدلالة من الأثر: أن كلام ابن عباس يصدق على المتورق فهو يقوم السلعة بنقد ويبتاعها بنسيئة فمقصوده دراهم بدراهم، يقوم السلعة في الحال ثم يشتريها إلى أجل بأكثر من ذلك

(3)

.

يناقش: بأن هذا المعنى غير مراد بهذا الأثر؛ لأن تفسيره على هذا المعنى سيمنع البيع إلى أجل بثمن أكثر، وقد نقل ابن تيمية الإجماع على جوازه

(4)

، والمعنى المراد من الأثر هو ما

(1)

انظر: التورق الفقهي وتطبيقاته المعاصرة، لعثمان شبير، ص 10.

(2)

كتاب البيوع، باب: الرجل يقول: بع هذا بكذا، فما زاد فلك، وكيف إن باعه بدين؟، برقم 15028. وهو صحيح فقد رواه عبدالرزاق عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه، وكلهم أئمة ثقات.

(3)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 442.

(4)

المرجع السابق 29/ 449. وفيه: "وسئل رحمه الله: عن رجل محتاج إلى تاجر عنده قماش فقال: أعطني هذه القطعة فقال التاجر مشتراها بثلاثين وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل فهل يجوز ذلك؟ أم لا؟ فأجاب: المشتري على ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل والشرب واللبس والركوب وغير ذلك. والثاني: أن يكون مقصوده التجارة فيها فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع".

ص: 312

قاله أبو عبيد

(1)

: "أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين ثم يقول: بعه بها فما زدت عليها فلك، فإن باعه بأكثر من ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة بأكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود لا يجوز"

(2)

، ويؤيد هذا المعنى للأثر الرواية الأخرى له عن ابن عباس رضي الله عنه:"أنه كان لا يرى بأسًا أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقول: بعه بكذا وكذا فما زدت فهو لك"

(3)

. وقد أورد عبدالرزاق الأثر في مصنفه تحت باب "الرجل يقول: بع هذا بكذا، فما زاد فلك، وكيف إن باعه بدين؟ "

(4)

، وهذا المعنى لا يصدق على التورق.

الدليل الرابع: أن المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود في التورق؛ فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في التورق، وإنما الأعمال بالنيات

(5)

.

(1)

هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي، ولد سنة 157 هـ، كان إماما في اللغة والفقه والحديث والقراءات، قال إسحاق بن راهويه:"أبو عبيد أوسعنا علما، وأكثرنا أدبا، وأجمعنا جمعا"، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل:"كتب أبي كتاب "غريب الحديث "الذي ألفه أبو عبيد أولا"، ولي أبو عبيد قضاء طرسوس، ومن تصانيفه:"الأموال"، و"غريب الحديث"، توفي سنة 224 هـ. انظر: تهذيب الكمال، للمزي 23/ 354. سير أعلام النبلاء، للذهبي 10/ 490.

(2)

غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام 4/ 232. وانظر: الفائق في غريب الحديث، للزمخشري 3/ 235، النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 4/ 125.

(3)

غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام 4/ 232، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الإجارة، باب لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة، وتكون الأجرة معلومة، برقم 11656.

(4)

مصنف عبدالرزاق 8/ 234.

(5)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 434، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 135.

ص: 313

نوقش: بأن هذا تعليل بالحكمة، والحكمة لا تنضبط، ولا تدور مع الحكم وجودًا وعدمًا

(1)

، وقصد المتورق للدراهم لا يوجب تحريم التورق؛ "لأن مقصود التجار غالبًا في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل، والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة، فإن ذلك يتخذ حيلة على الربا"

(2)

، وما ذكرتم من الضرر على المحتاج بزيادة الثمن عليه الذي كان من البائع الأول، وأنه أكل للمال بالباطل، موجود فيمن اشترى السلعة للتجارة، أو للقنية

(3)

، ومع ذلك لا تقولون بتحريمها

(4)

، وهذه الزيادة في الثمن لا ضرر فيها، ولا أكل للمال بالباطل، لأنها بمقابلة الأجل، فثمن السلعة مؤجلة يزيد على ثمنها في الحاضر، كما أنه في السلم يبيع المسلم فيه المؤجل بثمن أقل حاضرًا، والبيع الثاني الذي يتم لغير البائع يكون بسعر السلعة الحاضر، فلا ضرر، ولا ظلم فيه على المتورق.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلتها، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي -والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل أن بيع التورق جائز؛ وذلك لأن الأصل في المعاملات الصحة والجواز، وللمصلحة التي يحققها التورق لجمهور الناس، وأدلة المانعين لا تقوى على المنع كما تبين في مناقشتها.

(1)

انظر: التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، للسعيدي، ص 22.

(2)

مجموع فتاوى ابن باز 19/ 50 - 51.

(3)

انظر: المعاملات المالية، للدبيان 11/ 471 - 472.

(4)

قال ابن تيمية: "المشتري الذي غرضه التجارة أو غرضه الانتفاع أو القنية فهذا يجوز شراؤه إلى أجل بالاتفاق" مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 30.

ص: 314

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في التورق

على القول الراجح الذي يجيز التورق فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت التورق مخرجًا شرعيًا عن الربا، يستفيد البائع الربح، ويحصل المشتري على المال، والسلعة تدار في السوق، أما على القول الذي يحرم التورق فإن الهندسة المالية في التورق لا تعد إسلامية، وهي سبب في تحريمه؛ لأنها حيلة للتوصل للربا، فهي لا تختلف عن حكم العينة.

ص: 315

‌المبحث السادس:

الإجارة الموصوفة في الذمة

‌المطلب الأول: تعريف الإجارة الموصوفة في الذمة

قبل تعريف مصطلح الإجارة الموصوفة في الذمة، لابد من تعريف الإجارة، والوصف، والذمة الكلمات التي يتركب منها هذا المصطلح.

فالإجارة في اللغة مشتقة من الأجر، وهو الجزاء على العمل

(1)

، قال ابن منظور:" الأجر: الجزاء على العمل، والجمع أجور. والإجارة: من أَجَرَ يَأْجِرُ، وهو ما أعطيت من أجر في عمل"

(2)

.

والإجارة في الاصطلاح هي: عقد على منفعة مباحة معلومة، مدة معلومة، بعوض معلوم

(3)

.

وتعريفات الإجارة في المذاهب الفقهية قريبة من هذا التعريف، وإن اختلفت في اللفظ قليلًا

(4)

.

والوصف: يراد به تبيين الشيء، وتحليته، وتجليته

(5)

، قال ابن فارس:"الواو والصاد والفاء: أصل واحد، هو تحلية الشيء"

(6)

، والتحلية هنا بمعنى التجلية.

(1)

انظر: العين، للفراهيدي 6/ 173، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 1/ 62، لسان العرب، لابن منظور 4/ 10.

(2)

لسان العرب، لابن منظور 4/ 10.

(3)

منتهى الإرادات، لابن النجار 1/ 339.

(4)

انظر: بداية المبتدي، للمرغيناني، ص 186، مواهب الجليل، للحطاب 5/ 389، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 403، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 241.

(5)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/ 115، لسان العرب، لابن منظور 9/ 356.

(6)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/ 115.

ص: 316

والذمة: العهد؛ لأن الإنسان يذم على إضاعته منه

(1)

، "ومنهم من جعلها وصفًا فعرفها بأنها وصف يصير الشخص به أهلًا للإيجاب له وعليه، ومنهم من جعلها ذاتًا، فعرفها بأنها نفس لها عهد"

(2)

.

وأما الإجارة الموصوفة في الذمة فلم يفرد لها الفقهاء المتقدمون تعريفًا مستقلًا؛ بل يكتفون بتعريف الإجارة ثم يذكرونها في أقسامها؛ حيث تنقسم الإجارة إلى إجارة عين معينة، أو موصوفة في الذمة

(3)

، والإجارة الموصوفة في الذمة تختص في كون العين التي يراد الانتفاع بها غير معينة، بل موصوفة في ذمة المؤجر، ويمكن أن تعرف بأنها: عقد على منفعة مباحة، متعلقة بذمة المؤجر، مدة معلومة، بعوض معلوم.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في الإجارة الموصوفة في الذمة

الأصل في الإجارة أن تكون منجزة، وأن تكون العين معينة، فإذا لم ينص على بداية العقد، فإن الإجارة تبدأ من وقت العقد، وتكون منجزة، فإن أطلق، ولم يذكر الذمة، كانت إجارة عين معينة

(4)

، والإجارة الموصوفة في الذمة تطوير وهندسة لعقد الإجارة، فالإجارة فيها غير منجزة، بل مضافة إلى المستقبل، والعين فيها غير معينة، بل موصوفة في

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 346، لسان العرب، لابن منظور 12/ 221، التعريفات، للجرجاني، ص 107.

(2)

التعريفات، للجرجاني، ص 107.

(3)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 167، الحاوي، للماوردي 4/ 258، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 241.

(4)

انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 1/ 256.

ص: 317

ذمة المؤجر

(1)

، كما لو استأجر مبنىً ذا أوصاف محددة لإقامة مشروع معين فيه، فالمؤجر يضمن تأجير المبنى قبل وجوده، والمستأجر ينتفع بأنه قد لا يجد النقد لبناء المبنى بالمواصفات المطلوبة لإقامة المشروع، فيتمكن عن طريق الإجارة الموصوفة في الذمة أن يتعاقد مع مؤجر مقتدر يحقق له ذلك.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في الإجارة الموصوفة في الذمة

‌الفرع الأول: حكم الإجارة الموصوفة في الذمة، وتأجيل الأجرة فيها

المسألة الأولى: حكم الإجارة الموصوفة في الذمة

اختلف الفقهاء في حكم الإجارة الموصوفة في الذمة على قولين:

القول الأول: إن الإجارة الموصوفة في الذمة جائزة. وهو مذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني: إن الإجارة الموصوفة في الذمة محرمة. وهو مذهب الحنفية

(5)

.

(1)

انظر: في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، ص 328.

(2)

انظر: التلقين، للبغدادي 2/ 159، المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 167.

(3)

انظر: نهاية المطلب، للجويني 8/ 71، روضة الطالبين، للنووي 5/ 173.

(4)

انظر: الكافي، لابن قدامة 2/ 172، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 546.

(5)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 121، درر الحكام، لملا خسرو 2/ 231، مجلة الأحكام العدلية، ص 86.

ص: 318

دليل القول الأول: أنه كما يجوز أن يبيع البائع سلعة موصوفة في الذمة، يجوز أن يؤجر منفعة عين موصوفة في الذمة

(1)

.

دليل القول الثاني: أن المنافع لا تعد أموالًا

(2)

، وما ليس بمال لا يثبت في الذمة، فيشترط لصحة الإجارة أن تكون العين المؤجرة معينة

(3)

.

نوقش: بأنه لا يسلم بأن المنافع لا تعد أموالًا، بل هي أموال

(4)

؛ لأنه"يصح تمليكها في حال الحياة، وبعد الموت، وتضمن باليد والإتلاف، ويكون عوضها عينًا ودينًا"

(5)

.

الترجيح: بعد عرض القولين، ودليل كل قول، ومناقشة ما احتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز الإجارة الموصوفة في الذمة؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، مقابل ضعف دليل القول الثاني أمام ما ورد عليه من مناقشة.

المسألة الثانية: حكم تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة

اختلف الفقهاء في حكم تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إن تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة لا يجوز، وهو مذهب المالكية

(6)

، والأصح عند الشافعية

(7)

.

(1)

انظر: روضة الطالبين، للنووي 5/ 174، الفروع، لابن مفلح 7/ 160.

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي 11/ 79، حاشية ابن عابدين 4/ 502.

(3)

انظر: مجلة الأحكام العدلية، ص 86.

(4)

انظر: الحاوي الكبير، للماوردي 7/ 392.

(5)

المغني، لابن قدامة 5/ 322.

(6)

انظر: التاج والإكليل، للمواق 7/ 500، مواهب الجليل، للحطاب 5/ 394.

(7)

انظر: روضة الطالبين، للنووي 5/ 174، تحفة المحتاج، للهيتمي 6/ 125.

ص: 319

القول الثاني: إن تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة لا يجوز إذا كان بلفظ السلم، ويجوز إذا كان بغير لفظ السلم. وهو وجه عند الشافعية

(1)

، ومذهب الحنابلة

(2)

.

القول الثالث: إن تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة يجوز مطلقًا. وهو وجه عند الحنابلة

(3)

.

دليل القول الأول: أن الإجارة الموصوفة في الذمة سلم في المنافع، فيشترط فيها تعجيل الأجرة كالسلم في الأعيان يشترط فيه تعجيل الثمن

(4)

.

يناقش: بالفرق بين بيع الأعيان وبيع المنافع؛ فالأول يشترط فيه تسليم أحد العوضين، أما المنافع فلا يشترط لها ذلك، ويجوز فيها تأجيل الأجرة والمنفعة في إجارة العين المعينة، والموصوفة في الذمة مثلها، فيجوز تأجيل الأجرة فيها إلى استيفاء المنفعة.

دليل القول الثاني: أن الإجارة الموصوفة في الذمة إذا كانت بلفظ السلم تأخذ حكم السلم في وجوب تعجيل الأجرة في مجلس العقد، فاللفظ له تأثير على الحكم

(5)

.

يناقش: بعدم التسليم؛ فبيع المنافع يسمى إجارة وله أحكامه الخاصة به، ولا يأخذ أحكام السلم وإن جرى بلفظه، كما أنه لو باع موصوفًا في الذمة بلفظ الإجارة لا تجري عليه أحكام الإجارة، بل أحكام السلم، فالعبرة في العقود بالمعاني، لا بالألفاظ والمباني.

(1)

انظر: المهذب، للشيرازي 2/ 252، مغني المحتاج، للشربيني 3/ 443.

(2)

انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 252، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 564.

(3)

انظر: الكافي، لابن قدامة 2/ 175، النكت، لابن مفلح 1/ 273.

(4)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 236، جواهر العقود، للأسيوطي 1/ 209.

(5)

انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 252، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 613.

ص: 320

دليل القول الثالث: أن الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة عوض في إجارة، فجاز تأجيله، كما لو كان الإجارة على عين معينة

(1)

.

نوقش: بـ"أنه قياس مع الفارق، فالإجارة في الأعيان تكون العين حاضرة، يتم استيفاء المنفعة منها حال سريان العقد، وهي أحد العوضين، فجاز تأخير العوض الثاني وهي الأجرة، وهذا بخلاف إجارة الذمة، فاستيفاء المنفعة فيها مؤجل"

(2)

.

يجاب: بعدم التسليم أن استيفاء المنفعة في العين الحاضرة يكون حال سريان العقد، بل يجوز تأجيل العوضين في إجارة العين الحاضرة وهما المنفعة والأجرة، فكما يجوز تأجيل العوضين في العين الحاضرة يجوز في الإجارة الموصوفة في الذمة، والأجرة مقابل المنفعة، يجوز تأجيلها حتى يستوفي المنفعة.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، ودليل كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الثالث القائل بجواز تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة؛ وذلك لأن لبيع المنافع أحكامًا خاصة بها، وتسمى إجارة، ومنها جواز تأجيل البدلين، ولا تقاس على بيع الأعيان لاختلافها عنها.

‌الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في الإجارة الموصوفة في الذمة

على القول الراجح الذي يجيز الإجارة الموصوفة في الذمة فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الإجارة الموصوفة في الذمة لتحقق مصالح للمؤجر والمستأجر؛ فالمؤجر يضمن تأجير العين قبل وجودها، وحصوله على النقد عاجلًا أو مقسطًا قبل تسليم العين، وأن

(1)

انظر: الكافي، لابن قدامة 2/ 175، النكت، لابن مفلح 1/ 273.

(2)

أحكام التمويل المصرفي، لآل فريان 1/ 360.

ص: 321

العين مسجلة باسمه وبإمكانه أن يبيعها، أو أن يبرم عقد إجارة جديدًا بعد انتهاء المدة المحددة، والمستأجر ينتفع بأنه قد لا يجد النقد لبناء عين ذات مواصفات معينة، فيتمكن عن طريق الإجارة الموصوفة في الذمة من أن يتعاقد مع مؤجر مقتدر يحقق له ذلك، وأن المؤجر يظل مسؤولًا عن العين المؤجرة، ويتطلب منه الاهتمام بالعين وإبرام العديد من العقود كعقود الصيانة الإصلاحية، والصيانة الطارئة، وغيرها، إلى غير ذلك من المصالح التي تعود للطرفين المتعاقدين، وللاقتصاد العام كله

(1)

، أما على القول الذي يحرم الإجارة الموصوفة في الذمة، فإن الهندسة المالية فيها لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمه؛ لأن المنافع عندهم لا تعد أموالًا، ولا تثبت في الذمة.

(1)

انظر: مميزات عقود الإجارة على عقود البيع للمؤسسات المالية الإسلامية والعملاء، لمحمد الطبطبائي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة الثامنة عشرة، العدد الرابع والخمسون، 1424 هـ، ص 125 - 153.

ص: 322

‌الفصل الثاني: تطبيقات معاصرة للهندسة المالية الإسلامية

وفيه ثمانية مباحث:

المبحث الأول: السلم الموازي.

المبحث الثاني: الاستصناع الموازي.

المبحث الثالث: الصكوك الإسلامية.

المبحث الرابع: التورق المصرفي.

المبحث الخامس: المرابحة للآمر بالشراء.

المبحث السادس: الإجارة المنتهية بالتمليك.

المبحث السابع: المشاركة المنتهية بالتمليك.

المبحث الثامن: بطاقات الائتمان.

ص: 323

‌المبحث الأول:

السَّلَم الموازي

‌المطلب الأول: تعريف السَّلَم الموازي

قبل تعريف مصطلح السَّلَم الموازي، لابد من تعريف السلم أولًا، ثم تعريف كلمة الموازي ثانيًا ثم نعرف مصطلح السلم الموازي المركب منهما.

فالسَّلم في اللغة والسلف بمعنى واحد وهو الإعطاء والتقديم

(1)

، "وسمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقديمه"

(2)

، والسلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق

(3)

.

وأما السلم في الاصطلاح فقد اختلف الفقهاء في تعريفه تبعًا لاختلافهم في بعض شروطه، فعرفه الحنفية بأنه:"أخذ عاجل بآجل"

(4)

، أو "بيع آجل بعاجل"

(5)

. ورُد هذا التعريف بأنه غير مانع؛ لأنه يدخل فيه جميع صور البيع إلى أجل

(6)

، ولم يبين أن المبيع موصوف في الذمة

(7)

.

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 3/ 90، لسان العرب، لابن منظور 12/ 295، المصباح المنير، للفيومي 1/ 286.

(2)

المبدع، لابن مفلح 4/ 170 - 171.

(3)

انظر: الحاوي، للماوردي 5/ 388، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 87.

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي 12/ 124، الهداية، للمرغيناني 3/ 74، تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 110.

(5)

انظر: العناية، للبابرتي 7/ 69، البناية، للعيني 8/ 327، البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 168.

(6)

انظر: العناية، للبابرتي 7/ 69، البحر الرائق، لابن نجيم 6/ 168.

(7)

انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، ص 479.

ص: 325

وأما المالكية فقد قال القرطبي

(1)

: "حد علماؤنا رحمة الله عليهم السلم فقالوا: هو بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة بعين حاضرة، أو ما هو في حكمها، إلى أجل معلوم"

(2)

، والمالكية يرون جواز تأخير رأس مال السلم إلى ثلاثة أيام

(3)

بناءً على قاعدة: "أن ما قرب من الشيء فحكمه حكمه"

(4)

؛ لذلك قال في التعريف: "حاضرة أو ما هو في حكمها".

وعرف الشافعية السلم بأنه: "عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلًا"

(5)

، والشافعية يرون جواز السلم الحال، لذلك لم ينصوا في التعريف على كون السلم مؤجلًا، بعكس الحنابلة الذين نصوا على ذلك في تعريف السلم فعرفوه بأنه:" عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد"

(6)

، فلا بد أن يكون السلم مؤجلًا خلافًا للشافعية، ورأس مال السلم في مجلس العقد خلافًا للمالكية، والحنفية يوافقون الحنابلة في اشتراط تعجيل رأس مال السلم في مجلس العقد، وتأجيل المسلم فيه

(7)

.

وتعريف الشافعية أجود؛ لأنه عام وخال من القيود، بعكس تعريف السلم في المذاهب الأخرى ففيه قيود تخص المذهب، ولا يدخل فيه تعريف السلم في غير المذهب.

(1)

هو محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، من كبار المفسرين، واشتهر بالصلاح، والتعبد، ومن أهم تصانيفه تفسير القرآن، المسمى بـ"جامع أحكام القرآن والمبين لماتضمن من السنة وآي القرآن"، وهو من أجل التفاسير وأعظمها نفعاً، توفي سنة 671 هـ. انظر: الديباج المذهب، لابن فرحون، ص 317، شذرات الذهب، لابن العماد 7/ 584.

(2)

الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 3/ 378.

(3)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 80، الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبدالبر 2/ 692.

(4)

الموافقات، للشاطبي 1/ 418. وانظر: القواعد الفقهية، لمحمد الزحيلي 2/ 893.

(5)

انظر: فتح العزيز، للرافعي 9/ 207، روضة الطالبين، للنووي 4/ 3.

(6)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 5/ 84، الإقناع، للحجاوي 2/ 133.

(7)

انظر: المبسوط، للسرخسي 12/ 127، الاختيار، للموصلي 2/ 36

ص: 326

والموازاة تعني المقابلة، والمواجهة، والمحاذاة

(1)

، وربما أبدلت الواو همزة فقيل آزاه

(2)

. وهي في الاصطلاح بمعناها اللغوي.

أما تعريف مصطلح السلم الموازي، فقد عرف بعدة تعريفات، منها:"استخدام صفقتي سلم متوافقتين، دون ربط بينهما"

(3)

، وانتقد هذا التعريف بأنه غير مانع؛ فهو يشمل بالإضافة للسلم الموازي عقد السلم الأول

(4)

.

وعرف بأنه: "عقد السلم الذي يكون فيه البنك بائعًا من جنس ما يكون قد اشتراه مسلمًا، وليس عين ما تعاقدا عليه"

(5)

، ويؤخذ على هذا التعريف بأنه غير جامع؛ لأنه لم يبين مع من يكون العقد الثاني، وهل هناك ارتباط بين العقدين أو لا؟.

ولعل أقرب تعريف للسلم الموازي ما جاء في المعايير الشرعية، وهو: "أن يدخل المسلم إليه في عقد سلم مستقل مع طرف ثالث للحصول على سلعة مواصفاتها مطابقة للسلعة المتعاقد على تسليمها في السلم الأول؛ ليتمكن من الوفاء بالتزامه فيه

دون أن يعلق العقد الثاني على نفاذ العقد الأول"

(6)

.

(1)

انظر: المحكم، لابن سيده 3/ 495، لسان العرب، لابن منظور 14/ 32، المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى وآخرين 2/ 1030.

(2)

انظر: المصباح المنير، للفيومي 2/ 658.

(3)

السلم وتطبيقاته المعاصرة، للضرير، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، ص 282.

(4)

انظر: أحكام التمويل المصرفي المشترك، لآل فريان 1/ 456.

(5)

المعايير الشرعية لصيغ التمويل المصرفي اللاربوي، لمحمد القري وآخرين، ص 111. نقلًا من كتاب أحكام التمويل المصرفي المشترك، لآل فريان 1/ 456.

(6)

المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 141. ذكر مثالًا في التعريف؛ ورغبة في الاختصار لم أذكره.

ص: 327

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في السلم الموازي

تبين فيما سبق أن عقد السلم تمت هندستة وتطويره بعدما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجعل له مقدارًا معلومًا، وأجلًا معلومًا؛ كي يشتمل العقد على المصالح المبتغاة منه، وتندفع المفاسد التي تحصل بسبب الجهل بالمقدار، أو بأجل التسليم

(1)

، والسلم الموازي تطوير آخر وهندسة مالية إسلامية لعقد السلم؛ للمصالح التي يحققها السلم الموازي فهو "أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي، وفي نشاطات المصارف الإسلامية، من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة"

(2)

؛ بحيث يشتري المصرف سلعة موصوفة في الذمة إلى أجل، من المنتجات الزراعية أو الصناعية، أو غيرها مما يمكن ضبط صفته، وفي الفترة بين عقد السلم وقبض المسلم فيه يقوم المصرف بإنشاء عقد آخر مستقل يبيع فيه سلعة مماثلة وبشروط مماثلة للسلعة التي اشتراها في عقد السلم الأول، دون أن يربط بين العقدين، مثلًا يشتري كمية محددة من القطن من المزارعين، ثم يقوم بإنشاء عقد جديد مع مصانع الغزل، والنسيج فيبيع لهم عن طريق عقد السلم قطنًا بذات المواصفات في المبيع الأول، دون أن يعلق عقدًا على عقد

(3)

.

أو يقوم المصرف بعقد سلم على بيع سلعة موصوفة في الذمة إلى أجل، ثم يشتري بعقد سلم آخر من طرف ثالث سلعة بنفس المواصفات والشروط التي باعها في السلم الأول، دون أن يكون هناك ربط بين العقدين، فكل عقد مستقل عن العقد الآخر

(4)

.

(1)

انظر ص 38 من هذا البحث.

(2)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة، العدد التاسع، رقم 89/ 2.

(3)

انظر: قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 79، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 141، عقد السلم، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 216.

(4)

عقد السلم، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 216.

ص: 328

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في السلم الموازي

الفرع الأول: حكم السلم، والسلم الموازي

المسألة الأولى: حكم السلم

أجمع العلماء على جواز السلم

(1)

، واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:

الدليل الأول: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية: أن الآية دلت على جواز الدَين، والسلم نوع من أنواع الديون

(3)

، وقد جاء في مصنف عبدالرزاق وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إِلَى أَجَلٍ قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَأَذِنَ فِيهِ، ثم قرأ هذه الآية"

(4)

.

(1)

ممن نقل الإجماع: الزيلعي، والشافعي، والقرافي، وابن تيمية، وغيرهم. انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 110، الأم، للشافعي 3/ 94، الذخيرة، للقرافي 5/ 224، مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 495، موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 587 - 592.

(2)

سورة البقرة، الآية 281.

(3)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 94.

(4)

مصنف عبدالرزاق، كتاب البيوع، باب لاسلف إلا إلى أجل مسمى، برقم 14064، مصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، السلف في الطعام والتمر، برقم 22319. المستدرك على الصحيحين، للحاكم، كتاب التفسير، من سورة البقرة، برقم 3130، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ورواه البخاري معلقا في كتاب السلم، باب السلم إلى أجل معلوم. وانظر: تغليق التعليق، لابن حجر 3/ 276.

ص: 329

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:"قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» " متفق عليه

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون السلم في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم؛ دلالة على جوازه بهذه الشروط.

الدليل الثالث: عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى، رضي الله عنهما، قالا:«كُنَّا نُصِيبُ المَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي الحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى» رواه البخاري

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعاملون بالسلم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينههم عنه؛ مما يدل على جوازه.

الدليل الرابع: إجماع العلماء على جواز السلم

(3)

، قال ابن المنذر:" أجمع أهل العلم على أن من باع معلوماً من السلع، بمعلوم من الثمن، على أجل معلوم من شهور العرب، أو إلى أيام معروفة العدد، أن البيع جائز، وكذلك قالوا في السلم إلى الأجل المعلوم"

(4)

.

المسألة الثانية: حكم السلم الموازي

اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم السلم الموازي على قولين:

(1)

سبق تخريجه ص 38.

(2)

كتاب السلم، باب السلم إلى أجل معلوم، برقم 2254.

(3)

انظر: موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 587 - 592.

(4)

الإشراف، لابن المنذر 6/ 104. وانظر: الإجماع، لابن المنذر، ص 134.

ص: 330

القول الأول: جواز السلم الموازي إذا تحقق فيه الفصل بين العقدين. وهذا رأي جمهور الفقهاء المعاصرين

(1)

، بل قال الدكتور نزيه حماد:"وهذا السلم الموازي لا خلاف بين الفقهاء في جوازه ومشروعيته"

(2)

.

القول الثاني: منع السلم الموازي إلا للضرورة. وهو رأي الدكتور الصديق الضرير

(3)

.

أدلة القول الأول:

أدلة القول الأول هي أدلة السلم السابقة، وعدم وجود دليل يمنع من السلم الموازي

(4)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن السلم الموازي يتخذ حيلة للربا، وبخاصة إذا اتخذ هذا الأسلوب من السلم المتوازي بقصد التجارة والربح، وتكرر السلم المتوازي للمعاملة الأولى

(5)

.

(1)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، رقم 89/ 2، توصيات وفتاوى مؤتمر المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية، المنعقد بالمركز الثقافي الإسلامي، الجامعة الأردنية 21 - 23 ذو القعدة 1414 هـ، قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 79، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 134، عقد السلم، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 216.

(2)

السلم وتطبيقاته المعاصرة، لنزيه حماد، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، ص 443.

(3)

انظر: مداخلة الصديق الضرير في مناقشات بحوث السلم في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، ص 457.

(4)

انظر: السلم وتطبيقاته المعاصرة، لنزيه حماد، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، ص 443.

(5)

انظر: مداخلة الصديق الضرير في مناقشات بحوث السلم في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، ص 457.

ص: 331

يناقش: بأن لجواز السلم الموازي شروطًا لا بد من مراعاتها، كما أن للسلم شروطًا لابد من مراعاتها، والبيع في السلم الموازي الثاني لموصوف في الذمة غير المسلم فيه الأول، فالعقدان غير مرتبطين، والتحايل في السلم الموازي على الربا وعلى المحظور عمومًا، لا يكون سببًا لمنعه من أصله؛ لأن السلم أيضًا قد يتخذ حيلة على المحظور، ومع ذلك لم يمنعه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل الأصل جواز السلم، والمعاملة التي يتحايل فيها على المحظور هي التي تمنع، وقصد الربح والتجارة في السلم الموازي جائز، كما أن قصد الربح والتجارة في السلم جائز، فالسلم الموازي لا يخرج عن السلم، ومن منعه فعليه أن يمنع السلم.

الدليل الثاني: أن في السلم الموازي ضررًا يصيب المستهلك من ارتفاع سعر السلعة قبل أن تصل إليه، بسبب انتقالها لأكثر من تاجر

(1)

.

نوقش: بأن الضرر الذي يوجد في ارتفاع سعر السلعة بسبب انتقالها لأكثر من تاجر في السلم الموازي يوجد في التجارة والبيع عمومًا، فقد يرتفع سعر بعض السلع بسبب انتقالها لأكثر من تاجر، ومع ذلك لا تمنع التجارة أو البيع بسبب ذلك، وهذا الضرر يقابله مصالح أكبر للمصارف الإسلامية، وللتجار، وللمستهلكين، ويؤدي إلى نهضة اقتصادية

(2)

.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلتها، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي -والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل أن السلم الموازي جائز إذا تحقق فيه الفصل بين العقدين؛ وذلك لقوة أدلته مقابل ضعف أدلة القول الثاني أمام ما ورد عليها من المناقشة، ولأن الأصل في المعاملات الصحة والجواز، وللمصالح الاقتصادية التي يحققها السلم الموازي فقد جاء في

(1)

انظر: مداخلة الصديق الضرير في مناقشات بحوث السلم في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، ص 457.

(2)

انظر: المصالح المرسلة وأثرها في المعاملات، للعمار، ص 292 - 293.

ص: 332

مؤتمر المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية: "ويوصي المؤتمر المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية بإحياء هذين العقدين-السلم والاستصناع- في التمويل؛ لما يترتب عليهما من مصالح في تنشيط التجارة، والصناعة، والزراعة"

(1)

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في السلم الموازي

على القول الراجح الذي عليه جمهور العلماء المعاصرين فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت السلم الموازي للمصالح الكبيرة التي يحققها، فعن طريق السلم الموازي يتم تمويل المنتجين ليحققوا نفعًا بالغًا ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم

(2)

، ويمكن تمويل صغار المنتجين الزراعيين، والصناعيين، عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات، وآلات، أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها

(3)

، إلى غيرها من المصالح؛ فالسلم الموازي"أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية، من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة، سواء أكان تمويلًا قصير الأجل أم متوسطه أم طويله، واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار، واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى"

(4)

، أما على القول الثاني الذي يحرم السلم الموازي فإن الهندسة المالية فيه لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمه؛ لأنها حيلة على الربا.

(1)

توصيات وفتاوى مؤتمر المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية، المنعقد بالمركز الثقافي الإسلامي، الجامعة الأردنية 21 - 23 ذو القعدة 1414 هـ.

(2)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة، العدد التاسع، رقم 89/ 2.

(3)

المرجع السابق.

(4)

المرجع السابق.

ص: 333

‌المبحث الثاني:

الاستصناع الموازي

‌المطلب الأول: تعريف الاستصناع الموازي

قبل تعريف مصطلح الاستصناع الموازي، نعرف الاستصناع أولًا.

فالاستصناع لغة: طلب الصنع، والصنع: الفعل

(1)

، قال ابن فارس:" الصاد والنون والعين أصل صحيح واحد، وهو عمل الشيء صنعا"

(2)

؛ يقال: اصطنع فلان خاتماً إذا سأل رجلاً أن يصنع له خاتماً

(3)

.

والاستصناع اصطلاحًا: "عقد على مبيع في الذمة وشرط عمله على الصانع"

(4)

.

ويعد الاستصناع عند الحنفية عقدًا مستقلًا له أحكامه الخاصة

(5)

، أما المذاهب الفقهية الأخرى فالاستصناع داخل في عقد السلم، ولا يعدونه عقدًا مستقلًا

(6)

.

وقد سبق تعريف كلمة الموازي في المبحث السابق

(7)

.

(1)

انظر: الصحاح، للفارابي 3/ 1245، مختار الصحاح، للرازي، ص 179.

(2)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 3/ 313.

(3)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 8/ 209.

(4)

تحفة الفقهاء، للسمرقندي 2/ 362. وانظر: بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 2، مجلة الأحكام العدلية، ص 31.

(5)

انظر: النتف في الفتاوى، للسغدي 2/ 576، المبسوط، للسرخسي 15/ 84.

(6)

انظر: التاج والإكليل، للمواق 6/ 517، المهذب، للشيرازي 2/ 72، الإنصاف، للمرداوي 4/ 300.

(7)

انظر ص 243 من هذا البحث.

ص: 334

أما الاستصناع الموازي فقد عرف بأنه: "عقد الاستصناع الذي يوقعه المصرف مع الصانع النهائي لتنفيذ المشروع"

(1)

، ويؤخذ على هذا التعريف أنه غير جامع؛ فهو لم يبين وجود عقدين في الاستصناع الموازي؛ عقد يكون فيه البنك صانعًا، وعقد يكون فيه مستصنعًا دون ربط بينهما.

ولعل التعريف الأقرب للاستصناع الموازي هو: إبرام عقدين منفصلين، أحدهما مع العميل يكون المصرف فيه صانعًا، والعقد الآخر مع الصانع يكون البنك فيه مستصنعًا لما طلبه العميل في العقد الأول

(2)

.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في الاستصناع الموازي

في الاستصناع هندسة مالية فهو إما أن يكون تطويرًا لعقد السلم، فالسلم يشترط فيه تعجيل رأس مال السلم، وأما الاستصناع فلا يشترط فيه ذلك

(3)

، أو ابتكارًا لعقد جديد لا علاقة له بالسلم ولا بغيره من العقود

(4)

، والاستصناع الموازي يعد هندسةً وتطويرًا على عقد الاستصناع الأصلي؛ لدوره الكبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة

(1)

المعايير الشرعية لصيغ التمويل المصرفي اللاربوي، لمحمد القري وآخرين، ص 78. نقلًا من كتاب أحكام التمويل المصرفي المشترك، لآل فريان 1/ 428.

(2)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 158.

(3)

انظر: العناية، للبابرتي 7/ 116.

(4)

انظر: عقد الاستصناع، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 227، عقد الاستصناع، للزرقا، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 744.

ص: 335

للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي؛ بحيث يتم إبرام عقدين كل عقد منهما منفصل عن العقد الآخر، يكون المصرف صانعًا في عقد ومستصنعًا في العقد الآخر لما طلبه العميل بنفس المواصفات المحددة في العقد الأول، فللمصرف أن يبرم عقد استصناع بصفته مستصنعًا مع الصانع للحصول على مصنوعات منضبطة بالصفة، ثم يبيع لطرف آخر بعقد استصناع مواز مصنوعات مطابقة للصفات التي تم تحديدها في العقد الأول، أو يبرم عقد استصناع بصفته صانعًا، ثم يتعاقد مع صانع بعقد استصناع مواز لشراء المصنوعات التي تم تحديدها في العقد الأول، دون ربط بين العقدين

(1)

.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في الاستصناع الموازي

الفرع الأول: حكم الاستصناع، والاستصناع الموازي

المسألة الأولى: حكم الاستصناع

اختلف الفقهاء في حكم الاستصناع على قولين:

القول الأول: عدم جواز عقد الاستصناع. وهو مذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، والظاهرية

(5)

.

(1)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 150.

(2)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 68 - 69، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 539 - 540.

(3)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 95، المهذب، للشيرازي 2/ 72.

(4)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 300، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 165.

(5)

انظر: المحلى 8/ 46.

ص: 336

القول الثاني: جواز عقد الاستصناع. وهو مذهب الحنفية

(1)

، وقول عند الحنابلة

(2)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال:"يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» "رواه أبو داود وغيره

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند البائع، وقد أجمع العلماء على ذلك

(4)

، والاستصناع بيع لما ليس عند البائع، فهو داخل في النهي

(5)

.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي 12/ 138، بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 209.

(2)

انظر: الإنصاف، للمرداوي 4/ 300، الاختيارات الجلية في المسائل الخلافية بحاشية نيل المآرب، للبسام 3/ 25، الممتع، لابن عثيمين 10/ 346.

(3)

رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، برقم 3503، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، برقم 1232، والنسائي، كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع، برقم 4613، والطبراني في المعجم الكبير 3/ 207. والحديث ضعيف، فقد روي من عدة أوجه عن حكيم بن حزام، وكلها معلولة، وأصحها من رواية يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام، ويوسف بن ماهك لم يسمع من حكيم بن حزام، كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة، وقد جاء النهي عن بيع ماليس عند البائع من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد سبق في هذا البحث ص 158 بيان ضعف هذه السلسة. انظر: التاريخ الكبير، لابن أبي خيثمة 1/ 157 - 158، جامع التحصيل، للعلائي، ص 305، بيان الوهم والإيهام، لابن القطان 2/ 318، 2/ 320، ميزان الاعتدال، للذهبي 2/ 461، تهذيب التهذيب، لابن حجر 5/ 322،، سنن الترمذي 3/ 527.

(4)

ممن نقل الإجماع: الجصاص، وابن قدامة، وغيرهم. انظر: أحكام القرآن، للجصاص 2/ 189، المغني، لابن قدامة 4/ 155، موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 206.

(5)

انظر: الفروع، لابن مفلح 6/ 147، الإنصاف، للمرداوي 4/ 300.

ص: 337

نوقش: بأن النهي عن بيع ما ليس عند البائع، إذا كانت عينًا معينة يبيعها، وهي ليست ملكه، بل ملك غيره ثم يسعى في تحصيلها، أو بيع ما لا يقدر على تسليمه فيكون قد ضمن له شيئا لا يدري هل يحصل أو لا يحصل؟

(1)

، أما الاستصناع فليس كذلك؛ إذ هو بيع لموصوف في الذمة، وليس بيعًا لعين معينة، ويغلب على الظن حصوله وقت الوفاء؛ لأن الاستصناع لا يكون إلا بما جرى العرف التعامل به، والقدرة على تسليمه

(2)

.

الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» رواه الدارقطني وغيره

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، أي الدين بالدين

(4)

، وأجمع العلماء على النهي عن بيع الدين بالدين

(5)

، وعقد الاستصناع فيه تأجيل البدلين فهو بيع دين بدين

(6)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 29، إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 301.

(2)

انظر: عقد الاستصناع، لبدران، ص 47.

(3)

رواه الدارقطني في سننه، كتاب البيوع، برقم 3060، والحاكم في المستدرك 2/ 65، برقم 2342. والحديث منكر؛ فيه موسى بن عبيده أنكر الأئمة حديثه. وقال الشافعي عن هذا الحديث: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث، وقال أحمد بن حنبل: وليس في هذا حديث صحيح. انظر: العلل، للدارقطني 13/ 193، تهذيب الكمال، للمزي 29/ 109، التلخيص الحبير، لابن حجر 3/ 71، الجامع لعلوم الإمام أحمد 15/ 13 - 14.

(4)

انظر: المدونة، للإمام مالك 3/ 376، المغني، لابن قدامة 4/ 37.

(5)

قال ابن المنذر: " وأجمعوا على أن بيع الدين بالدين لا يجوز" الإجماع، لابن المنذر، ص 132. وانظر: البناية، للعيني 8/ 395، المغني، لابن قدامة 4/ 37.

(6)

انظر: المنتقى، للباجي 4/ 300، التاج والإكليل، للمواق 6/ 476.

ص: 338

نوقش: بأن الحديث ضعيف لايصلح الاحتجاج به

(1)

، وأما الإجماع على أن بيع الدين بالدين لا يجوز، فلا ينطبق على جميع الصور التي يشملها بيع الدين بالدين

(2)

، والمنهي عنه في صورة بيع الدين بالدين هو ما لم يكن للناس به حاجة، أو مصلحة؛ لأن الذمتين تنشغلان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بغير فائدة

(3)

، وهذا بخلاف الاستصناع فإن الحاجة ماسة لتأخير العوضين، والفائدة موجودة في شغل الذمتين، لاسيما في هذا العصر

(4)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: الأحاديث التي وردت في صنع النبي صلى الله عليه وسلم للخاتم، وصنع الصحابة للخواتم، منها: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقِيَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ» فَنَبَذَهُ، فَنَبَذَ النَّاسُ"متفق عليه

(5)

.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

انظر تخريج الحديث.

(2)

انظر: الربا، للسلطان، ص 81 - 95.

(3)

إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 294.

(4)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 525.

(5)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه، برقم 5876، ومسلم، كتاب اللباس، باب طرح خاتم الذهب، برقم 2091.

ص: 339

خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ» متفق عليه

(1)

.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا، قَالَ: «إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلَا يَنْقُشَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ» "متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم استصنعوا الخواتم؛ مما يدل على جواز الاستصناع، وطرح النبي صلى الله عليه وسلم للخاتم؛ لأنه من الذهب، ولا علاقة له بحكم الاستصناع

(3)

.

نوقش: بأنه من المحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم قد دفعوا الثمن في مجلس العقد، فيكون استصناعًا بشرط السلم، أو دفعوا المادة الخام للخاتم، فيكون العقد إجارة لا استصناعاً، وهو جائز عند الجميع

(4)

.

أجيب: بأنه لو وقع شيء من ذلك لنقل إلينا؛ لأن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله، ثم إن كثيرًا من الصحابة فقراء، لا يملكون المادة التي يصنع منها الخاتم

(5)

.

رُد: بأنه لا يصلح الاستدلال بهذه الأحاديث على جواز الاستصناع المؤجل؛ لأن الاستصناع في الذهب والفضة لا يجوز، فإن من المحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه

(1)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب خاتم الفضة، برقم 5868، ومسلم، كتاب اللباس، باب في طرح الخواتم، برقم 2093.

(2)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب الخاتم في الخنصر، برقم 5874، ومسلم، كتاب اللباس، باب لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده، برقم 2092.

(3)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 123، فتح القدير، لابن الهمام 7/ 115.

(4)

الاستصناع، للثبيتي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 1048.

(5)

الاستصناع، للثبيتي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 1048، الشروط التعويضية في المعاملات المالية، لعياد العنزي 1/ 424.

ص: 340

المادة الخام، أو استصنعه والنبي صلى الله عليه وسلم قائم عنده من غير تأجيل، وليس في الحديث ما يدل على أن العقد لم يقع ناجزًا

(1)

.

الدليل الثاني: عن سهل رضي الله عنه، قَالَ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى فُلَانَةَ - امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ - «مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ، أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا، أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ» فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا" متفق عليه

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم استصنع المنبر، وفيه دلالة على جواز الاستصناع

(3)

.

نوقش: بأن المرأة متبرعة، وهي التي طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تعمل له منبرًا، كما جاء عند البخاري عن جابر رضي الله عنه:" أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتِ» فَعَمِلَتِ المِنْبَرَ"

(4)

، "فلما حصل لها القبول أمكن أن يبطئ الغلام بعمله، فأرسل يستنجزها إتمامه لعلمه بطيب نفسها بما بذلته"

(5)

.

الدليل الثالث: أنه لا يكاد يخلو عصر إلى يومنا هذا، إلا وأهل العلم وغيرهم يتعاقدون بالاستصناع على عمل شيء مما يحتاجونه دون نكير من أحد، وهذا إجماع عملي،

(1)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 549.

(2)

رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، برقم 917، ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم 544.

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي 12/ 139، تبيين الحقائق، للزيلعي 4/ 123.

(4)

كتاب الصلاة، باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد، برقم 448.

(5)

فتح الباري، لابن حجر 1/ 544.

ص: 341

وهو من أقوى الحجج على جوازه

(1)

.

نوقش: بأن عمل الناس لا يعد حجة، والذين رأوا عدم الجواز هم الجمهور، وهم أكثر من الذين رأوا جوازه

(2)

.

الدليل الرابع: "أن الحاجة تدعو إليه؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى خف أو نعل من جنس مخصوص، ونوع مخصوص، على قدر مخصوص وصفة مخصوصة، وقلما يتفق وجوده مصنوعًا؛ فيحتاج إلى أن يستصنع، فلو لم يجز؛ لوقع الناس في الحرج"

(3)

.

نوقش: بأن هذا الحرج يمكن أن يرفع بما أباحه الله من العقود؛ كالسلم في الصناعات، والإجارة، والمواعدة

(4)

.

أجيب: بأن الحاجة إلى الاستصناع قائمة والعقود الأخرى لا تفي بحاجة الناس، فالسلم يشترط لصحته تعجيل الثمن، وفيه من المخاطر الشيء الكثير الذي قد يجعل المستصنع في جهد ومشقة بحيث يخشى على ماله المدفوع من الإنكار، ويخشى الغش في المصنوع، والإجارة فيها تقديم المواد الخام، والمستصنع لا دراية عنده بأنواع المواد الخام ومواصفاتها، خاصة في الصناعات الكبيرة؛ كالطيارات، والباخرات، وغيرها، ولو أخل الصانع بالشروط خسر المواد التي قدمها، وربما لم يحض بالتعويض إلا بعد محاكمة قد تطول، والمواعدة فيها خطر على الصانع بأن المستصنع قد لا يفي بما وعد، فيتضرر خاصة

(1)

انظر: فتح القدير، لابن الهمام 7/ 115، مجمع الأنهر، لأفندي 2/ 106، الممتع، لابن عثيمين 10/ 346، عقد الاستصناع، للزرقا، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 744.

(2)

انظر: عقد الاستصناع، للسالوس، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 779.

(3)

بدائع الصنائع، للكاساني 5/ 3.

(4)

انظر: عقد الاستصناع، للسالوس، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 779.

ص: 342

في الصفقات التجارية الضخمة، وقد تعددت سبل الاحتيال والتزوير والغش مما يجعل المال في خطر، والحاجة إلى الاستصناع قائمة؛ لأنه يحمي الصانع والمستصنع من كل هذه الأخطار

(1)

.

الترجيح: بعد عرض القولين الواردين في هذه المسألة، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن القول الراجح هو القول الثاني، القائل بجواز عقد الاستصناع؛ وذلك أن الاستصناع ممنوع للغرر، والحاجة تجيز الغرر بشروط كما سبق بيان ذلك

(2)

، فالحاجة ماسة إلى الاستصناع، وفيه من المصالح الكبيرة للمجتمع، ومنعه يوقع الناس في حرج شديد، خاصة أن الناس في هذا العصر ليسوا كالسابق يستصنعون سيفاً أو آنيةً أو خفاً، بل توسعت دائرة الاستصناع بحيث شملت كل الصناعات الثقيلة، والخفيفة، والمتوسطة، البرية، والبحرية، والجوية؛ كالسيارات والمعدات، والسفن والطائرات ونحوها، وقد وضع العلماء لجوازه شروطًا؛ فجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن عقد الاستصناع:

"1 - إن عقد الاستصناع -وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة- ملزم للطرفين، إذا توافرت فيه الأركان والشروط.

2 -

يشترط في عقد الاستصناع ما يلي: أ - بيان جنس المستصنع، ونوعه، وقدره، وأوصافه المطلوبة.

(1)

انظر: الاستصناع، للثبيتي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 1050، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 526 - 527.

(2)

انظر ص 183 من هذا البحث.

ص: 343

ب - أن يحدد فيه الأجل.

3 -

يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة"

(1)

.

المسألة الثانية: حكم الاستصناع الموازي

الاستصناع الموازي جائز على رأي جمهور الفقهاء المعاصرين المجيزين لعقد الاستصناع الأصلي إذا تم بشروطه

(2)

؛ جاء في مؤتمر المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية: "يرى المؤتمر جواز استعمال السلم الموازي، والاستصناع الموازي

يوصي المؤتمر هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية بوضع النماذج والضوابط لعقدي السلم والاستصناع، وخاصة السلم الموازي والاستصناع الموازي، بما يتفق مع الأحكام الشرعية؛ لئلا يتحول مع التطبيق العملي غير المنضبط إلى الوقوع في المحذورات الشرعية"

(3)

.

والشروط التي يجب مراعاتها كي يتفق عقد الاستصناع الموازي مع الأحكام الشرعية: أن يتم الفصل بين عقدي الاستصناع، وأن يتملك المصرف السلعة تملكًا حقيقيًا قبل

(1)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، 3/ 67.

(2)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، رقم 3/ 67، قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 97، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 150، عقد الاستصناع، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 240، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 534.

(3)

توصيات وفتاوى مؤتمر المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية، المنعقد بالمركز الثقافي الإسلامي، الجامعة الأردنية 21 - 23 ذو القعدة 1414 هـ.

ص: 344

بيعها، وأن يقبضها قبضًا حقيقيًا قبل بيعها، وأن يكون ضمان السلعة عليه تجاه المستصنِع

(1)

.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في الاستصناع الموازي

الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الاستصناع الموازي لدوره الكبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي

(2)

، ويمكن تطبيقه للتمويل في جميع المشاريع الصناعية، ومشاريع البناء ونحوها مما دخلت فيه الصناعة

(3)

، والأمثلة التي يمكن تطبيقها بعقد الاستصناع الموازي كثيرة

(4)

.

(1)

انظر: توصيات وفتاوى مؤتمر المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية، المنعقد بالمركز الثقافي الإسلامي، الجامعة الأردنية 21 - 23 ذو القعدة 1414 هـ، عقد الاستصناع، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 241، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 535، ربح مالم يضمن، للحقيل، ص 366.

(2)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، رقم 3/ 67.

(3)

انظر: بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقره داغي، ص 157.

(4)

انظر: قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 98.

ص: 345

‌المبحث الثالث:

الصكوك الإسلامية

‌المطلب الأول: تعريف الصكوك الإسلامية

الصكوك جمع صك، وهو في اللغة الضرب

(1)

، قال ابن فارس:"الصاد والكاف أصل يدل على تلاقي شيئين بقوة وشدة، حتى كأن أحدهما يضرب الآخر"

(2)

، ويطلق الصك ويراد به الكتاب الذي تكتب فيه المعاملات والأقارير

(3)

، وهو تعريب لكلمة جك الفارسية

(4)

.

أما الصكوك اصطلاحًا؛ فقد عرفت بأنها: "وثائق متساوية القيمة تمثل حصصًا شائعة في ملكية أعيان، أو منافع، أو خدمات، أو موجودات مشروع معين، أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك، وقفل باب الاكتتاب، وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله"

(5)

.

وعرفت بأنها: "أوراق مالية محددة المدة، تمثل حصصًا شائعة في ملكية أعيان، أو منافع، أو خدمات، تخول مالكها منافع، وتحمله مسؤوليات بمقدار ملكيته"

(6)

ويمكن تعريف الصكوك الإسلامية، بأنها: أوراق مالية محددة المدة، تمثل حصصًا شائعةً، قابلة للتداول، وفق الضوابط الشرعية.

(1)

انظر: الصحاح، للفارابي 4/ 1596، لسان العرب، لابن منظور 10/ 456.

(2)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 3/ 276.

(3)

انظر: المصباح المنير، للفيومي 1/ 345، التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي، ص 217.

(4)

انظر: لسان العرب، لابن منظور 10/ 457، تاج العروس، للزبيدي 27/ 243.

(5)

المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 238.

(6)

عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، لحامد ميرة، ص 322.

ص: 346

ويطلق مصطلح السندات ويراد بها الصكوك، إلا أن الغالب إطلاق مصطلح الصكوك على السندات الشرعية، للتفريق بينها وبين السندات المحرمة

(1)

.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في الصكوك الإسلامية

السندات وثيقة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع فائدة متفق عليها، أو ترتيب نفع مشروط

(2)

، فالسند عبارة عن معاملة ربوية

(3)

، أما الصك فيمثل حصة شائعة، وحامله ممول للمشروع، أو النشاط الاستثماري، وعوائده ناشئة عن ربح، أو غلة العقود التي بنيت هيكلة الصكوك عليها، فلحامله غنمه، وعليه غرمه

(4)

، فالصكوك تطوير وهندسة مالية إسلامية للسندات، وهو من أحسن البدائل لها متى ما روعيت فيه الضوابط الشرعية

(5)

.

وللصكوك أنواع متعددة بحسب العقد المراد تصكيكه، ويمكن إصدارها بجميع صيغ العقود الإسلامية من مضاربة، وإجارة، ومرابحة، وسلم، واستصناع، ومزارعة

(6)

.

(1)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 238، قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع، رقم 8/ 88.

(2)

انظر: الأسهم والسندات، للخليل، ص 291.

(3)

انظر: فتاوى اللجنة الدائمة 14/ 353.

(4)

انظر: عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، لحامد ميرة، ص 323، ربح مالم يضمن، للحقيل، ص 384

(5)

انظر: الأسهم والسندات، للخليل، ص 329.

(6)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 238 - 239.

ص: 347

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في الصكوك الإسلامية

الفرع الأول: حكم الصكوك الإسلامية

الصكوك الإسلامية بديل شرعي عن السندات، وهي جائزة بالإجماع متى ما تم فيها مراعاة الضوابط الشرعية

(1)

؛ جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن السندات: "من البدائل للسندات المحرمة -إصدارًا أو شراءً أو تداولًا- السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين؛ بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلًا"

(2)

.

وتختلف أحكام الصك تبعًا لاختلاف العقد أو الصيغ الاستثمارية التي صدر الصك على أساسها، فصكوك المضاربة تحكمها أحكام المضاربة، وصكوك الإجارة تحكمها أحكام الإجارة، وصكوك المزارعة تحكمها أحكام المزارعة، وهكذا في سائر العقود الإسلامية

(3)

، وبما أن الصكوك الإسلامية بديل شرعي عن السندات الربوية فلابد أن تبتعد كل البعد عن التعامل بالربا؛ لذا يجب أن يتم مراعاة الأمور التالية:

الأمر الأول: إذا كان التداول قبل العمل في المشروع فتطبق عليه أحكام الصرف؛ لأنه مبادلة مال بمال

(4)

.

(1)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع، رقم 8/ 88، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 240، بحوث في الاقتصاد الإسلامي، للقره داغي، ص 302، عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، لحامد ميرة، ص 322، الأسهم والسندات، للخليل، ص 329.

(2)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، رقم 11/ 62.

(3)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، للنعيمي، ص 199.

(4)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع، رقم 8/ 88، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 243، الأسهم والسندات، للخليل، ص 328.

ص: 348

الأمر الثاني: إذا كان التداول بعد العمل بالمشروع وموجوداته ديونًا فيأخذ أحكام التعامل بالديون

(1)

، أما إذا كانت موجودات المشروع مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع؛ فإنه يجوز تداول الصكوك وفقاً للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب فيها الأعيان والمنافع

(2)

.

الأمر الثالث: لا يجوز أن يضمن مصدر الصك رأس المال بأن يتعهد بشرائها من حملتها بالقيمة الاسمية بعد الإصدار، أو أن يضمن له ربحًا مقطوعًا أو منسوبًا إلى رأس المال، فلا بد من الاستواء في المغنم والمغرم

(3)

.

الأمر الرابع: لا يجوز إصدار صكوك لا يتصور دخولها في ملكية حملة الصك، كمرافق الدولة التي لا يمكن أن تتنازل عنها؛ لأن البيع سيكون صوريًا، والربح الحاصل لحامل الصك ربح مالم يضمن

(4)

.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في الصكوك الإسلامية

الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الصكوك الإسلامية للمصالح الكبيرة التي تقدمها؛ فهي أداة مهمة لتنشيط الاقتصاد الإسلامي

(5)

؛ فالصكوك تسد الحاجات التمويلية لبناء المشاريع بكافة ألوانها، وتستوعب فوائض الأموال، وتفتح للناس مجالات استثمارية

(1)

المراجع السابقة.

(2)

المراجع السابقة.

(3)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع، رقم 8/ 88، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 244، ربح مالم يضمن، للحقيل، ص 387.

(4)

انظر: ربح مالم يضمن، للحقيل، ص 389.

(5)

انظر: بحوث في فقه البنوك الإسلامية، للقره داغي، ص 291.

ص: 349

واسعة لتوظيفها في مشاريع تنموية

(1)

، وتنوع المعروض في الأسواق المالية

(2)

، مع اطمئنان حاملها بمشروعيتها، ومخاطرها المنخفضة

(3)

، إلى غير ذلك من المصالح التي تحققها الصكوك الإسلامية

(4)

.

(1)

انظر: عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، لحامد ميرة، ص 327.

(2)

انظر: الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، للنعيمي، ص 201.

(3)

انظر: عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، لحامد ميرة، ص 328.

(4)

المرجع السابق، ص 325 - 328.

ص: 350

‌المبحث الرابع:

التورق المصرفي

‌المطلب الأول: تعريف التورق المصرفي

سبق تعريف التورق لغة واصطلاحًا، أما التورق المصرفي فقد جاء تعريفه في المجمع الفقهي الإسلامي بأنه:"قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف -إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق"

(1)

.

وعرف أيضًا بأنه: "قيام البائع (المصرف) بترتيب عملية التورق للمشتري؛ بحيث يبيع سلعة على المتورق بثمن آجل، ثم ينوب البائع عن المشتري ببيع السلعة نقدًا على طرف آخر"

(2)

.

والتعريفان متقاربان إلا أن التعريف الأول أدق وأضبط؛ لأنه نص على إن العمل الذي يقوم به المصرف في ترتيب بيع السلعة نمطي، وإن السلعة التي يتم بيعها ليست من الذهب أو الفضة.

(1)

قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19 - 23/ 10/ 1424 هـ.

(2)

قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، للسويلم، ص 380.

ص: 351

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في التورق المصرفي

سبق بيان أن التورق الفردي يعد هندسةً ماليةً وتطويرًا ومخرجًا شرعيًا من الوقوع في الربا، والتورق المصرفي فيه تطوير وهندسة مالية على التورق الفردي في توسط البائع (المصرف) في أن يبيع السلعة بنقد عن المتورق بدلًا من أن يبيعها المتورق بنفسه؛ لتقليل الخسارة على العميل المتورق، ولسرعة إنجاز المعاملة

(1)

، ويستلم المتورق النقد من البائع بعدما صار مدينًا له بالثمن الآجل وقد كان في التورق الفردي يستلمها من المشتري النهائي مباشرة

(2)

.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في التورق المصرفي

الفرع الأول: حكم التورق المصرفي

اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التورق المصرفي على قولين:

القول الأول: أن التورق المصرفي محرم. وهو رأي جمهور المعاصرين

(3)

.

(1)

انظر: بيع العينة والتورق، لهناء الحنيطي، ص 261.

(2)

المرجع السابق، ص 381.

(3)

انظر: قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19 - 23/ 10/ 1424 هـ، قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التورق حقيقته وأنواعه، قرار رقم 179 (5/ 19)، أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 416، 485، 533، 607، فقه المعاملات المالية المعاصرة، للخثلان، ص 122، بيع العينة والتورق، لهناء الحنيطي، ص 201 - 202.

ص: 352

القول الثاني: أن التورق المصرفي جائز. وهو رأي بعض المعاصرين

(1)

.

أدلة القول الأول: استدل بعض أصحاب هذا القول بالأدلة التي تمنع التورق، وقد سبق بيانها وبيان المناقشات الواردة عليها، واستدل الذين يرون جواز التورق الفردي، وتحريم التورق المصرفي، بأن التورق المصرفي تكتنفه بعض المحاذير الشرعية التي تجعله ممنوعًا، وهي:

1 -

أن التنظيم في عملية التورق بتوسط المصرف في أن يبيع السلعة وكالة عن المشتري، يؤول إلى ربح مالم يضمن، فليس هناك تملك حقيقي للسلعة ولا قبض حقيقي؛ لأنه ليس للبائع والمشتري غرض في قبض السلعة أو تملكها؛ فهم لا يقومون بتمييزها أو تقييمها، والصورية ظاهرة فيها، والاحتيال، والمخالفة في البيع

(2)

.

2 -

"أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر، أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة"

(3)

.

(1)

منهم ابن منيع، ومحمد العثماني، ومحمد القري، ونزيه حماد. انظر: أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 359، 392، 644، في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، ص 184.

(2)

انظر: ربح مالم يضمن، للحقيل، ص 349، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، للسعيدي، بحث منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 530

(3)

قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19 - 23/ 10/ 1424 هـ.

ص: 353

3 -

أن المعاملة يكتنفها الكثير من الغموض في الجانب المتعلق بالسوق الدولية على نحو لا تكتشفه حتى الهيئات الشرعية في البنك

(1)

.

4 -

أن واقع هذه المعاملة حيلة للتوصل للربا تقوم على منح تمويل نقدي بزيادة للعميل فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه، والتي هي صورية في معظم أحوالها

(2)

.

أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة التي تدل على جواز التورق الفردي، وقد سبق بيانها، وأضافوا على ذلك:

الدليل الأول: أن التورق المصرفي معاملة مستحدثة، والأصل في المعاملات الإباحة إلا ما دل الدليل على منعه، وتحقق الغرض المنشود من التورق الفردي بتكلفة أقل، ودون مشقة أو عناء، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح

(3)

.

يناقش: بأن المفاسد في التورق المصرفي أكثر من المصالح التي يحققها، فهو من قبيل المصلحة الملغاة، وقد دلت أدلة القول الأول على منعه.

(1)

انظر: التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، للسعيدي، بحث منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 530

(2)

انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، للسويلم، ص 407، قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19 - 23/ 10/ 1424 هـ.

(3)

انظر: في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، ص 178 - 179.

ص: 354

الدليل الثاني: أنه لا فرق بين التورق الفردي، والتورق المصرفي

(1)

.

نوقش: بالفرق بين التورق الذي تكلم عنه الفقهاء المتقدمون، والتورق المصرفي؛ جاء في قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر: "وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء

فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف"

(2)

.

الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح أن التورق المصرفي محرم؛ وذلك للمحاذير التي ذكرها أصحاب القول الأول، ومتى تم الابتعاد عن هذه المحاذير الشرعية، وضبط التورق المصرفي بالضوابط الشرعية، فلا مانع من القول بجوازه، بأن تكون تلك السلع مملوكة للشركة، ومتعينة لها بموجب الوثائق المعينة لها قبل بيعها للعميل، وألا يكون العميل الذي تبيع عليه الشركة

(1)

انظر: حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، للمنيع، بحث منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ، 2/ 359.

(2)

قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19 - 23/ 10/ 1424 هـ.

ص: 355

السلعة آجلًا، هو الذي باع السلعة بصفته مالكًا لها أو لأكثرها؛ لئلا يكون ذلك من بيع العينة، وألا يكون هناك مواطأة أو حيلة على التمويل بالفائدة الربوية

(1)

. وهذا يحتاج لوجود هيئة شرعية مع جهاز رقابة يزود الهيئة بتقارير دورية عن مدى التزام المصرف بالضوابط الشرعية، والبعد عن المحاذير الشرعية

(2)

.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في التورق المصرفي

على القول الذي يجيز التورق المصرفي فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت التورق المصرفي للمصالح التي يحققها للمصرف وللعميل من تقليل الخسارة على العميل، وسرعة إنجاز المعاملة

(3)

، وانتفاع المصرف بكثرة العملاء الذين سيتعاملون معه للحصول على النقد بأقل تكلفة، ودون مشقة أو عناء

(4)

، إلى غير ذلك من المصالح

(5)

، أما على القول الراجح الذي يحرم التورق المصرفي فإن الهندسة المالية فيه لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمه؛ لأنها عبارة عن حيلة ربوية، ولا يختلف التورق المصرفي عن بيع العينة، ولا يتم فيه ملك حقيقي للسلع أو قبض حقيقي لها، إلى غير ذلك من المحاذير الشرعية.

(1)

انظر: قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 2/ 798.

(2)

انظر: فقه المعاملات المالية المعاصرة، للخثلان، ص 126.

(3)

انظر: بيع العينة والتورق، لهناء الحنيطي، ص 261.

(4)

انظر: في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، ص 179.

(5)

انظر: التورق الفقهي وتطبيقاته المعاصرة، لعثمان شبير، ص 22، بيع العينة والتورق، لهناء الحنيطي، ص 261 - 262.

ص: 356

‌المبحث الخامس:

بيع المرابحة للآمر بالشراء

‌المطلب الأول: تعريف بيع المرابحة للآمر بالشراء

سبق تعريف البيع لغة واصطلاحًا

(1)

. أما المرابحة في اللغة فهي على وزن مفاعلة من الربح، وهو النماء في التجارة، والزيادة والفضل

(2)

، فـ"الراء والباء والحاء أصل واحد، يدل على شف في مبايعة"

(3)

، والشف الزيادة والفضل

(4)

.

والمرابحة في الاصطلاح: "البيع برأس المال وربح معلوم"

(5)

. وتعريفات المرابحة في المذاهب الفقهية قريبة من هذا المعنى

(6)

.

أما بيع المرابحة للآمر بالشراء فقد عرف بأنه: طلب شخص يسمى الآمر، من آخر يسمى المأمور، بأن يشتري له سلعة، ويعده بأنه إذا قام بشرائها، سيشتريها منه، ويربحه فيها مقدارًا محددًا

(7)

.

(1)

انظر ص 204 من هذا البحث.

(2)

انظر: العين، للفراهيدي 6/ 221، لسان العرب، لابن منظور 2/ 442.

(3)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 474.

(4)

انظر: مجمل اللغة، لابن فارس 1/ 497، تاج العروس، للزبيدي 23/ 519.

(5)

المغني، لابن قدامة 4/ 136.

(6)

انظر: بداية المبتدي، للمرغيناني، ص 137، الشرح الكبير، للدردير 3/ 159، روضة الطالبين، للنووي 3/ 528.

(7)

انظر: عقود التحوط، لطلال الدوسري، ص 334.

ص: 357

والتعريفات الأخرى لبيع المرابحة للآمر بالشراء قريبة من هذا التعريف

(1)

.

ولبيع المرابحة للآمر بالشراء مسميات أخرى، فيسمى المرابحة المركبة، أو المرابحة للواعد بالشراء، أو المرابحة المصرفية

(2)

.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء

في بيع المرابحة للآمر بالشراء تطوير وهندسة مالية للمرابحة القديمة عن طريق التلفيق بين الأقوال الفقهية، والتركيب بين العقود، فالمرابحة البسيطة تمر بمرحلة واحدة، أما المرابحة المركبة تمر بمرحلتين مرحلة الوعد، ومرحلة المعاقدة، فهي مركبة من وعد بالشراء من العميل، ووعد من المصرف بالبيع بطريق المرابحة، مع بيع السلعة في المعاقدة النهائية

(3)

، وفيها تلفيق بين قول الشافعي بجواز المرابحة مع الوعد

(4)

، وقول ابن شبرمة بالإلزام بالوعد

(5)

، إذا كان الوعد الذي فيها ملزمًا، فالمواعدة تنقسم إلى مواعدة ملزمة، ومواعدة غير ملزمة

(6)

.

(1)

انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 71، بيع المرابحة للآمر بالشراء، للقرضاوي، ص 28، بيع المرابحة للآمر بالشراء، لسامي حمود، بيع المرابحة للآمر بالشراء، لرفيق المصري، منشوران في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 807، 832.

(2)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 382، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 260 - 261.

(3)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، لرفيق المصري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 841.

(4)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 39.

(5)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 278، فقه الإمام ابن شبرمة الكوفي، لمحمد العاني، ص 93.

(6)

انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 71.

ص: 358

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء

الفرع الأول: حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء

المسألة الأولى: حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد فيها غير ملزم

اختلف الفقهاء في حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد فيها غير ملزم على قولين:

القول الأول: أنه بيع صحيح. وهو مذهب الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، وظاهر اختيار ابن

(1)

انظر: المخارج في الحيل، لمحمد بن الحسن، ص 40، المبسوط، للسرخسي 30/ 237.

(2)

انظر: الأم، للشافعي 3/ 39. إضافة إلى أن العبرة عند الشافعية بظاهر العقود، ولا يبطلون المعاملة لأجل الحيل. انظر: روضة الطالبين، للنووي 5/ 115، المنثور في القواعد، للزركشي 2/ 93.

ص: 359

تيمية

(1)

،

واختاره ابن القيم

(2)

، وجمهور المعاصرين

(3)

.

(1)

مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 302 - 303، جامع المسائل، لابن تيمية 1/ 223 - 226. وقد نسب الدبيان إلى ابن تيمية القول بالتحريم، فقال بعد ذكر قول التحريم: "وهو ظاهر قول ابن تيمية

وعلل ابن تيمية التحريم بأن اشتراط الربح قبل شراء البضاعة يجعل المقصود دراهم بدراهم" المعاملات المالية، للدبيان 12/ 347 - 348، وأحال في الحاشية إلى جامع المسائل 1/ 226، وبالرجوع إلى جامع المسائل تبين لي-والله أعلم- أن ابن تيمية يتكلم عن التورق، وليس عن هذه المسألة، فقد كان السؤال الموجه إلى ابن تيمية: "عن رجلٍ احتاج إلى مئة درهم، فجاء إلى رجلٍ فطلبَ منه دراهم، فقال الرجل: ما عندي إلا قماش، فهل يجوز له أن يبيعه قماش مئةِ درهم بمئة وخمسين إلى أجلٍ؟ أو يشتري له قماشًا من غيره، ثمّ يبيعه إياه بفائدة إلى أجل؟ وهل يجوز اشتراط الفائدة قبل أن يشتري له البضاعة؟ " ثم أجاب ابن تيمية عن السؤال بذكر رأيه في تحريم التورق ثم قال في آخر الجواب:"وأما اشتراط الربح قبل أن يشتري البضاعة في مثل هذا، فلأن مقصودهما دراهم بدراهم إلى أجل. وأما إذا كان المشتري يشتري السلعة لينتفع بها أو يتّجر فيها، لا ليبيعها في الحال ويأخذ ثمنها، فهذا جائز، والربح عليه إن كان مضطرًا إليها يكون بالمعروف". فالتعليل الذي ذكره الدبيان لابن تيمية ذكر فيه ابن تيمية جملة (في مثل هذا) أي شراء السلعة لقصد المال، إضافة إلى أن في تتمة الكلام تبيين لرأي ابن تيمية فيما إذا كان قصده الانتفاع والاتجار فقد ذكر ابن تيمية أن حكمه الجواز، ولم يذكر أن ذلك محرم إذا كانت من عند غير البائع، مع أن السؤال نص على ذلك؛ فالمحرم عند ابن تيمية هو شراء السلعة لقصد المال، سواء كانت من عند البائع أو من غيره، وقد سئل ابن تيمية في مجموع الفتاوى:"عن الرجل عليه دين ويحتاج إلى بضاعة أو حيوان لينتفع به أو يتجر فيه فيطلبه من إنسان دينا فلم يكن عنده. هل للمطلوب منه أن يشتريه ثم يدينه منه إلى أجل؟ وهل له أن يوكله في شرائه ثم يبيعه بعد ذلك بربح اتفقا عليه قبل الشراء؟ " فأجاب: " من كان عليه دين فإن كان موسرا وجب عليه أن يوفيه وإن كان معسرا وجب إنظاره ولا يجوز قلبه عليه بمعاملة ولا غيرها. وأما البيع إلى أجل ابتداء فإن كان قصد المشتري الانتفاع بالسلعة والتجارة فيها جاز إذا كان على الوجه المباح. وأما إن كان مقصوده الدراهم فيشتري بمائة مؤجلة ويبيعها في السوق بسبعين حالة فهذا مذموم منهي عنه في أظهر قولي العلماء. وهذا يسمى التورق"29/ 302 - 303. وفي هذا الجواب لم يذكر ابن تيمية أن الاتفاق بين البائع والمشتري على أن يشتري البائع السلعة ثم يبيعها إليه بربح إلى أجل أنه محرم، إنما المنهي عنه عند ابن تيمية أن يكون المقصود هو الدراهم، وهو المعروف بمسألة التورق، ولو كان الاتفاق بين البائع والمشتري على أن يشتري السلعة ثم يبيعها له بربح معين محرمًا لذكر ابن تيمية أنه محرم سواء اشترى السلعة للانتفاع أو للاتجار بها، أو لقصد المال، فالذي ظهر لي أن ابن تيمية يرى جواز أن يتفق البائع مع المشتري على أن يشتري البائع السلعة ثم يبيعها إليه بربح إلى أجل إذا لم يكن مقصوده من السلعة المال.

(2)

انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 4/ 23. لم أجد نصًا في الكتب المعتمدة في المذهب الحنبلي عن حكم هذه المسألة، وقد ذكر بعض الباحثين أن هذا القول مذهب الحنابلة، وأحال إلى إعلام الموقعين لابن القيم، مع أن المعروف أن رأي ابن القيم -على أهميته- لا يعد مذهبًا للحنابلة. انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 103، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 396، الشروط التعويضية/ لعياد العنزي 2/ 527.

(3)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، بشأن الوفاء بالوعد والمرابحة للآمر بالشراء، العدد الخامس، برقم 40 - 41/ 2، 3، توصيات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت، 1403 هـ، قرار مجمع الفقه الإسلامي بالهند بشأن المرابحة، 1410 هـ، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 92، فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 237، مجموع فتاوى ابن باز 19/ 68.

ص: 360

القول الثاني: أنه بيع محرم. وهو مذهب المالكية

(1)

، واختاره من المعاصرين ابن عثيمين

(2)

.

دليل القول الأول: أن الأصل في المعاملات الحل، إلا ما دل الدليل على منعه، ولا دليل يدل على منع بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد غير ملزم، فإن البائع يشتري لنفسه، وهو يعلم أن المشتري ربما يرجع أو لا يرجع، وقد يشتري أو لا يشتري، وعليه ضمان السلعة لو هلكت، فهذه الدرجة من المخاطرة تجعل المعاملة مباحة

(3)

.

دليل القول الثاني: أن هذه المعاملة حيلة لأكل الربا، فحقيقتها عبارة عن قرض بزيادة، والبيع حيلة للتوصل لها

(4)

.

نوقش: بعدم التسليم فإن البائع يشتري السلعة حقيقة بتملك حقيقي، وقبض حقيقي، ثم يبيعها للآمر، ويتعرض لدرجة من المخاطرة التي سبق ذكرها، ولا يقدح في المعاملة أن يشتري البائع السلعة لغيره، فكل التجار يشترون السلع لغيرهم، وليس من شروط الشراء المباح أن يشتري المرء لينتفع، أو يقتني، أو يستهلك

(5)

.

(1)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد 7/ 86، القوانين الفقهية، لابن جزي، ص 407، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 406.

(2)

انظر: الممتع، لابن عثيمين 8/ 211، لقاءات الباب المفتوح، لابن عثيمين 1/ 242، 375، 2/ 195.

(3)

انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 103

(4)

انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 3/ 89، الممتع، لابن عثيمين 8/ 211.

(5)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، للقرضاوي، ص 30.

ص: 361

الترجيح: بعد عرض القولين، ودليل كل قول، ومناقشة ما احتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد غير ملزم؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، مقابل ضعف دليل القول الثاني أمام ما ورد عليه من مناقشة.

المسألة الثانية: حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد ملزمًا

اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد ملزمًا، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه بيع محرم. وهو قول جمع من المعاصرين

(1)

.

القول الثاني: أنه بيع صحيح. وهو قول جمع من المعاصرين

(2)

.

(1)

منهم: ابن باز، والأشقر، ورفيق المصري، وفتوى اللجنة الدائمة، وفتوى الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي. انظر: مجموع فتاوى ابن باز 19/ 68، بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 75، فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 237، بيع المرابحة للآمر بالشراء، لرفيق المصري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 832، قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 330.

(2)

منهم: القرضاوي، وسامي حمود، وعبدالستار أبو غدة، وصدر به قرار مؤتمر المصرف الإسلامي الأول المنعقد بدبي في 1399 هـ، وقرار مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت في 1403 هـ. انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، للقرضاوي، ص 30، بيع المرابحة للآمر بالشراء، لسامي حمود، أسلوب المرابحة والجوانب الشرعية التطبيقية في المصارف الإسلامية، لعبدالستار أبو غدة، منشوران في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 807، ص 894.

ص: 362

القول الثالث: أنه بيع صحيح إذا كان الإلزام لأحدهما. وهو قول جمع من المعاصرين

(1)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ

وعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» رواه أبو داود وغيره

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند البائع، وعن ربح مالم يضمن؛ والإلزام بالوعد على شراء السلعة يدخل في النهي؛ لأن الإلزام بالوعد في حقيقته بيع، وإن سمي وعدًا، والعبرة بالحقائق، فالبنك على ذلك يعد بائعًا لما ليس عنده، وداخلًا في ربح مالم يضمن

(3)

.

نوقش من وجهين: الوجه الأول: بأن البنك لم يبع ما ليس عنده، ولم يربح ما لم يضمن؛ لأنه لن يتم العقد حتى يمتلك السلعة، وتدخل في ضمانه، وما يجري بينه وبين المشتري في المرة الأولى إنما هو

(1)

منهم: الصديق الضرير في بحث المرابحة للآمر بالشراء، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 740، 742. وصدر به قرار المجمع الفقهي، العدد الخامس، برقم 40 - 41/ 2، 3، وقرار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية، كما في كتابها المعايير الشرعية ص 93. واختار بعض أصحاب هذا القول أن يكون الإلزام للمأمور دون الآمر. انظر: المرابحة للآمر بالشراء، للصديق الضرير، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 742، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 2/ 555.

(2)

سبق تخريجه ص 158.

(3)

انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 72، 105، بيع المرابحة للآمر بالشراء، لبكر أبو زيد، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 732.

ص: 363

وعد، وليس عقدًا

(1)

.

أجيب: بأن المتعاقدين ملزمان على إنشاء العقد على الصورة التي تمت بالوعد الأول، وليس لهما الحرية في ترك المبايعة، أو التعديل على الاتفاق السابق؛ مما يدل على أن العقد الثاني إنما هو تحصيل حاصل، وأن البيع تم في المواعدة الأولى وإن سميت وعدًا، فالعبرة في العقود بالمعاني، لا بالألفاظ والمباني

(2)

.

الوجه الثاني: أن النهي عن بيع ما ليس عند البائع، إذا كانت عينًا معينة يبيعها، وهي ليست ملكه، بل ملك غيره ثم يسعى في تحصيلها، أو بيع ما لا يقدر على تسليمه، فيكون قد ضمن له شيئًا لا يدري هل يحصل أو لا يحصل؟

(3)

، وفي بيع المرابحة يكون البيع لموصوف في الذمة مما جرى العرف على إمكان تسليمه في وقته.

أجيب: بأن عقد المرابحة قد يقع على أعيان معينة، وقد يقع على ما لا يقدر البائع على تسليمه؛ مما يؤدي إلى النزاع، والمجيزون للإلزام يجيزونها دون تفريق بين العين المعينة، والموصوفة، والتي لا يقدر على تسليمها

(4)

.

يُرد: بأن عدم تفريق المجيزين بين العين المعينة، والموصوفة في الذمة التي لا يقدر على تسليمها لا يكون سببًا لمنع المعاملة كلها، بل يحرم منها العقد على الأعيان المملوكة للغير

(1)

انظر: تطوير الأعمال المصرفية، لسامي حمود، ص 433، بيع المرابحة للآمر بالشراء، للقرضاوي، ص 54 - 60.

(2)

انظر: المرابحة للآمر بالشراء، للصديق الضرير، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 742، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 403 - 404.

(3)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 29، إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 301.

(4)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 404، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 278.

ص: 364

قبل تملكها، والأعيان التي لا يقدر على تسليمها، أما الموصوفة في الذمة مما يقدر على تسليمها فلا دليل يدل على منع العقد عليها.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» رواه الترمذي وغيره

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، والإلزام بالوعد صيره بيعًا، فجمعت المعاملة بين بيعتين في بيعة

(2)

.

يناقش: بعدم التسليم فبيع المرابحة للآمر بالشراء لايجمع بين بيعتين، بل هو عبارة عن بيعة واحدة، فإذا كان الإلزام بالوعد يصيره بيعًا، فالبيعة واحدة تأخر فيها تسليم المبيع، وإذا كان الإلزام بالوعد لا يصيره بيعًا، فالبيعة واحدة تتم عند تسليم المبيع، فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث للنهي عن بيع المرابحة للآمر بالشراء.

الدليل الثالث: أن حقيقة بيع المرابحة للآمر بالشراء مع الإلزام بالوعد حيلة لبيع نقد بنقد أكثر منه إلى أجل بينهما سلعة محللة فغايته قرض بفائدة

(3)

.

نوقش: بعدم التسليم؛ فالبيع فيها حقيقي، لا صوري، والسلعة مقصود فيها حقيقة التملك للاستعمال، أو الاتجار، فهو خالي من الحيلة الربوية

(4)

، ولو أراد المصرف الحيلة الربوية لاتخذ العديد من الحيل التي هي أقل كلفة من المرابحة، وأكثر دخلًا منها.

(1)

سبق تخريجه ص 185.

(2)

انظر: المرابحة للآمر بالشراء، للصديق الضرير، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 740.

(3)

انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 73، بيع المرابحة للآمر بالشراء، لبكر أبو زيد، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 734.

(4)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، للقرضاوي، ص 30 - 34.

ص: 365

الدليل الرابع: أن العلماء أجمعوا على النهي عن بيع الدين بالدين

(1)

، و بيع المرابحة مع الإلزام بالوعد مؤجل البدلين، فلا البنك يسلم السلعة في الحال، ولا العميل يسلم الثمن

(2)

.

نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن البيع ليس مؤجل البدلين، فإن الذي يحدث أولًا بين العميل والمصرف وعد لا بيع، وعند تملك المصرف السلعة المأمور بشرائها وحيازتها، وعندئذ يتم العقد والتسليم للمبيع، وتأجيل الثمن كله أو بعضه

(3)

.

أجيب: بأن هذا مسلم في صورة المرابحة مع الوعد غير الملزم، أما مع الوعد الملزم فقد تمت المبايعة في المواعدة الأولى، وتسليم السلعة والثمن مؤجلان فيها

(4)

.

الوجه الثاني: أن الإجماع على تحريم بيع الدين بالدين لا ينطبق على جميع الصور التي يشملها بيع الدين بالدين

(5)

، والمنهي عنه في صورة بيع الدين بالدين هو ما لم يكن للناس به حاجة، وليس فيه مصلحة؛ لأن الذمتين تنشغلان بغير فائدة، أما إذا كان شغل الذمة بفائدة فلا يدخل في النهي

(6)

، وبيع المرابحة للآمر بالشراء لا يدخل في النهي عن بيع الدين بالدين، لانشغال الذمتين بما فيه فائدة تعود للطرفين.

(1)

قال ابن المنذر: " وأجمعوا على أن بيع الدين بالدين لا يجوز" الإجماع، لابن المنذر، ص 132. وانظر: البناية، للعيني 8/ 395، المغني، لابن قدامة 4/ 37.

(2)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، لرفيق المصري، منشور في مجلة الأمة القطرية، العدد 61، محرم 1406 هـ، ص 26.

(3)

انظر: رد الدكتور يوسف القرضاوي، منشور في مجلة الأمة القطرية، العدد 64، ربيع الآخر 1406 هـ، ص 11.

(4)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 2/ 542.

(5)

انظر: الربا، للسلطان، ص 81 - 95.

(6)

إعلام الموقعين، لابن القيم 1/ 294.

ص: 366

الدليل الخامس: أن الشارع فرض لكل من المتبايعين حقًا في خيار المجلس، وفي بيع المرابحة مع الإلزام بالوعد إسقاط لهذا الحق الذي فرضه الشارع لهما

(1)

.

نوقش: بأن خيار المجلس حق جعله الشارع للعاقد لمصلحته للتروي والنظر، فإذا رضي إسقاطه سقط

(2)

.

الدليل السادس: أن الرضا التام حين التعاقد شرط من شروط العقود، والإلزام بالوعد في المرابحة يتنافى مع الرضا المطلوب شرعًا؛ لأن المتعاقدين مجبران على العقد الثاني، فيكون العقد باطلًا؛ لعدم توفر شرط الرضا

(3)

.

يناقش: بأنه إذا كان الإلزام يصير الوعد عقدًا، فإن الرضا موجود حين الوعد من المتعاقدين.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه، ولا دليل يدل على تحريم المربحة مع الوعد الملزم، فتكون مباحة بناءً على الأصل

(4)

.

نوقش: بجميع أدلة القول الأول التي تدل على تحريم هذه المعاملة، وقد تقدم ذكرها.

(1)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، لرفيق المصري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 850، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 405.

(2)

انظر: الشروط التعويضية، لعياد العنزي 2/ 543.

(3)

انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 104، بيع المرابحة للآمر بالشراء، لرفيق المصري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 851.

(4)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، للقرضاوي، ص 15 - 20.

ص: 367

الدليل الثاني: أن بيع المرابحة يتفق مع قول العلماء الذين يرون الإلزام بالوعد مطلقًا

(1)

، أو على رأي المالكية الذين يرون الإلزام بالوعد إذا دخل الموعود بسببه في شيء

(2)

؛ فالمأمور اشترى السلعة ودخل في هذه المخاطرة لأجل الواعد، وحتى على رأي من يرى الإلزام بالوعد ديانة من العلماء

(3)

، فإنا يمكننا أن نلزم به قضاءً إذا اقتضت المصلحة ذلك، وقد اقتضت المصلحة في بيع المرابحة الإلزام بالوعد

(4)

.

نوقش من وجوه: الوجه الأول: بأن المقصود بالإلزام بالوعد عند العلماء المتقدمين هو الوعد بالمعروف، أما الوعد في المعاوضة فلم يكن مقصودهم؛ لأنه يصير حينئذ عقداً

(5)

.

يجاب: بأنه لا يسلم أن الإلزام بالوعد عند العلماء المتقدمين إنما كان في المعروف فقط، بل جاء عن بعض المتقدمين الإلزام بالوعد في عقود المعاوضات، لكن لم يرد عنهم الإلزام من الطرفين، فقد جاء في فتاوى قاضي خان

(6)

: " وإن ذكر البيع من غير شرط ثم ذكر الشرط على وجه المواعدة جاز البيع ويلزمه الوفاء بالوعد؛ لأن المواعدة قد تكون لازمة فتجعل لازمة لحاجة الناس"

(7)

. وقال الحطاب: " قال في معين الحكام: ويجوز للمشتري أن يتطوع للبائع بعد العقد بأنه إن جاء بالثمن إلى أجل كذا، فالمبيع له، ويلزم المشتري متى

(1)

انظر: المحلى، لابن حزم 6/ 278، الفروع، لابن مفلح 11/ 29.

(2)

انظر: الفروق، للقرافي 4/ 25، فتح العلي المالك، لعليش، ص 254 - 256.

(3)

انظر: الأذكار، للنووي، ص 317، أضواء البيان، للشنقيطي 3/ 438 - 439.

(4)

انظر: قرار مؤتمر المصرف الإسلامي الأول المنعقد بدبي في 1399 هـ.

(5)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي، ص 465.

(6)

هو حسن بن منصور بن محمود الأوزجندي المشهور بقاضيخان، من كبار فقهاء الحنفية في المشرق، من تصانيفه:"الفتاوى"، و" شرح الجامع الصغير"، توفي عام 592 هـ. انظر: الجواهر المضية، للقرشي 1/ 205، الأعلام، للزركلي 2/ 224.

(7)

فتاوى قاضي خان 2/ 81. وانظر: الفتاوى الهندية 3/ 209.

ص: 368

جاءه بالثمن في خلال الأجل، أو عند انقضائه، أو بعده على القرب منه، ولا يكون للمشتري تفويت في خلال الأجل، فإن فعل ببيع أو هبة أو أشبه ذلك نقض إن أراد البائع، ورد إليه"

(1)

، فهذه نصوص في الإلزام بالوعد في عقود المعاوضات، إلا أن الإلزام الذي فيها من طرف الواعد فقط.

الوجه الثاني: أن النصوص عند المالكية في الإلزام بالوعد "إنما هي في إيجاب الوفاء بالوعد في مسائل التبرعات كالهبة؛ لأنها تملك بالقول عند مالك، وهذا من أسرار مذهب مالك في مسألة الوعد"

(2)

، وجاء في إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك:"قاعدة: (الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية) ومن ثم منع مالك المواعدة في العدة، وعلى بيع الطعام قبل قبضه ووقت نداء الجمعة، وعلى ما ليس عندك"

(3)

، والمرابحة محرمة عند المالكية متى ما اتفقا على الربح سواء كان الوعد ملزمًا أو غير ملزم؛ لأنه من بيع ما ليس عند البائع

(4)

.

الوجه الثالث: أن المصلحة في الإلزام بالوعد في المرابحة ملغاة؛ لما يترتب عليها من مناهي شرعية سبق ذكرها في أدلة القول الأول.

الدليل الثالث: أن في ترك الإلزام بالوعد في بيع المرابحة للآمر بالشراء ضررًا بالطرفين، أو بأحدهما، والشريعة جاءت لرفع الضرر؛ فقد يطلب شخص من المصرف شراء آلة نادرة هي عبارة عن جزء متمم في مجموع الآلات المتوفرة في المصنع الخاص به،

(1)

تحرير الكلام في مسائل الالتزام، للحطاب، ص 240.

(2)

الإيجار الذي ينتهي بالتمليك، لابن بيه، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 2165.

(3)

إيضاح المسالك، للونشريسي، ص 114.

(4)

انظر: البيان والتحصيل، لابن رشد 7/ 86، مواهب الجليل، للحطاب 4/ 406.

ص: 369

ثم لو عدل عن الشراء، لترتب على المصرف خسارة وضرر، وقد يستغل المصرف حاجة الطالب للآلة فيمتنع عن الوفاء بما وعد مما يتسبب في إيقاع الضرر بصاحب الحاجة

(1)

.

نوقش: بأن التجارة مبنية على أن يتحمل البائع قدرًا من المخاطرة

(2)

، وبإمكان المصرف أن يشترط لنفسه خيار الشرط عندما يشتري السلعة المطلوبة، ثم يعرضها على الآمر في مدة الخيار، فإن قبلها تم البيع ولزمته، وإن رفضها ردها المصرف إلى من اشتراها منه، وعلى ذلك يكون في مأمن من الضرر

(3)

، ويندر أن يواعد المصرف شخصًا ثم لا يفي بما وعده؛ لأن ذلك مضر بسمعة المصرف، والمصارف والتجار عمومًا أحرص على سمعتهم من المكاسب التي يجدونها في إخلاف الوعد.

الدليل الرابع: أن في مسألة بيع المرابحة للآمر بالشراء قولين متكافئين، وإذا وجد في مسألة قولان، أحدهما بالإباحة، والآخر بالحظر، وهما متكافئان من حيث قوة الدليل، فالأخذ حينئذ بما فيه التيسير أفضل، خصوصًا أن جمهور الناس في عصرنا أحوج ما يكونون إلى التيسير والرفق، رعاية لظروفهم، وما غلب على أكثرهم من رقة الدين، وضعف اليقين، وما ابتلوا به من كثرة المغريات بالإثم، والمعوقات عن الخير

(4)

.

نوقش: بأن الواجب عند اختلاف العلماء الأخذ بما هو أرجح دليلًا؛ لأن ذلك أقرب إلى تنفيذ أمر الله، إضافة إلى أن القولين في المسألة غير متكافئين، بل القول المبيح لها لا

(1)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، لسامي حمود، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 816.

(2)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 402.

(3)

انظر: المرابحة للآمر بالشراء، للصديق الضرير، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 744.

(4)

بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية، للقرضاوي، ص 25 - 26.

ص: 370

يقرب من القول المحرم، وضعف دين الناس ويقينهم ليس مبررًا للأخذ بالقول الضعيف

(1)

.

دليل القول الثالث: أن الإلزام بالوعد لكلا الطرفين يصيره عقدًا، فيدخل في بيع الإنسان ما ليس عنده، أما إن كان الوعد من أحد الطرفين فإن المحاذير الشرعية تنتفي

(2)

.

نوقش: بأن هذه التفرقة تفتقر إلى الدليل، والمحاذير الشرعية في إلزام الطرفين، موجودة في إلزام أحدهما، سواء كان الآمر أو المأمور، ومنها أن الطرف الملزم لم يتحقق فيه شرط الرضا عند إجراء العقد

(3)

.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلتها، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الإلزام بالوعد يصيره عقدًا، وأقوى دليل للمانعين على ذلك هو أن البائع يبيع ما ليس عنده، أما الأدلة الأخرى فلا تسلم من المناقشة، والمختار في تفسير"لا تبع ماليس عندك" هو: أن يكون البيع لعين يبيعها، وهي ليست ملكه، بل ملك غيره ثم يسعى في تحصيلها، أو بيع ما لا يقدر على تسليمه، فيكون قد ضمن له شيئا لا يدري هل يحصل أو لا يحصل؟، أما إذا باع موصوفًا بالذمة مما يقدر على تسليمة فلا يدخل في النهي، وعلى هذا التفسير فلا يجوز بيع المرابحة للآمر بالشراء بالوعد الملزم إن كانت العين مملوكة ثم يسعى

(1)

انظر: بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، لمحمد الأشقر، منشور ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر وآخرين 1/ 89 - 90.

(2)

انظر: قرار المجمع الفقهي، العدد الخامس، برقم 40 - 41/ 2، 3، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 2/ 555.

(3)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 407، عقود التحوط، لطلال الدوسري، ص 359.

ص: 371

في تحصيلها، أو بيع ما لا يقدر على تسليمه، ويجوز بيع المرابحة للآمر بالشراء بالوعد الملزم إذا كان البيع لموصوف بالذمة مما يقدر على تسليمه في وقته.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في بيع المرابحة للآمر بالشراء

على القول الذي يبيح بيع الرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد ملزمًا للطرفين، أو لأحدهما، وعلى القول الراجح الذي يبيح بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد فيها غير ملزم لأحد الطرفين، أو كان المبيع فيها موصوفًا بالذمة مما يقدر على تسليمه، فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت بيع المرابحة للآمر بالشراء؛ لأنه يغطي جانبًا من جوانب الحاجة التي لا يمكن تحقيقها عن طريق المضاربة والمشاركة، فيحدد صاحب الحاجة ما يرغب فيه، ويقوم المصرف بالشراء بناءً على طلب صاحب الحاجة، مع ما يتمتع به من مرونة وملائمة لطبيعة العمل المصرفي، فالمصرف ليس تاجرًا يقتني السلع والبضائع والخدمات، ولكنه مدير مدبر للاحتياجات، إلى غير ذلك من فوائد المرابحة للآمر بالشراء

(1)

، أما على القول الذي يحرم بيع المرابحة للآمر بالشراء مطلقًا، أو إذا كان الوعد فيها ملزمًا، أو كان المبيع لعين مملوكة ثم يسعى المصرف في شرائها، أو موصوفة في الذمة ولا يقدر المصرف على تسليمها وقت الأداء، فإن الهندسة المالية في بيع المرابحة للآمر بالشراء لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريم العقد؛ لأن حقيقة هذه المعاملة حيلة ربوية، سواء كان الوعد ملزمًا أو غير ملزم، وأن الإلزام يصير الوعد عقدًا فتدخل المعاملة في المحاذير الشرعية التي نبه لها أصحاب القول الأول، وستركن المصارف إلى هذه المعاملة، ولا يكون لها مساهمة في تنمية الاقتصاد، وانتشار المشاريع الاستثمارية المتنوعة النافعة للمجتمع

(2)

.

(1)

انظر: بيع المرابحة للآمر بالشراء، لسامي حمود، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 809.

(2)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 284.

ص: 372

‌المبحث السادس:

الإجارة المنتهية بالتمليك

‌المطلب الأول: تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك

سبق تعريف الإجارة، أما التمليك لغة فهو مصدر ملك، والمَلْكُ: ما ملكت اليد من مال

(1)

، والملك في الاصطلاح لا يخرج عن معناه اللغوي.

أما تعريف مصطلح الإجارة المنتهية بالتمليك؛ فقد عرف بأنه: " عقد بين طرفين يؤجر فيه أحدهما لآخر سلعة معينة مقابل أجرة معينة يدفعها المستأجر على أقساط خلال مدة محددة، تنتقل بعدها ملكية السلعة للمستأجر عند سداده لآخر قسط بعقد جديد"

(2)

.

ويؤخذ على هذا التعريف أنه غير جامع؛ فهناك صور من الإجارة المنتهية بالتمليك لا تدخل ضمن هذا التعريف، كما لو كان العقد فيها واحدًا.

وعرف بأنه: "إجارة يقترن بها الوعد بتمليك العين المؤجرة إلى المستأجر في نهاية مدة الإجارة أو في أثنائها، ويتم التمليك بإحدى الطرق المبينة في المعيار"

(3)

.

وانتُقد هذا التعريف بأنه غير جامعٍ أيضًا؛ لأنه يختص بالإيجارة المنتهية بالتمليك حسب الصيغ المقترح لها لتكون شرعية، ويخرج ما عداها من الصور التي لا تتفق مع رؤية الهيئة

(4)

.

(1)

انظر: العين، للفراهيدي 5/ 380، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 5/ 352.

(2)

الإجارة المنتهية بالتمليك، لخالد الحافي، ص 48.

(3)

المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 127.

(4)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 194.

ص: 373

وعرف كذلك بأنه: " تمليك المنفعة، ثم تمليك العين نفسها في آخر المدة"

(1)

.

وهذا التعريف أجود التعريفات، وهناك تعريفات أخرى قريبة منه

(2)

، لكن هذا أخصرها، ويؤدي مؤداها.

وللإجارة المنتهية بالتمليك مصطلحات أخرى، منها: الإيجار الساتر للبيع، والإجارة مع الوعد بالتمليك، والإجارة التمليكية، والإجارة التمويلية

(3)

.

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في الإجارة المنتهية بالتمليك

-الأصل في الإجارة العادية أن تعود العين إلى المؤجر بعد انتهاء الإجارة، أما في الإجارة المنتهية بالتمليك ففيها تطوير وهندسة مالية على عقد الإجارة بأن تنتقل ملكية العين إلى المستأجر بعد انتهاء مدة الإجارة، إما تلقائيًا دون عقد، أو بعقد بيع جديد، أو هبة العين المستأجرة

(4)

.

- الأصل في البيع بالتقسيط أن تنتقل ملكية العين إلى المشتري عند عقد البيع، إلا أنه في هذا العقد المسمى بالإجارة المنتهية بالتمليك تطوير وهندسة مالية على البيع بالتقسيط

(1)

الإيجار المنتهي بالتمليك، لحسن الشاذلي، منشور ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 2110.

(2)

انظر: البيع المؤجل، لعبدالستار أبو غدة، ص 39، بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقره داغي 2/ 617، الإيجار المنتهي بالتمليك، لمحمد الألفي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر، ص 397.

(3)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي، ص 193، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 198 - 200، بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقره داغي 2/ 617.

(4)

انظر: بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقره داغي 2/ 617 - 618.

ص: 374

بأن يشترط البائع على المشتري ألا تنتقل له ملكية السيارة إلا بعد انتهائه من سداد الأقساط جميعها

(1)

.

وللإجارة المنتهية بالتمليك عدة صور، أشهرها: الصورة الأولى: عقد إجارة تنتهي بتملك السلعة تلقائيًا بعد سداد جميع الأقساط دون إنشاء عقد آخر، الصورة الثانية: عقد إجارة مع الوعد بالبيع، الصورة الثالثة: عقد إجارة مع الوعد بالهبة، الصورة الرابعة: عقد إجارة مع شرط البيع أو الهبة على الانتهاء من السداد

(2)

.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية الإجارة المنتهية بالتمليك

الفرع الأول: حكم الإجارة المنتهية بالتمليك

القول الأول: أنها جائزة. وهو قول بعض المعاصرين

(3)

.

(1)

انظر: الإجارة المنتهية بالتمليك، لخالد الحافي، ص 88.

(2)

انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي، ص 195 - 197، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 195 - 196، بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقره داغي 2/ 633 - 635.

(3)

منهم: الشيخ عبدالله الجبرين، والدكتور عبدالله محمد، والدكتور إبراهيم أبو الليل، والشيخ محمد بن جبير. انظر: فتوى الشيخ عبدالله بن جبرين في موقعه رقم 8262، ورقم 8862، التأجير المنتهي بالتمليك و الصور المشروعة فيه، لعبد الله محمد، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 2105، البيع بالتقسيط والبيوع الائتمانية الأخرى، لأبي الليل، ص 26، نقلًا من كتاب الإجارة المنتهية بالتمليك، لخالد الحافي، ص 89، ورقة الشيخ محمد بن جبير رحمه الله التي قدمها لهيئة كبار العلماء، مخالفًا فيها قرار الهيئة بتحريم الإجارة المنتهية بالتمليك رقم 198.

ص: 375

القول الثاني: أنها جائزة بشرط أن يفصل بين الإجارة والتمليك

(1)

. وهو قول جمهور المعاصرين

(2)

.

القول الثالث: أنها محرمة. وهو قول جمع من المعاصرين

(3)

.

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن حقيقة هذا العقد أنه بيع تقسيط مشروط بعدم انتقال الملكية للمشتري إلا بعد سداد الأقساط جميعها، والإجارة ستر للعقد الحقيقي، فهي صورية، والعبرة في العقود بالحقائق، والأصل في الشروط الصحة إلا ما دل الدليل على منعه

(4)

.

نوقش من وجوه: الوجه الأول: بأن من شروط العقد أن يكون ضمان العين على المؤجر مما يدل على أن الإجارة حقيقية، وليست صورية

(5)

.

(1)

يترتب على الفصل بين العقدين أن تجري أحكام كل عقد في المدة التي يسري بها، وتكون ضمان العين المؤجرة ونفقات الصيانة غير التشغيلية على المالك. انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر، رقم 110/ 4، عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، لحامد ميرة، ص 250 - 254.

(2)

صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر، رقم 110/ 4، وقرار المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 117، وفتوى الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي في الفترة 7 - 11/ 3/ 1987 م. وفتوى الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 114 - 115.

(3)

منهم: ابن عثيمين، وبكر أبو زيد، ومحمد المختار الشنقيطي، وصدر به قرار هيئة كبار العلماء بالأغلبية رقم 198، وتاريخ: 6/ 11/ 1420 هـ. انظر: قرار هيئة كبار العلماء رقم 198، وفتوى الشنقيطي في ملاحق كتاب عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، لمحمد الحاج، ص 239.

(4)

انظر: التأجير المنتهي بالتمليك والصور المشروعة فيه، لعبد الله محمد، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 2105.

(5)

انظر: التأجير التمويلي، للشبيلي، منشور في مجلة الجمعية الفقهية، العدد الحادي عشر، 1433 هـ، ص 153 - 154.

ص: 376

الوجه الثاني: أن القول بصحة العقد بناءً على أنه بيع تقسيط بشرط عدم نقل الملكية إلا بعد سداد الأقساط لا يسلم؛ لأن هذا الشرط يناقض مقتضى العقد، فإن مقتضى العقد نقل الملكية للمشتري بمجرد العقد

(1)

.

يجاب: بأن كل الشروط تنافي مقتضى العقد، فمقتضى العقد الإطلاق وعدم التقييد، والشرط المنافي لمقتضى العقد شرط صحيح إذا كان لأحد المتعاقدين قصد صحيح في اشتراطه، والمهم في الشرط ألا ينافي مقصود العقد، أو مقصود الشارع، وشرط عدم نقل الملكية للمشتري لا ينافي المقصود من العقد، وليس فيه مخالفة للشارع؛ فالمشتري ينتفع بالعين في هذه الفترة، لكنه لا يتصرف بها في بيع أو هبة فهو كرهن العين، وفيه قصد صحيح للبائع ليحفظ حقه، وشرط التجارة التراضي، فإذا رضي المشتري بذلك فهذا له، والأصل في الشروط الصحة إلا ما دل الدليل على منعه، ولا دليل يمنع منه

(2)

.

الوجه الثالث: أنه يشتمل على الغرر؛ فإنه في حالة انفساخ العقد قبل اكتمال السداد لأي ظرف فإن البائع يجمع بين العوض والمعوض

(3)

، والمشتري يضيع عليه جميع ما دفعه، وهذه الأقساط دفعت على أنها أجرة للعين المؤجرة، فكيف تتحول إلى ثمن للعين المؤجرة في نهاية المدة؟، والعقد في هذه الفترة يكون مترددًا بين حصول البيع وعدمه، فالقول بجوازه على أنه عقد بيع بثمن مقسط تكتنفه في الفقه الإسلامي صعوبات كثيرة تحول دون القول بذلك

(4)

.

(1)

انظر: الإجارة المنتهية بالتمليك، لخالد الحافي، ص 91.

(2)

انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 156، المناظرات الفقهية، للسعدي، ص 86.

(3)

انظر: التأجير التمويلي، للشبيلي، منشور في مجلة الجمعية الفقهية، العدد الحادي عشر، 1433 هـ، ص 154

(4)

انظر: الإيجار المنتهي بالتمليك، للشاذلي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، ص 2134، الإجارة المنتهية بالتمليك، لخالد الحافي، ص 92.

ص: 377

الدليل الثاني: أن عقود الإجارة المنتهية بالتمليك لا تخرج عن كونها عقود بيع ورهن للعين، فلا يتصرف بها المشتري ببيع أو هبة حتى يسدد كامل الثمن، وهما عقدان صحيحان لازمان

(1)

.

نوقش: بما نوقش به الدليل الأول بأن هذا يشتمل على الغرر في حال انفساخ العقد، وتردد العقد بين حصول البيع وعدمه، وأن عقد البيع لازم للمتعاقدين، أما عقد الإجارة المنتهية بالتمليك فهو عقد لازم للمؤجر، وغير لازم للمستأجر فله إنهاء المدة، ورد العين للمؤجر

(2)

.

دليل القول الثاني: أنه إذا تمايز عقد الإجارة عن عقد التمليك، وأجريت أحكام كل عقد في المدة التي يسري فيها، فالعقد صحيح ولا مانع منه، ويتم ذلك عن طريق اشتراط بيع العين، أو هبتها للمستأجر بعد الانتهاء من السداد، أو أن يعد المؤجر المستأجر ببيع العين، أو هبتها له بعد انتهاء مدة الإجارة

(3)

.

(1)

انظر: ورقة الشيخ محمد بن جبير رحمه الله التي قدمها لهيئة كبار العلماء، مخالفًا فيها قرار الهيئة بتحريم الإجارة المنتهية بالتمليك رقم 198. وسئل الشيخ ابن جبرين هذا السؤال: تتداول هذه الأيام ما يسمى الإيجار المنتهي بالتمليك ما حكم هذا البيع؟ وماذا يفعل من قد وقع فيه؟ " فأجاب: " أرى أن هذا عقد بيع بأقساط مؤجلة ولو جعلوه باسم أجرة؛ حيث أنه بعد إنهاء الأقساط يملكها وتنتقل من ملك الشركة وتكون السيارة في هذه كرهن للشركة لها حق استرجاعها إن تأخر في التسديد كالعبد المكاتب إذا تأخر في أحد النجوم، ولا يضركم كونهم أمَّنوا عليها، فإن هذا التأمين منهم ولمصلحتهم، فمتى أدى جميع الأقساط انتقلت من رهنهم وأصبح ملكها له يخصه. والله أعلم" موقع الشيخ على الرابط، http:// www.ibn-jebreen.com، فتوى رقم:8862.

(2)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 209.

(3)

انظر: التأجير التمويلي، للشبيلي، منشور في مجلة الجمعية الفقهية، العدد الحادي عشر، 1433 هـ، ص 155 - 156.

ص: 378

نوقش من وجوه: الوجه الأول: أن الهبة في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك إنما هي مقابل العوض، وليست هي من عقود التبرع، فالمؤجر يهب العين مقابل العوض الذي يدفعه المستأجر، فهي هبة ثواب، وحكمها حكم البيع

(1)

.

يجاب: بأنه لا يسلم بأن الهبة مقابل للعوض الذي يدفعه المستأجر، فالعوض في مقابل منفعة العين المستأجرة، سواء كانت الأجرة كأجرة المثل كما اختاره بعض الباحثين

(2)

، أو كانت الأجرة أكثر، فهما تعاقدا على هذه الأجرة برضاهما، ولهما الحرية في الاتفاق على الأجرة التي يريدان، والهبة في مقابل التزام المستأجر بسداد ما عليه، فهي ليست من هبة الثواب.

الوجه الثاني: أن اشتراط البيع في عقد الإجارة فيه جمع بين عقدين متناقضين في عقد واحد، وفيه غرر؛ لأن العين بعد تمام مدة الإجارة لا بد أن تتغير صفتها، خاصة وأن مدة الإجارة طويلة في الغالب، بل قد تتلف العين، فيكون عقد البيع قد وقع على مبيع مجهول الصفة، وفي ربط ثمن العين بالقيمة السوقية سيكون الثمن مجهولًا أيضًا بعد تمام المدة، فالثمن والمثمن مجهولان

(3)

.

يجاب: بأن المنهي عنه في الجمع بين العقدين إذا كانا متناقضين وتترتب أحكامهما على العين في وقت واحد، أما إذا كان وقتهما مختلفًا فأحكام

(1)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 211. قال ابن قدامة:"فإن شرط في الهبة ثوابا معلوما، صح. نص عليه أحمد؛ لأنه تمليك بعوض معلوم، فهو كالبيع، وحكمها حكم البيع" المغني، لابن قدامة 6/ 67.

(2)

انظر: الإجارة المنتهية بالتمليك، لخالد الحافي، ص 142 - 144.

(3)

انظر: تعقيب الضرير على بحوث الإجارة المنتهية بالتمليك في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني، ص 434.

ص: 379

الإجارة في وقت الإجارة، وأحكام البيع في وقت البيع، فلا يدخل في النهي في الجمع بين العقدين، والصحيح جواز تعليق البيع على شرط، وهو ما اختاره بعض المحققين

(1)

، فإن حصل المشروط فحقهما محفوظ، وإن لم يحصل فمالهما محفوظ، وليس فيه أكل للمال بالباطل، والغرر الذي فيها ليس فاحشًا فجهالة الثمن والمثمن مآلها إلى العلم، وربط الثمن بسعر السوق أقرب للعدل؛ لأنه سيراعي ما حصل في العين من تغير في صفاتها

(2)

.

الوجه الثالث: أن الوعد في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك لا يكون إلا ملزمًا

(3)

، وقد سبق بيان أن الإلزام بالوعد يصيره عقدًا

(4)

.

أجيب: بالتسليم بأن الإلزام يصير الوعد عقدًا، لكن العين في مسألتنا موجودة، وهي تختلف عن مسألة المرابحة التي لا توجد فيها العين، فتكون من بيع ماليس عند البائع

(5)

، وما فيها من تأجيل البدلين، فإن الصحيح هو جواز تأجيل البدلين متى ما كان هناك فائدة ومصلحة

(6)

؛ كمن يبيع بيعًا ويشترط الانتفاع به زمنًا، فلهما ذلك مع تأجيل البدلين، وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم الجمل من جابر رضي الله عنه، وتأخر تسليم البدلين إلى وصول المدينة.

(1)

منهم: ابن تيمية، وابن القيم، والسعدي. انظر: نظرية العقد، لابن تيمية، ص 207، إعلام الموقعين، لابن القيم 3/ 300، المناظرات الفقهية، للسعدي، ص 86.

(2)

انظر: نظرية العقد، لابن تيمية، ص 210.

(3)

انظر: استحداث العقود، للسعدني، ص 621.

(4)

انظر ص 277 من هذا البحث.

(5)

انظر: المشاركة المتناقصة، لعبدالستار أبو غدة، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر 1/ 405.

(6)

انظر: تأجيل البدلين في عقود المعاوضات، لياسر النشمي، ص 308.

ص: 380

الوجه الرابع: أن كل هذه الوسائل المتخذة عبارة عن حيل للتوصل للبيع الذي هو المقصد الحقيقي للمتعاقدين

(1)

.

يجاب: بأن الوسيلة مباحة، والمقصد مباح، وقد سبق بيان أن العلماء اتفقوا على جواز الحيلة إذا كانت الوسيلة مباحة، والمقصد مباحًا

(2)

.

أدلة القول الثالث:

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» رواه الترمذي وغيره

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، وهذا يصدق على بيع الإجارة المنتهي بالتمليك حيث إنه جمع بين عقدين على عين واحدة، وهو غير مستقر على أحدهما، وهما مختلفان في الحكم متنافيان فيه، فالبيع يوجب انتقال العين بمنافعها إلى المشتري، والإجارة توجب انتقال منافع العين فقط إلى المستأجر، والمبيع مضمون على المشتري بعينه ومنافعه، والعين المستأجرة من ضمان مؤجرها

(4)

.

نوقش: بأن هذا يصدق إذا كان الجمع بين عقد البيع والإجارة على العين الواحدة في وقت واحد، وهذا غير موجود في الإجارة المنتهية بالتمليك حيث يتم فيها الفصل بين العقدين، ولا يردان على العين في وقت واحد

(5)

.

(1)

انظر: بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقره داغي 2/ 652.

(2)

انظر ص 96 من هذا البحث.

(3)

سبق تخريجه ص 185.

(4)

انظر: قرار هيئة كبار العلماء العلماء رقم 198، وتاريخ: 6/ 11/ 1420 هـ.

(5)

انظر: عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، لمحمد الحاج، ص 179.

ص: 381

الدليل الثاني: أن العقد يشتمل على غرر لتردده بين البيع والإجارة

(1)

، ويشتمل على غبن؛ فالأجرة فيها أعلى من أجرة المثل، فإن أعسر بالقسط الأخير مثلاً سحبت منه العين باعتبار أنها مؤجرة، ولا يرد عليه ما أخذ منه؛ بناءً على أنه استوفى المنفعة، ولا يخفى ما في هذا من الظلم، وأكل لأموال الناس بالباطل

(2)

.

نوقش: بأنه لا تخلو معاملة من غرر، والإجارة المنتهية بالتمليك لا تحتوي على غرر فاحش؛ لأن المستأجر يدخل فيها على بينة، وأنه عقد إجارة، يترتب عليه كل أحكام الإجارة، ويوقع على شرط رد العين متى أخل بالأقساط بكامل رضاه

(3)

، وإذا سحبت منه العين فما دفعه فهو مقابل المنفعة، وهو قد رضي بهذه الأجرة، ويتحمل تقصيره إن كان منه تقصير، وإن لم يكن منه تقصير بأن كان الفسخ من المؤجر، أو قوة قاهرة، أو غير ذلك فيجب أن يرد له ما زاد على أجرة المثل، ويجب أن ينص في العقد على ذلك حفظًا للحقوق

(4)

.

الدليل الثالث: "أن هذا العقد وأمثاله أدى إلى تساهل الفقراء في الديون حتى أصبحت ذمم كثير منهم مشغولة منهكة، وربما يؤدي إلى إفلاس بعض الدائنين لضياع حقوقهم في ذمم الفقراء"

(5)

.

(1)

انظر: الإجارة المنتهية بالتمليك، لمحمد المنيعي، بحث منشور في مجلة العدل، العدد الثالث عشر، 1422 هـ، ص 36.

(2)

انظر: قرار هيئة كبار العلماء، رقم 198، وتاريخ: 6/ 11/ 1420 هـ.، الإيجار الذي ينتهي بالتمليك، لابن بيه منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، ص 2161.

(3)

انظر: عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، لمحمد الحاج، ص 182.

(4)

انظر: التأجير التمويلي، للشبيلي، بحث منشور في مجلة الجمعية الفقهية، العدد الحادي عشر، 1433 هـ، ص 155.

(5)

انظر: قرار هيئة كبار العلماء العلماء رقم 198، وتاريخ: 6/ 11/ 1420 هـ.

ص: 382

نوقش: بأن هذا لا يصح دليلًا للمنع؛ لأنه سيؤدي إلى منع البيع إلى أجل، ومنع القرض، فكلها تؤدي مؤداه

(1)

، إضافة إلى أن الإجارة المنتهية بالتمليك تيسر للفقراء أن ينتفعوا بأعيان، ويتملكوا أعيانًا لا يستطيعون دفع أثمانها بالبيع

(2)

.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين لي-والله أعلم- أن الراجح جواز عقد الإجارة المنتهية بالتمليك متى ما تم الفصل بين العقدين، فلا تجري أحكامهما على العين بوقت واحد، ويجوز أن يتم العقد منذ البداية على أنه عقد بيع، للمشتري غنمه، وعليه غرمه، ويشترط عليه عدم نقل الملكية إلا بعد الانتهاء من سداد الأقساط، أو أن تنتقل ملكيته للمشتري، له غنمه وعليه غرمه، مع رهن العين واشتراط عدم التصرف بالمبيع حتى يؤدي كامل الثمن؛ وذلك لأن الأصل في المعاملات الصحة والجواز إلا ما دل الدليل على منعه، ولم يثبت دليل يمنع الإجارة المنتهية بالتمليك إلا إذا كانت أحكام الإجارة وأحكام الملك تسري على العين في وقت واحد.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في الإجارة المنتهية بالتمليك

على القول الذي يبيح الإجارة المنتهية بالتمليك فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الإجارة المنتهية بالتمليك للمصالح التي تحققها لطرفي المعاملة، فالمشتري يحصل على أعيان بسهولة ومرونة لا تتحقق بعقد البيع، والبائع يضمن حقه، فمتى أخل المشتري بالأقساط له استرداد العين المؤجرة، إلى غير ذلك من فوائد العقد

(3)

، أما على القول الذي

(1)

انظر: عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، للشثري، ص 59.

(2)

انظر: عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، لمحمد الحاج، ص 182.

(3)

انظر: بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، للقره داغي 2/ 632، استحداث العقود، للسعدني، ص 618 - 619.

ص: 383

يحرم الإجارة المنتهية بالتمليك فإن الهندسة المالية فيها لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمها؛ للمحاذير الشرعية التي تترتب عليها كالجمع بين عقدين متناقضين، وتردد المعاملة بين البيع والإجارة، وحصول الغرر فيها.

ص: 384

‌المبحث السابع:

المشاركة المنتهية بالتمليك

‌المطلب الأول: تعريف المشاركة المنتهية بالتمليك

المشاركة لغة مفاعلة من شَرَك، وهو يدل على مقارنة وخلاف انفراد، ويقال: شاركت فلانًا في الشيء، إذا صرت شريكه

(1)

. والمشاركة في اصطلاح الفقهاء لا تخرج عن المعنى اللغوي

(2)

.

وسبق تعريف التمليك، أما المشاركة المنتهية بالتمليك فقد عرفت بأنها:"شركة يعطي المصرف فيها الحق للشريك في الحلول محلة في الملكية دفعة واحدة، أو على دفعات حسبما تقتضيه الشروط المتفق عليها"

(3)

.

والتعريفات الأخرى للمشاركة المنتهية بالتمليك قريبة من هذا التعريف

(4)

.

وتسمى المشاركة المنتهية بالتمليك بأسماء أخرى: كالمشاركة المتناقصة، والمضاربة المنتهية بالتمليك

(5)

.

(1)

انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 3/ 265، لسان العرب، لابن منظور 10/ 448.

(2)

انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 3/ 36، المغني، لابن قدامة 10/ 443.

(3)

الاستثمار، لأميرة مشهور، ص 286، نقلًا من كتاب المعاملات المالية المعاصرة، لشبير، ص 338 - 339.

(4)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 171، المشاركة المتناقصة، لنزيه حماد، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر، ص 937. البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، للطيار، منشور ضمن مجموع مؤلفات ورسائل وبحوث الدكتور الطيار 11/ 505، دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، للشنقيطي 1/ 388.

(5)

انظر: دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، للشنقيطي 1/ 389، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 236.

ص: 385

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في المشاركة المنتهية بالتمليك

المشاركة المنتهية بالتمليك تعد من الابتكارات التي ابتكرتها البنوك الإسلامية، وفيها تركيب بين العقود المالية، فهي تجمع بين أكثر من عقد كالشركة والبيع، أو كالشركة والبيع والإجارة، والمشاركة التي فيها تطوير للمشاركة الدائمة، فهي تختلف عن المشاركة الدائمة في عنصر واحد وهو: الاستمرارية

(1)

، فالهندسة المالية في المشاركة المنتهية بالتمليك تجمع بين الابتكار، والتطوير.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في المشاركة المنتهية بالتمليك

الفرع الأول: حكم المشاركة المنتهية بالتمليك

اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم المشاركة المنتهية بالتمليك على قولين:

القول الأول: أنها جائزة. وهو قول جمهور المعاصرين

(2)

.

القول الثاني: أنها محرمة. وهو قول بعض المعاصرين

(3)

.

(1)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 496، العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 236.

(2)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 171، قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر، رقم 136/ 2، قرار مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدبي في 1399، الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 499.

(3)

منهم: الدكتور علي السالوس، والدكتور صالح المرزوقي، والدكتور حسين فهمي. انظر: مناقشات بحوث المشاركة المنتهية بالتمليك في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ص 1036، ص 1024، ص 1026.

ص: 386

دليل القول الأول: أن الأصل في المعاملات الصحة والجواز إلا ما دل الدليل على منعه، وحقيقة المشاركة المنتهية بالتمليك أن الشريك يشتري حصة شريكة، ولا يوجد دليل يمنع من ذلك فهي باقية على أصل الجواز

(1)

.

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن حقيقة المشاركة المنتهية بالتمليك قرض جر نفعًا، فهي تمويل وليست مشاركة، وهي شبيهة ببيع الوفاء المحرم، بل هي أسوأ منه؛ لأن الآخر ملتزم بمبلغ يدفعه، إنما في بيع الوفاء إن لم يرد العين فلا يدفع شيئا

(2)

.

نوقش: بالفرق بين بيع الوفاء، والمشاركة المنتهية بالتمليك؛ فالمشتري في بيع الوفاء يكون مالكًا للسلعة بموجب العقد، وغير مالك لها بموجب الشرط فيلزمه رد السلعة متى ما رد البائع الثمن، أما المشاركة المنتهية بالتمليك فيشترك فيها الطرفان في الربح والخسارة، ولكل شخص منهما حقوق، وعليه التزامات، فبينهما فرق كبير

(3)

.

الدليل الثاني: أن المشاركة المنتهية بالتمليك إحدى نماذج بيوع العينة المحرمة؛ حيث ينص في عقد البيع على أن يعيد المشتري بيع الأصل الذي اشتراه إلى نفس البائع المالك الأصلي، وهذه هي نفس حالة عقد المشاركة المنتهية بالتمليك

(4)

.

(1)

انظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف، للشبيلي 2/ 499.

(2)

انظر: مداخلة الدكتور علي السالوس لبحوث المشاركة المنتهية بالتمليك في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ص 1036.

(3)

انظر: المعاملات المالية المعاصرة، لشبير، ص 342.

(4)

انظر: مداخلة الدكتور حسين كامل لبحوث المشاركة المنتهية بالتمليك في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ص 1026.

ص: 387

نوقش: بالفرق بين بيع العينة والمشاركة المنتهية بالتمليك، فبيع العينة بين طرفين، والمشاركة المنتهية بالتمليك يشتري الشريكان أصلا يشتركان فيه من طرف ثالث، ولا يشتري أحدهما من الآخر ثم يعيد البيع عليه بالأجل

(1)

، وبيع العينة في الوقت نفسه، والمشاركة بعد وقت طويل، وبيع العينة لا بد أن يكون السعر لم يتغير وفي المشاركة في الغالب تتغير الأسعار

(2)

.

الدليل الثالث: أنه في المشاركة المنتهية بالتمليك يتم الوعد الملزم ببيع عين معينة غير مملوكة للشريك قبل قيام الشركة؛ والإلزام بالوعد يصيره عقدًا، فيدخل البائع في بيع ماليس عنده

(3)

.

يناقش: بأن هذا الدليل لا يكون سببًا لتحريم المشاركة المنتهية بالتمليك بجميع صورها، بل إذا حصلت هذه الصورة فهي محرمة، وما عداها على أصل الإباحة حتى يرد الدليل بمنعه.

الدليل الرابع: أن اشتراط أحد الشريكين على شريكه شراء حصته من الشركة، فإن في هذا ضمانًا لرأس المال يحوله إلى قرض، والربح الذي يأخذه منفعة على القرض، فيؤول إلى الربا

(4)

.

(1)

انظر: مداخلة الدكتور محمد القري لبحوث المشاركة المنتهية بالتمليك في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ص 1028.

(2)

انظر: مداخلة الدكتور القره داغي لبحوث المشاركة المنتهية بالتمليك في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ص 1043.

(3)

انظر: المعاملات المالية، للدبيان 15/ 155.

(4)

المرجع السابق 15/ 157.

ص: 388

يناقش: بأن المجيزين للمشاركة وضعوا لها شروطًا تحميها من الوقوع في ذلك، فمن شروطهم: "عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة، لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه

"

(1)

.

الترجيح: بعد عرض القولين، وأدلة كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز المشاركة المنتهية بالتمليك؛ لأن الأصل في المعاملات الحل إلا ما دل الدليل على منعه، وأدلة القول الثاني لا تقوى على المنع كما تقدم في مناقشتها، وللضوابط والاحتياطات التي وضعها أصحاب هذا القول التي تحميه -بإذن الله- من الوقوع في المحذور

(2)

، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن المشاركة المتناقصة وضوابطها الشرعية: "المشاركة المتناقصة مشروعة إذا التُزم فيها بالأحكام العامة للشركات، وروعيت فيها الضوابط الآتية:

أ - عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة، لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة بالقيمة السوقية يوم البيع، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع.

ب - عدم اشتراط تحمّل أحد الطرفين مصروفات التأمين أو الصيانة وسائر المصروفات، بل تحمّل على وعاء المشاركة بقدر الحصص.

ج - تحديد أرباح أطراف المشاركة بنسب شائعة، ولا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع من الأرباح أو نسبة من مبلغ المساهمة.

(1)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر، رقم 136/ 2.

(2)

انظر: مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدبي في 1399، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 171، قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر، رقم 136/ 2.

ص: 389

د - الفصل بين العقود والالتزامات المتعلقة بالمشاركة.

هـ - منع النص على حق أحد الطرفين في استرداد ما قدمه من مساهمة (تمويل) "

(1)

، ويضاف عليها إذا كان الوعد ملزمًا قبل تملك العين فلابد أن يكون على موصوف في الذمة مما يقدر على تسليمه في وقته.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في المشاركة المنتهية بالتمليك

على القول الراجح الذي يبيح المشاركة المنتهية بالتمليك فإن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت المشاركة المنتهية بالتمليك للمصالح الكبيرة التي تحققها للمشتركين، فهي أحد مصادر البنوك الإسلامية، وفيه إعانة للمشتركين معها في تحقيق مشاريعهم، إضافة إلى تنشيط الحركة الزراعية والصناعية والعمرانية، إلى غير ذلك

(2)

، أما على القول الذي يحرم المشاركة المنتهية بالتمليك فإن الهندسة المالية فيها لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمها؛ لأن العقد صار عبارة عن قرض جر نفعًا فهو تمويل، وليس مشاركة.

(1)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر، رقم 136/ 2.

(2)

انظر: البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، للطيار، منشور ضمن مجموع مؤلفات ورسائل وبحوث الدكتور الطيار 11/ 505.

ص: 390

‌المبحث الثامن:

بطاقات الائتمان

‌المطلب الأول: تعريف بطاقات الائتمان

قبل تعريف مصطلح بطاقة الائتمان، لابد من تعريف البطاقة أولًا، ثم الائتمان ثانيًا، الكلمتان اللتان يتركب منهما هذا المصطلح.

فالبطاقة في اللغة: الورقة، والرقعة الصغيرة

(1)

، جاء في المحكم: "البطاقة: الورقة

والبطاقة: الرقعة الصَّغِيرَة، تكون فِي الثَّوْب وفيهَا رقم ثمنه"

(2)

. ويقال سميت بذلك؛ لأنها تشد بطاقة من هدب الثوب

(3)

. والبطاقة في الاصطلاح بمعناها اللغوي.

والائتمان لغة مصدر على وزن افتعال مأخوذ من الأمن، والأمن: ضد الخوف، والأمانة: ضد الخيانة

(4)

، يقول ابن فارس:" الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة"

(5)

، ويقال أمنته على كذا، وائتمنته بمعنى واحد: أي وثقت به

(6)

.

والائتمان مصطلح اقتصادي، وعرف عندهم بأنه:"منح حق استخدام أو امتلاك السلع والخدمات، دون دفع القيمة فورًا"

(7)

.

(1)

انظر: الصحاح، للفارابي 4/ 1450، المحكم، لابن سيده 6/ 295، لسان العرب، لابن منظور 10/ 21.

(2)

المحكم، لابن سيده 6/ 295.

(3)

انظر: الصحاح، للفارابي 4/ 1450، لسان العرب، لابن منظور 10/ 21.

(4)

انظر: الصحاح، للفارابي 5/ 2071، لسان العرب، لابن منظور 13/ 21.

(5)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 1/ 133.

(6)

انظر: الصحاح، للفارابي 5/ 2071، لسان العرب، لابن منظور 13/ 21.

(7)

موسوعة المصطلحات الإقتصادية والإحصائية، لعبدالعزيز فهمي هيكل، ص 192.

ص: 391

أما عند الفقهاء فلا يخرج معنى الائتمان عن معناه اللغوي

(1)

.

أما تعريف مصطلح بطاقة الائتمان فقد عرفها مجمع الفقه بأنها: "مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري - بناء على عقد بينهما - يمكنه من شراء السلع أو الخدمات، ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالًا، لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف على حساب المصدر"

(2)

.

وهناك عدة تعريفات للبطاقة الائتمانية، كلها قريبة من التعريف الذي ذكره المجمع

(3)

، ويمكن أن تعرف بتعريف مختصر بأنها: بطاقة تتيح لحاملها شراء حاجاته، والسحب النقدي دينًا على مصدرها، والسداد له آجلًا.

ويرى الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان أن العنوان الصحيح لبطاقات الائتمان هو: "بطاقات الإقراض"؛ لأنه هو الوصف المناسب الدال على حقيقتها، وماهيتها، أما كلمة:"ائتمان" فليس عنوانًا صحيحًا، ولا وصفًا مناسبًا؛ إذ إنه لا أثر له أصلًا، أو وضعًا في صحة تكييف العقد فيبنى عليه حكم، ولا يشير أصالة إلى حقيقته، ولا يتفق مع الأصل المترجم عنه

(4)

، وخالفه غيره ورأى أن الائتمان هو التسمية الصحيحة لهذه البطاقة

(5)

، ولا مشاحة في الاصطلاح، فالعبرة بحقيقة البطاقة لا باسمها.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي 19/ 67، البيان والتحصيل، لابن رشد 2/ 604، روضة الطالبين، للنووي 3/ 449، كشاف القناع، للبهوتي 4/ 267.

(2)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، رقم 63/ 1.

(3)

انظر: العقود المالية المركبة، للعمراني، ص 350، عقود التمويل المستجدة، لحامد ميرة، ص 388 - 389.

(4)

انظر: البطاقات البنكية، لعبدالوهاب أبو سليمان، ص 21 - 22.

(5)

انظر: فقه المعاملات المالية المعاصرة، للخثلان، ص 152 - 153.

ص: 392

‌المطلب الثاني: الهندسة المالية الإسلامية في بطاقات الائتمان

البطاقات الائتمانية من المعاملات المالية المستجدة، وهي من ابتكارات البنوك التقليدية، وفيها تركيب بين العقود

(1)

، فهي تجمع بين القرض، والوكالة، والكفالة، أو الحوالة، على حسب التكييف الفقهي للعلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها، والعلاقة بين التاجر ومصدر البطاقة

(2)

، وقد طورت بعض البنوك الإسلامية البطاقات الائتمانية فلم تشترط فوائد على التأخير؛ لأن معظم بطاقات الائتمان ترتب فوائد على تأخير دفع حامل البطاقة لما استحق عليه إذا تجاوز فترة السماح أو المطالبة

(3)

؛ فالهندسة المالية في البطاقات الائتمانية تجمع بين الابتكار، والتطوير.

وتنقسم البطاقات الائتمانية قسمين:

القسم الأول: بطاقات مغطاة، وتسمى بطاقات السحب المباشر من الرصيد؛ وهي تمنح للعميل الذي له حساب في البنك، والخصم يكون من حسابه

(4)

.

القسم الثاني: بطاقات غير مغطاة؛ وهي تتنوع إلى نوعين:

(1)

انظر: قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 156.

(2)

انظر: الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية، لإرشيد، ص 185 - 190، فقه الأولويات في المعاملات المالية المعاصرة، للعايدي، ص 231 - 237.

(3)

انظر: بطاقة الائتمان، لعبدالستار أبو غدة، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 526.

(4)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 16، بطاقات الائتمان غير المغطاة، لمحمد القري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر، ص 1384.

ص: 393

النوع الأول: بطاقات الائتمان غير المدار، أو غير المتجدد؛ وهي تخول لحاملها الاقتراض من البنك إلى حد معين، فإن سدد، وإلا تلغى بطاقته الائتمانية، مع دفع غرامة مالية على التأخير، وبعض المصارف الإسلامية لا تأخذ فوائد على القرض حين التأخر

(1)

.

النوع الثاني: بطاقات الائتمان المدار أو المتجدد؛ وهي الأكثر انتشارًا في العالم، ويحق لحاملها الاقتراض من البنك إلى حد معين، ويتم تسديد الدين على أقساط مع زيادة ربوية مشروطة، وهو قابل للتجدد، فكلما سدد جزءًا من القرض يحق له الاقتراض مرة أخرى إلى أن يصل الحد الأعلى لبطاقته

(2)

.

‌المطلب الثالث: دراسة للهندسة المالية الإسلامية في بطاقات الائتمان

الفرع الأول: حكم بطاقات الائتمان

البطاقات الائتمانية المغطاة لا خلاف في جوازها، ما لم يحصل لها شرط ينقلها من الجواز إلى الحرمة كالشروط الربوية

(3)

؛ لأن العميل يسحب من رصيده، وليس فيها إقراض له، يقول الدكتور وهبة الزحيلي: "فلا شك أن بطاقة الائتمان إذا كانت بغطاء

(1)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 16، البطاقات البنكية، لعبدالوهاب أبو سليمان، ص 136، عقود التمويل المستجدة، لحامدة ميرة، ص 390.

(2)

انظر: المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 16، البطاقات البنكية، لعبدالوهاب أبو سليمان، ص 136، قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، ص 149.

(3)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر، رقم 139/ 5، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 17، فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 527.

ص: 394

نقدي من حساب العميل فكلنا نتفق على جوازها"

(1)

. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، بشأن بطاقات الائتمان:"يجوز إصدار بطاقات الائتمان المغطاة، والتعامل بها، إذا لم تتضمن شروطها دفع الفائدة عند التأخير في السداد"

(2)

.

أما البطاقات الائتمانية غير المغطاة فهي محرمة

(3)

؛ لما تشتمل عليه من الفائدة الربوية، فإن خلت منها فهي جائزة، وهو ما أخذت به المصارف الإسلامية

(4)

، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن موضوع بطاقات الائتمان غير المغطاة: " أولا: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة، ولا التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد ضمن فترة السماح المجاني.

ثانيا: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين"

(5)

.

الفرع الثاني: أثر الهندسة المالية في بطاقات الائتمان

الهندسة المالية الإسلامية أنتجت البطاقات الائتمانية المغطاة وغير المغطاة التي حذف منها شرط الزيادة الربوية للمصالح الكبيرة التي تحققها، فهي تحقق الأمان لحامليها من سرقة النقود، أو ضياعها مع يسر حملها، مع الاستفادة من القرض الحسن في البطاقات

(1)

مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ص 536.

(2)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر، رقم 139/ 5.

(3)

انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر، رقم 108/ 2، المعايير الشرعية للمؤسسات الإسلامية، ص 17، فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 520.

(4)

انظر: عقود التمويل المستجدة، لحامد ميرة، ص 419، الشروط التعويضية، لعياد العنزي 1/ 419.

(5)

قرار مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر، رقم 108/ 2.

ص: 395

غير المغطاة التي تصدرها المصارف الإسلامية، وتضمن لأصحاب الحقوق أداء حقوقهم من مصدري البطاقة، وهي سبب لزيادة المبيعات في المحلات التجارية، مع انتفاع مصدري البطاقات الائتمانية بكسب مزيد من العملاء، وأخذ الرسوم على الاشتراك والتجديد، والاستبدال مقابل الخدمة التي يقدمها لحاملي البطاقات الائتمانية، مع سلامتها من المحظور الشرعي، إلى غير ذلك من المصالح التي تحققها البطاقات الائتمانية

(1)

، أما البطاقات الائتمانية غير المغطاة التي لم يحذف منها الشرط الربوي فإن الهندسة المالية فيها لا تعد إسلامية، وهي سبب في تحريمها؛ لما تشتمل عليه من الزيادة الربوية على أصل الدين.

(1)

انظر: الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية، لإرشيد، ص 181، فقه الأولويات في المعاملات المالية المعاصرة، للعايدي، ص 227 - 228.

ص: 396

الخاتمة

ص: 397

‌الخاتمة

وبعد؛ فإني أحمد لله الذي يسر لي كتابة هذا البحث، وأعانني على إتمامه، وفي نهايته أود تدوين أبرز النتائج التي توصلت لها، وأهم التوصيات؛ فأبرز ما توصلت له من نتائج:

1 -

إن الهندسة المالية من حيث الممارسة والتعامل قديمة قدم المعاملات المالية، أما من حيث المصطلح فهي حديثة النشأة.

2 -

إن للهندسة المالية الإسلامية أهمية كبيرة فهي تقوم بابتكار عقود، وتطوير عقود منضبطة بالضوابط الشرعية، وتساهم في كسر حلقة التبعية للعالم الغربي، وهي البديل، والعلاج للأزمات المالية التي يشهدها العالم.

3 -

إن للهندسة المالية الإسلامية أهدافًا عظيمة من أهمها إيجاد المؤسسات المصرفية الخالية من المخالفات الشرعية، والتي تمكن تنفيذ معاملات المسلمين وفقًا لمعتقداتهم الدينية.

4 -

تتميز الأدوات التي تبتكرها أو تطورها الهندسة المالية الإسلامية بميزتين: الميزة الأولى: المصداقية الشرعية، الميزة الثانية: الكفاءة الاقتصادية.

5 -

من العوائق أمام الهندسة المالية الإسلامية غياب الكفاءات البشرية التي تتمتع بمعرفة أساسيات العلوم المالية المصرفية، مع الإلمام بالفقه الإسلامي.

6 -

تتفق الهندسة المالية الإسلامية مع الهندسة المالية التقليدية بأن كلتيهما يبتكر ويطور أدوات مالية، ويختلفان في أن الهندسة المالية الإسلامية ملتزمة بالأحكام الشرعية، خلافًا للهندسة المالية التقليدية التي لا تلتزم بذلك.

7 -

إن للهندسة المالية الإسلامية مستندات شرعية من السنة النبوية، فالسلم عبارة عن هندسة مالية إسلامية، ومن اجتهادات الصحابة، فقد ابتكروا الصكوك إلى العطاء، ومن المقاصد الشرعية، فهي تحقق مصالح عظيمة للناس، وترفع عنهم الحرج، ومن

ص: 399

القواعد الفقهية فإن الأصل في العقود الصحة إلا ما دل الدليل على منعه، والأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على منعه.

8 -

تستخدم الهندسة المالية الإسلامية في هندستها للعقود الأدوات التالية: الحيل والمخارج الشرعية، والرخص الشرعية، والاستحسان، وسد الذرائع وفتحها، والتلفيق، وتركيب العقود.

9 -

إن للهندسة المالية الإسلامية ضوابط خاصة بها، وضوابط خاصة بالمهندس المالي، أما الضوابط الخاصة بالمهندس المالي فهي: الخبرة بالعمل المصرفي، والشؤون المصرفية، العلم بالسوق وحاجاته، وأما الضوابط الخاصة بالهندسة المالية الإسلامية فهي: عدم مخالفة الهندسة المالية الإسلامية للشرع، وسلامتها من العيوب الشكلية للعقود.

10 -

من المخالفات الشرعية للهندسة المالية: مخالفة النص، أو التحايل أو التذرع للتوصل للحرام، أو منافاة الحكمة التي حرمت لأجلها بعض العقود.

11 -

لسلامة الهندسة المالية الإسلامية من العيوب الشكلية للعقود ينبغي ألا تجمع بين العقود المتناقضة، وألا تكون مجرد تغيير في التكييف الفقهي للمعاملات المحرمة، وألا تكون مجرد قيود شكلية.

12 -

من تطبيقات الهندسة المالية في الفقه الإسلامي بيع الوفاء، وبيع الاستجرار، وبيع العينة، والسُفْتَجة، والتورق، والإجارة الموصوفة في الذمة.

13 -

إن الهندسة المالية في بيع الوفاء لا تعد إسلامية، وهي سبب لتحريمه؛ لأن حقيقة بيع الوفاء قرض جر نفعًا مشروطًا في بداية العقد.

14 -

إن الهندسة المالية الإسلامية انتجت بيع الاستجرار إذا كان ثمن السلعة في السوق يتفاوت تفاوتًا يسيرًا، أو كان موحدًا في السوق لينتفع المشتري في تأخير السداد، وينتفع البائع في كثرة العملاء.

15 -

إن الهندسة المالية في بيع العينة لا تعد إسلامية؛ لأن العينة حيلة للتوصل للربا.

ص: 400

16 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت السُفْتَجة لينتفع به المقرض والمقترض معًا؛ المقرض ينتفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، وينتفع المقترض أيضا بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريق، فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض.

17 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت التورق مخرجًا شرعيًا عن الربا، يستفيد البائع الربح، ويحصل المشتري على المال، والسلعة تدار في السوق

18 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الإجارة الموصوفة في الذمة لتحقق مصالح للمؤجر والمستأجر؛ فالمؤجر يضمن تأجير العين قبل وجودها، وحصوله على النقد عاجلًا أو مقسطًا قبل تسليم العين، وأن العين مسجلة باسمه وبإمكانه أن يبيعها، أو يبرم عقد إجارة جديد بعد انتهاء المدة المحددة، والمستأجر ينتفع بأنه قد لا يجد النقد لبناء عين ذات مواصفات معينة فيتمكن عن طريق الإجارة الموصوفة في الذمة أن يتعاقد مع مؤجر مقتدر يحقق له ذلك، وأن المؤجر يظل مسؤولًا عن العين المؤجرة، ويتطلب منه الاهتمام بالعين وإبرام العديد من العقود كعقود الصيانة الإصلاحية، والصيانة الطارئة، وغيرها، إلى غير ذلك من المصالح التي تعود للطرفين المتعاقدين، وللاقتصاد العام كله.

19 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت السلم الموازي فللهندسة للمصالح الكبيرة التي يحققها، فعن طريق السلم الموازي يتم تمويل المنتجين ليحققوا نفعا بالغا ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم، ويمكن تمويل صغار المنتجين الزراعيين، والصناعيين، عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات، وآلات، أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.

20 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الاستصناع الموازي لدوره الكبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي.

21 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الصكوك الإسلامية للمصالح الكبيرة التي تقدمها؛ فهي أداة مهمة لتنشيط الاقتصاد الإسلامي.

ص: 401

22 -

إن الهندسة المالية في التورق المصرفي لا تعد إسلامية؛ وذلك للمحاذير الشرعية في التورق المصرفي فهو لا يختلف عن معاملة العينة، ولا يتم فيه ملك حقيقي للسلع أو قبض حقيقي لها.

23 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان الوعد غير ملزم، أو كان ملزمًا وكان البيع لموصوف بالذمة مما يقدر على تسليمه في وقته؛ لأنه يغطي جانبًا من جوانب الحاجة التي لا يمكن تحقيقها عن طريق المضاربة والمشاركة فيحدد صاحب الحاجة ما يرغب فيه ويقوم المصرف بالشراء بناء على طلب صاحب الحاجة، مع ما يتمتع به من مرونة وملائمة لطبيعة العمل المصرفي.

24 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت الإجارة المنتهية بالتمليك للمصالح التي تحققها لطرفي المعاملة، فالمشتري يحصل على أعيان بسهولة ومرونة لا تتحقق بعقد البيع، والبائع يضمن حقه، فمتى أخل المشتري بالأقساط له استرداد العين المؤجرة، إلى غير ذلك من فوائد العقد.

25 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت المشاركة المنتهية بالتمليك للمصالح الكبيرة التي تحققها للمشتركين، فهي أحد مصادر البنوك الإسلامية، وفيه إعانة للمتشاركين معها في تحقيق مشاريعهم، إضافة إلى تنشيط الحركة الزراعية والصناعية والعمرانية.

26 -

إن الهندسة المالية الإسلامية أنتجت البطاقات الائتمانية المغطاة وغير المغطاة التي حذف منها شرط الزيادة الربوية للمصالح الكبيرة التي تحققها فهي تحقق الأمان لحامليها من سرقة النقود، أو ضياعها مع يسر حملها، إلى غير ذلك من المصالح التي تحققها، أما البطاقات الائتمانية غير المغطاة التي لم يحذف منها الشرط الربوي فإن الهندسة المالية فيها لا تعد إسلامية، وهي سبب في تحريمها؛ لما تشتمل عليه من الزيادة الربوية على أصل الدين.

ص: 402

هذه هي أبرز النتائج، أما أهم التوصيات، فهي:

1 -

أن يكون هناك تعاون بين المصارف الإسلامية، والكليات الشرعية، ومن الأمور التي يمكن التعاون عليها:

أ- أن يزود المصرف الإسلامي الكليات الشرعية بما استجد عنده من العقود؛ ليقوم الدكاترة بدراستها في بحوث الترقية، أو يكلف طلاب الدراسات العليا ببحثها.

ب- أن ترتب الكليات الشرعية للطلاب زيارات للمصارف الإسلامية خاصة طلاب الدراسات العليا الذين يدرسون المعاملات المعاصرة فيجمعوا بين الجانب النظري، والتطبيقي للعقود التي درسوها، فمشاهدة التطبيق يساعد على فهم العقود أكثر من قراءتها من الكتب.

ج- أن تقام دورات شرعية في المصارف الإسلامية من قبل دكاترة الشريعة، وتقام دورات اقتصادية في الكليات الشرعية من قبل الاقتصاديين الذين يعملون في المصارف الإسلامية.

2 -

أن تضاف مقررات في برامج الدراسات العليا في الفقه الإسلامي فيها بيان المصطلحات الاقتصادية الوضعية، وفهم مقصودها، والعلاقة بينها وبين المصطلحات الشرعية، خاصة أن غالب اللجان الشرعية في المصارف الإسلامية مكونة من طلاب الكليات الشرعية وهم بحاجة إلى معرفة المصطلحات الاقتصادية الوضعية.

3 -

أن موضوع الهندسة المالية الإسلامية مهم، وهو بحاجة إلى العديد من الدورات، وورش العمل، وحلقات النقاش في الهندسة المالية الإسلامية بالمشاركة من الاقتصاديين، والفقهاء الشرعيين.

4 -

أن يشارك طلاب الدراسات العليا، والدكاترة في الفقه الإسلامي في الكتابة في الهندسة المالية الإسلامية، فموضوعها كبير، وهناك مباحث يمكن أن تفرد في رسالة مستقلة، فمثلًا أي أداة من أدوات الهندسة المالية الإسلامية يمكن أن تكون عنوان رسالة مستقلة مع بيان التطبيقات الخاصة بهذه الأداة في الهندسة المالية الإسلامية.

ص: 403

5 -

أن تحرص المصارف الإسلامية على أن يكون المهندس المالي مرتاضًا في الشريعة، بصيرًا بالمصالح المعتبرة فيها، وإذا لم تجد من يمتلك هذا الصفات، فعليها أن تعرض العقود بعد هندستها على أهل العلم في المجامع، والهيئات الشرعية، وأن تلتزم بما قالوا، وأن تراعي الشروط التي يضعونها لصحة العقد، فإن عدم مراعاة الضوابط الشرعية التي يضعها أهل العلم لجواز المعاملات يجعل بعض المعاملات لا تختلف عن نظيرتها في البنوك الربوية، وهذا يؤثر على سمعة المصرف الإسلامي ويفتح ألسنة بعض الناس بنقده، والتشكيك في مصداقية معاملاته، وفي نزاهة هيئته الشرعية.

6 -

أن تبتعد المصارف الإسلامية في هندسة العقود المالية عن التحايل على العقود المحرمة، فإن الناس لم يتوجهوا لها إلا طلبًا لمرضاة الله، والتحايل على المحرمات لا يرضي الله تعالى.

7 -

على المصارف الإسلامية أن تحرص في هندستها المالية للعقود أن تجمع بين المصداقية الشرعية، والكفاءة الاقتصادية، فمن أبرز ما يميز الهندسة المالية الإسلامية جمعها بين هذين العنصرين.

هذه هي أبرز النتائج، وأهم التوصيات، وما كان في هذه الرسالة من خطأ فمن نفسي والشيطان، وما كان فيها من صواب فمن الله وحده. أسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.

ص: 404

‌المصادر والمراجع

1 -

أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، دار أولي النهى، الرياض، الطبعة الثانية 1412 هـ.

2 -

ابن حنبل حياته وعصره، لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، طبعة عام 2008 م.

3 -

الإبهاج في شرح المنهاج، لأبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي، دار الكتب العلمية، بيروت، عام 1416 هـ.

4 -

إتباع الآثار في حكم تحديد أرباح التجار، لأشرف بن محمود بن عقلة الكناني، دار النور، الأردن، الطبعة الأولى 1432 هـ.

5 -

الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض عن ضرر المماطل، بحث منشور في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، الصادرة من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، المجلد الثالث، العدد الأول، 1405 هـ.

6 -

أثر مستقبل اختلاف الفتوى على تطبيق المنتجات المالية في المصارف الإسلامية، لمحمود إدريس، بحث منشور في مؤتمر الفتوى واستشراف المستقبل في جامعة القصيم، في الفترة 20 - 21/ 6/ 1434 هـ.

7 -

الإجارة المنتهية بالتمليك، لخالد بن عبدالله الحافي، الطبعة الأولى 1420 هـ.

8 -

الإجارة المنتهية بالتمليك، لمحمد المنيعي، بحث منشور في مجلة العدل، العدد الثالث عشر، 1422 هـ.

9 -

الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط، ليوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1418 هـ.

10 -

الاجتهاد، عبدالمنعم النمر، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ص: 407

11 -

الإجماع، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: صغير أحمد حنيف، مكتبة مكة الثقافية، الإمارات، الطبعة الثانية 1424 هـ.

12 -

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لمحمد بن علي بن دقيق العيد، مطبعة السنة المحمدية.

13 -

أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة، لمبارك بن سليمان آل سليمان، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1426 هـ.

14 -

أحكام التمويل المصرفي المشترك، لعبدالملك بن صالح آل فريان، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1433 هـ.

15 -

أحكام الفوائد الربوية في القانون الكويتي والشريعة الإسلامية، لنزال عقاب الهاجري، الطبعة الأولى 2005 م.

16 -

أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبدالله بن العربي، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1424 هـ.

17 -

أحكام القرآن، لأحمد بن علي المكني بأبي بكر الرازي الجصاص الحنفي، تحقيق: محمد الصادق قمحاوى دار احياء التراث العربى، بيروت، لبنان، طبعة عام 1405 هـ.

18 -

أحكام القرآن، لعماد الدين بن محمد الطبري المعروف بالكيا الهراسي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1405 هـ.

19 -

أحكام المعاملات الشرعية، لعلي الخفيف، دار الفكر العربي، طبعة عام 1426 هـ.

20 -

أحكام عقود الإذعان في الفقه الإسلامي، لمنال جهاد أحمد خلة، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة، عام 1429 هـ.

21 -

الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد علي بن حزم، تحقيق: أحمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

ص: 408

22 -

الإحكام في أصول الأحكام، لأبي الحسن علي بن محمد الآمدي، تحقيق: عبدالرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت.

23 -

الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، لأبي الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي، تعليق: محمد بن صالح العثيمين، تحقيق: أحمد بن محمد الخليل، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1428 هـ.

24 -

اختبار الفتاوى المالية، هل المشكلة في الفتوى أم في التطبيق؟، لرفيق بن يونس المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2007 - 2008 م.

25 -

الاختيار لتعليل المختار، عبدالله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، عليها تعليقات: الشيخ محمود أبو دقيقة، الناشر: مطبعة الحلبي، القاهرة، طبعة عام 1356 هـ.

26 -

الاختيارات الجلية في المسائل الخلافية، لعبدالله بن عبدالرحمن البسام، بحاشية نيل المآرب، لعبدالله البسام، طبع على نفقة الأميرة العنود بنت عبدالعزيز آل سعود الخيرية.

27 -

إدارة البنوك الإسلامية، لشهاب أحمد سعيد العزعزي، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1433 هـ.

28 -

إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية، لفضل عبدالكريم محمد، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2007 - 2008 م.

29 -

إدارة المخاطر، لابن علي بلعزوز، وعبدالكريم قنوز، وعبدالرزاق حبار، مؤسسة الوراق، الأردن، الطبعة الأولى 2013 م.

ص: 409

30 -

أدب الطلب ومنتهى الأدب، لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، تحقيق: عبد الله يحيى السريحي، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.

31 -

الأذكار، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر، بيروت، طبعة عام 1414 هـ.

32 -

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: أحمد عزو عناية، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1419 هـ.

33 -

أساس البلاغة، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: محمد باسل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.

34 -

أسباب الأزمة المالية وجذورها، للجوزي جميلة، بحث منشور في الانترنت.

35 -

استحداث العقود في الفقه الإسلامي، لقنديل علي مسعد السعدني، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1433 هـ.

36 -

الاستحسان، لعجيل النشمي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة الأولى، العدد الأول، 1404 هـ.

37 -

الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1421 هـ.

38 -

الاستصناع، للثبيتي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع.

39 -

أسلوب المرابحة والجوانب الشرعية التطبيقية في المصارف الإسلامية، لعبدالستار أبو غدة، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

40 -

أسنى المطالب، لزكريا بن محمد بن زكريا، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصر.

41 -

الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي، لأحمد بن محمد الخليل، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1424 هـ.

ص: 410

42 -

الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية، لسليمان عبدالقوي الطوفي، تحقيق: حسن بن عباس قطب، دار الفاروق الحديثة، القاهرة.

43 -

الأشباه والنظائر، لجلال الدين عبدالرحمن السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ.

44 -

الأشباه والنظائر، لزين العابدين بن ابرهيم بن نجيم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ.

45 -

الأشباه والنظائر، لعبد الوهاب بن علي السبكي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ.

46 -

الإشراف على مذاهب أهل العلم، لمحمد بن إبراهيم المنذري النيسابوري، تحقيق: صغير أحمد الأنصاري، مكتبة مكة الثقافية، الإمارات، الطبعة الأولى 1425 هـ.

47 -

الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر، تحقيق: عبدالله التركي، دار هجر، القاهرة، الطبعة الأولى 1429 هـ.

48 -

الأصول الاجتهادية التي يبنى عليها المذهب المالكي، لحاتم باي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى 1432 هـ.

49 -

أصول السرخسي، لأبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة، بيروت.

50 -

أصول الشاشي، لأبي علي أحمد بن محمد الشاشي، دار الكتاب العربي، بيروت.

51 -

أصول الفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1426 هـ.

52 -

أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، لعياض بن نامي السلمي، دار التدمرية، الرياض، الطبعة الثانية 1427 هـ.

ص: 411

53 -

أصول الفقه عند الصحابة رضي الله عنهم معالم في المنهج، لعبدالعزيز العويد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، الطبعة الأولى 1432 هـ.

54 -

أصول الفقه، لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، طبعة عام 1417 هـ.

55 -

أصول مذهب الإمام أحمد، لعبد الله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة 1416 هـ.

56 -

الأصول والضوابط، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ.

57 -

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، دار الفكر، بيروت، طبعة عام 1415 هـ.

58 -

أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للإمام الدارقطني، لأبي الفضل محمد بن طاهر بن علي الشيباني، المعروف بابن القيسراني، تحقيق: محمود محمد محمود حسن نصار، السيد يوسف، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.

59 -

إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، لأبي بكر بن محمد شطا الدمياطي، دار الفكر، الطبعة الأولى 1418 هـ.

60 -

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، لصالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1423 هـ.

61 -

اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي، لوليد الحسين، دار التدمرية، الرياض، الطبعة الأولى 1429 هـ.

62 -

الاعتصام، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1412 هـ.

ص: 412

63 -

إعلام الموقعين، لمحمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ

64 -

الأعلام، لخير الدين بن محمود بن محمد الزركلي، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشرة 2002 م.

65 -

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لمحمد بن أبي بكر بن القيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض.

66 -

اقتصاديون أوروبيون يطالبون بتبني فكر المصارف الإسلامية بعد الأزمة العالمية، منشور على الانترنت.

67 -

الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لشرف الدين موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة، بيروت.

68 -

الأم، لمحمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت 1410 هـ.

69 -

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين بن سليمان المرداوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية.

70 -

الأوراق المقدمة لندوة اشتراط الربط بين عقود المصارف الإسلامية، المنعقدة في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي بجدة، في 22 - 23/ 8/ 1425 هـ.

71 -

الإيجار الذي ينتهي بالتمليك، لابن بيه، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

72 -

الإيجار المنتهي بالتمليك، لحسن الشاذلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

ص: 413

73 -

الإيجار المنتهي بالتمليك، لمحمد الألفي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر.

74 -

إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام أبي عبد الله مالك، لأحمد بن يحيى الونشريسي، تحقيق: الصادق بن عبد الرحمن الغرباني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1427 هـ.

75 -

بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، ليوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي الصالحي، تحقيق وتعليق: روحية عبد الرحمن السويفي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1413 هـ.

76 -

البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين بن نجيم الحنفي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثانية.

77 -

البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي، دار الكتبي، الطبعة الأولى 1414 هـ.

78 -

بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، لمحمد الأشقر، وماجد محمد أبورخية، ومحمد عثمان شبير، وعمر الأشقر، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1418 هـ.

79 -

بحوث في الاقتصاد الإسلامي، لعلي محيي الدين علي القرة داغي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1434 هـ.

80 -

بحوث في المصارف الإسلامية، لرفيق بن يونس المصري، دار المكتبي، دمشق، الطبعة الأولى 2001.

81 -

بحوث في فقه البنوك الإسلامية، لعلي محيي الدين القره داغي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1434 هـ.

82 -

بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، لعلي محيي الدين علي القرة داغي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1434 هـ.

ص: 414

83 -

بحوث في قضايا فقهية معاصرة، لمحمد تقي العثماني، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1419 هـ.

84 -

بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة، لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، مكتبة ومطبعة محمد علي صبح، القاهرة.

85 -

بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لمحمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي، دار الحديث، القاهرة، طبعة عام 1425 هـ.

86 -

البداية والنهاية، لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، الطبعة الأولى 1418 هـ

87 -

بدائع الصنائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1406 هـ.

88 -

البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، لمحمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

89 -

البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني، تحقيق: صلاح عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.

90 -

بطاقات الائتمان غير المغطاة، لمحمد القري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر.

91 -

البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد، لعبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1424 هـ.

92 -

بطاقة الائتمان، لعبدالستار أبو غدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع.

ص: 415

93 -

بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، لأبي محمد الحارث بن محمد بن داهر التميمي المعروف بابن أبي أسامة، جمع: علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، تحقيق: حسين أحمد صالح الباكري، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1413 هـ.

94 -

بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين، للسيد عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور با علوي، المطبعة الميمنية، القاهرة، طبعة عام 1325 هـ.

95 -

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، لعبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، لبنان.

96 -

بلوغ المرام، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: حسن بن نور المروعي، دار الآثار، صنعاء، اليمن، الطبعة الأولى 1428 هـ.

97 -

البناية شرح الهداية، لمحمود بن أحمد بن موسى العيني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1420 هـ.

98 -

البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق، للطيار، منشور ضمن مجموع مؤلفات ورسائل وبحوث الدكتور عبدالله بن محمد الطيار، دار التدمرية، الرياض، الطبعة الأولى 1432 هـ.

99 -

البورصات والهندسة المالية، لفريد النجار، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، طبعة عام 1999 م.

100 -

بيان الدليل على بطلان التحليل، لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق: أحمد بن محمد الخليل، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1425 هـ.

101 -

بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، لمحمود بن عبد الرحمن الأصفهاني، تحقيق: محمد مظهر بقا، دار المدني، السعودية، الطبعة الأولى، 1406 هـ

ص: 416

102 -

بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، لعلي بن محمد بن عبد الملك بن القطان، تحقيق: الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ.

103 -

البيان في مذهب الإمام الشافعي، لأبي الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي، تحقيق: قاسم محمد النوري، دار المنهاج، جدة، الطبعة الأولى 1421 هـ.

104 -

البيان والتحصيل، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيرت، لبنان، الطبعة الثانية 1408 هـ.

105 -

بيع التقسيط وأحكامه، لسليمان بن تركي التركي، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1424 هـ.

106 -

بيع العينة والتورق، لهناء محمد الحنيطي، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1433 هـ.

107 -

بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية، ليوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.

108 -

بيع المرابحة للآمر بالشراء، لبكر أبو زيد، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

109 -

بيع المرابحة للآمر بالشراء، لرفيق المصري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

110 -

بيع المرابحة للآمر بالشراء، لسامي حمود، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

111 -

البيع المؤجل، لعبد الستار أبو غدة، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، الطبعة الثانية 1424 هـ.

ص: 417

112 -

بيع الوفاء وآثاره بين الشريعة والقانون الكويتي، لخالد العتيبي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 26، العدد 84، 1432 هـ.

113 -

تاج التراجم في طبقات الحنفية، لقاسم بن قطلوبغا السودوني الجمالي الحنفي، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، دار القلم، الطبعة الأولى 1413 هـ.

114 -

تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، تحقيق: عبدالحليم الطحاوي، وزارة الإعلام بالكويت، طبعة عام 1400 هـ

115 -

التاج والإكليل لمختصر خليل، لمحمد بن يوسف المواق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ.

116 -

التأجير التمويلي، ليوسف الشبيلي، مجلة الجمعية الفقهية، العدد الحادي عشر، 1433 هـ.

117 -

التأجير المنتهي بالتمليك و الصور المشروعة فيه، لعبد الله محمد، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

118 -

تأجيل البدلين في عقود المعاوضات، لياسر عجيل النشمي، دار الضياء، الكويت، الطبعة الأولى 1432 هـ.

119 -

التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثاني، لأبي بكر أحمد بن أبي خيثمة، تحقيق: صلاح بن فتحي هلال، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 1427 هـ.

120 -

التأمين وإعادة التأمين، لوهبة الزحيلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني.

121 -

تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لإبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري، مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى 1406 هـ.

ص: 418

122 -

التبصرة في أصول الفقه، لأبي اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر، دمشق، الطبعةالأولى 1403 هـ.

123 -

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، وبهامشه حاشية شهاب الدين أحمد بن محمد الشِّلْبِيُّ، المطبعة الأميرية، بولاق، القاهرة، الطبعة الأولى 1313 هـ.

124 -

تجربة البنوك التجارية السعودية في بيع المرابحة، لعبدالرحمن بن حامد الحامد، دار بلنسية، الرياض، الطبعة الأولى 1424 هـ.

125 -

التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، تحقيق: عبدالرحمن بن عبدالله الجبرين، وعوض بن محمد القرني، وأحمد بن محمد سراج، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1421 هـ.

126 -

تحرير الكلام في مسائل الالتزام، لأبي عبد الله محمد بن محمد الحطاب، تحقيق: عبد السلام محمد الشريف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1404 هـ.

127 -

التحرير والتنوير، لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، الدار التونسية، تونس، طبعة عام 1984 هـ.

128 -

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لمحمد عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت.

129 -

تحفة الفقهاء، لعلاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ.

130 -

تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لأحمد بن حجر الهيتمي، وبهامشه حاشية الإمام عبد الحميد الشرواني، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، طبعة عام 1357 هـ.

ص: 419

131 -

التحقيق في بطلان التلفيق، لمحمد بن أحمد السفاريني، اعتنى به: عبدالعزيز الدخيل، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ.

132 -

التخريج عند الفقهاء والأصوليين، ليعقوب الباحسين، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثالثة 1428 هـ.

133 -

تذكرة الأريب في تفسير الغريب، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: طارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1425 هـ.

134 -

تذكرة المحسنين بوفيات الأعيان وحوادث السنين، لعبدالكريم بن المجذوب الفاسي، تنسيق وتحقيق محمد حجي وَأحمد توفيق، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1417 هـ.

135 -

ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض بن موسى بن عياض السبتي، تحقيق: محمد الطبخي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، الطبعة الثانية 1403 هـ.

136 -

التطبيقات المصرفية لبيع المرابحة في ضوء الفقه الإسلامي، لعطية فياض، دار النشر للجامعات، القاهرة، الطبعة الأولى 1999 م.

137 -

تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، لسامي حسن أحمد حمود، مطبعة الشرق، عمان، الطبعة الثانية 1402 هـ.

138 -

التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ.

139 -

التعيين في شرح الأربعين، لسليمان بن عبدالقوي الطوفي، تحقيق: أحمد حاج محمد عثمان، مؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1419 هـ.

ص: 420

140 -

تغليق التعليق على صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: سعيد عبدالرحمن موسى القزقي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.

141 -

تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، لمحمد رشيد بن علي رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة عام 1990 م.

142 -

تفسير القرآن العظيم، لإسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية 1420 هـ.

143 -

التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، لوهبة بن مصطفى الزحيلي، دار الفكر المعاصر، دمشق، الطبعة الثانية 1418 هـ.

144 -

تفسير آيات أشكلت، لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق: عبدالعزيز الخليفة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1997 م.

145 -

تقريب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، الطبعة الأولى 1406 هـ.

146 -

التقرير لأصول فخر الإسلام البزدوي، لمحمد بن محمود البابرتي، تحقيق: عبدالسلام صبحي حامد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، عام 1426 هـ.

147 -

التقرير والتحبير، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن أمير حاج، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ.

148 -

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ.

149 -

التلفيق بين المذاهب الفقهية وعلاقته بتيسير الفتوى، لغازي بن مرشد العتيبي، منشور في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 25، عام 1431 هـ.

ص: 421

150 -

التلفيق في الاجتهاد والتقليد، لناصر بن عبدالله الميمان، بحث منشور في مجلة العدل، الرياض، العدد 11، السنة الثالثة، رجب 1422 هـ.

151 -

التلفيق في التقليد، لعارف حسونة، منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة آل البيت، المجلد 7 - العدد 4 - صفر 1433 هـ

152 -

التلفيق وحكمه في الفقه الإسلامي، لعبدالله بن محمد السعيدي، منشور في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد 25، عام 1431 هـ.

153 -

التلقين، لأبي محمد عبدالوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، تحقيق: محمد الحسني التطواني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1425 هـ.

154 -

التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، لعبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعيّ، تحقيق: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ.

155 -

التمهيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، تحقيق: مصطفى العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، طبعة عام 1387 هـ.

156 -

تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لعلي بن محمد بن علي الكناني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله محمد الصديق الغماري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ.

157 -

التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، لعبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، تحقيق: محمد عزيز شمس، ومحمد أجمل الإصلاحي، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1434 هـ.

158 -

تهذيب التهذيب، لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، دائرة المعارف النظامية في الهند، الطبعة الأولى، طبعة عام 1326 هـ.

ص: 422

159 -

تهذيب الكمال، ليوسف بن الزكي عبدالرحمن المزي، تحقيق: بشار عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1400 هـ.

160 -

تهذيب اللغة، لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 2001 م.

161 -

تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته، لمحمد بن أبي بكر بن القيم، بحاشية عون المعبود شرح سنن أبي داود، لمحمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر العظيم آبادي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية 1415 هـ.

162 -

التورق الفقهي وتطبيقاته المعاصرة في الفقه الإسلامي، لعثمان شبير، بحث مقدم في الدورة التاسعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي، المنعقدة في الشارقة، عام 1430 هـ.

163 -

التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، لعبدالله بن محمد السعيدي، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ.

164 -

التورق كما تجريه المصارف، لمحمد بن علي القري، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ.

165 -

توصيات وفتاوى مؤتمر المستجدات الفقهية في معاملات البنوك الإسلامية، المنعقد بالمركز الثقافي الإسلامي، الجامعة الأردنية 21 - 23 ذو القعدة 1414 هـ.

166 -

التوقيف على مهمات التعاريف، لعبدالرؤوف بن المناوي، تحقيق: عبدالحميد صالح حمدان، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الأولى 1410 هـ.

167 -

تيسير التحرير، لمحمد أمين بن محمود البخاري المعروف بأمير بادشاه الحنفي، دار الفكر، بيروت.

ص: 423

168 -

تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، لعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1422 هـ.

169 -

تيسير علم أصول الفقه، لعبدالله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.

170 -

الثقات، لمحمد بن حبان بن أحمد بن حبان، أبي حاتم، الدارمي، البُستي، طبع وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، دائرة المعارف العثمانية، الهند، الطبعة الأولى 1393 هـ.

171 -

جامع البيان في تأويل القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، طبعة عام 1420 هـ.

172 -

جامع التحصيل في أحكام المراسيل، لصلاح الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي العلائي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب، بيروت، الطبعةالثانية 1407 هـ.

173 -

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، لأبي الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين بن رجب، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، إبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة 1422 هـ.

174 -

جامع المسائل، لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق: محمد عزيز شمس، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، الطبعة الثالثة 1427 هـ.

175 -

جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة: الأولى 1414 هـ.

ص: 424

176 -

الجامع في أصول الربا، لرفيق بن يونس المصري، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1991 م.

177 -

الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب، القاهرة، الطبعة الثانية 1384 هـ.

178 -

الجامع لعلوم الإمام أحمد، جمع: خالد الرباط، وسيد عزت عيد، دار الفلاح، مصر، الطبعة الأولى 1430 هـ.

179 -

الجرح والتعديل، لمحمد عبد الرحمن بن محمد، الرازي ابن أبي حاتم، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1271 هـ.

180 -

جريدة الشرق الأوسط، الثلاثاء، 26 جمادى الثاني 1431، العدد 11515.

181 -

جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود، لمحمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق، المنهاجي الأسيوطي، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ.

182 -

الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لعبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي، الناشر: مير محمد كتب خانه بكراتشي.

183 -

الجوهرة النيرة، لأبي بكر بن علي بن محمد العبادي الزبيدي، المطبعة الخيرية، القاهرة، مصر، طبعة 1322 هـ.

184 -

حاشية الروض المربع، لعبدالرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الأولى 1397 هـ.

185 -

حاشية الصاوي على الشرح الصغير، لمحمد بن أحمد الخلوتي الصاوي، دار المعارف، مصر.

ص: 425

186 -

حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، لحسن بن محمد بن محمود العطار الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت.

187 -

الحاوي الكبير، لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.

188 -

حجة الله البالغة، لأحمد بن عبد الرحيم بن الشهيد المعروف بالشاه ولي الله الدهلوي، تحقيق: السيد سابق، دار الجيل، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1426 هـ.

189 -

الحجة على أهل المدينة، لأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق: مهدي حسن الكيلاني القادري، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة 1403 هـ.

190 -

حكم اجتماع العقود في صفقة واحدة، لحمد فخري عزام، بحث منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية التابعة لجامعة آل البيت، الأردن، المجلد 3 - العدد 1 - ربيع أول 1428 هـ.

191 -

حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، لعبدالله بن سليمان المنيع، منشور ضمن أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي في مكة المكرمة، المنعقدة في 19 - 24 شوال 1424 هـ.

192 -

الحكمة عند الأصوليين، لصباح طه بشير السامرائي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 2009 م.

193 -

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق بن حسن بن إبراهيم البيطار، تحقيق: محمد بهجة البيطار، دار صادر، الطبعة الثانية 1413 هـ.

194 -

الحوار الذي أجري مع الدكتور عبدالكريم قندوز، صدر في العدد الأخير لمجلة المصرفية الإسلامية، العدد 10، شهر فبراير.

ص: 426

195 -

الحيل الفقهية بين البوطي وابن قيم الجوزية، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2008 - 2009 م.

196 -

الحيل الفقهية في المعاملات المالية، لعيسى بن محمد الخلوفي، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في كلية الإمام الأوزاعي الإسلامية ببيروت عام 2012 م.

197 -

الحيل الفقهية في المعاملات المالية، لمحمد بن إبراهيم، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى 1430 هـ.

198 -

الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي، ليوسف الشبيلي، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الألى 1425 هـ.

199 -

خلاصة البدر المنير، لابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ.

200 -

الدر المختار، لمحمد بن علي الحصكفي وبهامشه رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين، لمحمد أمين بن عمر بن عابدين، دار الفكر، بيروت الطبعة الثانية 1412 هـ.

201 -

دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، لمحمد مصطفى أبوه الشنقيطي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1422 هـ.

202 -

درر الحكام شرح غرر الأحكام، لمحمد بن فرامرز منلا خسرو، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، لبنان.

203 -

الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لأحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية، صيدر اباد، الهند، الطبعة الثانية 1392 هـ.

ص: 427

204 -

دور الهندسة المالية الإسلامية في معالجة الأزمات المالية، لهناء الحنيطي، منشور على الانترنت.

205 -

دور الهندسة المالية في تأجيج شرارة الأزمة الراهنة، لشوقي جباري، بحث مقدم لمؤتمر الأزمة الاقتصادية المعاصرة، أسبابها، وتداعياتها، وعلاجها، جامعة جرش، الأردن 1432 هـ.

206 -

دور الهندسة المالية في زيادة فاعلية السياسة النقدية في النظام النقدي الإسلامي، لشهناز مدني، رسالة ماجستير، جامعة الملك عبدالعزيز، المملكة العربية السعودية.

207 -

الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لإبراهيم بن علي بن محمد ابن فرحون، دار الكتب العلمية.

208 -

الذخيرة، لأحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1994 م.

209 -

ذيل طبقات الحنابلة، لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن السَلامي، تحقيق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1425 هـ.

210 -

الربا علته وضوابطه وبيع الدين، لصالح بن محمد السلطان، دار أصداء المجتمع، السعودية، الطبعة الأولى 1420 هـ.

211 -

الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، لعبد الله بن محمد بن حسن السعيدي، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية 1421 هـ.

212 -

ربح مالم يضمن، لمساعد بن عبدالله الحقيل، دار الميمان، الرياض، الطبعة الأولى 1432 هـ.

213 -

الرخص الشرعية أحكامها وضوابطها، لأسامة محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، مصر.

ص: 428

214 -

الرخص في المعاملات وفقه الأسرة، لمحمد بن أحمد أبا الخيل، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1434 هـ.

215 -

الرخصة الشرعية وإثباتها بالقياس، لعبدالكريم النملة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ.

216 -

الرد على المنطقيين، لأحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

217 -

الرسالة، لأبي محمد عبد الله بن (أبي زيد) عبد الرحمن القيرواني، المالكي، دار الفكر، بيروت.

218 -

الرسالة، لمحمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مكتبة الحلبي، مصر، الطبعة الأولى 1358 هـ.

219 -

رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، لعبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ.

220 -

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، لصالح بن عبدالله بن حميد، طبعة جامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1403 هـ.

221 -

رفع الحرج في الشريعة في الإسلامية، ليعقوب عبدالوهاب الباحسين، دار النشر الدولي، الطبعة الثانية 1416 هـ.

222 -

الروض المربع، لمنصور بن يونس البهوتي، تحقيق: عبدالقدوس محمد نذير، مؤسسة الرسالة، بيروت.

223 -

روضة الطالبين وعمدة المفتين، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1412 هـ.

ص: 429

224 -

روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد، لموفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، مؤسسة الريان، الطبعة الثانية 1423 هـ.

225 -

زاد المعاد في هدي خير العباد، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعبدالقادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة والعشرون 1412 هـ.

226 -

سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، دار الحديث، القاهرة.

227 -

السلع الدولية وضوابط التعامل فيها، لحمزة الشريف، منشور ضمن بحوث ندوة البركة التاسعة والعشرون للاقتصاد الإسلامي، جدة، 6 - 7 رمضان 1429 هـ.

228 -

السلم وتطبيقاته المعاصرة، للصديق الضرير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع.

229 -

السلم وتطبيقاته المعاصرة، لنزيه حماد، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع.

230 -

سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء الكتب العربية.

231 -

سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية، بيروت.

232 -

سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعةالثانية 1395 هـ.

233 -

سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: شعيب الارنؤوط، وحسن عبد المنعم شلبي، وعبد اللطيف حرز الله، وأحمد برهوم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعةالأولى 1424 هـ.

ص: 430

234 -

السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة 1424 هـ.

235 -

سنن النسائي، لأبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثانية 1406 هـ.

236 -

سير أعلام النبلاء، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1405 هـ.

237 -

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، لمحمد بن علي الشوكاني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى.

238 -

الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية، لمحمود عبدالكريم أحمد إرشيد، دار النفائس، الأردن، الطبعة الثانية 1427 هـ.

239 -

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد مخلوف، المطبعة السلفية، طبع سنة 1349 هـ.

240 -

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد العَكري الحنبلي، تحقيق: محمود الأرنؤوط، دار ابن كثير، الطبعة الأولى 1406 هـ.

241 -

شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي، مكتبة صبيح بمصر.

242 -

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، لمحمد بن عبدالباقي بن يوسف الزرقاني، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى 1424 هـ.

243 -

شرح الزركشي على مختصر الخرقي، لمحمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين، مكتبة العبيكان، الرياض الطبعة الأولى 1413 هـ.

ص: 431

244 -

شرح السنة، للحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ومحمد زهير شاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية 1403 هـ.

245 -

شرح القواعد الفقهية، لأحمد بن محمد الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1428 هـ.

246 -

الشرح الكبير، لأحمد بن محمد الدردير وبهامشه حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لمحمد بن أحمد بن عرفه، دار الفكر، بيروت، لبنان.

247 -

شرح الكوكب المنير، لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار تحقيق: محمد الزحيلي، ونزيه حماد، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الثانية 1418 هـ.

248 -

الشرح الممتع على زاد المستقنع، لمحمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1425 هـ.

249 -

شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، الطبعة الأولى 1393 هـ.

250 -

شرح صحيح البخاري، لابن بطال أبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعةالثانية 1423 هـ.

251 -

شرح مختصر الروضة، لسليمان بن عبدالقوي بن عبدالكريم الطوفي، تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1407 هـ.

252 -

شرح مختصر خليل، لمحمد بن عبدالله الخرشي، وبهامشه حاشية العدوي، علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي، دار الفكر، بيروت.

ص: 432

253 -

شرح منتهى الإرادات، لمنصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1414 هـ.

254 -

الشرط الجزائي وأثره في العقود المعاصرة، لمحمد بن عبدالعزيز اليمني، دار كنوز أشبيليا، الرياض، الأولى 1427 هـ.

255 -

الشروط التعويضية في المعاملات المالية، لعياد بن عساف العنزي، دار كنوز أشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1430 هـ.

256 -

شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل، لأبي حامد الغزالي، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى 2008 م.

257 -

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة 1407 هـ.

258 -

صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمد بن حبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ.

259 -

صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت.

260 -

صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية 1419 هـ.

261 -

صحيح مسلم، لمسلم بن حجاج النيسابوري، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية 1421 هـ.

262 -

صناعة الفتوى وفقه الأقليات، لعبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، دار المنهاج، جدة، الطبعة الأولى 1428 هـ.

ص: 433

263 -

صناعة الهندسة المالية، لسامي السويلم، منشور في موقع الدكتور سامي السويلم.

264 -

الضعفاء الصغير، لمحمد بن إسماعيل البخاري، أبو عبد الله، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى 1396 هـ.

265 -

الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار المكتبة العلمية، بيروت، الطبعةالأولى 1404 هـ.

266 -

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لمحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر السخاوي، دار مكتبة الحياة، بيروت.

267 -

ضوابط الاجتهاد في المعاملات المالية المعاصرة، لأحمد الضويحي، بحث منشور في مؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، المؤتمر العلمي السنوي الرابع عشر.

268 -

ضوابط الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، لوليد الزير، بحث منشور في مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 26، العدد الأول، 2010 م.

269 -

الضوابط الشرعية للهندسة المالية، لعبدالله السكاكر، بحث غير منشور.

270 -

ضوابط العقود، لعبدالحميد محمود البعلي، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى.

271 -

ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، لمحمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، الطبعة الثامنة 1431 هـ.

272 -

طبقات الشافعية الكبرى، لعبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1413 هـ.

ص: 434

273 -

طبقات الشافعية، لأحمد بن محمد بن عمر الأسدي الشهبي الدمشقي، تقي الدين ابن قاضي شهبة، تحقيق: الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1407 هـ.

274 -

طبقات الشافعيين، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تحقيق: أحمد عمر هاشم، ومحمد زينهم محمد عزب، مكتبة الثقافة الدينية، طبعة عام 1413 هـ.

275 -

الطبقات الكبرى، القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم، لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع، المعروف بابن سعد، تحقيق: زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1408 هـ.

276 -

طبقات المفسرين، لأحمد بن محمد الأدنوي، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1417 هـ.

277 -

طرح التثريب في شرح التقريب، لعبد الرحيم بن الحسين العراقي، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر.

278 -

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية، تحقيق: نايف بن أحمد الحمد، إشراف: بكر بن عبدالله أبو زيد، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1428 هـ.

279 -

العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، تحقيق: أحمد بن علي بن سير المباركي، الطبعة الثانية 1410 هـ.

280 -

عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، سعد بن ناصر الشثري، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الثانية 1430 هـ.

ص: 435

281 -

عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، لمحمد يوسف عارف الحاج، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الفقه بجامعة النجاح الوطنية في نابلس فلسطين، عام 2003 م.

282 -

عقد الاستصناع أو عقد المقاولة في الفقه الإسلامي، لكاسب عبد الكريم بدران، الطبعة الثانية 1404 هـ.

283 -

عقد الاستصناع، للسالوس، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع.

284 -

عقد البيع، لمصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1433 هـ.

285 -

عقد التأمين، لوهبة الزحيلي، دار المكتبي، دمشق، الطبعة الأولى 1416 هـ.

286 -

عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، لعبدالله بن نجم ابن شاس، تحقيق: محمد أبو الأجفان، وعبدالحفيظ منصور، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1415 هـ.

287 -

عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، لأحمد بن عبد الرحيم بن الشهيد المعروف بالشاه ولي الله الدهلوي، تحقيق: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة.

288 -

عقد القرض ومشكلة الفائدة، لمحمد رشيد علي الجزائري، مؤسسة الريان، بيروت، الطبعة الأولى 1428 هـ.

289 -

عقود التحوط من مخاطر تذبذب أسعار العملات، لطلال بن سليمان الدوسري، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1431 هـ.

290 -

عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، لحامد بن حسن ميرة، دار الميمان، الرياض، الطبعة الأولى 1432 هـ.

ص: 436

291 -

العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، لمحمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، دار المعرفة، بيروت.

292 -

العقود المالية المركبة، لعبدالله بن محمد العمراني، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1427 هـ.

293 -

العقود المركبة في الفقه الإسلامي، لنزيه حماد، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1432 هـ.

294 -

العقود المستجدة، لمحمد علي القري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر.

295 -

العلل الواردة في الأحاديث النبوي، لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1405 هـ.

296 -

العلل ومعرفة الرجال، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، رواية ابنه عبدالله، تحقيق: وصي الله بن محمد عباس، دار الخاني، الرياض، الطبعةالثانية 1422 هـ.

297 -

العلل ومعرفة الرجال، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، رواية المروذي، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1409 هـ.

298 -

علم أصول الفقه، لعبدالوهاب خلاف، دار الحديث، القاهرة.

299 -

عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، لمحمد سعيد بن عبدالرحمن الباني الحسيني، عني به وعلق عليه: حسن السماحي سويدان، دار القادري، دمشق، الطبعة الثانية 1418 هـ.

ص: 437

300 -

عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

301 -

العناية شرح الهداية، لمحمد بن محمود البابرتي، دار الفكر، بيروت.

302 -

غاية الوصول في شرح لب الأصول، لزكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، دار الكتب العربية الكبرى، مصر.

303 -

الغاية والتقريب في الفقه الشافعي (متن أبي شجاع)، للقاضي أبي شجاع أحمد بن الحسين الأصفهاني، عالم الكتب، بيروت.

304 -

الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2009 - 2010 م.

305 -

الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق محمد الأمين الضرير، سلسلة صالح كامل للرسائل الجامعية في الاقتصاد الإسلامي، الطبعة الثانية 1416 هـ.

306 -

غريب الحديث، لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الطبعة الأولى 1384 هـ.

307 -

غريب الحديث، لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: عبد المعطي أمين القلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1405 هـ.

308 -

غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، لأحمد بن محمد الحموي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1405 هـ.

ص: 438

309 -

غياث الأمم في التياث الظلم (الغياثي)، لأبي المعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني، تحقيق: عبدالعظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين، الطبعة الثانية 1401 هـ.

310 -

الفائق في غريب الحديث والأثر، لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، لبنان، الطبعة الثانية.

311 -

فتاوى ابن الصلاح، لعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح، تحقيق: موفق عبد الله عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ.

312 -

الفتاوى الاقتصادية، لمجموعة من المؤلفين، موجود في المكتبة الشاملة.

313 -

فتاوى الإمام محمد رشيد رضا، جمع: صلاح الدين المنجد، ويوسف الخوري، الدار العمرية، الطبعة الأولى 1426 هـ.

314 -

الفتاوى الفقهية الكبرى، لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، جمعها: عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي المكي، المكتبة الإسلامية.

315 -

الفتاوى الكبرى، لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1408 هـ.

316 -

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبدالعزيز الدويش، تحت إشراف: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، الطبعة الخامسة 1427 هـ.

317 -

الفتاوى الهندية، للجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، وبهامشه فتاوى قاضي خان، لحسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني، دار الفكر، الطبعة الثانية 1310 هـ.

ص: 439

318 -

فتاوى شيخ الإسلام عز الدين بن عبدالسلام، تحقيق: محمد جمعة كردي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ.

319 -

فتاوى معاصرة، ليوسف القرضاوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ.

320 -

الفتاوى، لمحمود شلتوت، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثامنة عشرة 1424 هـ.

321 -

فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبدالباقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1379 هـ.

322 -

فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لأبي الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب الحنبلي، تحقيق: طارق بن عوض الله، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الثالثة 1425 هـ.

323 -

فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي، لمحمد رياض فخري الطبقجلي، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1432 هـ.

324 -

فتح العزيز شرح الوجيز، لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، دار الفكر، بيروت، لبنان.

325 -

فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، لأبي عبدالله الشيخ محمد أحمد عليش، دار المعرفة، بيروت.

326 -

فتح القدير، لكمال الدين محمد المعروف بابن الهمام، دار الفكر.

327 -

الفتوى في الإسلام، لجمال الدين القاسمي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ.

ص: 440

328 -

الفروع، لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، وبهامشه حاشية تصحيح الفروع، لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1424 هـ.

329 -

الفروق في أصول الفقه، لعبداللطيف بن أحمد الحمد، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1431 هـ.

330 -

الفروق، لأحمد بن إدريس القرافي، وبهامشه تهذيب الفروق، لمحمد بن علي، عالم الكتب، بيروت، لبنان

331 -

فصول البدائع في أصول الشرائع، لمحمد بن حمزة بن محمد الفنري الرومي، تحقيق: محمد حسين محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1427 هـ.

332 -

الفصول في الأصول، ل أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي، وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الثانية 1414 هـ

333 -

فقه الإمام ابن شبرمة الكوفي، لمحمد رضا عبدالجبار العاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 2008 م.

334 -

فقه الأولويات في المعاملات المالية المعاصرة، لعلي بن حسين العايدي، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1433 هـ.

335 -

فقه السيرة، لمحمد الغزالي مع تخريج الأحاديث للألباني، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية 1424 هـ.

336 -

فقه المعاملات المالية المعاصرة، لسعد بن تركي الخثلان، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الثانية 1433 هـ.

ص: 441

337 -

فقه المعاملات المالية، لرفيق بن يونس المصري، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1426 هـ.

338 -

فقه النوازل، لمحمد بن حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الثانية 1427 هـ.

339 -

الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد بن الحسن بن العربي بن محمد الحجوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ.

340 -

الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني، لأحمد بن غنيم النفراوي، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة عام 1405 هـ.

341 -

فوائد البنوك هي الربا الحرام، ليوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1421 هـ.

342 -

الفوائد في اختصار المقاصد (القواعد الصغرى)، لعبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، تحقيق: إياد خالد الطباع، دار الفكر المعاصر، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى 1416 هـ.

343 -

في ظلال القرآن، لسيد قطب، دار الشروق، بيروت، الطبعة السابعة عشرة 1412 هـ.

344 -

في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، لنزيه حماد، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1428 هـ.

345 -

فيض الباري على صحيح البخاري، لمحمد أنور شاه الديوبندي، تحقيق: محمد بدر عالم الميرتهي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1426 هـ.

346 -

فيض القدير شرح الجامع الصغير، لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى 1356 هـ.

ص: 442

347 -

قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428 هـ.

348 -

قاعدة سد الذرائع وتطبيقاتها المعاصرة، لحسن المرزوقي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 26، العدد 87، 1433 هـ.

349 -

القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة 1426 هـ.

350 -

قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1431 هـ.

351 -

قضايا الفقه والفكر المعاصر، لوهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى 1247 هـ.

352 -

قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، لنزيه حماد، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1433 هـ.

353 -

قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي بن إبراهيم السويلم، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1430 هـ.

354 -

قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لعبدالعزيز بن عبدالسلام، راجعه وعلق عليه: طه عبدالرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، طبعة عام 1414 هـ.

355 -

قواعد الفقه، لمحمد عميم الإحسان المجددي البركتي، دار الصدف ببلشرز، كراتشي، الطبعة الأولى 1407 هـ.

ص: 443

356 -

القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، لمحمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى 1427 هـ.

357 -

القواعد الكلية والضوابط الفقهية، لمحمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1426 هـ.

358 -

القواعد النورانية، لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية، تحقيق: أحمد محمد الخليل، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1422 هـ.

359 -

قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، لمصطفى بن كرامة الله مخدوم، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.

360 -

القواعد في الفقه، لأبي الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت.

361 -

القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، لعبدالرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: خالد بن علي المشيقح، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الثالثة 1424 هـ.

362 -

القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية، لعبدالسلام الحصين، دار التأصيل، القاهرة، الطبعة الأولى 1422 هـ.

363 -

القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي المالكي، تحقيق: محمد بن سيدي محمد مولاي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة الأولى 1431 هـ.

364 -

القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد، لمحمد بن عبد العظيم المكي الرومي الموروي الحنفي الملقب بابن مُلّا فَرُّوخ، تحقيق: جاسم مهلهل الياسين، وعدنان سالم الرومي، دار الدعوة، الكويت، الطبعة الأولى 1988 م.

ص: 444

365 -

الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، الطبعة الثانية 1400 هـ.

366 -

الكافي، لأبي محمد بن قدامة المقدسي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ.

367 -

الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد بن عدي الجرجاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، وعبد الفتاح أبو سنة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.

368 -

كتاب العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال.

369 -

الكسب، لمحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، تحقيق: سهيل زكار، الناشر: عبد الهادي حرصوني، دمشق، الطبعة الأولى 1400 هـ.

370 -

كشاف القناع عن متن الإقناع، لمنصور بن يونس البهوتي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

371 -

الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1407 هـ.

372 -

كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، لعبدالعزيز بن أحمد بن محمد البخاري، دار الكتاب العربي.

373 -

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبد الله المشهور باسم حاجي خليفة، مكتبة المثنى، بغداد، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة عام 1941 م.

ص: 445

374 -

اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، لجمال الدين أبي محمد علي بن أبي يحيى زكريا المنبجي، تحقيق: محمد فضل عبد العزيز المراد، دار القلم، الدار الشامية، الطبعة الثانية 1414 هـ.

375 -

لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة 1414 هـ.

376 -

لقاءات الباب المفتوح، لمحمد بن صالح العثيمين، مكتب دار البصيرة، مصر.

377 -

اللمع في أصول الفقه، لأبي اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1424 هـ.

378 -

ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية، لمحمد بن عبدالله العوشن، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1429 هـ.

379 -

مالك حياته وعصره، لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الرابعة 2002 م.

380 -

المبادئ الاقتصادية في الإسلام والبناء الاقتصادي في الدولة، لعلي عبدالرسول، دار الفكر، طبعة عام 1980 م.

381 -

مبادئ علم الاقتصاد، لمحمد يحيى عويس، دار النصر للطباعة، مصر، طبعة عام 1969 م.

382 -

مبدأ الرضا في العقود، لعلي محيي الدين علي القره داغي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثالثة 1429 هـ.

383 -

المبدع شرح المقنع، لإبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن مفلح، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ.

ص: 446

384 -

المبسوط، لمحمد بن أحمد السرخسي، دارالمعرفة، بيروت، لبنان، طبعة عام 1414 هـ.

385 -

مجلة الأحكام العدلية، للجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخلافة العثمانية، تحقيق: نجيب هواويني، الناشر: نور محمد، كارخانه تجارتِ كتب، آرام باغ، كراتشي.

386 -

مجلة الأمة القطرية، العدد 61، محرم 1406 هـ، والعدد 64، ربيع الآخر 1406 هـ.

387 -

مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، الدورة السابعة عشرة، القرار الثاني، في الفترة 19 - 23/ 10/ 1424 هـ.

388 -

مجلة جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، الاقتصاد الإسلامي، المجلد الخامس، 1413 هـ.

389 -

مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، تصدر عن منظمة المؤتمر الاسلامي بجدة، الأعداد من 1 - 13 موجود في المكتبة الشاملة.

390 -

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، لعبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

391 -

مجمع الضمانات، لأبي محمد غانم بن محمد البغدادي الحنفي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.

392 -

مجمل اللغة لابن فارس، لأحمد بن فارس الرازي، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1406 هـ.

393 -

مجموع الفتاوى، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ.

ص: 447

394 -

المجموع شرح المهذب، ليحيى بن شرف النووي، دار الفكر. (طبعة كاملة معها تكملة السبكي والمطيعي).

395 -

مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، دار الوطن، دار الثريا، طبعة عام 1413 هـ.

396 -

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لعبد العزيز بن عبدالله بن باز، جمع: محمد بن سعد الشويعر، طبع بإشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، الطبعة الأولى 1421 هـ.

397 -

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبدالحق بن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ.

398 -

المحصول في أصول الفقه، للقاضي محمد بن عبد الله أبي بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي، تحقيق: حسين علي اليدري، وسعيد فودة، دار البيارق، عمان، الطبعة الأولى 1420 هـ.

399 -

المحكم والمحيط الأعظم، لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعةالأولى 1421 هـ.

400 -

المحلى، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، دار الفكر، بيروت، لبنان.

401 -

المحيط البرهاني، لمحمود بن أحمد برهان الدين مازه، تحقيق: عبدالكريم سامي الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1424 هـ.

402 -

المخارج الشرعية ضوابطها وأثرها في تقويم أنشطة المصارف الإسلامية، لحسين يوسف محمد العبيدي، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة اليرموك بالأردن في عام 2009 م.

ص: 448

403 -

المخارج في الحيل، لمحمد بن الحسن الشيباني، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، طبعة عام 1419 هـ.

404 -

مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الخامسة 1420 هـ.

405 -

مختصر المزني، لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، دار المعرفة، بيروت، طبعة عام 1410 هـ.

406 -

المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح، للمهلب بن أبي صفرة بن عبدالله الأسدي التميمي، تحقيق: أحمد بن فارس السلوم، دار التوحيد، دار أهل السنة، الرياض، الطبعة الأولى 1430 هـ.

407 -

مختصر خليل، لخليل بن إسحاق بن موسى المالكي المصري، تحقيق: أحمد جاد، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى 1426 هـ.

408 -

المختصر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لابن اللحام، أبي الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي، تحقيق: محمد مظهربقا، طبعة جامعة الملك عبد العزيز.

409 -

المداينة، لمحمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الرياض، طبعة عام 1423 هـ.

410 -

المدخل الفقهي العام، لمصطفى الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية 1425 هـ.

411 -

المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، لعلي محيي الدين القره داغي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1431 هـ.

412 -

مدخل للهندسة المالية الإسلامية، لفتح الرحمن علي، منشور في مجلة المصرفي، بنك السودان، 2002 م.

ص: 449

413 -

المدونة، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1415 هـ.

414 -

مذكرة في أصول الفقه، لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الخامسة 1422 هـ.

415 -

المرابحة للآمر بالشراء، للصديق الضرير، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

416 -

مراتب الإجماع، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار الكتب العلمية، بيروت.

417 -

المسالك في شرح موطأ مالك، للقاضي أبي بكر محمد بن عبدالله بن العربي، تحقيق: محمد بن الحسين السليماني، وعائشة بنت الحسين السليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1428 هـ.

418 -

مسائل الإمام أحمد، لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السِّجِسْتاني، تحقيق: أبي معاذ طارق بن عوض الله بن محمد، مكتبة ابن تيمية، مصر، الطبعة الأولى 1420 هـ.

419 -

المستدرك على الصحيحين، لأبي عبدالله الحاكم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ.

420 -

المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، جمع: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1418 هـ.

421 -

المستصفى، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413 هـ.

422 -

مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1421 هـ.

ص: 450

423 -

المسودة في أصول الفقه، لآل تيمية، تتابع على تأليفه ثلاثة من أئمة آل تيمية: بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية، وأضاف إليها الأب: عبد الحليم بن تيمية، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت.

424 -

المشاركة المتناقصة، لعبدالستار أبو غدة، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر.

425 -

المشاركة المتناقصة، لنزيه حماد، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر.

426 -

مشاهد من المقاصد، لعبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، دار وجوه، الرياض، الطبعة الأولى 1431 هـ.

427 -

المشتقات المالية ودورها في إدارة المخاطر ودور الهندسة المالية في صناعة أدواتها، لسمير رضوان، دار النشر للجامعات، مصر، الطبعة الأولى 1426 هـ.

428 -

المشقة على النفس الصادرة من ذات المكلف، لعبدالعزيز بن محمد العويد، عمادة البحث العلمي بجامعة الملك سعود، عام 1431 هـ.

429 -

مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، لعبدالوهاب خلاف، دار القلم، الكويت، الطبعة السادسة 1414 هـ.

430 -

المصالح المرسلة وأثرها في المعاملات، لعبدالعزيز بن عبدالله العمار، دار كنوز أشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1431 هـ.

431 -

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمد الفيومي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ.

ص: 451

432 -

المصرفية الإسلامية الأزمة والمخرج، ليوسف كمال محمد، دار الوفاء، مصر، الطبعة الثانية 1996 م.

433 -

المصلحة في التشريع الإسلامي، لمصطفى زيد، دار اليسر، القاهرة، الطبعة الخامسة 1432 هـ.

434 -

المصنف في الأحاديث والأخبار، لعبدالله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1409 هـ.

435 -

المصنف، لأبي بكر عبدالرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1403 هـ.

436 -

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، لمصطفى بن سعد بن عبده الرحيباني، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثانية 1415 هـ.

437 -

معالم السنن شرح سنن أبي داود، لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1426 هـ.

438 -

معاملات البنوك وأحكامها الشرعية، لمحمد سيد طنطاوي، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، طبعة عام 1997 م.

439 -

المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، لدبيان بن محمد الدبيان، الطبعة الثانية 1434 هـ.

440 -

المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، لمحمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، الطبعة الرابعة 1422 هـ.

441 -

المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقاتها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى 1429 م

ص: 452

442 -

المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، البحرين، إصدار عام 1431 هـ.

443 -

المعتمد في أصول الفقه، لمحمد بن علي الطيب أبو الحسين البَصْري، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ.

444 -

المعجم الأوسط، لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة.

445 -

المعجم الكبير، لسليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي، أبي القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية.

446 -

معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، لنزيه حماد، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1429 هـ.

447 -

معجم المؤلفين، لعمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة، دار إحياء التراث العربي.

448 -

المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى، وأحمد الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد النجار، تحقيق: مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، استنبول، تركيا، طبعة عام 1980 م.

449 -

معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمدبن فارس، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الفكر، طبعة عام 1399 هـ.

450 -

معرفة السنن والآثار، لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، باكستان، دار الوفاء، القاهرة، الطبعة الأولى 1412 هـ.

451 -

مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، لمحمد بن أحمد الشربيني الخطيب، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ.

ص: 453

452 -

المغني عن الحفظ والكتاب، لعمر بن بدر بن سعيد الوراني الموصلي الحنفي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ.

453 -

المغني، لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، مكتبة القاهرة، طبعة عام 1388 هـ.

454 -

مفاتيح العلوم، لمحمد بن أحمد بن يوسف الكاتب البلخي الخوارزمي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية.

455 -

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب مستو، ويوسف علي بديوي، وأحمد محمد السيد، ومحمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، الطبعة الثالثة 1426 هـ.

456 -

مقاصد الأحكام المالية عند الإمام ابن القيم وأثرها الفقهي، لمحمد بن علي بن عبدالعزيز اليحيى، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1433 هـ.

457 -

مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، لعلال الفاسي، تحقيق: إسماعيل الحسني، دار السلام، مصر، الطبعة الأولى 1432 هـ.

458 -

مقاصد الشريعة الإسلامية، لمحمد الطاهر بن عاشور، تحقيق: محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس، الأردن، الطبعة الثانية 1421 هـ.

459 -

مقال العقود المالية المركبة بين المخارج الشرعية والحيل الربوية، لعبدالله العمراني، منشور في الانترنت في موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي.

460 -

المقدمات الممهدات، لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408 هـ.

461 -

مقدمة ابن خلدون، لعبدالرحمن بن خلدون، دار ابن الهيثم، القاهرة، الطبعة الأولى 1426 هـ.

ص: 454

462 -

المقدمة في منهج الفقه الإسلامي للاجتهاد والبحث، لعلي محيي الدين القره داغي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1434 هـ.

463 -

الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، طبعة عام 1996 م.

464 -

المماطلة في الديون، لسلمان بن صالح بن محمد الدخيل، دار كنوز أشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1433 هـ.

465 -

مميزات عقود الإجارة على عقود البيع للمؤسسات المالية الإسلامية والعملاء، لمحمد الطبطبائي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة الثامنة عشرة، العدد الرابع والخمسون، 1424 هـ.

466 -

المناظرات الفقهية، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، اعتنى به وعلق عليه: أبو محمد أشرف بن عبدالمقصود، أضواء السلف، الطبعة الأولى 1420 هـ.

467 -

مناظرات في أصول الشريعة الإسلامية بين ابن حزم والباجي، لعبدالرحمن تركي، ترجمة وتحقيق: عبدالصبور شاهين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ.

468 -

مناقصات العقود الإدارية، لرفيق المصري، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع.

469 -

المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، لسليمان بن خلف الباجي، مطبعة السعادة، القاهرة، الطبعة الأولى 1332 هـ.

470 -

منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي الشهير بابن النجار، تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، دار عالم الكتب، الرياض، طبعة عام 1432 هـ.

ص: 455

471 -

المنثور في القواعد، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق: تيسير فائق أحمد محمود، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الثانية 1405 هـ.

472 -

منح الجليل شرح مختصر خليل، لمحمد بن أحمد عليش، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة عام 1409 هـ.

473 -

المنخول من تعليقات الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: الدكتور محمد حسن هيتو، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1419 هـ.

474 -

المنفعة في القرض، لعبد الله بن محمد العمراني، دار كنوز إشبيليا، الرياض الطبعة الثانية 1431 هـ.

475 -

منهاج الطالبين، لأبي زكريا بن شرف النووي، تحقيق: عوض قاسم أحمد عوض، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1425 هـ.

476 -

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لمحيي الدين النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1392 هـ.

477 -

المهذب في علم أصول الفقه المقارن، لعبدالكريم بن علي النملة، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ.

478 -

المهذب في فقه الإمام الشافعي، لإبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الكتب العلمية.

479 -

الموافقات، لأبي إسحاق إبرهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سليمان، دار ابن عفان، القاهرة، الطبعة الثانية 1427 هـ.

480 -

مواهب الجليل شرح مختصر خليل، لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، دار الفكر، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة 1412 هـ.

ص: 456

481 -

موسوعة الإجماع، لأسامة القحطاني، وعلي الخضير، وظافر العمري، وفيصل الوعلان، وآخرين، دار الفضيلة، السعودية، دار الهدي النبوي، مصر، الطبعة الأولى 1433.

482 -

الموسوعة الفقهية الكويتية، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الرابعة 1414 هـ.

483 -

موسوعة القواعد الفقهية، لمحمد صدقي البورنو، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1424 هـ.

484 -

موسوعة المصطلحات الإقتصادية والإحصائية، لعبدالعزيز فهمي هيكل، دار النهضة العربية، بيروت، طبعة عام 1406 هـ.

485 -

الموضوعات، لعبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1386 هـ.

486 -

الموطأ، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية، أبو ظبي، الإمارات، الطبعة الأولى 1425 هـ.

487 -

موقع الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين في الانترنت.

488 -

ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1382 هـ.

489 -

النتف في الفتاوى، لأبي الحسن علي بن الحسين بن محمد السغدي، تحقيق: صلاح الدين الناهي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1404 هـ.

ص: 457

490 -

نحو منتجات مالية إسلامية مبتكرة، لمحمد عمر الجاسر، بحث مقدم إلى مؤتمر المصارف الإسلامية اليمنية، تحت عنوان:"الواقع وتحديات المستقبل"، مارس 2010 م.

491 -

النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي، لعمر بن فيحان المرزوقي، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، السنة السادسة عشرة، العدد الخامس والأربعون.

492 -

النظام المصرفي الإسلامي، لمحمد سراج، دار الثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى 1410 هـ.

493 -

نظرية الشرط في الفقه الإسلامي، لحسن علي الشاذلي، دار كنوز أشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1430 هـ.

494 -

نظرية الضرورة الشرعية، لوهبة الزحيلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة 1418 هـ.

495 -

نظرية العقد (قاعدة في العقود)، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، مصر.

496 -

نظرية المقاصد عند الشاطبي، لأحمد الريسوني، مكتبة الهداية، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1432 هـ.

497 -

نفائس الأصول في شرح المحصول، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود، علي محمد معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة.

498 -

النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية، لإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية 1404 هـ.

ص: 458

499 -

نهاية السول شرح منهاج الوصول، لعبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعيّ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1420 هـ.

500 -

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لمحمد بن شهاب الدين الرملي، دار الفكر، بيروت، طبعة عام 1404 هـ.

501 -

نهاية المطلب في دراية المذهب، لإمام الحرمين عبد الملك بن عبدالله الجويني، تحقيق: عبدالعظيم محمود الديب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، الطبعة الثانية 1430 هـ.

502 -

النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة عام 1399 هـ.

503 -

نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، الطبعة الأولى 1413 هـ.

504 -

الهداية شرح بداية المبتدي، لبرهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، تحقيق: طلال يوسف، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان

505 -

الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق، لعبدالكريم قندوز، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1429 هـ.

506 -

الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تمويل رأس المال العامل، ليحيى النعيمي، رسالة دكتوراه في جامعة اليرموك، الأردن.

507 -

الهندسة المالية الإسلامية، لعبدالكريم قندوز، بحث منشور في مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، الاقتصاد الإسلامي، م 20، ع 2، 2007 م.

ص: 459

508 -

الهندسة المالية مدخل لتطوير الصناعة المالية، لزايدي عبدالسلام، منشور في الموقع العالمي للاقتصاد الإسلامي.

509 -

الهندسة المالية، لمحمد أحمد الجلي، مقال منشور على الانترنت.

510 -

الواضح في أصول الفقه، لمحمد سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، الطبعة السادسة 1425 هـ.

511 -

وبل الغمام على شفاء الأوام، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الثانية 1431 هـ.

512 -

وجه الاستحسان وضوابطه في ربط العملات متغيرة القيمة بالقيمة، لعبداللطيف الفرفور، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس.

513 -

الوجيز في أصول الفقه، لعبدالكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1424 هـ.

514 -

الورق النقدي، لعبدالله بن سليمان بن منيع، الطبعة الثانية 1404 هـ.

515 -

الوسيط في المذهب، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، ومحمد محمد تامر، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى 1417 هـ.

* * *

ص: 460