المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المقدمة الحمد لله الذي شرح صدورنا بالهداية إلى الإسلام، ووفقنا للتفقه - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ١

[البهوتي]

فهرس الكتاب

المقدمة

الحمد لله الذي شرح صدورنا بالهداية إلى الإسلام، ووفقنا للتفقه في الدين وما شرعه من بديع محكم الأحكام، أحمده سبحانه وتعالى على جزيل الإنعام، وأشكره أن علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، فأتقن وأحكم أي إحكام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للأنام، والهادي إلى سواء الصراط وإيضاح الحلال والحرام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام، صلاة وسلامًا دائمين لا يعتريهما نقص ولا انثلام.

أما بعد:

فإن أجلّ العلوم قدرًا، وأعلاها فخرًا، وأبلغها فضيلة، وأنجحها وسيلة، علم الشرع الشريف، ومعرفة أحكامه، والاطلاع على سرِّ حلاله وحرامه، فلذلك تعينت إعانة قاصده، وتيسير موارده لرائده، ومعاونته على تذكار لفظه ومعانيه، وفهم عباراته ومبانيه، ولما رأيتُ الكتاب الموسوم بـ "الإقناع" تأليف الشيخ الإمام، والحبر العمدة العلَّام، شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم المقدسي الحجاوي، ثم الصالحي الدمشقي - تغمده الله برحمته ورضوانه، وأسكنه الغرفات العليا من جنانه - في غاية حسن الوقع، وعظم النفع، لم يأت أحد بمثاله، ولا نسج ناسج على منواله، غير أنه يحتاج إلى شرح يسفر عن وجوه مخدّراته النقاب، ويبرز مِنْ خَفي مكنوناته بما وراء الحجاب، فاستخرتُ اللهَ تعالى، وشمرت عن ساعد الاجتهاد، وطلبتُ من اللهِ تعالى العناية والرشاد، وكنت أود لو رأيت لي سابقًا

ص: 1

أكون وراءه مصليا

(1)

، ولم أكن في حلبة رهانه مجليا

(2)

، إذ لست لذلك كفؤًا بلا مراء، والفَهِمُ لقصوره يقدم رجلًا ويؤخر أخرى، وسألت الله أن يمدني بذارف لطفه، ووافر عطفه، وسميته "كشاف القناع عن الإقناع" والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله، وأن يعاملنا بفضله، ومزجته بشرحه حتى صارا كالشيء الواحد لا يميز بينهما إلا صاحب بصر أو بصيرة، لحل ما قد يكون من التراكيب العسيرة، وتتبعت أصوله التي أخذ منها كـ "المقنع" و"المحرر" و"الفروع" و"المستوعب" وما تيسر الاطلاع عليه من شروح تلك الكتب وحواشيها، كـ "الشرح الكبير" و"المبدع"، و"الإنصاف" وغيرها مما منَّ الله تعالى بالوقوف عليه كما ستراه، خصوصًا:"شرح المنتهى" و"المبدع"، فتعويلي في الغالب عليهما، وربما عزوت بعض الأقوال لقائلها خروجًا من عهدتها، وذكرت ما أهمله من القيود، وغالب علل الأحكام وأدلتها على طريق الاختصار غير المردود، وبينت المعتمد من المواضع التي تعاوض كلامه فيها، وما خالف فيه المنتهى، متعرضًا لذكر الخلاف فيها، ليعلم مستند كل منهما، وأستغفر الله تعالى مما يقع لي من الخلل في بعض المسائل المسطورة، وأعوذ بالله من شرِّ حاسدٍ يريد أن يطفئ نور الله - ويأبى الله إلا أن يتم نوره -، ومن عثر على شيء مما طغى به القلم، أو زلَّت به القدم، فليدرأ بالحسنة السيئة، ويحضر بقلبه أن الإنسان محل النسيان، وأن الصفح عن عثرات الضعاف من

(1)

المصلّي: تالي السابق، يقال: صلى إذا جاء مصليًا وهو الذي يتلو السابق؛ لأن رأسه عند صلاه. انتهى صحاح (ش). الصحاح (6/ 2402). والصلا: وسط الظهر، أو ما انحدر من الوركين، أو الفرجة بن الجاعرة والذنب، أو ما عن يمين الذنب وشماله. القاموس ص/ 1681.

(2)

المجلّي: السابق في الحلبة. قاموس (ش). القاموس ص/ 1641.

ص: 2

شيم الأشراف، وأن الحسنات يذهبن السيئات، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب.

قال المصنف رحمه الله:

(بسم الله الرحمن الرحيم) تأسيًا بالكتاب، وعملًا بحديث "كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه ببسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ فهو أَبْتَرُ"، أي: ذاهب البركة. رواه الخطيب بهذا اللفظ في كتابه "الجامع"

(1)

، والحافظ عبد القادر الرهاوي.

والباء في البسملة للمصاحبة، أو الاستعانة متعلقة بمحذوف، وتقديره فعلًا أولى، لأن الأصل في العمل للأفعال، وخاصًّا لأنه أمس بالمقام، ومؤخرًا لإفادة الاختصاص، ولأنه أوفق للوجود، وأدخل في التعظيم، ولا يرد {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}

(2)

لكونه مقام أمر بجعل الفعل مقرونًا باسم الله، فتقديمه - أي الفعل - لكونها أول سورة نزلت، على أن الكشاف

(3)

أن معناه: "اقرأ مفتتحًا باسم ربك أي: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ"، فيكون معناه: مفتتحًا باسم الله أقرأ. وكفى به شاهدًا على أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة، إذ هو أمر بإيجاد القراءة مطلقًا بدون تعلقه بمقروء دون مقروء، فتكون مأمورًا بها في ابتداء غير هذه السورة أيضًا.

وكسرت الباء - وإن كان حق الحروف المفردة الفتح - للزومها للحرفية والجر، ولتشابه حركتها عملها، وحذفت الألف من اسم الله دون اسم ربك

(1)

(2/ 69). ورواه السبكي في طبقاته (1/ 6) من طريق الرهاوي وفي سنده أحمد بن محمد بن عمران، ويعرف بابن الجندي، ترجم له الخطيب في تاريخه (5/ 77) وقال: كان يضعف في روايته، ويطعن عليه في مذهبه (يعني التشيع) قال الأزهري: ليس بشيء. وقد ذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 13) ورمز لضعفه. وانظر ما سيأتي ص/ 6.

(2)

سورة العلق، الآية:1.

(3)

الكشاف للزمخشرى (4/ 618).

ص: 3

ونحوه لكثرة الاستعمال، وعوض عنها تطويل الباء.

و"الله" أصله إله حذفت همزته وعوض عنها اللام، وإله اسم لكل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على مفهوم كلي هو المعبود بحق و"الله": علم خاص لذات معين هو المعبود بالحق، إذ لم يستعمل في غيره تعالى. قال تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}

(1)

. ومن ثم كان "لا إله إلا الله" توحيدًا، أي: لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق، فهو من الأعلام الخاصة من حيث إنه لم يسم به غيره، ومن الأعلام الغالبة من حيث إن أصله إله، قاله الدَلْجي

(2)

في "شرح الشفاء"

(3)

.

و"الرحمن" خاص لفظًا إذ لم يسم به غيره تعالى، وما شذ لا يعتدّ به، عام معنى لأنه صفة بمعنى كثير الرحمة، ثم غلب على البالغ في الرحمة والإنعام بجلايل النعم في الدنيا والآخرة، فهو لوقوعه صفة لا موصوفًا، وكونه بإزاء المعنى دون الذات من الصفات الغالبة.

"الرحيم" عام لفظًا لأنه قد يسمى به غيره تعالى، وهما صفة مشبهة من رحم، بجعله لازمًا بنقله إلى باب فعل بضم ثانيه، إذ لا تشتق من متعد. والرحمة عطف، أي: تعطف وشفقة وميل روحاني لا جسماني، ومن ثم جعل الإنعام مسببًا عن العطف والرقة لا عن الانحناء الجسماني، وكلاهما في حقه تعالى محال، فهو مجاز إما عن نفس الإنعام فيكون صفة فعل، أو عن إرادته

(1)

سورة مريم، الآية:65.

(2)

هو شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد العثماني الدلجي الشافعي المتوفى سنة (947 هـ) - رحمه الله تعالى -. والدَلْجي بفتح الدال وسكون اللام نسبة إلى دلجة قرية بصعيد مصر شذرات الذهب (10/ 386) ولب اللباب (1/ 321).

(3)

واسمه "الاصطفاء لبيان معاني الشفاء" لا زال مخطوطًا.

ص: 4

فيكون صفة ذات، وإما تمثيل للغائب - أي تمكنه تعالى من الإنعام - بالشاهد، أي: تمكن الملك من ملكه، فتفرض حاله تعالى على سبيل التمكن منه، بحال ملك عطف على رعيته ورق لهم، فعمهم معروفه، فأطلقا عليه تعالى على طريق الاستعارة التمثيلية

(1)

.

وقدم "الرحمن" لأنه علم، أو كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره، أو لأن الرحيم ذكر كالتتمة والرديف للرحمن، لئلا يتوهم كون دقايق الرحمة لغيره تعالى.

(الحمد لله) أي: الوصف بالجميل الاختياري على قصد التعظيم ثابت له تعالى، والحمد عرفًا فعل ينبيء عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره، بدأ بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة:"كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه بالحمد للهِ فهو أقطَعُ"، وفي رواية:"بحمد الله"، وفي رواية:"بالحمد"، وفي رواية:"كلُّ كلامٍ لا يُبْدأ فيه بالحمد للهِ فهو أجْذَمُ"، قال النووي في "شرح المهذب"

(2)

: روينا كل هذه الألفاظ في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي، ورويناه عنه من رواية كعب بن مالك

(3)

الصحابي

(1)

مذهب أهل السنة والجماعة إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل، وما ذكره المؤلف هنا جارٍ على مذهب الأشاعرة.

(2)

المجموع (1/ 121).

(3)

رواه الطبراني في الكبير (19/ 72)، حديث 14، ومن طريقه السبكي في طبقات الشافعية (1/ 14) بلفظ: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع أو أجذم. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 188) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفي صدقة بن عبد الله ضعفه أحمد، والبخاري، ومسلم وغيرهم، ووثقه أبو حاتم، ودحيم في رواية.

ص: 5

- رضي الله عنه، والمشهور رواية أبي هريرة، وحديثه هذا حسن، رواه أبو داود وابن ماجه في "سننهما"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني في أول "صحيحه" المخرج على "صحيح مسلم"، ورُوي موصولًا ومرسلًا، ورواية الموصول إسنادها جيد

(1)

.

(1)

رواه أبو داود في الأدب، باب 21، حديث 4840 بلفظ:"كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم"، ورواه ابن أبي شيبة (9/ 116) بلفظ: كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله، فهو أقطع. ورواه ابن ماجه في النكاح، باب 19، حديث 1894، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 206)، حديث 362، بلفظ:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع"، ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة": حديث 498. وابن حبان في صحيحه "الإحسان" (1/ 173 - 175)، حديث 1، 2، بلفظ "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع". ورواه الإمام أحمد (2/ 359) بلفظ: "كل كلام، أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر أو قال: أقطع". ورواه الدارقطني (1/ 229) والبيهقي في السنن (3/ 209) بلفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله أقطع". ورواه عبد الرزاق (11/ 163) عن معمر، أخبرني رجل من الأنصار رفع الحديث. قال: كل حديث ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله، فهو أبتر.

قال السندي في حاشيته على ابن ماجه (2/ 436): "الحديث قد حسنه ابن الصلاح والنووي. وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك".

ونقل السبكي في طبقاته (1/ 9) عن ابن الصلاح أن الحديث حسن دون الصحيح، وفوق الضعيف، ونقل الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (1/ 53) عن ابن الصلاح أنه قال: هذا حديث حسن بل صحيح، وقال النووي في الأذكار (103)، وشرح صحيح مسلم (13/ 185): وهو حديث حسن، وكذا قال في المجموع (1/ 121)، وقال العيني في عمدة القاري (1/ 13): الحديث صحيح صححه ابن حبان، وأبو عوانة. ورمز له السيوطي في الجامع الصغير (5/ 13) بالحسن، وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 11) إسناده حسن. وذكره العجلوني في كشف الخفاء (2/ 174) برقم 1964 وقال: الحديث حسن.

ص: 6

قوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال" معناه له حال يهتم به، ومعنى "أقطع": أي: ناقص قليل البركة و"أجذم" بمعناه، وهو بجيم وذال معجمة، يقال: جَذِمَ يَجْذَمُ كعلم يعلم. قال العلماء: تستحب البداءة بالحمد لله لكل مصنف، ودارس ومدرس، وخطيب، وخاطب، ومزوّج، ومتزوج، وبين يدي سائر الأمور المهمة انتهى. وفي لفظ:"كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدأ فيه بحمدِ اللهِ والصلاةِ عليَّ فهوَ أقْطَعُ أبْتَرُ ممحوقٌ من كلِّ بركةٍ". رواه الرهاوي عن أبي هريرة.

وقدم البسملة على الحمدلة عملًا بالكتاب والإجماع، فوقع الابتداء بها حقيقة، وبالحمدلة بالنسبة لما بعدها إذ الابتداء أمر عرفي يعتبر ممتدًا من الأخذ في التأليف إلى الشروع في المقصود، فلا تعارض بين خبريهما.

وأصل الحمد النصب، لأنه من مصادر شاع استعمالها منصوبة بإضمار أفعالها، وعدل إلى رفعه كما في "سلام عليكم" للدلالة على الدوام والثبات، وأل في الحمد للجنس، أو الاستغراق، أو العهد، واللام في لله للملك، أو الاستحقاق، أو التعليل، أي: جميع المحامد مملوكة، أو مستحقة، أو ثابتة لأجل الله تعالى.

(الذي فقه) أي: فهم (من أراد) أي: الله تعالى (به خيرًا) هو ضد الشر (في الدين) متعلق بفقّه. روى الإمام أحمد، وغيره عن ابن عباس، ومعاوية، وغيرهما مرفوعًا:"من يردِ اللهُ بهِ خيرًا يفقهْهُ في الدِّينِ"

(1)

. أي: يفهمه الأحكام

(1)

حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الإمام أحمد (1/ 306) والترمذي في العلم باب (1) حديث 2645.

وحديث معاوية رضي الله عنه عند الإمام أحمد: (4/ 92، 93، 95، 96، 97، 98، 99، 101، 104)، والبخاري في العلم، باب 13، حديث 71، وفي الاعتصام، باب 10، حديث 7312، وفي فرض الخمس، باب 7، حديث 3116، ومسلم في الزكاة، حديث 1037. =

ص: 7

الشرعية، إما بتصورها

(1)

والحكم عليها، وإما باستنباطها من أدلتها. كل ميسر لما وهب له. و"الدين" ما شرعه الله من الأحكام ويطلق على الملة، والإسلام، والعادة، والسيرة، والحساب، والقهر، والقضاء، والحكم، والطاعة، والحال

(2)

، والجزاء، والرأي، والسياسة. ودان: عصى، وأطاع، وذل، وعز، فهو من الأضداد.

(وشرع) أي: بيَّن (أحكام) جمع حكم، وهو في اللغة: القضاء والحكمة، وفي الاصطلاح: خطاب الله المفيد فائدة شرعية.

(الحلال) وهو لغة وشرعًا: ضد الحرام؛ فيعم الواجب، والمندوب، والمكروه، والمباح.

(والحرام) وهو لغة: المنع، وشرعًا: ما يثاب على تركه امتثالًا ويعاقب على فعله. والحكم الشرعي: فرعي: لا يتعلق بالخطأ في اعتقاد مقتضاه، ولا في العمل به قدح في الدين ولا وعيد في الآخرة كالنية في الوضوء: والنكاح بلا ولي. وأصلي: وهو بخلافه

(3)

.

(في كتابه) أي: كلامه المنزل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، المعجز بنفسه، المتعبد بتلاوته. ويحتمل أن يعم سائر الكتب المشتملة على الأحكام كالتوراة لاشتمالها على الحلال والحرام في تلك الشريعة.

(المبين) أي: المشتمل على بيان ما للناس حاجة إليه في دينهم

= وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد: (2/ 234).

ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند الطحاوي في "مشكل الآثار": (2/ 281)، وابن حبان "الإحسان": حديث 89 (1/ 291).

(1)

في (ذ): أي بتصورها والحكم.

(2)

في (ذ) زيادة: والحلال والحرام.

(3)

في (ح): خلافه.

ص: 8

ودنياهم، والإبانة وإن كانت لله تعالى إلا أنه جعلها به. وما ثبت من الأحكام بالسنة، أو الإجماع، أو القياس، أو الاستصحاب فإنه يرجع إلى الكتاب، لأن حجيته

(1)

إنما ثبتت به، كما بُيِّن في علم الأصول. فجميع الأحكام ثابتة بالكتاب أصالة قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}

(2)

وإن كان بعضها بواسطة سنة أو غيرها، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}

(3)

.

(وأعزَّ العلم) أي: شرفه. والعز: ضد الذلّ تقول منه: عز يعز عزًّا بكسر العين فيهما وعزازة أي: قوي بعد ذلة وأعزه الله، وفي المثل: إذا عز أخوك فَهِنْ. وفي المثل أيضًا: من عز بزَّ أي: من غَلَبَ سلَبَ، والاسم العزة وهي الغلبة والقوة.

(ورفع) الرفع ضد الوضع وبابه قطع، ورفع فلان على العامل رفيعة وهو ما يرفعه من قصته ويبلغها. وفي الحديث:"كل رافعةٍ رُفعتْ إلينا من البلاغِ" أي: كل جماعة مبلغة تبلغ عَنّا "فلْتُبَلغْ أنّي حرَّمْتُ المدِينَة"

(4)

والرفع تقريبك

(1)

في (ح) و (ذ): حجته.

(2)

سورة الأنعام، الآية:38.

(3)

سورة النحل، الآية:44.

(4)

رواه ابن قتيبة في غريب الحديث (1/ 393) بسنده عن جابر رضي الله عنه بلفظ: كل رافعة رفعت علينا من البلاغ، فقد حرمتها أن تعضد أو تخبط إلا لعصفور قتب، أو مسد محالة،، أو عصا حديدة.

ورواه الزبير بن بكار كما في التعريف بما آنست الهجرة من معالم دار الهجرة لمحمد بن أحمد المطري ص/ 65 بلفظ: كل دافعة دفعت علينا من هذه الشعاب فهي حرام أن تعضد، أو تخبط، أو تقطع، إلا لعصفور قتب أو مسد محالة، أو عصا حديدة. ورواه عبد الرزاق (9/ 261)، حديث 17147 بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم كل =

ص: 9

الشيء. وقوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}

(1)

قال: مقربة لهم، ومن ذلك رفعته إلى السلطان، ومصدره الرفعان بالضم.

(أهله) أي: حمَلَتَهُ (العاملين به) أي: بالعلم الشرعي كالتفسير، والحديث، والفقه، فأل في العلم للعهد الشرعي أو للجنس. والمراد غير الحرام، - على ما يأتي تفصيله في الجهاد.

(المتقين) أي: الذين وقوا أنفسهم ما يضرهم في الآخرة، والتقوى مراتب: توقي العذاب المخلد بالتبري من الشرك. قال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى}

(2)

(3)

.

وتوقي ما يؤثم من فعل أو قول حتى الصغائر عند قوم وهو المتعارف بالتقوى في الشرع. ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا}

(4)

.

وتوقي ما يشغل السر عن الحق، والتبتل إليه بشراشره

(5)

وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}

(6)

.

= دافعة أقبلت على المدينة من العضد - وشيئًا آخر قاله - إلا لمنشد ضالة، أو عصا لحديدة ينتفع بها.

والصواب ما جاء في رواية الزبير بن بكار بلفظ: كل دافعة دفعت علينا .. ، ورواية عبد الرزاق بنحوه وإن وقع فيها بعض التحريف.

ومدار هذا الحديث عند الجميع على حرام بن عثمان الراوي عن جابر، وهو متروك.

انظر: ترجمته في المغني في الضعفاء للذهبي (1/ 152)، واللسان لابن حجر (2/ 394)، وانظر كتاب "الأحاديث الواردة في فضائل المدينة".

(1)

سورة الواقعة، الآية:34.

(2)

سورة الفتح، الآية:36.

(3)

وهي لا إله إلا الله (ش).

(4)

سورة الأعراف، الآية:96.

(5)

الشراشر في اللغة تطلق على معان منها: النفس، والمحبة، وجميع الجسد كما في القاموس ص 532.

(6)

سورة آل عمران، الآية:102.

ص: 10

وإعزاز العلم ورفع أمره غير خفي. قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}

(1)

، وقال:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}

(2)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: "فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدْناكم. إن اللهَ وملائكتَه وأهلَ السمَاوَات والأرضِينَ، حتى النملة في جُحْرِها، وحتى الحُوت ليُصَلُّون عَلى مُعَلمِ النَّاس الخيرَ" رواه الترمذي

(3)

عن أبي أمامة.

وقال "لا حسَدَ إلا في اثنَتَيْنِ: رجُلٌ آتاهُ اللهُ مالًا فَسَلَّطَهُ عَلى هلكَتِهِ في الخيْرِ، ورجُلٌ آتاهُ اللهُ الحكمةَ فهو يقْضِي بِهَا ويُعَلِّمهَا" رواه البخاري

(4)

من حديث ابن مسعود.

وقال: "مَنْ سَلَكَ طرِيقًا يلتَمسُ فيه علمًا سَهَّلَ اللهُ له طريقًا إلى الجنةِ" رواه الترمذي

(5)

- وحسنه - عن أبي هريرة: واسمه عبد الرحمن

(6)

بن صخر على الأصح.

(1)

سورة المجادلة، الآية:11.

(2)

سورة طه، الآية:114.

(3)

في العلم، باب 19، حديث 2685، وقال: هذا حديث غريب ورواه الطبراني في الكبير (8/ 278)، ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 174)، وله شاهد من حديث الحسن مرسلًا رواه الدارمي في المقدمة باب 32؛ حديث 340.

(4)

في العلم، باب 15، حديث 73، وفي الزكاة، باب 5، حديث 1409، وفي الأحكام، باب 3، حديث 7141، وفي الاعتصام، باب 13، حديث 7316. ورواه مسلم في صلاة المسافرين، حديث 816.

(5)

في العلم، باب 2، حديث 2646، وقال: حديث حسن. ورواه مسلم مطولًا في الذكر والدعاء، حديث 2699، وأبو داود في العلم، باب 1، حديث 3643، بلفظ:"ما من رجل سلك طريقًا يطلب فيه علمًا". وابن ماجه في المقدمة، باب 17، حديث 225، وابن أبي شيبة:(8/ 729)، والإمام أحمد:(2/ 407)، والدارمي: في المقدمة باب 32، حديث 342، 344.

(6)

في (ح): عبد الله.

ص: 11

(أحمده) أي: أصف الله تعالى بجميل صفاته مرة بعد أخرى، لأن المضارع المثبت يشعر بالاستمرار التجددي، وفيه موافقة بين الحمد والمحمود عليه، لأن آلاء الله تعالى لا تزال تتجدد في حقنا دائمًا. كذلك نحمده بمحامد لا تزال تتجدد، وحمد أوّلًا بالجملة الاسمية، وثانيًا بالفعلية اقتداء به صلى الله عليه وسلم ففي خبر مسلم وغيره:"إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُهُ"

(1)

.

(حمدًا يفوق حمد الحامدين) مصدر مبين لنوع الحمد لوصفه بالجملة بعده

(2)

. وهذا إخبار عن الحمد الذي يستحقه الله سبحانه وتعالى، كقول من قال: حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، إذ العبد لا يمكنه الإتيان بذلك. وكذا: الحمد لله ملء السماوات وملءَ الأرض، وملءَ ما شئت من شيء بعد، وعدد الرمال، والتراب، والحصى، والقطر، وعدد أنفاس الخلائق، وعدد ما خلق الله، وما هو خالق. فهذا إخبار عما يستحقه من الحمد لا عما يقع من العبد من الحمد، أشار إليه ابن القيم في "عدة الصابرين"

(3)

.

(وأشكره) أي: الله تعالى (على نعمه) جمع نعمة، والإنعام الإعطاء من غير مقابلة، قال في "القاموس"

(4)

: أنعمها الله تعالى، وأنعم بها عطيته. والشكر لغة: الحمد عرفًا. واصطلاحًا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه

(1)

صحيح مسلم في الجمعة، حديث 868، ورواه أبو داود في النكاح باب 33، حديث 2118، والترمذي في النكاح باب 16، حديث 1105، والنسائي في الجمعة باب 39، حديث 3277، والإمام أحمد (1/ 392، 393، 408، 432، 437) والدارمي في النكاح باب 20، (2/ 142) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(2)

ويجوز أن يكون مصدرًا موكدًا للعامل وهو اقتصار على أحد الجائزين (ش).

(3)

ص/ 117.

(4)

ص/ 1501 والذي فيه: "وأنعمها الله تعالى عليه، وأنعم بها. ونعيم الله تعالى: عطيّته".

ص: 12

لما خلق لأجله. قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}

(1)

فبَيْنَ الحمد والشكر اللغويين عموم وخصوص من وجه، فالحمد أعم من جهة التعلق

(2)

، لأنه لا يعتبر في مقابلة نعمة، وأخص من جهة المورد وهو اللسان، والشكر أعم من جهة المورد وأخص من جهة المتعلق. والنسبة بين باقي الأقسام تظهر للمتأمل. (التي لا تحصى) قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}

(3)

ومن ثم قال عليه السلام: "سبحانَك لا نُحصِي ثناءً عليكَ أنتَ كما أَثنيتَ على نفسِكَ"

(4)

.

(1)

سورة سبأ، الآية:13.

(2)

في (د): المتعلق.

(3)

سورة النحل، الآية:18.

(4)

رواه أبو داود في الوتر، باب 5، حديث 1427، والترمذي في الدعوات، باب 113، حديث 3566، والنسائي في قيام الليل، باب 51، حديث 1746، وفي الكبرى (1/ 452) حديث 1444، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 117، حديث 1179، والطيالسي حديث 123، وابن أبي شيبة (2/ 306، 10/ 386)، وأحمد (1/ 96، 118، 150)، وعبد بن حميد (1/ 131) حديث 81، وأبو يعلى (1/ 238) حديث 275 من حديث علي رضي الله عنه دون قوله:"سبحانك". ورواه مسلم في الصلاة، حديث 486، وأبو داود في الصلاة، باب 152، حديث 879، والترمذي في الدعوات، باب 76، حديث 3493، والنسائي في الطهارة، باب 120، حديث 169، وفي التطبيق، باب 47، حديث 1099، وابن ماجه في الدعاء، باب 3، حديث 3841، وأحمد:(6/ 58، 201)، وابن خزيمة (1/ 329، 335)، حديث 655، 671. والطحاوي (1/ 234)، وابن حبان (5/ 258)، حديث 1932، والبغوي في شرح السنة (5/ 166). من حديث عائشة رضي الله عنها دون قوله: "سبحانك".

ورواه عبد الرزاق (2/ 156)، حديث 2881، عن معمر، عن عمران أن عائشة قامت ذات ليلة تلتمس النبي صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، قال: فوقعت يدها على بطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد وهو يقول: سبحان ربي ذي الملكوت والجبروت والكبرياء، =

ص: 13

(وإياه أستعين) أي: أطلب المعونة منه دون غيره، لأنه القدير وغيره العاجز.

(وأستغفره) أي: أطلب منه المغفرة أي: الستر عما فرط.

(وأتوب) أي: أرجع (إليه إن الله يحب التوابين) الرجاعين إليه مما فرط منهم من الذنوب.

(وأشهد) أي: أعلم (أن لا إله) أي: معبود بحق في الوجود (إلا الله وحده) أي: منفردًا في ذاته (لا شريك له) في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله، (وبذلك أمرت) قال الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}

(1)

، (وأنا من المسلمين) الخاضعين المنقادين لألوهية الله تعالى، القابلين لأمره ونهيه. - ويأتي الكلام على الإسلام والإيمان في باب الردة -.

(وأشهد أن محمدًا) سمي به لكثرة خصاله المحمودة، وهو علم منقول من التحميد، مشتق، كأحمد من اسمه تعالى: الحميد، وأسماؤه عليه السلام كثيرة أفرد لها الحافظ أبو القاسم بن عساكر كتابًا في "تاريخه"

(2)

بعضها في "الصحيحين"

(3)

، وبعضها في غيرهما، منها أحمد،

= والعظمة، أعوذ بالله برضاك من سخطك، وأعوذ بمغفرتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

(1)

سورة محمد، الآية:19.

(2)

تاريخ دمشق (3/ 17) كما أفردها جماعة من العلماء بالتأليف منهم: أحمد بن فارس في كتابه "أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم" وجلال الدين السيوطي في كتابه "الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة صلى الله عليه وسلم ومعانيها" وكلاهما مطبوع.

(3)

ففي صحيح البخاري في المناقب - باب 17 - حديث 3532 وفي تفسير سورة الصف باب 1 حديث 4896 ومسلم في الفضائل حديث 2354، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس =

ص: 14

ومحمد، والحاشر، والعاقب، والمقفي، وخاتم الأنبياء، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، ونبي التوبة، والفاتح، وقال بعض الصوفية: لله عز وجل ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم

(1)

.

قال أبو بكر بن العربي في "شرح الترمذي"

(2)

: أما أسماء الله تعالى فهذا

= على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي". ورواه الطيالسي ص/ 127، حديث 942، وعنده بدل "الماحي والعاقب" نبي التوبة ونبي الملحمة. ورواه ابن سعد (1/ 104، 105)، وأحمد (4/ 81، 84)، والبغوي في الجعديات، حديث 3445، والطحاوي في المشكل (3/ 182)، حديث 1151، والطبراني في الكبير (2/ 133) حديث 1563، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 155، 156) وزادوا: الخاتم. وفي صحيح مسلم الفضائل حديث 2355، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: "أنا محمد، وأحمد، والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة". ورواه ابن سعد في الطبقات (1/ 105)، وابن أبي شيبة (11/ 457)، وأحمد (4/ 404، 407)، والطحاوي في المشكل (3/ 183) حديث 1152، وابن حبان "الإحسان" (14/ 220) حديث 6314، والطبراني في الصغير (1/ 80)، والحاكم (2/ 604)، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 156) وزادوا: "نبي الملحمة".

وروى الترمذي في الشمائل (360)، وابن سعد في الطبقات (1/ 104)، وابن أبي شيبة (11/ 457)، وأحمد (5/ 405)، والبزار كشف الأستار (3/ 120).

وابن حبان "الإحسان"(14/ 221)، حديث 6315، والبغوي في شرح السنة (13/ 212)، حديث 3631، عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في سكة من سكك المدينة: أنا محمد وأحمد، والحاشر، والمقفي، ونبي الرحمة. وزاد بعضهم: وأنا نبي التوبة، وأنا نبي الملاحم. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 284) وقال: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة، وهو ثقة، وفيه سوء حفظ.

(1)

لم يرد في ذلك نص شرعي معتمد.

(2)

عارضة الأحوذي (10/ 280).

ص: 15

العدد حقير فيها، وأما أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فلم أحصها إلا من جهة الورود الظاهر بصيغة الأسماء البينة، فوعيت منها أربعة وستين اسمًا، ثم ذكرها مفصلة مشروحة فاستوعب وأجاد.

(عبده) قال أبو علي الدقاق: ليس شيء أشرف ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية. قال في "المُطْلع"

(1)

: ولهذا وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف مقاماته حين دعا الخلق إلى توحيده وعبادته، قال تعالى:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}

(2)

وحين أنزل عليه القرآن، قال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}

(3)

، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}

(4)

، وحين أسرى به إليه، قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}

(5)

قال بعضهم:

(6)

لا تدْعُني إلا بِيَا عَبْدَها

فإِنَّه أشرفُ أسْمائي

وله أحد عشر جمعًا أشار إليها ابن مالك في هذين البيتين:

عِبادٌ عَبيدٌ جمع عَبدٍ وأعبدٌ

أعابدُ معبودا

(7)

معبدةٌ عُبُد

(1)

لعله: قاله. وانظر: المطلع ص 80.

(2)

سورة الجن، الآية:19.

(3)

سورة البقرة، الآية:23.

(4)

سورة الكهف، الآية:1.

(5)

سورة الإسراء، الآية:1.

(6)

ذكر هذا البيت جماعة من العلماء منهم: أبو القاسم القشيري في الرسالة (2/ 431)، والقرطبي في تفسيره (1/ 232) و (10/ 205)، وابن كثير في التفسير (1/ 26)، والصالحي في سبل الهدى والرشاد (3/ 22). ولم ينسبوه لقائل معين.

(7)

في المطلع ص/ 80 وتاج العروس (8/ 329)"معبوداء" وهو الصواب، وبه يستقيم الوزن.

ص: 16

كذلك عُبدانٌ وعبِدانُ أثبتا

(1)

كذلك العُبُد

(2)

وامدد إن شئت أن تمد

(3)

(ورسوله) إلى الخلق أجمعين، والرسول: إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه أخص من النبي.

(الذي مهد) يقال: مهد الفراش بسطه ووطأه، وبابه قطع، وتمهيد الأمور تسويتها وإصلاحها، (قواعد الشرع) جمع قاعدة، وهي أمر كلي منطبق على جزئيات موضوعة. والشرع ما شرعه الله من الأحكام (وبينها أحسن تبيين) أي: أوضحه وأكمله، لأنه المخصوص بجوامع الكلم.

صلى الله عليه وسلم الصلاة من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن غيرهم التضرع والدعاء.

واختار ابن القيم في "جِلاء الأفهام"

(4)

أن صلاة الله عليه ثناؤه عليه وإرادة إكرامه برفع ذكره ومنزلته وتقريبه، وأن صلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن

(1)

في تاج العروس (8/ 329) اثبتن بهمزة الوصل.

(2)

في المطلع ص 80 وتاج العروس (8/ 329) كذاك العِبِدَّى.

(3)

وذيل السيوطي على ذلك فقال:

وقد زيد أعبادٌ عبُود عِبِدَّةٌ

وخفف بفتح والعِبِدَّان تَشُدّ

وأعبُدُه عبدون ثمَّتَ بَعدَهَا

عبيدون معبودًا (*) بقصر فخذ تَسُدْ (ش)

وانظر شرحي عقود الجمان في المعاني والبيان ص 2، 4 وتاج العروس.

(4)

ص/ 260.

_________

(*) في التاج (8/ 329)"معبودى".

ص: 17

يفعل ذلك به، وردَّ قول من قال: صلاته عليه رحمته ومغفرته من خمسة عشر وجهًا، وقال بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه جماعة؛ منهم ابن بطة

(1)

مِنَّا، والحَليمي

(2)

من الشافعية، واللخمي من المالكية، والطحاوي

(3)

من الحنفية.

(وعلى آله) أي: أتباعه على دينه. وقيل مؤمنو بني هاشم وبني المطلب. وقيل: أهله.

والصواب جواز إضافته للضمير، خلافًا للكسائي والنحاس والزبيدي فمنعوها لتوغله في الإبهام.

(وصحبه) نقل الخطيب

(4)

بإسناده عن الإمام أحمد قال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من صحبه سنة أو شهرًا أو يومًا أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، وهذا مذهب أهل الحديث نقله عنهم البخاري وغيره.

وجمع بينهما ردًّا على المبتدعة الذين يوالون الآل دون الصحب، وأهل السنة يوالونهما.

وقدم الآل للأمر بالصلاة عليهم في حديث: "كيف نصَلِّي عليْكَ؟ "

(5)

.

(1)

أي: من الحنابلة.

(2)

المنهاج في شعب الإيمان (2/ 143).

(3)

انظر فتح القدير (1/ 317).

(4)

"الكفاية": ص 99.

(5)

متفق عليه رواه البخاري في الدعوات، باب 32، حديث 6357، وفي تفسير سورة الأحزاب، باب 10، حديث 4797، ومسلم في الصلاة، حديث 406، من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه. ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رواه البخاري في الدعوات، باب 32، حديث 6358، وفي تفسير سورة الأحزاب، باب 10، حديث 4798. ومن حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه رواه مسلم في الصلاة، حديث 405.

ص: 18

(أجمعين) تأكيد للآل والصحب لإفادة الإحاطة والشمول.

(وتابعيهم) أي: تابعي الصحب، يقال: تبعه

(1)

من باب ضرب وسلم إذا مشى خلفه، أو مر به

(2)

فمضى معه.

(بإحسان) في الاعتقاد والأقوال والأفعال.

(إلى يوم الدين) أي: القيامة لأنه يوم الجزاء يوم تجد كل نفس ما عملت.

(وسلم) من السلام وهو التحية، أو السلامة عن النقائص والرذائل. (تسليمًا) مصدر مؤكد.

(أما بعد) يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر استحبابًا في الخطب والمكاتبات، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقولها في خطبه وشبهها. نقله عنه خمسةٌ وثلاثون صحابيًّا. ذكره في شرح التحرير. وذكر ابن قندس في "حواشي المحرر": أن الحافظ عبد القادر الرهاوي رواه في الأربعين التي له عن أربعين صحابيًّا. وقيل: إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود. والصحيح أنه الفصل بين الحق والباطل.

واختلف في أول من نطق بها. فقيل: داود عليه السلام. وقيل: يعقوب عليه السلام. وقيل: يعرب بن قحطان. وقيل: كعب بن لؤي. وقيل: قس بن ساعدة. وقيل: سحبان بن وائل. قال الحافظ ابن حجر

(3)

: والأول أشبه، ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الأولية المحضة، والبقية غير الثاني بالنسبة إلى العرب خاصة، ثم يجمع بينها بالنسبة إلى القائل.

(1)

بالفتح والكسر (ش).

(2)

في (ذ): وأمر به.

(3)

فتح الباري (2/ 404).

ص: 19

والثاني ضعيف جدًّا فلا يحتاج إلى الجمع.

والمعروف بناء "بعد" على الضم، وأجاز بعضهم تنوينها مرفوعة ومنصوبة والفتح بلا تنوين على تقدير المضاف إليه؛ وهي ظرف زمان، وربما استعملت ظرف مكان. و"أما" حرف تفصيل ضمن معنى الشرط.

(فهذا) إشارة إلى ما استحضره في ذهنه، وأقامه مقام الملفوظ المقروء الموجود بالعيان، سواء كانت الخطبة قبل التأليف أو بعده، بناء على أن مسمى الكتب الألفاظ من حيث دلالتها على المعاني.

(كتاب) أي: مكتوب جامع.

(في الفقه) وهو لغة: الفهم عند الأكثر، وعرفًا: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالفعل، أو القوة القريبة، أو الأحكام المذكورة نفسها.

والفقيه: من عرف جملة غالبة كذلك بالاستدلال.

وموضوعه: أفعال العباد من حيث تعلق الأحكام الشرعية بها.

ومسائله: ما يذكر في كل باب من أبوابه.

(على مذهب) بفتح الميم مفعل من ذهب يذهب إذا مضى بمعنى الذهاب أو مكانه أو زمانه، ثم نقل إلى ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلًا به، وكذا ما أجرى مجراه. (إمام الأئمة) أي: قدوتهم (ومجلي) أي: كاشف ومذهب (دجى) جمع دجية وهي: الظلمة (المشكلات) جمع مشكلة، من أشكل الأمر إذا التبس، كشَكَلَ وشكّل. وشكَل الكتاب أي: أزال إشكاله، (المدلهمة) أي: الشديدة الالتباس، من ادلهمّ الظلام أي: كثف واسود، وليلة مدلهمة أي: مظلمة.

(الزاهد) من الزهد، وهو الإعراض بالقلب عن الدنيا.

وقال الإمام أحمد: "الزهد قصر الأمل والإياس عما في أيدي الناس".

ص: 20

وقسمه إلى ثلاثة أوجه ذكرتها في الحاشية

(1)

(الرباني) أي: المتأله العارف بالله تعالى، ومنه قوله تعالى:{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}

(2)

.

(والصديق) البالغ في الصدق وهو ضد الكذب (الثاني) لقب به، لنصرته للسنة وصبره على المحنة، كصبر الصديق الأول أبي بكر رضي الله عنه قال علي بن المديني:"أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة".

قال إسحاق بن راهويه: "لولا أحمد بن حنبل وبذله نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام". وعن بشر بن الحارث: أنه قيل له حين ضرب أحمد بن حنبل: أبا نصر

(3)

، لو أنك خرجت فقلت إني على قول أحمد بن حنبل؟ فقال بشر: أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء؟ إن أحمد بن حنبل قام مقام الأنبياء. نقله في "المُطْلع"

(4)

.

(أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل) بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان - بالياء المثناة - ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب - بكسر الهاء وإسكان النون وبعدها موحدة - ابن أفصى - بالفاء والصاد المهملة - ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان (الشيباني) المروزي البغدادي. هكذا ذكره الخطيب الحافظ

(1)

الأول: ترك الحرام بالقلب. وهو زهد العوام من المسلمين. والثاني: ترك الفضول من الحلال بالقلب. وهو زهد الخواص منهم. والثالث: ترك ما يشغل العبد عن الله بالقلب، وهو زهد العارفين وهم خواص الخواص (ش).

(2)

سورة آل عمران، الآية:79.

(3)

في (ح): يا أبا نصر.

(4)

ص/ 424.

ص: 21

أبو بكر البغدادي

(1)

، وأبو بكر البيهقي

(2)

، وابن عساكر

(3)

، وابن طاهر

(4)

.

قال الجوهري: وشيبان حي من بكر، وهما شيبانان أحدهما: شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والآخر: شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة انتهى.

حملت به أمه بمرو، وولد ببغداد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، ودخل مكة والمدينة والشام واليمن والكوفة والبصرة والجزيرة. وتوفي ببغداد، يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول، والمشهور الآخر، سنة إحدى وأربعين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة، وأسلم يوم موته عشرون ألفًا من اليهود والنصارى والمجوس. وفضائله كثيرة. ومناقبه شهيرة.

من مصنفاته "المسند" ثلاثون ألفًا، و"التفسير" مائة وخمسون ألفًا، و"الناسخ والمنسوخ"، و"التاريخ"، و"المقدم والمؤخر في كتاب الله سبحانه"، و"جوابات القرآن"، و"المناسك الكبير والصغير".

قال القاضي أبو يعلى: إنما اخترنا مذهب أحمد على مذهب غيره من الأئمة، ومنهم من هو أسن منه وأقدم هجرة مثل مالك وسفيان وأبي حنيفة: لموافقته الكتاب والسنة

(5)

والقياس الجلي. فإنه كان إمامًا في القرآن، وله فيه "التفسير العظيم"؛ وكتب من علم العربية ما اطلع به على كثير من معاني كلام الله عز وجل.

(1)

تاريخ بغداد (4/ 412).

(2)

في كتابه "مناقب الإمام أحمد" لم يطبع. وقد نقل منه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (10/ 368).

(3)

تاريخ دمشق (5/ 252).

(4)

الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 5).

(5)

أي شدة موافقته وإلا فالأئمة المذكورون موافقون للكتاب والسنة اهـ عثمان النجدي (ش).

ص: 22

(رضي الله عنه أي: أثابه (وأرضاه) أي: أحل به رضوانه الذي لا سخط بعده (وجعل جنة الفردوس) بكسر الفاء: هي

(1)

أعلى درجات الجنة، وأصله البستان الذي يجمع النخل والكرم، وإضافة الجنة إليه كشجر أراك (مأواه) أي: مكان إقامته.

(اجتهدت) أي: بذلت وسعي (في تحرير نقوله) أي تهذيب مسائله المنقولة عن الإمام أو

(2)

الأصحاب (واختصارها) أي: النقول، وفي نسخة بخطه: واختصاره: أي: الكتاب، والاختصار: تجريد اللفظ اليسير من اللفظ الكثير مع بقاء المعنى، والإيجاز تجريد المعنى من غير رعاية اللفظ (لعدم) أي: لأجل عدم (تطويله) لقصور الهمم وكثرة الموانع.

(مجردًا) هذا الكتاب (غالبًا عن دليله) وهو لغة: المرشد حقيقة، وما به الإرشاد مجازًا. وعرفًا: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري (و) مجردًا غالبًا عن (تعليله) أي: ذكر علة الحكم، والعلة لغة: عَرَض يوجب خروج البدن الحيواني عن الاعتدال الطبيعي. وشرعًا: ما أوجب حكمًا شرعيًّا لا محالة، أو حكمة الحكم، أو مقتضيه، وهي أخص من الدليل، إذ كل تعليل دليل ولا عكس، لجواز أن يكون نصًّا أو إجماعًا.

(على قول واحد) من غير تعرض للخلاف طلبًا للاختصار، وكذلك صنعت في شرحه. والقول يعم ما كان رواية عن الإمام، أو وجهًا للأصحاب (وهو) أي: القول الواحد الذي يذكره ويحذف غيره هو (ما رجحه أهل الترجيح) من أئمة المذهب (منهم العلامة) الجامع بين علمي المعقول والمنقول (القاضي) الإمام الفقيه الأصولي المحدث النحوي الفرضي المقرئ

(1)

في (ح) و (ذ): هو. وهو المناسب للسياق.

(2)

في (ح) و (ذ): والأصحاب.

ص: 23

(علاء الدين) علي بن سليمان السعدي المرداوي، ثم الصالحي، المجتهد في التصحيح، أي: تصحيح المذهب (في كتبه: الإنصاف) في معرفة الراجح من الخلاف أربع مجلدات (وتصحيح الفروع) مجلد واحد مفيد بعد الإنصاف (والتنقيح) مجلد بديع لم يسبق إلى نظيره. وله أيضًا "تحرير المنقول في علم الأصول"، وشرحه في مجلدين، و"مولد"، وكتاب في الأدعية، وشرع في شرح الطوفي. وتوفي ليلة الجمعة سادس جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وثمانمائة.

وأما صاحب الفروع فهو الإمام الأوحد شيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي تلميذ أبي العباس ابن تيمية، قال في حقه ابن القيم مع معاصرته له:"ما تحت أديم السماء أعلم بالفقه من شمس الدين بن مفلح، وناهيك بكتابه هذا الجامع". توفي ليلة الخميس ثاني رجب سنة ثلاث وستين وسبعمائة.

(وربما ذكرت بعض الخلاف) في بعض المسائل (لقوته) تكثيرًا للفائدة ولتعلم رتبته.

(و) ربما (عزوت) أي: نسبت (حكمًا إلى قائله) من العلماء (خروجًا من تبعته) قال في "القاموس"

(1)

: كفرحة وكتابة: الشيء الذي فيه بغية، شبه ظلامة ونحوها انتهى. وقال بعضهم: التبعة ما اتبع به

(2)

. وقد يكون عزو القول لقائله ارتضاء له وموافقة، كما هو شأن أئمة المذهب، وصرّح به ابن قندس في حاشية "الفروع".

(وربما أطلقت الخلاف) في بعض المسائل (لعدم) وقوفي على (مصحح) له من الأئمة المتقدمين.

(1)

ص/ (911).

(2)

في لسان العرب (8/ 30): التبعة ما فيه إثم ثم يُتَّبع به.

ص: 24

(ومرادي بالشيخ) حيث أطلقته (شيخ الإسلام) بلا ريب (بحر العلوم) النقلية والعقلية (أبو العباس أحمد) تقي الدين بن عبد الحليم ابن شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي (بن تيمية) الحراني، ولد يوم الاثنين عاشر - وقيل: ثاني عشر - ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، وتوفي ليلة الاثنين عشر

(1)

ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. كان إمامًا مفردًا أثنى عليه الأعلام من معاصريه فمن بعدهم، وامتحن بمحن، وخاض فيه أقوام حسدًا، ونسبوه للبدع والتجسيم، وهو من ذلك بريء، وكان يرجح مذهب السلف على مذهب المتكلمين، فكان من أمره ما كان، وأيده الله عليهم بنصره، وقد ألف بعض العلماء في مناقبه وفضائله قديمًا وحديثًا رحمه الله ونفعنا به.

"تتمة" إذا أطلق المتأخرون كصاحب "الفروع" و"الفائق" و"الاختيارات" وغيرهم: الشيخ، أرادوا به الشيخ العلامة موفق الدين أبا محمد عبد الله بن قدامة المقدسيّ.

وإذا قيل: الشيخان، فالموفق والمجد.

وإذا قيل: الشارح، فهو الشيخ شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر المقدسي، وهو ابن أخي الموفق وتلميذه.

وإذا أُطلق: القاضي، فالمراد به القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد الفراء.

وإذا قيل: وعنه، أي: عن الإمام أحمد رحمه الله، وقولهم نصًّا: معناه نسبته إلى الإمام أحمد رحمه الله.

(1)

في (ح): عشرين، وهو الصواب كما في البداية والنهاية لابن كثير (14/ 117)، وذيل طبقات الحنابلة (2/ 405)، والمنهج الأحمد (5/ 39).

ص: 25

(وعلى الله) لا على غيره (أعتمد) أي: أتكل (ومنه) دون ما سواه (المعونة) أي: الإعانة (أستمد) أي: أطلب المدد (هو ربي) دون غيره، ورب كل شيء: مالكه. والرب من أسمائه تعالى، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة. وقد قالوه في الجاهلية للملك. (لا إله إلا هو) قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}

(1)

(عليه توكلت) أي: فوضت أمري إلى الله دون ما سواه (وإليه متاب) أي: توبتي، وتاب الله عليه: وفقه للتوبة.

* * *

(1)

سورة الأنبياء، الآية:22.

ص: 26

مقدمة

لم يؤلف الإمام أحمد في الفقه كتابًا وإنما أخذ أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته وغير ذلك، وإذا نقل عن الإمام في مسألة قولان فإن أمكن الجمع - وفي الأصح - ولو بحمل عام على خاص ومطلق على مقيد فهما مذهبه، وإن تعذر الجمع وعلم التاريخ فمذهبه الثاني لا غير، صححه في تصحيح "الفروع" وغيره، وإن جهل التاريخ فمذهبه أقربهما من الأدلة أو قواعد مذهبه، ويخص عام كلامه بخاصه في مسئلة واحدة في الأصح، والمقيس على كلامه مذهبه في الأشهر.

وقوله: لا ينبغي، أو لا يصلح، أو أستقبحه، أو هو قبيح، أو لا أراه، للتحريم، لكن حمل بعضهم "لا ينبغي" في مواضع من كلامه على الكراهة.

وقوله: أكره، أو لا يعجبني، أو لا أحبه، أو لا أستحسنه: للندب. قدمه في الرعاية الكبرى والشيخ تقي الدين.

وقوله للسائل: يفعل كذا احتياطًا، للوجوب. قدمه في "الرعاية" و"الحاوي الكبير". وقال في "الرعايتين"، و"الحاوي الكبير" و"آداب المفتي": الأولى: النظر إلى القرائن في الكل، فإن دلت على وجوب، أو ندب، أو تحريم، أو كراهة، أو إباحة، حمل قوله عليه، سواء تقدمت أو تأخرت أو توسطت.

قال في "تصحيح الفروع": "وهو الصواب، وكلام أحمد يدل على ذلك" انتهى.

ص: 27

وأُحب كذا، أو يعجبني، أو أعجب إليَّ، للندب.

وقوله: أخشى، أو أخاف أن يكون، أو أن لا يجوز، أو لا يجوز، وأجبن عنه، مذهبه كقوة كلام لم يعارضه أقوى.

وقول أحد صحبه في تفسير مذهبه، وإخباره عن رأيه، ومفهوم كلامه، وفعله، مذهبه في الأصح، كإجابته في شيء بدليل.

والأشهر، أو قول صحابي، واختار ابن حامد: أو قول فقيه. قال في "تصحيح الفروع": وهو أقرب إلى الصواب، ويعضده منع الإمام أحمد من اتباع آراء الرجال. وما انفرد به واحد وقوى دليله، أو صحح الإمام خبرًا، أو حسنه، أو دوَّنه ولم يرده، فهو مذهبه، قدمه في الرعايتين وغيرهما.

وإن ذكر قولين وحسن أحدهما أو علله، فهو مذهبه، بخلاف ما لو فرع على أحدهما. قال في "تصحيح الفروع": والمذهب لا يكون بالاحتمال، وإلا فمذهبه أقربهما من الدليل. وإذا أفتى بحكم فاعترض عليه فسكت ونحوه لم يكن رجوعًا، قدمه في تهذيب الأجوبة، وتابعه الشيخ تقي الدين. قال في "تصحيح الفروع": وهو أولى.

وما علله بعلة توجد في مسائل فمذهبه فيها كالمعللة، ويلحق ما توقف فيه بما يشبهه. وإن اشتبهت مسألتان أو أكثر مختلفة بالخفة والثقل، فقال في "الرعاية الكبرى"، وتبعه في "الحاوي الكبير": الأولى العمل بكل منهما، لمن هو أصلح له. والأظهر عنه هنا التخيير.

"فائدة" اعلم - رحمك الله - أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب إنما يكون ذلك لقوة الدليل من الجانبين. وكل واحد ممن قال بتلك المقالة إمام يقتدى به، فيجوز تقليده والعمل بقوله، ويكون ذلك في الغالب مذهبًا لإمامه. لأن الخلاف إن كان للإمام أحمل فواضح، وإن كان بين الأصحاب فهو مقيس على قواعده وأصوله ونصوصه، قاله في "الإنصاف".

ص: 28

كتاب الطهارة

ص: 29

‌كتاب الطهارة

بدأ بذلك اقتداءً بالأئمة كالشافعي، لأن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، والطهارة شرطها، والشرط مقدم على المشروط، وهي تكون بالماء والتراب، والماء هو الأصل.

وبدأ بربع العبادات اهتمامًا بالأمور الدينية وتقديمًا لها على الأمور الدنيوية، وقدموا المعاملات على النكاح وما يتعلق به لأن سبب المعاملات - وهو الأكل والشرب ونحوهما - ضروري يستوي فيه الكبير والصغير، وشهوته مقدمة على شهوة النكاح. وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج.

والكتاب: مصدر بمعنى المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق، يقال: كتب كتبًا وكتابًا وكتابةً، ومعناها: الجمع، يقال: كتب البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سير، قال سالم بن دارة:

لا تأمنن فزاريًا خلوت به

على قلوصك واكتبها بأسيار

(1)

(1)

هكذا ذكره جماعة من العلماء كصاحب المطلع ص 5.

وذكر البغدادي في خزانة الأدب (3/ 266). أن سالم بن دارة. هجا زميل بن أبير بقصيدة طويلة منها قوله:

لا تأمنن فزاريًا خلوت به

بعد الذي امتل أير العير في النار

وإن خلوت به في الأرض وحدكما

فاحفظ قلوصك واكتبها بأسيار

وبه يعرف أن البيت الذي ذكره المؤلف مؤلف من بيتين.

ص: 31

أي: واجمع بين شفريها. ومنه الكتيبة، وهي الجيش. والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف. وأما الكثيبة بالمثلثة: فالرمل المجتمع.

واعترض القول بأن الكتاب مشتق من الكتب بأن المصدر لا يشتق من مثله.

وجوابه: أن المصدر في نحو ذلك أطلق وأريد به اسم المفعول كما تقدم، فكأنه قيل: المكتوب للطهارة أو المكتوب للصلاة ونحوها.

أو أن المراد به الاشتقاق الأكبر، وهو اشتقاق الشيء مما يناسبه مطلقًا، كالبيع مشتق من الباع أي: مأخوذ منه.

أو أن المصدر المزيد مشتق من المصدر المجرد كما نص عليه بعضهم.

وكتاب الطهارة: خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا كتاب الطهارة، أو مبتدأ خبره محذوف

(1)

. أو مفعول لفعل محذوف، وكذا تقدر في نظائره الآتية.

(وهي) أي: الطهارة لغة النظافة والنزاهة عن الأقذار حسية كانت أو معنوية

(2)

، ومنه ما في الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل على مريض قال: لا بأسَ طَهُورٌ إن شاء الله"

(3)

، أي: مطهر من الذنوب، والطهارة مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما، وهو فعل لازم لا يتعدى إلا بالتضعيف. فيقال: طهرت الثوب، ومصدر طهر بفتح الهاء الطهر، كحكم حكمًا.

وشرعا (ارتفاع الحدث) أكبر كان أو أصغر، أي: زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها باستعمال الماء في جميع البدن، أو في الأعضاء الأربعة على

(1)

تقديره مما يذكر كتاب الطهارة (ش).

(2)

كالحسد والحقد (ش).

(3)

رواه البخاري في المرضى، باب 10، حديث 5656، وباب 14، حديث 5662، وفي التوحيد، باب 31، حديث 7470.

ص: 32

وجه مخصوص. وعبر بالارتفاع ليطابق بين المفسِّر والمفسَّر، ولم يعبر بالرفع - كما عبر به جمع - لأنه تعريف للتطهير لا الطهارة، لكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه، وسمي الوضوء والغسل طهارة لكونه ينقي الذنوب والآثام كما في الأخبار.

(وما في معناه) أي: معنى ارتفاع الحديث كالحاصل بغسل الميت لأنه تعبدي لا عن حدث، والحاصل بغسل يدي القائم من نوم الليل، والوضوء والغسل المستحبين، والغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك.

(وزوال النجس) سواء كانت إزالته بفعل فاعل كغسل المتنجس، أو بنفسه كزوال تغير الماء الكثير، وانقلاب الخمرة خلًّا.

(أو ارتفاع حكم ذلك) أي: الحدث وما في معناه، والنجس، إما بالتراب كالتيمم عن حدث، أو نجس ببدن، أو عن غسل ميت، أو عن وضوء، أو غسل مسنون، وإما بالأحجار ونحوها في الخارج من سبيل على ما يأتي تفصيله. و"أو" في كلامه للتنويع. وهذا الحد أجود ما قيل في الطهارة. وقد عرفت بحدود كثيرة وكلها منتقدة، وما حذفه من عبارة التنقيح والمنتهى ليس من الحد بل من المحدود، كما نبه عليه في حاشيته على التنقيح، وقوله:"أو ارتفاع حكم ذلك" أولى من قولهما: أو ارتفاع حكمهما، لما قدمته في تفسيره.

وحيث أطلق لفظ الطهارة في كلام الشارع؛ إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي، حيث لا صارف، وكذا كل ماله موضوع شرعي ولغوي كالصلاة.

فكتاب الطهارة هو الجامع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به، وما يتطهر له، وما يجب أن يتطهر منه إلى غير ذلك.

‌(أقسام الماء

ثلاثة) لأنه لا يخلو إما أن يجوز الوضوء به أو لا. فإن جاز

ص: 33

فهو الطهور، وإن لم يجز فلا يخلو إما أن يجوز شربه أو لا، فإن جاز فهو الطاهر، وإلا فهو النجس.

أو تقول: إما أن يكون مأذونًا في استعماله أو لا، الثاني: النجس.

والأول: إما أن يكون مطهرًا لغيره أو لا. الأول: الطهور، والثاني: الطاهر.

وزاد ابن رزين: المشكوك فيه.

وطريقة الشيخ تقي الدين

(1)

: أنه ينقسم إلى طاهر ونجس. وقال: إثبات قسم طاهر غير مطهر لا أصل له في الكتاب والسنة.

القسم الأول: ماء (طهور) قدمه لمزيته بالصفتين وهو الطاهر في ذاته المطهر لغيره، فلهذا قال:(بمعنى المطهر) مثل: الغسول الذي يغسل به فهو من الأسماء المتعدية، قال تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}

(2)

وقال صلى الله عليه وسلم: "وجعلتْ لي الأرضُ مسْجِدًا وطَهُورًا"

(3)

. ولو أراد به الطاهر لم يكن له مزية على غيره لأنه طاهر في حق كل أحد. وروى مالك والخمسة وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة: "أن رجلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الوضوءِ بماءِ البحرِ، فقال: هو الطّهورُ ماؤُه"

(4)

ولو لم يكن متعديًا بمعنى

(1)

ينظر مجموع الفتاوى (19/ 236).

(2)

سورة الأنفال، الآية:11.

(3)

رواه البخاري في التيمم، باب 1، حديث 335، وفي الصلاة، باب 56، حديث 438، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديت 521. من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

مالك في الطهارة حديث 12، وأبو داود في الطهارة، باب 41، حديث 83، والترمذي في الطهارة، باب 52، حديث 69، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في الطهارة، باب 47، حديث 59، وابن ماجه في الطهارة، باب 38، حديث 386، وأحمد:(2/ 237، 361)، والدارمي في الطهارة، باب الوضوء من =

ص: 34

المطهر لم يكن ذلك جوابًا للقوم حين سألوه عن الوضوء به، إذ ليس كل طاهر مطهرًا. وأما قوله تعالى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}

(1)

.

فقال ابن عباس: أي: مطهرًا من الغل والغش.

قال في "الشرح": والنزاع في هذه المسألة لفظي. وقد ذكرت بقية كلامه في الحاشية.

قال في "الاختيارات"

(2)

: وفصل الخطاب في المسألة أن صيغة التعدي واللزوم أمر مجمل يراد به [اللزوم الظاهر والتعدي]

(3)

النحوي، ولم تفرق فيه العرب بين فاعل وفعول

(4)

. والفقهي: الحكمي. وقد فرق الشرع فيه بين طاهر وطهور. هذا ملخص كلامه.

وقال القاضي: فائدة الخلاف أن النجاسة لا تزال بشيء من المائعات غير الماء عندنا، ويجوز عندهم أي: الحنفية

(5)

.

قال الشيخ تقي الدين

(6)

: ولا تدفع النجاسة عن نفسها والماء يدفعها

= ماء البحر، حديث 728، 729، وابن خزيمة (1/ 59)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 49، 12/ 62) حديث 1243، 5258، والحاكم:(1/ 140)، وصححه. ووافقه الذهبي، والبيهقي (1/ 3)، والبغوي في شرح السنة (2/ 55). وقال: حديث حسن صحيح.

(1)

سورة الإنسان، الآية:21.

(2)

ص/ 6.

(3)

ما بين المعكوفتين زيد من الاختيارات.

(4)

في (ح): ومفعول، والمثبت هو الصواب.

(5)

انظر مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (1/ 155)، بدائع الصنائع للكاساني (1/ 83)، الهداية شرح بداية المبتدى للمرغيناني (1/ 34)، تبيين الحقائق للزيلعي (1/ 69).

(6)

الاختيارات ص/ 7.

ص: 35

لكونه مطهرًا. قال

(1)

: وليس "طهور" معدولًا عن "طاهر" حتى يلزم موافقته له في التعدي واللزوم، بل هو من أسماء الآلات كالسحور والوجور. اهـ.

وظاهر هذا أن الخلاف معنوي لا لفظي. والطُهور بضم الطاء المصدر قاله اليزيدي

(2)

.

وحكي الضم فيهما والفتح فيهما

(3)

.

(لا يرفع الحدث)

(4)

وما في معناه غيره (ولا يزيل النجس الطارئ غيره) أي: غير الماء الطهور. وأما التيمم فمبيح لا رافع كما يأتي في بابه، وكذلك الحجر ونحوه في الاستجمار مزيل للحكم فقط.

(وهو) أي: الماء الطهور (الباقي على خلقته) أي: صفته التي خلق عليها من حرارة، أو برودة، أو عذوبة، أو ملوحة، أو غيرها. (حقيقة) بأن لم

(1)

انظر الاختيارات ص/ 6.

(2)

اليزيدي: هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، أبو محمد اليزيدي، بصري سكن بغداد، كان عالمًا بالعربية والأدب والقراءات، أدب أولاد يزيد بن منصور الحميري فنسب إليه، أخذ العربية عن أبي عمرو بن العلاء البصري والخليل بن أحمد وحدث عنهما. كان ثقة، صحيح الرواية، صدوق اللهجة، من مصنفاته "النوادر" في اللغة و"المقصور والممدود" و"مختصر في النحو" وغيرها. مات بخراسان في خلافة المأمون سنة 202 هـ عن 74 سنة رحمه الله تعالى.

انظر: إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطى (4/ 31 - 39)، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي (2/ 340).

(3)

انظر طلبة الطلبة ص/ 69 ولسان العرب (4/ 505) وتاج العروس (12/ 446).

(4)

إن قلت فيه تقديم التعبد على التصور وهو خلاف الأولى؛ قلت: أجيب بأن الحكم هنا هو المقصود لذاته بخلاف التصور. فإن قلت: المقصود لذاته هو الصلاة دون غيرها، فلا مقصود لذاته؛ قلت: أجيب بأن الشيء قد يكون مقصودًا لذاته من وجه ومقصودًا لغيره من وجه آخر فلا تنافي بينهما (ش).

ص: 36

يطرأ عليه شيء، (أو حكمًا) كالمتغير بمكث، أو طحلب، والمتصاعد من بخارات الحمام ثم يقطر. والماء الطهور ما نزل من السماء كالمطر، وذوب الثلج، والبرد لقوله تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}

(1)

وقوله عليه السلام: "اللهم طهِّرني بالثلجِ والبردِ" رواه مسلم

(2)

. وماء الأنهار والعيون والآبار.

(ومنه) أي: من الطهور

(3)

(ماء البحر)

(4)

لحديث أبي هريرة السابق

(5)

.

(و) من الطهور (ما استهلك فيه مائع طاهر) بحيث لم يغير كثيرًا من لونه أو طعمه أو ريحه، كما يعلم مما يأتي في أقسام الطاهر.

(أو) استهلك فيه (ماء مستعمل يسير) ولم يغيره، فهو باق على طهوريته، لأن ذلك لا يسلبه اسم الماء المطلق. أشبه الباقي على خلقته (فتصح الطهارة به. ولو كان الماء الطهور لا يكفي لها) أي: للطهارة (قبل الخلط) لأن المائع استهلك في الماء فسقط حكمه، أشبه ما لو كان يكفيه فزاده مائعًا وتوضأ منه وبقي قدر المائع.

وعنه لا تصح الطهارة به، اختاره القاضي في "الجامع". وحمله ابن

(1)

سورة الأنفال، الآية:11.

(2)

في الصلاة، حديث 476 (204)، من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما مطولًا. وقد رواه البخاري في الأذان، باب 89، حديث 744، ومسلم في المساجد حديث 598 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.

(3)

في (ح) و (ذ): الماء الطهور.

(4)

أي المالح للحديث السابق، وكره جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر الوضوء بماء البحر. قالا (*): هو نار، قاله في "المبدع"(1/ 34)، وفي "الشرح" رُوي عن ابن عمرو أنه قال في البحر: لا يجزئ. (ش).

(5)

ص/ 34.

_________

(*) في المبدع: "وقال".

ص: 37

عقيل على أن المائع لم يستهلك. وفرض الخلاف في "الرعايتين" و"الفروع" في زوال طهورية الماء وعدمه، ورده ابن قندس في "حواشي الفروع" برد حسن.

(ومنه) أي: الطهور غير المكروه ماء (مشمس) مطلقًا. وما رُوي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة، وقد سخنت ماء في الشمس:"لا تفعلي فإنه يورثُ البرصَ"

(1)

، قال النووي

(2)

: هو حديث ضعيف باتفاق المحدثين، ومنهم من يجعله موضوعًا. وكذا حديث أنس أنه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تغتسلوا بالماء الذي سُخن بالشمس فإنه يُعدِي من البرصِ"

(3)

قال ابن المنجا: غير صحيح، ويعضد ذلك إجماع أهل الطب على أن ذلك لا أثر له في البرص، وأنه لو أثر لما اختلف بالقصد وعدمه، ولما اختص تسخينه في الأواني المنطبعة دون غيرها.

(و) منه (متروِّح بريح ميتة إلى جانبه) قال في "الشرح" و"المبدع": بغير خلاف نعلمه لأنه تغير مجاورة.

(و) منه (مسخن بطاهر) كالحطب نصًّا لعموم الرخصة. وعن عمر:

(1)

رواه الدارقطني: (1/ 38)، وقال: غريب جدًّا، والبيهقي:(1/ 6)، وقال: هذا لا يصح. وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 356).

(2)

المجموع 1/ 135.

(3)

أخرجه العقيلي في "الضعفاء": (2/ 176) في ترجمة سوادة وقال: سوادة عن أنس مجهول بالنقل حديثه غير محفوظ، وليس في الماء المشمس شيء يصح منه إنما يروى فيه شيء عن عمر رضي الله عنه، وقال الذهبي في ترجمة سوادة بن إسماعيل راوي الحديث: خبره هذا كذب. ميزان الاعتدال (2/ 245)، وانظر التلخيص الحبير (1/ 21).

ص: 38

أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به. رواه الدارقطني

(1)

بإسناد صحيح، وعن ابن عمر أنه كان يغتسل بالحميم. رواه ابن أبي شيبة

(2)

، ولأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه. قاله في "المبدع"، قال: ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة، أو قصد التنعيم به.

(و) منه (متغير بمكثه) أي: الماء الآجن الذي تغير بطول إقامته في مقره باق على إطلاقه، لأنه عليه السلام توضأ بماء آجن

(3)

، ولأنه تغير عن غير مخالطة؛ أشبه المتغير بالمجاورة، وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ قوله من أهل العلم سوى ابن سيرين فإنه كره ذلك

(4)

، وجزم به في "الرعاية".

(أو) أي: ومن الطهور متغير (بطاهر يشق صون الماء عنه كنابت فيه) أي: في الماء، (و) كـ (ورق شجر) يسقط في الماء بنفسه، (و) كـ (طحلب، و) كـ (سمك ونحوه من دواب البحر، وجراد ونحوه مما لا نفس له سائلة) كالخنفساء، والعقرب، والصراصر - إن لم تكن من كنف ونحوها - لأن ذلك يشق الاحتراز عنه؛ أشبه المتغير بتبن أو عيدان.

(و) من المتغير بما يشق صون الماء عنه المتغير في (آنية أدم) أو جلد (و) آنية (نحاس ونحوه) كحديد (و) متغير بـ (مقر، وممر) من كبريت ونحوه (فكله غير مكروه) لمشقة التحرز من ذلك (كماء الحمام) لما تقدم من أن الصحابة

(1)

في الطهارة: (1/ 37)، وقال: هذا إسناد صحيح. ومن طريقه البيهقي في "سننه": (1/ 6)، ورواه ابن أبي شيبة في الطهارة:(1/ 25) وقد علقه البخاري في صحيحه جازمًا به، كتاب الوضوء، باب 43. قال الحافظ في الفتح (1/ 298): وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق [1/ 174] وغيرهما بإسناد صحيح.

(2)

(1/ 25).

(3)

لم نقف على تخريجه.

(4)

الإجماع: ص/ 33.

ص: 39

دخلوا الحمام ورخصوا فيه. وظاهره ولو كان وقودها نجسًا. قال في "المبدع": لأن الرخصة في دخول الحمام تشمل الموقودة

(1)

بالطاهر والنجس.

(وإن غيّره) أي: الماء طاهر (غير ممازج كدهن، وقطران، وزفت، وشمع) فطهور؛ لأن تغيره عن مجاورة مكروه للاختلاف في سلبه الطهورية، لكن القطران قسمه بعض العلماء إلى قسمين ما لا يمازج، - والكلام فيه لأنه في معنى الدهن -، وما يمازج الماء فيسلبه الطهورية، كسائر الطاهرات الممازجة. ولم أره لأصحابنا لكن كلامهم يدل عليه. (وقطع كافور، وعود قماري) بفتح القاف منسوب إلى قَمَار موضع ببلاد الهند، (و) قطع (عنبر إذا لم يستهلك في الماء ولم يتحلل فيه) فطهور مكروه لما تقدم. ومفهوم كلامه: أنه إذا استهلك في الماء أو انماع فيه وذاب وغير كثيرًا من صفة من صفاته أنه يسلبه الطهورية لممازجته له.

وقال في "المبدع": "مفهوم كلامه في "المغني" و"الشرح": إن تحلل من ذلك شيء فطاهر وإلا فطهور، فلو خالط الماء بأن دق أو انماع فأقوال". اهـ. وقد أوضحت ذلك في الحاشية.

(أو) غيّره (ملح مائي) فطهور، وهو الماء الذي يرسل على السباخ فيصير ملحًا؛ لأن المتغير به منعقد من الماء، أشبه ذوب الثلج، واقتضى ذلك أن الملح المائي لو انعقد من طاهر غير مطهر فحكمه كباقي الطاهرات، وأن الملح المعدني كذلك كما صرح به في الثانية في "المغني" وغيره، لأنه خليط مستغنى عنه غير منعقد من الماء؛ أشبه الزعفران.

(أو سخن بمغصوب) فطهور؛ لأنه ماء مطلق لم يطرأ عليه ما يسلبه الطهورية، مكروه لاستعمال المغصوب فيه.

(1)

في (ح): الموقود.

ص: 40

(أو اشتد حره) فطهور، لعموم الأدلة، مكروه لأنه يمنع كمال الطهارة. وعليه يحمل النهي عن الوضوء بالماء الحميم إن ثبت، لكونه مؤذيًا أو يمنع الإسباغ.

(أو) اشتد (برده فطهور مكروه) لما تقدم.

(وكذا مسخن بنجاسة) وإن برد كما في "الرعاية" فيكره مطلقًا. لحديث "دع ما يَرِيبُكَ"

(1)

، ولأنه لا يسلم غالبًا من دخانها صعوده بأجزاء لطيفة منها

(2)

. وإن تحقق وصول النجاسة إليه وكان يسيرًا نجس كما في "المغني" وغيره (إن لم يحتج إليه) أي: إلى المسخن بالنجس. فإن احتيج إليه تعين وزالت الكراهة لأن الواجب لا يكون مكروهًا.

قلت: وكذا حكم كل مكروه احتيج إليه كما يدل عليه كلامه في "الاختيارات"

(3)

.

(1)

رواه الترمذي في صفة القيامة، باب 60، حديث 2518، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الأشربة، باب 50، حديث 5727، وعبد الرزاق:(3/ 117)، وأحمد (1/ 200)، والدارمي، في البيوع، باب 2، حديث 2532، وأبو يعلى (12/ 132)، حديث 6762. وابن حبان "الإحسان" (2/ 498) حديث 722، والطبراني في "الكبير"، حديث 2708، 2711، والحاكم في "المستدرك": (2/ 13)، (4/ 99)، وصححه، ووافقه الذهبي، وأبو نعيم في "الحلية": (8/ 264)، والبغوي في "شرح السنة": حديث 2032 من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما.

(2)

تتمة: قال الشيخ تقي الدين: وللكراهة مأخذان:

أحدهما: احتمال وصول النجاسة.

والثاني: كونه سخن بإيقاد النجاسة، واستعمال النجاسة مكروه، والحاصل بالمكروه مكروه، فإنه إذا وصل دخان النجاسة إلى مائع نجسه، ذكره في "الشرح" لأن الاستحالة لا تطهر على المذهب، قاله م ص في الحاشية (ش).

(3)

ص/ 10.

ص: 41

(ويكره إيقاد النجس) في تسخين الماء وغيره؛ لأنه لا يؤمن تعديه إلى المسخن فينجسه.

(و) كذا (ماء بئر في مقبرة) فيكره استعماله مطلقًا في أكل وغيره، وكره الإمام أحمد بَقل المقبرة وشوكها.

(و) كذا (ماء بئر في موضع غصب، أو) ماء بئر (حفرها) غصب، (أو أجرته) أي: الحفر (غصب) فيكره الماء؛ لأنه أثر غصب محرم.

(و) كذا (ما ظن تنجيسه) فيكره، بخلاف ما شك في نجاسته فلا يكره، كما صرح به في "الشرح".

(و) كذا يكره (استعمال ماء زمزم في إزالة النجس فقط) تشريفًا له، ولا يكره استعماله في طهارة الحدث، لقول علي:"ثم أفاضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجلٍ من ماءِ زمزم فشربَ منهُ وتوضَّأ" رواه عبد الله بن أحمد

(1)

بإسناد صحيح.

وما رُوي عن زِرّ بن حبيش قال: "رأيت العباسَ قائمًا عند زمزم يقول: ألا لا أُحِلُّه لمغتسلٍ، ولكنه لكل شاربٍ حلٌّ وبل

(2)

"

(3)

، وروى أبو عبيد في "الغريب"

(4)

: أن عبد المطلب بن هاشم قال ذلك حين احتفره، محمول على

(1)

"مسند أحمد": (1/ 76) في حديث طويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد حسنه الحافظ في الفتح (1/ 240).

(2)

أي: مباح وقيل: شفاء (ش).

(3)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه": (5/ 114)، من طريق طاووس عن أبيه، قال: أخبرني من سمع العباس بن عبد المطلب يقول وهو قائم عند زمزم وهو يرفع ثيابه بيده، وهو يقول: اللهم إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب - أحسبه قال:- ومتوضئ حِلٌّ وبلٌّ.

(4)

(4/ 26).

ص: 42

من يضيق على الشراب، وكونه من منبع شريف لا يمنع منه، كعين سلوان

(1)

، إلا أن يقال له خصوصية انفرد بها، وهي كونه يقتات به، كما أشار إليه أبو ذر في بدء إسلامه

(2)

.

(ولا يكره ما جرى على الكعبة في ظاهر كلامهم) وصرح به بعضهم، قاله في "الفروع"، وفي "المبدع"، وصرح به غير واحد.

(فهذا كله يرفع الأحداث) لما تقدم، وهي (جمع حدث، وهو ما) أي: وصف يقوم بالبدن (أوجب وضوءًا) أي: اعتبره الشرع سببًا لوجوب الوضوء، ويسمى أصغر، (أو) أوجب (غسلًا) ويسمى أكبر، و"أو" لمنع الخلو لا الجمع؛ لأن ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت، ويطلق الحدث على نفس الخارج. قال في "الرعاية": والحدث والأحداث ما اقتضى وضوءًا أو غسلًا أو هما، أو استنجاء أو استجمارًا، أو مسحًا أو تيممًا قصدًا، كوطء، وبول، ونجو، ونحوها، غالبًا أو اتفاقًا، كحيض، ونفاس، واستحاضة، ونحوها، واحتلام نائم، ومجنون، ومغمى عليه وخروج ريح منهم غالبًا.

(إلا حدث رجل وخنثى) بالغ فلا يرتفع (بماء) قليل (خلت به امرأة) مكلفة لطهارة كاملة عن حدث (ويأتي) في القسم الثاني مفصلًا.

(والحدث ليس نجاسة، بل معنى يقوم بالبدن تمتنع معه الصلاة)؛ لأن الطهارة شرط لها مع القدرة

(1)

قال في "معجم البلدان": (4/ 178): سلوان: محلة في ربض مدينة بيت المقدس، تحتها عين عذبة تسقي جنانًا عظيمة، وقفها عثمان بن عفان رضي الله عنه على ضعفاء البلد. اهـ.

(2)

انظر صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، حديث 2473.

ص: 43

(و) يمنع معه (الطواف) بالبيت لأنه صلاة، ويمنع معه أيضًا مس المصحف، ويمنع أيضًا قراءة آية فأكثر إن كان أكبر.

(والمحدث ليس نجسًا) من حيث كونه محدثًا؛ لأن الحدث ليس نجاسة (فلا تفسد الصلاة بحمله)؛ لأنه لم يحمل نجسًا. (وهو) أي: المحدث (من لزمه للصلاة ونحوها) كالطواف ومس المصحف (وضوء أو غسل) مع القدرة، (أو) لزمه لذلك (تيمم لعذر) من عدم الماء أو عجزه عن استعماله ونحوه مما يأتي في بابه مفصلًا.

(والطاهر) شرعًا (ضد النجس والمحدث) إذ الطهارة ارتفاع الحدث وزوال النجس كما تقدم، فالطاهر الخالي منهما.

(ويزيل الأنجاس الطارئة) معطوف على: يرفع الأحداث لقوله صلى الله عليه وسلم: "صبوا على بول الأعرابي ذَنُوبًا من ماء"

(1)

.

والأنجاس (جمع نجس، وهو) لغة: ما يستقذره ذو الطبع السليم، وعرفًا:(كل عين حرم تناولها) لذاتها (مع إمكانه) أي: إمكان التناول، خرج به ما لا يمكن تناوله كالصوان

(2)

لأن المنع من الممتنع مستحيل (لا لحرمتها)

(1)

رواه البخاري في الوضوء، باب 58، حديث 220، وفي الأدب، باب 80، حديث 6128، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ورواه البخاري في الوضوء، باب 57، حديث 219، وباب 58، حديث 221، وفي الأدب، باب 35، حديث 6025، ومسلم في الطهارة حديث 284، 285، من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

قال في "المصباح المنير": (1/ 426): (والصوان ضرب من الحجارة فيه صلابة، الواحدة صوانة، وهو فعال من وجه، وفعلان من وجه) اهـ.

ص: 44

مخرج لصيد الحرم والإحرام، (ولا لاستقذارها) كالبزاق والمخاط فالمنع

(1)

لاستقذاره لا لنجاسته (ولا لضرر بها في بدن) احتراز عن السميات من النبات، (أو) ضرر بها في (عقل) خرج به نحو البنج (قاله في المطلع

(2)

. وهي) أي: النجاسة المعرفة في كلامه (النجاسة العينية ولا تطهر بحال) لا بغسل ولا باستحالة.

قلت: فلا يرد نحو الخمرة، والماء المتنجس، لأنه عين حرم تناولها لكن لِمَا طرأ كما يأتي

(3)

.

(وإذا طرأت النجاسة على محل طاهر فنجسته) لبللهما أو بلل أحدهما (ولو بانقلاب) الطاهر (بنفسه كعصير تخمر)، ومني صار نطفة (فمتنجس، ونجاسته حكمية يمكن تطهيرها) كانقلاب الخمرة بنفسها خلًّا، وصيرورة النطفة حيوانًا طاهرًا، (ويأتي) ذلك في باب إزالة النجاسة.

(ولا يباح ماء آبار) ديار (ثمود غير بئر الناقة) لقول ابن عمر: "إن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود فاسْتَقوا من آبارها وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يُهرِيقوا ما استقوا من آبارها، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يَسْتَقُوا من البئر التي كانت تَرِدُها الناقة" متفق عليه

(4)

(قال الشيخ: وهي البئر الكبيرة التي يردها الحجاج في هذه الأزمنة. انتهى).

قال في "الهدي"

(5)

في غزوة تبوك: بئر الناقة استمر علم الناس بها قرنًا

(1)

في (ح): زيادة (منه).

(2)

ص / 7.

(3)

في (ح): زيادة (تفصيله).

(4)

البخاري في الأنبياء، باب 17، حديث 3378، 3379، ومسلم في الزهد، حديث 2981، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

زاد المعاد (3/ 560).

ص: 45

بعد قرن إلى وقتنا هذا، فلا ترد الركوب بئرًا غيرها، وهي مطوية، محكمة البناء، واسعة الأرجاء، آثار العفو عليها بادية لا تشتبه بغيرها.

(فظاهره) أي: ظاهر القول بتحريم ماء غير بئر الناقة من ديار ثمود (لا تصح الطهارة) أي: الوضوء والغسل (به) لتحريم استعماله (كماء مغصوب، أو) ماء (ثمنه المعين) في البيع (حرام) فلا يصح الوضوء بذلك ولا الغسل به، لحديث "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ"

(1)

قال في "المبدع": "لا تصح الطهارة بماء مغصوب، كالصلاة في ثوب مغصوب انتهى".

قلت: فيؤخذ منه تقييده بما إذا كان عالمًا ذاكرًا كما يأتي في الصلاة، وإلا صحت لأنه غير آثم إذن.

(فيتيمم معه) أي: مع ماء غير بئر الناقة من ديار ثمود، ومع المغصوب، وما ثمنه المعين حرام (لعدم غيره) من المباح، ولا يستعمله لأنه ممنوع منه شرعًا، فهو كالمعدوم حسًّا.

(ويكره ماء بئر ذروان) وهي التي ألقي فيها سحر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة

(2)

، وهي الآن مطمومة تلقى فيها القمامة والعذرات، ذكره في الحاشية.

(و) يكره ماء (بئر برهوت) -بفتح الباء والراء ويقال: برهوت بضم الباء

(1)

البخاري معلقًا مجزومًا به في البيوع، باب 60، وفي الاعتصام، باب 20، ورواه موصولًا في الصلح، باب 5، حديث 2697 بلفظ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد. من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه مسلم في الأقضية حديث 1718 موصولًا باللفظين المذكورين.

(2)

رواه البخاري في بدء الخلق، باب 11، حديث 3268، وفي الطب باب 47 و 49، حديث 5763 و 5765، و 5766، وفي الأدب باب 55، حديث 6063، وفي الدعوات باب 57، حديث 6391، ومسلم في السلام حديث 2189 من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 46

وسكون الراء- رُوي عن علي: "شر بئر على الأرض برهوت" وهي بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها. أخرجه أبو عبيد عن علي

(1)

وأخرجه الطبراني في "المعجم"

(2)

عن ابن عباس مرفوعًا. ذكره ابن الأثير في "النهاية"

(3)

. وهي البئر التي تجتمع

(4)

فيها أرواح الفجار، ذكره ابن عساكر

(5)

(6)

.

(1)

لم نجده في كتبه المطبوعة.

(2)

المعجم الكبير (11/ 98)، ورواه -أيضًا- في الأوسط (3/ 542، 9/ 60) حديث 3924، 8125، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 41)، ودكره المنذري في الترغيب (2/ 166) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، وابن حبان في صحيحه، وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 286) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وصححه ابن حبان، وقال المناوي في فيض القدير (3/ 489): وقال ابن حجر: رواته موثوقون وفي بعضهم مقال لكنه قوي في المتابعات.

(3)

(1/ 122).

(4)

في (ح): تجمع.

(5)

تاريخ دمشق (41/ 468) عن علي رضي الله عنه موقوفًا. ولفظه: خير بئر بئر زمزم، وشر بئر بحضرموت برهوت، فيها أرواح الكفار.

ورواه -أيضًا- بنحوه عبد الرزاق (5/ 116)، حديث 9118، والأزرقي (2/ 50)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 43).

(6)

لم يثبت في هذا ما يعتمد عليه.

ص: 47

فصل

هو عبارة عن الحجز بين شيئين، ومنه فصل الربيع، لأنه يحجز بين الشتاء والصيف، وهو في كتب العلم كذلك؛ لأنه حاجز بين أجناس المسائل وأنواعها.

القسم (الثاني) من أقسام الماء (طاهر) غير مطهر، وهو أنواع:

منها المستخرج بالعلاج (كماء ورد ونحوه) كماء الزهر والخلاف

(1)

، والبطيخ؛ لأنه ليس بماء مطلق.

(وطهور خالطه طاهر فغيّره) أي: غير اسمه حتى صار صبغًا أو خلا. ذكره في "الشرح"، فيصير طاهرًا غير مطهر إلا النبيذ إذا اشتد أو أتى عليه ثلاثة أيام فيصير نجسًا، ويأتي في باب حد المسكر (في غير محل التطهير، و) إن كان التغير (في محله) أي: التطهير فهو (طهور) كما لو تغير الماء بزعفران في محل الوضوء أو الغسل، فهو طهور مادام في محل التطهير لمشقة التحرز.

(أو غلب) الطاهر (على أجزائه) أي: الطهور، بأن تكون أجزاء المخالط أكثر من أجزاء الماء -حتى يقال-: إذا كان المخالط خلا: هذا خل فيه ماء. فيكون الخل أغلب. ولو كان الماء أكثر لقيل: ماء فيه خل.

(أو طبخ) الطاهر (فيه) أي: في الطهور (فغيره) كماء الباقلاء،

(1)

وزان كتاب شجر الصفصاف. الواحدة: خلافة. المصباح المنير ص / 79. تذكرة أولي الألباب للأنطاكي (1/ 143).

ص: 49

والحمص، فطاهر. فإن لم يغيره كما لو صلق

(1)

فيه بيض فطهور. ولا فرق فيما تقدم بين الطهور الكثير والقليل.

(أو وضع فيه) أي: الطهور (ما يشق صونه عنه قصدًا) بأن وضع آدمي عاقل طحلبًا، أو ورق شجر، ونحوه بماء فتغير به عن ممازجه.

(أو) خلط فيه (ملح معدني فغيره) فطاهر؛ (لأنه ليس بماء مطلق)، وإنما يقال: ماء كذا، بالإضافة اللازمة، بخلاف ماء البحر والحمام ونحوه، فإن الإضافة فيه غير لازمة. (و) لذلك (لو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث. ولو وكله في شراء ماء فاشتراه لم يلزم الموكل)؛ لأن اسم الماء المطلق لا يتناوله، ويلزم الوكيل الشراء إن علم الحال، وإلا فله الرد، كما يأتي تفصيله في الوكالة.

(ويسلبه) أي: الماء (الطهورية إذا خلط يسيره) أي: الطهور، فإن كان كثيرًا لم يؤثر خلطه وصار الكل طهورًا، كالنجس وأولى (بمستعمل) في رفع حدث أكبر أو أصغر، أو إزالة نجاسة من آخر غسلة زالت بها النجاسة، ولا تغير (ونحوه) أي: نحو المستعمل في ذلك، كالذي غسل به الميت، لأنه تعبدي، لا عن حدث، والذي غمس أو غسل به يد القائم من نوم الليل (بحيث لو خالفه) أي؛ لو فرض بشيء يخالفه (في الصفة) كاللون والطعم (غيره) أي: غير اليسير الطهور، فيصير طاهرًا (ولو بلغا) أي: الطهور والطاهر (قلتين) كالطاهر من غير الماء إذا خالط

(2)

الطهور (ويقدر المخالف بالوسط. قال) أبو الوفاء علي (بن عقيل) بفتح العين: (يقدر) المخالف (خلًا) قال المجد: ولقد تحكم، إذ الخل ليس بأولى من غيره. انتهى.

(1)

أي: أنضج، وبالسين الشيء غلاه بالنار كما في "القاموس": ص / 1154.

(2)

في (ح): خالطه.

ص: 50

قلت: لعله أراد من حيث كونه وسطًا، فيكون الحكم للوسط لا له بخصوصه. وقال في "الشرح": وما ذكرنا من الخبر أي: أنه صلى الله عليه وسلم "اغتسلَ هو وعائشةُ من إناءٍ واحدٍ، تختلف أيديهما فيه، كلُّ واحدٍ يقول لصاحبه: أبقِ لي"

(1)

فظاهر حال النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه يمنع من اعتباره بالخل، لسرعة نفوذه وسرايته، فيؤثر قليله في الماء؛ والحديث دل على العفو عن اليسير مطلقًا. فينبغي أن يرجع في ذلك إلى العرف، فما عد كثيرًا منع وإلا فلا. وإن شك في كثرته لم يمنع، عملًا بالأصل.

(أو كانا) أي: المخلوطان (مستعملين فبلغا) بالخلط (قلتين) فهما باقيان على الاستعمال خلافًا لابن عبدوس.

(أو غير) الطاهر المخالط للطهور، وظاهر كلامه ولو مستعملًا (أحد أوصافه) بأن غير (لونه، أو طعمه، أو ريحه، أو) غير (كثيرًا من صفة) من صفاته، كلونه، أو طعمه، أو ريحه، فيسلبه الطهورية لأنه ليس بماء مطلق، ولأن الكثير بمنزلة الكل فأشبه ما لو غير كل الصفة.

و (لا) يسلبه الطهورية إن غير الطاهر المخالط (يسيرًا منها) أي: من صفة من صفاته (ولو) كان التغيير اليسير من صفة (في غير الرائحة) كالطعم، أو اللون، لما روت أم هانئ: أن النبي صلى الله عليه وسلم "اغتسلَ من قصعة فيها أثرُ العجين" رواه أحمد وغيره

(2)

. وعلم من كلامه أنه لو كان التغير اليسير من صفاته الثلاث

(1)

رواه البخاري في الغسل، باب 9، حديث 261، ومسلم في الحيض، حديث 321.

(2)

أحمد (6/ 342)، والنسائي في الطهارة، باب 149، حديث 240، وابن ماجه في الطهارة وسننها، باب 35، حديث 378، وابن خزيمة (1/ 119)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 52)، حديث 1245، والبيهقي في "السنن":(1/ 7).

ص: 51

أثر، وكذا من صفتين، على ظاهر ما قدمه في "الفروع"، ولعل المراد إذا كان اليسير من صفتين أو ثلاث يعدل الكثير من صفة واحدة.

(ولا) يسلب الطهور طهوريته إذا خلط (بتراب) طهور (ولو وضع قصدًا) لأنه طاهر مطهر كالماء، فإن كان مستعملًا فكباقي الطاهرات، كما يدل عليه تعليلهم (ما لم يصر) الماء المخلوط بتراب طهور (طينًا) فلا تصح الطهارة به لعدم إسباغه وسيلانه على الأعضاء، (فإن صفي من التراب فطهور) مطهر لزوال المانع.

(ولا) يصير الماء طاهرًا بتغيره (بما ذكر في أقسام الطهور) كالمتغير بطول المكث، أو ريح ميتة بجانبه، أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب، وورق شجر، أو في مقره، أو ممره، ونحوه، أو بمجاور لا يمازجه كعود قماري، وقطع كافور، ودهن، وشمع، ونحوه.

(ويسلبه) أي: الطهور الطهورية (استعماله) أي: اليسير (في رفع حدث) أكبر أو أصغر، فهو طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم "صبَّ على جابر من وضوئه" رواه البخاري

(1)

، غير مطهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يغْتسِلَن أحَدُكُم في الماء الدائم وهو جُنُبٌ" رواه مسلم

(2)

من حديث أبي هريرة. ولولا أنه يفيد منعًا لم ينه عنه، ولأنه أزال به مانعًا من الصلاة، أشبه ما لو أزال به النجاسة، أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف، أشبه الرقبة في الكفارة.

(1)

في الوضوء، باب 44، حديث 194، وفي المرضى، باب 5، حديث 5651، وباب 21، حديث 5676، وفي الفرائض، باب 1، حديث 6723، وباب 13، حديث 6743، وفي الاعتصام، باب 8، حديث 7309.

ورواه -أيضًا- مسلم في الفرائض، حديث 1616، من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

في الطهارة، حديث 283.

ص: 52

وفي أخرى: مطهرٌ، اختارها ابن عقيل وأبو البقاء والشيخ تقي الدين، لحديث ابن عباس مرفوعًا:"الماءُ لا يجنب" رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي

(1)

.

وفي ثالثة: نجس. كالمستعمل في إزالة النجاسة، وعليها يعفى عما قطر على بدن المتطهر وثوبه.

(و) يسلبه الطهورية استعماله في (غسل ميت إن كان) الطهور (يسيرًا) لأنه في معنى المستعمل في رفع الحدث، وفيه ما سبق.

و (لا) يسلب الطهورية باستعماله فيما ذكر إن كان (كثيرًا) لأنه يدفع النجاسة عن نفسه، فهذا أولى.

(وإن غسل) به (رأسه بدلًا عن مسحه) فطهور، وإن قلنا بإجزاء الغسل عن المسح، لأنه مكروه فلا يكون واجبًا. صححه ابن رجب في آخر القاعدة

(1)

أحمد: (1/ 235، 284، 308، 337) بلفظ: لا ينجسه شيء، وأبو داود في الطهارة، باب 35، حديث 68، والترمذي في الطهارة، باب 48، حديث 65، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في الطهارة باب 33، حديث 370، وابن أبي شيبة (1/ 143)، والدارمي في الطهارة باب 57، حديث 735، وابن حبان "الإحسان"(4/ 56)، والبيهقي (1/ 267).

ورواه -أيضًا- بنحوه النسائي في المياه باب 1 حديث 324، وعبد الرزاق (1/ 109)، حديث 396، وابن خزيمة (1/ 48، 58)، والطحاوي (1/ 26)، وابن حبان في "الإحسان"(4/ 47، 48)، حديث 1241، 1242، والطبراني في الكبير (11/ 274)، حديث 11715، 11716، والحاكم (1/ 159)، والبيهقي (1/ 188، 268) بنحوه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح في الطهارة، ولم يخرجاه، ولا يحفظ له علة، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في الفتح (1/ 300): وقد أعله قوم بسماك بن حرب بأنه كان يقبل التلقين، ولكن قد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم.

ص: 53

الثالثة. وقياسه ما غسل به نحو خف بدلا عن مسحه.

(أو استعمل في طهارة مستحبة، كالتجديد وغسل الجمعة) والعيدين (والغسلة الثانية والثالثة) في الوضوء والغسل إذا عمت الأولى فطهور، لأنه لم يرفع حدثًا، ولم يزل نجسًا، أشبه التبرد.

(أو) استعمل (في غسل ذمية) أو كافرة غيرها (لحيض ونفاس وجنابة) وعبارة المنتهى: أو غسل كافر، وهي أعم (فطهور) لأنه لم يرفع

(1)

حدثًا لفقد شرطه (مكروه) للاختلاف فيه. وظاهر المنتهى. كـ"التنقيح" و"الفروع" و"المبدع" و"الإنصاف" وغيرها، عدم الكراهة، لكن ما ذكره متوجه.

(وإن استعمل) الطهور (في) طهارة (غير مستحبة كالغسلة الرابعة في الوضوء والغسل والثامنة في إزالة النجاسة) بعد زوالها (و) المستعمل في (التبرد والتنظيف ونحو ذلك فطهور غير مكروه) لعدم الاختلاف فيه.

(ولو اشترى ماء فبان) أنه (قد توضئ به فعيب لاستقذاره عرفًا) قلت: وكذا لو بان أنه اغتسل به، أو أزال به نجاسة، وكان من الغسلة الأخيرة مع زوالها، وعدم التغير، أو غسل ميت، وظاهره أيضًا: ولو كان الوضوء أو الغسل مستحبًا.

(ويسلبه) أي: اليسير الطهورية (إذا غمس غير صغير ومجنون وكافر) وهو المسلم البالغ العاقل، ولو ناسيًا أو مكرهًا أو جاهلًا في ظاهر كلامهم (يده كلها) إلى الكوع (لا عضوًا من أعضائه غيرها) أى: غير اليد كالوجه والرجل. (واختار جمع) منهم ابن حامد، وابن رزين في شرحه، وجزم به في "الكافي" وقدمه في الإفادات، وصححه الناظم (أنَّ غمس بعضها كغمس كلها) والمذهب ما قدمه كما في "الإنصاف"، وغيره، لكن لو نوى غسل يديه

(1)

في (ح) زيادة: (به).

ص: 54

وغسَل بعض يده فالظاهر أن المنفصل منه طاهر، لأنه استعمل في طهارة واجبة (في ماء يسير) لا كثير (أو حصل) اليسير (فيها) أي: في يد غير صغير ومجنون وكافر (كلها من غير غمس. ولو باتت) اليد (مكتوفة أو في جراب ونحوه) خلافًا لابن عقيل (قائم من نوم ليل) لا نهار خلافًا للحسن (ناقض لوضوء) لو كان بخلاف اليسير من قائم وقاعد (قبل غسلها) أي: اليد (ثلاثًا كاملة) لحديث أبي هريرة يرفعه: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يَده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا فإنه لا يَدرِي أين باتَت يَدُه" متفق عليه

(1)

. ولفظه لمسلم. وفي رواية "فليغْسِلْ يدَيه"

(2)

ولأبي داود والترمذي وصححه "من الليل"

(3)

وهو تعبدي. فيجب، وإن شدت يداه أو جعلت في جراب ونحوه، وسواء كان ذلك الغمس أو الحصول (بعد نية غسلها أو قبلها) أي: قبل النية لعموم ما سبق (لكن إن لم يجد) من وجبت عليه الطهارة (غيره) أي: غير ما

(1)

البخاري في الوضوء، باب 26، حديث 162، ومسلم في الطهارة حديث 278.

(2)

رواه ابن حبان "الإحسان"(3/ 346)، حديث 1063، والبغوي في شرح السنة (1/ 406)، حديث 207، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وهو في الموطأ الطهارة، باب 2 (1/ 21)، وعند البخاري في الوضوء، باب 26، حديث 162، والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 29)، وأحمد (2/ 465)، والبيهقي (1/ 45) من طريق مالك بالإسناد المذكور، بلفظ:"فليغسل يده". ورواه أبو يعلى (10/ 256، 377)، حديث 5863، 5973، من طريقين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"فليفرغ على يديه".

(3)

أبو داود في الطهارة، باب 49، حديث 103، والترمذي في الطهارة، باب 19، حديث 24، وقال: حسن صحيح. ورواه -أيضًا- ابن ماجه في الطهارة باب 40، حديث 393، وابن أبي شيبة:(1/ 98)، وأحمد:(2/ 253، 259)، والبيهقي في "السنن":(1/ 45).

ص: 55

غمس فيه القائم من نوم الليل يده أو حصل في كلها (استعمله) وجوبًا. لأن القائل بطهوريته أكثر من القائل بطهارته (فينوي رفع الحدث) ويستعمله (ثم يتيمم) ليقع التيمم بعد عدم الماء بيقين وجوبًا؛ لأن حدثه لم يرتفع لأنه ماء طاهر غير مطهر. قلت: فإن كانت الطهارة عن خبث استعمله ثم تيمم إن كانت بالبدن (ويجوز استعماله) أي: الماء المستعمل في غسل يدي القائم. من نوم الليل (في شرب وغيره) كالمستعمل في رفع حدث، وأولى لطهارته. قلت: ومثله فيما تقدم ما غسل به ذكره وأنثييه لخروج مذي دونه.

(ولا يؤثر غمسها) أي: يد القائم من نوم الليل (في مائع غير الماء) كاللبن والعسل والزيت، لأنها غير نجسة، لكن يكره غمسها في مائع، وأكل شيء رطب بها. قاله في "المبدع".

(ولو استيقظ محبوس من نومه فلم يدر أهو) أي: الاستيقاظ (من نوم ليل أم نهار؛ لم يلزمه غسل يديه) لأنا لا نوجب بالشك، ولم يتحقق الموجب (ولو كان الماء في إناء لا يقدر على الصب منه) كحوض مبني (بل) يقدر (على الاغتراف) منه (وليس عنده ما يغترف به ويداه نجستان، فإنه يأخذ الماء بفيه) إن أمكنه (ويصب على يديه نصًّا) حتى يطهرهما (أو يبل ثوبًا أو غيره فيه) أي: الماء (ويصبه على يديه) حتى يطهرهما إن أمكنه ذلك (وإن لم يمكنه) ذلك (تيمم وتركه) لأنّه غير قادر على استعماله. أشبه ما لو وجد بئرًا ولم يجد آلة يستقي بها منها.

فإن لم تكونا نجستين لكن لم يغسلهما من نوم ليل، ففي "الشرح" من قال: إن غمسهما لا يؤثر، قال: يتوضأ. ومن جعله مؤثرًا قال: يتوضأ ويتيمم معه انتهى. ولعله مبنى على أن غمس البعض كالكل، وإلا فالظاهر أنه يغترف ببعض يده، ويغسلهما ثلاثًا ثم يتوضأ بلا تيمم.

ص: 56

(وإن نوى جنب ونحوه) كحائض ونفساء وكافر أسلم (بانغماسه كله أو) انغماس (بعضه) من يد أو غيرها (في ماء قليل) لا كثير (راكد أو جار رفع حدثه لم يرتفع) حدثه بذلك. قال في "الحاوي الكبير" قال أصحابنا: يرتفع الحدث عن أول جزء يقع منه، أي: في الماء، فيحصل غسل ما سواه بماء مستعمل فلا يجزئه (وصار) الماء (مستعملًا بأول جزء انفصل) من المنغمس. والحاصل: أن الحدث يرتفع عن أول جزء لاقى وهو غير معلوم، والماء يصير مستعملًا بأول جزء انفصل، كما أن الماء الوارد على محل التطهير يرفع الحدث بمجرد الإصابة ولا يصير مستعملًا إلا بانفصاله. فلهذا قال (كـ) الماء (المتردد على المحل) أي: محل التطهير، فإنه يصير مستعملًا بانفصاله. قال الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة"

(1)

: مادام الماء يجري على بدن المغتسل وعضو المتوضي على وجه الاتصال فليس بمستعمل حتى ينفصل. فإن انتقل من عضو إلى عضو لا يتصل به، مثل أن يعصر الجنب شعر رأسه على لمعة من بدنه، أو يمسح المحدث رأسه ببلل يده بعد غسلها، فهو مستعمل في أحد الروايتين، كما لو انفصل إلى غير محل التطهير، والأخرى ليس بمستعمل وهو أصح انتهى. لكن صحح الأول في "الإنصاف" ومشى عليه المصنف. وذكر الخلال أن رواية الإجزاء رجع أحمد عنها، واستقر قوله على أن ذلك لا يجزئ.

(وكذا نيته) أي: الجنب (بعد غمسه) أى: انغماسه في الماء القليل راكدًا كان أو جاريًا. قال في "الحاوي الكبير": ولو لم ينو الطهارة حتى انغمس به، فقال أصحابنا: يرتفع الحدث عن

(2)

أول جزء يرتفع منه، فيحصل

(1)

(1/ 74).

(2)

في (ذ) من.

ص: 57

غسل ما سواه بماء مستعمل انتهى. فقطع بأنه يصير مستعملًا بأول جزء انفصل، وعزاه إلى الأصحاب، فيحمل كلام المصنف على هذا. هكذا قال في "تصحيح الفروع". وقال المجد:"الصحيح عندي أنه يرتفع حدثه عقب نيته، لوصول الطهور إلى جميع محله بشرطه في زمن واحد، فلا تعود الجنابة بصيرورته مستعملًا بعد. وقد أوضحت المسئلة في الحاشية".

(ولا أثر لغمسه) أي: الجنب بدنه أو بعضه في ماء قليل (بلا نية رفع حدث، كمن نوى التبرد أو) نوى (إزالة الغبار، أو) نوى (الاغتراف، أو فعله عبثًا) لأنه لم يزل منعًا

(1)

.

(وإن كان الماء الراكد كثيرًا كره أن يغتسل فيه) لحديث أبي هريرة مرفوعًا "لا يغتسلنَّ أحدكم في الماء الراكد وهو جُنُبٌ" رواه مسلم

(2)

. (ويرتفع حدثه) أي: الجنب (قبل انفصاله عنه) أي: الماء لوصول الطهور إلى محله بشرطه.

(ويسلبه) أي: الماء (الطهورية اغترافه) أي: الجنب (بيده أو فمه أو وضع رجله أو غيرها) من أعضائه (في) ماء (قليل بعد نية غسل واجب) لاستعماله في رفع الحدث عن أول جزء يلاقي من المغموس، كما تقدم. ولا يرتفع الحدث عنه لأن ذلك الجزء غير معلوم.

(ولو اغترف المتوضئ بيده بعد غسل وجهه) لا قبله لاعتبار الترتيب (من) ماء (قليل) لا كثير (ونوى رفع الحدث عنها فيه) أي: في القليل (سلبه) ذلك الفعل (الطهورية) لأنه استعمل في رفع حدث (كالجنب). ولم يرتفع حدث اليد، لما تقدم (وإن لم ينو) المتوضئ (غسلها فيه) أي: في

(1)

في (ح) مانعًا.

(2)

في الطهارة، حديث 283.

ص: 58

القليل (فطهور) ولو لم ينو الاغتراف، بخلاف الجنب (لمشقة تكرره) أي: الوضوء بخلاف الغسل.

(ويصير الماء في الطهارتين) الكبرى والصغري (مستعملًا بانتقاله من عضو إلى) عضو (آخر بعد زوال اتصاله) عن العضو (لا بتردده على الأعضاء المتصلة)؛ لأن بدن الجنب كالعضو الواحد، فانتقال الماء من عضو إلى آخر كتردده على عضو واحد، بخلاف أعضاء المحدث، فإنها متغايرة. ولذلك اعتبر لغسلها الترتيب.

(وإن غسلت به) أي: الطهور (نجاسة فانفصل متغيرًا بها) فنجس. لقوله عليه السلام: "الماءُ طَهور لا ينجِّسُه شيءٌ إلا ما غلبَ على لونِهِ وطعمِهِ وريحِهِ"

(1)

والواو هنا بمعنى أو.

(1)

رواه ابن ماجه في الطهارة، باب 76، حديث 521. والطبراني في الكبير (8/ 123)، والدارقطني (1/ 28)، والبيهقي (1/ 259) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. وهو حديث ضعيف بهذا اللفظ.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 15): قال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث وقال الشافعي: ما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجسًا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ لا يثبت أهل الحديث مثله، وهو قول العامة. لا أعلم بينهم خلافًا. وقال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه.

وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعمًا أو لونًا أو ريحًا فهو نجس.

وقال البوصيري في "الزوائد"(1/ 131): فيه رشدين وهو ضعيف.

ورواه أبو داود في الطهاره باب 34، حديث 66، 67، والترمذي في الطهارة، باب 49، حديث 66، وقال: هذا حديث حسن، والنسائي في الطهارة، باب 1، حديث 325، وابن أبي شيبة:(1/ 141)، وأحمد:(3/ 15، 36، 86)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار":(1/ 11)، والدارقطني:(1/ 31). والبغوي =

ص: 59

(أو) انفصل غير متغير (قبل زوالها) أي: النجاسة، كالمنفصل من السادسة فما دون (وهو يسير، فنجس) لأنه ملاق لنجاسة لم يطهرها. أشبه ما لو وردت عليه.

(وإن انفصل) القليل (غير متغير بعد زوالها) أي: النجاسة كالمنفصل (عن محل طهر، أرضًا كان) المحل (أو غيرها فطهور، إن كان قُلتين) فأكثر لقوله عليه السلام: "إذا بلغَ الماءُ قلَّتَيْنِ لم يَحْمِلْ الخَبَثَ"

(1)

. وعدم سلب

= في شرح السنة (2/ 61) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه دون زيادة إلا ما غلب على لونه وطعمه وريحه. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 13): وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو محمد بن حزم. انتهى.

وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه أبو داود في الطهارة باب 35، حديث 68، والترمذي في الطهارة باب 48، حديث 65، والنسائي في المياه، باب 1، حديث 324، وابن أبي شيبة (1/ 143)، والدارمي في الطهارة، باب 56 حديث 740، والحاكم (1/ 159). وصححه ووافقه الذهبي. والبيهقي (1/ 167، 188).

ومن حديث ثوبان رضي الله عنه رواه الدارقطني (1/ 28) بلفظ: "الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه"، قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 15): وفيه رشدين بن سعد، وهو متروك.

(1)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 33، حديث 63، والترمذي في الطهارة، باب 50، حديث 67، والنسائي في الطهارة، باب 2، حديث 327، وابن ماجه في الطهارة، باب 75، حديث 517، وابن أبي شيبة:(1/ 144)، وأحمد:(2/ 3، 27، 38)، والدارمي في الطهارة، باب 55، حديث 738، وابن خزيمة:(1/ 49)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار":(1/ 15)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 57، 63)، حديث 1249، 1253، والدارقطني:(1/ 13، 24)، والحاكم:(1/ 132، 134)، والبيهقي:(1/ 260، 261)، والبغوي في "شرح السنة" حديث 282، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الحاكم: صحيح =

ص: 60

الطهورية أولى (وإلا) أي: وإن كان دون قلتين (فطاهر) لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "أمر أن يُصَبَّ على بولِ الأعرابيِّ ذَنُوبٌ من ماءٍ" متفق عليه

(1)

، ولولا أنه يطهر لكان تكثيرًا للنجاسة.

ولا فرق بين أن تنشف أعيان البول أو لا؛ لأنه عليه السلام لم يفرق بين نشافه وعدمه. والظاهر أنه إنما أمر عقب البول، ذكره في "الشرح".

وغير الأرض يقاس عليها، ولأنه بعض المتصل، وهو طاهر بالإجماع.

(وإن خلت امرأة) مكلفة (ولو كافرة) حرة أو أمة (لا) إن خلت به (مميزة) أو مراهقة (أو خنثى مشكل) لاحتمال أن يكون رجلًا (بماء) متعلق بخلت (لا) إن خلت (بتراب تيممت به) فلا تؤثر خلوتها به لعدم النص (دون قلتين) صفة لماء (لطهارة كاملة) لا لبعض طهارة (عن حدث) أصغر أو أكبر (لا) عن (خبث، وشرب، وطهر، مستحب، فطهور) لأنه لم يوجد ما يسلبه ذلك، فوجب بقاوه على ما كان عليه.

(ولا يرفع حدث رجل) لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "نهَى أن يَتَوَّضأ الرجلُ بفضلِ طَهورِ المرأةِ" رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان

(2)

.

= على شرط الشيخين

، ووافقه الذهبي. وللعلماء كلام كثير حول حديث القلتين.

انظر: تهذيب سنن أبي داود (1/ 56)، والتلخيص الحبير (1/ 17).

(1)

تقدم تخريجه: ص / 44 تعليق / 1.

(2)

الترمذي في الطهارة، باب 34، حديث 64، وقال: هذا حديث حسن. وابن حبان "الإحسان"(4/ 71) حديث 1260.

ورواه أبو داود في الطهارة، باب 40، حديث 82، والنسائي في المياه باب 11، حديث 342، وابن ماجه في الطهارة، باب 34، حديث 373، وابن أبي شيبة:(1/ 33)، والإمام أحمد:(4/ 213)(5/ 66)، والدارقطني:(1/ 53)، والبيهقي:(1/ 192، 193) من حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه.

ص: 61

وأما حديث مسلم: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسلُ بفضلِ ميمونَةَ"

(1)

فمحمول على أنها لم تخل به، كما أن الأول محمول على ما إذا خلت به، جمعًا بين الأحاديث. أشار إليه ابن المنجا

(2)

. ووجه الجمع قول عبد الله بن سرجس: "توضأ أنتَ هاهنا، وهيَ هاهنا، فإذا خلتُ بهِ فلا تَقْرَبَنَّهُ"

(3)

رواه الأثرم.

"تنبيه" عبارة "المقنع" وغيره: ولا يجوز للرجل الطهارة به، فعمومه يتناول الطهارة عن حدث أصغر أو أكبر، والوضوء والغسل المستحبين، وغسل الميت.

(و) لا يرفع أيضًا ما خلت به المرأة حدث (خنثى مشكل) احتياطًا

(1)

صحيح مسلم الحيض، حديث 323.

(2)

والرواية الثانية عن الإمام أحمد يجوز الوضوء بفضل طهور المرأة. وبه قال الأئمة الثلاثة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهم الله تعالى- فعلى هذا القول يكون النهي محمولًا على التنزيه. انظر: الاختيارات لابن تيمية ص / 8، وتهذيب السنن (1/ 82).

(3)

ورواه أبو عبيد في الطهور ص / 258 بلفظ: "لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من الجنابة من الإناء الواحد فإن خلت به فلا تقربه"، وبنحوه رواه الدارقطني (1/ 116، 117)، والبيهقي في السنن (1/ 192).

ورواه ابن ماجه بنحوه في الطهارة. باب 34، حديث 374، وأبو يعلى (3/ 132)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 24)، والدارقطني (1/ 116)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 192). عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه مرفوعًا قال الدارقطني: موقوف صحيح، وهو أولى بالصواب، وقال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 193): وبلغني عن أبي عيسى الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: حديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب الصحيح هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ.

ص: 62

لاحتمال أن يكون رجلًا.

فإن قلت: فهلا أثرت خلوة الخنثى به احتياطًا لاحتمال أن يكون امرأة؟ قلت: لا نمنع بالاحتمال، كما لا ننجس بالشك. وهنا المنع تحقق بالنسبة إلى الرجل، والخنثى يحتمل أن يكون رجلًا، فمنعناه منه كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة.

(تعبدًا) أي: المنع للرجل والخنثى من ذلك لأجل التعبد، لما تقدم من الحديث مع عدم عقل المعنى فيه. فليس معللًا بوهم النجاسة ولا غيره.

(ولها) أي: للمرأة التي خلت بالماء الطهارة به، (ولامرأة أخري) غيرها الطهارة به، (ولصبي) مميز أو مراهق (الطهارة به من حدث وخبث، ولرجل الطهارة به من خبث). قلت: وغسل ذكره وأنثييه إذا خرج منه المذي ولم يصبهما، لمفهوم الحديث السابق، مع عدم عقل معناه، فلم يُقس عليه. وإذا لم يجد الرجل غير ما خلت به المكلفة استعمله ثم تيمم. كما تقدم فيما غمست فيه يد القائم من نوم الليل وأولى، كما أشار إليه في "المنتهى".

(ولها) أي: المرأة (الطهارة بماء خلا به) الرجل ولو قليلًا لعموم الأدلة.

(وتزول الخلوة إذا شاهدها عند الاستعمال، أو شاركها فيه زوجها أو من تزول به خلوة النكاح). قلت: وظاهره ولو أعمى (من رجل أو امرأة أو مميز. ولو كان المشاهد) لها (كافرًا) من رجل أو امرأة أو مميز. (وتأتي) خلوة النكاح فيما يقرر الصداق.

(ولا يكره أن يتوضأ الرجل وامرأته) من إناء واحد، (أو) أن (يغتسلا من إناء واحد) لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم "اغتَسَل هو وعائشةُ من إناءٍ واحدٍ تختَلِفُ أيدِيهمَا فيهِ، كلُّ واحدٍ منهما يقولُ لصاحبِه: أبقِ لي"

(1)

.

(1)

تقدم تخريجه ص / 51 تعليق رقم 1.

ص: 63

(وجميع المياه المعتصرة من النباتات الطاهرة وكل طاهر) من الأقسام السابقة وغيرها (يجوز شربه، والطبخ به، والعجن) به، (ونحوه) كالتبرد به، لقوله تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}

(1)

. (ولا يصح استعماله في رفع الحدث و) لا في (إزالة النجس ولا في طهارة مندوبة) لأنه غير مطهر.

(والماء النجس لا يجوز استعماله بحال) لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

(2)

. والنجس خبيث (إلا لضرورة لقمة غص بها، وليس عنده طهور ولا طاهر) لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}

(3)

(أو لـ) ـضرورة من (عطش معصوم من آدمي أو بهيمة سواء كانت تؤكل) كالإبل والبقر، (أو لا) كالحمر، والبغال، (ولكن لا تحلب) ذات اللبن إذا سقيت النجس (قريبًا). قلت: بل بعد أن تسقى طاهرًا يستهلك النجس، كما في الزرع إذا سمد بنجس، (أو لطفْي حريق متلف) لدفع ضرورة

(4)

.

(ويجوز بلّ التراب به) أي: بالماء النجس (وجعله) أي: التراب (طينًا يطين به ما لا يصلى عليه)؛ لأنه لا يتعدى تنجيسه. ولا يجوز أن يطين به نحو مسجد.

(ومتى تغير الماء) الطهور قليلًا كان أو كثيرًا (بطاهر ثم زال تغيره) بنفسه أو ضم شيء إليه (عادت طهوريته)؛ لأن السلب للتغير وقد زال، فعاد إلى أصله. وإن زال تغير بعضه عادت طهورية مازال تغيره، (فإن تغير به بعضه فما لم يتغير) منه (طهور) على أصله لعدم ما يزيله عنه.

(1)

سورة الأعراف، الآية:157.

(2)

سورة الأعراف، الآية:157.

(3)

سورة البقرة، الآية:173.

(4)

في (ح) و (ذ): ضرر.

ص: 64

فصل

القسم (الثالث) من أقسام المياه (نجس) بفتح الجيم وكسرها وضمها وسكونها، وهو لغة: المستقذر ضد الطاهر

(1)

، يقال: نجس ينجس كعلم يعلم وشرف يشرف (وهو) هنا (ما تغير بنجاسة) قليلًا كان أو كثيرًا، وسواء قل التغير أو كثر (في غير محل التطهير) فينجس إجماعًا حكاه ابن المنذر

(2)

.

(و) المتغير بنجاسة (في محله) أي: محل التطهير (طهور إن كان) الماء (واردًا) على محل التطهير لضرورة التطهير. إذ لو قلنا ينجس بمجرد الملاقاة لم يمكن تطهير نجس بماء قليل.

فإن كان الماء مورودًا، بأن غمس المتنجس في الماء القليل، تنجس بمجرد الملاقاة، وإن كان الماء كثيرًا وتغير تنجس وإلا فلا.

(فإن تغير بعضه) أي: بعض الماء الكثير (فالمتغير نجس) للتغير، (وما لم يتغير منه فـ) ـهو (طهور إن كان كثيرًا) لخبر القلتين. قال في المغني: إذا كان الماء كثيرًا فوقع في جانب منه نجاسة فتغير بها نظرت فيما لم يتغير، فإن نقص عن القلتين فالجميع نجس؛ لأن المتغير نجس بالتغير، والباقي ينجس بالملاقاة انتهى.

وإذا كان الماء قلتين فقط وغيرت النجاسة منه قدرًا يعفى عنه في نقص القلتين كالرطل والرطلين فالباقي طهور لأنه قلتان.

(وله استعماله) أي: ما لا ينجس إلا بالتغير (ولو مع قيام النجاسة فيه)

(1)

في (ذ): ضد الطاهر، وهو لغة المستقذر.

(2)

الإجماع ص / 33.

ص: 65

أي: في الماء الكثير (وبينه وبينها) أي: النجاسة (قليل)؛ لأن تباعد الأقطار وتقاربها لا عبرة به، إنما العبرة بكون غير المتغير كثيرًا أو قليلًا. ويحكم بطهارة الملاصق للنجاسة إذا كان الماء كثيرًا (وإلا) أي: وإن لم يكن الذي لم يتغير بالنجاسة كثيرًا (فـ) ـهو (نجس) لملاقاته النجاسة، (فإن لم يتغير الماء الذي خالطته

(1)

النجاسة وهو يسير فـ) ـهو (نجس) لحديث ابن عمر قال: "سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الماءِ يكونُ بالفَلاة وما يَنُوبُهُ من السباعِ والدوابِّ فقال: إذَا بلغَ الماءُ قلَّتَيْنِ لم ينجسْه شيءٌ" وفي رواية: "لم يحملْ الخبَثَ" رواه الخمسة والحاكم

(2)

وقال على شرط الشيخين ولفظه لأحمد، وسئل عنه ابن معين، فقال: إسناده جيد، وصححه الطحاوي. قال الخطابي

(3)

: ويكفي شاهدًا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه، ولأنه عليه السلام أمر بإراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب

(4)

ولم يعتبر التغير، وعنه: لا ينجس إلا بالتغير. اختاره ابن عقيل، وابن المني، والشيخ تقي الدين، وفاقًا لمالك

(5)

، لحديث بئر بضاعة

(6)

صححه أحمد وحسنه الترمذي

(7)

. ويعضده حديث أبي أمامة

(1)

في (ح) و (ذ): خالطه.

(2)

تقدم تخريجه ص / 60 تعليق رقم 1.

(3)

معالم السنن (1/ 48).

(4)

رواه مسلم في الطهارة حديث 279، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليرقه، ثم ليغسله سبع مرار".

(5)

المقدمات الممهدات (1/ 86)، عقد الجواهر (1/ 8)، الذخيرة للقرافي (1/ 73).

(6)

بضم الباء وكسرها لغتان مشهورتان ذكرهما ابن فارس في "المجمل"[1/ 127]، والجوهري [الصحاح 3/ 1187]، وغيرهما قال النووي: والضم أفصح وأشهر، وهي بالمدينة بديار بني ساعدة، ذكره النووي في "التهذيب"[1/ 36](ش).

(7)

رواه أحمد (3/ 15، 36، 86)، والترمذي في الطهارة باب 49، حديث 66، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وتقدم تخريجه مفصلًا ص / 59 تعليق 1.

ص: 66

مرفوعًا: "الماء لا ينجسهُ شيءٌ إلا ما غلبَ على ريحهِ وطعمهِ ولونهِ" رواه ابن ماجه والدارقطني

(1)

. وجوابه: حمل المطلق على المقيد، فينجس القليل بمجرد الملاقاة (ولو كانت النجاسة لا يدركها الطرف) أي: البصر كالتي بأرجل الذباب خلافًا لعيون المسائل، وسواء (مضى زمن تسري فيه) النجاسة (أم لا)؛ لأن نجاسته بالملاقاة لا بالاستهلاك.

(وما انتضح من) ماء (قليل لسقوطها) أي: النجاسة (فيه نجس) لأنه بعض المتصل بالنجاسة. وعلم منه أن ما انتضح من كثير طهور.

(والماء الجاري كالراكد) خلافًا لأبي حنيفة

(2)

(إن بلغ مجموعه) أي: الجاري (قلتين دفع) عن نفسه (النجاسة إن لم تغيره)، وإن لم يبلغ قلتين تنجس مجموعه بمجرد الملاقاة، لعموم ما سبق (فلا اعتبار بالجرية) وهي ما أحاط بالنجاسة فوقها وتحتها، ويمنة ويسرة.

وقال الموفق: وما انتشرت إليه عادة أمامها ووراءها.

وعنه: كل جرية من جار كمنفرد. فمتى امتدت نجاسة بجار فكل جرية نجاسة مفردة. فيفضي إلى تنجيس نهر كبير بنجاسة قليلة لا كثيرة لقلة ما يحاذي القليلة. إذ لو فرضنا كلبًا في جانب نهر، وشعرة منه في جانبه الآخر لكان ما يحاذيها لا يبلغ قلتين لقلته فينجس. وما يحاذي الكلب يبلغ قلالا فلا ينجس. وهذا ظاهر الفساد، والتفريع على الأول.

(فلو غمس الإناء) المتنجس (في ماء جار فهي غسلة واحدة ولو مر عليه جريات) كما لو حركه في الماء الراكد الكثير.

(وكذا لو كان) المتنجس (ثوبًا ونحوه) مما يتشرب النجاسة (وعصره

(1)

تقدمة تخريجه ص / 59 تعليق 1.

(2)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 71)، البناية في شرح الهداية (1/ 313، 321، 328).

ص: 67

عقب كل جرية) كما لو عصره الماء الراكد فغسلة يبني عليها.

(ولو انغمس فيه) أي: في الماء الجاري (المحدث حدثًا أصغر للوضوء لم يرتفع حدثه، حتى يخرج مرتبًا، نصًّا كالراكد، ولو مر عليه أربع جريات).

(ولو حلف لا يقف فيه) أي: في هذا الماء وهو جار (فوقف) فيه (حنث) هكذا في "القواعد الفقهية"

(1)

ويأتي في باب التأويل في الحلف، لا يحنث بلا نية، ولا قصد، ولا سبب.

(وينجس كل مائع) قليلًا كان أو كثيرًا (كزيت، وسمن، ولبن) وخل، وعسل بملاقاة نجاسة -ولو معفوًا عنها- لحديث الفأرة تموت في السمن

(2)

.

وعنه: حكمه كالماء وفاقًا لأبي حنيفة

(3)

.

(و) ينجس (كل طاهر كماء ورد، ونحوه) من المستخرج بالعلاج (بملاقاة نجاسة ولو معفوًا عنها) كيسير الدم (وإن كان كثيرًا) قياسًا على السمن.

(وإن وقعت) نجاسة (في مستعمل في رفع حدث أو) وقعت (في طاهر غيره من الماء) كالمستعمل في غسل ميت أو غسل يدي قائم من نوم ليل،

(1)

ص / 4.

(2)

رواه البخاري في الوضوء باب 67، حديث 235 و 236 وفي الذبائح والصيد باب 34، حديث 5538 و 5539 و 5540 من حديث ميمونة رضي الله عنها.

ورواه أبو داود في الأطعمة باب 48، حديث 3842، وعبد الرزاق (1/ 84)، وأحمد (2/ 232، 233، 265، 490)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 237 - 238)، حديث (1393 - 1394)، والبيهقي (9/ 353) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 83، 84)، رسائل الأسلاف إلى مسائل الخلاف ص / 32.

ص: 68

وكالطهور الذي تغير كثير من لون أو طعمه أو ريحه بطاهر (لم ينجس كثيرهما بدون تغير كالطهور) قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب المنصوص، وقدمه في "المغني" وشرح ابن رزين وابن عبيدان، وصححه ابن منجى في نهايته، وغيرهم. ويحتمل أن ينجس، وقدمه في "الرعاية الكبرى" وقال عن الأول: فيه نظر. وهو كما قال. وأطلقهما في "الشرح"، وابن تميم انتهى، وقطع بالثاني في "التنقيح" وتبعه في "المنتهى".

- ووجه الأول: عموم حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"

(1)

وجوابه: أنه غير مطهر؛ فأشبه الخل.

(إلا أن تكون النجاسة بول آدمي) كبيرًا أو صغيرًا

(2)

. وظاهره ولو لم يأكل الطعام (أو عذرته المائعة أو الرطبة أو يابسة فذابت نصًّا وأمكن نزحه) أي: الكثير الطهور أو الطاهر من الماء على ما ذكره (بلا مشقة) عظيمة في نزحه (فينجس) نص عليه في رواية صالح، والمروذي، وأبي طالب، واختارها الخرقي، والشريف، والقاضي، وابن عبدوس، وأكثر شيوخ أصحابنا؛ لحديث أبي هريرة يرفعه:"لا يَبُولنَّ أحدكم في الماءِ الدائم الذي لا يَجْرِي ثم يغتسِلُ فيه" هذا لفظ البخاري

(3)

، وقال مسلم

(4)

: "ثم يغْتسِل مِنْه" وهذا يتناول القليل والكثير. وهو خاص في البول. وخبر القلتين محمول على بقية النجاسات. فحصل الجمع بينهما، والعذرة المائعة كالبول بل أفحش، والرطبة، واليابسة، إذا ذابت كذلك. وفي "الشرح" و"المبدع": والأولى

(1)

تقدم تخريجه ص / 60 تعليق 1.

(2)

في (ح) و (ذ): كبير أو صغير.

(3)

صحيح البخاري الوضوء، باب 68، حديث 239.

(4)

صحيح مسلم الطهارة، حديث 282.

ص: 69

التفريق بين الرطبة والمائعة (وعنه: لا ينجس) الكثير ببول الآدمي ولا عذرته إن لم يتغير (وعليه جماهير) الأصحاب (المتأخرين، وهو المذهب عندهم) اختارها أبو الخطاب، وابن عقيل، وقدمها السامري، وفي "المحرر"

(1)

وغيرهم لخبر القلتين. ولأن نجاسة الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب، وهو لا ينجس القلتين، فهذا أولى. وخبر أبي هريرة "لا يبُولنَّ أحَدُكم في الماءِ الدائم" إلى آخره لابد من تخصيصه، فتخصيصه بخبر القلتين أولى، وعلم منه أن ما يشق نزحه كمصانع طريق مكة لا ينجس بالبول ولا بغيره حتى يتغير.

(وإذا انضم حسب الإمكان) بفتح الحاء والسين (عرفًا، ولو لم يتصل الصب، إلى ماء نجس، ماء طهور كثير) طهره أي: صيره طهورًا؛ لأن الكثير يدفع النجاسة عن نفسه وعما اتصل به، ولا ينجس إلا بالتغير. وعلم منه أنه لا يطهر بإضافة يسير ولو زال به التغير؛ لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه، فكذا عن غيره، خلافًا لصاحب "المستوعب".

(أو جرى إليه) أي: إلى الماء النجس ماء طهور كثير (من ساقية أو نبع) بفتح الباء أي: الماء الطهور (فيه) أى: في الماء المتنجس (طهره أي: صار) المتنجس (طهورًا إن لم يبق فيه تغير) قليلًا كان أو كثيرًا (إن كان متنجسًا بغير بول آدمي أو عذرته) لأن المتصل يدفع تلك النجاسة عن نفسه فدفعها عن غيره. فإن كان متغيرًا لم يطهر حتى يزول تغيره.

(وإن كان) تنجس (بأحدهما) أي: ببول الآدمي أو عذرته (ولم يتغير) بأن لم يشق نزحه (فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه) بناء على قول أكثر المتقدمين والمتوسطين. وأما على قول المتأخرين، فظاهر مما تقدم.

(وإن تغير) الماء ببول الآدمي أو عذرته (وكان مما يشق نزحه فتطهيره

(1)

في (ح) و (ذ): وقدمها السامري في "المحرر".

ص: 70

بإضافة ما يشق نزحه مع زوال التغير)؛ لأن علة التنجس

(1)

: التغير، وقد زال.

(أو بنزح يبقى بعده ما يشق نزحه) مع زوال التغير، قلّ المنزوح أو كثر. قال ابن عبد القوي في "مجمع البحرين": تطهير الماء بالنزح لا يزيد على تحريكه؛ لأن التنقيص والتقليل ينافي ما اعتبره الشرع في دفع النجاسة من الكثرة.

(أو بزوال تغيره بمكثه) كالخمرة تنقلب خلًّا.

(وإن كان) المتنجس ببول الآدمي أو عذرته (مما لا يشق نزحه فـ) تطهيره (بإضافة ما يشق نزحه عرفًا، كمصانع طريق مكة، مع زوال تغيره إن كان) فيه تغير لما تقدم.

(والمنزوح طهور ما لم يكن متغيرًا، أو تكن عين النجاسة فيه) حيث زال التغير به، وبقي بعده قلتان، لأنه بعض الباقي بعده؛ فكان طهورًا كالذي انفصل منه، وإنما كان المنفصل من غسل النجاسة بعد طهارة المحل طاهرًا لأنهم جعلوا للمنفصل عن المحل حكم الماء الباقي في المحل. وإذا حكم بطهارة المحل كان البلل الباقي في المحل طاهرًا، فكذلك المنفصل منه، لأنه بعضه.

وإن كان المنزوح متغيرًا، أو كانت عين النجاسة فيه -وهو دون القلتين- فنجس. قال ابن قندس: والمراد آخر ما نزح من الماء، وزال معه التغير، ولم يضف إلى غيره من المنزوح الذي لم يزل التغير بنزحه.

(ولا يجب غسل جوانب بئر) ضيقة كانت أو واسعة (نزحت) لنجاسة حصلت بها (و) لا غسل (أرضها) للحرج والمشقة، بخلاف رأسها. قلت: ظاهر كلامهم يجب غسل آلة النزح، لكن مقتضى قولهم:"المنزوح طهور"

(1)

في (ح) و (ذ): التنجيس.

ص: 71

كما تقدم؛ أن الآلة لا يعتبر فيها ذلك للحرج؛ وإلا لنبهوا عليه، والله أعلم.

(وإن كان الماء النجس كثيرًا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير صار طهورًا إن كان متنجسًا بغير البول والعذرة -على ما تقدم- ولم يكن مجتمعًا من) ماء (متنجس، كل ماء)

(1)

من المياه التي جمعت (دون قلتين، كاجتماع قلة نجسة إلى مثلها) فإذا لم يكن كذلك، طهر لزوال علة النجاسة وهي التغير، كما لو أضيف إليه ماء كثير وزال به تغيره.

(فإن كان) مجتمعًا من متنجس كل منه دون قلتين (فـ) هو (نجس) ولو زال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير، ولا يطهر إلا بإضافة كثير (وككمالهما) أي: القلتين (ببول أو نجاسة أخرى) غير البول فإنه لا يطهر إلا بإضافة كثير (وكذا إن اجتمع من نجس وطهور وطاهر قلتان ولا تغير فكله نجس) لأن الطهور دون القلتين لا يدفع النجاسة عن نفسه، فكذا عن غيره، بل أولى.

(وتطهيره في هذه الصورة هو وما) نجس قليلًا كان أو كثيرًا (كوثر بماء يسير بالإضافة) أي: بإضافة ما يدفع تلك النجاسة لو وقعت فيه ابتداء عن نفسه (فقط) أي: دون إضافة يسير، ودون زوال التغير بنفسه أو بنزح.

(وإن كوثر) هذا الماء المذكور (بماء يسير) لم يطهر (أو كان) المتنجس (كثيرًا فأضيف إليه ذلك) أي: ماء يسير (أو) أضيف إليه (غير الماء) من تراب أو نحوه (لم يطهر) بذلك؛ لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه، فغيره أولى.

(1)

في (ذ): متنجس كماء.

ص: 72

فصل

و (الكثير قلتان فصاعدًا) لأن خبر القلتين دل بمنطوقه على دفعهما النجاسة عن أنفسهما، وبمفهومه على نجاسة ما لم يبلغهما. فلذلك جعلناهما حدًا للكثير، وهما تثنية قلة. هي اسم لكل ما ارتفع وعلا، ومنه: قلة الجبل. والمراد هنا الجرة الكبيرة، وسميت قلة لارتفاعها وعلوها، أو لأن الرجل العظيم يقلها بيده أي: يرفعها، والتحديد وقع بقلال "هجر" قرية كانت قرب المدينة، لما روى الخطابي بإسناده إلى ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا:"إذا كانَ الماءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلالِ هَجَرَ"

(1)

وفي حديث الإسراء: "ثم رُفعتْ لي سِدرة المنتهَى، فإذا وَرَقُها مثلُ آذانِ الفيلَةِ، وإذا نَبِقُهَا مثلُ قِلالِ هَجَر" رواه البخاري

(2)

، ولأنها مشهورة الصفة معلومة المقدار، لا تختلف كالصيعان (واليسير دونهما) أي: دون القلتين.

(وهما) أي: القلتان (خمسمائة رطل عراقي) لقول عبد الملك بن جريج: رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئًا. والاحتياط

(1)

"معالم السنن"(1/ 35).

ورواه الدارقطني: (1/ 24) من طريق ابن جريج مرسلًا، ولم ترد هذه الزيادة مرفوعة إلا من طريق المغيرة بن سقلاب بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما. أخرجه ابن عدي في ترجمة المغيرة (6/ 2358)، وقال: لا يتابع على عامة حديثه. وقال الحافظ في "التلخيص": (1/ 29): منكر الحديث. وأشار إلى عدم صحة الحديث بهذه الزيادة. وتقدم تخريجه: ص / 60 تعليق 1 مرفوعًا دون زيادة "بقلال هجر".

(2)

من حديث مالك بن صعصعة مطولًا في مناقب الأنصار، باب 42، حديث 3887.

ص: 73

إثبات الشيء وجعله نصفًا، لأنه أقصى ما يطلق عليه اسم شيء مُنكَر، فيكون مجموعهما خمس قرب بقرب الحجاز، والقربة تسع مائة رطل عراقية باتفاق القائلين بتحديد الماء بالقرب (تقريبًا. فيعفى عن نقص يسير كرطل أو رطلين) عراقية؛ لأن الشيء إنما جعل نصفًا احتياطًا، والغالب استعماله فيما دون النصف. قال في "الشرح": فعلى هذا من وجد نجاسة في ماء فغلب على ظنه أنه مقارب للقلتين توضأ منه، وإلا فلا.

(و) القلتان (أربعمائة) رطل (وستة وأربعون رطلًا وثلاثة أسباع رطل مصري وما وافقه) أي: الرطل المصري (من البلدان) كالمدينة ومكة (و) القلتان (مائة وسبعة أرطال وسُبع رطل دمشقي وما وافقه) من البلدان كصيدا، وعكة، وصفد (وتسعة وثمانون رطلًا وسُبعا رطل حلبي وما وافقه) كالبيروتي (وثمانون رطلًا وسبعا رطل ونصف سبع رطل قدسي وما وافقه) كالنابلسي (وأحد وسبعون رطلًا وثلاثة أسباع رطل بعْلي وما وافقه في وزنه) من البلاد.

(ومساحتهما) أي: القلتين (مربعًا ذراع وربع طولًا، وذراع وربع عرضًا، وذراع وربع عمقًا) في مستوي من الأرض ونحوها (و) مساحتهما (مدورًا ذراع طولًا، وذراعان ونصف عمقًا. والمراد) بالذراع فيما تقدم (ذراع اليد) أي: يد الآدمي المعتدل، وهو أربع وعشرون إصبعًا معترضة معتدلة. قال القمولي الشافعي: وذكر عن الشافعي أنه شبران، وهو تقريب

(1)

. زاد غيره: والشبر ثلاث قبضات، والقبضة أربع أصابع، والأصبع ست شعيرات بطون بعضها إلى بعض. قال في "التنقيح": حررت ذلك، فيسع كل قيراط عشرة أرطال وثلثي رطل عراقي انتهى. والمراد كل قيراط من الذراع من المربع.

(1)

في (ح): وهو قريب.

ص: 74

وذلك بأن تضرب البسط في البسط، والمخرج في المخرج، وتقسم حاصل البسط على حاصل المخرج، يخرج ذرعه، فتحفظ قراريطه، وتقسم عليها الخمسمائة، فبسط الذراع والربع خمسة. وقد تكرر ثلاثًا طولًا وعرضًا وعمقًا. فإذا ضربت خمسة في خمسة والخارج في خمسة بلغ مائة وخمسة وعشرين. والمخرج أربعة، وقد تكرر أيضًا ثلاثًا. فإذا ضربته كما تقدم، بلغ أربعة وستين. -وهي سهام الذراع- فتقسم عليها الحاصل الأول يخرج ذراع وسبعة أثمان ذراع وخمسة أثمان ثمن ذراع. فإذا بسطت ذلك قراريط، وجدته سبعة وأربعين قيراطًا إلا ثمن قيراط. فاقسم عليها الخمسمائة يخرج ما ذكر

(1)

. وبذلك يتضح لك عدم اتجاه اعتراض المصنف على المنقح في "حاشية التنقيح".

(والرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم) والرطل البعلي تسعمائة درهم، والقدسي ثمانمائة درهم، والحلبي سبعمائة درهم وعشرون درهمًا، والدمشقي ستمائة درهم، والمصري مائة درهم وأربعة وأربعون درهمًا، وكل رطل اثنا عشرة أوقية، لا تختلف في سائر البلاد، وأوقية العراقي عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وأوقية المصري اثنا عشر درهمًا، وأوقية الدمشقي خمسون درهمًا، وأوقية الحلبي ستون درهمًا، وأوقية القدسي ستة وستون درهمًا، وثلثا درهم، وأوقية البعلي خمسة وسبعون درهمًا (وهو) أي: الرطل العراقي (سبع القدسي وثمن سبعه) لأنه سبع القدسي

(1)

هذا معنى كلامه في "شرح المنتهى" ووجهه شيخنا عبد الرحمن البهوتي على نسخته من "التنقيح" بأن ذراع اليد بالنسبة إلى الذراع النـ. . . . هو أربعة وعشرون قيراطًا ثمانية عشر قيراطًا وثلاثة أرباع قيراط مجموع الذراعين ونصف. . . . . ستة وأربعون قيراطًا. . . . . قيراط من قراريط الذراع، وإذا قسمت الخمسمائة رطل على ستة وأربعين وسبعة أثمان خرج لكل قيراط عشرة أرطال وثلثا رطل، والله أعلم.

قلت: وفيه شيء يعلم مما يأتي في القصر. (ش).

ص: 75

مائة وأربعة عشر درهمًا وسبعا درهم (وسبع الحلبي وربع سبعه) لأن سبعه، مائة ودرهمان وستة أسباع درهم (وسبع الدمشقي ونصف سبعه) لأن سبعه خمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم (وستة أسباع المصري وربع سبعه) لأن سبعه عشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم (وسبع البعلي).

(وهو) أي: الرطل العراقي (بالمثاقيل تسعون مثقالًا).

(ومجموع القلتين بالدراهم أربعة وستون ألفًا ومائتان وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم) إسلامي، لأنه المراد حيث أطلق (فإذا أردت معرفة القلتين بأي رطل فاعرف عدد دراهمه) أي: دراهم ذلك الرطل الذي أردت معرفة القلتين به (ثم اطرحه) أي: عدد دراهمه (من دراهم القلتين مرة بعد أخرى حتى لا يبقى منها) أي: من دراهم القلتين (شيء) أو يبقي أقل من دراهم الرطل (واحفظ الأرطال المطروحة فما كان) أي: وجد من عدد الطرحات (فهو مقدار القلتين بالرطل الذي طرحت به) إن لم يبق شيء من دراهم الرطل (وإن بقي) من دراهم القلتين (أقل من) دراهم الـ (ـرطل) الذي طرحت به (فانسبه منه ثم اجمعه إلى المحفوظ) فما كان فهو مقدار القلتين.

ص: 76

فصل

(وإن شك في نجاسة ماء أو غيره) كثوب أو إناء (ولو) كان الشك في نجاسته (مع تغير) الماء بنى على أصله، لحديث:"دَعْ مَا يَرِيبُك إلى مَا لا يَرِيبُك"

(1)

. والتغير يحتمل أن يكون بمكثه أو نحوه (أو) شك في (طهارته) وقد تيقن نجاسته قبل ذلك (بنى على أصله) الذي كان متيقنًا قبل طروء الشك. لأن الشيء إذا كان على حال، فانتقاله عنها، يفتقر إلى عدمها ووجود الأخرى. وبقاؤها وبقاء الأولى لا يفتقر إلا إلى مجرد البقاء، فيكرن أيسر من الحدوث وأكثر، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب.

(ولا يلزمه السؤال) عما لم يتيقن نجاسته، لأن الأصل طهارته.

(ويلزم من عَلِمَ التنجيس

(2)

إعلام من أراد استعماله) في طهارة أو شرب أو غيره (إن شرطت إزالتها) أي: تلك النجاسة (للصلاة) لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فيجب بشروطه

(3)

. ومفهوم كلامه إن لم تشترط إزالتها للصلاة، كيسير الدم وما تنجس به لم يجب إعلامه؛ لأن عبادته لا تفسد باستعماله في غير طهارة، وهذا أحد احتمالات ثلاثة أطلقها في "الفروع"، وضعفه في "تصحيح الفروع" وصوب أنه يلزمه مطلقًا، وقال: قدمه في "الرعاية الكبرى" انتهى. وهو ظاهر ما قطع به في "المنتهى".

(وإن احتمل تغير الماء بشيء فيه) أي: الماء (من نجس أو غيره عمل

(1)

تقدم تخريجه ص / 41 تعليق رقم 1.

(2)

في (ح) و (ذ): النجس.

(3)

وهو الأمن من الضرر. (ش).

ص: 77

به) أي: بذلك الاحتمال؛ لأن ما حصل في الماء وأمكن تغير الماء به سبب، فيحال الحكم عليه، والأصل عدم ما سواه. وإن لم يحتمل تغير الماء بما وقع فيه لكثرة الماء وقلة الساقط فيه لم يؤثر؛ لأنه لا يصلح هنا سببًا، أشبه ما لو لم يقع فيه شيء.

ولو كان بئر الماء ملاصقًا لبئر فيها بول، أو غيره من النجاسات، وشك في وصوله إلى الماء، فالماء طاهر بالأصل. وإن أحب علم حقيقة ذلك فليطرح في البئر النجسة نفطًا فإن وجد رائحته في الماء علم وصوله إليه وإلا فلا.

وإن وجده متغيرًا تغيرًا يصلح أن يكون منها، ولم يعلم له سبب آخر فهو نجس لما سبق. ولو وجد متغيرًا في غير هذه الصورة، ولم يعلم سبب تغيره فهو طاهر. وإن غلب على ظنه نجاسته، ذكره في "الشرح".

(وإن احتملهما) أي: التغير بالطاهر والنجس (فهو طاهر) أي: مطهر، استصحابًا للأصل، لعدم تحقق خروجه عنه.

وإذا كان الماء قلتين وفيه نجاسة فغرف منه بإناء فالذي في الإناء طاهر والباقي نجس، إن كان الإناء كبيرًا يخرجه عن التقريب. وإن ارتفعت النجاسة في الدلو فالماء الذي في الإناء نجس، والباقي طاهر. هذا معنى كلام ابن عقيل.

(وإن أخبره عدل مكلف، ولو) كان (امرأة، وقنًا) الواو بمعنى أو (ولو) كان المخبر (مستور الحال) لأنه خبر لا شهادة (أو) كان (ضريرًا لأن للضرير طريقًا إلى العلم بذلك) أي: بالنجاسة (بالخبر والحس) أي: بأن يكون أخبره عدل بنجاسته، أو أحس بنجاسته بحاسة غير البصر (لا) إن أخبره (كافر وفاسق) ظاهر الفسق (ومجنون وغير بالغ) ولو مميزًا (بنجاسته) أي: الماء أو

ص: 78

غيره (قبل) أي: وجب عليه قبول خبره، والعمل به، فيكف عن استعماله لعلمه بنجاسته (إن عين) المخبر (السبب) فإن لم يعينه لم يلزمه قبوله، لجواز أن يكون نجسًا عند المخبِر دون المخبَر، لاختلاف الناس في سبب نجاسة الماء. وقد يكون إخباره بنجاسته على وجه التوهم كالوسواس؛ فلذلك اعتبر التعيين. وإن كان المخبر فقيهًا موافقًا، كما نقل عن إملاء التقي الفتوحي.

ولا يلزم السؤال عن السبب، قدمه في "الفائق".

قلت: وكذا إذا أخبره بما يسلبه الطهورية مع بقاء الطهارة، فيعمل المخبر بمذهبه فيه.

(فإن أخبره) العدل المكلف (أن كلبًا وَلَغَ) من باب نفع، أي: شرب بأطراف لسانه (في هذا الإناء ولم يلغ في هذا) الإناء (وقال) عدل مكلف (آخر) أي: غير الأول: (لم يلغ في الأول، وإنما ولغ في الثاني، قبل) المخبَرُ وجوبًا (قول كل واحد منهما في الإثبات دون النفي، ووجب اجتنابهما) أي: الإناءين (لأنه يمكن صدقهما لكونهما) أي: الولوغين (في وقتين) مختلفين اطلع كل واحد من العدلين على أحدهما دون الآخر.

(أو عينا كلبين) بأن قال أحدهما: ولغ فيه هذا الكلب دون هذا الكلب، وعاكسه الآخر، فيقبل خبرهما ويكف عنهما؛ لأن كلا منهما مثبت لما نفاه الآخر، والمثبت مقدم؛ لأن معه زيادة علم.

(وإن عينا كلبًا واحدًا و) عينا (وقتًا لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما)؛ لأنه لا يمكن صدقهما، ولا مرجح لأحدهما، كالبينتين إذا تعارضتا. (ويباح استعمال كل واحد منهما) لأن الأصل الطهارة ولم يثبت ما يرفعه (فإن قال أحدهما: شرب من هذا الإناء، وقال الآخر: لم يشرب) منه (قدم قول المثبت) لما سبق (إلا أن يكون) المثبت (لم يتحقق شربه، مثل

ص: 79

الضرير الذي يخبر عن حسه فيقدم قول البصير) لرجحانه بالمشاهدة واستصحابًا لأصل الطهارة.

(وإن) علم نجاسة الماء الذي توضأ منه و (شك هل كان وضؤوه قبل نجاسة الماء أو بعدها لم يعد) أي: لم تجب عليه الإعادة لأن الأصل الطهارة. قال في "الفروع": لكن يقال: شكه في القدر الزائد، كشكه مطلقًا. فيؤخذ من هذا: لا يلزمه أن يعيد إلا ما تيقنه بماء نجس، وهو متجه، كشكه في شرط العبادة بعد فراغها. وعلى هذا لا يغسل ثيابه وآنيته. ونص أحمد يلزمه انتهى. وإن علم أن النجاسة كانت قبل وضوئه ولم يعلم أكان دون القلتين أو كان قلتين فنقص بالاستعمال أعاد، لأن الأصل نقص الماء.

(وإن شك في كثرة ماء وقعت فيه نجاسة) ولم تغيره (فهو نجس) لأن اليقين كونه دون القلتين (أو) شك (في نجاسة عظم) وقع في ماء أو غيره (فهو طاهر) استصحابًا للأصل (أو) شك (في) نجاسة (روثة) وقعت في ماء أو غيره (فطاهرة) لما تقدم. نقله حرب وغيره فيمن وطئ روثة، فرخص فيه إذا لم يعلم ما هي (أو) شك (في جفاف نجاسة على ذباب أو غيره، فيحكم بعدم الجفاف) لأنه الأصل (أو) شك (في ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء ثم) وجد، وفي بعض نسخ "الفروع": وثم أي: هناك -وجد (بفيه رطوبة فلا ينجس) لأن الأصل عدم الولوغ.

(وإن أصابه ماء ميزاب ولا أمارة) على نجاسته (كره سؤاله) عنه لقول عمر لصاحب الحوض: "لا تخبرنا"

(1)

(فلا يلزم جوابه) وأوجبه الأزجي إن

(1)

رواه مالك في "الموطأ": (1/ 23)، وعبد الرزاق في "المصنف":(1/ 77)، وتمامه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص رضي الله عنه حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: =

ص: 80

علم نجاسته؛ قال في "الإنصاف": وهو الصواب.

(وإن اشتبه طهور مباح بنجس أو) اشتبه طهور مباح (بمحرم لم يتحر؛ ولو زاد عدد الطهور) أو المباح، خلافًا لأبي علي النجاد؛ لأنه اشتبه المباح بالمحظور في موضع لا تبيحه الضرورة، كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات، أو كان أحدهما بولًا؛ لأن البول لا مدخل له في التطهير (أو) أي: ولو كان (النجس غير بول) فلا يتحرى. وإذا علم النجس استحب إراقته، ليزيل الشك عن نفسه (ووجب الكف عنهما) أي: المشتبهين احتياطًا للحظر (كميتة) اشتبهت (بمذكاة لا ميتة في لحم مصر أو قرية) قال أحمد: أما شاتان لا يجوز التحري، فأما إذا كثرت فهذا غير هذا. ونقل الأثرم أنه قيل له: فثلاثة؟ قال: لا أدري.

(ويتيمم) من عدم طهورًا غير المشتبه (من غير إعدامهما ولا خلطهما) خلافًا للخرقي، لأنه عادم للماء حكمًا (لكن إن أمكن تطهير أحدهما بالآخر) بأن يكون الطهور قلتين فأكثر وعنده إناء يسعهما (لزم الخلط) ليتمكن به من الطهارة الواجبة.

(وإن علم النجس بعد تيممه وصلاته فلا إعادة) كمن تيمم لعدم الماء ثم وجده بعد أن صلى. وعلم منه أنه إذا علم في الصلاة وجب القطع والطهارة

= يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض: لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا.

قال النووي في المجموع (1/ 218): هذا الأثر إسناده صحيح إلى يحيى بن عبد الرحمن، لكنه مرسل منقطع؛ فإن يحيى وإن كان ثقة فلم يدرك عمر، بل ولد في خلافة عثمان، هذا هو الصواب. قال يحيى بن معين: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر باطل. وكذا قاله غير ابن معين. إلا أن هذا المرسل له شواهد تقويه.

ص: 81

والاستئناف، وكذا الطواف.

(وإن توضأ من أحدهما فبان أنه الطهور لم يصح وضؤوه) كما لو صلى قبل أن يعلم دخول الوقت فصادفه، وظاهره سواء تحرى أو لا، خلافًا لـ"الإنصاف"، حيث قال: من غير تحر. وعارضه في "شرح المنتهى".

(ويلزم التحري لـ) ـحاجة (أكل وشرب) لأنه حال ضرورة (ولا يلزمه غسل فمه بعده) أي: بعد الأكل أو الشرب، إذا وجد طهورًا استصحابًا لأصل الطهارة، وكذا لو تطهر من أحدهما لا يلزمه غسل أعضائه وثيابه استصحابًا للأصل. وقال ابن حمدان: يجب، وعلم منه أنه لا يجوز أن يأكل أو يشرب بلا تحر.

(ولا يتحرى) من اشتبه عليه طاهر بنجس (مع وجود غير مشتبه) لعدم الحاجة إليه (وإن توضأ بماء ثم علم نجاسته أعاد ما صلاه) من الفروض لبطلانه (حتى يتيقن براءته) ليخرج من العهدة بيقين.

(وما جرى من الماء على المقابر فطهور، إن لم تكن نبشت) للحكم بطهارتها إذن (وإن كانت) المقابر (قد تقلب ترابها فإن كانت أتت عليها الأمطار طهرت، قاله في النظم) لأن إزالة النجاسة لا يعتبر لها النية، والأرض تطهر بالمكاثرة بالماء (وإلا) أي: وإن لم تكن أتت عليها الأمطار (فهو نجس إن تغير بها) أي: بالنجاسة لما تقدم (أو) لم يتغير، لكن (كان قليلًا) فينجس لملاقاته النجاسة.

قلت: مقتضى ما سبق أنه طاهر، لأنه وارد على محل التطهير فلا ينجس بالملاقاة، والمنفصل عن الأرض بعد زوال النجاسة طاهر، كما تقدم في القسم الثاني، فيحمل كلامه على ما إذا كانت عين النجاسة موجودة.

(وإن اشتبه طاهر بنجس غير الماء كالمائعات) من خل ولبن وعسل

ص: 82

(ونحوها حرم التحري بلا ضرورة) ويجوز معها، وحيث جاز التحري عند الضرورة ولم يظهر له شيء تناول من أحدهما للضرورة.

(وإن اشتبه طاهر) غير مطهر (بطهور لم يتحر) أي: لم يجتهد في الطهور منهما، كما لو اشتبه الطهور بالنجس (وتوضأ منهما وضوءًا واحدًا، من هذا غرفة ومن هذا غرفة يعم بكل غرفة المحل) من محال الوضوء ليؤدي الفرض بيقين. ويجوز له هذا (ولو كان عنده طهور بيقين) لأنه توضأ من ماء طهور بيقين (وصلى صلاة واحدة) أي: فلا يلزمه أن يصلي الفرض مرتين.

(ولو توضأ من واحد) منهما (فقط ثم بان أنه مصيب أعاد) ما صلاه لعدم صحة وضوئه.

قلت: والغسل فيما تقدم كالوضوء. وكذا إزالة النجاسة.

(ولو احتاج إلى شرب تحرى وشرب الطاهر عنده) أي: ما ظهر له أنه الطاهر (وتوضأ بالطهور ثم تيمم معه احتياطًا، إن لم يجد طهورًا غير مشتبه) ليحصل له اليقين.

(وإن اشتبهت ثياب طاهرة مباحة بـ) ـثياب (نجسة أو) بثياب (محرمة ولم يكن عنده ثوب طاهر) بيقين (أو) ثوب (مباح بيقين لم يتحر) لما تقدم في اشتباه الطهور بالنجس (وصلى في كل ثوب صلاة واحدة) يكررها (بعدد) الثياب (النجسة أو المحرمة، وزاد) على عدد النجسة أو المحرمة (صلاة) ليصلي في ثوب طاهر يقينًا (ينوي بكل صلاة الفرض) احتياطًا، كمن نسي صلاة من يوم.

وفرَّق أحمد بين ما هنا وبين القبلة والأواني بأن الماء يلصق ببدنه فيتنجس به، وأنه يباح صلاته فيه عند العدم، بخلاف الماء النجس.

قال القاضي: ولأن القبلة يكثر الاشتباه فيها، والتفريط هنا حصل منه

ص: 83

بخلافها، ولأن لها أدلة تدل عليها، بخلاف الثياب. وقوله: ينوي بكل صلاة الفرض، يعني لأنها معادة. والظاهر أنه تكفي نيتها ظهرًا مثلًا، إذ لا تتعين الفريضة، كما يأتي في باب النية.

(وإن جهل) من اشتبهت عليه الثياب (عددها) أي: عدد النجسة أو المحرمة (صلى) فرضه في كل ثوب منها يصلي في ثوب بعد آخر (حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر أو مباح) ينوي بكل صلاة الفرض كما تقدم، ليخرج من الواجب بيقين. وظاهره ولو كثرت، لأنه يندر جدًّا. وقال ابن عقيل: يتحرى في أصح الوجهين دفعًا للمشقة.

وإن اشتبه مباح بمكروه اجتهد. ويحتمل أن يصلي فيما شاء بدونه. ويحتمل أن يصلي بكل ثوب صلاة. وإن صلى بهما معًا كره. قاله في "الرعاية الصغرى".

(وكذا حكم الأمكنة الضيقة) إذا تنجس بعضها واشتبهت ولا بقعة طاهرة بيقين. فإذا تنجس

(1)

زاوية من بيت وتعذر خروجه منه وما يفرشه عليه صلى الفرض مرتين في زاويتين. وإن تنجس زاويتان صلى ثلاث مرات في ثلاث زوايا، وهكذا.

(ويصلي في فضاء واسع) كصحراء وحوش كبير تنجس بعضه واشتبه (حيث شاء بلا تحر) للحرج والمشقة

(2)

.

(ولا تصح إمامة من اشتبهت عليه الثياب) أو البقعة الضيقة (الطاهرة بالنجسة) لأنه عاجز عن شرط الصلاة، وهو الطاهر المتيقن.

(1)

في (ح): "تنجست".

(2)

وعلى قياسه. (ش).

ص: 84

(وإن اشتبهت أخته) أو نحوها من محارمه (بأجنبية أو أجنبيات لم يتحر للنكاح) أي: لم يجز له التحري للنكاح منهن (وكف عنهن) احتياطًا للحظر (و) إن اشتبهت أخته أو نحوها (في قبيلة كبيرة و) في (بلدة كبيرة) الواو بمعنى أو؛ فـ (له النكاح) منهن (من غير تحر) أي: ولم يلزمه أن يتحرى. ونظيره ما تقدم في الميتة والمذكاة. (ولا مدخل للتحري في العتق والطلاق) فإذا طلق واحدة من نسائه أو أعتق واحدة من إمائه ثم نسيها؛ أو كانت ابتداء مبهمة أقرع بينهن، -كما يأتي-. ولا تحري. والتحري والاجتهاد والتوخي متقاربة. ومعناها بذل المجهود في طلب المقصود.

ولما كان الماء جوهرًا سيالًا احتاج إلى بيان أحكام أوانيه عقبه، فقال:

ص: 85

‌باب الآنية

الباب معروف، وقد يطلق على الضف

(1)

، وهو ما يدخل منه إلى المقصود، ويتوصل به إلى الاطلاع عليه، ويجمع على أبواب. وفي الازدواج على أبوبة.

(وهي) أي: الآنية لغةً وعرفًا: (الأوعية) وهي ظروف الماء ونحوها. والآنية جمع إناء، كسقاء وأسقية، ووعاء وأوعية.

وجمع الآنية: أواني. والأصل: أأاني أبدلت الهمزة الثانية واوًا، كراهية اجتماع همزتين كآدم وأوادم؛ وهو مشتق من الأدمة، أو من أديم الأرض وهو وجهها.

(كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله ولو كان ثمينًا كجوهر ونحوه) كالبلور والياقوت والزمرد

(2)

؛ وغير الثمين كالخشب والزجاج والجلود والصفر والحديد. لما روى عبد الله بن زيد قال: "أتانا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخرجْنَا لهُ ماءً في تَورٍ

(3)

من صُفْرِ فَتَوضَّأ" رواه البخاري

(4)

. وقد ورد أنه توضأ من

(1)

هو الجانب. قال في القاموس ص / 1073 وضَفَّة النهر ويكسر جانبه. وضفتا الوادي أو الحيزوم ويكسر جانباه. وضفة البحر ساحله.

(2)

في (ح): كالزمرد. وهما لغتان كما في "القاموس": ص / 364.

(3)

التور بالمثناة الفوقية كما في "المعرب"[86] إناء صغير، يشرب به، فارسي معرب. (ش).

(4)

في الوضوء، باب 45، حديث 197.

ص: 87

جفنة

(1)

، ومن تور حجارة

(2)

، ومن إداوة

(3)

، ومن قربة

(4)

، فثبت الحكم فيها لفعله، وما في معناها قياسًا لأنه مثلها، ولأن العلة المحرمة للنقدين مفقودة في الثمين، لكونه لا يعرفه إلا خواص الناس، فلا يؤدي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، ولأن إباحته لا تفضي إلى استعماله لقلته بخلاف النقدين فإنهما في مظنة الكثرة، فيفضي إلى الاستعمال. وكثرة أثمانها لا تصلح جامعًا كما في الثياب. فإنه يحرم الحرير وإن قل ثمنه؛ بخلاف غيره وإن بلغ ثمنه أضعاف ثمن الحرير. ولذلك يباح فص الخاتم جوهرة، ولو بلغ ثمنها مهما بلغ. ويحرم ذهبًا ولو كان يسيرًا. قاله في "المبدع".

(1)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 35، حديث 68، والترمذي في الطهارة، باب 48، حديث 65، وابن ماجه في الطهارة، باب 33، حديث 370، وابن حبان "الإحسان"(4/ 56 - 57، حديث 1248) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

لم نجده بهذا اللفظ. وقد روى البخاري في الوضوء، باب 45، حديث 195، وفي المناقب، باب 25، حديث 3575 عن أنس رضي الله عنه قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله وبقي قوم فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه وتوضأ القوم كلهم، قلنا كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة.

(3)

رواه البخاري في الوضوء، باب 48، حديث 203، وفي الصلاة، باب 7، حديث 363، وفي اللباس، باب 11، حديث 5799، ومسلم في الطهارة، حديث 274 من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري في الوضوء باب 5 و 36، حديث 138 و 183، وفي الأذان، باب 161، حديث 859، وفي العمل في الصلاة، باب 1، حديث 1198، وفي التفسير، باب 19 و 20، حديث 4571، 4572، وفي الدعوات، باب 10، حديث 6316، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 763 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 88

(إلا عظم آدمي وجلده) فيحرم اتخاذ إناء منه واستعماله لحرمته.

(و) إلا (إناء مغصوبًا) فيحرم لحق مالكه (و) إلا (إناء ثمنه) المعين (حرام) فيحرم لحق مالكه.

(و) إلا (آنية ذهب وفضة ومضببًا بهما) أو بأحدهما (فيحرم) أي: ما تقدم من الاتخاذ والاستعمال.

أما تحريم الاتخاذ فلأن ما حرم استعماله مطلقًا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي.

وأما ثياب الحرير فإنها لا تحرم مطلقًا لأنها تباح للنساء وتباح التجارة فيها.

وأما تحريم الاستعمال فلما روى حذيفة قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تَشْرَبُوا في آنيةِ الذهبِ والفضةِ ولا تأكلُوا في صحافها فإنها لهمْ في الدُّنْيَا وَلَكُم في الآخرة"

(1)

وروت أم سلمة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الَّذي يشربُ في آنيةِ الذهبِ والفضة إنما يُجَرْجِرُ في بَطنِه نارَ جهنَّم" متفق عليهما

(2)

. والجرجرة: هي صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف.

وغير الأكل والثوب في معناهما. لأن ذكرهما خرج مخرج الغالب؛ فلا يتقيد الحكم به.

(على الذكر والأنثى) والخنثى مكلفًا كان أو غيره، بمعنى أن وليه يأثم

(1)

رواه البخاري في الأطعمة باب 29 حديث 5426، وفي مواطن أخرى بنحوه، ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2067، وابن حبان "الإحسان": حديث 5339 بزيادة: "ولا تلبسوا الحرير والديباج".

(2)

البخاري في الأشربة، باب 28، حديث 5634، ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2065.

ص: 89

بفعل ذلك له؛ لعموم الأخبار وعدم المخصص. وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إليه لأجل التزين للزوج.

وما حرم اتخاذ الآنية منه حرم اتخاذ الآلة منه (ولو) كانت (ميلًا) بكسر الميم، وهو ما يكتحل به.

(ومثله) أي: مثل الميل في تحريم اتخاذه واستعماله من الذهب والفضة وعظم الآدمي وجلده (قنديل، ومسعط) بضم الميم إناء يجعل فيه السعوط، وهو من النوادر التي جاءت بالضم. وقياسها الكسر لأنه اسم آلة (ومجمرة، ومدخنة، وسرير، وكرسي، وخفان

(1)

، ونعلان، ومشربة، وملعقة، وأبواب، ورفوف، قال) الإمام (أحمد: لا تعجبني الحلقة. ونص) أحمد (أنها) أي: الحلقة (من الآنية) أي: مثلها في الحكم، فتحرم مطلقًا. وعند القاضي وغيره: هي كالضبة، فيكون فيها التفصيل الآتي نظرًا إلى أنها تابعة للباب.

(ويحرم) اتخاذ واستعمال إناء ونحوه (مموه) بذهب أو فضة بأن يذاب الذهب أو الفضة ويلقى فيه الإناء من نحاس أو نحوه، فيكتسب منه لونه.

(و) يحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه (مطعَّم) بذهب أو فضة بأن يحفر في إناء من خشب أو غيره حفرًا ويوضع فيها قطع ذهب أو فضة على قدرها.

(و) يحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه (مطلي) بذهب أو فضة بأن يجعل الذهب أو الفضة كالورق ويطلى به الحديد ونحوه. وكثير فسر الطلاء بالتمويه.

(و) يحرم اتخاذ واستعمال إناء ونحوه (مكفَّت ونحوه) كالمنقوش

(1)

وكذا القبقاب. (ش).

ص: 90

(منهما) أي: من الذهب والفضة أو من أحدهما. والتكفيت أن يُبرد الإناء من حديد أو نحوه حتَّى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة ثم يوضع فيها شريط دقيق من ذهب أو فضة ويدق عليه حتَّى يلصق، كما يصنع بالمركب، لما روى ابن عمر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من شرب من إناء ذهب أو فضة أو من إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" رواه الدارقطني

(1)

. ولأن العلة التي لأجلها حرم الخالص، وهي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين موجودة في المموه ونحوه. وقيل: إن كان لو حُكَّ لاجتمع منه شيء حرم وإلا فلا.

(وتصح الطهارة) وضوءًا كانت أو غسلًا أو غيرهما (منها) أي: من آنية الذهب والفضة وعظم الآدمي وجلده، بأن يغترف منها بيده.

(و) تصح الطهارة أيضًا (بها) أي: بالآنية المذكورة، بأن يغترف الماء بها.

(و) تصح الطهارة أيضًا (فيها) بأن يتخذ إناء محرمًا مما سبق يسع قلتين ويغتسل أو يتوضأ داخله.

(و) تصح الطهارة (إليها بأن يجعلها مصبًا لفضل طهارته، فيقع فيها

(1)

سنن الدارقطني (1/ 40)، وقال: إسناده حسن. ورواه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص / 131. والبيهقي في "السنن": (1/ 29). وابن حزم في المحلى (7/ 421). قال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 406): هذا حديث منكر. أخرجه الدارقطني، وزكريا ليس بالمشهور. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 607، 707): وحديث ابن عمر هذا لا يصح

فأما زكريا وأبوه فلا تعرف لهما حال. وقال الحافظ في الفتح (10/ 101): وأما الحديث الَّذي أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق زكريا بن إبراهيم

فإنه معلول بجهالة حال إبراهيم بن عبد الله بن مطيع ووالده.

ص: 91

الماء المنفصل عن العضو) بعد غسله.

(و) تصح الطهارة أيضًا (من إناء مغصوب أو) من إناء (ثمنه) ولو معينا (حرام)، وبه، وفيه، وإليه. والمسروق ونحوه كالمغصوب.

(و) تصح الطهارة أيضًا (في مكان مغصوب) بخلاف الصلاة لأن الإناء والمكان ليس شرطًا للطهارة

(1)

فيعود النهي إلى خارج، أشبه ما لو صلى وفي يده خاتم ذهب. وأيضًا أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود في الدار المغصوبة فتحرم، بخلاف مسألتنا.

(إلا) المضبب بـ (ضبة يسيرة عرفًا) أي: في عرف الناس، لأنه لم يرد تحديدها (من فضة لحاجة، كتشعب

(2)

قدح) احتاج إلى ذلك؛ فيجوز تشعيبه واستعماله، لحديث أنس:"إن قدح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة" رواه البخاري

(3)

. وهذا مخصص لعموم الأحاديث المتقدمة، ولأنه ليس فيه سرف ولا خيلاء؛ بخلاف الكبيرة

(4)

، والتي لغير حاجة. وعلم منه أن ضبة الذهب حرام مطلقًا.

(وهي) أي: الحاجة (أن يتعلق بها) أي: الضبة (غرض غير زينة) بأن تدعو الحاجة إلى فعلها، لا أن لا تندفع بغيرها، فتجوز الضبة المذكورة عند

(1)

أي ليس كل منهما. (ش).

(2)

في (ح) و (ذ): كتشعيب.

(3)

في الخمس، باب 5، حديث 3109، وفي الأشربة، باب 29، حديث 5638.

(4)

كذا في الأصول: "الكبيرة"، وفي هامش الأصل: والكثير: ما كثر عرفًا، وقيل: ما استوعب أحد جوانبه، وقيل: ما لاح على بعد. والحاجة أن يتعلق بها غرض غير الزينة في ظاهر كلام بعضهم. قال شيخنا: مرادهم أن يحتاج إلى تلك الصورة لا إلى كونها من ذهب وفضة، فإن هذه ضرورة، وهي تبيح المنفرد. قاله مؤلف "المنتهي" في شرحه عليه. (ش).

ص: 92

انكسار القدح ونحوه (ولو وجد غيرها) أي: غير الضبة اليسيرة من الفضة؛ لأن احتياجه إلى كونها من ذهب أو فضة بأن لا يجد غيرهما ضرورة، وهي تبيح المنفرد.

(وتباح مباشرتها) أي: الضبة الجائزة (لحاجة) تدعو إلى مباشرتها، كاندفاق الماء بدون ذلك ونحوه.

(و) مباشرتها (بدونها) أي: بدون الحاجة (تكره) لأن فيها استعمالًا للفضة بلا حاجة في الجملة. ولا تحرم لإباحة الاتخاذ.

(وثياب الكفار كلهم) أهل الكتاب كاليهود، والنصارى، وغيرهم كالمجوس، وعبدة الأوثان (وأوانيهم) أي: أواني الكفار كلهم (طاهرة إن جهل حالها، حتَّى ما ولي عوراتهم) من الثياب كالسراويل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه "توضؤوا من مزادةٍ مشركةٍ" متفق عليه

(1)

؛ ولأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك، لكن ما لاقى عوراتهم كالسراويل، فرُوي عن أحمد أنَّه قال:"أحبُّ إليَّ أنْ يعيد إذا صلى فيه" (كما لو علمت طهارتهما

(2)

).

(وكذا) حكم (ما صيغوه) أي: الكفار كلهم (أو نسجوه، و) كذا (آنية مدمني الخمر) وثيابهم (و) آنية (من لابس النجاسة كثيرًا وثيابهم) طاهرة.

(وبدن الكافر، ولو من لا تحل ذبيحته) طاهر؛ لأنه لا يجب بجماع الكتابية غير ما يجب بنكاح المسلمة. وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}

(3)

أي: من حيث الاعتقاد ونحوه مما أجيب به عنه.

(طعامه) أي: الكافر (وماؤه طاهر مباح) لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ

(1)

البخاري في التيمم، باب 6، حديث 344، ومسلم في المساجد، حديث 682 بمعناه. من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما.

(2)

في (ح) و (ذ): (طهارتها) بالإفراد.

(3)

سورة التوبة، الآية:28.

ص: 93

أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}

(1)

.

(وتصح الصلاة في ثياب المرضعة و) ثياب (الحائض و) ثياب (الصبي) ونحوهم كمدمني الخمر؛ لأن الأصل طهارتها (مع الكراهة) احتياطًا للعبادة. قال في "الإنصاف": "قدمه في مجمع البحرين". وعنه: لا يكره انتهى. وقال في "الشرح": "وتباح الصلاة في ثياب الصبيان والمربيات وفي ثوب المرأة التي تحيض فيه، إذا لم تتحقق نجاسته". واستدل له ثم قال: "قال أصحابنا: والتوقي لذلك أولى؛ لاحتمال النجاسة فيه"(ما لم تعلم نجاستها) فلا تصح الصلاة فيها كثياب المسلمين.

(ولا يجب غسل الثوب المصبوغ في حبّ

(2)

الصباغ، مسلمًا كان) الصباغ (أو كافرًا نصًّا) قيل لأحمد عن صبغ اليهود بالبول، فقال:"المسلم والكافر في هذا سواء. ولا يسأل عن هذا، ولا يبحث عنه، فإن علمت فلا تصل فيه حتى تغسله".

(وإن علمت نجاسته طهر بالغسل) المعتبر (ولو بقي اللون) بحاله. وسأله أبو الحارث عن اللحم يشترى من القصاب قال: "يغسل". وقال الشيخ تقي الدين: "بدعة". رُوي عن عمر "نهانا اللهُ عن التعمُّقِ والتَّكَلُّفِ"

(3)

وقال ابن عمر: "نُهينَا عن التَّكَلُّفِ والتَّعمُّقِ"

(4)

.

(1)

سورة التوبة: الآية: 5.

(2)

قال في القاموس ص / 91: "الحب الجرة أو الضخمة منها".

(3)

ذكره الحافظ في فتح الباري (13/ 271)، وعزاه إلى الإسماعيلي بلفظ: نهينا عن التعمق والتكلف. وقد رواه البخاري في الاعتصام، باب 3، حديث 7293، دون ذكر التعمق.

(4)

لم نقف على من رواه. وقد روى سعيد بن منصور في سننه، كما في كنز العمال (3/ 804) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا قال: إني لأتوضأ بعد الغسل. قال: لقد تعمقت.

ص: 94

(ولا يطهر جلد ميتة نجس بموتها بدبغه) هذا قول عمر، وابنه، وعائشة، وعمران بن حصين، لما روى عبد الله بن عكيم قال:"أتانا كتابُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قبلَ وفاتِه بشهرٍ أو شهرَين أن لا تَنْتَفِعُوا من المَيْتَةِ بإهَابٍ ولا عَصَبٍ" رواه الخمسة

(1)

، ولم يذكر التوقيت غير أبي داود، وأحمد. وقال: ما أصلح إسناده. وقال أيضًا: حديث ابن عكيم أصحها.

وفي رواية الطبراني والدارقطني: "كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"

(2)

. وهو دال على سبق الرخصة وأنه متأخر، وإنما يؤخذ بالآخر من أمره عليه السلام. لا يقال: هو مرسل، لكونه من كتاب لا يعرف حامله؛ لأن كتبه عليه السلام كلفظه. ولهذا كان يبعث كتبه إلى النواحي بتبليغ الأحكام، فإن قيل: الإهاب اسم للجلد قبل الدبغ، وقاله النضر بن شميل، أجيب: بمنع ذلك، كما قاله طائفة من أهل اللغة، يؤيده أنَّه لم يعلم أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خص في الانتفاع به قبل

(1)

أبو داود في اللباس، باب 42، حديث 4127، 4128، والترمذي في اللباس، باب 7، حديث 1729، وقال: حديث حسن. والنسائي في الفرع، باب 5، حديث 4260، وابن ماجه في اللباس، باب 26، حديث 3613، وأحمد:(4/ 310، 311)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار":(1/ 468)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 93 - 95) حديث 1277، 1278، والطبراني في "الصغير"(1/ 222)، (2/ 101) وفي الأوسط (1/ 456، 3/ 64، 205)، وابن حزم في "المحلى":(1/ 121)، والبيهقي في "السنن":(1/ 15).

(2)

رواه الطبراني في الأوسط (1/ 105) حديث 104، ولم نجده في المطبوع من سنن الدارقطني فلعله رواه في الغرائب والأفراد، وقد ذكر طرفه ابن طاهر المقدسي في أطراف الغرائب والأفراد (4/ 198) رقم 4044، ورواه -أيضًا- ابن عدي في الكامل (4/ 1347)، وذكره العلامة ابن القيم في تهذيب السنن (6/ 68) وأشار لضعفه.

ص: 95

الدبغ، ولا هو من عادة الناس.

"تتمة" قال في "المصباح"

(1)

: "المراد بالميتة ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، إما في الفاعل أو المفعول. فما ذبح للصنم أو في الإحرام أو لم يقطع منه الحلقوم ميتة. وكذا ذبح ما لا يؤكل لا يفيد الحل ولا الطهارة" ا. هـ. والموت عدم الحياة عما من شأنه الحياة. قاله في المطول

(2)

. وقال السيد

(3)

: عدم الحياة عمن اتصف بها وهو الأظهر".

(ويجوز استعماله) أي: الجلد المدبوغ من ميتة طاهرة في الحياة فقط (في يابس بعد دبغه)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال عليه السلام: "ألا أَخَذُوا إهَابَهَا فدبغُوه فانْتَفَعُوا بهِ" رواه مسلم

(4)

.

ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم، وذبائحهم ميتة.

ونجاسته لا تمنع الانتفاع به، كالاصطياد بالكلب وركوب البغل والحمار.

ومفهوم كلامه أنه لا يباح الانتفاع به قبل الدبغ مطلقًا، لمفهوم الحديث.

قال الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة"

(5)

: "فأما قبل الدبغ فلا ينتفع به قولًا واحدًا".

(1)

ص / 223.

(2)

المطول على التلخيص ص / 312.

(3)

في حاشيته على المطول ص / 312.

(4)

في الحيض، حديث 363. ورواه البخاري في البيوع، باب 101، حديث 2221، وفي الذبائح والصيد، باب 30، حديث 5531، 5532، بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: هلَّا استمتعتم بإهابها؟ قالوا: إنها ميتة، قال: إنما حرم أكلها".

(5)

(1/ 128).

ص: 96

و (لا) الانتفاع به بعد الدبغ (في مائع) من ماء أو غيره، لأنه يفضي إلى تعدي النجاسة (قال) أبو الوفاء علي (ابن عقيل: ولو لم ينجس الماء بأن كان) جلد الميتة المدبوغ (يسع قلتين فأكثر) قال: لأنها نجسة العين؛ أشبهت جلد الخنزير. وجوزه الشيخ التقي.

إذن (فـ) ـعلى رواية: أنه يباح الانتفاع به بعد الدبغ في يابس (يباح الدبغ) لما يترتب عليه من الانتفاع به؛ وعلم منه أنه لا يباح دبغه على رواية: أنه لا ينتفع به، حتى في اليابس. قال في "تصحيح الفروع":"الصواب أنه أقرب إلى التحريم، إذ لا فائدة في ذلك، وهو عبث".

(ويحرم بيعه) أي: جلد الميتة (بعد الدبغ) وإن قلنا يباح الانتفاع به في يابس؛ لأنه جزء من ميتة، فلا يكون قابلًا للعوض، عملًا بالنصوص الدالة على تحريم ثمنه وبيعه (كـ) ـما يحرم بيع جلد الميتة النجس (قبله) أي: قبل الدبغ، لما تقدم.

(وعنه) أي: عن الإمام (يطهر منها) أي: من جلود الميتة (جلد ما كان طاهرًا في الحياة) من إبل وبقر وغنم وظباء ونحوها (ولو) كان جلدًا لحيوان (غير مأكول) كالهر وما دونه خلقة. قال في "الفروع": "ونقل جماعة أخيرًا طهارته" وه ش م ر

(1)

.

وعنه: مأكول اللحم اختارها جماعة، والمذهب الأول عند الأصحاب، لعدم رفع المتواتر بالآحاد. وخالف شيخنا وغيره.

يؤيده نقل الجماعة: لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من

(1)

أي: وفاقًا لأبي حنيفة، والشافعي، ومالك في رواية عنه. انظر: شرح هذه الرموز في مقدمة الفروع (1/ 64).

ص: 97

رمضان. ونقل خطاب بن بشير

(1)

: كنت أذهب إليه، ثم رأيت السنة كلها، وهو المذهب عند الأصحاب. قال القاضي: وعندي أن أحمد رجع عن القول الأول. لأنه صرح به في رواية خطاب. قال ابن نصر الله: وفيه نظر، لأن رواية خطاب فيها زيادة على رواية الجماعة، وبيان رجوعه عنها بخلاف روايتي الدباغ.

(فـ) ـعلى رواية أنه يطهر بالدباغ (يشترط غسله) أي: الجلد (بعده) أي: بعد الدباغ، كما لو أصابته نجاسة سوى آلة الدبغ.

(ويحرم أكله)؛ لأنه جزء من الميتة، فيدخل تحت قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}

(2)

.

و (لا) يحرم (بيعه) على رواية طهارته كسائر الطاهرات.

(ولا يطهر جلد ما كان نجسًا في حياته) كالكلب (بذكاةكـ) ـما لا يطهر (لحمه) بها؛ لأنه ليس محلًا للذكاة، فهو ميتة (فلا يجوز ذبحه لذلك) أي: لجلده أو لحمه، لأنه عبث وإضاعة لما قد ينتفع به.

(ولا) يجوز ذبحه أيضًا (لغيره) كلإراحته (ولو) كان (في النزع) وكذا الآدمي بل أولى. ولو وصل إلى حالة لا يعيش فيها عادة، أو كان بقاؤه أشد تأليمًا له. وقد عمت بذلك البلوى.

(ولا يحصل الدبغ بنجس) كالاستجمار. وفي "الرعاية": بلى. ويغسل بعده.

(1)

في (ح) و (ذ): "بشر". وهو الصواب كما في "طبقات الحنابلة": (1/ 152)، و"المقصد الأرشد":(1/ 374)، و"المنهج الأحمد":(1/ 222).

(2)

سورة المائدة، الآية:3.

ص: 98

(ولا) يحصل الدبغ (بغير منشف للرطوبة منق للخبث؛ بحيث لو نقع الجلد بعده في الماء فسد) كالشب والقرظ؛ لأنه لا يحصل به مقصود الدباغ (ولا بتشميس) الجلد (ولا تتريبـ) ـه (ولا بريح) لما سبق.

(وجعل المصران وترا دباغ، وكذا) جعل (الكرش) وترا دباغ، لأنه المعتاد فيه.

ولا يفتقر الدبغ إلى فعل فاعل فلو وقع جلد في مدبغة فاندبغ كفى؛ لأنه إزالة نجاسة، فأشبه المطر ينزل على الأرض النجسة.

(ويحرم افتراش جلود السباع) من البهائم والطير إذا كانت أكبر من الهر خلقة (مع الحكم بنجاستها) قبل الدباغ وبعده؛ لما روى أبو داود عن أبي المليح بن أسامه عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جُلُود السِّبَاعِ"

(1)

وأما على القول بطهارتها حال الحياة فيجوز بعد دبغها، كجلد الهر وما دونه خلقة.

واللبس كالافتراش، لحديث المقدام بن معدي كرب أنه قال لمعاوية:"أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم" رواه أبو داود

(2)

.

(1)

أبو داود في اللباس، باب 43، حديث 4132، ورواه -أيضًا- الترمذي في اللباس، باب 32، حديث 1771، وصححه. والنسائي في الفرع، باب 7، حديث 4264، وأحمد:(5/ 74)، والدارمي في الأضاحي، باب 19، حديث 1989، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(8/ 294)، حديث 3252. والحاكم:(1/ 144)، والبيهقي (1/ 18) موصولًا، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. ورواه الترمذي -أيضًا- وعبد الرزاق (1/ 69)، عن أبي المليح مرسلًا. وقال الترمذي: وهذا أصح.

(2)

في اللباس، باب 43، حديث 4131، والنسائي في الفرع، باب 7، حديث 4266، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(8/ 293)، حديث 3251. والبيهقي في "السنن":(1/ 21)، بلفظ:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الركوب على جلود السباع".

ص: 99

وقولهم في ستر العورة: ويكره لبسه وافتراشه جلدًا مختلفًا في نجاسته، أي: من حيث إنه مختلف فيه لا من حيث الحكم بنجاسته، كما يشير إليه قول المصنف: مع الحكم بنجاستها.

(ويكره الخرز بشعر خنزير)؛ أنه استعمال للعين النجسة، ولا يسلم من التنجيس بها غالبًا.

(ويجب غسل ما خرز به رطبًا) لتنجيسه.

(ويباح) استعمال (منخل) -بضم الميم والخاء المعجمة- (من شعر نجس في يابس)؛ لعدم تعدي نجاسته، كركوب البغل والحمار، بخلاف استعماله في رطب.

(ويكره الانتفاع بالنجاسات) أي: في الجملة، فلا يرد ما تقدمت إباحته أو تحريمه. قال في "الفروع": ويعتبر أن لا ينجس. ثم قال: واحتج بعضهم بتجويز جمهور العلماء الانتفاع بالنجاسة لعمارة الأرض للزرع مع الملابسة لذلك عادة. وسأله الفضل عن غسل الصائغ الفضة بالخمر هل يجوز؟ قال: هذا غش؛ لأنها تبيض به.

(وجلد الثعلب كلحمه) على الخلاف فيه. والمذهب لا يؤكل لحمه فلا يدبغ جلده ولا ينتفع به.

(ولبن الميتة) نجس؛ لأنه مائع لاقى وعاء نجسًا فتنجس.

(وإنفحتها) بكسر الهمزة وتشديد الحاء المهملة -وقد تكسر الفاء- شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر، فيعصر في صوفة، فيغلظ كالجبن، قاله في "القاموس"

(1)

: نجسة، لما تقدم (وجلدتها) أي: جلدة إنفحة الميتة نجسة.

(1)

ص / 313.

ص: 100

(وعظمها) أي: الميتة، (وقرنها، وظفرها، وعصبها، وحافرها، وأصول شعرها) إذا نتف (و) أصول (ريشها إذا نتف وهو رطب أو يابس: نجس

(1)

)؛ لأنه من جملة أجزاء الميتة، أشبه سائرها. ولأن أصول الشعر، والريش جزء من اللحم لم يستكمل شعرًا ولا ريشًا.

(وصوف ميتة طاهرة في الحياة) كالغنم طاهر (وشعرها ووبرها وريشها) طاهر (ولو) كانت (غير مأكولة، كهر وما دونها في الخلقة) كالعرس

(2)

والفأر، لقوله تعالى:{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}

(3)

والآية سيقت للامتنان، فالظاهر شمولها لحالتي الحياة والموت. والريش مقيس على هذه الثلاثة.

"تتمة" حرم في "المستوعب" نتف ذلك من حي لإيلامه، وكرهه في "النهاية".

(وعظم سمك - ونحوه) من حيوانات البحر المأكولة - طاهر كلحمه.

(وباطن بيضة مأكول صلب قشرها طاهر) لأنها منفصلة عن الميتة، أشبهت ولد الميتة إذا خرج حيًا. وكراهية علي وابن عمر محمولة على التنزيه، استقذارًا لها.

(1)

أي لا يطهر بالغسل. قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب، والقول الثاني: يطهر بالغسل. نقل عبد الله: لا بأس به إذا غسل، ونقل أبو طالب: ينتفع بصوفها إذا غسل، قيل: فريش الطير؟ قال: هذا أبعد، فظاهره أنه يطهر، وجزم به في "الرعاية الصغرى"، وقدمه في "الكبرى"، و"شرح ابن رزين"، وصححه في "النظم". (ش).

(2)

العرس: هو ابن عِرْس -بكسر العين وإسكان الراء- دابة معروفة. انظر: حياة الحيوان (2/ 170)، والقاموس المحيط (718).

(3)

سورة النحل، الآية:80.

ص: 101

ويطهر ظاهرها بالغسل؛ لأن لها من القوة ما يمنع دخول أجزاء النجاسة فيها، فإن

(1)

لم يصلب قشرها فكلها نجسة. صححه في "تصحيح الفروع" وفيها وجهٌ، قال: وهو قوي. (ولو صلقت) بيضة صلب قشرها (في نجاسة لم تحرم) لعدم دخول أجزاء النجاسة فيها.

(وما أبين) أي: انفصل (من حي من قرن وألية ونحوهما) كحافر وجلد (فهو كميتته) طهارة أو نجاسة، لقوله عليه الصلاة والسلام:"ما يُقطعُ من البهيمةِ وهي حَية فهو مَيْتة" رواه الترمذي

(2)

، وقال: حسن غريب. ودخل في كلامه ما يتساقط من قرون الوعول.

ويستثنى من ذلك الطريدة، وتأتي. والولد، والبيضة إذا صلب قشرها،

(1)

قوله: "فإن لم يصلب قشرها إلى قوله: لعدم دخول أجزاء النجاسة فيها" ساقط من النسخ المتداولة.

(2)

في الأطعمة، باب 4، حديث 1480، وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضًا أبو داود في الصيد، باب 3، حديث 2858، والإمام أحمد:(5/ 218)، والدارمي في الصيد، باب 9، حديث 2024، وأبو يعلى، حديث 1450، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(4/ 237) حديث 1572، والطبراني في الكبير (3/ 248)، وابن عدي في الكامل (4/ 1608)، والدارقطني:(4/ 292)، والحاكم:(4/ 239)، وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي. والبيهقي في "السنن"(1/ 23)، (9/ 245)، من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه.

ورواه البزار (كشف الأستار 2/ 67)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 238) حديث 1573، والحاكم (4/ 124) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ورواه ابن ماجه في الصيد، باب 8، حديث 3216، والدارقطني (4/ 292)، والحاكم (4/ 124) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال الدارقطني في العلل (1/ 260): والمرسل أشبه بالصواب.

ص: 102

والصوف ونحوه مما تقدم، والمسك وفأرته ويأتي.

(ولا يجوز استعمال شعر الآدمي) مع الحكم بطهارته (لحرمته) أي: احترامه. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}

(1)

وكذا عظمه وسائر أجزائه.

(وتصح الصلاة فيه لطهارته) قلت: لعل محله إذا لم يتخذ منه ما يستر به عورته، فإن فعل لم تصح، كمن صلى في حرير وأولى.

(والمسك وجلدته) طاهران؛ لأنه منفصل بطبعه أشبه الولد.

(ودود القز) وبزره (ودود الطعام) الطاهر (ولعاب الأطفال) طاهر، لحديث أبي هريرة:"رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حاملَ الحسين بن علي علَى عَاتِقه ولعابه يَسيلُ عليه"

(2)

.

قلت: ظاهره ولو تعقب قيئًا ولم تغسل أفواههم، لمشقة التحرز. كالهر إذا أكل نجاسة ثم شرب من ماء.

(وما سال من فم عند نوم طاهر) كالعرق والريق.

(1)

سورة الإسراء، الآية:70.

(2)

رواه ابن ماجه في الطهارة، باب 135، حديث 658، والإمام أحمد:(2/ 406، 477)، وقال البوصيري في "الزوائد"(1/ 143)، إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح.

ص: 103

‌باب الاستطابة، وآداب التخلي

الاستطابة، والاستنجاء، والاستجمار عبارة عن إزالة الخارج من السبيلين عن مخرجه.

فالاستطابة والاستنجاء يكونان تارة بالماء، وتارة بالأحجار.

والاستجمار مختص بالأحجار، مأخوذ من الجمار وهي الحصى الصغار. قال في "القاموس"

(1)

: واستطاب استنجى كأطاب انتهى.

سمي استطابة؛ لأن نفسه تطيب بإزالة الخبث.

واستنجاء، من نجوت الشجرة وأنجيتها إذا قطعتها، كأنّه يقطع الأذى عنه. وقال ابن قتيبة

(2)

: من النجوة، وهي ما يرتفع من الأرض. وكان الرجل إذا أراد قضاء حاجته يستتر بنجوة.

قال الأزهري

(3)

عن القول الأول: هو أصح.

قال في الحاشية: أول من استنجى بالماء إبراهيم عليه السلام

(4)

.

والمراد بآداب التخلي: ما ينبغي فعله حال الدخول، وقضاء الحاجة، والخروج، وما يتعلق بذلك.

(يسن أن يقول عند دخوله الخلاء) -بالمد أي: المكان المعد لقضاء الحاجة-: (بسم الله) لحديث علي يرفعه: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدمَ

(1)

ص / 141.

(2)

غريب الحديث (1/ 159).

(3)

الزاهر في غريب ألفاظ الإمام الشافعي ص / 110.

(4)

انظر: الوسائل إلى معرفة الأوائل ص / 20.

ص: 105

إذا دخلَ الكنيف أن يقول باسم الله" رواه ابن ماجه والترمذي

(1)

، وقال: ليس إسناده بالقوي.

ثم يقول: (اللهم إني أعوذ بك) أي: ألجأ إليك (من الخبث) بإسكان الباء، قاله أبو عبيدة

(2)

، ونقل القاضي عياض، أنه أكثر روايات الشيوخ. وفسره بالشر

(3)

.

(والخبائث) بالشياطين، فكأنه استعاذ من الشر وأهله.

وقال الخطابي

(4)

: هو بضم الباء. وهو جمع خبيث

(5)

، والخبائث جمع خبيثة، فكأنه استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم.

وقيل: الخبث الكفر، والخبائث الشياطين.

ولم يزد في "الغنية" و"المحرر" و"الفروع" على ما ذكره المصنف، لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخلَ الخلاءَ قال: اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الخبثِ والخبائِثِ" متفق عليه

(6)

، قال في "الفروع": روى البخاري "إذا أراد دخوله"

(1)

ابن ماجه في الطهارة، باب 9، حديث 297، والترمذي في الصلاة، باب 73، حديث 606، وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بذاك القوي. والبيهقي في الدعوات الكبير (1/ 37)، والبغوي في شرح السنة (1/ 378) وله شاهد من حديث أنس. رواه الطبراني في الأوسط (3/ 245، 8/ 31). وفي كتاب الدعاء (2/ 966)، وابن عدي في الكامل (3/ 1055)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص / 13. وتمام الرازي في فوائده (2/ 268)، حديث 1709، وابن عساكر (19/ 383).

(2)

كذا في الأصول وصوابه: أبو عبيد، وانظر: غريب الحديث (2/ 192).

(3)

مشارق الأنوار (1/ 228).

(4)

إصلاح غلط المحدثين ص / 21.

(5)

في (ح) و (ذ): خبث.

(6)

البخاري في الوضوء، باب 9، حديث 142، وفي الدعوات، باب 15، حديث 6322، ومسلم في الحيض، حديث 375.

ص: 106

وفي رواية لمسلم "أعوذُ باللهِ" انتهى.

وروى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يعجز أحدُكم إذا دخل مرْفَقَه أن يقول: اللهم إني أعوذُ بكَ من الرِّجْسِ النجسِ الشيطانِ الرجيمِ" رواه ابن ماجه

(1)

، واقتصر عليه في "الوجيز"، وجمع بين الخبرين في "المستوعب" و"المقنع" و"البلغة" و"المنتهى".

(ويكره دخوله) أى: الخلاء (بما فيه ذكر الله بلا حاجة) إلى ذلك، لحديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخلَ الخلاءَ نَزع خاتَمَه" رواه الخمسة

(2)

إلا أحمد، وصححه الترمذي. وقد صح أن نقش خاتمه:"محمد رسول الله"

(3)

.

(1)

في الطهارة، باب 9، حديث 299، ورواه الطبراني في الكبير (8/ 249)، حديث 7849 وفي كتاب الدعاء (2/ 965)، وابن عدي في الكامل (5/ 25 - 187). ولفظه:"اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم". وضعفه الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 200)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 44).

(2)

أبو داود في الطهارة، باب 10، حديث 19، وقال: هذا حديث منكر. والترمذي في اللباس، باب 16، حديث 1746، وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه في الشمائل، حديث 88، ورواه النسائي في الزينة، باب 53، حديث 5228، وابن ماجه في الطهارة، باب 11، حديث 303، وأبو يعلى (6/ 247)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 260) حديث 1413، والحاكم:(1/ 187)، وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي (1/ 94، 95)، والبغوي في "شرح السنة": حديث 189، قال النسائي في السنن الكبرى (5/ 456) وهذا الحديث غير محفوظ. وقال النووي في الخلاصة (1/ 151): ضعفه أبو داود، والنسائي، والبيهقي، والجمهور. وقول الترمذي: إنه حسن مردود عليه، وقال الحافظ في بلوغ المرام حديث 93 أخرجه الأربعة، وهو معلول. وانظر: تهذيب السنن لابن القيم (1/ 26)، وزاد المعاد (1/ 198)، والتلخيص الحبير (1/ 107، 108).

(3)

رواه البخاري وفي العلم، باب 6، حديث 65. وفي الجهاد، باب 101، حديث 2938. وفي فرض الخمس، باب 5، حديث 3106. وفي اللباس، باب 50 و 52 =

ص: 107

ولأن الخلاء موضع القاذورات، فشرع تعظيم اسم الله وتنزيهه عنه.

فإن احتاج إلى دخوله به، بأن لم يجد من يحفظه وخاف ضياعه فلا بأس.

قال في "المبدع": حيث أخفاه.

(لا دراهم ونحوها) كدنانير عليها اسم الله (فلا بأس به) أي: بدخوله بها (نصًّا) قال في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم: أرجو أن لا يكون به بأس

(1)

، وفي "المستوعب": أن إزالة ذلك أفضل.

(ومثلها) أي: الدراهم (حرز) فلا بأس بالدخول بها قياسًا على الدراهم

(2)

. قال صاحب النظم: وأولى.

وما ذكره المصنف من استثناء الدراهم ونحوها تبع فيه "الفروع" وقد جزم بذلك جماعة، قال في "تصحيح الفروع": ظاهر كلام كثير من الأصحاب أن حمل الدراهم ونحوها كغيرها في الكراهة، ثم رأيت ابن رجب ذكر في كتاب الخواتيم

(3)

أن أحمد نص على كراهة ذلك في رواية إسحق بن هانيء

(4)

، وقال

= و 54 و 55، حديث 5872 و 5875 و 5877 و 5878. وفي الأحكام، باب 15، حديث 7162. ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2092. من حديث أنس رضي الله عنه.

ورواه البخاري في اللباس، باب 45 و 46 و 50، حديث 5865 و 5866 و 5873. ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2091 (55) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 5).

(2)

الذي عليه المحققون من أهل العلم تحريم اتخاذ الحرز من القرآن الكريم، لعموم أحاديث النهي عن التمائم. انظر "فتح المجيد": ص 132.

(3)

ص / 167.

(4)

مسائل ابن هانئ (1/ 5 - 6).

ص: 108

في الدرهم إذا كان فيه اسم الله، أو مكتوبًا عليه {قل هو الله أحد}

(1)

: يكره أن يدخل اسم الله الخلاء.

(لكن يجعل فص خاتم) احتاج إلى دخول الخلاء به (في باطن كفه اليمنى) إذا كان مكتوبًا عليه اسم الله، لئلا يلاقي النجاسة أو يقابلها.

قال في "المبدع": ويتوجه أن اسم الرسول كذلك، وأنه لا يختص بالبنيان.

(ويحرم) دخول الخلاء (بمصحف إلا لحاجة). قال في "الإنصاف": "لا شك في تحريمه قطعًا، ولا يتوقف في هذا عاقل" انتهى.

قلت: وبعض المصحف كالمصحف.

(ويستحب أن ينتعل) عند دخوله الخلاء. لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المرفق لبس حذاءه وغطى رأسه. رواه ابن سعد عن حبيب بن صالح مرسلًا

(2)

.

(و) يستحب أيضًا أن (يقدم رجله اليسرى دخولًا) أي: في دخوله الخلاء، (و) أن يقدم (يمنى) رجليه (خروجًا) منه، لما روى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة:"من بدأ برجله اليمنى قبلَ يسارِه إذا دخل الخلاء ابْتُلِيَ بالفقر"

(3)

؛ ولأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه، لأنها أحق بالتقديم إلى

(1)

سورة الإخلاص، الآية:1.

(2)

في "الطبقات": (1/ 383). ورواه البيهقي في "السنن": (1/ 96).

ورواه ابن عدي في الكامل (6/ 2295) من حديث عائشة رضي الله عنها. قال النووي في المجموع (2/ 97): ضعيف.

وقال البيهقي في السنن: ورُوي في تغطية الرأس عند دخول الخلاء عن أبي بكر، وهو عنه صحيح.

(3)

لم نقف عليه في كتب الحكيم الترمذي المطبوعة كنوادر الأصول، والمنهيات، والصلاة ومقاصدها، والرياضة وآداب النفس.

ص: 109

الأماكن الطيبة، وأحق بالتحيز

(1)

عن الأذى ومحله.

(و) الذي يريد قضاء حاجته (في غير البنيان يقدم يسراه) أي: يسرى رجليه (إلى موضع جلوسه، و) يقدم (يمناه عند منصرفه) منه (مع) إتيانه بـ (ـما تقدم) عند دخول الخلاء؛ لأن موضع قضاء حاجته في الصحراء في معنى الموضع المعد لذلك في البنيان.

(ومثله) أي: مثل الخلاء في تقديم اليسرى دخولًا واليمنى خروجًا (حمام، ومغتسل، ونحوهما) من أماكن الأذى كالمزبلة، والمجزرة، وكذا خلع نعل، ونحوه.

(عكس مسجد، ومنزل، ونعل) أي: انتعال (ونحوه) كخف، وسرموزة

(2)

، (وقميص ونحوه) كقباء، فيدخل يده اليمنى قبل اليسرى في اللبس، ويقدم اليسرى في الخلع.

(ويسن أن يعتمد) عند قضاء حاجته (على رجله اليسرى وينصب) رجله (اليمنى) بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع قدمها، لحديث سراقة بن مالك قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكئ علَى اليسرى، وأن ننصب اليُمنى" رواه الطبراني والبيهقي

(3)

، ولأنه أسهل لخروج الخارج.

(1)

في "ذ" بالتحرز.

(2)

السرموزة: كلمة فارسية مركبة من سَرْ أي: فوق، ومن موزة أي: خف، وتعريبها: الجرموق: وهو ما يلبس فوق الخف لحفظه من الطين. انظر القاموس المحيط ص / 1125، والألفاظ الفارسية المعربة ص / 40، 90.

(3)

الطبراني في "الكبير"(7/ 136)، حديث 6605، والبيهقي:(1/ 96). وقال النووي في المجموع (2/ 92): ضعيف. رواه البيهقي عن رجل عن أبيه عن سراقة. اهـ. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 206). رواه الطبراني في الكبير وفيه رجل لم يسم. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 107). قال الحازمي: لا نعلم في الباب غيره وفي إسناده من لا يعرف. وقال في بلوغ المرام ص / 21، حديث 111: رواه البيهقي بسند ضعيف.

ص: 110

(و) يسن أن (يغطي رأسه) لحديث عائشة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاءَ غطى رأسهُ وإذا أتى أهلَهُ غطَّى رأسهُ" رواه البيهقي

(1)

من رواية محمد بن يونس الكديمي، وكان يتهم بوضع الحديث.

(ولا يرفعه إلى السماء)؛ لأنه محل يحضره الشياطين فتعبث به، فلذلك طلب منه أن يكون على أكمل الأحوال.

(ويسن) لمن أراد قضاء الحاجة (في فضاء بُعده) لحديث جابر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان إذا أراد البرازَ انْطَلقَ حتَّى لا يراهُ أحدٌ" رواه أبو داود

(2)

.

(و) يسن (استتاره عن ناظره) لخبر أبي هريرة مرفوعًا: "من أتى الغائطَ فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستتر به

(3)

، فإن الشيطان يلعبُ بمقاعدِ بني آدمَ، من فعلَ فقد أحسنَ ومنْ لا فلا حَرَجَ" رواه أبو داود

(4)

.

(1)

السنن الكبرى (1/ 96)، وقال: وهذا الحديث أحد ما أنكر على محمد بن يونس الكديمي.

(2)

في الطهارة، باب 1، حديث 2، ورواه ابن ماجه في الطهارة، باب 22، حديث 335. والدارمي في الطهارة، باب 4، حديث 17. والحاكم (1/ 140)، والبيهقي (1/ 93) بنحوه. وقال النووي في المجموع (2/ 81): رواه أبو داود، وابن ماجه بإسناد فيه ضعف يسير، وسكت عليه أبو داود فهو حسن عنده.

وله شاهد من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه رواه أبو داود في الطهارة، باب 1، حديث 1. والترمذي في الطهارة، باب 16 حديث 20، وابن ماجه في الطهارة، باب 22، حديث 331، وأحمد (4/ 248)، والدارمي في الطهارة، باب 4، حديث 666، وابن الجارود، حديث 27، وابن خزيمة (1/ 30) حديث 50، والحاكم (1/ 140)، والبيهقي (1/ 93) وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه النووي في المجموع (2/ 81).

(3)

لفظ أبي داود: فليستدبره.

(4)

في الطهارة، باب 19، حديث 35، ورواه -أيضًا- ابن ماجه في الطهارة، باب 23، حديث 337، والإمام أحمد:(2/ 371)، والدارمي في الطهارة باب 5، =

ص: 111

وروى عبد الله بن جعفر قال: "كان أحب ما استترَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجَتِهِ هدفٌ أو جَائشُ

(1)

نخلٍ" رواه مسلم

(2)

، وفسر

(3)

بأنه جماعة النخل، لا واحد له من لفظه.

(و) يسن (طلبه مكانًا رخوًا) بتثليث الراء، والكسر أشهر، أي: لينًا هشًا (لبوله) لخبر أبي موسى قال: "كنت معَ النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم، فأرادَ أن يبول فأتى دَمِثًا في أصلِ جدَارٍ فبَالَ، ثم قال: إذا بالَ أحدُكم فلْيَرْتَد لِبَوله" رواه أحمد وأبو داود

(4)

.

= حديث 668، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/ 127): حديث 138. وفي شرح معاني الآثار (1/ 121 - 122)، وابن حبان "الإحسان" (4/ 257)، حديث 1410، والبيهقي: (1/ 94)، والبغوي في شرح السنة (12/ 118)، والحديث حسنه النووي في المجموع (2/ 81)، والحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 257). وقال في التلخيص الحبير (1/ 103): ومداره على أبي سعد الحبراني الحمصي وفيه اختلاف، وقيل إنه صحابي، ولا يصح، والراوي عنه حصين الحبراني وهو مجهول. وقال أبو زرعة: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل. اهـ.

(1)

كذا في الأصول بالجيم. وصوابه بالحاء كما في صحيح مسلم وغيره، وفي "القاموس": ص / 762. والحائش: جماعة النخل لا واحد له.

(2)

في الحيض، حديث 342.

(3)

في (ح) و (ذ): وفسره.

(4)

أحمد: (4/ 396، 399، 414)، وأبو داود في الطهارة، باب 2، حديث 3، ورواه -أيضًا- الطيالسي (71)، حديث 519، والحاكم (3/ 466) وصححه ووافقه الذهبي. والبيهقي (1/ 93 - 94) وذكره الترمذي في آخر باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب (1/ 131) فقال: ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرتاد لبوله مكانًا كما يرتاد منزلًا. وقال النووي في المجموع (2/ 86): ضعيف، رواه أحمد وأبو داود عن رجل عن أبي موسى. اهـ.

ص: 112

وفي "التبصرة": ويقصد مكانًا علوًا. اهـ. أي: لينحدر عنه البول.

(ولصق ذكره بصلب) بضم الصاد أي: شديد إن لم يجد مكانًا رخوًا، لأنه يأمن بذلك من رشاش البول.

(و) يسن (أن يُعد أحجار الاستجمار قبل جلوسه) لقضاء حاجته لحديث: "إذا ذهب أحدُكم إلى الغائطِ فليذهبْ معهُ بثلاثةِ أحجارٍ يستطيبُ بهن؛ فإنها تجزئُ عنه" رواه أبو داود

(1)

.

(ويكره رفع ثوبه إن بال قاعدًا قبل دنوه من الأرض بلا حاجة) إلى ذلك، لما روى أبو داود من طريق رجل لم يسمه، وقد سماه بعض الرواة: القاسم بن محمد، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا أرادَ الحاجةَ لا يرفع ثوبَهُ حتى يدنوَ من الأرضِ"

(2)

ولأن ذلك أستر له، والمراد أنه يرفع ثوبه شيئًا فشيئًا.

(1)

في الطهارة، باب 21، حديث 40، ورواه -أيضًا- النسائي في الطهارة، باب 40، حديث 44، وأحمد:(6/ 108، 109، 133) والدارمي في الطهارة، باب 10، حديث 676، وأبو يعلى (7/ 340 - 341) حديث 4376، والدارقطني:(1/ 55) وصححه. والبيهقي (1/ 403) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال النووي في المجموع (2/ 99): حديث صحيح.

(2)

رواه أبو داود في الطهارة باب 6، حديث 14. والبيهقي (1/ 96) من طريق الأعمش عن رجل، عن ابن عمر رضي الله عنهما. ورواه البيهقي من طريق آخر فسمى الرجل القاسم بن محمد، ورواه أبو داود في الطهارة، باب 6، والترمذي في الطهارة، باب 10، حديث 14، من حديث أنس رضي الله عنه، وقال أبو داود: ضعيف.

وقال الترمذي: وكلا الحديثين (حديث ابن عمر وأنس) مرسل، وقال النووي في المجموع (2/ 86): ضعيف، رواه أبو داود والترمذي، وضعفاه. اهـ.

ص: 113

(فإذا قام أسبله عليه قبل انتصابه). قال في "المبدع": ولعله يجب إن كان ثم من ينظره.

(و) يكره حال قضاء الحاجة (استقبال شمس وقمر) بلا حائل، لما فيهما من نور الله تعالى. وقد روي أن معهما ملائكة، وأن أسماء الله تعالى مكتوبة عليهما

(1)

.

(و) يكره استقبال (مهب ريح بلا حائل)؛ خشية أن يرد عليه البول فينجسه.

(ومس فرجه بيمينه في كل حال) سواء حال البول وغيره، لخبر أبي قتادة يرفعه:"لا يمسِكَن أحدُكم ذكره بِيَمِينه وهو يبولُ، ولا يتَمَسَّحْ من الخلاءِ بِيمينه" متفق عليه

(2)

.

وغير حال البول مثله وأولى، لأن وقت البول يحتاج فيه إلى مس الذكر، فإذا نهى عن إمساكه باليمين وقت الحاجة فغيره أولى، وخصه بعضهم بحال البول لظاهر الخبر.

(وكذا) يكره في كل حال (مس فرج أبيح له مسه) بيمينه، كفرج زوجته، وأمته، ومَنْ دون سبع، قياسًا على فرجه، تشريفًا لليمنى.

(و) يكره أيضًا (استجماره) بيمينه (واستنجاؤه بها لغير ضرورة) كما لو قطعت يساره، أو شلت (أو حاجة) كجراحة بيساره، لخبر أبي قتادة وتقدم،

(1)

قال العلامة ابن القيم في مفتاح دار السعادة (3/ 212): "هذا من أبطل الباطل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه ذلك في كلمه واحدة، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل، وليس لهذه المسألة أصل في الشرع".

(2)

البخاري في الوضوء، باب 18، حديث 153، وباب 19، حديث 154، وفي الأشربة، باب 25، حديث 5630. ومسلم في الطهارة، حديث 267، واللفظ له.

ص: 114

وحديث سلمان قال: "نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كَذَا، وأن نستنجي باليمين" رواه مسلم

(1)

.

"تتمة" إن عجز عن الاستنجاء بيده

(2)

، وأمكنه برجله أو غيرها فعل، وإلا فإن أمكنه بمن يجوز له نظره في زوجة أو أمة لزمه، وإلا تمسح بأرض أو خشبة ما أمكن، فإن عجز، صلى على حسب حاله، وإن قدر بعد على شيء من ذلك لم يعد. ذكره ابن عبد الهادي في "مغنيه"

(3)

بمعناه. قلت: بل متى قدر عليه ولو بأجرة يقدر عليها لزمه، ولو ممن لا يجوز له نظره لأنه محل حاجة كما يأتي في المريض

(4)

.

(فإن كان استجماره من غائط أخذ الحجر بيساره فمسح به) دبره ثلاث مسحات منقيات أو أكثر -على ما يأتي بيانه-.

(وإن كان) استجماره (من بول أمسك ذكره بشماله ومسحه) أي: ذكره (على الحجر) الكبير، ولا يمسكه بيمينه لعدم الحاجة إليه. (فإن كان الحجر صغيرًا أمسكه بين عقبيه أو بين إبهامي قدميه ومسح عليه) ذكره (إن أمكنه) ذلك لإغنائه عن إمساكه بيمينه (وإلا) بأن لم يمكنه ذلك، كجالس في الأخلية المبنية (أمسك الحجر بيمينه) للحاجة (ومسح بيساره الذكر عليه) فتكون اليسار هي المتحركة، وعلم منه أنه يكره ذلك مع عدم الحاجة إليه، وأنه لا

(1)

في الطهارة، حديث 262، ولفظه قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة. قال: فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو بعظم.

(2)

في (ح) و (ذ): "بيديه".

(3)

مغني ذوي الأفهام ص / 31.

(4)

في (ح) و (ذ): زيادة "وأولى".

ص: 115

يكره استنجاؤه بيمينه لحاجة، أو ضرورة

(1)

، قال في "التلخيص": يمينه أولى من يسار غيره.

(وإن استطاب بها) أي: بيمينه ولا ضرورة ولا حاجة (أجزأه) لأن النهي عن ذلك نهي تأديب لا نهي تحريم.

(وتباح المعونة بها) أي: باليمين (في الماء) إذا استنجى به، بأن يصب بها الماء على يساره؛ لدعاء الحاجة إليه غالبًا.

(ويكره بوله في شَق) بفتح الشين واحد الشقوق (و) في (سرب) بفتح السين والراء، عبارة عن الثقب، وهو ما يتخذه الدبيب والهوام بيتًا في الأرض لما روى قتادة عن عبد الله بن سَرْجِس قال:"نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يبالَ في الجُحرِ، قالوا لقتادة: ما يُكره من البولِ في الجُحرِ؟ قالَ: يقالُ إنهَا مَسَاكن الجن" رواه أحمد وأبو داود

(2)

. وقد روى أن سعد بن عبادة بال بجحر بالشام ثم استلقى ميتًا، فسمع من بئر بالمدينة قائل يقول:

قد قتلنا سيد الخَزْ. . . رجِ سعد بن عباده

(1)

قال م ص في حاشيته: ومن استنجي وفي يده اليسرى خاتم نجس ما تحته بماء الاستنجاء ولم يطهر إلا بغسله بعد خلع الخاتم. (ش).

(2)

أحمد: (5/ 82)، وأبو داود في الطهارة، باب 16، حديث 29، ورواه -أيضًا- النسائي في الطهارة، باب 30، حديث 34. والحاكم (1/ 186) وصححه ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي في "السنن": (1/ 99) بنحوه وزيادة. وصححه النووي في المجموع (2/ 89). وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 106) وقيل: إن قتادة لم يسمع من عبد الله بن سرجس حكاه حرب عن أحمد. وأثبت سماعه منه علي بن المديني، وصححه ابن خزيمة، وابن السكن.

ص: 116

ورميناه بسهميـ

ـن فلم نُخط فؤاده

فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد

(1)

.

ولأنه يخاف أن يخرج ببوله دابة تؤذيه، أو ترده عليه فتنجسه، ومثل السرب ما يشبهه (ولو فم بالوعة) لما تقدم.

(و) يكره بوله في (ماء راكد) لخبر "لا يبولنَّ أحدُكم في الماءِ الدائم" وتقدم

(2)

.

(و) يكره بوله في (قليل جار) لأنه يفسده وينجسه، ولعلهم لم يحرموه لأن الماء غير متمول عادة، أو لأنه يمكن تطهره

(3)

بالإضافة كما تقدم.

(و) يكره بوله (في إناء بلا حاجة) إليه من نحو مرض، فإن كانت، لم يكره، لقول أميمة بنت رقيقة، عن أمها:"كان للنبي صلى الله عليه وسلم من عَيدان يبولُ فيه، ويضعُه تحتَ السرير" رواه أبو داود والنسائي

(4)

، والعيدان بفتح العين

(1)

رواه بمعناه ابن سعد في الطبقات (3/ 617) و (7/ 391). والحارث بن أبي أسامة بغية الباحث (1/ 207)، حديث 67، والطبراني في الكبير (6/ 16) حديث 5359، والحاكم (3/ 253)، عن ابن سيرين قال: بينما سعد بن عبادة قائمًا يبول اتكأ فمات فبكته الجن

قال الهيثمي في المجمع (1/ 206): وابن سيرين لم يدرك سعد بن عبادة. ورواه الطبراني في الكبير (6/ 16) حديث 5360، عن قتادة. قال: قام سعد بن عبادة. فذكره. قال الهيثمي في المجمع (1/ 206): وقتادة لم يدرك سعدًا أيضًا. وانظر الاستيعاب (2/ 599)، وأسد الغابة (2/ 358)، وسير أعلام النبلاء (1/ 277).

(2)

ص / 69 تعليق 3.

(3)

في (ح) و (ذ) تطهيره. وهو أولى.

(4)

أبو داود في الطهارة، باب 13، حديث 24، والنسائي في الطهارة، باب 28، حديث 32، ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 121) حديث 3342، =

ص: 117

المهملة طوال النخل.

(و) يكره بوله في (نار؛ لأنه يورث السقم).

(و) في (رماد) ذكره في "الرعاية".

(و) في (موضع صُلب) إلا إذا لم يجد مكانًا رخوًا ولصق ذكره به لما تقدم.

(و) يكره بوله (في مستحم غير مقيّر أو مبلّط) لما روى أحمد وأبو داود عن رجل صحب النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمتشِط أحدُنا كلَّ يوم، أو يبولَ في مغتسَلِه"

(1)

وقد روي أن "عامة الوسواس منه" رواه أبو داود وابن ماجه

(2)

.

= وابن حبان "الإحسان"(4/ 274) حديث 1426، والطبراني في الكبير (24/ 189) حديث 477، والحاكم (1/ 167)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3263)، والبيهقي (1/ 99)، والبغوي في شرح السنة (1/ 388). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد وسنة غريبة وأميمة بنت رقيقة صحابية مشهورة مخرج حديثهما [كذا] في الوحدان للأئمة ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وحسنه النووي في الخلاصة (1/ 156) والمناوي في فيض القدير (5/ 178).

وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها رواه النسائي في الطهارة، باب 29، حديث 33 وابن خزيمة (1/ 36) حديث 65. وانظر: بيان الوهم والإيهام (5/ 513).

(1)

رواه أحمد: (4/ 110، 5/ 369)، وأبو داود في الطهارة، باب 15، حديث 28، ورواه -أيضًا- النسائي في الطهارة، باب 147، حديث 238، وفي الزينة، باب 6، حديث 5069، والحاكم (1/ 168)، والبيهقي (1/ 98). قال النووي في المجموع (2/ 95): رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي، وإسناده صحيح. وحسنه في الخلاصة (1/ 155). وصحح سنده الحافظ في الفتح (10/ 367).

(2)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 15، حديث 27، وابن ماجه في الطهارة، باب 12، حديث 304، ورواه -أيضًا- الترمذي في الطهارة، باب 17، حديث 21، =

ص: 118

(فإن بال في) المستحم (المقيّر أو المبلّط) أو المجصص ونحوه (ثم أرسل عليه الماء قبل اغتساله فيه) قال الإمام أحمد: إن صب عليه الماء وجرى في البالوعة (فلا بأس) للأمن من التلويث، ومثله مكان الوضوء كما في "المبدع".

(ويكره أن يتوضأ) على موضع بوله أو أرض متنجسة لئلا يتنجس.

(أو) أي: ويكره أن (يستنجي على موضع بوله أو) على (أرض متنجسة لئلا يتنجس) بالرشاش الساقط عليها.

(ويكره استقبال القبلة في فضاء باستنجاء، أو استجمار) تشريفًا لها. وظاهر كلامه -كغيره-: لا يكره استدبارها إذن.

(و) يكره (كلامه في الخلاء، ولو سلامًا، أو رد سلام) لما روى ابن عمر قال: "مرَّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فسلم عليه وهو يبولُ فلم يردَّ عليه" رواه مسلم

= والنسائي في الطهارة، باب 32، حديث 36، وعبد الرزاق (1/ 255)، والإمام أحمد:(5/ 56)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 66)، حديث 1255، والحاكم:(1/ 167، 185)، والبيهقي (1/ 98). قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث أشعث بن عبد الله. وقال في العلل الكبير ص / 30: سألت محمدًا (يعني البخاري) عن هذا الحديث فقال: لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، ويرون أن أشعث هذا هو ابن جابر الحداني. وروى معمر فقال: عن أشعث بن عبد الله عن الحسن. اهـ.

وقال النووي في المجموع (2/ 95): حسن، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، بإسناد حسن.

ورواه ابن أبي شيبة: (1/ 112) الحاكم (1/ 185)، والبيهقي:(1/ 98)، موقوفًا على عبد الله بن مغفل رضي الله عنه. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ص: 119

وأبو داود

(1)

، وقال: يروى أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "تيممَ ثم ردَّ على الرجلِ السلامَ"

(2)

.

(ويجب) الكلام على من في الخلاء كغيره (لتحذير معصوم عن هلكة كأعمى وغافل) يحذره عن بئر، أو حية، أو نحوها؛ لأن مراعاة حفظ المعصوم أهم.

(ويكره السلام عليه) أي: على المتخلي، فلا يجب رده، -ويأتي في أواخر الجنائز-.

(فإن عطس) المتخلي (أو سمع أذانًا حمد الله) عقب العطاس بقلبه (وأجاب) المؤذن (بقلبه) دون لسانه. ذكره أبو الحسين وغيره ويأتي في الأذان.

ويقضيه متخل ومصل.

(و) يكره (ذكر الله فيه) أي: في الخلاء -لما تقدم-.

(1)

مسلم في الحيض، حديث 370، وأبو داود في الطهارة، باب 8، حديث 16.

(2)

رواه الشافعي في المسند (ترتيب مسنده) ص / 44، حديث 130 - 132، ومن طريقه البيهقي (1/ 205). والبغوي في شرح السنة (2/ 114)، حديث 310، عن الأعرج، عن ابن الصمة، وقال البغوي: هذا حديث حسن. وضعفه البيهقي بقوله: هذا منقطع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج لم يسمعه من ابن الصمة، إنما سمعه من عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قد اختلف الحفاظ في عدالتهما. اهـ.

ورواه أبو داود في الطهارة، باب 124، حديث 331، وابن حبان "الإحسان"(4/ 145)، حديث 1316، والدارقطني (1/ 177)، والبيهقي (1/ 206) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما -أيضًا- عند أبي داود (330)، والطيالسي (253) رقم 1851، والدارقطني (1/ 177)، والبيهقي (1/ 206، 215)، والبغوي (2/ 116) حديث 311، وقد ضعفه الأئمة كما في سنن أبي داود (1/ 334)، والتلخيص الحبير (1/ 151).

ص: 120

و (لا) يكره ذكر الله في الخلاء (بقلبه) دون لسانه.

(وتحرم القراءة فيه، وهو) متوجه (على حاجته)، جزم به صاحب "النظم". وظاهر كلام صاحب "المحرر" وغيره: يكره، لأنه ذكر أنه أولى من الحمام، لمظنة نجاسته وكراهة ذكر الله فيه خارج الصلاة، قاله في "الفروع". وفي "الغنية": لا يتكلم، ولا يذكر الله، ولا يزيد على التسمية ولا التعوذ.

(و) يحرم (لبثه) في الخلاء (فوق حاجته)؛ لا فرق بين أن يكون في ظلمة أو حمام، أو بحضرة ملك، أو جني، أو حيوان، أو لا، ذكره في "الرعاية" (وهو) أي: لبثه فوق حاجته (مضر عند الأطباء) قيل: إنه يدمي الكبد، ويورث الباسور. (وكشف عورة بلا حاجة) إليه.

(و) يحرم (بوله وتغوطه في طريق مسلوك) لحديث أبي هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا اللاعِنَين. قالوا: وما اللاعِنانِ؟ قال: الذي يتخلَّى في طريقِ الناسِ أو في ظِلِّهم" رواه مسلم

(1)

.

(و) يحرم (تغوّطه في ماء) قليل، أو كثير، راكد، أو جار، لأنه يقذره ويمنع الناس الانتفاع به.

و (لا) يحرم التغوط في (البحر) لأنه لا تعكره الجيف.

(ولا) يحرم تغوطه في (ما أعد لذلك)(كـ) ـالنهر (الجاري في المطاهر) بدمشق لأنه لا يستعمل عادة.

(ويحرم بوله وتغوطه على ما نهي عن استجمار به كروث، وعظم، وعلى ما يتصل بحيوان، كذنبه، ويده، ورجله و) على (يد المستجمر وعلى ماله حرمة كمطعوم) لآدمي، أو بهيمة؛ لأن ذلك أبلغ من الاستجمار بها في التقذير، فيكون أولى بالتحريم.

(1)

في الطهارة، حديث 269.

ص: 121

(و) يحرم البول والتغوط (على قبور المسلمين وبينها) أي: بين قبورهم (-ويأتي آخر الجنائز-) موضحًا.

(و) يحرم البول، والتغوط (على علف دابة وغيرها) وهذا داخل في قوله: كمطعوم.

(و) يحرم بوله وتغوطه في (ظل نافع) لحديث أبي هريرة المتقدم، وإضافة الظل إليهم دليل على إرادة المنتفع به.

(ومثله متشمس) الناس (زمن الشتاء) لأنه في معناه.

(و) مثله (متحدّث الناس) إذا لم يكن بنحو غيبة، وإلا فيفرقهم بما استطاع.

(و) يحرم بوله وتغوطه (تحت شجرة عليها ثمرة مقصودة) مأكولة، أو لا؛ لأنه يفسدها وتعافها الأنفس. فإن لم يكن عليها ثمر جاز إن لم يكن لها ظل نافع، لأن أثر ذلك يزول بمجيء الأمطار إلى مجيء الثمرة، وأجاب بعضهم عن بوله عليه السلام

(1)

تحت الأشجار والنخل بأن الأرض تبلع فضلته

(2)

.

(و) يحرم بوله وتغوطه في (مورد ماء) لحديث معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الملاعِنَ الثلاثةَ: البراز في المواردِ، وقارعة الطريق، والظل" رواه أبو داود وابن ماجه

(3)

.

(1)

في (ح) و (ذ) زيادة: (وتغوطه).

(2)

لم يثبت في هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: المجروحين لابن حبان (1/ 245). ودلائل النبوة للبيهقي (6/ 70). وميزان الاعتدال للذهبي (1/ 543).

(3)

أبو داود في الطهارة، باب 14، حديث 26، وابن ماجه في الطهارة، باب 21، حديث 328، والحاكم (1/ 167)، والبيهقي (1/ 97)، قال الحاكم: صحح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (2/ 89) رواه أبو داود =

ص: 122

(و) يحرم (استقبال القبلة واستدبارها) حال البول والغائط (في فضاء) لقول أبي أيوب إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائطَ فلا تستقبلُوا القِبلة ولا تستَدْبِروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا" رواه الشيخان

(1)

؛ ولأن جهة القبلة أشرف الجهات فصينت عن ذلك.

و (لا) يحرم استقبالها، ولا استدبَارها في (بنيان) لما روى الحسن بن ذكوان عن مروان الأصفر قال:"رأيت ابن عمر أناخ راحلته ثم جلس يبول إليها. فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نُهي عن هذا؟ فقال: إنما نُهِيَ عن هذَا في الفضاءِ، أما إذا كان بينك وبين القبلة شيءٌ يستركَ فلا" رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم

(2)

، وقال: على شرط البخاري. والحسن

(3)

إن

(4)

كان

= وابن ماجه، والبيهقي بإسناد جيد. وقال في الخلاصة (1/ 155) حسن رواه أبو داود وغيره. قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 105). وصححه ابن السكن والحاكم وفيه نظر لأن أبا سعيد لم يسمع من معاذ ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الإسناد قاله ابن القطان. وانظر:"بيان الوهم" حديث 692، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 48) هذا إسناد ضعيف فيه أبو سعيد الحميري المصري. قال ابن القطان: مجهول. وقال أبو داود والترمذي وغيرهما: روايته عن معاذ مرسلة.

(1)

البخاري في الوضوء، باب 11، حديث 144، وفي الصلاة، باب 29، حديث 394، ومسلم في الطهارة، حديث 264.

(2)

أبو داود في الطهارة، باب 4، حديث 11، وابن خزيمة في الوضوء، (1/ 35) حديث 60، والحاكم:(1/ 154)، وقال: على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. ورواه ابن الجارود حديث 32، والدارقطني (1/ 58) وصححه، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ حديث 84، والحازمي في الاعتبار ص / 137 وحسنه. وقال النووي في الخلاصة (1/ 154): حديث حسن رواه أبو داود وغيره. وقال الحافظ في الفتح (1/ 247): رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به.

(3)

ابن ذكوان. (ش).

(4)

في "ذ": وإن.

ص: 123

ضعفه جماعة فقد قواه جماعة، وروى له البخاري. فهذا تفسير لنهيه عليه السلام العام، فتحمل أحاديث النهي على الفضاء، وأحاديث الرخصة على البنيان.

(ويكفي انحرافه) عن الجهة، نقله أبو داود

(1)

. ومعناه في الخلاف. وظاهر كلام المجد والشيخ تقي الدين: لا يكفي

(2)

.

(و) يكفي (حائل) بينه وبين القبلة (ولو) كان الحائل (كمؤخرة رحل) بضم الميم وسكون الهمزة، ومنهم من يثقل الخاء، وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب.

(ويكفي الاستتار بدابة) لفعل ابن عمر، -وتقدم-.

(و) بـ (ـجدار وجبل ونحوه) كشجرة.

(و) يكفي (إرخاء ذيله) لحصول التستر به.

قال في "الفروع": (و) ظاهر كلامهم (لا يعتبر قربه منها) أي: من السترة (كما لو كان في بيت) فإنه لا يعتبر قربه من جداره (وإلا) أي: وإن لم نقل: لا يعتبر قربه منها، بل قلنا: يعتبر، فـ (ـكسترة صلاة) ثلاثة أذرع فأقل. قال في "الفروع":"ويتوجه وجه، كسترة صلاة؛ يؤيده أنه يعتبر كآخرة الرحل لستر أسافله". وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: (بحيث تستر أسافله) ليحصل المقصود من عدم المواجهة.

(ولا يكره البول قائمًا -ولو لغير حاجة- إن أمن تلوثًا، وناظرًا) لخبر "الصحيحين" عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم "أتى سباطةَ قومٍ فبالَ قائمًا"

(3)

.

والسباطة: الموضع الذي يلقى فيه القمامة والأوساخ.

(1)

مسائل أبي داود ص / 2.

(2)

الاختيارات ص / 15.

(3)

رواه البخاري في الوضوء، باب 60، حديث 224، وباب 62، حديث 226، وفي المظالم، باب 27، حديث 2471، ومسلم في الطهارة، حديث 273.

ص: 124

(ولا) يكره (التوجه إلى بيت المقدس) في ظاهر نقل إبراهيم بن الحارث. وهو ظاهر ما في الخلاف. وحمل النهي حين كان قبلة

(1)

. ولا يسمى بعد النسخ قبلة، وذكر ابن عقيل في النسخ، بقاء حرمته. وظاهر نقل حنبل فيه يكره.

"تتمة": والأولى أن يقول: أبول. ولا يقول: أريق الماء. وفي النهي خبر ضعيف

(2)

، بل في بعض ألفاظ الصحيحين ما يدل على جوازه

(3)

.

(1)

أى نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط، رواه أحمد [4/ 210]، وأبو داود [في الطهارة، باب 4، حديث 10]، وابن ماجه [في الطهارة، باب 17، حديث 319] عن معقل الأسدي. (ش).

ورواه الطحاوي (4/ 233)، والبيهقي (1/ 9)، والحازمي في الاعتبار ص / 133. قال النووي في المجموع (2/ 83): إسناد جيد ولم يضعفه أبو داود. وقال في الخلاصة (1/ 154): رواه أبو داود بإسناد حسن. وقال الحافظ في الفتح (1/ 246): رواه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف لأن فيه راويًا مجهول الحال، وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها؛ لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة، والعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس.

(2)

رواه الطبراني في الكبير (22/ 62) حديث 150، من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن مكحول عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم: أهرقت الماء ولكن ليقل: أبول". قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 210): رواه الطبراني في الكبير، وفيه عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة، وقد أجمعوا على ضعفه.

(3)

روى البخاري في مناقب الأنصار، باب 23، حديث 3861، ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2474 عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه، وفيها قول علي رضي الله عنه: فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء.

وفي المسند (1/ 251) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأهراق الماء ثم توضأ وركب ولم يصل.

ص: 125

فصل

(فإذا انقطع بوله استحب) له (مسح ذكره بيده اليسرى من حلقة الدبر إلى رأسه) أي: الذكر (ثلاثًا) لئلا يبقى شيء من البلل في ذلك المحل، فيضع أصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه، ثم يمرهما إلى رأس الذكر.

(و) يستحب (نتره) بالمثناة أي: الذكر (ثلاثًا) قال في "القاموس"

(1)

: استنتر من بوله اجتذبه، واستخرج بقيته من الذكر عند الاستنجاء، حريصًا عليه مهتمًا به انتهى

(2)

. وإذا استنجى في دبره، استرخى قليلًا، ويواصل صب الماء حتى ينقى ويتنظف.

(والأولى) وفي "شرح المنتهى": وسن (أن يبدأ ذكر) بقبل؛ لئلا تتلوث يده إذا بدأ بالدبر، لأن قبله بارز.

(و) أن تبدأ (بكر بقبل) إلحاقًا لها بالذكر لوجود عذرتها.

(وتخير ثيب) في البداءة بالقبل، أو الدبر.

(ويكره بصقه على بوله للوسواس) أي: لأنه قيل إنه يورث الوسواس. (ثم يتحول للاستجمار إن خشي تلوثًا) تباعدًا عن النجاسة.

(ثم يستجمر) بالحجر أو نحوه.

(ثم يستنجي) بالماء (مرتبًا ندبًا) لقول عائشة للنساء: "مرن أزواجكُن أن

(1)

ص / 616.

(2)

في استحباب هذا نظر، بل ذكر العلامة ابن القيم: أن هذا من بدع أهل الوسواس. انظر: "زاد المعاد": (1/ 173).

ص: 127

يتبعُوا الحِجَارةَ الماءَ، فإنِّي أستحْييهِم، وإن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يفعله" رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه

(1)

، واحتج به أحمد في رواية حنبل. ولأنه أبلغ في الإنقاء، لأن الحجر يزيل عين النجاسة، فلا تباشرها يده. والماء يزيل ما بقي.

(فإن عكس) بأن بدأ بالماء وثنى بالحجر (كره) له ذلك نصًّا؛ لأنه لا فائدة فيه إلا التقذير.

(ومن استجمر في فرج

(2)

واستنجى في) فرج (آخر فلا بأس) بذلك.

(ولا يجزئ الاستجمار في قبلي خنثى مشكل) لأن الأصلي منهما غير معلوم. والاستجمار لا يجزئ في غير فرج أصلي.

(ولا) يجزئ الاستجمار (في مخرج غير فرج) أي: لو انسد المخرج وانفتح آخر لم يجز فيه الاستجمار، لأنه نادر بالنسبة إلى سائر الناس؛ فلم يثبت فيه أحكام الفرج، ولأن لمسه لا ينقض الوضوء، ولا يتعلق بالإيلاج فيه شيء من أحكام الوطء، أشبه سائر البدن.

(ويستحب) للمستنجي (دلك يده بالأرض الطاهرة بعد الاستنجاء)

(1)

الإمام أحمد: (1/ 113، 114، 120، 130، 171، 236)، والنسائي في الطهارة، باب 41، حديث 46، والترمذي في الطهارة، باب 15، حديث 19. وقال: حسن صحيح. ورواه -أيضًا- ابن أبي شيبة: (1/ 152)، وأبو يعلى (8/ 12) حديث 4514، وابن حبان "الإحسان"(4/ 290) حديث 1443، والطبراني في الأوسط (9/ 439) حديث 8943، والبيهقي (1/ 105، 106)، وصححه النووي في المجموع (2/ 104).

(2)

أي في دبره أو قبله بحجر مثلًا. (ش).

ص: 128

لحديث ميمونة. أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. رواه البخاري

(1)

.

(ويجزئه أحدهما) أي: الاستجمار أو الاستنجاء، فيكفي الاستجمار ولو مع قدرته على الماء، لحديث جابر مرفوعًا:"إذا ذهبَ أحدُكم إلى الغائِط فليستطبْ بثلاثةِ أحجارٍ، فإنها تُجزِئ عنه" رواه أحمد وأبو داود

(2)

.

(والماء أفضل) من الحجر لأنه يزيل العين والأثر.

وما حكي عن سعد بن أبي وقاص وابن الزبير أنهما أنكرا الاستنجاء بالماء

(3)

، أجيب عنه: بأنه كان على من يعتقد وجوبه، ولا يري الأحجار مجزئة؛ لأنهما شاهدا من الناس محافظة عليه، فخافا التعمق في الدين.

(1)

في الغسل، باب 5، 7، 8، 11، 16، 18، 21، حديث 257، 259، 260، 266، 274، 276، 281، ورواه -أيضًا- مسلم في الحيض، حديث 317.

وليس في حديث ميمونة رضي الله عنها، أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بعد الاستنجاء وإنما فعل هذا بعد غسل الفرج في الغسل. وأما دلك اليد بعد الاستنجاء فقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فلما استنجى دلك يده بالأرض"، رواه النسائي في الطهارة، باب 43، حديث 50. وابن ماجه في الطهارة، باب 29، حديث 358، وأحمد (2/ 311). وابن حبان "الإحسان"(4/ 251)، حديث 1405، ورواه أبو داود في الطهارة، باب 24، حديث 45 بلفظ: مسح يده، وفي سنده شريك بن عبد الله النخعي. قال في التقريب ص / 436: صدوق يخطئ كثيرًا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة. وحسنه النووي في الخلاصة (1/ 171).

(2)

لم نجده بهذا اللفظ عن جابر رضي الله عنه عند أحمد وأبي داود. وقد روى الإمام أحمد: (3/ 400)، وابن أبي شيبة (1/ 155). وابن خزيمة (1/ 42) حديث 76. والبيهقي:(1/ 103) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثًا". واللفظ الذي ذكره المؤلف هو لفظ حديث عائشة رضي الله عنها وقد تقدم تخريجه ص / 103. تعليق (1).

(3)

انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 154)، والأوسط لابن المنذر (1/ 346 و 347).

ص: 129

(وجمعهما) أي: الحجر والماء مرتبًا كما مر (أفضل منه) أي: من الماء وحده، لما تقدم عن عائشة.

(وفي "التنقيح": الماء أفضل كجمعهما، وهو) أي: التسوية بين الماء وجمعهما (سهو).

وأجاب التقي الفتوحي وغيره بأنه ليس الغرض التسوية بينهما، وإنما الغرض تشبيه المختلف فيه بالمتفق عليه، أو المعنى: كما أن جمعهما أفضل من الماء فلا سهو.

(إلا أن يعدو) أي: يتجاوز (الخارج موضع العادة) كأن ينتشر الخارج على شيء من الصفحة، أو يمتد إلى الحشفة امتدادًا غير معتاد (فلا يجزئ إلا الماء للمتعدي فقط) لأن الاستجمار في المحل المعتاد رخصة للمشقة في غسله، لتكرر النجاسة فيه، فما لا يتكرر لا يجزئ فيه إلا الماء. ويجزئ الحجر في الذي في محل العادة كما لو لم يكن غيره.

(كتنجيس

(1)

مخرج بغير خارج) منه، فلا يجزئ فيه إلا الماء.

وكذا لو جفَّ الخارج قبل الاستجمار.

(و) كـ (استجمار بمنهي عنه) كروث، وعظم، فلا يجزئ بعده إلا الماء.

(وإن خرجت أجزاء الحقنة، فهي نجسة، ولا يجزئ فيها الاستجمار) قال في "الإنصاف": فيعايا بها.

(والذكر، والأنثى الثيب، والبكر، في ذلك) أي: ما يجزئ فيه الاستجمار وما لا يجزئ على ما سبق (سواء) لعموم الأدلة.

(فلو تعدى بول ثيب إلى مخرج الحيض، أجزأ فيه الاستجمار؛ لأنه

(1)

كذا في الأصول "كتنجيس"، والأقرب "كتنجس". انظر: الروض المربع مع الحاشية (1/ 141).

ص: 130

معتاد) كثيرًا، صححه المجد، واختاره في "مجمع البحرين" و"الحاوي الكبير". وقال هو وغيره: هذا إذا قلنا: يجب تطهير باطن فرجها على ما اختاره القاضي، والمنصوص عن أحمد، أنه لا يجب، فتكون كالبكر قولًا واحدًا. وقدم في "الإنصاف" عن الأصحاب أنه يجب غسله كالمنتشر عن المخرج.

(ولو شك في تعدي الخارج لم يجب الغسل) وأجزأه الاستجمار، لأن الأصل عدم التعدي (والأولى الغسل) احتياطًا. قال علي: "إنكم كنتم تبعرون بعرًا، وأنتم اليوم تثلطون ثلطًا

(1)

؛ فأتبعوا الماء الأحجار"

(2)

.

(وظاهر كلامهم، لا يمنع القيام الاستجمار، ما لم يتعد الخارج) موضع العادة.

(فإذا خرج) من نحو الخلاء (سن قوله: غفرانك) لحديث عائشة قالت: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خرجَ من الخلاءِ قال: غُفْرانَك" رواه البخاري والترمذي

(3)

. وهو منصوب على المفعولية. أي: أسألك غفرانك. والغفر:

(1)

الثلط هو الرجيع الرقيق. (ش).

(2)

رواه ابن أبي شيبة: (1/ 154)، والبيهقي (1/ 106).

(3)

البخاري في "الأدب المفرد": حديث 693، -وليس في الصحيح كما توهم عبارة المؤلف- والترمذي في الطهارة، باب 5، حديث 7، وقال: حديث حسن غريب. ورواه -أيضًا- أبو داود في الطهارة، باب 17، حديث 30، والنسائي في الكبرى (6/ 24)، وفي عمل اليوم والليلة ص / 172، وابن ماجه في الطهارة، باب 10، حديث 300، وابن أبي شيبة (1/ 2، 10/ 454)، وأحمد (6/ 155)، والدارمي في الطهارة، باب 16، حديث 686، وابن خزيمة:(1/ 48) حديث 90، وابن حبان "الإحسان":(4/ 291) حديث 1444، والطبراني في الدعاء (2/ 966)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص / 14 حديث 22، والحاكم:(1/ 185)، وصححه ووافقه الذهبي. والبيهقي (1/ 97). وفي الدعوات الكبير (1/ 39)، قال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 216): هذا حديث حسن صحيح.

ص: 131

الستر، وسِرُّه: أنه لما خلص من النجو المثقل للبدن، سأل الخلاص مما يثقل القلب، وهو الذنب، لتكمل الراحة

(1)

.

(الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) لقول أنس: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاءِ قال: الحمدُ للهِ الذي أذهَب عنِّي الأذَى وعافاني" رواه ابن ماجه

(2)

من رواية إسماعيل بن مسلم، وقد ضعفه الأكثر.

وفي "مصنف عبد الرزاق، أن نوحًا عليه السلام كان إذا خرج يقول: "الحمد للهِ الذي أذاقَني لذَّتَه، وأبقى فيَّ منفَعَتَه، وأذْهَبَ عنِّي أذاهُ"

(3)

.

(ويتنحنح) ذكره جماعة، زاد بعضهم: - (ويمشي خطوات) -. وعن أحمد نحو ذلك (إن احتاج إلى ذلك للاستبراء) لما فيه من التنزه من البول، فإن عامة عذاب القبر منه كما في الخبر

(4)

.

(1)

انظر: معالم السنن للخطابي (1/ 22)، وإغاثة اللهفان (1/ 58)، وفيض القدير (5/ 121).

(2)

في الطهارة، باب 10، حديث 301. وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 92): هذا حديث ضعيف، ولا يصح فيه بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.

وضعفه النووى في المجموع (2/ 79).

(3)

لم نجده عند عبد الرزاق. وقد رواه ابن أبي شيبة: (1/ 2) و (10/ 454). وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر ص / 58. والخرائطي في فضيلة الشكر لله على نعمته ص / 40. والعقيلي في الضعفاء (1/ 214)، والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 399). وابن عساكر (62/ 272).

(4)

روى ابن ماجه في الطهارة، باب 26، حديث 348، وأحمد (2/ 326، 388، 389)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/ 188 رقم 5192، 5193)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 138، رقم 689)، والآجري في الشريعة (3/ 1282، 1283، رقم 752، 853)، والدارقطني (1/ 128)، والحاكم (1/ 183)، والبيهقي (2/ 412) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر عذاب القبر من البول" وصححه البخاري. كما في علل الترمذي الكبير ص / 42 =

ص: 132

وقال الشيخ تقي الدين

(1)

: ذلك كله بدعة. ولا يجب باتفاق الأئمة.

وذكر في "شرح العمدة"

(2)

قولًا يكره تنحنحه، ومشيه -ولو احتاج إليه- لأنه وسواس.

(وقال الموفق وغيره: ويستحب أن يمكث) بعد بوله (قليلًا قبل الاستنجاء حتى ينقطع أثر البول).

(ولا يجب غسل ما أمكن من داخل فرج ثيب من نجاسة وجنابة، فلا تدخل يدها ولا إصبعها) في فرجها (بل) تغسل (ما ظهر، لأنه) أي: داخل

= حديث 37.

وقال الدارقطني: صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 101): هذا إسناد صحيح ورجاله عن آخرهم محتج بهم في الصحيحين.

وفي رواية للدارقطني: "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" وقال: الصواب مرسل.

وروى عبد بن حميد ص / 550 رقم 641، والبزار (كشف الأستار 1/ 129) رقم 243، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/ 189) رقم 5194، والطبراني في الكبير (11/ 84) حديث 11120، والدارقطني (1/ 128)، والحاكم (1/ 183 - 184) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عامة عذاب القبر من البول، فتنزهوا من البول".

قال الدارقطني: لا بأس به. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 106): وإسناده حسن ليس فيه غير أبي يحيى القتات، وفيه لين. وقال الهيثمي في المجمع (1/ 207): رواه البزار والطبراني في الكبير، وفيه أبو يحيى القتات، وثقه يحيى بن سعيد في رواية، وضعفه الباقون.

قلنا: لم ينفرد به أبو يحيى القتات، بل تابعه العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا به. أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 79) حديث 11104.

(1)

مجموع الفتاوى (21/ 106).

(2)

(1/ 151).

ص: 133

الفرج (في حكم الباطن) عند ابن عقيل وغيره (فينتقض وضوؤها بخروج ما احتشته ولو بلا بلل.

(ويفسد الصوم بوصول أصبعها) إليه (لا بوصول حيض إليه) بناء على أنه باطن، وقال أبو المعالي، وصاحب "الرعاية" وغيرهما: هو في حكم الظاهر. وذكره في "المطلع"

(1)

عن أصحابنا، فتنعكس الأحكام غير وجوب الغسل، فلا يجب على المنصوص، وإن قلنا: هو في حكم الظاهر للمشقة والحرج.

(ويستحب لغير الصائمة غسله) خروجًا من الخلاف.

(وداخل الدبر في حكم الباطن، لإفساد الصوم بنحو الحقنة).

(ولا يجب غسل نجاسته، وكذا حشفة أقلف غير مفتوق) لا يجب غسل نجاسته، ولا جنابة ما تحتها (ويغسلان) أي: نجاسة الحشفة وجنابتها (من مفتوق) لأنها في حكم الظاهر.

(ويستحب لمن استنجى) بالماء (أن ينضح فرجه) أي: ما يحاذيه من ثوبه (وسراويله) قطعًا للوسواس. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاءني جبريلُ فقالَ: يا محمدُ إذَا توضأتَ فانْضَحْ"

(2)

حديث غريب، قاله في "الشرح".

(1)

ص / 39.

(2)

رواه الترمذي في الطهارة، باب 38، حديث 50، وابن ماجه في الطهارة، باب 58، حديث 463، والعقيلي (1/ 234)، وابن عدي (2/ 733) من طريق الحسن بن علي الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال الترمذي: هذا حديث غريب. وسمعت محمدًا يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث. وقال الحافظ في التقريب ص / 240: الحسن بن علي الهاشمي ضعيف.

ص: 134

و (لا) يستحب ذلك لـ (ـمن استجمر).

ومن ظن خروج شيء فقال أحمد: "لا تلتفت حتى تتيقن، والْهَ عنه فإنه من الشيطان، فإنه يذهب إن شاء الله"

(1)

.

ولم ير أحمد حشو الذكر في ظاهر ما نقله عبد الله

(2)

، وإنه لو فعل فصلى ثم أخرجه فوجد بللًا فلا بأس ما لم يظهر خارجًا.

وكره الصلاة فيما أصابه الاستجمار حتى يغسله، ونقل صالح: أو يمسحه، ونقل عبد الله: لا يلتفت إليه

(3)

، قاله في "الفروع".

(1)

انظر: مسائل عبد الله (1/ 85) رقم 95، ومسائل صالح (3/ 236) رقم 1725.

(2)

مسائل عبد الله (1/ 81) رقم 89، وفي مسائل ابن هانئ (1/ 4) رقم 22، نص على عدم الحشو.

(3)

لعله إذا كان من السابعة أو ما بعدها وإلا وجب غسله بعدد ما بقي كما يأتي. (ش).

ص: 135

فصل

(ويصح الاستجمار بكل طاهر، جامد، مباح، منق، كالحجر، والخشب، والخرق)، لأن في بعض ألفاظ الحديث:"فليذهبْ بثلاثةِ أحجارٍ، أو بثلاثة أعوادٍ، أو بثلاث حثياتٍ من تراب" رواه الدارقطني

(1)

، وقال: روي مرفوعًا، والصحيح أنه مرسل.

لأن النبَّيَّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطابة فقال: "بثلاثةِ أحجارٍ، ليس فيها رجيعٌ"

(2)

فلولا أنه أراد الحجر وما في معناه، لم يستثن الرجيع.

ولمشاركة غير الحجر الحجر في الإزالة.

(1)

سنن الدارقطني (1/ 56) بنحوه من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، ورواه أيضًا البيهقي (1/ 111)، ورواه ابن أبي شيبة (1/ 154)، والدارقطني والبيهقي عن طاووس مرسلًا، ورواه موقوفًا على طاووس وقال: هذا هو الصحيح عن طاووس من قوله. وضعفها النووي في الخلاصة (1/ 166). وقال في المجموع (2/ 116): وهذا ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ص / 125: والحديث باطل.

(2)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 21، حديث 41، وابن ماجه في الطهارة، باب 16، حديث 315، وابن أبي شيبة:(1/ 154، 156)، وأحمد:(5/ 213، 214)، والدارمي في الطهارة، باب 10، حديث 677، والطحاوي (1/ 121)، والطبراني في الكبير (4/ 86) حديث 3723 - 3728. والدارقطني:(1/ 54). والبيهقي: (1/ 103)، من حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه.

ورواه مسلم في الطهارة حديث 262، من حديث سلمان رضي الله عنه قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة من غائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم.

ص: 137

وفهم منه أنه لا يصح الاستجمار بنجس، لأن ابن مسعود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة ليستجمر بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال:"هذا ركسٌ" يعني نجسًا، رواه الترمذي

(1)

. وهذا تعليل منه عليه السلام يجب المصير إليه.

ولا بغير جامد كالرخو، والندي؛ لأنه لا يحصل به الإنقاء، فلا يحصل به المقصود كالأملس من زجاج ونحوه.

و (لا) بـ (ـالمغصوب) لأن الاستجمار رخصة، والرخص لا تستباح على وجه محرم.

(والإنقاء بأحجار ونحوها) كخشب وخرق (إزالة العين) الخارجة من السبيلين (حتى لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء).

(و) الإنقاء (بماء، خشونة المحل) أي: عوده (كما كان) لزوال لزوجة النجاسة وآثارها مع الإتيان بالعدد المعتبر.

(إلا الروث والعظام) فلا يجزئ الاستجمار بهما، لقوله عليه السلام:"لا تَسْتنجُوا بالروثِ ولا بالعظامِ، فإنه زادُ إخوانِكُمْ من الجنِّ" رواه مسلم

(2)

.

(و) إلا (الطعام ولو لبهيمة) فلا يجزئ الاستجمار به، لأنه عليه السلام علل المنع من الروث والعظم بأنه زاد الجن، فزادنا وزاد بهائمنا أولى.

(و) إلا (ما له حرمة كما فيه ذكر الله).

قال جماعة منهم الشارح: (وكتب حديث، وفقه) لما فيه من هتك

(1)

في الطهارة، باب 13، حديث 17، رواه البخاري في الوضوء، حديث 156.

(2)

في الصلاة حديث 450 بمعناه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وما ذكره المؤلف هو لفظ الترمذي في الطهارة، باب 14، حديث 18.

ص: 138

الشريعة والاستخفاف بحرمتها.

قال في "الرعاية": (وكتب مباحة) احترامًا لها.

(و) إلا (ما حرم استعماله كذهب، وفضة) لما تقدم في المغصوب.

(و) إلا (متصلًا بحيوان) كيده وجلده وصوفه، لأن الحيوان له حرمة، ولهذا منعنا مالكه من إطعامه النجاسة.

(و) إلا (جلد سمك، وجلد حيوان مذكى) كحال اتصاله.

(و) إلا (حشيشًا رطبًا) لأنه زاد البهائم، ولا يحصل به الإنقاء. (فيحرم ولا يجزئ) الاستجمار بجميع ما تقدم ذكره.

قلت: الظاهر أن المتنجس من نحو حجر إذا استعمله لتخفيف النجاسة ليتبعه الماء لا يحرم، وليس في كلامهم ما يشمله.

(فإن استجمر بعده بمباح) لم يجزئه ووجب الماء.

(أو استنجى بمائع غير الماء) كالخل (لم يجزئه) الاستجمار (وتعين الماء) كما لو استجمر بنجس.

(وإن استجمر بغير منق) كزجاج (أجزأ الاستجمار بعده بمنق) كحجر؛ لبقاء عين النجاسة، فتزول بالمنقي، بخلاف ما قبل.

(ولا يجزئ) في الاستجمار (أقل من ثلاث مسحات) لقوله عليه السلام: "فليذهب معه بثلاثةِ أحجارٍ" رواه أبو داود

(1)

، ولقول سلمان:"نهانا يعني النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن نستَنْجِيَ بأقلَّ من ثلاثةِ أحجارٍ" رواه مسلم

(2)

، (إما بحجر ذي ثلاث شعب) لأن الغرض عدد المسحات لا الأحجار، بدليل التعدية إلى ما في معني الحجارة، (أو بثلاثة) أحجار أو ما في معناها، (تعم

(1)

تقدم تخريجه ص / 113، تعليق رقم 1.

(2)

في الطهارة، حديث 262.

ص: 139

كل مسحة المسربة)؛ أي: الدبر (والصفحتين)؛ لأنها إن لم تكن كذلك لم تكن مسحة، بل بعضها. (مع الإنقاء)؛ لأن الغرض إزالة النجاسة.

(ولو استجمر ثلاثة أنفس بثلاثة أحجار، لكل حجر ثلاث شعب، استجمر كل واحد) منهم (بشعبة من كل حجر) أجزأهم لحصول المعنى.

(أو استجمر إنسان بحجر ثم غسله) وجففه سريعًا (أو كسر ما تنجس منه، ثم استجمر به ثانيًا ثم فعل ذلك) أي: الغسل أو الكسر (واستجمر به ثالثًا أجزأه، لحصول المعنى).

(والإنقاء) بثلاث مسحات بمنق طاهر.

(فإن لم ينق) بثلاث مسحات (زاد حتى ينقى)؛ لأن الغرض إزالة النجاسة، فيجب التكرار إلى أن تزول.

(ويسن قطعه على وتر إن زاد على الثلاث) فإن أنقى برابعة زاد خامسة، وإن أنقى بسادسة زاد سابعة، وهكذا؛ لقوله عليه السلام:"من استجمر فليوترْ" متفق عليه

(1)

.

(وإذا أتى بالعدد المعتبر) كالسبع في الماء، والثلاث في الحجر ونحوه (اكتفى في زوال النجاسة بغلبة الظن)؛ لأن أعتبار اليقين حرج، وهو منتف شرعًا.

(وأثر الاستجمار نجس يعفى عن يسيره) في محله للمشقة.

(ويجب الاستنجاء أو الاستجمار من كل خارج) من السيلين معتاد كالبول، أو لا كالمذي، لقوله تعالى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}

(2)

؛ لأنه يعم كل مكان

(1)

البخاري في الوضوء، باب 25، 26، حديث 161، 162. ومسلم في الطهارة، حديث 237، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

سورة المدثر، الآية:5.

ص: 140

ومحل من ثوب وبدن، ولقوله عليه السلام:"إذا ذهبَ أحدُكم إلي الغائطِ فليذهبْ بثلاثةِ أحجارٍ فإنها تُجزئ عنه" رواه أبو داود

(1)

، والأمر للوجوب. وقال: إنها تجزئ، ولفظ الإجزاء ظاهر فيما يجب.

(إلا الريح) لقوله عليه السلام: "من استَنْجَى من ريحٍ فليس مَنَّا" رواه الطبراني في "معجمه الصغير"

(2)

، قال الإمام أحمد: ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسوله.

(وهي طاهرة فلا تنجس ماء يسيرًا) لاقته خلافًا "للنهاية"، وقال في "المبهج": لأنها عرض بإجماع الأصوليين. وعورض بأن للريح الخارجة من الدبر رائحة منتنة قائمة بها، ولا شك في كون الرائحة عرضًا، فلو كانت الريح أيضًا عرضًا لزم قيام العرض بالعرض. وهو غير جائز عند المتكلمين.

(و) إلا (الطاهر) كالمني، والولد العاري عن الدم.

(و) إلا (غير الملوث) كالبعر الناشف، لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا، وكيف يستنجي، أو يستجمر من طاهر، وكيف يحصل الإنقاء بالأحجار في غير الملوث.

(1)

تقدم: تخريجه ص / 113، تعليق رقم 1.

(2)

لم نجده في المعجم الصغير للطبراني. وقد رواه ابن عدي (4/ 1352)، والسهمي في تاريخ جرجان ص / 346. وابن عساكر (53/ 49) من طريق شرقي بن قطامي عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا. وقال ابن عدي: وليس لشرقي هذا من الحديث إلا قدر عشرة أو نحوه، وفي بعض ما رواه مناكير.

وترجمه الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 268) وقال: ضعفه زكريا الساجي. وأورد السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير (فيض القدير 6/ 60) ورمز لضعفه. وانظر فردوس الأخبار (3/ 463) حديث 5317.

ص: 141

وصحح في "الإنصاف" وجوب الاستجمار منهما، لكن خالفه في "التنقيح".

(فإن توضأ) من وجب عليه الاستنجاء (أو تيمم قبله لم يصح) وضوؤه أو تيممه، لقوله عليه السلام في حديث المقداد المتفق عليه:"يغسِلُ ذكرَه ثم يتوضَّأ"

(1)

. ولأن الوضوء طهارة يبطلها الحدث؛ فاشترط تقديم الاستنجاء عليه كالتيمم.

(وإن كانت النجاسة على غير السبيلين أو) كانت (عليهما غير خارجة منهما صح الوضوء والتيمم قبل زوالها) أي: النجاسة، لأن النجاسة غير الخارجة من السبيلين لم تكن موجبة للطهارتين في الجملة، فلم تجعل إحداهما تابعة للأخرى، بخلاف الخارجة منهما.

(ويحرم منع المحتاج إلى الطهَّارة) بتشديد الهاء، أي: الميضأة المعدَّة للتطهير والحش. (قال الشيخ: ولو وقفت على طائفة معينة كمدرسة ورباط. ولو) كانت (في ملكه)؛ لأنها بموجب الشرع والعرف مبذولة للمحتاج، ولو قدر أن الواقف صرح بالمنع، فإنما يسوغ مع الاستغناء.

(وقال) الشيخ: (إن كان في دخول أهل الذمة مطهرة المسلمين تضييق، أو تنجيس، أو إفساد ماء، ونحوه وجب منعهم). قلت: ومثلهم من يقصد من الرافضة الإفساد على أهل السنة والجماعة (وإن لم يكن ضرر ولهم) أي: لأهل الذمة (ما يستغنون به عن مطهرة المسلمين، فليس لهم مزاحمتهم).

(1)

البخاري في الغسل، باب 13، حديث 269، ومسلم في الحيض، حديث 303.

ص: 142

‌باب السواك وغيره

من الختان والتطيب

(1)

والاستحداد ونحوها مما يأتي مفصلا.

وأول من استاك إِبراهيم الخليل عليه السلام

(2)

، قاله في الحاشية.

(السواك) بكسر السين جمعه: سوك، بضم السين والواو، ويخفف بإسكان الواو. وربما يهمز فيقال: سؤك، قاله الدينوري

(3)

.

وهو مذكر، نقله الأزهري

(4)

عن العرب قال: وغلط الليث في قوله: إنه يؤنث. وذكر في المحكم

(5)

أنهما لغتان.

(والمسواك) بكسر الميم، (اسم للعود الذي يتسوك به).

(ويطلق السواك على الفعل) وهو الاستياك (قاله الشيخ. والتسوك الفعل) يقال: ساك فاه يسوكه سوكًا.

وهو شرعًا استعمال عود في الأسنان لإذهاب التغير ونحوه.

مشتق من التساوك. وهو التمايل والتردد، لأن المتسوك يردد العود في فمه ويحركه، يقال: جاءت الإبل تساوك، إذا كانت أعناقها تضطرب من الهزال.

(وهو) أي: التسوك (على أسنانه ولسانه ولثته) بكسر اللام وفتح المثلثة خفيفة، فإن سقطت أسنانه استاك على لثته ولسانه، ذكره في "الرعاية الكبرى" و"الإفادات".

(1)

في (ح) و (ذ): والطيب.

(2)

انظر الوسائل إلى معرفة الأوائل ص / 20.

(3)

انظر كتاب النبات ص / 475.

(4)

تهذيب اللغة (10/ 316).

(5)

(7/ 93).

ص: 143

(مسنون كل وقت) قال في "المبدع": اتفق العلماء

(1)

على أنه سنة مؤكدة لحث الشارع ومواظبته عليه وترغيبه

(2)

وندبه إليه. يوضحه ما روت عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "السواك مَطْهرةٌ للفم، مَرضاةٌ للربِّ" رواه الشافعي، وأحمد، وابن خزيمة، والبخاري تعليقًا

(3)

. ورواه أحمد أيضًا، عن أبي بكر

(4)

، وابن عمر

(5)

(لغير صائم) وأما الصائم ففيه تفصيل يأتي.

(1)

فيه، وقد حكى في الشرح وجوبه عن إسحاق وداود اهـ إِلا أن يقال: مراده من العلماء علماء المذاهب الأربعة، وفي الجامع الصغير: السواك يطيب الفم، ويرضي الرب. قال المناوي في شرحه عليه [4/ 148]: تمسك بعضهم على وجوبه، فقال في تركه إسخاطه، وإسخاطه حرام. (ش).

(2)

في (ح) و (ذ): وترغيبه فيه.

(3)

الشافعي في "الأم": (1/ 23)، وفي "المسند":(1/ 30)، وأحمد:(6/ 47، 62، 124، 238)، وابن خزيمة:(1/ 70)، والبخاري تعليقًا بصيغة الجزم، في الصوم، باب 27.

ورواه النسائي في الطهارة، باب 5، حديث 5، وابن أبي شيبة (1/ 169)، والدارمي في الطهارة، باب 18 (1/ 140)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 348)، حديث 1067، وأبو نعيم في الحلية (7/ 94، 159)، والبيهقي:(1/ 34)، والبغوي في شرح السنة (1/ 394) حديث 199، وصححه النووي في المجموع (1/ 305)، وحسنه في الخلاصة (1/ 85).

(4)

مسند أحمد (1/ 3، 10) ورواه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر الصديق ص / 145 - 146، حديث 108، 110، وأبو يعلى (1/ 103، 104) حديث 109، 110، وتمام (1/ 159) حديث 130، ونقل ابن أبي حاتم في العلل (1/ 12) عن أبيه، وأبي زرعة أنهما قالا: هذا خطأ إنما هو ابن أبي عتيق، عن أبيه عن عائشة. وقال الدارقطني في العلل (1/ 277): الصواب من حديث عائشة رضي الله عنها.

(5)

مسند أحمد (2/ 108)، ورواه الطبراني في الأوسط (4/ 96) حديث (3137)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 220). وفي ابن لهيعة - وهو ضعيف.

ص: 144

(بسواك) متعلق بمسنون أي: عود (يابس) مندى (ورطب) أي: أخضر.

(و) يسن التسوك (لصائم بيابس قبل الزوال) لقول عامر بن ربيعة: "رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما لا أحْصِي يَتَسَّوكُ وهو صائمٌ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي. وقال: حديث حسن. رواه

(1)

البخاري تعليقًا

(2)

.

وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خيرِ خِصالِ الصائمِ السواكُ" رواه ابن ماجه

(3)

.

وهذان الحديثان محمولان على ما قبل الزوال، لما روى البيهقي بإسناده عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صمتم فاسْتَاكُوا بِالغَدَاةِ ولا تَسْتاكُوا بالعشِيِّ"

(4)

.

(ويباح) السواك (له) أي: للصائم (بـ) ـعود (رطب قبله) أي: قبل

(1)

كذا في الأصول "رواه" والصواب: "ورواه" كما في المبدع (1/ 99).

(2)

الإمام أحمد: (3/ 445، 446)، وأبو داود في الصوم، باب 26، حديث 2364، والترمذي في الصوم، باب 29، حديث 725، وحسنه، والبخاري تعليقًا في الصوم، باب 27، بصيغة التمريض، ورواه -أيضًا- الحميدي (1/ 77) حديث 141، وابن أبي شيبة (3/ 35)، وعبد بن حميد (1/ 285)، حديث 318، وأبو يعلى (13/ 150)، حديث 7193، وابن خزيمة (3/ 247) حديث 2007، والعقيلي (3/ 334)، وابن عدي (5/ 1867) والبيهقي (4/ 272)، وقال النووي في الخلاصة (1/ 87): رواه أبو داود والترمذي وحسنه. لكن مداره على عاصم بن عبيد الله، وقد ضعفه الجمهور، فلعله اعتضد. وحسنه الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 62).

(3)

في الصيام، باب 17، حديث 1677، ورواه الدارقطني (2/ 203)، والبيهقي (4/ 272)، قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 68): رواه ابن ماجه وهو ضعيف. وقال البوصيري في "الزوائد"(1/ 299): هذا إسناد ضعيف لضعف مجالد.

(4)

البيهقي (4/ 274)، ورواه الدولابي في الكنى (2/ 41)، والطبراني في الكبير (4/ 78)، حديث 3696، والدارقطني (2/ 204) عن علي رضي الله عنه موقوفًا. =

ص: 145

الزوال لما يتحلل منه بخلاف اليابس.

(ويكره) التسوك (له) أي: للصائم (بعده) أي: بعد الزوال (بيابس ورطب) لحديث أبي هريرة يرفعه: "لَخُلُوفُ

(1)

فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريح المسْكِ" متفق عليه

(2)

. وهو إنما يظهر غالبًا بعد الزوال، فوجب اختصاص الحكم به، ولحديث علي، ولا فرق فيه بين المواصل وغيره.

فإن قيل: لم وصف دم الشهيد بريح المسك من غير زيادة، وخلوف فم الصائم بأنه أطيب ريحًا منه، ولا شك أن الجهاد أفضل من الصوم.

أجيب بأن الدم نجس: وغايته أن يرفع إلى أن يصير طاهرًا بخلاف الخلوف.

(وعنه: يسن) التسوك (له) أي: للصائم (مطلقًا) أي: قبل الزوال وبعده باليابس والرطب، (اختاره الشيخ

(3)

وجمْع، وهو أظهر دليلًا) لعموم ما سبق.

(وكان) التسوك (واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم) عند كل صلاة؛ اختاره القاضي، وابن عقيل وقيل: لا. اختاره ابن حامد. ويدل للأول: حديث أبي داود عن عبد الله بن أبي حنظلة بن أبي عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أُمرَ بالوضوءِ عند كلِّ

= ورواه الطبراني في الكبير (4/ 78)، حديث 3696، والدارقطني (2/ 204)، والبيهقي (4/ 274)، والخطيب في تاريخه (5/ 89) من حديث خباب رضي الله عنه مرفوعًا، وفي جميع طرقه كيسان أبو عمر. قال الدارقطني في سننه: ليس بالقوي، ومن بينه وبين علي غير معروف. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 62): إسناده ضعيف.

(1)

الخلوف بضم الخاء وقد تفتح. (ش).

(2)

البخاري في الصوم، باب 2، 9، حديث 1894، 1904، وفي اللباس، باب 78، حديث 5927، وفي التوحيد، باب 35، 50، حديث 7492، 7538 ومسلم في الصيام، حديث 1151.

(3)

انظر: الاختيارات ص / 18.

ص: 146

صلاةٍ طاهرًا أو غيرَ طاهرٍ، فلما شق ذلك عليه أُمرَ بالسواك لكل صلاةٍ"

(1)

.

(ويتأكد) التسوك (عند صلاة)

(2)

لحديث أبي هريرة مرفوعًا "لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواكِ عندَ كل صلاةٍ" رواه الجماعة

(3)

، يعني أمر إيجاب، لحديث أحمد "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك"

(4)

.

(1)

أبو داود في الطهارة، باب 25، حديث 48، ورواه أحمد (5/ 225)، والدارمي في الطهارة، باب 3، حديث 664، وابن خزيمة (1/ 72)، حديث 138، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 42)، والحاكم (1/ 155)، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(2)

في متن الإقناع، والمطبوع من الكشاف زيادة: كل.

(3)

البخاري في الجمعة، باب 8، حديث 887، ومسلم في الطهارة، حديث 252، وأبو داود في الطهارة، باب 25، حديث 46، والترمذي في الطهارة، باب 18، حديث 22، والنسائي في الطهارة، باب 7، حديث 7، وابن ماجه في الطهارة، باب 7، حديث 287، وأحمد:(2/ 245، 259، 287، 399، 429).

(4)

أحمد: (1/ 214) من حديث تمام بن العباس.

ورواه أبو يعلى (12/ 71)، والحاكم:(1/ 146)، من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

ورواه البيهقي: (1/ 36)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وقال البيهقي في سننه (1/ 36): وهو حديث مختلف في إسناده. وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 89)، وفي المجموع (1/ 306). وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 69): قال أبو علي بن السكن: فيه اضطراب. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 221): وفيه أبو علي الصيقل وهو مجهول.

وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رواه النسائي في الكبرى (2/ 196، 197)، والحاكم:(1/ 146)، والبيهقي:(1/ 36)، وزادوا: مع الوضوء. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعًا. وليس له علة، ووافقه الذهبي.

ومن حديث زيد بن خالد رضي الله عنه، رواه النسائي في الكبرى (2/ 197).

ص: 147

قال الشافعي

(1)

: لو كان واجبًا لأمرهم به شق أو لم يشق.

(و) يتأكد عند (انتباه من نوم) ليل أو نهار. لقول عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظُ إلا تسوكَ قبلَ أن يتوضأ" رواه أحمد

(2)

. وعن حذيفة: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليلِ يشوصُ فاهُ بالسواك" متفق عليه

(3)

.

يعني يغسله، يقال: شاصه وماصه، إذا غسله.

(و) عند (تغير رائحة فم بأكل أو غيره) لأن السواك مشروع لتطييب الفم، وإزالة رائحته؛ فتأكد عند تغيره.

(و) عند (وضوء) لحديث أبي هريرة: "لأمرتُهم بالسواكِ مع كلِّ وضوءٍ" رواه أحمد. وكذا البخاري تعليقًا

(4)

.

(1)

الأم (1/ 23).

(2)

المسند (6/ 121، 160) ورواه أبو داود في الطهارة، باب 3، حديث 57، وابن أبي شيبة (1/ 169)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 776)، حديث 1401. قال المنذري في مختصر السنن (1/ 44): في إسناده علي بن زيد بن جدعان ولا يحتج به.

وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، رواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 24)، وأحمد (2/ 117)، وأبو يعلى (10/ 131)، حديث 5749، والطبراني في الكبير (12/ 436، 438) حديث 13593، 13598، وابن عدي (6/ 2247)، وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 98 - 99).

(3)

البخاري في الوضوء، باب 73، حديث 245، وفي الجمعة، باب 8، حديث 889، وفي التهجد، باب 9، حديث 1136، ومسلم في الطهارة، حديث 255.

(4)

الإمام أحمد: (2/ 250، 287، 400، 460، 433، 517)، والبخاري في الصوم تعليقًا، بصيغة الجزم: باب 27، ولفظه:"عند كل وضوء"، ورواه النسائي في الكبرى (2/ 198)، ومالك في "الموطأ"، الطهارة، باب ما جاء في السواك (1/ 66)، حديث 115، وعبد الرزاق:(1/ 555)، وابن الجارود حديث 63، =

ص: 148

(و) عند (قراءة) قرآن تطييبًا للفم، لئلا يتأذى الملك حين يضع فاه على فيه لتلقف القراءة.

(و) عند (دخول مسجد ومنزل) لقول عائشة: "كان رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته يبدأ بالسواكِ" رواه الجماعة

(1)

إلا البخاري والترمذي، والمسجد كالمنزل أو أولى.

(و) عند (إطالة السكوت، وخلو المعدة من الطعام)؛ لأنه مظنة تغير الفم.

(و) عند (اصفرار الأسنان) لإزالته.

ويستاك (عرضًا بالنسبة إلى الأسنان) لما في مراسيل أبي داود: "إذا استَكتُم فاستاكوا عَرضًا"

(2)

. ولأنه عليه السلام "كان يستاك عرضًا" رواه الطبراني والحافظ الضياء، وضعفه

(3)

. ولأن الاستياك طولًا قد يدمي اللثة ويفسد

= وابن خزيمة: (1/ 73) حديث 140، والطحاوي (1/ 43، 44)، وابن حبان "الإحسان" (4/ 399): حديث 1531، والحاكم (1/ 146)، والبيهقي (1/ 35، 36)، قال النووي في المجموع (1/ 309): وأسانيده جيدة.

(1)

مسلم في الطهارة، حديث 253، وأبو داود في الطهارة باب 27، حديث 51، والنسائي في الطهارة، باب 8، حديث 8، وابن ماجه في الطهارة، باب 7، حديث 290، والإمام أحمد:(6/ 188).

(2)

المراسيل (74) حديث 5، والبيهقي (1/ 40)، وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 87)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 65) وفيه محمد بن خالد القرشي، قال ابن القطان: لا يعرف.

(3)

الطبراني في الكبير (2/ 47) حديث 1242، ورواه العقيلي في كتاب الصحابة، كما في التمهيد لابن عبد البر (1/ 394)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 105)، وابن حبان في المجروحين (1/ 208)، وابن عدي (7/ 2639)، =

ص: 149

الأسنان. وقيل: الشيطان يستاك طولًا. وفي "الشرح": إن استاك على لسانه أو حلقه فلا بأس أن يستاك طولًا لخبر أبي موسى، رواه أحمد

(1)

.

(يبدأ) المتسوك (بجانب فمه الأيمن) لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يحبُّ التيامُنَ في تَنَعُّلِهِ وترجُّلِهِ وطُهورِهِ، وفي شأنِهِ كله" متفق عليه

(2)

(من ثناياه) أي: ثنايا الجانب الأيمن (إلى أضراسه) قاله في "المطلع"

(3)

. وقال

= وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 341)، والبيهقي (1/ 40) عن سعيد بن المسيب، عن بهز، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويتنفس ثلاثا ويقول:"هو أهنأ، وأمرأ، وأبرأ".

قال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 51) في ترجمة بهز: روى عنه سعيد بن المسيب ولم يرو عنه غيره، وإسناد حديثه ليس بالقائم، وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 88)، وقال الحافظ في الإصابة (1/ 276 - 277): قال البغوي: لا أعلم روى بهز إلا هذا، وهو منكر.

ورواه العقيلي (3/ 229)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (2/ 746)، والبيهقي (1/ 40) عن سعيد بن المسيب، عن ربيعة بن أكثم، وقال العقيلي: ولا يصح.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 395): هذان الحديثان - حديث بهز وحديث ربيعة بن أكثم - ليس لإسناديهما عن سعيد أصل، وليسا بصحيحين من جهة الإسناد عندهم. وضعفه الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 65).

(1)

مسند أحمد (4/ 417) قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستاك وهو واضع طرف السواك على لسانه يستن إلى فوق. وقد رواه البخاري في استتابة المرتدين، باب 2، حديث 6923، ومسلم في الطهارة حديث 254.

(2)

البخاري في الوضوء، باب 31، حديث 168، وفي الصلاة، باب 47، حديث 426، وفي الأطعمة، باب 5، حديث 5380، وفي اللباس، باب 38، 77، حديث 5854، 5926، ومسلم في الطهارة، حديث 268.

(3)

المطلع ص/ 15.

ص: 150

الشهاب الفتوحي في قطعته على "الوجيز": يبدأ من أضراس الجانب الأيمن.

(بيساره) نقله حرب، كانتثاره. قال الشيخ تقي الدين

(1)

: "ما علمت إمامًا خالف فيه" وذكر صاحب "المحرر" في الاستنجاء بيمينه: يستاك بيمينه. ويؤيده حديث عائشة قالت: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ التيامنَ ما استَطَاعَ. في طُهورِهِ وترجُّلِهِ وتنعُّلِهِ وسِوَاكِهِ" رواه أبو داود في "سننه"

(2)

. وقد يحمل على أنه كان يبدأ بشق فمه الأيمن في السواك.

(بعود لين) يابسًا كان أو رطبًا، واليابس أولى إذا ندي.

(منق) للفم (لا يجرحه ولا يضره ولا يتفتت فيه) ويكره بما يجرحه أو يضره. أو يتفتت فيه، لأنه مضاد لغرض السواك.

(من أراك، أو عرجون، أو زيتون، أو غيرها) واقتصر كثير من الأصحاب على الثلاثة، وذكر الأزجي: لا يعدل عن الأراك، والزيتون، والعرجون إلا لتعذره. قال في "الفروع": ويتوجه احتمال أن الأراك أولى. قال في "الإنصاف": ويتوجه إن أزال أكثر.

(قد ندي بماء) إن كان يابسًا (وبماء ورد أجود) من غيره (ويغسله) أي: السواك (بعده) أي: بعد ماء الورد الذي ندي به.

(ويسن تيامنه في شأنه كله) لخبر عائشة

(3)

، غير ما مر استثناؤه (فإن استاك

(1)

مجموع الفتاوى (21/ 108).

(2)

في اللباس، باب 44، حديث 4140. وقال: قال مسلم أي ابن إبراهيم: وسواكه، ولم يذكر في شأنه كله، وقال: رواه عن شعبة معاذ ولم يذكر سواكه. وقال الحافظ في التقريب ص/ 937: مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي ثقة مأمون مكثر. روى له الجماعة.

(3)

تقدم تخريجه ص/ 150 تعليق 2.

ص: 151

بغير عود، كأصبع، أو خرقة لم يصب السنة)؛ لأن الشرع لم يرد به، ولا يحصل بذلك الإنقاء الحاصل بالعود. وذكر في "الوجيز" يجزئ الأصبع، لحديث أنس مرفوعًا:"يجزئ في السواكِ الأصابع" رواه البيهقي، والحافظ الضياء في "المختارة"

(1)

، وقال:"لا أرى بإسناد هذا الحديث بأسًا". وفي "المغني" و"الشرح" أنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء، وذكر أنه الصحيح.

(ويكره السواك بريحان، وهو الآس) قيل: إنه يضر بلحم الفم (وبرمان، وعود ذكي الرائحة، وطرفاء، وقصب، ونحوه) من كل ما يضر أو يجرح (وكذا التخلل بها وبالخوص) لحديث قبيصة بن ذؤيب: "لا تخَلّلُوا بعودِ الريحانِ ولا الرمانِ فإنهما يحركانِ عرقَ الجُذامِ" رواه محمد بن الحسين الأزدي

(2)

. ولأن القصب، ونحوه، والخوص ربما جرحه.

(1)

البيهقي (1/ 40) والضياء في المختارة (7/ 252) حديث 2699، 2700، ورواه ابن عدي (5/ 1971) بلفظ: يجزئ السواك الأصابع. وضعفه البيهقي (1/ 40)، والنووي في الخلاصة (1/ 88)، وفي المجموع (1/ 315).

وله شاهد من حديث عمرو بن عوف المزني: رواه الطبراني في الأوسط (7/ 224) وفي إسناده أبو غزية محمد بن موسى، ضعفه أبو حاتم وغيره، واتهمه الدارقطني بالوضع. انظر لسان الميزان (7/ 16). وفي إسناده أيضًا كثير بن عبد الله المزني. قال الحافظ في التقريب (808): ضعيف، ولم نجد كلام الحافظ الضياء الذي ذكره المؤلف في المطبوع من المختارة.

(2)

هو أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله الأزدي الموصلي، قال الخطيب: في حديثه غرائب ومناكير، وكان حافظًا، صنف كتبًا في علوم الحديث. وقال ابن حجر: جمع وصنف وله كتاب كبير في الجرح والضعفاء، عليه فيه مؤاخذات. مات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. تاريخ بغداد (2/ 243)، وتذكرة الحفاظ (3/ 967)، ولسان الميزان (6/ 208). =

ص: 152

(ولا يتسوك ولا يتخلل بما يجهله، لئلا يكون من ذلك، ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدًا) لخبر عائشة

(1)

. قال في "الرعاية"، ويقول

= ومن طريقه رواه ابن عساكر في تاريخه (7/ 90 - 91) بلفظ: "لا تخللوا بعود الآس، ولا عود الرمان

وهذا حديث مرسل فإن قبيصة مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. قاله ابن حجر في التقريب ص/ 797. وفي سنده إبراهيم بن العلاء قال ابن حجر في اللسان (1/ 175): لا يدرى من هو والخبر منكر. وقد روي بنحوه عن ابن عباس. أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 2169)، والخطيب في تاريخه (2/ 341)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 200) وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري الضرير المدني، متهم بالوضع والكذب. انظر ميزان الاعتدال (3/ 631)، ولسان الميزان (6/ 325). وروى ابن أبي شيبة (9/ 80)، والحارث (بغية الباحث 1/ 279، حديث 162)، وأبو نعيم في كتاب الطب كما في البدر المنير (3/ 220) عن ضمرة بن حبيب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السواك بعود الريحان والرمان، وقال: يحرك عرق الجذام.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 72): هذا مرسل وضعيف أيضًا. ورمز له السيوطي بالضعف في الجامع الصغير مع الفيض (6/ 315).

(1)

روى البخاري في الجمعة، باب 9، حديث 890، وفي فرض الخمس، باب 4، حديث 3100، وفي المغازي، باب 84، حديث 4438، 4449، 4451، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه السواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقصمته ثم مضغته، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند إلى صدري.

وروى أبو داود في الطهارة، باب 28، حديث 52 عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه. قال النووي في المجموع (1/ 316): حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد جيد. وروى أبو داود أيضًا في الطهارة، باب 27، حديث 50 عنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحى الله إليه في فضل السواك: أن كبِّر، أعط السواك أكبرهما. وحسن إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 69).

ص: 153

إذا استاك: اللهم طهر قلبي ومحص ذنوبي

(1)

. قال بعض الشافعية

(2)

: وينوي به الإتيان بالسنة.

(ولا يكره السواك في المسجد) لعدم الدليل الخاص للكراهة. وتقدم أنه يتأكد عند دخوله (ويأتي آخر الاعتكاف).

(1)

لم يرد ما يدل على مشروعية هذا الدعاء في هذه الحالة فيما نعلم.

(2)

هو القاضي حسين بن محمد بن أحمد المرورُّوذي المتوفى سنة 462 هـ - رحمه الله تعالى - (طبقات الشافعية الكبرى 4/ 356)، وانظر المجموع (1/ 316).

ص: 154

فصل

(ويسن الامتشاط والادّهان في بدن وشعر غبًّا يومًا) يفعله (ويومًا) يتركه؛ لأنه عليه السلام "نهَى عن الترجُّلِ إلا غِبًّا" رواه النسائي والترمذي وصححه

(1)

.

والترجل تسريح الشعر ودهنه، واللحية كالرأس في ظاهر كلامهم.

ويفعله كل يوم لحاجة، لخبر أبي قتادة، رواه النسائي

(2)

.

(1)

النسائي في اللباس، باب 7، حديث 5070. والترمذي في اللباس، باب 22، حديث 1756، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود في الترجل، باب 1، حديث 4159، وأحمد:(4/ 86)، وابن حبان "الإحسان"(12/ 295) حديث 5484. والطبراني في الأوسط (3/ 217) حديث 2457، والبغوي في "شرح السنة": حديث 3165. من حديث عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه. قال النووي في المجموع (1/ 323): حديث صحيح. رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة، وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. تقدم ص/ 118 تعليق/ 1.

(2)

في سننه في الزينة، باب 60، حديث 5252 ولفظه: كانت له جمة ضخمة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم. ورواه مالك في الموطأ (2/ 949) عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جمة أفأرجلها؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وأكرمها، فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين، لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وأكرمها.

قال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 9): لا أعلم بين رواة الموطأ اختلافًا في إسناد هذا الحديث، وهو عند جميعهم هكذا مرسل منقطع.

وقد روي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة، وهذا لا يدفع أن =

ص: 155

وقال الشيخ تقي الدين

(1)

: يفعل ما هو الأصلح للبدن كالغسل بماء حار ببلد رطب، لأن المقصود ترجيل الشعر، وهو فعل الصحابة، وأن مثله نوع المأكل والملبس، فإنهم لما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده ويلبس من لباس بلده، من غير أن يقصدوا قوت المدينة ولباسها.

قال: فالاقتداء به تارة يكون في نوع الفعل، وتارة في جنسه. فإنه قد يفعل الفعل لمعنى يعم ذلك النوع وغيره، لا لمعنى يخصه، فيكون المشروع هو الأمر العام.

قال: وهذا ليس مخصوصًا بفعله وفعل أصحابه، بل وبكثير مما أمرهم به ونهاهم عنه.

(و) يسن (الاكتحال كل ليلة، بإثمد مطيب بمسك وترًا، في كل عين ثلاثة) قبل أن ينام، لما روى ابن عباس عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه "كان يكتَحِلُ بالإثْمِد كلَّ ليلةٍ قبل أن ينَامَ، وكان يكتَحِلُ في كلِّ عينٍ ثلاثَةَ أميَالٍ" رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه

(2)

.

= يكون مسندًا، ولا ينكر سماع ابن المنكدر من أبي قتادة. والله أعلم. ثم رواه بسنده متصلًا.

وقد ذكره مجد الدين ابن تيمية في المنتقى (1/ 75) رقم 211، وقال: رواه النسائي. وقال الشوكاني: رجال إسناده كلهم رجال الصحيح. نيل الأوطار (1/ 159).

(1)

الاختيارات ص/ 19.

(2)

أحمد: (1/ 354)، والترمذي في اللباس، باب 23، حديث 1757، وفي الطب، باب 9، حديث 2048، وفي الشمائل حديث 49، وابن ماجه في الطب، باب 26، حديث 3499، ورواه الطيالسي (1/ 358) حديث 2681، وابن سعد في الطبقات (1/ 484)، وابن أبي شيبة (8/ 599)، وعبد بن حميد (1/ 500) حديث 571، وأبو يعلى (5/ 88) حديث 2694، وأبو الشيخ في أخلاق النبي =

ص: 156

(و) يسن (اتخاذ الشعر) قال في "الفروع": ويتوجه: لا؛ إن شق إكرامه. ولهذا قال أحمد: هو سنة، ولو نقوى عليه اتخذناه، ولكن له كلفة ومؤنة

(1)

.

(ويسن أن يغسله ويسرحه متيامنًا، ويَفْرُقه، ويكون للرجل إلى أذنيه، وينتهي إلى منكبيه) كشعره صلى الله عليه وسلم

(2)

(ولا بأس بزيادة على منكبيه، وجعله ذؤابة) - بضم الذال وفتح الهمزة - وهي الضفيرة من الشعر، إذا كانت مرسلة. فإن كانت ملوية فهي عقيصة. قاله في الحاشية. قال أحمد: أبو عبيدة كانت له عقيصتان، وكذا عثمان

(3)

.

(وإعفاء اللحية) بأن لا يأخذ منها شيئًا. قال في "المذهب": ما لم يستهجن طولها

(4)

(ويحرم حلقها) ذكره الشيخ تقي الدين.

(ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة) ونصه: لا بأس بأخذه

(5)

.

= صلى الله عليه وسلم، حديث 522، 523 (3/ 79، 80)، والحاكم:(4/ 408)، وقال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن غريب لا نعرفه على هذا للفط إلا من حديث عباد بن منصور. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وعباد لم يتكلم فيه بحجة. وتعقبه الذهبي بقوله: ولا هو حجة. وقال الحافظ عنه: صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بآخره "التقريب" ص/ 48.

(1)

نصه في الفروع (1/ 129): "ويتوجه احتمال: لا إن شق إكرامه"(ش). ولهذا قال أحمد: "هو سنة لو قدرنا عليه اتخذناه .. ".

(2)

روى مسلم في الفضائل حديث 2338 (96) عن أنس رضي الله عنه قال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه. وروى البخاري في اللباس، باب 68، حديث 5903، 5904، ومسلم في الفضائل حديث 2338 (95) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعره منكبيه.

(3)

انظر كتاب الترجل للخلال ص/ 85 - 86.

(4)

دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها دون تقييد.

(5)

انظر التعليق السابق.

ص: 157

(ولا أخذ ما تحت حلقه) لفعل ابن عمر، لكن إنما فعله إذا حج، أو اعتمر، رواه البخاري

(1)

(وأخذ) الإمام (أحمد من حاجبيه وعارضيه) نقله ابن هانيء

(2)

.

"تتمة" قال في "الهدي"

(3)

: كان هديه صلى الله عليه وسلم في حلق رأسه تركه كله، أو حلقه كله، لم يكن يحلق بعضه ويدع بعضه. قال: لم يحفظ عنه حلقه إلا في نسك.

(ويسن حف الشارب أو قص طرفه، وحفه أولى نصًا) قال في "النهاية"

(4)

: إحفاء الشوارب أن تبالغ في قصها، وكذا قال ابن حجر في "شرح البخاري"

(5)

: الإحفاء بالحاء المهملة والفاء الاستقصاء. ومنه "حتى أحفوه بالمسئلة".

(و) يسن (تقليم الأظفار) لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطرةُ خمسٌ: الختانُ، والاستحْدَادُ، وقصُّ الشارِبِ، وتقليمُ الأظْفَارِ، ونَتْفُ الإبِطِ" متفق عليه

(6)

.

(مخالفًا) في قص أظفاره (فيبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى) من اليمنى، (ثم الإبهام) منها، (ثم البنصر، ثم السبابة، ثم إبهام اليسرى، ثم

(1)

في اللباس، باب 64، حديث 5892، وفيه: وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه.

(2)

مسائل ابن هانئ (2/ 152).

(3)

زاد المعاد (1/ 174).

(4)

(1/ 410).

(5)

فتح الباري (10/ 347).

(6)

البخاري في اللباس، باب 63، حديث 5889، وباب 64، حديث 5891، وفي الاستئذان، باب 51، حديث 6297، ومسلم في الطهارة، حديث 257.

ص: 158

الوسطى، ثم الخِنْصر، ثم السبابة، ثم البِنْصر) صححه في "الإنصاف". قال في "الشرح": وروي في حديث: "منْ قصَّ أظفارَهُ مخالفًا، لم يَرَ في عينيهِ رمدًا"

(1)

وفسره أبو عبد الله بن بطة بما ذكر. اهـ. وقال ابن دقيق العيد

(2)

: وما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة ثم ذكر الأبيات المشهورة. وقال: هذا لا يجوز اعتقاد استحبابه؛ لأن الاستحباب حكم شرعي لا بد له من دليل. وليس استسهال ذلك بصواب ا. هـ.

ومن تعود القص، وفي القلم مشقة عليه، كان القص في حقه كالقلم، كما يأتي في حلق الإبط.

(ويستحب غسلها) أي: الأظفار (بعد قصها، تكميلًا للنظافة).

وقيل: إن الحك بها قبل غسلها يضر بالبدن.

(ويكون ذلك) أي: حف الشارب وتقليم الأظافر، وكذا الاستحداد، ونتف الإبط (يوم الجمعة قبل الصلاة)، وقيل: يوم الخميس، وقيل: يُخيّر.

(ويسن أن لا يحيف عليها) أي: الأظفار (في الغزو؛ لأنه قد يحتاج إلى حل حبل، أو شيء). قال أحمد: قال عمر: "وفروا الأظفار في أرض

(1)

قال العراقي في طرح التثريب (2/ 79): وهذا الحديث لا أصل له البتة، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 424 رقم 1163: وهو في كلام غير واحد من الأئمة، منهم ابن قدامة في المغني، والشيخ عبد القادر في الغنية، ولم أجده، وقال قبل ذلك ص/ 306 رقم 772: حديث قص الأظفار، لم يثبت في كيفيته ولا في تعيين يوم له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وما يعزى من النظم في ذلك لعلي رضي الله عنه ثم لشيخنا رحمه الله فباطل عنهما. وانظر: المجموع (1/ 318)، وفتح الباري (10/ 345)، وإتحاف السادة المتقين (2/ 411).

(2)

انظر فتح الباري (10/ 345).

ص: 159

العدو فإنه سلاح"

(1)

وقال: عن الحكم بن عمرو: "أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن لا نُحفِي الأظفارَ في الجهادِ فإنَّ القوةَ الأظفارُ"

(2)

.

(و) يسن (نتف الإبط) لخبر أبي هريرة

(3)

، فإن شق، حلقه أو تنور، قاله في "الآداب الكبرى".

(و) يسن (حلق العانة) وهو الاستحداد لخبر أبي هريرة

(3)

.

(وله قصه، وإزالته بما شاء).

(و) له (التنوير في العانة وغيرها، فعله أحمد)، وكذا النبي صلى الله عليه وسلم. رواه ابن ماجه من حديث أم سلمة

(4)

، وإسناده ثقات. قال في "الفروع": وقد أعل

(1)

ذكره الحافظ في "المطالب العالية"، كتاب الجهاد، باب الأمر بتحسين السلاح وإعداده للجهاد:(2/ 330)، وعزاه إلى مسدد، وقال: موقوف منقطع، وقال البوصيري في إتحاف السادة المهرة (6/ 475): رواه مسدد موقوفًا بسند ضعيف، وفيه انقطاع.

(2)

لم نجده.

(3)

تقدم تخريجه ص/ 158 تعليق 6.

(4)

في الأدب، باب 39، حديث 3751. ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اطلى، بدأ بعورته، فطلاها بالنورة وسائر جسده أهلُه، ورواه البيهقي (1/ 152) بنحوه، وأعله بالإرسال، ثم رواه مرسلًا عن حبيب بن أبي ثابت، وجود إسناده الحافظ ابن كثير في رسالته المتعلقة بالحمام ص/ 73، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 255 - 256): هذا الحديث رجاله ثقات وهو منقطع، حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من أم سلمة، قاله أبو زرعة.

وقال الحافظ في الفتح (10/ 344)، "أخرجه ابن ماجه والبيهقي، ورجاله ثقات، ولكنه أعله بالإرسال، وأنكر أحمد صحته

ومقابله حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور، وكان إذا كثر شعره حلقه، ولكن سنده ضعيف جدًّا".

وحديث أنس هذا رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 110) رقم 813، =

ص: 160

بالإرسال. وقال أحمد: ليس بصحيح؛ لأن قتادة قال: "ما اطلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم"

(1)

كذا قال أحمد.

وسكتوا عن شعر الأنف، فظاهره بقاؤه، ويتوجه أخذه إذا فحش، قاله في "الفروع"

(2)

.

(وتكره كثرته) أي: التنوير، قاله الآمدي، لأنه يضعف حركة الجماع.

(ويدفن الدم، والشعر، والظفر) لما روى الخلال بإسناده عن مثل

(3)

بنت مشرح الأشعرية قالت: "رأيت أبي يقلمُ أظفاره ويدفنُها، ويقولُ: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يفعلُ ذلكَ"

(4)

.

= والبيهقي (1/ 152)، والبغوي في شرح السنة (12/ 113 - 114) رقم 3199، وسئل الإمام النووي: هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تنور في شعره، أو أمر بذلك؟ فأجاب: لم يثبت في ذلك شيء. (فتاوى الإمام النووي ص/ 258).

وانظر المجموع (1/ 320)، ورسالة: الأخبار المأثورة في الإطلاء بالنورة، للسيوطي، وهي ضمن الحاوي للفتاوي (1/ 524).

(1)

رواه أبو داود في المراسيل ص/ 328 رقم 470، ومن طريقه البيهقي (1/ 152) بلفظ:"لم يتنور"، وقال البيهقي: منقطع.

(2)

انظر: المقاصد الحسنة ص/ 465، حديث 1302، والإنصاف مع الشرح الكبير (8/ 221).

(3)

هكذا في الأصول، والمعروف في كتب الرجال ميل، كما في: التاريخ الكبير (8/ 45)، والجرح والتعديل (8/ 427)، وقد ضبطه في الإكمال (7/ 79) بقوله: وأما مِيْل - بميم مكسورة بعدها ياء معجمة - باثنين من تحتها، فهي ميل بنت مشرح الأشعري. وهكذا في القاموس (1369).

(4)

رواه الخلال في كتاب الترجل من كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد بن حنبل ص/ 153، ورواه - أيضًا - البزار "كشف الأستار":(3/ 370)، والطبراني في "الكبير":(20/ 322)، رقم 762، و"الأوسط"(6/ 436) رقم 5934، وابن عدي (6/ 2214)، والبيهقي في شعب الإيمان (11/ 449)، وقال الهيثمي في =

ص: 161

وعن ابن جريج عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "كان يعجبه دفنُ الدم"

(1)

.

وقال مهنأ: سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره، أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه. قلت: بلغك فيه شيء؟ قال: كان ابن عمر يفعله

(2)

.

(ويفعله كل أسبوع) لما روى البغوي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كانَ يأخُذُ أظفارَه وشارِبَهُ كل جمعَةٍ"

(3)

.

(ويكره تركه فوق أربعين يومًا) قيل له في رواية سندي: حلق العانة وتقليم الأظفار كم يترك؟ قال: "أربعين؛ للحديث"

(4)

.

= "مجمع الزوائد"(5/ 168): رواه البزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من طريق عبيد الله بن سلمة بن وهرام عن أبيه، وكلاهما ضعيف، وأبوه وثق. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 113): وإسناده ضعيف. وقال في الإصابة (6/ 123): وفي سنده محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف جدًّا.

(1)

رواه الخلال في الترجل ص/ 152، وهو منقطع.

(2)

رواه الخلال في الترجل (151)، وفي سنده العمري، وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. قال الحافظ في التقريب (528): ضعيف عابد.

(3)

"شرح السنة": (12/ 112). ورواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه (4/ 105) رقم 810، وفي سنده محمد بن سليمان بن مسمول، وعبيد الله بن سلمة بن وهرام وأبوه سلمة بن وهرام، وقد تقدم الكلام عليهم في الحديث السابق.

وقد روى البيهقي (3/ 244) وصححه: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقلم أظفاره ويقص شاربه في كل جمعة. وصححه - أيضًا - النووي في الخلاصة (2/ 781).

(4)

أي: حديث مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين. (ش) صحيح مسلم "الطهارة"، حديث 258.

ص: 162

فأما الشارب ففي كل جمعة؛ لأنه يصير وحشًا.

(ويكره نتف الشيب) لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:"نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن نَتف الشيبِ، وقال: إنه نورُ الإسلامِ"

(1)

.

وعن طارق

(2)

بن حبيب "أن حجّامًا أخذَ من شاربِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فرأى شَيْبةً في لحيتِهِ، فأهوَى إليهَا ليأخذَها، فأمْسَكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَه، وقال: من شَابَ شيْبةً في الإسلامِ كانتْ له نورًا يومَ القيامةَ" رواه الخلال

(3)

في "جامعه".

(1)

أخرجه أحمد (2/ 212)، والبيهقي (7/ 311). ورواه الترمذي في الأدب، باب 56، حديث 2821، بلفظ:"نور المسلم". ورواه ابن ماجه في الأدب، باب 25، حديث 3721، وأحمد (2/ 207) بلفظ:"نور المؤمن"، وقال الترمذي: حديث حسن. ورواه أبو داود في الترجل، باب 17، حديث 4202، بلفظ:"لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة". وفي رواية له، وللبيهقي (7/ 311):"لا تنتفوا الشيب، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة". وفي رواية للبيهقي: "لا تنزعوا الشيب فإن أحدكم لا يشيب شيبة في الإسلام إلا رفعه الله تعالى بها درجة وكتب له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة".

ورواه أحمد (2/ 210)، والبغوي (12/ 95) رقم 3181 بلفظ:"لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم، من شاب شيبة في الإسلام كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة"، وقال البغوي: هذا حديث حسن.

وفي رواية لأحمد (2/ 179): "لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب له بها حسنة .. " الحديث.

ورواه النسائي في الزينة، باب 13، حديث 5083، وأحمد (2/ 206) مختصرًا نهى عن نتف الشيب.

(2)

هكذا في الأصول "طارق"، وصوابه "طَلْق بن حبيب" انظر: الجرح والتعديل (4/ 490)، وتهذيب الكمال (13/ 451).

(3)

الترجل ص/ 111 رقم 88، ورواه ابن سعد (1/ 433)، وابن أبي شيبة (8/ 677 - 678) رقم 6003، وهو مرسل. =

ص: 163

وأول من شاب إبراهيم عليه السلام

(1)

وهو ابن مائة وخمسين سنة، قاله في الحاشية.

(ويسن خضابه) لحديث أبي بكر أنه "جاءَ بأبيهِ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورأسُهُ ولحيتُه كالثّغَامةِ بياضًا فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "غيّروْهما، وجَنّبُوهُ السوادَ"

(2)

.

= والفقرة الثانية من الحديث وهي: "من شاب شيبة. . ." إلخ. لها شواهد:

- منها حديث عمر رضي الله عنه، أخرجه ابن حبان "الإحسان"(7/ 251) رقم 2983، والطبراني في الكبير (1/ 67) رقم 58، وفي الأوسط (2/ 490) رقم 1846.

- ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 18) رقم 1028، والعقيلي في الضعفاء (2/ 230) في ترجمة طريف بن زيد وقال: مجهول بنقل الحديث، حديثه غير محفوظ

وفي هذا أحاديث من غير هذا الوجه أسانيدها صالحة.

- ومنها حديث كعب بن مرة، رواه الترمذي في فضائل الجهاد، باب 9، حديث 1634، والنسائي في الجهاد، باب 26، حديث 3144، وأحمد (4/ 235، 236).

- ومنها حديث فضالة بن عبيد، رواه أحمد (6/ 20)، والبزار "كشف الأستار"(3/ 371)، والطبراني في الكبير (18/ 304، 305) رقم 782، 783، والأوسط (6/ 231) رقم 5489، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 210) رقم 6388.

(1)

روى مالك في الموطأ (2/ 922) في صفة النبي صلى الله عليه وسلم عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم أول الناس ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص الشارب وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب. ما هذا؟ فقال الله تبارك وتعالى: وقار يا إبراهيم، فقال: رب زدني وقارًا.

(2)

رواه أحمد (3/ 160)، وأبو يعلى (5/ 216) رقم 2831، وابن حبان "الإحسان"(12/ 286) رقم 5472، من حديث أنس رضي الله عنه، ورواه الحاكم مختصرًا، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي على شرط البخاري.

وروى مسلم في اللباس والزينة، حديث 2102 عن جابر رضي الله عنه ولفظه:"غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد".

ص: 164

(بحناء وكتم) لحديث أبي ذر: "إن أحْسَنَ ما غيّرتُمْ به هَذا الشَّيْبَ الحنّاءُ والكتَمُ" رواه أحمد وغيره

(1)

.

والكتم بفتح الكاف والتاء، نبات باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة. وصبغ الحناء أحمر؛ فالصبغ بهما معًا يخرج بين السواد والحمرة.

(ولا بأس) بالخضاب (بورس وزعفران) لقول أبي مالك الأشجعي

(2)

"كان خِضَابنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الورْس والزعْفَران"

(3)

.

(ويكره بسواد) لحديث أبي بكر. قال في "المستوعب" و"التلخيص" و"الغنية": في غير حرب.

(1)

الإمام أحمد: (5/ 147، 150، 154، 156، 169)، وأبو داود في الترجل، باب 18، حديث 4205، والترمذي في الزينة، باب 20، حديث 1753، والنسائي في الزينة، باب 16، حديث 5092، 5095، وابن ماجه في اللباس، باب 32، حديث 3622، وعبد الرزاق (11/ 153) رقم 20174، وابن سعد (1/ 439)، وابن أبي شيبة (8/ 432)، وابن حبان "الإحسان"(12/ 287 - 288) رقم 5474، والطبراني في الكبير (2/ 153) رقم 1638، والبغوي في شرح السنة (12/ 91) رقم 3178، والخطيب في "تاريخ بغداد":(8/ 34، 35). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 417) مع الفيض، ورمز لصحته.

(2)

كذا في الأصول: لقول أبي مالك

وصوابه: لقول أبي مالك الأشجعي عن أبيه، وأبو مالك اسمه سعد بن طارق بن أشيم وهو تابعي، وأبوه طارق صحابي، وكل من روى هذا الحديث رواه عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه.

(3)

رواه أحمد: (3/ 472)، والبزار "كشف الأستار"(3/ 372)، والطبراني في الكبير (8/ 377 - 378) رقم 8176، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد":(5/ 159)، وقال: رواه أحمد، والبزار، ورجاله رجال الصحيح خلا بكر بن عيسى وهو ثقة.

ص: 165

(فإن حصل به) أي: بالخضاب بسواد (تدليس في بيع، أو نكاح؛ حرم) لحديث: "من غشَّنا فليْسَ مِنَّا"

(1)

.

(ويسن النظر في المرآة، وقوله: اللهم كما حسنتَ خَلْقِي فحسِّنْ خُلُقِي وحَرِّمْ وجهِي عَلَى النَّارِ)، لخبر أبي هريرة، رواه أبو بكر بن مردويه

(2)

، والخلق الأول بفتح الخاء الصورة الظاهرة، والثاني: بضمها الصورة الباطنة.

(ويسن التطيب) لخبر أبي أيوب مرفوعًا: "أرْبعٌ من سُنَنِ المرسَلِينَ:

(1)

رواه مسلم في الإيمان، حديث 101، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

لم نقف عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد رُوي من حديث علي رضي الله عنه أخرجه ابن السني حديث رقم 163 دون قوله: وحرم وجهي، وفي سنده الحسين بن أبي السري المتوكل، ضعفه أبو داود، وكذبه أخوه محمد، وأبو عروبة الحراني، انظر ميزان الاعتدال (1/ 536).

ومن حديث عائشة رضي الله عنها رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 88) رقم 527 قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال:

الحديث دون قوله: وحرم وجهي. . . إلخ. وفي إسناده أبان بن سفيان الموصلي، قال الدارقطني: متروك (ميزان الاعتدال 1/ 7)، ورواه البيهقي في الدعوات الكبير (2/ 206) وضعفه.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء دون تقييد بالنظر في المرآة عن عائشة رضي الله عنها.

رواه أحمد (6/ 68، 155)، والبيهقي في الدعوات الكبير (2/ 206). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 173) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وعن ابن مسعود رواه الطيالسي ص/ 49، رقم 374، وابن سعد في الطبقات (1/ 377)، وأحمد (1/ 403)، وأبو يعلى (9/ 9، 112) رقم 5075، 5181، وابن حبان "الإحسان"(3/ 239) رقم 959، والطبراني في الدعاء (2/ 383) رقم 404، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 173): رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح غير عوسجة بن الرماح وهو ثقة.

ص: 166

الحياءُ والتعطُّرُ والسِّواكُ والنِّكاحُ" رواه أحمد

(1)

.

ويستحب للرجل (بما ظهر ريحه وخفي لونه) كبخور العنبر والعود.

(وللمرأة في غير بيتها عكسه) وهو ما يظهر لونه ويخفى ريحه، كالورد، والياسمين؛ لأثر رواه النسائي، والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة

(2)

(1)

أحمد (5/ 421)، ورواه عبد الرزاق (6/ 173) رقم 10390، كلاهما عن مكحول عن أبي أيوب مرفوعًا. وفيه انقطاع، فإن مكحولًا لم يدرك أبا أيوب، ويقال: إنه لم يسمع من واحد من الصحابة إلا واثلة، وأنسًا، وأبا هند الداري رضي الله عنهم. انظر تهذيب التهذيب (11/ 290).

ورواه الترمذي في النكاح، باب 1، حديث 1080، والطبراني في الكبير (4/ 183) رقم 4085، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 137) رقم 7719، عن مكحول عن ابن الشمال عن أبي أيوب مرفوعًا، وقال الترمذي: حسن غريب. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 465) مع الفيض، ورمز لحسنه، وتعقبهما المناوي (1/ 466) بقوله: فيه أبو الشمال مجهول الحال، وقال ابن محمود شارح أبي داود: في سنده ضعيف ومجهول، وقال ابن العربي في شرح الترمذي: فيه الحجاج ليس بحجة، وعباد بن العوام.

(2)

النسائي في الزينة، باب 32، حديث 5132، 5133، والترمذي في الأدب، باب 36، حديث 2787، بلفظ: طيب الرجال ما ظهر ريحه، وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه. ورواه أبو داود في النكاح، باب 50، حديث 2174، وأحمد (2/ 540 - 541)، وعبد بن حميد (4154)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 194)، وفي شعب الإيمان (6/ 169) حديث 7809. وراويه عن أبي هريرة رضي الله عنه لم يسم، ولكن له شواهد.

- منها ما رواه أبو داود في اللباس، باب 11، حديث 4048، والترمذي في الأدب، باب 36، حديث 2788، وأحمد (4/ 442)، والطبراني في الكبير (18/ 147) حديث 314، والحاكم (4/ 191)، والبيهقي (3/ 246) عن عمران بن حصين رضي الله عنه، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: صحيح =

ص: 167

و (لأنها ممنوعة في غير بيتها مما ينم عليها) بإظهار جمالها (من ضربها برجليها ليعلم ما تخفي من زينتها) قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}

(1)

؛ لأنه يؤدي إلى إفسادها. (ومن نعلٍ صرارة وغير ذلك مما يظهر من الزينة. وفي بيتها تتطيب بما شاءت) مما يخفى، أو يظهر، لعدم المانع.

(ويكره حلق رأسها وقصه من غير عذر) لما روى الخلال بإسناده عن قتادة، عن عكرمة قال:"نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تَحلِقَ المرأةُ رأسَها"

(2)

، فإن كان ثم

= الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

- ومنها ما رواه البزار "كشف الأستار"(3/ 376) حديث 2989، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 169) حديث 7810، والضياء في المختارة (6/ 294) حديث 2311، عن أنس رضي الله عنه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 156) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

- ومنها ما رواه الطبراني في الأوسط (1/ 399) حديث 702، عن أبي موسى رضي الله عنه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 158): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن بشار الرمادي، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(1)

سورة النور، الآية:31.

(2)

الترجل من كتاب الجامع ص/ 189، حديث 216 وهو مرسل. وروي من وجوه أخرى كلها ضعيفة.

فرواه الترمذي في الحج، باب 75، حديث 914، والنسائي في الزينة، باب 4، حديث 5064، وتمام في فوائده (2/ 156) حديث 1411، عن علي مرفوعًا. ورواه الترمذي - أيضًا - عن خلاس مرسلًا، وقال: حديث علي فيه اضطراب. وروي هذا الحديث عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها.

وقال الحافظ في الدراية (2/ 32): رواته موثقون، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله. اهـ. =

ص: 168

عذر كقروح، لم يكره.

(ويحرم) حلقها رأسها (لمصيبة) كلطم خد، وشق ثوب.

(ويسن تخمير الإناء ولو) بـ (ــأن يعرض عليه عودًا) لحديث جابر: "أوْكِ سِقَاءك واذْكُر اسمَ اللهِ، وخَمِّر إناءَكَ واذكر اسْمَ اللهِ، ولو أن تعرِضَ عليهِ عُودًا" متفق عليه

(1)

. قال في "الآداب"

(2)

: "ظاهره التخيير". ويتوجه أن ذلك عند عدم ما يخمر به، لرواية مسلم:"فإنْ لمْ يجدْ أحدُكم إلا أنْ يعرضَ على إنائِهِ عُودًا"

(3)

.

وحكمة وضع العود - والله أعلم - ليعتاد تخميره ولا ينساه، وربما كان سببًا لرد دبيب بحاله

(4)

أو بمروره عليه.

(وإيكاء السقاء) أي: ربط فمه (إذا أمسى) للخبر.

= ورواه البزار "كشف الأستار"(2/ 32) حديث 1137، وابن عدي (6/ 2371) في ترجمة معلى بن عبد الرحمن الواسطي، قال البزار: ومعلى لا يتابع على حديثه.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 263): رواه البزار، وفيه معلى بن عبد الرحمن، وقد اعترف بالوضع، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. قلنا: وهاه غير واحد، ورماه ابن المديني بالوضع. انظر الميزان (4/ 148).

ورواه البزار "كشف الأستار"(2/ 32) حديث 1136، عن عثمان، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 263): رواه البزار، وفيه روح بن عطاء وهو ضعيف. وقال الحافظ في الدراية (2/ 32): وإسناده ضعيف.

(1)

البخاري في بدء الخلق، باب 11، حديث 3280، وباب 16، حديث 3316، وفي الأشربة، باب 22، حديث 5623، 5624، وفي الاستئذان، باب 49، حديث 6295، 6296، ومسلم في الأشربة، حديث 2012.

(2)

الآداب الشرعية (3/ 261).

(3)

صحيح مسلم الأشربة، حديث 2012، (96).

(4)

في (ح): بحياله.

ص: 169

(وإغلاق الباب وإطفاء المصباح) عند الرقاد إذا خيف، ولهذا قال ابن هبيرة

(1)

: فأما إن جعل المصباح في شيء مغلق أو على شيء لا يمكن الفواسق والهوام التسلق فيه، فلا أرى بذلك بأسًا، قاله في "الآداب"

(2)

.

(و) إطفاء (الجَمْر عند الرقاد مع ذكر اسم الله فيهن) أي: في التخمير، والإيكاء، والإغلاق، والإطفاء للخبر.

(و) يسن (نظره في وصيته ونفض فراشه) عند إرادته النوم للخبر

(3)

.

(ووضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ويجعل وجهه نحو القبلة على جنبه الأيمن) للخبر

(4)

.

(ويتوب إلى الله تعالى) والتوبة واجبة من كل معصية على الفور، لكنه

(1)

انظر الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 62).

(2)

الآداب الشرعية (3/ 261).

(3)

أما النظر في الوصية، فروى البخاري في الوصايا، باب 1، حديث 2738، ومسلم في الوصية، حديث 1627 عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".

وأما نفض الفراش، فروى البخاري في الدعوات، باب 13، حديث 6320، وفي التوحيد، باب 13، حديث 7393، ومسلم في الذكر والدعاء، حديث 2714 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله، فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه. ." الحديث.

(4)

أما وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن. فروى أبو داود في الأدب، باب 107، حديث 5045، والنسائي في الصيام، باب 70، حديث 2366، وعمل اليوم والليلة ص/ 452، حديث 761، 762، 763، 764، وأحمد (1/ 287 و 288) وعبد بن حميد (3/ 249) رقم 1543، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 338 و 340، رقم 728، 729، 730، 731، 732، عن حفصة رضي الله عنها قالت: =

ص: 170

في ذلك الوقت أحوج إليها. لقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ}

(1)

الآية.

(ويقول ما ورد) ومنه: "باسمِكَ ربِّي وضعتُ جَنبِي وبكَ أرفَعُه، إن أمسَكْتَ نفسي فاغْفِر لَهَا، وإن أرسلتَها فاحفظْها بما تحفظُ بهِ عبادَك الصَّالحينَ"

(2)

.

ويستحب قراءة الم السَّجدة

(3)

، وتبارك

(4)

، نص عليه في رواية جعفر.

= كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه وضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن. قال الحافظ في الفتح (11/ 115): سنده صحيح.

وروى البخاري في الدعوات، باب 8، حديث 6314، عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول .. الحديث.

وروى البخاري في الدعوات، باب 9، حديث 3315. ومسلم في الذكر والدعاء، حديث 2710، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن.

وأما نومه نحو القبلة على جنبه الأيمن. فروى أبو داود في الأدب باب 106، حديث 5044، عن أبي قلابة عن بعض آل أم سلمة رضي الله عنها كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم نحوًا مما يوضع الإنسان في قبره وكان المسجد عند رأسه. قال المنذري في مختصر السنن (7/ 317): لا يعرف هذا الذي حدث عنه أبو قلابة هل له صحبة أم لا؟.

(1)

سورة الزمر، الآية:42.

(2)

رواه البخاري في الدعوات، باب 13، حديث 6320. وفي التوحيد، باب 13، حديث 7393، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 2714، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأوله: سبحانك اللهم ربي بك وضعت

الحديث.

(3)

سورة السجدة، الآية:1.

(4)

سورة الملك، الآية:1.

ص: 171

وروى الإمام أحمد والترمذي والخلال عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم "كان يفعل ذلك"

(1)

.

(ويقل الخروج إذا هدأت الرجل) لأن لله دواب ينشرها إذن، من جن وهوام. كما في الخبر

(2)

.

(ويكره النوم على سطح ليس عليه تحجير) لنهيه عليه السلام عنه. رواه

(1)

أحمد (3/ 340)، والترمذي في فضائل القرآن، باب 9، حديث 2892. وفي الدعوات، باب 22، حديث 3404.

ورواه البخاري في الأدب المفرد حديث 1209، والنسائي في الكبرى (6/ 178) رقم 10542، 10543، 10544، وابن أبي شيبة (10/ 424)، وعبد بن حميد (3/ 23) رقم 1038، والدارمي في فضائل القرآن، باب 19، حديث 3414، والطبراني في الدعاء (2/ 914 - 916) رقم 266 - 272، وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم 675، والحاكم (2/ 412)، والبيهقي في الشعب (2/ 478) حديث 2455، والبغوي (4/ 472) رقم 1207، 1208، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه

ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ في الفتح (11/ 125).

(2)

روى البخاري في الأدب المفرد رقم 1233، 1235، وأبو داود في الأدب، باب 115، حديث 5104، وأحمد (6/ 306)، وعبد بن حميد (3/ 82) رقم 1155، وابن خزيمة (4/ 148) رقم 2559، وابن حبان "الإحسان"(12/ 326، 327) رقم 5517، 5518، والحاكم (1/ 445، 4/ 283 - 284)، والبغوي (11/ 391 - 392) رقم 3060، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سمعتم نباح الكلاب ونهاق الحمير من الليل، فتعوذوا بالله، فإنها ترى ما لا ترون، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل، فإن الله عز وجل يبث في ليله من خلقه ما شاء. . ." الحديث.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال البغوي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 172

الترمذي من حديث جابر

(1)

وخشية أن يتدحرج فيسقط عنه.

(و) يكره (نومه على بطنه وعلى قفاه، إن خاف انكشاف عورته) قال في "الآداب الكبرى"

(2)

: النوم على القفا رديء، يضر الإكثار منه بالبصر، وبالمني. وإن استلقى للراحة بلا نوم لم يضر. وأردأ من ذلك النوم منبطحًا على وجهه.

(و) يكره نومه (بعد العصر) لحديث: "من نامَ بعدَ العصْرِ فاختلس عقله

(1)

في الأدب، باب 72، حديث 2854، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث محمد بن المنكدر عن جابر إلا هن هذا الوجه، وعبد الجبار بن عمر يضعف. اهـ.

وله شاهد، رواه البخاري في الأدب المفرد حديث 1192، وفي التاريخ الكبير (6/ 259)، وأبو داود في الأدب، باب 104، حديث 5041، وابن عدي (3/ 1184)، والبيهقي في شعب الإيمان (179) عن علي بن شيبان الحنفي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بات على ظهر بيت ليس عليه حجاب، فقد برئت منه الذمة" لفظ البخاري.

سكت عنه أبو داود، والمنذري، وقال البخاري في الأدب المفرد: في إسناده نظر.

وشاهد آخر رواه أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 275)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 426)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 105) رقم 680، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 178) رقم 4723 - 4724، عن زهير بن عبد الله - مرسلًا - قال: من بات فوق إجار ليس حوله ما يدفع القدم، فوقع، فمات، فقد برئت منه الذمة.

ورواه أحمد (5/ 79، 271)، والبخاري في الأدب المفرد (1194)، وفي التاريخ الكبير (3/ 426)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 179) رقم 4725، عن زهير بن عبد الله عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا.

(2)

(3/ 264).

ص: 173

فلا يَلُومَن إلا نفسَه" رواه أبو يعلى الموصلي عن عائشة

(1)

.

(و) نومه بعد (الفجر)؛ لأنه وقت قسم الأرزاق، كما في الخبر

(2)

.

(1)

مسند أبي يعلى (8/ 316) رقم 4918، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 116) وقال: رواه أبو يعلى عن شيخه عمرو بن الحصين، وهو متروك.

وقال البوصيري في مختصر إتحاف المهرة (6/ 361) رقم 4653: رواه أبو يعلى عن عمرو بن الحصين، وهو ضعيف. ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 68) وقال: هذا حديث لا يصح.

(2)

روي فيه عدة أحاديث، كلها ضعيفة لا تقوم بها حجة. منها: ما رواه عبد الله بن أحمد في زوائده (1/ 73)، وابن عدي (1/ 321)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 180) رقم 4731، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 68) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصبحة تمنع الرزق"، وفي سنده ابن أبي فروة، قال ابن عدي: وقد خلط ابن أبي فروة في هذا الإسناد، وهذا حديث لا يعرف إلا به.

وقال البيهقي: وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، تفرد بهذا الحديث، وخلط في إسناده، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، وابن أبي فروة اسمه إسحاق، قال أحمد: لا تحل عندي الرواية عنه، وقال يحيى: ليس بشيء.

ومنها: ما رواه البيهقي في شعب الإيمان (4/ 181) رقم 4735 عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجعة متصبحة، فحركني برجله، ثم قال:"يا بنية قومي اشهدي رزق ربك، ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس". وقال: إسناده ضعيف.

وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة ص/ 153، وعلق عليه المعلمي اليماني بقوله: في سنده عبد الملك بن هارون بن عنترة ساقط.

ومنها ما رواه الديلمي حديث 7380، طبعة دار الكتب العلمية، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا بمعناه. وانظر الفوائد المجموعة للشوكاني ص/ 152.

ص: 174

(و) ونومه (تحت السماء متجردًا) من ثيابه، والمراد مع ستر العورة.

(و) نومه (بين قوم مستَيْقِظين)؛ لأنه خلاف المروءة.

(و) يكره (نومه وحده) لحديث أحمد عن ابن عمر مرفوعًا "نهى عن الوَحْدَةِ؛ أنْ

(1)

يبِيتَ الرجُلُ وحدَه"

(2)

.

(و) يكره (سفره وحده)

(3)

لخبر: "الواحِدُ شيطَانٌ"

(4)

.

(1)

في (ذ): وأن.

(2)

أحمد (2/ 91) عن أبي عبيدة الحداد - عبد الواحد بن واصل - عن عاصم بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ورواه البخاري في الجهاد، باب 135، حديث 2998، والترمذي في الجهاد، باب 4، حديث 1673، وابن ماجه في الأدب، باب 45، حديث 3768، وأحمد (2/ 23، 24، 60)، وعبد بن حميد (2/ 42) رقم 822، والدارمي في الاستئذان، باب 47، حديث 2682، وابن خزيمة (4/ 151) رقم 2569، وابن حبان "الإحسان"(6/ 421) حديث 2704، والحاكم (2/ 101) من طرق عن عاصم به بلفظ:"لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده أبدا".

(3)

في (ح): زيادة (للنهي عنه).

(4)

رواه أبو داود في الجهاد، باب 86، حديث 2607، والترمذي في الجهاد، باب 4، حديث 1674، والنسائي في الكبرى (5/ 266) رقم 8849، ومالك في "الموطأ":(2/ 978). وأحمد (2/ 186)، وابن خزيمة (4/ 152) رقم 2570، والحاكم (2/ 102)، والبيهقي (5/ 257)، والبغوي (11/ 21) رقم 2675، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ونقل المناوي في فيض القدير (4/ 44) عن الحافظ تحسينه.

ورواه الحاكم (2/ 102) من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

ص: 175

(ونومه وجلوسه بين الظل والشمس) لنهيه عليه السلام عنه. رواه أحمد

(1)

. وفي الخبر: إنه مجلسُ الشيطَانِ

(2)

.

(و) يكره (ركوب البحر عند هيجانه) لأنه مخاطرة.

(قال ابن الجوزي في "طبه"

(3)

: النوم في الشمس في الصيف يحرك الداء الدفين. والنوم في القمر يحيل الألوان إلى الصفرة، ويثقل الرأس. اهـ.).

(وتستحب القائلة) أي: الاستراحة وسط النهار، وإن لم يكن مع ذلك نوم، قاله الأزهري

(4)

. ويؤيده قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا

(1)

المسند (3/ 413) عن أبي عياض، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس بين الضح، والظل، وقال: مجلس الشيطان. ورواه الحاكم (4/ 271) عن أبي عياض، عن أبي هريرة مرفوعًا - دون قوله:"مجلس الشيطان". وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

ورواه ابن أبي شيبة (8/ 679) عن قتادة مرسلًا، والحديث صححه أحمد وابن راهويه، قال المروزي في مسائله عنهما ص/ 223 قلت: يكره أن يجلس الرجل بين الظل والشمس؟ قال: هذا مكروه، أليس قد نهي عن ذا؟ قال إسحاق: قد صح النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وله شاهد من حديث بريدة رضي الله عنه، أخرجه ابن ماجه في الأدب، باب 26، حديث 3722، وابن أبي شيبة (8/ 680) قال: نهى أن يقعد بين الشمس والظل. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 251): هذا إسناد حسن.

(2)

تقدم تخريجه في التعليق السابق.

(3)

لابن الجوزي كتب في الطب منها: الطب الروحاني. مطبوع. والطب النبوي لا زال مخطوطًا، ولقط المنافع، ومختصره، لابن الجوزي نفسه، وقريب مما ذكره المؤلف في المختصر المطبوع باسم: مختصر لقط المنافع ص/ 77. وانظر الطب النبوي لابن القيم ص/ 242.

(4)

تهذيب اللغة: (9/ 306).

ص: 176

وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}

(1)

مع أنه لا نوم في الجنة.

(و) يستحب (النوم نصف النهار) قال عبد الله: كان أبي ينام نصف النهار شتاء كان أو صيفًا، لا يدعها، ويأخذني بها. وفي "الآداب"

(2)

: القائلة النوم في الظهيرة، ذكره أهل اللغة انتهى. فعلى هذا هو عطف تفسير.

(ولا يكره) لذكر (حلق رأسه، ولو لغير نسك وحاجة) كقصه. قال ابن عبد البر

(3)

: أجمع العلماء في جميع الأمصار على إباحة الحلق، وكفى بهذا حجة. وحرم بعضهم حلقه على مريد لشيخه؛ لأنه ذل وخضوع لغير الله

(4)

.

(ويكره القزع وهو حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه) لقول ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وقال: "احْلِقْه كلّه أو دَعْهُ كُلّه" رواه أبو داود

(5)

. فيدخل في القزع حلق مواضع من جوانب رأسه وترك الباقي، مأخوذ من قزع السحاب، وهو تقطعه، وأن يحلق وسطه ويترك جوانبه. كما تفعله شمامسة النصارى

(6)

، وحلق جوانبه وترك وسطه كما يفعله كثير من السفل، وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره

(7)

.

(1)

سورة الفرقان، الآية:24.

(2)

الآداب الشرعية (3/ 162).

(3)

انظر الآداب الشرعية (3/ 351).

(4)

بل هذا محرم بإجماع المسلمين لأنه تعبد بما لم يشرع. انظر "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية": (21/ 115).

(5)

في الترجل، باب 14، حديث 4195. ورواه البخاري في اللباس، باب 72، حديث 5920، 5921، ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2120، دون قوله: "احلقه كله أو دعه كله".

(6)

قال في "القاموس" ص/ 712: الشماس كشداد من رؤوس النصارى الذي يحلق وسط رأسه لازمًا للبيعة، والجمع شمامسة. ا. هـ.

(7)

انظر تحفة المودود بأحكام المولود ص/ 100.

ص: 177

(و) يكره (حلق القفا) بالقصر (منفردًا عن الرأس، إذا لم يحتج إليه لحجامة أو غيرها) قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن حلق القفا: فقال: "ومن فعل المجوس. ومن تشبه بقوم فهو منهم" وقال: "لا بأس أن يحلق قفاه في الحجامة".

(وهو) أي: القفا (مؤخر العنق). وعلم من كلامه أنه لا يكره حلقه مع الرأس، أو منفردًا لحاجة إليه.

(ويجب ختان ذكر، وأنثى) لقوله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم: "ألقِ عنْكَ شعْرَ الكُفْرِ واختَتِنْ" رواه أبو داود

(1)

.

وفي الحديث: "اخْتَتَنَ إبراهيمُ بعدَ ما أتتْ عليه ثمانونَ سنةً" متفق عليه

(2)

، واللفظ للبخاري

(3)

. وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ

(1)

في الطهارة، باب 131، حديث 356، ورواه عبد الرزاق (6/ 210) رقم 9835، وأحمد (3/ 415)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 269) حديث 2795، والطبراني في الكبير (22/ 395 - 396) رقم 982، وابن عدي (1/ 223)، والبيهقي:(1/ 172)، (8/ 324)، كلهم من طريق ابن جريج، قال: أُخْبرتُ عن عثيم بن كليب، عن أبيه، عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ألق عنك شعر الكفر. . ." الحديث. قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 43): هذا إسناده وهو غاية في الضعف، مع الانقطاع الذي في قول ابن جريج: أخبرت، وذلك أن عثيم بن كليب، وأباه، وجده مجهولون.

(2)

البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 8، حديث 3356، وفي الاستئذان، باب 51، حديث 6298، ومسلم في الفضائل، حديث 2370، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

ولفظه: في أحاديث الأنبياء "اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" ولفظه في الاستئذان: "اختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين سنة واختتن بالقدوم".

ص: 178

حَنِيفًا}

(1)

.

ولأنه من شعار المسلمين، فكان واجبًا كسائر شعارهم

(2)

.

قال أحمد: "كان ابن عباس يشدد في أمره. حتى قد رُوي عنه أنه لا حج له ولا صلاة"

(3)

.

وفي قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان وجب الغسل"

(4)

دليل على أن النساء كن يختتن.

ولأن هناك فضلة فوجب إزالتها كالرجل.

ووقت وجوبه (عند بلوغ) لقول ابن عباس: "وكانوا لا يَخْتِنُونَ الرجلَ حتى يُدْرِكَ" رواه البخاري

(5)

.

ولأنه قبل ذلك ليس بأهل للتكليف.

(ما لم يخف على نفسه) فيسقط وجوبه كالوضوء، والصلاة، والصوم بطريق الأولى.

(1)

سورة النحل، الآية:123.

(2)

في (ح): شعايرهم.

(3)

رواه عبد الرزاق (11/ 175)، والبيهقي (8/ 325) بلفظ: لا تقبل صلاة رجل لم يختتن. ورواه ابن عساكر في تبيين الامتنان بالأمر بالاختتان ص/ 44. عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كره ذبيحة الأرغل وقال: لا تقبل صلاته، ولا تجوز شهادته. وفيه رجل لم يسم. وانظر كتاب الترجل من كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد ص/ 169.

(4)

رواه مسلم في الحيض، حديث 349، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بلفظ: إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل".

(5)

في الاستئذان، باب 51، حديث 6299.

ص: 179

قال ابن قندس: فظاهر ذلك أن الخوف المسقط للوضوء والغسل مسقط للختان.

وحيث تقرر وجوب الختان على الذكر والأنثى (فيختن ذكر خنثى مشكل، وفرجه) احتياطًا.

(وللرجل إجبار زوجته المسلمة عليه) كالصلاة.

(و) الختان (زمن صغر أفضل إلى التمييز)؛ لأنه أسرع برءًا، ولينشأ على أكمل الأحوال.

وختان الذكر (بأخذ جلدة حشفة ذكر) ويقال لها: القلفة والغرلة. (فإن اقتصر على) أخذ (أكثرها جاز). نقله الميموني، وجزم به صاحب "المحرر" وغيره.

(و) خفض الجارية (أخذ جلدة أنثى فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك.

(و) يستحب أن (لا تؤخذ كلها من امرأة نصًّا). للخبر

(1)

؛ لأنه يضعف شهوتها.

(1)

روى أبو داود في الأدب، باب 179، حديث 5271، وابن أبي الدنيا في العيال (2/ 780) رقم 579، وابن عدي في الكامل (6/ 2223)، والحاكم (3/ 525) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1537، 1538) رقم 3898، 3899، والبيهقي (8/ 324) وفي معرفة السنن والآثار (13/ 63) عن أم عطية رضي الله عنها أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل".

وروى ابن أبي الدنيا في العيال (2/ 779) رقم 578، وابن عدي (3/ 1083)، والطبراني في الأوسط (3/ 133) رقم 2274، والصغير (1/ 47)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 245)، والخطيب في تاريخه (5/ 327، 328) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم عطية رضي الله عنها: إذا أخفضت =

ص: 180

(ويكره) ختان (يوم سابع) للتشبه باليهود.

(و) يكره الختان (من) حين (الولادة إليه) أي: إلى اليوم السابع. قال في "الفروع": ولم يذكر كراهة

(1)

الأكثر.

(وإن أمره به) أي: بالختان (ولي الأمر في حر، أو برد، أو مرض يخاف من مثله الموت من الختان فتلف) بسببه، ضمنه؛ لأنه ليس له.

(أو أمره) ولي الأمر (به، وزعم الأطباء أنه يتلف، أو ظن تلفه ضمن)؛ لأنه ليس له. وفي "الفصول": إن فعله في شدة حر، أو برد، أو في مرض يخاف من مثله الموت من الختان. فحكمه كالحد في ذلك، يضمن، وهو من خطأ الإمام، فيه الروايتان.

(ويجوز أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه) لأنه قد رُوي أن إبراهيم ختن نفسه

(2)

.

(وإن ترك الختان - من غير ضرر - وهو يعتقد وجوبه فسق، قاله في "مجمع البحرين") لإصراره على ذلك الذنب.

(ومن ولد ولا قلفة له سقط وجوبه) ويكره إمرار الموسى على محل الختان إذن، لأنه لا فائدة فيه، فتنزه الشريعة عنه. ذكره ابن القيم

(3)

.

= فأشمي ولا تنهكي

الحديث.

وروى الخطيب في تاريخه (12/ 291) عن علي رضي الله عنه قال: كانت خفاضة بالمدينة فأرسل إليها وسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أخفضت فأشمي ولا تنهكي

الحديث، قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 83) وقال ابن المنذر: ليس في الختان "ختان المرأة" خبر يرجع إليه، ولا سند يتبع.

(1)

في الفروع (1/ 134)"كراهته".

(2)

تقدم تخريجه ص/ 178 تعليق 3.

(3)

تحفة المودود بأحكام المولود ص/ 198.

ص: 181

(ولا تقطع إصبع زائدة نصًّا) نقله عبد الله.

(ويكره ثقب أذن صبي لا جارية نصًّا) لحاجتها للتزيين

(1)

، بخلافه.

(ويحرم نمص) وهو نتف الشعر من الوجه.

(ووشر) أي: برد الأسنان لتحدد، وتفلج، وتحسن.

(ووشم) وهو غرز الجلد بإبرة ثم حشوه كحلًا.

(ووصل شعر بشعر) لما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم "لعَنَ الواصِلَةَ والمسْتَوْصِلَةَ والنَّامِصَةَ والمتَنَمِّصةَ والواشِرَةَ والمُسْتَوشِرَةَ"

(2)

وفي خبر آخر: "لعنَ اللهُ الواشِمَةَ والمسْتَوْشِمَةَ"

(3)

أي: الفاعلة والمفعول بها ذلك بأمرها. واللعنة على الشيء

(1)

في (ح) و (ذ): للتزين.

(2)

لم نجد من خرجه بهذا السياق والتمام. وقد روى البخاري في اللباس، باب 85، 87، حديث 5940، 5947، ومسلم في اللباس، حديث 2124، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة.

وروى البخاري في اللباس، باب 83، حديث 5936 عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة.

وروى البخاري في اللباس، باب 84، حديث 5939 عن علقمة قال: لعن عبد الله رضي الله عنه الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث.

وروى أحمد (1/ 415) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: نهى عن النامصة والواشرة. . الحديث.

(3)

رواه البخاري تفسير سورة الواقعة، باب 4، حديث 4886، وفي اللباس، باب 85، حديث 5943، ومسلم في اللباس، حديث 2125 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. ورواه البخاري أيضًا في اللباس، باب 83، حديث 5933، 5937 من حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم.

ص: 182

تدل على تحريمه؛ لأن فاعل المباح لا تجوز لعنته (ولو) كان وصل المرأة شعرها (بشعر بهيمة، أو إذن زوج) لعموم الخبر.

(ولا تصح الصلاة) من المرأة الموصول شعرها بشعر (إن كان نجسًا) لحملها النجاسة؛ مع قدرتها على اجتنابها. وتصح إن كان طاهرًا، وإن قلنا بالتحريم؛ لأنه لا يعود إلى شرط العبادة، كالصلاة في عمامة حرير.

(ولا بأس بما يحتاج إليه لشد الشعر) للحاجة، فإن كان أكثر من ذلك، ففيه روايتان:

إحداهما: أنه مكروه غير محرم. لما رُوي عن معاوية "أنه أخرجَ كُبَّةً من شعرٍ وقال: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ينهَى عن مثلِ ذلكَ" وقال: "إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذا نساؤُهم"

(1)

فخص التي تصله بالشعر، فيمكن جعل ذلك تفسيرًا للفظ العام في الحديث السابق.

والثانية: لا تصل المرأة برأسها الشعر، والقرامل

(2)

، ولا الصوف، لحديث جابر قال:"نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن تَصِلَ المرأةُ برأسِهَا شَيئًا"

(3)

.

قال الموفق: والظاهر أن المحرم إنما هو وصل الشعر بالشعر؛ لما فيه من التدليس، واستعمال الشعر المختلف في نجاسته، وغير ذلك لا يحرم لعدم ذلك فيه، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة.

(1)

رواه البخاري في اللباس، باب 83، حديث 5932، ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2127.

(2)

القرامل جمع قرملة بقتح القاف وسكون الراء، نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف تعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها. (ش).

(3)

رواه مسلم في اللباس والزينة، حديث 2126، وأحمد (3/ 296)، والطحاوي في مشكل الآثار (1133)، وابن حبان "الإحسان"(12/ 324)، حديث 5515، والبيهقي (2/ 426) بلفظ:"زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئًا".

ص: 183

وتحمل أحاديث النهي على الكراهة.

(وأباح) عبد الرحمن (ابن الجوزي

(1)

النمص وحده، وحمل: النهي على التدليس، أو أنه) كان (شعار الفاجرات).

وفي "الغنية" وجه: أنه يجوز بطلب زوج.

(ويحرم نظر شعر أجنبية) كسائر بدنها (لا) الشعر (البائن) المنفصل منها.

(ولها) أي: المرأة (حلق الوجه وحفه نصًّا). والمحرم إنما هو نتف شعر وجهها؛ قاله في الحاشية.

(و) لها (تحسينه وتحميره ونحوه) من كل ما فيه تزيين له.

(ويكره حفه) أي: الوجه (لرجل) نص عليه.

(وكذا التحذيف وهو إرساله الشعر الذي بين العِذَار والنزعة) يكره للرجل؛ لأن عليا كرهه. رواه الخلال

(2)

(لا لها) أي: لا يكره التحذيف لها، لأنه من زينتها.

(ويكره النقش والتكتب

(3)

والتطريف، وهو الذي يكون في رؤوس الأصابع. وهو القموع) رواه المروذي عن عمر، وبمعناه عن عائشة وأنس وغيرهما (بل تغمس يدها في الخضاب غمسًا نصًّا) قال في "الإفصاح": كره العلماء أن تسود شيئًا بل تخضب بأحمر، وكرهوا النقش قال أحمد: لتغمس يدها غمسًا.

(ويكره كسب الماشطة) ككسب الحمامي.

(1)

أحكام النساء ص/ 341.

(2)

انظر كتاب الترجل ص/ 101 والتعليق رقم 3.

(3)

في (ح) و (ذ): التكتيب.

ص: 184

(ويحرم التدليس) لحديث: "من غشَّنا فليسَ منّا"

(1)

.

(و) يحرم (التشبه) من النساء (بالمردان) كعكسه. ويأتي دليله في ستر العورة.

(وكره) الإمام (أحمد الحجامة يوم السبت، و) يوم (الأربعاء) لقوله عليه السلام: "من احتَجَمَ يومَ السبْتِ أو يومَ الأربَعاءِ فأصابه - يَعْني مرضًا - فلا يلومَنَّ إلا نَفْسَه" من مراسيل الزهري وهو مرسل صحيح

(2)

. قاله في "الآداب الكبرى"

(3)

.

(وتوقف) أحمد (في) الحجامة يوم (الجمعة) قال القاضي: كرهه جماعة من أصحابه، واستدلوا بأخبار ضعيفة. قال في "الفروع": والمراد بلا حاجة. قال حنبل: كان أبو عبد الله يحتجم أيَّ وقت هاج به الدم، وأيَّ ساعة كانت. ذكره الخلال.

(والفصد في معناها) أي: الحجامة. (وهي أنفع منه في بلد حار) كالحجاز. (وما في معنى الحجامة كالتشريط والفصد بالعكس) أي: أنفع منها ببلد بارد كالشام.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 166 تعليق 1.

(2)

أخرجه ابن عدي في "الكامل": (1/ 154)، والحاكم:(4/ 409 - 410)، والبيهقي (9/ 340)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 118)، وفي سنده سليمان بن أرقم، وسكت عنه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: سليمان متروك.

(3)

(3/ 85).

ص: 185

‌باب الوضوء

من الوضاءة، وهي النظافة، وهو بالضم اسم للفعل، وبالفتح اسم للماء الذي يتوضأ به. وقيل: بالفتح فيهما، وقيل بالضم فيهما، وهو أضعفهما.

(وهو شرعًا استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة) وهي الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان (على صفة مخصوصة) في الشرع، بأن يأتي بها مرتبة متوالية مع باقي الفروض، والشروط، وما يجب اعتباره.

وسمي وضوءًا لتنظيفه المتوضئ وتحسينه.

والحكمة في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء دون غيرها أنها أسرع ما يتحرك من البدن للمخالفة؛ فأمر بغسلها ظاهرًا، تنبيهًا على طهارتها الباطنة. ورتب غسلها على ترتيب سرعة الحركة في المخالفة. فأمر بغسل الوجه وفيه الفم والأنف، فابتدئ بالمضمضة؛ لأن اللسان أكثر الأعضاء وأشدها حركة. إذ غيره ربما سلم، وهو كثير العطب قليل السلامة غالبًا، ثم بالأنف ليتوب عما يشم به؛ ثم بالوجه ليتوب عما نظر، ثم باليدين لتتوب عن البطش، ثم خص الرأس بالمسح لأنه مجاور لما تقع منه المخالفة، ثم بالأذن لأجل السماع، ثم بالرجل لأجل المشي، ثم أرشده بعد ذلك إلى تجديد الإيمان بالشهادتين.

(وفروضه) أي: الوضوء جمع فرض، وهو لغة: الحز والقطع، وشرعًا: ما أثيب فاعله وعوقب تاركه (ستة):

(غسل الوجه) لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}

(1)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:6.

ص: 187

(و) غسل (اليدين إلى المرفقين).

(ومسح الرأس).

(وغسل الرجلين إلى الكعبين) لبقية الآية المذكورة. وهو واضح على النصب. وأما الجر، فقيل: بالجوار، والواو تأباه. وقال أبو زيد

(1)

: المسح عند العرب غسل ومسح، فغاية الأمر أنها تصير بمنزلة المجمل، وصحاح الأحاديث تبلغ التواتر في وجوب غسلها.

وقيل: لما كانت الأرجل في مظنة الإسراف في الماء وهو منهي عنه مذموم، عطفها على الممسوح؛ لا لتمسح، بل للتنبيه على الاقتصار على مقدار المطلوب. ثم قيل: إلى الكعبين، دفعًا لظن ظان أنها ممسوحة؛ لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع.

وروى سعيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بسند حسن قال: "أجمع أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على غسْلِ القدمَيْن"

(2)

.

وقالت عائشة: "لأنْ تقطعا أحبُّ إليَّ أن أمسحَ القدمين"

(3)

.

وهذا في حق غير لابس الخف، وأما لابسه فغسلهما ليس فرضًا متعينًا في حقه.

(والترتيب) بين الأعضاء المذكورة كما ذكر الله، لأنه تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات، ولا يعلم لهذا فائدة غير الترتيب. والآية سيقت

(1)

انظر: تاج العروس (7/ 119)، تفسير الطبري (6/ 92).

(2)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد نسبه إليه وحده الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 266)، والسيوطي في الدر المنثور (2/ 262).

(3)

رواه ابن أبي شيبة: (1/ 185)، وذكره أبو عبيد في الطهور ص/ 391، بلفظ: لأن أحزهما بالسكاكين أحب إليَّ من أن أمسح عليهما.

ص: 188

لبيان الواجب. والنبي صلى الله عليه وسلم رتب الوضوء، وقال:"هذا وضوءٌ لا يقبلُ اللهُ الصلاةَ إلا به"

(1)

.

ولأنه عبادة تبطل بالحدث، فكان الترتيب معتبرًا فيه كالصلاة يجب فيها الركوع قبل السجود، ولو كان التنكيس جائزًا لفعله ولو مرة، لتبيين الجواز فإن توضأ منكوسًا لم يصح، ويأتي في كلامه.

وما روي عن علي أنه قال: ما أبالي إذا تممت وضوئي بأي أعضائي بدأت

(2)

. قال أحمد

(3)

: إنما عنى به اليسرى قبل اليمنى لأن مخرجهما في الكتاب واحد. وروى أحمد بإسناده أن عليًا سئل فقيل له: أحدنا يستعجل فيغسل شيئًا قبل شيء، فقال: لا حتى يكون كما أمر الله تعالى

(4)

.

(1)

رواه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال ص/ 95 حديث 23، عن طلحة بن يحيى عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

وطلحة لم يلق أحدًا من الصحابة. انظر تهذيب الكمال (13/ 445)، والحديث خرجه الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 83) وعزاه إلى ابن السكن في صحيحه.

(2)

رواه أبو عبيد في الطهور ص/ 353، وابن أبي شيبة (1/ 39)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 205)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 422)، والدارقطني (1/ 88). قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 88): وفيه انقطاع.

وفي رواية لأبي عبيد، وابن أبي شيبة، والدارقطني، والبيهقي (1/ 87) قال علي: ما أبالي لو بدأت بالشمال قبل اليمين إذا توضأت. قال البيهقي: منقطع.

(3)

مسائل عبد الله (1/ 99)، ومسائل أبي داود ص/ 11.

(4)

لم نقف على أثر علي هذا. وقد ذكر صاحب المغني (1/ 190) بعد كلام أحمد السابق: "ثم قال أحمد: حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه أن عليًا فذكره. ." وقابوس فيه لين كما في التقريب ص/ 786. وأبوه حصين بن جندب مختلف في سماعه من علي. انظر تهذيب الكمال (6/ 516)، والمراسيل لابن أبي حاتم ص/ 51.

ص: 189

وما روي عن ابن مسعود، أنه قال: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء

(1)

، قال في "شرح المنتهى"

(2)

: لا يعرف له أصل.

(والموالاة) لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}

(3)

لأن الأول شرط، والثاني جواب، وإذا وجد الشرط، وهو القيام، وجب أن لا يتأخر عنه جوابه وهو غسل الأعضاء.

يؤيده ما روى خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم "رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء" رواه أحمد وأبو داود

(4)

وزاد: "والصلاة"، وهذا صحيح، وفيه بقية، وهو ثقة روى له مسلم.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 39)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 388)، والدارقطني (1/ 89). وقال: هذا مرسل، ولا يثبت. وذكره البيهقي (1/ 87) معلقًا وقال بعد نقله كلام الدارقطني: وهذا لأن مجاهدا لم يدرك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

(1/ 46) وانظر معونة أولي النهى (1/ 273).

(3)

المائدة الآية/ 6.

(4)

الإمام أحمد: (3/ 424)، وأبو داود في الطهارة، باب 67، حديث 175، ومن طريقه البيهقي (1/ 83) عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال البيهقي: مرسل.

وقال النووي في الخلاصة (1/ 114): رواه أبو داود من رواية بقية، وفي الاحتجاج به خلاف. وقال في المجموع (1/ 455): ضعيف الإسناد. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 96): قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسناد جيد؟ قال: نعم .. وأعله المنذري بأن فيه بقية، وقال: عن بحير، وهو مدلس. لكن في المسند والمستدرك تصريح بقية بالتحديث، وفيه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وأجمل النووي القول في هذا فقال في شرح المهذب: هو حديث ضعيف الإسناد، وفي هذا الإطلاق نظر لهذه الطرق. اهـ.

وللحديث شاهد من حديث عمر رضي الله عنه رواه مسلم في الطهارة حديث 243، =

ص: 190

ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة فقط.

ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا متواليًا، وإنما لم يشترط في الغسل، لأن المغسول فيه بمنزلة العضو الواحد.

(وسبب وجوبه) أي: الوضوء (الحدث) فيجب بالحدث، ذكره ابن عقيل، وغيره. وفي الانتصار: بإرادة الصلاة بعده. وقال ابن الجوزي: لا تجب الطهارة قبل إرادة الصلاة بل تستحب، قال في "الفروع": ويتوجه قياس المذهب. بدخول الوقت لوجوب الصلاة إذن، ووجوب الشرط بوجوب المشروط، ويتوجه مثله في غسل. قال شيخنا: وهو لفظي اهـ.

وحديث: "لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ"

(1)

مخصوص بحديث: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"

(2)

.

(ويحل) الحدث الأصغر (جميع البدن كجنابة) ذكره القاضي، وأبو الخطاب، وأبو الوفاء، وأبو يعلى الصغير. ويؤيده أن المحدث لا يحل له مس المصحف بعضو غسله في الوضوء حتى يتم وضوءه. قال في "الفروع": ويتوجه وجه، أعضاء الوضوء.

= ومن حديث أنس رضي الله عنه رواه أبو داود في الطهارة باب 67، حديث 173، وابن ماجه في الطهارة، باب 139، حديث 665، وأحمد (3/ 146)، وأبو يعلى (5/ 322) رقم 2944، وأبو عوانة (1/ 253)، وابن خزيمة (1/ 84) رقم 164، والطبراني في الأوسط (7/ 271) رقم 6521، وابن عدي (2/ 550)، والدارقطني (1/ 108)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 330)، والبيهقي (1/ 83).

(1)

رواه مسلم في الطهارة، حديث 225، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ:"لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".

(2)

رواه مسلم في الطهارة، حديث 224، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 191

(وطهارة الحدث فرضت قبل التيمم) ذكر ابن عبد البر

(1)

: أنه معلوم عند جميع أهل السير، أنه عليه السلام افترض عليه بمكة الصلاة، والغسل من الجنابة، قال: ومعلوم أن غسل الجنابة لم يفرض قبل الوضوء، وأنه لم يصل قط بمكة صلاة إلا بوضوء، قال: وهذا مما لا يجهله عالم ولا يدفعه إلا معاند انتهى.

وعن زيد بن حارثة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاهُ في أولِّ ما أوحي إليه فعلّمه الوضوءَ، والصلاةَ. خرجه الإمام أحمد

(2)

، وتكلم فيه أبو حاتم الرازي وغيره لأجل ابن لهيعة، وقد تابعه عليه رشيد

(3)

بن سعد فرواه

(4)

.

قال الشيخ برهان الدين المحدث الحلبي: أعلم أن الوضوء أول ما فرض مع الصلاة

(5)

. اهـ. وكذلك في "المبدع". وكان فرضه مع فرض الصلاة كما

(1)

الاستذكار (3/ 155).

(2)

(4/ 161)، ورواه - أيضًا - عبد بن حميد (1/ 257) رقم 283، والدارقطني (1/ 111)، والبيهقي (1/ 161)، ورواه ابن ماجه في الطهارة، باب 58، حديث 462، مختصرًا بلفظ:"علمني جبرائيل الوضوء"، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 119): هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة، وسئل أبو حاتم عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث كذب باطل. انظر العلل (1/ 46).

(3)

صوابه: رشدين بن سعد، كما في "المسند":(5/ 203)، وكتب الرجال.

(4)

أخرجه الدارقطني (1/ 111) من طريق رشدين عن عقيل وقرة، عن ابن شهاب، عن عروة، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، بنحوه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 242) وقال: رواه أحمد، وفيه رشدين بن سعد، وثقه هيثم بن خارجة، وأحمد بن حنبل في رواية، وضعفه آخرون. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 119): ورشدين بن سعد ضعيف أيضًا.

(5)

انظر فتح الباري (1/ 232).

ص: 192

رواه ابن ماجه

(1)

. فآية المائدة مقررة لا مؤسسة.

(والنية شرط لطهارة الحدث) وضوءًا كانت أو غسلًا، (ولتيمم) ولو مسنونًا، أو عن نجاسة ببدن، (و) لـ (ــغسل، وتجديد وضوء مستحبين، ولغسل يدي قائم من نوم ليل، ويأتي، ولغسل ميت)؛ لأن الإخلاص عمل القلب، فهو النية، مأمور به. ولخبر:"إنما الأعمال بالنيات"

(2)

أي: لا عمل جائز ولا فاضل. لأن النص دل على الثواب في كل وضوء، ولا ثواب في غير منوي إجماعًا. ولأن النية للتمييز

(3)

. ولأنه عبادة ومن شرطها النية؛ لأن ما لم يعلم إلا من الشارع فهو عبادة كصلاة وغيرها، وهذا معنى قول الفخر إسماعيل، وأبي البقاء، وغيرهما: العبادة ما أمر به شرعًا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي. قيل لأبي البقاء: الإسلام والنية عبادتان ولا يفتقران إلى النية؟ فقال: الإسلام ليس بعبادة لصدوره من الكافر، وليس من أهلها

(4)

، سلمنا، لكن للضرورة؛ لأنه لا يصدر إلا من كافر. وأما النية فلقطع التسلسل، ونية الصلاة تضمنت السترة، واستقبال القبلة لوجودهما فيهما

(5)

حقيقة. ولهذا يحنث بالاستدامة، بخلاف الوضوء.

(1)

انظر ص/ 192، تعليق رقم 2.

(2)

متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه. رواه البخاري في بدء الخلق، باب 1، حديث 1، ومسلم في الإمارة، حديث 1907.

(3)

أي تمييز العبادات عن العادات، كالجلوس يكون تارة اعتكافًا وأخرى استراحة أو تمييز مراتب العبادات. (ش).

(4)

قوله: الإسلام ليس بعبادة خطأ ظاهر لأن الإسلام وهو أصل العبادة ولا تصح عبادة إلا به والله أعلم. من تقرير الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري رحمه الله على هامش نسخة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله تعالى - (1/ 62).

(5)

في (ح): فيها.

ص: 193

(إلا طهارة) أي: غسل (ذمية) أي: كتابية ولو حربية (لحيض، ونفاس، وجنابة) فلا تعتبر فيه النية للعذر.

(و) إلا غسل (مسلمة) انقطع حيضها أو نفاسها (ممتنعة) من الغسل (فتغسل قهرًا) لحق زوج، أو سيد.

(ولا نية) معتبرة هنا (للعذر) كالممتنع من زكاة. (ولا تصلي به) ذكره في "النهاية". قال في "شرح المنتهى": وقياس ذلك منعها من الطواف، وقراءة القرآن، ونحو ذلك مما يشترط له الغسل؛ لأنه إنما أبيح وطؤها لحق زوجها فيه فلا تستبيح به العبادة المشترط لها الغسل، وإنما لم يصح أن يُنوى عنها لعدم تعذرها منها بخلاف الميتة.

(و) إلا غسل (مجنونة من حيض ونفاس، مسلمة كانت أو كتابية) حرة أو أمة فلا تعتبر النية منها لتعذرها. (و) لكن (ينويه عنها) من يغسلها كالميتة، وقال أبو المعالي: لا نية كالكافرة؛ لعدم تعذرها مآلًا بخلاف الميت، وأنها تعيده إذا أفاقت وأسلمت ا. هـ.

قلت: ومقتضاه أنها لا تعيده على الأول لقيام نية الغاسل مقام نيتها.

(ولا ثواب في غير منوي) قال في "الفروع": إجماعًا.

(ويشترط لوضوء أيضًا عقل).

(وتمييز) لتتأتى النية.

(وإسلام) كسائر العبادات.

(وإزالة ما يمنع وصول الماء) عن أعضاء الوضوء، ليصل الماء إلى البشرة.

(وانقطاع ناقض) سواء كان خارجًا، أو غيره، واستنجاء، أو استجمار (قبله، وتقدم) بدليله في باب الاستنجاء.

ص: 194

(وطهورية ماء) لما تقدم أنه لا يرفع الحدث غير الماء الطهور.

(وإباحته) أي: الماء لحديث "مَنْ عمِلَ عملًا ليسَ عليه أمْرُنَا فهو رَدٌّ"

(1)

فلا يصح بمغصوب ونحوه، وتقدم.

(ودخول الوقت على من حدثه دائم لفرضه) أي: فرض ذلك الوقت؛ لأن طهارته طهارة عذر وضرورة، فتقيدت بالوقت كالتيمم. وعلم منه أنه لو توضأ لفائتة أو طواف أو نافلة صح متى أراده.

فهذه عشرة شروط للوضوء يشاركه الغسل منها في ثمانية كما ذكره المصنف استطرادًا بقوله:

(ويشترط لغسل نية) كما تقدم وهذا مكرر معه (وإسلام سوى ما تقدم وعقل) سوى ما تقدم (وتمييز، وفراغ موجب غسل، وإزالة ما يمنع وصول الماء) عن البدن (وطهورية ماء وإباحته) لما تقدم.

(ولو سبل ماء للشرب لم يجز التطهير منه) في حدث ولا نجس ببدن أو غيره، فلا يرتفع الحدث منه (ويأتي في الوقف).

(ولا تشترط النية لطهارة الخبث) ببدن كانت، أو بثوب، أو بقعة، لأنها من قبيل التروك.

(ومحلها) أي: النية (القلب)؛ لأنها من عمله، (فلا يضر سبق لسانه، بخلاف قصده) كما لو أراد أن يقول: نويت الوضوء، فقال: نويت الصوم، ولو تلفظ بغير قصد

(2)

لم يعتبر.

(ولا) يضر (إبطالها) أي: النية بعد فراغه؛ لأنه قد تم صحيحًا، ولم يوجد ما يفسده مما عدّ مفسدًا.

(1)

تقدم ص/ 46 تعليق رقم 1.

(2)

في (ح): قصده.

ص: 195

(ولا) يضر (إبطال الطهارة بعد فراغه) منها لما تقدم.

(ولا) يضر (شكه فيها) أي: في النية بعد فراغ الطهارة، كسائر العبادات. (أو) شكه (في الطهارة) أي: في غسل عضو، أو مسحه (بعده) أي: بعد الفراغ من الطهارة (نصًا)، كشكه في وجود الحدث مع تيقن الطهارة. (وإن شك في النية في أثنائها) أي: أثناء الطهارة (لزمه استئنافها)؛ لأن الأصل أنه لم يأت بها.

(وكذا إن شك في غسل عضو) في أثناء طهارته.

(أو) شك (في مسح رأسه في أثنائها) أي: الطهارة لزمه أن يأتي بما شك فيه ثم بما بعده؛ لأن الأصل أنه لم يأت به، كما لو شك في ركن في الصلاة، (إلا أن يكون وهمًا، كوسواس فلا يلتفت إليه)؛ لأنه من الشيطان.

ومتى علم أنه جاء ليتوضأ أو أراد فعل الوضوء مقارنًا له أو سابقًا عليه قريبًا منه فقد وجدت النية.

(فإن أبطلها) أي: النية (في أثناء طهارته بطل ما مضى منها) أي: من الطهارة، كالصلاة والصوم، فإن أراد الإتمام استأنف.

(ولو فرقها) أي: النية (على أعضاء الوضوء) بأن نوى رفع الحدث عن كل عضو عند غسله، أو مسحه (صح) وضوؤه، لوجود النية المعتبرة.

(وإن توضأ وصلى صلاته) المفروضة عليه (ثم أحدث، ثم توضأ وصلى) صلاة (أخرى، ثم علم أنه ترك واجبًا) أي: فرضًا أو شرطًا - بخلاف التسمية - (في أحد الوضوءين لزمه إعادة الوضوء)؛ لاحتمال أن المتروك منه هو الوضوء الثاني. (و) لزمه إعادة (الصلاتين) احتياطًا؛ لتبرأ ذمته بيقين.

ولو كان الوضوء الثاني تجديدًا، لم يلزم إلا إعادة الصلاة الأولى؛ لأن الطهارة الأولى إن كانت صحيحة فصلاته صحيحة، لأنها باقية لم تبطل

ص: 196

بالتجديد، وإن كانت غير صحيحة فقد ارتفع الحديث بالتجديد.

(وإن جعل الماء في فيه ينوي ارتفاع الحدث الأصغر ثم ذكر أنه جنب) أو كان متذكرًا ابتداء لكن لم ينو سوى رفع الأصغر (فنوى ارتفاع الحدثين) والماء في فيه (ارتفعا)؛ لأن الماء طهور ما دام في محل التطهير حتى ينفصل.

(ولو لبث الماء في فيه حتى تغير من ريقه لم يمنع) رفع الحدث الأكبر، لأنه تغير في محل التطهير، فلا يسلبه الطهورية.

(وإن غسل بعض أعضائه بنية الوضوء، و) غسل (بعضها بنية التبرد، ثم أعاد) غسل (ما نوى به التبرد بنية الوضوء قبل طول الفصل أجزأ) هـ ذلك لوجود الغسل بالنية مع الموالاة، فإن طال الفصل بحيث تفوت الموالاة بطل لفواتها.

(والتلفظ بها) أي: بالنية (وبما نواه) من وضوء أو غسل أو تيمم (هنا) أي: في الوضوء، والغسل، والتيمم (وفي سائر العبادات بدعة)، قاله في "الفتاوى المصرية"

(1)

، وقال: لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.

وفي "الهدي"

(2)

: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أول الوضوه: نويت ارتفاع الحدث ولا استباحة الصلاة، لا هو ولا أحد من أصحابه، ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد بسند صحيح، ولا ضعيف.

(واستحبه) أي: التلفظ بالنية (سرًا مع القلب كثير من المتأخرين) ليوافق اللسان القلب. قال في "الإنصاف": والوجه الثاني: يستحب التلفظ بها سرًا، وهو المذهب، قدمه في "الفروع"، وجزم به ابن عبيدان، و"التلخيص" وابن تميم وابن رزين، قال الزركشي: هو أولى عند كثير من

(1)

(1/ 1).

(2)

زاد المعاد (1/ 196).

ص: 197

المتأخرين ا. هـ. وكذا قال الشهاب الفتوحي، وهو المذهب.

(ومنصوص أحمد وجمع محققين خلافه) قال الشيخ تقي الدين وهو الصواب (إلا في الإحرام، ويأتي) في محله (وفي الفروع والتنقيح) وتبعهما في "المنتهى": (يسن النطق بها سرًا) لما تقدم (فجعلاه سنة، وهو سهو) عند من يفرق بين المسنون والمستحب، كما يعلم من كلامه في حاشية "التنقيح". والصحيح أنه لا فرق بينهما. ففي كلامه نظر واضح. وعلى فرض أن لا يكون هو الصحيح، فلا ينبغي نسبتهما إلى السهو مع جلالتهما وتحقيقهما للاختلاف فيه.

(ويكره الجهر بها) أي: بالنية (وتكرارها) قال الشيخ تقي الدين

(1)

: اتفق الأئمة على أنه لا يشرع الجهر بها وتكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه، وكذا بقية العبادات، وقال: الجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه لاسيما إذا آذى به أو كرره، وقال: الجهر بلفظ النية منهي عنه عند الشافعي

(2)

وسائر أئمة الإسلام، وفاعله مسيء، وإن اعتقده دينًا خرج من إجماع المسلمين. ويجب نهيه ويعزل عن الإمامة إن لم ينته؛ فإن في "سنن أبي داود"

(3)

: "أمر بعزل إمام

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 21، ومجموع الفتاوى (22/ 218 - 219). ومختصر الفتاوى المصرية ص/ 9، 10.

(2)

انظر الأم (2/ 155).

(3)

كتاب الصلاة، باب 22، حديث 481، عن السائب بن خلاد رضي الله عنه أن رجلًا أم قومًا، فبصق في القبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ:"لا يصلي لكم" فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم، وحسب أنه قال: إنك آذيت الله ورسوله. ورواه - أيضًا - أحمد (4/ 56)، وابن حبان (4/ 515) رقم 1636، وضعفه عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 294)، وصححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 336)، وجوّد إسناده الحافظ العراقي في طرح التثريب (2/ 381). =

ص: 198

لأجل بصاقه في القبلة"، فإن الإمام عليه أن يصلي كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي.

(وهي) أي: النية (قصد رفع الحدث، أو) قصد (الطهارة لما لا يباح إلا بها)، بأن يقصد الوضوء للصلاة، أو الطواف، أو مس المصحف، ونحوه. (حتى ولو نوى مع) رفع (الحدث) إزالة (النجاسة، أو التبرد، أو التنظيف، أو التعليم) فإنه لا يؤثر في النية، كمن نوى مع الصوم هضم الطعام، أو مع الحج رؤية البلاد النائية ونحوه، لكنه ينقص الثواب على مقتضى ما يأتي في باب النية.

(لكن ينوي مَن حدثه دائم) كالمستحاضة، ومن به سلس بول، أو نحوه (الاستباحة) دون رفع الحديث. لمنافاة وجوده نية رفع

(1)

، وسواء انتقضت طهارته بخروج الوقت، أو طروء حدث آخر.

(ويرتفع حدثه) على الصحيح، قدمه ابن تميم، وابن حمدان، قال المجد: هذه الطهارة ترفع الحدث الذي أوجبها. وقال أبو جعفر: طهارة المستحاضة لا ترفع الحدث قال في "الإنصاف": والنفس تميل إليه، وهو ظاهر "المغني" و"الشرح".

(ولا يحتاج) من حدثه دائم (إلى تعيين نية الفرض)؛ لأن طهارته ترفع الحدث، بخلاف التيمم.

= وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، رواه بقي بن مخلد، كما في بيان الوهم والإيهام (5/ 282)، وصححه ابن القطان، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 275) رقم 439، وعزاه إلى الطبراني في الكبير وجوّد إسناده، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 20): رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

ولم نقف عليه فيما طبع من المعجم الكبير.

(1)

في (ح) و (ذ): رفعه.

ص: 199

(فإن نوى) المتوضئ بوضوئه (ما تسن له الطهارة كـ) - أن نوى الوضوء لـ (ــقراءة، وذكر، وأذان، ونوم، ورفع شك) في حدث أصغر، (وغضب)؛ لأنه من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفئ النار كما في الخبر

(1)

. (وكلام محرم كغيبة ونحوها، وفعل مناسك الحج نصًا) كوقوف، ورمي جمار، (غير طواف)؛ فإن الطهارة تجب له كالصلاة. (وكجلوس بمسجد). وفي "المغني":(وأكل، وفي النهاية: وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم)

(2)

.

وقيل: ودخول مسجد. وقدمه في "الرعاية". وقيل: وحديث، وتدريس علم، وقدمه في "الرعاية" أيضًا (ويأتي في الغسل تتمته، أو نوى التجديد إن سن) ويأتي بيانه (ناسيًا حدثه) ارتفع؛ لأنه يشرع له فعل هذا وهو غير محدث. وقد نوى ذلك، فينبغي أن يحصل له، قاله: في "الشرح". وقال: لو قصد أن لا يزال على طهارة صحت طهارته، لأنها شرعة، وقوله: ناسيًا حدثه، أي: حال نيته للتجديد، هذا هو المتبادر من عبارة المصنف، وإن احتمل عوده للمسائل الثلاث، قاله

(3)

الشهاب الفتوحي. ومفهومه أنه لو كان عالمًا بحدثه لم يرتفع لتلاعبه، (أو) نوى استباحة (صلاة بعينها لا يستبيح

(1)

روى البخاري في التاريخ الكبير (7/ 8)، وأبو داود في الأدب، باب 4، حديث 4784، وأحمد (4/ 226)، وابن حبان في المجروحين (2/ 25)، والطبراني في الكبير (17/ 176) رقم 443، والبغوي في شرح السنة (13/ 161) رقم 3583، وابن عساكر (40/ 464) عن عطية السعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" سكت عليه أبو داود، والمنذري، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 377) مع الفيض، ورمز لحسنه.

(2)

لا دليل على ما ذكره المؤلف نقلًا عن صاحب النهاية.

(3)

في (ح): قال.

ص: 200

غيرها ارتفع حدثه)، وله أن يصلي ما شاء، (ولغا تخصيصه)؛ لأن من لازم رفع الحدث استباحة جميع الصلوات من تلك الحيثية.

(ويسن التجديد إن صلى بينهما) لحديث أبي هريرة يرفعه: "لولا أن أشُقَّ على أمّتي لأمرتُهمْ بالوضوءِ عندَ كلِّ صلاةٍ" رواه أحمد

(1)

بإسناد صحيح.

(وإلا) أي: وإن لم يصل بينهما (فلا) يسن التجديد. فلو توضأ ولم يصل وأحدث فنسي حدثه ونوى التجديد وتوضأ لم يرتفع حدثه. لأنه لم ينو طهارة شرعية.

(ويسن) التجديد (لكل صلاة) أرادها، وظاهره: ولو نفلًا.

و (لا) يسن (تجديد تيمم، وغسل) لعدم وروده.

(وإن نوى غسلًا مسنونًا) كغسل الجمعة والعيد (أجزأ عن) الغسل (الواجب) لجنابة أو غيرها، إن كان ناسيًا للحدث الذي أوجبه. ذكره في "الوجيز": وهو مقتضى قولهم فيما سبق: أو نوى التجديد ناسيًا حدثه، خصوصًا وقد جعلوا تلك أصلًا لهذه فقاسوها عليها.

(وكذا عكسه)، فإذا نوى غسلًا واجبًا أجزأ عن المسنون بطريق الأولى.

(وإن نواهما) أي: الواجب والمسنون (حصلا) أي: حصل له ثوابهما. وعلم منه أن اللتين قبلهما ليس له فيهما إلا ثواب ما نواه، وإن أجزأ عن الآخر، لحديث:"وإنما لكل امرئ ما نوى"

(2)

وليس المراد بالإجزاء

(3)

هنا سقوط

(1)

(2/ 258 - 259) ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 197) رقم 3039، والطيالسي ص/ 306 رقم 2328، وأورد المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 222) رقم 313، وقال: رواه أحمد بإسناد حسن، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 340) مع الفيض، ورمز لصحته.

(2)

تقدم ص/ 193 تعليق رقم 2.

(3)

في (ح): معنى الإجزاء.

ص: 201

الطلب بدليل قوله: (والمستحب أن يغتسل للواجب غسلًا ثم للمسنون غسلًا آخر) لأنه أكمل.

(وإن نوى طهارة مطلقة) بأن نوى مطلق الطهارة لا لرفع حدث، أو صلاة، أو نحوها. لم يرتفع حدثه لعدم نيته له.

(أو) نوى (وضوءًا مطلقًا) لم يرتفع حدثه؛ لأن الوضوء من الوضاءة. - وهي النظافة -، تارة يكون عادة، وتارة عبادة. فلا بد من تمييزه بالنية. بخلاف ما لو نوى الوضوء للصلاة ونحوها.

(أو) نوى (الغسل وحده) أي: نوى الغسل وأطلق. لم يرتفع حدثه، لا الأصغر ولا الأكبر. قال أبو المعالي في "النهاية": لا خلاف أن الجنب إذا نوى الغسل وحده لم يجزئه؛ لأنه تارة يكون عبادة، وتارة يكون غير عبادة، فلا يرتفع حكم الجنابة انتهى.

وكذا إن نوى الغسل للجنابة لم يرتفع حدثه الأصغر إلا إن نواه. ويأتي في الغسل.

(أو) نوى الغسل (لمروره في المسجد لم يرتفع) حدثه، لأن المرور فيه لا تشرع له الطهارة. أشبه ما لو نوى بطهارته لبس ثوب ونحوه. ويحتمل أن المعنى إن نوى الجنب الغسل الواجب لمروره في المسجد لم يرتفع حدثه الأصغر، بخلاف ما لو قصد الغسل للصلاة.

(وإن اجتمعت أحداث متنوعة - ولو) كانت (متفرقة) - في أوقات (توجب وضوءًا) كالبول، والغائط، والريح، والنوم (أو) توجب (غسلًا) كالجماع، وخروج المني، والحيض (فنوى بطهارته أحدها ارتفع هو) أي: الذي نوى رفعه، (و) ارتفع (سائرها)؛ لأن الأحداث تتداخل. فإذا نوى بعضها غير مقيد ارتفع جميعها؛ كما لو نوى رفع الحدث وأطلق.

ص: 202

(وإن نوى أحدها) - أي: الأحداث - (ونوى أن لا يرتفع غيره لم يرتفع غيره)؛ لأنه قد تطهر بنية بقاء غيره من الأحداث؛ فلم يرتفع سوى ما نواه. وإلا لزم حصول عمل لم ينوه. (ولو كان عليه حدث نوم فغلط ونوى رفع حدث بول ارتفع حدثه) لتداخل الأحداث كما تقدم.

(ويجب الإتيان بها) أي: بالنية (عند أول واجب) في الوضوء، أو الغسل، أو التيمم، أو غيرها من العبادات؛ لأن النية شرط لصحة واجباتها، فيعتبر كونها كلها بعد النية. فلو فعل شيئًا من الواجبات قبل النية لم يعتد به.

(وهو) أي: أول واجب في الوضوء، والغسل، والتيمم (التسمية) لحديث "لا وضوءَ لمنْ لمْ يذكرْ اسمَ اللهِ عليه"

(1)

؛ لأن من ذكرها في الأثناء إنما ذكرها

(1)

رواه جماعة من الصحابة منهم:

أ - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه. أخرجه الترمذي في الطهارة، باب 20، حديث 25، 26، وفي العلل الكبير (31) رقم 16، وابن ماجه في الطهارة، باب 41، حديث 398، والطيالسي (33) حديث 242، 243، وأبو عبيد في الطهور (140)، وابن أبي شيبة (1/ 3)، وأحمد (4/ 70، 5/ 381 - 382، 6/ 382)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 367) رقم 344، والعقيلي (1/ 77) والطحاوي (1/ 26)، والطبراني في الدعاء (2/ 969) رقم 374 - 377، والدارقطني (1/ 73)، والبيهقي (1/ 43)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 337) كلهم من طرق عن أبي ثِفال المري، عن رباح بن عبد الرحمن بن حويطب، عن جدته، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.

ورواه أحمد (6/ 382) - أيضًا -، والطحاوي (1/ 27)، والحاكم (4/ 60) من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثِفال، عن رباح، عن جدته، مرفوعًا لم يذكروا سعيد بن زيد.

ب - ومنهم أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه الترمذي في العلل الكبير (33) رقم 18، وابن ماجه في الطهارة، باب 41، حديث 397، وابن أبي شيبة (1/ 2)، =

ص: 203

على البعض لا على الكل.

(ويستحب) الإتيان بالنية (عند أول مسنوناتها) أي: الطهارة (إن وجد) ذلك المسنون (قبل واجب. كغسل اليدين لغير قائم من نوم الليل) إن وجد قبل التسمية في الوضوء، أو الغسل. لتشمل النية مفروض الطهارة ومسنونها. فيثاب على كل منها

(1)

.

= وأحمد (3/ 41)، وعبد بن حميد (2/ 76) رقم 908، والدارمي في الطهارة، باب 24، رقم 697، وأبو يعلى (2/ 324) رقم 1060، والطبراني في الدعاء (2/ 972) رقم 380، وابن السني في عمل اليوم والليلة (15) رقم 26، وابن عدي (3/ 1034)، والدارقطني (1/ 71)، والحاكم (1/ 147)، والبيهقي (2/ 43).

ج - ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه. أخرجه أبو داود في الطهارة، باب 48، رقم 101، والترمذي في العلل الكبير (32) رقم 17، وابن ماجه في الطهارة، باب 41، رقم 399، وأحمد (2/ 418)، وأبو يعلى (11/ 293) رقم 6409، والطبراني في الأوسط (9/ 36) رقم 8076، وفي الدعاء (2/ 971) رقم 379، والدارقطني (1/ 79)، والحاكم (1/ 146)، والبيهقي (1/ 43).

د - ومنهم سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. أخرجه ابن ماجه في الطهارة، باب 41، حديث 400، والطبراني في الكبير (6/ 121) رقم 569، وفي الدعاء (2/ 973) رقم 382، والحاكم (1/ 269)، والبيهقي (2/ 379).

وأسانيد هذه الأحاديث لا تخلو من مقال. لكن قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 75): والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلًا، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. اهـ.

انظر كلام الأئمة على هذه الأحاديث في سنن الترمذي وعلله في المواضع المشار إليها سابقًا، وعلل ابن أبي حاتم (1/ 52)، وعلل الدارقطني (4/ 433)، والضعفاء للعقيلي (1/ 177)، والأوسط لابن المنذر (1/ 368)، والكامل لابن عدي (3/ 1034)، وبيان الوهم والإيهام (3/ 313)، ونتائج الأفكار (1/ 223)، والتلخيص الحبير (1/ 272).

(1)

في (ح): منهما.

ص: 204

(فإن غسلهما) أي: اليدين (بغير نية فكمنْ لم يغسلهما)؛ لحديث: "إنما الأعمالُ بالنياتِ"

(1)

. فتستحب إعادة غسلهما بعد النية.

(ويجوز تقديمها) أي: النية على الطهارة (بزمن يسير، كصلاة)، وزكاة.

(ولا يبطلها) أي: النية (عمل يسير) قبل الشروع في الطهارة ونحوها. فإن كثر بطلت، واحتاج إلى استئنافها.

(ويستحب استصحاب ذكرها) بقلبه؛ بأن يكون مستحضرًا لها في جميع الطهارة، لتكون أفعاله كلها مقترنة بالنية.

والذكر - بضم الذال وكسرها - قاله ابن مالك في مثلثته

(2)

، وقال الكسائي: الذكر باللسان ضد الإنصات. وذاله مكسورة. وبالقلب ضد النسيان. وذاله مضمومة. وقال غيره: هما لغتان.

(ولا بد من استصحاب حكمها. بأن لا ينوي قطعها) فإن عزبت عن خاطره لم يؤثر ذلك في الطهارة كما لا يؤثر في الصلاة.

ومحله: إن لم ينو بالغسل نحو تنظيف أو تبرد، كما ذكره المجد.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 193 تعليق رقم 2.

(2)

إكمال الإعلام بتثليث الكلام (1/ 230).

ص: 205

فصل

(صفة الوضوء) الكامل (أن ينوي) الوضوء للصلاة، ونحوها أو رفع الحدث. كما تقدم.

(ويستقبل القبلة) قال في "الفروع": وهو متجه في كل طاعة إلا لدليل.

(ثم يقول: "باسم الله" لا يقوم غيرها مقامها) فلو قال: باسم الرحمن، أو القدوس، أو نحوه، لم يجزئه لما يأتي.

(وهي) أي: التسمية (واجبة في وضوء)؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاةَ لمنْ لا وضوءَ لهُ، ولا وضوءَ لمنْ لمْ يذكر اسم اللهِ عليهِ" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه

(1)

.

ولأحمد، وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد وأبي سعيد

(2)

مثله.

قال البخاري

(3)

: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن، يعني حديث سعيد بن زيد.

وسئل إسحق بن راهويه

(4)

: أي حديث أصح في التسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد.

ومحلها اللسان لأنها ذكر.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 203 تعليق رقم 1 فقرة ج.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 203 تعليق رقم 1 فقرة أ، ب.

(3)

سنن الترمذي (1/ 39).

(4)

انظر مسائل الكوسج (1/ 181)، والأوسط (1/ 368)، والتلخيص الحبير (1/ 74).

ص: 207

ووقتها عند أول الواجبات وجوبًا، وأول المسنونات استحبابًا كالنية.

(و) هي واجبة أيضًا في (غسل وتيمم) قياسًا على الوضوء. (وتسقط) في الثلاثة (سهوًا) نصًا، لأنها عبادة تتغاير أفعالها، فكان من واجباتها ما يسقط سهوًا كالصلاة.

قلت: مقتضى قياسهم على الصلاة سقوطها جهلًا، خلافًا لما بحثه في القواعد الأصولية

(1)

، قياسًا على الذكاة.

والظاهر إجزاؤها بغير العربية. ولو ممن يحسنها كالذكاة إذ لا فرق.

(وإن ذكرها) أي: التسمية (في أثنائه) أي: أثناء ما ذكر من الوضوء، أو الغسل، أو التيمم (سمى وبنى)؛ لأنه لما عفي عنها مع السهو في جملة الطهارة ففي بعضها أولى.

قال المصنف في حاشية التنقيح: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. اختاره القاضي، والموفق في "المغني" و"الكافي" و"الشارح"؛ وابن عبيدان، وابن تميم، وابن رزين في "مختصره"، و"المستوعب" و"الرعاية الصغرى" و"روضة الفقه" و"الحاوي الكبير". وحكاه الزركشي عن الشيرازي، وابن عبدوس انتهى. وشارح "المحرر" والشيخ يوسف المرداوي في كتابه:"نهاية الحكم المشروع في تصحيح الفروع" والعسكري في كتابه "المنهج" وغيرهم، خلافًا لما صححه في "الإنصاف". وحكاه عن "الفروع" ولم يذكر غيره، انتهى المقصود منه.

والذي صححه في "الإنصاف" مشى عليه صاحب "المنتهى". قال: لكن إن ذكرها في بعضه ابتدأ. قال في "شرحه": لأنه أمكنه أن يأتي بها على

(1)

القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص/ 34.

ص: 208

جميعه؛ فوجب كما لو ذكرها في أوله.

(فإن تركها) أي: التسمية (عمدًا) لم تصح طهارته؛ لما تقدم.

(أو) تركها عمدًا (حتى غسل بعض أعضائه) المفروضة، أو حتى مسحها بالتراب في التيمم، (ولم يستأنف) ما فعله قبل التسمية، (لم تصح طهارته)؛ لأنه لم يذكر اسم الله على طهارته، بل على بعضها.

(والأخرس يشير بها) وكذا المعتقل لسانه. قال في "المنتهى": وتكفي إشارة أخرس، ونحوه بها. وظاهره وجوب الإشارة مع أنهم لم يوجبوا مثل ذلك في تكبيرة الإحرام، وهي آكد. إلا أن يكون فرق، نحو أن يقال: الإشارة إلى التبرك ممكنة. كرفع رأسه إلى السماء. بخلاف افتتاح الصلاة فإنه لا يعلم من الإشارة إلى السماء.

(ثم يغسل كفيه ثلاثًا، ولو تيقن طهارتهما)؛ لأن عثمان وعليًّا وعبد الله بن زيد وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أنه غسل كفيه ثلاثًا

(1)

.

(1)

حديث عثمان رضي الله عنه رواه البخاري في الوضوء، باب 24، 28، حديث 159، 164، وفي الصوم، باب 27، حديث 1934، ومسلم في الطهارة، حديث 226.

وحديث علي رضي الله عنه. رواه أبو داود في الطهارة، باب 50، حديث 111، 112، والترمذي في الطهارة، باب 37، حديث 48، والنسائي في الطهارة، باب 75، 76، 77، 79، 93، حديث 92، 93، 94، 96، 115، وعبد الرزاق (1/ 38) رقم 120، وابن أبي شيبة (1/ 8)، وأحمد (1/ 110، 122، 127، 135، 139، 154)، وابنه عبد الله في زوائد المسند (1/ 127، 157، 158)، والبزار في مسنده (2/ 310) رقم 736، وابن خزيمة (1/ 76) رقم 147، وابن حبان "الإحسان"(3/ 337، 360) رقم 1056، 1079، والبيهقي (1/ 48، 58، 59، 74، 75). وقال الترمذي: حسن صحيح. =

ص: 209

ولأنهما آلة نقل الماء إلى الأعضاء. ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.

(وهو سنة)؛ لأنه لم يذكر في الآية، (لغير قائم من نوم ليل ناقض لوضوء) أي: الذي من شأنه ذلك. بأن لم يكن نائمًا أو كان نائمًا بالنهار، أو بالليل نومًا لا ينقض الوضوء، كاليسير من جالس وقائم.

(فإن كان) قائمًا (منه) أي: من نوم الليل الناقض للوضوء (فـ) ــغسلهما ثلاثًا (واجب تعبدًا) كغسل الميت؛ لحديث: "إذا استيقظ أحدكم. . ." وتقدم في أول الطهارة

(1)

.

ولكون غسلهما واجبًا تعبدًا، وجب ولو باتتا مكتوفين، أو في جراب ونحوه.

(ويسقط) غسل اليدين من قيام الليل (سهوًا). قال في "المبدع": إذا نسي غسلهما سقط مطلقًا؛ لأنها طهارة مفردة بيان وجبت. ومقتضاه أنه لا يستأنف ولو تذكر في الأثناء، بل ولا يغسلهما بعد، بخلاف التسمية في الوضوء لأنها منه.

"تنبيه"

(2)

: نقل ابن تميم عن "النكت" أن غسل اليدين - على القول بوجوبه - شرط لصحة الصلاة، واقتصر عليه. وكذا حكاه الزركشي عن ابن

= وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه. رواه البخاري في الوضوء، باب 38، 39، 41، 42، 46، حديث 185، 186، 191، 192، 199، ومسلم في الطهارة حديث 235.

(1)

تقدم ص/ 55 تعليق 1.

(2)

قوله: تنبيه إلى قوله: عبد الرحمن البهوتي حاشية ليست من الشارح كما رأيته في نسخة الشارح بخطه، فتنبه لذلك. (ش) قلنا: وليست أيضًا في: (ح) ولا: (ذ).

ص: 210

عبدوس وغيره، واقتصر عليه أيضًا. ولم يوجد في كلام أحد ممن تأخر عن هؤلاء ما يخالفه، وحيث كان كذلك فكيف يسقط بالنسيان، قاله شيخنا عبد الرحمن البهوتي.

(وتعتبر له) أي: لغسل يد القائم من نوم الليل الناقض للوضوء (نية، وتسمية) كالوضوء. وتسقط التسمية سهوًا كالوضوء.

(ولا يجزئ عن نية غسلهما نية الوضوء)، ولا نية الغسل؛ (لأنها طهارة مفردة لا من الوضوء، و) الدليل على أنها طهارة مفردة أنه (يجوز تقديمها على الوضوء بالزمن الطويل)؛ ولو كانت منه لم تتقدم عليه كذلك.

(ويستحب تقديم اليمنى على اليسرى في هذا الغسل) لقول عائشة فيما سبق: "وفي شأنه كُلِّه"

(1)

.

(وإذا استيقظ أسير في مطمورة أو) استيقظ (أعمى أو نحوه) كأرمد (من نوم ولا يدري أنوم ليل) هو (أو) نوم (نهار؟ لم يجب غسلهما)؛ لأنه شك في الوجوب

(2)

، والأصل عدمه. (وتقدم في كتاب الطهارة).

(وغسلهما لمعنى فيهما) غير معقول لنا، (فلو استعمل الماء ولم يدخل يده في الإناء لم يصح وضوؤه وفسد الماء).

وفي "المستوعب": إن كان وضوؤه من ماء قليل أدخل كفيه فيه قبل غسلهما، لم يصح وضوؤه لما بينا أن ذلك الماء يصير غير مطهر. وإن كان وضوؤه من ماه أكثر من قلتين، أو من ماء قليل لم يدخل يده فيه، بأن صب على وجهه بإناء، أو صمد لأنبوب، فجرى على وجهه فوضوؤه صحيح.

وكذا في "الشرح": لو توضأ، أو اغتسل من ماء كثير بغمس أعضائه فيه،

(1)

تقدم تخريجه ص/ 150 تعليق 2.

(2)

في (ح) و (ذ): الموجب.

ص: 211

ولم ينو غسل اليد من نوم الليل، يرتفع حدثه، ولا يجزئه عن غسل اليد من نوم الليل عند من أوجب النية له.

(وتسن بداءته قبل غسل وجهه بمضمضة بيمينه) لحديث عثمان: أنه "توضأ فدعا بماءٍ، فغسلَ يديه ثلاثًا، ثم غَرفَ بيمينه، ثم رَفَعها إلى فيهِ، فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ بكفٍّ واحدٍ، واسْتَنْثَر بِيَسارِه، فعل ذلك ثلاثًا، ثم ذكر سائرَ الوُضُوء. ثم قال: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ لَنا كمَا توضأتُ لَكُمْ" رواه سعيد

(1)

.

(و) يسن (تسوكه) عند المضمضة لقوله عليه السلام: "لولا أن أشق على أمَّتِي لأمرتُهم بالسواكِ عند كلَّ وضوءٍ" رواه أحمد بإسناد صحيح، من حديث أبي هريرة، وهو للبخاري تعليقًا

(2)

.

(ثم باستنشاق بيمينه ثلاثًا ثلاثًا، إن شاء من غرفة، وهو أفضل) لحديث علي: "أنه توضأ فمضمضَ ثلاثًا، واستنشَقَ ثلاثًا بكفٍّ واحد، وقال: هذا وضوءُ نَبِيِّكُم صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد في "المسند"

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 209 تعليق رقم 1.

(2)

الإمام أحمد: (2/ 250، 433، 460، 517)، والبخاري تعليقًا في الصوم، باب 27. ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 196 - 198) رقم 3032 - 3034، 3037 - 3038، وعبد الرزاق (1/ 555)، وابن الجارود رقم 63، وابن خزيمة (1/ 73) رقم 140، والطحاوي (1/ 43، 44)، وابن حبان (4/ 399) رقم 1531، والحاكم (1/ 146)، والبيهقي (1/ 35، 36)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 196).

ورواه النسائي في الكبرى (2/ 198) رقم 3044، 3045، والطحاوي (1/ 43)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 196) موقوفًا، وقال ابن عبد البر (7/ 194): هذا الحديث يدخل في المسند لاتصاله من غير ما وجه ولما يدل عليه اللفظ.

(3)

(1/ 123)، وهو من زوائد عبد الله، ورواه - أيضًا - ابن ماجه في الطهارة، باب 43، حديث 404، وابن أبي شيبة (1/ 8، 38)، عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم =

ص: 212

(وإن شاء من ثلاث) لحديث علي أيضًا: "أنه مضمض واستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات" متفق عليه"

(1)

.

(وإن شاء من ست) غرفات لحديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: "رأيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق" رواه أبو داود

(2)

. ووضوؤه كان ثلاثًا ثلاثًا، فلزم كونها من ست.

(ولا يفصل ببن المضمضة والاستنشاق) استحبابًا. وحديث طلحة المذكور يمكن حمله على بيان الجواز.

(وتجب الموالاة بينهما وبين بقية الأعضاء) لأنهما من الوجه، أشبها سائره.

(وكذا) يجب (الترتيب) بينهما وبين بقية الأعضاء كما سبق.

و (لا) يجب الترتيب (بينهما وبين الوجه) لأنهما منه كما تقدم.

= توضأ فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا من كف واحد، ورواه أبو داود في الطهارة، باب 50، حديث 111، والنسائي في الطهارة، باب 75، 76، 77، حديث 92، 93، 94، وأحمد (1/ 139)، وابنه عبد الله في زوائده على المسند ص/ 125، 141، بنحوه.

(1)

لم نجده في "الصحيحين" من حديث علي رضي الله عنه، إنما رواه البخاري في الوضوء، باب 42، حديث 192، ومسلم في الطهارة، حديث 235، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه. وأما حديث علي رضي الله عنه فهو بلفظ:"فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا بكف واحد" وقد تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

في الطهارة، باب 54، حديث 139، ورواه - أيضًا - البيهقي (1/ 51)، قال أبو داود في سننه (1/ 92): وسمعت أحمد يقول: إن ابن عيينة زعموا أنه كان ينكره، ويقول: إيش هذا طلحة، عن أبيه، عن جده. وقال النووي في المجموع (1/ 367): رواه أبو داود في سننه بإسناد ليس بقوي. وضعفه في الخلاصة (1/ 101 - 102)، وانظر زاد المعاد (1/ 192).

ص: 213

وأما الموالاة بينهما وبين الوجه فمعتبرة.

(ويسن استنثاره بيساره) لحديث عثمان

(1)

. وهو مأخوذ من النثرة، وهي طرف الأنف أو هو.

(و) تسن (مبالغة فيهما لغير صائم) لما روى لقط بن صَبِرة قال: قلت "يا رسول الله، أخبرْنِي عن الوضوءِ، قال: أسبغ الوضوءَ، وخلِّلْ بين الأصابع، وبالغْ في الاستنْشَاقِ إلا أنْ تكون صائمًا" رواه الخمسة

(2)

وصححه الترمذي. وعن ابن عباس مرفوعًا قال: "استنْثِرُوا مرَّتَيْنِ بالغَتَيْنِ أو ثلاثًا" رواه أحمد

(1)

تقدم ص/ 212 تعليق 1.

(2)

أبو داود في الطهارة، باب 55، حديث 142 مطولًا، وفي الصوم، باب 27، حديث 2366. والترمذي في الصوم، باب 69، حديث 788، وفي الطهارة مختصرًا بقوله: إذا توضأت فخلل الأصابع، باب 30، حديث 38، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في الطهارة، باب 71، حديث 87، وباب 92، حديث 114، وابن ماجه في الطهارة، باب 44، حديث 407، وباب 54، حديث 448، دون ذكر: وخلل بين الأصابع. وأحمد (4/ 33، 211).

ورواه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد (166)، والشافعي في مسنده (1/ 32 - 33)، والطيالسي ص/ 191 رقم 1341، وعبد الرزاق (1/ 26)، وابن أبي شيبة (1/ 11، 27)، والدارمي في الطهارة، باب 34 حديث 705، وابن الجارود رقم 80، وابن خزيمة (1/ 78، 87)، حديث رقم 150، 168، وابن حبان "الإحسان"(3/ 332 - 333، 368) رقم 1054، 1087، والحاكم (1/ 147، 148)، والبيهقي (1/ 51 - 52، 4/ 261)، والبغوي في شرح السنة (1/ 415 - 417) رقم 213، وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه النووي في المجموع (1/ 352)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 592).

ص: 214

وأبو داود وابن ماجه

(1)

.

(وتكره) المبالغة في المضمضة والاستنشاق (له) أي: الصائم. لأنها مظنة إيصال الماء إلى جوفه.

(و) تسن (مبالغة في سائر) أي: باقي (الأعضاء) للصائم وغيره.

(فـ) ــالمبالغة (في مضمضة: إدارة الماء في جميع الفم).

(و) المبالغة (في الاستنشاق: جذبه) أي: الماء (بنَفَس إلى أقصى أنف

(2)

.

والواجب) في المضمضة (أدنى إدارة) للماء في فمه.

(و) الواجب في الاستنشاق (جذب الماء إلى باطن الأنف) وإن لم يبلغ أقصاه.

(فلا يكفي) في المضمضة (وضع الماء في فيه بدون إدارة)؛ لأنه لا يسمى مضمضة.

وكذا لا يكفي في الاستنشاق وضعه في أنفه بدون جذب إلى باطن الأنف، لأنه لا يسمى استنشاقًا.

(ثم) بعد إدارة الماء في فيه (له بلعه ولفظه) أي: طرحه، لأن الغسل قد حصل.

(1)

الإمام أحمد: (1/ 228، 315، 352)، وأبو داود في الطهارة، باب 55، حديث 141، وابن ماجه في الطهارة، باب 44، حديث 408، ورواه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (7/ 201)، والطيالسي ص/ 356 رقم 2725، وابن أبي شيبة (1/ 27)، وابن الجارود (77)، والحاكم (1/ 148)، والبيهقي (1/ 49)، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (1/ 262)، وقال في التلخيص الحبير (1/ 82): وصححه ابن القطان.

(2)

في (ح): الأنف وهو أولى.

ص: 215

(ولا يجعل المضمضة أولًا) أي: ابتداء من غير إدارة في فمه (وَجُورًا).

(ولا) ويجعل (الاستنشاق) ابتداء (سَعوطًا)؛ لأن ذلك لا يسمى مضمضة ولا استنشاقًا.

(والمبالغة في غيرهما) أي: غير المضمضة والاستنشاق (دَلك المواضع التي ينبو عنها الماء) أي: لا يطمئن عليها (وعَركُها به) أي: بالماء.

ص: 216

فصل

(ثم يغسل وجهه) للنص، فيأخذ الماء بيديه جميعًا، أو يغترف بيمينه ويضم إليها الأخرى ويغسل بهما (ثلاثًا)؛ لأن السنة قد استفاضت به، خصوصًا حديث عثمان المتفق عليه

(1)

.

وحد الوجه (من منابت شعر الرأس المعتاد غالبًا)، فلا عبرة بالأفرع، الذي ينبت شعره في بعض جبهته، ولا بالأجلح الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه (مع ما انحدر من اللحيين) بفتح اللام وكسرها، (والذقن) وهو مجمع اللحيين، بفتح الذال والقاف (طولًا) أي: من جهة الطول.

(و) حد الوجه (من الأذن إلى الأذن عرضًا)؛ لأن ذلك تحصل به المواجهة، والأذنان ليسا من الوجه (فيدخل فيه) أي: الوجه (عذار. وهو الشعر النابت على العظم الناتئ) أي: المرتفع (المسامت) أي: المحاذي (صماخ الأذن) بكسر الصاد، وهو خرقها، وكذا البياض الذي بين العذار والأذن من الوجه. ونص عليه الخرقي. لأنه يغفل الناس عنه.

وقال مالك: ليس من الوجه، ولا يجب غسله. قال ابن عبد البر

(2)

: لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا.

(ولا يدخل) في الوجه (صدغ) بضم الصاد المهملة (وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذي رأس الأذن وينزل عنه قليلًا) وهو من الرأس؛ لأن في حديث الرُّبَيّع أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "مسحَ برأسِهِ وصُدْغَيهِ وأذُنَيهِ مرةً واحدةً" رواه

(1)

تقدم تخرجه ص/ 209 تعليق 1.

(2)

التمهيد (20/ 118).

ص: 217

أبو داود

(1)

. ولم ينقل أحد أنه غسله مع الوجه.

(ولا) يدخل أيضًا في الوجه (تحذيف، وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزَعة ومنتهى العذار).

(ولا النزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر من فودي الرأس، وهما جانبا مقدميه) قال في "القاموس"

(2)

: الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن وناحية الرأس (بل جميع ذلك من الرأس، فيمسح معه). أما الصدغ فلما تقدم، وأما التحذيف فلأنه شعر متصل بشعر الرأس لم يخرج عن حده، أشبه الصدغ، وأما النزعتان: فلأنه لا تحصل بهما المواجهة، ولدخولهما في حد الرأس؛ أنه ما ترأس وعلا. وقول الشاعر

(3)

:

فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا

أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا

فالإضافة لأدنى ملابسة، كما في:"سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره"

(4)

مع أن الأذنين ليستا من الوجه، بل مجاورتان له. وكذا النزعتان.

(1)

في الطهارة، باب 50، حديث 129، ورواه أيضًا الترمذي في الطهارة، باب 26، حديث 34، وأحمد (6/ 359)، والطحاوي (1/ 33)، والدارقطني (1/ 106)، والبيهقي (1/ 59 - 60)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وتعقبه الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 205) بقوله: مدار جميع رواياته على ابن عقيل وفيه مقال. وقال الغساني في تخريج الأحاديث الضعاف في سنن الدارقطني ص/ 29: ابن عقيل ليس بقوي. وقال النووي في المجموع (1/ 397): رواه أبو داود بإسناد حسن.

(2)

ص/ 392.

(3)

هو هدبة بن خشرم. انظر خزانة الأدب (9/ 338).

(4)

رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 771 في حديث طويل عن علي رضي الله عنه.

ص: 218

(ولا يجب) غسل داخل عين (بل ولا يسن غسل داخل عين لحدث) أصغر أو أكبر. قال في "الشرح" وغيره: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أمر به (ولو أمن الضرر، بل يكره) لأنه مضر. وقد روي أن ابن عمر عمي من كثرة إدخال الماء في عينيه

(1)

.

(ولا يجب) غسل داخل العين، (من، نجاسة فيها) أي: في العين، لما تقدم، فيعفى عنها في الصلاة.

(والفم والأنف من الوجه) لدخولهما في حده، (فتجب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى) فلا يسقط واحد منهما، لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المضمضةُ والاستِنْشَاقُ من الوضُوءِ الذي لا بدَّ مِنْه" رواه أبو بكر في "الشافي"

(2)

.

(1)

روى مالك في الموطأ (1/ 45)، عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فأفرغ على يده اليمنى فغسلها ثم غسل فرجه ثم مضمض واستنثر ثم غسل وجهه ونضح في عينيه.

قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 76): وأما فعل ابن عمر رضي الله عنهما في نضحه الماء في عينيه إذا كان يغتسل من الجنابة فشيء لم يتابع عليه، لأن الذي عليه غسل ما ظهر لا ما بطن، وله رحمة الله أشياء شذ فيها، حمله الورع عليها. وفي أكثر الموطآت: سئل مالك عن نضح ابن عمر الماء في عينيه؟ فقال: ليس على ذلك الأمر عندنا. اهـ.

وذكر ذلك أيضًا العلامة ابن القيم في زاد المعاد (2/ 47).

ولم نجد من خرج مسندًا أن ابن عمر رضي الله عنهما عمي بسبب إدخاله الماء في عينيه.

(2)

هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد أبو بكر البغدادي المعروف بغلام الخلال لكثرة ملازمته له: وكتابه الشافي في الفقه لم يطبع. انظر: طبقات الحنابلة =

ص: 219

وعن أبي هريرة قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق"

(1)

.

وفي حديث لَقيط بن صبرة: "إذا توضأت فتمضمض"

(2)

رواهما أبو داود والدارقطني

(3)

.

ولأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم يستقصي، ذكر أنه تمضمض واستنشق، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما؛ لأن فعله يصلح أن يكون بيانًا لأمر الله تعالى.

ولأن الفم والأنف في حكم الظاهر، بدليل أن الصائم لا يفطر بوصول شيء إليهما، ويفطر بعود القيء بعد وصوله إليهما. ويجب غسلهما من النجاسة.

(ويسميان) أي: المضمضة والاستنشاق (فرضين)؛ لأن الفرض والواجب مترادفان على الصحيح. وقال ابن عقيل: هما واجبان لا فرضان.

= (2/ 119)، والمقصد الأرشد (2/ 126).

والحديث رواه ابن عدي (3/ 1116)، ومن طريقه البيهقي (1/ 52)، ورواه الدارقطني (1/ 184) وضعفه. وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 338)، وقال النووي في المجموع (1/ 363): ضعيف، وضعفه من وجهين: أحدهما لضعف الرواة، والثاني: أنه مرسل، ذكر ذلك الدارقطني وغيره. اهـ.

(1)

رواه الدارقطني (1/ 116)، وذكر في العلل (8/ 335) وقال: الصحيح أنه مرسل، ورواه - أيضًا - البيهقي (1/ 52) وقال: غير محفوظ. ولم نجده بهذا اللفظ عند أبي داود، وإنما رواه في الطهارة، باب 55، حديث 140، بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر"، وقد رواه - أيضًا - البخاري في الوضوء، باب 26، حديث 162، ومسلم في الطهارة، حديث 237.

(2)

في سنن أبي داود: "فمضمض".

(3)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 55، حديث 144، ولم يروه الدارقطني خلافًا لما توهمه عبارة المؤلف.

ص: 220

(ولا يسقطان سهوًا) لما تقدم.

(ويجب غسل اللحية) بكسر اللام، (وما خرج عن حد الوجه منها) من الشعر المترسل (طولًا وعرضًا)؛ لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة. وخرج ما نزل من الرأس عنه لعدم مشاركته الرأس في الترؤس.

(ويسن تخليل الساتر للبشرة منها) أي: من اللحية (بأخذ كف من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة فيها) أي: اللحية (أو) يضعه (من جانبيها ويعركها) لحديث عثمان: "أنَّه توضَّأ وخلّلَ لحْيَتَهُ حينَ غَسَل وجْهَهُ - ثم قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فعلَ الذي رأيتُمُوني فَعَلْتُ" رواه الترمذي وصححه، وحسنه البخاري

(1)

.

(1)

رواه الترمذي في الطهارة، باب 23، حديث 31، ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته"، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف فرواه ابن ماجه في الطهارة، باب 50، حديث 430، وعبد الرزاق (1/ 41)، وابن أبي شيبة (1/ 13)، والدارمي في الطهارة، باب 32، حديث 704، وابن الجارود رقم (72)، وابن خزيمة (1/ 78)، حديث 151، 152، وابن حبان "الإحسان"(3/ 362) رقم 1081، والدارقطني (1/ 86 و 91)، والحاكم (1/ 148)، والبيهقي (1/ 54، 63). قال الترمذي في العلل الكبير (33) حديث 19، قال البخاري: أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون في هذا الحديث، فقال: هو حسن.

وقال الحاكم: قد اتفق الشيخان على إخراج طرق لحديث عثمان في دبر وضوئه، ولم يذكرا في رواياتهما تخليل اللحية ثلاثًا، وهذا إسناد صحيح، قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق، ولا أعلم في عامر بن شقيق طعنًا بوجه من الوجوه. وتعقبه الذهبي بقوله: ضعفه ابن معين.

وصححه النووي في المجموع (1/ 374). وفي مسائل أبي داود (309): قال أحمد: أحسن شيء في تخليل اللحية عندي حديث شقيق عن عثمان. وفي =

ص: 221

(وكذا عنفقة، وشارب، وحاجبان، ولحية امرأة، وخنثى) إذا كان كثيفًا، (ويجزئ غسل ظاهره) كلحية الذكر، (ويسن غسل باطنه) أي: باطن ذلك الشعر غير شعر اللحية، خروجًا من خلاف من أوجبه كالشافعي

(1)

.

(و) يسن (أن يزيد في ماء الوجه) لأساريره، ودواخله، وخوارجه، وشعوره

(2)

. قاله أحمد. وكره أن يأخذ الماء ثم يصبه ثم يغسل وجهه. وقال: هذا مسح وليس بغسل.

(والخفيف) من شعور الوجه كلها؛ وهو الذي يصف البشرة (يجب غسله، و) غسل (ما تحته)؛ لأن الذي لا يستره شعره يشبه ما لا شعر عليه. ويجب غسل الشعر تبعًا للمحل. فإن كان في شعره كثيف وخفيف، فلكل حكمه.

(وتخلل اللحية عند غسلها) لحديث عثمان السابق

(3)

. (وإن شاء إذا مسح رأسه نصًا).

= التلخيص الحبير (1/ 87): قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح. وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 45) سمعت أبي يقول: لا يثبت في تخليل اللحية حديث.

(1)

انظر الأم (1/ 20).

(2)

الأسارير: هي كرمشة الوجه، ودواخله: أي دواخل حفر الوجه. وخوارجه: أي ظاهر الوجه، وشعوره: أي جميع شعر الوجه. (ش).

(3)

ص/ 209، 212 تعليق رقم 1.

ص: 222

فصل

(ثم يغسل يديه إلى المرفقين) للنص (ثلاثًا) لحديث عثمان وغيره

(1)

(حتى أظفاره) وإن طالت؛ لأنها متصلة بيده اتصال خلقة. فتدخل في مسمى اليد.

(ولا يضر وسخ يسير تحتها، ولو منع وصول الماء)؛ لأنه مما يكثر وقوعه عادة. فلو لم يصح الوضوء معه لبيَّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

(وألحق الشيخ

(2)

به) أي: بالوسخ اليسير تحت الأظفار (كل يسير منع) وصول الماء (حيث كان) أي: وجد (من البدن، كدم، وعجين، ونحوهما، واختاره) قياسًا على ما تحت الظفر. وعبارة "المنتهى" وغيره: تحت ظفر ونحوه. فيدخل فيه الشقوق في بعض الأعضاء.

(ويجب غسل إصبع زائدة، و) غسل (يد) زائدة (أصلها في محل الفرض)؛ لأنها بمحل الفرض أشبهت الثؤلول.

(أو) أي: ويجب غسل يد زائدة أصلها في (غيره) أي: غير محل الفرض (ولم تتميز) الزائدة منهما، ليخرج من العهدة بيقين، كما لو تنجست إحدى يديه وجهلها.

(وإلا) أي: وإن لم تكن الزائدة في غير محل الفرض غير متميزة، بل كانت مدلاة من العضد وتميزت (فلا) يجب غسلها، طويلة كانت أو قصيرة.

(1)

تقدم ص/ 209، 212 تعليق رقم 1.

(2)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 22.

ص: 223

لأنها غير داخلة في مسمى اليد.

(ويجب إدخال المرفقين في الغسل) لما روى الدارقطني عن جابر قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمرَّ الماء على مِرْفَقَيْهِ"

(1)

. وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية الكريمة و"إلى" تكون بمعنى مع. كقوله تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}

(2)

، {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}

(3)

فبين صلى الله عليه وسلم أنها كذلك. أو يقال: اليد حقيقة إلى المنكب و"إلى" أخرجت ما عدا المرفق.

(فإن خلقتا) أي: اليدان (بلا مرفقين غسل إلى قدرهما) أي: المرفقين (من غالب الناس) إلحاقًا للنادر بالغالب.

(فإن تقلعت) أي: كشطت (جلدة من العضد حتى تدلت من الذراع وجب غسلها كالأصبع الزائدة)؛ لأنها صارت في محل الفرض.

(وإن تقلعت) أي: ارتفعت بعد كشطها (من الذراع حتى تدلت من العضد لم يجب غسلها وإن طالت)؛ لأنها صارت في غير محل الفرض.

(وإن تقلصت من أحد المحلين والتحم رأسها بـ) ــالمحل (الآخر غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها والمتجافي منه) أي: من المحاذي لمحل الفرض (من باطنها، و) غسل (ما تحته، لأنها كالنابتة في المحلين) دون ما لم يحاذ محل الفرض.

(1)

سنن الدارقطني: (1/ 83)، ورواه البيهقي (1/ 56)، بلفظ:"يدير الماء على مرفقيه"، وقد ضعف الحديث ابن الجوزي، والمنذري، وابن الصلاح والنووي لضعف ابن عقيل. وانظر: المجموع (1/ 389)، و"التلخيص الحبير":(1/ 69). ويغني عنه ما رواه مسلم في الطهارة، حديث 246 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه توضأ حتى أشرع في العضد ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ.

(2)

سورة هود، الآية:52.

(3)

سورة النساء، الآية:2.

ص: 224

فصل

(ثم يمسح جميع ظاهر رأسه)، لأنه تعالى أمر بمسح الرأس، وبمسح الوجه في التيمم. وهو يجب الاستيعاب فيه. فكذا هنا إذ لا فرق، ولأنه صلى الله عليه وسلم. مسح جميعه، وفعله وقع بيانًا للآية، والباء للإلصاق، أي: إلصاق الفعل بالمفعول. فكأنه قال: ألصقوا المسح برؤوسكم، أي: المسح بالماء، وهذا بخلاف لو قيل: امسحوا رؤوسكم، فإنه لا يدل على أنه ثم شيء يلصق، كما يقال: مسحت رأس اليتيم.

وأما دعوى أن الباء إذا وليت فعلًا متعديًا أفادت التبعيض في مجرورها لغة، فغير مسلم، دفعًا للاشتراك ولإنكار الأئمة. قال أبو بكر: سألت ابن دريد وابن عرفة

(1)

عن الباء: تبعض؟ فقالا: لا نعرفه في اللغة. وقال ابن برهان: من زعم أن الباء تبعض، فقد جاء عن أهل العربية

(2)

بما لا يعرفونه.

وقوله: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}

(3)

وقول الشاعر: شربن بماء البحر

(4)

. فمن باب التضمين كأنه قيل: يروى.

(1)

هو إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي الملقب نفطويه لشبهه بالنفط، لدمامته وأدمته. انظر ترجمته في "بغية الوعاة":(1/ 428).

(2)

هكذا في الأصول والمعروف: "فقد جاء أهل العربية"، وهو المناسب للمقام كما في "المغني":(1/ 126). وانظر البحر المحيط للزركشي (2/ 267).

(3)

سورة الإنسان، الآية:6.

(4)

البيت بتمامه: شربن بماء البحر ثم ترَفَّعَتْ

متى لُجَجٍ خُضْرٍ لهن نئيجُ

وهو لأبي ذؤيب الهذلي يصف السحاب. انظر خزانة الأدب (7/ 97).

ص: 225

وما روي "أنه صلى الله عليه وسلم مسحَ مُقّدم رأسِهِ"

(1)

فمحمول على أن ذلك مع العمامة، كما جاء مفسرًا في حديث المغيرة بن شعبة. ونحن نقول به.

والرأس (من حد الوجه) أي: من منابت شعر الرأس المعتاد غالبًا (إلى ما يسمى قفا).

ويكون مسح رأسه (بماء جديد غير ما فضل عن ذراعيه)؛ لأن الرأس مغاير لليدين.

(وكيفما مسحه) أي: الرأس (أجزأه) لحصول المأمور به، (ولو) مسحه (بأصبع، أو خرقة، أو خشبة، ونحوها) كحجر.

وظاهر كلام الجمهور: أنه يتعين استيعاب ظاهره كله. (وعفا بعضهم) - وهو صاحب "المبهج" و"المترجم" - (عن ترك يسير منه للمشقة). قال في "الإنصاف": وهو الصواب. انتهى.

وقال الموفق: الظاهر عن أحمد في الرجل وجوب الاستيعاب، وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها. قال الخلال: العمل في مذهب أبي عبد الله: أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها؛ لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها. ذكره في "الشرح".

(والمسنون في مسحه) أي: الرأس (أن يبدأ بيديه مبلولتين من مقدم رأسه، فيضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى، ويضع الإبهامين على الصدغين، ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى مقدمه) قاله في "المغني" و"الشرح". لما روى عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فمسحَ رأسَه بِيدَيْهِ، فأقْبَلَ بهما وأدْبَرَ، بدأ بمُقَدَّم رأسِهِ حتَّى ذهبَ بهما إلى

(1)

انظر الحديث الذي يليه.

ص: 226

قَفَاه، ثم رَدَّهُما إلى المَكانِ الذي بدأ مِنْهُ" متفق عليه

(1)

.

(ولو خاف أن ينتشر شعره) قال في "الإنصاف": هذا المذهب مطلقًا، وعليه الأصحاب.

وعنه: لا يردهما إن انتشر شعره. انتهى. وجزم بالثانية في "الشرح" و"المبدع"، رجلًا كان أو امرأة.

(بماء واحد) فلا يأخذ للرد ماء آخر، لعدم وروده.

(ولو وضع يده مبلولة على رأسه ولم يمرها عليه) لم يجزئه.

(أو وضع عليه) أي: على رأسه (خرقة مبلولة) ولم يمرها عليه (أو بلها) أي: الخرقة (وهي عليه) أي: على رأسه (ولم يمسح لم يجزئه) ذلك؛ لعدم المسح المأمور به.

(ويجزئ غسله) أي الرأس (مع الكراهة) ذكره ابن رجب

(2)

(بدلًا عن مسحه إن أمَرَّ يده) لوجود المسح، فإن لم يُمِرَّ يده لم يجزئه؛ ما لم يكن جنبًا ويغتسل في ماء ناويًا الطهارتين، كما يعلم مما يأتي في الغسل.

(وكذا إن أصابه) أي: الرأس (ماء، وأمر يده) عليه؛ لوجود المسح.

(ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر)؛ لعدم مشاركته الرأس في الترؤس.

(ولا يجزئ مسحه عن الرأس، سواء رده، فعقده فوق رأسه، أو لم يرده) لما تقدم.

(وإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض، فمسح عليه،

(1)

رواه البخاري في الوضوء، باب 38، حديث 185، ومسلم في الطهارة، حديث 235.

(2)

فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب (1/ 239).

ص: 227

أجزأه، ولو كان الذي تحت النازل محلوقًا)، كما لو كان بعض شعره فوق بعضه.

(وإن خضبه) أي: رأسه (بما يستره لم يجز المسح عليه، كما لو مسح على خرقة فوق رأسه)، وتقدم أن شرط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء.

(ولو مسح رأسه ثم حلقه) لم يؤثر (أو غسل عضوًا ثم قطع منه جزءًا أو جلدة لم يؤثر، لأنه ليس ببدل عما تحته) بخلاف الجبيرة والخف، ولكن رأيت عن ابن رجب: استحب أحمد أنه إذا حلق رأسه، أو قلم أظفاره، أو قص شاربه بعد الوضوء أن يمسه بالماء، ولم يوجبه. وحكي وجوبه عن ابن جرير الطبري

(1)

. ومن أوجبه ألحقه بخلع الخف بعد مسحه.

(وإن تطهر بعد ذلك) أي: بعد حلق رأسه أو قطع جزءًا أو جلدة من عضو (غسل) أو مسح (ما ظهر)؛ لأن الحكم صار له دون الذاهب.

(وإن حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزم غسله في) الطهارتين؛ لأنه صار في حكم الظاهر، فينبغي التيقظ لثقب الأذن في الغسل. وأما في الوضوء فلا يجب مسحه، كالمستتر بالشعر، ولما فيه من الحرج.

(والواجب مسح ظاهر شعر الرأس كما تقدم، فلو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة فقط) أي: دون ظاهر الشعر (لم يجزئه، كما لو اقتصر على غسل باطن شعر اللحية) ولم يغسل ظاهرها.

(وإن فقد شعره مسح بشرته)؛ لأنها ظاهر رأسه بالنسبة إليه.

(وإن فقد بعضه) أي: بعض شعر الرأس (مسحهما) أي: مسح ما بقي

(1)

انظر مقدمة اختلاف الفقهاء ص/ 16، طبقات الشافعية الكبرى (3/ 128) تعليق رقم/ 3، والذخيرة للقرافي (1/ 203).

ص: 228

من الشعر وبشرة ما فقد شعره.

وتقدم حكم ما لو نزل شعر ما لم يحلق على ما حلق، وأنه يجزئه المسح على ظاهره.

(ويجب مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، لأنهما من الرأس) لقوله عليه السلام: "الأذنانِ من الرأسِ" رواه ابن ماجه من غير وجه

(1)

.

(1)

روي عن جماعة من الصحابة:

أ - عن أبي أمامة رضي الله عنه: رواه ابن ماجه في الطهارة، باب 53، حديث 444، وأبو داود في الطهارة، باب 50، حديث 134، والترمذي في الطهارة، باب 29، حديث 37، وأبو عبيد في الطهور ص/ 173، 365، رقم 88، 359، وأحمد (5/ 258، 264، 268)، والطبري في تفسيره (6/ 118)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 381) رقم 362، والطحاوي (1/ 33)، والطبراني في الكبير (8/ 142) رقم 7554، والدارقطني (1/ 103)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 145)، والبيهقي (1/ 96)، وفي الخلافيات (1/ 405، 423، 427) رقم 219، 228 - 231، 235.

ب - وعن أنس رضي الله عنه: رواه الطبراني في الأوسط (4/ 217) رقم 3386، وفي الصغير (1/ 116)، وابن عدي (2/ 450، 3/ 925)، والدارقطني (1/ 104) وضعفه.

ج - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: رواه العقيلي (1/ 32)، وابن عدي (1/ 364)، والدارقطني (1/ 102) مرفوعًا. ورواه ابن أبي شيبة (1/ 17) ومن طريقه ابن عدي (1/ 364)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 401) رقم 396، والدارقطني (1/ 103)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 395) رقم 205، عن أبي موسى رضي الله عنه موقوفًا، ورجحه أبو حاتم (العلل 1/ 53)، والدارقطني في العلل (7/ 250) رقم 1329.

د - وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: رواه ابن ماجه في الطهارة، باب 53، حديث 443، والبيهقي في الخلافيات (1/ 429) رقم 238. قال البوصيري في =

ص: 229

(ويسن) مسحهما (بماء جديد بعد) مسح (رأسه)؛ لما روى عبد الله بن زيد أنه "رأى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأخذَ لأذنَيْه ماءً خلافَ الذي لِرأسه" رواه البيهقي

(1)

، وقال: إسناده صحيح.

= مصباح الزجاجة (1/ 116): هذا إسناد حسن إن كان سويد بن سعيد حفظه. وقال البيهقي في الخلافيات (1/ 431): سويد بن سعيد الحدثاني الأنباري اختلط بعد أن كتب عنه مسلم بن الحجاج، ولعله لو عرف تغيره لما روى عنه في الصحيح، قال أبو عيسى: قلت للبخاري: فإنهم يذكرون عن سويد بن سعيد، عن ابن أبي زائدة عن شعبة عن حبيب بن زيد فقال: هو حبيب بن زيد، ودع سويد بن سعيد وضعفه جدًّا وقال: كلما لقن شيئًا تلقنه، وضعف أمره.

هـ - وعن ابن عباس رضي الله عنه: رواه العقيلي (40/ 67)، والطبراني في الكبير (10/ 391) رقم 10784، وابن عدي (1/ 191، 4/ 1513، 6/ 2141)، والدارقطني (1/ 99، 100، 101)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 366، 367، 375، 377) رقم 167، 168، 178، 179.

ز - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: رواه ابن ماجه في الطهارة، باب 53، حديث 445، وأبو يعلى (11/ 253) رقم 6370، وابن حبان في المجروحين (2/ 110)، وابن عدي (2/ 490)، والدارقطني (1/ 100، 101، 102)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 378، 397، 400) رقم 182، 207، 212.

ح - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: رواه تمام في مسند المقلين من الأمراء والسلاطين رقم 3، 4، والبيهقي في الخلافيات (1/ 433) رقم 240. وكل هذه الطرق متكلم فيها، والحديث مختلف في رفعه، ووقفه، ووصله، وإرساله.

وقد قواه جماعة من المحدثين منهم:

أبو الفرج ابن الجوزي في التحقيق (1/ 150)، والمنذري كما في النكت على ابن الصلاح (1/ 411)، وابن دقيق العيد في الإمام (1/ 504)، والحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (1/ 415).

(1)

في "السنن الكبرى": (1/ 65)، وقال: هذا إسناد صحيح، ورواه - أيضًا - الحاكم (1/ 151)، وذكره الحافظ في بلوغ المرام (48) وقال: أخرجه البيهقي وهو عند =

ص: 230

(والبياض فوقهما) أي: فوق الأذنين (دون الشعر منه) أي: من الرأس (أيضًا) قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب (فيجب مسحه مع الرأس).

وكيف مسح الأذنين أجزأ، كالرأس.

(والمسنون في مسحهما أن يدخل سبابتيه في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما) لما في النسائي عن ابن عباس "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مسحَ برأسِهِ وأذنَيهِ: باطنهما بالسّبّابَتَيْنِ، وظاهرهما بإبْهامَيْهِ"

(1)

.

(ولا يجب مسح ما استتر) من الأذنين (بالغضاريف) لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر. فالأذن أولى، والغضروف داخل فوق الأذن، أي: أعلاها ومستدار سمعها.

(ولا يستحب مسح عنق) لعدم ثبوت ذلك في الحديث

(2)

. وعنه: بلى. اختاره في "الغنية" وابن الجوزي في "أسباب الهداية" وأبو البقاء، وابن

= مسلم من هذا الوجه بلفظ: "ومسح برأسه بماء غير فضل يديه" وهو المحفوظ. اهـ. ومعناه أن رواية: "فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه" شاذة. انظر التلخيص الحبير (1/ 89).

(1)

النسائي في الطهارة، باب 85، حديث 102. ورواه الترمذي في الطهارة، باب 28، حديث 36، وابن أبي شيبة (1/ 9، 18)، وابن خزيمة (1/ 77) رقم 148، وابن حبان (3/ 360، 367) رقم 1078، 1086، والبيهقي في "السنن": (1/ 55، 67)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال النووي في المجموع (1/ 415): إسناده جيد، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 90): وصححه ابن خزيمة، وابن مندة.

(2)

روى أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 115) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا توضأ مسح عنقه، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ، ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة". =

ص: 231

الصيرفي، وابن رزين، وفاقًا لأبي حنيفة

(1)

.

(ولا) يستحب (تكرار مسح رأس وأذن) قال الترمذي

(2)

: العمل عليه عند أكثر أهل العلم. لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح رأسه واحدة. وكذا قال أبو داود

(3)

: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس واحدة. لأنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا ثلاثًا وقالوا فيها: "ومسح برأسه" ولم يذكروا عددًا، كما ذكروا في غيره. قال في "الشرح": أحاديثهم لا يصح منها شيء صريح.

لا يقال: إنه صلى الله عليه وسلم مسح مرة واحدة، لبيان الجواز، وثلاثًا ليبين الفضيلة، كما فعل في الغسل. لأن قول الراوي:"هذا طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم" يدل على أنه طهوره على الدوام.

= قال ابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 75): قال الحافظ العراقي: وفيه أبو بكر المفيد شيخ أبي نعيم .. وهو آفته.

وورد مسح الرقبة في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 49) رقم 118، والبزار كشف الأستار (1/ 140) رقم 268 وفيه:"ثم مسح على رأسه ثلاثًا، وظاهر أذنيه ثلاثًا، وظاهر رقبته".

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 232) وقال: رواه الطبراني في الكبير، والبزار وفيه سعيد بن عبد الجبار، قال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي سند البزار والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف. وقال في موضع آخر (2/ 135): وفيه محمد بن حجر، قال البخاري: فيه بعض النظر، وقال الذهبي: له مناكير. وقال النووي في المجموع (1/ 450): موضوع، وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 195): ولم يصح عنه في مسح العنق حديث البتة.

(1)

بدائع الصنائع (1/ 23).

(2)

سنن الترمذي (1/ 50).

(3)

سنن أبي داود (1/ 80).

ص: 232

فصل

(ثم يغسل رجليه) - للآية الكريمة - (ثلاثًا) لحديث عثمان وغيره

(1)

- (إلى الكعبين) أي: كل رجل تغسل إلى الكعبين. ولو أراد كعاب جميع الأرجل لذكره بلفظ الجمع، كقوله:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}

(2)

؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي توزيع الأفراد على الأفراد، كقولك: ركب القوم دوابهم، ونحوه.

(وهما) أي: الكعبان (العظمان الناتئان في جانبي رجله)، قاله أبو عبيد

(3)

. ويدل عليه حديث النعمان بن بشير، قال:"كان أحدنا يلصق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة" رواه أحمد وأبو داود

(4)

. ولو كان مشط القدم لم يستقم.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 209، 212، تعليق رقم 1.

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

(3)

ينظر: تهذيب اللغة (1/ 325).

(4)

أحمد: (4/ 276)، وأبو داود في الصلاة، باب 94، حديث 662. ورواه أيضًا ابن خزيمة (1/ 82) رقم 160، وابن حبان (5/ 549) رقم 2176، والدارقطني (1/ 282)، والبيهقي (1/ 76، 3/ 100)، وذكره البخاري معلقًا بصيغة الجزم في الأذان باب 76، ووصله الحافظ في تغليق التعليق (2/ 302) وحسن إسناده، وقال النووي في المجموع (1/ 417): حديث حسن، رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما بأسانيد جيدة.

وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه". أخرجه البخاري في الأذان، باب 76، حديث 725.

ص: 233

(ويجب إدخالهما في الغسل) لما سبق، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"ويلٌ للأعْقَابِ من النارِ" متفق عليه

(1)

من حديث عبد الله بن عمرو.

(وإن كان أقطع وجب غسل ما بقي من محل الفرض) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتُكم بأمْرٍ فائتوا منهُ ما استَطَعْتُم" متفق عليه

(2)

.

وسواء كان (أصلًا) بأن قطعت يده من دون المرفق، أو رجله من دون الكعب، (أو تبعًا كرأس عضد) يد قطعت من مفصل المرفق، (و) رأس (ساق) قطعت من مفصل كعب. (وكذا تيمم) إذا قطعت يده، وجب مسح ما بقي من محل الفرض أصلًا أو تبعًا.

(فإن لم يبق شيء) من محل الفرض؛ بأن قطعت اليد من فوق المرفق، والرجل من فوق الكعب، (سقط) ذلك الفرض، لفوات محله. (لكن يستحب أن يمسح محل القطع بالماء)؛ لئلا يخلو العضو عن طهارة. وظاهره: أنه لو قطعت اليد من فوق الكوع لم يستحب مسح محل القطع بالتراب.

(وإذا وجد الأقطع، ونحوه) كالأشل، والمريض الذي لا يقدر أن يوضئ نفسه (من يوضئه)، أو يغسله (بأجرة المثل، وقدر عليها من غير إضرار) بنفسه، أو من تلزمه نفقته، (لزمه ذلك)؛ لأنه في معنى الصحيح.

(وإن وجد من ييممه، ولم يجد من يوضئه؛ لزمه ذلك) كالصحيح

(1)

البخاري في العلم، باب 3، حديث 60، وباب 30، حديث 96، وفي الوضوء، باب 27، حديث 163، ومسلم في الطهارة، حديث 241.

وفي رواية عند مسلم: "ويل للعراقيب من النار".

(2)

البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 2، حديث 7288، ومسلم في الحج، حديث 1337، وفي الفضائل، حديث 1337 (130)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 234

يقدر على التيمم دون الوضوء.

(فإن لم يجد) من يوضئه ولا من ييممه، بأن عجز عن الأجرة، أو لم يقدر على من يستأجره (صلى على حسب حاله). قال في "المغني":"لا أعلم فيه خلافًا" وكذا إن لم يجده إلا بزيادة عن أجرة مثله إلا أن تكون يسيرة، على ما يأتي في التيمم (ولا إعادة) كفاقد الطهورين.

(واستنجاء مثله) أي: مثل الوضوء، فيما تقدم.

(وإن تبرع أحد بتطهيره لزمه ذلك) قال في "الفروع": "ويتوجه لا". ويتيمم.

(ويسن تخليل أصابع يديه وتخليل أصابع رجليه) لما روى لَقيط بن صَبِرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "وخلل بينَ الأصابع" رواه الخمسة

(1)

وصححه الترمذي. وهو في الرجلين آكد، ذكره في "الشرح".

ويخلل أصابع رجليه (بخنصره) لخبر المستورد، رواه أحمد وغيره

(2)

،

(1)

تقدم تخريجه ص/ 214 تعليق رقم 2.

(2)

أحمد (4/ 229)، وأبو داود في الطهارة، باب 58، حديث 148، والترمذي في الطهارة، باب 30، حديث 40، وابن ماجه في الطهارة، باب 54، حديث 446، والبزار في مسنده (8/ 390) رقم 3464، والطحاوي (1/ 36)، والطبراني في الكبير (20/ 306) رقم 728، والبيهقي (1/ 76) عن المستورد بن شداد رضي الله عنه، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل أصابع رجليه بخنصره حيث توضأ. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة، وقال الحافظ في النكت الظراف (8/ 376) عقب قول الترمذي السابق: وهو متعقب، فقد أخرجه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عن ابن لهيعة، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث ثلاثتهم عن يزيد بن عمرو به، وصححه ابن القطان من هذا الوجه. وقال في التلخيص الحبير (1/ 94): وفي =

ص: 235

لكنه ضعيف، (اليسرى)؛ لأنها معدة لإزالة الوسخ والدرن في باطن رجليه، لأنه أبلغ. ذكره في "المبدع" وغيره (فيبدأ بخنصر يمنى) إلى إبهامها (ويسرى بالعكس)، يبدأ من إبهامها إلى خنصرها (للتيامن)، أي: ليحصل التيامن في تخليل الأصابع.

ويخلل أصابع يديه إحداهما بالأخرى. فإن كانت أو بعضها ملتصقة سقط.

(و) يسن (الغسل ثلاثًا ثلاثًا) لما تقدم في مواضعه. (ويجوز الاقتصار على) الغسلة (الواحدة، و) الغسلتان (الثنتان أفضل) من الواحدة، (والثلاث أفضل) من الثنتين، ومن الواحدة بطريق الأولى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "دعَا بماءٍ فتوضأ مرةً مرةً وقال: هَذا وَظِيفةُ الوضوء، أو قال: هَذا وضوءٌ من لمْ يتوضأه لم يقبل اللهُ له صلاةً، ثم توضَّأ مرتين مرتين وقال: هذا وضوء من توضأه كان له كفلان من الأجر، وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هذا وضوئي ووضوءُ المرسلينَ قَبْلي" رواه ابن ماجه

(1)

.

= إسناده ابن لهيعة، لكن تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث، أخرجه البيهقي، وأبو بشر الدولابي، والدارقطني في غرائب مالك من طريق ابن وهب، عن الثلاثة، وصححه ابن القطان. وحسنه الإمام مالك كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 32).

(1)

في الطهارة، باب 47، حديث 419، ورواه الطيالسي ص/ 260، رقم 1924، وأحمد (2/ 98)، وأبو يعلى (9/ 448) رقم 5598، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 45) رقم 100، والدارقطني (1/ 79، 80)، والبيهقي (1/ 80)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة، كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 45)، والبيهقي في السنن (1/ 80).

ورواه ابن ماجه في الطهارة، باب 47، حديث 420، والدارقطني (1/ 81) من =

ص: 236

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أنه لما سُئِل عن الوضوء، فأراه ثلاثًا ثلاثًا: فمن زاد على هذا أو نَقَصَ فقد أساءَ وتعدى وظَلَمَ" رواه أبو داود

(1)

، وتكلم مسلم على قوله:"أو نقص"

(2)

. وأوله البيهقي على نقصان العضو

(3)

. واستحسنه الذهبي

(4)

.

(وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض) بأن غسل عضوًا مرة أو مرتين وآخر ثلاثًا (لم يكره) كما لو غسل الكل متساوية.

(ويعمل في عددها) أي: الغسلات (إذا شك) فيه (بالأقل) كركعات الصلاة، إذ الأصل عدم الإتيان بالمشكوك فيه.

= حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه. وفي إسناده عبد الله بن عرادة الشيباني، وهو متروك كما في التلخيص الحبير (1/ 82)، وقال الحافظ في الفتح (1/ 233): حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه، وله طرق أخرى كلها ضعيفة. وقال (ص/ 236): وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه.

(1)

في الطهارة، باب 51، حديث 135. ورواه النسائي في الطهارة، باب 105، حديث 140، وابن ماجه في الطهارة، باب 48، حديث 422، وابن أبي شيبة (1/ 8)، وأحمد (2/ 180)، وابن الجارود (75)، وابن خزيمة (1/ 89) رقم 174، والطحاوي (1/ 36)، والبيهقي (1/ 79) وقال النووي في المجموع (1/ 415): هذا حديث صحيح، رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة، وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي (1/ 89): وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث "أو نقص" والمحققون على أنه وهم لجواز الوضوء مرة مرة ومرتين مرتين. وقد جود إسناده الحافظ في الفتح (1/ 233)، وأجاب عن الإشكال الوارد حول كلمة "أو نقص".

(2)

انظر فتح الباري (1/ 233).

(3)

السنن الكبرى (1/ 79).

(4)

المهذب في اختصار السنن الكبير (1/ 97).

ص: 237

(وتكره الزيادة عليها) أي: على الثلاث، لحديث عمرو المتقدم.

(و) يكره (الإسراف في الماء) ولو على نهر جار لما يأتي في الغسل.

(ويسن مجاوزة موضع الفرض) بالغسل، لما روى نُعيم المجمر "أنه رَأى أبا هريرةَ يتوضَّأ، فغسلَ وجهَه ويَديْه، حتى كادَ بيلغ المنكبينِ، ثم غَسَلَ رجْلَيْهِ حتى رفعَ إلى السَّاقَيْن، ثم قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إن أمَّتِي يأتُونَ يومَ القيامةِ غُرًا محجّلينَ من أثر الوضوءِ، فمن استطاعَ منكمْ أن يُطِيلُ غُرتَه فليفْعلْ" متفق عليه

(1)

. ولمسلم عنه: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: "تبلغُ الحليةُ من المؤمنِ حيثُ يبلغُ الوضوءُ"

(2)

.

(ولا يسن الكلام على الوضوء، بل يكره) قاله جماعة، قال في "الفروع":"والمراد بغير ذكر الله، كما صرح به جماعة"(والمراد بالكراهية ترك الأولى) وفاقًا للحنفية

(3)

والشافعية

(4)

، مع أن ابن الجوزي وغيره لم يذكروه فيما يكره ويسن.

(قال ابن القيم

(5)

: الأذكار التي تقولها العامة على الوضوء عند كل عضو لا أصل لها) وفي نسخ له: أي: للإتيان بها (عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة. وفيه حديث كذب عليه صلى الله عليه وسلم انتهى).

قال النووي

(6)

: وحذفت دعاء الأعضاء المذكور في "المحرر"، إذ لا أصل

(1)

البخاري في الوضوء، باب 3، حديث 136، ومسلم في الطهارة، حديث 246.

(2)

صحيح مسلم الطهارة، حديث 250.

(3)

انظر فتح القدير (1/ 36) والبناية (1/ 193).

(4)

حاشية الشبراملسي على نهاية المنهاج (1/ 195).

(5)

الوابل الصيب ص/ 262. وانظر زاد المعاد (1/ 195).

(6)

الأذكار ص/ 24.

ص: 238

له. وكذا قال في "الروضة" و"شرح المهذب"

(1)

، أي: لم يجئ فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في "الأذكار" و"التنقيح" له، والرافعي

(2)

قال: ورد فيه الأثر عن السلف الصالحين. قال الجلال المحلي

(3)

: "وفاتهما أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق في "تاريخ ابن حبان"

(4)

وغيره، وإن كانت ضعيفة، للعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" انتهى.

قال في "الفروع": "وذكر جماعة: يقول عند كل عضو ما ورد. والأول أظهر، لضعفه جدًا، مع أن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره، ولو شرع لتكرر منه ولنقل عنه" انتهى.

وقوله: ما ورد، أشار به إلى ما أخرجه ابن حبان في "التاريخ"

(4)

"إذا غسل وجْهَهُ: اللهمَّ بيِّضْ وجهي يوم تبيضُّ الوجوهُ، وذراعيه: اللهمَّ أعطِني كتابي بيَمينِي. ورأسه: اللهمَّ غشِّنا برحمتِك وجنبنا عذابَكَ، ورجليه: اللهمَّ ثبِّتْ قدمَيّ يومَ تزلُّ

(5)

الأقدامُ" نقله عنه السيوطي في "الكلم الطيب"

(6)

.

(1)

روضة الطالبين (1/ 62)، والمجموع (1/ 450).

(2)

العزيز شرح الوجيز (1/ 135).

(3)

ينظر نهاية المحتاج (1/ 197).

(4)

ورواه أيضًا في المجروحين (2/ 164) في ترجمة عباد بن صهيب، وقال فيه: كان قدريًا داعيًا إلى القدر، ومع ذلك يروي المناكر عن المشاهير التي إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 367): باطل. وقال النووي في المجموع (1/ 465): لا أصل له.

(5)

في "ح": "تزول".

(6)

اسمه الكامل "الكلم الطيب والقول المختار في المأثور من الأذكار"، مخطوط منه نسخة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم 1617/ ف/ 67.

ص: 239

(قال أبو الفرج) أطلقه في "الفروع"، ولم يبين هل هو الشيرازي

(1)

أو ابن الجوزي؟: (يكره السلام على المتوضئ. وفي "الرعاية": ورده) أي: ويكره رد المتوضئ السلام. قال في "الفروع": "مع أنه ذكر لا يكره رد متخل، وهو سهو"(وفي "الفروع" ظاهر كلام الأكثر: لا يكره السلام ولا الرد) وإن كان الرد على طهر أكمل، لفعله صلى الله عليه وسلم

(2)

. وفي "الصحيحين""أن أمَّ هانئٍ سلَّمتْ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهوَ يَغْتَسلُ، فقال: مَنْ هذهِ؟ قلت: أمُّ هانئٍ بنتُ أبِي طالبٍ، قال: مرحبًا بأمِّ هانئٍ"

(3)

.

وظاهر كلامهم لا تستحب التسمية عند كل عضو.

(1)

هو: أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المعروف بالمقدسي المتوفى سنة (406 هـ) رحمه الله تعالى، مترجم في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/ 248).

(2)

تقدم تخريجه ص/ 117 - 118 تلعيق رقم 1، 2.

(3)

رواه البخاري في الصلاة، باب 4، حديث 357، وفي الجزية والموادعة، باب 9، حديث 3171، وفي الأب، باب 94، حديث 6158، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 336، (81 - 82).

ص: 240

فصل

(والترتيب والموالاة فرضان) في الوضوء لما تقدم (لا مع غسل) أي: بأن نوى بغسله رفع الحدثين. فيسقط الترتيب والموالاة، لأن الحكم صار للأكبر، لاندراج الأصغر فيه، كاندراج العمرة في حج القارن.

(ولا يسقطان) أي: الترتيب والموالاة (سهوًا ولا جهلًا، كبقية الفروض، فيجب الترتيب) بين الأعضاء الأربعة (على ما ذكر الله تعالى) في كتابه لما تقدم.

(فإن نكس وضوءه، فبدأ بشيء من أعضائه قبل وجهه، لم يحتسب بما غسله) من الأعضاء (قبله) أي: قبل الوجه، لفوات الترتيب.

(وإن بدأ برجليه وختم بوجهه، لم يصح إلا غسل وجهه) لما تقدم.

(وإن توضأ منكوسًا) يختم بوجهه، ويبدأ برجليه (أربع مرات، صح وضوؤه إذا كان متقاربًا، يحصل له في كل مرة غسل عضو)، فيحصل له من المرة الأولى غسل الوجه، ومن الثانية غسل اليدين، ومن الثالثة مسح الرأس، ومن الرابعة غسل الرجلين، وعلمت ما في كلامه من التغليب

(1)

.

(وإن غسل أعضاءه دفعة واحدة لم يصح) وضوؤه، وكذا لو وضأه أربعة، في حالة واحدة؛ لأن الواجب الترتيب، لا عدم التنكيس، ولم يوجد الترتيب.

(ولو انغمس في ماء كثير راكد، أو جارٍ بنية رفع الحدث لم يرتفع) حدثه، (ولو مكث فيه قدرًا يسع الترتيب)، أو مرت عليه من الجاري أربع

(1)

أي: تغليب الغسل على المسح. "ش".

ص: 241

جريات، قال في "الانتصار": لم يفرق أحمد بينهما، أي: بين الجاري والراكد (حتى يخرج مرتبًا نصًا، فيخرج وجهه ثم يديه ثم يمسح رأسه)؛ لأن غسلها من غير إمرار يد غير كاف، وتقدم (ثم يخرج من الماء).

قلت: خروجه منه بعد ليس قيدًا؛ لأن الحدث يرتفع عن رجليه، ولو كانتا في الماء قبل انفصاله، كما تقدم (وتقدم) في كتاب الطهارة.

(والموالاة): مصدر: والى الشيء يواليه، إذا تابعه. والمراد هنا:(أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف) العضو (الذي قبله يليه) بأن لا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه؛ ولا مسح الرأس حتى تجف اليدان، ولا غسل الرجلين حتى تجف الرأس لو كانت مغسولة، وعلم منه أنه لو أخر مسح الرأس حتى جف الوجه دون اليدين لم يؤثر، ويتمه صحيحًا (في زمن معتدل) الحرارة والبرودة، (أو قدره) أي: قدر المعتدل (من غيره) أي: غير المعتدل، من زمن حار أو بارد.

(ولا يضر جفاف لاشتغاله بسنة) من سنن الوضوء، (كتخليل) لحية أو أصابع.

(و) كاشتغاله بـ (ــإسباغ) أي: إبلاغ الماء مواضع الطهارة.

(و) كاشتغاله بـ (ــإزالة شك، ووسوسة) لأن ذلك من الطهارة.

(ويضر) أي: تفوت الموالاة إن جف العضو لـ (إسراف، وإزالة وسخ، ونحوه) كحل جبيرة (لغير طهارة) بأن كان في غير أعضاء الوضوء.

و (لا) يضر إن كانت إزالة الوسخ ونحوه (لها) أي: للطهارة، بأن كان في أعضاء الوضوء؛ لأنه إذن من أفعال الطهارة، بخلاف ما قبلُ.

(وتضر الإطالة في إزالة نجاسة) بغير أعضاء الوضوء لا بها، لما تقدم في الوسخ.

(و) تضر الإطالة في (تحصيل ماء) ولو للطهارة؛ لأنه ليس منها.

ص: 242

فصل

(وجملة سنن الوضوء: استقبال القبلة، والسواك) عند المضمضة وتقدم دليله.

(وغسل الكفين ثلاثًا لغير قائم من نوم ليل) ناقض لوضوء، ويجب لذلك، وتقدم مستوفى.

(والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة، ثم الاستنشاق).

وكونهما بيمينه، كما تقدم بدليله. (والمبالغة فيهما) أي: في المضمضة والاستنشاق (لغير صائم)، وتكره له، وتقدم.

(و) المبالغة (في سائر الأعضاء لصائم، وغيره).

(والاستنثار).

وكونه بيساره، قال في "الآداب الكبرى"

(1)

: "ويكره لكل أحد أن ينتثر، وينقي أنفه، ووسخه ودرنه، ويخلع نعله، ونحو ذلك بيمينه مع القدرة على ذلك بيساره للخبر

(2)

، ولا يكره بيساره مطلقًا، وتناول الشيء من يد غيره

(1)

الآداب الشرعية (3/ 158).

(2)

روى أبو داود في الطهارة، باب 18، حديث 33، 34، وابن أبي شيبة (1/ 152، 8/ 559)، وأحمد (6/ 170، 265)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (761، 762) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه، وما كان من أذى. هذا لفظ أبي داود.

والحديث أعل بالإرسال. قال المنذري في تهذيب السنن (1/ 34): إبراهيم لم يسمع من عائشة، فهو منقطع. انظر التلخيص الحبير (1/ 111)، والأحكام الوسطى (1/ 132) للإشبيلي، وبيان الوهم والإيهام (5/ 262). وصححه النووي =

ص: 243

باليمين، ذكره ابن عقيل من المستحبات، وكذلك ذكر القاضي، والشيخ عبد القادر، وقال: وإذا أراد أن يناول إنسانًا توقيعًا أو كتابًا فليقصد يمينه.

(و) من سنن الرضوء (تخليل أصابع اليدين والرجلين). وتقدم دليله وكيفيته.

(وتخليل الشعور) أي: شعور اللحية (الكثيفة في الوجه).

(والتيامن حتى بين الكفين للقائم من نوم الليل، وبين الأذنين، قاله الزركشي، وقال الأزجي: يمسحهما معًا).

(ومسحهما) أي: الأذنين (بعد الرأس بماء جديد).

(ومجاوزة موضعِ الفرض).

(والغسلة الثانية والثالثة) وقال القاضي وغيره: الأولى فريضة، والثانية فضيلة، والثالثة سنة، وقدمه ابن عبيدان، قال في "المستوعب":"وإذا قيل لك: أي موضع تقدم فيه الفضيلة على السنة؟ فقل: هنا".

(وتقديم النية على مسنوناته) إذا وجدت قبل الواجب كما تقدم.

(واستصحاب ذكرها) أي: النية (إلى آخره) أي: آخر الوضوء.

(وغسل باطن الشعور الكثيفة) في الوجه، غير اللحية فيخللها فقط، جمعًا بينه وبين ما تقدم.

(وأن يزيد في ماء الوجه) كما تقدم.

(وقول ما ورد بعد الوضوء، ويأتي) آخر الباب.

(وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونة)؛ لحديث ابن عباس: "كان

= في الخلاصة (1/ 168)، والمجموع (1/ 384، 2/ 108).

وله شاهد من حديث حفصة رضي الله عنها أخرجه أبو داود في الطهارة باب 18، حديث 32، وابن أبي شيبة (1/ 152).

ص: 244

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَكِلُ طهورَه إلى أحدٍ، ولا صدَقَته التي يتصدقُ بها إلى أحدٍ، يكونُ هو الذي يتولَّاها بِنفْسِه" رواه ابن ماجه

(1)

.

(وتباح معونة المتطهر)، متوضئًا كان أو مغتسلًا (كتقريب ماء الغسل، أو) ماء (الوضوء إليه، أو صبه عليه)؛ لأن المغيرة بن شعبة "أفرغَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من وضُوئه" رواه مسلم

(2)

، وعن صفوان بن عسال قال:"صَبَبْتُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الماءَ في الحَضر والسَّفَرِ في الوضُوءِ" رواه ابن ماجه

(3)

.

(و) يباح للمتطهر (تنشيف أعضائه)؛ لما روى سلمان أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "توضَّأ ثم قَلَبَ جُبّة كانتْ عليهِ فمَسَحَ بِهَا وجْهَهُ" رواه ابن ماجه، والطبراني في "المعجم الصغير"

(4)

.

(1)

في الطهارة، باب 30، حديث 362، وقال البوصيري في "الزوائد" (1/ 104 - 105): إسناده ضعيف لضعف مطهر بن الهيثم. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 189) مع الفيض ورمز لضعفه، وقال المناوي: وأعله الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجه بأن فيه علقمة بن أبي جمرة مجهول، ومطهر بن الهيثم متروك، وأطال في بيانه. اهـ.

(2)

في الطهارة، حديث 274. وهو عند البخاري في الوضوء، باب 35، حديث 182، وباب 48، حديث 203، وفي الغسل، باب 7، حديث 259، وباب 11، حديث 266، وفى الصلاة، باب 7، حديث 363، وفي اللباس، باب 10، حديث 5798، وباب 11، حديث 5799.

(3)

في الطهارة، باب 39، حديث 391، وفي سنده: الوليد بن عقبة بن نزار العنسي وهو مجهول كما في التقريب ص/ 1040.

(4)

ابن ماجه في الطهارة، باب 59، حديث 468، وفي اللباس، باب 4، حديث 3564، والطبراني في الصغير (1/ 12)، عن محفوظ بن علقمة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 120): هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات، وفي سماع محفوظ من سلمان نظر. =

ص: 245

(وتركهما) أي: ترك المعين والتنشيف (أفضل) من فعلهما.

أما ترك المعين فلحديث ابن عباس السابق

(1)

.

وأما ترك التنشيف فلحديث ميمونة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "اغتسل، قالت: فأتيته بالمنديل فلم يرُدْها، وجعل ينفض الماء بيديه" متفق عليه

(2)

.

وترك النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الكراهة، فإنه قد يترك المباح. وأيضًا هذه قضية في عين يحتمل أنه ترك المنديل لأمر يختص بها. قال ابن عباس:"كانوا لا يَرَوْنَ بالمندِيلِ بأسًا. ولكنْ كانُوا يَكْرَهُونَ العَادةَ"

(3)

. ولأنه إزالة للماء عن

= وقال النووي في المجموع (1/ 459): رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف.

وله شاهد من حديث معاذ. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه. رواه الترمذي في الطهارة، باب 40، حديث 54، والطبراني في الأوسط (5/ 103) رقم 4194، والبيهقي (1/ 236)، وضعفه الترمذي والبيهقي والحافظ في التلخيص الحبير (1/ 99).

ومن حديث عائشة رضي الله عنها: رواه الترمذي في الطهارة، باب 40، حديث 53، والدارقطني (1/ 110)، والحاكم (1/ 154)، والبيهقي (1/ 185) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.

وقال الترمذي: حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب شيء، وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث.

وقال الدارقطني: أبو معاذ هو سليمان بن أرقم، وهو متروك. وقال البيهقي: وإنما رواه أبو عمرو ابن العلاء عن إياس بن جعفر أن رجلًا حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة أو منديل فكان إذا توضأ مسح بها وجهه ويديه .. وهذا هو المحفوظ.

(1)

ص/ 244 - 245.

(2)

رواه البخاري في الغسل، باب 7، 11، 16، 18، حديث 259، 266، 274، 276. ومسلم في الحيض، حديث 317.

(3)

لم نجده من قول ابن عباس رضي الله عنهما وإنما ذكره أبو داود في سننه، باب 98، حديث 245، من قول إبراهيم.

ص: 246

بدنه؛ أشبه نفضه بيديه.

(ويستحب كون المعين عن يساره)؛ ليسهل تناول الماء عند الصب (كإناء وضوئه الضيق الرأس) ليصب بيساره على يمينه.

(وإن كان) إناء وضوئه (واسعًا يغترف منه باليد، فعن يمينه) ليغترف منه بها.

(ولو وضأه)، أو غسل له بدنه من نحو جنابة، (أو يممه مسلم، أو كتابي)، أو غيره (بإذنه) أي: بإذن المفعول به. قلت: وكذا تمكينه من ذلك، بأن ناوله أعضاءه من غير قول، (بأن غسل له الأعضاء، أو يممها من غير عذر كره، وصح) وضوؤه وغسله، وتيممه؛ لوجود الغسل والمسح، وإنما كره لعدم الحاجة إليه وخروجًا من خلاف من قال بعدم الصحة.

(وينويه المتوضئ) والمغتسل (والمتيمم) لأنه المخاطب. وإنما لكل امرئ ما نوى. فإن لم ينوه لم يصح، ولو نواه الفاعل.

(فإن أكره من يصب عليه الماء) لم يصح وضوؤه، قدمه في "الرعاية"، وقيل: يصح انتهى. قلت: والثاني أظهر؛ لأن النهي يعود لخارج، لأن صب الماء ليس من شرط الطهارة.

(أو) أكره من (يوضئه على وضوئه لم يصح). وكذا لو أكره من يغسله أو ييممه، وكذا قال في "المنتهى". لا إن أكره فاعل.

(وإن أكره المتوضئ على الوضوء، أو) أكره إنسان (على غيره) أي: غير الوضوء (من العبادات) كالغسل، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، (وفعلها) المكره (لداعي الشرع)؛ بأن نوى بها التقرب إليه تعالى، (لا لداعي الإكراه، صحت)؛ لوجود النية المعتبرة. (وإلا) أي: وإن فعلها لداعي الإكراه (فلا) تصح؛ لعدم وجود النية المعتبرة.

ص: 247

(ويكره نفض الماء) على الصحيح من المذهب. اختاره ابن عقيل. قاله في "الإنصاف"، وقال في "الشرح": ولا يكره نفض الماء بيديه عن بدنه، لحديث ميمونة

(1)

.

ويكره نفض يده. ذكره أبو الخطاب، وابن عقيل اهـ وقال في "غاية المطلب":"هل يباح نفض يده أو يكره؟ وجهان، الأصح لا يكره" اهـ. وقال في "الفروع": وعنه يكرهان، أي: المعونة والتنشيف، كنفض يده لخبر أبي هريرة:"إذا توَضأتُم فلا تَنْفُضُوا أيْدِيَكُم فإنَّها مَرَاوحُ الشَّيْطَانِ"

(2)

رواه المعمري وغيره من رواية البختري بن عبيد، وهو متروك. واختار صاحب "المغني" و"المحرر" وغيرهما: لا يكره، وهو أظهر وفاقًا للأئمة الثلاثة

(3)

.

(و) تكره (إراقة ماء الوضوء و) ماء (الغسل في المسجد، أو في مكان يداس فيه كالطريق تنزيهًا للماء)؛ لأنه أثر عبادة.

(ويباح الوضوء والغسل في المسجد، إذا لم يؤذ به أحدًا، ولم يؤذ المسجد)؛ لأن المنفصل منه طاهر.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 246 تعليق رقم 2.

(2)

رواه ابن حبان في المجروحين (1/ 203) في ترجمة البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: البختري بن عبيد الطائي من أهل الشام يروي عن أبيه عن أبي هريرة نسخة فيها عجائب لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد لمخالفته الأثبات في الروايات، وعدم تقدم عدالته. وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 36): هذا حديث منكر. والبختري ضعيف الحديث، وأبوه مجهول. وقال النووي في المجموع (1/ 458): ضعيف لا يعرف. وثبت في الصحيحين ضده، ولم يثبت في النهي شيء.

(3)

انظر: البناية شرح الهداية (1/ 193)، وروضة الطالبين (1/ 63).

ص: 248

(ويحرم فيه الاستنجاء، والريح)

(1)

والبول، ولو بقارورة؛ لأن هواء المسجد كقراره.

(وتكره إراقة ما غَمَسَ فيه يَدَهُ قائمٌ من نوم ليل فيه) أي: في المسجد خصوصًا على القول بأن غسلهما معلل بوهم النجاسة.

(قال الشيخ: ولا يغسل فيه ميت)؛ لأنه مظنة تنجيسه بما يخرج من جوفه، وصون المسجد عن النجاسة واجب.

(وقال: يجوز عمل مكان فيه للوضوء للمصلحة بلا محذور) كقرب جدار، أو بحيث يؤذي المصلين، فيمنع منه إذن.

وقال في "الفتاوى المصرية"

(2)

: إذا كان في المسجد بركة يغلق عليها باب المسجد لكن يمشى حولها دون أن يصلى حولها، هل يحرم البول عندها والاستنجاء بالماء بغير الاستجمار بالحجر خارج المسجد؟ الجواب: هذا يشبه البول في المسجد في القارورة، قال: والأشبه أن هذا، إذا فعل للحاجة فقريب، وأما اتخاذ ذلك مبالًا ومستنجى فلا.

(ولا يكره طهوره من إناء نحاس، ونحوه) كحديد، ورصاص، لما تقدم في باب الآنية أنه عليه السلام "توضأ من تورِ نحاسٍ"

(3)

.

(ولا) يكره طهره (من إناء بعضه نجس) بحيث يأمن التلوث.

(ولا) يكره طهره (من ماء بات مكشوفًا، ومن مغطى أولى) قال في "الفصول": ومن مغطى أفضل، واحتج بنزول الوباء فيه، وأنه لا يعلم هل يختص الشرب أو يعم؟ يشير بذلك إلى حديث مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غَطُّوا الإناءَ، وأوْكُوا السِّقَاءَ، فإن في السنة ليلةً ينزلُ فيها وباءٌ، ولا يمرُّ بإنَاءٍ

(1)

انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 398)، وغذاء الألباب (2/ 311).

(2)

انظر الاختيارات ص/ 17.

(3)

تقدم ص/ 87 تعليق 4.

ص: 249

ليسَ عليهِ غطاءٌ أو سقاءٍ ليس عليه وكاءٌ إلا نزلَ فيهِ من ذلِكَ الوباء"

(1)

.

(ويسن عقب فراغه من الوضوء رفع بصره إلى السماء، وقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) لحديث عمر يرفعه قال: "ما مِنكم من أحد يتوضأ فيبلغ، أو فيسبغُ الوضوءَ، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، إلا فتِحتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانية، يدخلُ من أيها شاءَ" رواه مسلم

(2)

، ورواه الترمذي وزاد فيه:"اللهم اجعَلْنِي من التوَّابِينَ واجعلني من المتَطَهِّرِينَ"

(3)

ورواه أحمد وأبو داود

(4)

. وفي بعض رواياته "فأحسَنَ الوضوءَ ثم رفعَ نَظَرهُ إلى السماءِ"

(5)

وساق الحديث.

(1)

رواه مسلم في الأشربة، حديث 2014، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

(2)

في الطهارة، حديث 234.

(3)

في الطهارة، باب 41، حديث 55، وأشار إلى تضعيفه حيث قال: وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء. اهـ.

(4)

أحمد (1/ 19، 4/ 145 - 146، 153)، وأبو داود في الطهارة، باب 65، حديث 169، ورواه أيضًا النسائي في الطهارة، باب 109، حديث 148، وابن ماجه في الطهارة، باب 60، حديث 470، وعبد الرزاق (1/ 45) حديث 142، وابن أبي شيبة (1/ 3 - 4)، وابن خزيمة (1/ 110) حديث 22، 223، والبزار في مسنده (1/ 361) حديث 242، وأبو يعلى (1/ 162، 213) حديث 180، 249، وابن حبان "الإحسان"(3/ 325) حديث 1050، والبيهقي في "السنن":(1/ 78، 2/ 280)، من حديث عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وليس عندهم لفظ:"اللهم اجعلني. . . إلخ". ويفهم من صنيع المؤلف، أن أحمد، وأبا داود رويا هذه الزيادة، وليس كذلك.

(5)

رواه أحمد (1/ 19 - 20، 4/ 150 - 151)، وأبو داود في الطهارة، باب 65، حديث 170، ورواه - أيضًا - النسائي في عمل اليوم والليلة ص/ 174، =

ص: 250

(سبحانَك اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهد أن لا إله الا أنت، أستغفِركَ وأتوبُ إليك) لخبر أبي سعيد الخدري مرفوعًا قال: "من توضأ ففرغَ من وضوئِه فقال: سبحانَكَ اللهمَّ

(1)

أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ أستغفرك وأتوبُ إليكَ، طُبعَ عليها بطابعٍ ثم رفعت تحتَ العرشِ، فلم تكسَرْ إلى يومِ القيامةِ" رواه النسائي

(2)

.

= حديث 84، وابن أبي شيبة (1/ 4، 10/ 451 - 452)، والدارمي في الطهارة، باب 43، حديث 722، وأبو يعلى (1/ 162) حديث 180، والطبراني في الكبير (17/ 331) حديث 916، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 32، حديث 31 كلهم من طريق زهرة بن معبد أبي عقيل، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر، به. وابن عم زهرة لا يدري من هو، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 238): هذا حديث حسن من هذا الوجه، ولولا الرجل المبهم لكان على شرط البخاري، لأنه أخرج لجميع رواته من المقرئ فصاعدًا إلا المبهم، ولم أقف على اسمه. وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 174): رواية أحمد، وأبي داود في إسنادهما رجل مجهول. اهـ.

(1)

في هامش "ح" و"ذ" زيادة: "وبحمدك" وهو الموافق للرواية.

(2)

في الكبرى (6/ 25) رقم 9909، وفي "عمل اليوم والليلة"، حديث 83. ورواه أيضًا الطبراني في الأوسط (2/ 271) رقم 1478، والحاكم (1/ 564) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 239) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في اليوم والليلة: هذا خطأ والصواب موقوفًا ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفًا. وقد أخرج الرواية الموقوفة النسائي في الكبرى رقم (9910، 9911)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 102)، وضعف الحازمي الرواية المرفوعة

ورجح الدارقطني في العلل (11/ 307، 308) الرواية الموقوفة أيضًا، وضعفه النووي في الأذكار ص/ 23، والخلاصة (1/ 120) رقم 220 وقال في شرح =

ص: 251

قال السامري: ويقرأ سورة القدر ثلاثًا

(1)

.

والحكمة في ختم الوضوء والصلاة وغيرهما بالاستغفار، كما أشار إليه ابن رجب في تفسير سورة النصر

(2)

: أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي وأدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، وإنما يؤدونها على قدر ما يطيقونه، فالعارف يعرف أن قدر الحق أعلى وأجل من ذلك، فهو يستحيي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته، قال: والاستغفار يرد مجردًا ومقرونًا بالتوبة، فإن ورد مجردًا دخل فيه طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه، ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع عنه. وهذا الاستغفار الذي يمنع الإصرار والعقوبة. وإن ورد مقرونًا بالتوبة اختص بالنوع الأول، فإن لم يصحبه الندم على الذنب الماضي، بل كان سؤالًا مجردًا فهو دعاء محض، وإن صحبه ندم فهو توبة. والعزم على الإقلاع من تمام التوبة.

(وكذا) يقول ذلك (بعد الغسل، قاله في الفائق). قال في "الفروع": ويتوجه ذلك بعد الغسل، ولم يذكروه.

"خاتمة" اختلف في الوضوء هل هو من خصائص هذه الأمة؟ فذهب جماعة من أهل العلم، أنه من خصائصها، مستدلين بما في "صحيح مسلم"

= المهذب (1/ 445): رواه النسائي في كتابه "عمل اليوم والليلة" بإسناد غريب ضعيف ورواه مرفوعًا وموقوفًا عن أبي سعيد وكلاهما ضعيف الإسناد. قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 102): فأما المرفوع فيمكن أن يضعف بالاختلاف والشذوذ، وأما الموقوف، فلا شك ولا ريب في صحته. وقال في النكت الظراف (3/ 447): ومثله لا يقال من قبل الرأي، فله حكم المرفوع.

(1)

ليس على هذا دليل كما في "المقاصد الحسنة": ص/ 442.

(2)

ص/ 92.

ص: 252

عن أبي هريرة مرفوعًا: "لكم سِيمَا ليسَتْ لأحدٍ منَ الأممِ، تردُونَ عليَّ غرًّا محجّلِينَ مِنْ أثر الوضُوءِ"

(1)

.

وذهب آخرون إلى أنه ليس مختصًا بها. وإنما المخصوص بها الغرة والتحجيل فقط.

واحتجوا بالحديث الآخر: "هذا وُضُوئِي ووضوءُ الأنبياءِ من قَبْلِي"

(2)

.

وأجاب الأولون بضعفه، وبأنه لو صح احتمل أن يكون خاصًا بالأنبياء دون أممهم، لا بهذه الأمة.

ورد بأنه ورد أنهم كانوا يتوضؤون، ففي قصة جريج الراهب لما رموه بالمرأة توضأ وصلى، ثم قال للغلام "من أبُوكَ؟ قال هَذَا الرَّاعي"

(3)

وقد خرجه البخاري في "صحيحه" من حديث إبراهيم عليه السلام لما مر على الجبار ومعه سارة "أنها لما دخلتْ على الجبارِ توضأتْ وصلت ودَعتْ الله عز وجل"

(4)

.

(1)

صحيح مسلم في الطهارة، حديث 247.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 236 تعليق رقم 1 بلفظ: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي".

(3)

رواه البخاري في المظالم، باب 35، حديث 2482، وفي أحاديث الأنبياء، باب 48، حديث 3436، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2550، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري في البيوع، باب 100، حديث 2217، وفي الإكراه، باب 6، حديث 6950، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 253

‌باب مسح الخفين وسائر الحوائل

أعقبه للوضوء لأنه بدل عن غسل أو مسح ما تحته فيه.

(وهو) أي: مسح الخفين وسائر الحوائل غير الجبيرة، كما يعلم مما يأتي. (رخصة)، وهي لغة: السهولة، وشرعًا: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح.

وعنه: عزيمة، وهي لغة: القصد المؤكد، وشرعًا: حكم ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح.

والرخصة والعزيمة وصفان للحكم الوضعي

(1)

، قال في "الفروع": والظاهر أن من فوائدهما المسح في سفر المعصية، وتعيين

(2)

المسح على لابسه

(3)

. قال في "القواعد الأصولية"

(4)

: وفيما قال نظر.

(و) المسح على الخفين (أفضل من الغسل)؛ لأنه عليه السلام وأصحابه إنما طلبوا الأفضل، وفيه مخالفة أهل البدع، ولقوله عليه السلام:

(1)

أي الذي وضعه الشارع. "ش".

(2)

كذا في الأصول ولعله: تعين.

(3)

الذي في الفروع (1/ 158): "والمسح رخصة، وعنه عزيمة. والظاهر أن من فوائدها المسح في سفر المعصية، ويتعين المسح على لابسه .. إلخ".

وفي الإنصاف مع الشرح الكبير (1/ 378): قال في الفروع: والظاهر أن من فوائدها المسح في سفر المعصية وتعيين المسح على لابسه .. إلخ.

(4)

ص/ 117.

ص: 255

"إن اللهَ يحبُّ أن يؤخَذَ بِرُخصِه"

(1)

.

(ويرفع) مسح الحائل (الحدث) عما تحته (نصًا) وإن كان مؤقتًا، لأن رفع الحدث شرط للصلاة مع القدرة، فلو لم يحصل بالمسح لما صحت

(1)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بمعناه:

أ - عن ابن عمر رضي الله عنهما. رواه أحمد (2/ 108)، والبزار "كشف الأستار"(1/ 469) رقم 988، 989، وابن خزيمة (2/ 73) رقم 950، (3/ 259) رقم 2027، وابن الأعرابي (3/ 1040) رقم 2237، وابن حبان "الإحسان"(6/ 451) رقم 2742، (8/ 33) رقم 3568، والطبراني في الأوسط (6/ 145) رقم 5298، وابن المقرئ في معجمه (386) رقم 1278، وابن مندة في التوحيد (716)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 151) رقم 1078، والبيهقي (3/ 140). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 162) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والبزار، والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن.

ب - عن ابن عباس رضي الله عنهما. رواه البزار "كشف الأستار"(1/ 469) رقم 990، وابن حبان (2/ 69) رقم 354، والطبراني في الكبير (11/ 323) رقم 11880، وأبو نعيم في الحلية (6/ 276). وحسن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 76)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 162): رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجال البزار ثقات، وكذلك رجال الطبراني.

ج - عن ابن مسعود رضي الله عنه. رواه الطبراني في الكبير (10/ 103) رقم 10030، والأوسط (3/ 276) رقم 2602، وأبو نعيم في الحلية (2/ 101). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 162) وقال: وفيه معمر بن عبد الله الأنصاري، قال العقيلي: لا يتابع على رفع حديثه.

د - عن عائشة رضي الله عنها. رواه ابن حبان في الثقات (7/ 186)، والطبراني في الأوسط (7/ 153) رقم 6278، (9/ 16) رقم 8028، وابن عدي (5/ 1718)، والقضاعي (2/ 151) رقم 1079، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 163) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن عبيد صاحب الخُمُر، وهو ضعيف.

ص: 256

الصلاة به لوجود القدرة عليه بالغسل.

(إلا أنه لا يستحب له أن يلبس) الخف ونحوه (ليمسح) عليه، كما كان صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح قدميه إذا كان لابسًا للخف. فالأفضل لكل واحد ما هو الموافق لحال قدمه، كما ذكره الشيخ تقي الدين

(1)

. و (كالسفر، ليترخص)؛ فإنه لا يطلب له ذلك، بل يأتي لو سافر ليفطر حرما.

(ويكره لبسه) أي: الخف (مع مدافعة أحد الأخبثين)

(2)

؛ لأن الصلاة مكروهة بهذه الطهارة، فكذلك اللبس الذي يراد للصلاة.

قال في "الشرح": والأولى أن لا يكره.

وروي عن إبراهيم النخعي، أنه كان إذا أراد أن يبول، لبس خفيه

(3)

. ولأنها طهارة كاملة؛ أشبه ما لو لبسهما عند غلبة النعاس. والصلاة إنما كرهت للحاقن لأن اشتغال قلبه بمدافعة الأخبثين يذهب بخشوع الصلاة، ويمنع الإتيان بها على الكمال، ويحمله على العجلة، ولا يضر ذلك في اللبس، والله أعلم.

(ويصح) المسح (على خف) في رجليه؛ لثبوته بالسنة الصريحة.

قال ابن المبارك

(4)

: ليس فيه خلاف.

وقال الحسن

(5)

: روى المسح سبعون نفسًا، فعلًا منه عليه السلام وقولًا.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 24.

(2)

أي البول والغائط، والأطيبان التمر واللبن. "ش".

(3)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 200)، وفيه راوٍ لم يسم.

(4)

الأوسط لابن المنذر (1/ 434)، والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 272)، وفتح الباري (1/ 305).

(5)

ينظر الأوسط لابن المنذر (1/ 430، 433).

ص: 257

وقال أحمد: ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء، فيه أربعون حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في "المبدع": ومن أمهاتها حديث جرير، قال:"رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بالَ ثم توضَّأ ومسَحَ على خُفّيْه". قال إبراهيم النخعي: "فكان يعجبهُم ذلك؛ لأن إسْلَام جريرٍ كان بعد نزولِ المائدةِ" متفق عليه

(1)

، فلا يكون الأمر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخًا للمسح، كما صار إليه بعض الصحابة.

وقد استنبطه بعض العلماء

(2)

من القرآن من قراءة من قرأ: "وأرجلكم" بالجر، وحمل قراءة النصب على الغسل؛ لئلا تخلو إحدى القراءتين عن فائدة.

(و) يصح المسح أيضًا على (جرموق) وهو (خف قصير)؛ لما روى بلال قال: "رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يمسَحُ على المُوقِ" رواه أحمد وأبو داود

(3)

.

ولسعيد بن منصور في "سننه" عن بلال قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

البخاري في الصلاة، باب 25، حديث 387، ومسلم في الطهارة، حديث 272. واللفظ لمسلم.

(2)

انظر تفسير القرطبي (6/ 92).

(3)

أحمد: (6/ 15)، وأبو داود في الطهارة، باب 59، حديث 153. ولفظ أحمد: على الموقين، ولفظ أبي داود: على موقيه. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (1/ 184)، والروياني في مسنده (2/ 14) رقم 744، وابن خزيمة (1/ 95) رقم 189، والطبراني في الكبير (1/ 359، 360، 362) رقم 1100، 1101، 1112، والحاكم (1/ 170)، والبيهقي (1/ 288)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ووافقه الذهبي. وحسن إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 89). وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه: رواه البيهقي (1/ 289)، والخطيب في تاريخه (12/ 141).

ص: 258

يقول: "امسحُوا على النّصِيفِ

(1)

والمُوقِ"

(2)

، أي: الجرمُوقِ، قال الجوهري

(3)

: هو مثال الخف، يلبس فوقه لاسيما في البلاد الباردة، وهو معرب. وكذا كل كلمة فيها جيم وقاف.

(و) يصح المسح أيضًا على (جورب صفيق من صوف، أو غيره). قال الزركشي: هو غشاء من صوف يتخذ للدفء.

وقال في "شرح المنتهى": ولعله اسم لكل ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد. قال ابن المنذر

(4)

: تروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي، وعمار، وابن مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبي أوفى، وسهل بن سعد.

نُعلا أو لم ينعلا. كما أشار إليه بقوله: (وإن كان) الجورب (غير مجلد أو منعل، أو كان) الجورب (من خِرَق) وأمكنت متابعة المشي فيه.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي

(5)

، وغيرهم: لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا؛ لأنهما لا يمكن متابعة المشي فيهما. فهما كالرقيقين

(6)

.

ولنا حديث المغيرة بن شعبة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "مَسَحَ على الجورَبَيْنِ والنّعْلينِ"

(1)

قال في "الصحاح"(4/ 1433): النصيف الخمار.

(2)

ذكره في كنز العمال (9/ 405) وعزاه إلى سعيد بن منصور، ولم نقف عليه في المطبوع. وانظر ما تقدم ص/ 258 تعليق رقم 3.

(3)

الصحاح (4/ 1454).

(4)

الأوسط (1/ 462).

(5)

كتاب الأصل (1/ 91)، المدونة الكبرى (1/ 40)، الأم (1/ 33).

(6)

في "ح": "كالرقعتين".

ص: 259

رواه أحمد وأبو داود والترمذي

(1)

، وقال: حسن صحيح.

وهذا يدل على أنهما كانا غير منعولين، لأنه لو كانا كذلك لم يذكر النعلين، فإنه لا يقال: مسح على الخف ونعله. ولأنه قول من ذكر من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، والجورب في معنى الخف؛ لأنه ساتر لمحل الفرض، يمكن متابعة المشي فيه؛ أشبه الخف.

وتكلم في الحديث بعضهم. قال أبو داود

(2)

: كان ابن مهدي لا يحدث به؛ لأن المعروف عن المغيرة "الخفين". قال في "المبدع": وهذا لا يصلح

(1)

أحمد: (4/ 252)، وأبو داود في الطهارة، باب 61، حديث 159، والترمذي في الطهارة، باب 74، حديث 99، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (1/ 92) رقم 130، وابن ماجه في الطهارة، باب 88، حديث 559، وابن أبي شيبة (1/ 188)، وابن خزيمة (1/ 99) رقم 198، وابن المنذر (1/ 465) رقم 488، والطحاوي (1/ 97)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 167) رقم 1338، والطبراني في الكبير (20/ 15) رقم 996، وابن حزم في المحلى (2/ 82)، والبيهقي (1/ 283، 284) كلهم من طريق سفيان الثوري، عن أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

وقد اختلف النقاد في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، انظر تفصيل ذلك في السنن الكبرى للبيهقي (1/ 284)، ومعرفة السنن والآثار له (2/ 122)، والمجموع للنووي (1/ 500)، ونصب الراية (1/ 185)، والجوهر النقي لابن التركماني (1/ 284). وقال ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 122): قال ابن المنذر: يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم لا على حديث أبي قبيس، مع أن المنازعين في المسح متناقضون، فإنهم لو كان هذا الحديث من جانبهم. لقالوا: هذه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ولا يلتفتون إلى ما ذكروه ههنا من تفرد أبي قبيس.

(2)

في السنن (1/ 113).

ص: 260

مانعًا؛ لجواز رواية اللفظين، فيصح المسح على ما تقدم.

(حتى لِزَمِنٍ) لا يمكنه المشي لعاهة، للعموم.

(ومن له رجل واحدة لم يبق من فرض) الرجل (الأخرى شيء) فلبس ما يصح المسح عليه في الباقية. جاز له المسح عليه لأنه ساتر لفرضه.

وعلم منه: أنه لو لبس خفًا في إحدى رجليه مع بقاء الأخرى أو بعضها، وأراد المسح عليه وغسل الأخرى. - أو ما بقي منها - لم يجز له ذلك، بل يجب غسل ما في الخف تبعًا للتي غسلها؛ لئلا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد.

(و) حتى (لمستحاضة ونحوها)؛ لأن صاحب العذر أحق بالترخص من غيره، وطهارتها كاملة بالنسبة إليها، بل تقدم أنها ترفع الحدث.

(إلا لمحرم لبسهما) أي: الخفين (ولو لحاجة) كعدم النعلين، فلا يمسح عليهما، كما لو لبست المرأة العمامة لحاجة برد، أو غيره.

وقيل: يجوز، وهو أظهر. قال المنقح في "حاشية التنقيح": وهو ظاهر كلام الأصحاب؛ لإطلاقهم المسح على الخفين، ولم يستثنوا أحدًا. ولم أر المسألة إلا في الفروع. وعنده تحقيق انتهى.

قلت: قد يقال: قول الأصحاب في اشتراط المسح إباحة الخف مطلقًا يمنع قوله: وهو ظاهر كلام الأصحاب؛ لأن الخف لا يباح للمحرم على الإطلاق، بل للحاجة، فهو كخف من حرير لضرورة.

(ويصح المسح على عمائم ذكور) لقول عمرو بن أمية: "رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مسَحَ على عمَامَتِهِ وخُفّيْهِ" رواه البخاري

(1)

.

(1)

في الوضوء، باب 48، حديث 205.

ص: 261

وقال المغيرة بن شعبة: "توضأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومسحَ على الخُفّيْن والعِمَامَةِ" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح

(1)

.

وروى مسلم أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "مسَحَ على الخُفّيْنِ والخِمَارِ"

(2)

وبه قال أبو بكر، وعمر، وأنس، وأبو أمامة

(3)

.

روى الخلال عن عمر: "من لم يطهرهُ المسحُ على العمامةِ فلا طهّرَهُ اللهُ"

(4)

.

(و) يصح المسح (على جبائر، جمع جبيرة، وهي أخشاب أو نحوها تربط على الكسر ونحوه) كالجرح، سميت بذلك تفاؤلًا، لحديث جابر عنه صلى الله عليه وسلم في صاحب الشجة: "إنما كان يكفيهِ أن يتيمّمَ ويعضدَ

(5)

أو يعصب على جرحِهِ خِرقَةً ويمسحُ عليها، ويغسلُ سائرَ جسدِه" رواه أبو داود،

(1)

الترمذي في الطهارة، باب 75، حديث 100، ورواه - أيضًا - مسلم في الطهارة حديث 274، (81، 82، 83).

(2)

مسلم في الطهارة، حديث 275، من حديث كعب بن عجرة عن بلال.

(3)

أثر أبي بكر رضي الله عنه. رواه ابن أبي شيبة (1/ 22)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 467) وصححه ابن حزم في المحلى (2/ 60).

وأثر عمر رضي الله عنه. رواه ابن أبي شيبة (1/ 22)، وصححه ابن حزم في المحلى (2/ 60).

وأثر أنس رضي الله عنه. وواه ابن أبي شيبة (1/ 22)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 468)، وصححه ابن حزم في المحلى (2/ 60).

وأثر أبي أمامة رضي الله عنه. رواه ابن أبي شيبة (1/ 22)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 468).

(4)

رواه - أيضًا - ابن حزم في المحلى (2/ 60) وصححه

(5)

كذا في الأصول "يعضد"، وفي سنن أبي داود، وسنن الدارقطني "يعصر"، وفسره صاحب عون المعبود (1/ 534) أي: يقطر عليه الماء، والمراد به: أن يمسح على الجراحة. اهـ.

ص: 262

والدارقطني

(1)

.

وهو قول عمر، ولم يعرف له مخالف من الصحابة.

(و) يصح المسح أيضًا (على خمر

(2)

النساء المدارة تحت حلوقهن) لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر

(3)

.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "امْسحُوا على الخفّيْنِ والخِمَارِ" رواه أحمد

(4)

.

ولأنه ساتر يشق نزعه أشبه العمامة المحنكة.

ولا يجور المسح على الوقاية؛ لأنه لا يشق نزعها، فهي كطاقية الرجل.

و (لا) على (القلانس) - جمع قلنسوة أو قلنسية - (وهي مبطنات تتخذ للنوم).

(1)

أبو داود في الطهارة، باب 127، حديث 336، والدارقطني:(1/ 189، 190)، ورواه - أيضًا - البيهقي:(1/ 227)، والبغوي (2/ 120) رقم 313، والقضاعي في مسنده رقم 1163، وضعفه الدارقطني، ونقل الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 147) تصحيحه عن ابن السكن. وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 41): ولم يثبت في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء وأصح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح مع الاختلاف في إسناده ومتنه. وقال الحافظ في بلوغ المرام رقم 147: رواه أبو داود بسند فيه ضعف، وفيه اختلاف على رواته.

ورواه أبو داود - أيضًا - في الطهارة، باب 127، حديث 337، وابن ماجه في الطهارة، باب 93، حديث 572، وأحمد (1/ 330)، والدارمي في الطهارة، باب 69، حديث 758، وأبو يعلى (4/ 309، 310) رقم 2420، 2421، وابن خزيمة (1/ 138) رقم 273، والدارقطني (1/ 190 - 192)، والحاكم (1/ 165، 178)، والبيهقي (1/ 227) بنحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

جمع خمار وهو القناع الذي تغطي به رأسها. "ش".

(3)

الأوسط (1/ 468، 471)، ورواه ابن أبي شيبة (1/ 22، 24 - 25).

(4)

مسند أحمد (6/ 12، 13، 14، 15)، ورواه - أيضًا - مسلم في الطهارة حديث 275 من حديث بلال رضي الله عنه.

ص: 263

(و) لا على (الدنيات) وهي (قلانس كبار أيضًا. كانت القضاة تلبسها) قديمًا. قال في "مجمع البحرين": هي على هيئة ما تتخذه الصوفية الآن. ووجه عدم المسح عليها: أنه لا يشق نزعها، فلم يجز المسح عليها كالكلوتة

(1)

.

(ومن شرطه) أي: المسح على الخفين وسائر الحوائل (أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة بالماء) لما روى أبو بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة، إذا تطهر، فلبس خفيه، أن يمسح عليهما" رواه الشافعي، وابن خزيمة، والطبراني

(2)

، وحسنه البخاري، وقال: هو صحيح الإسناد. والطهر المطلق ينصرف إلى الكامل.

وأيضًا روى المغيرة بن شعبة قال: "كنتُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأهويتُ لأنزعَ خفّيْهِ، فقال: دعهُمَا فإنِّي أدخلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ" متفق عليه

(3)

، ولفظه للبخاري.

(1)

نوع من غطاء الرأس. انظر الملابس العربية الإسلامية في العصر العباسي ص/ 97.

(2)

الشافعي ترتيب مسنده (1/ 42)، وابن خزيمة (1/ 96) رقم 192، ورواه - أيضًا - ابن ماجه في الطهارة، باب 86، رقم 556، وابن أبي شيبة (1/ 179)، وابن الجارود رقم 287، والطحاوي (1/ 82)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 153، 157) رقم 1324، 1328، والدارقطني (1/ 194، 204)، والبيهقي (1/ 281)، والبغوي (1/ 460) رقم 237، وقال الترمذي في العلل الكبير ص/ 55 نقلًا عن البخاري أنه قال: وحديث أبي بكرة حسن. وحسنه - أيضًا - النووي في المجموع (1/ 484). وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 157): وصححه الخطابي - أيضًا - ونقل البيهقي أن الشافعي صححه في سنن حرملة. وعزاه المؤلف إلى الطبراني. ولم نقف عليه في المطبوع من المعجم الكبير.

(3)

البخاري في الوضوء، باب 49، حديث 206، وفي اللباس، باب 11، حديث 5799. ومسلم في الطهارة، حديث 274 (79، 80).

ص: 264

(ولو مسح فيها) أي: الطهارة (على خف) بأن لبس خفًا على طهارة. ثم أحدث وتوضأ ومسح عليه، ثم لبس عمامة أو جبيرة، فله المسح عليها، (أو) مسح في الطهارة على (عمامة أو جبيرة) أي: لو توضأ ثم لبس عمامة أو جبيرة ثم أحدث وتوضأ ومسح عليها ثم لبس خفًا جاز له المسح عليه؛ لأن ما تقدمه طهارة كاملة ترفع الحدث. أشبه ما لو غسل الكل.

(أو غسل صحيحًا وتيمم لجرح) ثم لبس حائلًا جاز له المسح عليه؛ لأنه تقدمه طهارة كاملة بالنسبة إليه.

(فلا يمسح على خف) ولا جرموق، ولا جورب، ولا عمامة، ولا خمار، ولا جبيرة (لبسه على طهارة تيمم)؛ لأنه لا يرفع حدثًا.

(ولو غسل رِجْلًا ثم أدخلها الخف) قبل غسل الأخرى (خلع) الخف (ثم لبس بعد غسل الأخرى) لتكمل الطهارة.

(ولو لبس الأولى طاهرة) قبل غسل الأخرى (ثم غسل) الرجل (الأخرى وأدخلها) خفها (لم يمسح)؛ لأن لبسه للخفين لم يكن بعد كمال الطهارة.

(فإن خلع الأولى ثم لبسها) مع بقاء طهارته (جاز) له المسح، لأن لبسهما بعد كمال الطهارة.

(وإن تطهر، ثم أحدث قبل لبسه) الخف أو نحوه لم يمسح عليه؛ لأنه لم يلبسه على طهارة.

(أو) تطهر ثم أحدث (بعده) أي: بعد لبسه الخف أو نحوه؛ (قبل أن تصل القدم إلى موضعها) لم يجز المسح، لأن الرجل حصلت في مقرها وهو محدث، فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث.

(أو لبسه) أي: الخف ونحوه (محدثًا ثم غسلهما) أي: الرجلين (فيه) أي: في الخف ونحوه لم يجز المسح.

(أو) لبسه في أثناء الطهارة (قبل كمال طهارته ثم غسلهما) أي:

ص: 265

الرجلين (فيه) أي: في الخف ونحوه لم يجز له المسح.

(أو نوى جنب ونحوه) كحائض ونفساء انقطع دمهما (رفع حدثه، ثم غسلهما، وأدخلهما فيه) أي: في الخف ونحوه (ثم تمم طهارته لم يجز) له (المسح)؛ لأنه لم يلبس بعد كمال الطهارة.

(وإن) غسل وجهه ويديه، و (مسح رأسه ثم لبس العمامة، ثم غسل رجليه خلع) العمامة (ثم لبسها) ليوجد شرط المسح كالخف.

(ولو شد الجبيرة على غير طهارة) بالماء (نزع) الجبيرة إذا تطهر ليغسل ما تحتها؛ بناء على أن تقدم الطهارة على شدها شرط. وهو اختيار القاضي، والشريف أبي جعفر، وأبي الخطاب، وابن عبدوس. وقدمها في "الرعاية والفروع" وغيرهم؛ لأنه مسح على حائل أشبه الخف.

وعنه: لا يشترط، قدمها ابن تميم، واختارها الخلال، وابن عقيل، وصاحب "التلخيص" فيه، والموفق، وجزم بها في "الوجيز" للأخبار وللمشقة؛ لأن الجرح يقع فجأة، أو في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه.

وعلى الأول. (فإن خاف) من نزعها تلفًا أو ضررًا (تيمم) لغسل ما تحتها؛ لأنه موضع يخاف الضرر باستعماله الماء فيه؛ فجاز التيمم له، كجرح غير مشدود. (فلو عمت) الجبيرة (محل الفرض) في التيمم، بأن عمت الوجه واليدين (كفى مسحها بالماء)؛ لأن كلا من التيمم والمسح بدل عن الغسل. فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر.

(ويمسح مقيم، ولو عاصيًا بإقامة، كمن أمره سيده بسفر فأبى) أن يسافر، يومًا وليلة.

(و) يمسح (عاص بسفره) بعيدًا كان أو قريبًا (يومًا وليلة)، وكذا مسافر دون المسافة؛ لأنه في حكم المقيم.

ص: 266

(و) يمسح (مسافر سفر قصر ثلاثة أيام بلياليهن) لما روى شريح بن هانئ قال: "سألتُ عائشةَ عن المسحِ على الخفّين فقالتْ: سَلْ عَلِيًّا، فإنه كانَ يسافرُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسألتُه، فقالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

: للمسافرِ ثلاثة أيامٍ ولياليهنَّ، وللمُقِيم يومًا وليلةً" رواه مسلم

(2)

، قال أحمد في رواية الأثرم: هو صحيح مرفوع.

ويخلع عند انقضاء المدة. فإن خاف، أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم. فلو مسح وصلى أعاد، نص عليه.

ويمسح المدة المذكورة لابس الخفين (ولو مستحاضة ونحوها) كمن به سلس بول، أو نحوه، لعموم الأخبار.

وابتداء المدة (من وقت حدث بعد لبس إلى مثله) من الثاني أو الرابع، لحديث صفوان بن عسال قال:"أمَرَنَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا كنّا مسافِرِينَ أو سَفْرًا: أن لا نَنْزعَ خِفَافَنَا ثلاثَةَ أيامٍ وليالِيهنَّ، إلا مِنْ جَنابَةٍ، ولَكنْ مِنْ غائِطٍ ونومٍ وَبَوْلٍ" رواه أحمد، والترمذي

(3)

وصححه. وقال الخطابي

(4)

: هو صحيح الإسناد.

(1)

الذي في صحيح مسلم (1/ 232)، حديث رقم 276:"جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ".

(2)

في الطهارة، حديث 276.

(3)

أحمد: (4/ 239، 240)، والترمذي في الطهارة، باب 71، حديث 96، وفي الدعوات، باب 99 رقم 3535، 3536، ورواه - أيضًا - النسائي في الطهارة، باب 98، حديث 127. وابن ماجه في الطهارة، باب 62، حديث 478، دون ذكر السفر. والطيالسي ص/ 160 رقم 1166، وعبد الرزاق (1/ 204 - 206)، والحميدي (2/ 388) رقم 881، وابن أبي شيبة:(1/ 177 - 178). وابن خزيمة (1/ 97، 98) رقم 193، 196. وابن حبان "الإحسان" (3/ 381، 4/ 147، 149، 155) رقم 1100، 1319، 1320، 1321، 1325، والدارقطني: (1/ 196 - 197)، والبيهقي (1/ 282)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وصححه - أيضًا - النووي في المجموع (1/ 479)، والحافظ في الفتح (1/ 309).

(4)

انظر معالم السنن (1/ 60).

ص: 267

يدل بمفهومه: أنها تنزع لثلاث مضين من الغائط. ولأنها عبادة مؤقتة. فاعتبر لها أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة.

(فلو مضت المدة) بأن مضى من الحدث يوم وليلة أو ثلاثة إن كان مسافرًا (ولم يمسح فيها) على الخف أو نحوه (خلع) لفراغ مدته.

وما لم يحدث فلا تحتسب المدة، فلو بقي بعد لبسه يومًا على طهارة اللبس، ثم أحدث استباح بعد الحدث المدة.

وهذا التوقيت السابق مفصلٌ في غير الجبيرة؛ ولذلك قال: (و) يمسح على (جبيرة إلى حلها)؛ لأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها. والضرورة تدعو إلى مسحها إلى حلها. فقدر بذلك دون غيره. وبرؤها كحلها بل أولى.

(ومن مسح مسافرًا ثم أقام أتم بقية مسح مقيم، إن كانت) أي: وجدت له بقية من اليوم والليلة، (وإلا) بأن مضى بعد الحدث يوم وليلة فأكثر ثم أقام (خلع) الخف ونحوه؛ لانقطاع السفر. فلو تلبس بصلاة في سفينة فدخلت الإقامة في أثنائها بعد اليوم والليلة، بطلت. قال في "الرعاية": في الأشهر انتهى

(1)

.

(وإن مسح مقيم أقل من يوم وليلة ثم سافر) أتم مسح مقيم، تغليبًا للإقامة لأنها الأصل.

(أو شك هل ابتدأ المسح حضرًا أو سفرًا أتم مسح مقيم)؛ لأن الأصل الغسل، والمسح رخصة. فإذا وقع الشك في شرطها رد إلى الأصل. وسواء شك هل أول مسحه في الحضر أو السفر، أو علم أول المدة، وشك هل كان مسحه حاضرًا أو مسافرًا.

(وإن شك) الماسح (في بقاء المدة لم يجز المسح) مقيمًا كان أو

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة: "وكذا لو نوى الإقامة".

ص: 268

مسافرًا، مادام الشك. لأن المسح رخصة جوزت بشرط، فإذا لم يتحقق بقاء شرطها رجع إلى الأصل. (فلو خالف وفعل) أي: مسح مع الشك في بقاء المدة (فبان بقاؤها صح وضوؤه) ولا يصلي به قبل أن يتبين له بقاؤها، فإن صلى مع الشك أعاد.

(ومن أحدث) في الحضر (ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر)؛ لأنه ابتدأ المسح مسافرًا.

(ولا يصح المسح إلا على ما يستر محل الفرض)، وهو القدم كله، وإلا فحكم ما استتر المسح، وما ظهر الغسل. ولا سبيل إلى الجمع بينهما. فوجب الغسل؛ لأنه الأصل.

(و) من شرط المسح على الخف أيضًا: أن (يثبت بنفسه) إذ الرخصة وردت في الخف المعتاد، وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه. فلا يصح المسح على ما يسقط لفوات شرطه.

(أو) أن يثبت (بنعلين فـ) ــلو ثبت الجوربان بالنعلين فإنه (يصح) المسح عليهما ما

(1)

سبق من المدة (إلى خلعهما).

ويجب أن يمسح على الجوربين، وسيور النعلين قدر الواجب، قاله القاضي، وقدمه في "الرعاية الكبرى". قال في "الصغرى" و"الحاويين": مسحهما، وقيل: يجزئ مسح الجورب وحده. وقيل: أو النعل. قال المجد في شرحه، وابن عبيدان، وصاحب "مجمع البحرين": ظاهر كلام أحمد إجزاء المسح على أحدهما قدر الواجب، قلت: ينبغي أن يكون هذا المذهب. قاله في "الإنصاف".

و (لا) يصح المسح على خف يثبت (بشده) فقط (نصًا) لما تقدم.

(1)

في "ح": "على ما سبق".

ص: 269

(ولو ثبت) الخف ونحوه (بنفسه لكن يبدو بعضه لولا شده أو شرجه) بالشين المعجمة والجيم بأن يكون له عرى (كالزربول الذي له ساق)، فيدخل بعضها في بعض، فيستتر بذلك محل الفرض (ونحوه. صح المسح عليه)؛ لأنه خف ساتر يمكن متابعة المشي فيه. أشبه غير ذي الشرج.

(ومن شرطه) أي: المسح على الخف ونحوه (أيضًا إباحته)؛ لأن المسح رخصة، فلا تستباح بالمعصية. (فلا يصح) المسح (على) خف (مغصوب، و) لا (حرير، ولو في ضرورة، كمن هو في بلد ثلج، وخاف سقوط أصابعه) بخلع الخف المغصوب أو الحرير. فلا يستبيح المسح عليه؛ لأنه منهي عنه في الأصل. وهذا ضرورة نادرة.

(فإن صلى) وقد مسح عليه إذن (أعاد الطهارة والصلاة) لبطلانهما.

(ويصح) المسح (على) خف، ونحوه (حرير لأنثى فقط) دون خنثى وذكر. لإباحته لها دونهما ولو صغيرين.

(ويشترط أيضًا) في مسح الخفين ونحوهما (إمكان المشي فيه) أي: الممسوح من خف ونحوه (عرفًا. ولو لم يكن معتادًا. فدخل في ذلك الجلود واللبود والخشب والزجاج والحديد ونحوها)؛ لأنه خف ساتر يمكن المشي فيه. أشبه الجلود.

(و) يشترط أيضًا (طهارة عينه) لأن نجس العين منهي عنه؛ (فلا يصح) المسح (على نجس ولو في ضرورة) لما تقدم في الحرير (فيتيمم معها) أي: الضرورة (للرجلين) أي: بدلًا عن غسلهما. وكذا لو كان النجس عمامة أو جبيرة وتضرر بنزعها يتيمم لما تحتها. قال في "المنتهى": ويتيمم معها لمستور.

(ولا يمسح) على النجس، (ويعيد) ما صلى به؛ لأنه حامل للنجاسة.

ص: 270

(ولو مسح على خف طاهر العين لكن بباطنه أو قدمه نجاسة لا يمكن إزالتها إلا بنزعه جاز المسح عليه) لوجود شرطه. (ويستبيح بذلك مس المصحف و) يستبيح (الصلاة إذا لم يجد ما يزيل) به (النجاسة

(1)

وغير ذلك) كالطواف، بخلاف الوضوء قبل الاستنجاء. وفرق المجد بينهما بأن نجاسة المحل هناك لما أوجبت الطهارتين جعلت إحداهما تابعة للأخرى. وهذا معدوم هنا.

(ويشترط) في الخف ونحوه أيضًا (أن لا يصف القدم لصفائه كالزجاج الرقيق) لأنه غير ساتر لمحل الفرض، وكذا ما يصف البشرة لخفته لا يصح المسح عليه. (فإن كان فيه) أي: في الخف ونحوه (خرق أو غيره يبدو منه بعض القدم، ولو من موضع الخرز، لم يمسح عليه)؛ لعدم ستره محل الفرض. (فإن انضم الخرق ونحوه بلبسه جاز المسح) لحصول الشرط وهو ستر محل الفرض.

ويشترط أيضًا أن لا يكون واسعًا يرى منه محل الفرض.

(وإن لبس خفًا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر، وكانا) أي: الخفان (صحيحين مسح أيهما شاء) فـ (ــإن شاء) مسح (الفوقاني) لأنه خف ساتر ثبت بنفسه، أشبه المنفرد، (وإن شاء) مسح (التحتاني، بأن يدخل يده من تحت الفوقاني فيمسح عليه) أي: على التحتاني. لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح عليه. كما يجوز غسل قدميه في الخف، مع جواز المسح عليه.

(ولو لبس أحد الجرموقين في إحدى الرجلين) فوق خفها (دون) الرجل

(1)

ويعيد إن كانت النجاسة بالخف. وأما إن كانت بقدمه فإنه يتيمم لها عند الحاجة ولا إعادة. "ش".

ص: 271

(الأخرى) فلم يلبس فيها جوربًا، بل الخف فقط (جاز المسح عليه) أي: على الجورب الذي لبسه فوق الخف (وعلى الخف الذي في الرجل الأخرى) لأن الحكم تعلق به وبالخف الذي في الرجل الأخرى، فهو كما لو لم يكن تحته شيء.

(فإن كان أحدهما) أي: الخفين اللذين لبس أحدهما فوق الآخر (صحيحًا) والآخر مفتقًا (جاز المسح على الفوقاني) لأنهما كخف واحد، وكذا إن لبس على صحيح مخرقًا، نص عليه، قاله في "المبدع".

(ولا يجوز) المسح (على) الخف (التحتاني) إذا كان أحد الخفين صحيحًا والآخر مفتقًا (إلا أن يكون) التحتاني (هو الصحيح) فيصح المسح عليه، لأنه ساتر بنفسه. أشبه ما لو انفرد، بخلاف ما إذا كان الفوقاني هو الصحيح فلا يصح المسح إذن على التحتاني لأنه غير ساتر بنفسه. قال في "الإنصاف": وكل من الخف الفوقاني والتحتاني بدل مستقل من الغسل على الصحيح

(1)

.

(وإن كانا) أي: الخفان (مخرقين) ولبس أحدهما فوق الآخر (وسترا) محل الفرض (لم يجز المسح) عليهما ولا على أحدهما؛ لأن كل واحد منهما غير صالح للمسح على انفراده. كما لو لبس مخرقًا فوق لفافة.

(وإن نزع الفوقاني قبل مسحه لم يؤثر) كما لو انفرد.

(وإن) توضأ ولبس خفًا ثم (أحدث ثم لبس) الخف (الآخر) لم يجز المسح عليه؛ لأنه لبسه على غير طهارة، بل على الأسفل.

(أو مسح) الخف (الأول) بعد حدثه (ثم لبس) الخف (الثاني) ولو على طهارة (لم يجز المسح عليه) أي: على الثاني؛ لأن الخف الممسوح بدل عن

(1)

وقيل: الفوقاني بدل عن التحتاني، والتحتاني بدل عن القدم. "ش".

ص: 272

غسل ما تحته. والبدل لا يكون له بدل آخر (بل على الأسفل)؛ لأن الرخصة تعلقت به.

(وإن) لبس خفًا على آخر قبل الحدث ومسح الأعلى، ثم (نزع الممسوح الأعلى لزمه نزع التحتاني) وإعادة الوضوء؛ لأنه محل المسح، ونزعه كنزعهما. والرخصة تعلقت بهما، فصار كانكشاف القدم.

(وقشط ظهارة الخف) - بكسر الظاء المشالة: ضد البطانة - (بعد المسح عليه لا يؤثر) في الوضوء؛ لبقاء ستر محل الفرض.

(ويمسح) خفًا (صحيحًا) لبسه على طهارة (على لفافة)؛ لأنه خف ساتر لمحل الفرض. أشبه ما لو انفرد.

و (لا) يمسح خفًا (مخرقًا) لبسه (عليها) أي: على لفافة، لأنه لا يستر محل الفرض، كما لو انفرد.

(ولا) يمسح (لفائف وحدها) وهي خرق تشد على الرجل، تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقة في الأصح. قاله في "الفروع".

(ويجب مسح أكثر أعلى خف ونحوه) كجورب وجرموق. قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب. ولا يسن استيعابه (مرة)، فلا يجب تكراره، بل ولا يسن (دون أسفله) أي: الخف (وعقبه، فلا يجزئ مسحهما) عن مسح ظاهره. (بل ولا يسن) مسحهما مع مسح ظاهره لقول علي: "لو كانَ الدينُ بالرأي لكان أسفلُ الخفِّ أولى بالمسحِ من أعلاهُ. وقد رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يمسَحُ على ظاهِرِ خُفّيْهِ" رواه أحمد وأبو داود

(1)

. قال الحافظ

(1)

أحمد: (1/ 95، 148)، وأبو داود في الطهارة، باب 63، حديث 162، ورواه أيضًا النسائي في الكبرى (1/ 90) رقم 119، 120، وعبد الرزاق (1/ 19، 181)، والحميدي (1/ 26) رقم 47، وابن أبي شيبة (1/ 19)، والدارمي في =

ص: 273

عبد الغني: إسناد صحيح. فبين أن الرأي وإن اقتضى مسح أسفله، إلا أن السنة أحق أن تتبع؛ لأن أسفله مظنة ملاقاة النجاسة وكثرة الوسخ، فمسحه يفضي إلى تلوث اليد من غير فائدة.

وما ورد أنه عليه السلام "مسحَ أعلى الخفِّ وأسفله" فرواه أحمد

(1)

، وقال: من وجه ضعيف، والترمذي وقال: معلول. وقال: سألت أبا زرعة ومحمدًا - أي: البخاري - عن هذا الحديث، فقالا: ليس بصحيح.

(وتكره الزيادة عليها) أي: على المرة في مسح الخف؛ لأنه يفسده.

(فيضع يديه مفرجتي الأصابع على أطراف أصابع رجليه، ثم يمرهما على مشطي قدميه إلى ساقيه) هذا

(2)

صفة المسح المسنون، قاله ابن عقيل

= الطهارة (1/ 147) رقم 721، وعبد الله بن أحمد في زوائده (1/ 114 - 124)، والبزار (1/ 36، 37) رقم 788، 789، وأبو يعلى (1/ 287، 455) رقم 346، 613، والدارقطني (1/ 199، 204)، والبيهقي (1/ 292)، وصححه الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 160)، وحسن إسناده في بلوغ المرام رقم 65.

(1)

المسند (4/ 251)، وفي مسائله برواية صالح (2/ 125) رقم 689، والترمذي في الطهارة، باب 72، حديث 97، عن المغيرة رضي الله عنه، ورواه - أيضًا - البخاري في التاريخ الصغير (1/ 292)، وأبو داود في الطهارة، باب 63 رقم 165، وابن ماجه في الطهارة، باب 85، حديث 550، وابن الجارود رقم 84، وابن المنذر في الأوسط (1/ 453) رقم 474، والطبراني في الكبير (20/ 396) رقم 939، والدارقطني (1/ 195)، وتمام (1/ 239) رقم 577، والبيهقي (1/ 290)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 147 - 148)، وقال الترمذي: هذا حديث معلول .. إلخ. وقال الإمام أحمد في مسائل صالح (2/ 126): ولا أرى الحديث ثبت. وقال أبو حاتم (العلل 1/ 54): ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح. وضعفه النووي في المجموع (1/ 517)، وقال الحافظ في بلوغ المرام رقم 64: إسناده ضعيف.

(2)

في "ح": "هذه".

ص: 274

وغيره، لما روى البيهقي في "سننه" عن المغيرة بن شعبة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "مسحَ عَلى خُفّيهِ، وَضَعَ يدَهُ اليمنَى على خُفِّه الأيمنِ، ويدَهُ اليسرَى على خُفِّه الأيسَرِ، ثم مسح إلى أعلاهُ مَسْحةً واحدةً"

(1)

.

(فإن بدأ) في المسح (من ساقه إلى أصابعه أجزأه). قال أحمد: كيفما فعلت فهو جائز.

(ويسن مسح) الرجل (اليمنى بـ) - اليد (اليمنى و) الرجل (اليسرى بـ) - اليد (اليسرى) لحديث المغيرة السابق.

(وفي التلخيص والترغيب: يسن تقديم اليمنى) وحكاه في "المبدع" عن "البلغة"، وقال: حديث المغيرة السابق ليس فيه: تقدم

(2)

.

(وحكم مسحه بأصبع، أو إصبعين إذا كرر المسح بها) أي: بما ذكر من الأصبع أو الأصبعين (حتى يصير المسح) بها (مثل المسح بأصابعه) حكم مسح الرأس في الإجزاء.

(أو) أي: وحكم المسح (بحائل كخرقة ونحوها) كخشبة حكم مسح الرأس في الإجزاء (و) حكم (غسله حكم مسح الرأس على ما تقدم) فيجزئ إن مسحه مع ذلك، وإلا فلا.

(ويكره غسله) أي: الخف لأنه يفسده.

(ويصح) أي: يجب (مسح دوائر أكثر عمامة)، أما صحة المسح على العمامة فلما تقدم، وأما كون الواجب مسح أكثرها، فلأنها ممسوحة على وجه البدل، فأجزأ فيها ذلك كالخف، واختص ذلك بأكوارها وهي دوائرها (دون

(1)

(1/ 292). ورواه أبن أبي شيبة: (1/ 187)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 161): منقطع.

(2)

في "ذ": "تقديم".

ص: 275

وسطها) لأنه يشبه أسفل الخف.

وإنما يصح المسح على العمامة (إذا كانت مباحة) بأن لا تكون محرمة، كمغصوبة، أو حرير، لما تقدم في الخف.

وأن تكون (محنكة) وهى التي يدار منها تحت الحنك كور - بفتح الكاف - أو كوران سواء كان لها ذؤابة أو لا، لأنها عمامة العرب، ويشق نزعها، وهي أكثر سترًا.

(أو) تكون (ذات ذؤابة) بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة - وهي طرف العمامة المرخى، وأصلها الناصية أو منبتها من الرأس، وشعر في أعلى ناصية الفرس، لأن إرخاء الذؤابة من السنة، قال أحمد في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث: ينبغي أن يرخي خلفه من عمامته، كما جاء عن ابن عمر أنه كان يعتم ويرخيها بين كتفيه

(1)

، وعن ابن عمر قال:"عمم النَّبيُّ عبدَ الرحمن بعمامة سوداءَ وأرْخَاهَا من خَلْفِهِ قدرَ أربَعِ أصابع"

(2)

.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (8/ 447).

(2)

رواه الطبراني في الأوسط (5/ 340) رقم 4668 في حديث طويل وفيه: ثم أمر عبد الرحمن بن عوف فتجهز بسرية بعثه عليها، فأصبح قد اعتمّ بعمامة كرابيس سوداء، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقضها، فعممه، وأرسل من خلفه أربع أصابع، أو نحوها، ثم قال: هكذا يا ابن عوف فاعتم، فإنه أعرب وأحسن.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 120) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها رواه الطبراني في الأوسط (9/ 416) رقم 8896، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 120) وقال: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه مقدام بن داود، وهو ضعيف.

وروى أبو داود في اللباس، باب 24، حديث 4079، وأبو يعلى (2/ 160) رقم 850، وابن عدي (5/ 1820) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يدي ومن خلفي. وفي سنده رجل مجهول.

ص: 276

ولأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة.

(كبيرة كانت العمامة أو صغيرة) وأن تكون (لذكر) كبير أو صغير (لا أنثى) كبيرة أو صغيرة؛ لأنها منهية عن التشبه بالرجال، فلا تمسح أنثى على عمامة (ولو لبستها لضرورة برد وغيره) وكذا خنثى.

ويصح مسح الذكر على العمامة غير الصماء (بشرط سترها لما لم تجر العادة بكشفه) كمقدم الرأس، والأذنين، وجوانب الرأس، فإنه يعفى عنه، بخلاف خرق الخف ونحوه؛ لأن هذا مما جرت العادة به، ويشق التحرز منه.

(ولا يجب أن يمسح معها) أي: العمامة (ما جرت العادة بكشفه)؛ لأن العمامة نابت عن الرأس، فانتقل الفرض إليها وتعلق الحكم بها، وفي نسخ (بل يسن) نص عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم "مسحَ بِناصِيَتِهِ" في حديث المغيرة

(1)

، وهو صحيح، قاله في الشرح.

وعلم مما سبق أنه لا يجوز المسح على العمامة الصماء، لأنها لم تكن عمة المسلمين ولا يشق نزعها، أشبهت الطاقية. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بالتّلحِّي ونهَى عن الاقْتِعَاطِ" رواه أبو عبيد

(2)

، والاقتعاط: أن لا يكون تحت الحنك منها شيء. قال عبد الله: كان أبي يكره أن يعتم الرجل بالعمامة ولا يجعلها تحت حنكه. وقد روي عنه أنه كرهه كراهة شديدة، وقال: إنما يعتم مثل هذا اليهود والنصارى. قال الشيخ تقي الدين

(3)

: والأقرب أنها كراهة لا ترتقي إلى التحريم، ومثل هذا لا يمنع الترخص، كسفر النزهة، كذا قال. قاله

(1)

رواه مسلم في الطهارة مطولًا، حديث 274، (81). ورواه أحمد:(4/ 244، 250، 255).

(2)

في "غريب الحديث": (3/ 120).

(3)

الاختيارات ص/ 26.

ص: 277

في "الفروع"، وقال: ولعل ظاهر مَنْ جوز المسح إباحة لبسها، وهو متجه لأنه فعل أبناء المهاجرين والأنصار، وتحمل كراهة السلف على الحاجة لذلك، لجهاد أو غيره، واختاره شيخنا، أو على ترك الأولى، وحمله صاحب "المحرر" على غير ذات ذؤابة.

(ويجب مسح جميع جبيرة)؛ لأنه لا ضرر في تعميمها به، بخلاف الخف، فإنه يشق تعميم جميعه، ويتلفه المسح. (لم تجاوز) الجبيرة (قدر الحاجة) بشدها، لأنه موضع حاجة، فتقيد بقدرها، وموضع الحاجة هو موضع الكسر ونحوه وما لا بد من وضع الجبيرة عليه من الصحيح، لأنها لا بد أن توضع على طرفي الصحيح، ليرجع الكسر.

(ويجزئ) المسح على الجبيرة (من غير تيمم)؛ لأنه مسح على حائل فأجزأ من غير تيمم، كمسح الخف بل أولى. إذ صاحب الضرورة أحق بالتخفيف، والاستدلال بقصة صاحب الشجة

(1)

ضعف بأنه يحتمل أن الواو فيه بمعنى أو، ويحتمل أن التيمم فيه لشد العصابة فيه على غير طهارة.

(فإن تجاوزت) الجبيرة محل الحاجة (وجب نزعها) ليغسل ما يمكنه غسله من غير ضرر. (فإن خاف) من نزعها (تلفًا، أو ضررًا، تيمم لزائد) على قدر الحاجة، ومسح ما حاذى محل الحاجة، وغسل ما سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل، والمسح، والتيمم.

(ويحرم الجبر بجبيرة نجسة، كجلد الميتة، والخرقة النجسة).

(و) يحرم الجبر (بمغصوب).

(والمسح على ذلك باطل، وكذا الصلاة فيه) ذكره ابن عقيل وغيره

(1)

تقدم تخريجه ص/ 263 تعليق 1.

ص: 278

(كالخف النجس، وكذلك الحرير لذكر) يحرم الجبر به، ولا يصح المسح عليه.

(ودواء، وعصابة) شد بها رأسه أو غيرها، (ولصوق على جرح أو وجع ولو قارا في شق) وتضرر بقلعه، (أو تألمت إصبعه، فألقمها مرارة كجبيرة) إذا وضعها على طهارة جاز المسح عليها، لأنها في معناها. وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر: أنه خرجت بإبهامه قرحة فألقمها مرارة وكان يتوضأ عليها

(1)

.

قال في "الإنصاف": لو انقلع ظفره، أو كان بأصبعه جرح، أو فصاد وخاف إن أصابه الماء أن يزرق الجرح، أو وضع دواء على جرح، أو وجع ونحوه، جاز المسح عليه، نص عليه.

(ومتى ظهر بعض قدمه بعد الحدث وقبل انقضاء المدة) فحش أو لا (أو) ظهر بعض (رأسه، وفحش) ما ظهر (فيه) أي: في الرأس فقط: استأنف الطهارة لبطلان ما قبلها بذلك، لأن المسح أقيم مقام الغسل أو المسح

(2)

. فإذا زال المسح

(3)

بطلت الطهارة في القدمين أو الرأس، فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض، وسواء فاتت الموالاة أو لم تفت.

وعلم أن انكشاف يسير من الرأس لا يضر، قال أحمد: إذا زالت عن رأسه فلا بأس به، ما لم يفحش، لأنه معتاد.

(1)

رواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 28) رقم 526، والبيهقي (1/ 288)، بلفظ: جرحت إبهام رجل ابن عمر، فألقمها مرارة، فكان يتوضأ عليها. وقال البيهقي: هو عن ابن عمر صحيح.

(2)

مقام الغسل أي في القدمين، وقوله: أو المسح أي في الرأس. "ش".

(3)

في "ح" و"ذ": "الممسوح".

ص: 279

(أو انتقض بعض عمامته) قال القاضي: لو انتقض منها كور واحد بطلت، لأنه زال المسح

(1)

عليه. أشبه نزع الخف.

(أو انقطع دم مستحاضة، أو زال ضرر من به سلس البول، ونحوه) كالرعاف، بأن انقطع استأنف الطهارة وخلع؛ لأن الحكم بصحة طهارته إنما كان لوجود العذر. فإذا زال حكم ببطلانها على الأصل.

(أو انقضت مدة مسح) وهي اليوم والليلة، أو الثلاثة (ولو) كان الماسح (متطهرًا، أو في صلاة. أستأنف الطهارة، وبطلت الصلاة)؛ لأن طهارته مؤقتة، فبطلت بانتهاء وقتها، كخروج وقت الصلاة في حق المتيمم، ويعيد الوضوء، لا لوجوب الموالاة، بل لأن المسح يرفع الحدث، والحدث لا يتبعض. فإذا خلع عاد الحدث إلى العضو الذي مسح الحائل عنه، فيسري إلى بقية الأعضاء، فيستأنف الوضوء، وإن قرب الزمن. وقطع بهذه الطريق

(2)

القاضي أبو الحسين، وصححه المجد في شرحه، وابن عبد القوي في "مجمع البحرين" وغيرهم. وقال أبو المعالي: إن هذا الصحيح من المذهب عند المحققين.

(وزوال جبيرة) ولو قبل برء الكسر أو الجرح، وبرؤها (كـ) ــخلع (خف)

(3)

أن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، إلا أنها إذا مسحت في الطهارة الكبرى، وزالت أجزأ غسل ما تحتها، لعدم وجوب الموالاة في الطهارة الكبرى

(1)

في "ح" و"ذ": "الممسوح".

(2)

في "ح" و"ذ": "الطريقة".

(3)

قوله: وزوال جبيرة، كخف. أي: فيستأنف الطهارة الصغرى، أما الكبرى فيكفي غسل ما تحت الجبيرة من إعادة الغسل قال في "شرح المنتهى" وغيره: لعدم اعتبار الموالاة فيها انتهى. قال الشيخ منصور: وهذا واضح إذا قلت بأن الا. . . . . في الطهارة الصغرى مبني على اعتبار الموالاة، والصحيح الذي عليه المحققون أنه =

ص: 280

قاله في "شرح المنتهى" وغيره. وقد تقدم لك أن الصحيح عند المحققين أن المسألة ليست مبنية على وجوب الموالاة، بل على رفع المسح للحدث وعدم تبعضه. وإذن لا فرق بينهما.

(وخروج قدم) الماسح (أو بعضه إلى ساق خفٍّ كخلعه)؛ لأنه لا يمكن متابعة المشي فيه.

(ولا مدخل لحائل في طهارة كبرى) لحديث صفوان قال: "أمرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة"

(1)

(إلا الجبيرة)

= مبني على رفع المسح الحدث، وكون الحدث لا يتبعض، وهذا لا فرق فيه بين الطهارتين انتهى بمعناه.

أقول: يكفي أن يجاب بأن التبعيض في الطهارة الصغرى بنزع نحو الخف لما كان يؤدي في بعض الصور إلى فوات الموالاة منع المحققون من التبعيض مطلقًا، بأبطلوا الطهارة الصغرى بنزع نحو الخف سواء فاتت الموالاة أو لم تفت فحاصله أن من الأصحاب من اعتبر فوات الموالاة بالفعل فبنى الأمر على ذلك، ومنهم من اعتبر ما يمكن بعده فوات الموالاة وهو التبعيض فمنعه رأسًا سواء فاتت معه الموالاة بالفعل أو لم تفت، وإلى هذا ذهب المحققون، وهو أقرب إلى الاحتياط. فظهر من هذا أن القائل بعدم التبعيض ناظر إلى الموالاة، وأنها هي الحاملة له على ذلك. وهو إنما يتأتى في الطهارة الصغرى دون الكبرى، فلا يتأتى ذلك فيها عند الجميع؛ فلهذا اكتفى فيها بغسل ما تحت الجبيرة فقط. ولا بعد في ذلك بدليل أنه لو اغتسل في جميع بدنه إلا موضع الجبيرة فـ. . . . . . . . . . . . . . . . لم يلزمه سواء. . . . . ذلك المتروك ففي صورة ما إذا مسحه. . . . . . لأن المسح لم يزده إلا تخفيفًا فما ذكره صاحب المنتهى وغيره وله. . . . . على ضعيف هذا ما ظهر لي والله أعلم. من خط شيخنا عثمان النجدي. ش

* انتهت الحاشية. وموضع النقاط كلمات غير واضحة في الأصل.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 267 تعليق رقم 3.

ص: 281

لحديث جابر

(1)

. لأن

(2)

الضرر يلحق بنزعها بخلاف الخف.

(وامرأة كرجل في مسح) ما تقدم من الحوائل، لعموم الأدلة (غير العمامة) فيمسح عليها الذكر دون المرأة كما تقدم

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 263 تعليق 1.

(2)

في "ح" و"ذ": "ولأن".

(3)

في "ذ" زيادة: "ولا يمسح خنثى على عمامة لاحتمال أن يكون أنثى".

ص: 282

‌باب نواقض الوضوء

وهي مفسداته

النواقض: جمع ناقضة أو ناقض، وقولهم "فاعل" لا يجمع على فواعل وصفًا، وشذ: فوارس وهوالك ونواكس، في فارس وهالك وناكس. خصه ابن مالك

(1)

، وطائفة، بما إذا كان وصفًا لعاقل. وما هنا ليس منه. يقال: نقضت الشيء إذا أفسدته. والنقض: حقيقة في البناء، واستعماله في المعاني مجاز كنقض الوضوء، ونقض العلة، وعلاقته الإبطال.

(وهي) أي: نواقض الوضوء (ثمانية) أنواع بالاستقراء.

أحدها: (الخارج من السبيلين إلى ما هو في حكم الظاهر، ويلحقه حكم التطهير) من الحدث والخبث، لقوله تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}

(2)

.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكنْ منْ غائطٍ وبولٍ"

(3)

الحديث.

وقوله في المذي: "يغسلُ ذكرَهُ ويتوضَّأ"

(4)

.

وقوله: "لا ينصرفُ حتى يسمعَ صوتًا أو يجد ريحًا"

(5)

.

(1)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (4/ 1865).

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

(3)

تقدم تخريجه ص/ 267 تعليق رقم 3.

(4)

رواه البخاري في الغسل، باب 13، حديث 269. ومسلم في الحيض، حديث 303 من حديث علي رضي الله عنه.

(5)

رواه البخاري في الوضوء، باب 4، حديث 137، وباب 34، حديث 177، وفي البيوع، باب 5، حديث 2056. ومسلم في الحيض، حديث 361، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

ص: 283

وقوله: "ويلحقه حكم التطهير" مخرج لباطن فرج الأنثى، إن قلنا: هو في حكم الظاهر، كان لا يلزم تطهيره للمشقة. وعطف تفسير، إن قلنا هو في حكم الباطن.

(إلا ممن حدثه دائم) فلا يبطل وضوؤه بالحدث الدائم للحرج والمشقة (قليلًا كان) الخارج (أو كثيرًا) لعموم ما تقدم. (نادرًا) كان (أو معتادًا).

أما المعتاد، كالبول، والغائط، والودي، والمذي، والريح، فلما تقدم.

وأما النادر، كالدم، والدود، والحصى، فلما روى عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش "أنها كانتْ تسْتَحَاضُ، فسألتْ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إذا كَانَ دم الحيض، فإنه أسودُ يعرفُ، فإذا كانَ كذلِك فأمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ، وإذا كان الآخرُ فتوضئي وصلي فإنَّمَا هوَ دمُ عِرْقٍ" رواه أبو داود والدارقطني

(1)

، وقال: إسناده كلهم ثقات. فأمرها بالوضوء ودمها غير معتاد، فيقاس عليه ما سواه.

(طاهرًا) كان الخارج، كولد بلا دم، (أو نجسًا) كالبول وغيره، فينقض الخارج من السبيلين (ولو) كان (ريحًا من قُبُلِ أنثى، أو) من (ذكر) لعموم قوله

(1)

أبو داود في الطهارة، باب 110، 117، حديث 286، 304، والدارقطني:(1/ 206، 207)، ورواه - أيضًا - النسائي في الطهارة، باب 138، حديث 215، وفي الحيض، باب 6، حديث 360، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 154) رقم 2729، وابن حبان "الإحسان"(4/ 180)، حديث 1348، والحاكم (1/ 174)، وابن حزم في المحلى (1/ 163)، والبيهقي (1/ 325 - 326) وقد ضعفه الطحاوي، وأبو حاتم في العلل (1/ 49) رقم 117، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 754)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه النووي في الخلاصة (1/ 232) والمجموع (2/ 403) وابن حزم، وابن القيم في تهذيب السنن (1/ 181).

ص: 284

- صلى الله عليه وسلم: "لا وضُوءَ إلا مِنْ حَدثٍ أو ريحٍ" رواه الترمذي

(1)

وصححه من حديث أبي هريرة. وهو شامل للريح من القبل. وقال ابن عقيل: يحتمل أن يكون الأشبه بمذهبنا أن لا ينقض، لأن المثانة ليس لها منفذ إلى الجوف، ولم يجعلها أصحابنا جوفًا، فلم يبطلوا الصوم بالحقنة فيه.

قال في "المغني": ولا نعلم لهذا أي: خروج الريح من القبل - وجودًا ولا نعلم وجوده في حق أحد، وقد قيل: إنه يعلم وجوده بأن يحس الإنسان في ذكره دبيبًا. وهذا لا يصح، فإن هذا لا يحصل به اليقين، والطهارة لا تنقض بالشك، فإن قدر وجود ذلك يقينًا نقض الطهارة؛ لأنه خارج من السبيلين، فنقض قياسًا على سائر الخوارج.

(فلو احتمل) المتوضئ (في قبل أو دبر قطنًا، أو ميلًا، ثم خرج ولو بلا بلل) نقض، صححه في "مجمع البحرين"، ونصره. قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب. وخروجه بلا بلة نادر جدًا، فعلق الحكم على المظنة.

(1)

في الطهارة، باب 56، حديث 74، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أيضًا ابن ماجه في الطهارة، باب 74، حديث 515، والطيالسي ص/ 318، حديث 3422، وابن أبي شيبة (2/ 429)، وأحمد (2/ 410، 435، 471)، وابن خزيمة (1/ 18) حديث 27، والبيهقي (1/ 117، 220) بلفظ: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح".

ورواه مسلم في الحيض حديث 362، وأبو داود في الطهارة، باب 68، حديث 177، والترمذي في الطهارة، باب 56، حديث 75، وأحمد (2/ 414)، والدارمي في الطهارة، باب 46، رقم 727، وابن خزيمة (1/ 16، 19، 24، 28) بلفظ: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

ولم نقف على من أخرج هذا الحديث باللفظ الذي ذكره المؤلف.

ص: 285

وقيل: لا ينقض إن خرج بلا بلل. قال في "تصحيح الفروع" و"الإنصاف" وهو ظاهر نقل عبد الله عن الإمام أحمد. ذكره القاضي في "المجرد"، وصححه ابن حمدان، وقدمه ابن رزين في "شرحه". زاد في "الإنصاف": وابن عبيدان انتهى. قال في "شرح المنتهى": وهو المذهب.

(أو قَطَّر في إحليله دهنًا) أو غيره من المائعات (ثم خرج) نقض؛ لأنه لا يخلو من بلة نجسة تصحبه.

(أو خرجت الحقنة من الفرج) نقضت.

(أو ظهر طرف مصران أو رأس دودة) نقض. قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب انتهى، وكلامه في "الفروع": أنه كخروج المقعدة؛ فعليه لا نقض بلا بلل.

(أو وطئ دون الفرج، فدب ماؤه فدخل فرجها) ثم خرج، نقض.

(أو استدخلته) أي: مني الرجل، (أو) استدخلت (مني امرأة أخرى، ثم خرج، نقض) الوضوء؛ لأنه خارج من السبيل، (ولم يجب عليها الغسل)؛ لأنه لم يخرج دفقًا بشهوة.

(فإن لم يخرج من الحقنة) شيء، (أو) لم يخرج من (المني شيء، لم ينقض) الوضوء. (لكن أن كان المحتقن) أو الحاقن (قد أدخل رأس الزراقة

(1)

ثم أخرجه نقض)؛ لأنه خارج من سبيل.

(ولو ظهرت مقعدته فعلم أن عليها بللًا) لو لم ينفصل (انتقض) وضوؤه بالبلل الذي عليها؛ لأنه خارج من سبيل، و (لا) ينتقض وضوؤه (إن جهل) أن عليها بللًا؛ لأنه لا نقض بالشك.

(1)

الزراقة: نوع من المحاقن تحقن بها المثانة في حالات معينة، كما تستعمل في بعض الأغراض الأخرى. انظر تهذيب اللغة (4/ 414)، ولسان العرب (2/ 620)، والطب والأطباء في الأندلس الإسلامية (1/ 269).

ص: 286

(أو صب دهنًا) أو غيره (في أذنه، فوصل إلى دماغه ثم خرج منها، أو) خرج (من فيه)؛ لأنه خارج طاهر من غير السبيل، أشبه البصاق.

(ولا ينقض يسير نجس خرج من أحد فرجي خنثى مشكل، غير بول، وغائط)؛ لأن الطهارة متيقنة، فلا تبطل مع الشك في شرط الناقض، وهو كونه من فرج أصلي. وأما إذا كان النجس كثيرًا، أو بولًا، أو غائطًا فإنه ينقض مطلقًا، وكذا اليسير إذا خرج منهما؛ لأن أحدهما أصل

(1)

ولا بد.

(الثاني) من النواقض: (خروج النجاسات من بقية البدن، فإن كانت) النجاسات (غائطًا، أو بولًا، نقض ولو قليلًا، من تحت المعدة أو فوقها، سواء كان السبيلان مفتوحين أو مسدودين) لما تقدم من عموم قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}

(2)

. وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائطٍ وبولٍ"

(3)

. ولأن ذلك خارج معتاد، أشبه الخارج من المخرج.

(لكن لو انسد المخرج وفتح غيره فأحكام المخرج باقية) مطلقًا (وفي النهاية: إلا أن يكون سد خلقة، فسبيل الحديث المنفتح، والمسدود كعضو زائد من الخنثى انتهى).

(ولا يثبت للمنفتح أحكام المعتاد، فلا ينقض خروج ريح منه، ولا يجزئ الاستجمار فيه، وغير ذلك) كوجوب الغسل بالإيلاج فيه، وخروج المني منه؛ لأنه ليس بفرج.

(وإن كانت) النجاسات الخارجة من غير السبيلين (غير الغائط، والبول، كالقيء، والدم، والقيح) ودود الجرح (لم ينقض إلا كثيرها).

(1)

في "ح" و"ذ": "أصلي" وهو الأنسب للسياق.

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

(3)

تقدم تخريجه ص/ 267 تعليق رقم 3.

ص: 287

أما كون الكثير ينقض فلقوله عليه السلام في حديث فاطمة: "إنه دمُ عرْقٍ فتوضئي لكلِّ صلاة" رواه الترمذي

(1)

. ولأنها نجاسة خارجة من البدن، أشبهت الخارج من السبيل.

وأما كون القليل من ذلك لا ينقض، فلمفهوم قول ابن عباس في الدم:"إذا كان فاحشًا فعليهِ الإعادةُ"

(2)

.

قال أحمد

(3)

: عدة من الصحابة تكلموا فيه، ابن عمر عصر بثرة فخرج الدم فصلى ولم يتوضأ

(4)

، وابن أبي أوفى عصر دملًا

(5)

، وذكر غيرهما، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة. فكان إجماعًا.

(وهو) أي: الكثير (ما فحش في نفس كل أحد بحسبه) نص عليه. واحتج بقول ابن عباس: "الفاحشُ ما فحش في قلْبِكَ". قال الخلال

(6)

: إنه الذي استقر عليه قوله. قال في "الشرح": لأن اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره حرج، فيكون منفيًا. وقال ابن عقيل: إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس.

(1)

في الطهارة، باب 93، حديث 125، وانظر ص 284 تعليق رقم 1.

(2)

رواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 172) رقم 64.

(3)

ينظر المغنى (1/ 248).

(4)

رواه عبد الرزاق (1/ 145)، وابن أبي شيبة (1/ 138)، وابن المنذر (1/ 172) رقم 65، وأبو بكر الأثرم، كما في تغليق التعليق (2/ 120)، والبيهقي في سننه (1/ 141) وفي الخلافيات (319) رقم 608، وصححه ابن حزم في المحلى (1/ 260)، وابن حجر في تغليق التعليق (2/ 120)، وفي فتح الباري (1/ 282)، وعلقه البخاري في الوضوء، باب 34 مجزومًا به.

(5)

لم نجد من خرجه.

(6)

ينظر المغني (1/ 249).

ص: 288

(فلو مص علق أو قراد - لا ذباب وبعوض -). قال في حاشيته: صغار البق (دمًا كثيرًا نقض) الوضوء، وكذا لو استخرج كثيره بقطنة؛ لأن الفرق بين ما خرج بنفسه أو بمعالجة لا أثر له في نقض الوضوء وعدمه، بخلاف مص بعوض، وبق، وذباب، وقمل، وبراغيث؛ لقلته ومشقة الاحتراز منه.

(ولو شرب) إنسان (ماء) أو نحوه (وقذفه في الحال، فنجسٌ) ولو لم يتغير؛ لأن نجاسته بوصوله إلى الجوف لا باستحالته.

(وينقض كثيره) أي: كثير المقذوف في الحال، لما روى معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قاءَ فتوضَّأ، قال: فلقيتُ ثوبانَ في مسجدِ دمشْق فقال: صَدَقَ، أنا سكبْتُ لهُ وَضُوءَهُ" رواه الترمذي

(1)

. وقال: هذا أصح شيء في هذا الباب، قيل لأحمد: حديث ثوبان ثبت عندك؟ قال: نعم.

(1)

في الطهارة، باب 64، حديث 87، ورواه - أيضًا - بنحوه عبد الرزاق (1/ 138، 4/ 215) ومن طريقه أحمد (6/ 449)، والنسائي في الكبرى (2/ 215)، حديث 3129. ورواه أبو داود في الصوم، باب 32، حديث 2381، والنسائي في الكبرى (2/ 213 - 215)، وأحمد (6/ 443)، والدارمي في الصوم، باب 24، حديث 1735، وابن الجارود حديث 8، وابن خزيمة (3/ 224 - 225)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 189)، حديث 82، والطحاوي (2/ 96)، وابن حبان "الإحسان" (3/ 377)، حديث 1097، والدارقطني (1/ 158 - 159)، والحاكم (1/ 426)، والبيهقي (1/ 144)، والبغوي في شرح السنة (1/ 333) حديث 160 من طرق بلفظ: قاء فأفطر.

وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، والإمام أحمد، كما في طبقات الحنابلة (1/ 67)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 190): قال ابن مندة: إسناده صحيح متصل، وتركه الشيخان لاختلاف في إسناده. اهـ.

ص: 289

(ولا ينقض بلغم معدة، وصدر، ورأس، لطهارته) كالبصاق، والنخامة لأنها تخلق من البدن.

(ولا) ينقض أيضًا (جشاء نصًا) وهو القلس - بالتحريك، وقيل: بسكون اللام - ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه. وليس بقيء، لكنه حكمه في النجاسة، فإن عاد فهو قيء.

(الثالث) من النواقض: (زوال العقل) كحدوث جنون، أو بِرْسام كثيرًا كان أو قليلًا، (أو تغطيته) بإغماء، أو سكر قليل، أو كثير. قال في "المبدع": إجماعًا على كل الأحوال؛ لأن هؤلاء لا يشعرون بحال، بخلاف النائم. (ولو) كانت تغطيته (بنوم، قال أبو الخطاب) محفوظ (وغيره: ولو تلجم فلم يخرج منه شيء) إلحاقًا بالغالب؛ لأن الحس يذهب معه.

ولعموم حديث علي: "العين وكاء السَّه فمنْ نامَ فَلْيَتَوَضَّأ" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه

(1)

.

وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين وكاءُ السَّه، فإذا نامَتْ

(1)

رواه أحمد: (1/ 111)، وأبو داود في الطهارة، باب 80، حديث 203، وابن ماجه في الطهارة، باب 62، حديث 477. ورواه - أيضًا - الطحاوي في شرح مشكل الآثار (9/ 55) حديث 3432، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 378) حديث 656، وابن عدي (7/ 2551)، والدارقطني (1/ 161)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (133)، والبيهقي في "السنن": (1/ 118).

وقد أُعِل بعلتين: إحداهما أن في مسنده بقية عن الوضين بن عطاء وفيهما مقال، والثانية: بالانقطاع بين عبد الرحمن بن عائذ، وعلي رضي الله عنه. وتعقب ذلك الحافظ. انظر للتفصيل العلل لابن أبي حاتم (1/ 47)، ونصب الراية (1/ 45)، والأحكام الوسطى (1/ 146)، وخلاصة البدر المنير (1/ 52)، والتلخيص الحبير (1/ 118)، وحسنه النووي في المجموع (2/ 13)، والخلاصة (1/ 132)، ومال إليه الحافظ ابن حجر في التلخيص.

ص: 290

العَينانِ اسْتَطْلَقَ الوكاء" رواه أحمد والدارقطني

(1)

. و"السه" اسم لحلقة الدبر.

ولأن النوم ونحوه مظنة الحديث، فأقيم مقامه.

والنوم رحمة من الله على عبده ليستريح بدنه عند تعبه، وهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء.

(إلا نوم النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولو كثيرًا على أي حال كان)؛ فإنه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، كما يأتي في خصائصه.

(و) إلا النوم (اليسير عرفًا من جالس، وقائم) لقول أنس: "كان أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ العِشَاءَ الآخرَةَ حتى تخفقَ رُؤوسُهم، ثم يُصَلُّون ولا يتَوضَّئُونَ" رواه أبو داود بإسناد صحيح

(2)

.

ولقول ابن عباس في قصة تهجده صلى الله عليه وسلم "فجعلتُ إذا غفيتُ يأخذُ بشحمةِ أذني" رواه مسلم

(3)

.

(1)

رواه أحمد: (4/ 96)، والدارقطني:(1/ 160). ورواه - أيضًا - الدارمي في الوضوء، باب 48 (1/ 198)، وأبو يعلى في "مسنده"، (13/ 362)، حديث 7372. والطحاوي في شرح مشكل الآثار (9/ 57) حديث 3433، 3434، والطبراني في الكبير (19/ 372) حديث 875، وابن عدي (2/ 471)، والبيهقي في "السنن": (1/ 118)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 154)، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد": (1/ 247)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، والطبراني في "الكبير" وفيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. وضعفه أيضًا عبد الحق الأشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 146)، والحافظ في التلخيص (1/ 118). ولكن يشهد له حديث علي رضي الله عنه السابق.

(2)

سنن أبي داود الطهارة، باب 80، حديث 200. ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة (1/ 132)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 153)، حديث 45، والدارقطني (1/ 131) وقال: صحيح، وصححه النووي في الخلاصة (1/ 133) وفي المجموع (2/ 63). وقد رواه مسلم في صحيحه في الحيض حديث 376 (125).

(3)

في صلاة المسافرين، حديث 763، (185). ولفظه: أغفيت.

ص: 291

ولأن الجالس والقائم يشتبهان في الانحفاظ واجتماع المخرج، وربما كان القائم أبعد من الحدث، لكونه لو

(1)

استثقل في النوم سقط.

(فإن شك في الكثير) أي: نام وشك هل نومه كثير أو يسير، (لم يلتفت إليه) لتيقنه الطهارة، وشكه في نقضها.

(وإن رأى) في نومه (رؤيا فهو كثير) نص عليه. قال الزركشي: لا بد في النوم الناقض من الغلبة على العقل، فمن سمع كلام غيره وفهمه فليس بنائم، فإن سمعه ولم يفهمه فيسير.

قال: وإذا سقط الساجد عن هيئته، أو القائم عن قيامه ونحو ذلك بطلت طهارته؛ لأن أهل العرف يعدون ذلك كثيرًا.

(وإن خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا، أو حديث نفس فلا وضوء عليه) لتيقنه الطهارة، وشكه في الحدث.

(وينقض) النوم (اليسير من راكع، وساجد) كمضطجع، وقياسها على الجالس مردود بأن محل الحدث فيهما منفتح، بخلاف الجالس.

(و) ينقض اليسير أيضًا من (مستند، ومتكئ، ومحتب، كمضطجع) بجامع الاعتماد.

(الرابع) من نواقض الوضوء: (مس ذكر آدمي إلى أصول الأنثيين مطلقًا) أي: سواء كان الماس ذكرًا، أو أنثى، بشهوة، أو غيرها، ذكره، أو ذكر غيره، لحديث بسرة بنت صفوان أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من مَسَّ ذكرَهُ فليَتَوضَّأ" رواه مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم

(2)

، وصححه

(1)

في "ح": "إذا".

(2)

مالك في "الموطأ"، الطهارة، باب 15 (1/ 42)، حديث 58، والشافعي ترتيب مسنده (1/ 34)، والإمام أحمد:(6/ 406، 407). وأبو داود في الطهارة، باب 70، حديث 181. والترمذي في الطهارة، باب 61، حديث 83، والنسائي في =

ص: 292

أحمد

(1)

، وابن معين

(2)

. قال البخاري

(3)

: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة.

وعن أم حبيبة معناه. رواه ابن ماجه والأثرم

(4)

، وصححه أحمد، وأبو زرعة.

وعن أبي هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفْضَى أحدُكُمْ بيدِهِ إلى ذكره فقدْ

= الطهارة، باب 118، حديث 163، وباب 30، حديث 446، وابن ماجه في الطهارة، باب 63، حديث 479، والطيالسي (230)، حديث 1657، وعبد الرزاق (1/ 113)، والحميدي، حديث 352، وابن أبي شيبة (1/ 150) والدارمي في الطهارة، باب 49، حديث 730، وابن الجارود حديث 17، 18، والطحاوي (1/ 72)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 396 - 400)، حديث 1112 - 1116، والدارقطني (1/ 146)، والحاكم (1/ 136)، والبيهقي (1/ 128، 129، 130). وقال البيهقي في معرفة السنن (1/ 413 - 414) بعد كلام له: صحيح على شرط البخاري بكل حال، وإذا ثبت سؤال عروة بسرة عن هذا الحديث كان الحديث صحيحًا على شرط البخاري ومسلم جميعًا.

(1)

مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص/ 309.

(2)

تلخيص الحبير (1/ 122).

(3)

جامع الترمذي (1/ 129)، حديث 84.

(4)

رواه ابن ماجه في الطهارة، باب 63، حديث 481، بلفظ:"من مس فرجه فليتوضأ"، ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة:(1/ 163)، وأبو يعلى (13/ 65) حديث 7144، والطحاوي (1/ 75)، والطبراني في الكبير (23/ 235)، حديث 450، 451، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (113)، والبيهقي (1/ 130)، وأعله الطحاوي، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 39)، والذهبي في المهذب (1/ 146)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 122) بالانقطاع، وصححه أحمد، وابن السكن، وأبو زرعة، والحاكم. انظر: الخلافيات للبيهقي (1/ 275)، وسننه الكبرى (1/ 130)، والاستذكار لابن عبد البر (3/ 30)، والتلخيص الحبير (1/ 124).

ص: 293

وجبَ عليهِ الوضُوءُ" رواه الشافعي، وأحمد

(1)

. وفي رواية له: "وليس دونهُ سترٌ"

(2)

.

وقد روي ذلك عن بضعة عشر صحابيًا، وهذا لا يدرك بالقياس، فعلم أنهم قالوه عن توقيف.

وما روى قيس بن طلق عن أبيه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "سُئِلَ عنِ الرجلِ يمسُ ذكرهُ وهوَ في الصَّلاةِ هلْ عليهِ وضوءٌ؟ قال: لا. إنَّما هو بضعةٌ منك" رواه الخمسة

(3)

(1)

رواه الشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 34 - 35)، وأحمد (2/ 333)، ورواه - أيضًا - البزار "كشف الأستار"(1/ 149)، والطحاوي (1/ 74)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (107)، حديث 112، والدارقطني (1/ 147)، والحاكم (1/ 138)، والبيهقي في الكبرى (1/ 130 - 131) وفي معرفة السنن والآثار (1/ 387 - 388)، وفي الخلافيات (2/ 244)، والبغوي في شرح السنة (1/ 341)، والحازمي في الاعتبار ص/ 144، كلهم من طريق يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويزيد قال فيه البزار: لين الحديث، وقال الطحاوي: يزيد هذا منكر الحديث، لا يساوي حديثه شيئًا. لكن تابعه نافع بن أبي نعيم. عند ابن حبان "الإحسان"(3/ 401)، حديث 1118، والطبراني في الصغير (1/ 42)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 245)، حديث 521؛ ولذا صححه ابن السكن، والحاكم، وعبد الحق الإشبيلي. انظر: الاستذكار لابن عبد البر (3/ 31)، والخلاصة للنووي (1/ 134)، وقد روى هذا الحديث البخاري في تاريخه الكبير (2/ 216)، والبيهقي (1/ 133 - 134) موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه، وصوبه الدارقطني في علله (8/ 131 - 132).

(2)

رواه الشافعي، وأحمد، وغيرهما ممن ذكر في التعليق السابق ما عدا الحاكم.

(3)

أبو داود في الطهارة، باب 71، حديث 182، 183، والترمذي في الطهارة، باب 62، حديث 85. والنسائي في الطهارة، باب 119، حديث 165، وابن ماجه في الطهارة، باب 64، حديث 483، والإمام أحمد: (4/ 22، 23)، ورواه - أيضًا - =

ص: 294

ولفظه لأحمد، وصححه الطحاوي

(1)

وغيره وضعفه الشافعي

(2)

وأحمد

(3)

. قال أبو زرعة وأبو حاتم

(4)

: قيس لا تقوم بروايته حجة، ولو سلم

(5)

فهو منسوخ لأن طلق بن علي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس في المسجد. رواه الدارقطني

(6)

.

= الطيالسي (147)، حديث 1096، 1097، وعبد الرزاق (1/ 117)، وابن أبي شيبة (1/ 152)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 295)، حديث 1675، وابن الجارود (20، 21)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2/ 1149)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 203)، حديث 100، 101، والطحاوي (1/ 75، 76)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 402 - 405) حديث 1119 - 1123، والطبراني في الكبير (8/ 396، 399، 401) حديث 8233، 8234، 8243، 8249، وابن عدي (6/ 2159)، وابن شاهين ص/ 97، حديث 101، والدارقطني (1/ 148، 149)، وتمام حديث 1745، والبيهقي في الكبرى (1/ 134، 135)، وفي معرفة السنن والآثار (1/ 409، 411) حديث 1116، 1124، 1125، وفي الخلافيات (2/ 280، 284، 286) حديث 563، 567، 568، والحازمي في الاعتبار ص/ 141 - 142، كلهم من طرق عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه، وصححه الطبراني في الكبير (8/ 334)، وابن حزم في المحلى (1/ 239)، وابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 137)، وقال النووي في المجموع (2/ 42): ضعيف باتفاق الحفاظ، وقد بين البيهقي وجوهًا من وجوه تضعيفه.

(1)

شرح معاني الآثار (1/ 76).

(2)

سنن البيهقي (1/ 135).

(3)

ينظر الأوسط لابن المنذر (1/ 203)، والتحقيق لابن الجوزي (1/ 219).

(4)

علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 48).

(5)

في "ح" زيادة: "صحته".

(6)

سنن الدارقطني (1/ 148)، ورواه - أيضًا - أحمد كما في أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي (2/ 625)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 404)، حديث 122، والطبراني في الكبير (8/ 398، 402)، حديث 8239، 8254، والبيهقي (1/ 135)، والحازمي في الاعتبار ص/ 154، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 9) وقال: رواه أحمد، والطبراني في الكبير ورجاله موثوقون. ولم نقف على موضعه في المسند المطبوع.

ص: 295

وفي رواية أبي داود

(1)

قال: "قدمنَا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فجاءَهُ رَجلٌ كأنَّه بدويٌّ فسألَهُ - الحديث" ولا شك أن التأسيس كان في السنة الأولى من الهجرة، وإسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وبسرة في الثامنة عام الفتح، وهذا وإن لم يكن نصًا في النسخ فهو ظاهر فيه.

قال في "المبدع": وقد روى الطبراني بإسناده وصححه عن قيس عن أبيه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من مَسَّ ذكَرَهُ فليتَوضَّأ"

(2)

قال: "ويشبه أن يكون طلق سمع الناسخ والمنسوخ". وفي تصحيحه نظر، فإنه من رواية حماد بن محمد الحنفي، وأيوب بن عتبة وهما ضعيفان.

(بيده) فلا ينقض المس بغيرها، لحديث أبي هريرة السابق.

وسواء كان المس (ببطن كفه، أو بظهره، أو بحرفه) للعموم. فالمراد باليد: من رؤوس الأصابع إلي الكوع، كالسرقة

(3)

.

(غير ظفر) فلا ينقض المس به؛ لأنه في حكم المنفصل.

(من غير حائل) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "وليسَ دونَه سِترٌ"

(4)

فإن مسه من وراء حائل لم ينقض؛ لأنه إنما مس الحائل. (ولو) كان المس (بزائد) أي: لا فرق في نقض الوضوء إذا مس ذكرًا بيده بين أن تكون اليد أصلية أو زائدة للعموم.

(وينقض مسه) أي: الذكر (بفرج غير ذكر) فينقض مس الذكر بقبل

(1)

في الطهارة، باب 70، حديث 182.

(2)

رواه الطبراني في الكبير (8/ 401) حديث 8252، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد":(1/ 245). وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وصححه. وانظر ما تقدم: ص/ 292، تعليق رقم 2.

(3)

"كالسرقة": أي ما يقطع في السرقة.

(4)

تقدم تخريجه ص/ 294، تعليق 2.

ص: 296

أنثى، أو دبر مطلقًا بلا حائل؛ لأنه أفحش من مسه باليد.

ولا ينقض مس ذكر بذكر، ولا قبل بقبل، أو دبر وعكسه.

(ولا ينتقض وضوء ملموس ذكره أو) ملموس (فرجه) أي: قبله (أو) ملموس (دبره) لأنه صلى الله عليه وسلم فيما تقدم أمر الماس بالوضوء ولو انتقض وضوء الملموس لأمره أيضًا به.

(ولا) ينقض (مس) ذكر (بائن) أي: مقطوع لذهاب حرمته.

(و) لا ينقض أيضًا مس (محله) أي: محل الذكر المقطوع من أصول الأنثيين، كسائر البدن، لأنه لم يمس ذكرًا.

(و) لا ينقض أيضًا مس (قلفة) بضم القاف وسكون اللام، وقد تحرك، وهي الجلدة التي تقطع في الختان، بعد قطعها لزوال الاسم والحرمة، وأما قبل قطعها فينقض مسها كالحشفة، لأنها من الذكر.

(و) لا ينقض مس (فرج امرأة بائنين) أي: القلفة، وفرج المرأة لما تقدم.

(ولا) ينقض (مس غير فرج، كالمنفتح فوق المعدة أو تحتها) مسدودًا كان الأصلي، أو منفتحًا بأصل الخلقة أو لا، لأنه عضو زائد لا يثبت له حكم المعتاد.

(ولا) ينقض (مسه) أي: الذكر (بغير يد) كالذراع (غير ما تقدم) من مس الذكر بفرج غيره فإنه ينقض.

(ولا) ينقض (مس) ذكر (زائد) لأنه ليس فرجًا.

(فإن لمس) رجل أو امرأة أو خنثى (قُبل خنثى مشكل وذكره، ولو كان هو) أي: الخنثى (اللامس) لقبل نفسه وذكره (نقض) الوضوء؛ لأن لمس الفرج متيقن، لأن الخنثى إن كان ذكرًا فقد لمس ذكره، وإن كان أنثى فقد لمس فرجها.

ص: 297

و (لا) ينقض الوضوء إن لمس (أحدهما) أي: ذكر الخنثى، أو قبله، لاحتمال أن يكون غير فرج. فلا ينقض

(1)

الوضوء مع قيام الاحتمال (إلا أن يمس الرجل ذكره) أي: الخنثى. (بشهوة) فإنه ينتقض وضوء اللامس؛ لأن الخنثى إن كان ذكرًا فقد مس ذكرًا أصليًا، وإن كان أنثى فقد مس الرجل امرأة بشهوة. (أو) تمس (المرأة فرجه) أي: الخنثى (بها) أي: بشهوة فينتقض وضوؤها؛ لأن الخنثى إن كان امرأة فقد لمست المرأة فرج امرأة، وإن كان ذكرًا فقد لمسته بشهوة.

(وينقض

(1)

مس حلقة دبر منه) أي: من الماس، بأن مس حلقة دبر نفسه (أو من غيره) بأن مس حلقة دبر غيره؛ ذكرًا كان أو أنثى.

(و) ينقض أيضًا (مس امرأة فرجها الذي بين شفريها) وهما حافتا الفرج (وهو) أي: فرجها (مخرج بول، ومني، وحيض) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مسَّ فرجَهُ فليَتَوضَّأ" رواه ابن ماجه، وغيره

(2)

.

والفرج: اسم جنس مضاف، فيعم، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة مسَّتْ فرجَهَا فلتَتَوضَّأ" رواه أحمد

(3)

من حديث عمرو بن شعيب، وإسناده جيد إليه. وكالذكر.

(1)

في "ح" و"ذ": ينتقض.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 292، تعليق رقم 2.

(3)

(2/ 223)، ورواه - أيضًا - ابن الجارود (19)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار":(1/ 75)، وابن عدي (7/ 2668)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ص/ 104 حديث 108، والدارقطني:(1/ 147)، والبيهقي:(1/ 132، 133)، والحازمي في الاعتبار ص/ 145، وصححه. ونقل ابن قدامة في المغنى (1/ 244 - 245) عن الإمام أحمد تضعيفه. وقال الترمذي في العلل ص/ 49 رقم 55، قال محمد:"يعني البخاري" وحديث عبد الله بن عمرو في مس الذكر هو عندي صحيح.

ص: 298

و (لا) ينقض مس امرأة (شفريها وهما أَسْكتاها)؛ لأن الفرج هو مخرج الحدث وهو ما بينهما دونهما.

(وينقض مس) امرأة (فرج امرأة أخرى).

(و) ينقض (مس رجل فرجها).

(و) ينقض (مسها ذكره، ولو من غير شهوة)؛ لأنه إذا انتقض وضوء الإنسان بمس فرجه نفسه مع كون الحاجة تدعو إلى مسه، وهو جائز. فلأن ينتقض بمس فرج غيره، مع كونه معصية أولى.

(الخامس) من النواقض (مس بشرته) أي: الذكر (بشرة أنثى) لشهوة، لقوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}

(1)

. وأما كون اللمس لا ينقض إلا إذا كان لشهوة، فللجمع بين الآية والأخبار؛ لأنه روي عن عائشة قالت:"فقدتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ليلةً منَ الفِراشِ فالتمسْتُهُ، فوقَعَتْ يدِي على بَطْنِ قدَمِهِ وهو في المَسْجِدِ وهُما منْصُوبَتَانِ" رواه مسلم

(2)

. ونصبهما دليل على أنه كان يصلي.

وروي عنها - أيضًا - قالت: "كنتُ أنامُ بينَ يدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورجْلَايَ في قبْلَتِه؛ فإذا سَجَد غَمَزني فقبضْتُ رجْلي" متفق عليه

(3)

.

والظاهر أن غمزه رجليها كان من غير حائل. ولأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "صلَّى وهُو حَاملٌ أمامةَ بنتَ أبي العاصِ بنِ الربيعِ، إذا سَجَدَ وضَعَها، وإذا قَامَ حَمَلها" متفق عليه

(4)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:6.

(2)

في الصلاة، حديث 486.

(3)

البخاري في الصلاة، باب 22، حديث 382، وباب 104، حديث 513. وفي العمل في الصلاة، باب 10، حديث 1209، ومسلم في الصلاة، حديث 512، (272).

(4)

البخاري في الصلاة، باب 106، حديث 516. وفي الأدب، باب 18، حديث 5996. ومسلم في المساجد، ومواضع الصلاة، حديث 543.

ص: 299

والظاهر أنه يسلم من مسها، ولأن المس ليس بحدث في نفسه، وإنما هو داع إلى الحدث، فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث، وهي حالة الشهوة.

(ومس بشرتها بشرته لشهوة)؛ لأنها ملامسة تنقض الوضوء فاستوى فيها الذكر والأنثى، كالجماع.

سئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها؟ قال: ما سمعت فيها شيئًا، ولكن هي شقيقة الرجل، يعجبني أن تتوضَّأ

(1)

.

"تنبيه" قوله: "لشهوة" هي عبارة "المقنع" وغيره. وعبارة "الوجيز": بشهوة. قال في "المبدع": وهي أحسن لتدل على المصاحبة والمقارنة.

(من غير حائل) لأنه مع الحائل لم يلمس بشرتها، أشبه ما لو لمس ثيابها لشهوة، والشهوة لا توجب الوضوء بمجردها، كما لو وجدت من غير لمس شيء.

(غير طفلة وطفل) أي: لا ينقض مس الرجل الطفلة، ولا المرأة الطفل. أي: من دون سبع.

وينقض اللمس بشهوة كما تقدم (ولو) كان اللمس (بزائد، أو لزائد، أو شلل) أي: ينقض المس لأشل، والمس به كغيره، وينقض اللمس أيضًا بشهوة (ولو كان الملموس ميتًا، أو عجوزًا، أو محرمًا، أو صغيرةً تُشتهى) وهي بنت سبع فأكثر لعموم: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}

(2)

لا من دونها كما تقدم.

(ولا ينتقض وضوء ملموس بدنه، ولو وجد منه شهوة)؛ لأنه لا نص فيه، وقياسه على اللامس لا يصح لفرط شهوته.

(1)

ينظر مسائل الإمام أحمد رواية عبد الله (1/ 69).

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

ص: 300

ولا ينتقض وضوء بانتشار ذكر عن فكر وتكرار نظر؛ لأنه لا نص فيه.

(ولا) ينقض (مس شعر، وظفر، وسن) ولا المس به؛ لأنه في حكم المنفصل.

(و) لا ينقض مس (عضو مقطوع)؛ لزوال حرمته.

(وأمرد مسه رجل) يعني لا ينتقض وضوء رجل مس أمرد ولو بشهوة، لعدم تناول الآية له؛ ولأنه ليس بمحل للشهوة شرعًا.

قال في "القاموس"

(1)

: والأمرد الشاب طرّ شاربه ولم تنبت لحيته.

(ولا) ينقض (مس خنثى مشكل) من رجل، أو امرأة، ولو بشهوة.

(ولا بمسه رجلًا أو امرأة) ولو لشهوة؛ لأنه متيقن الطهارة شاك في الحدث.

(ولا) ينقض (مس الرجل الرجل، ولا المرأة المرأة، ولو بشهوة فيهن) أي: فيما تقدم من الصور، كما أشرت إليه.

"تتمة" إذا لم ينقض مس أنثى، استحب الوضوء، نص عليه، ذكره في "الفروع".

(السادس) من نواقض الوضوء: (غسل الميت، أو بعضه، ولو في قميص) لما روى عطاء، أن ابن عمر، وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء

(2)

، وكان شائعًا لم ينقل عنهم الإخلال به. وعن أبي هريرة: "أقلُّ ما

(1)

ص/ 407.

(2)

أثر ابن عمر رواه عبد الرزاق (3/ 407)، والبيهقي (1/ 306) من طربق عبد الله بن عمر العمرى، عن نافع، قال: كان ابن عمر يقول: من غسل ميتًا، فأصابه منه شيء فليغتسل، وإلا فليتوضأ.

وأثر ابن عباس رواه عبد الرزاق (3/ 405) وعنه ابن المنذر في الأوسط (5/ 349) حديث 2961، والبيهقي (1/ 305) عن عطاء قال: سئل ابن عباس: أعلى من غسل ميتًا غسل؟ قال: لا، قد إذن نجسوا صاحبهم ولكن وضوء.

ص: 301

فيهِ الوضوءُ"

(1)

ولم يعرف لهم مخالف، ولأن الغاسل لا يسلم من مس عورة الميت غالبًا، فأقيم مقامه، كالنوم مع الحدث.

و (لا) ينقض (تيممه) أي: الميت (لتعذر غسل)؛ لعدم النص فيه.

(وغاسل الميت: من يقلبه ويباشره ولو مرة، لا من يصب الماء، ونحوه) ولا فرق في الميت بين المسلم والكافر، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، للعموم.

(السابع) من النواقض: (أكل لحم الجزور) لقوله صلى الله عليه وسلم: "توضئُوا مِنْ لحومِ الإبلِ ولا تتوضَّئُوا من لُحُوم الغَنَمِ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي من حديث البراء بن عازب

(2)

. وروى مسلم معناه من حديث جابر بن سمرة

(3)

. والأول صححه أحمد

(4)

، وإسحاق

(5)

. وقال ابن خزيمة

(6)

: لم نر خلافًا بين

(1)

لم نجد من خرجه.

(2)

الإمام أحمد: (4/ 288، 303)، وأبو داود في الطهارة، باب 72، حديث 184، والترمذي في الطهارة، باب 60، حديث 81، ورواه - أيضًا - ابن ماجه في الطهارة، باب 67، حديث 494، والطيالسي ص/ 100 حديث 734، 735، وعبد الرزاق (1/ 407) حديث 1596، وابن أبي شيبة (1/ 46)، والطحاوي (1/ 384)، وابن خزيمة (1/ 22)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 410) حديث 1128، وابن حزم في المحلى (1/ 242)، والبيهقي (1/ 159)، وقال الترمذي: قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة. ونقل البيهقي تصحيحه عن أحمد، وإسحاق - رحمهما الله -.

(3)

صحيح مسلم الحيض، حديث 360.

(4)

مسائل أحمد رواية عبد الله (1/ 65) برقم 67، ومسائل أحمد رواية ابن هانئ (1/ 9) برقم 44، ومسائل أحمد لأبي داود ص/ 298.

(5)

الترمذي (1/ 125).

(6)

صحيح ابن خزيمة (1/ 22). وتمام كلامه

: [من جهة النقل لعدالة ناقليه].

ص: 302

علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح.

قال الخطابي

(1)

: ذهب إلى هذا عامة علماء الحديث. فعلى هذا لا فرق بين قليله وكثيره، وكونه (نيئًا وغير نيء)، ولا بين كون الآكل عالمًا بالحديث أو جاهلًا.

لا يقال: يحتمل أن يراد بالوضوء غسل اليدين؛ لأنه مقرون بالأكل، كما حمل عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء قبل الطعام وبعده.

ويحتمل أن يراد به على وجه الاستحباب؛ لأن الوضوء الوارد في الشرع يحمل على موضوعه الشرعي؛ ولأنه جمع بين ما أمر به، وهو الوضوء من لحومها، وبين ما نهى عنه، وهو عدم الوضوء من لحوم الغنم.

والمخالف يقول: بأنه يستحب فيهما. ولأن السؤال وقع عن الوضوء والصلاة، والوضوء المقترن بها لا يفهم منه غير الوضوء الشرعي، ولأن مقتضى الأمر الإيجاب، خصوصًا وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن حكم هذا اللحم، فأجاب بالأمر بالوضوء؛ فلو حمل على غير الوجوب لكان تلبيسًا لا جوابًا، ودعوى النسخ مردودة بأن من شرطه عدم إمكان الجمع وتأخر الناسخ.

ووجب الوضوء من أكل لحم الجزور (تعبدًا) لا يعقل معناه، فلا يتعدى إلى غيره، فـ (ــلا) يجب الوضوء بـ (ــشرب لبنها، ومرق لحمها، وأكل كبدها، وطحالها، وسنامها) - بفتح السين - (وجلدها، وكرشها، ونحوه) كمصرانها؛ لأن النص لم يتناوله.

(ولا) ينقض (طعام محرم أو نجس) ولو كلحم خنزير؛ لأن الحكم في لحم الإبل غير معقول المعنى، فيقتصر على مورد النص فيه. وما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم "سُئِلَ عن ألبانِ الإبلِ، فقال: توضَّئُوا من ألبَانِهَا" رواه

(1)

ينظر معالم السنن (1/ 67).

ص: 303

أحمد، وابن ماجه

(1)

، وعن ابن عمر نحوه

(2)

.

أجيب عن حديث أسيد: بأن في طريقه الحجاج بن أرطاة، قال أحمد

(3)

والدارقطني

(4)

: لا يحتج به.

وعن حديث عبد الله بن عمر: أن ابن ماجه رواه من رواية عطاء بن السائب، وقد اختلط في آخر عمره. قال أحمد

(5)

: من سمع منه قديمًا فهو صحيح. ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء.

(الثامن) المتمم للنواقض: (موجبات الغسل، كالتقاء الختانين، وانتقال المني، وإسلام الكافر) أصليًا كان أو مرتدًا، ولذلك أسقط الردة؛ لأنه إذا عاد إلى الإسلام وجب الغسل، وإذا وجب الغسل وجب الوضوء (و) كـ (غير ذلك) من موجبات الغسل. فموجبات الغسل كلها (توجب الوضوء، غير الموت) فإنه يوجب الغسل، ولا يوجب الوضوء.

(1)

أحمد: (4/ 352، 391)، وابن ماجه في الطهارة، باب 67، حديث 496، ورواه - أيضًا - ابن أبي حاتم في العلل (1/ 25) حديث 38، والطبراني في الكبير (1/ 206) حديث 559، 560، وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث أسيد هذا وحديث البراء أيهما الصحيح؟ فقال: حديث البراء. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 125): هذا إسناد ضعيف لضعف حجاج بن أرطأة وتدليسه، وقد خالف غيره والمحفوظ في هذا الحديث. . . عن البراء.

(2)

رواه ابن ماجه في الطهارة، باب 67، حديث 497. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 125): في إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة، وشيخه خالد مجهول الحال.

(3)

انظر المجروحين لابن حبان (1/ 225). وميزان الاعتدال (1/ 460).

(4)

ميزان الاعتدال (1/ 459).

(5)

العلل ومعرفة الرجال (1/ 414) و (3/ 50). وانظر الجرح والتعديل (6/ 333). وميزان الاعتدال (3/ 71)، وتهذيب الكمال (20/ 90).

ص: 304

(فهذه النواقض) للوضوء (المشتركة) بين الماسح على الخفين، وغيره.

(وأما) النواقض (المخصوصة، كبطلان) طهارة (المسح) على الخفين ونحوهما (بفراغ مدته، وبخلع حائله، و) كـ (غير ذلك) كانتقاض طهارة المستحاضة، ونحوها بخروج الوقت. وطهارة المتيمم بوجود الماء ونحوه (فمذكور في أبوابه). فما يتعلق بالمسح تقدم في الباب قبله، وما يتعلق بالمستحاضة ومن به سلس بول ونحوه يأتي في الاستحاضة، وما يتعلق بالتيمم يأتي في بابه. وإنما حملت قوله:"وغير ذلك"، على هذا لقرينة قوله:"في أبوابه".

(ولا نقض بكلام محرم) كالكذب، والغيبة، والقذف، والسب، ونحوها، بل يستحب الوضوء من الكلام المحرم وتقدم.

(ولا نقض بإزالة شعر، وظفر

(1)

، ونحوهما) خلافًا لما حكي عن مجاهد، والحكم، وحماد؛ لأن غسله أو مسحه أصل، لا بدل عما تحته، بخلاف الخف ونحوه.

(ولا) نقض (بقهقهة) ولو في صلاة، وهي أن يضحك حتى يحصل من ضحكه حَرْفان. ذكره ابن عقيل.

وما روى أسامة عن أبيه قال: "بينا نحن نصلي خلف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل ضرير البصر، فتردى في حفرة، فضحكنا منه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادة الوضوء كاملًا، وإعادة الصلاة من أولها" فقد رواه الدارقطني

(2)

من طرق كثيرة، وضعفها، وقال: إنما روى هذا الحديث عن أبي العالية مرسلًا، وقال نحو

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع "وأخذ ظفر".

(2)

(1/ 161، 162، 163)، ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (2/ 376، 377) حديث 3760، 3763، وابن عدي (2/ 716، 3/ 1026، 1029). وقال الدارقطني: الحسن بن =

ص: 305

ذلك أحمد

(1)

، وعبد الرحمن بن مهدي

(2)

. قال ابن سيرين

(3)

: لا تأخذوا بمراسيل الحسن، وأبي العالية، فإنهما لا يباليان عمن أخذا.

(ولا) نقض (بـ) ــأكل (ما مست النار)؛ لقول جابر: "كان آخر الأمرينِ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ترك الوضُوءِ مما مستْ النارُ" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه

(4)

.

= دينار، والحسن بن عمارة ضعيفان، وكلاهما قد أخطأ في هذين الإسنادين، وإنما روى هذا الحديث الحسن البصري عن حفص بن سليمان المنقري عن أبي العالية مرسلًا.

(1)

مسائل الإمام أحمد رواية عبد الله (2/ 332)، وفي مسائل أبي داود ص/ 13 قال: سمعت أحمد سئل عن الضحك في الصلاة قال: أما أنا فلا أوجب فيه وضوءًا ليس تصح الرواية به.

(2)

سنن الدارقطني (1/ 116)، والخلافيات للبيهقي (411).

(3)

سنن الدارقطني (1/ 171).

(4)

أبو داود في الطهارة، باب 75، حديث 192، والنسائي في الطهارة، باب 123، حديث 185، وابن الجارود (24)، وابن خزيمة:(1/ 28). والطحاوي (1/ 67)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 416) حديث 1134، وابن حزم في المحلى (1/ 243)، والبيهقي:(1/ 155)، والحازمي في الاعتبار ص/ 158، ولم يروه الترمذي وابن ماجه بهذا السياق، وإنما رويا عن جابر رضي الله عنه حديثًا آخر في ترك الوضوء مما مست النار. وقال أبو داود عقب رواية جابر هذه:"وهذا اختصار من الحديث الأول - يعني الحديث الذي رواه قبله من طريق ابن جريج، عن ابن المنكدر عن جابر يقول: قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزًا ولحمًا، فأكل، ثم دعا بوضوء، فتوضأ به، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ".

وقد رد ذلك ابن حزم في المحلى (1/ 243) بقوله: القطع بأن ذلك الحديث مختصر من هذا قول بالظن، والظن أكذب الحديث، بل هما حديثان كما وردا.

وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 156): ودعوى الاختصار في غاية البعد.

ص: 306

(ولا يستحب الوضوء منهما) أي: من القهقهة وأكل ما مست النار.

(ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين) وهو الطهارة في الأولى والحدث في الثانية؛ لحديث عبد الله بن زيد قال: "شُكِيَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الرجلُ يخيلُ إليه أنه يجدُ الشيء في الصلاة؟ فقال: لا ينصَرِف حتى يسمعَ صوتًا أو يجدَ ريحًا" متفق عليه

(1)

، ولمسلم معناه مرفوعًا من حديث أبي هريرة

(2)

. ولم يذكر فيه: "وهو في الصلاة" ولأنه إذا شك تعارض عنده الأمران، فيجب سقوطهما، كالبينتين إذا تعارضتا، ويرجع إلى اليقين.

(ولو عارضه ظن)؛ لأن غلبة الظن إذا لم يكن لها ضابط في الشرع، لم يلتفت إليها، كظن صدق أحد المتداعيين، بخلاف القبلة، والوقت، هذا اصطلاح الفقهاء. وعند الأصوليين: إن تساوى الاحتمالان فهو شك. وإلا فالراجح ظن، والمرجوح وهم. والأول موافق للغة، قال في "القاموس"

(3)

: الشك خلاف اليقين. وهو كما قال الشيخ موفق الدين في مقدمة "الروضة"

(4)

في الأصول: ما أذعنت النفس للتصديق به وقطعت به، وقطعت بأن قطعها صحيح. وفيه أقوال أخر

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 283 تعليق رقم 5.

(2)

مسلم في الحيض، حديث 362.

(3)

ص/ 1220.

(4)

(1/ 129).

(5)

وعرفه غيره: بأنه اعتقاد بأن الشيء كذا مع اعتقاد أنه لا يكون إلا كذا، مع مطابقته للواقع وامتناع تغيره انتهى. فقوله:"اعتقاد أن الشيء كذا" جنس يشمل المحدود وغيره، وقوله:"مع اعتقاد أنه لا يكون إلا كذا" خرج به الجهل البسيط، وقوله:"مع مطابقته للواقع" أخرج الجهل المركب. وقوله: "وامتناع تغيره" خرج به تقليد المقلد. "ش".

ص: 307

قال ابن نصر الله: في تسمية ما هنا يقينًا بعد ورود الشك عليه نظر. نعم كان يقينًا ثم صار الآن شكًا. فاعتبرت صفته السابقة، وقدمت على صفته اللاحقة للأحاديث الصحيحة في ذلك، استصحابًا للأصل السابق، لما قارنه من اليقين، وتقديمًا له على الوصف اللاحق، لنزوله عن درجته.

(ولو) كان ذلك الشك (في غير صلاة)؛ لما تقدم من حديث مسلم عن أبي هريرة.

(فإن تيقنهما) أي: تيقن الطهارة والحدث، أي: تيقن أنه مرة كان متطهرًا ومرة كان محدثًا، وكان ذلك وقت الظهر مثلًا، (وجهل أسبقهما) بأن لم يدر هل اتصافه بالطهارة سابق على اتصافه بالحدث، أو بالعكس، (فهو على ضد حاله قبلهما) إن علم حاله قبلهما، فإن كان قبل الزوال في المثال محدثًا فهو الآن متطهر؛ لأنه تيقن أنه انتقل عن هذا الحدث إلى الطهارة، ولم يتيقن زوالها، والحدث المتيقن قبل الزوال يحتمل أن يكون قبل الطهارة ويحتمل أنه بعدها، فوجوده بعد هذا مشكوك فيه، فلا يزول عن طهارة متيقنة بشك. وإن كان قبل الزوال متطهرًا فهو الآن محدث، لما ذكرنا في الطرف الآخر.

(فإن جهل حاله قبلهما) بأن لم يدر: هل كان قبل الزوال متطهرًا أو محدثًا (تطهر) وجوبًا، إذا أراد الصلاة ونحوها، لوجود يقين الحدث في أحد

(1)

مرتين، والأصل بقاؤه؛ لأن وجود يقين الطهارة في المرة الأخرى مشكوك فيه، هل كان قبل الحدث أو بعده، فلا يرتفع يقين الحدث بالشك في رافعه. ولأنه لا بد من طهارة متيقنة أو مستصحبة. وليس هنا شيء من ذلك، فوجب الوضوء.

(وإن تيقن فعلهما، رفعًا لحدث، ونقضًا لطهارة)، بأن تيقن أنه تطهر

(1)

في "ح" و"ذ": "إحدى".

ص: 308

عن حدث، وأنه أحدث عن طهارة، (وجهل أسبقهما، فعلى مثل حاله قبلهما): فإن كان قبلهما متطهرًا فهو الآن متطهر؛ لأنه قد تيقن أنه نقض الطهارة الأولى ثم توضأ، إذ لا يمكن أن يكون ذلك الوضوء مع بقاء الطهارة الأولى، لتيقن كون طهارته عن حدث، ونقض هذا الوضوء مشكوك فيه، فلا يزول به اليقين. وإن تيقن حدثه قبلهما، فهو الآن محدث؛ لأنه انتقل عنه إلى طهارة، ثم أحدث عنها ولم يتيقن بعد الحدث الثاني طهارة.

(وكذا لو تيقنهما) أي: فعل الطهارة، وفعل الحدث، (وعين وقتًا لا يسعهما سقط اليقين لتعارضه)، وكان على مثل حاله قبل ذلك من حدث، أو طهارة.

(فإن جهل حالهما) أي: حال الحدث، والطهارة، بأن لم يدر الطهارة رافعة لحدث أو لا كالتجديد، ولم يدر الحدث عن حدث آخر، أو عن طهارة، (و) جهل (أسبقهما)، فعلى ضد حاله قبلهما.

(أو تيقن حدثًا) أي: اتصافه بالحدث، (وفعل طهارة فقط)، ولم يدر الطهارة عن حدث أو لا؛ (فعلى ضد حاله قبلهما) أي: قبل التيقنين.

وكذا لو تيقن حالة طهارة وفعل حدث فقط؛ لأن الأصل أن ما تيقنه من حالتي الحدث، أو الطهارة، هو ما كان عليه قبل ذلك، وأن ضد ذلك هو الطارئ، فوجب أن يكون على ضد حاله قبل التيقنين.

(وإن تيقن حدثًا ناقضًا) لطهارة، (و) تيقن (فعل طهارة جهل حالها) من كونها رافعة لحدث أو لا؛ (فمحدث، على أي حال كان): سواء كان متطهرًا قبلهما، أو محدثًا، أو جهل حاله (قبلهما)؛ لتيقنه نقض الطهارة بالحدث وشكه في وجودها بعده.

(وعكس هذه الصورة) في التصوير: وهو ما إذا تيقن أن الطهارة عن

ص: 309

حدث ولم يدر الحدث، عن طهارة أو لا؛ (بعكسها) في الحكم. فيكون متطهرًا مطلقًا، لتيقنه رفع الحدث بالطهارة، وشكه في وجوده بعدها. (ويأتي: إذا سُمع صوت أو شُم ريح) ببناء الفعلين

(1)

للمفعول (من أحدهما) لا بعينه، في أوائل باب الغسل.

(1)

في "ح": "المفعولين".

ص: 310

فصل

(ومن أحدث) حدثًا أكبر، أو أصغر (حرم عليه الصلاة)؛ لما روى ابن عمر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يقبلُ الله صلاةً بغيْرِ طُهورٍ" رواه مسلم

(1)

. وهو يعم الفرض والنفل، والسجود المجرد كسجود التلاوة، والقيام المجرد كصلاة الجنازة.

وحكى ابن حزم

(2)

والنووي

(3)

عن بعض العلماء: جواز الصلاة على الجنازة بغير وضوء ولا تيمم، (فلو صلى معه) أي: مع الحدث، ولو عالمًا (لم يكفر) كسائر المعاصي، خلافًا لأبي حنيفة

(4)

.

(و) حرم عليه (الطواف، ولو نفلًا) لما روى الترمذي بإسناده عن عطاء بن السائب، عن طاوس، عن ابن عباس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الطواف حولَ البيتِ مثلُ الصلاةِ إلا أنكم تتكلمون فيه، فمنْ تكلم فلا يتكلمْ إلا بخير"

(5)

(1)

في الطهارة حديث 224.

(2)

مراتب الإجماع ص/ 34.

(3)

شرح صحيح مسلم (3/ 98). وقد حكى ذلك عن الشعبي وابن جرير الطبري.

(4)

انظر الفتاوى البزازية (6/ 341).

(5)

في الحج، باب 112، حديث 960، ورواه - أيضًا - ابن الجارود (461)، وأبو يعلى (4/ 467)، حديث 2599، وابن خزيمة (4/ 222)، والطحاوي (2/ 178 - 179)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 225)، حديث 5972، 5973، وابن حبان "الإحسان"(9/ 143)، حديث 3836، والطبراني في الكبير (11/ 34) حديث 10955، وابن عدي (5/ 2001)، والحاكم (1/ 459) و (2/ 267)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 128)، والبيهقي (5/ 85) كلهم من طرق عن عطاء بن =

ص: 311

إسناده جيد إلى عطاء. وهو مختلف فيه. واختلط في آخر عمره. وتقدم كلام أحمد فيه. وقال أحمد

(1)

: عطاء رجل صالح. قال الترمذي

(2)

: وقد روي عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا. ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاه بن السائب (ولم يصح) أي: ما تقدم من الصلاة والطواف مع الحدث لما تقدم.

(ويحرم عليه) أي: المحدث (مس المصحف وبعضه) لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}

(3)

أي: لا يمس القرآن، وهو خبر بمعنى النهي. ورُدّ بأن المراد اللوح المحفوظ. والمطهرون: الملائكة؛ لأن المطهر من طهره

= السائب عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، ورواه الطبراني في الكبير (11/ 34) حديث 10955، والبيهقي (5/ 87) من طريق موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

ورواه النسائي في الكبرى (2/ 406)، وعبد الرزاق (5/ 496)، والبيهقي (5/ 87) عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفًا. قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 129 - 130): واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الموقوف النسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي، وصحح المرفوع الحاكم، ومال إليه ابن حجر في التلخيص الحبير.

وله شاهد عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم رواه النسائي في الكبرى (2/ 406)، وعبد الرزاق (5/ 495)، وأحمد (3/ 414، 4/ 56، 5/ 377)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 229) حديث 5974، 5975، والبيهقي (5/ 87).

قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 130 - 131): وهذه الرواية صحيحة وهي تعضد رواية عطاء بن السائب، وترجح الرواية المرفوعة، والظاهر أن المبهم فيها هو ابن عباس، وعلى تقدير أن يكون غيره فلا يضر إبهام الصحابة. اهـ.

(1)

الجرح والتعديل (6/ 334)، ميزان الاعتدال (3/ 71)، تهذيب الكمال (20/ 90).

(2)

جامع الترمذي (/ 3/ 293).

(3)

سورة الواقعة، الآية:79.

ص: 312

غيره. ولو أريد بنو آدم لقيل: المتطهرون.

وجوابه: أن المراد هم بنو آدم قياسًا عليهم، بدليل ما روى عبد الله بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهلِ اليمن كتابًا، وكان فيه:"لا يمسُّ القرآنَ إلا طاهرٌ" رواه الأثرم، والنسائي، والدارقطني متصلًا

(1)

. قال الأثرم: واحتج به أحمد، ورواه مالك مرسلًا

(2)

.

(1)

رواه النسائي في القسامة، باب 46 - 47، حديث 4868، 4872، وفي الكبرى (4/ 245 - 246)، حديث 7058 - 7062، ولم يذكر لفظ "ولا يمس القرآن إلا طاهر"، والدارقطني:(1/ 122)، (2/ 285)، ورواه - أيضًا - الحكم مطولًا:(1/ 395 - 397)، والبيهقي (1/ 87 - 88)، و (4/ 89 - 90) مختصرًا، ومطولًا كلهم من طريق سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده. وقال الحاكم: هذا حديث كبير مفسر في هذا الباب، يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزهري بالصحة كما تقدم ذكري له، وسليمان بن داود الدمشقي الخولاني معروف بالزهري، وإن كان ابن معين قد غمزه، فقد عدله غيره. . . فقال أبو حاتم: سليمان بن داود الخولاني عندنا ممن لا بأس به. . . وكذا قال أبو زرعة.

له شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه الطبراني في الصغير (2/ 139)، وفي الكبير (12/ 313)، حديث 13217، والدارقطني:(1/ 121)، والبيهقي (1/ 88)، وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد":(1/ 276)، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الصغير" ورجاله موثقون. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير": (1/ 131): إسناده لا بأس به.

(2)

موطأ الإمام مالك، القرآن باب (1/ 199)، ورواه - أيضًا - مرسلًا أبو داود في المراسيل ص/ 105، وعبد الرزاق (1/ 341)، حديث 1328، وإسحاق بن راهويه "المطالب العالية"(3/ 283)، حديث 89، والدارقطني (1/ 121)، والبيهقي (1/ 87 - 88)، وقال الدارقطني: مرسل ورواته ثقات.

ص: 313

(من غير حائل)؛ لأن النهي إنما ورد عن مسه، ومع الحائل إنما يكون المس له دون المصحف.

(ولو) كان المس (بغير يده)؛ لعموم ما سبق. ولا يختص المس باليد، بل كل شيء لاقى شيئًا فقد مسه (حتى جلده) أي: المصحف (وحواشيه) والورق الأبيض المتصل به؛ لأنه داخل في مسماه، بدليل شمول البيع له. (ولو كان الماس) للمصحف (صغيرًا) فلا يجوز لوليه تمكينه من مسه (إلا بطهارة كاملة) كالمكلف. (ولو) كانت الطهارة (تيممًا) مطلقًا. وقال الموفق: إن احتاجه، فإن عدم الماء لتكميل الوضوء تيمم للباقي، ثم مسه.

(سوى مس صغير لوحًا فيه قرآن) فلا يحرم مسه للوح من المحل الخالي من الكتابة للمشقة.

و (لا) يجوز تمكين الصغير من مس المحل (المكتوب فيه) القرآن من اللوح بلا طهارة، لعدم الحاجة إليه، لاستغنائه عنه بمس الخالي.

(وما حرم) مما تقدم (بلا وضوء، حرم بلا غسل) بطريق الأولى، لا العكس. فإن قراءة القرآن تحرم بلا غسل فقط.

(وللمحدث حمله) أي: المصحف (بعلاقته، وفي غلافه) أي: كيسه (وفي خُرْج فيه متاع، وفي كمه) من غير مس له؛ لأن النهي ورد عن المس، والحمل ليس بمس.

(و) له (تصفحه) أي: تصفح المصحف (بكمه أو) بـ (ــعود ونحوه) كخرقة وخشبة؛ لأنه غير ماس له.

(و) له (مسه) أي: المصحف (من وراء حائل) لما تقدم (كحمل رقى وتعاويذ فيها قرآن)

(1)

. قال في "الفروع": وفاقًا.

(1)

انظر ما تقدم ص/ 108 تعليق 2.

ص: 314

وهل يجوز مس ثوب رقم بالقرآن، أو فضة نقشت به؟ قال في "الإنصاف": فيه وجهان أو روايتان. ثم قال: قال الزركشي: ظاهر كلامه الجواز، قال في النظم عن الدرهم المنقوش: هذا المنصور.

(و) له (مس تفسير ورسائل فيها قرآن)، وكذا كتب حديث، وفقه، ونحوها، فيها قرآن؛ لأن اسم المصحف لا يتناولها، وظاهره: قلّ التفسير، أو كثر.

(و) له مس (منسوخ تلاوة

(1)

) وإن بقي حكمه كـ: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"

(2)

.

(و) له مس (المأثور عن الله) تعالى، كالأحاديث القدسية.

(و) له مس (التوراة، والإنجيل) والزبور، وصحف إبراهيم، وموسى، وشيث، إن وجدت؛ لأنها ليست قرآنًا.

(1)

في "ذ" تلاوته.

(2)

رواه النسائي في الكبرى (4/ 270، 271)، حديث 7145، 7148، وأحمد (5/ 183)، والدارمي في الحدود باب 16، حديث 2328، وأبو يعلى (6/ 5)، والحاكم (4/ 360) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. ورواه النسائي في الكبرى (4/ 270، 271)، حديث 7146، 7147، عن أبي أمامة بن سهل عن خالته رضي الله عنهما. ورواه - أيضًا - (4/ 271) حديث 7150 من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.

ورواه ابن ماجه في الحدود، باب 9، حديث 2553، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورواه مالك في الحدود باب 1 (2/ 824)، عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه. ومعناه عند البخاري في الحدود، باب 30، 31، حديث 6829، 6830، ومسلم في الحدود حديث 1691 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 315

(فإن رفع الحدث من عضو من أعضاء الوضوء، لم يجز مس المصحف به قبل كمال الطهارة) لأنه لا يسمى متطهرًا قبل كمالها. (ولو قلنا: يرتفع الحدث عنه) أي: عن العضو المغسول قبل كمال الطهارة، وفيه وجهان. قال في "الإنصاف": الذي يظهر أن يكون ذلك مراعى. فإن أكمله ارتفع، وإلا فلا.

(ويحرم مسه) أي: المصحف (بعضو متنجس)؛ لأنه أولى من الحدث. قال في "الفروع": وكذا مس ذِكْرِ الله بنجس.

و (لا) يحرم مسه (بعضو طاهر إذا كان على غيره نجاسة)؛ لأن النجاسة لا يتعدى وجوب غسلها غير محلها. والحدث يحل جميع البدن، كما تقدم.

(وتجوز كتابته لمحدث من غير مس، ولو لذمي)؛ لأن النهي كما تقدم ورد عن مسه، وهي ليست مسًا.

(ويمنع) الذمي (من قراءته)؛ لأنه أولى بالمنع من الجنب.

(و) يمنع الذمي من (تملكه) أي: المصحف.

(ويمنع المسلم من تمليكه) أي: المصحف (له) أي: للذمي، لأنه متدين بانتهاكه وإزالة حرمته، والكافر غير الذمي أولى. (فإن ملكه) أي: المصحف كافر (بإرث، أو غيره، ألزم بإزالة ملكه عنه) لما تقدم، ويأتي في البيع ما يملك به الكافر المصحف.

(ويجوز للمسلم والذمي أخذ الأجرة على نسخه)؛ لأنه عمل لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة.

(ويحرم بيعه) ولو لمسلم. (ويأتي في كتاب البيع) موضحًا. ويأتي أيضًا أنه لا يكره شراؤه استنقاذًا.

(و) يحرم (توسده) أي: المصحف، (والوزن به، والاتكاء عليه)؛ لأن ذلك ابتذال له.

ص: 316

(وكذا كتب العلم التي فيها قرآن، وإلا) بأن لم يكن في كتب العلم قرآن (كره) توسدها، والوزن بها، والاتكاء عليها.

(وإن خاف عليها) سرقة (فلا بأس) أن يتوسدها للحاجة.

(ولا يكره نقط المصحف، و) لا (شكله)، بل قال العلماء: يستحب نقطه، وشكله، صيانة من اللحن فيه والتصحيف. وأما كراهة الشعبي، والنخعي

(1)

النقط؛ فللخوف من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم. ولا يمنع من ذلك كونه محدثًا فإنه من المحدثات الحسنة، كنظائره، مثل تصنيف العلم، وبناء المدارس ونحوها. قاله النووي في "التبيان"

(2)

.

(و) لا (كتابة الأعشار فيه، وأسماء السور، وعدد الآيات، والأحزاب، ونحوها)؛ لعدم النهي عنه.

(وتحرم مخالفة خط عثمان) ابن عفان رضي الله عنه (في) رسم (واو، وياء، وألف، وغير ذلك) كمد التاء، وربطها (نصًا) لقوله صلى الله عليه وسلم:"عليكُم بسنَّتِي وسنَّةِ الخلفاء بَعْدِي"

(3)

الحديث. ولأن قول الصحابي ما يخالف القياس توقيف، كما يأتي.

(1)

انظر المصنف لعبد الرزاق (4/ 322)، والمصاحف لابن أبي داود ص/ 142، والمحكم في نقط المصاحف للداني ص/ 10.

(2)

ص/ 156.

(3)

رواه أبو داود في السنة، باب 6، حديث 4607، والترمذي في العلم، باب 16، حديث 2676، وابن ماجه في المقدمة، باب 6، حديث 42، 43، 44، وأحمد (4/ 126، 127)، والدارمي في المقدمة، باب 16، حديث 96، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 29، 30) حديث 55 - 57، ومحمد بن نصر المروزي في السنة ص/ 21 - 22، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 222، 223)، حديث 1185، 1186، وابن حبان "الإحسان"(1/ 178)، حديث 5، والآجري في الشريعة (1/ 400، 403) حديث 86، 87، 88، والطبراني في الكبير =

ص: 317

(ويكره مد الرجلين إلى جهته) أي: المصحف، (وفي معناه: استدباره، وتخطيه، ورميه إلى الأرض بلا وضع، ولا حاجة، بل هو بمسألة التوسد أشبه)، قاله في "الفروع".

قلت: وكذا كُتب علم فيها قرآن.

(قال الشيخ: وجعله) أي: المصحف (عند القبر منهي عنه، ولو جعل للقراءة هناك) أي: عند القبر. (ورمى رجل بكتاب عند) الإمام (أحمد فغضب، وقال: هكذا يفعل بكلام الأبرار؟) انتهى، فكيف بكتاب الله تعالى، أو ما هو فيه.

(ويحرم السفر به) أي: المصحف (إلى دار الحرب) لحديث الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهَى أن يسَافرَ بالقرآنِ إلى أرضِ العدوِّ"

(1)

. ولأنه عرضة إلى استيلاء الكفار عليه، واستهانته، وفي "المستوعب": يكره بدون غلبة السلامة.

(وتكره تحليته بذهب، أو فضة، نصًا) لتضييق النقدين.

= (18/ 246، 247، 249) حديث 618، 619، 622، 624، والحاكم (1/ 95، 96، 97)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 74) حديث 79، وأبو نعيم في الحلية (5/ 220، 221)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 221)، والبغوي في شرح السنة (1/ 205) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ليس له علة، ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد البر: قال البزار: حديث العرباض بن سارية في الخلفاء الراشدين هذا حديث ثابت صحيح

ثم قال: هو كما قاله البزار رحمه الله حديث العرباض حديث ثابت. اهـ.

(1)

رواه البخاري في الجهاد، باب 129، حديث 2990، ومسلم في الإمارة حديث 1869، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 318

(ويحرم في كتب العلم) أن تحلى.

(ويباح تطييبه) أي: المصحف، (وجعله على كرسي، و) يباح (كسيه الحرير) نقله الجماعة؛ لأن قدر ذلك يسير.

(وقال) أبو الحسن علي (ابن) محمد (الزاغوني: يحرم كتبه بذهب) لأنه من زخرفة المصاحف، (ويؤمر بحكه، فإن كان يجتمع منه ما يتمول زكّاه). وقال أبو الخطاب: يزكيه إن بلغ نصابًا، وله حكه وأخذه.

(واستفتاح الفأل فيه) أي: المصحف (فعله) أبو عبد الله عبيد الله (ابن بطة) بفتح الباء، (ولم يره الشيخ

(1)

، وغيره). ونقل عن ابن العربي أنه يحرم، وحكاه القرافي

(2)

، عن الطرسوسي

(3)

المالكي. وظاهر مذهب الشافعي الكراهة.

(ويحرم أن يكتب القرآن، و) أن يكتب (ذكر الله بشيء نجس أو عليه) أي: على شيء نجس، (أو فيه) أي: في شيء نجس. (فإن كتبا) أي: القرآن، وذكر الله (به) أي: بالنجس (أو عليه، أو فيه، أو تنجس؛ وجب غسله) ذكره في "الفنون"، وقال: فقد جاز غسله وتحريقه، لنوع صيانة.

(وقال) ابن عقيل (في الفنون: إن قصد بكتبه بنجس إهانته، فالواجب قتله انتهى. وتكره كتابته) أي: القرآن (في الستور، وفيما هو مظنة بِذْلَةٍ، ولا تكره كتابة غيره من الذكر فيما لم يدرس،

وإلا) بأن كان يداس (كره شديدًا، ويحرم دوسه) أي: الذكر، فالقرآن أولى.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 29، ومجموع الفتاوى (23/ 66).

(2)

الذخيرة (13/ 256)، والفروق (4/ 240).

(3)

كذا في الأصول. وصوابه "الطرطوشي". انظر الديباج المذهب (2/ 244)، وشجرة النور الزكية (1/ 124).

ص: 319

قال في "الفصول" وغيره: ويكره أن يكتب على حيطان المسجد ذكر أو غيره؛ لأن ذلك يلهي المصلي.

(وكره) الإمام (أحمد شراء ثوب فيه ذكر الله، يجلس عليه ويداس.

ولو بلي المصحف أو اندرس دفن نصًا). ذكر أحمد أن أبا الجوزاء بلي له مصحف، فحفر له في مسجده فدفنه. وفي البخاري

(1)

: أن الصحابة حرقته - بالحاء المهملة - لما جمعوه. وقال ابن الجوزي: ذلك لتعظيمه وصيانته. وذكر القاضي أن أبا بكر بن أبي داود روى بإسناده عن طلحة بن مصرف قال: "دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر"

(2)

. وبإسناده عن طاوس: أنه لم يكن يرى بأسًا أن تحرق الكتب. وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله

(3)

.

(ويباح تقبيله). قال النووي في "التبيان"

(4)

: روينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح عن ابن أبي مليكة، أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه، ويقول:"كتابُ ربِّي، كتابُ ربي"

(5)

.

(ونقل جماعة الوقف) فيه، و (في جعله على عينيه)؛ لعدم التوقيف. وإن كان فيه رفعة وإكرام

(6)

. لأن ما طريقه القرب، إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله، وإن كان فيه تعظيم، إلا بتوقيف، ولهذا قال عمر عن الحجر:"لولا أنِّي رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقبلُكَ ما قبلتُكَ"

(7)

. ولما قبّل معاوية

(1)

صحيح البخاري مع الفتح (9/ 11).

(2)

"كتاب المصاحف" لأبي بكر بن أبي داود السجستاني: ص 43.

(3)

المصاحف ص/ 195.

(4)

ص/ 157.

(5)

سنن الدارمي "فضائل القرآن"، باب 4، رقم 3353.

(6)

في "ذ": "وأكرمه".

(7)

رواه البخاري في الحج، باب 50، 60، حديث 1597، 1610، ومسلم في الحج حديث 1270.

ص: 320

الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس فقال: ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال:"إنما هي السنَّةُ"

(1)

. فأنكر عليه الزيادة على فعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وإن كان فيه تعظيم، ذكر ذلك القاضي، قاله في "الفروع".

(وظاهر الخبر) المذكور عن عمر، وابن عباس (لا يقام له) لعدم التوقيف. (وقال الشيخ

(2)

: إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض فقيامهم لكتاب الله أحق) إجلالًا وتعظيمًا، قال ابن الجوزي: إن ترك القيام كان في أول الأمر، ثم لما كان ترك القيام كالإهوان بالشخص استحب لمن يصلح له القيام، ويأتي له تتمة في آخر الجنائز.

(ويباح كتابة آيتين فأقل إلى الكفار) لحاجة التبليغ، نقل الأثرم: يجوز أن يكتب إلى أهل الذمة كتابًا فيه ذكر الله، قد كتب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المشركين.

(وقال) أبو الوفاء علي (بن عقيل: تضمين القرآن لمقاصد تضاهي مقصود القرآن لا بأس به) تحسينًا للكلام، (كما يضمن في الرسائل آيات إلى الكفار) مقتضية الدعاية، ولا يجوز في كتب المبتدعة، (و) كـ (ــتضمين

(3)

الشعر لصحة القصد وسلامة الوضع وأما تضمينه لغير ذلك، فظاهر كلام ابن القيم التحريم)، كما يحرم جعل القرآن بدلًا من الكلام.

(1)

رواه البخاري معلقًا في الحج، باب 59، والترمذي في الحج، باب 35، حديث 858، وعبد الرزاق (5/ 45)، وأحمد (1/ 246، 332، 372)، والطبراني في الكبير (10/ 328 - 330)، حديث 10631 - 10636، والبيهقي (5/ 76 - 77)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 210) ولم يذكروا قوله:"إنما هي السنة"، وروى أحمد (1/ 217)، والطحاوي (2/ 184) هذه القصة وزادا: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". قال: صدقت.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 29.

(3)

في "ح" و"ذ": "وكتضمينه الشعر".

ص: 321

(ولا بأس أن يقول: سورة كذا) كسورة البقرة، أو النساء؛ لأنه قد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم:"سُورةُ البقرة، وسورةُ الكهفِ"

(1)

وغيرهما مما لا يحصى

(2)

، وكذلك عن الصحابة. قاله النووي في "التبيان"

(3)

.

وفي "السورة" لغتان: الهمز وتركه. والترك أفصح.

(و) أن يقول: (السورة الذي يذكر فيها كذا)؛ لوروده في الأخبار، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"من قرأ السورةَ التي يذكرُ فيها آل عمرانَ" الحديث. رواه الطبراني

(4)

من حديث ابن عباس.

(وآداب القراءة تأتي) في فصل (في صلاة التطوع) مفصلة.

(1)

البخاري في فضائل القرآن، باب 10، 27، 34، حديث 5009، 5040، 5051، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 807، من حديث أبي مسعود رضي الله عنه. وعند مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه في صلاة المسافرين، حديث 809.

(2)

في "ح": "لا يخفى".

(3)

ص/ 142.

(4)

في الكبير (11/ 48) حديث 11002، وفي الأوسط (7/ 92) حديث 6153 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:(2/ 168)، وفيه طلحة بن زيد الرقي - وهو ضعيف. وقال المناوي في فيض القدير (6/ 198): قال الهيثمي: فيه طلحة بن زيد الرقي، وهو ضعيف جدًا، وقال ابن حجر: طلحة ضعيف جدًا، ونسبه أحمد، وأبو داود إلى الوضع؛ فكان ينبغي للمصنف [السيوطي] حذفه. والحديث مسلسل بالضعفاء والمجاهيل. وانظر:"مجمع البحرين": حديث 953.

ص: 322

‌باب ما يوجب الغسل وما يسن له الغسل

(و) باب (صفته) أي: الغسل، وما يمنع منه من لزمه الغسل، ومسائل من أحكام المسجد والحمام.

قال الجوهري

(1)

: غسلت الشيء غسلًا - بالفتح - والاسم الغسل - بالضم - وبالكسر - ما يغسل به الرأس من خطمي، وغيره.

وقال عياض

(2)

: - بالفتح - الماء، - وبالضم - الفعل.

وقال ابن مالك

(3)

: - بالضم - الاغتسال، والماء الذي يغسل به.

وذكر ابن برى أن غسل الجنابة بفتح الغين.

(وهو) أي: الغسل شرعًا: (استعمال ماء) - خرج التيمم - (طهور) لا طاهر (في جميع بدنه) - خرج الوضوء - (على وجه مخصوص) يأتي كيفيته، بأن يكون بنية وتسمية.

والأصل في مشروعيته قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}

(4)

يقال: رجل جنب، ورجلان جنب، ورجال جنب، قال الجوهري

(5)

: وقد يقال: جنبان وجنبون، وفي "صحيح مسلم"

(6)

: "ونحنُ جُنُبَانِ".

(1)

الصحاح (5/ 1781).

(2)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 138).

(3)

إكمال الإعلام بتثليث الكلام (2/ 467).

(4)

سورة المائدة، الآية:6.

(5)

الصحاح (1/ 103) والذي فيه: "وربما قالوا في جمعه أجناب وجنبون" ولم يذكر جنبان.

(6)

الحيض حديث 321، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 323

سمي به لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة.

وقيل: لمجانبته الناس حتى يتطهر.

وقيل: لأن الماء جانب محله.

والأحاديث مشهورة بذلك. ويأتي بعضها في محاله.

(وموجبه) أي: الحدث الذي هو سبب وجوب الغسل باعتبار أنواعه (ستة) أشياء، أيها وجد كان سببًا لوجوبه.

(أحدها: خروج المني

(1)

) - وهو الماء الغليظ الدافق يخرج عند اشتداد الشهوة، ومني المرأة أصفر رقيق - (من مخرجه)، فإن خرج من غيره بأن انكسر صلبه، فخرج منه لم يجب غسل، وحكمه كالنجاسة المعتادة. (ولو) كان المني (دمًا) أي: أحمر كالدم، لقصور الشهوة عن قصره (دفقًا بلذة)؛ لقول علي: إن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فَضَخْتَ الماءَ فاغتسلْ، وإن لم تكن فَاضِخًا فلا تغتَسِلْ" رواه أحمد

(2)

، والفضخ: هو خروجه بالغلبة، قاله إبراهيم الحربي.

(فإن خرج) الماء (لغير ذلك) كمرض، أو برد، أو كسر ظهر (من غير

(1)

فائدة المني يخلق منه الحيوان لخروجه من جميع البدن، وينقص به جزء منه؛ ولهذا يضعف بكثرته، فجبر بالغسل اهـ. ح م ص. "ش".

(2)

المسند (1/ 109، 125) وفي موضع آخر منه (1/ 107) بلفظ: إذا حذفت فاغتسل من الجنابة. . . إلخ.

ورواه - أيضًا - أبو داود في الطهارة، باب 83، رقم 206، والنسائي في الطهارة، باب 130، رقم 193، 194، والطيالسي ص/ 21، رقم 145، وابن أبي شيبة (1/ 92)، والبزار في مسنده (3/ 48) رقم 802، 803، وابن خريمة (1/ 15)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 391) رقم 1107، وابن عدي (2/ 599، 600)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 167، والبيهقي (1/ 169)، وصححه النووي في المجموع (2/ 143).

ص: 324

نائم ونحوه) كمجنون ومغمى عليه، وسكران (لم يوجب) غسلًا. لما تقدم، فعلى هذا يكون نجسًا وليس مَذيًا، قاله في "الرعاية".

(وإن انتبه بالغ، أو من يمكن بلوغه كابن عشر) وبنت تسع من نوم، ونحوه (ووجد بللًا) ببدنه، أو ثوبه (جهل كونه منيًا، بلا سبب تقدم نومه، من برد، أو نظر، أو فكر، أو ملاعبة، أو انتشار، وجب الغسل، كتيقنه منيًا، وغسل ما أصابه من بدن، وثوب) احتياطًا. قال في "المبدع": ولا يجب، انتهى، ولعله غير ظاهر كلامهم، وليس هذا من باب الإيجاب بالشك، وإنما هو من باب الاحتياط في الخروج من عهدة الواجب، كمن نسي صلاة من يوم وجهلها؛ لأنه في المثال لا يخرج عن كونه منيًا أو مذيًا، ولا سبب لأحد الأمرين يرجح به، فلم يخرج من عهدة الوجوب إلا بما ذكر.

(وإن تقدم نومه سبب: من برد، أو نظر، أو فكر، أو ملاعبة، أو انتشار) لم يجب غسل؛ لعدم يقين الحدث، والأصل بقاء الطهارة.

قلت: والظاهر وجوب غسل ما أصابه من ثوب، وبدن، لرجحان كونه مذيًا، بقيام سببه، إقامة للظن مقام اليقين، كما لو وجد في نومه حلمًا، فإنا نوجب الغسل لرجحان كونه منيًا، بقيام سببه.

وقال الشريف أبو جعفر: لا يجب غسل الثوب، ولا البدن جميعًا، لتردد الأمر فيهما، نقله عنه ابن رجب في ترجمته في "الطبقات"

(1)

، وقال: وهذه المسألة تشبه مسألة الرجلين إذا وجدا على فراشهما منيًا، ولم يعلما من خرج منه، ثم قال: لكن ليس له أن يصلي بحاله في الثوب؛ لأنا نتيقن بذلك حصول المفسد لصلاته، وهو إما الجنابة، وإما النجاسة.

(أو تيقنه) أي: البلل (مذيًا لم يجب غسل)، بل يغسل ما أصابه وجوبًا.

(1)

(1/ 25).

ص: 325

(ولا يجب) الغسل (بحلم بلا بلل) لحديث عائشة

(1)

(فإن انتبه) من احتلم (ثم خرج) المني (إذن وجب) الغسل من حين الاحتلام؛ لأنا تبينا أنه كان قد انتقل حينه.

"تتمة" قال في "الهدي"

(2)

: نقلًا عن ابن ماسويه

(3)

: من احتلم فلم يغتسل حتى وطئ أهله، فولدت مجنونًا أو مختلًا فلا يلومن إلا نفسه

(4)

.

(1)

روى أبو داود في الطهارة، باب 95، رقم 236، والترمذي في الطهارة، باب 82، حديث 113، وابن ماجه في الطهارة، باب 112، رقم 612، وعبد الرزاق (1/ 254) رقم 974، وأحمد (6/ 256)، والدارمي في الطهارة، باب 76، رقم 771، وابن الجارود (89، 90)، وأبو يعلى (8/ 149) رقم 4694، والبيهقي (1/ 168) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: لا غسل عليه

الحديث.

قال الترمذي: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن عمر: حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث.

وقال النووي في المجموع (2/ 142): حديث عائشة هذا مشهور

لكنه من رواية عبد الله بن عمر العمري - وهو ضعيف عند أهل العلم، لا يحتج بروايته.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 224)

: الحديث معلول بعلتين الأولى: العمري المذكور، والثانية: التفرد، وعدم المتابعات، فقصر عن درجة الحسن والصحة. والله أعلم.

(2)

زاد المعاد (4/ 406).

(3)

هو أبو زكريا يوحنا بن ماسويه من علماء الأطباء توفي سنة 243 هـ. انظر: إخبار العلماء لأخبار الحكماء للقفطي ص/ 48.

(4)

وجزم بمعناه في الطب النبوي ص/ 406. "ش".

ص: 326

(وإن وجد منيًا في ثوب لا ينام فيه غيره) قال أبو المعالي، والأزجي: لا بظاهره، لجوازه من غيره، قال في "الإنصاف": وهو صحيح، وهو مراد الأصحاب فيما يظهر؛ (فعليه الغسل) لوجود موجبه، (وإعادة المتيقن من الصلاة، وهو) أي: المني (فيه) أي: الثوب. قال ابن قندس: الظاهر أنه يعيد ما تيقن أنه صلّاه بعد وجود المني، وما شك فيه لا يعيده، قال في "الرعاية": وإعادة الصلاة من آخر نومة نامها، وفي بعض ألفاظ الموفق: من أحدث نومة زاد في "الرعاية": والأولى إعادة صلوات تلك المدة، وما يحصل به اليقين في براءة الذمة، وتقدم في كتاب الطهارة إذا توضأ من ماء ثم علم نجاسته يعيد. ونصه: حتى يتيقن براءته. وقال القاضي وأصحابه: بعد ظنه نجاسته، قال ابن قندس: ويمكن أن يقال: الفرق أن المني الأصل عدمه، فيكون في وقت الشك كالمعدوم، بخلاف ما إذا توضأ من ماء ثم علم نجاسته، فإنه في وقت الشك قد شك في رفع الحدث، والأصل عدم رفعه، فيكون الحدث في وقت الشك كالموجود، لأنه الأصل.

(وإن كان ينام هو) أي: من وجد المني في الثوب (وغيره فيه) أي: في ذلك الثوب الذي وجد به المني، (وكانا من أهل الاحتلام، فلا غسل عليهما) لأن كلا منهما متيقن الطهارة شاك في الحدث.

(ومثله) في عدم وجوب الوضوء عليهما: (إن سُمع صوت أو شُم ريح من أحدهما، لا يعلم عينه، لم تجب الطهاوة على واحد منهما) بعينه، لعدم تيقنه الحدث.

(ولا يأتم أحدهما) وحده، ولا مع غيره (بالآخر) لتحقق المفسد. وهو إما حدثه، وإما حدث إمامه.

(ولا يصافه) أي: لا يصاف أحدهما الآخر (وحده) لتحقق المفسد، إذ

ص: 327

صلاة الفذ غير صحيحة كما يأتي. فإن صافه مع غيره صحت صلاتهما لزوال الفذّيّة (فيهما) أي: في مسألة وجدان المني في الثوب، ومسألة سماع الصوت، أو شم الريح من أحدهما.

(وكذا كل اثنين تيقن موجب الطهارة من أحدهما لا بعينه، كرجلين) أو امرأتين، أو رجل وامرأة (لمس كل واحد منهما أحد فرجي خنثى مشكل لغير شهوة)؛ لأن أحد الفرجين أصلي، فانتقض وضوء لامسه، فإن مس لشهوة مثل ما للامس منه انتقض وضوؤه يقينًا وتقدم. قال في "المنتهى" وشرحه: وإن أرادا ذلك، أي: أن يصليا جماعة، أو أن يكونا صفًا وحدهما توضئا ثم فعلا ذلك؛ ليزول الاعتقاد الذي أبطلنا صلاتهما من أجله. ولا يكفي في ذلك وضوء أحدهما لاحتمال أن يكون الذي أحدث منهما هو الذي لم يتوضأ.

(والاحتياط أن يتطهرا) مما تقدم مطلقًا ليخرجا من العهدة بيقين.

(وإن أحس) رجل، أو امرأة (بانتقال المني فحبسه فلم يخرج، وجب الغسل، كخروجه)، لأن الجنابة أصلها البعد لقوله تعالى:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ}

(1)

أي: البعيد، ومع الانتقال قد باعد الماء محله، فصدق عليه اسم الجنب. وإناطة للحكم بالشهوة، وتعليقًا له على المظنة، إذ بعد انتقاله يبعد عدم خروجه، وأنكر أحمد أن يكون الماء يرجع

(2)

.

(ويثبت به) أي: بانتقال المني (حكم بلوغ) كما يثبت بخروجه.

(و) يثبت به حكم (فطر) من صوم ممن قبّل، أو كرر النظر لشهوة ونحوه، لا ممن احتلم، كخروجه.

(وغيرهما) كوجوب بدنة في الحج حيث وجبت لخروج المني.

(1)

سورة النساء، الآية:36.

(2)

المغني (1/ 267).

ص: 328

وفي "شرح المنتهى": كفساد نسك. وقاله القاضي في "تعليقه" التزامًا، وهو مبني على القول بفساد النسك بخروجه بالمباشرة.

(وكذا انتقال حيض، قاله الشيخ) تقي الدين

(1)

؛ فيثبت به ما يثبت بخروجه.

(فإن خرج المني بعد الغسل من انتقاله) لم يجب الغسل.

(أو) خرج المني (بعد غسله من جماع لم ينزل فيه) بغير شهوة، لم يجب الغسل.

(أو خرجت بقية مني اغتسل له بغير شهوة، لم يجب الغسل) لما روى سعيد عن ابن عباس: أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال: "يتوضأ"

(2)

.

وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي

(3)

.

ولأنه مني واحد فأوجب غسلًا واحدًا، كما لو خرج دفعة واحدة.

ولأنه خارج لغير شهوة، أشبه الخارج لبرد، وبه علل أحمد، قال: لأن الشهوة ماضية، وإنما هو حدث أرجو أن يجزئه الوضوء.

(ولو) انتقل المني ثم (خرج إلى قلفة الأقلف، أو) إلى (فرج المرأة وجب) الغسل، رواية واحدة، وإن لم نقل بوجوب الغسل بالانتقال.

(ولو خرج منيه من فرجها بعد غسلها فلا غسل عليها)؛ لأنه ليس منيها (ويكفي الوضوء. وإن دب منيه) أي: الرجل فدخل فرجها ثم خرج فلا غسل عليها، (أو) دب إلى فرجها (مني امرأة أخرى بسحاق، فدخل فرجها)

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 30.

(2)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 139)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 112) رقم 637.

(3)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 139)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 112) رقم 638.

ص: 329

ثم خرج (فلا غسل عليها بدون إنزال، وتقدم في الباب قبله)؛ لأنه ليس منيًا خارجًا من مخرجه دفقًا بلذة، لأن الغسل إنما وجب جبرًا للبدن لكونه ينقص به جزء منه لخروجه من جميعه، لكون الحيوان يخلق منه، ولكونه ينقص به جزء من البدن؛ ولهذا يضعفه

(1)

بكثرته.

"تنبيه" محل وجوب الغسل بخروج المني: إذا لم يصر سلسًا، قاله القاضي وغيره، فيجب الوضوء فقط، لكن قال في "المغني" و"الشرح": يمكن منع كون هذا منيًا؛ لأن الشارع وصفه بصفة غير موجودة فيه. وتقدم أن الغسل كالوضوء سبب وجوبه الحدث.

(الثاني) من موجبات الغسل: (تغييب حشفة أصلية، أو قدرها، - إن فقدت - بلا حائل في فرج أصلي) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا جلسَ بيْن شعبها الأربعِ

(2)

ثم جهدَهَا، فقد وجب الغسلُ" متفق عليه

(3)

زاد أحمد ومسلم: "وإن لم ينزِلْ"

(4)

.

وفي حديث عائشة قالت: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعدَ بينَ شعبِها الأربعِ، ومسَّ الختانُ الختانَ، فقد وجبَ الغسلُ" رواه مسلم

(5)

.

(1)

في "ح" و"ذ": "يضعف".

(2)

قيل: اليدان والرجلان، وقيل: الرجْلان والأسْكتان. قال القاضي عياض: (إكمال المعلم 2/ 197): والأولى قول: الأربع: نواحي الفرج الأربع، والشعب النواحي؛ فوافق حديث: إذا التقى الختانان، وتوارت الحشفة، فقد وجب الغسل. وحديث: إذا جاوز الختان الختان. وحديث: إذا مس الختان الختان اهـ. "ش". وانظر مشارق الأنوار (2/ 254).

(3)

البخاري في الغسل، باب 28، حديث 291، ومسلم في الحيض، حديث 348.

(4)

أحمد في "المسند": (2/ 347)، ومسلم في الحيض، حديث 348.

(5)

في الحيض، حديث 349.

ص: 330

وما رُوي عن عثمان، وعلي، والزبير، وطلحة

(1)

أنه لا يجب إلا بالإنزال، لقوله صلى الله عليه وسلم:"الماءُ من الماءِ"

(2)

فمنسوخ بما روى أبيّ بن كعب قال: "إن الفتيا التي كانوا يقولون: الماءُ من الماءِ رخصةٌ رخَّصَ بها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ثم أمرَ بالاغتسالِ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه

(3)

، قال الحافظ عبد الغني: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

ثم المراد من التقائهما، تقابلهما وتحاذيهما؛ فلذلك عدل عنه المصنف كغيره، لما تقدم.

(قبلًا كان) الفرج (أو دبرًا من آدمي، ولو مكرهًا، أو) من (بهيمه، حتى سمكة، وطير) لأنه إيلاج في فرج أصلي، أشبه الآدمية.

(حيّ أو ميت) لعموم ما سبق، ولو لم يجد بذلك حرارة خلافًا لأبي حنيفة

(4)

.

(1)

روى ذلك عنهم البخاري في الوضوء، باب 34، حديث 179، وفي الغسل، باب 49، حديث 292.

(2)

رواه مسلم في الحيض، حديث 343.

(3)

أحمد: (5/ 115 - 116)، وأبو داود في الطهارة، باب 84، حديث 214، 215 والترمذي في الطهارة، باب 81، حديث 110، 111، ورواه - أيضًا - ابن ماجه في الطهارة، باب 111، حديث 609، والشافعي (ترتيب مسنده 1/ 37)، والدارمي في الطهارة، باب 73، رقم 765، وابن الجارود (91)، وابن خزيمة:(1/ 112، 113) حديث 225، وابن المنذر (1/ 79) رقم 575، والطحاوي (1/ 57)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 447) رقم 1173، 1179. والطبراني في الكبير (1/ 200) رقم 538، والدارقطني (1/ 126)، والبيهقي (1/ 165، 166)، والحازمي في الاعتبار ص/ 125. وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه النووي في المجموع (2/ 137)، وقال الحافظ في الفتح (1/ 397): وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به، وهو صريح في النسخ.

(4)

ينظر الأشباه والنظائر لابن نجيم ص/ 334.

ص: 331

(ولو كان) ذو الحشفة الأصلية (مجنونًا، أو نائمًا) أو مغمى عليه (بأن أدخلتها في فرجها، فيجب الغسل على النائم والمجنون) والمغمى عليه (كهي) أي: كما يجب على المجامعة، ولو كانت مجنونة، أو نائمة، أو مغمى عليها؛ لأن موجب الطهارة لا يشترط فيه القصد، كسبق الحدث.

(وإن استدخلتها) أي: الحشفة الأصلية (من ميت، أو) من (بهيمة، وجب عليها) الغسل (دون الميت، فلا يعاد غسله) لذلك.

ولا فرق فيما تقدم بين العالم، والجاهل، فلو مكث زمانًا يصلي ولم يغتسل احتاط في الصلاة، ويعيد حتى يتيقن، نص عليه؛ لأنه مما اشتهرت به الأخبار، فلم يعذر فيه بالجهل.

(ويعاد غسل الميتة الموطوءة) قال في "الحاوي الكبير": ومن وطئ بعد غسله أعيد غسله في أصح الوجهين، واختاره في "الرعاية الكبرى"، ويجب الغسل بالجماع، على ما تقدم، (ولو كان المجامع غير بالغ نصًا، فاعلًا، ومفعولًا) إن كان (يجامع مثله كابنة تسع، وابن عشر) قال الإمام

(1)

: يجب على الصغير إذا وطئ والصغيرة إذا وطئت، مستدلًا بحديث عائشة

(2)

(فيلزمه) أي: ابن عشر وبنت تسع (غسل، ووضوء بموجباته، إذا أراد ما يتوقف على غسل) فقط. كقراءة القرآن، (أو) على (وضوء) كصلاة، وطواف، ومس مصحف (لغير لبث بمسجد)؛ فإنه لا يلزمه الغسل إذا أراده. ويكفيه الوضوء كالمكلف، ويأتي.

ومثل مسألة الغسل إلزامه باستجمار، ونحوه، ذكره الشيخ تقي الدين.

وليس معنى وجوب الغسل، أو الوضوء في حق الصغير: التأثيم بتركه، بل معناه: أنه شرط لصحة الصلاة، أو الطواف، أو لإباحة مس المصحف، أو

(1)

مسائل الإمام أحمد رواية عبد الله (3/ 1030).

(2)

تقدم تخريجه ص/ 330 تعليق رقم 5.

ص: 332

قراءة القرآن.

(أو مات) الصغير (شهيدًا) بعد الجماع (قبل غسله)، فيغسل؛ لوجوبه قبله، كما لو مات غير شهيد.

(ويرتفع حدثه) أي: الصغير (بغسله قبل البلوغ)، فلا يجب إعادته بعد بلوغه، لصحة غسله، فيترتب عليها أثرها، وهو ارتفاع الحدث.

ثم أخذ يصرح بمفهوم ما سبق فقال: (ولا يجب غسل بتغييب بعض الحشفة) بلا إنزال.

(ولا بإيلاج بحائل، مثل إن لف على ذكره خرقة، أو أدخله في كيس) بلا إنزال.

(ولا بوطء دون الفرج، من غير إنزال) ولا انتقال، لعدم التقاء الختانين.

(ولا بالتصاق) أي: تماس (ختانيهما من غير إيلاج) لحديث أبي هريرة السابق

(1)

.

(ولا بسحاق) وهو إتيان المرأة المرأة (بلا إنزال) لما تقدم.

(ولا بإيلاج في غير أصلي) أو بغير أصلي، (كإيلاج رجل في قبل الخنثى) المتضح الذكورية، أو المشكل، بلا إنزال؛ لعدم الفرج الأصلي بيقين.

(أو إيلاج الخنثى) الواضح الأنوثية، أو المشكل (ذكره في قبل، أو دبر، بلا إنزال)؛ لعدم تغييب الحشفة الأصلية بيقين.

(وكذا لو وطئ كل واحد من الخنثيين) المشكلين (الآخر بالذكر في القبل)، لاحتمال زيادتهما، أو زيادة أحدهما.

(أو) وطئ كل واحد من الخنثيين الآخر بالذكر في (الدبر)؛ لاحتمال زيادة الذكرين.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 330 تعليق رقم 3، 4.

ص: 333

(وإن تواطأ رجل وخنثى في دبريهما فعليهما الغسل)؛ لأن دبر الخنثى أصلي قطعًا. وقد وجد تغييب حشفة الرجل فيه.

(وإن وطئ الخنثى بذكره امرأة، وجامعه) أي: ذلك الخنثى (رجل في قبله؛ فعلى الخنثى الغسل)؛ لأنه إن كان ذكرًا فقد غيب ذكره في فرج أنثى، وإن كان أنثى فقد جومعت في قبلها الأصلي.

(وأما الرجل والمرأة فيلزم أحدهما الغسل، لا بعينه)؛ لأن الخنثى لا يخلو عن أن يكون رجلًا، فيجب الغسل على المرأة، أو يكون أنثى، فيجب الغسل على الرجل. والاحتياط أن يتطهرا على ما تقدم.

وإن أراد أن يأتم أحدهما بالآخر، أو يصافه وحده. اغتسلا على ما تقدم عن صاحب "المنتهى"

(1)

.

(ولو قالت امرأة بي جني يجامعني كالرجل، فعليها الغسل). وقال في "المبدع": لا غسل لعدم الإيلاج والاحتلام. ذكره أبو المعالي. وفيه نظر

(2)

. قال ابن الجوزي

(3)

في قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}

(4)

دليل على أن الجني يغشى المرأة كالإنسي. وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من الغشيان الإيلاج، لاحتمال أن يكون إيلاجه عن ملابسة ببدنه خاصة. انتهى.

قلت: وعلى ما ذكره المصنف: لو قال رجل: بي جنِّية أجامعها كالمرأة، فعليه الغسل.

(1)

الائتمام واضح، وأما المصافة فلا تصح ولو تطهرا. "ش".

(2)

لأنها إذا كانت تعرف أنه يجامعها كالرجل فكيف يجامع ولا إيلاج. "ش".

(3)

زاد المسير (8/ 122).

(4)

سورة الرحمن، الآية:74.

ص: 334

(والأحكام المتعلقة بتغييب الحشفة كالأحكام المتعلقة بالوطء الكامل) من وجوب الغسل، والبدنة في الحج، وإفساد النسك قبل التحلل الأول، وتقرر الصداق، والخروج من الفيئة في الإيلاء، وغير ذلك، مما يأتي في أبوابه (وجمعها بعضهم، فبلغت أربعمائة) حكم (إلا ثمانية أحكام، ذكره ابن القيم في تحفة المودود في أحكام المولود)

(1)

. ومن تتبع ما يأتي يظفر بأكثرها.

(الثالث) من موجبات الغسل: (إسلام الكافر، ولو مرتدًا أو مميزًا) لما روى أبو هريرة "أن ثمامة بن أُثَال أسلمَ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبُوا بِهِ إلى حائِطِ بنِي فلانٍ، فمروهُ أن يغتَسِلَ" رواه أحمد، وابن خزيمة

(2)

، من رواية العمري. وقد تكلم فيه، وروى له مسلم مقرونًا.

(1)

في الفصل الأول من الباب التاسع ص/ 152.

(2)

أحمد: (2/ 304، 483)، وابن خزيمة:(1/ 125) حديث 253، ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 9، 10/ 318)، والبزار "كشف الأستار"(1/ 167)، وابن الجارود (15)، وابن المنذر (2/ 115) رقم 641، وابن حبان "الإحسان"(4/ 41) رقم 1238، والبيهقي (1/ 171) وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد":(1/ 283) وقال: رواه أحمد والبزار

وفي إسناد أحمد والبزار عبد الله بن عمر العمري. ثم ذكر كلام النقاد فيه وقال: فالحديث حسن.

قلنا: لم ينفرد به عبد الله العمري، بل تابعه أخوه عبيد الله بن عمر عند ابن خزيمة. وأصله في الصحيحين، وليس فيهما الأمر بالاغتسال، وإنما فيهما أنه اغتسل من غير أمره صلى الله عليه وسلم ثم أسلم بعد ذلك.

انظر صحيح البخاري الصلاة، باب 76، حديث 462، والمغازي، باب 70، حديث 4372، وصحيح مسلم الجهاد، حديث 1764.

ص: 335

وعن قيس بن عاصم "أنه أسلمَ فأمرهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماءٍ وسدرٍ" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي

(1)

وقال: حسن صحيح.

ولأنه لا يسلم غالبًا من جنابة، فأقيمت المظنة مقام الحقيقة، كالنوم، والتقاء الختانين.

ولأن المرتد مساوٍ للأصلي في المعنى وهو الإسلام. فوجب عليه الغسل.

(سواء وجد منه في كفره ما يوجب الغسل) من نحو جماع، أو إنزال (أو لا. وسواء اغتسل قبل إسلامه أو لا)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل، ولو اختلف الحال لوجب الاستفصال.

(ولا يلزمه) أي: الذي أسلم (غسل) آخر (بسبب حدث وجد منه في حال كفره، بل يكفيه غسل الإسلام) سواء نوى الكل، أو نوى غسل الإسلام، إلا أن ينوي على أن لا يرتفع غيره - على ما تقدم - فيما إذا اجتمعت أحداث توجب وضوءًا، أو غسلا.

(ووقت وجوبه) أي: غسل الإسلام (على المميز) إذا أسلم (كوقت وجوبه على المميز المسلم) إذا جامع، يعني إذا أراد ما يتوقف على غسل، أو وضوء لغير لبث بمسجد، أو مات شهيدًا.

(1)

أحمد: (5/ 61)، وأبو داود في الطهارة، باب 131، حديث 355، والترمذي في الصلاة، باب 72، حديث 605، والنسائي في الطهارة، باب 126، حديث 188، ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 9، 10/ 318)، وابن الجارود (14)، وابن خزيمة:(1/ 126)، وابن المنذر (2/ 114) رقم 640، ابن حبان "الإحسان"(4/ 45) رقم 1240، والطبراني في الكبير (18/ 338) رقم 866، والبيهقي (1/ 171)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وحسنه - أيضًا - النووي في المجموع (2/ 152)، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 224): وصححه ابن السكن.

ص: 336

قال في "التنقيح": وقال أبو بكر: لا غسل عليه، أي: الكافر إذا أسلم، إلا إذا وجد منه في حال كفره ما يوجبه، فيجب، (إلا حائضًا، ونفساء كتابيتين إذا اغتسلتا لوطء زوج) مسلم (أو سيد مسلم) انتهى بالمعنى، (ثم أسلمتا فلا يلزمهما إعادة الغسل) لصحته منهما، وعدم اشتراط النية فيه للعذر، بخلاف ما لو اغتسل الكافر لجنابة ثم أسلم، وجب عليه إعادته، لعدم صحته منه. وهذا كما علمت مفرع على قول أبي بكر. ولم يذكره المصنف. فكان الأولى حذفه، لئلا يوهم أنه مفرع على المذهب، كما توهمه عبارة "الإنصاف". وقد تبعه المصنف.

(ويحرم تأخير إسلام لغسل، أو غيره) لوجوبه على الفور.

(ولو استشار) كافر (مسلمًا) في الإسلام (فأشار بعدم إسلامه) لم يجز، (أو أخر عرض الإسلام عليه بلا عذر لم يجز) له ذلك، (ولم يصر) المسلم (مرتدًا) خلافًا لصاحب التتمة

(1)

من الشافعية، ورد عليه بعضهم

(2)

.

(الرابع) من موجبات الغسل: (الموت) لقوله صلى الله عليه وسلم: "اغسِلنها"

(3)

إلى غيره من الأحاديث الآتية في محله: (تعبدًا) لا عن حدث؛ لأنه لو كان عنه، لم يرتفع مع بقاء سببه، كالحائض لا تغتسل مع جريان الدم، ولا عن نجس؛ لأنه لو كان عنه لم يطهر، مع بقاء سبب التنجيس وهو الموت.

(1)

هو الشيخ الإمام أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن إبراهيم المتولي، المتوفى سنة 478 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 264)، وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 106).

(2)

انظر المجموع للنووي (2/ 158).

(3)

رواه البخاري في الجنائز، باب 8، 9، حديث 1253، 1254، ومسلم في الجنائز، حديث 939 من حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها.

ص: 337

(غير شهيد معركة، ومقتول ظلمًا) فلا يغسلان. (ويأتي) ذلك مفصلًا في محله.

(الخامس: خروج حيض) لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "وإذا ذهبت فاغتسلي وصلي" متفق عليه

(1)

، وأمر به أم حبيبة

(2)

، وسهلة بنت سهيل

(3)

(1)

البخاري في الوضوء، باب 63، حديث 228، وفي الحيض، باب 8، حديث 306، باب 19، حديث 320، وباب 24، حديث 325، وباب 28، حديث 331، ومسلم في الحيض، حديث 333، عن عائشة رضي الله عنها.

وروى أبو داود في الطهارة، باب 108، حديث 280، والنسائي في الطهارة، باب 134، حديث 201، وفي الحيض، باب 2، حديث 348، عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتى قرؤك، فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء. هذا لفظ أبي داود.

(2)

رواه البخاري في الحيض، باب 26، حديث 327، ومسلم في الحيض، حديث 334 (65) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم فقالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دمًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي، وصلي. وهذا لفظ مسلم.

(3)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 112، حديث 295، والطحاوي (1/ 101)، والبيهقي (1/ 353) عن عائشة رضي الله عنها أن سهلة بنت سهيل استحيضت، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك، أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 190): في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد اختلف في الاحتجاج به.

وقال البيهقي: قال أبو بكر بن إسحاق: قال بعض مشايخنا: لم يسند هذا الخبر غير محمد بن إسحاق، وشعبة لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر أن يكون الخبر مرفوعًا، وخطأ أيضًا في تسمية المستحاضة. وانظر الإمام لابن دقيق العيد (3/ 324).

ص: 338

وحمنة

(1)

، وغيرهن.

يؤيده قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}

(2)

أي: إذا اغتسلن، فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها، فدل على وجوبه عليها.

وإنما وجب بالخروج إناطة للحكم بسببه.

(1)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 110، حديث 287، والترمذي في الطهارة، باب 95، حديث 128، وابن ماجه في الطهارة، باب 117، حديث 627، والشافعي في الأم (1/ 51 - 52)، وعبد الرزاق (1/ 306) حديث 1174، وابن أبي شيبة (1/ 128)، وإسحاق بن راهويه (5/ 82) حديث 2190، وأحمد (6/ 381 - 382، 439 - 440)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 222) حديث 810، 811، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 142، 145) حديث 2717 - 2719، والدارقطني (1/ 214)، والحاكم (1/ 172)، والبيهقي (1/ 338)، والبغوي (2/ 148) حديث 326 عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة

الحديث وفيه: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي .. الحديث. لفظ أبي داود.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال: سألت محمد - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح، وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح. ونقل الترمذي في العلل ص/ 58 عن البخاري تحسينه، وعن أحمد تصحيحه فقط. وقال الترمذي في المجموع (2/ 377): صحيح. وضعفه أبو حاتم، ولم يقو إسناده. انظر العلل لابنه (1/ 51) ومال إليه ابن المنذر، والخطابي، وابن مندة، وابن دقيق العيد.

انظر: الأوسط لابن المنذر (2/ 224)، ومعالم السنن (1/ 89)، والخلافيات للبيهقي (3/ 338) والإلمام لابن دقيق العيد ص/ 60، والتلخيص الحبير (1/ 163).

(2)

سورة البقرة، الآية:222.

ص: 339

والانقطاع شرط لصحته، وكلام الخرقي يدل على أنه يجب بالانقطاع وهو ظاهر الأحاديث.

وتظهر فائدة الخلاف إذا استشهدت الحائض قبل الانقطاع، فإن قلنا: يجب الغسل بخروج الدم وجب غسلها للحيض. وإن قلنا: لا يجب إلا بالانقطاع لم يجب الغسل؛ لأن الشهيد لا يغسل، ولم ينقطع الدم الموجب للغسل. قاله المجد، وابن عبيدان، والزركشي، وصاحب "مجمع البحرين"، و"المبدع"، و"الرعاية" و"الفروع" وغيرهم.

قال الطوفي في شرحه: وعلى هذا التفريع إشكال، وهو أن الموت إما أن ينزل منزلة انقطاع الدم، أو لا. فإن نزل منزلته، لزم وجوب الغسل لتحقق سبب وجوبه وشرطه على القولين، وإن لم ينزل منزلة انقطاع الدم فهي في حكم الحائض على القولين. فلا يجب غسلها؛ لأنا إن قلنا: الموجب هو الانقطاع، فلم يوجد. وإن قلنا: الخروج، لم يوجد شرطه، وهو الانقطاع. نعم ينبني عليهما لو علق عتقًا أو طلاقًا على ما يوجب غسلًا. وقع بالخروج على الأول، وبالانقطاع على الثاني.

(فإن كان عليها) أي: الحائض (جنابة فليس عليها أن تغتسل) للجنابة (حتى ينقطع حيضها نصًا) لعدم الفائدة.

(فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح) غسلها لها؛ (بل يستحب) تخفيفًا للحدث، (ويزول حكم الجنابة)؛ لأن بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر، كما لو اغتسل المحدث الحدث الأصغر

(1)

. قاله في "الشرح"، (ويأتي أول الحيض).

(1)

أي بنية رفع الحدث الأكبر، فإن الحدث الأصغر باق، وبقاؤه لا يمنع ارتفاع الأكبر "ش".

ص: 340

(السادس) المتمم للموجبات: (خروج نفاس). قال في "المغني": لا خلاف في وجوب الغسل بهما اهـ. وفيه ما تقدم في الحيض.

(وهو) أي: النفاس (الدم الخارج بسبب الولادة) - ويأتي مفصلًا في آخر الحيض -.

(ولا يجب) الغسل (بولادة عرية عن دم)؛ لأنه لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص (فلا يبطل الصوم) بالولادة العرية عن الدم، (ولا يحرم الوطء بها) قبل الغسل، لما تقدم.

(ولا) يجب الغسل (بإلقاء علقة). قال في "المبدع": بلا نزاع. زاد في "الرعاية": بلا دم.

(أو) بإلقاء (مضغة) لا تخطيط فيها؛ لأن ذلك ليس ولادة. وإنما يثبت حكمه بإلقاء ما تبين فيه خلق الإنسان ولو خفيًا.

(والولد طاهر، ومع الدم يجب غسله) كسائر الأشياء المتنجسة. وفيه وجه: لا، للمشقة.

ص: 341

فصل

(ومن لزمه الغسل) لجنابة، أو غيرها (حرم عليه الاعتكاف) لقوله تعالى:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}

(1)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جنبٍ" رواه أبو داود

(2)

من حديث عائشة.

(و) حرم عليه (قراءة آية فصاعدًا). رويت كراهة ذلك عن عمر، وعلي

(3)

.

(1)

سورة النساء، الآية:43.

(2)

في الطهارة، باب 93، حديث 232، ورواه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (2/ 67)، والدولابي في الكنى (1/ 150)، وابن خزيمة (2/ 284) رقم 1327، والبيهقي (2/ 442، 443) وقال: وهذا إن صح فمحمول في الجنب على المكث فيه دون العبور بدليل الكتاب. وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 207): ولا يثبت من قبل إسناده. وقال ابن حزم في المحلى (2/ 186): وهذا كله باطل. وضعفه النووي في المجموع (2/ 160) والخلاصة (1/ 210)، وحسنه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 332)(2509). ورواه ابن ماجه في الطهارة، باب 126، حديث 645، من حديث أم سلمة رضي الله عنها. وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 99): قال أبو زرعة: يقولون عن جَسْرَةَ، عن أم سلمة، والصحيح عن عائشة. وقال البوصيري في الزوائد (ص/ 115 طبعة دار الكتب العلمية): إسناده ضعيف محدوج لم يوثق، وأبو الخطاب مجهول. وانظر - أيضًا - المحلى (2/ 186).

(3)

أثر عمر رواه عبد الرزاق (1/ 337)، وابن أبي شيبة (1/ 102)، وابن المنذر (2/ 96) رقم 618، والطحاوي (1/ 90)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 38) رقم 235، عن عبيدة، قال: كان عمر رضي الله عنه يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب. وقال: هذا إسناد صحيح. وصححه - أيضًا - النووي في الخلاصة (1/ 207)، =

ص: 343

وروى أحمد وأبو داود والنسائي من رواية عبد الله بن سلمة - بكسر اللام - عن علي قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يحْجبُهُ - وربما قال: لا يحْجِزُهُ - من القرآن شيءٌ ليس الجنابةَ"

(1)

ورواه ابن خزيمة، والحاكم والدارقطني وصححاه، قال

= والحافظ في التلخيص الحبير (1/ 138).

وأما أثر علي فرواه عبد الرزاق (1/ 336)، وابن أبي شيبة (1/ 102)، وابن المنذر (2/ 96، 97) رقم 619، 620، والدارقطني (1/ 118)، والبيهقي (1/ 89)، وصححه الدارقطني. وقد روي مرفوعًا كما سيأتي.

(1)

أحمد (1/ 83، 84، 107، 124، 134)، وأبو داود في الطهارة، باب 91، رقم 229، والنسائي في الطهارة، باب 171، رقم 265، 266، وابن خزيمة (1/ 104)، والحاكم (1/ 152، 4/ 107)، والدارقطني (1/ 119)، وفي العلل (3/ 251).

ورواه - أيضًا - الترمذي في الطهارة، باب 111، حديث 146، وابن ماجه في الطهارة، باب 105، حديث 594، والطيالسي ص/ 17، رقم 101، والحميدي (1/ 278) رقم 61، وابن أبي شيبة (1/ 101، 102، 104)، والبزار في مسنده (2/ 284 - 287) رقم 706 - 708، وابن الجارود (94)، وأبو يعلى (1/ 247، 288، 326، 327، 400، 436، 459)، وعبد الله بن محمد البغوي في الجعديات (1/ 278) رقم 61، وابن المنذر (2/ 99) رقم 626، والطحاوي (1/ 87)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 79، 80) رقم 799، 800، والبيهقي (1/ 88 - 89)، وفي معرفة السنن والآثار (1/ 322)، وفي الخلافيات (2/ 12 - 13، 16) رقم 311 - 315، والبغوي في شرح السنة (2/ 411) رقم 273.

وقد اختلفت أقوال العلماء في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه:

فقال الترمذي: حديث علي هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة، فمدار الحديث عليه، وعبد الله بن سلمة غير مطعون فيه. ووافقه الذهبي. وقال البغوي: حسن صحيح، وصححه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 204)، وابن السكن كما في =

ص: 344

شعبة: لست أروي حديثًا أجود من هذا.

واختار الشيخ تقي الدين

(1)

أنه يباح للحائض أن تقرأه إذا خافت نسيانه، بل يجب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.

و (لا) يحرم عليه قراءة (بعض آية)؛ لأنه لا إعجاز فيه، المنقح

(2)

: ما لم تكن طويلة. (ولو كرره) أي: البعض (ما لم يتحيل على قراءة تحرم عليه) كقراءة آية فأكثر، لما يأتي أن الحيل غير جائزة في شيء من أمور الدين.

(وله) أي: الجنب ونحوه (تهجيه) أي: القرآن لأنه ليس بقراءة له، فتبطل به الصلاة لخروجه عن نظمه وإعجازه، ذكره في "الفصول".

وله التفكر فيه.

وتحريك شفتيه به ما لم يبين الحروف.

= التلخيص الحبير (1/ 39).

ونقل البيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 323) عن الشافعي أن أهل الحديث لا يثبتونه.

وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 76): وكان أحمد بن حنبل يرخص للجنب أن يقرأ الآية ونحوها، وكان يوهن حديث علي هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة.

وقال ابن المنذر: وحديث علي لا يثبت إسناده

وضعفه النووي في المجموع (2/ 158)، والخلاصة (1/ 206).

وقال الحافظ في الفتح (1/ 408 - 409): وضعف بعضهم بعض رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة، لكن قيل: في الاستدلال به نظر؛ لأنه فعل مجرد، فلا يدل على تحريم ما عداه. وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعًا بين الأدلة. اهـ.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 45.

(2)

كذا في جميع النسخ وفي هامش "ح": "لعله قال". قلنا: وهو كذلك كما في التنقيح ص/ 30: "قلت: ما لم تكن طويلة".

ص: 345

وقراءة أبعاض آية متوالية، أو آيات سكت بينها سكوتًا طويلًا.

(و) له (الذكر) أي: أن يذكر الله تعالى؛ لما روى مسلم عن عائشة قالت: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه"

(1)

. ويأتي أنه يكره أذان جنب، قاله في "المبدع".

(و) له (قراءة لا تجزئ في الصلاة لإسرارها). نقله في "الفروع" عن ظاهر نهاية الأزجي، قال: وقال غيره: له تحريك شفتيه به إذا لم يبين الحروف.

(وله قول ما وافق قرآنًا ولم يقصده، كالبسملة، وقول: الحمد لله رب العالمين، وكآية الاسترجاع): {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

(2)

. وهي بعض آية لا آية، (و) كآية (الركوب):{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}

(3)

. وكذا آية النزول: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا}

(4)

.

(وله أن ينظر في المصحف من غير تلاوة).

(و) أن (يقرأ عليه وهو ساكت)؛ لأنه في هذه الحالة لا ينسب إلى القراءة، قاله أبو المعالي.

(ويمنع كافر من قراءته، ولو رجي إسلامه) قياسًا على الجنب وأولى.

(ولجنب) ونحوه (عبور مسجد، ولو لغير حاجة) لقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}

(5)

وهو الطريق.

وروى سعيد بن منصور، عن جابر قال: "كان أحدُنا يمرُّ في المسجِدِ

(1)

رواه مسلم في الحيض، حديث 373.

(2)

سورة البقرة، الآية:156.

(3)

سورة الزخرف، الآية: 13، 14.

(4)

سورة المؤمنون، الآية:29.

(5)

سورة النساء، الآية:43.

ص: 346

جُنُبًا مجتازًا"

(1)

.

وحديث عائشة: "إن حيضتكِ ليستْ في يدِكِ" رواه مسلم

(2)

، شاهد بذلك.

وقيل: لحاجة فقط. ومشى عليه في "المختصر"، ومن الحاجة: كونه طريقًا قصيرًا، لكن كره أحمد اتخاذه طريقًا

(3)

.

(وكذا حائض، ونفساء مع أمن تلويثه) أي: المسجد، فلهما عبوره كالجنب.

(وإن خافتا) أي: الحائض، والنفساء (تلويثه) أي: المسجد (حرم) دخولهما فيه (كلبثهما فيه) مطلقًا (- ويأتي في الحيض -.

ويمنع من عبوره واللبث فيه السكران) لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}

(4)

.

(و) يمنع منه (المجنون)؛ لأنه أولى من السكران بالمنع.

(ويمنع) من المسجد (من عليه نجاسة تتعدى)؛ لأنه مظنة تلويثه.

(ولا يتيمم لها) أي: للنجاسة التي تتعدى إن احتاج اللبث (لعذر). وقال بعضهم: يتيمم لها للعذر، قال في "الفروع": وهذا ضعيف.

(ويسن منع الصغير منه). نقل مهنا: ينبغي أن تجتنب

(5)

الصبيان

(1)

سنن سعيد بن منصور تفسير سورة النساء (4/ 1270)، حديث 645. ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة:(1/ 146)، والدارمي في الطهارة، باب 117، (1/ 281)، والبيهقي (2/ 443) وفي "معرفة السنن والآثار": حديث 5097. من رواية أبي الزبير المكي، عن جابر رضي الله عنه، وأبو الزبير مدلس، وقد عنعن.

(2)

في الحيض، حديث 298، 299.

(3)

ينظر كتاب المسائل للكوسج (1/ 452)، ومسائل ابن هانئ (1/ 69).

(4)

سورة النساء، الآية:43.

(5)

صححت في "ذ" بـ "تجنب".

ص: 347

المساجد. قال في "الآداب الكبرى"

(1)

: أطلقوا العبارة، والمراد والله أعلم: إذا كان صغيرًا لا يميز لغير مصلحة ولا فائدة اهـ فلهذا قال:

(ويمنع من اللعب فيه، لا لصلاة، وقراءة.

ويكره اتخاذ المسجد طريقًا) نصًا (ويأتي في الاعتكاف.

ويحرم على جنب، وحائض، ونفساء، انقطع دمهما لبث فيه) أي: المسجد لقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}

(2)

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود

(3)

. (ولو مصلى عيد، لأنه مسجد) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وليعتزلْ الحيضُ المصلَّى"

(4)

. (لا مصلى الجنائز) فليس مسجدًا، لأن صلاة الجنائز ليست ذات ركوع وسجود، بخلاف صلاة العيد (إلا أن يتوضؤا) أي: الجنب، والحائض، والنفساء، إذا انقطع دمهما، فيجوز لهم اللبث في المسجد؛ لما روى سعيد بن منصور، والأثرم، عن عطاء بن يسار "قال: رأيت رجالًا من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يجْلِسُونَ في المسْجِدِ، وهم مجنِبُونَ إذا توضأوا وُضُوءَ الصَّلاة"

(5)

. قال في "المبدع": إسناده صحيح. ولأن الوضوء يخفف حدثه، فيزول بعض ما منعه. قال الشيخ

(1)

الآداب الشرعية (3/ 296).

(2)

سورة النساء، الآية:43.

(3)

تقدم تخريجه ص 343 تعليق رقم 2.

(4)

جزء من حديث رواه البخاري في الحيض، باب 23، حديث 324، عن حفصة رضي الله عنها، ورواه - أيضًا - في الصلاة، باب 2، حديث 351، وفي العيدين، باب 15، حديث 974، وباب 20، حديث 980، 981، وفي الحج، باب 81، حديث 1652، ومسلم في صلاة العيدين، حديث 890، عن أم عطية رضي الله عنها.

(5)

رواه سعيد بن منصور (4/ 1275) حديث 646.

ص: 348

تقي الدين

(1)

: وحينئذ فيجوز أن ينام في المسجد، حيث ينام غيره، وإن كان النوم الكثير ينقض الوضوء فذلك الوضوء الذي يرفع الحدث الأصغر، ووضوء الجنب لتخفيف الجنابة، وإلا فهذا الوضوء لا يبيح له ما يمنعه الحدث الأصغر، من الصلاة، والطواف، ومس المصحف. نقله عنه في "الآداب الكبرى" واقتصر عليه.

(فلو تعذر) الوضوء على الجنب، ونحوه (واحتيج إليه) أي: إلى اللبث في المسجد لخوف ضرر بخروجه منه (جاز) له اللبث فيه (من غير تيمم، نصًا) واحتج بأن وفد عبد القيس قدموا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد

(2)

، (و) اللبث (به) أي: بالتيمم (أولى) خروجًا من الخلاف.

(ويتيمم) الجنب، ونحوه (لأجل لبثه فيه لغسل) إذا تعذر عليه الوضوء والغسل عاجلًا، قال ابن قندس: واحتاج إلى اللبث فيه. ورده في "شرح المنتهى" بأنه إذا احتاج للبث

(3)

جاز بلا تيمم قال: والظاهر تقييده بعدم الاحتياج.

(ولمستحاضة، ومن به سلس البول عبوره) أي: المسجد (واللبث فيه مع أمن تلويثه) بالنجاسة، لحديث عائشة: "أن امرأة من أزاوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة، وربما وضعت

(1)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 345).

(2)

لم نقف على من أخرجه بهذا اللفظ، وقد روى أبو داود في الخراج، وإلامارة، باب 26، حديث 3026، والطيالسي ص/ 126، حديث 939، وأحمد (4/ 218)، وابن الجارود (373)، والبيهقي (2/ 445) عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد.

والحسن مدلس وقد عنعن.

(3)

في "ح" و"ذ": "فيه".

ص: 349

الطست تحتها وهي تصلي" رواه البخاري

(1)

. (ومع خوفه) أي: خوف تلويثه (يحرمان) أي: العبور، واللبث؛ لوجوب صون المسجد عما ينجسه.

(ولا يكره لجنب، ونحوه) كحائض، ونفساء (إزالة شيء من شعره، وظفره قبل غسله) كالمحدث.

(1)

في الحيض، باب 10، حديث 309، 310، وفي الاعتكاف، باب 10، حديث 2037.

ص: 350

فصل

في الأغسال المستحبة، وهي ستة عشر. وفي صفة الغسل، وما يتعلق بذلك.

(يسن الغسل لصلاة الجمعة) لحديث أبي سعيد مرفوعًا: "غسلُ الجمعةِ واجِبٌ على كلِّ محتَلم"

(1)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من جاءَ منكمُ الجمعةَ فَلْيَغْتَسِلْ"

(2)

متفق عليهما.

وقوله: "واجب" معناه متأكد الاستحباب، كما تقول: حقك واجب عليَّ، ويدل عليه ما روى الحسن عن سمرة بن جندب أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من توضأ يومَ الجمعةِ فبِهَا وَنِعمتْ، ومنْ اغتسلَ فالغُسْلُ أفضَلُ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(3)

وإسناده جيد إلى الحسن، واختلف في سماعه من

(1)

رواه البخاري في الأذان، باب 161، حديث 858، وفي الجمعة، باب 2، حديث 879، وباب 3، حديث 880، وباب 12، حديث 895، وفي الشهادات، باب 18، حديث 2665، ومسلم في الجمعة، حديث 846، بلفظ:"غسل يوم الجمعة .. ".

(2)

البخاري في الجمعة، باب 2، حديث 877، وباب 12، حديث 894، وباب 26، حديث 919، ومسلم في الجمعة، حديث 844، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

أحمد: (5/ 8، 11، 15، 16، 22)، وأبو داود في الطهارة، باب 130، حديث 354، والترمذي في الصلاة، باب 5، حديث 497، والنسائي في الجمعة، باب 9، حديث 1379، وفي الكبرى (1/ 522) حديث 1684، وابن أبي شيبة (2/ 97)، والدارمي في الصلاة، باب 190، حديث 1548، وابن الجارود (285)، والروياني (2/ 42) حديث 787، وابن خزيمة:(3/ 128)، والطحاوي =

ص: 351

سمرة، ونقل الأثرم عن أحمد: لا يصح سماعه منه، ويعضده "أن عثمانَ أتى الجمعة بغيْرِ غسْلٍ"

(1)

.

(لحاضرها) أي: الجمعة؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "من جاءَ مِنْكُم الجمعةَ"

(2)

. (في يومها) أي: يوم الجمعة، وأوله من طلوع الفجر، فلا يجزئ الاغتسال قبله (إن صلاها) أي: الجمعة، ولو لم تجب عليه، كالعبد؛ لعموم:"من جاءَ مِنكُم الجمعَةَ".

و (لا) يستحب غسل الجمعة (لامرأة، نصًا) لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتَى مِنْكُم الجمعة فليغْتَسِلْ"

(3)

.

(والأفضل) أن يغتسل (عند مضيه إليها) أي: إلى الجمعة، لأنه أبلغ في المقصود.

= (1/ 119)، والطبراني في الكبير (7/ 199) حديث 6817 - 6820، والبيهقي (1/ 295، 296)، والخطيب في تاريخه (2/ 352)، والبغوي (2/ 164) حديث 335 كلهم من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا، ورواه البيهقي (1/ 296) عن الحسن مرسلًا.

وقال الترمذي: حديث سمرة حديث حسن

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 219): وهو صحيح على شرط البخاري، لأنه يصحح حديث الحسن، عن سمرة: مطلقًا، والترمذي فعل مثل ذلك في غير هذا الموضع، ولعله لم يفعل ذلك هنا لأجل الرواية الأخرى المرسلة. اهـ.

والحديث حسنه النووي في المجموع (4/ 533).

(1)

رواه البخاري في الجمعة، باب 2، 5، حديث 878، 882، ومسلم في الجمعة، حديث 845، من حديث ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 351 تعليق 2.

(3)

تقدم تخريجه ص/ 351 تعليق رقم 2 بلفظ: من جاء منكم الجمعة.

ص: 352

وأن يكون (عن جماع) للخبر الآتي في باب الجمعة.

(فإن اغتسل ثم أحدث) حدثًا أصغر (أجزأه الغسل) المتقدم؛ لأن الحدث لا يبطله، (وكفاه الوضوء) لحدثه.

(وهو) أي: غسل الجمعة (آكد الأغسال المسنونة) لما تقدم. قال في "الإنصاف": الصحيح من المذهب أن الغسل للجمعة آكد الأغسال، ثم بعده الغسل من غسل الميت، صححه في "الرعاية".

(و) يسن الغسل أيضًا لصلاة (عيد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يغتَسِلُ لِذَلِك" رواه ابن ماجه

(1)

من طريقين، وفيهما ضعف.

(1)

في إقامة الصلاة، باب 169، حديث 1315، 1316. من حديث ابن عباس، والفاكه بن سعد رضي الله عنهم، وحديث ابن عباس رواه - أيضًا - ابن عدي (2/ 646)، والبيهقي (3/ 278) ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 238): "هذا إسناد ضعيف لضعف جبارة، وكذلك حجاج، ومع ضعفه قال فيه العقيلي: روى عنه ميمون بن مهران أحاديث لا يتابع عليها". وضعفه - أيضًا - ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 231)، والنووي في المجموع (5/ 7)، والخلاصة (2/ 820)، والحافظ في التلخيص الحبير (2/ 80)، والدراية (1/ 50).

وأما حديث الفاكه بن سعد فرواه - أيضًا - عبد الله بن أحمد من زياداته (4/ 78)، والدولابي في الكنى والأسماء (1/ 85)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 336) حديث 874، والطبراني في الكبير (18/ 320) حديث 828، والبغوي في معجم الصحابة، والبارودي كما في الإصابة (8/ 80) بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر، ويوم النحر، ويوم عرفة.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 239): "هذا إسناد ضعيف لضعف يوسف بن خالد، قال ابن معين: كذاب خبيث زنديق، قلت: وكذبه غير واحد، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث". =

ص: 353

ولأنها صلاة شرعت لها الجماعة، أشبهت الجمعة (في يومها) أي: العيد، فلا يجزيء قبل طلوع الفجر. وقال ابن عقيل: المنصوص عن أحمد: أنَّه قبل الفجر وبعده، لأن زمن العيد أضيق من الجمعة (لحاضرها) أي: العيد (إن صلى) العيد (ولو) صلى (وحده إن صحت صلاة المنفرد فيها) بأن صلى بعد صلاة العدد المعتبر، وفي "التلخيص": إن حضر ولو لم يصل، ومثله الزينة، والطيب، لأنه يوم الزينة، بخلاف يوم الجمعة.

(و) يسن الاغتسال (لـ) ـصلاة (كسوف، واستسقاء) لأنها عبادة يجتمع لها الناس، أشبهت الجمعة، والعيدين

(1)

.

(و) يسن الغسل (من غسل ميت مسلم، أو كافر) لما روى أبو هريرة مرفوعًا: "من غسلَ ميتًا فليغْتَسِلْ، ومن حَملَهُ فليَتَوضَّأ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي

(2)

، وحسنه، وصحح جماعة وقفه عليه، وعن

= وضعفه -أيضًا- ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 231)، والنووي في الخلاصة (2/ 820)، والمجموع (5/ 7)، والحافظ في التلخيص الحبير (2/ 80)، والدراية (1/ 50)، والإصابة (8/ 80). وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 85): وعلة الحديث يوسف بن خالد السمتي. قال في "الإمام": تكلموا فأفظعوا فيه.

(1)

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 432) بعد كلام له: "فلذلك كان الصحيح أنَّه لا يسن الغسل للمبيت بمزدلفة، ولا لرمي الجمار، ولا للطواف، ولا للكسوف، ولا للاستسقاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات". اهـ.

(2)

أحمد: (2/ 272، 280، 433، 454، 472)، وأبو داود في الجنائز، باب 39، حديث 3161، والترمذي في الجنائز، باب 17، حديث 993. وقال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن، وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (1/ 397)، وابن ماجه في الجنائز، =

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= باب 8، حديث 1463، والطيالسي (305) حديث 2314، وعبد الرزاق (3/ 407) حديث 6110، 6111، وابن أبي شيبة:(3/ 269)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 397)، وابن حبان (4/ 435) حديث 1161، والطبراني في الأوسط (1/ 526، 527) حديث 989، 990، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ص/53، 54، حديث 32، 33، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 279)، والبيهقي (1/ 300 - 301)، والبغوي في شرح السنة (2/ 168) حديث 339 مرفوعًا.

ورواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 397)، وابن أبي شيبة (3/ 269)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 350) حديث 2967، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ص / 56، حديث 35، والبيهقي (1/ 302) موقوفًا.

قال البخاري: وهذا أشبه، وقال أبو حاتم: هذا يعني المرفوع خطأ، إنما هو موقوف عن أبي هريرة لا يرفعه الثقات. العلل لابنه (1/ 351)، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ 134): والموقوف أصح، وكذلك رجح الموقوف في السنن الكبرى (1/ 302) وضعف المرفوع.

وصحح المرفوع جماعة من الأئمة عنهم الترمذي، والبغوى كما تقدم تحسينهما.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 137): وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوء أحواله أن يكون حسنًا

وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي (1/ 302): طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء، ولم يعلوها بالوقف، بل قدموا رواية الرفع.

وضعفه جماعة من الأئمة منهم الشافعي في الأم (1/ 38)، والإمام أحمد في مسائل عبد الله (1/ 78 - 79)، ومسائل صالح (1/ 460)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 351)؛ والنووي في الخلاصة (2/ 941)، وفي المجموع (2/ 203)، وقال في شرح صحيح مسلم (7/ 6): ضعيف بالاتفاق. وانظر بيان الوهم والإيهام لابن القطان (3/ 283 - 285).

ص: 355

علي

(1)

نحوه، وهو محمول على الاستحباب، لأن أسماء

(2)

غسلت أبا بكر وسألت: "هل عليَّ غسلٌ؟ قالُوا: لا" رواه مالك مرسلًا

(3)

.

(و) يسن الغسل لإفاقة من (جنون، أو إغماء بلا إنزال مني) فيهما، قال

(1)

روى أبو داود في الجنائز، باب 70، حديث 3214، والنسائي في الطهارة، باب 128، حديث 190، وفي الجنائز، باب 84، حديث 2005، والطيالسي ص/ 19، حديث 120، والشافعي في الأم (7/ 151)، وعبد الرزاق (6/ 39) حديث 9936، وسعيد بن منصور (5/ 281) حديث 1024، وابن سعد (1/ 124)، وابن أبي شيبة (3/ 269، 347)، وابن الجارود (550)، وأبو يعلى (1/ 334)، حديث 423، وابن المنذر في الأوسط (5/ 343) حديث 2952، والدارقطني في العلل (4/ 146)، وابن حزم في المحلى (5/ 117)، والبيهقي (1/ 304، 3/ 398)، وفي معرفة السنن والآثار (2/ 136)، حديث 2131، وفي الخلافيات (3/ 391) حديث 1006، 1007، عن علي رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال مات، فمن يواريه؟ قال: إذهب، فوارِ أباك، ولا تحدثن حدثًا حتى تأتيني، فواريته، ثم جئت، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي.

ورواه سعيد بن منصور (5/ 287) حديث 1042، وأحمد (1/ 103)، وأبو يعلى (1/ 335) حديث 424، والبيهقي (1/ 305)، والضياء في المختارة (2/ 276) حديث 656، وزادوا: وكان علي إذا غسل ميتًا اغتسل. قال النووي في المجموع (5/ 185)، والخلاصة (2/ 940): رواه البيهقي من طرق، وقال: هو حديث باطل، وأسانيده كلها ضعيفة، وبعضها منكر. ا هـ. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 114): ومدار كلام البيهقي على أنَّه ضعيف، ولا يتبين وجه ضعفه، وقد قال الرافعي. إنه حديث ثابت مشهور، قال ذلك في أماليه.

(2)

أي: بنت عميس وهي امرأة أبي بكر رضي الله عنه. "ش".

(3)

في "الموطأ": (1/ 223)، وضعفه ابن حزم في "المحلى" بالانقطاع:(2/ 34). وقال النووي في المجموع (5/ 120): هذا الإسناد منقطع.

ص: 356

ابن المنذر

(1)

: "ثبت أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اغتَسَلَ من الإغماء" متفق عليه

(2)

من حديث عائشة. والجنون في معناه، بل أولى.

(ومعه يجب) أي: إن تيقن معهما الإنزال وجب الغسل؛ لأنه من جملة الموجبات كالنائم، وإن وجد بعد الإفاقة بلة لم يجب الغسل. قال الزركشي: على المعروف من المذهب؛ لأنه يحتمل أن يكون لغير شهوة، أو مرض. ذكره في "المبدع"، واقتصر عليه، لكن تقدم التفصيل فيما إذا أفاق نائم، ونحوه، ووجد بللًا.

(و) يسن الغسل (لاستحاضة لكل صلاة)؛ لأن أم حبيبة استحيضت فسألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك "فأمَرَهَا أن تغتَسِل فكانت تغتسل عند كلِّ صلاةٍ" متفق عليه

(3)

، وفي غير الصحيح "أنهُ أمرَهَا بِهِ لكُلِّ صلاةٍ"

(4)

.

(1)

الأوسط (1/ 155).

(2)

البخاري في الأذان، باب 51، حديث 687، ومسلم في الصلاة، حديث 418.

(3)

البخاري في الحيض، باب 26، حديث 327، ومسلم في الحيض، حديث 334، وزاد مسلم قال الليث بن سعد: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي.

(4)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 111، حديث 292، والطحاوي في "شرح معاني الآثار":(1/ 98)، والبيهقي (1/ 349، 350) وضعفه، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 427): وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير، وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث، فأمرها بالغسل لكل صلاة، فقد طعن الحافظ في هذه الزيادة لأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث كما تقدم عند مسلم بأن الزهري لم يذكرها، لكن روى أبو داود حديث 293 من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن زينت بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين، هذه ورواية عكرمة.

ص: 357

وعن عائشة أن زينب بنت جحش استحيضت فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اغتسِلي لكلِّ صلاةٍ" رواه أبو داود

(1)

.

(و) يسن الغسل (لإحرام) لما روى زيد بن ثابت أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "تجرد لإهلَالِهِ واغْتَسَلَ" رواه الترمذي وحسنه

(2)

.

وظاهره: ولو مع حيض، ونفاس، وصرح به في "المنتهى"، لأن أسماء بنت عميس نفست

(3)

بمحمد بن أبي بكر بالشجرة "فأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أن يأمرَهَا أن تغْتَسِلَ وتُهل" رواه مسلم

(4)

من حديث عائشة.

(1)

في الطهارة، باب 111، عقب حديث 292، قال: ورواه أبو الوليد الطيالسي -ولم أسمعه منه- عن سليمان بن كثير، عن الزهري عن عروة، عن عائشة، به.

(2)

في الحج، باب 16، حديث 830، ورواه -أيضًا- الدارمي في الحج، باب 6، حديث 1801، وابن خزيمة (4/ 161) حديث 2595، والعقيلي (4/ 138)، والطبراني في الكبير (5/ 135) حديث 4862، والدارقطني (2/ 220 - 221)، والبيهقي (5/ 32 - 33)، وقال الترمذي: حسن غريب. وضعفه العقيلي، والبيهقي، وقال ابن الملقن في مختصر البدر المنير (1/ 356): وذكره ابن السكن في صحاحه، وضعفه ابن القطان. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 231): وهو من رواية ابن أبي الزناد، وفيه من لا يعرف.

وللحديث شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه الحاكم (1/ 447)، والدارقطني (2/ 219 - 220)، والبيهقي (5/ 33)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه ابن أبي شيبة (4/ 74)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 11) حديث 1084، والدارقطني (2/ 220)، والحاكم (1/ 447)، والبيهقي (5/ 33)، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(3)

يقال: نفست المرأة بضم النون إذا ولدت، وبفتحها إذا حاضت. "ش".

(4)

في الحج، حديث 1209.

ص: 358

(ودخول مكة) ولو مع حيض، قاله في "المستوعب" لفعله صلى الله عليه وسلم، متفق عليه

(1)

.

وظاهره: ولو بالحرم، كالذي بمنى، إذا أراد دخول مكة، فيسن له الغسل لذلك.

(ودخول حرمها) أي: حرم مكة (نصًا)، نص عليه في رواية صالح.

(ووقوف بعرفة) رواه مالك

(2)

عن نافع عن ابن عمر، ورواه الشافعي

(3)

عن علي، ورواه ابن ماجه

(4)

مرفوعًا.

(ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار، وطواف زيارة، و) طواف (وداع) لأنها أنساك يجتمع لها الناس ويزدحمون، فيعرقون، فيؤذي بعضهم بعضًا به فاستحب كالجمعة.

(ويتيمم للكل، لحاجة) أي: يتيمم لما يسن له الغسل، إذا عدم الماء أو تضرر باستعماله، ونحوه مما يبيح التيمم، كما لو أراد الجنب الصلاة ونحوها.

(و) يسن التيمم أيضًا (لما يسن له الوضوء) كالقراءة، والذكر، والأذان، ورفع الشك، والكلام المحرم (لعذر) يبيح التيمم.

(ولا يستحب الغسل لدخول طيبة) وهي مدينة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

البخاري في الحج، باب 29، 38، حديث 1553، 1573، ومسلم في الحج، حديث 1259 (227).

(2)

في الموطأ الحج باب 1 (1/ 322).

(3)

ترتيب مسنده (1/ 40) حديث 114، ورواه -أيضًا- البيهقي (3/ 278).

(4)

سنن ابن ماجه إقامة الصلاة باب 169، حديث 1316 عن الفاكه رضي الله عنه.

ص: 359

قال في "المبدع": ونص أحمد ولزيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

، أي: يغتسل لها. (ولا للحجامة) لأنه دم خارج، أشبه الرعاف.

وأما حديث عائشة مرفوعًا: "يغتسل من أربع: من الجمعةِ، والجنابةِ، والحجامةِ، وغسلِ الميتِ" رواه أبو داود

(2)

، ففيه مصعب بن شيبة، قال

(1)

هذا حكم شرعي يحتاج إلي دليل، ولا دليل عليه.

(2)

فى الطهارة، باب 129، حديث 348، وفي الجنائز، باب 39، حديث 3160. ورواه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 268 - 269)، وإسحاق بن راهويه (2/ 81) حديث 549، وأحمد (6/ 152)، وابن خزيمة (1/ 126) حديث 256، والعقيلي (4/ 197)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ص / 60 حديث 40، والدارقطني (1/ 113، 134)، والحاكم (1/ 163)، والبيهقي (1/ 299، 300)، وفي الخلافيات (3/ 268، 271)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 378) وفي سنده مصعب بن شيبة، قال أبو داود في الجنائز (3/ 513): وحديث مصعب ضعيف، فيه خصال ليس العمل عليه، ونقل العقيلي عن الإمام أحمد: ذاك حديث منكر.

وحكي الترمذي في العلل الكبير ص/ 143 عن البخاري، أنه قال: وحديث عائشة في هذا الباب ليس بذاك.

وقال أبو زرعة (العلل لابن أبي حاتم 1/ 49): لا يصح هذا، رواه مصعب بن شيبة وليس بقوي.

قال الدارقطني: مصعب بن شيبة ليس بالقوي، ولا بالحافظ، ضعيف.

وضعفه -أيضًا- النووي في الخلاصة (2/ 942)، المجموع (5/ 185).

وأما الحاكم فصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (1/ 515): وصححه ابن خزيمة

وقال المحب في أحكامه: إسناده على شرط مسلم، وجزم بذلك الشيخ تقي الدين في آخر الاقتراح (ص/ 504 - 505) وذكره في إلمامه (ص/ 49 رقم 108). اهـ.

وقال مجد الدين ابن تيمية في المنتقى (1/ 147): وهذا الإسناد على شرط مسلم، لكن قال الدارقطني: مصعب بن شيبة ليس بالقوي، ولا بالحافظ.

ص: 360

الدارقطني: ليس بالقوي ولا بالحافظ، وقال أحمد: إن أحاديثه مناكير، وإن هذا الحديث منها.

(و) لا يستحب الغسل أيضًا (لبلوغ) بغير إنزال (وكل اجتماع) مستحب، ولا

(1)

، لغير ما تقدم.

(والغسل) إما كامل وإما مجزئ.

فـ (ـالكامل) المشتمل على الواجبات، والسنن:(أن ينوي) أي: يقصد رفع الحدث الأكبر، أو استباحة الصلاة ونحوها.

(ثم يسمي) فيقول: باسم الله -لا يقوم غيرها مقامها-.

(ثم يغسل يديه ثلاثًا) كالوضوء، لكن هنا آكد باعتبار رفع الحدث عنهما، ولفعله صلى الله عليه وسلم في حديث ميمونة:"فغسلَ كفَّيْهِ مرَّتينِ أو ثلاثًا"

(2)

، ويكون قبل إدخالهما الإناء، ذكره في "الكافي" وغيره.

(ثم يغسل ما لوثه من أذى) لحديث عائشة: "فيفرغُ بِيمينهِ على شمالِهِ فيغسل فرجَهُ"

(3)

. وظاهره: لا فرق بين أن يكون على فرجه، أو بقية بدنه، وسواء كان نجسًا كما صرح به في "المحرر"، أو مستقذرًا طاهرًا، كالمني، كما ذكره بعضهم.

(ثم يضرب بيده الأرض، أو الحائط مرتين، أو ثلاثًا) لحديث عائشة. المتفق عليه

(4)

.

(1)

في "ح": "أو لا" وهو الأقرب.

(2)

رواه البخاري في الغسل، باب 5، حديث 257، وباب 10، حديث 265، وباب 16، حديث 274، ومسلم في الحيض، حديث 317.

(3)

رواه مسلم في الحيض، حديث 316.

(4)

هذه الجملة ليست في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وإنما هي من حديث ميمونة رضي الله عنها المتقدم تخريجه آنفًا، وأما من حديث عائشة فرواه أبو داود في الطهارة، باب 98، حديث 243، 244، وأحمد (6/ 236 - 237) بنحوه.

ص: 361

(ثم يتوضأ كاملًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يتوضأ وضُوءهُ للصَّلاةِ"

(1)

وعنه: يؤخر غسل رجليه لحديث ميمونة

(2)

.

(ثم يحثي على رأسه ثلاثًا، يروي بكل مرة أصول شعره) لقول ميمونة: "ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثَيات"

(3)

.

ولقول عائشة: "ثم يأخذ الماءَ فيُدخِلُ أصابِعَه في أصُول الشعر، حتَّى إذا رأى أنَّه قد استَبْرَأ حفَنَ على رأسِهِ ثلاث حَفَنات"

(4)

.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "تحتَ كلِّ شعرةٍ جَنَابَةٌ، فاغْسِلُوا الشَّعْرَ وأنْقُوا البَشَرَةَ" رواه أبو داود

(5)

، يقال: حثوت أحثو حثوًا، كغزوت، وحثيت أحثي حثيًا، كرميت.

(1)

رواه البخاري في الغسل، باب 1، 15، حديث 248، 272، ومسلم في الحيض حديث 316 من حديث عائشة رضي الله عنها، وروياه -أيضًا- من حديث ميمونة رضي الله عنها. وقد تقدم تخريجه ص/ 359 تعليق 2.

(2)

رواه البخاري في الغسل، باب 1، 5، 7، 8، 10، 11، 16، 18، 21، حديث 249، 257، 259، 260، 265، 266، 274، 276، 281، ومسلم حديث 317.

(3)

رواه مسلم في الحيض، حديث 317، ولفظه: ثلاث حفنات، وعند البخاري في الغسل باب 7، 16، حديث 259، 274 بلفظ: أفاض على رأسه الماء. وفي لفظ له حديث رقم 276: ثم صب على رأسه.

(4)

رواه مسلم في الحيض، حديث 316. ورواه البخاري في الغسل، باب 1، حديث 248، وباب 15، حديث 272 بنحوه.

(5)

في الطهارة، باب 98، حديث 248، ورواه -أيضًا- الترمذي في الطهارة، باب 78، حديث 106، وابن ماجه في الطهارة، باب 106، حديث 597، والبيهقي:(1/ 175)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 388)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 375) حديث 621، كلهم من حديث الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر =

ص: 362

واستحب الموفق وغيره تخليل أصول شعر رأسه قبل إفاضة الماء عليه، لحديث عائشة

(1)

.

(ثم يفيض الماء على بقية جسده) لقول عائشة: "ثم أفاضَ على سائِر جَسدِهِ"

(2)

ولقول ميمونة: "ثم غَسَلَ سائرَ جسَدِهِ"

(3)

(ثلاثًا) قياسًا على الوضوء (يبدأ بشقه الأيمن، ثم) بشقه (الأيسر) لما تقدم أنَّه صلى الله عليه وسلم (كان يعجِبُهُ التيمنُ في طهورِهِ"

(4)

.

(ويدلك بدنه بيده)

(5)

لأنه أنقى، وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه، وبه يخرج من الخلاف

(6)

. قال في "الشرح": يستحب إمرار يديه على جسده في الغسل والوضوء، ولا يجب إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده.

= وهو ضعيف. وقال الترمذي: "حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه لا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك

وقال أبو حاتم (العلل 1/ 29): هذا حديث منكر، والحارث، ضعيف الحديث. وضعفه -أيضًا- الدارقطني في "العلل"(8/ 103)، والنووي في "الخلاصة"(1/ 197)، و"المجموع"(1/ 366)، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 142): ومداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جدًا.

(1)

رواه البخاري، ومسلم، وقد تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

رواه مسلم في الحيض حديث 316، ورواه البخاري في الغسل، باب 1 حديث 248 بلفظ: ثم يفيض على جلده كله.

(3)

رواه مسلم في الحيض حديث 317، ورواه البخاري في الغسل، باب 5، 10، 11، 16، 18، 21، حديث 257، 265، 266، 274، 276، 281 بنحوه.

(4)

تقدم تخريجه ص/ 150 تعليق رقم 2.

(5)

في "ح" و"ذ": "بيديه".

(6)

يعني خلاف الإمام مالك لقوله بوجوب ذلك. انظر المدونة (1/ 27).

ص: 363

(ويتفقد أصول شعره) لقوله صلى الله عليه وسلم: "تحتَ كلِّ شعرةٍ جنابةٌ"

(1)

(وغضاريف أذنيه، وتحت حلقه، وإبطيه، وعمق سرته، وحالبيه) قال في "الصحاح"

(2)

: الحالبان عرقان يكتنفان السرة (وبين أليتيه، وطي ركبتيه) ليصل الماء إليها.

(ويكفي الظن في الإسباغ) أي: في وصول الماء إلى البشرة؛ لأن اعتبار اليقين حرج ومشقة.

(ثم يتحول عن موضعه، فيغسل قدميه، ولو) كان (في حمام ونحوه) مما لا طين فيه، لقول ميمونة:"ثمَّ تنحَّى عنْ مقامِهِ فغسلَ رجليْهِ"

(3)

.

(وإن أخر غسل قدميه في وضوئه، فغسلهما آخر غسله، فلا بأس) لوروده في حديث ميمونة.

(وتسن موالاة) في الغسل بين غسل جميع أجزاء البدن، لفعله صلى الله عليه وسلم.

(ولا تجب) الموالاة في الغسل (كالترتيب)؛ لأن البدن شيء واحد، بخلاف أعضاء الوضوء، (فلو اغتسل إلا أعضاء الوضوء) ثم أراد غسلها من الحدثين (لم يجب الترتيب فيها) ولا الموالاة (لأن حكم الجنابة باق.

وإن فاتت الموالاة) قبل إتمام الغسل، بأن جف ما غسله من بدنه بزمن معتدل، وأراد أن يتم غسله (جدد لإتمامه نية وجوبًا) لانقطاع النية بفوات الموالاة، فيقع غسل ما بقي بدون نية.

(ويسن سدر في غسل كافر أسلم) لحديث قيس بن عاصم: "أنهُ أسلَم، فأمرهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماءٍ وسدرٍ" رواه أحمد، وأبو داود،

(1)

تقدم تخريجه ص/ 362 تعليق رقم 5.

(2)

(1/ 115).

(3)

تقدم تخريجه ص/ 362 تعليق رقم 2.

ص: 364

والترمذي

(1)

وحسنه.

(و) يسن (إزالة شعره، فيحلق رأسه، إن كان رجلًا) ويأخذ عانته، وإبطه مطلقًا، لقوله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم:"ألقِ عنكَ شعرَ الكفرِ، واختَتِنْ" رواه أبو داود

(2)

.

(ويغسل ثيابه) قاله أحمد

(3)

، قال بعضهم: إن قلنا بنجاستها، وجب وإلا استحب.

(ويختتن) الكافر إذا أسلم (وجوبًا بشرطه)، وهو أن يكون مكلفًا، وأن لا يخاف على نفسه منه.

(ويسن في غسل حيض، ونفاس سدر) لحديث عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها: "إذا كنتِ حائضًا خذِي ماءكِ وسدْرَكِ وامتَشطِي"

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 336 تعليق رقم 1.

(2)

في الطهارة، باب 131، حديث 356، ورواه عبد الرزاق (6/ 10، 10/ 318) وأحمد (3/ 415)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 316، 5/ 269)، حديث 1692، 2795، والبيهقي (1/ 172) كلهم من طريق ابن جريج، قال: أخبرت عن عثيم بن كليب، عن أبيه عن جده مرفوعًا. قال ابن أبي حاتم: في الجرح والتعديل (7/ 167) كليب والد عثيم بصري روى عن أبيه مرسلًا، ونقل ذلك المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 219) وأقره وزاد:"وفيه أيضًا رواية مجهول".

(3)

الجامع للخلال -أهل الملل والردة- (1/ 114).

(4)

لم نجده بهذا السياق، وقد روى الدارمي في الطهارة، باب 83، حديث 779، وابن الجارود (117) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت امرأة من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحيض قال: خذي ماءك وسدرك، ثم اغتسلي، وأنقي

الحديث. ورواه -أيضًا- أحمد (6/ 188)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 318)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 472) حديث 1199 بنحوه.

ص: 365

وروت أسماء أنها "سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن غسْلِ الحيض فقال: تأخذُ إحداكُنَّ ماءَها وسدرَهَا فتطَّهر - الحديث" رواه مسلم

(1)

، والنفاس كالحيض.

(و) يسن أيضًا (أخذها مسكًا، إن لم تكن محرمة، فتجعله في فرجها في قطنة،) أو غيرها كخرقة (بعد غسلها ليقطع الرائحة) أي: رائحة الحيض أو النفاس، لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء لما سألتهُ عن غسلِ الحيضِ:"تأخذُ فرصةً ممسكةً فتطهر بها" رواه مسلم

(2)

من حديث عائشة: والفرصة: القطعة من كل شيء. (فإن لم تجد) مسكًا (فطيبًا) لقيامه مقام المسك في ذلك.

(لا لمحرمة) فإن الطيب بأنواعه يمتنع عليها، لما يأتي في الإحرام.

(فإن لم تجد فطينًا، ولو محرمة. فإن تعذر فالماء) الطهور (كاف) لحصول الطهارة به.

(والغسل المجزئ) وهو المشتمل على الواجبات فقط (أن يزيل ما به) أي: ببدنه (من نجاسة، أو غيرها تمنع وصول الماء إلى البشرة إن وجد) ما يمنع وصول الماء إليها، ليصل الماء إلى البشرة.

(وينوي) كما تقدم، لحديث:"إنما الأعمالُ بالنيّاتِ"

(3)

.

(ثم يسمي) قال أصحابنا: هي هنا كالوضوء، قياسًا لإحدى الطهارتين على الأخرى.

وفي "المغني": أن حكمها هنا أخف؛ لأن حديث التسمية إنما يتناول بصريحه الوضوء لا غير.

(1)

في الحيض، حديث 332 (61).

(2)

في الحيض، حديث 332 (60)، وهو عند البخاري في الحيض، باب 13، حديث 314، وباب 14، حديث 315، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 24، حديث 7357، من حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

تقدم تخريجه ص / 193 تعليق رقم 2.

ص: 366

قال في "المبدع": ويتوجه عكسه؛ لأن غسل الجنابة وضوء وزيادة اهـ. وفيه نظر. لأنه ليس بوضوء. ولذلك لا تكفي نية الغسل عنه.

(ثم يعم بدنه بالغسل) فلا يجزئ المسح (حتى فمه وأنفه) فتجب المضمضة، والاستنشاق في غسل (كوضوء) كما تقدم. (و) حتى (ظاهر شعره وباطنه) من ذكر، أو أنثى، مسترسلًا كان أو غيره، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:"تحتَ كلِّ شعرةٍ جنابةٌ"

(1)

(مع نقضه) أي: الشعر وجوبًا (لغسل حيض، ونفاس لا) غسل (جنابة إذا روّت أصوله) لحديث عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها: "إذا كنتِ حائضًا خذي ماءك وسدرك وامتشطي"

(2)

ولا يكون المشط إلا في شعر غير مضفور. وللبخاري: "انقضي شَعْرَكِ وامتَشِطِي"

(3)

ولابن ماجه: "انقضي شعرَكِ واغتَسلي"

(4)

.

ولأن الأصل وجوب نقض الشعر، لتحقق وصول الماء إلى ما يجب غسله. فعفي عنه في غسل الجنابة لأنه يكثر فيشق ذلك فيه، والحيض بخلافه، فبقي على الأصل في الوجوب.

والنفاس في معنى الحيض.

وقال بعض أصحابنا: هذا مستحب، وليس بواجب، وهو قول أكثر الفقهاء، قال في "المغني" و"الشرح" وغيرهما: وهو الصحيح إن شاء الله، لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة: أنها قالت للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم "إنِّي امرأةٌ أشدُّ ضفرَ

(1)

تقدم تخريجه ص/ 362 تعليق رقم 5.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 365 تعليق رقم 4.

(3)

رواه البخاري في الحيض، باب 15، 16، حديث 316، 317، وفي الحج باب 31، حديث 1556، وفي العمرة باب 5، 7، حديث 1783، 1786، وفي المغازي باب 77، حديث 4395 بلفظ: انقضي رأسك.

(4)

ابن ماجه في الطهارة، باب 124، حديث 641.

ص: 367

رأسي، أفأنقُضُه للحيضِ؟ قال: لا، إنما يكْفِيكِ أن تحثِي على رأسِكِ ثلاثَ حثيَاتٍ. ثم تفيضين عليكِ الماء فتطهرينَ" رواه مسلم

(1)

. وهي زيادة يجب قبولها. وهذا صريح في نفي الوجوب.

(وحتى حشفة أقلف) أي: غير مختون (إن أمكن تشميرها) بأن كان مفتوقًا، لأنها في حكم الظاهر.

(و) حتى (ما تحت خاتم ونحوه، فيحركه) ليتحقق وصول الماء إلى ما تحته.

(و) حتى (ما يظهر من فرجها عند قعودها لقضاء حاجتها) لأنه في حكم الظاهر.

(ولا) يجب غسل (ما أمكن من داخله) أي: الفرج، لأنه إما في حكم الباطن على ما ذكره. وإما في حكم الظاهر، وعفي عنه للمشقة، وتقدم.

(و) لا غسل (داخل عين) بل ولا يستحب، ولو أمن الضرر (وتقدم في الوضوء.

فإن كان على شيء من محل الحدث) الأصغر، أو الأكبر (نجاسة) لا تمنع وصول الماء إلى البشرة بدليل ما تقدم (ارتفع الحدث قبل زوالها كالطاهرات) على محل الحدث التي لا تمنع وصول الماء.

وقدم المجد في "شرحه"، وابن عبيدان وصاحب "مجمع البحرين"، و"الحاوي الكبير" وصححه

(2)

أن الحدث لا يرتفع إلا مع آخر غسلة طهر عندها، قال الزركشي: وهو المنصوص عن أحمد. وقال في "النظم": هو الأقوى.

(1)

في الحيض، حديث 330.

(2)

في "ح" و"ذ": "وصححوه".

ص: 368

فصل

(ويسن أن يتوضأ بمد، وهو مائة وأحد وسبعون درهمًا وثلاثة أسباع درهم) إسلامي.

(و) بالمثاقيل (مائة وعشرون مثقالًا.

و) بالأرطال (رطل وثلث رطل عراقي وما وافقه) أي: الرطل العراقي في زنته من البلدان.

(ورطل وأوقيتان وسبعا أوقية مصري. وما وافقه، وثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية دمشقية وما وافقه.

وأوقيتان وستة أسباع أوقية حلبية وما وافقه، وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية وما وافقه، وأوقيتان وسبعا أوقية بعلية وما وافقه).

(و) يسن أن (يغتسل بصاع، وهو) أربعة أمداد فهو (ستمائة وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم وأربعمائة وثمانون مثقالًا، وخمسة أرطال وثلث رطل عراقي بالبر الرزين) الجيد، وهو المساوى للعدس في زنته (نص عليهما) أي: على أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وأنه بالبر الرزين. وذلك لما روى أنس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان يتوضأ بالمدِّ ويغتسلُ بالصَّاعِ" متفق عليه

(1)

.

وقال لكعب بن عجرة: "أطعمْ ستةَ مسكِينَ فرَقًا من طعامٍ" قال أبو عبيد

(2)

: اختلاف بين الناس أعلمه أن الفرق ثلاثة آصع. والفرق -بفتح الراء-

(1)

البخاري في الوضوء، باب 47، حديث 201، ومسلم في الحيض، حديث 325 (51).

(2)

كتاب الأموال ص/ 625.

ص: 369

ستة عشر رطلًا بالعراقي.

(و) الصاع (أربعة أرطال وتسع أواق وسبع أوقية) رطل (مصري.

و) الصاع (رطل وأوقية وخمسة أسباع أوقية) رطل (دمشقي.

وإحدى عشرة أوقية وثلاثة أسباع أوقية حلبية.

وعشر أواق وسبعا أوقية قدسية.

وتسع أواق وسبع أوقية بعلية.

وهذا) أي: بيان قدر المد والصاع (ينفعك هنا) أي: في المياه (وفي) باب (الفطرة، والفدية، والكفارة) بسائر أنواعها (وغيرها) كما لو نذر الصدقة بمد أو صاع.

(فإن أسبغ بدونهما) بأن توضأ بدون مد، أو اغتسل بدون صاع (أجزأه) ذلك؛ لأن الله تعالى أمرَ بالغسل، وقد فعله، (ولم يكره) لحديث عائشة قالت:"كنتُ أغتسلُ أنا والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ يسعُ ثلاثةَ أمدادٍ أو قريبًا من ذَلكَ" رواه مسلم

(1)

.

وعن أم عمارة بنت كعب "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ فأتي بماءٍ في إناءٍ قدر ثلثَيْ المدِّ" رواه أبو داود، والنسائي

(2)

. ومنطوق هذا: مقدم على مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "يجزيءُ في الوضوء المدُّ، وفي الغسلِ الصاعُ" رواه أحمد، والأثرم

(3)

.

(1)

في الحيض، حديث 321 (44).

(2)

أبو داود في الطهارة، باب 44، حديث 94، والنسائي في الطهارة، باب 59، حديث 74، ورواه البيهقي (1/ 196) وصحح إسناده النووي في الخلاصة (1/ 118).

(3)

أحمد: (3/ 303، 370)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، بلفظ:"يجزئ من الوضوء المد من الماء، ومن الجنابة الصاع"، ورواه -أيضًا- الطيالسي =

ص: 370

(والإسباغ) في الوضوء والغسل: (تعميم العضو بالماء، بحيث يجري عليه ولا يكون مسحًا)، لقوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ. . . الآية}

(1)

والمسح ليس غسلًا.

(فإن مسحه) أي: العضو بالماء (أو أمرَّ الثلج عليه، لم تحصل الطهاره به. وإن ابتل به) أي: الثلج (العضو) الذي يجب غسله؛ لأن ذلك مسح لا غسل.

(إلا أن يكون) الثلج (خفيفًا فيذوب، ويجري على العضو) فيجزئ، لحصول الغسل المطلوب.

(ويكره الإسراف فى الماء ولو على نهر جار) لحديث ابن عمر: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على سعدٍ وهوَ يتوضأ فقال: ما هذا السَّرَفُ؟ فقال: أفي الوضوءِ إسرافٌ؟ قال نعمْ وإن كنتَ على نهرٍ جارٍ" رواه ابن ماجه

(2)

.

= (239) حديث 1732، وابن أبي شيبة (1/ 65 - 66)، وعبد بن حميد (3/ 57) حديث 1112، وابن خزيمة (1/ 62)، والطحاوي (2/ 50)، والحاكم (1/ 161)، وابن السكن كما في بيان الوهم والإيهام (5/ 270)، والبيهقي (1/ 195)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وجود إسناده ابن القطان فى بيان الوهم والإيهام (5/ 270).

(1)

سورة المائدة، الآية 6.

(2)

في الطهارة، باب 48، حديث 425، ورواه -أيضًا- أحمد (2/ 221) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، باللفظ الذي ذكره المؤلف، وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه -أيضًا- ابن ماجه، حديث 424 بلفظ:"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يتوضأ، فقال: لا تسرف، لا تسرف". وكلا الحديثين ضعيف، ضعفهما النووى في الخلاصة (1/ 117، 118)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 114) في حديث ابن عمرو: هذا إسناد ضعيف لضعف حيي بن عبد الله، وعبد الله بن لهيعة. وقال في حديث ابن عمر: هذا إسناد ضعيف، الفضل بن عطية ضعيف، وابنه كذاب، وبقية مدلس.

ص: 371

(وإذا اغتسل ينوي الطهارتين من الحدثين) أجزأ عنهما، ولم يلزمه ترتيب، ولا موالاة؛ لأن الله تعالى أمر الجنب بالتطهير، ولم يأمر معه بوضوء، ولأنهما عبادتان، فتداخلتا في الفعل، كما تدخل العمرة في الحج.

وظاهره كـ"الشرح" و"المبدع" وغيرهما: يسقط مسح الرأس، اكتفاء عنه بغسلها ولم

(1)

يمر يده.

وقال أبو بكر: يتداخلان إن أتى بخصائص الصغرى كالترتيب، والموالاة، والمسح.

(أو) نوى (رفع الحدث وأطلق) فلم يقيده بالأكبر، ولا بالأصغر، أجزأ عنهما لشمول الحدث لهما.

(أو) نوى (استباحة الصلاة.

أو) نوى (أمرًا لا يباح إلا بوضوء وغسل كمس مصحف) وطواف (أجزأ عنهما) لاستلزام ذلك رفعهما، (وسقط الترتيب والموالاة) لدخول الوضوء في الغسل، فصار الحكم للغسل كالعمرة مع الحج.

(وإن نوى) من عليه غسل بالغسل استباحة (قراءة القرآن، ارتفع الأكبر فقط)؛ لأن قراءة القرآن إنما تتوقف على رفعه لا على رفع الأصغر.

(وإن نوى) الجنب ونحوه (أحدهما) أي: نوى رفع أحد الحدثين: الأكبر، أو الأصغر (لم يرتفع غيره) لقوله صلى الله عليه وسلم:"وإنما لكل امرئٍ ما نَوَى"

(2)

وقال الأزجي والشيخ تقي الدين

(3)

: إذا نوى الأكبر ارتفعا.

(ومن توضأ قبل غسله) يعني أو في أوله (كره له إعادته بعد الغسل)

(1)

في "ح" و"ذ": "وإن لم" وهو الأنسب للسياق.

(2)

تقدم تخريجه ص/193 تعليق رقم 2.

(3)

الاختيارات الفقهية (31).

ص: 372

لحديث عائشة قالت: "كان صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل" رواه الجماعة

(1)

.

(إلا أن ينتقض وضوؤه بمس فرجه، أو غيره) كمس امرأة لشهوة، أو بخروج خارج، فيجب عليه إعادته للصلاة، ونحوها. وتستحب لنحو قراءة، وأذان، لوجود سببه.

(وإن نوت من انقطع حيضها) أو نفاسها (بغسلها حل الوطء صح) غسلها، وارتفع الحدث الأكبر؛ لأن حل وطئها يتوقف على رفعه.

وقيل: لا يصح، لأنها إنما نوت ما يوجب الغسل، وهو الوطء، وفيه نظر ظاهر، إذ لا فرق بين الوطء وحله.

(ويسن لكل مَن جَنُبَ ولو امرأة، وحائض، ونفساء بعد انقطاع الدم) قلت: وكافر أسلم قياسًا عليهم (إذا أراد النوم، أو الأكل، أو الشرب، أو الوطء ثانيًا، أن يغسل فرجه) لإزالة ما عليه من الأذي، (ويتوضأ). روى ذلك عن علي، وابن عمر

(2)

.

أما كونه يستحب بالنوم، فلما روى ابن عمر أن عمر قال: "يا رسولَ اللهِ،

(1)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 99، حديث 250، والترمذي في الطهارة باب 79، حديث 107، والنسائي في الطهارة، باب 160، حديث 252، وفي الغسل باب 24، حديث 428، وابن ماجه في الطهارة، باب 96، حديث 579، وأحمد (6/ 68، 119، 154، 192، 253، 258) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه -أيضًا- أبو يعلى (8/ 25) حديث 4531، والحاكم (1/ 153)، والبيهقي (1/ 179)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. ولم نجده في الصحيحين، فلعل كلمة:"الجماعة" محرفة من "الخمسة" علمًا بأن صاحب منتقى الأخبار (1/ 151) قال: رواه الخمسة.

(2)

أثر علي رضي الله عنه رواه عبد الرزاق (1/ 280) حديث 1078، وابن أبي شيبة (1/ 60). وأثر ابن عمر رضي الله عنهما رواه -أيضًا- عبد الرزاق (1/ 276، 280) حديث 1063، 1080، وابن أبي شيبة (1/ 60، 80).

ص: 373

أيرقدُ أحدُنا وهو جنُبٌ؟ قال: نعمْ، إذا توضأ فليَرقُدْ"

(1)

.

وعن عائشة قالت: "كان النَّبيُّ إذا أراد أن ينامَ وهو جنبٌ غسلَ فرجَهُ وتوضأ وضوءَه للصَّلاةِ" متفق عليهما

(2)

.

وأما كونه يستحب للأكل، والشرب فلما روت عائشة قالت:"رخَّص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للجنُبِ إذا أراد أن يأكل، أو يشْرَبَ أن يتوضأ وضوءَه للصَّلاة" رواه أحمد

(3)

بإسناد صحيح.

وأما كونه يستحب لمعاودة الوطء فلحديث أبي سعيد قال: قال

(1)

رواه البخاري في الغسل، باب 26، 27، حديث 287، 289، ومسلم في الحيض، حديث 306.

(2)

البخاري في الغسل، باب 27، حديث 288، ومسلم في الحيض، حديث 305.

(3)

لم نجده بهذا السياق في مسند أحمد ولا في غيره عن عائشة رضي الله عنها، وإنما فيه (6/ 36، 126، 192)، وفي صحيح مسلم الطهارة حديث 305 وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان جنبًا، فأراد أن يأكل، أو ينام توضأ وضوءه للصلاة"، وفي رواية لأحمد (6/ 102، 118 - 119، 279)، وأبي داود حديث 223، والنسائي في الطهارة، باب 165، حديث 257، وابن ماجه حديث 593، وابن حبان "الإحسان"(4/ 20)، حديث 1218: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، فإذا أراد أن يأكل أو يشرب، غسَّل كفيه، ثم يأكل أو يشرب إن شاء. هذا لفظ أحمد.

وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف فرواه أحمد (4/ 320)، وأبو داود في الطهارة، باب 89، حديث 225، والترمذي في الصلاة، باب 432، حديث 613، والطيالسي ص/ 90، حديث 646، وأبو يعلى (3/ 202) حديث 1635، والبغوي (2/ 34) حديث 267، عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 374

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا أتَى أحدُكم أهلَهْ ثم أراد أن يُعَاوِدَ فليتوَّضأ بينَهُما وضوءًا" رواه مسلم

(1)

، ورواه ابن خزيمة، والحاكم وزاد

(2)

: "فإنه أنشَطُ للعَوْدِ"

(3)

.

(لكن الغسل لـ) ـمعاودة (الوطء أفضل) من الوضوء، لأنه أنشط (ويأتي في عشرة النساء.

ولا يضر نقضه) أى: الوضوء (بعد ذلك) أى: إذا توضأ الجنب لما تقدم، ثم أحدث قبله لم يضره ذلك، فلا تسن له إعادته؛ لأن القصد التخفيف أو النشاط، وظاهر كلام الشيخ تقي الدين

(4)

، يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين.

(ويكره) للجنب، ونحوه (تركه) أي: الوضوء (لنوم فقط) لظاهر الحديث، ولا يكره تركه لأكل، وشرب، ومعاودة وطء.

(ولا يكره أن يأخذ الجنب، ونحوه) كالحائض، والنفساء شيئًا (من شعره وأظفاره) وتقدم.

(ولا أن يختضب قبل الغسل نصًا)

(5)

.

(1)

في الحيض، حديث 308.

(2)

هكذا في الأصول، ولعل الصواب:"وزادا"، لوجود هذه الزيادة في صحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم.

(3)

ابن خزيمة (1/ 110) حديث 221، والحاكم (1/ 152)، ورواه -أيضًا- بهذه الزيادة ابن حبان "الإحسان"(4/ 12)، حديث 1211، والبيهقي (1/ 203 - 204، 7/ 192)، والبغوي (2/ 38) حديث 271.

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 31.

(5)

مسائل أحمد لابن هانيء (1/ 30)، ومسائل أحمد رواية صالح (1/ 168).

ص: 375

فصل في مسائل من أحكام الحمام

(1)

وآداب دخوله

وأجود الحمامات: ما كان شاهقًا، عذب الماء، معتدل الحرارة، معتدل البيوت، قديم البناء.

(بناء الحمام، وبيعه، وشراؤه، وإجارته) مكروه لما فيه من كشف العورة، والنظر إليها، ودخول النساء إليه.

(وكسبه، وكسب البلان

(2)

، والمزين، مكروه). قال في "الرعاية": وحمامية النساء أشد كراهة. (قال) الإمام (أحمد في الذي يبني حمامًا للنساء: ليس بعدل). وقال في رواية ابن الحكم: لا تجوز شهادة من بناه للنساء، وحرمه القاضي، وحمله الشيخ تقي الدين على غير البلاد الباردة

(3)

.

(1)

وأول من اتخذه سليمان بن داود عليهما السلام. "ش". والحديث الذي ورد فيه ضعيف، رواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 362)، والعقيلى في الضعفاء (1/ 84)، والطبراني في الأوسط (1/ 285) حديث 464، وابن عدي في الكامل (1/ 283)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 160) حديث 7778، كلهم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن الأودي، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه مرفوعًا: أول من دخل الحمامات وصنعت له النورة سليمان بن داود. . . الحديث. وقال البخاري: إسماعيل بن عبد الرحمن فيه نظر، ولم يتابع فيه، وذكر الهيثمي هذا الحديث في مجمع الزوائد (8/ 207) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، والكبير، وفيه إسماعيل بن عبد الرحمن الأودي وهو ضعيف.

(2)

البلان هو: من يخدم في الحمام. المعجم الوسيط (1/ 70).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 32.

ص: 377

(وللرجل دخوله إذا أمن وقوع محرم، بأن يسلم من النظر إلى عورات الناس) ومسها، (و) يسلم من (نظرهم إلى عورته) ومسها، لما روي أن ابن عباس "دخل حمامًا كان بالجحفة"

(1)

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا

(2)

.

(فإن خافه) أي: الوقوع في محرم بدخول الحمام (كره) دخوله.

(وإِن علمه) أي: الوقوع في محرم (حرم) دخوله، لحديث أبي هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"منْ كَانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر مِنْ ذكورِ أمتي فلا يدخلْ الحمامَ إلا بمئزَزٍ. ومن كانت تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا تدخلْ الحمامَ" رواه أحمد

(3)

. وقال أحمد: إن علمت أن كل من يدخل الحمام عليه إزار فادخله،

(1)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 109)، وقال الحافظ ابن كثير في كتاب الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام ص/ 25: وهذا إسناد صحيح.

(2)

قال الحافظ ابن كثير في كتاب الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام ص/ 25: والحديث الذى يروى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حمام الجحفة" موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وليس بصحيح.

(3)

المسند (2/ 321)، وذكره الهيثمي في "المجمع":(1/ 277)، وقال: رواه أحمد وفيه أبو خيرة، قال الذهبي: لا يعرف. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 202): وفيه أبو خيرة لا أعرفه.

لكن الحديث له شواهد عن جماعة من الصحابة منها:

- عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: رواه الترمذي في الأدب باب 43، حديث 2801، والنسائي في الغسل، باب 2، حديث 399، وأحمد (3/ 339)، وابن خزيمة (1/ 124)، حديث 249، والطبراني في الأوسط (3/ 248) حديث 2531، والحاكم (1/ 162، 4/ 288)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 12) حديث 5596، قال الترمذى: حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وضعفه الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 196).

- وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: رواه ابن حبان "الإحسان"(12/ 409)، حديث 5597، والطبراني في الكبير (4/ 124) حديث 3873، والحاكم =

ص: 378

وإلا، فلا تدخل.

(وللمرأة دخوله) أي: الحمام (بالشرط المذكور) بأن تسلم من النظر إلى عورات الناس، ومسها، ومن النظر إلى عورتها ومسها.

(وبوجود عذر من حيض، أو نفاس، أو جنابة، أو مرض، أو حاجة إلى الغسل) لما روى أبو داود عن ابن عمرو أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهَا سَتُفتَحُ لكم أرضُ العجَم، وستَجِدُونَ فيها بيوتًا يقالَ لها الحمَّامَاتُ، فلا يدخلنَّهَا الرجَالُ إلا بالأُزر، وامْنَعُوا النِّساء إلا مريضَةً أو نُفَسَاءَ"

(1)

.

= (4/ 289) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 278): رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفي عبد الله بن صالح كاتب الليث وقد ضعفه أحمد وغيره.

- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. رواه أحمد (1/ 20)، وأبو يعلى (1/ 216) حديث 251، والبيهقي (7/ 266) عن قاص الأجناد بالقسطنطينية، عن عمر رضي الله عنه. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 202) وقال: وقاص الأجناد لا أعرفه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 277): رواه أحمد وفيه رجل لم يسم. وحسن إسناده الحافظ ابن كثير في رسالته "الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام" ص/ 27، وفي مسند الفاروق (1/ 411).

وينظر الشواهد الأخرى في الترغيب والترهيب (1/ 199 - 205)، ومجمع الزوائد (1/ 277 - 279).

(1)

رواه أبو داود في كتاب الحمَّام، باب 1، حديث 4011، ورواه ابن ماجه في الآداب، باب 38، حديث 3748، وعبد بن حميد (1/ 309) حديث 350، وابن المنذر في الأوسط (2/ 123) حديث 659، والبيهقي (7/ 308 - 309)، والخطيب في الموضح لأوهام الجمع والتفريق (1/ 362 - 363)، وقال المنذري في مختصر السنن (6/ 15): وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وقد تكلم فيه غير واحد، وعبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية، وقد غمزه البخارى، وابن أبي حاتم رحمهم الله. اهـ. وقال النووي في المجموع (2/ 204): وفي إسناده من يضعف.

ص: 379

وقوله: (ولا يمكنها أن تغتسل في بيتها لخوفها من مرض، أو نزلة) قاله القاضي، والموفق، والشارح. قال في "الإنصاف": وظاهر كلام أحمد لا يعتبر، وهو ظاهر "المستوعب" و"الرعاية".

(وإلا) بأن لم يكن لها عذر مما تقدم (حرم) عليها دخوله (نصًا) لما تقدم من الخبرين. واختار أبو الفرج بن الجوزي

(1)

، والشيخ تقي الدين

(2)

أن المرأة إذا اعتادت الحمام وشق عليها ترك دخوله إلا لعذر أنه يجوز لها دخوله.

و (لا) يحرم عليها الاغتسال (في حمام دارها) حيث لم ير من عورتها ما يحرم النظر إليه، لعدم دخوله فيما تقدم، وكباقي دارها.

(ويقدم رجله اليسرى في دخول الحمام، والمغتسل، ونحوهما) لأنها لما خبث، قال في "المبدع": وعن سفيان قال: كانوا يستحبون لمن دخله أن يقول: يا بر يا رحيمُ منَّ وقنا عذاب السموم.

(والأولى في الحمام أن يغسل قدميه، وإبطيه بماء بارد عند دخوله، ويلزم الحائط) خوف السقوط.

(ويقصد موضعًا خاليًا) لأنه أبعد من أن يقع في محظور.

(ولا يدخل البيت الحار حتى يعرق في البيت الأول) لأنه أجود طبًا.

(ويقلل الالتفات) لأنه محل الشياطين، فتعبث به، وربما كان سببًا لرؤية عورة.

(ولا يطيل المقام إلا بقدر الحاجة) لأنه يأخذ من البدن.

(ويغسل قدميه عند خروجه بماء بارد، قال في المستوعب: فإنه يذهب الصداع، ولا يكره دخوله قرب الغروب، ولا بين العشاءين) لعدم

(1)

أحكام النساء ص/ 177.

(2)

الفتاوى الكبرى (1/ 73)، ومجموع الفتاوى (21/ 342).

ص: 380

النهي الخاص عنه. وقال ابن الجوزي في "منهاج القاصدين"

(1)

: يكره لأنه وقت انتشار الشياطين.

(ويحرم أن يغتسل عريانًا بين الناس) في حمام، أو غيره، لحديث "احفَظْ عورتَكَ"

(2)

إلى آخره.

وعن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم "رأى رجلًا يغتسلُ بالبرازِ فصعدَ المنبرَ، فحمدَ اللهَ، وأثنَى عليهِ. ثم قال: إن اللهَ عز وجل حيِيٌّ ستِّيرُّ يحبُّ الحياءَ والسترَ، فإذا اغتسلَ أحدُكم فليسْتَتِرْ" رواه أبو داود

(3)

.

(1)

ينظر مختصر منهاج القاصدين ص/ 22، ومنهاج القاصدين لم يطبع حتى الآن، وهو مختصر لإحياء علوم الدين للغزالي.

(2)

جزء من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه رواه أبو داود في كتاب الحمَّام، باب 3، حديث 4017، والترمذى في الأدب، باب 22، 39، حديث 2769، 2794، وابن ماجه في النكاح، باب 28، حديث 1920، وعبد الرزاق (1/ 287) حديث 1106، وأحمد (5/ 3، 4). والحاكم: (4/ 180)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 121 - 122)، والبيهقي (1/ 199، 2/ 225، 7/ 94)، والخطيب في تاريخه (3/ 261 - 262) كلهم من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:"احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو مما ملكت يمينك، فقال: الرجل يكون مع الرجل؟ قال: إن استطعت أن لا يراها أحد، فافعل. قلت: والرجل يكون خاليًا؟ قال: فالله أحق أن يستحيي منه".

وعلق البخاري منه في الغسل بصيغة الجزم، باب 20:"الله أحق أن يستحيي منه من الناس". وقال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ في الفتح (1/ 386)، وفى تغليق التعليق (2/ 160).

(3)

في كتاب الحمَّام، باب 2، حديث 4012، وفيه:"يغتسل بالبراز بلا إزار"، ورواه النسائي في الغسل، باب 7، حديث 404، وأحمد (4/ 224)، والطبراني في الكبير (22/ 259) حديث 670، والبيهقي (1/ 198) وصححه النووي في =

ص: 381

(فإن ستره إنسان بثوب) فلا بأس.

(أو اغتسل عريانًا خاليًا) عن الناس (فلا بأس)، لأن موسى عليه السلام "اغتسلَ عُرْيَانًا" رواه البخاري

(1)

، وأيوب عليه السلام "اغتَسَل عُرْيَانًا"

(2)

قاله في "المغني".

(والتستر أفضل) وقال في "الإنصاف" وغيره: يكره. قال الشيخ تقي الدين

(3)

: عليه أكثر نصوصه. قال في الآداب

(4)

: يكره الاغتسال في المستحم ودخول الماء بلا مئزر. انتهى. لقول الحسن والحسين -وقد دخلا الماء وعليهما بردان-: "إن للماءِ سكانًا"

(5)

.

(وتكره القراءة فيه) أي: الحمام (ولو خفض صوته)؛ لأنه محل التكشف، ويفعل فيه ما لا يحسن في غيره، فاستحب صيانة القراءة عنه

(6)

.

= الخلاصة (1/ 204).

والبراز -بفتح الباء-: الفضاء. انظر القاموس المحيط ص/ 646.

(1)

في الغسل، باب 20، حديث 278، وفي أحاديث الأنبياء، باب 28، حديث 3404، ورواه مسلم -أيضًا- في الحيض حديث 339، وفي الفضائل (155). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري في الغسل، باب 20، حديث 279، وفي أحاديث الأنبياء، باب 20، حديث 3391، وفي التوحيد، باب 35، حديث 7493، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 31.

(4)

الآداب الشرعية (3/ 338).

(5)

رواه عبد الرزاق (1/ 289) حديث 1113، وفي سنده جابر الجعفي قال الحافظ في التقريب (878): ضعيف.

(6)

في "ح" و"ذ": "القرآن".

ص: 382

وحكى ابن عقيل الكراهة عن علي، وابن عمر

(1)

.

(وكذا) يكره (السلام) في الحمام، قال في الآداب

(2)

: وكذلك لا يسلم ولا يرد على مسلم.

وقال في "الشرح": الأولى جوازه من غير كراهة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"أفشُوا السَّلامَ بينَكُم"

(3)

؛ ولأنه لم يرد فيه نص، والأشياء على الإباحة.

و (لا) يكره (الذكر) في الحمام، لما روى النخعي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال:"لا إلهَ إلا اللهُ"

(4)

.

(وسطحه ونحوه) من كل ما يتبعه في بيع، وإجارة (كبقيته) لتناول الاسم له

(5)

.

(1)

أثر علي رضي الله عنه: رواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 124) حديث 661 عن أبي زرعة، قال: قال علي: بئس البيت الحمام ينزع فيه الحياء، ولا تقرأ فيه آية من كتاب الله.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: رواه عبد الرزاق (1/ 292).

(2)

الآداب الشرعية (3/ 338).

(3)

رواه مسلم في الإيمان، حديث 54، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.

(4)

لم نجده.

(5)

تتمة: نقل عبد الله ما رأيت أبي أحمد بن حنبل دخله قط، ولحقته علة فوصف له فقال: لي خمسون سنة ما دخلته يجوز أن لا أدخله الساعة ح م ص. "ش".

ص: 383

‌باب التيمم

(وهو) لغة: القصد، قال تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}

(1)

يقال يممت فلانًا، وتيممته، وأممته، إذا قصدته، ومنه:{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}

(2)

وقول الشاعر

(3)

:

وما أدري إذا يممت أرضًا

أريد الخير أيهما يليني؟

أالخير الذي أنا مبتغيه

أم الشر الذي هو مبتغيني؟

وشرعًا: (مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص) يأتي تفصيله.

وهو ثابت بالإجماع، وسنده قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا. . . الآية}

(4)

وحديث عمار

(5)

، وغيره.

وهو من خصائص هذه الأمة؛ لأن الله تعالى لم يجعله طهورًا لغيرها، توسعة عليها وإحسانًا إليها.

والتيمم (بدلٌ عن طهارة الماء) لأنه مترتب عليها، يجب فعله عند عدم الماء، ولا يجوز مع وجوده إلا لعذر، وهذا شأن البدل.

(ويجوز) التيمم (حضرًا وسفرًا، ولو) كان السفر (غير مباح، أو) كان (قصيرًا) دون المسافة؛ (لأن التيمم عزيمة لا يجوز تركه) عند وجود شروطه.

(1)

سورة البقرة الآية: 267.

(2)

سورة المائدة، الآية:2.

(3)

هو المثقب العبدي. انظر خزانة الأدب (11/ 80).

(4)

سورة النساء، الآية:43.

(5)

يأتي تخريجه ص/ 412 تعليق رقم 2.

ص: 385

(قال القاضي: لو خرج إلى ضيعة له تقارب البنيان والمنازل، ولو بخمسين خطوة، جاز له التيمم) أي: بشرطه (و) جاز له (الصلاة) النافلة (على الراحلة، وأكل الميتة للضرورة) لأنه مسافر عرفًا.

(ويجوز) وعبارة "المبدع": وهو مشروع. والمعنى أنه يجب حيث يجب التطهر بالماء، ويسن حيث يسن ذلك، فيشرع (لكل ما يفعل بالماء) أي: بطهارته (عند العجز عنه) أي: عن استعمال الماء، لعدم، أو مرض، ونحوهما (شرعًا، من) بيان لما يفعل بالماء (صلاة) فرض، أو نفل (وطواف) فرض، أو نفل (وسجود تلاوة، وشكر، وقراءة قرآن، ومس مصحف) وقال الموفق: إن احتاج إليه (ووطء حائض انقطع دمها) ولو لم يكن بالواطئ جراح، أو لم تصل

(1)

به ابتداء (ولبث في مسجد) إذا تعذر الوضوء عاجلًا، وأراد اللبث للغسل فيه.

(سوى جنب، وحائض، ونفساء انقطع دمهما -في مسألة تقدمت في الباب قبله-) وهي: ما إذا تعذر الوضوء واحتاجوا للبث فيه، فإنه يجوز بلا تيمم، وتقدم أنه به أولى.

(و) سوى (نجاسة على غير بدن) وهو

(2)

النجاسة على الثوب، وفي البقعة، فلا يصح التيمم لهما، بخلاف نجاسة البدن وتأتي.

(ولا يكره الوطء لعادم الماء) ولو لم يخف العنت، إذ الأصل في الأشياء الإباحة إلا لدليل.

(والتيمم مبيح) للصلاة، ونحوها، و (لا يرفع الحدث) لقوله صلى الله عليه وسلم في

(1)

في "ذ": "أو لم يصل".

(2)

في "ح" و"ذ": "وهي".

ص: 386

حديث أبي ذر: "فإذا وجدت الماءَ فأمسّهُ جلدَكَ، فإنه خيرٌ لكَ"

(1)

صححه الترمذي. ولو رفع الحدث لم يحتج إلى الماء إذا وجده.

(ويصح) التيمم (بشرطين أحدهما: دخول وقت ما يتيمم له، فلا يصح) التيمم (لفرض، ولا لنفل معين، كسنة راتبة، ونحوها) كوتر (قبل وقتهما نصًا) لحديث أبي أمامة مرفوعًا قال: "جعِلَتْ الأرضُ كلُّها لي ولأمَّتِي مسجِدًا وطَهُورًا، فأينمَا أدركتْ رجلًا من أمَّتِي الصَّلاةُ فعندَهُ مسجِدُهُ وعندَهُ طَهُورُه" رواه أحمد

(2)

.

والوضوء إنما جاز قبل الوقت، لكونه رافعًا للحدث بخلاف التيمم. فإنه طهارة ضرورة، فلم يجز قبل الوقت، كطهارة المستحاضة.

(ولا) يصح التيمم (لنفل في وقت نهي عنه) لأنه ليس وقتًا له. وعلم

(1)

رواه الترمذي في الطهارة، باب 92، حديث 124، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود في الطهارة، باب 125، حديث 332، والطيالسي (66) حديث 484، وعبد الرزاق (1/ 237) حديث 912، 913، وابن أبي شيبة:(1/ 156)، وأحمد (5/ 146)، والبزار في مسنده (9/ 387) حديث 3973، وابن حبان "الإحسان"(4/ 135) حديث 1311، 1312، والدارقطني (1/ 178، 187)، والحاكم (1/ 176 - 177)، والبيهقي (1/ 212، 220)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ووافقه الذهبي، وصححه النووي في المجموع (2/ 220، 244)، وقوى إسناده الحافظ في الفتح (1/ 235)، وقال في التلخيص الحبير (1/ 154): وصححه -أيضًا- أبو حاتم. وانظر لمزيد من التفصيل نصب الراية (1/ 148 - 149)، وبيان الوهم والإيهام (3/ 327، 5/ 266).

(2)

(5/ 248، 256)، ورواه -أيضًا- الآجري في الشريعة (3/ 1557) حديث 1048، والطبراني في الكبير (8/ 308) حديث 8001، والبيهقي (1/ 222، 2/ 433 - 434) في حديث طويل. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 149): وإسناده صحيح.

ص: 387

منه أنه يصح التيمم لركعتي فجر بعده، ولركعتي طواف كل وقت، لإباحتهما إذن.

(ويصح) التيمم، (لفائتة إذا ذكرها وأراد فعلها) لصحة فعلها كل وقت لا قبله.

(و) يصح التيمم (لكسوف عند وجوده) إن لم يكن وقت نهي، وإلا فإذا خرج.

(و) يصح التيمم (لاستسقاء إذا اجتمعوا) لصلاته.

(ولـ) ـصلاة (جنازة إذا غسل الميت) أى: تم تغسيله، كما في "المبدع"(أو يمم لعذر).

ويُعايا بها، فيقال: شخص لا يصح تيممه حتى ييمم غيره؟.

(ولعيد إذا دخل وقته.

ولمنذورة) مطلقة (كل وقت) فإن كانت منذورة بمعين اعتبر دخوله، كالمفروضة.

(و) يصح التيمم (لنفل عند جواز فعله) لأن ذلك وقته.

الشرط (الثاني): العجز عن استعمال الماء) لأن غير العاجز يجد الماء على وجه لا يضره، فلم يتناوله النص (فيصح) التيمم لمن عجز عن الماء (لعدمه) حضرًا كان أو سفرًا، قصيرًا كان أو طويلًا، مباحًا أو غيره، لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}

(1)

.

ويتصور عدم الماء في الحضر (بحبس) للمتيمم عن الخروج في طلب الماء، أو حبس للماء عن المتيمم، بحيث لا يقدر عليه، ولا يجد غيره.

(1)

سورة النساء الآية: 43.

ص: 388

(أو غيره) أي: غير الحبس، كقطع عدو ماء بلده، لعموم حديث أبي ذر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم، وإن لم يجدْ الماءَ عشرَ سِنينَ، فإذا وجَده فليمسَّهُ بشرتَه؛ فإن ذلك خيرٌ" رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وصححه

(1)

.

والتقييد بالسفر خرج مخرج الغالب، لأنه محل العدم غالبًا.

(و) يصح التيمم (لعجز مريض عن الحركة، وعمن يوضئه إذا خاف فوت الوقت، إن انتظر من يوضئه. و) عجزه (عن الاغتراف ولو بفمه) لأنه كالعادم للماء، فإن قدر على اغتراف الماء بفمه، أو على غمس أعضائه في الماء الكثير لزمه ذلك، لقدرته على استعمال الماء.

(أو) أي: ويصح التيمم (لخوف ضرر باستعماله) أي: الماء (في بدنه من جرح) لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}

(2)

ولحديث جابر في قصة صاحب الشجة رواه أبو داود، والدارقطني

(3)

. وكما لو خاف من عطش، أو سبع. فإن لم يخف من استعمال الماء لزمه كالصحيح.

(أو) من (برد شديد) لحديث عمرو بن العاص قال: "احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوةِ ذاتِ السَّلاسلِ، فأشفَقْتُ إن اغتسَلتُ أن أهلكَ، فتيمَّمْتُ، ثم صليتُ بأصحابي صلاةَ الصبحِ، فذكر ذلكَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمْرو، صليتَ

(1)

أحمد (5/ 155، 180)، والنسائي في الطهارة، باب 203، حديث 321، والترمذي في الطهارة، باب 92، حديث 124، وقال: حسن صحيح. انظر ص/387 تعليق رقم 1.

(2)

سورة النساء، الآية:29.

(3)

أبو داود في الطهارة، باب 127، حديث 336، والدارقطني:(1/ 190)، وانظر ص/ 262 تعليق 5.

ص: 389

بأصحابِكَ وأنتَ جنُبٌ؟ قلت: ذكرت قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}

(1)

فضحك ولم يقل شيئًا" رواه أحمد، وأبو داود

(2)

.

(ولو) كان خوفه على نفسه من البرد (حضرًا) فيتيمم دفعًا للضرر، كالسفر، وليس المراد بخوف الضرر أن يخاف التلف، بل يكفي أن (يخاف منه نزلة، أو مرضًا، ونحوه) كزيادة المرض، أو تطاوله، فيتيمم (بعد غسل ما يمكنه) غسله بلا ضرر. والمراد أنه يغسل ما لا يتضرر بغسله، ويتيمم لما سواه، مراعيًا للترتيب، والموالاة في الحدث الأصغر، كما يأتي.

(1)

سورة النساء الآية 29.

(2)

أحمد: (4/ 203)، وأبو داود في الطهارة، باب 126، حديث 334، ورواه -أيضًا- الطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 248) حديث 2457، والدارقطني (1/ 178)، والحاكم:(1/ 177 - 178)، والبيهقي (1/ 225) من طريق ابن لهيعة، ويحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، وأعله البيهقي في الخلافيات (2/ 480) بالإرسال، وقوى إسناده الحافظ في الفتح (1/ 454).

ورواه -أيضًا- أبو داود حديث 335، وابن المنذر في الأوسط (2/ 27) حديث 528، وابن حبان "الإحسان"(4/ 142) حديث 1315، والدارقطني (1/ 179)، والحاكم (1/ 177)، والبيهقي (1/ 126) من طريق عمرو بن الحارث وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قبيس مولى عمرو بن العاص -بنحوه- ولكن بلفظ:"فغسل مكانه -وفي لفظ مغابنه- وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم".

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وصححه النووي في المجموع (2/ 220) وقال في الخلاصة (1/ 216): حسن أو صحيح. ورجح عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 223)، وابن القيم في زاد المعاد (3/ 388)، والحافظ ابن كثير في تفسيره (2/ 235) رواية الوضوء على رواية التيمم. وقال بإمكان الجمع بينهما البيهقي فقال في سننه (1/ 226): ويحتمل أن يكون قد فعل ما نقل في الروايتين جميعًا: غسل ما قدر على غسله، وتيمم للباقي. اهـ.

ص: 390

(و) إنما يتيمم للبرد إذا (تعذر تسخينه) أي: الماء في الوقت. قال في الشرح وغيره: متى أمكنه تسخين الماء، أو استعماله على وجه يأمن الضرر، كأن يغسل عضوًا عضوا، كلما غسل شيئًا ستره، لزمه ذلك.

(أو) أي: ويصح التيمم (لخوف بقاء شين) أي: فاحش في بدنه بسبب استعمال الماء، لعموم قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى}

(1)

ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شيء من ماله. فهنا أولى.

(أو) أي: ويصح التيمم لـ (مرض يخشى زيادته، أو تطاوله) لما تقدم، فإن لم يخف ضررًا باستعمال الماء، كمن به صداع، أو حمى حارة، أو أمكنه استعمال الماء الحار بلا ضرر، لزمه ذلك، ولا يتيمم لانتفاء الضرر.

(و) يصح التيمم (لـ) ـخوف (فوات مطلوبه) باستعمال الماء، كعدو خرج في طلبه، أو آبق، أو شارد يريد تحصيله، لأن في فوته ضررًا، وهو منفي شرعًا.

(أو) أي: ويصح التيمم لـ (ـعطش يخافه على نفسه، ولو) كان العطش (متوقعًا) لقول علي في الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة، ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش:"يتيمم ولا يغتسل" رواه الدارقطني

(2)

.

ولأنه يخاف الضرر على نفسه، أشبه المريض، بل أولى.

(أو) يخاف العطش على (رفيقه المحترم) لأن حرمته تقدم على الصلاة بدليل ما لو رأى غريقًا عند ضيق وقتها، فيتركها، ويخرج لإنقاذه. فلأن تقدم على الطهارة بالماء بطريق الأولى. قال أحمد

(3)

: عدة من الصحابة تيمموا

(1)

سورة النساء، الآية:43.

(2)

(1/ 202). رواه ابن أبي شيبة: (1/ 105)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 28) حديث 529، والبيهقي (1/ 234) بنحوه.

(3)

مسائل ابن هانئ (1/ 13).

ص: 391

وحبسوا الماء لشفاههم

(1)

.

(ولا فرق) في الرفيق المحترم (بين المزامل له، أو واحد من أهل الركب) لأنه لا يخل بالمرافقة.

(ويلزمه) أي: من معه الماء (بذله)

(2)

أي: لعطشان يخشى تلفه.

وفي حبس الماء لعطش الغير المتوقع روايتان، اختار الشريف وابن عقيل وجوبه، وصوبه في "تصحيح الفروع".

وقيل: يستحب. قال المجد: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد. وقدمه في "الرعاية الكبرى" و"مجمع البحرين".

ولو خاف على نفسه العطش بعد دخول الوقت، ففيه وجهان.

قال في "تصحيح الفروع": الصواب الوجوب، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. منهم الشيخ الموفق.

والقول بعدم الوجوب ضعيف جدًا فيما يظهر.

و (لا) يلزم بذل الماء (لطهارة غيره بحال) سواء كان يجد غيره أو لا، طلبه بثمنه أو لا، كسائر الأموال، لا يلزم بذلها إلا لضرورة ولا ضرورة هنا.

وأخرج بقوله: المحترم: الزاني المحصن، والمرتد، والحربي. فلا يلزم بذله له إذا عطش، وإن خاف تلفه.

(أو) عطش يخافه (على بهيمته، أو بهيمة غيره المحترمتين) لأن للروح

(1)

جاء هذا عن عدد من الصحابة والتابعين فمن الصحابة: علي، وابن عباس رضي الله عنهم، ومن التابعين مجاهد، وعطاء، وطاؤس، وقتادة، والضحاك. ينظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 105)، ومصنف عبد الرزاق (1/ 232 - 233)، والأوسط لابن المنذر (2/ 28 - 29)، والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 234).

(2)

في "ح" و"ذ" زيادة: "له".

ص: 392

حرمة، وسقيها واجب. ودخل في ذلك كلب الصيد. وخرج عنه العقور والخنزير ونحوه، لعدم احترامه.

(قال) أبو الفرج عبد الرحمن (ابن الجوزي: إن احتاج الماء للعجن، والطبخ، ونحوهما، تيمم وتركه) أي: الماء لذلك، اقتصر عليه في "الفروع". وجزم به في "المنتهى"، وحكاه في "الرعاية" بصيغة التمريض.

(وإذا وجد الخائف من العطش ماء طاهرًا، وماء نجسًا) وكان (يكفيه كل منهما لشربه، حبس الطاهر) لشربه (وأراق النجس إن استغني عن شربه) سواء كان في الوقت، أو قبله، لعدم حاجته إليه.

(فإن خاف حبسهما) للحاجة، وكما لو انفرد النجس.

(ولو مات رب الماء) وبقي ماؤه (يممه رفيقه العطشان) كما يتيمم لو كان حيًا لذلك (وغرم) العطشان (ثمنه) أي: قيمة الماء (في مكانه) أي: مكان إتلافه (وقت إتلافه لورثته) لانتقاله إليهم كسائر أمواله، وإنما غرمه بقيمته مع أنه مثلي، دفعًا للضرر عن الورثة، إذ الماء لا قيمة له في الحضر غالبًا، وإن كانت فشيء تافه بالنسبة لما في السفر. وظاهر "النهاية": إن غرمه في مكانه أي: التلف، فبمثله.

(ومن أمكنه أن يتوضأ، ويجمع الماء) الذي توضأ به ويشربه (لم يلزمه، لأن النفس تعافه) أي: تعاف شربه.

(ومن خاف فوت رفقته) باستعمال الماء (ساغ له التيمم) قال في "الفروع": وظاهر كلامه، ولو لم يخف ضررًا بفوت الرفقة، لفوت الإلف والأنس.

(وكذا لو خاف على نفسه، أو ماله في طلبه) أي: الماء (خوفًا محققًا، لا جبنًا) وهو الخوف لغير سبب، والخوف المحقق (كأن كان بينه

ص: 393

وبين الماء سبع) أي: حيوان مفترس (أو حريق، أو لص، ونحوه) ساغ له التيمم، لأن الضرر منفي شرعًا.

(أو خاف) بطلب الماء (غريمًا يلازمه، ويعجز عن أدائه) فله التيمم، دفعًا للضرر عنه، فإن قدر على وفائه حالّ دينه، لم يجز له التيمم، لإثمه بالتأخير إذن.

(أو خافت امرأة) بطلب الماء (فساقًا) يفجرون بها، فتتيمم، (بل يحرم عليها الخروج في طلبه) إذن، لأنها تعرض نفسها للفساد، ومثلها الأمرد.

(ولو كان خوفه لسبب ظنه، فتبين عدم السبب، مثل من رأى سوادًا بالليل ظنه عدوًا، فتبين أنه ليس بعدو بعد أن تيمم وصلى لم يعد) لكثرة البلوى به، بخلاف صلاة الخوف، فإنها نادرة في نفسها، وهي بذلك أندر.

(ويلزمه) أي: عادم الماء إذا وجبت عليه الطهارة (شراء الماء) الذي يحتاجه لها (بثمن مثله في تلك البقعة، أو مثلها) أي: مثل تلك البقعة (غالبًا) لأنه قادر على استعماله من غير ضرر؛ ولأنه يلزمه شراء سترة عورته للصلاة فكذا هنا.

(و) يلزمه أيضًا شراؤه بـ (زيادة يسيره) عرفًا؛ لأن ضررها يسير، وقد اغتفر اليسير في النفس (كضرر يسير في بدنه من صداع، أو برد) فهنا أولى.

و (لا) يلزمه شراء الماء (بثمن يعجز عنه) ويتيمم، لأن العجز عن الثمن يبيح الانتقال إلى البدل، كالعجز عن ثمن الرقبة في الكفارة.

(أو) أي: ولا يلزم شراء الماء بثمن (يحتاجه لنفقة، ونحوها) كقضاء دينه، ومؤنة سفره، ولا فرق بن نفقته، ونفقة عياله من مؤنة، وكسوة، وغيرهما (وحبل، ودلوٍ، كما) يلزم شراؤهما بثمن مثل، أو زائد يسيرًا، إذا احتاج إليهما.

ص: 394

و (يلزمه طلبهما) أي: الحبل، والدلو، أي: استعارتهما ليحصل بهما الماء؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

(و) يلزمه (قبولهما) أي: الحبل والدلو (عارية) لأن المنة في ذلك يسيرة.

(وإن قدر على) استخراج (ماء بئر بثوب يبلّه، ثم يعصره، لزمه) ذلك لقدرته على تحصيله، كما لو وجد حبلًا، ودلوا (إن لم تنقص قيمة الثوب أكثر من ثمن الماء) الذي يستخرجه في مكانه، فإن نقصت أكثر من ثمنه لم يلزمه، كشرائه.

(ويلزمه قبول الماء قرضًا

(1)

. وكذا) يلزمه قبول (ثمنه) قرضًا (وله ما يوفيه) منه، لأن المنة في ذلك يسيرة.

و (لا) يلزمه (اقتراض ثمنه) أي: الماء للمنة.

(ويلزمه قبول الماء) إذا بذل له (هبة) لسهولة المنة فيه، لعدم تموله عادة.

و (لا) يلزمه قبول (ثمنه) هبة للمنة.

(ولا) يلزمه (شراؤه) أي: الماء (بدين في ذمته) ولو قدر على أدائه في بلده، لأن عليه ضررًا في بقاء الدين في ذمته، وربما تلف ماله قبل أدائه، وكالهدي.

وقال القاضي: يلزمه كالرقبة في الكفارة.

وأجيب: بأن الفرض متعلق بالوقت بخلاف المكفر.

(فإن كان بعض بدنه جريحًا ونحوه) بأن كان به قروح (وتضرر) بغسله ومسحه بالماء (تيمم له) أي: للجريح ونحوه، لما تقدم.

(1)

ولا يلزمه استقراض الماء. "ش".

ص: 395

(و) يتيمم أيضًا (لما يتضرر بغسله مما قرب منه) أي: من الجريح ونحوه، لمساواته له في الحكم (فإن عجز عن ضبطه) أي: ضبط الجريح وما قرب منه، مما يتضرر بغسله (لزمه أن يستنيب إن قدر) على الاستنابة، بأن وجد من يستنيبه وأجرته إن طلبها (وإلا) أي: وإن لم يقدر على الاستنابة (كفاه التيمم) فيصلي بها، ولا إعادة.

(فإن أمكن مسحه) أي: الجرح، ونحوه (بالماء وجب) المسح (وأجزأ) لأن الغسل مأمور به والمسح بعضه، فوجب، كمن عجز عن الركوع، والسجود، وقدر على الإيماء. فإن كان الجرح نجسًا، فقال في "التلخيص": يتيمم، ولا يمسح. ثم إن كانت النجاسة معفوًا عنها ألغيت، واكتفى بنية الحدث، وإلا نوى الحدث، والنجاسة إن شرطت فيها، قاله في "المبدع".

(وإن كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء، لزم مراعاة ترتيب، وموالاة في وضوء) لا غسل (فيتيمم له) أي: للجرح (عند غسله، لو كان صحيحًا) لأن البدل يعطى حكم مبدله.

(فإن كان الجرح في الوجه قد استوعبه) وأراد الوضوء (لزمه التيمم أولًا) لقيامه مقام غسل الوجه (ثم يتم الوضوء.

وإن كان) الجرح (في بعض الوجه خُيّر بين غسل الصحيح منه) أي: من الوجه (ثم يتيمم، وبين التيمم) أولًا (ثم يغسل صحيح وجهه) لأن العضو الواحد لا يعتبر فيه ترتيب (ثم يكمل وضوءه.

وإن كان الجرح في عضو آخر) غير الوجه (لزمه غسل ما قبله) مرتبًا (ثم كان الحكم فيه) أي: الجريح (على ما ذكرنا في الوجه) فإن استوعبه الجرح تيمم بعد غسل ما قبله، وإن لم يستوعبه، خير بعد غسل ما قبله بين أن يتيمم للجرح ثم يغسل الباقي، أو يغسل الصحيح، ثم يتيمم للجرح.

ص: 396

(وإن كان) الجرح (في وجهه، ويديه، ورجليه، احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله؛ ليحصل الترتيب) ولو غسل صحيح وجهه، ثم تيمم لجرحه وجرح يديه تيممًا واحدًا لم يجزئه؛ لأنه يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حال واحدة، فيفوت الترتيب.

لا يقال: يبطل هذا بالتيمم عن جملة الطهارة حيث يسقط الفرض عن جميع الأعضاء جملة واحدة؛ لأنه إذا كان عن جملة الطهارة فالحكم له دونها. وإن كان عن بعضها ناب عن ذلك البعض، فاعتبر فيه ما يعتبر فيما ينوب عنه من الترتيب.

(ويبطل وضوؤه، وتيممه بخروج الوقت) فلو كان الجرح في رجله فتيمم له عند غسلها، ثم بعد زمن لا تمكن فيه الموالاة خرج الوقت بطل تيممه، وبطلت طهارته بالماء أيضًا، لفوات الموالاة، فيعيد غسل الصحيح، ثم يتيمم عقبه.

(ولا تبطل طهارته بالماء، إن كان غسلًا لجنابة ونحوها) كحيض، أو نفاس (بخروجه) أي: الوقت (بل) يبطل (التيمم فقط) لأن غسل الجنابة ونحوها لا يعتبر فيه ترتيب ولا موالاة بخلاف الوضوء.

(وإن وجد ما يكفي بعض بدنه، لزمه استعماله جنبًا كان، أو محدثًا، ثم تيمم للباقي) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتُكُمْ بأمرٍ فائْتُوا منهُ ما استطعْتُمْ" رواه البخاري

(1)

. ولأنه قدر على بعض الشرط، فلزمه كالسترة.

ولا يصح أن يتيمم قبل استعماله، لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً

(1)

فى الاعتصام، باب 2، حديث 7288، ورواه -أيضًا- مسلم في الحج، حديث 1337، وفى الفضائل، حديث 130، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 397

فَتَيَمَّمُوا}

(1)

فاعتبر استعماله أولًا ليتحقق الشرط الذي هو عدم الماء، وليتميز المغسول عن غيره، ليعلم ما يتيمم له.

وإن تيمم في وجهه، ثم وجد ماء طهورًا يكفي بعض بدنه بطل تيممه. قال في "الرعاية": إن وجب استعماله بطل، وإلا فلا.

(وإن وجد ترابًا لا يكفيه للتيمم، استعمله وصلى) قلت: ولا يزيد على ما يجزئ على ما يأتى. وظاهره: ولا إعادة. وفي "الرعاية": ثم يعيد الصلاة إن وجد ما يكفيه من ماء، أو تراب.

(ومن كان على بدنه نجاسة، وهو محدث، والماء يكفى أحدهما، غسل النجاسة، ثم تيمم من الحدث)، ولو كانت النجاسة في ثوبه أو بقعته فكذلك (إلا أن تكون النجاسة في محل يصح تطهيره من الحدث فيستعمله) أي: الماء (فيه عنهما) أي: عن الحدث والنجس. قاله المجد.

قلت: وهذا واضح إن كان الحدث أكبر.

فإن كان أصغر، فعلى كلامهم: لابد من مراعاة الترتيب. فإن كان لا يبقى للنجاسة ما يزيلها بعد مراعاته، قدمها، كما لو كانت بغير أعضاء الوضوء.

(ولا يصح تيممه إلا بعد غسل النجاسة) تحقيقًا لشرطه

(2)

.

(ولو كانت النجاسة فى ثوبه) أو بقعته (غسله أولًا، ثم تيمم) لما تقدم.

(1)

سورة النساء، الآية:43.

(2)

أي التيمم وهو عدم الماء.

ص: 398

فصل

(ومن عدم الماء وظن وجوده) لزمه طلبه؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}

(1)

ولا يقال: "لم يجد" إلا لمن طلب؛ ولأن التيمم بدل؛ فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل، كالصيام في كفارة الترتيب.

(أو شك) أي: تردد في وجود الماء (ولم يتحقق عدمه) ولو ظن عدم وجوده، قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب (لزمه طلبه) أي: الماء (في رحله) أي: مسكنه وما يستصحبه من الأثاث (وما قرب منه عرفًا) لما تقدم (فيفتش من رحله ما يمكن أن يكون فيه) إذ تفتيش ما لا يمكن أن يكون فيه طلب للمحال.

(ويسعى في جهاته الأربع) قدامه، ووراءه، ويمينه، وشماله (إلى ما قرب منه مما عادة القوافل السعي إليه) لأن ذلك هو الموضع الذي يطلب الماء فيه عادة.

(ويسأل رفقته) ذوي الخبرة بالمكان (عن موارده) أي: الماء (و) يسألهم (عن ماء معهم ليبيعوه له، أو يبذلوه) له.

قال في "المغني" و"الشرح": وإن كان له رفقة يُدِل عليهم طلبه منهم.

(ووقت الطلب بعد دخول الوقت) لأنه إذن يخاطب بالصلاة، وبشروطها (فلا أثر لطلبه قبل ذلك) أي: قبل دخول الوقت، لأنه ليس مخاطبًا بالتيمم قبله.

(فإن رأى خضرة، أو) رأى (شيئًا يدل على الماء لزمه قصده،

(1)

سورة النساء، الآية:43.

ص: 399

فاستبرأه) ليتحقق شرط التيمم.

(وان كان بقربه ربوة، أو شيء قائم أتاه فطلبه) أي: فتش (عنده) قطعًا للشك.

(وإن كان سائرًا طلبه أمامه) فقط، لأن في طلبه فيما عدا ذلك ضررًا به.

(فإن دله) أي: أرشده (عليه ثقة) أي: عدل ضابط، لزمه قصده، إن كان قريبًا عرفًا.

(أو علمه قريبًا) عرفًا (لزمه قصده) ولم يصح تيممه إذن، لقدرته على استعماله، حيث لم يخف ضررًا، ولا فوت وقت ولا رفقة.

(ويلزمه) أي: عادم الماء (طلبه لوقت كل صلاة) لأنه مخاطب بها وبشروطها، كلما دخل وقتها. وهذا كله إذا لم يتحقق عدمه، كما يفهم مما سبق في كلامه؛ فإن تحقق عدمه لم يلزمه طلبه؛ لأنه أثر لطلب شيء متحقق العدم.

(ومن خرج إلى أرض) أي: مزارع، ومحتطبات (بلده لحرث، أو صيد، أو احتطاب، ونحوها) كأخذ حشيش، وكما لو خرج لحصاد ودياس ونحوه (حمله) أي: الماء معه وجوبًا (إن أمكنه) حمله، لأنه لا عذر إذن في عدم حمله، والواجب لا يتم إلا به (فإن لم يمكنه حمله، ولا الرجوع) إلى محل الماء (للوضوء) أو نحوه (إلا بتفويت حاجته تيمم) لأنه عادم للماء (وصلى، ولا يعيد) وكذا لو حمله وفقد، أو لم يحمله لغير عذر (كما لو كانت حاجته في أرض قرية أخرى) غبر بلده (ولو كانت قريبًا) لما تقدم أنه لا فرق بين بعيد السفر وقريبه، لعموم قوله تعالى:{أَوْ عَلَى سَفَرٍ}

(1)

.

(1)

سورة النساء، الآية:43.

ص: 400

(ولو مر بماء قبل الوقت، أو كان معه) الماء (فأراقه) قبل الوقت (ثم دخل الوقت، وعدم الماء) فلا إثم عليه، لعدم تفريطه؛ لأنه ليس مخاطبًا بالطهارة قبل دخول وقت الصلاة. و (صلى بالتيمم) لأنه عادم الماء (ولا إعادة عليه) لأنه أتى بما هو مكلف به.

(وإن مر به) أي: الماء (في الوقت، وأمكنه الوضوء ولم يتوضأ، ويعلم أنه لا يجد غيره) حرم، لتفريطه بترك ما هو واجب عليه بلا ضرورة.

فإن لم يمكنه الوضوء، أو توضأ ثم انتقض بعد مفارقة الماء وبعده عنه، أو كان لا يعلم أنه لا يجد غيره، فلا إثم عليه، لعدم تفريطه.

(أو كان) الماء (معه فأراقه في الوقت) حرم، لأنه وسيلة إلى فوات الطهارة بالماء الواجبة.

(أو باعه) أي: الماء فيه أي: الوقت (أو وهبه فيه) لغير محتاج لشرب (حرم) عليه ذلك، لما تقدم (ولم يصح البيع و) لا (الهبة) لأنه تعلق به حق الله تعالى. فهو كالمنذور عتقه نذر تبرر، لعجزه عن تسليمه شرعًا.

(أو وهب له) ماء أو بذل قرضًا في الوقت (فلم يقبله حرم) عليه (أيضًا) لتفويته الطهارة الواجبة.

(وإن تيمم وصلى في الجميع) أي: جميع الصور المتقدمة (صح) تيممه وصلاته لعدم قدرته على الماء حينئذ. أشبه ما لو فعل ذلك قبل الوقت (ولم يعد) الصلاة؛ لأنها صلاة بتيمم صحيح، لما تقدم.

وهذا كله إذا كان الماء قد عدم، فإن كان باقيًا وقدر على تحصيله لم يصح تيممه، ولا صلاته؛ لقدرته على الماء، ولم يقيد به لوضوحه.

(وإن نسي الماء) وتيمم لم يجزئه، قال في "الفروع": ويتوجه: أو ثمنه، أي: إذا كان الماء يباع ونسي ثمنه، وتيمم، وصلى لم يجزئه؛ لأن

ص: 401

النسيان لا يخرجه عن كونه واجدًا. وشرط إباحة التيمم عدم الوجدان، ولأنها طهارة تجب مع الذكر. فلم تسقط بالنسيان كالحدث.

(أو جهله) أي: الماء (بموضع يمكنه استعماله وتيمم، لم يجزئه) لتقصيره، كمصل عريانًا ناسيًا، أو جاهلًا بالسترة، ومكفر بصوم ناسيًا، أو جاهلًا وجود الرقبة (كأن يجده) أي: الماء (بعد ذلك) أي: التيمم (فى رحله وهو) أي: رحله (في يده) المشاهدة، أو الحكمية (أو) يجده (ببئر بقربه، أعلامها ظاهرة) وكان يتمكن من تناوله منها، فلا يصح تيممه إذن، ولا صلاته لما تقدم.

(فأما إن ضل عن رحله وفيه الماء وقد طلبه) فإن التيمم يجزئه. ولا إعادة عليه.

(أو) تيمم ثم وجد بئرًا بقربه، و (كانت أعلام البئر خفية ولم يكن يعرفها) قبل ذلك (أو كان يعرفها وضل عنها فإن التيمم يجزئه، ولا إعادة عليه لأنه ليس بواجد للماء، وغير مفرط.

(وإن أدرج أحد الماء في رحله، ولم يعلم به) حتى صلى بالتيمم، فإنه يعيد لتفريطه بعدم طلبه في رحله.

(أو كان الماء مع عبده، ولم يعلم به السيد، ونسي العبد أن يعلمه حتى صلى بالتيمم، فإنه يعيد) ما صلاه بذلك التيمم، كما لو كان النسيان منه، وكنسيانه رقبة مع عبده، وقيل: لا يعيد، لأن التفريط من غيره.

(ويتيمم لجميع الأحداث) أما الأكبر. فلقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}

(1)

والملامسة الجماع.

وعن عمران بن حصين أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "رأى رجلًا معتزِلًا لم يصلِّ مَعَ

(1)

سورة النساء، الآية:43.

ص: 402

القومِ، فقال: ما مَنعَكَ أنْ تُصَلِّيَ؟ فقال: أصابتْنِي جنابةٌ ولا ماءَ، فقال: عليكَ بالصعيدِ، فإنه يَكْفِيكَ" متفق عليه

(1)

.

والحائض والنفساء إذا انقطع دمهما، والكافر إذا أسلم كالجنب.

وأما الأصغر فبالإجماع، وسنده قوله تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}

(2)

.

وقوله: صلى الله عليه وسلم: "الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم"

(3)

.

ولأنه إذا جاز للجنب جاز لغيره من باب أولى.

(ولنجاسة على جرح، وغيره على بدنه فقط، تضره إزالتها، أو) يضره (الماء) الذي يزيلها به، لعموم حديث أبي ذر، ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة، أشبهت الحدث.

واختار ابن حامد، وابن عقيل: لا يتيمم لنجاسة أصلًا كجمهور العلماء؛ لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث، وغسل النجاسة ليس في معناه، لأن الغسل إنما يكون في محل النجاسة دون غيره.

وعلم من قوله: فقط: أنه لا يتيمم لنجاسة ثوبه، ولا بقعته، لأن البدن له مدخل في التيمم، لأجل الحدث. فدخل فيه التيمم لأجل النجس. وذلك معدوم في الثوب، والمكان.

ولا يتيمم لنجاسة معفو عنها.

(ولا إعادة) لما صلاه بالتيمم للنجاسة على البدن، كالذي يصليه بالتيمم للحدث، وإنما يتيمم لنجاسة البدن (بعد أن يخفف منها ما أمكنه) تخفيفه

(1)

البخاري في التيمم، باب 6، 9، حديث 344 مطولًا، 348، وفي المناقب باب 25 حديث 3571، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 682 مطولًا.

(2)

سورة النساء، الآية:43.

(3)

تقدم تخريجه ص 289/ تعليق رقم 1.

ص: 403

بحك يابسة، ومسح رطبة (لزومًا) أي: وجوبًا، فلا يصح التيمم لها قبل ذلك، لأنه قادر على إزالتها في الجملة، لحديث:"إذا أمرتُكم بأمرٍ فائتُوا منه ما اسْتَطَعتُمْ"

(1)

.

(وإن تيمم حضرًا، أو سفرًا خوفًا من البرد) ولم يمكنه تسخينه، ولا استعماله على وجه لا يضره، وتقدم (وصلى، فلا إعادة عليه) لحديث عمرو ابن العاص. وتقدم

(2)

. ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ولو وجبت لأمره بها؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. وقيس الحضر على السفر.

(ومن عدم الماء والتراب، أو لم يمكنه استعمالهما) أي: الماء والتراب (لمانع، كمن به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم. صلى) الفرض فقط (على حسب حاله وجوبًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتُكُمْ بأمرٍ فائْتُوا منهُ ما اسْتَطَعْتُم"(1).

ولأن العجز عن الشرط لا يوجب ترك المشروط، كما لو عجز عن السترة والاستقبال.

(ولا إعادة) لما روي عن عائشة: "أنها استعَارتْ منْ أسْمَاءَ قلادةً فضلَّتْهَا، فبعثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجالًا في طلَبِهَا، فوجَدُوهَا، فأدركَتْهُم الصلاةُ، وليَس معهُم ماءٌ فصلوا بغيرِ وضوءٍ فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلَ اللهُ آيةَ التيمُّم" متفق عليه

(3)

. ولم يأمرهم بالإعادة، ولأنه أحد شروط الصلاة، فسقط

(1)

تقدم تخريجه ص/ 397 تعليق رقم 1.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 390 تعليق 2.

(3)

البخاري في التيمم، باب 1، حديث 334، وباب 2، حديث 336، وفي فضائل الصحابة، باب 5، حديث 3672، وباب 30، حديث 3773، وفي تفسير سورة النساء، باب 10، حديث 4583، وتفسير سورة المائدة باب 3 حديث 4607، 4608، وفي النكاح، باب 65، حديث 5164، وفي اللباس، باب 58، حديث 5882، وفي الحدود، باب 39، حديث 6844. ومسلم في الحيض، حديث 367.

ص: 404

عند العجز. كسائر شروطها.

(ولا يزيد هنا على ما يجزئ في الصلاة من قراءة، وغيرها) فلا يقرأ زائدًا على الفاتحة، ولا يسبح أكثر من مرة، ولا يزيد على ما يجزئ في طمأنينة ركوع، أو سجود، أو جلوس بين السجدتين، وإذا فرغ من قراءة الفاتحة ركع في الحال، وإذا فرغ مما يجزئ في التشهد الأول نهض في الحال، وإذا فرغ مما يجزئ في التشهد الأخير سلم في الحال.

(ولا يتنفل، مَنْ عدم الماء، والتراب، ونحوه؛ لأنه إنما أبيح له الفرض لدعاء الضرورة إليه.

(ولا يؤم) من يصلي على حسب حاله (متطهرًا بماء، أو تراب) لعدم صحة اقتداء المتطهر بالمحدث العالم بحدثه، وعلم منه أنه يؤم مثله.

(ولا يقرأ في غير صلاة إذ كان جنبًا، ونحوه) كحائض ونفساء؛ لما تقدم فى الغسل.

(وتبطل صلاته) أي: صلاة المصلي على حسب حاله (بالحدث فيها) وبطروء نجاسة لا يعفى عنها؛ لأن ذلك ينافي الصلاة، فاقتضى وجوده بطلانها على أي حالة كانت، ثم يستأنفها على حسب حاله.

و (لا) تبطل صلاة المصلي على حسب حاله (بخروج وقتها) بخلاف صلاة المتيمم؛ لأن التيمم يبطل. فتبطل الصلاة بخلاف ما هنا.

(وتبطل الصلاة على الميت إذا لم يغسل، ولم ييمم). لعدم الماء، والتراب، وصلى عليه (بغسله أو بتيممه) متعلق بتبطل، والمراد بوجود ما يغسل به أو ييمم به (بعدها) أي: بعد الصلاة عليه.

(وتعاد الصلاة عليه) أي: على الميت بعد أن يغسل أو ييمم وجوبًا للقدرة عليها بشرطها.

ص: 405

(ويجوز نبشه) بعد دفنه (لأحدهما) أي: للغسل أو التيمم (مع أمن تفسخه) لأنه مصلحة بلا مفسدة.

فإن خيف تفسخه لم ينبش.

ص: 406

‌فصل

(ولا يصح التيمم إلا بتراب طهور)

؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}

(1)

وما لا غبار له، كالصخر لا يمسح بشيء منه.

وقال ابن عباس: "الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر"

(2)

.

يؤكده قوله صلى الله عليه وسلم: "وجُعِلَ لي الترابُ طَهُورًا" رواه الشافعي، وأحمد من حديث علي

(3)

. وهو حديث حسن، فخص ترابها بحكم الطهارة، وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه.

(1)

سورة المائدة، الآية:6.

(2)

رواه عبد الرزاق (1/ 211)، حديث 814، وابن أبي شيبة (1/ 161)، والبيهقي (1/ 214) عن ابن عباس رضى الله عنهما بلفظ: أطيب الصعيد أرض الحرث. وفي لفظ: الصعيد الحرث، حرث الأرض.

وذكره الحافظ في المطالب العالية (3/ 439) حديث 160، وعزاه إلى أبي يعلى، وقال: موقوف حسن. وقال البوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة (1/ 271): موقوف رجاله ثقات.

(3)

رواه أحمد: (1/ 98، 158)، ولم نجده عند الشافعي من رواية علي رضي الله عنه، ورواه -أيضًا- ابن أبي شيبة (11/ 434)، والبزار في مسنده (2/ 251) حديث 656، والبيهقي (1/ 213 - 214)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 260) وقال:

الحديث حسن، وقال في موضع آخر (8/ 269): إسناده جيد. وحسن إسناده -أيضًا- الحافظ في الفتح (1/ 438).

وله شاهد من حديث حذيفة رضي الله عنه أخرجه مسلم في المساجد حديث 522.

ص: 407

والقول بأن "من" لابتداء الغاية، قال في "الكشاف"

(1)

: قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسح برأسه من الدهن، ومن الماء، والتراب، إلا معنى التبعيض. والإذعان للحق أحق من المراء.

فلا يصح التيمم برمل، ونحت حجارة، ونحوه، ولا بتراب زالت طهوريته، وتأتي تتمته.

(مباح) فلا يصح بمغصوب ونحوه، لحديث:"من عملَ عملًا ليسَ عليهِ أمرنا فهو ردٌّ"

(2)

. قال في "الفروع": وتراب مغصوب كالماء، وظاهره: ولو تراب مسجد، وفاقًا للشافعي

(3)

، وغيره. ولعله غير مراد، فإنه لا يكره بتراب زمزم، مع أنَّه مسجد.

(غير محترق) فلا يصح التيمم بما حرق من خزف، ونحوه؛ لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب.

(له غبار يعلق باليد) أو غيرها لما تقدم. (ولو على لبد أو غيره) كثوب، وبساط، وحصير، وحائط، وصخرة، وحيوان، وبرذعة حمار، وشجر، وخشب، وعدل شعير، ونحوه، مما عليه غبار طهور (حتى مع وجود تراب) ليس على شيء مما تقدم فلا يصح التيمم بسبخة، ونحوها مما ليس له غبار.

و (لا بطين) رطب، لأنه ليس بتراب (لكن إن أمكنه تجفيفه والتيمم به قبل خروج الوقت، لزمه ذلك) لأنه قادر على استعماله في الوقت، فلزمه كما لو وجد ماء ببئر، فإن لم يمكنه إلا بعد خروج الوقت، لم يلزمه.

(ولا) يصح التيمم (بتراب مقبرة تكرر نبشها) لاختلاطه بالصديد (فإن لم

(1)

الكشاف للزمخشرى (1/ 398).

(2)

تقدم تخريجه ص/ 46 تعليق رقم 1.

(3)

ينظر المجموع (2/ 176، 183).

ص: 408

يتكرر) نبشها (جاز) التيمم بترابها.

وإن شك فيه، أو في نجاسة التراب الذي يتيمم به، جاز التيمم به؛ لأن الأصل الطهارة، قاله في "الشرح" ومنع منه ابن عقيل، وإن لم يتكرر.

(وأعجب الإمام أحمد حمل التراب لأجل التيمم) احتياطًا للعبادة (وقال الشيخ

(1)

وغيره: لا يحمله) قال في "الفروع": وهو أظهر، وقال في "الإنصاف":(وهو الصواب) إذ لم ينقل عن الصحابة، ولا غيرهم من السلف فعل ذلك، مع كثرة أسفارهم.

(ولو وجد ثلجًا وتعذر تذويبه، لزمه مسح أعضائه) الواجب غسلها (به) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمرٍ فائتُوا منهُ ما استَطعتُم"

(2)

؛ ولأنه ماء جامد تعذر أن يستعمل الاستعمال المعتاد وهو الغسل، لعدم ما يذيبه، فوجب أن يستعمل الاستعمال المقدور عليه (ويعيد) الصلاة إن لم يجر على الأعضاء بالمس، لأنه صلى مع وجود الماء في الجملة بلا طهارة كاملة، ومثله لو صلى بلا تيمم، مع وجود طين يابس عنده، لعدم ما يدقه به، ليصير له غبار.

(وإن كان) الثلج (يجري) أي: يسيل على الأعضاء (إذا مس يده) وغيرها من باقى الأعضاء (لم يعد) الصلاة حيث جرى بالمس. لوجود الغسل المأمور به، وإن كان خفيفًا.

(ولو نحت الحجر حتى صار ترابًا، لم يصح التيمم به) لما تقدم، (لا الطين الصلب كـ) ـالطين (الأرمني إذا دقه) وصار له غبار، فإنه يصح التيمم به، لأنه تراب.

(فإن خالط التراب) الطهور (ذو غبار لا يصح التيمم به، كالجص

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 36.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 397 تعليق رقم 1.

ص: 409

ونحوه) كالنورة، ودقيق البر، ونحوه (فكالماء إذا خالطته الطاهرات) فإن كانت الغلبة للتراب جاز، وإن كانت للمخالط لم يجز، ذكره القاضي، وأبو الخطاب. قياسًا على الماء.

وإن خالطه نجاسة، فقال ابن عقيل: لا يجوز التيمم به، وإن كثر التراب، لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه، فهو كالمائعات.

(ولا يكره التيمم بتراب زمزم مع أنه مسجد، وما تيمم به) وهو ما تناثر من الوجه واليدين، أو بقي عليهما بعد مسحهما به (كماء مستعمل) لأنه استعمل في طهارة أباحت الصلاة، فأشبه الماء.

(ولا بأس بما تيمم منه) يعني لو تيمم جماعة من موضع واحد، فلا بأس بذلك، بلا خلاف، كما لو توضؤوا من حوض واحد يغترفون منه.

(وتشترط النية لما يتيمم له) من حدث أو خبث، لحديث:"إنما الأعمال بالنيات"

(1)

؛ ولأن التيمم طهارة حكمية، بخلاف غسل النجاسة.

(ولو يممه غيره فكوضوء) إن نواه المفعول به صح، إن لم يكن الفاعل مكرهًا (وتقدم فيه) باب الوضوء.

(فينوي) بالتيمم (استباحة ما لا يباح إلا به) كالصلاة ونحوها، ويعين ما يتيمم له وفرضه، إن كان له نفل؛ لقوله عليه السلام:"وإنما لكلّ امرئٍ ما نوى"

(1)

.

(فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه) لأن التيمم غير رافع، كما تقدم بخلاف الوضوء والغسل.

(1)

تقدم تخريجه ص/193 تعليق رقم 2.

ص: 410

فصل

(وفرائضه) أي: التيمم عن حدث أصغر (أربعة) أشياء:

(مسح جميع وجهه ولحيته) لقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}

(1)

واللحية من الوجه، لمشاركتها له في حصول المواجهة (سوى ما تحت شعره ولو خفيفًا، و) سوى (مضمضة، واستنشاق) فلا يدخل التراب فمه، وأنفه، قال في "الإنصاف": قطعًا (بل يكرهان) لما فيهما من التقذير.

(فإن بقي من محل الفرض شيء لم يصله التراب، أمرَّ يده عليه ما لم يفصل راحته) لأن الواجب تعميم المسح، لا تعميم التراب، لقوله تعالى:{فَامْسَحُوا} (فإن فصلها) أي: الراحة (وقد كان بقي عليها غبار، جاز أن يمسح بها) ما بقى من محلّ الفرض؛ لأنه غبار طهور (وإن لم يبق عليها شيء) من الغبار (ضرب ضربة أخرى) ليحصل مسح باقي محلّ الفرض بالتراب.

(وإن نوى) استباحة ما يتيمم له (وأمر وجهه على التراب) ومسحه به، صح.

(أو) نوى ثم (صمده) أي: وجهه (للريح، فعم التراب) الوجه (ومسحه به صح) التيمم، إذا أتمه؛ لوجود المسح بالتراب الطهور بعد النية، كما لو صمد أعضاء الوضوء بعد نيته لمطر، أو ميزاب، حتى جرى الماء عليها.

و (لا) يصح تيممه (إن سفته) أي: التراب (ريح قبل النية، فمسح به) ما يجب مسحه، لمفهوم قوله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا}

(1)

لأنه لم يقصده.

(1)

سورة المائدة، الآية:6.

ص: 411

(و) الفرض الثاني (مسح يديه إلى كوعيه) لقوله تعالى: {وَأَيْدِيكُمْ}

(1)

وإذا علق حكم بمطلق اليدين، لم يدخل فيه الذراع، كقطع السارق، ومس الفرج، ولحديث عمار قال:"بعثَنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ، فأجْنَبْتُ، فلم أجد ماءً، فتمرغتُ في الصَّعيدِ كما تتمرَّغُ الدابة، ثمَّ أتيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلكَ لهُ. فقال: إنما كانَ يكفيكَ أن تقول بيديكَ هكَذا، ثم ضربَ بيَديهِ الأرضَ ضربةً واحدةً، ثمَّ مسح الشمالَ على اليمينِ، وظاهر كفيهٍ ووجهَهُ" متفق عليه

(2)

.

وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمرهُ بالتيمُّمِ للوَجهِ والكَفَّينِ"

(3)

صححه الترمذي.

وأما رواية أبي داود: "إلى المرفقين"

(4)

فلا يعول عليها، لأنه إنما رواها سلمة، وشك فيها. ذكر ذلك النسائي، فلا تثبت مع الشك مع أنه قد أنكر عليه، وخالف به سائر الرواة الثقات.

(1)

سورة المائدة، الآية:6.

(2)

البخاري في التيمم، باب 8، حديث 347، ومسلم في الحيض، حديث 368.

(3)

رواه الترمذي في الطهارة، باب 110، حديث 144، وأبو داود في الطهارة، باب 123، حديث 327، وابن أبي شيبة (1/ 159)، وأحمد (4/ 263)، والدارمي في التيمم باب 65، حديث 751، وابن الجارود (126)، وأبو يعلى (3/ 183)، حديث 1608، وابن خزيمة (1/ 134) حديث 267، وابن المنذر في الأوسط (2/ 51) حديث 545، والطحاوي (1/ 112)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 127، 132) حديث 1303، 1308، والدارقطني (1/ 182، 183)، والبيهقي (1/ 210)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، ونقل تصحيحه عن إسحاق بن راهويه. وقال الدارمي: صح إسناده.

(4)

سنن أبي داود الطهارة، باب 123، حديث 328، ورواه -أيضًا- الدارقطني (1/ 182)، والبيهقي (1/ 210)، وفي سنده رجل لم يسم، ولذا قال البيهقي: فهو منقطع. وبه أعله ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 431، 545).

ص: 412

(فلو قطعت يده من الكوع لا من فوقه، وجب مسح موضع القطع) لبقاء بعض محل الفرض، كما لو قطعت من دون الكوع.

(وتجب التسمية) في تيمم، وظاهره: ولو عن نجاسة ببدن (كوضوء، وتقدم) في باب الوضوء.

(و) الفرض الثالث، والرابع:(ترتيب، وموالاة في غير حدث أكبر) يعني في حدث أصغر؛ لأن التيمم مبني على الطهارة بالماء، والترتيب والموالاة فرضان في الوضوء فكذا في التيمم القائم مقامه، وخرج التيمم لحدث أكبر، ونجاسة ببدن، فلا يعتبر فيه ترتيب، ولا موالاة.

(وهي) أي: الموالاة (هنا) أي: في التيمم أن لا يؤخر مسح عضو عما قبله (زمنًا بقدرها في الوضوء) أي: بحيث لو قدر مغسولًا لجف بزمن معتدل.

(ويجب تعيين النية لما يتيمم له) كصلاة، وطواف، ومس مصحف (من حدث أصغر، أو أكبر، أو نجاسة على بدنه) لأن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يبيح الصلاة، فلم يكن بد من التعيين تقويه لضعفه.

وصفة التعيين: أن ينوى استباحة صلاة الظهر مثلًا من الجنابة إن كان جنبًا، أو من الحدث إن كان محدثًا، أو منهما إن كان جنبًا محدثًا. وما أشبه ذلك.

(وإن كان) التيمم (عن جرح في عضو من أعضائه، نوى التيمم عن غسل ذلك العضو) الجريح، إن لم يمكن مسحه بالماء بلا ضرر، وإن كان الجريح جنبًا فهو مخير؛ إن شاء قدَّم التيمم على الغسل، وإن شاء أخَّره، بخلاف ما إذا كان التيمم لعدم ما يكفيه لجميع أعضائه. فإنه يلزمه استعمال الماء أولًا. كما تقدم.

ص: 413

(فإن نوى جميعها) أي: نوى استباحة الصلاة من الحدث الأكبر، والأصغر، والنجاسة ببدنه (صح) تيممه (وأجزأه) لأن كل واحد يدخل في العموم. فيكون منويًا.

(وإن نوى أحدها) أي: المذكورات (لم يجزئه عن الآخر) أي: عن الذي لم ينوه لحديث: "وإنما لكل امرئٍ ما نوى"

(1)

(فلو تيمم للجنابة) ونحوها (دون الحدث) الأصغر (أبيح له ما يباح للمحدث، من قراءة ولبث في مسجد. ولم تبح له صلاة، و) لا (طواف، و) لا (مس مصحف) لأنه لم ينو الاستباحة من الحدث الأصغر.

(وإن أحدث) من تيمم للجنابة، ونحوها (لم يؤثر ذلك في تيممه) لأن حكمه حكم مبدله، وهو الغسل.

(وإن تيمم للجنابة والحدث، ثم أحدث بطل تيممه للحدث، وبقي تيمم الجنابة) حتى يخرج الوقت، أو يوجد موجب الغسل.

وكذا لو تيمم للحدث والخبث ببدنه، وأحدث، بطل تيممه للحدث، وبقي تيممه للخبث.

(ولو تيممت بعد طهرها من حيضها) أو نفاسها (لحدث الحيض) أو النفاس (ثم أجنبت) أو أحدثت (لم يحرم وطؤها) لبقاء حكم تيممها.

(وإن تنوعت أسباب أحد الحدثين ونوى) الاستباحة من (أحدها أجزأ) التيمم (عن الجميع) لأنَّ حكمها واحد، وهو إما إيجاب الوضوء، أو الغسل وكطهارة الماء، لكن لو نوى الاستباحة من أحدها على أن لا يستبيح من غيره، لم يجزئه على قياس ما تقدم في الوضوء، وأولى.

(ومن نوى) بتيممه (شيئًا) أي: استباحة شيء تشترط له الطهارة

(1)

تقدم تخريجه ص/ 193 تعليق رقم 2.

ص: 414

(استباحه) لأنه منوي (و) استباح (مثله) فمن نوى بتيممه صلاة الظهر مثلًا، فله فعلها، وفعل مثلها، كفائتة. لأنهما في حكم صلاة واحدة (و) استباح (دونه) أي: دون ما نواه، كالنفل في المثال، لأنه أخف. ونية الفرض تتضمنه.

و (لا) يستبيح من نوى شيئًا (أعلى منه) فمن نوى النفل لا يستبيح الفرض. لأنه ليس منويًا لا صريحًا، ولا ضمنًا.

(فإن نوى نفلًا) لم يصل إلَّا نفلًا، لما تقدم.

(أو أطلق النية للصلاة) بأن نوي استباحة الصلاة، ولم ينو فرضًا، ولا نفلًا (لم يصل إلا نفلًا) لأن التعيين شرط، ولم يوجد في الفرض، وإنما أبيح النفل، لأنه أقل ما يحمل عليه الإطلاق. والطواف كالصلاة فيما تقدم.

(وإن نوى) بتيممه (فرضًا) كظهر، أو عصر (فعله، و) فعل (مثله، كمجموعة وفائتة، و) فعل ما (دونه) كمنذورة ونافلة، لما تقدم (فأعلاه) أي: أعلى ما يباح بالتيمم (فرض عين) كالصلوات الخمس (فنذر) صلاة (فـ) ـفرض (كفاية، فنافلة، فطواف نفل).

قال في "الشرح": وإن نوى نافلة أبيح له قراءة القرآن، ومس المصحف، والطواف، لأن النافلة آكد من ذلك كله، لكون الطهارة مشترطة لها بالإجماع. قال: وإن نوى فرض الطواف استباح نفله. ولا يستبيح الفرض منه بنيه النفل، كالصلاة.

وقال في "المبدع": ويباح الطواف بنية النافلة في الأشهر، كمس المصحف.

قال الشيخ تقي الدين

(1)

: ولو كان الطواف فرضًا، خلافًا لأبي المعالي.

(1)

انظر مجموع الفتاوى (21/ 440 - 441).

ص: 415

(فمس المصحف، فقراءة، فلبث) وسكوتهم عن الوطء يعلم أنه دون الكل.

(ولو تيمم صبي لصلاة فرض، ثم بلغ، لم يجز له أن يصلي به فرضًا، لأن ما نواه كان نفلًا) وهو دون الفرض.

ص: 416

‌فصل فى مبطلات التيمم

(ويبطل التيمم بخروج الوقت) لقول علي: "التيمم لكل صلاة"

(1)

ولأنه طهارة ضرورة، فتقيد بالوقت، كطهارة المستحاضة.

(حتى) التيمم (من جنب لقراءة، ولبث في مسجد، و) حتى التيمم من (حائض لوطء، و) حتى التيمم (لطواف، و) حتى التيمم من (نجاسة) ببدن، (و) لصلاة (جنازة، ونافلة، ونحوها) كالتيمم من نفساء لوطء، فيبطل في هذه الصور كلها بخروج الوقت، كالتيمم للمكتوبة.

(1)

رواه مسدد كما في المطالب العالية (3/ 438) حديث 159، وابن أبي شيبة:(1/ 160)، والطبرى في تفسيره (5/ 114)، وابن المنذر فى الأوسط (2/ 57) حديث 550، والدارقطني:(1/ 184)، والبيهقي (1/ 221)، وهو أثر ضعيف، ضعفه ابن المنذر، وابن حزم في المحلى (2/ 131)، وابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 221 - 222)، والحافظ في المطالب العالية، وفي التلخيص الحبير (1/ 155).

وجاء مثله عن ابن عمر رضي الله عنهما، رواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 57) حديث 551، والدارقطني (1/ 184)، والبيهقي (1/ 221) وقال البيهقي: إسناده صحيح، وأقره الحافظ في الدراية (1/ 69)، وتعقبه ابن التركماني بقوله: فيه عامر الأحول، عن نافع، وعامر ضعفه ابن عيينة وابن حنبل، وفي سماعه من نافع نظر. وضعف هذا الأثر ابن حزم في المحلى (1/ 131).

وفي الباب عن ابن عباس وعمرو بن العاص رضي الله عنهم بأسانيد ضعيفة. انظر سنن البيهقي (1/ 221 - 222)، والدارقطني (1/ 184 - 185)، والأوسط لابن المنذر (2/ 57)، والتلخيص الحبير (1/ 155)، والدراية (69 - 70).

ص: 417

(ما لم يكن في صلاة جمعة) ويخرج الوقت وهو فيها، فلا يبطل مادام فيها. ويتمها لأنها لا تقضى

(1)

.

(فيلزم من تيمم لقراءة، ووطء، ونحوه) كلبث بمسجد، إذا خرج الوقت (الترك) حتى يعيد التيمم (لكن لو نوى الجمع في وقت الثانية، ثم تيمم لها) أي: للمجموعة (أو) تيمم (لفائتة في وقت الأولى، لم يبطل) التيمم (بخروجه) أي: خروج وقت الأولى؛ لأن نية الجمع صيرت الوقتين كالوقت الواحد

(2)

.

(ويبطل) التيمم (بوجود الماء لعادمه) إذا قدر على استعماله بلا ضرر، على ما تقدم. لأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:"الصعيدُ الطيبُ وضوءُ المسلم وإن لم يجدْ الماءَ عشرَ سنينَ، فإذا وجدتَ الماءَ فأمسّه جلدَك"

(3)

يدل على أنه ليس بوضوء عند وجود الماء.

(و) يبطل التيمم (بزوال عذر مبيح له) أي: للتيمم، كما لو تيمم لمرض فعوفي، أو لبرد فزال، لأن التيمم طهارة ضرورة، فيزول بزوالها.

(ثم إن وجده) أي: الماء (بعد صلاته، أو طوافه، لم تجب إعادته) لما روى عطاء بن يسار قال: "خرج رجلانِ في سفرٍ، فحضرتْ الصلاة وليس معهما ماءٌ، فتيمّما صعيدًا طيبًا، فصليَا، ثم وجدَا الماءَ في الوقت، فأعادَ أحدُهما الوضوء والصلاةَ، ولم يعدْ الآخر، ثم أتيَا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلكَ لهُ، فقالَ للَّذي لم يعدْ: أجزأتكَ صلاتُكَ. وقال للذي أعاد: لكَ الأجرُ مرتينِ" رواه

(1)

ثم هل يبطل بمجرد السلام منها أو يستمر إلي الوقت الثاني؟ لم أر من تعرض له، والأول أقرب هـ ح م ص. "ش".

(2)

ومفهومه أنه لو كان الجمع تقديمًا أنه يبطل بخروج وقت الأولى. "ش".

(3)

تقدم تخريجه ص/ 389 تعليق رقم 1.

ص: 418

أبو داود

(1)

.

قلت: فتستحب الإعادة للخبر

(2)

.

(وإن وجده) أي: الماء (فيها) أي: في الصلاة، أو الطواف (بطلت) صلاته وطوافه، ولو اندفق الماء قبل استعماله؛ لأن طهارته انتهت بانتهاء وقتها، فبطلت صلاته وطوافه. كما لو انقضت مدة المسح وهو في الصلاة (ووجبت الإعادة) إن كانت الصلاة، أو الطواف فرضًا.

(و) يبطل التيمم (بمبطلات وضوء) كخروج شيء من سبيل، وزوال عقل، ومس فرج (إذا كان تيممه عن حدث أصغر) لأنه بدل عن الوضوء فحكمه حكمه.

(و) يبطل التيمم (عن حدث أكبر بما يوجبه) كالجماع، وخروج المني بلذة (إلا غسل حيض ونفاس، إذا تيممت له. فلا يبطل بمبطلات غسل،

(1)

في الطهارة، باب 128، حديث 338، ورواه -أيضًا- النسائي في الطهارة، باب 27، حديث 431، والدارمي في الطهارة، باب 65، حديث 744، والدارقطني (1/ 188)، والحاكم (1/ 178)، والبيهقي (1/ 231)، كلهم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

ورواه أبو داود -أيضًا- حديث 339، والحاكم (1/ 179)، والبيهقي (1/ 231)، وابن أبي شيبة (2/ 433) عن عطاء بن يسار مرسلًا، وقال أبو داود: وذكر أبي سعيد فيه ليس بمحفوظ، وهو مرسل. ورجح الحافظ في إتحاف المهرة (5/ 314 - 315) الرواية المرفوعة المتصلة على المرسلة، وإليه مال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 434).

(2)

ومحله في نحو ظهر كعشاء لا صبح وعصر لأنه وقت نهي. شيخنا ع ن. "ش". لكن يرد على هذا ما جاء في "سنن أبي داود" نفسها (1/ 241): أصبت السنة وأجزأتك صلاتك. فإصابة السنة أولى. والله أعلم.

ص: 419

ووضوء، بل بوجود حيض، ونفاس) فلو تيممت بعد طهرها من الحيض له، ثم أجنبت، فله الوطء، لبقاء حكم تيمم الحيض. والوطء إنما يوجب حدث الجنابة.

(وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه) كعمامة، أو جبيرة، أو خف لبسه على طهارة (ثم خلعه، بطل تيممه نصًا) في رواية عبد الله: على الخفين. وفي رواية حنبل: عليهما، وعلى العمامة. وظاهره: لا فرق بين أن يكون مسح عليه قبل التيمم أو لا. وكذا إذا انقضت مدة المسح، لأنه معنى يبطل الوضوء، وهو وإن اختص صورة بعضوين فإنه متعلق بالأربعة حكمًا.

(ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار) بحيث يدرك الصلاة كلها قبل خروجه (لمن يعلم) وجود الماء (أو يرجو وجود الماء) في الوقت؛ لأن الطهارة بالماء فريضة، والصلاة في أول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى.

(فإن استوى عنده الأمران) أي: احتمال وجود الماء، واحتمال عدمه (فالتأخير) أي: تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار (أفضل) منه أول الوقت، لما تقدم، ولقول علي في الجنب:"يتلوَّمُ ما بينَهُ وبين آخرِ الوقْتِ، فإن وجدَ الماءَ، وإلا تيمّمَ"

(1)

وعلم منه: أن التقديم لمتحقق العدم أو ظانه، أفضل.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 160، 2/ 433)، وابن المنذر (2/ 62) حديث 557، والدارقطني (1/ 186)، والبيهقي (1/ 232 - 233)، وفي الخلافيات (2/ 524) حديث 862، كلهم من طريق الحارث، عن علي رضي الله عنه. قال البيهقي: والحارث الأعور ضعيف لا يحتج بحديثه. وقال -أيضًا-: وهذا لم يصح عن علي. وفي الباب عن عمر رضي الله عنه رواه مالك في الموطأ، الطهارة باب 20 (1/ 50)، وعبد الرزاق (1/ 244، 370)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 62) حديث 556 بسند لا بأس به.

ص: 420

(وإن تيمم) من يعلم، أو يرجو وجود الماء، أو استوى عنده الأمران (وصلى أول الوقت أجزأه) ذلك، ولا تلزمه الإعادة، إذا وجد الماء، لما تقدم.

(وصفة التيمم: أن ينوي استباحة ما يتيمم له) كفرض الصلاة من الحدث الأصغر، أو الأكبر، ونحوه.

(ثم يسمي) فيقول: "باسم الله"، لا يقوم غيرها مقامها. وتسقط سهوًا.

(ويضرب يديه مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى ما بينها (على التراب، أو) علي (غيره مما فيه غبار طهور، كلبد، أو ثوب، أو بساط، أو حصير، أو برذعة حمار، ونحوها ضربة واحدة) وتقدم لو صمد محل الفرض لريح، ونحوه، فعمه ومسحه به، أجزأه (بعد نزع خاتم، ونحوه) ليصل التراب إلى ما تحته.

(فإن علق بيديه تراب كثير، نفخه -إن شاء- وإن كان) التراب (خفيفًا، كره نفخه) لئلا يذهب، فيحتاج إلى إعادة الضرب (فإن ذهب ما عليهما) أي: اليدين (بالنفخ، أعاد الضرب) ليحصل المسح بتراب (فيمسح وجهه بباطن أصابعه، ثم كفيه براحتيه) لحديث عمار أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في التيمم: "ضربةٌ واحدة للوجهِ واليَدَينِ" رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح

(1)

. وفي "الصحيحين"

(2)

معناه من حديثه أيضًا.

وأيضًا: اليد إذا أطلقت لا يدخل فيها الذراع بدليل السرقة والمس. لا يقال: هي مطلقة في التيمم، مقيدة في الوضوء، فيحمل عليه لاشتراكهما في الطهارة؛ لأن الحمل إنما يصح إذا كان من نوع واحد، كالعتق في الظهار على

(1)

أحمد (4/ 263)، وأبو داود في الطهارة، باب 123، حديث 327. وتقدم تخريجه ص/412 تعليق رقم 3.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 412 تعليق رقم 2.

ص: 421

العتق في الخطأ. والتراب ليس من جنس الوضوء بالماء، وهو يشرع فيه التثليث. وهو مكروه هنا. والوضوء يغسل فيه باطن الفم والأنف، بخلافه هنا.

(وإن مسح بضربتين) مسح (بإحداهما وجهه، و) مسح (بالأخرى يديه أو بيد واحدة) جاز؛ لأن الغرض إيصال التراب إلى محل الفرض، وقد حصل. وقال القاضي، والشيرازي، وابن الزاغوني: المسنون ضربتان، يمسح بإحداهما وجهه، وبالأخرى يديه إلى المرفقين، لحديث جابر، وابن عمر

(1)

،

(1)

حديث جابر رضي الله عنه رواه الدارقطني (1/ 181)، والحاكم (1/ 180)، والبيهقي (1/ 207) مرفوعًا:"التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين". ورواه ابن أبي شيبة (1/ 159)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 49) حديث 539، والطحاوي (1/ 114)، والدارقطني (1/ 182)، والحاكم (1/ 180)، والبيهقي (1/ 207) بنحوه عن جابر رضي الله عنه موقوفًا.

وقد صحح الموقوف جماعة، قال الحاكم: إسناده صحيح، ووافقه الذهبي، وقال البيهقي: وإسناده صحيح، إلا أنه لم يبين الآمر له بذلك. وقال الدارقطني: الصواب موقوف.

وحكم الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 152) على رواية الرفع بالشذوذ.

وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه أبو داود في الطهارة، باب 124، حديث 330، والطيالسي ص / 253، حديث 1851، والدارقطني (1/ 177)، والبيهقي (1/ 206، 215 - 216)، والبغوي في شرح السنة (2/ 116) حديث 311، قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك، وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه، فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه. . . الحديث.

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثًا منكرًا في التيمم، ثم قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه من فعل ابن عمر. =

ص: 422

وقال أحمد: من قال ضربتين إنما هو شيء زاده. يعني لا يصح. وقال الخلال: الأحاديث في ذلك ضعاف جدًا. ولم يرو أصحاب السنن منها إلا حديث ابن عمر. وقال أحمد: ليس بصحيح، وهو عندهم حديث منكر. قال الخطابي

(1)

: يرويه محمد بن ثابت وهو ضعيف.

(أو) مسح (ببعض يده، أو بخرقة، أو خشبة، أو كان التراب ناعمًا، فوضع يديه عليه وضعًا، جاز) لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض.

فكيفما حصل جاز كالوضوء (وفي الرعاية: لو مسح وجهه بيمينه، ويمينه بيساره، أو عكس) فمسح وجهه بيساره، ويساره بيمينه (وخلل أصابعهما فيهما، صح، انتهى) يعني حيث استوعب محل الفرض بالمسح.

(وإن مسح بأكثر من ضربتين، مع الاكتفاء بما دونه، كره) قال في "المغني": لا خلاف أنه لا تسن الزيادة على ضربتين، إذا حصل الاستيعاب بهما.

(ومن حبس في المصر، أو قطع الماء) من عدو، أو غيره (عن بلده، صلى بالتيمم) لأنه عادم للماء أشبه المسافر (بلا إعادة) لأنه أدى فرضه بالبدل، فلم يكن عليه إعادة كالمسافر.

= وقال البيهقي: وقد أنكر بعض الحفاظ رفع هذا الحديث على محمد بن ثابت العبدى، فقد رواه جماعة عن نافع من فعل ابن عمر، والذي رواه غيره عن نافع من فعل ابن عمر إنما هو التيمم فقط.

وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 217).

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 151): رواه أبو داود بسند ضعيف. . . ثم ذكر كلام النقاد فيه.

وصوب أبو زرعة الموقوف كما في العلل لابن أبي حاتم حديث 136. انظر لمزيد من التفصيل التلخيص الحبير (1/ 151).

(1)

معالم السنن (1/ 18).

ص: 423

(ولا يصح التيمم) من واجد الماء القادر على استعماله بلا ضرر (خوف فوت جنازة، ولا عيد، ولا مكتوبة) لأن الله تعالى إنما أباحه عند عدم الماء وهذا واجد له كسائر الشروط.

(إلا إذا وصل مسافر إلى ماء) بنحو بئر (وقد ضاق الوقت، أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الوقت) فإنه يجوز له التيمم، لأنه غير قادر على استعماله في الوقت، أشبه العادم له.

(أو علمه) أي: علم المسافر -العادم للماء- الماء (قريبًا) عرفًا.

(أو دله) عليه (ثقة) قريبًا عرفًا (وخاف) بطلبه (فوت الوقت، أو دخول وقت الضرورة، أو فوت عدو، أو فوت غرضه المباح) كماله، جاز له التيمم، دفعًا للضرر.

(وإن اجتمع جنب، وميت، ومن عليها غسل حيض، فبذل ما يكفي أحدهم، أو نذر، أو وصى به لأولاهم به، أو وقف عليه، فلميت) أي: فيقدم به الميت يغسل به، لأن القصد من غسل الميت تنظيفه، ولا يحصل بالتيمم، والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة، وهو يحصل بالتراب، قال في "المبدع": فعلى هذا إن فضل منه شيء كان لورثته، فإن لم يكن حاضرًا للحي أخذه لطهارته بثمنه في موضعه، لأن في تركه إتلافه، أما إذا احتاج الحي إليه لعطش، فهو مقدم في الأصح اهـ، ومقتضى كلامه في "شرح المنتهى": أن ما فضل منه يكون لمن بعده في الأفضلية، دون ورثته.

(فإن كان) المبذول، أو المنذور، أو الموصي به، أو الموقوف للأولى من حي، أو ميت (ثوبًا، صلى فيه حي) فرضه (ثم كفن به ميت) ليحصل الجمع بينهما.

ص: 424

(وحائض أولى) بما تقدم من الماء (من جنب) لأنها تقضي حق الله، وحق زوجها في إباحة وطئها (وهو) أي: الجنب (أولى) بالماء (من محدث) حدثًا أصغر، لأن حدث الجنابة أغلظ، ولأنه يستفيد به ما لا يستفيده المحدث به.

(ومن كفاه) الماء (وحده منهما) أي: من الجنب، والمحدث (فهو أولى به) لأن استعماله في طهارة كاملة أولى من استعماله في بعض طهارة.

(ومن عليه نجاسة على بدنه، أو ثوبه

(1)

أولى من الجميع) لأن نجاسة الثوب لا يصح التيمم لها، ونجاسة البدن مختلف في صحة التيمم لها، بخلاف الحدث.

(ويقدم) غسل نجاسة (ثوب) وبقعة (على) غسل نجاسة (بدن) لما تقدم.

ويقدم ثوب على بقعة، لأن إعادة الصلاة التي تصلى في الثوب النجس واجبة، بخلافها في البقعة التي تعذر غيرها، قال في "المبدع": وتقدم نجاسة بدنه على نجاسة السبيلين، أي: إذا كان الاستجمار يكفي فيهما.

(ويقدم على غسلها) أي: النجاسة في أي موضع كانت من بدن، أو ثوب، أو بقعة (غسل طيب محرم) لما يترتب عليه من وجوب الفدية بتأخير غسل الطيب من غير عذر.

وحاصله: أنه يقدم غسل طيب محرم، فنجاسة ثوب، فبقعة، فبدن، فميت، فحائض، فجنب، فمحدث؛ إلا إن كفاه وحده، فيقدم على جنب.

(ويقرع مع التساوي) كما لو اجتمع حائضان، أو محدثان، والماء لا يكفي إلا أحدهما، فإنه يقرع بينهما، فمن قرع صاحبه قدم به، لأنه صار أولى بخروج القرعة له.

(1)

في "ح" و"ذ": أو بقعته.

ص: 425

(وإن تطهر به غير الأولى) كما لو تطهر به حي مع وجود ميت يحتاجه (أساء، وصحت) طهارته؛ لأن الأوْلى لم يملكه بكونه أولى، وإنما رجح لشدة حاجته.

(وإن كان ملكًا لأحدهم) أي: المحتاجين إليه (لزمه استعماله) لمقدرته عليه وتمكنه منه (ولم يؤثر به) أحدًا (ولو لأبويه) لتعينه لأداء فرضه وتعلق حق الله به (وتقدم في الطهارة). لعله فى مسودته، وإلا فلم نره فى النسخ المشهورة.

(ولو احتاج حي كفن ميت لبرد) ونحوه، زاد المجد وغيره:(يخشى منه التلف، قدم) الحي (على الميت) لأن حرمته آكد، وقال ابن عقيل، وابن الجوزي: يصلي عليه عادم السترة في إحدى لفافتيه، قال في "الفروع": والأشهر عريانًا، كلفافة واحدة، يقدم الميت بها، ذكره في التكفين.

ص: 426

‌باب إزالة النجاسة الحكميّة

أي: تطهير موارد الأنجاس، وذكر النجاسات، وما يعفى عنه منها. وتقدم تعريف النجاسة في أول كتاب الطهارة.

(وهي) أي: النجاسة الحكمية (الطارئة على محل طاهر) بخلاف العينية.

(ولا تصح إزالتها) أي: النجاسة الحكمية (بغير ماء طهور) لحديث أسماء قالت: "جاءتْ امرأةٌ إلى النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانَا يصيبُ ثوبها من دمِ الحيضَةِ، كيفَ تصنعُ؟ قال: تحتّهُ، ثم تقرصُه بالماءِ، ثم تنضحُهُ، ثم تصلِّي فيهِ" متفق عليه

(1)

. و"أمرَ بصبِّ ذنوبٍ من ماءٍ فأهريقَ على بولِ الأعرَابيِّ"

(2)

ولأنها طهارة مشترطة، فأشبهت طهارة الحدث (ولو) كان الماء الطهور (غير مباح) لأن إزالتها من قسم التروك، ولذلك لم تعتبر له النية.

(و) النجاسة (العينية لا تطهر بغسلها بحال، وتقدم) في الطهارة. ولا يعقل للنجاسة معنى، ذكره ابن عقيل، وغيره.

(والكلب، والخنزير نجسان) وكذا ما تولد منهما، وسؤر ذلك، وعرقه، وكل ما خرج منه، لا يختلف المذهب فيه، قاله في "الشرح"(يطهر متنجس بهما، و) متنجس (بمتولد منهما، أو من أحدهما، أو بشيء من أجزائهما) أو أجزاء ما تولد منهما، أو من أحدهما (غير أرض، ونحوها) كصخر،

(1)

البخاري في الوضوء، باب 63، حديث 227، وفي الحيض، باب 9، حديث 307، ومسلم في الطهارة، حديث 291.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 44 تعليق رقم 1.

ص: 427

وحيطان (بسبع غسلات منقية، إحداهن بتراب طهور وجوبًا) لحديث أبي هريرة مرفوعًا قال: "إذا ولغَ الكلبُ في إناءِ أحدكم فليغْسلْه سبعًا" متفق عليه

(1)

، ولمسلم:"فليرِقْه، ثم ليغسلْه سبعَ مراتٍ"

(2)

.

وله أيضًا: "طهورُ إناءِ أحدكم إذا ولغَ الكلبُ فيه أن يغسِلَهُ سبعَ مراتٍ، أولاهُنَّ بالترابِ"

(3)

.

ولو كان سؤره طاهرًا لم يأمر بإراقته، ولا وجب غسله. والأصل: أن وجوب الغسل لنجاسته، ولم يعهد التعبد إلا في غسل البدن، والطهور لا يكون إلا في محل الطهارة، ولأنه لو كان تعبدًا لما

(4)

اختص الغسل موضع الولوغ، لعموم اللفظ في الإناء كله.

وإذا ثبت هذا في الكلب، فالخنزير شر منه، لنص الشارع على تحريمه، وحرمة اقتنائه، فثبت الحكم فيه بطريق التنبيه، وإنما لم ينص الشارع عليه، لأنهم لم يكونوا يعتادونه، ولم يذكر أحمد في الخنزير عددًا.

وعلم من كلامه: أنه لا يكفي التراب غير الطهور، كما صرح به في "المبدع" و"الإنصاف"، وقدماه، وأنه إذا لم تنق النجاسة بالسبع، زاد حتى تنقى. كسائر النجاسات، وأنه لا تتعين إحدى الغسلات للتراب (و) لكن الغسلة (الأولى أولى) بجعل التراب فيها للخبر، وليأتي الماء بعده، فينظفه.

(ويقوم أُشنان، وصابون، ونخالة، ونحوها) من كل ما له قوة في الإزالة

(1)

البخاري في الوضوء، باب 33، حديث 172، ومسلم في الطهارة، حديث 279 (90).

(2)

مسلم في الطهارة، حديث 279 (89).

(3)

مسلم في الطهارة، حديث 279 (91).

(4)

في "ح": "بدون (لما) ".

ص: 428

(مقامه) أي: التراب (ولو مع وجوده) وعدم تضرر المحل به؛ لأن نصه على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التنظيف.

و (لا) تقوم (غسلة ثامنة) مقام التراب، لأن الأمر بالتراب معونة للماء في قطع النجاسة، أو للتعبد، فلا يحصل بالماء وحده.

(ويعتبر استيعاب المحل به) أي: بالتراب، بأن يمر التراب مع الماء على جميع أجزاء المحل المتنجس، يتحقق معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"أولاهنَّ بالترابِ".

(إلا فيما يضر) هـ التراب (فيكفي مسماه) أي: أقل شيء يسمى ترابًا يوضع في ماء إحدى الغسلات. لحديث: "إذا أمرتُكم بأمرٍ فائْتُوا منهُ ما استَطَعْتُمْ"

(1)

وللنهي عن إفساد المال.

(ويعتبر مزجه) أي: التراب (بماء يوصله إليه) أى: إلى المحل المتنجس فلا يكفي مائع غير الماء كما نبه عليه المصنف في "حاشية التنقيح". وعبارة "الفروع": فيعتبر مائع يوصله إليه. ذكره أبو المعالي و"التلخيص". وجزم بمعناه في "التنقيح" و"المنتهى".

فـ (ـــلا) يكفي (ذره) أى: التراب على المحل المتنجس (وإتباعه الماء) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أولاهُنَّ بالتراب" إذ الباء فيه للمصاحبة. قال في "الفروع": ويحتمل يكفي ذره، ويتبعه الماء، وهو ظاهر كلام جماعة. وهو أظهر.

"تتمة" إذا ولغ في الإناء كلاب، أو أصاب المحل نجاسات متساوية في الحكم، فهي كنجاسة واحدة، وإلا، فالحكم لأغلظها، لأنه إذا أجزأ عما يماثل، فعما دونه أولى. ولو ولغ فيه فغسل دون السبع، ثم ولغ فيه مرة أخرى، غسل للنجاسة الثانية، واندرج فيها ما بقي من عدد الأولى.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 397 تعليق رقم 1.

ص: 429

(وتطهر بقية المتنجسات بسبع منقية) لقول ابن عمر: "أمرنا أن نغسلَ الأنجاسَ سبعًا"

(1)

ذكره صاحب "المبدع" وغيره. فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم وقد أمر به في نجاسة الكلب. فيلحق به سائر النجاسات، لأنها في معناها. والحكم لا يختص بمورد النص. بدليل إلحاق البدن، والثوب به. فعلى هذا يغسل محل الاستنجاء سبعًا كغيره، صرح به القاضي، والشيرازي، وابن عقيل. ونص عليه أحمد في رواية صالح.

لكن نص في رواية أبي داود، واختاره في "المغني" أنه لا يجب فيه عدد، اعتمادًا على أنه لم يصح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لا في قوله، ولا في فعله

(2)

.

(ولا يشترط لها) أي: لبقية النجاسات (تراب) قصرًا له على مورد النص. (فإن لم ينق) المحل المتنجس (بها) أي: بالسبع (زاد) في الغسل

(1)

لم نجد من أخرجه بهذا السياق. وروى أبو داود في الطهارة، باب 98، حديث 247، وأحمد (2/ 109)، وابن حبان في المجروحين (2/ 5)، والبيهقي (1/ 179، 244 - 245)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 332) حديث 543، كلهم من طريق أيوب بن جابر، عن عبد الله بن عصمة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل الثوب من البول سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعل الصلاة خمسًا، وغسل الجنابة مرة، وغسل الثوب من البول مرة.

قال المنذري في مختصر السنن (1/ 164): عبد الله بن عصم، ويقال: ابن عصمة. . . تكلم فيه غير واحد، والرواى عنه أيوب بن جابر أبو سليمان اليمامي، ولا يحتج بحديثه.

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. وضعفه النووى في الخلاصة (1/ 178).

(2)

كذا في الأصول. والأقرب: "لا من قوله، ولا من فعله" كما في المبدع (1/ 239).

ص: 430

(حتي ينقى) المحل (في الكل) أي: كل النجاسات، من نجاسة الكلب وغيره.

(ولا يضر بقاءُ لونِ) النجاسة (أو ريحها أو هما) أي: اللون، والريح (عجزًا) عن إزالتهما، لحديث أبي هريرة "أن خولةَ بنتَ يسار قالتْ: يا رسولَ اللهِ، ليسَ لي إلا ثوبٌ واحدٌ، وأنا أحيضُ فيهِ؟ قال: فإذا طهرْتِ فاغسلي موضع الدم، ثم صلِّي فيه، قالت: يا رسولَ اللهِ، إنْ لم يخرُجْ أثرُهُ؟ قال: يكفيك الماءُ، ولا يضرُّكِ أثرُه" رواه أحمد

(1)

.

(ويطهر) المحل مع بقائهما، أو بقاء أحدهما.

(ويضر) بقاء (طعم) لدلالته على بقاء العين، ولسهولة إزالته، فلا يحكم بطهارة المحل مع بقاء أجزاء النجاسة فيه.

(وإن استعمل في إزالته) أي: أثر النجاسة (ما يزيله كالملح، وغيره، فحسن) لما روي أبو داود عن امرأة من غفار أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "أردفَها على حقيبته،

(1)

المسند (2/ 380)، ورواه -أيضًا- أبو داود في الطهارة، باب 132، حديث 365، والبيهقي (2/ 408)، وضعفه. وضعفه -أيضًا- النووي في الخلاصة (1/ 184)، والحافظ في بلوغ المرام حديث 35، وفي الفتح (1/ 334).

لكن له شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما -مرفوعًا- قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ قال: تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه. رواه البخاري في الوضوء، باب 63، حديث 227، ومسلم في الطهارة حديث 291، واللفظ له. ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت لها امرأة: الدم يكون في الثوب، فأغسله فلا يذهب أثره، فأقطعه؟ قالت: الماء طهور. رواه الدارمي في الطهارة، باب 104، حديث 1017، والبيهقي (2/ 408)، ورواه -أيضًا- أبو داود في الطهارة، باب 132، حديث 357، بنحوه.

ص: 431

فحاضت، قالت: فنزلتُ، فإذا بها دمٌ منِّي، فقال: مالك، لعلّكِ نُفستِ؟ قلتُ: نعمْ. قال: فأصلحي من نَفْسِكِ، ثم خذي إناءً من ماء، فاطرحي فيه مِلحًا، ثم اغسِلي ما أصابَ الحقيبة من الدَّمِ"

(1)

.

(ولا يجب) ذلك لما سبق من حديث أبي هريرة

(2)

.

(ويحرم استعمال طعام وشراب في إزالة النجاسة، لإفساد المال المحتاج إليه، كما ينهى عن ذبح الخيل التي يجاهد عليها، والإبل التي يحج عليها، والبقر التي يحرث عليها، ونحو ذلك، لما في ذلك من الحاجه إليها. قاله الشيخ) وفي "الاختيارات"

(3)

في آخر كتاب الأطعمة: ويكره ذبح الفرس الذي ينتفع به في الجهاد، بلا نزاع.

(ولا بأس باستعمال النخالة الخالصة) من الدقيق (في التدلك، وغسل الأيدي بها، وكذا) التدلك، وغسل الأيدي (ببطيخ، ودقيق الباقلاء) -وهى الفول- إن شددت اللام قصرت، وإن خففت مددت. ذكره في حاشيته (وغيرها مما له قوة الجلاء، لحاجة).

وفي "المستوعب": يكره أن يغسل جسمه بشيء من الأطعمة، مثل دقيق الحمص، أو العدس، أو الباقلاء، ونحوه (ويغسل ما نجس ببعض الغسلات بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة) لأنها نجاسة تطهر في محلها بما

(1)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 122، حديث 313، ورواه -أيضًا- الواقدي في مغازيه (2/ 685 - 686)، وابن سعد في الطبقات (8/ 293)، وأحمد (6/ 380)، والبيهقي (2/ 407)، والخطيب في تلخيص المتشابه (2/ 847، 748). قال المنذرى في مختصر السنن (1/ 197): في إسناده محمد بن إسحاق ابن يسار، وقد تقدم الاختلاف فيه. ا هـ. وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 185).

(2)

تقدم تخريجه ص/ 431 تعليق 2.

(3)

ص/ 467.

ص: 432

بقي من الغسلات، فطهرت به في مثله، قياسًا عليه. فلو تنجس بالغسلة الرابعة مثلًا، غسل ثلاث غسلات إحداهن (بتراب إن لم يكن) التراب (استعمل) فيما سبق من الغسلات (حيث اشترط) التراب، بأن كانت نجاسة كلب، أو خنزير، أو ما تولد منهما أو من أحدهما. فإن كان استعمل فيما قبل كفى.

(ويعتبر العصر في كل مرة) خارج الماء (مع إمكانه) أي: العصر (فيما تشرب نجاسة، ليحصل انفصال الماء عنه) أي: عن المحل المتنجس (ولا يكفي تجفيفه بدل العصر.

وإِن لم يمكن عصره، كالزلالي، ونحوها) من كل ما لا يمكن عصره (فبدقها أو دوسها، أو تقليبها، أو تثقيلها بما يفصل الماء عنها) لقيامه مقام العصر لتعذره.

(ولو عصر الثوب في ماء ولو جاريًا، ولم يرفعه منه لم يطهر) لعدم انفصال الماء عنه (فإذا رفعه منه) ولو بعد عصره مرات (فهي غسلة واحدة، يبني عليها) ويتم السبع.

(ولا يكفي في العدد تحريكه) أي: الإناء (في الماء، وخضخضته) ولو غمس الإناء في ماء كثير لم يطهر، حتى ينفصل عنه، ويعاد إليه العدد المعتبر.

(وإن وضعه) أي: الثوب، ونحوه (في إناء وصب عليه الماء، فغسله واحدة يبني عليها) بعد عصره، حتى يحصل العدد المعتبر (ويطهر) الثوب ونحوه بذلك (نصًا) لأن الماء وارد على محل التطهير. أشبه ما لو صبه عليه في غير إناء.

وإن غمس النجس في ماء قليل، نجس الماء، ولم يطهر النجس. ولا

ص: 433

يعتد بها غسلة.

(وعصر كل ثوب) ونحوه (على قدر الإمكان، بحيث لا يخاف عليه الفساد) للنهي عن إضاعة المال.

(وما لم يتشرب) النجاسة (كالآنية: يطهر بمرور الماء عليه وانفصاله) عنه سبع مرات على ما تقدم.

(ولا يكفي مسحه) أي: المتنجس (ولو كان صقيلًا، كسيف ونحوه) كمرآة، لعموم ما سبق من الأمر بغسل الأنجاس. والمسح ليس غسلًا.

(فلو قطع به) أي: بالسيف المتنجس ونحوه بعد مسحه (قبل غسله مما فيه بلل، كبطيخ، ونحوه نجسه) لملاقاة البلل للنجاسة.

(فإن كان) ما قطعه به (رطبًا لا بلل فيه، كجبن ونحوه، فلا بأس به) كما لو قطع به يابسًا لعدم تعدي النجاسة إليه.

(وإن لصقت النجاسة) في الطاهر (وجب في إزالتها الحت) أي: الحك بطرف حجر أو عود (والقرص) أي: الدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكًا شديدًا، ويصب عليه الماء حتى تزول عينه، وأثره. ذكره في حاشيته عن الأزهري

(1)

. (إن لم تزل) النجاسة (بدونهما) أي: الحت والقرص. لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.

وفي "المغني" و"الشرح": إذا أصاب ثوب المرأة حيضها استحب أن تحته بظفرها، حتى تذهب خشونته، ثم تقرصه بريقها ليلين للغسل، ثم تغسله بالماء (قال في التلخيص وغيره: إن لم يتضرر المحل بهما) أي: بالحت والقرص، فإن تضرر سقطا.

(ويحسب العدد في إزالتها) أي: النجاسة (من أول غسلة، ولو قبل

(1)

الزاهر في غريب ألفاظ الإمام الشافعي ص/ 128.

ص: 434

زوال عينها) لعموم ما سبق (فلو لم تزل) النجاسة (إلا في الغسلة الأخيرة أجزأ) ذلك؛ لحصول الإنقاء، والعدد المعتبر.

"فائدة" لو غسل بعض الثوب النجس، طهر ما غسل منه. قال الموفق: ويكون المنفصل نجسًا لملاقاته غير المغسول. قال ابن تميم وابن حمدان: وفيه نظر اهـ فإن أراد غسل بقيته غسل ما لاقاه، قاله في "الإنصاف".

ص: 435

‌فصل

(وتطهر أرض متنجسة بمائع)

كبول، (أو) بنجاسة (ذات جرم أزيل) ذلك (عنها، ولو) كانت النجاسة (من كلب، نصًا) أو خنزير.

(و) يطهر (صخر، وأجرنة حمام) ونحوه: صغار مبنية، أو كبار مطلقًا، قاله في "الرعاية" (وحيطان، وأحواض، ونحوها

(1)

: بمكاثرة الماء عليها) أي: المذكورات، من الأرض، والصخر، وما عطف عليها، لحديث أنس قال:"جاءَ أعرابيٌّ فبالَ في طائفةِ المسجدِ، فقامَ إليه الناسُ ليقَعُوا بِهِ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: دعُوه، وأرِيقُوا على بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ، أو ذَنوبًا من ماءٍ" متفق عليه

(2)

. ولو لم يطهر بذلك لكان تكثيرًا للنجاسة، ولأن الأرض مصاب الفضلات، ومطارح الأقذار، فلم يعتبر في تطهيرها عدد، دفعًا للحرج والمشقة، (ولو) كان ما كوثرت به (من مطر، وسيل)، لأن تطهير النجاسة لا يعتبر فيه النية، فاستوى ما صبه الآدمي وغيره.

والمراد بالمكاثرة: صب الماء على النجاسة (بحيث يغمرها من غير) اعتبار (عدد) لما تقدم (ولم يبق للنجاسة عين، ولا أثر من لون، أو ريح) فإن لم يذهبا لم تطهر، (إن لم يعجز) عن إزالتهما، أو إزالة أحدهما.

(1)

عبارة المبدع [1/ 239] حيث قال: "إذا كانت على الأرض وما اتصل بها من الحيطان والأحواض" تشعر بأن الأحواض والأجرنة إذا لم تكن متصلة بالأرض تكون كالأواني الكبيرة، فلابد فيها من السبع، وليس ببعيد. وفي الرعاية. . . إلخ ما قاله الشارح ا هـ ش م ص. "ش".

(2)

تقدم تخريجه ص/ 44 تعليق رقم 1.

ص: 437

قال في "المبدع": وإن كان مما لا يزال إلا بمشقة، سقط، كالثوب. ذكره في "الشرح".

وتطهر الأرض ونحوها بالمكاثرة، (ولو لم ينفصل الماء) الذي غسلت به عنها للخبر السابق حيث لم يأمر بإزالة الماء عنها.

(ويضر) بقاء (طعم) النجاسة بالأرض، كالثوب، لما تقدم.

(وإن تفرقت أجزاؤها) أي: النجاسة (واختلطت بأجزاء الأرض كالرميم، والدم إذا جف، والروث. لم تطهر) الأرض إذن (بالغسل)، لأن عين النجاسة لا تنقلب (بل) تطهر (بإزالة أجزاء المكان) بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة.

(ولو بادر البول، ونحوه) كالدم (وهو رطب، فقلع التراب الذي عليه أثره، فالباقي طاهر) لعدم وصول النجاسة إليه.

(وإن جف) البول، ونحوه، (فأزال ما عليه الأثر) من التراب، (لم تطهر) الأرض؛ لأن الأثر إنما يبين

(1)

على ظاهرها (إلا أن يقلع ما يتيقن به زوال ما أصابه البول، والباقي طاهر) لتحققه عدم وصول النجاسة إليه.

(ولا تطهر أرض متنجسة، ولا غيرها) من المتنجسات (بشمس، ولا ريح، ولا جفاف) لأنه صلى الله عليه وسلم "أمرَ بغسلِ بولِ الأعرابيِّ"

(2)

ولو كان ذلك يطهر لاكتفى به، ولأن الأرض محل نجس، فلم يطهر

(3)

بالجفاف، كثياب.

وحديث ابن عمر: "كانتْ الكلابُ تبولُ وتقبلُ وتدبرُ في المسجدِ فلمْ

(1)

صححت في "ذ" بـ"يبقى".

(2)

تقدم تخريجه ص/ 44 تعليق رقم 1.

(3)

في "ح": "فلم تطهر".

ص: 438

يكونُوا يرشُّون شيئًا من ذلِكَ" رواه أحمد

(1)

، وأبو داود بإسناد على شرط البخاري. يحتمل أنها كانت تبول في غير المسجد، ثم تقبل وتدبر فيه. فيكون إقبالها وإدبارها بعد بولها جمعًا بين الأدلة.

(ولا) تطهر (نجاسة باستحالة) لأنه صلى الله عليه وسلم "نهَى عنْ أكلِ الجلالةِ وألبَانها"

(2)

لأكلها النجاسة، ولو طهرت بالاستحالة لم ينه عنه.

(1)

الإمام أحمد: (2/ 71)، وأبو داود في الطهارة، باب 139، حديث 382، وهو عند البخاري في الوضوء معلقًا، باب 173، حديث 174، وكلمة "تبول" ليست في بعض نسخ البخاري. ورواه -أيضًا- ابن خزيمة (1/ 151) حديث 300، وابن حبان "الإحسان"(4/ 537)، حديث 1656، والبيهقي (2/ 429)، والبغوي في شرح السنة (2/ 82) حديث 292، وقال: صحيح.

(2)

رواه أبو داود في الأطعمة، باب 25، حديث 3785، والترمذي في الأطعمة، باب 24، حديث 1824، وابن ماجه في الذبائح، باب 11، حديث 3189، والطبراني في الكبير (12/ 408) حديث 13506، والحاكم (2/ 34)، والبيهقي (9/ 332)، والبغوي (11/ 252) حديث 2809 عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الترمذي: حسن غريب.

وفي رواية لأبي داود "الجهاد"، باب 52، حديث 2558، والأطعمة حديث 3787، والحاكم (2/ 34 - 35)، والبيهقي (9/ 333) قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها.

ورواه ابن أبي شيبة (8/ 334 - 335) عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يركب عليها، أو يشرب لبنها.

ورواه أبو داود في الأطعمة، باب 34، حديث 3811، والنسائي في الضحايا، باب 43، حديث 4459، وأحمد (2/ 219)، والدارقطني (4/ 283)، والحاكم (2/ 39، 103)، والبيهقي (9/ 333) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بنحوه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: إسماعيل وأبوه ضعيفان. وقال البيهقي ليس هذا بقوي.

وروى أبو داود في الأطعمة حديث 3786، والنسائي في الضحايا، باب =

ص: 439

(ولا) تطهر نجاسة أيضًا بـ (ـنار، فالقُصرِمِل) أي: الرماد من الروث النجس: نجس (وصابون عمل من زيت نجس، ودخان نجاسة وغبارها) نجس.

(وما تصاعد من بخار ماء نجس إلى جسم صقيل، أو غيره) نجس (وتراب جبل بروث حمار) أو بغل ونحوه مما لا يؤكل لحمه (نجس) ولو احترق كالخزف. وكذا لو وقع كلب في ملاحة فصار ملحًا، أو في صبانة فصار صابونًا.

(إلا علقة خلق منها آدمي) أو حيوان طاهر. فإنها تصير طاهرة، بعد أن كانت نجسة. لأن نجاستها بصيرورتها علقة. فإذا زال ذلك، عادت إلى أصلها، كالماء الكثير المتغير بالنجاسة.

(و) إلا (خمرة انقلبت خلا بنفسها) فإنها تطهر؛ لأن نجاستها لشدتها المسكرة الحادثة لها، وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها، فوجب أن تطهر،

= 44، حديث 4460، وأحمد (1/ 226، 293، 321، 339)، وابن الجارود (887)، وابن حبان "الإحسان"(12/ 220) حديث 5399، والطبراني فى الكبير (11/ 307) حديث 11821، والحاكم (2/ 34)، والبيهقى (9/ 333، 334) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن الجلالة.

وفى رواية أحمد (1/ 241، 339)، والطبراني في الكبير (11/ 306، 349) حديث 11819، 11820، 11977، 11978، نهى عن المجثمة والجلالة.

وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

وصححه -أيضًا- النووى في المجموع (9/ 28)، وابن دقيق العيد كما في التلخيص الحبير (4/ 156).

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه البيهقي (9/ 333) بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الجلالة وألبانها، لكن في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وأبو الزبير وهو مدلس.

ص: 440

كالماء الذي تنجس بالتغير إذا زال تغيره بنفسه. ولا يلزم عليه سائر النجاسات، لكونها لا تطهر بالاستحالة، لأن نجاستها لعينها، والخمرة نجاستها لأمر زال بالانقلاب.

(أو) انقلبت الخمرة خلًا (بنقلها) من موضع إلى آخر، أو من دن إلى آخر (لغير قصد التخليل) فتطهر، كما لو انقلبت بنفسها.

(ويحرم تخليلها) ولو كانت ليتيم، لحديث مسلم عن أنس قال:"سئل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الخمرِ تتخذُ خلًا؟ قال: لا"

(1)

والنبيذ كالخمر فيما تقدم.

(فإن خللت) أي: فعل بها شيء تصير به خلًا (ولو بنقلها لقصده) أي: التخليل، (لم تطهر) لما تقدم أنه يحرم تخليلها. فلا يترتب عليه الطهارة.

(ودنها) أي: الخمرة (مثلها، فيطهر بطهارتها) تبعًا لها، (ولو مما لم يلاق الخل مما فوقه مما أصابه الخمر في غليانه) فيطهر كالذي لاقاه الخل (كمحتفر من الأرض طهر ماؤه بمكث) أي: بزوال تغيره بنفسه (أو) بـ (إضافة) ماء كثير، أو بنزح بقي بعده كثير. ويدخل في ذلك ما بني في الأرض من الصهاريج، والبحرات؛ لأن ذلك يطهر بمكاثرته بالماء الطهور، وهي حاصلة (لا إناء طهر ماؤه بمكثه، أو كوثر ماء نجس فيه بماء كثير طهور، حتى صار) ما فيه (طهورًا لم يطهر الإناء بدون انفصاله) أي: الماء (عنه. فإذا انفصل) الماء عنه (حسبت غسلة واحدة) ولو خضخضه مرات (يبني

(2)

عليها) ما بقي من الغسلات.

(وبحرم على غير خلال

(3)

إمساك خمر، ليتخلل بنفسه، بل يراق)

(1)

رواه مسلم في الأشربة، حديث 1983.

(2)

في "ح": "بنى".

(3)

خمر الخلال، وغيره سواء، قال شيخ الإسلام في الاختيارات الفقهية ص/ 39: إن الخمرة إذا خللت لا تطهر، وهو مذهب أحمد وغيره، لأنه منهي عن اقتنائها، مأمور =

ص: 441

الخمر (في الحال.

فإن خالف) غير الخلال (وأمسك) الخمر (فصار خلًا بنفسه) أو بنقله لا لقصد تخليل (طهر) لما تقدم.

وأما الخلال فلا يحرم عليه إمساك الخمر ليتخلل، لئلا يضيع ماله.

وإذا تخللت بنفسها، أو بنقل، لا لقصد تخليل، حلت، وإلا فلا.

(والخل المباح: أن يصب على العنب، أو العصير خل قبل غليانه) وقبل أن تمضي عليه ثلاثة أيام بلياليهن (حتى لا يغلي) قيل للإمام: فإن صب عليه خل فغلي؟ قال: يهراق.

(والحشيشة المسكرة نجسة) اختاره الشيخ تقي الدين

(1)

. والمراد بعد علاجها. كما يدل عليه كلام الغزي في شرحه على منظومته.

وقيل: طاهرة. قدمه في "الرعاية الكبرى". وحواشي صاحب "الفروع" على "المقنع" وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، وهو الصواب. قاله في تصحيح الفروع. والقول الثاني هو ظاهر ما قدمه في "المبدع".

(ولا يطهر دهن) تنجس (بغسله) لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه، ولو تحقق ذلك لم يأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بإراقه السمن الذى وقعت فيه الفأرة

(2)

.

وقال أبو الخطاب: يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله. كزيت ونحوه.

= بإراقتها، فإذا أمسكها، فهو الموجب لتنجسها، وعدم حلها، وسواء في ذلك خمر الخلال، وغيره.

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 340، 34/ 198، 203).

(2)

روى البخاري في الوضوء، باب 67، حديث 235، 236، وفي الذبائح والصيد، باب 34، حديث 5538، 5540، عن ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن؟ فقال: ألقوها، وما حولها، فاطرحوه وكلوا سمنكم.

ص: 442

وكيفية تطهيره: أن يجعل في ماء كثير ويحرك، حتى يصيب جميع أجزائه. ثم يترك حتى يعلو على الماء، فيؤخذ.

وإن تركه في جرة وصب عليه ماء وحركه فيه، وجعل لها بزالًا، يخرج منه الماء جاز (ولا) يطهر (باطن حبٍّ) تشرب النجاسة.

(و) لا (عجين) تنجس. لأنه لا يمكن غسله.

(و) لا (لحم تنجس

(1)

) وتشرب النجاسة.

(ولا إناء تشرب نجاسة.

و) لا (سكين سقيت ماء نجسًا) أو بولًا، أو نحوه من النجاسات؛ لأن الغسل لا يستأصل أجزاء النجاسة مما ذكر.

قال أحمد في العجين: يطعم النواضح، ولا يطعم لشيء يؤكل في الحال. ولا يحلب لبنه، لئلا ينجس به، ويصير كالجلالة.

وقال أبو الفرج المقدسي في "المبهج": آنية الخمر منها المزفت، فيطهر بالغسل. لأن الزفت يمنع وصول النجاسة إلى جسم الإناء.

ومنها ما ليس بمزفت، فيتشرب أجزاء النجاسة، فلا يطهر بالتطهير؛ فإنه متى ترك فيه مائع، ظهر فيه طعمه، أو لونه.

(وقال ابن عقيل، وجماعة: يطهر الزئبق بالغسل) لأنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد، وبعده ابن حمدان.

(ويجوز الاستصباح بدهن متنجس في غير مسجد) لجواز الانتفاع بالنجاسة على وجه لا تتعدى. وأما في المسجد فلا، لئلا يفضي إلى تنجيسه.

(ولا يحل أكله، ولا بيعه. ويأتي في البيع) لأن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه.

(1)

قوله: ولحم تنجس قال في المبدع (1/ 243): وإن طبخ لحم بماء نجس طهر ظاهره بغسله هـ ح س م ص. "ش".

ص: 443

(وإن وقع في مائع سنور) وهو الهر (أو فأرة ونحوهما، مما ينضم دبره إذا وقع) في مائع (فخرج حيًا فطاهر) لانضمام دبره.

(وكذا) إذا وقع (في جامد، وهو) أي: الجامد (ما لم تسر النجاسة فيه) غالبًا، وقال ابن عقيل: ما لو فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه. قال في "الشرح": والظاهر خلافه، لأن سمن الحجاز لا يكاد يبلغه.

(وإن مات فيه) أي: الجامد هر، أو نحوه ألقيت وما حولها (أو حصلت منه) أي: السنور، ونحوه (رطوبة) وفي نسخة:(في دقيق ونحوه) كالسمن الجامد (ألقيت وما حولها، وباقيه طاهر) لحديث أبي هريرة في الفأرة تموت في السمن. رواه أحمد، وأبو داود

(1)

.

(1)

أحمد: (2/ 233، 265، 490)، وأبو داود في الأطعمة، باب 48، حديث 3842.

ورواه -أيضًا- عبد الرزاق (1/ 84)، وابن أبي شيبة (8/ 280)، وأبو يعلى (10/ 213) حديث 5841، وابن حبان "الإحسان"(4/ 237، 238) حديث 1393، 1394، والدارقطني في العلل (7/ 287)، والبيهقي (9/ 353)، وابن حزم في المحلى (1/ 140 - 141)، والبغوي (11/ 257) حديث 2812 من طريق معمر من الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن، فماتت؟ فقال: إن كان جامدًا، فخذوها وما حولها، ثم كلوا ما بقي، وإن كان مائعًا، فلا تأكلوه. وفي لفظ: فلا تقربوه.

ورواه البخاري في الوضوء باب 67، حديث 235، 236، وفي الذبائح والصيد، باب 34، حديث 5538، 5540، وغيره من طريق مالك، وابن عيينة عن الزهرى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن ميمونة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن؟ فقال: ألقوها، وما حولها فاطرحره، وكلوا سمنكم. =

ص: 444

(فإن اختلط) النجس بالطاهر (ولم ينضبط) النجس (حرم) الكل، تغليبًا لجانب الحظر (وتقدم إذا وقعت النجاسة في مائع) في الثالث من أقسام المياه، وأنه ينجس وإن كثر، ولو كانت النجاسة معفوًا عنها.

(وإذا خفي موضع نجاسة في بدن، أو ثوب، أو مصلى صغير، كبيت صغير، لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها، فلا يكفي الظن) لأنه اشتبه الطاهر بالنجس، فوجب عليه اجتناب الجميع، حتى يتيقن الطهارة بالغسل. كما لو خفي المذكى بالميت. ولأن النجاسة متيقنة، فلا تزول إلا بيقين الطهارة.

فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله، وإن علمها في أحد كميه وجهله غسلهما.

وإن رآها في بدنه، أو ثوبه الذي عليه، غسل ما يقع عليه نظره.

(و) إن خفيت نجاسة (في صحراء واسعة ونحوها) كحوش واسع

= ولذا حكم الأئمة على حديث معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه بالوهم، وقالوا: المحفوظ سندًا ومتنًا حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن ميمونة رضي الله عنهم.

انظر سنن الترمذي، الأطعمة، باب 8، حديث 1798، وقال:

وحديث ابن عباس عن ميمونة أصح، وروى معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم - نحوه، وهو حديث غير محفوظ. . .

وفي علل الترمذي الكبير ص/ 298، حديث 553، قال محمد "يعني البخاري": وحديث معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وَهِمَ فيه معمر، ليس له أصل.

انظر العلل لابن أبي حاتم (2/ 12)، وتهذيب السنن لابن القيم (5/ 336)، وفتح الباري (9/ 669).

ص: 445

(يصلي فيها بلا غسل، ولا تحر) فيصلي حيث شاء؛ لئلا يفضي إلى الحرج، والمشقة.

(وبول الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة نجس) صرح به الجمهور، كبول الكبير، لكن (يجزئ نضحه. وهو غمره بالماء وإِن لم ينفصل) الماء عن المحل (ويطهر) المحل (به) أي: بالنضح بول الغلام المذكور، لحديث أم قيس بنت محصن أنها "أتتْ بابنٍ لها صغير لم يأكلْ الطعام إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأجلسه في حجره، فبالَ على ثوبِهِ، فدعا بماءٍ فنضحَه، ولم يغْسلْهُ" متفق عليه

(1)

.

وقولها: "لم يأكل الطعام" أي: بشهوة واختيار، لا عدم أكله بالكلية، لأنه يسقى الأدوية، والسكر، ويحنك حين الولادة. فإن أكله بنفسه غسل؛ لأن الرخصة إنما وردت فيمن لم يأكل الطعام، فيبقى من عداه على الأصل.

(وكذا قيؤه) أي: قيء الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة (وهو أخف من بوله) فيكفي نضحه، بطريق الأولى.

و (لا) ينضح بول (أنثى وخنثى) وقيؤهما، بل يغسل، لقول علي يرفعه: "ينضحُ من

(2)

بولِ الغلامِ، ويغسلُ من

(2)

بولِ الجاريةِ"

(3)

قال قتادة: هذا إذا

(1)

البخاري في الوضوء، باب 59، حديث 223، ومسلم في الطهارة، حديث 287.

(2)

في "ح" و"ذ": بدون "من".

(3)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 137، حديث 378، والترمذي في الصلاة، باب 77، حديث 610، وقال: حديث حسن صحيح. وفي العلل الكبير ص/ 42، حديث 38، وابن ماجه في الطهارة، باب 77، حديث 525، وأحمد (1/ 76، 97، 137)، وعبد الله بن الإمام أحمد من زوائده (1/ 137)، والبزار في مسنده (2/ 294)، حديث 717، وأبو يعلى (1/ 261) حديث 307، وابن خزيمة (1/ 143)، حديث 284، والطحاوي (1/ 92)، وابن حبان "الإحسان" =

ص: 446

لم يطعما، فإذا طعما، غسلا جميعًا.

والحكمة فيه: أن بول الغلام يخرج بقوة، فينتشر، أو أنه يكثر حمله على الأيدي، فتعظم المشقة بغسله، أو أن مزاجه حار، فبوله رقيق بخلاف الجارية.

وقال الشافعي: لم يتبين لي فرق من السنة بينهما

(1)

.

وذكر بعضهم: أن الغلام أصله من الماء والتراب، والجارية من اللحم والدم. وقد أفاده ابن ماجه في "سننه"

(2)

، وهو غريب.

(وإذا تنجس أسفل خف، أو حذاء) وهو النعل (أو نحوهما) كالسرموزة

(3)

(أو) تنجس أسفل (رجل، أو ذيل امرأة، يمشي، أو غيره، وجب غسله) كالثوب، والبدن. قال في "الإنصاف": يسير النجاسة إذا كانت على أسفل الخف، والحذاء بعد الدلك يعفى عنه، على القول بنجاسته.

= (4/ 212) حديث 1375، والدارقطني (1/ 129)، والحاكم (1/ 165 - 166)، والبيهقي (2/ 415)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وحسنه النووي في المجموع (2/ 589).

رواه أبو داود -أيضًا- حديث 377، وعبد الرزاق (1/ 381) حديث 1488، وابن أبي شيبة (1/ 121)، والبيهقي (2/ 415) عن علي رضي الله عنه موقوفًا. قال الحافظ في فتح الباري (1/ 326): وليس ذلك بعلة قادحة. انظر علل الترمذي ص/ 43، وعلل الدارقطني (4/ 184) حديث 495، والتلخيص الحبير (1/ 28).

(1)

ينظر السنن الكبرى للبيهقي (2/ 416).

(2)

الطهارة، باب 77 (1/ 175)، وهذه الإفادة عن الإمام الشافعي -أيضًا- وهي من زيادات أبي الحسن القطان على سنن ابن ماجه وليست من ابن ماجه كما ذكره المؤلف. انظر زيادات أبي الحسن القطان على سنن ابن ماجه ص/ 52.

(3)

تقدم تعريفها ص/ 110.

ص: 447

وقطع به الأصحاب. اهـ.

قلت: وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئ الأذى بخفيه، فطهورهما التراب" رواه أحمد، وأبو داود

(1)

من رواية محمد بن عجلان وهو ثقة، روى له مسلم، ولأنه عليه السلام هو وأصحابه "كانوا يصلُّون في نِعَالِهم" والظاهر أنها لا تسلم من نجاسة تصيبها، فلولا أن دلكها يجزئ، لما صحت الصلاة فيها، ولأنه محل يتكرر إصابة النجاسة له، فعفي

(2)

عنه بعد الدلك كالسبيلين.

(1)

أبو داود في الطهارة، باب 141، حديث 386، ولم نجده في المسند، ورواه ابن خزيمة:(1/ 148) حديث 292، والطحاوي (1/ 51)، والعقيلي (2/ 257)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 250) حديث 1404، وابن حزم في المحلى (1/ 93، 94)، والبيهقي (2/ 430)، وفي معرفة السنن والآثار (3/ 397 - 398).

ورواه -أيضًا- أبو داود، حديث 385 من طريق الإمام أحمد، وابن المنذر في الأوسط (2/ 168) حديث 734، وابن حبان "الإحسان"(4/ 249) حديث 1403، والحاكم (1/ 166)، والبيهقي (2/ 430)، والبغوي في شرح السنة (2/ 93) حديث 300، بنحوه.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ولم يعقبه الذهبي بشيء.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 134): وهو حديث مضطرب الإسناد لا يثبت. وضعفه النووي في المجموع (1/ 97)، وقال الحافظ في التلخيص الكبير (1/ 278): وهو معلول، اختلف فيه على الأوزاعي، وسنده ضعيف. انظر بيان الوهم والإيهام (5/ 126)، ونصب الراية (1/ 208).

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. رواه أبو داود في الصلاة، باب 89، حديث 650، وغيره. وفيه: فإذا رأى في نعليه قذرًا فيمسحهما بالأرض ثم يصلي فيهما. وسيأتي تخريجه في باب اجتناب النجاسة من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

(2)

في "ح": "فيعفى".

ص: 448

فصل

(ولا يعفى عن يسير نجاسة ولو لم يدركها الطرف) أي: البصر (كالذي يعلق بأرجل ذباب، ونحوه) لعموم قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}

(1)

وقول ابن عمر: "أمرنَا أن نغسِل الأنجَاسَ سبعًا"

(2)

وغير ذلك من الأدلة (إلا يسير دم، وما تولد منه) أي: من الدم (من قيح، وغيره) كصديد (وماء قروح) فيعفى عن ذلك (في غير مائع، ومطعوم) أي: يعفى عنه في الصلاة، لأن الإنسان غالبًا لا يسلم منه، وهو قول جماعة من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم، ولأنه يشق التحرز منه، فعفي عن يسيره، كأثر الاستجمار، وأما المائع، والمطعوم فلا يعفى فيه عن شيء من ذلك.

(وقدره) أي: قدر اليسير المعفو عنه هو (الذي لم ينقض) الوضوء أي: ما لا يفحش في النفس، والمعفو عنه من القيح، ونحوه أكثر مما يعفى عن مثله من الدم، وإنما يعفى عن ذلك إذا كان (من حيوان طاهر من آدمي) سواء المصلي، وغيره (من غير سبيل) فإن كان من سبيل لم يعف عنه؛ لأنه في حكم البول، أو الغائط (حتى دم حيض، ونفاس، واستحاضة) لقول عائشة: "ما كانَ لإحدانَا إلا ثوبٌ تحيضُ فيهِ، فإذا أصابَه شيءٌ من دمٍ قالتْ بريقِهَا، فقصعتْهُ بظفرهَا"

(3)

أي: حركته وفركته، قاله في "النهاية"

(4)

.

(أو من غير آدمي) سواء كان من حيوان (مأكول اللحم) كإبل، وبقر (أو

(1)

سورة المدثر، الآية:4.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 430 تعليق رقم 1.

(3)

رواه البخاري في الحيض، باب 11، حديث 312.

(4)

(4/ 73) ولفظه: "أي مضغته ودلكته بظفرها".

ص: 449

لا، كهر) بخلاف الحيوان النجس، كالكلب، والخنزير، فلا يعفى عن شيء من دمه، وكذا دم الحمار، والبغل.

(ويضم متفرق في ثوب) من دم، ونحوه، فإن فحش، لم يعف عنه، وإلا عفي عنه.

و (لا) يضم متفرق بـ (ـأكثر) من ثوب، بل يعتبر ما في كل ثوب على حدته، لأن أحدهما لا يتبع الآخر، ولو كانت النجاسة في شيء صفيق قد نفذت فيه من الجانبين، فهي نجاسة واحدة، وإن لم تتصل، بل كان بينهما شيء لم يصبه الدم، فهما نجاستان إذا بلغا لو جمعا قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنها، كجانبي الثوب.

(ودم عرق مأكول بعد ما يخرج بالذبح، وما في خلال لحمه طاهر ولو ظهرت حمرته نصًا) لأنه لا يمكن التحرز منه (كدم سمك) لأنه لو كان نجسًا لتوقفت إباحته على إراقته بالذبح، كحيوان البر، ولأنه يستحيل ماء (ويؤكلان) أي: دم عِرقِ المأكول ودم السمك كالكبد.

(وكدم شهيد عليه) فهو طاهر (ولو كثر) فإن انفصل عنه، فنجس، كغيره (بل يستحب بقاؤه) أي: بقاء دم الشهيد عليه، حتى على القول بنجاسته، فيعايى بها. ذكره ابن عقيل. ويأتي في الجنائز: يجب بقاء دم شهيد عليه.

(وكدم بق، وقمل، وبراغيث، وذباب، ونحوها) من كل ما لا نفس له سائلة، فإنه طاهر.

(والكبد، والطحّال) من مأكول طاهران لحديث: "أُحلَّ لنا ميتَتَانِ ودمَانِ"

(1)

.

(1)

رواه ابن ماجه في الصيد، باب 9، حديث 3218، وفي الأطعمة، باب 31، حديث 3314، والشافعي "ترتيب مسنده"(2/ 173)، وأحمد (2/ 97)، وعبد بن =

ص: 450

(ودود القز) وبزره طاهر (والمسك وفأرته) وهي سرة الغزال طاهر (والعنبر) طاهر، ذكر البخاري عن ابن عباس "العنبرُ شيءٌ دسرهُ البحرُ"

(1)

أي: دفعه ورمى به.

(وما يسيل من فم وقت النوم) طاهر (والبخار الخارج من الجوف) طاهر؛ لأنه لا تظهر له صفة بالمحل، ولا يمكن التحرز منه.

(والبلغم) ولو أزرق طاهر، وسواء كان من الرأس، أو الصدر، أو المعدة، لحديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "فإذا تنخّعَ أحدُكم فليتنخّعْ عن يسارِهِ، أو تحتَ قدمِهِ، فإن لم يجدْ فليقُلْ هكذَا -ووصفه القاسم- فتفلَ في

= حميد (2/ 41) حديث 818، وابن حبان في المجروحين (2/ 58)، وابن عدي في الكامل (1/ 388، 4/ 1503)، والدارقطني (4/ 271)، والبيهقي (1/ 254، 9/ 257، 10/ 7)، وفي معرفة السنن والآثار (13/ 466) حديث 18853، والبغوي في شرح السنة (11/ 244) حديث 2803، من طرق عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

ورواه البيهقي (1/ 254) وفي المعرفة (13/ 466) حديث 18855 من طريق ابن وهب، ثنا سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما موقوفًا، وقال: هذا إسناد صحيح، وهو فى معنى المسند، وقال فى المعرفة: وهذا أصح، وهو في معنى المرفوع، وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي، ومال إلى تصحيح المرفوع. وحسنه ابن القيم في زاد المعاد (3/ 392) وقال: هذا الموقوف في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي: أحل لنا كذا، وحرم علينا، ينصرف إلى إحلال النبي صلى الله عليه وسلم، وتحريمه.

(1)

البخاري في الزكاة، باب 65، معلقًا، ورواه الشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 229)، وابن أبي شيبة (3/ 142)، والبيهقي (4/ 146) موصولًا عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 451

ثوبِهِ، ثم مسح بعضهُ ببعضٍ"

(1)

ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه، وهو في الصلاة، ولا تحت قدمه.

(وبول سمك طاهر) يؤكل قاله في "الفروع".

(لا العلقة التي يخلق منها الآدمي أو) يخلق منها (حيوان طاهر) فإنها نجسة، لأنها دم خارج من الفرج.

(ولا البيضة المذرة) أي: الفاسدة (أو) البيضة (التي صارت دمًا) فإنها نجسة، أما التي صارت دمًا، فلأنها في حكم العلقة. وأما المذرة، فذكره أبو المعالي، وصاحب "التلخيص" وقال ابن تميم: الصحيح طهارتها، كاللحم إذا أنتن.

(وأثر الاستجمار نجس) لأنه بقية الخارج من السبيل (يعفى عن يسيره) بعد الإنقاء واستيفاء العدد، بغير خلاف نعلمه، قاله في "الشرح"، المراد في محله. وقال أحمد في المستجمر يعرق في سراويله: لا بأس به. ذكره في "الشرح"(وتقدم) في باب الاستنجاء.

(و) يعفى (عن يسير طين شارع تحققت نجاسته) لمشقة التحرز منه.

(و) يعفى عن (يسير سلس بول، مع كمال التحفظ) منه للمشقة.

(و) يعفى عن (يسير دخان نجاسة، وغبارها، وبخارها، ما لم تظهر له صفة) في الشيء الطاهر. وقال جماعة: ما لم يتكاثف، لعسر التحرز عن ذلك.

(و) يعفى عن (يسير ماء نجس) بما عفي عن يسيره كما يأتي، لأن كل نجاسة نجست الماء، فحكم هذا الماء المتنجس بها حكمها؛ لأن نجاسة

(1)

مسلم في المساجد، حديث 550، باختلاف يسير فى الألفاظ.

ص: 452

الماء ناشئة عن نجاسة الواقع فيه، فهو فرعه.

(و) يعفى (عما في عين من نجاسة) أي نجاسة كانت للتضرر بغسلها (وتقدم) في باب الوضوء.

(وعن حمل نجس كثير في صلاة خوف. ويأتي) في صلاة الخوف.

(وما تنجس بما يعفى عن يسيره ملحق به في العفو عن يسيره) لما تقدم في الماء النجس.

(وما عفي عن يسيره) كالدم ونحوه (عفي عن أثر كثيره على جسم صقيل بعد المسح) لأن الباقي بعد المسح يسير، وإن كثر محله، فعفي عنه كيسير غيره.

(والمذي، والقيء) نجس. قال في "الفروع": ومن غسل فمه من قيء بالغ لغسل كل ما هو في حد الظاهر. فإن كان صائمًا فهل يبالغ ما لم يتيقن دخول الماء، أو ما لم يظن، أو ما لم يحتمل؟ يتوجه احتمالات. قال في "تصحيح الفروع": الظاهر الثاني؛ لأن غالب الأحكام منوطة بالظنون.

(والحمار الأهلي، والبغل منه، وسباع البهائم، وجوارح الطير) من كل ما لا يؤكل، وهو أكبر من الهر خلقة: نجسة، لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم "سئلَ عن الماءِ وما ينوبهُ من السِّباع فقال: إذا بلغَ الماءُ قلتيْنِ لم ينجسْ"

(1)

ولو كانت طاهرة لم يحده بالقلتين. وقال صلى الله عليه وسلم في الحمر يوم خيبر: "إنها رِجسٌ"

(2)

.

قال فى "المغنى": والصحيح عندى طهارة البغل، والحمار؛ لأن النَّبيَّ

(1)

تقدم تخريجه ص/ 66 تعليق رقم 1.

(2)

جزء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، رواه البخاري في الذبائح والصيد، باب 28، حديث 5528، ومسلم في الصيد، حديث 1940.

ص: 453

- صلى الله عليه وسلم كان يركبهما. ويركبان في زمنه، وفي عصر الصحابة، فلو كان نجسًا لبين لهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك. وأما الحمار الوحشي والبغل منه فطاهر مأكول، ويأتي.

(وريقها، وعرقها) أي: البغل، والحمار، وسباع البهائم، وجوارح الطير نجسان، لتولدهما من النجس (فدخل فيه) أي: في عرق السباع (الزباد) بوزن سحاب، فهو نجس (لأنه من حيوان بري، غير مأكول، أكبر من الهر) قال ابن البيطار

(1)

في "مفرداته"

(2)

: قال الشريف الإدريسي

(3)

: الزباد نوع من الطيب يجمع من بين أفخاذ حيوان

(4)

معروف، يكون بالصحراء، يصاد ويطعم اللحم

(5)

، ثم يعرق فيكون من عرق بين فخذيه حينئذ

(6)

. وهو أكبر من الهر الأهلي. اهـ ومقتضى كلامه في "الفروع" طهارته. قال: وهل الزباد لبن سنور بحري أو عرق سنور بري؟ فيه خلاف.

(وأبوالها وأرواثها) أي: البغال، والحمير، وسباع البهائم، والطير الجوارح: نجسة.

(وبول الخفاش، والخطاف، والخمر، والنبيذ المحرم) أي: المسكر

(1)

ابن البيطار هو: ضياء الدين عبد الله بن أحمد الأندلسي المالكي المعروف بابن البيطار المتوفى سنة 646 هـ -رحمه الله تعالى-. انظر عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص/ 601، وفوات الوفيات (2/ 159).

(2)

الجامع لمفردات الأدوية والأغذية (2/ 156).

(3)

الشريف الإدريسي: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الإدريسي الحسني الطالبي المتوفى سنة 560 هـ -رحمه الله تعالى- انظر الوافي بالوفيات (1/ 163).

(4)

في المفردات: "هر".

(5)

في المفردات: "قطع اللحم".

(6)

فى المفردات: "حينئذ هذا الطيب".

ص: 454

أو الذي غلا وقذف بزبده، أو أتت عليه ثلاثة أيام بلياليها (والجلالة قبل حبسها) ثلاثًا تطعم فيها الطاهر. نجسة. لما تقدم من النهي عن أكلها، وألبانها.

(والودي) ماء أبيض يخرج عقب البول.

(والبول، والغائط) من آدمي وما لا يؤكل (نجسة) من غيره صلى الله عليه وسلم ومن غير سائر الأنبياء، فالنجس منا طاهر منهم عليهم الصلاة والسلام (ولا يعفى عن يسير شيء منها) أي: من المذي، وما عطف عليه؛ لأن الأصل عدم العفو عن النجاسة إلا ما خصه الدليل.

وعنه في المذي والقيء، وريق البغل، والحمار، وسباع البهائم، والطير وعرقها، وبول الخفاش والنبيذ: أنه كالدم يعفى عن يسيره، لمشقة التحرز منه.

(ويغسل الذكر والأنثيان من المذي) ما أصابه سبعًا كسائر النجاسات. وما لم يصبه مرة، لما روي عن علي قال:"كنتُ رجلًا مذَّاءً فاستحييتُ أن أسألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمرتُ المقدادَ بنَ الأسودِ، فسألهُ، قال: يغسلُ ذكَرَهُ وأنثَييهِ ويتَوضَّأ" رواه أبو داود

(1)

.

(وطين الشارع، وترابه طاهر) وإن ظنت نجاسته، لأن الأصل الطهارة (ما لم تعلم نجاسته) فيعفى عن يسيره، وتقدم.

قال في "الفروع": ولو هبت ريح، فأصاب شيئًا رطبًا غبار نجس من طريق، أو غيره، فهو داخل في المسألة. وذكر الأزجي النجاسة به. وأطلق أبو

(1)

في الطهارة، باب 83، حديث 206 - 209، وقد رواه البخاري في الوضوء، باب 34، حديث 178، وفي الغسل، باب 13، حديث 269، ومسلم في الحيض، حديث 303، بنحوه بدون "أنثييه".

ص: 455

المعالي العفو عنه، ولم يقيده باليسير؛ لأن التحرز لا سبيل إليه. وهذا متوجه.

(ولا ينجس الآدمي، ولا طرفه، ولا أجزاؤه) كلحمه، وعظمه، وعصبه (ولا مشيمته) بوزن فعيلة -كيس الولد (ولو كافرًا بموته) لقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}

(1)

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم لا ينجُسُ" متفق عليه

(2)

من حديث أبي هريرة. وقال البخاري: قال ابن عباس: "المسلمُ لا ينجسُ حيًّا ولا ميتًا"

(3)

(فلا ينجس ما وقع فيه) آدمي أو شيء من أجزائه (فغيّره، كريقه) أي: الآدمي (وعرقه، وبزاقه، ومخاطه، وكذا ما لا نفس) أي: دم (له سائلة) لخبر أبي هريرة مرفوعًا: "إذا وقَع الذبابُ في شرابِ أحدكُم فليغمِسْه كلّه، ثم ليطرحْهُ؛ فإن في أحدِ جناحَيهِ شفاءً وفي الآخرِ داءً" رواه البخاري

(4)

. والظاهر موته بالغمس، لاسيما إذا كان الطعام حارًا. ولو نجس الطعام لأفسده. فيكون أمرًا بإفساد الطعام. وهو خلاف ما قصده الشارع؛ لأنه قصد بغمسه إزالة ضرره، ولأنه لا نفس له سائلة. أشبه دود الخل إذا مات فيه.

والذي لا نفس له سائلة (كذباب، وبق، وخنافس) جمع خنفساء بضم

(1)

سورة الإسراء، الآية:70.

(2)

البخاري في الغسل، باب 23، 24، حديث 283، 285، ومسلم في الحيض، حديث 371.

(3)

البخاري في الجنائز، باب 8، معلقًا، ورواه ابن أبي شيبة (3/ 267) وسعيد بن منصور كما في فتح الباري (3/ 127) موصولًا عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس بنجس حيًا ولا ميتًا. وقال الحافظ: إسناده صحيح. ورواه الدارقطني (2/ 70)، والحاكم (1/ 385) من طريق ابن عيينة به مرفوعًا، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(4)

في بدء الخلق، باب 17، حديث 3320، وفي الطب، باب 57، حديث 5782.

ص: 456

الخاء وفتح الفاء والمد، ويقال: خنفسة، ذكره في حاشيته (وعقارب، وصراصر، وسرطان ونحو ذلك، وبوله، وروثه) أي: ما لا نفس له سائلة طاهران، قال في "الإنصاف": فبوله وروثه طاهر في قولهما أي: الشيخين. قاله ابن عبيدان، وقال بعض الأصحاب: وجهًا واحدًا، ذكره ابن تميم. وقال

(1)

: وظاهر كلام أحمد نجاسته إذا لم يكن مأكولًا

(2)

.

(ولا يكره ما) أي: طعام، أو غيره (مات فيه) ما لا نفس له سائلة لظاهر الخبر المتقدم.

ومحل طهارة ما لا نفس له سائلة (إن لم يكن متولدًا من نجاسة كصراصر الحُش) ودود الجرح (فإن كان متولدًا منها فنجس حيًا، وميتًا) لأن الاستحالة غير مطهرة.

(وللوزغ نفس سائلة نصًا، كالحية، والضفدع، والفأرة) فتنجس بالموت، بخلاف العقرب.

(وإذا مات في ماء يسير حيوان، وشك في نجاسته) بأن لم يدر: أله نفس سائلة أم لا؟ (لم ينجس) الماء؛ لأن الأصل طهارته، فيبقى عليها، حتى يتحقق انتقاله عنها. وكذا إن شرب منه حيوان يشك في نجاسة سؤره وطهارته.

(وبول ما يؤكل لحمه وروثه) طاهران. لأنه صلى الله عليه وسلم "أمر العرَنيين أن يلحقُوا بإبل الصدقَةِ فيشربوا من أبوَالها وألبانِهَا"

(3)

والنجس لا يباح شربه، ولو أبيح

(1)

الإنصاف (2/ 347).

(2)

فقد قال أحمد في رواية المروذي: صراصر الكنيف والبالوعة إذا وقع في الإناء أو الحُب صُبَّ، وصراصر البئر ليست بقذرة ولا تأكل العذرة. المغنى (1/ 62).

(3)

رواه البخاري في الوضوء، باب 66، حديث 233، وفي الحدود، باب 15، حديث 6802، وباب 17، حديث 6804، ومسلم في القسامة، حديث 1671، من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 457

للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة، وكان صلى الله عليه وسلم "يصلِّي في مرابِضِ الغَنَمِ"

(1)

وأمر بالصلاة فيها

(2)

، وطاف على بعيره

(3)

.

(وريقه) أي: ما يؤكل لحمه (وبزاقه، ومخاطه، ودمعه، ومنيه طاهر) كبوله وأولى (كمني الآدمي) لقول عائشة: "كنتُ أفركُ المنيّ من ثوبِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ثم يذهبُ فيصلِّي فيه" متفق عليه

(4)

، وقال ابن عباس: "امسحه عنكَ

(1)

رواه البخاري في الوضوء باب 66، حديث 234، وفي الصلاة، باب 48، حديث 428، وباب 49، حديث 429، وفي مناقب الأنصار، باب 46، حديث 3932، ومسلم في المساجد، حديث 524 من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

رواه ابن ماجه في المساجد والجماعات، باب 12، حديث 769، والطيالسي ص / 123، حديث 913، والشافعي (ترتيب مسنده 1/ 67)، وعبد الرزاق (1/ 409) حديث 1602، وابن أبي شيبة (1/ 384)، وأحمد (4/ 85، 86، 5/ 54، 55)، وعبد بن حميد (1/ 450) حديث 500، والطحاوي (1/ 384)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 601) حديث 1702، والبيهقي (2/ 449)، والبغوي في شرح السنة (2/ 404) حديث 504 عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.

حسنة النووي في الخلاصة (1/ 317) حديث 922، وفي المجموع (3/ 152) ورمز السيوطي في الجامع الصغير (4/ 200) لصحته، وقال المناوي في فيض القدير (4/ 200) قال مغلطاي: حديث صحيح.

(3)

رواه البخاري في الحج، باب 58، 61، 62، 74 حديث 1607، 1612، 1613، 1632، وفي الطلاق باب 24، حديث 5293، ومسلم في الحج، حديث 1272، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ورواه مسلم -أيضًا- في الحج حديث 1273، 1274، من حديث جابر، وعائشة رضي الله عنهما.

(4)

رواه مسلم في الطهارة، حديث 288 بلفظ: ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركًا، فيصلي فيه، وأما البخاري فرواه في الوضوء، باب 64، حديث 229، 230، 231، 232، بلفظ: كنت أغسله -أي المني- من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة، وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء. ورواه مسلم حديث 289، بنحوه.

ص: 458

بإذخرةٍ، أو خرقَةٍ، فإنما هو بمنزلةٍ المخاطِ، والبُصَاقِ" رواه سعيد

(1)

، ورواه الدارقطني مرفوعًا

(2)

.

وفارق البول والمذي بأنه بدء خلق آدمي.

ويستحب غسله، أو فركه إن كان مني رجل لما تقدم. قال في "المبدع": وظاهره لا فرق بين ما أوجب غسلًا، أو لا، وصرح به في "الرعاية".

(ولو خرج) المني (بعد استجمار) لعموم ما سبق. قال في "الإنصاف": سواء كان من احتلام، أو جماع، من رجل، أو امرأة، لا يجب فيه فرك ولا غسل. ثم قال: وقيل مني المستجمر نجس دون غيره.

(وكذا رطوبة فرج المرأة) طاهرة للحكم بطهارة منيها، فلو حكمنا بنجاسة رطوبة فرجها، لزم الحكم بنجاسة منيها.

(ولبن غير مأكول) كلبن الهر، والحمار (وبيضه) أي: بيض غير المأكول، كبيض الباز، والعقاب، والرخم (ومنيه من غير آدمى: نجس) كبوله وروثه.

(1)

ورواه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 85)، والدارقطني (1/ 125)، والبيهقي (2/ 418)، وقال: هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعًا، ولا يصح رفعه.

(2)

(1/ 124)، ورواه -أيضًا- الطبراني في الكبير (11/ 148) حديث 11321، والبيهقي (2/ 418) وقال: ورواه وكيع عن ابن أبي ليلى موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما وهو الصحيح. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد": (1/ 279)، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه محمد بن عبيد الله العرزمي، وهو مجمع على ضعفه. هكذا فى المجمع:"وفيه محمد بن عبيد الله العرزمي" وهو خطأ فليس في سنده محمد بن عبيد الله العرزمي بل فيه شريك بن عبد الله النخعي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وفي حفظهما شيء.

ص: 459

(وسؤر) بضم السين وبالهمز (الهر) ويسمى الضيون بضاد معجمة وياء ونون، والسنور، والقط (وهو) أي: سؤره (فضلة طعامه، وشرابه) طاهر.

(و) سؤر (مثله خلقة) أي: مثل الهر في الخلقة (و) سؤر ما (دونه) أي: الهر في الخلقة (من طير، وغيره طاهر) لما روى مالك، وأحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه عن أبي قتادة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الهر:"إنها ليست بنجس، إنها من الطوافينَ عليكُم والطوافاتِ"

(1)

مشبها بالخدم أخذًا من قول الله عز وجل: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ}

(2)

ولعدم إمكان التحرز منها، كحشرات الأرض، كالحية، قاله القاضي. فطهارتها من النص. ومثلها وما دونها من التعليل.

(1)

رواه الإمام مالك: (1/ 22)، حديث 13، والإمام أحمد:(5/ 296، 303، 309)، وأبو داود في الطهارة، باب 38، حديث 75، والترمذي في الطهارة، باب 69، حديث 92، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه -أيضًا-، النسائي في الطهارة، باب 54، حديث 68، وفي المياه، باب 8، حديث 339، وابن ماجه في الطهارة، باب 32، حديث 367، وعبد الرزاق (1/ 100، 101)، والحميدي حديث 430، وابن أبي شيبة (1/ 31، 32)، والدارمي في الطهارة، باب 57، حديث 742، وابن الجارود حديث 60، وابن خزيمة (1/ 55) حديث 104، والطحاوي (1/ 18)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 114) حديث 1299، والدارقطني (1/ 70)، والحاكم (1/ 160)، والبيهقي (1/ 245)، والبغوي في شرح السنة (2/ 69) حديث 286، وقال الحاكم: حديث صحيح. . . وهذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ. ووافقه الذهبي. وقال البغوي: هذا حديث حسن صحيح، وقال النووي في المجموع (1/ 215): صحيح. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 41): وصححه البخاري، والترمذى والعقيلي، والدارقطني.

(2)

سورة النور، الآية:58.

ص: 460

(فلو أكل) هر، ونحوه (نجاسة، ثم ولغ في ماء يسير، فطهور، ولو لم يغب) الهر، ونحوه بعد أكله نجاسة، لأن الشارع عفا عنها مطلقًا لمشقة التحرز (وكذا فم طفل، وبهيمة) إذا أكلا نجاسة ثم شربا من ماء يسير. قال ابن تميم: فيكون الريق مطهرًا لها. ودل كلامه أنه لا يعفى عن نجاسة بيدها، أو رجلها، نص عليه.

(ولا يكره سؤرهن نصًا) قال في "المبدع": نص عليه في الهر، ولعموم البلوى بنقر الفأر وغيره (وفي المستوعب وغيره: يكره سؤر الفأر؛ لأنه يورث النسيان.

ويكره سؤر الدجاجة إذا لم تكن مضبوطة نصًا) لأن الظاهر نجاسته.

(وسؤر الحيوان النجس) كالكلب، والبغل، والحمار، على القول بنجاستهما (نجس) أما الشراب فلأنه مائع لاقى النجاسة. وأما الطعام فلنجاسة ريقها الملاقي له.

ص: 461

‌باب الحيض والاستحاضة والنفاس وما يتعلق بها من الأحكام

(الحيض) لغة السيلان، مأخوذ من قولهم: حاض الوادي إذا سال. وحاضت الشجرة إذا سال منها شبه الدم. وهو الصمغ الأحمر. يقال: حاضت المرأة تحيض حيضًا، ومحيضًا، فهي حائض، وحائضة: إذا جرى دمها، وتحيضت، أي: قعدت أيام حيضها عن الصلاة. ويسمى أيضًا الطمث، والعراك، والضحك، والإعصار، والإكبار، والنفاس، والفراك، والدراس.

وشرعًا (دم طبيعة) أي: جبلة، وخلقة، وسجية (يخرج مع الصحة) بخلاف الاستحاضة (من غير سبب ولادة) خرج النفاس (من قعر الرحم) أي: بيت منبت الولد ووعائه (يعتاد أنثى، إذا بلغت في أوقات معلومة) وليس بدم فساد، بل خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته، وهو مخلوق من مائهما، فإذا حملت انصرف ذلك بإذن الله إلى غذائه. ولذلك لا تحيض الحامل. فإذا وضعت قلبه الله لبنا يتغذى به. ولذلك قلما تحيض المرضع. فإذا خلت منهما بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام، أو سبعة. وقد يزيد على ذلك، ويقل، ويطول شهرها، ويقصر، بحسب ما ركبه الله في الطباع. ولهذا أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ببر الأم ثلاث مرات، وببر الأب مرة واحدة

(1)

.

(1)

روى البخاري في الأدب، باب 2، حديث 5971، ومسلم في البر والصلة حديث 2548 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.

ص: 463

والأصل في الحيض قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية

(1)

والسنة. قال أحمد

(2)

: الحيض يدور على ثلاثة أحاديث: حديث فاطمة

(3)

، وأم حبيبة

(4)

، وحمنة

(5)

. وفي رواية: أم سلمة

(6)

، مكان أم حبيبة.

(1)

سورة البقرة، الآية:222.

(2)

مسائل ابن هانئ (1/ 35).

(3)

تقدم تخريجه ص / 338 تعليق 1.

(4)

تقدم تخريجه ص/ 338 تعليق 2.

(5)

تقدم تخريجه ص / 339 تعليق 1.

(6)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 108، حديث 274، 278، والنسائي في الطهارة، باب 134، حديث 208، وفي الحيض، باب 3، حديث 352، 353، وابن ماجه في الطهارة، باب 115، حديث 623، ومالك في الموطأ، الطهارة، باب 29، (1/ 62)، والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 46)، وعبد الرزاق (1/ 309) حديث 1182، والحميدي حديث 302، وابن أبي شيبة (1/ 126)، وأحمد (6/ 293، 322)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 148 - 150) حديث 2720 - 2724، وابن المنذر (2/ 221) حديث 809، والطبراني في الكبير (23/ 270 - 272، 385) حديث 575، 577، 578، 583، 917 - 920، والدارقطني (1/ 207، 208)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 156 - 157)، والبيهقي (1/ 332 - 334)، وفي الخلافيات (3/ 317) حديث 1012، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 56 - 59)، والبغوي (2/ 142) حديث 325، كلهم عن سليمان بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة كانت تُهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصل فيه". لفظ أبي داود.

ورواه أبو داود -أيضًا- حديث 275 - 276، والدارمي في الطهارة، باب 83، حديث 786، وابن الجارود (118)، وأبو يعلى في مسنده (12/ 318) حديث 6894، وابن المنذر في الأوسط (2/ 223) حديث 812، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 150) حديث 2725، والبيهقي (1/ 333) كلهم من طرق عن =

ص: 464

(والاستحاضة سيلان الدم في غير أوقاته) المعتادة (من مرض، وفساد، من عرق، فمه في أدنى الرحم يسمى) ذلك العرق (العاذل) بالمهملة، والمعجمة، والعاذر يعني بالذال المعجمة والراء، قال في "المطلع"

(1)

: لغة فيه حكاهما ابن سيده

(2)

، يقال: استحيضت المرأة، استمر بها الدم بعد أيامها، فهي مستحاضة.

(والنفاس الدم الخارج بسبب الولادة) يقال: نفست المرأة، بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما إذا ولدت، ويقال في الحيض: نفست بالفتح لا غير

(3)

، (ويمنع الحيض خمسة عشر شيئًا) بالاستقراء.

= نافع، عن سليمان بن يسار أن رجلًا أخبره عن أم سلمة رضي الله عنها، فزادوا رجلًا -لم يسم- بين سليمان وأم سلمة رضي الله عنها.

ورواه الطبراني -أيضًا- في الكبير (23/ 293) حديث 649، والبيهقي (1/ 334)، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن سعيد بن مرجانة، عن أم سلمة، بزيادة: سعيد ابن مرجانة بين سليمان، وأم سلمة رضي الله عنها.

ولذا اختلف النقاد في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، فمال البيهقي في الخلافيات (3/ 319) إلى تضعيفه، ومال ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 333) إلى تصحيحه، وأما ابن عبد البر فحكى الاختلاف في التمهيد (16/ 58 - 60) ولم يرجح شيئًا.

وقال النووي في المجموع (2/ 415): صحيح. . . وانظر الأوسط لابن المنذر (2/ 223).

(1)

ص/ 42.

(2)

المحكم والمحيط الأعظم (2/ 56، 59).

(3)

في نسخة "ذ" زيادة: "قال في مختصر الصحاح: (مختار الصحاح ص/ 673): النفاس ولادة المرأة، إذا وضعت فهي نفساء ونسوة نفاس، وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعسراء".

ص: 465

أحدها: (الطهارة له) أي: للحيض؛ لأن انقطاعه شرط لصحة الطهارة له، وتقدم، بخلاف الغسل لجنابة، أو إحرام، ونحوه كما تقدم في الغسل.

(و) الثاني: (الوضوء) لأن من شرطه انقطاع ما يوجبه كما تقدم.

(و) الثالث: (قراءة القرآن) لما تقدم في الغسل من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقرأ الحائِضُ ولا الجنبُ شيئًا من القرآنِ"

(1)

.

(1)

لم يتقدم هذا الحديث في الغسل، وإنما تقدم في (ص/ 342) حديث علي رضي الله عنه:"كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجبه -وربما قال: لا يحجزه- من القرآن شيء ليس الجنابة".

وحديث: لا تقرأ الحائض. . . رواه الترمذي في الطهارة، باب 98، حديث 131، وابن ماجه في الطهارة، باب 105، حديث 595، والطحاوي (1/ 88)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 90)، والآجري في أخلاق حملة القرآن (77)، وابن عدي (1/ 294، 4/ 1390 - 1391)، والدارقطني (1/ 117)، والبيهقي (1/ 89)، وفي الخلافيات (2/ 23 - 26) حديث 318، والخطيب في تاريخه (2/ 145) كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد في العلل (3/ 381): هذا باطل. ونقل الترمذي، والبيهقي تضعيفه عن الإمام البخاري. وقال النووي في المجموع (2/ 155): هو حديث ضعيف، ضعفه البخاري، والبيهقي وغيرهما، والضعف فيه بين. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (6/ 118): هذا حديث لين الإسناد. وضعفه ابن الملقن في تحفة المحتاج (1/ 204)، وفي خلاصة البدر المنير (1/ 60 - 61). وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 138): وفي إسناده إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها. وقال في الفتح (1/ 409): وأما حديث ابن عمر مرفوعًا: "لا تقرأ الحائض. . . " فضعيف من جميع طرقه. انظر التلخيص الحبير (1/ 138)، ونصب الراية (1/ 195).

وسئل عنه أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 49) فقال: هذا خطأ، وإنما هو عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله. والموقوف رواه البيهقي (1/ 90 - 91) بلفظ: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر، ولا يقرأ إلا وهو طاهر، ولا يصلي على الجنازة إلا وهو طاهر.

ص: 466

(و) الرابع: (مس المصحف) لما تقدم

(1)

.

(و) الخامس: (الطواف) لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إذا حضْتِ افعلِي ما يفعلُ الحاجُّ غيرَ أن لا تطُوفي بالبيتِ حتى تطهُرِي" متفق عليه

(2)

.

(و) السادس: (فعل الصلاة.

و) السابع: (وجوبها) أي: الصلاة (فلا تقضيها) قال ابن المنذر

(3)

: أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصلاة عنها في أيام حيضها، وعلى أن قضاء ما فات عنها في أيام حيضها ليس بواجب، لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش:"إذا أقبَلَت الحيضةُ فدعِي الصلاةَ"

(4)

.

ولما روت معاذة، قالت: سألت عائشة: "ما بالُ الحائضِ تقضِي الصومَ، ولا تقضِي الصلَاةَ؟ فقالت: أحَرُورِيّة أنتِ؟ فقلت: لستُ بحروريةٍ، ولكنِّي أسألُ، فقالت: كنَّا نحيضُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنؤمرُ بقضاءٍ الصومٍ، ولا نؤمر بقضاءِ الصلاةِ" متفق عليهما

(5)

.

معنى قولها: "أحرورية". الإنكار عليها أن تكون من أهل حروراء وهي مكان تنسب إليه الخوارج؛ لأنهم يرون على الحائض قضاء الصلاة كالصوم، لفرط تعمقهم في الدين، حتى مرقوا منه، ولأنه يشق، لتكرره، وطول مدته، فإن أحبت القضاء فظاهر نقل الأثرم التحريم، قال في "الفروع": ويتوجه

(1)

تقدم تخريجه ص / 312 - 313.

(2)

رواه البخاري في الحج، باب 81، حديث 1650، ومسلم في الحج، حديث 1211 (119، 120).

(3)

الإجماع ص/ 37.

(4)

تقدم تخريجه ص / 338 تعليق رقم 1.

(5)

رواه البخاري في الحيض، باب 20، حديث 321، ومسلم في الحيض، حديث 335.

ص: 467

احتمال "يكره" لكنه بدعة، كما رواه الأثرم عن عكرمة، ولعل المراد، إلا ركعتي الطواف؛ لأنها نسك لا آخر لوقته فيعايا بها اهـ. يعني إذا طافت ثم حاضت قبل أن تصلي ركعتي الطواف فإنها تصليها إذا طهرت، لأنه لا آخر لوقتها، فتسميتها قضاء تجوز.

(و) الثامن: (فعل الصيام) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: "أليسَ إحداكُنَّ إذا حاضتْ، لم تصمْ، ولم تصلِّ؟ قلتُ: بلَى، قال: فذلِكَ من نقصَانِ دِينِهَا" رواه البخاري

(1)

.

و (لا) يمنع الحيض (وجوبه) أي: الصوم (فتقضيه) إجماعًا، قاله في "المبدع"؛ لأنه واجب في ذمتها كالدين المؤجل، لكنه مشروط بالتمكن، فإن لم تتمكن لم تكن عاصية، وتقضيه هي، وكل معذور بالأمر السابق، لا بأمر جديد.

(و) التاسع: (الاعتكاف.

و) العاشر: (اللبث في المسجد) ولو بوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ، ولا جنب" رواه أبو داود

(2)

.

(و) الحادي عشر: (الوطء في الفرج) لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}

(3)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعُوا كلَّ شيءٍ إلا النِّكَاحَ" رواه مسلم

(4)

.

(1)

البخاري في الحيض، باب 6، حديث 304، وفي الصوم، باب 41، حديث 1951، وفيه "قلن: بلى".

(2)

تقدم تخريجه ص / 343 تعليق رقم 2.

(3)

سورة البقرة الآية: 222.

(4)

في الحيض، حديث 302، من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 468

(إلا لمن به شبق بشرطه) وهو أن لا تندفع شهوته بدرن الوطء في الفرج، ويخاف تشقق أنثييه، إن لم يطأ، ولا يجد غير الحائض بأن لا يقدر على مهر حرة، ولا ثمن أمة.

(و) الثاني عشر: (سنة الطلاق) لما روي عن ابن عمر "أنه طلَّقَ امرأتَهُ وهِيَ حائضٌ فذكرَ عمرُ ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: مرهُ فليراجعْهَا ثم ليطلقْهَا طاهرًا أو حامِلًا" متفق عليه

(1)

، ولم يقل البخاري:"أو حاملًا" ولأنه إذا طلقها فيه كان محرمًا، وهو طلاق بدعة، لما فيه من تطويل العدة، وسيأتي (ما لم تسأله طلاقًا بعوض، أو خلعًا) لأنها إذن قد أدخلت الضرر على نفسها (فإن سألته) طلاقًا (بغير عوضٍ لم يُبَحْ). قلت: ولعل اعتبار العوض لأنها فد تظهر خلاف ما تبطن، فبذل العوض يدل على إرادتها الحقيقية.

(و) الثالث عشر: (الاعتداد بالأشهر) يعني أن من تحيض لا تعتد بالأشهر، بل بالحيض لقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(2)

فأوجب العدة بالقروء، وشرط في الآيسة عدم الحيض لقوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ. . .} الآية

(3)

(إلا المتوفى عنها زوجها) فتعتد بالأشهر، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ. . .} الآية

(4)

.

(و) الرابع عشر: (ابتداء العدة إذا طلقها في أثنائه) أي: الحيض لقوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(2)

وبعض القرء ليس بقرء.

(1)

رواه البخاري في الطلاق، باب 1، حديث 5251، ومسلم في الطلاق، حديث 1471.

(2)

سورة البقرة، الآية:228.

(3)

سورة الطلاق، الآية:4.

(4)

سورة البقرة، الآية:234.

ص: 469

(و) الخامس عشر: (مرورها في المسجد، إن خافت تلويثه) لأن تلويثه بالنجاسة محرم، والوسائل لها حكم المقاصد.

(ولا يمنع) الحيض (الغسل للجنابة، والإحرام)، ودخول مكة، ونحوه وتقدم (بل يستحب) الغسل لذلك.

(ولا) يمنع (مرورها في المسجد، إن أمنت تلويثه) قال في رواية ابن إبراهيم

(1)

: تمر، ولا تقعد.

(ويوجب) الحيض (خمسة أشياء) بالاستقراء:

(الاعتداد به) لغير وفاة، لما سبق.

(والغسل) لقوله صلى الله عليه وسلم: "دعِي الصلاةَ قدرَ الأيامِ التي كنتِ تحيضينَ فيهَا، ثمَّ اغتسلي، وصلِّي" متفق عليه

(2)

.

(والبلوغ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلا بخمَارٍ" رواه أحمد، وغيره

(3)

، فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيض، فدل على أن التكليف حصل به.

(1)

انظر: الفروع (1/ 261)، الإنصاف (2/ 369).

(2)

تقدم تخريجه ص/ 338 تعليق رقم 2.

(3)

أحمد (6/ 218، 150، 259)، وأبو داود في الصلاة، باب 85، حديث 641، والترمذى في الصلاة، باب 160، حديث 377، وابن ماجه في الطهارة، باب 132، حديث 655، وابن أبي شيبة (2/ 229 - 230)، وإسحاق بن راهويه (3/ 687 - 688) حديث 1284، 1285، وابن الجارود حديث 173، وابن خزيمة (1/ 380) حديث 775، وابن الأعرابي في معجمه (3/ 940) حديث 1994، 1995، 1996، وابن حبان "الإحسان"(4/ 612) حديث 1711، 1712، والحاكم (1/ 251)، وابن حزم في المحلى (3/ 219)، والبيهقي (2/ 233) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا متصلًا، ورواه أبو داود -أيضًا- معلقًا، والحاكم عن الحسن مرسلًا. =

ص: 470

(والحكم ببراءة الرحم في الاعتداد) به، إذ العلة في مشروعية العدة في الأصل: العلم ببراءة الرحم.

(و) الحكم ببراءة الرحم في (استبراء الإماء) إذ فائدته ذلك.

(و) الخامس (الكفارة بالوطء فيه) أي: في الحيض.

قلت: قد يقال: الموجب الوطء، والحيض شرط، كما قالوا في الزنا: إنه موجب، والإحصان في ذلك شرط. والخطب في ذلك سهل.

(ونفاس مثله) أي: الحيض فيما يمنعه ويوجبه. قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه، لأنه دم حيض احتبس لأجل الولد (حتى في) وجوب (الكفارة بالوطء فيه) أي: في النفاس (نصًا) لما تقدم.

(إلا في ثلاثة أشياء: الاعتداد به) لأن انقضاء العدة بالقروء، والنفاس ليس بقرء، ولأن العدة تنقضي بوضع الحمل.

(وكونه) أي: النفاس (لا يوجب البلوغ لحصوله قبله بالحمل) لأن الولد ينعقد من مائهما لقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)}

(1)

.

= وقال الترمذي: حديث عائشة رضي الله عنها حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأظنه لخلاف فيه على قتادة، ووافقه الذهبي، وقال: وعلته ابن أبي عروبة. وقال النووي في المجموع (3/ 167): ثبت وجوب الستر بحديث عائشة، وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 108): وإسناده صحيح.

وله شاهد من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. رواه الطبراني في الأوسط (8/ 294) حديث 7602، وفي الصغير (2/ 54) وقال: تفرد به إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 52) بعد نقله كلام الطبراني. قلت: ولم أجد من ترجمه. وبقية رجاله موثقون. قلنا: بل هو من رجال التهذيب، قال عنه ابن حجر في التقريب (127) صدوق. فالحديث حسن الإسناد.

(1)

سورة الطارق، الآيتان: 6 - 7.

ص: 471

(ولا يحتسب به) أي: بالنفاس (عليه) أي: على المولي (في مدة الإيلاء) لأنه ليس بمعتَادٍ بخلاف الحيض.

(وإذا انقطع الدم) أي: الحيض، أو النفاس (أبيح فعل الصيام) لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله، كالجنب.

(و) أبيح (الطلاق) لأن تحريمه لتطويل العدة بالحيض، وقد زال ذلك.

(ولم يبح غيرهما حتى تغتسل) قال ابن المنذر

(1)

: هو كالإجماع، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماع التابعين، لأن الله تعالى شرط لحل الوطء شرطين: انقطاع الدم، والغسل، فقال:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}

(2)

أي: ينقطع دمهن {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي: اغتسلن بالماء {فَأْتُوهُنَّ} كذا فسره ابن عباس، لا يقال: ينبغي على قراءة الأكثر بتخفيف "يطهرن" الأولى أنه ينتهي النهي عن القربان بانقطاع الدم، إذ الغاية تدخل في المغيّا لكونها بحرف "حتى" لأنه قبل الانقطاع النهي عن القربان مطلق، فلا يباح بحال، وبعده يزول التحريم المطلق، وتصير إباحة وطئها موقوفة على الغسل، وظهر أن قراءة الأكثر أكثر فائدة.

"تنبيه" تقدم أنه يباح لها اللبث في المسجد بوضوء بعد انقطاع الدم، فالحصر إضافي.

(فلو أراد وطأها، وادعت أنها حائض وأمكن) بأن كانت في سن يتأتى فيه الحيض -ويأتي بيانه- (قبل) قولها وجوبًا (نصًا) لأنها مؤتمنة، قال ابن حزم

(3)

: اتفقوا على قبول قول المرأة، تزف العروس إلى زوجها فتقول: هذه زوجتك، وعلى استباحة وطئها بذلك، وعلى تصديقها في قولها: أنا حائض،

(1)

انظر الأوسط (2/ 214).

(2)

سورة البقرة، الآية:222.

(3)

مراتب الإجماع ص/ 65.

ص: 472

وفي قولها: قد طهرت.

(ويباح أن يستمتع منها) أي: الحائض (بغير الوطء في الفرج) كالقبلة، واللمس، والوطء دون الفرج، زاد في "الاختيارات"

(1)

: والاستمناء بيدها، لقوله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}

(2)

قال ابن عباس: فاعتزلوا نكاح فروجهن، رواه عبد بن حميد وابن جرير

(3)

، ولأن المحيض اسم لمكان الحيض في ظاهر كلام أحمد، وقاله ابن عقيل. كالمقيل، والمبيت، فيختص التحريم بمكان الحيض، وهو الفرج. ولهذا لما نزلت هذه الآية قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اصنَعُوا كلَّ شيءٍ إلا النِّكاحَ" رواه مسلم

(4)

. وفي لفظ: "إلا الجماع" رواه أحمد

(5)

، وغيره. ولأنه وطء منع للأذى، فاختص بمحله، كالدبر.

وحديث عبد الله بن سعد أنه "سألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: ما يحلُّ من امْرَأتِي وهي حائضٌ؟ قال: لكَ ما فوقَ الإزَارِ" رواه أبو داود

(6)

.

(1)

ص / 44.

(2)

سورة البقرة الآية: 222.

(3)

في تفسيره (2/ 382).

(4)

تقدم تخريجه ص/ 468 تعليق رقم 4.

(5)

المسند (3/ 132، 246) بلفظ: "النكاح" ولم نجده عنده بلفظ: "الجماع" وقد رواه بلفظ: "الجماع"، النسائي في الطهارة، باب 181، حديث 287، وفي الحيض، باب 8، حديث 367، وابن ماجه في الطهارة، باب 125، حديث 644، والطيالسي (273) حديث 5052، والبيهقي (1/ 313)، والبغوي في شرح السنة (2/ 125) حديث 314.

(6)

في الطهارة، باب 83، حديث 212، من حديث حرام بن حكيم عن عمه -وهو عبد الله بن سعد رضي الله عنه ورواه -أيضًا- ابن حزم في المحلى (2/ 180)، =

ص: 473

أجيب عنه: بأنه من رواية حرام بن حكيم وقد ضعفه ابن حزم

(1)

وغيره. سلمنا صحته، فإنه يدل بالمفهوم، والمنطوق راجح عليه. وحديث البخاري عن عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كانَ يأمُرني أن أتزر، فيباشِرُني وأنَا حَائضٌ"

(2)

لا دلالة فيه على المنع، لأنه كان يترك بعض المباح تقذرًا، كتركه أكل الضب

(3)

.

(ويستحب ستره) أي: الفرج (إذن) أي: عند الاستمتاع من الحائض

= والبيهقي (1/ 312)، والخطيب في الموضح (1/ 110 - 111)، وقال ابن حزم: لا يصح، لأن حرام بن حكيم ضعيف،. . . وأيضًا فإن هذا الخبر رواه عن حرام مروان بن محمد وهو ضعيف. قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 209): رواه أبو داود -أيضًا- من طريق حرام بن حكيم وهو ضعيف.

وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 312) حديث 1061، بقوله: ولا أدري من أين جاءه تضعيفه، وإنما هو مجهول الحال. وتعقبهم الحافظ ابن حجر في التهذيب (2/ 223) بقوله: وليس كما قالوا، ثقة كما قال العجلي، وغيره. وقال في التقريب (ص/227): ثقة. وأما مروان بن محمد الذي ضعفه ابن حزم، فقد نقل ابن حجر في التهذيب (10/ 95 - 96) توثيقه عن أبي حاتم، وابن معين، والدارقطني، ثم قال: وضعفه أبو محمد بن حزم، فأخطأ، لأنا لا نعلم له سلفًا في تضعيفه إلا ابن قانع، وقول ابن قانع غير مقنع. وقال الذهبي في الكاشف (2/ 254): ثقة إمام. والحديث ذكره النووي في الخلاصة (1/ 228) وقال: رواه أبو داود بإسناد جيد.

(1)

المحلى (2/ 180 - 181).

(2)

رواه البخاري في الحيض، باب 5، حديث 300، ورواه مسلم في الحيض حديث 293 بنحوه.

(3)

رواه غير واحد من الصحابة منهم: خالد بن الوليد رضي الله عنه. أخرجه البخاري في الأطعمة، باب 10، 14، حديث 5391، 5400، وفي الذبائح والصيد، باب 33، حديث 5537، ومسلم في الصيد والذبائح 1945، 1946.

ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب 33، حديث 5536، ومسلم في الصيد والذبائح حديث 1943، 1944.

ص: 474

بغير الفرج لحديث عكرمة عن بعض أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم "أنه كانَ إذا أرادَ مِنَ الحائِض شيئًا ألقَى عَلى فرجها ثوْبًا" رواه أبو داود

(1)

.

وقال ابن حامد: يجب.

(ووطؤها) أي: الحائض (في الفرج ليس بكبيرةَ) لعدم انطباق تعريفها عليه، ويأتي في الشهادات: أنه عَدَّه من الكبائر.

(فإن وطئها) أي: الحائض (من يجامع مثله) وهو ابن عشر، فأكثر (ولو غير بالغ) لعموم الخبر (في الحيض، والدم يجري) أي: يسيل. سواء كان الوطء (في أوله) أي: الحيض (أو) في (آخره) لأنه معنى تجب فيه الكفارة، فاستوى الحال فيه بين إقباله، وإدباره، وصفاته.

(ولو) كان الوطء (بحائل) لفه على ذكره، أو كيس أدخله فيه.

(أو وطئها وهي طاهرة فحاضت في أثناء وطئه، ولو لم يستدم) الوطء بل نزع في الحال (لأن النزع جماع، فعليه دينار، زنته مثقال خاليًا من الغش، ولو غير مضروب) خلافًا للشيخ تقي الدين

(2)

.

(أو نصفه على التخيير كفارة)

(3)

لما روى ابن عباس، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"عَنِ الذي يأتي امرأتَهُ وهي حائضٌ، قال: يتصدَّق بدينارٍ أو نصْفِهِ" رواه

(1)

في الطهارة، باب 107، حديث 272، ورواه -أيضًا- ابن حزم (2/ 182)، والبيهقي (1/ 314) وزاد:"ثم صنع ما أراد"، وقال الحافظ في الفتح (1/ 404): إسناده قوي، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 344): ورجال إسناده ثقات محتج بهم في الصحيح.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 44.

(3)

وعنه: لا كفارة. قال القاضي وابن عقيل: بناء على الصوم والإحرام هـ ح م ص. "ش".

ص: 475

أحمد، والترمذي، وأبو داود

(1)

. وقال: هكذا الرواية الصحيحة.

(1)

أحمد (1/ 230، 237، 272، 286، 312، 325، 339)، والترمذي في الطهارة، باب 103، حديث 136، وأبو داود في الطهارة، باب 106، حديث 264، وفي النكاح، باب 48، حديث 2168.

ورواه -أيضًا- النسائي في الطهارة، باب 182، حديث 288، وفي الحيض، باب 9، حديث 368، وفي الكبرى (5/ 347، 348، 349)، وابن ماجه في الطهارة، باب 123، 129، حديث 640، 650، والدارمي في الطهارة، باب 111، حديث 1110، 1114، وابن الجارود حديث 108، 109، 111، والطبراني في الكبير (11/ 281، 282، 401، 402) حديث 12065، 12066، 12129، 12133، والدارقطني (3/ 286 - 287)، والحاكم (1/ 171 - 172)، والبيهقي (1/ 314، 315)، والخطيب في تاريخه (5/ 35) من طرق عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وفي رواية الترمذي حديث 137، والنسائي في الكبرى (5/ 348)، وعبد الرزاق (1/ 329) حديث 1264، وأحمد (1/ 367)، والدارمي حديث 1116، وأبو يعلى (4/ 320) حديث 2432، والدارقطني (3/ 287):"إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإذا كان دمًا أصفر فنصف دينار" لفظ الترمذى.

ورواه أبو داود -أيضًا- (265)، والنسائي في الكبرى (5/ 347، 348)، وعبد الرزاق (1/ 328) حديث 1261، والدارمي حديث 1111، 1112، وابن الجارود (110)، والبيهقي (1/ 314 - 315) عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا.

ورواه عبد الرزاق (1/ 328) حديث 1263، عن مقسم مرسلًا.

ولذا اختلف النقاد في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، فصححه الحاكم، وقال: قد أرسل هذا الحديث، وأوقف -أيضًا- ونحن على أصلنا الذي أصلناه أن القول قول الذي يسند ويصل، إذا كان ثقة.

وقد أمعن ابن القطان في تصحيحه، والجواب عن طرق الطعن فيه، في بيان الوهم =

ص: 476

لا يقال: كيف يخير بين الشيء ونصفه؟؛ لأنه كتخيير المسافر بين الإتمام والقصر.

وأخذ صاحب "الفروع" من كلام ابن عقيل: أن من كرر الوطء في حيضة، أو حيضتين: أنه في تكرار الكفارة كالصوم.

(مصرفها) أي: هذه الكفارة (مصرف بقية الكفارات) أي: إلى من له أخذ زكاة لحاجته.

(وتجوز إلى مسكين واحد، كنذر مطلق) أي: كما لو نذر أن يتصدق بشيء، ولم يقيد بمن يتصدق عليه.

(وتسقط) كفارة الوطء في الحيض (بعجز) قال ابن حامد: كفارة وطء الحائض تسقط بالعجز عنها، أو عن بعضها، ككفارة الوطء في رمضان.

(وكذا هي) أي: الحائض (إن طاوعته) على وطئها في الحيض، فتجب عليها الكفارة، ككفارة الوطء في الإحرام، فإن كانت مكرهة، فلا شيء عليها، لعدم تكليفها

(1)

.

والكفارة واجبة بوطء الحائض (حتى) ولو كان الوطء (من ناس، ومكره، وجاهل الحيض، أو التحريم، أو هما) أي: جاهل الحيض، والتحريم، لعموم الخبر، وقياسًا على الوطء في الإحرام.

(ولا تجب الكفارة بوطئها بعد انقطاع الدم، وقبل الغسل) لمفهوم قوله في الخبر: "وهي حائض" وهذه ليست بحائض.

= والإيهام (5/ 277)، وأقره ابن دقيق العيد على تصحيحه في الإمام (3/ 263).

وقال النووي في الخلاصة (1/ 232): واتفق الحفاظ على ضعف حديث ابن عباس هذا واضطرابه، وتلونه، وقريب منه في المجموع (2/ 343).

وصوب الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 166) قول ابن القطان، وابن دقيق العيد.

(1)

وكذا لو كانت جاهلة، أو ناسية، كما يأتي في كفارة صوم رمضان. "ش"

ص: 477

(ولا) تجب الكفارة أيضًا (بوطئها) أي: الحائض (في الدبر) لأنه ليس منصوصًا عليه، ولا في معنى المنصوص.

(ولا يجزئ إخراج القيمة) عن الدينار، أو نصفه، كسائر الكفارات (إلا) إذا أخرج القيمة (من الفضة) كإجزاء أحدهما عن الآخر في الزكاة، لأن المقصود منهما واحد.

(وبدن الحائض، وعرقها، وسؤرها طاهر، و) لذا (لا يكره طبخها وعجنها، وغير ذلك، ولا وضع يديها في شيء من المائعات) ذكر ذلك ابن جريج

(1)

، وغيره إجماعًا، سأله حرب: تدخل يدها في طعام، وشراب، وخل، وتعجن، وغير ذلك، قال: نعم، ولعل المراد ما لا يفسد من المائعات بملاقاته بدنها، وإلا توجه المنع فيها، وفي المرأة الجنب.

(وأقل سن تحيض له المرأة تمام تسع سنين) هلالية، فمتى رأت دمًا قبل بلوغ ذلك السن، لم يكن حيضًا، لأنه لم يثبت في الوجود والعادة لأنثى حيض قبل استكمالها، ولا فرق فيه بين البلاد الحارة، كتهامة، والباردة كالصين.

وإن رأت من الدم ما يصلح أن يكون حيضًا -وقد بلغت هذا السن-، حكم بكونه حيضًا، وثبتت في حقها أحكام الحيض كلها. قال الترمذي: قالت عائشة: "إذا بلغتْ الجاريةُ تسعَ سنينَ فهي امرأةٌ"

(2)

.

وروي مرفوعًا من رواية ابن عمر

(3)

، أي: حكمها حكم المرأة. قال

(1)

في"ح" و"ذ": "ابن جرير"، وهو الأقرب. انظر المبدع (1/ 267).

(2)

الترمذي في النكاح، باب 18، (3/ 418)، والبيهقي:(1/ 320) تعليقًا، بدون إسناد، ولم نجد من وصله.

(3)

رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان": (2/ 273)، وذكره الديلمي في فردوس الأخبار (1/ 385) حديث 1257، ورواه ابن عساكر (37/ 174)، وذكره السيوطي في =

ص: 478

الشافعي

(1)

: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة. وذكر ابن عقيل: أن نساء تهامة يحضن لتسع سنين.

(وأكثره) أي: أكثر سن تحيض فيه المرأة (خمسون سنة) لقول عائشة: "إذا بلغت المرأةُ خمسينَ سنةً خرجتْ من حدِّ الحيضِ" ذكره أحمد

(2)

. وقالت أيضًا: "لن ترَى في بطنِها ولدًا بعدَ الخمسينَ" رواه أبو إسحاق الشالنجي

(3)

.

ولا فرق بين نساء العرب وغيرهن، لاستوائهنَّ في جميع الأحكام.

(والحامل لا تحيض) لحديث أبي سعيد أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: "لا توطأ حاملٌ حتى تضعَ، ولا غير ذاتِ حملٍ حتى تحيض" رواه أحمد وأبو داود

(4)

من رواية شريك القاضي. فجعل الحيض علمًا على براءة الرحم. فدل على أنه لا يجتمع معه.

= الفتح الكبير (1/ 65)، وعزاه الى الخطيب، والديلمي، وابن عساكر. وسنده ضعيف، فيه عبد الملك بن مهران، قال العقيلي: صاحب مناكير، وقال ابن عدي: مجهول. انظر الضعفاء للعقيلي (3/ 34)، والكامل لابن عدي (5/ 1945). ولم نقف عليه في المطبوع من تاريخ بغداد.

(1)

ينظر السنن الكبرى للبيهقى (1/ 319)، والمجموع للنووي (2/ 352).

(2)

هكذا أطلقه جماعة من علماء الحنابلة ولم يبينوا في أي كتاب ذكره الإمام أحمد من كتبه.

(3)

ترجمته في الطبقات (1/ 104)، والمنهج الأحمد للعليمي (2/ 73 - 74).

(4)

أحمد: (3/ 28، 62، 87)، وأبو داود في النكاح، باب 45، حديث 2157، ورواه -أيضًا- الدارمي في الطلاق، باب 17، حديث 2300، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 53) حديث 3048، 3049، والدارقطني (4/ 112)، والحاكم:(2/ 195)، والبيهقي:(7/ 449)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 240، 13/ 311)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وسكت عنه الذهبي. وحسنه ابن عبد البر فى التمهيد (3/ 143)، وابن حجر في =

ص: 479

وقال صلى الله عليه وسلم في حق ابن عمر -لما طلق زوجته وهي حائض-: "ليطلقهَا طاهرًا، أو حاملًا"

(1)

فجعل الحمل علمًا على عدم الحيض كالطهر. احتج به أحمد.

(فلا تترك) الحامل (الصلاة لما تراه) من الدم، لأنه دم فساد، لا حيض. وكذا الصوم، والاعتكاف، والطواف، ونحوها. ولو عبر بالعبادة كغيره، لكان أعم.

(ولا يمنع) زوجها، أو سيدها (وطأها) لأنها ليست حائضًا (إن خاف العنت) منه أو منها وإلا منع منه، كالمستحاضة، ولم يذكر هذا القيد صاحب "الفروع" و"الإنصاف" و"المبدع" والمنتهى" وشرحه، ولا غيرهم ممن وقفت على كلامه، إلا أن تراه قبل الولادة بيومين، أو ثلاثة فهو نفاس. ويأتي.

(وتغتسل) الحامل إذا رأت دمًا زمن حملها (عند انقطاعه استحبابًا، نصًا) احتياطًا وخروجًا من الخلاف. والمراد ما ذكره صاحب "الفروع": أن الإمام نص على أنها تغتسل، وحمله القاضي على الاستحباب، وكان الأولى: أن يقدم "نصًا" على قوله "استحبابًا".

(وأقل الحيض: يوم وليلة) لقول علي

(2)

، ولأن الشرع علق على الحيض

= التلخيص الحبير (1/ 172)، وأعله ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 122) بشريك بن عبد الله فقال: وشريك مختلف فيه، وهو مدلس.

وللحديث شاهد مرسل رواه عبد الرزاق (7/ 227) حديث 12904، وابن أبي شيبة (4/ 369) عن الشعبي، بإسناد صحيح ..

(1)

تقدم تخريجه ص/ 469 تعليق رقم 1.

(2)

لم نجد من خرجه، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 172): حديث علي أقل الحيض يوم وليلة، كأنه يشير إلى ما ذكره البخاري [الحيض، باب 24] تعليقًا عن علي وشريح، أنهما جوزا ثلاث حيض في شهر. ويأتي الكلام على أثر علي وشريح ص / 481 تعليق رقم 4، وص/483 تعليق رقم 1.

ص: 480

أحكامًا، ولم يبينه، فعلم أنه رده إلى العرف، كالقبض، والحرز. وقد وجد حيض معتاد يومًا، ولم يوجد أقل منه. قال عطاء:"رأيت من تحيض يومًا" رواه الدارقطني

(1)

. وقال الشافعي

(2)

: رأيت امرأة قالت: إنها لم تزل تحيض يومًا لا تزيده، وقال أبو عبد الله الزبيري

(3)

: كان في نسائنا من تحيض يومًا، أي: بليلته، لأنه المفهوم من إطلاق اليوم. والمراد. مقدار يوم وليلة، أي: أربع وعشرون ساعة.

(فلو انقطع) الدم (لأقل منه) أي: من اليوم بليلته (فليس بحيض بل) هو (دم فساد) لما تقدم.

(وأكثره) أي: الحيض (خمسة عشر يومًا) بلياليهن. لقول علي: "ما زاد على الخمسة عشر استحاضة، وأقل الحيض يوم وليلة"

(4)

.

وقال عطاء: "رأيت من تحيض خمسة عشر يومًا".

ويؤيده ما رواه عبد الرحمن ابن أبي حاتم في "سننه"

(5)

عن ابن عمر مرفوعًا "النساءُ ناقصاتُ عقل ودينٍ. قيل وما نقصانُ دينهنَّ؟ قال: تمكثُ إحداهنَّ شطرَ عمرِهَا لا تُصلِّي" قال البيهقي

(6)

: لم أجده في شيء من كتب

(1)

(1/ 208)، ولفظه: أدنى وقت الحيض يوم. ورواه -أيضًا- الدارمي في الطهارة، باب 88، حديث 850، والبيهقي (1/ 320، 7/ 419)، وروى البخاري فى الحيض، باب 24 تعليقًا قال:"وقال عطاء: الحيض يوم إلى خمس عشرة". وقال الحافظ في الفتح (1/ 425): وصله الدارمي. . . بإسناد صحيح.

(2)

الأم (1/ 64).

(3)

الوسيط للغزالي (1/ 411).

(4)

لم نجد من خرجه، وقد تقدم الكلام على قوله:"أقل الحيض يوم وليلة" ص/480 تعليق رقم 2، وانظر ص/483 تعليق رقم 1.

(5)

انظر التعليق التالي.

(6)

معرفة السنن والآثار (2/ 145) ولفظه: وأما الذي يذكره بعض فقهائنا في هذه الرواية من قعودها شطر عمرها، وشطر دهرها لا تصلي، فقد طلبته كثيرًا، فلم أجد في =

ص: 481

الحديث وقال ابن مندة: لا يثبت هذا بوجه من الوجوه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال في "المبدع": وذكر ابن المنجا أنه رواه البخاري، وهو خطأ

(1)

.

(وغالبه) أي: الحيض (ست، أو سبع) لقوله صلى الله عليه وسلم -لحمنة بنت جحش لما سألته: "تحيضي في علمِ اللهِ ستة أيام، أو سبعةَ، ثم اغتسلي وصلي أربعًا وعشرين ليلةً وأيامها، أو ثلاثًا وعشرِينَ ليلة، فإن ذلكَ يُجْزِئكِ، وكذلك فافعلي في كلِّ شهرٍ كما تحيضُ النساءُ، ويَطْهُرْنَ لميقات حيضهنَّ وطهرهن" رواه أبو داود والنسائي وأحمد والترمذي

(2)

وصححاه، وحسنه البخاري.

(وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا) لما روى أحمد -واحتج به- عن علي "أن امرأةً جاءتهُ وقد طلقها زوجها -فزعمتْ أنها حاضَتْ في شهرٍ ثلاثَ حِيضٍ- فقال عليٌّ لشريحٍ: قل فيها، فقال شريحٌ: إن جاءتْ ببينةٍ من بطانة أهلها ممن يرجى دينه، وأمانتهُ فشهدت بذلكَ، وإلا فهي كاذبة. فقال

= شيء من كتب أصحاب الحديث، ولم أجد له إسنادًا بحال، والله أعلم. اهـ.

وقال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 263): "هذا لفظ لا أعرفه". وقال النووي في الخلاصة (1/ 227)، والمجموع (2/ 377): باطل لا أصل له. وقال ابن كثير في إرشاد الفقه (1/ 77): لا أصل له في كتب الحديث، ولا غيرها، قاله غير واحد من الحفاظ. وقال في تحفة الطالب (361): لم أره في شيء من الكتب الستة ولا غيرها. وقال ابن رجب في فتح الباري (2/ 151): لا يصح، وقد طعن فيه ابن مندة، والبيهقي وغيرهما من الأئمة، وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 77): لا أصل له قاله ابن مندة، والبيهقي، وابن الجوزي، وغيرهم. اهـ.

انظر التلخيص الحبير (1/ 162) وموافقة الخبر الخبر (2/ 213).

(1)

الذي في "البخاري مع الفتح": (1/ 405): أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 339 تعليق رقم 1.

ص: 482

علي: قالون"

(1)

أي: جيد بالرومية. وهذا لا يقوله إلا توقيفًا، وهو قول صحابي اشتهر، ولم يعلم خلافه، ووجود ثلاث حيض في شهر، دليل على أن الثلاثة عشر طهر صحيح يقينًا، قال أحمد: لا يختلف أن العدة يصح أن تنقضي في شهر إذا قامت به البينة.

(وغالبه) أي: الطهر بين الحيضتين (بقية الشهر الهلالي) فإذا كان الحيض ستًا، أو سبعًا، فالغالب أن يكون الطهر أربعًا وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين، لما تقدم في حديث حمنة

(2)

. قال في "الرعاية": وغالب الطهر ثلاثة أو أو أربعة وعشرون يومًا، وقيل بقية الشهر.

(ولا حد لأكثره) أي: أكثر الطهر بين الحيضتين لأن المرأة قد لا تحيض أصلًا، وقد تحيض في السنة مرة واحدة، حكى أبو الطيب الشافعي

(3)

: أن امرأة في زمنه كانت تحيض في كل سنة يومًا وليلة.

وأقل الطهر زمن الحيض، خلوص النقاء، بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها.

ولا يكره وطؤها زمنه.

(1)

لم نجده في مسند الإمام أحمد، وذكره البخاري في الحيض، باب 24 بصيغة التمريض، ووصله ابن أبي شيبة (5/ 282)، والدارمي في كتاب الطهارة، باب 91، حديث 860، والبيهقي (7/ 418)، وقال الحافظ في الفتح (1/ 425): ورجاله ثقات وإنما لم يجزم به للتردد في سماع الشعبي من علي رضي الله عنه، ولم يقل: إنه سمعه من شريح، فيكون موصولًا. اهـ.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 339 تعليق رقم 1.

(3)

المجموع (2/ 355).

ص: 483

فصل

(والمبتدئ بها الدم) أي: التي رأت دمًا ولم تكن حاضت (في سن تحيض لمثله) كبنت تسع سنين فأكثر (ولو) كان ما رأته (صفرة أو كدرة؛ تجلس بمجرد ما تراه) لأن دم الحيض جبلة وعادة، ودم الاستحاضة لعارض من مرض، ونحوه، والأصل عدمه (فتترك الصلاة، والصوم) ونحوهما كالطواف والاعتكاف، والقراءة. وهذا تفسير لجلوسها (أقله) أي: أقل الحيض، هو يوم وليلة، لأن العبادة واجبة في ذمتها بيقين، وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا نسقطها بالشك، ولو لم نجلسها الأقل لأدى إلى عدم جلوسها أصلًا.

(فإن انقطع) الدم (لدونه) أي: لدون الأقل (فليس بحيض) لعدم صلاحيته له، بل دم فساد (وقضت واجب صلاة، ونحوها) لثبوتها في ذمتها (وإن انقطع) الدم (له) أي: لأقل الحيض، بأن انقطع عند مضي اليوم والليلة (كان حيضًا) لأنه الأصل، كما سبق (واغتسلت له) لأنه آخر حيضها.

(وإن جاوزه) أي: جاوز الدم أقل الحيض، بأن زاد على يوم بليلته (ولم يعبر) أي: يجاوز (الأكثر) أي: أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يومًا، بأن انقطع لخمسة عشر فما دونها (لم تجلس المجاوز) لأنه مشكوك فيه (بل تغتسل عقب أقله) أي: الحيض، لأنه آخر حيضها حكمًا، أشبه آخره حسًا (وتصوم وتصلي فيما جاوزه) لأن المانع منهما هو الحيض. وقد حكم بانقطاعه.

(ويحرم وطؤها فيه) أي: في الدم

(1)

أي: زمنه المجاوز لأقل الحيض

(1)

ولا كفارة ما لم يثبت أنه حيض. "ش".

ص: 485

(قبل تكراره نصًا) لأن الظاهر أنه حيض، وإنما أمرناها بالعبادة احتياطًا لبراءة ذمتها فتعين ترك وطئها احتياطًا.

(فإن انقطع) الدم (يومًا فأكثر، أو أقل قبل مجاوزة أكثره اغتسلت) عند انقطاعه، لاحتمال أن يكون آخر حيضها، فلا تكون طاهرًا بيقين إلا بالغسل (وحكمها حكم الطاهرات) في الصلاة، وغيرها، لأنها طاهرة، لقول ابن عباس:"إمَّا رأتْ الطهرَ ساعةً فلتغتسلْ"

(1)

.

(ويباح وَطؤها) إذا اغتسلت بعد انقطاع دمها، لأنها طاهرة.

(فإن عاد) الدم (فكما لو لم ينقطع) على ما تقدم تفصيله؛ لأن الحكم يدور مع علته.

(وتغتسل عند انقطاعه) أي: الدم (غسلًا ثانيًا) لما تقدم (تفعل ذلك) الفعل، وهو جلوسها يومًا وليلة، وغسلها عند آخرها، وغسلها عند انقطاع الدم (ثلاثًا) أي: في ثلاثة أشهرِ (في كل شهر مرة) لأن العادة لا تثبت بدون الثلاث على المذهب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"دعي الصلاةَ أيامَ أقرائِكِ"

(2)

وهي صيغة جمع وأقله ثلاثة، ولأن ما اعتبر له التكرار اعتبر فيه الثلاث، كالأقراء، والشهور، في عدة الحرة، وخيار المصراة، ومهلة المرتد.

(فإن كان) الدم (في الثلاث متساويًا ابتداء وانتهاء) ولم تختلف (تيقن أنه حيض، وصار عادة) لما ذكرناه (فلا تثبت العادة بدون الثلاث) لما تقدم (ولا يعتبر فيها) أي: الثلاث من الشهور (التوالي) فلو رأت الدم في شهر، ولم

(1)

رواه أبو داود معلقًا في الطهارة، باب 110، بعد حديث 286، بلفظ: إذا رأت الدم البحراني، فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل، وتصلي. ورواه ابن أبي شيبة (1/ 120)، والدارمي في الطهارة، باب 83، حديث 805، 806، موصولًا بنحوه.

(2)

تقدم تخريجه ص/338 تعليق رقم 2.

ص: 486

تره في الذي يليه ثم رأته وتكرر ولم يختلف، صار عادة، لأنه لا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين، كما تقدم.

وحيث تكرر في ثلاثة أشهر (فـ) ـإنها (تجلسه في الشهر الرابع) لأنه صار عادة لها (وتعيد ما فعلته في المجاوز) لأقل الحيض (من واجب صوم، و) واجب (طواف، و) واجب (اعتكاف ونحوها) كواجب قراءة، لتبين أنها فعلته في زمن الحيض (بعد ثبوت العادة) متعلق بـ"تعيد"، لأنه قبل ثبوتها لم يتبين الحال.

(فإن نقطع حيضها ولم يعد) ثلاثًا (أو أيست قبل تكراره) ثلاثًا (لم تعد) ما فعلته في المجاوز، لأنا لم نتيقنه حيضًا، والأصل براءة ذمتها.

(فإن كان) الدم (على أعداد مختلفة، فما تكرر منه) ثلاثًا (صار عادة) لها، لما تقدم، دون ما لم يتكرر (مرتبًا كان، كخمسة في أول شهر، وستة في) شهر (ثان، وسبعة في) شهر (ثالث، فتجلس الخمسة لتكرارها) ثلاثًا، كما لو لم يختلف. (أو غير مرتب عكسه) أي: عكس المثال المذكور (كأن ترى في الشهر الأول خمسة، وفي) الشهر (الثاني أربعة وفي) الشهر (الثالث ستة، فتجلس الأربعة لتكررها) ثم كلما تكرر شيء جلسته.

(فإن جاوز دمها أكثر الحيض فـ) ـهي (مستحاضة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلكِ عرق وليس بالحيضةِ" متفق عليه

(1)

، ولأن الدم كله لا يصلح أن يكون حيضًا.

والاستحاضة كما تقدم: سيلان الدم في غير وقته من أدنى الرحم، دون قعره، إذ المرأة لها فرجان، داخل بمنزلة الدبر، منه الحيض، وخارج كالأليتين، منه الاستحاضة.

(1)

يأتي تخريجه ص/ 488 تعليق رقم 2.

ص: 487

ثم هي لا تخلو من حالين إما أن يكون دمها متميزًا، أو غيره (فإن كان) دمها (متميزًا بعضه أسود، أو ثخين، أو منتن، وبعضه رقيق أحمر) غير منتن (فحيضها زمن الأسود، أو) زمن (الثخين، أو) زمن (المنتن، إن صلح أن يكون حيضًا. بأن لا ينقص عن أقل الحيض) يوم وليلة (ولا يجاوز أكثره) خمسة عشر يومًا. قال ابن تميم: ولا ينقص غيره عن أقل الطهر (فتجلسه من غير تكرار) لما روت عائشة قالت: "جاءت فاطمة بنتُ أبي حبيش، فقالت: يا رسول اللهِ إني أستحاض، فلا أطهرُ، أفأدعُ الصلاةَ؟ فقال: إنما ذلكِ عرقٌ، وليس بالحيضةِ، فإذا أقبلت الحيضةُ فدعي الصلاةَ، وإذا أدبرت فاغسلي عنكِ الدمَ وصلي" متفق عليه

(1)

. وفي لفظ للنسائي: "إذا كان الحيضُ، فإنه أسودُ يعرفُ، فأمسِكي عن الصلاةِ، وإذا كان الآخرُ فتوضئي وَصَلِّي، فإنما هو دم عرقٍ"

(2)

.

ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل، فرجع الى صفته عند الاشتباه، كالمني، والمذي. قال في "المبدع": فإن تعارضت الصفات، فذكر بعض الشافعية: أنه يرجح بالكثرة، فإن استوت رجح بالسبق.

وتثبت العادة بالتمييز (كثبوتها بانقطاع) الدم، فإذا رأت خمسة أيام أسود في أول كل شهر، وتكرر ثلاثًا، صارت عادتها، فتجلسها من أول كل شهر. ولو أطبق الأحمر بعد.

(ولا يعتبر فيها) أي: في العادة الثانية بالتمييز (التوالي أيضًا) أي: كما لا يعتبر عند الانقطاع لما تقدم (فلو رأت دمًا أسود) يصلح أن يكون حيضًا

(1)

رواه البخاري في الحيض، باب 8، حديث 306، ومسلم في الحيض، حديث 333.

(2)

النسائي في الطهارة، باب 138، حديث 216. ورواه -أيضًا- أبو داود في الطهارة، باب 110، حديث 286.

ص: 488

(ثم) دمًا (أحمر، وعبر أكثر الحيض) أي: جاوز خمسة عشر يومًا، (فحيضها زمن الدم الأسود) إن صلح حيضًا فتجلسه (وما عداه استحاضة) لأنه لا يصلح حيضًا.

(وإن لم يكن) دمها (متميزًا) بأن كان كله أسود، أو أحمر، ونحوه (أو كان) متميزًا (ولم يصلح) الأسود، ونحوه أن يكون حيضًا، بأن نقص عن اليوم والليلة، أو جاوز الخمسة عشر (قعدت من كل شهر غالب الحيض: ستًا، أو سبعًا بالتحري) أي: باجتهادها ورأيها. فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها، أو عادة نسائها، أو ما يكون أشبه بكونه حيضًا. ووجه كونها تجلس غالب الحيض: حديث حمنة بنت جحش قالت: "يا رسول الله إني أستحاضُ حيضةً شديدةً كبيرةً. قد منعتْني الصومَ والصلاةَ. فقال: تحيضي في علمِ اللهِ ستًا، أو سبعًا. ثم اغتسلي" رواه أحمد

(1)

، وغيره. وعملًا بالغالب، ولأنها ترد إلى غالب الحيض وقتًا، فكذا قدرا.

وتفارق المبتدئة في جلوسها الأول، من حيث إنها أول ما ترى الدم ترجو انكشاف أمرها عن قرب. ولم يتيقن لها دم فاسد. وإذا علم استحاضتها، فقد اختلط الحيض بالفاسد يقينًا، وليس ثم قرينة، فلذلك ردت إلى الغالب، عملًا بالظاهر.

(ويعتبر في حقها) أي: المبتدئة (تكرار الاستحاضة نصًا) بخلاف المعتادة (فتجلس) المبتدئة التي جاوز دمها أكثر الحيض (قبل تكراره) أي: الدم ثلاثة أشهر (أقله) أي: أقل الحيض، لأنه المتيقن، وما زاد مشكوك فيه كغير المستحاضة.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 339 تعليق رقم 1.

ص: 489

(ولا تبطل دلالة التمييز بزيادة الدمين) أي: الدم الذي يصلح حيضًا كالأسود، أو الثخين، أو المنتن، إذا بلغ يومًا وليلة، ولم يجاوز خمسة عشر، والدم الآخر (على شهر) هلالي، أو ثلاثين يومًا. بأن كان الأسود مثلًا عشرة أيام، والأحمر ثلاثين؛ لأن الأحمر بمنزلة الطهر ولا حد لأكثره لما تقدم.

ص: 490

فصل

لما أنهى الكلام على المستحاضة غير المعتادة، أخذ يتكلم على المعتادة إذا استحيضت، مقدمًا على ذلك تعريف المستحاضة وحكمها العام. فقال:

(المستحاضة هي التي ترى دمًا لا يصلح أن يكون حيضًا، ولا نفاسًا) هكذا في "الشرح" و"المبدع". وقال في "الإنصاف": والمستحاضة من جاوز دمها أكثر الحيض، والدم الفاسد أعم من ذلك انتهى. أي: من الاستحاضة. فعلى كلام "الإنصاف" ما نقص عن اليوم والليلة، وما تراه الحامل لا قرب الولادة، وما تراه قبل تمام تسع سنين، دم فساد، لا تثبت له أحكام الاستحاضة، بخلافه على الأول.

(وحكمها) أي: المستحاضة (حكم الطاهرات) الخاليات من الحيض، والنفاس (في وجوب العبادات، وفعلها) لأنها نجاسة غير معتادة، أشبهت سلس البول.

وللمستحاضة أربعة أحوال.

أحدها: أن تكون معتادة فقط، وقد ذكرها بقوله:(وإن استحيضت معتادة، رجعت إلى عادتها) فتعمل بها لما يأتي.

الحال الثاني: أن تكون معتادة مميزة. وأشار إليها بقوله: (وإن كانت مميزة) بعض دمها أسود، أو ثخين، أو منتن. فتقدم العادة على التمييز، سواء (اتفق تمييزها وعادتها) بأن تكون

(1)

عادتها أربعة مثلًا من آخر

(2)

الشهر، وكان

(1)

في "ح": "يكون".

(2)

في "ح": "من أول".

ص: 491

دم هذه الأربعة أسود، ودم باقي الشهر أحمر (أو اختلفا)

(1)

أي: العادة، والتمييز، وسواء كان الاختلاف (بمداخلة) بأن تكون عادتها ستة أيام، من أول العشر الأوسط من الشهر، فترى في أول العشر أربعة أسود، وباقي الشهر أحمر. فتجلس الستة كلها من أول العشر.

(أو مباينة) بأن تكون عادتها من أول الشهر. فترى الدم الصالح للحيض في آخره. فتجلس عادتها. ثم تغتسل بعدها، وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي، لقوله صلى الله عليه وسلم:"دعي الصلاةَ قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" متفق عليه

(2)

. ولأن العادة أقوى. لأنها لا تبطل دلالتها بخلاف اللون إذا زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته.

والعادة ضربان: متفقة، بأن تكون أيامًا متساوية، كسبعة من شهر. فإذا استحيضت جلستها.

ومختلفة. وهي قسمان:

مرتبة: بأن ترى في شهر ثلاثة، وفي الثاني أربعة، وفي الثالث خمسة، ثم تعود إلى مثل ذلك. فهذه إذا استحيضت في شهر، وعرفت نوبته عملت عليه، وإن نسيت نوبته جلست الأقل. وهو ثلاثة. ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر. وإن علمت أنه غير الأول، وشكت هل هو الثاني، أو الثالث، جلست أربعة، لأنها اليقين، ثم تجلس في الشهرين الأخيرين

(3)

ثلاثة، ثلاثة، وفي الرابع أربعة، ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدًا، ويكفيها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها، كالناسية. وصحح في "المغني" و"الشرح" أنه يجب

(1)

في "ح": "أو اختلفتا".

(2)

تقدم تخريجه ص/ 338 تعليق رقم 2.

(3)

في "ح" و"ذ": "الآخرين".

ص: 492

عليها الغسل أيضًا عند مضي أكثر عادتها.

وغير المرتبة: كأن تحيض في شهر ثلاثة، وفي الثاني خمسة، وفي الثالث أربعة، فإن أمكن ضبطه. بحيث لا يختلف فكالتي قبلها. وإن لم يمكن ضبطه جلست الأقل في كل شهر واغتسلت عقبه.

(ونقص العادة لا يحتاج إلى تكرار) لأنه رجوع إلى الأصل. وهو العدم (فلو نقصت عادتها، ثم استحيضت بعده) أي: بعد النقص (كأن كانت عادتها عشرة) أيام (فرأت) الدم (سبعة، ثم استحيضت في الشهر الآخر، جلست السبعة) لأنها التي استقرت عليها عادتها.

الحال الثالث: أن يكون لها عادة وتمييز، وتنسى العادة. وقد ذكرها بقوله:(وإن نسيت العادة عملت بالتمييز الصالح) لأن يكون حيضًا. وتقدم، لما روى أبو داود، والنسائي، من حديث فاطمة بنت أبي حبيش:"إذا كان دم الحيض فإنه أسودُ يعرفُ، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضَّئي فإنما هو عِرْقٌ"

(1)

.

ولأنها مستحاضة لا تعلم لها عادة. فلزمها العمل بالتمييز كالمبتدئة.

(ولو تنقل) التمييز بأن كانت تراه تارة في أول الشهر، وتارة في وسطه، وتارة في آخره، (من غير تكرار) أي: تعمل بالتمييز، ولو لم يتكرر، كما تقدم في المبتدئة، لعموم الخبر.

(فإن لم يكن لها تمييز) بأن كان الدم على نسق واحد.

(أو كان) لها تمييز (و) لكنه (ليس بصالح) بأن نقص عن يوم وليلة، أو جاوز خمسة عشر (فهي المتحيرة) لأنها قد تحيرت في حيضها بجهل العادة وعدم التمييز. وهذا هو الحال الرابع.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 338 تعليق رقم 1.

ص: 493

و (لا تفتقر استحاضتها إلى تكرار) بخلاف المبتدئة (أيضًا) أي: كما أن تمييزها لا يفتقر إلى تكرار كما تقدم. وللمتحيرة ثلاثة أحوال.

أحدها: أن تكون ناسية للعدد فقط (فتجلس غالب الحيض. إن اتسع شهرها له) بأن كان عشرين يومًا فأكثر، لحديث حمنة بنت جحش

(1)

، وهي امرأة كبيرة، قاله أحمد، ولم يسألها عن تمييزها، ولا عادتها، فلم يبق إلا أن تكون ناسية، فترد إلى غالب الحيض، إناطة للحكم بالأكثر، كما ترد المعتادة لعادتها.

(وإلا) بأن لم يتسع شهرها لغالب الحيض (جلست الفاضل) من شهرها (بعد أقل الطهر، كأن يكون شهرها ثمانية عشر يومًا، فإنها تجلس الزائد عن أقل الطهر بين الحيضتين فقط) لئلا ينقص الطهر عن أقله (وهو) أي: ما تجلسه (هنا) أي: في المثال المذكور (خمسة أيام) لأنها الباقي من الثمانية عشر بعد الثلاثة عشر. فتجلسها فقط (لئلا ينقص الطهر عن أقله) فيخرج عن كونه طهرًا.

(وإن جهلت شهرها جلسته) أي: غالب الحيض (من) كل (شهر) للخبر (هلالي) لأنه المتبادر عند الإطلاق.

(وشهر المرأة هو) الزمن (الذي يجتمع لها فيه حيض، وطهر صحيحان) أي: تامان (وأقل ذلك: أربعة عشر يومًا) بلياليها (يوم) بليلته (للحيض) لأنه أقله (وثلاثة عشر) يومًا بلياليها (للطهر) لأنها أقله.

(ولا حد لأكثره) أي: شهر

(2)

المرأة. لما تقدم: أنه لا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 339 تعليق رقم 1.

(2)

في "ح" و"ذ": "طهر".

ص: 494

(وغالبه) أي: شهر

(1)

المرأة (الشهر الهلالي) لأن غالب الحيض ست، أو سبع، وغالب الطهر بقية الشهر. وتقدم.

(ولا تكون) المرأة (معتادة حتى تعرف شهرها) الذي تحيض فيه وتطهر فيه (و) تعرف (وقت حيضها، وطهرها منه) بأن تعرف أنها تحيض خمسة مثلًا من ابتدائه وتطهر في باقيه (ويتكرر) حيضها ثلاثة أشهر، لأن العادة لا تثبت بدونها كما تقدم.

الحال الثاني: أن تكون عالمة بالعدد ناسية للموضع. وقد ذكر ذلك بقوله: (وإن علمت عدد أيامها) أي: أيام حيضها (ونسيت موضعها) بأن لم تدر أكانت تحيض في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره؟ (جلستها) أي: أيام حيضها (من أول كل شهر هلالي) لأنه صلى الله عليه وسلم "جعل حيضة حمنة من أولِ الشهر، والصلاةَ في بقيتِهِ"

(2)

.

ولأن دم الحيض جبلة. والاستحاضة عارضة. فإذا رأته وجب تغليب دم الحيض.

الحال الثالث: الناسية للعدد والموضع، وهي المرادة بقوله:(وكذا من عدمتهما) أي: عدمت العلم بعدد حيضها، وموضعه، فتجلس غالب الحيض من أول كل شهر هلالي لما تقدم.

(فإن عرفت ابتداء الدم) بأن علمت أن الدم كان يأتيها في أول العشر الأوسط من الشهر، أو أول النصف الأخير منه، ونحوه (فهو أول دورها) فتجلس منه، سواء كانت ناسية للعدد فقط، أو للعدد والموضع.

(وما جلسته ناسية) للعدد، أو الموضع، أولهما (من حيض مشكوك

(1)

في "ذ": "طهر".

(2)

تقدم تخريجه ص/ 339 تعليق رقم 2.

ص: 495

فيه، كحيض يقينًا) فيما يوجبه ويمنعه، وعدم قضاء الصلاة، ونحو ذلك، بخلاف النفاس المشكوك فيه، لمشقة تكرره.

(وما زاد على ما تجلسه إلى أكثره) أي: الحيض (كطهر متيقن) قال في "الرعاية": والحيض، والطهر، مع الشك فيهما كاليقين فيما يحل، ويحرم، ويكره، ويجب، ويستحب، ويباح، ويسقط.

وعنه: يكره الوطء في طهر مشكوك فيه، كالاستحاضة.

(وغيرهما) أي: غير زمن الحيض، وما زاد عليه إلى أكثر الحيض، وهو نصف الشهر الباقي، إن حيّضناها من كل شهر (استحاضة) لأنه لا يصلح حيضًا، ولا نفاسًا.

(وإن ذكرت) المستحاضة الناسية لعادتها (عادتها رجعت إليها) فتجلسها، لأن ترك الجلوس فيها إنما كان لعارض النسيان. وإذا زال العارض رجعت إلى الأصل (وقضت الواجب زمن العادة المنسية) كأن كانت صامت فرضًا فيها، فتقضيه، لعدم صحته، لموافقة زمن الحيض.

(و) قضت الواجب أيضًا (زمن جلوسها في غيرها) فتقضي الصلاة، والصوم، ونحوه، لأنه ليس بزمن حيض.

(وكذا الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها، ولا تمييز، مثل المبتدئة إذا لم تعرف وقت ابتداء دمها ولا تمييز لها) فإنها تجلس غالب الحيض بعد تكرره من أول كل شهر هلالي.

وإذا ذكرت وقت ابتداء دمها رجعت إليه، وقضت الواجب زمنه، وزمن جلوسها في غيره.

(وإن علمت) المستحاضة عدد (أيامها في وقت من الشهر) كأن علمت أن حيضتها ستة أيام في الشهر، ونسيت موضعها) بأن لم تدر، أهي في أوله أو

ص: 496

آخره؟ (فإن كانت أيامها نصف الوقت) الذي علمت أن حيضها فيه (فأقل) من نصفه (فحيضها من أولها) فإذا علمت أن حيضها كان في النصف الثاني من الشهر، فإنها تجلس من أوله (أو بالتحري) أي: الاجتهاد على الوجهين في ذلك، والأكثر على أنها من أولها، كما قطع به قبل (وليس لها حيض بيقين) بل حيضها مشكوك فيه.

(وإن زادت) أيامها (على النصف) من الوقت الذي علمت الحيض فيه (مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول) من الشهر (ضم الزائد) على النصف (وهو) في المثال (يوم) لأن نصف العشرة خمسة "إلى مثله مما قبله، وهو يوم، فيكونان) أي: الخامس والسادس (حيضًا بيقين) إذ لا يحتمل خلافه (يبقى لها أربعة أيام) تتمة عادتها (فإن جلستها من الأول) على قول الأكثر (كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس منها يومان) وهما الخامس، والسادس (حيض بيقين، والأربعة حيض مشكوك فيه)، الأربعة الباقية طهر مشكوك فيه

(1)

.

(وإن جلست بالتحري) على الوجه المقابل لقول الأكثر (فأداها اجتهادها إلى أنها من أول العشر، فهي كالتي ذكرنا) فيكون حيضها من أول العشر إلى آخر السادس، منها يومان حيض بيقين، والأربعة حيض مشكوك فيه (وإن جلست الأربعة، من آخر العشر كانت) الأربعة (حيضًا مشكوكًا فيه) واليومان قبلها، حيض بيقين (والأربعة الأولى، طهر مشكوك فيه. وإن قالت: حيضتي سبعة أيام من العشر) الأول، أو الوسط، أو الأخير (فقد زادت) أيامها (يومين على نصف الوقت، لأن نصف العشرة خمسة (فتضمهما

(1)

قوله: "والأربعة. . . إلى. . . مشكوك فيه". ليس في "ح" ولا "ذ".

ص: 497

إلى يومين قبلهما فيصير لها أربعة أيام حيضًا بيقين، من أول الرابع إلى آخر السابع. ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها. كما تقدم) من أول العشر، أو بالتحري على الوجهين. وهي حيض مشكوك فيه.

(وحكم الحيض المشكوك فيه: حكم المتيقن في ترك العبادات) وتحريم الوطء، ووجوب الغسل (كما تقدم. وإن شئت أسقطت الزائد من أيامها)

(1)

عن نصف الوقت (من آخر المدة، و) أسقطت (مثله من أولها، فما بقي) أي: صار بمعنى: اجتمع، كما في بعض النسخ (فهو حيض بيقين. والشك فيما بقي من الوقت المعين) كما تقدم تمثيله.

(وإن علمت موضع حيضها) بأن علمت أنها تحيض في العشر الأوسط (ونسيت عدده) أي: عدد أيام الحيض (جلست فيه) أي: في موضع حيضها (غالب الحيض) ستة أيام، أو سبعة، بالتحري، لما تقدم.

(وإن تغيرت العادة بزيادة) بأن كانت عادتها ستة أيام، فرأت الدم ثمانية.

(أو) تغيرت العادة بـ (ـتقدم) بأن كانت ترى الدم من وسط الشهر، فرأته في أوله.

(أو) تغيرت العادة بـ (ـتأخر) بأن كانت تراه في أوله فتأخر إلى آخره.

(1)

عبارة الفروع: على أيامها من آخر المدة، ومثله من أولها فما بقي حيض بيقين، والشك فيما بقي. انتهى.

فلو كانت الأيام ستة، فالزائد على الستة إلى العشرة أربعة، فأسقطها من أول العشرة وأسقطها من آخرها، فالباقي يومان، فهما حيض بيقين، والأربعة الأول حيض مشكوك فيه، والأربعة الأخيرة طهر مشكوك فيه، ولو كانت سبعة فالزائد على أيامها ثلاثة، فأسقطها من أول العشرة ومن آخرها، فالباقي بعد إسقاطها أربعة، فهي حيض بيقين، والثلاثة الأول حيض مشكوك فيه، والثلاثة الأخيرة طهر مشكوك فيه. (ش).

ص: 498

(أو انتقال) بأن كان حيضها الخمسة الأول، فتصير الخمسة الثانية، لكن لم يذكره في "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" و"المنتهى". لأنه في معنى ما تقدم.

(فـ) ـما تغير (كدم زائد على أقل حيض) من (مبتدئة) لا تلتفت إليه، حتى يتكرر ثلاث مرات، فتصوم فيه، وتصلي، قبل التكرار، وتغتسل عند انقطاعه غسلًا ثانيًا، فإذا تكرر، صار عادة تجلسه، وتعيد صوم فرض، ونحوه فيه، لأنا تبيناه حيضًا.

(فلو لم يعد، أو أيست قبل تكراره) ثلاثًا (لم تقض) كما تقدم في المبتدئة.

(وعنه: تصير إليه من غير تكرار) أومأ إليه في رواية ابن منصور (اختاره جمع، وعليه العمل، ولا يسع النساء العمل بغيره) قال في "الإنصاف": وهو الصواب. قال ابن تميم: وهو أشبه. قال ابن عبيدان: هو الصحيح، قال في "الفائق": وهو المختار، واختاره الشيخ تقي الدين

(1)

. وإليه ميل الشارح.

(وإن طهرت في أثناء عادتها طهرًا خالصًا لا تتغير معه القطنة إذا احتشتها، ولو أقل المدة) فلا يعتبر بلوغه يومًا (فهي طاهر، تغتسل) لقول ابن عباس: "أما ما رأت الطهر فلتغَتسِل"

(2)

(وتصلي) وتفعل ما تفعله الطاهرات، لأن الله تعالى وصف الحيض بكونه أذى، فإذا ذهب الأذى وجب زوال الحيض.

(ولا يكره وطؤها) بعد الاغتسال، كسائر الطاهرات.

(فإن عاودها الدم في

(3)

العادة ولم يجاوزها جلسته) أي: زمن الدم من

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 45.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 486 تعليق رقم 1.

(3)

في "ح" و"ذ" زيادة: "أثناء".

ص: 499

العادة، كما لو لم ينقطع، لأنه صادف زمن العادة.

(وإن جاوزها) أي: جاوز دمها العائد بعد انقطاعه عادتها (ولم يعبر) أي: يجاوز (أكثر الحيض) خمسة عشر يومًا (لم تجلسه حتى يتكرر) ثلاثًا.

(وإن عبر أكثره) أي: جاوز أكثر الحيض (فليس بحيض) لأن بعضه ليس بحيض، فيكون كله استحاضة، لاتصاله به، وانفصاله عن الحيض.

(وإن عاودها) أي: رجع الدم بعد انقطاعه عنها (بعد العادة فلا يخلو إما أن يمكن جعله حيضًا) بضمه، أو نفسه (أولا) يمكن جعله حيضًا.

(فإن أمكن) جعله حيضًا إما بضمه إلى ما قبله أو بنفسه (بأن يكون) الدم (بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيهما) أي: أول الدمين وآخرهما (أكثر من أكثر الحيض) خمسة عشر يومًا (فيلفقان) أي: الدمان (ويجعلان حيضة واحدة إن تكرر) الدم الذي بعد العادة ثلاثًا، وهذا مثال لما أمكن أن يكون حيضًا بالضم.

وأشار إلى ما أمكن جعله حيضًا بنفسه بقوله:

(أو يكون بينهما) أي: الدمين (أقل الطهر: ثلاثة عشر يومًا، وكل من الدمين يصلح أن يكون حيضًا بمفرده) بأن يكون يومًا وليلة فأكثر، ولا يجاوز الخمسة عشر (فيكونان حيضتين) لوجود الطهر التام بينهما (إذا تكرر) الثاني ثلاثًا.

(وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض، فهو دم فاسد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده) يعني إلى الدم الآخر. لأنه لا يصلح حيضًا، ولا نفاسًا.

(وإن لم يمكن جعله حيضًا، لعبوره أكثر الحيض، وليس بينه وبين الدم الأول أقل الطهر) بل كان بينهما دونه (فهذا استحاضة، سواء تكرر أم لا) لمجاوزته أكثر الحيض (ويظهر ذلك بالمثال: فلو كانت العادة عشرة

ص: 500

أيام مثلًا فرأت منها خمسة دمًا وطهرت الخمسة الباقية، ثم رأت خمسة) أخرى (دمًا وتكرر ذلك) ثلاثًا (فالخمسة الأولى، و) الخمسة (الثالثة حيضة واحدة بالتلفيق) لأنهما مع ما بينهما لا يجاوزان خمسة عشر يومًا (ولو رأت) الدم (الثاني ستة أو سبعة) فأكثر (لم يمكن أن يكون حيضًا) لمجاوزته مع الأول وما بينهما أكثر الحيض (ولو كانت رأت يومًا) بليلته (دمًا وثلاثة عشر طهرًا ثم رأت يومًا) بليلته (دمًا وتكرر) الثاني (فهما حيضتان لوجود طهر صحيح بينهما) لأن أقل الطهر ثلاثة عشر يومًا (ولو رأت يومين دمًا، و) رأت (اثني عشر يومًا طهرًا، ثم) رأت (يومين دمًا. فهنا لا يمكن جعلهما حيضة واحدة، لزيادة الدمين مع ما بينهما من الطهر على أكثر الحيض) لأن مجموع ذلك ستة عشر يومًا (ولا) يمكن (جعلهما حيضتين، لانتفاء طهر صحيح بينهما) لأن بينهما اثني عشر يومًا. وأقل الطهر ثلاثة عشر (فيكون الحيض منهما ما وافق العادة) لتقويه بموافقتها (و) يكون (الآخر استحاضة) ولو تكرر.

(والصفرة، والكدرة) وهي شيء كالصديد يعلوه صفرة وكدرة، قاله في "المبدع"(في أيام العادة حيض) لدخولهما في عموم النص، ولقول عائشة "وكان النساء يَبعَثْنَ إليهَا بالدرجةِ فيهَا الصفرةُ، والكدرةُ: لا تعجلن حتى ترين القصةَ البيضاء"

(1)

تريد بذلك الطهر من الحيض. وفي "الكافي": قال مالك،

(1)

رواه البخاري معلقًا مجزومًا به في الحيض، باب 19، ومالك في الطهارة، باب 27 (1/ 59)، والبيهقي (1/ 336) موصولًا، وصححه النووي في الخلاصة (1/ 233)، والمجموع (2/ 389)، ورواه الدارمي في الطهارة، باب 92، حديث 868 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"إذا رأت الدم فلتمسك عن الصلاة، حتى ترى الطهر أبيض كالقصة، ثم تغتسل وتصلي".

ص: 501

وأحمد

(1)

: هي ماء أبيض يتبع الحيضة (لا بعدها) أي: ليست الصفرة والكدرة بعد العادة حيضًا (ولو تكرر) ذلك. فلا تجلسه، لقول أم عطية "كنا لا نعدُ الصفرةَ، والكدره بعد الطهرِ شيئًا" رواه أبو داود والبخاري

(2)

، ولم يذكر "بعد الطهر".

(1)

الاستذكار (3/ 194)، ومسائل صالح (3/ 104).

(2)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 119، حديث 307، والبخاري في الحيض، باب 25، حديث 326 بدون زيادة "بعد الطهر" كما قاله المؤلف. ورواه بهذه الزيادة -أيضًا- الدارمي في الطهارة، باب 93، حديث 876، والحاكم (1/ 174)، والبيهقي (1/ 337). إلا أن عند الدارمي "الغسل" بدل "الطهر". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصححه النووي في الخلاصة (1/ 233)، وقال في المجموع (2/ 388): صحيح على شرط البخاري.

ورواه بدون الزيادة المذكورة النسائي في الطهارة، باب 7، حديث 366، وابن ماجه في الطهارة، باب 127، حديث 647، والحاكم (1/ 174).

ص: 502

‌فصل (في التلفيق) وشيء من أحكام المستحاضة، ونحوها

(ومعناه) أي: التلفيق (ضم الدماء بعضها إلى بعض) وجعلها حيضة واحدة (إن تخللها طهر) لا يبلغ أقل الطهر بين الحيضتين (وصلح زمانه) أي: الدم المتفرق (أن يكون حيضًا) بأن بلغ يومًا وليلة، ولم يجاوز مع مدة الطهر خمسة عشر يومًا (فمن كانت ترى يومًا، أو أقل، أو أكثر، دمًا يبلغ مجموعه أقل الحيض) يومًا وليلة (فأكثر، و) ترى (طهرًا متخللًا) لذلك الدم، سواء كان زمنه كزمن الطهر، أو أقل، أو أكثر (فالدم حيض ملفق) فتجلسه. لأنه لما لم يمكن جعل كل واحد حيضة، ضرورة نقصه عن اليوم والليلة، أو كون الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر تعين الضم. لأنه دم في زمن يصلح كونه حيضًا. أشبه ما لو لم يفصل بينهما طهر (والباقي) أي: النقاء (طهر) لما تقدم، من أن الطهر في أثناء الحيضة صحيح (فتغتسل فيه، وتصوم، وتصلي) لأنه طهر حقيقة.

(ويكره وطؤها) زمن طهر

(1)

، على ما قدمه في "الرعاية".

وعنه: يباح (إلا أن يجاوز زمن الدم، و) زمن (النقاء أكثره) أي: أكثر الحيض. كأن ترى يومًا دما ويومًا نقاء، إلى ثمانية عشر مثلًا (فتكون مستحاضة) لقول علي

(2)

.

(وتجلس المبتدئة من هذا الدم) الذي تخلله طهر، وصلح أن يكون

(1)

في "ح" و"ذ": "طهرها".

(2)

ينظر ص/ 481 تعليق رقم 4.

ص: 503

حيضًا (أقل الحيض) ثم تغتسل (والباقي) من الدم (إن تكرر) ثلاثًا (فهو حيض بشرطه) بأن لا يجاوز أكثر الحيض (وإلا) بأن لم يتكرر، أو جاوز أكثره (فاستحاضة) لا تجلسه.

والمعتادة تجلس ما تراه في زمن عادتها، وإن كانت عادتها بتلفيق جلست على حسبها.

وإن لم يكن لها عادة، ولها تمييز صحيح، جلست زمنه.

فإن لم يكونا، وقلنا تجلس الغالب، فهل تلفق ذلك من أكثر الحيض، أو تجلس أيام الدم من الست والسبع؟ وجهان. جزم بالثاني في "الكافي".

(وإذا أرادت المستحاضة الطهارة فـ) ـإنها (تغسل فرجها) لإزالة ما عليه من الدم (وتحتشي بقطن، أو ما يقوم مقامه) من خرق، ونحوها، طاهرة، ليمنع الدم (فإن لم يمنع ذلك) الحشو (الدم، عصبته بشيء طاهر يمنع الدم حسب الإمكان، بخرقة عريضة مشقوقة الطرفين، تتلجم بها، وتوثق طرفيها شيء آخر قد شدته على وسطها) لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: "أنعت لك الكرسف -يعني القطن- تحشين به المكانَ. قالت: إنهُ أكثرُ من ذلك. قال: تلجّمِي"

(1)

قال في "المبدع": وظاهره: ولو كانت صائمة، لكن يتوجه أن تقتصر على التعصيب فقط (فإن غلب) الدم (وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها) لعدم إمكان التحرز منه.

(ولا يلزمها إذن إعادة شده، و) لا إعادة (غسله لكل صلاة إن لم تفرط في الشد) للحرج، فإن فرطت في الشد وخرج الدم بعد الوضوء أعادته، لأنه حدث أمكن التحرز منه.

(وتتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة:

(1)

تقدم تخريجه ص/ 339 تعليق رقم 1.

ص: 504

"توضئي لكلِّ صلاةٍ، حتى يجيء ذلكَ الوقتُ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(1)

. وصححه وفي لفظ قال لها: "توضئي لوقت كلّ صلاةٍ"

(2)

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

لا يقال فيه: وفي غالب الروايات: "وتوضئي لكل صلاةٍ" لأنه مقيد، فيجب حمله على المقيد به، ولأنها طهارة عذر وضرورة، فتقيدت بالوقت كالتيمم (وإلا) أي: وإن لم يخرج شيء (فلا) تتوضأ لكل وقت صلاة.

(وتصلي) المستحاضة بوضوئها (ما شاءت) مادام الوقت (حتى جمعا بين فرضين) لبقاء وضوئها إلى خروج الوقت، وكالمتيمم وأولى.

(ولها) أي: المستحاضة (الطواف) فرضًا، ونفلًا (ولو لم تطل استحاضتها) كالصلاة وأولى.

(وتصلي عقب طهرها ندبًا) خروجًا من الخلاف.

(فإن أخرت) الصلاة عن طهرها (ولو) كان التأخير (لغير حاجة لم يضر) مادام الوقت، لأنها متطهرة كالمتيمم.

(وإن كان لها) أي: المستحاضة (عادة بانقطاعه) أي: الدم (زمنًا يتسع للوضوء، والصلاة، تعين فعلهما فيه) لأنه قد أمكن الإتيان بالعبادة على

(1)

أحمد: (6/ 204)، وأبو داود في الطهارة، باب 113، حديث 298 والترمذي في الطهارة، باب 93، حديث 125، ولفظ:"حتى يجيء ذلك الوقت" عند الترمذي فقط، وقال: حسن صحيح. ورواه -أيضًا- البخاري في الوضوء، باب 63، حديث 228 بزيادة "وحتى يجيء ذلك الوقت".

(2)

لم نجد من أخرجه بهذا السياق. وقال الإمام الزيلعي في نصب الراية (1/ 204) في حديث "المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة": غريب جدًا. وقال الحافظ في الدراية (1/ 89): لم أجده هكذا. وانظر فتح القدير لابن الهمام (1/ 179)، وتحفة الأحوذي (1/ 392).

ص: 505

وجه لا عذر معه ولا ضرورة، فتعين فعلهما على هذا الوجه. كمن لا عذر له. فإن توضأت زمن انقطاعه ثم عاد، بطل.

(وإن عرض هذا الانقطاع) للدم في زمن يتسع للوضوء والصلاة (بعد طهارتها لمن عادتها الاتصال) أي: اتصال دم الاستحاضة (بطلت طهارتها ولزمها استئنافها) لأنها صارت بهذا الانقطاع في حكم من حدثها غير دائم.

(فإن وجد) هذا الانقطاع (قبل الدخول في الصلاة لم يجز الشروع فيها) حتى تتوضأ، لبطلان وضوئها بالانقطاع.

(فإن خالفت، وشرعت) في الصلاة (واستمر الانقطاع زمنًا يتسع للوضوء، والصلاة فيه، فصلاتها باطلة) لتبين بطلان الطهارة بانقطاعه.

(وإن عاد) دمها (قبل ذلك) أي: قبل مضي زمن يتسع للوضوء، والصلاة (فطهارتها صحيحة) لأنه لا أثر لهذا الانقطاع (وتجب إعادة الصلاة) لأنها صلت بطهارة لم يكن لها أن تصلي بها، فلم تصح، كما لو تيقن الحدث، وشك في الطهارة وصلى، ثم تبين أنه كان متطهرًا.

(وإن عرض) الانقطاع (في أثناء الصلاة، أبطلها مع الوضوء) لما تقدم من أنها بالانقطاع تصير كمن لا عذر لها (ومجرد الانقطاع يوجب الانصراف) من الصلاة، لبطلان الوضوء، فتبطل هي (إلا أن يكون لها عادة بانقطاع يسير) فلا يلزمها الانصراف بمجرد الانقطاع من الصلاة، لأن الظاهر حمله على المعتاد لها، وهو لا أثر له.

(ولو توضأت من لها عادة بانقطاع يسير فـ) ـانقطع دمها و (اتصل الانقطاع حتى اتسع) للوضوء، والصلاة (أو برئت) من الاستحاضة (بطل وضوؤها إن وجد) أي: خرج (منها دم) بعد الوضوء، كالمتيمم للمرض، فيعافى. فإن لم يكن خرج منها دم بعد الوضوء لم يبطل (وإن كان الوقت)

ص: 506

الذي انقطع فيه الدم (لا يتسع لهما) أي: للوضوء والصلاة (لم يؤثر) في بطلان الوضوء ولا الصلاة (ولو كثر الانقطاع) واتسع للوضوء والصلاة (و) لكن (اختلف بتقدم، وتأخر، وقلة، وكثرة، ووجد مرة، وعدم) مرة (أخرى، ولم يكن لها عادة مستقيمة باتصال ولا بانقطاع، فهذه كمن عادتها الاتصال) فى الدم (فى بطلان الوضوء بالانقطاع المتسع للوضوء والصلاة، دون ما) أي: انقطاع

(1)

(دونه) أي: دون ما يتسع للوضوء والصلاة، لما تقدم (و) حكمها كمن عادتها الاتصال (في سائر ما تقدم، إلا أنها لا تمنع من الدخول في الصلاة، و) لا من (المضي فيها بمجرد الانقطاع قبل تبين اتساعه) للوضوء والصلاة، لعدم انضباط هذا الانقطاع. فيفضي لزوم اعتباره إلى الحرج، والمشقة.

(ولا يكفيها) أي: المستحاضة (نية رفع الحدث) قال في "التلخيص": قياس المذهب لا يكفي.

(وتكفي نية الاستباحة) أي: تتعين. ولو انتقضت طهارتها بطروء حدث، غير الاستحاضة. وظاهره: ولو قلنا إن طهارتها ترفع الحدث. قلت: لأنها لا ترفع الحدث على الإطلاق وإنما ترفع الحدث السابق، دون المقارن، لكنه لم يؤثر كالمتأخر للضرورة. ولهذا تبطل طهارتها بخروج الوقت.

(فأما تعيين النية للفرض فلا تعتبر) هنا، بخلاف التيمم. لأن طهارتها ترفع الحدث بخلافه.

(وتبطل طهارتها بخروج الوقت أيضًا) أي: كما تبطل بدخوله، هذا ظاهر كلامه في "الكافي" و"الشرح" فى غير موضع، كالتيمم. وقال المجد في "شرحه": ظاهر كلام أحمد: أن طهارة المستحاضة تبطل بدخول الوقت، دون خروجه. وقال أبو يعلى: تبطل بكل واحد منهما. قال في "الإنصاف": وهي

(1)

في "ح": "انقطع".

ص: 507

شبيهة بمسألة التيمم. والصحيح فيه: أنه يبطل

(1)

بخروج الوقت كما تقدم. قال المجد: والأول أولى اهـ. وكذا قال في "مجمع البحرين"، وجزم به في "نظم المفردات"، قال:

وبدخول الوقت طهر يبطل

لمن بها استحاضة قد نقلوا

لا بالخروج منه لو تطهرت

للفجر لم يبطل بشمس ظهرت

(ولا يصح وضوؤها لفرض) كظهر، أو عصر، أو جمعة (قبل) دخول (وقته) لأنها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم.

(ومثل المستحاضة) فيما تقدم (لا في الغسل لكل صلاة) فإن استحبابه يختص المستحاضة، لما تقدم في باب الغسل (من به سلس البول) أو المذي (والريح، والجريح الذي لا يرقى دمه، و) ذو (الرعاف الدائم) يعني أن حكم هؤلاء، حكم المستحاضة فيما تقدم، غير ما استثني، لتساويهم معنى، وهو عدم التحرز من ذلك، فوجب المساواة حكمًا. قال إسحاق بن راهويه: كان بزيد بن ثابت سلس البول، وكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه صلى ولا يبالي ما أصاب ثوبه

(2)

. (لكن عليه أن يحتشي) كما تقدم في المستحاضة، نقل الميموني فيمن به رعاف دائم أنه يحتشي

(3)

، ونقل ابن هانئ خلافه

(4)

.

قلت: ومن به دود قراح، يعصب المحل بعد حشوه ثم يصلي، وإن كان صائمًا عصبه فقط، وإن منعه العصب اكتفى به أيضًا غير الصائم.

(وإن كان) محل الحدث (مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا) يرقأ دمه، ولا (يمكن شده، أو من به باسور، أو ناصور، ولا يمكن عصبه،

(1)

في "ذ": "لا يبطل". وهو الصواب. انظر الإنصاف مع الشرح الكبير (2/ 456).

(2)

رواه في المدونة (1/ 12)، وعبد الرزاق (1/ 151) رقم 582، وابن أبي شيبة (1/ 201)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 165) رقم 57، والدارقطني (1/ 202).

(3)

الفروع (1/ 280)، الإنصاف (2/ 468).

(4)

مسائل ابن هانئ (1/ 4).

ص: 508

صلى على حسب حاله) لفعل عمر، حيث صلى وجرحه يثعب دمًا. رواه أحمد

(1)

(ولو قدر على حبسه) أي: الحدث (حال القيام) وجده (لا حال الركوع، والسجود. لزمه أن يركع ويسجد نصًا، ولا يومئ) بهما، وأجزأته صلاته، (كالمكان النجس) اليابس إذا حبس به، ويأتي. وقال أبو المعالي: يومئ لأن فوات الشرط لا بدل له.

(ولو امتنعت القراءة) إن صلى قائمًا، صلى قاعدًا (أو لحقه السلس إن صلى قائمًا، صلى قاعدًا) لأن للقيام بدلًا، وهو القعود، بخلاف القراءة، والطهارة.

(ولو كان) من به سلس ونحوه (لو قام، وقعد لم يحبسه، ولو استلقى حبسه، صلى قائمًا) إن قدر عليه (أو قاعدًا) إن لم يقدر على القيام، لأن المستلقي لا نظير له اختيارًا (قاله أبو المعالي) واقتصر عليه في "المبدع" وغيره (فإن كانت الريح تتماسك جالسًا لا ساجدًا، لزمه السجود بالأرض نصًا) وقياس قول أبي المعالي "يومئ" لأن فوات الشرط لا بدل له، والسجود له بدل.

(ولا يباح وطء المستحاضة من غير خوف العنت منه أو منها) لقول

(1)

لم نجده في مسنده، ولكن ذكره عبد الله بن الإمام أحمد في مسائله عن أبيه (1/ 85 - 87) برقم 96، 97 تعليقًا، ورواه الإمام مالك في الموطأ (1/ 40)، وعبد الرزاق (1/ 150، 151)، وابن سعد (3/ 350)، وابن أبي شيبة (2/ 479)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 167) حديث 58، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 227) حديث 407، والطبراني في الأوسط (8/ 84) حديث 8177. والدارقطني (1/ 224)، والبيهقي (1/ 357) والبغوي (2/ 157) حديث 330 عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه. وقال ابن المنذر في الأوسط (1/ 166): وقد ثبت أن عمر بن الخطاب لما طعن صلى وجرحه يثعب دما. . .، وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 295)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح.

ص: 509

عائشة: "المستحاضة، لا يغشاها زوجها"

(1)

ولأن بها أذى، فحرم وطؤها كالحائض.

وعنه: يباح مطلقًا، وهو قول أكثر العلماء، لأن حمنة كانت تستحاض، وكان زوجها طلحة بن عبيد الله يجامعها، وأم حبيبة كانت تستحاض، وكان زوجها عبد الرحمن بن عوف يغشاها، رواهما أبو داود

(2)

.

وقد قيل: إن وطء الحائض يتعدى إلى الولد. فيكون مجذومًا.

(فإن كان) أي: وجد خوف العنت منه، أو خافته هي وطلبته منه (أبيح) له وطؤها (ولو لواجد الطول لنكاح غيرها) خلافًا لابن عقيل، لأن حكمه أخف من حكم الحيض، ومدته تطول.

(والشبق الشديد كخوف العنت) فيبيح وطأها. ولو لم يصل إلى حال تبيح وطء الحائض. لما تقدم.

(ويجوز شرب دواء مباح، لقطع الحيض، مع أمن الضرر، نصًا) كالعزل.

و (قال القاضي

(3)

: لا يباح إلا بإذن الزوج) أي: لأن له حقًا في الولد.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 278)، والدارمي في الطهارة، باب 86، حديث 835، والدارقطني:(1/ 219)، والبيهقي في "سننه":(1/ 329) عن قمير، عن عائشة موقوفًا، وقد رواه هذا اللفظ من قول الشعبي، انظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 329).

(2)

في الطهارة، باب 120، حديث 309، 310، وقال المنذري في تهذيب السنن (1/ 195): في سماع عكرمة من أم حبيبة، وحمنة نظر، وليس فيهما ما يدل على سماعه منهما. وحسن إسناده النووي في المجموع (2/ 372).

(3)

قوله: قال القاضي هو الإمام أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، عالم زمانه، وفريد عصره، وقد شوهد له من الحال ما يغني عن المقال، ودُفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله عنه هـ ح م ص. "ش".

ص: 510

(وفعل الرجل ذلك بها) أي: إسقاؤه إياها دواء مباحًا يقطع الحيض (من غير علمها يتوجه تحريمه) قاله في "الفروع"، وقطع به في "المنتهى" لإسقاط حقها من النسل المقصود.

(ومثله) أي: مثل شربها دواء مباحًا لقطع الحيض (شربه كافورًا) قال في "المنتهى": ولرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع.

قال في "الفائق"(ولا يجوز ما يقطع الحمل) ذكره بعضهم. قال ابن نصر الله: وظاهر ما سبق جوازه، كإلقاء نطفة، بل أولى، ويحتمل المنع، لأن فيه قطع النسل، وقد يتوجه جوازه مما سبق في الكافور، فإن شربه يقطع شهوة الجماع، وقد تقدم أنه كقطع الحيض.

(ويجوز) لأنثى (شراب دواء) مباح (لحصول الحيض، لا قرب رمضان لتفطره) كالسفر للفطر.

ص: 511

‌فصل في النفاس

وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله.

وأصله لغة: من التنفس، وهو الخروج من الجوف، أو من قولهم: نفس الله كربته، أي: فرجها.

وهو دم ترخيه الرحم مع ولادة، وقبلها بيومين، أو ثلاثة، مع أمارة، وبعدها إلى تمام أربعين يومًا.

(وأكثر مدة النفاس أربعون يومًا من ابتداء خروج بعض الولد) حكاه أحمد

(1)

عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأنس، وعثمان بن أبي العاص،

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 34)، ومسائل عبد الله (1/ 172).

وأثر عمر رضي الله عنه. رواه عبد الرزاق (1/ 312) رقم 1197، وابن أبي شيبة (4/ 367)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 249) رقم 826، والدارقطني (1/ 221).

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما. رواه ابن أبي شيبة (4/ 368)، والدارمي في الطهارة، باب 98 رقم 962، وابن المنذر (2/ 249) رقم 827، والبيهقي (1/ 341)، وفي الخلافيات (3/ 438) رقم 1075.

وأثر أنس رضي الله عنه. رواه عبد الرزاق (1/ 312) رقم 1198، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (2/ 250) رقم 830.

وأثر عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه. رواه عبد الرزاق (1/ 313) رقم 1201، 1202، وابن أبي شيبة (4/ 367)، والدارمي في الطهارة، باب 97، رقم 956، وابن الجارود رقم 118، وابن المنذر في الأوسط (2/ 249) رقم 828، والطبراني =

ص: 513

وعائذ بن عمرو، وأم سلمة، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم. قال الترمذي

(1)

: "أجمع أهل العلم من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدعُ الصلاةَ أربعين يومًا، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي" قال أبو عبيدٍ

(2)

وعلى هذا جماعة الناس، وقال إسحق: هو السنة

= في الكبير (9/ 49) حديث 8383، والدارقطني (1/ 220)، والبيهقي (1/ 341). وأثر عائذ بن عمرو رضي الله عنه. رواه الدارمي في الطهارة، باب 98، رقم 961، وابن المنذر في الأوسط (2/ 249) رقم 829، والطبراني في الكبير (18/ 16) رقم 23، والدارقطني (1/ 221)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 438) رقم 1076.

وأثر أم سلمة رضي الله عنها. رواه أبو داود في الطهارة، باب 121، حديث 311، والترمذي في الطهارة، باب 105، حديث 139، وابن ماجه في الطهارة، باب 128، حديث 648، وأحمد (6/ 300، 304، 309)، والدارمي في الطهارة، باب 98، حديث 960، وأبو يعلى (12/ 452) حديث 7023، وابن المنذر في الأوسط (2/ 250) حديث 831، والطبراني في الكبير (23/ 370) حديث 878، والدارقطني (1/ 221، 222)، والحاكم (1/ 175)، والبيهقي (1/ 341)، وفي الخلافيات (3/ 401، 403) حديث 1050، 1051، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا. وهذا في حكم المرفوع.

وقد اختلف في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه. فصححه ابن السكن كما في خلاصة البدر المنير لابن الملقن (1/ 83)، والحاكم، ووافقه الذهبي، وقال النووي في المجموع (2/ 525): حسن. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 83): بعد ذكر كلام العلماء فيه: والحق صحته. وضعفه ابن حزم، وابن القطان. انظر الأحكام الوسطى للإشبيلي (1/ 218)، وبيان الوهم والإيهام (3/ 329)، والتلخيص الحبير (1/ 171).

(1)

في "سننه": (1/ 258).

(2)

انظر الأوسط لابن المنذر (2/ 250).

ص: 514

المجمع عليها.

(فإن رأته) أي: الدم (قبله) أي: قبل خروج بعض الولد (بثلاثة أيام فأقل بأمارته) كتوجع (فـ) ــهو (نفاس) كالخارج مع الولادة (ولا يحسب) ما قبل الولادة (من مدته) أي: النفاس.

(وإن جاوز) دم النفاس (الأربعين) يومًا (وصادف عادة حيضها) ولم يزد عن العادة (فـ) ــالمجاوز (حيض) لأنه دم في زمن العادة، أشبه ما لو لم يتصل بزمن النفاس.

(فإن زاد) المجاوز (على العادة ولم يجاوز أكثر الحيض) فحيض إن تكرر (أو لم يصادف عادة) حيضها (ولم يجاوز أكثره) أي: أكثر الحيض (أيضًا. فحيض إن تكرر) ثلاثًا. كدم المبتدئة المجاوز لأقل الحيض (وإلا) بأن زاد على العادة، وجاوز أكثر الحيض، أو لم يصادف عادة وجاوز أكثره (فاستحاضة) ولو تكرر، لأنه لا يصلح حيضًا، ولا نفاسًا.

(ولا تدخل استحاضة في مدة نفاس) كما لا تدخل في مدة حيض، لأن الحكم للأقوى.

(ويثبت حكم النفاس ولو بتعديها) على نفسها بضرب، أو شرب دواء، أو غيرهما، فلا تقضي الصلاة، لأن وجود الدم ليس بمعصية من جهتها، ولا يمكنها قطعه، بخلاف سفر المعصية. قال القاضي: والسكر جعل شرعًا كمعصية مستدامة يفعلها شيئًا فشيئًا، بدليل جريان الإثم والتكليف (بوضع ما يتبين فيه خلق الإنسان نصًا) فلو وضعت علقة، أو مضغة لا تخطيط فيها، لم يثبت لها بذلك حكم النفاس. ويأتى أن أقل ما يتبين فيه خلق الإنسان أحد وثمانون يومًا، وغالبها على ما ذكره المجد، وابن تميم، وابن حمدان، وغيرهم: ثلاثة أشهر. قال المجد في "شرحه": فمتى رأت دمًا على طلق

ص: 515

قبلها، لم تلتفت إليه، وبعدها تمسك عن الصلاة، والصوم. ثم إن انكشف الأمر بعد الوضع خلاف الظاهر، رجعت فاستدركت، وإن لم ينكشف، بأن دفن ولم تتفقد أمره، استمر حكم الظاهر. إذ لم يتبين فيه خطأ.

(ولا حد لأقله) أي: النفاس، لأنه لم يرد في الشرع تحديده، فيرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد قليلًا عقب سببه فكان نفاسًا، كالكثير.

(فيثبت حكمه) أي: النفاس، من وجوب الغسل ونحوه (ولو بقطرة) وعنه: أقله يوم، وقدم في "التلخيص" ولحظة.

(فإن انقطع) الدم (في مدته) أي: في الأربعين (فـ) ــهي (طاهر) لانقطاع دم النفاس، كما لو انقطع دم الحائض في عادتها.

يؤيده ما روت أم سلمة أنها سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كم تجلسُ المرأةُ إذا ولدتْ؟ قال: أربعينَ يومًا، إلا أن تَرى الطهر قبلَ ذلك"

(1)

ذكره في "المبدع".

وحكى البخاري في "تاريخه": أن امرأة ولدت بمكة فلم تر دمًا، فلقيت عائشة فقالت:"أنتِ امرأةٌ طهركِ اللهُ"

(2)

(تغتسل، وتصلي)، وتصوم ونحوه (لأنه طهر صحيح) لما تقدم.

(ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهير) قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها، على حديث عثمان بن أبي العاص، أنها أتته قبل الأربعين فقال:"لا تقربِيني"

(3)

ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطء.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 514 تكميل تعليق رقم 1.

(2)

(4/ 194) عن سهم مولى بني سليم، أن مولاته أم يوسف ولدت بمكة. . . الحديث. ومن طريق البخاري رواه - أيضًا - البيهقي (1/ 343).

(3)

رواه عبد الرزاق (1/ 313) رقم 1202، بلفظ: كان يقول للمرأة من نسائه إذا نُفِست: "لا تقربيني أربعين ليلة". وفيه راوٍ لم يسم. =

ص: 516

(فإن عاد) الدم بعد انقطاعه (فيها) أي: في الأربعين (فمشكوك فيه) أي: في كونه دم نفاس، أو فساد، لأنه تعارض فيه الأمارتان (كما لو لم تره) أي: الدم مع الولادة (ثم رأته في المدة) أي: في الأربعين فمشكوك فيه (فتصوم، وتصلي) أي: تتعبد. لأنها واجبة في ذمتها بيقين، وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه، وفي غسلها لكل صلاة روايتان قال في "تصحيح الفروع": الصواب عدم الوجوب، ويحتمل أن يكون الخلاف في الاستحباب وعدمه، فعلى هذا يقوى عدم الاستحباب أيضًا اهـ ملخصًا. قلت: إن كان الخلاف في الاستحباب قوي الاستحباب، كالمستحاضة. وأولى.

(وتقضي صوم الفرض) ونحوه، بخلاف الصلاة، احتياطًا، ولوجوبه يقينًا. لا يقال: إنها لا تقضي الصوم قياسًا على الناسية إذا صامت في الدم الزائد على غالب الحيض، لأنه يتكرر، فيشق القضاء بخلاف النفاس.

(ولا يأتيها في الفرج) زمن هذا الدم، كالمبتدئة في الدم الزائد على اليوم والليلة، قبل تكرره.

(وإن ولدت توأمين) فأكثر (فأول النفاس، وآخره من) ابتداء خروج بعض (الأول) لأنه دم خرج عقب الولادة، فكان نفاسًا واحدًا، كحمل واحد، ووضعه.

= وروى ابن أبي شيبة (4/ 367)، والدارقطني (1/ 220) أنه قال لنسائه:"لا تشرفن لي دون أربعين ليلة في النفاس". لفظ ابن أبي شيبة. ولفظ الدارقطني: "لا تشوفن لي"، وفي رواية له عن الحسن عن امرأة عثمان بن أبي العاص أنها لما تعلت من نفاسها، تزينت، فقال فإن بن أبي العاص: ألم أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نعتزل النفساء أربعين ليلة.

وفي رواية له: أنه كان يقول لنسائه: "إذا نفست امرأة منكن، فلا تقربني أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك".

ص: 517

(فلو كان بينهما) أي: التوأمين (أربعون) فأكثر (فلا نفاس للثاني نصًا) لأن الولد الثاني تبع للأول، فلم يعتبر في آخر النفاس كأوله (بل هو) أي: ما خرج مع الولد الثاني بعد الأربعين من الأول (دم فساد) لأنه لا يصلح حيضًا، ولا نفاسًا.

(ويجوز شرب دواء لإلقاء نطفة) وفي "أحكام النساء" لابن الجوزي

(1)

: يحرم. وفي "الفروع" عن "الفنون": إنما الموؤدة بعد التارات السبع. وتلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ - إلى - ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}

(2)

قال: وهذا لما حلته الروح، لأن ما لم تحله لا يبعث. فقد يؤخذ منه: لا يحرم إسقاطه، وله وجه.

ومن استمر دمها يخرج من فمها بقدر العادة في وقتها، وولدت فخرجت المشيمة ودم النفاس من فمها فغايته نقض الوضوء. لأنا لا نتحققه حيضًا، كزائد على العادة، كمني خرج من غير مخرجه، ذكره في "الفنون".

(1)

ص/ 376.

(2)

سورة المؤمنون، الآيات: 12، 14.

ص: 518