الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوقف
(وهو) مصدر وقَفَ، بمعنى: حَبَس، وأحبس، وسبَّل
(1)
. قال الحارثي: وأوقف
(2)
لغة لبني
(3)
تميم
(4)
.
وهو مما اختص به المسلمون، قال الشافعي
(5)
: لم يحبس أهل الجاهلية، وإنما حبس أهل الإسلام.
والأصل فيه: ما روى عبد الله بن عمر، قال:"أصاب عمر أرْضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إنِّي أصبتُ مالًا بخيبر؛ لم أُصِب قَطُّ مالًا أنفسَ عندي منه، فما تأمرني فيه؟ قال: إنْ شئتَ حَبستَ أصلها، وتصدَّقتَ بها، غير أنَّهُ لا يُباع أصلُها، ولا يُوهبُ، ولا يُورثُ، قال: فتصدَّق بها عمر في الفقراءِ، وذي القربى، والرِّقاب، وفي سبيل الله، وابنِ السَّبيل، والضيفِ، لا جُناحَ على مَن وليَها أن يأكل منها بالمعروف، أو يُطعِمَ صديقًا، غير مُتموِّل فيه" وفي لفظٍ: "غير مُتأثِّلٍ" متفق عليه
(6)
.
(1)
سبَّل: سَبَّلَه تسبيلًا: جعله في سبيل الله. القاموس المحيط ص/ 1012، مادة (سبل).
(2)
في "ذ": أوقفه.
(3)
في "ح": "بني".
(4)
وهي لغة رديئة. انظر: القاموس المحيط ص/ 860، وتاج العروس (24/ 469)، مادة (وقف).
(5)
الأم (4/ 52).
(6)
البخاري في الشروط، باب 19، حديث 2737، وفي الوصايا، باب 23، 28، حديث 2764، 2772، ومسلم في الوصية، حديث 1632.
وقال جابر: لم يكن أحدٌ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذو مقدرَةٍ إلا وقفَ
(1)
.
قال القرطبي
(2)
: لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد، واختلفوا في غير ذلك.
والوقف: (تحبيس مالكٍ) بنفسه أو وكيله (مُطْلَقِ التصرف) وهو المكلف الحر الرشيد (مالَه المنتفَعَ به؛ مع بقاء عينه؛ بقطع تصرُّفِ الواقف وغيره في رقبته) أي: المال. قال الحارثي: معنى تحبيس الأصل: إمساك الذات عن أسباب التملكات مع قطع ملكه فيها.
(يُصرف رَبْعُه) أي: المال (إلى جهة بِرٍّ) هذا معنى قولهم: وَتَسْبِيلُ المنفعة. أي: إطلاق فوائد العين الموقوفة، من غلة وثمرة وغيرها للجهة المعينة.
وقوله: (تقرُّبًا إلى الله تعالى) تَبعَ فيه صاحب "المطلع" و"التنقيح"، ولعل المراد اعتبار ذلك لترتب الثواب عليه، لا لصحة الوقف، فكثير من الواقفين لا يقصد ذلك، بل منهم من يقصد قصدًا مُحَرَّمًا، كمن عليه ديون وخاف بيع عقاره فيها، كما أشار إليه في "شرح المنتهى"، أو يقال: هذا بيان أصل مشروعية الوقف.
وسُمِّي وقفًا؛ لأن العين موقوفة، وحبيسًا؛ لأن العين محبوسة.
(1)
لم نقف على من رواه مسندًا. وذكره - أيضًا - ابن قدامة في المغني (8/ 185)، وفي الوقوف للخلال (1/ 210) رقم 5: أن يعقوب بن بختان سأل الإمام أحمد عن الوقوف، فقال: جائز، لم يزل المسلمون يفعلونه. وفي موضع آخر من الوقوف (1/ 214) أن حنبلًا قال: سئل - يعني الإمام أحمد - عن الوقوف، فقال: جائز، لم يزل المسلمون يفعلونه. فلعل كلمة "جائز" تصحفت إلى "جابر" والله أعلم.
(2)
المُفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 600).
(وهو مسنون) لقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}
(1)
؛ ولفعله صلى الله عليه وسلم
(2)
وفعل أصحابه
(3)
.
(ويصح) الوقف (بقول) ويأتي صريحه وكنايته (و) يصح الوقف - أيضًا - بـ (ــفعل) مع (دالٍّ عليه) أي: الوقف (عُرْفًا) كالقول؛ لاشتراكهما في الدلالة عليه، وذلك (مثل أن يجعل أرضه مقبرة، ويأذن في الدفن
(1)
سورة الحج، الآية:77.
(2)
أخرج البخاري في الوصايا، باب 1، حديث 2739، وفي الجهاد، باب 61، 86 حديث 2873، 2912، وفي فرض الخمس، باب 3، حديث 3098، وفي المغازي باب 83، حديث 4461، عن عمرو بن الحارث - ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخي جويرية بنت الحارث -، قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهمًا، ولا دينارًا، ولا عبدًا، ولا أَمةً، ولا شيئًا؛ إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة.
وروى أبو داود في الخراج، باب 19، حديث 2967، عن عمر رضي الله عنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبسًا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسًا لأبناء السبيل
…
الحديث.
وسكت عنه أبو داود، والمنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 216).
(3)
منهم عمر رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه (10/ 5) تعليق رقم (6).
ومنهم عثمان رضي الله عنه، روى البخاري في المساقاة، باب 1، قبل حديث 2351 معلقًا بصيغة الجزم، قال: وقال عثمان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتري بئر رومة، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين.
وأخرج الترمذي في المناقب، باب 19، حديث 3699، قال أبو عبد الرحمن السلمي لما حصر عثمان: أشرف عليهم فوق داره
…
ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن، فابتعتها، فجعلتها للغني والفقير، وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، ويأتي تخريجه مفصلًا (10/ 22) تعليق رقم (3).
ومنهم الزبير بن العوام رضي الله عنه كما يأتي (10/ 41) تعليق رقم (4).
ومنهم أبو بكر، وعلي، يزيد بن ثابت، وأنس وغيرهم رضي الله عنهم. انظر: السنن الكبرى البيهقي (6/ 160 - 161).
فيها) إذنًا عامًّا؛ لأن الإذن الخاص قد يقع على غير الموقوف، فلا يفيد دلالة الوقف.
(أو يبني بنيانًا على هيئة مسجد، ويأذن للناس في الصلاة في إذنًا عامًّا) لما تقدم (أو أذَّن وأقام
(1)
فيه) أي: فيما بناه على هيئة المسجد، بنفسه، أو بمن نصبه
(2)
لذلك؛ لأن الأذان والإقامة فيه كالإذن العام في الصلاة فيه. قال الشيخ تقي الدين
(3)
: ولو نوى خلافه؛ نقله أبو طالب
(4)
. انتهى. أي: أن نيته خلاف ما دَلَّ عليه الفعل لا أثر لها.
قال الحارثي: وليس يُعتبر للإذن وجود صيغة، بل يكفي ما دَلَّ عليه، من فتح الأبواب، أو التأذين، أو كتابة لوح بالإذن أو الوقف. انتهى. وكذا لو أدخل بيتًا في المسجد، وأذن فيه.
(أو بنى
(5)
بيتًا لقضاء حاجة الإنسان) أي: البول والغائط (والتطهير، ويَشْرَعه) أي: يفتح بابه إلى الطريق (لهم) أي: للناس (أو يملأ خابية) أو نحوها (ماء على الطريق) أو في مسجد ونحوه؛ لدلالة الحال على تَسْبيله.
(ولو جعل سُفْل بيته مسجدًا، وانتفع بعُلْوه) أي: البيت؛ صح (أو عكسه) بأن جعل عُلْو بيته مسجدًا، وانتفع بسُفْله؛ صح (أو) جعل (وسطه) أي: البيت، مسجدًا، وانتفع بعلوه وسُفْله (ولو لم يذكر استِطْراقًا
(6)
) إلى ما جعله مسجدًا (صح) الوقف.
(1)
في "ذ": "أو أقام".
(2)
في "ذ": "رضيه" وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة: "نصبه".
(3)
انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 246.
(4)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 279) رقم (45).
(5)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 63): "يبني".
(6)
استطرقت إلى الباب: سلكت طريقًا إليه. انظر: المصباح المنير (2/ 372) مادة (طرق).
(ويُسْتَطْرَق) إليه (كما لو باع) بيتًا من داره (أو أجر بيتًا من داره) ولم يذكر له استطراقًا، فإنه يصح البيع والإجارة، ويُستطرق إليه على العادة.
(وصريحه) أي القول: (وقَفتُ، وحبَستُ، وسَبَّلتُ. ويكفي أحدها) فمن أتى بكلمة من هذه الثلاث؛ صح بها الوقف؛ لعدم احتمال غيره بعُرف الاستعمال المنضم إليه عُرف الشرع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "إنْ شئتَ حبستَ أصلها، وسبَّلتَ ثمرتها"
(1)
، فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق، وإضافة التحبيس إلى الأصل، والتسبيل إلى الثمرة لا يقتضي المغايرة في المعنى، فإن الثمرة مُحبسة - أيضًا - على ما شرط صرفها إليه.
(وكنايته: تصدَّقتُ، وحرَّمتُ، وأبَّدتُ) لعدم خلوص كل لفظ منها عن الاشتراك؛ فإن الصدقة تُستعمل في الزكاة، وهي ظاهرة في صدقة التطوع، والتحريم صريح في الظِّهار، والتأبيد يُستعمل في كل ما يُراد تأبيده، عن وقف وغيره.
(1)
أخرجه النسائي في الإحباس، باب 3، حديث 3605 - 3607، وفي الكبرى (4/ 94 - 95) حديث 6430 - 6432، وابن ماجه في الأحكام، باب 44، حديث 2397، والشافعي في الأم (4/ 52)، وفي السنن المأثورة ص/ 387، حديث 532، والحميدي (2/ 289) حديث 652، وأحمد (2/ 114)، وابن حبان "الإحسان"(11/ 262) حديث 4899، والدارقطني (4/ 192 - 194)، والبيهقي (6/ 162)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 38) حديث 12274، عن ابن عمر رضي الله عنهما، بلفظ:"احبس أصلها وسبِّل ثمرتها"، وفي رواية للشافعي في الأم (4/ 35): إن شئت حبست أصله وسبّلت ثمره. قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 213): وهو حديث صحيح، وبه يحتج كل من أجاز الإحباس.
وأصل الحديث عند البخاري ومسلم كما تقدم (10/ 5) تعليق رقم (6).
(ولا يصح) الوقف (بالكِناية إلا أن ينويه) المالك، فمتى أتى بإحدى هذه الكنايات، واعترف أنه نوى بها الوقف، لزمه في الحُكم؛ لأنها بالنية صارت ظاهرة فيه، وإن قال: ما أردتُ بها الوقفَ. قُبِل قوله؛ لأنه أعلم بما في ضميره؛ لعدم الاطلاع على ما في الضمائر.
(أو يَقْرُن به) أي: بلفظة الكناية
(1)
(أحدَ الألفاظ الخمسة) وهي: الكنايتان، والصرائح الثلاث (فيقول: تَصدَّقتُ) بكذا (صدقةً موقوفةً، أو) تصدَّقت به صدقةً (محبَّسة، أو) صدقة (مسبَّلة، أو) صدقة (مؤبَّدة، أو) صدقة (مُحَرَّمة، أو يقول: هذه) العين (مُحرَّمة موقوفة، أو) مُحَرَّمة (مُحبَّسة، أو) مُحَرَّمة (مسبَّلة، أو) مُحَرَّمة (مؤبدة.
أو يصفَها) أي: الكناية (بصفاتِ الوقف، فيقول): تصدقتُ به صدقةً (لا تُباع) أ (و لا توهب) أ (و لا تورث.
أو) يَقرُن الكناية بحكم الوقف، كأن (يقول: تصدَّقتُ بأرضي على فلان، والنظر لي أيام حياتي، أو) والنظر (لفلان، ثم من بعده لفلان. وكذا لو قال: تصدَّقتُ به على فلان، ثم من بعده على ولده، أو) تصدقتُ به على فلان، ثم (على فلان، أو: تصدقتُ به على قبيلة كذا، أو) تصدقتُ به على (طائفة كذا) كالفقراء أو الغُزاة؛ لأن هذه الألفاظ ونحوها لا تُستعمل فيما عدا الوقف، فأشبه ما لو أتى بلفظه الصريح.
(ولو قال) ربُّ دار: (تصدقتُ بداري على فلان، ثم قال) المتصدق (بعد ذلك: أردتُ الوقفَ. ولم يصدقه فلان) وقال: إنما هي صدقة، فلي التصرف في رقبتها بما أريد (لم يُقبل
(2)
قول المتصدق في
(1)
في "ذ": "بلفظه بالكناية".
(2)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 441) ما نصه: "محل ذلك إذا =
الحُكم) لأنه خلاف الظاهر. قال في "الإنصاف": فيُعايا بها.
قال في "الاختيارات"
(1)
: ومن قال: قريتي التي بالثغر لمواليَّ الذين به، ولأولادهم؛ صح وقفًا. ونقله يعقوبُ بن بُخْتَان عن أحمد
(2)
. وإذا قال واحد أو جماعة: جعلنا هذا المكان مسجدًا، أو وقفًا، صار مسجدًا، أو وقفًا بذلك، وإن لم يكملوا عِمارته. وإذا قال كلٌّ منهم: جعلت ملكي للمسجد، أو في المسجد، ونحو ذلك؛ صار بذلك وقفًا للمسجد. انتهى.
فيؤخذ منه: أن الوقف يحصُل بكلِّ ما أدَّى معناه، وإن لم يكن من الألفاظ السابقة.
ووقف الهازل، ووقف التلجئة، إن غلب على الوقف جهة التحرير من جهة أنه لا يقبل الفسخ؛ فينبغي أن يصح؛ كالعتق، والإتلاف. وإن غلب عليه شبه التمليك فيشبه الهبة والتمليك، وذلك لا يصح من الهازل على الصحيح؛ قاله في "الاختيارات"
(3)
.
(ولا يصح) الوقف (إلا بشروط) خمسة:
(أحدها: أن يكون في عين معلومة يصح بيعها) بخلاف نحو أُمِّ وَلَد (غير مصحف) فيصح وقفه؛ وإن لم يصح بيعه، على ما فيه من خلاف، وتقدم
(4)
.
(و) يُعتبر في العين الموقوفة - أيضًا - أن (يمكن الانتفاع بها دائمًا،
= قبض الدار، وإلا؛ فلا، إذ الهبة لا تستقر إلا بالقبض. ا. هـ. من خط ابن العماد".
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 246.
(2)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 432 - 433) رقم (150).
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 247.
(4)
(7/ 315 - 316).
مع بقاء عينها عُرفًا، كإجارة، واستغلال ثمرة، ونحوه) لأن الوقف يُراد للدوام ليكون صدقة جارية، ولا يوجد ذلك فيما لا تبقى عينه. وأشار بقوله:"كإجارة. . ." إلى آخره. إلى أن المنْتَفَع به تارة يُراد منه ما ليس عينًا، كسُكنى الدار، وركوب الدابة، وزراعة الأرض، وتارة يُراد منه حصول عين، كالثمرة من الشجر، والصوف، والوبر، والألبان، والبيض من الحيوان (عقارًا كان) الموقوف، كأرض (أو شجرًا، أو منقولًا، كالحيوان) كفرس وقفه على الغزاة (و) كـ (ــالأثاث) كبساط يُفرش في مسجد ونحوه (و) كـ (ــالسلاح) كسيف، أو رمح، أو قوس على الغُزاة (والمصحف، وكُتُب العِلم، ونحوه).
أما العقار؛ فلحديث عُمر
(1)
.
وأما الحيوان؛ فلحديث أبي هريرة مرفوعًا: "مَن احتبسَ فرسًا في سبيل الله إيمانًا واحتسابًا، فإنَّ شِبَعهُ وروثهُ وبوله في ميزانِهِ حسناتٌ" رواه البخاري
(2)
.
وأمَّا الأثاث والسلاح؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: "أمَّا خالدٌ فقد حبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" متفق عليه
(3)
. وفي لفظ البخاري: "وأعْتُدَهُ". قال الخطابي
(4)
: الأعْتَادُ: ما يعده الرجل من مركوب، وسلاح، وآلة الجهاد. وما عدا ذلك فمقيس عليه؛ لأن فيه نفعًا مباحًا مقصودًا، فجاز
(1)
تقدم تخريجه (10/ 5) تعليق رقم (6).
(2)
في الجهاد والسير، باب 45، حديث 2853، ولفظه: من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله، وتصديقًا بوعده؛ فإن شِبَعَه، ورِيّه، وروثه، وبوله في ميزانه يوم القيامة.
(3)
البخاري في الزكاة، باب 49، حديث 1468، ومسلم في الزكاة، حديث 983، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
معالم السنن (2/ 52).
وقفه، كوقف السلاح.
(ويصح وقف المُشَاع) كنصف، أو سهم من عين يصح وقفها
(1)
؛ لحديث ابن عمر: "أنَّ عمر قال: المائة سهمٍ التي بخيبر لم أُصِب مالًا قطُّ أعجب إليَّ منها، فأردتُ أن أتصدَّق بها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: حَبِّس
(2)
أصلها وسبِّل ثمرتها" رواه النسائي وابن ماجه
(3)
.
ويعتبر أن يقول: كذا سهمًا من كذا سهمًا؛ قاله أحمد
(4)
.
(فلو وقفه) أي: المُشَاع (مسجدًا، ثبت فيه حكم المسجد في الحال) عند التلفظ بالوقف (فَيُمنع منه الجُنب) والسكران، ومن عليه نجاسة تتعدَّى.
(ثم القسمة مُتعيِّنةٌ
(5)
هنا) أي: فيما إذا وقف المُشاع مسجدًا (لتعينها طريقًا للانتفاع بالموقوف) قاله في "الفروع" توجيهًا، وكذا ذكره ابن الصلاح
(6)
.
(ويصح وقف الحُلِيِّ للُّبْسِ والعارية) لما روى نافع: "أنَّ حفصة ابتاعت حُليًّا بعشرين ألفًا، حبستهُ على نساء آل الخطَّاب، فكانت لا تُخرجُ زكاتهُ" رواه الخلال
(7)
.
(1)
في "ح": "بيعها" بدل "وقفها".
(2)
في "ذ": "احبس" وهو الموافق لما في سنن النسائي وابن ماجه.
(3)
تقدم تخريجه (10/ 9) تعليق رقم (1).
(4)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 452) رقم (168).
(5)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 442) ما نصه: "أي: إن أمكنت القسمة، وإلا؛ صح الوقف، وبقي على إشاعته، أو يُباع ويُصرف في مسجد آخر ا. هـ. من خط ابن العماد".
(6)
فتاوى ومسائل ابن الصلاح (1/ 384).
(7)
في كتاب الوقوف (2/ 502 - 503) رقم (187). وأنكره الإمام أحمد، انظر: كتاب =
(ولو أطلق) واقف الحُليِّ (وقفه) فلم يعينه للبس، أو عارية (لم يصح) وقفه؛ لأنه لا يُنتفع به في غير ذلك إلا باستهلاكه.
(ولا يصح الوقف في الذِّمة، كقوله: وقفتُ عبدًا، أو دارًا.
ولا) وقف (مُبهَم غيرِ معيَّن، كأحد هذين) العبدين؛ لأن الوقف نقل ملك على وجه الصدقة، فلم يصح في غير معيَّن، كالهبة. فإن كان المعيَّن مجهولًا، مثل أن يقف دارًا لم يرها، قال أبو العباس
(1)
: منع هذا بعيد، وكذلك هبته.
(ولا) يصح - أيضًا - (وقف أُمِّ وَلَد) لأنه لا يصح بيعها.
ولا يصح - أيضًا - الوقف عليها، ويأتي (فإن وقف على غيرها) كعلى زيد (على أن ينفق عليها) أي: على أُمِّ ولده (منه، مدة حياته، أو) وقف على زيد - مثلًا - على أن (يكون الرَّيْعُ لها) أي: لأمِّ وَلَده (مدة حياته؛ صح) الوقف؛ لأن استثناء المنفعة لأمِّ ولده كاستثنائها لنفسه.
(ولا) يصح - أيضًا - (وقفُ كلبٍ، وحملٍ منفردٍ، ومرهونٍ، وخنزيرٍ، وسباعِ البهائم التي لا تصلح للصيد، وكذا جوارح الطير) التي لا تصلح للصيد؛ لأنه لا يصح بيعها. ولا وقف منفعة يملكها، كخدمة عبدٍ موصىً له بها، ومنفعة أُمِّ ولَده في حياته، ومنفعة العين المستأجرة. ومال الشيخُ تقي الدين إلى صحته
(2)
.
(ويصح وقف المُكاتَب) لأنه يصح بيعه (فإذا أدَّى) ما عليه، عَتَقَ و (بَطَل الوقف) لأن الكتابة عقد لازم، فلا تبطل بوقفه، كبيعه وهبته.
= الوقوف (2/ 498).
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 249.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 248.
(و) يصح (وقف الدار ونحوها، وإن لم يذكر حدودَها، إذا كانت معروفة) للواقف، وتقدم لك كلام أبي العباس.
و (لا) يصح (وقف ما لا يُنتفع به مع بقائه دائمًا، كالأثمان) كحلقة فضة تُجعل في باب مسجد، وكوقف الدراهم والدنانير لينتفع باقتراضها؛ لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح فيه ذلك، فيزكي النقدَ ربُّه، لبقائه في ملكه (إلا) إذا وقف
(1)
الأثمان (تبعًا، كفرس بسَرْج ولِجَام مفضضين، فَيُباع ذلك) أي: ما في السَّرْجِ واللِّجام المفضضين من الفضة؛ لأن الفضة فيه لا يُنتفع بها (ويُنفق) ما حصل من ثمنه (عليه) أي: على الفرس الحبيس؛ لأنه من مصلحته (نص عليه
(2)
في الفرس الحبيس) ذكره في "الاختيارات"
(3)
.
وقال في رواية بكر بن محمد
(4)
: وإن بيع الفضة من السَّرْج واللِّجام، وجعل في وقف مثله، فهو أحب إلي؛ لأن الفضة فيه لا يُنتفع بها، ولعله يشترى بتلك الفضة سَرْج ولِجام، فيكون أنفع للمسلمين. قيل: فَتُباع الفضة وتُجعل في نفقته؟ قال: لا.
قال في "المغني": فأباح أن يشتري بفضةِ السَّرجِ واللجام سَرْجًا ولِجامًا؛ لأنه صرف لها في جنس ما كانت عليه، حين لم ينتفع بها فيه، فأشبه الفرس الحبيس إذا عطب، فلم يُنتفع به في الجهاد، جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله، ولم يجز إنفاقها على الفرس؛ لأنه صرف لها إلى
(1)
في "ح": "كانت" بدل: "وقف".
(2)
المغني (7/ 231).
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 248.
(4)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (2/ 624) رقم 306، ومجموع الفتاوى (31/ 236).
غير جهتها.
(ولا) يصح وقف (مَطْعُومٍ ومشروبٍ غير ماء
(1)
، ولا) وقف (شمعٍ ورياحين) لما تقدم. وأما الماء؛ فيصح وقفه؛ نص عليه
(2)
؛ قاله في "الفائق" وغيره. وقد نقلنا كلام الحارثي وغيره فيه في "الحاشية".
(ولو وَقَف قِنديلَ نقدٍ على مسجد) أو نحوه (لم يصح) الوقف؛ لأنه لا يُنتفع به مع بقاء عينه (وهو) أي: القنديل (باقٍ على ملك صاحبه، فَيُزكِّيه) لبطلان وقفه.
(ولو تصدَّقَ بدُهنٍ على مسجدٍ، ليُوقَد فيه، جاز) لأن تنوير المسجد
(3)
مندوب إليه (وهو من باب الوقف؛ قاله الشيخ
(4)
) كوقف الماء.
الشرط (الثاني: أن يكون) الوقف (على بِرٍّ) وهو اسم جامع للخير، وأصله الطاعة لله تعالى، والمراد: اشتراط معنى القُربة في
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 443) ما نصه: "أي: فيصح وقفه، قال في الفائق: يجوز وقف الماء؛ نص عليه. قال في الفروع: وفي الجامع: يصح وقف الماء، قال الفضل: سألته عن وقف الماء؟ فقال: إن كان شيئًا استجازوه بينهم جاز. وحمله القاضي وغيره على وقفِ مكانه. قال الحارثي: هذا النص يقتضي تصحيح الوقف لنفس الماء، كما يفعله أهل دمشق، يقف أحدهم حصته أو بعضها من ماء النهر، وهو مشكل من وجهين: أحدهما: إثبات الوقف فيما لم يملكه بعد، فإن الماء يتجدد شيئًا فشيئًا. الثاني: ذهاب العين بالانتفاع، ولكن قد يقال: بقاء مادة الحصول من غير تأثر بالانتفاع يتنزل منزلة بقاء أصل العين مع الانتفاع. ويؤيد هذا: صحة وقف البئر، فإن الوقف وارد على مجموع الماء والحفرة، فالماء أصل في الوقف، وهذا المقصود من البئر، ثم لا أثر لذهاب الماء بالاستعمال لتجدد بدله، فهنا كذلك، فيجوز وقف الماء لذلك ا. هـ. [الإنصاف 16/ 378] ".
(2)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 430) رقم (148).
(3)
في "ح": "المساجد".
(4)
الاختيارات الفقهية ص/ 247.
الصرف إلى الموقوف عليه؛ لأن الوقف قُربة وصدقة، فلا بُدَّ من وجودها فيما لأجله الوقف، إذ هو المقصود، سواء كان الوقف (من مسلم أو ذمي) لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه، لا يصح من الذمي، كالوقف على غير معين.
قال أحمد
(1)
في نصارى وقفوا على البيعة، وماتوا، ولهم أبناء نصارى، فأسلموا، والضياع بيد النصارى: فلهم أخذها، وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم.
لا يقال: ما عَقَده أهل الكتاب، وتقابضوه، ثم أسلموا، أو ترافعوا إلينا، لا يُنقض؛ لأن الوقف ليس بعقد معاوضة، وإنما هو إزالة ملك عن الموقوف على وجه القُرْبة، فإذا لم يقع صحيحًا لم يزل الملك، فيبقى بحاله، كالعتق.
والقُرْبة قد تكون على الآدمي (كالفقراء، والمساكين) والغزاة والعلماء والمتعلمين (و) قد تكون على غير آدمي كـ (ــالحج، والغزو، وكتابة الفقه، و) كتابة (العلم، و) كتابة (القرآن، و) كـ (ـــالسقايات) جمع سِقاية - بكسر السين - وهي في الأصل: الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها، وتُطلق على ما بُني لقضاء الحاجة. قال في "المبدع": وليس منصوصًا عليه في كتب اللغة والغريب. (والقناطر، وإصلاح الطُّرق والمساجد، والمدارس، والبِيمارِسْتانات
(2)
) وإن كانت منافعها تعود على الآدمي، فيصرف في مصالحها عند الإطلاق.
(1)
مسائل ابن هانئ (2/ 49) رقم (1379).
(2)
البِيمَارِسْتان: بكسر الموحدة، وسكون الياء بعدها، وكسر الراء، فارسي معرَّب، ومعناه: دار المرضى، وهر مركَّب من كلمتين:"بيمار" هو المريض، و"أُستان" بالضم المأوى. تاج العروس (16/ 500) مادة (مرس).
(و) من النوع الأول: (الأقارب) فيصح الوقف على القريب (من مسلم وذمي، ونحو ذلك من القُرَب) كالرُّبُط، والخانات، لأبناء السبيل.
(ولا يصح) الوقف (على مباح) كتعليم شِعر مباح (و) لا على (مكروه) كتعليم منطق؛ لانتفاء القُرْبة (و) لا على (معصية) - وتأتي أمثلته - لما فيه من المعونة عليهما.
(ويصح) الوقف (على ذمي) معين (غير قريبه) ولو من مسلم؛ لجواز صلته (وشَرْطُ استحقاقه - ما دام ذِميًّا - لاغٍ، ويستمرُّ به إذا أسلم) بطريق الأولى (كمع عدم هذا الشرط.
ولا يصح وقف السُّتُور) وإن لم تكن حريرًا (لغير الكعبة) كوقفها على الأضرحة؛ لأنه ليس بقُربة
(1)
.
(ويصح وقف عَبْدِه على حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم لإخراج ترابها، وإشعالِ قناديلها، وإصلاحِها) لأن فيه قُربة في الجُملة، و (لا) يصح وقف العبد (لإشعالها وحدَه، وتعليقِ سُتورها الحرير، والتعليقِ
(2)
، وكنس الحائط، ونحوِ ذلك؛ ذكره في "الرعاية") لأن ذلك غير مشروع.
قال في "الاختيارات"
(3)
: وينبغي أن يشترط في الواقف أن يكون ممن يُمَكَّن من تلك القُربة، فلو أراد الكافر أن يقف مسجدًا، مُنع منه.
(ولا يصح) الوقف (على كنائسَ، وبيوتِ نارٍ، وبِيَعٍ، وصوامعَ،
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 267): ومن المحرمات: العكوف عند القبر، والمجاورة عنده، وسدانته، وتعليق الستور عليه. وقال (2/ 384): قد أجمع المسلمون على أنه من دين المشركين وليس من دين الإسلام. وانظر: إغاثة اللهفان (1/ 197، 217، 219).
(2)
"والتعليق" ضرب عليها في "ذ".
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 248.
ودُيورة، ومصالحها) كقناديلها، وفرشها، ووقودها، وسدنتها؛ لأنه معونة على معصية (ولو) كان الوقف على ما ذكر (من ذمي) فلا يصح، لما تقدم: من أن ما لا يصح من المسلم، لا يصح من الذمي.
قال في "أحكام أهل الذمة"
(1)
: وللإمام أن يستولي على كل وقف وُقِفَ على كنيسة، أو بيت نار، أو بيعة، ويجعلها على جهة قُربات. انتهى. والمراد: إذا لم يعلم ورثة واقفها، وإلا؛ فللورثة أخذها، كما تقدم.
(بل) يصح الوقف (على من ينزلها) أي: الكنائس، والديورة، ونحوها (من مارٍّ، ومجتاز بها فقط) لأن الوقف عليهم لا على البقعة، والصدقة عليهم جائزة (ولو كان) الوقف على من يمرّ بها، أو يجتاز (من أهل الذِّمة فقط) فيصح الوقف؛ نقله في "الفروع" عن "المنتخب" و"الرعاية"، وقاله في "المغني" في بناء بيت يسكنه المجتاز منهم. قال في "الإنصاف": ولم أرَ ما قاله عن "الرعاية" فيها في مظنته، بل قال فيها: فيصح منها
(2)
على من يمر بها، أو ينزلها، أو يجتاز راجلًا، أو راكبًا. وقال الحارثي: إن خص المارة منهم، لم يصح؛ لما ذكرنا من بطلان الوقف على اليهود والنصارى. قال في "شرح المنتهى": وهو المذهب.
(ولا) يصح الوقف (على كتابة التوراة والإنجيل، ولو) كان الوقف (من ذمي) لوقوع التبديل والتحريف، وقد رُوي من غير وجه:"أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ لما رأى مع عُمرَ صحيفةً فيها شيءٌ من التوراةِ"
(3)
.
(1)
(1/ 302).
(2)
أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "منهما".
(3)
تقدم تخريجه (3/ 80) تعليق رقم (5).
وكذا كُتُب بدعة.
(ووصيةٌ كوقفٍ في ذلك) المذكور مما تقدم، فتصح فيما يصح الوقف عليه، وتبطل فيما لا يصح عليه.
(ولا) يصح الوقف - أيضًا - (على) طائفة (الأغنياء، وقُطَّاع الطريق، وجنس الفَسَقة، والمغاني.
ولا على التنوير على قبر، و) لا على (تبخيره، ولا على من يُقيم عنده، أو يخدمه، أو يزوره؛ قاله في "الرعاية") لأن ذلك ليس عن البِرِّ. لكن في منع الوقف على من يزوره نظر؛ فإن زيارة القبور للرجال سُنَّة، إلا أن يُحمل على زيارة فيها سفر.
(ولا) يصح الوقف - أيضًا - (على بناء مسجد عليه) أي: القبر (ولا وقف البيت الذي فيه القبر مسجدًا) لقول ابن عباس: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمُتَّخذين عليها المساجد والسُّرُج" أخرجه أبو داود، والنسائي والترمذي
(1)
؛ قاله الحارثي.
(ولا) يصح الوقف - أيضًا - (على حَربي، و) لا على (مُرتد) لأن ملكه تجوز إزالته؛ والوقف يجب أن يكون لازمًا؛ ولأن إتلاف أنفسهما والتضييق عليهما واجب، فلا يجوز فعل ما يكون سببًا لبقائهما، والتوسعة عليهما. وفي "الانتصار"
(2)
: لو نذر الصدقة على ذمية لزمه.
(ولا) يصح وقف الإنسان (على نفسه) عند الأكثر، نقل حنبل وأبو طالب
(3)
: ما سمعتُ بهذا، ولا أعرف الوقفَ إلا ما أخرجه لله. ووجهه:
(1)
تقدم تخريجه (4/ 219) تعليق رقم (1).
(2)
في "ذ": "الإنصاف" بدل "الانتصار" وقد نقله في الإنصاف عن الانتصار.
(3)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 268) رقم (34)، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 435).
أن الوقف تمليك إما للرقبة أو المنفعة، وكلاهما لا يصح هنا، إذ لا يجوز له أن يُملِّك نفسَه من نفسِه، كبيعه ماله من نفسه.
(فإن فعل) بأن وقف على نفسه، ثم على من يصح الوقف عليه كولده (صُرِفَ) الوقفُ (في الحال إلى مَن بعدَه) لأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه، فيكون كأنه وقف على مَن بعدَه ابتداءً، فإن لم يذكر غيرَ نفسِه، فملكُه بحاله، ويورث عنه.
وعنه
(1)
: يصح الوقف على النفس؛ اختارها جماعة. قال في "الإنصاف": عليها العمل في زمننا وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة، وهو الصواب، وفيه مصلحة عظيمة، وترغيب في فعل الخير، وهو من محاسن المذهب. قال في "الفروع": ومتى حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم، فظاهر كلامهم ينفذ حكمه ظاهرًا.
قال في "شرح المنتهى": ويؤخذ عنه جواز القضاء بالمرجوح من الخلاف. انتهى.
قلت: هذا في المجتهد، كما يُشْعِر به قوله:"حيث يجوز له الحكم". أما المقلِّد؛ فلا.
(وإن وقف) الإنسان (على غيره) كأولاده، أو مسجد (واستثنى كُلَّ الغلَّة له) أي: لنفسه؛ صح (أو) وقف على نحو مسجد واستثنى الغَلَّة (لولده، أو غيره مدَّةَ حياته، أو مدَّةً معينة، أو استثنى الأكلَ) مما وقفه (أو) استثنى (النفقةَ عليه، وعلى عياله) مما وقفه (أو) شرط (الانتفاعَ لنفسه وعياله، ونحوهم، ولو) كان الانتفاع (بسُكنى مدة حياتهم، أو)
(1)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 267) رقم (31 - 33)، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 435).
شرط (أن يطعم صديقه؛ صح) الوقف على ما قال (سواء قدَّرَ ذلك) أي: ما يأكله هو، أو عياله، أو صديقه، ونحوه (أو أطلقه) لقول عمر رضي الله عنه لما وقف:"لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يُطعِمَ صديقًا غير متموِّلٍ فيه"
(1)
. وكان الوقف في يده إلى أن مات.
(فلو مات) الواقف (المشروطُ له) نحو السُّكنى (في أثناء المدَّة المعينة) لنحو السُّكنى (فلورثته) السُّكنى ونحوها (باقي المدَّة، ولهم) أي: ورثته (إجارتها للموقوف عليه، ولغيره) كما لو باع دارًا واستثنى سُكناها سنة. قلت: فيؤخذ منه صحة إجارة
(2)
ما ملك منفعته، وإن لم يشترطها الواقف له.
(ولو وقف) شيئًا (على الفقراء، فافتقر) الواقفُ (شَمَلَه) الوقف (وتناول) الواقف (منه) لأنه لم يقصد نفسه، وإنما وجدت الجهة التي وقف عليها.
(ولو وقف) إنسان (مسجدًا، أو مقبرة، أو بئرًا، أو مدرسة لعموم الفقهاء، أو لطائفة منهم) كالحنابلة (أو) وقف (رباطًا، أو غيره للصوفية) أو نحوهم (مما يَعُمُّ، فهو) أي: الواقف (كغيره في الاستحقاق والانتفاع) بما وقفه؛ لقول عثمان رضي الله عنه: "هل تعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِم المدينة، وليس بها ماءٌ يُستعذبُ غير بِئر رُومَة، فقال: مَن يشتري بئرَ رُومةَ - فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين - بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتُها مِن صُلبِ مالي، فجعلتُ فيها دلوي مع دلاء المسلمين، قالوا: اللهم نعم"
(3)
.
(1)
تقدم تخريجه (10/ 5) تعليق رقم (6).
(2)
في "ح" و"ذ" زيادة "كل".
(3)
أخرجه البخاري في المساقاة، باب 1، قبل حديث 2351، معلقًا بصيغة الجزم. =
والصوفي: المتبتل للعبادة، وتصفية النفس من الأخلاق المذمومة.
(لكن من كان من الصوفية جمَّاعًا للمال، ولم يتخلَّقْ بالأخلاق المحمودة، ولا تأدب بالآداب الشرعية غالبًا، لا آدابٍ وضعية) أي: لا أثر لتأديبهم بآدابهم الموضوعة لهم، غير المطلوبة شرعًا (أو) كان (فاسقًا، لم يستحق شيئًا) من الوقف على الصوفية (قاله الشيخ
(1)
) لعدم دخوله فيهم.
(وقال
(2)
: الصوفي الذي يدخل في الوقف على الصوفية، يُعتبر له
= وأخرجه موصولًا: الترمذي في المناقب، باب 19، حديث 3703، والنسائي في الإحباس، باب 4، حديث 3610، وفي الكبرى (4/ 97) حديث 6435، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 594) حديث 1305، 1306، وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند (1/ 75)، وابن خزيمة (4/ 121) حديث 2492، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/ 14) حديث 5019، والدارقطني (4/ 196)، والبيهقي (6/ 168)، والضياء في المختارة (1/ 447) حديث 322. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن عثمان. وانظر: العلل للدارقطني (3/ 52) رقم 282.
وأخرجه - أيضًا - بنحوه النسائي في الجهاد، باب 44، حديث 3182، وفي الإحباس، باب 4، حديث 3608، 3609، وفي الكبرى (4/ 95، 96) حديث 6433، 6434، وابن أبي شيبة (12/ 39)، وأحمد (1/ 70)، وعمر بن شبَّة في تاريخ المدينة (1/ 152)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 593) حديث 1303، والبزار (2/ 45) حديث 390، 391، والطبري في تاريخه (4/ 497)، وابن خزيمة (4/ 119) حديث 2487، وبن حبان "الإحسان"(15/ 362) حديث 6920، والقطيعي في زوائد فضائل الصحابة (1/ 506) حديث 827، والدارقطني (4/ 195)، والبيهقي (6/ 167).
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 247.
(2)
مجموع الفتاوى (31/ 54 - 55)، ومختصر الفتاوى المصرية للبعلي ص/ 394.
ثلاثة شروط: الأول: أن يكون عدلًا في دينه.
الثاني: أن يكون ملازمًا لغالب الآداب الشرعية في غالب الأوقات، وإن لم تكن) الآداب (واجبة: كآداب الأكل، والشرب، واللباس، والنوم، والسفر، والصحبة، والمعاملة مع الخَلْق، إلى غير ذلك من آداب الشريعة، قولًا وفعلًا، ولا يُلتفت إلى ما أحدثه بعض المتصوفة من الآداب التي لا أصل لها في الدين، من التزام شكل مخصوص في اللبسة ونحوها، مما لا يُستحب في الشريعة).
الشرط (الثالث: أن يكون قانعًا بالكفاية من الرزق، بحيث لا يمسك ما يفضل عن حاجته، في كلام طويل) ذكره (في كتاب الوقف من "الفتاوى المصرية"
(1)
.
ولا يُشترط في الصوفي لباس الخِرقة المتعارفة عندهم من يد شيخٍ) إذ لا دليل على اشتراطه في الشرع (ولا رسومٌ اشتهر تعارفها بينهم) عبارة الحارثي: ولمتأخري مشايخ الصوفية رسوم اشتهر تعارفها بينهم (فما وافق منها الكتاب والسُّنة فهو حق، وما لا فهو باطل، ولا يُلتفت إلى اشتراطه) وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق (قاله الحارثي).
الشرط (الثالث) من شروط الوقف: (أن يقف على معيَّن) من جهة، كمسجد كذا، أو شخص كزيد (يَمْلك ملكًا مستقرًّا) لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل تحبيسًا لا تجوز إزالته، ومن ملكه غير ثابت تجوز إزالته، والوقف على المساجد ونحوها وقف على المسلمين، إلا أنه عين في نفع خاص لهم.
(1)
انظر التعليق السابق.
(فلا يصح) الوقف (على مجهول، كرجل، ومسجد ونحوهما) كسقاية ورباط، ولا على أحد هذين الرجلين أو المسجدين؛ لتردده.
(ولا) يصح الوقف (على ميت، وجنِّيٍّ
(1)
، ورقيق، كقِنٍّ، ومُدَبَّر، وأُمّ وَلَدٍ، ومُكاتَب) ومعلَّق عتقه بصفة؛ لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يَمْلِك، والمُكاتَب ملكه ضعيف غير مستقر.
(ولا) يصح الوقف - أيضًا - (على حَمْلٍ أصالةً) كـ: وقفت داري على ما في بطن هذه المرأة، فلا يصح؛ لأنه تمليك إذًا، والحمل لا يصح تمليكه بغير الإرث والوصية (لا) إن وقف على الحمل (تبعًا) لمن يصح الوقف عليه (كـ) ـــوقفت (على أولادي، أو) على (أولاد فلان) وفيهم حمل، فيشمله الوقف، على ما يأتي.
(أو) قال: وقفتُ هذا على أولادي، ثم أولادهم أبدًا، أو أولاد زيد، ثم أولادهم أبدًا ونحوه، فـ (ــانتقل الوقف إلى بطنٍ من أهل الوقف، وفيهم حَمْل، فيستحق) معهم (بوضعه من ثمر وزرع ما يستحق مُشْتَرٍ) على ما سبق تفصيله في بيع الأصول والثمار
(2)
. ونقل جعفر
(3)
: يستحق من زرعٍ قبل بلوغه الحصاد، ومن نخلٍ لم يؤبر، فإن بلغ الزرع الحصاد، أو أُبِّر النخل، لم يستحق منه شيئًا. وقطع به في "المبهج" و"القواعد"
(4)
.
(ولا يصح) الوقف (على معدوم أصلًا) أي: أصالة (كـ) ــقوله: وقفت هذا على (من سيولد) لي أو لفلان (أو) على من (يَحدث لي، أو لفلان) لأنه لا يصح تمليك المعدوم.
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 68): "وجن".
(2)
(8/ 68).
(3)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 432) رقم (149).
(4)
القواعد الفقهية لابن رجب، القاعدة الثالثة والثمانين، ص/ 186.
(ويصح) الوقف على المعدوم (تبعًا) كـ: وقفت على أولادي، ومن سيولد لي، أو على أولاد زيد ومن يولد له، أو على أولادي ثم أولادهم أبدًا.
(ولا) يصح الوقف (على مَلَك) - بفتح اللام - أحد الملائكة (كجبريل ونحوه، ولا على بهيمة) لما تقدم.
(وإن قال: وقفتُ كذا. وسكتَ، ولم يذكر مَصْرِفه، فالأظهر بطلانه
(1)
؛ لأن الوقف يقتضي التمليك) فلا بدَّ من ذِكر للملك
(2)
(ولأن جهالة المصرِف) مع ذكره (مُبْطِلة، فعدم ذكره أَولى) بالإبطال.
وقال في "الإنصاف": الوقف صحيح عند الأصحاب، وقطعوا به. وقال في "الروضة": على الصحيح عندنا. فظاهره: أن في الصحة خلافًا. انتهى.
ومقتضاه: أن صاحب "الإنصاف" لم يطَّلع فيه على خلافٍ للأصحاب، وكذا لم يَحْكِ الحارثي في صحته خلافًا بين الأصحاب. قال: ولنا أنه إزالة ملك على وجه القُربة، فصح مطلقًا، كالأضحية والوصية.
أما صورة المجهول: فالفرق بينهما أن الإطلاق يفيد مصرِف البرِّ، لخلو اللفظ عن المانع منه، وكونه متعارفًا، كالصرف إليه ظاهر في مطابقة مراده، ولا كذلك التقييد بالمجهول، فإنه قد يريد
(3)
معينًا غير ما قلنا من المتعارَف، فيكون إذن الصرف إلى المتعارَف غير مطابق لمراده، فينتفي الصرف بالكلية؛ فلم يصح.
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 446) ما نصه: "جزم في المنتهى بصحته، وأنه يُصرف إلى ورثته نسبًا، على قدر إرثهم، ويأتي قريبًا ذكره. ا. هـ".
(2)
في "ذ": "المملك".
(3)
في "ح" و"ذ" زيادة: "به".
الشرط (الرابع: أن يقف ناجِزًا) غير معلَّق، ولا مؤقَّت، ولا مشروط بنحو خيار.
(فإن علَّقه) أي: الوقف (بشرط غير موته، لم يصح) الوقف، سواء كان التعليق لابتدائه، كقوله: إذا قدم زيد، أو وُلد لي ولد، أو جاء رمضان، فداري وقف على كذا، أو كان التعليق لانتهائه، كقوله: داري وقف على كذا إلى أن يحضر زيد، أو يولد لي ولد ونحوه؛ لأنه نقل للملك فيما لم يُبن على التغليب والسراية، فلم يجز تعليقه بشرط في الحياة، كالهِبة.
(وإن قال: هو وقفٌ بعد موتي، صح) لأنه تبرع مشروط بالموت، فصح. كما لو قال: قِفوا داري بعد موتي على كذا، واحتج الإمام
(1)
بأن عمر وصَّى، فكان في وصيته:"هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أنَّ ثَمَغًا صَدَقَةٌ" وذكر بقية الخبر، وروى نحوه أبو داود
(2)
. قال في "القاموس"
(3)
: وثَمَغ بالفتح: مال بالمدينة لعمر وَقَفَه.
(ويكون) الوقف المعلَّق بالموت (لازمًا) من حين قوله: هو وقف بعد موتي.
ونص أحمد
(4)
في رواية الميموني على الفرق بينه وبين المُدبَّر.
(1)
المغني (8/ 216).
(2)
في الوصايا، باب 13، حديث 2879. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (10/ 377) رقم 19417، والبيهقي (6/ 160).
وسكت عنه أبو داود، والمنذري في مختصر السنن (4/ 156)، وصحح إسناده ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 101).
(3)
ص/ 1008، مادة (ثمغ).
(4)
الإنصاف (7/ 24).
قال الحارثيُّ: والفرق عَسِر جدًّا. وإن كان الموقوف نحو أَمَة، ففي "القواعد"
(1)
: صارت كالمستولدة، فينبغي أن يتبعها ولدها. انتهى.
وأما الكسب ونحوه، فالظاهر أنه للواقف وورثته إلى الموت؛ لأنه ملك قبل الموت؛ لقول الميموني للإمام، والوقوف إنما هي شيء وقفه بعده، وهو ملك الساعة.
(ويعتبر) الوقف المعلَّق بالموت (من ثُلُثه) لأنه في حكم الوصية، فإن زاد على الثلث، توقف لزوم الوقف في الزائد على إجازة الورثة.
وإذا قال: داري وقفٌ على مواليَّ بعد موتي. دخل أُمَّهات أولاده ومدبَّروه؛ لأنهم عن مواليه حقيقة إذًا؛ قاله الحارثي.
(وإن شرط) الواقف في الوقف (شرطًا فاسدًا، كخيار فيه) بأن قال: وقفته بشرط الخيار أبدًا، أو مدة معينة؛ لم يصح.
أ (و) بشرط (تحويله) أي: الوقف عن الموقوف عليه إلى غيره؛ بأن قال: وقفتُ داري على كذا، على أن أحوِّلها عن هذه الجهة، أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئتُ، لم يصح الوقف.
(و) كشرطه: (تغيير شرطه، و) كشرط (بيعه) متى شاء (و) شرطه (هِبته، و) شرطه (متى شاء أبطله ونحوه، لم يصح الوقف) لأنه شرط يُنافي مقتضى العقد
(2)
.
(ولو شَرَط البيعَ عند خَرابه) أي: الوقف (وصَرْفَ الثمن في مثله، أو شَرَطه للمتولِّي بعده) وهو من ينظر في الوقف (فسد الشرطُ فقط) وصح الوقف مع إلغاء الشرط، كما في الشروط الفاسدة في البيع، وهذا
(1)
انظر: القواعد الفقهية لابن رجب، القاعدة الحادية والعشرون ص/ 28.
(2)
في "ذ": "الوقف".
وجه
(1)
حكاه الحارثي عن القاضي وابن عقيل، وحكى قبله عنهما، وعن ابن البناء، وغيرهم: يبطل الوقف. ثم قال بعد ذكر الوجه بصحة الوقف وإلغاء الشرط: ولا يصح، فإن إلغاء الشرط إبطال للعمل بموجبه، والبيع عند الخراب ثابت، والثابت اشتراطه تأكيد له.
الشرط (الخامس: أن يكون الواقف ممن يصح تصرُّفُه في ماله،
وهو المكلَّف الرشيد) فلا يصح من صغير أو سفيه، كسائر تصرفاته المالية. قال في "الاختيارات"
(2)
: ويجوز للإنسان أن يتصرَّف فيما في يده بالوقف وغيره، حتى تقوم بينة شرعية أنه ليس ملكًا له، لكن لا يحكم بالوقف حتى يثبت الملك.
فصل
(وإذا كان الوقف على غير معيَّنٍ كالمساكين) والغزاة والعلماء (أو) كان الوقف على (من لا يُتصور منه القَبول، كالمساجد والقناطر، لم يفتقر) الوقف (إلى القَبول من ناظرها) أي: المساجد ونحوها (ولا) إلى القَبول من (غيره) كنائب الإمام؛ لأنه لو اشترط، لامتنع صحة الوقف عليها.
(وكذا إن كان) الوقف (على آدمي معين) كزيد، فلا يفتقر إلى قَبوله؛ لأنه إزالة ملك يمنع البيع، فلم يُعتبر فيه القَبول كالعتق.
والفرق بينه وبين الهبة والوصية: أن الوقف لا يختص المعين، بل يتعلَّق به حق من يأتي من البطون في المستقبل، فيكون الوقف على
(1)
في "ذ": "الوجه".
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 217.
جميعهم، إلا أنه مرتَّب، فصار كالوقف على الفقراء.
قال ابن المُنجَّا: وهذا الفرق موجود بعينه في الهبة. انتهى.
قلت: فيه نظر. فإن الوقف يتلقَّاه كل بطن من واقفه، والهبة تنتقل إلى الوارث من مورثه، لا من الواهب.
(ولا يبطل) الوقف على معين (بردِّه، كسُكُوته) عن القَبول والردِّ كالعتق.
(ومن وقف شيئًا) على أولاده ونحوهم (فالأولى أن يذكر في مصرِفه جهةً تدوم كالفقراء ونحوهم) خروجًا من خلاف من قال: يبطل الوقف إن لم يذكر في مصرِفه جهةً تدوم.
(فإن اقتصر) الواقف (على ذكر جهةٍ تنقطع كأولاده) لأنه بحكم العادة يمكن انقراضهم (صح) الوقف؛ لأنه معلوم المصرف، فيصح
(1)
، كما لو صرَّح بمصرفه.
(ويُصرف) وقف (منقطِعُ الابتداءِ، كوقفه على من لا يجوز) الوقف عليه كعبد (ثم على من يجوز) كعلى أولاده، أو أولاد زيد، أو الفقراء، إلى من بعده في الحال (أو الوسط) أي: ويُصرف منقطع الوسط (في الحال) بعد من يجوز الوقف عليه (إلى من بعده) فلو وقف داره على زيد، ثم على عبده، ثم على المساكين، صرفت بعد زيد للمساكين؛ لأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه، فيكون كأنه وقف على الجهة الصحيحة من غير ذكر الباطلة؛ ولأننا لما صححنا الوقف مع ذكر من لا يجوز الوقف عليه، فقد ألغيناه، فإنه يتعذَّر التصحيح مع اعتباره.
(وإن وقف على من لا يصح الوقفُ عليه، ولم يذكر له مآلًا
(1)
في "ذ": "فصح".
صحيحًا) كأن يقول: وقفته على الأغنياء، أو الذميين، أو الكنيسة ونحوها (بطل الوقفُ)
(1)
لأنه عيَّن المصرِف الباطل، واقتصر عليه.
(ويُصرَف منقطعُ الآخرِ، كما لو وقف على جهة تنقطع) كأولاده (ولم يذكر له مآلًا) إلى ورثة الواقف نسبًا بعد مَن عيَّنهم (أو) وقف (على من يجوز) الوقف عليه كأولاده (ثم على من لا يجوز) أي: يصح الوقف عليه ككنيسة، فيصرف إلى ورثة الواقف نسبًا بعد من يجوز الوقف عليه.
(وكذا ما وقفه وسكَتَ، إن قلنا: يصح) الوقف حينئذ فإنه يُصرف (إلى ورثة الواقف) حين الانقراض، كما يُعلم من "الرعاية"(نسبًا) لأن الوقف مصرفه البر، وأقاربه أولى الناس ببرِّه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنك أنْ تَدَع ورثتك أغنياء، خيرٌ من أنْ تدعَهُم عالةً يتكفَّفُون النَّاسَ"
(2)
؛ ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات، فكذا صدقته المنقولة، ولأن الإطلاق إذا كان له عُرْف؛ صح وصُرف إِليه، وعُرْف المصرف هنا أولى الجهات به، فكأنه عَيَّنهم لصرفه، بخلاف ما إذا عَيَّن جهة باطلة، كقوله: وقفتُ على الكنيسة، ولم يذكر بعدها جهة صحيحة، فإنه عَيَّن المصرف واقتصر عليه.
(غنيهم وفقيرهم) أي: ورثته؛ لاستوائهم في القرابة (بعد انقراض
(1)
زاد في "ذ": "أي: لم يصح".
(2)
أخرجه البخاري في الجنائز، باب 37، حديث 1295، وفي الوصايا، باب 2، حديث 2742، وفي مناقب الأنصار، باب 49، حديث 3936، وفي المغازي، باب 77، حديث 4409، وفي النفقات، باب 1، حديث 5354، وفي المرضى، باب 16، حديث 5668، وفي الدعوات، باب 43، حديث 6373، وفي الفرائض، باب 6، حديث 6733، ومسلم في الوصية، حديث 1628، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
من يجوز الوقف عليه) إن كان، ويكون (وقفًا عليهم) لأن الملك زال عنه بالوقف، فلا يعود ملكًا لهم، ويقسم بينهم (على قَدْر إرثهم) من الواقف (فيستحقُّونه كالميراث، ويقع الحَجْبُ بينهم) كالميراث.
وعُلم منه: أنه لا يصرف منه لمن يرثه بنكاح، أو ولاء.
(فلبنتٍ مع ابنٍ الثلث) وله الباقي.
(ولأخ من أُمٍّ مع أخٍ لأبٍ السدس) وله الباقي.
(وجدٌّ) لأب (وأخٌ لأبوين، أو لأب، يقتسمان) ربع الوقف المذكور (نصفين) كالميراث.
(وأخٌ) لغير أُمٍّ (وعَمٌّ) لغير أُمٍّ (ينفرد به الأخ.
وعَمٌّ) لغير أُمٍّ (وابن عَمٍّ ينفرد به العم) كالميراث.
(فإن لم يكن له) أي: الواقف (أقارب) فللفقراء (أو كان له) أقارب (فانقرضوا فـ) ـــمصرف وقفه (للفقراء والمساكين وقفًا عليهم) لأن القصد بالوقف الثواب الجاري على وجه الدوام، وإنما قدَّموا الأقارب على المساكين؛ لكونهم أولى، فإذا لم يكونوا؛ فالمساكين أهل لذلك.
(وإن انقطعت الجهة الموقوف عليها في حياة الواقف) بأن وقف على أولاده، أو أولاد زيد فقط، فانقرضوا في حياته (رجع) الوقف (إليه) أي: الواقف (وقفًا عليه) قال ابن الزاغوني في "الواضح": الخلاف في الرجوع إلى الأقارب، أو إلى بيت المال، أو إلى المساكين مختصٌّ بما إذا مات الواقف. أما إن كان حيًّا، فانقطعت الجهة، فهل يعود الوقف إلى ملكه، أو إلى عصبته؟ فيه روايتان
(1)
. انتهى. وجزم ابن عقيل في "المفردات" بدخوله.
(1)
انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 55) رقم 1407 - 1408.
وكذلك لو وقف على أولاده وأنسالهم أبدًا، على أنه من توفي منهم عن غير ولد، رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه، فتوفي أحد أولاده عن غير ولد، والأب الواقف حي، فهل يعود نصيبه إليه لكونه أقرب الناس إليه، أو لا؟ يخرَّج على ما قبلها. والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه؛ قاله ابن رجب
(1)
.
(ويُعمل في) وقف (صحيح الوسط فقط) بأن وقف داره على عبده، ثم على زيد، ثم على الكنيسة (بالاعتبارين) فَيُصرف في الحال لزيد، ويرجع بعده إلى ورثة الواقف نسبًا، وقفًا على قَدْر إرثهم، ثم المساكين.
(وإن قال: وقفته) أي: العبد، أو الدار، أو البستان ونحوه (سنة) لم يصح.
(أو) قال: وقفته (إلى سنة) لم يصح.
(أو) قال: وقفته (إلى يوم يقدم الحاج ونحوه) أي: نحو ما ذكر مما فيه تأقيت الوقف (لم يصح) الوقف؛ لأن مقتضاه التأبيد، والتأقيت ينافيه (وهو) أي: الوقف المذكور (الوقف المؤقت.
وإن قال): وقفتُ داري مثلًا (على أولادي سنة، أو مدة حياتي، ثم على الفقراء، صح) الوقف؛ لاتصاله ابتداء وانتهاء، وكذا لو وقفه على ولده سنة، ثم على زيد سنة، ثم على عمرو سنة، ثم على المساكين.
(وإن قال): وقفتُ (على الفقراء، ثم على أولادي، صَحَّ للفقراء فقط) لأن "ثم" للترتيب، فلا يصرف لأولاده إلا بعد انقراض الفقراء، والعادة لم تجرِ بانقراضهم.
(1)
القواعد الفقهية، القاعدة السبعون، ص/ 131.
(ولا يُشترط للزومه) أي: الوقف (إخراجه) أي: الموقوف
(1)
(عن يده) أي: الواقف (بل يلزم) الوقف (بمجرد اللفظ، ويزول ملكه عنه) لحديث عمر السابق
(2)
؛ ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة، فيلزم بمجرده كالعتق.
وعُلم من كلامه: أن إخراجه عن يده ليس شرطًا في صحته بطريق الأولى.
فصل
(يزول ملك الواقف عن العين الموقوفة) بمجرد الوقف (وينتقل الملك فيها إلى الله تعالى، إن كان الوقف على مسجد ونحوه) كمدرسة، ورباط، وقنطرة، وخَانكاه، وفقراء، وغُزاة، وما أشبه ذلك، وكذا بقاع المساجد، والمدارس، والقناطر، والسقايات، وما أشبهها، قال الحارثي: بلا خلاف.
(و) ينتقل الملك في العين الموقوفة (إلى الموقوف عليه) تلك العين (إن كان) الموقوف عليه (آدميًّا معينًا) كزيد وعمرو (أو) كان (جمعًا محصورًا) كأولاده، أو أولاد زيد؛ لأنه سبب يُزيل التصرُّف في الرقبة، فملكه المنتقل إليه كالهبة، وفارق العتق من حيث أنه إخراج عن حكم المالية، ولأنه لو كان تمليكًا للمنفعة المجرَّدة، لم يلزم، كالعاريَّة والسُّكنى.
وقول أحمد
(3)
في من وقف على ورثته في مرضه: يجوز؛ لأنه لا
(1)
في "ذ": "الوقف".
(2)
تقدم تخريجه (10/ 5، 9) تعليق رقم (6، 1).
(3)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 326 - 332) رقم 80، وكتاب الروايتين =
يُباع ولا يورث، ولا يصير ملكًا للورثة، يحتمل أنه أراد أنهم لا يملكون التصرف في الرقبة جمعًا بين قوليه. لا يقال: عدم ملكه التصرُّف فيها يدلُّ على عدم ملكه لها؛ لأنه ليس بلازم، بدليل أُم الولد، فإنه يملكها ولا يملك التصرُّف في رقبتها.
(فينظر فيه) أي: الوقف (هو) أي: الموقوف عليه، إن كان مكلَّفًا رشيدًا (أو) ينظر فيه (وليه) إن كان الموقوف عليه صغيرًا، أو مجنونًا، أو سفيهًا (بشرطه) الآتي في الكلام على الناظر. وقال ابن أبي موسى: ينظر فيه الحاكم. قال الحارثي: وإن قلنا ملكه للموقوف عليه، لعلاقة حق من يأتي بعده.
(وله) أي: الموقوف عليه (تزويج الأَمَة) الموقوفة (إن لم يشترطه) الواقف (لغيره) بأن وقف الأَمَة على زيد، وشرط تزويجها لعَمرو، فيُعمل بشرطه.
(ويلزمه) أي: الموقوف عليه، أو من شرطه
(1)
الواقف له تزويج الأَمَة الموقوفة، أن يزوجها (بطلبها) كغير الموقوفة؛ لأنه حق لها طلبته، فتعيَّنت الإجابة.
(ويأخذ) الموقوف عليه (المهرَ) إن زُوِّجت، أو وُطئت بشُبهة، أو زِنيً؛ لأنه بدل المنفعة، وهو يستحقّها، كالأجرة، والصوف، واللبن، والثمرة.
(ولا يتزوجها) أي: لا يتزوج الموقوف عليه الأمَةَ الموقوفة عليه، ولو وقفت عليه زوجته؛ انفسخ النكاح، لوجود الملك.
= والوجهين (1/ 437).
(1)
في "ذ": "شرط".
(ولا يعتقه) أي: لا يصح من الموقوف عليه عتق الرقيق الموقوف بحال (فإن أعتقه، لم ينفذ) عتقه؛ لأنه تعلَّق به حق من يؤول الوقف إليه، ولأن الوقف عقد لازم لا يمكن إبطاله، وفي القول بنفوذ عتقه إبطال له.
فـ (ــإن كان) العبد (نصفه وقفًا، ونصفه طِلْقًا) أي: ملكًا خالصًا (فأعتق صاحب الطِّلْق) نصيبه منه، عَتَق، و (لم يَسْر عتقه إلى الوقف) لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة، فلأن لا يعتق بالسراية أَولى. وعُلم منه: أن الوقف لا يسري إلى باقي العبد.
وكذلك لا يصح عتق الواقف ولا الحاكم للموقوف.
(و) يجب (عليه) أي: الموقوف عليه (فِطرته) أي: الرقيق الموقوف عليه؛ لأنه ملكه، وكنفقته.
وأما إذا اشترى عبدًا من غَلَّة الوقف، لخدمة الوقف، فإن الفِطرة تجب قولًا واحدًا، لتمام التصرُّف فيه؛ قاله أبو المعالي.
(و) تجب عليه - أيضًا - (زكاته) أي: الموقوف (كالماشية) بأن كان إبلًا، أو بقرًا، أو غنمًا سائمة، وحال عليها الحول، وتقدم في الزكاة
(1)
.
وكذا الشجر الموقوف تجب الزكاة في ثمره على الموقوف عليه، وجهًا واحدًا.
(و) على الموقوف عليه (نفقته) أي: الحيوان الموقوف؛ لأنه ملكه (إن لم يكن له كَسْبٌ) فإن كان، أنفق عليه منه.
(ويقطع سارق الوقف) إن كان على معين (و) يقطع - أيضًا - (سارق نمائه، إذا كان الوقف على معين) ولا شُبهة للسارق، بخلاف الوقف على غير معين.
(1)
(4/ 315).
(ويملك الموقوف عليه نفعه) أي: الوقف (و) يملك (صوفه ونحوه) كوبره، وشعره، وبيضه (و) يملك (غَلَّته، وكسبه، ولبنه، وثمرته) يغير خلاف نعلمه؛ لأنه نماء ملكه؛ قاله في "الشرح". فيستوفيه بنفسه، وبالإجارة، والإعارة، ونحوها، إلا أن يعين في الوقف غير ذلك؛ قاله في "المبدع".
(وليس له) أي: الموقوف عليه (وَطء الأَمَة، ولو أذن فيه الواقف) لأن ملكه ناقص، ولا يمكنه مَنْع حبلها، فتنقص، أو تتلف، أو تخرج من الوقف، بأن تبقى أُمّ ولد.
(فإن وَطِئها) أي: وَطِئ الموقوف عليه الموقوفة (فلا حَدَّ) عليه للشُّبهة (ولا مهر) عليه؛ لأنه لو وجب؛ لوجب له، ولا يجب للإنسان شيء على نفسه.
(و) إن ولدت فـ (ـــولده حُرٌّ) لأنه من وطء شُبهة (وعليه) أي: الواطئ (قيمته يوم الوضع، يُشترى بها قِنٌّ يقوم مقامَه) لأنه فوَّت رِقّه؛ ولأن القيمة بدل عن الوقف، فرجب أن تردّ في مِثله (وتصير) الموقوفة (أمّ ولده
(1)
) لأنه أحبلها بحُرٍّ في ملكه (وتعتق بموته) كسائر أُمَّهات الأولاد (وتجب قيمتها في تركته) إن كانت؛ لأنه أتلفها على من بعده من البطون (يُشترى بها مثلُها) لينجبر على البطن الثاني ما فاتهم (فتكون) المشتراة (وقفًا بمجرد الشراء) كبدل أضحية.
(وله) أي: الموقوف عليه (تملُّك زرعِ غاصبٍ) للأرض الموقوفة، إذا زرعها وأدركه الموقوف عليه (بالنفقة) أي: مثل البذر وعوض اللواحق (حيث يتملك رَبُّ الأرض) بأن كان قبل الحصاد.
(1)
في "ح": "أم ولد" بدون هاء.
(ويتلقَّاه) أي: الوقف (البطن الثاني) من الموقوف عليهم من الواقف (و) يتلقاه (من بعدَه) كالبطن الثالث والرابع، وهلم جرًّا (من أهل الوقف من الواقف، لا من البطن الذي قبله) لأن الوقف صادر على جميع أهل الوقف من حينه، فمن وقف شيئًا على أولاده، ثم أولادهم ما تناسلوا، كان الوقف على جميع نسله، إلا أن استحقاق كل بطن مشروط بانقراض من فوقها
(1)
.
(فإذا امتنع البطن الأول) والثاني أو من بعده (من اليمين مع شاهده) بالوقف (لإثبات الوقف، فلمن بعدهم) من البطون ممن لم يَؤُلِ الوقف إليه إذًا (الحلفُ) مع الشاهد لثبوت الوقف؛ لأنهم من جملة الموقوف عليهم.
(وإذا وطِئ) الأَمةَ (الموقوفة أجنبيٌّ) أي: غير الموقوف عليه (ولو عَبْدًا بشُبهة يظنها حُرة) أو أَمَته (فأولدها، فهو) أي: ولده (حُر) لاعتقاد الواطئ الإباحة وحريته (وعليه) أي: الواطئ (المهر لأهل الوقف) لأن منفعة البُضع لهم، والمهر بدلها (و) على الواطئ - أيضًا - (قيمة الولد) يوم وضعه (تُصرف في مثله) لأنها بدل عن الوقف، فوجب أن تُرَد في مثله.
وإن وطئها الواقف، وجب المهر للموقوف عليه كيف كان، ووجب الحد، والولد رقيق ما لم نقل ببقاء ملكه؛ ذكره الحارثي.
قلت: الظاهر عدم وجوب الحَدّ، لشُبهة الخلاف في بقاء ملكه.
(وإن كان) ولد الموقوفة (من زوج أو زنىً، فهو وقف معها) تبعًا لأُمه.
(1)
في "ذ": "فوقه".
(وإن تلفت) الموقوفة (به) أي: بالوطء (أو أتلفها متلف، ولو من أهل الوقف، أو) أتلف (بعضها) أي: الموقوفة (كقطع طرف) وإذهاب منفعة (فعليه القيمة) أي: قيمتها إن أتلفها، وإن أتلف بعضها، فعلى ما يأتي تفصيله في الجنايات (يُشترى بها مثلُها) لأنها بدل عنها (أو) يُشترى بها (شقص) من رقيق، إن لم يمكن شراؤه كله (يكون) المِثل، أو الشقص (وقفًا بمجرَّد الشراء) كبدل أضحية (ويأتي.
وإن قُتِل) رقيق موقوف، عبدًا كان، أو أَمَة (ولو) كان القتل (عمدًا، فليس له) أي: الموقوف عليه (عفو) مجانًا (ولا قَوَد) لأنه لا يختصُّ بالموقوف، فهو كعبد مشترك (بل يُشترى بقيمته) أي: الموقوف إذا قُتِل (بدله) أي: مثله.
قال الحارثي: اعتبار المثلية في البدل المشترى بمعنى وجوب الذَّكَر في الذَّكَر، والأنثى في الأنثى، والكبير في الكبير، وسائر الأوصاف التي تتفاوت الأعيان بتفاوتها؛ لاسيما الصناعة المقصودة في الوقف، والدليل على الاعتبار: أن الغرض جبران ما فات، ولا يحصل
(1)
بدون ذلك.
(فإن قُطعت يده) أي: الموقوف (أو) قُطع (بعضُ أطرافه عمدًا، فللقِنِّ) الموقوف (استيفاء القصاص؛ لأنه حقه) لا يشركه فيه أحد.
(وإن عفا) الرقيق الموقوف عن الجناية عليه (أو كان القطع) أو الجرح (لا يوجب القصاص) لعدم المكافأة، أو لكونه خطأ، أو جائفة ونحوه (وجب نصف قيمته) فيما إذا كان المقطوع يدًا، أو رجلًا، أو نحوهما مما فيه نصف الدية، وإلا؛ فبحسابه على ما يأتي في الجنايات
(1)
في "ح": "ولا يحصل ذلك".
مفصَّلًا، ويُشترى بالأرش مثله، أو شِقص بدله.
(وإن جنى الوقفُ خطأً، فالأَرْش على موقوف عليه، إن كان) الموقوف عليه (معينًا) كسيدِ أُمِّ الولد (ولم يتعلَّق) الأرش (برقبته) أي: الموقوف؛ لأنه لا يمكن تسليمه (كأُمِّ الولد، ولم يلزم الموقوفَ عليه أكثر من قيمته) أي: الموقوف (كأمِّ الولد) فيلزم أقل الأمرين من القيمة، أو أرش الجناية.
(وإن كان) الموقوف عليه (غير معيَّن كـ) ــالعبد الموقوف على (المساكين) إذا جنى، (فـ) ــأرش جنايته (في كسبه) لأنه ليس له مستحق معيَّن يمكن إيجاب الأرش عليه، ولا يمكن تعلقها برقبته، فتعين في كسبه.
(وإن جنى) الموقوف (جناية توجب القصاص، وجب) القصاص؛ لعموم {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية
(1)
(فإن قُتِل، بطل الوقفُ) كما لو مات حتف أنفه، وإن عفا مستحقه، فعلى ما سبق من التفصيل في الأرش.
(وإن وقف على ثلاثة) كزيد، وعمرو، وبكر (ثم على المساكين، فمن مات منهم، رجع نصيبُه إلى من بقي) منهم؛ لأنه الموقوف عليه أولًا، وعوده إلى المساكين مشروط بانقراضهم، إذ استحقاق المساكين مرتَّب بـ "ثم" (فإذا ماتوا) أي: الثلاثة (فللمساكين) عملًا بشرطه.
(وإن وقف على ثلاثة) كزيد وعَمرو وبكر (ولم يذكر له مآلًا، فمن مات منهم) أي: الثلاثة (فحُكْمُ نصيبه حكمُ المنقطع، كما لو ماتوا جميعًا) قاله الحارثي. قال: وعلى ما في الكتاب - أي: "المقنع" - يصرف إلى من بقي. انتهى. وقد قوَّى الحارثيُّ ما ذكر في الكتاب سابقًا،
(1)
سورة المائدة، الآية:45.
فعلى هذا يكون كلام الحارثي موافقًا لما في "القواعد"، واختار الثاني في "القواعد"
(1)
. قال في "المبدع": وهو أظهر. قال في "التنقيح": وهو قوي. وجزم به في "المنتهى".
(وإن قال: وقفته) أي: العبد، أو الدار، أو الكتاب ونحوه (على أولادي وعلى المساكين، فهو بين الجهتين نصفين) يصرف لأولاده النصف، وللمساكين النصف (لاقتضاء الإضافة التسوية) مع انتفاء مقتضى التفاوت.
فصل
(ويُرْجَع) - بالبناء للمفعول - عند التنازع في شيء عن أمر الوقف (إلى شرط واقف) كقوله: شرطت لزيد كذا، ولعَمرو كذا؛ لأن عُمر
(2)
شرط في وقفه شروطًا، ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة؛ ولأن ابن الزبير
(3)
وقف على ولده، وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرّةٍ ولا مُضَرٍّ بها، فإذا استغنت بزوج فلا حقَّ لها فيه
(4)
.
ولأن الوقف متلقّىً من جهته فاتبع شرطه، ونصه كنص الشارع.
(1)
القواعد الفقهية لابن رجب، القاعدة الثالثة عشرة ص/ 275.
(2)
تقدم تخريجه (10/ 5) تعليق رقم (6).
(3)
كذا في الأصول: "ابن الزبير" والصواب: "الزبير" كما في كتب التخريج، والمغني لابن قدامة (8/ 205).
(4)
أخرجه البخاري معلقًا في الوصايا، باب 33، قبل حديث 2778، وأخرجه موصولًا: أبو عبيد في غريب الحديث (2/ 76)، وابن أبي شيبة (6/ 251)، والدارمي في الوصايا، باب 43، حديث 3300، وسحنون في المدونة (6/ 105)، والبيهقي (6/ 166)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 428).
(فلو تعقَّب) الشرط ونحوه (جُمَلًا، عاد) الشرط ونحوه (إلى الكل) أي: إلى جميع الجُمَل، وكذا الصفة إذا تعقبت جُمَلًا عادت إلى الكل.
قال في "القواعد الأصولية"
(1)
في عود الصفة للكل: لا فرق بين أن تكون متقدِّمة أو متأخِّرة. قال بعض المتأخِّرين
(2)
: والمتوسطةُ، المختار اختصاصها بما وليته. انتهى.
قلت: بل مقتضى ما ذكره المصنف عوده للكل.
وقال الشيخ تقي الدين
(3)
: موجب ما ذكره أصحابنا - أي: في عود الشرط ونحوه للكل - أنه لا فرق بين العطف بالواو، أو بالفاء، أو بِثُمَّ على عموم كلامهم.
(واستثناءٌ كشرط) فيرجع إليه، فلو وقف على جماعة كأولاده، أو قبيلة كذا، واستثنى زيدًا؛ لم يكن له شيء.
(وكذا مخصَّصٌ من صفة) كما لو وقف على أولاده الفقهاء، أو المشتغلين بالعلم، فإنه يختص بهم، فلا يشاركهم من سواهم.
(و) من (عطفِ بيان) لأنه يشبه الصفة في إيضاح متبوعه، وعدم استقلاله، فمن وقف على ولده أبي عبد الله محمد، وفي أولاده من كنيته أبو عبد الله غيره، اختص به محمد.
(و) من (توكيدٍ) فلو وقف على أولاده نفسه، لم يدخل أولاد أولاده.
(1)
القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص/ 261.
(2)
انظر: جمع الجوامع للسبكي (2/ 23).
(3)
مجموع الفتاوى (31/ 159).
(و) من (بدلٍ) كمن له أربعة أولاد، وقال: وقفت على ولدي فلان وفلان وفلان وأولاد أولادي، فإن الوقف يكون على أولاده الثلاثة، وأولاد الأربعة؛ لأنه أبدل بعض الولد وهو فلان وفلان وفلان من اللفظ المتناول للجميع، وهو ولدي، فاختص البعض المبدل؛ لأنه المقصود بالحكم، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(1)
لما خص المستطيع بالذكر اختص الحكم به.
(ونحوه) كالغاية، كـ: على أولادي حتى يبلغوا، والإشارة بلفظ "ذلك"، والتمييز.
(وجارٍّ ومجرورٍ، نحو): وقفت هذا (على أنه) من اشتغل بالعلم من أولادي صُرِف إليه (و) كذا إن قال: وقفته (بشرط أنه) من تأدَّب بالآداب الشرعية صُرِف إليه (ونحوه) فيرجع إلى ذلك كله، كالشرط.
(ويجب العمل به) أي: الشرط (في عدم إيجاره) أي: الوقف (و) في (قَدْر المدة) فإذا شرط ألا يؤجر أكثر من سنة، لم تجز الزيادة عليها، لكن عند الضرورة يُزاد بحسبها، ولم يزل عمل القضاة في عصرنا وقبله عليه، بل نقل عن أبي العباس
(2)
رحمه الله، وهو داخل في قوله الآتي -: والشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم تُفضِ إلى الإخلال بالمقصود الشرعي. وأفتى به شيخنا المرداوي، ولم نزل نفتي به؛ إذ هو أَولى من بيعه إذًا. قال الحارثي: وعن بعضهم جواز الزيادة بحسب المصلحة، وهو يحتاج عندي إلى تفصيل.
(و) يُرجع إلى شرط الواقف في (قَسْمِهِ) أي: الريع (على الموقوف
(1)
سورة آل عمران، الآية:97.
(2)
مجموع الفتاوى (31/ 16).
عليه) بمعنى أنه يرجع إلى شرطه (في تقدير الاستحقاق) كـ: على أنَّ للأنثى سهمًا، وللذَّكَر سهمين، أو بالعكس، أو: على أن للمؤذِّن كذا، وللإمام كذا، وللخطيب كذا، وللمدرِّس كذا، ونحوه.
(و) يُرجع - أيضًا - إلى شرطه في (تقديم، كالبُداءة ببعض أهل الوقف دون بعض، نحو: وقفتُ على زيد، وعمرو، وبكر، ويبدأ بالدفع إلى زيد، أو: وقفت على طائفة كذا، ويبدأ بالأصلح، أو الأفقه، أو نحوه) فيرجع إلى ذلك.
(و) يُرجع - أيضًا - إلى شرطه في (تأخير، وهو عكس التقديم) كـ: وقفت على زيد وعمرو وبكر، ويؤخّر زيد. أو: وقفت على طائفة كذا، ويؤخر بطيء الفهم ونحوه.
(و) يُرجع - أيضًا - إلى شرطه في (جَمْعٍ، كجعل الاستحقاق مشتركًا في حالة واحدة) كأن يقف على أولاده، وأولادهم.
(و) يرجع إلى شرطه - أيضًا - في (ترتيبٍ، كجعل استحقاق بطن مرتَّبًا على آخر) كأن يقف على أولاده، ثم أولادهم (فالتقديم بقاء أصل الاستحقاق للمؤخَّر على صفة أنَّ له ما فضل) عن المقدَّم (وإلا) بأن لم يفضل عن المقدَّم شيء (سقط) المؤخَّر.
(والمراد: إذا كان للمقدم شيء مقدَّر) كمائة مثلًا (فحينئذ إن كانت الغَلَّة وافرة، حصل بعده) أي: بعد المقدَّر للمقدَّم (فضلٌ) فيأخذه المؤخَّر (وإلا) بأن كانت الغَلَّة غير وافرة (فلا) يفضل بعده فضل، فلا شيء للمؤخَّر.
(والترتيبُ عدم استحقاقِ المؤخَّر مع وجود المقدَّم) فضل عنه شيء أو لا.
(و) يُرجع - أيضًا - إلى شرطه في (تسوية، كقوله: الذَّكر والأُنثى سواء ونحوه.
و) يُرجع - أيضًا - إلى شرطه في (تفضيل، كقوله: للذَّكر مثل حظ الأنثيين ونحوه) والتسوية والتفضيل هو معنى قوله: "في قَسْمه".
(ولو جُهل شرطُ الواقف) وأمكن التأنس بصرف من تقدم ممن يوثق به، رجع إليه؛ لأنه أرجح مما عداه. والظاهر صحة تصرُّفه ووقوعه على الوقف، فإن تعذَّر، وكان الوقف على عمارة، أو إصلاح، صُرِفَ بقَدْر الحاجة؛ قاله الحارثي. وإن كان على قوم (عُمِلَ بعادة جارية) أي: مستمرة، إن كانت.
(ثم) عُمِل بـ (ــعُرفٍ) مستقر في الوقف (في مقادير الصرف، كفقهاء المدارس) لأن الغالب وقوع الشرط على وفقه - وأيضًا - فالأصل عدم تقييد الواقف، فيكون مطلقًا، والمطلق منه يثبت له حكم العُرف؛ قاله الحارثي.
ثم) إن لم يكن عُرف
(1)
فـ (ــالتساوي) فيُسوَّى بينهم؛ لأن التشريك ثابت، والتفضيل لم يثبت. فإن لم تُعرف أرباب الوقف، جُعِل كوقف مطلق لم يذكر مصرفه؛ ذكره في "التلخيص".
(وإن شَرَط) الواقف (إخراجَ من شاء) من أهل الوقف (بصفةٍ وإدخاله) أي: من شاء (بصفةٍ - ومعناه) أي: الإخراج والإدخال بصفة (جعل الاستحقاق والحرمان مرتَّبًا على وصفٍ مشترك
(2)
- فترتب
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 452) ما نصه: "ولا عادة، والمراد بالعُرف العُرف ببلد الواقف، لا البادية، كما في شرح المنتهى [5/ 809] ا. هـ من خط ابن العماد".
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 74): "مشترط".
الاستحقاق) على الوصف (كالوقف) على أولاده مثلًا (بشرط كونهم فقراء أو صُلحاء. وترتُّبُ الحرمان) بالوصف (أن يقول): هذا وقف على أولادي، أو أولاد زيد مثلًا (ومَنْ فسق منهم، أو استغنى ونحوه) كترك الاشتغال بالعلم (فلا شيء له) صح على ما قال.
(أو) شرط الواقف (إخراج من شاء من أهل الوقف، وإدخال من شاء منهم. صح) لأنه ليس بإخراج للموقوف عليه من الوقف، وإنما علَّق الاستحقاق بصفة، فكأنه جعل له حقًّا في الوقف، إذا اتصف بإرادته أعطاه
(1)
، ولم يجعل له حقًّا إذا انتفت تلك الصفة فيه
(2)
، وليس هو تعليق
(3)
للوقف بصفة، بل وقف مطلَق، والاستحقاق له صفة.
"تنبيه": ظاهر كلامه - كـ "التنقيح" و"المنتهى" -: أنه لا فرق بين أن يشرط الواقف ذلك لنفسه، أو للناظر بعده. وفرضها في "الشرح" و"الفروع" و"الإنصاف" فيما إذا شرطه للناظر بعده، لكن التعليل يقتضي التعميم.
و (لا) يصح الوقف إن شرط فيه (إدخال مَن شاء من غيرهم) أي: أهل الوقف، وإخراج من شاء منهم؛ لأنه شرطٌ ينافي مقتضى الوقف، فأفسده؛ قاله الموفَّق ومن تابعه. وتقدَّمت الإشارة إلى الفرق بين هذه والتي قبلها في كلام المصنف (كشرطه) أي: الواقف (تغيير شرط) فيفسد الوقف كما تقدم
(4)
.
(وكما لو شرط) الواقف (ألا ينتفع) الموقوف عليه (به) أي:
(1)
في "ذ": "إعطاءه".
(2)
أشار في هامش "ذ" إلى أنه في نسخة: "منه".
(3)
في "ذ": "تعليقًا".
(4)
(10/ 28).
بالوقف، فيفسد الوقف، لمنافاة الشرط مقتضاه.
(ولو وقف) شيئًا (على أولاده، وشرط) الواقف (أن من تزوَّج من البنات فلا حَقَّ لها) في الوقف؛ صح؛ لما تقدم عن ابن الزبير
(1)
.
(أو) وقف (على زوجته ما دامت عازبة، صح) على ما قال، قياسًا على النبي قبلها (ويأتي في الحضانة بأتم من هذا.
قال الشيخ
(2)
: كل متصرف بولاية، إذا قيل: يفعل ما يشاء، فإنما هو إذا كان فعله لمصلحة شرعية، حي لو صَرَّح الواقف بفعل ما يهواه) مطلقًا (أو ما يراه مطلقًا، فشرطٌ باطل على الصحيح المشهور) لمخالفته الشرع.
(قال
(3)
: وعلى الناظر بيان المصلحة) أي: التثبت والتحري فيها، بدليل قوله:(فيعمل بما ظهر) له أنه مصلحة (ومع الاشتباه إن كان) الناظر (عالمًا عادلًا ساغ له اجتهاده.
وقال
(4)
: لو شرط الصلوات الخمس على أهل مدرسة في القدس، كان الأفضل لأهلها أن يصلوا في) المسجد (الأقصى الصلوات الخمس، ولا يقف استحقاقهم على الصلاة في المدرسة، وكان يُفتي به ابن عبد السلام وغيره. انتهى).
وقال
(5)
: إذا شرط في استحقاق ريع الوقف العزوبة، فالمتأهل أحق من المتعزّب، إذا استويا في سائر الصفات.
(1)
تقدم تخريجه وأنه عن الزبير نفسه رضي الله عنه (10/ 41) تعليق رقم (3، 4).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 255.
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 256.
(4)
الاختيارات الفقهية ص/ 254.
(5)
المرجع السابق.
وقال
(1)
: إذا وقف على الفقراء، فأقارب الواقف الفقراء أحق من الفقراء الأجانب، مع التساوي في الحاجة. وإذا قُدِّر وجود فقير مضطر، كان دفع ضرورته واجبًا، وإذا لم تندفع ضرورته إلا بتشقيص كفاية أقارب الواقف من غير ضرورة تحصل لهم، تعيَّن ذلك.
(وإن خصَّص) الواقف (المدرسة بأهل مذهب) كالحنابلة أو الشافعية، تخصَّصتْ (أو) خصَّص المدرسة بأهل (بلد، أو) خصَّصها بـ (ــقبيلة؛ تخصَّصتْ.
وكذلك الرباط والخانقاه كالمقبرة) إذا خصَّصها بأهل مذهب، أو بلد، أو قبيلة، تخصَّصت؛ إعمالًا للشرط، إلا أن يقع الاختصاص بنحْلَة بدعة؛ قاله الحارثي.
(وأما المسجد، فإن عيّن لإمامته، أو) عيَّن لـ (ــنظره أو الخطابة) فيه (شخصًا؛ تعيَّن) فلا يصح تقرير غيره؛ إعمالًا للشرط.
(وإن خصَّص الإمامةَ) في مسجد، أو رباط، أو مدرسة، وفي نسخ:"أو الخطابة"(بمذهب؛ تخصَّصتْ به) لما تقدم (ما لم يكن) المشروط له الإمامة (في شيء من أحكام الصلاة مخالفًا لصريح السُّنة، أو) مخالفًا لـ (ــظاهرها، سواء كان) خلافه (لعدم الاطلاع) على السُّنة (أو) لـ (ــتأويل) ضعيف؛ إذ لا يجوز اشتراط مثل هذا؛ قاله الحارثي.
(وإن خصَّص المصلين فيه) أي: المسجد ونحوه (بمذهب، لم يختص) بهم؛ لأن إثبات المسجدية تقتضي
(2)
عدم الاختصاص، كما في "التحرير"، فاشتراط التخصيص ينافيه (خلافًا لصاحب "التلخيص")
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 256، ومجموع الفتاوى (31/ 22).
(2)
في "ذ": "يقتضي".
حيث قال: تختصُّ بهم على الأشبه؛ لاختلاف المذاهب في أحكام الصلاة، ويصير كما لو كان مدرسة، أو رباطًا.
(قال الشيخ
(1)
: قول الفقهاء: نصوص الواقف كنصوص الشارع، يعني في الفهم والدلالة، لا في وجوب العمل) وهذا مقابل لما تقدم
(2)
، فالصحيح أنه في وجوب العمل (مع أن التحقيق أن لفظه) أي: الواقف (ولفظ الموصي، والحالف، والناذر، وكل عاقد يُحمل على عادته في خطابه ولُغته التي يتكلَّم بها، وافقت لغةَ العرب، أو لغةَ الشارع، أوْ لا.
وقال
(3)
: والشروط إنما يلزم الوفاء بها، إذا لم تُفضِ إلى الإخلال بالمقصود الشرعي، ولا تجوز المحافظة على بعضها مع فوات المقصود) الشرعي (بها.
وقال
(4)
: ومن شرط في القربات أن يقدم فيها الصنف المفضول، فقد شرط خلاف شرط الله، كشرطه في الإمامة) تقديم (غير الأعلم.
وقال
(5)
: لا يجوز أن يُنَزَّل فاسقٌ في جهةٍ دينية، كمدرسة وغيرها، مطلقًا) سواء شرطه الواقف، أو لا (لأنه يجب الإنكار وعقوبته، فكيف يُنَزَّل؟!
وقال - أيضًا -
(6)
: إن نُزِّلَ مستحِقٌّ تنزيلًا شرعيًّا، لم يجز صرفه) عمَّا نزل فيه (بلا موجب شرعي) لأنه نقض للاجتهاد بالاجتهاد.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 255.
(2)
(10/ 41).
(3)
مجموع الفتاوى (31/ 16).
(4)
الاختيارات الفقهية ص/ 106، والفروع (4/ 601).
(5)
الاختيارات الفقهية ص/ 255.
(6)
المرجع السابق.
(وقال
(1)
في واقف وَقَفَ مدرسة، وشرط ألا يُصْرَف رَيْعُها لمن له وظيفة بجامكية
(2)
، ولا مرتَّب في جهة أخرى، أي جامكية في مكان آخر: إن لم يكن في الشرط مقصود شرعي خالص أو راجح؛ كان) الشرط (باطلًا، كما لو شرط عليهم نوعًا من المطعم والملبس والمسكن الذي لم تستحبه الشريعة، ولا يمنعهم الناظرُ من تناول كفايتهم من جهة أخرى) هم (مرتَّبونَ فيها، وليس هذا إبطالًا للشرط، لكنه تَرْكٌ للعمل به. انتهى.
وإن شرط) الواقف (ألا يُنزَّل) في وقفه (فاسقٌ، ولا شرير، ولا مُتَجوِّه
(3)
ونحوهـ) ــم كمبتدع (عُمل به) أي: الشرط وجوبًا.
(قال الشيخ
(4)
: الجهات الدينية، مثل الخوانك، والمدارس، وغيرها، لا يجوز أن يُنزَّل فيها فاسق، سواء كان فسقه بظلمه الخَلْق، وتعديه عليهم بقوله وفعله) من نحو سَبٍّ أو ضَرْب (أو) كان (فسقه بتعديه حدود الله، يعني ولو لم يشرطه الواقف) وتقدم معناه قريبًا (وهو) أي: ما قاله الشيخ (صحيح) موافق للقواعد.
قال الحارثي: الشرط المباح الذي لا يظهر قصد القُربة منه، هل يجب اعتباره؟ ظاهر كلام الأصحاب، والمعروف عن المذهب: الوجوب. وهو مذهب الأئمة الثلاثة
(5)
وغيرهم، واستدلَّ له. . . إلى أن
(1)
مجموع الفتاوى (31/ 12 - 13).
(2)
الجامكية: لفظ فارسي معناه: مرتب أو الخادم، أطلق في العصر العثماني على الأعطيات والمرتبات الشهرية أو السنوية. انظر: معجم المصطلحات والألقاب التاريخية ص/ 119.
(3)
متجوّه: من تجوّه إذا تعظم، أو تكلف الجاه، وليس به ذلك. تاج العروس (9/ 385) مادة (جوه).
(4)
مجموع الفتاوى (31/ 20).
(5)
انظر: البحر الرائق (5/ 202)، وحاشية الدسوقي (4/ 77)، ومغني المحتاج =
قال: ولا يلزم من انتفاء جعل المباح جهة للوقف انتفاء جعله شرطًا فيه؛ لأن جعله أصلًا في الجهة مُخِلٌّ بالمقصود وهو القربة، وجعله شرطًا لا يُخِلُّ به، فإن الشرط إنما يُفيد تخصيص البعض بالعطية، وذلك لا يرفع أصل القُربة. وأيضًا: فإنه من قبيل التوابع، والشيء قد يثبت له حال تبعيته ما لا يثبت له حال أصالته.
(وقال) الشيخ
(1)
: (لو حكم حاكم بمحضر لوقت في شروط، ثم ظهر كتاب الوقف غير ثابت؛ وجب ثبوته، والعمل به إن أمكن) إثباته.
(وقال أيضًا
(2)
: لو أقرَّ الموقوف عليه أنه لا يستحق في هذا الوقف إلا مقدارًا معلومًا، ثم ظهر شرطُ الواقف بأنه يستحقُّ أكثر) مما قال (حكم له بمقتضى شرط الواقف، ولا يَمنع من ذلك الإقرارُ المتقدمُ. انتهى) لأنه معذور بعدم علمه إياه.
وقوله: "ثم ظهر له شرط الواقف. . ." الخ. يُفهم منه: أنه لو كان عالمًا بشرط الواقف، وأقر بأنه لا يستحق إلا كذا، يؤاخذ بإقراره؛ لأنه لا عُذر له، فإن انتقل استحقاقه بعده لولده مثلًا، فله الطلب بما في شرط الواقف من حين الانتقال إليه؛ لأن إقراره لا يسري على ولده.
وذكر التاج السبكي الشافعي في كتابه "الأشباه والنظائر"
(3)
: الصواب أنه لا يؤاخذ، سواء علم شَرْط الواقف وكذب في إقراره، أم لم يعلم، فإن ثبوت هذا الحق له لا ينتقل بكذبه. انتهى.
قال المحب ابن نصر الله: ومما يؤيده أن شرط صحه الإقرار؛ كون
= (3/ 381).
(1)
مجموع الفتاوى (31/ 24).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 262.
(3)
(1/ 334).
المُقِر يملك نقل الملك في العين التي يقِرُّ بها، ومستحق الوقف لا يملك ذلك في الوقف، فلا يملك الإقرار به، ولا يملك نقل الملك في ريعه إلا بعد حصوله في يده، فلا يملك الإقرار به قبل قبضه، أو جواز بيعه، ولا يصح منه، ولو صح الإقرار بالريع قبل ملك المستحق له، لاتُّخِذ ذلك وسيلة إلى إيجاره مدة مجهولة، بأن يأخذ المستحق عوضًا من شخص عن رَيعه، أو عن رقبته، ويقر له به، فيستحقه مدة حياة المُقِرِّ، أو مدة استحقاق المُقِر، فلا يجوز اعتبار إقرار المستحق بالوقف، ولا بريعه إلا بشرط ملكه للريع. ولم أزل أُفتي بهذا قديمًا وحديثًا من غير أن أكون قد وقفتُ على كلام قاضي القضاة تاج الدين، ولا رأيتُ به كلامًا لغيره، ولكني قلتُه تفقهًا، ولا أظن من له نظر تام في الفقه يقول بخلاف ذلك، والله أعلم.
(ولو سبَّل ماءً للشُّرب، لم يجز الوضوء منه، ولا الغسل) ولا إزالة النجاسة ونحوها؛ لأنه لو لم يجب اتباع تعيينه، لم يكن له فائدة (قال في "الفروع": فشرب ماء موقوفٍ للوضوء؛ يتوجَّه عليه وأَولى).
وقال الآجري في الفرس الحبيس: لا يُعيره ولا يؤجره إلا لنفع الفرس، ولا ينبغي أن يركبه في حاجته إلا لتأديبه، وجمال للمسلمين، ورفعة لهم، أو غيظة للعدو. وسُئل عن التعليم بسهام الغزو؟ فقال: هو منفعة للمسلمين، ثم قال: أخاف أن تُكسر. ولا يجوز إخراج حُصر المسجد ونحوها لمنتظر جنازة أو غيره.
(ويجوز للأغنياء الشُّربُ من الماء الذي يُسقَى في السبيل) لأن العادة لم تجرِ بتخصيصه بالفقراء.
(ويجوز ركوب الدابة) الحبيس (لسقيها وعلفها) ونحوهما مما فيه منفعة للفرس، أو المسلمين، على ما سبق عن الآجري.
فصل
(ويُرجَعُ إلى شرطه) أي: الواقف (- أيضًا - في الناظر فيه) أي: الوقف، سواء شرطه لنفسه، أو للموقوف عليه، أو لغيرهما، إما بالتعيين: كفُلان، أو بالوصف كالأرشد، أو الأعلم، أو الأكبر، أو من هو بصفة كذا. فمن وجد فيه الشرط، ثبت له النظر عملًا بالشرط. وفي وقف عليٍّ رضي الله عنه شرط النظر لابنه الحسن، ثم لابنه الحسين رضي الله عنهما
(1)
.
(و) يُرجع - أيضًا - إلى شرطه في (الإنفاق عليه) إذا كان حيوانًا، أو غيره، وخرب، بأن يقول: يُنفق عليه، أو يعمر من جهة كذا.
(و) يُرجع - أيضًا - إلى شرطه في (سائر أحواله) لأنه ثبت بوقفه، فوجب أن يتبع فيه شرْطُه.
(فإن عَيَّنَ) الواقف (الإنفاقَ عليه عن غَلَّته، أو) من (غيرها، عُمِل به) رجوعًا إلى شرطه (وإن لم يُعيّنه) أي: الإنفاق عليه واقفٌ (وكان) الموقوف (ذا روح) كالرقيق والخيل (فـ) ــإنه يُنفق عليه (من غلته) لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل، وتسبيل منفعته، ولا يحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه، فكان ذلك عن ضرورته.
(فإن لم يكن له) أي: الموقوف (غلة) لضعف به ونحوه (فـ) ـــنفقته
(1)
أخرجه ابن شبّة في تاريخ المدينة (1/ 225).
وجاء في الأم للشافعي (3/ 281): أخبرني غير واحد عن آل علي وآل عمر أن عمر ولي صدقته حتى مات، وجعلها بعده إلى حفصة، وأن عليًّا ولي صدقته حتى مات، ووليها بعده حسن بن علي. وانظر: تاريخ المدينة المنورة لابن شبّة (1/ 220)، ومعجم ما استعجم (2/ 657)، والإصابة (12/ 57).
(على الموقوف عليه المعيَّنِ) لأنه ملكه (فإن تعذَّر) الإنفاق من الموقوف عليه لعجزه، أو غيبته ونحوهما (بِيعَ) الوقف (وصُرِف) ثمنه (في عين أخرى تكون وقفًا؛ لمحل الضرورة) أي: لأجل حلول الضرورة، إن لم تمكن إجارته، فإن أمكنت، أُوجر بقَدْر نفقته؛ لاندفاع الضرورة المقتضية البيع
(1)
بها.
(فإن عَدِم الغلَّة؛ لكونه ليس من شأنه أن يؤجَر، كالعبد) الموقوف عليه لـ (ــيخدمه، والفرس يغزو عليه أو يركبه، أُوجِر بقَدْر نفقته) دفعًا للضرورة.
(وكذا لو احتاج خانٌ مُسَبل) إلى مَرَمَّة (أو) احتاجت (دار موقوفة لسكنى الحاج، أو الغزاة) أو أبناء السبيل ونحوهم (إلى مَرَمَّةٍ) أي إصلاح (أوجِرَ منه بقَدْر ذلك) أي: ما يحتاج إليه في مرمته؛ لمحل الضرورة.
(وإن كان الوقف على غير معين، كالمساكين ونحوهم) كالفقهاء (فنفقته) أي: الموقوف (في بيت المال) لانتفاء المالك
(2)
المعين فيه، فهو كالحر (فإن تعذَّر) الإنفاق عليه من بيت المال (بِيعَ كما تقدَّم) في الموقوف على معين.
(وإن مات العبد) الموقوف (فمؤنة تجهيزه -على ما قلنا في نفقته - على ما تقدم) تفصيله.
(وإن كان) الوقف (ما لا روح فيه، كالعَقار ونحوه) من سلاح ومتاع وكُتُب (لم تجب عِمارته على أحد إلا بشرط) واقفِه عمارتَه
(1)
في "ذ": "للبيع".
(2)
في "ح": "لانتقال الملك".
(كالطِّلْق) ذكره الحارثي وغيره، مع أنه قال بعد في عمارة الوقف: تجب إبقاء للأصل؛ ليحصُل دوام الصدقة، وهو معنى قول الشيخ تقي الدين
(1)
: تجب عمارة الوقف بحسب البطون.
(فإن شرط الواقف عمارته، عُمِل به) أي: الشرط (مطلقًا) أي: سواء شرط البداءة بالعمارة، أو تأخيرها، فيعمل بما شرط، لكن إن شرط تقديم الجهة، عُمل به. قال الحارثي: ما لم يؤدِّ إلى التعطيل، فإذا أدَّى إليه، قُدِّمت العمارة حفظًا لأصل الوقف. وقال: اشتراط الصرف إلى الجهة في كل شهر كذا، في معنى اشتراط تقديمه على العمارة.
(ومع الإطلاق) أي: إطلاق الواقف شرط العمارة، بأن لم يذكر البداءة بها ولا تأخرها
(2)
(تُقَدَّم) العمارة (على أرباب الوظائف) قال في "التنقيح": ما لم يُفْضِ إلى تعطيل مصالحه؛ فيجمع بينهما حسب الإمكان (وقال الشيخ
(3)
: الجمع بينهما حسب الإمكان أَولى) بل قد يجب.
(وللناظر الاستدانة على الوقف بلا إذن حاكم) كسائر تصرُّفاته (لمصلحةٍ، كشرائه للوقف نسيئة، أو بنقد لم يعينه) لأن الناظر مؤتمَن مطلق التصرُّف، فالإذن والائتمان ثابتان.
(و
يتعين صَرْف الوقف إلى الجهة التي عَيَّنها الواقف)
حيث أمكن؛ لأن تعيين الواقف لها صَرْف عما سواها.
(ويجوز صَرْف الموقوف على بناء المسجد بناء منارته
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 254.
(2)
في "ذ": "تأخيرها".
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 254.
وإصلاحها، وبناء منبره، وأن يُشترى منه سُلَّم للسطح، وأن يُبنى منه ظُلَّةٌ) لأن ذلك من حقوقه ومصالحه.
(ولا يجوز) صرف الموقوف على بناء مسجد (في بناء مرحاض) - وهو بيت الخلاء، وجمعه مراحيض - لمنافاته المسجد، وإن ارتفق به أهله.
(و) لا يجوز صَرْفه - أيضًا - في (زخرفة مسجد) بالذهب أو الأصباغ؛ لأنه منهيٌّ عنه، وليس ببناء، بل لو شرط لما صح؛ لأنه ليس قُربة، ولا داخلًا في قسم المباح.
(ولا في شراء مكانس ومجارف) لأنه ليس بناء ولا سببًا له، فانتفى دخوله في الموقوف عليه (قال الحارثي: وإن وقف على مسجد أو مصالحه، جاز صرفه في نوع العمارة، وفي مكانس) وحُصْر (ومجارف، ومساحِيَّ، وقناديل، ووَقود) - بفتح الواو - كزيت (ورزق إمام، ومؤذِّن وقَيِّم) لدخول ذلك كله في مصالح المسجد وضعًا أو عُرفًا. انتهى بالمعنى.
(وفي "فتاوى الشيخ"
(1)
: إذا وَقَف على مصالح الحرم وعمارته، فالقائمون بالوظائف التي يحتاج إليها المسجد من التنظيف والحفظ والفرش، وفتح الأبواب وإغلاقها، ونحو ذلك، يجوز الصرف إليهم، وما يأخذه الفقهاء من الوقف، كرزق من بيت المال، لا كجعل، ولا كأجرة في أصحها) أي: الأقوال الثلاثة؛ قاله في "التنقيح"، ولذلك لا يُشترط العلم بالقَدْر.
وينبني على هذا: أن القائل بالمنع من أخذ الأجرة على نوع القُرب، لا يمنع من أخذ المشروط في الوقف؛ قاله الحارثي في الناظر.
(1)
مجموع الفتاوى (31/ 198)، والاختيارات الفقهية ص/ 254 - 255.
(وقال) الشيخ تقي الدين
(1)
: وما يؤخذ من بيت المال، فليس عوضًا وأُجرة، بل رزق للإعانة على الطاعة (وكذلك المال الموقوف على أعمال البِرِّ، والموصَى به، أو المنذور) له، ليس كالأجرة والجعل. انتهى.
وقال القاضي في "خلافه": ولا يقال: إن منه ما يؤخذ أجرة عن عمل كالتدريس ونحوه؛ لأنا نقول أولًا: لا نُسَلِّم أن ذلك أجرة محضة، بل هو رزق وإعانة على العلم بهذه الأموال. انتهى. قال في "شرح المنتهى": قلت: وعلى الأقوال الثلاثة، حيث كان الاستحقاق بشرط، فلا بُدَّ من وجوده. انتهى. يعني إذا لم يكن الوقف من بيت المال، فإن كان منه كأوقاف السلاطين من بيت المال، فليس بوقف حقيقي، بل كل من جاز له الأكل من بيت المال، جاز له الأكل منها، كما أفتى به صاحب "المنتهى" موافقة للشيخ الرَّمْلي وغيره في وقف جامع طولون
(2)
ونحوه.
(وقال)(الشيخ)
(3)
(أيضًا: مِن أَكْلِ المال بالباطل قوم لهم رواتب أضعاف حاجاتهم) أي: من بيت المال (وقوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه ويستنيبون) في الجهات (بيسير) من المعلوم؛ لأن هذا خلاف غرض الواقفين.
(قال) الشيخ
(4)
: (والنيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة) من تدريس وإمامة وخطابة وأذان وغَلْق باب ونحوها (جائزة ولو عَيَّنه
(1)
مجموع الفتاوى (31/ 15).
(2)
"طولون" كذا في الأصول، والمعروف "ابن طولون" انظر: الخطط للمقريزي (2/ 265).
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 257.
(4)
مجموع الفتاوى (31/ 42)، والاختيارات الفقهية ص/ 257.
الواقف) وفي عبارة أخرى له: ولو نهى الواقف عنه (إذا كان النائب مثل مستنيبه) في كونه أهلًا لما استنيب فيه (وقد يكون) هكذا في "الفروع" و"الاختيارات". قال ابن مُغْلِي
(1)
: صوابه: إذا لم يكن (في ذلك مفسدة راجحة) هكذا هو في "فتاوى"
(2)
الشيخ. انتهى. وكذا ذكر معناه في "تصحيح الفروع".
وجواز الاستنابة في هذه الأعمال (كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة) كخياطة الثوب وبناء الحائط.
فصل
(فإن لم يشترط) الواقف (ناظرًا، أو شَرَطه) أي: النظر (لإنسان، فمات) المشروط له (فليس للواقف ولاية النَّصْب) أي: نصب ناظر؛ لانتفاء ملكه، فلا
(3)
يملك النصب ولا العزل، كما في الأجنبي.
(ويكون النظر للموقوف عليه، إن كان) الموقوف عليه (آدميًّا
(1)
هو علاء الدين، علي بن محمود بن أبي بكر بن المُغلي، الشيخ الإمام، العلامة أعجوبة الزمان، قاضي القضاة، ولد بمدينة حماة سنة (771 هـ)، تولَّى قضاء حماة وحلب ومصر، وكان قوي الحفظ، له تعليقات على الفروع لابن مفلح، توفي بالقاهرة سنة (828 هـ). المقصد الأرشد (2/ 246)، والسحب الوابلة (2/ 772).
(2)
في مجموع الفتاوى (31/ 42): "وبكل حال فالاستخلاف في مثل هذه الأعمال المشروطة جائز، وكونها عن الواقف إذا كان النائب مثل المستنيب، فقد يكون في ذلك مفسدة راجحة على المصلحة الشرعية". وعبارة: "إذا لم يكن" لم نقف عليها في الفتاوى الكبرى، ولا في مظانها من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية المطبوعة، وقد نقلها صاحب تصحيح الفروع (4/ 604)، وحاشية ابن قندس (7/ 362) عن بعض فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
(3)
في "ح" و"ذ": "فلم".
مُعيَّنًا) كزيد (أو جمعًا محصورًا) كأولاده، أو أولاد زيد (كلُّ واحد) منهم ينظر (على حصته) كالملك المطلق، عدلًا كان أو فاسقًا؛ لأنه ملكه وغَلَّته له.
(و) الموقوف عليه (غير المحصور، كالوقف على جهة لا تنحصر، كالفقراء والمساكين) والعلماء والغُزاة، نظره للحاكم (أو) الموقوف (على مسجد، أو مدرسة، أو رباط، أو قنطرة، ونحو ذلك) كسقاية (فـ) ـــنظره (للحاكم، أو من يَسْتنيبُه) الحاكم على بلد الوقف؛ لأنه ليس له مالك مُعيَّن.
(ووظيفة الناظر: حفظ الوقف، وعمارته، وإيجاره، وزرعه، ومخاصمةٌ فيه، وتحصيلُ رَيْعه، من أجرة، أو زرعٍ، أو ثمرٍ، والاجتهادُ في تنميته، وصرفُه في جهاته، من عمارةٍ، وإصلاحٍ، وإعطاءِ مستحق) وتقدم في الوكالة
(1)
: يُقبل قول الناظر المُتبرّع في دفع لمستحق، وإن لم يكن مُتبرِّعًا لم يُقبل قوله إلا ببينة (ونحوه) كشراء طعام، أو شراب شرطه الواقف؛ لأن الناظر هو الذي يلي الوقف، وحفظه وحفظ ريعه، وتنفيذ شرط واقفه، وطلب الحظ فيه مطلوب شرعًا، فكان ذلك إلى الناظر.
(وله) أي: الناظر (وضع يده عليه) أي: الوقف، وعلى ريعه.
(و) له (التقرير في وظائفِهِ، ذكرُوه في ناظرِ المسجد، فينصِبُ من يقوم بوظائفه: من إمامٍ، ومؤذِّن، وقَيِّم، وغيرهم، كما أن للناظر
(2)
الموقوفِ عليه نَصْبُ من يقوم بمصلحته) أي: الوقف (من جابٍ ونحوه) كحافظ.
(1)
(8/ 455).
(2)
في متن الإقناع (3/ 79): "لناظر".
قال الحارثيُّ: ومتى امتنع مِن نَصب مَن يجب نصبه، نصبه الحاكم، كما في عضل الولي في النكاح. انتهى. قلت: وكذا لو طلب جعلًا على النصب.
(وإن أجر الناظرُ) العينَ الموقوفة (بأنقص من أجرة المِثْل؛ صح) عقد الإجارة (وضمن) الناظر (النقصَ) عن أجرة المثل، إن كان المستحق غيره، وكان أكثر مما يُتغابن به في العادة، كالوكيل إذا باع بدون ثمن المِثْل، أو أجر بدون أجرة المِثْل، وفي وجه بعدم الصحة، قال الحارثي: وهو الأصح؛ لانتفاء الإذن فيه.
(ولا تنفسخ الإجارة) حيث صحت (لو طُلِب) الوقف (بزيادة) عن الأجرة الأولى، وإن لم يكن فيها ضرر؛ لأنها عقد لازم من الطرفين، وتقدم
(1)
.
(قال المنقِّح: لو غرس) الموقوف عليه (أو بنى) لنفسه (فيما هو وقف عليه وحده، فهو) أي: الغراس أو البناء (له) أي: الغارس أو الباني (محترَمٌ) لأنه وضعه بحق.
قلت: فلو مات وانتقل الوقف لغيره، فينبغي أن يكون كغرس وبناء مستأجر انقضت مدته.
(وإن كان) الغارس أو الباني (شريكًا) فيما غرس أو بنى فيه، بأن كان الوقف عليه وعلى غيره (أو) كان (له النظر فقط) دون الاستحقاق (فـ) ــغرسه أو بناؤه (غير محترم) فلباقي الشركاء أو المستحقين هدمه
(2)
(ويتوجه: إن أشْهَدَ) أي: فغرسه وبناؤه له، محترمًا أو غير محترم، على
(1)
(9/ 114).
(2)
في "ح" زيادة: "أو قلعه".
ما سبق تفصيله (وإلا) بأن لم يُشْهِد أنه له (فـ) ــغرسه وبناؤه (للوقف) تبعًا للأرض.
(ولو غرسه) الناظر، أو بناه (للوقف) أو من مال الوقف (فوقْفٌ، ويتوجه في غرس أجنبي) ومثله بناؤه، والمراد بالأجنبي غير الناظر والموقوف عليه (أنه للوقف بنيتِه. انتهى) والتوجيهان لصاحب "الفروع". قال الشيخ تقي الدين
(1)
: يد الواقف ثابتة على المتصل به، ما لم تأتِ حجة تدفع موجبها، كمعرفة كون الغارس غرسها له بحكم إجارة، أو إعارة، أو غصب. ويد المستأجر على المنفعة، فليس له دعوى البناء بلا حُجَّة. ويد أهل عَرْصَة
(2)
مشتركة ثابتة على ما فيها بحكم الاشتراك، إلا مع بينة باختصاصه ببناء ونحوه (ويأكل ناظر الوقف بمعروف نصًّا
(3)
، وظاهره: ولو لم يكن محتاجًا؛ قاله في "القواعد"
(4)
.
وقال الشيخ
(5)
: له أخذ أجرة عمله مع فقره. وتقدم في الحَجْرِ
(6)
. ويُشترط في الناظر المشروط إسلامٌ) إن كان الموقوف عليه مسلمًا، أو كانت الجهة كمسجد ونحوه؛ لقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
(7)
.
فإن كان الوقف على كافر مُعيَّن، جاز شَرْط النظر فيه لكافر، كما
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 257، ومجموع الفتاوى (31/ 77).
(2)
العَرْصة: كل بقعة بين الدور واسعة، ليس فيها بناء. النهاية (2/ 208)، والقاموس المحيط ص/ 803، مادة (عرص).
(3)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 252) رقم (19، 20).
(4)
ص/ 136، القاعدة الحادية والسبعون.
(5)
الاختيارات الفقهية ص/ 256، ومجموع الفتاوى (31/ 67).
(6)
(8/ 401).
(7)
سورة النساء، الآية:141.
لو وقف على أولاده الكفار، وشرط النظر لأحدهم، أو غيرهم من الكفار، فيصح، كما في وصية الكافر لكافر على كافر؛ أشار إليه ابن عبد الهادي وغيره.
(و) يُشترط - أيضًا - في الناظر المشروط (تكليفٌ) لأن غير المكلَّف لا ينظر في ملكه المطلق، ففي الوقف أولى.
(و) يُشترط - أيضًا - فيه (كفاية في التصرُّف، وخِبرةٌ به) أي: التصرُّف (وقوةٌ عليه) لأن مراعاة حفظ الوقف مطلوبة شرعًا، وإن لم يكن الناظر متصفًا بهذه الصفة، لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف.
و (لا) تُشترط فيه (الذكورية) لأن عمر أوصى بالنظر إلى حفصة رضي الله عنهما
(1)
.
(ولا) تُشترط - أيضًا - فيه (العدالة) ويُضم إلى الفاسق عدلٌ؛ ذكره ابن أبي موسى، والسامري، وغيرهما؛ لما فيه من العمل بالشرط وحفظ الوقف.
(ويضم إلى) ناظر (ضعيفٍ، قويٌّ أمين) ليحصل المقصود، سواء كان ناظرًا بشرط، أو موقوفًا عليه.
(فإن كان النظر لغير الموقوف عليه) بأن وقف على الفقراء، أو وَلَّى الحاكم ناظرًا من غيرهم (أو) كان النظر (لبعضهم) أي: الموقوف عليهم (وكانت ولايته من حاكم) بأن كان الوقف على الفقراء ووَلَّى الحاكم منهم ناظرًا عليه (أو) من (ناظر) أصلي (فلا بُدَّ مِن شرط العدالة فيه) لأنها ولاية على مال، فاشتُرط لها العدالة، كالولاية على مال اليتيم.
(فإن لم يكن) الأجنبي المولَّى من حاكم، أو ناظر أصلي (عدلًا،
(1)
أخرجه الدارقطني (4/ 189، 192).
لم تصح ولايته) لفوات شرطها وهو العدالة (وأُزيلت يده) عن الوقف؛ حفظًا له.
(فإن) تولَّى الأجنبيُّ وهو عدل، ثم (فَسَقَ) أُزيلت يده.
(أو أجر) صوابه "أصَرَّ"
(1)
، كما هي عبارة الشيخ تقي الدين
(2)
(متصرِّفًا بخلاف الشرط الصحيح، عالمًا بتحريمه، فُسِّق وأُزيلت يده) لأن ما مَنَعَ التوليةَ ابتداءً مَنَعها دوامًا.
(فإن عاد إلى أهليته، عاد حَقُّه) من النظر المشروط له (كما لو صَرَّح) الواقف (به) أي: بأنه إذا عاد إلى أهليته، عاد حَقُّه (وكالموصوف) بأن قال: النظر للأرشد ونحوه، فإذا زال هذا الوصف عنه، أُزيلت يده، فإن عاد عاد حَقُّه (قاله الشيخ
(3)
) وهذا في الناظر المشروط مرجوح، الذي جزم به في "المنتهى" وغيره أنه إذا فَسَق يُضم إليه أمين جمعًا بين الحقين، ولا تُزال يده إلا ألا يمكن حفظ الوقف منه، فَتُزَال ولايته؛ لأن مراعاة حفظ الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه.
(قال) الشيخ
(4)
: (ومتى فَرَّط) الناظر (سقط مما له) أي: من المعلوم (بقدر ما فَوَّته) على الوقف (من الواجب) عليه من العمل، فيوزَّع ما قدِّر له على ما عمل وعلى ما لم يعمله، ويسقط قسط ما لم يعمله.
(1)
"أصر" بالصاد المهملة، كذا في الأصل، و"ذ"، والفروع (4/ 594)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (16/ 450)، شرح المنتهى (4/ 328). ووقع في الاختيارات ص/ 251:"أضر" بالضاد المعجمة.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 251، وانظر التعليق السابق.
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 251 - 252.
(4)
الفروع (4/ 595)، وانظر: مختصر الفتاوى ص/ 401.
ويؤيده: ما ذكره بقوله: (وفي "الأحكام السلطانية"
(1)
في العامل يستحق ما) جعل (له، إن كان) الجعل (معلومًا، فإن قصَّر) العامل (فترك بعض العمل، لم يستحق ما قابله) أي: ما قابل بعض العمل المتروك (وإن كان) العمل قد وُجِدَ لكن (بجناية) أي: مع جناية (منه) أي: العامل (استحقه) أي: الجعل؛ لوجود العمل (ولا يستحق الزيادة) على الجعل وإن كان عمله يساوي أكثر مما جعل له؛ لأن الجاعل لم يلتزمها.
(وإن كان) الجعل (مجهولًا) ولم يكن من مال كفار (فـ) ــالجعالة فاسدة، وللعامل (أُجرة مِثله) كما تقدم في الجعالة
(2)
.
(فإن كان) أي: الجعل (مقدَّرًا في الديوان، وعمل به) أي: بذلك المقدَّر (جماعة) من العمال (فهو أُجرة المِثْل) يستحقه ذلك العامل الذي لم يُسَمَّ له شيء؛ لأن الظاهر موافقته للواقع.
(وإن شرط) الواقف (لناظرٍ أجرة) أي: عوضًا معلومًا، فإن كان المشروط بقَدْرِ أُجرة المِثْل، اختص به، وكان مما يحتاج إليه الوقف من أُمناء وغيرهم من غلَّة الوقف، وإن كان المشروط أكثر (فكُلْفته) أي: كُلْفة ما يحتاج إليه الوقف مغ نحو أُمناء وعُمَّال (عليه) أي: على الناظر، يصرفها من الزيادة (حتى يبقى) له (أُجرة مِثله) إلا أن يكون الواقف شَرَطه له خالصًا، وهذا المذكور في الناظر نقله الحارثي عن الأصحاب، وقال: ولا شَكَّ أن التقدير بقَدْرٍ معيَّن صريح في اختصاص الناظر به، فتوقُّف الاختصاص على ما قالوا لا معنى له، إلى أن قال: وصريح المحاباة لا
(1)
لأبي يعلى ص/ 248، وفيه:
…
وإن كان لخيانة منه مع استيفاء العمل، استكمل جاريه، وارتجع ما خان فيه.
(2)
(9/ 478، 483 - 484).
يقدح في الاختصاص به إجماعًا.
(وإن لم يسمِّ) أي: الواقف (له) أي: الناظر (شيئًا، فقياس المذهب: إن كان مشهورًا بأخذ الجاري) أي: أجر المِثل (على عمله) أي: مُعَدًّا لأخذ العوض على عمله (فله جاري) أي: أجرة مثل (عمله، وإلا) بأن لم يكن معدًّا لأخذ العوض على عمله (فلا شيء له) لأنه متبرِّع بعمله، وهذا في عامل الناظر واضح، وأما الناظر فقد تقدم
(1)
: إذا لم يُسمَّ له شيء؛ يأكل بالمعروف، إلا أن يكون هذا من تتمة كلام القاضي في "الأحكام السلطانية"
(2)
فيكون مقابلًا لما تقدم.
(وله) أي: الناظر (الأجرة من وقت نظره فيه) أي: الوقف؛ لأنها في مقابلته، فلا يستحق إلا بقدره (وإن كانت ولايته) أي: الناظر (من واقف، وهو) أي: الناظر (فاسق) حال الولاية (أو عَدْلٌ فَفَسَقَ، صح) كونه ناظرًا (وضُم إليه أمينٌ) سواء كان أجنبيًّا، أو بعضَ الموقوف عليهم، جمعًا بين الحَقّين كما قدمته.
(وإن كان النظر للموقوف عليه، إما بجَعل الواقف النظر له) بأن قال: وقفته على زيد ونظره له (أو لكونه أحقَّ به؛ لعَدَم ناظر) شَرَطه الواقف (فهو) أي: الموقوف عليه (أحقُّ به
(3)
بذلك) أي: بالنظر (إذا كان مكلَّفًا رشيدًا، رجلًا كان) الموقوف عليه (أو امرأة، عدلًا أو فاسقًا؛ لأنه) يملك الوقف، فهو (ينظر لنفسه) ومقتضاه: ولو كافرًا، كما مال إليه في "شرح المنتهى".
(1)
(10/ 61).
(2)
هو من تتمة كلام القاضي في الأحكام السلطانية ص/ 249.
(3)
"به" ليست في "ذ"، ولا في متن الإقناع (3/ 81)، ولا وجه لها.
(وإن كان الوقف لجماعة) محصورين (رشيدِين، فالنظر للجميع، لكلِّ انسان) منهم ينظر
(1)
(في حصته) في الطِّلْقِ
(2)
.
وقال الحارثي: إن الواحد منهم في حال الشرط لا يستقلُّ بحصته؛ لأن النظر مسند إلى الجميع، فوجب الشركة في مطلق النظر، فما من نظر إلا وهو مشترك.
(فإن كان الموقوف عليه صغيرًا، أو سفيهًا، أو مجنونًا) ولم يشترط النظر لغيره (قام وليه في النظر مقامه) لأنه يملكه، فهر (كملكه الطِّلقِ.
ولو شرط الواقف النظر لغيره) من موقوف عليه أو أجنبي (ثم عزله، لم يصح عزله) كإخراج بعض الموقوف عليهم (إلا أن يشترطه) - أي: عزلَ الناظر - الواقفُ (لنفسه) فإن اشترطه مَلَكه بالشرط.
(فإن شرط) الواقف (النظر لنفسه، ثم جعله) أي: النظر (لغيره، أو أسنده، أو فوَّضه) أي: النظر (إليه) بأن قال: جعلتُ النظر أو: فوَّضته، أو: أسندته إلى زيد (فله) أي: الواقف (عَزْله) أي: المجعول، أو المفوض، أو المسند إليه؛ لأنه نائبه، أشبه الوكيل.
(ولناظر بالأصالة - وهو الموقوف عليه) المعيَّن (والحاكم) فيما وُقِف على غيرِ معيَّن، ولم يعيّن الواقف غيره - (نَصْب ناظر، وعزله) قال ابن نصر الله: أي: نصب وكيل عنه وعزله. انتهى؛ لأصالة ولايته، أشبه المتصرف في مال نفسه.
(وأما الناظر المشروط، فليس له نصب ناظر، ولا الوصية بالنظر) لأن نظره مستفاد بالشرط، ولم يشرط له شيء من ذلك (ما لم يكن
(1)
في "ذ": "نظر" وهو الصواب.
(2)
"في الطِّلْق" كذا في الأصل، وفي "ذ":"كالطِّلْق" وهو الصواب.
مشروطًا له) أن ينصِب من شاء أو يوصي، لكن لو كان الموقوف عليه هو المشروط له، فالأشبه أن له النصب؛ لأصالة ولايته، إذ الشرط كالمؤكِّد لمقتضى الوقف عليه.
(ولو أسند) الواقف (النظرَ إلى اثنين) من الموقوف عليهم، أو غيرهم (فأكثر، أو جعله) أي: النظرَ (الحاكمُ أو الناظرُ) الأصلي (إليهما) أي: إلى اثنين فأكثر (لم يصح تصرُّف أحدهما مستقلًّا) عن الآخر (بلا شرط) لأن الواقف لم يرضَ بواحد، وإن لم يوجد إلا واحد، أو أبى أحدُهما، أو مات، أقام الحاكم مقامه آخر (وإن شرطه) أي: النظر (لكلٍّ منهما، صح) تصرُّف أحدهما منفردًا، وإذا مات أحدُهما، أو أبى، لم يحتَجْ إلى إقامة آخر (واستقل) الموجود منهما (به) أي: بالنظر؛ لأن البدل مستغنىً عنه، واللفظ لا يدلُّ عليه.
(ولو تنازع ناظران في نَصْبِ إمام، نصب أحدُهما) أي: الناظرين (زيدًا، و) نصب (الآخرُ عَمْرًا، إن لم يستقلا) أي: إن لم يُشْرَط لكلٍّ منهما الاستقلال بالتصرُّف (لم تنعقد) ولاية (الإمامة) لأحدهما؛ لانتفاء شرطها.
(وإن استقلا وتعاقبا) بأن سبق نصب أحدهما الآخر (انعقدت للأسبق) منهما دون الثاني؛ لأن ولايته لم تُصادف محلًا.
(وإن اتَّحدا واستوى المنصوبان) بألا يكون لأحدهما مرجِّح (قُدِّم أحدُهما بقُرعة) لعدم المرجِّح.
(ولا نظر لحاكم مع ناظرٍ خاص) قال في "الفروع": ويتوجَّه: مع حضوره، فيقرِّرُ حاكم في وظيفة خَلَتْ في غيبته؛ لما فيه من القيام بلفظ الواقف في المباشرة ودوام نفعه. انتهى.
وعلى هذا: لو وَلَّى الناظرُ الغائبُ إنسانًا، ووَلَّى الحاكمُ آخر، قُدِّم الأسبق تولية منهما.
(لكن للحاكم النظر العام، فيعترض عليه) أي: على الناظر الخاص (إن فعل) الخاص (ما لا يسوغ) له فعله؛ لعموم ولايته.
(وله) أي: الحاكم (ضَمُّ أمين إليه) أي: إلى الخاص (مع تفريطه أو تُهمته، ليحصُل المقصود) من حفظ الوقف، والظاهر أن الأول يرجع إلى رأي الثاني ولا يتصرف إلا بإذنه؛ ليحصُل الغرض من نصبه، وكذا إذا ضُم إلى ضعيف قويٌّ معاون له، فلا تُزال يد الأول عن المال ولا نظره، والأول هو الناظر دون الثاني، هذا قياس ما ذكره في الموصى له.
(وإن شرط الواقف ناظرًا، ومدرِّسًا، ومُعيدًا
(1)
، وإمامًا، لم يجز أن يقوم شخص بالوظائف كلها، وتنحصرَ فيه) وإن جمع بين بعض لا يتعذَّر قيامه به لم يمتنع.
(وقال الشيخ
(2)
: إن أمكن أن يجمع) الناظر (بين الوظائف لواحد فعل) الناظر ذلك.
(وما بناه أهل الشوارع والقبائل من المساجد، فالإمامة) فيه (لمن رضوا به، لا اعتراض للسلطان عليه) في أئمة مساجدهم (وليس لهم بعد الرضا به عزله) لأن رضاهم به كالولاية له، فلم يجز صَرْفه (ما لم يتغير حاله) بنحو فِسق، أو ما يمنع الإمامة.
(وليس له أن يستنيب إن غاب) قاله في "الأحكام
(1)
المُعيد: منصب تعليمي يلي رُتبة المدرِّس، وأصل موضوعه: أنه إذا ألقى المدرِّسُ الدرسَ وانصرف أعاد المعيدُ للطلبة ما ألقاه المدرِّس إليهم ليفهموه ويُحسِنُوه. صبح الأعشى في صناعة الإنشا (5/ 436).
(2)
مجموع الفتاوى (31/ 71)، ومختصر الفتاوى ص/ 391.
السلطانية"
(1)
؛ لأن تقديم الجيران له ليس ولاية، وإنما قُدِّم لرضاهم به، ولا يلزم من رضاهم به الرضا بنائبه، كما في الوصي بالصلاة على ميت، بخلاف مَنْ وَلَّاه الناظر أو الحاكم؛ لأن الحق صار له بالولاية، فجاز أن يستنيب.
(قال الحارثي): فيجعل نصب الإمام في هذا النوع لأهل المسجد، أي: جيرانه والملازمين له (والأصح: أن للإمام النصب أيضًا) لأنه من الأمور العامة (لكن لا ينصب إلا برضا الجيران) عبارته: لا ينصب إلا من يرضاه الجيران (وكذلك الناظر الخاص لا ينصب من لا يرضاه الجيران) لما في كتاب
(2)
أبي داود وابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:"ثلاثةٌ لا يقبلُ الله منهم صلاةً: مَن تقدَّم قومًا وهم لهُ كارهُون. . ."
(3)
وذكر بقية الخبر.
(وقال أيضًا) الحارثي ما معناه: ظاهر المذهب (ليس لأهل المسجد مع وجود إمام أو نائبه، نَصْب ناظر في مصالحه) أي: المسجد (ووقفِه) أي: الموقوف عليه، كما في غير المسجد.
(فإن لم يوجد) القاضي (كالقُرى الصغار، والأماكن النائية) أي: البعيدة (أو وُجِد) القاضي (وكان غير مأمون، أو) وُجِد القاضي وهو مأمون، لكنه (ينصب غير مأمون، فلهم) أي: أهله (النصب؛ تحصيلًا للغرض، ودفعًا للمفسدة.
وكذا ما عداه) أي: المسجد (من الأوقاف، لأهله نصب ناظر فيه
(1)
ص/ 98.
(2)
في "ذ": "كتابي".
(3)
تقدم تخريجه (3/ 214) تعليق رقم (3).
لذلك
(1)
) أي: لعدم وجود القاضي المأمون ناصبًا لمأمون.
(وإن تعذَّر النصب من جهة هؤلاء، فلرئيس القرية، أو) رئيس (المكأن، النظر والتصرُّف) لأنه محل حاجة، وقد نص أحمد على مثله
(2)
. انتهى كلامه.
(وإن نُزِّل مستحق تنزيلًا شرعيًّا، لم يجز صَرْفه منه) أي: مما نزل فيه (بلا مُوجِب شرعي) من نحو فسق ينافيه، أو تعطيل عمل مشروط (وتقدم
(3)
قريبًا.
ومن لم يقم بوظيفته، غيَّره مَن له الولاية لمن يقوم بها) تحصيلًا لغرض الواقف (إذا لم يثبت
(4)
الأول، ويلتزم الواجب) قبل صَرْفه. قال في "النكت": ولو عُزل من وظيفة للفسق، ثم تاب، لم يعد إليها؛ قاله في "المبدع".
(ولا يجوز أن يؤم في المساجد السلطانية - وهي) المساجد (الكبار) أي: الجوامع، وما كثر أهله - (إلا من وَلَّاه السلطان أو نائبه؛ لئلا يُفتات عليه فيما وُكِّل إليه) وإن ندب له إمامين، وخَصَّ كلًّا منهما ببعض الصلوات الخمس جاز، كما في تخصيص أحدهما بصلاة النهار، والآخر بصلاة الليل، فإن لم يخصص، فهما سواء، وأيهما سبق كان أحقَّ، ولم يكن للآخر أن يؤم في تلك الصلاة بقوم آخرين، واختلف في السبق فقيل: بالحضور في المسجد، وقيل: بالإمامة.
(1)
في "ذ": "كذلك".
(2)
الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (16/ 449)، وانظر: الأحكام السلطانية ص/ 99.
(3)
(10/ 49).
(4)
"يثبت" كذا في الأصل، وفي "ذ" ومتن الإقناع (3/ 83):"يتب".
وإن حضرا معًا وتنازعا احتمل القُرعة، واحتمل الرجوع إلى اختيار أهل المسجد؛ قاله في "الأحكام السلطانية"
(1)
. وعَمَلُ الناس على خلافه.
(قال القاضي: وإن غاب مَن ولَّاه) السلطان، أو نائبه (فنائبه أحقُّ) لقيامه مقامه (ثم) إن لم يكن له نائب (من رضيه أهل المسجد؛ لتعذُّر إذنه.
وإن عَلَّق الواقف الاستحقاق بصفة، استَحَقَّ من اتَّصف بها، فإن زالت عنه
(2)
، زال استحقاقه) وإن عادت، عاد استحقاقه.
(فلو وقف) شيئًا (على المشتغلين بالعلم، استحق من اشتغل به، فإن ترك الاشتغال، زال استحقاقه، فإن عاد) إلى الاشتغال (عاد استحقاقه) لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
قال الحارثي: (وإن شرط الواقف في الصرف نَصْب الناظر للمستحق، كالمدرِّس والمُعيد والمتفقهة) أي: الطلبة (بالمدرسة مثلًا، فلا إشكال في توقف الاستحقاق على نصب الناظر له) أي: المدرس ونحوه؛ عملًا بالشرط.
(وإن لم يشترط) الواقف نَصْبَ الناظر للمستحق (بل قال: ويصرف الناظر إلى مدرس، أو مُعيد، أو مُتفقِّهة بالمدرسة؛ لم يتوقَّف الاستحقاق على نصب) الناظر ولا الإمام (بل لو انتصب مدرس، أو مُعيد بالمدرسة، وأذعن له الطلبة بالاستفادة، وتأهَّل لذلك، استحق، ولم تجز منازعته؛ لوجود الوصف المشروط) أي: التدريس والإعادة.
(1)
(ص/ 95 - 96).
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 83): "منه".
(وكذا لو أقام طالب بالمدرسة متفقّهًا، ولو لم ينصبه ناصب) استحق؛ لوجود التفقه.
(وكذا لو شرط الصرف المطلق إلى إمام مسجد، أو مؤذّنه، أو قيِّمه، فأمَّ إمامٌ، ورضيه الجيران) أو أذَّن فيه مؤذِّن (أو قام بخدمة المسجد قائم، ونحو ذلك) كان مستحقًّا؛ لوجود الشرط. انتهى.
(قال الشيخ
(1)
: ولو وقف على مدرس وفقهاء، فللناظر، ثم الحاكم، تقدير أعطيتهم، فلو زاد النماء، فهو لهم، وليس تقدير الناظر أمرًا حتمًا كتقدير الحاكم، بحيث لا يجوز له أو لغيره زيادته ونقصه لمصلحة) وقريب منه تغيير أجرة المِثْل ونفقته وكسوته؛ لأنه يختلف باختلاف الأزمان والأحوال، وليس من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، بل عمل بالاجتهاد الثاني؛ لتغير السبب.
(وإن قيل: أن المدرس لا يُزاد ولا يُنْقَص بزيادة النماء ونقصه للمصلحة، كان باطلًا؛ لأنه لهم، فالحكم بتقديم مدرِّس أو غيره باطل، لم نعلم أحدًا يُعتَدُّ به قال به ولا بما يُشبهه، ولو نفذه حاكم، وإنما قُدِّم القَيِّم ونحوه؛ لأن ما يأخذه أجرة) عمله (ولهذا يحرم أخذه فوق أجرة مثله بلا شرط.
قال في "الفروع": وجَعَل) أي: الشيخ تقي الدين
(2)
(الإمام والمؤذّن كالقيم، بخلاف المدرس والمُعيد والفقهاء) أي: المتفقِّهة (فإنهم من جنس واحد.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 252.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 252، وافظر: مجموع الفتاوى (31/ 22).
وقال الشيخ أيضًا
(1)
: لو عُطِّل مَغَلُّ مسجدٍ سنةً تقسَّطت الأجرة المستَقْبَلة عليها) أي: على السنة التي تعطل مغلها (وعلى السنة الأخرى) التي لم يتعطل مغلها (لتقوم الوظيفة فيهما) أي: السنتين (فإنه خير من التعطيل، ولا يُنْقَص الإمام بسبب تعطيل الزرع بعض العام. قال في "الفروع": فقد أدخل) أي: الشيخ تقي الدين (مَغَلَّ سنة في سنة، وأفتى غيرُ واحد منا) أي: الحنابلة (في زمننا فيما نقص عمَّا قَدَّره الواقف كلَّ شهر، أنه يتمَّم مما بعد، وحكم به بعضُهم بعد سنين، ورأيت غيرَ واحد لا يراه. انتهى.
ومن شُرطَ) بالبناء للمفعول (لغيره النظرُ إن مات) بأن قال الواقف: النظر لزيد، فإن مات فلعَمرو مثلًا (فَعَزَل) زيد (نفسه، أو فسق) وقلنا: ينعزل (فكموته؛ لأن تخصيصه) أي: الموت (للغالب) أي: خرج مخرج الغالب، فلا يُعتد بمفهومه.
وإن أسقط حقه من النظر، لغيره، فليس له ذلك؛ لأنه إدخال في الوقف لغير أهله، فلم يملكه، وحقه باق.
فإن أصرَّ على عدم التصرف، انتقل إلى من يليه، كما لو عزل نفسه، فإن لم يكن مَن يليه، أقام الحاكم مقامه، كما لو مات، هذا ما ظهر لي
(2)
، ولم أره مسطورًا، وقد عَمَّت البلوى بهذه المسألة.
(وإن شرط النظر للأفضل من أولاده) أو أولاد زيد (فهو) أي: النظر
(1)
الاختيارات الفقهية: ص/ 253، وفي المطبوع:"ولو عطل وقف مسجد سنة. . ." بدل: "لو عطل مغل مسجد سنة. . .".
(2)
في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 461) ما نصه: "وارتضى هذا شيخنا [عبد الباقي بن عبد الباقي البعلي] وقال: هو قياس المذهب. ا. هـ. من خط ابن العماد".
(له) أي: للأفضل منهم؛ عملًا بالشرط.
(فإن أبى) الأفضلُ (القَبولَ، انتقل) النظر (إلى من يليه) كأنه لم يكن.
(فإن تعيَّن أحدُهم أفضلَ، ثم صار فيهم من هو أفضل، انتقل) النظر (إليه؛ لوجود الشرط فيه، فإن استوى اثنان) في الفضل (اشتركا) في النظر.
(وللإمام النصب) أي: نصب ناظر، ولعل المراد: حيث لا شرط (لأنه من المصالح العامة.
قال الشيخ
(1)
: إن أطلق) الواقف شرط (النظر لحاكم) بأن لم يقيده بحنبلي ولا غيره (شَمِل) لفظ الحاكم (أيَّ حاكم، سواء كان مذهبه مذهب حاكم البلد زمن الواقف أو لا، وإلا) أي: وإن لم نقل بذلك (لم يكن له نظر إذا انفرد، وهو باطل اتفاقًا. انتهى) واقتصر عليه في "الفروع" وجزم به في "المنتهى".
(فإن تعدد الحُكَّام كان للسلطان أن يولِّيه) أي: النظر (مَن شاء مِن المتأهِّلين) لذلك؛ أفتى به الشيخ نصر الله الحنبلي، والشيخ برهان الدين ولد صاحب "الفروع"، ووافقهما السراج البُلْقيني
(2)
، والشهاب الباعُوني
(3)
،
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 252، ومجموع الفتاوي (31/ 73).
(2)
هو: سراج الدين، أبو حفص، عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني البلقيني القاهري الشافعي، تفقه علي التقي السبكي وابن عدلان والعز بن جماعة وغيرهم، كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي مع معرفة تامة بالتفسير والحديث والعربية، توفي سنة (805 هـ) رحمه الله تعالى. الضوء اللامع (6/ 88 - 89).
(3)
هو: برهان الدين، أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد بن ناصر الباعوني الناصري الدمشقي الصالحي، القاضي، لازم شيخ الإسلام البلقيني سنة، وأخذ الفقه عن =
وابن الهائِم
(1)
، والتَّفِهْني الحنفي
(2)
، والبِسَاطي المالكي
(3)
.
(ولو فوَّضه) أي: النظر (حاكمٌ) لإنسان (لم يجز لـ) ـــحاكم (آخر نقضه) قال في "شرح المنتهى": ولعل وجهه أن الأصحاب قاسوا التفويض على حكم الحاكم قبله. انتهى.
وقد تقدم
(4)
أن الحاكم له نصب ناظر وعزله، إلا أن يحمل ما هنا على ما إذا تعدَّدت الحُكَّام، وما تقدَّم على ما إذا لم يكن إلا حاكم واحد، بقرينة السياق، أو يقال: النصبُ بمعنى التوكيل، والتفويضُ إسناده إليه على وجه يستقل به. ولو وَلَّى كلٌّ من حاكمين النظر شخصًا وتنازعا، قدَّم ولي الأمر أحقهما.
(وتعيَّن مصرِف الوقف) أي: يتعين صرف الوقف إلى الجهة التي
= الشرف الغزي والأبياري والدميري، له مختصر صحاح الجوهري، توفي سنة (870 هـ) رحمه الله تعالى. القلائد الجوهرية (1/ 276 - 277)، والضوء اللامع (1/ 26).
(1)
هو: محب الدين، أبو الفتح، محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري المقدسي، ابن الهائم، الشافعي، اشتغل في الفقه والعربية والقراءات والحديث وغيرها، توفي سنة (798 هـ) رحمه الله تعالى. إنباء الغمر (3/ 308)، وشذرات الذهب (8/ 605).
(2)
هو: زين الدين، عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن التَّفِهني القاضي، مهر في الفقه والعربية وتجويد الخط والفضاء، توفي سنة (835 هـ) رحمه الله تعالى. إنباء الغمر (8/ 266 - 268)، وبغية الوعاة (2/ 84).
(3)
هو: شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن عثمان البساطي النحوي، برع في الفقه والعربية، له: المغني في الفقه، وشفاء الغليل في مختصر الشيخ خليل وغيرها، توفي سنة (842 هـ) رحمه الله تعالى. بغية الوعاة (1/ 32 - 33)، وشذرات الذهب (9/ 356 - 357).
(4)
(10/ 66).
عينها الواقف كما تقدم
(1)
(فلا يصرف) الوقف (في غيره) أي: غير ما شرطه الواقف، وإلا؛ لم يكن لتعيينه فائدة.
(وإن شرط الواقف ألا يؤجر وقفه، صح) الشرط (واتُّبع شرطه) وتقدم
(2)
(وكذا لو شرط ألا يُزاد في عقد الإجارة على مدةٍ قدَّرها) فيتبع شرطه، وتقدم
(2)
، إلا لضرورة فيجوز بقدرها.
(ولا اعتراض لأهل الوقف على مَنْ ولَّاه الواقف أمْرَ الوقف، إذا كان) المُولَّى (أمينًا.
ولهم) أي: أهل الوقف (مساءلته) أي: الناظر (عما يحتاجون إلى علمه من أمور وقفهم، حتى يستوي علمهم فيه وعلمه) وهو ظاهر.
(ولهم) أي: أهل الوقف (مطالبته بانتساخ كتاب الوقف؛ لتكون نسخة في أيديهم وثيقة) لهم.
(وله) أي: الناظر (انتساخه) أي: كتاب الوقف (والسؤال عن حاله، وأجرة تسجيل كتاب الوقف من) مال (الوقف) كما هو العادة.
(ولولي الأمر أن ينصب ديوانًا مستوفيًا لحساب أموال الأوقاف عند المصلحة، كما له) أي: ولي الأمر (أن ينصب دواوين لحساب الأموال السلطانية، كالفيء وغيره) مما يؤول إلى بيت المال من تَرِكَات ونحوها.
(وله) أي: ولي الأمر (أن يفرض له) أي: للمستوفي على حساب أموال الأوقاف أو غيرها (على عمله ما يستحقه مثله من كل مال يعمل) فيه (بمقدار ذلك المال) الذي يعمل فيه.
(وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل، استحق ما فرض له) وإن
(1)
(10/ 55).
(2)
(10/ 43).
لم يقم به لم يستحقه، ولم يجز له أخذه، ولا يعمل بالدفتر الممضى منه، المعروف في زمننا بالمحاسبات، في منع مستحق ونحوه، إذا كان بمجرد إملاء الناظر والكاتب على ما اعتيد في هذه الأزمنة، وقد أفتى به غيرُ واحد في عصرنا.
(ولو وقف) إنسان (داره على مسجد، وعلى إمام يصلي فيه، كان للإمام نصف الرَّيْع) وللمسجد نصفه (كما لو وقفها على زيد وعمرو) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية.
(ولو وقفها) أي: الدار (على مساجد القرية، وعلى إمام يصلِّي في واحد منها كان الريع بينه) أي: الإمام (وبين كل المساجد نصفين) قاله في "نوادر المذهب"، واقتصر عليه الحارثي.
فصل
(وإن وَقَف على ولده) ثم على المساكين (أو) وقف على (أولاده) ثم على المساكين (أو) وقف على (ولد غيره) أو على أولاد غيره (ثم على المساكين فهو
(1)
) أي: الوقف (لولده، الذكور والإناث والخناثى) لأن الولد يقع على الواحد والجمع، والذكر والأنثى، كما قاله أهل اللغة
(2)
، ويكون (بينهم بالسَّويَّة) لأنه جعله لهم، وإطلاق التشريك يقتضي التسوية، كما لو أقرَّ لهم بشيء، ولا يدخل فيهم المنفي بلِعان. ثم لا فرق بين صفة
(3)
الولد والأولاد في استقلال الموجود منهم بالوقف،
(1)
في "ح": "كان" بدل "فهو".
(2)
لسان العرب (3/ 467)، والمصباح المنير (2/ 925) مادة (ولد).
(3)
في "ذ": "صيغة" وهو الصواب.
واحدًا كان أو اثنين، أو أكثر؛ لأن علم الواقف بوجود ما دون الجمع دليل إرادته من الصيغة.
(وإن حَدَث للواقف وَلدٌ بعد وقفه، استحقَّ) الحادثُ (كالموجودين) حال الوقف؛ تبعًا لهم (اختاره ابن أبي موسى، وأفتى به ابن الزاغوني، وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل، وجزم به في "المُبهج") و"المستوعب"(خلافًا لما في "التنقيح") وتبعه في "المنتهى" حيث قال: دخل الموجودون فقط.
(ويدخل) - أيضًا - في الوقف على ولده، أو أولاده، أو ولد غيره، أو أولاده (وَلَدُ بنيه) مطلقًا (وُجِدُوا) أي: ولد البنين (حالةَ الوقف، أو لا) وإن سَفَلوا؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
(1)
فدخل فيه ولد البنين وإن سَفَلوا، وكذلك كل موضع ذكر الله فيه الولدَ دخل فيه ولد البنين، فالمطلق من كلام الآدمي، إذا خلا عن قرينة، ينبغي أن يُحمل على المطلق من كلام الله تعالى، ويُفسَّر بما يُفسَّر به؛ ولأن ولد ولده ولد له؛ بدليل قوله تعالى:{يَابَنِي آدَمَ}
(2)
{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ}
(3)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ارْمُوا بني إسماعيلَ، فإِنَّ أباكُمْ كان راميًا"
(4)
وقوله: "نحن بَنُو النَّضرِ بنِ كنانةَ"
(5)
والقبائل كلها تنتسب إلى جدودها.
(ولا يَدخلُ ولدُ البناتِ) في ولده، ولا في أولاده إذا وقف عليهم
(1)
سورة النساء، الآية:11.
(2)
سورة الأعراف، الآية:31.
(3)
سورة البقرة، الآية:40.
(4)
أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 78، حديث 2899، وفي أحاديث الأنبياء، باب 12، حديث 3373، وفي المناقب، باب 4، حديث 3507.
(5)
تقدم تخريجه (7/ 187) تعليق رقم (2).
(كوصية) أي: كما لو وَصَّى لولد زيد، أو أولاده، فيدخل فيها أولاد بنيه؛ لما تقدم، دون أولاد بناته، وأولاد بنات بنيه، وبنات بني بنيه، فليس لهم شيء في الوقف ولا في الوصية؛ لأنهم من رجل آخر، ولعدم دخولهم في قوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}
(1)
، وكذا كلُّ ولدٍ ذُكر في القرآن في الإرث، أو الحَجْب، لا مدخل لهم فيه؛ ولأن أولاد البنات ينتسبون إلى آبائهم، على ما قال الشاعر
(2)
:
بَنُونَا بَنُو أبنائِنَا، وبَنَاتُنا
…
بَنُوهُنَّ أبناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ
(ويستحقُّونه) أي: يستحق أولاد البنين الوقف (مرتَّبًا) بعد آبائهم (كقوله): وقفتُه على أولادي (بطنًا بعد بطن) أو الأقرب فالأقرب، أو الأول فالأول، ونحوه، ما لم يكونوا قبيلة، أو يأتي بما يقتضي التشريك، كـ: على أولادي وأولادهم، فلا ترتيب؛ ذكره في "شرح المنتهى".
(وإن قال: وقفتُ على ولدي، وولدِ ولدي، ما تناسلوا وتعاقبوا، الأعلى فالأعلى، أو الأقرب فالأقرب، أو الأول فالأول، أو البطن الأول ثم البطن الثاني، أو على أولاي، ثم على أولادِ أولادي، أو على
(1)
سورة النساء، الآية:11.
(2)
قال عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب (1/ 445): "وهذا البيت لا يُعرف قائلُه مع شُهرته في كتب النُّحاة وغيرهم
…
وهذا البيت استشهد به النُّحاة على جواز تقديم الخبر، والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث، وأن الانتساب إلى الآباء، والفقهاء كذلك في الوصية، وأهل المعاني والبيان في التشبيه، ولم أرَ أحدًا منهم عزاه إلى قائله. ورأيت في شرح الكرماني في شرح شواهد الكافية للخبيصي أنه قال: هذا البيت قائلة أبو فراس همام الفرزدق بن غالب، ثم ترجمه. والله أعلم بحقيقة الحال". قلنا: وقد أورد الأستاذ عبد الله الصاوي هذا البيت في شرحه لديوان الفرزدق ص/ 217 ونبَّه أنه أخذه من كتب النحاة، وانظر: مغني اللبيب (5/ 364).
أولادي، فإذا انقرضوا فعلى أولادِ أولادي، فترتيبُ جملةٍ على) جُملةٍ (مثلِها، لا يستحقُّ البطنُ الثاني شيئًا قبل انقراضِ) البطن (الأول) لأن الوقف ثبت بقوله، فيتبع فيه مقتضى كلامه.
(وكذا قوله: قَرْنًا بعد قَرْن؛ قاله في "التلخيص"، ولو قال بعد الترتيب على أولاده) بأن قال مثلًا: هذا وقف على أولادي، ثم أولادهم (ثم على أنسالهم وأعقابهم، استحقه أهلُ العُقْب مرتَّبًا) لقرينة الترتيب فيما قبله، و (لا) يستحقونه (مشتَرَكًا) مع الأنسال؛ نظرًا إلى عطفهم بالواو، لمخالفته لقرينة السياق. قال في "الاختيارات"
(1)
: الواو كما لا تقتضي الترتيب، لا تنفيه، لكن هي ساكتة عنه نفيًا وإثباتًا، ولكن تدل على التشريك وهو الجمع المطلق، فإن كان في الوقف ما يدل على الترتيب، مثل أن رتب أولًا، عُمِل به، ولم يكن ذلك منافيًا لمقتضى الواو.
(ولو رَتَّبَ) واقف (بين أولاده، وأولادهم بـ "ثم") فقال: هذا وقف على أولادي، ثم أولادهم (ثم قال: ومن تُوفِّي عن ولد فنصيبه لولده، استحق كل ولد بعد أبيه نصيبه) لأنه صريح في ترتيب الأفراد.
(ولو قال): وقفتُ (على أولادي، ثم على أولاد أولادي، على أنه من تُوفِّي منهم عن غير ولد، فنصيبه لأهل درجته، استحق كل ولد نصيب أبيه بعده، كـ) ــالمسألة (التي قبلها) بقرينة قوله: عن غير ولد، فهذا دالٌّ على إرادة ترتيب الأفراد.
وإن مات عن ولد، فنصيبه له (ومتى بقي واحد من البطن الأول، كان الجميع) من ريع الوقف (له) أي: لمن وجد من البطن الأعلى، حيث
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 261.
كان الوقف على ولده أو أولاده، أو ذكر ما يقتضي الترتيب.
(وكذا حكم وصية) في تناول الولد، أو الأولاد لأولاد البنين وإن نزلوا (إذا وُجِدُوا قبل موت الموصِي) فإذا وصَّى لولد فلان بكذا، ووُجِدَ له ولد ابن بعد الوصية وقبل موت الموصي، دخل في الوصية، وإن لم يوجد له ولد إلا بعد موت الموصي، بطلت الوصية؛ لعدم الموصَى له عند موت الموصي.
(فإن) وقف على ولده أو ولد غيره، و (كان ولده أو ولد غيره قبيلةً، ليس فيهم واحد
(1)
من صلبه) فلا ترتيب.
(أو قال): وقفتُ (على أولادي، أو) على (ولدي، وليس له إلا أولاد أولاد) فلا ترتيب.
(أو قال): وقفتُ على أولادي، أو ولدي (ويفضل الولد الأكبر، أو الأفضل، أو الأعلم على غيرهم) فلا ترتيب، وفيه نظر.
(أو قال): هذا وقفٌ على ولدي، أو أولادي (فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين) فلا ترتيب، وفيه نظر.
(أو قال): هذا وقفٌ (على وَلدِ ولدي، غير ولد البنات، أو غير ولد فلان) فلا ترتيب.
(أو قال): هذا وقفٌ على ولدي، أو أولادي (يفضل البطن الأعلى على الثاني، أو عكسه) أي: يفضل البطن الثاني على الأول، فلا ترتيب.
(أو) قال: (يفضل الأعلى فالأعلى، وأشباه ذلك) مما يدل على التعميم، فلا ترتيب؛ عملًا بالقرينة في ذلك كله.
(أو قال): هذا وقفٌ (على أولادي وأولادهم، فلا ترتيب) لأن
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 88): "أحد".
الواو لا تقتضيه (واستحقوا مع آبائهم) لما تقدم.
(وإن قال: على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا، على أنه من مات منهم عن ولدٍ، عاد ما كان جاريًا عليه على ولده، كان) قوله: "على أن من مات. . ." إلى آخره (دليلًا على الترتب بين كل والد وولده) لأنه لو اقتضى التشريك لاقتضى التسوية، ولو جعلنا لولد الولد سهمًا مثل سهم أبيه، ثم دفعنا إليه سهمًا صار له سهمان ولغيره سهم، وهذا يُنافي التسوية؛ ولأنه يُفضي إلى تفضيل وَلدِ الابن على الابن.
(فإذا مات) مِن أهل الوقف واحد أو أكثر (عن ولدٍ، انتقل إلى ولده سَهْمُه) أي: نصيبه الأصلي والعائد (سَواءٌ بقي من البَطْن الأوَّل أحد، أو لم يبقَ) منه أحد؛ لعموم قوله: مَن مات عن وَلدٍ فنصيبه لولده.
(وإن رتَّب) الواقف (بعضَهم) أي: بعض الموقوف عليهم (دون بعضٍ، فقال): وقفتُ (على أولادي، ثم على أولاد أولادي وأولادِهم ما تناسلوا وتعاقبوا. أو) قال: وقفتُ (على أولادي، وأولاد أولادي، ثم على أولادهم
(1)
ما تناسلوا. ففي المسألة الأولى يختص به الأولاد) لاقتضاء "ثم" الترتيب (فإذا انقرضوا) أي: الأولاد (صار مشتَرَكًا بين مَن بعدَهم) مِن أولادهم وأولاد أولادهم وإن نزلوا؛ لأن العطف فيهم بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب.
فإن قيل: قد رتب أولًا، فهلا حُمل عليه ما بعده؟
قلت: قد يكون غرض الواقف تخصيص أولاده؛ لقربهم منه.
(وفي) المسألة (الثانية) وهي: ما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا (يشترك البطنان
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 89) زيادة: "وأولاد أولادهم".
الأولان) للعطف بالواو (دون غيرهم) فلا يدخل معهم في الوقف، لعطفه بـ "ثم"(فإذا انقرضوا، اشترك فيه من بعدَهم) لما تقدم.
(وإذا قال): وقفتُ (على ولدي وولد ولدي، ثم على المساكين) وقلنا: إن الولد لا يتناول أولاد الابن (دخل البطن الأول والثاني، ولم يدخل) البطن (الثالث.
وإن قال): وقفتُ (على ولدي، وولدِ ولدِ ولدي، دخل ثلاثة بطون دون من بعدَهم) بناء على أن الولد لا يتناول أولاد الابن، وهو خلاف المذهب، وما ذكرته من أن المسألتين مفرَّعتان على خلاف المذهب، هو ما ذكره في "المغني"، وأقره عليه الحارثي وصاحب "الإنصاف" و"المنتهى" وغيرهم، لكن كلامه في "القواعد الفقهية"
(1)
يقتضي خلافه، فكان الأولى للمصنف التنبيه على ذلك، أو حذفهما كما حذف الرواية التي هي أصلهما.
(ولو كان له) أي: الواقف (ثلاثة بنين. فقال: وقفتُ على ولدِي) بكسر الدال (فلان وفلان، وعلى ولد ولدي، كان الوقف على المُسَمَّيَيْن وأولادهما، وأولاد الثالث التي لم يذكره؛ لدخوله في عموم "ولدي"، ولا شيء للثالث) جعلًا لتسميتهما بدلًا للبعض من الكُل، فاختصَّ الحكم به، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا}
(2)
ولأن خُلُوَّه عن أداة العطف دليل على إرادة التفسير والتبيين، بخلاف عطف الخاص على العام، فإنه يقتضي معنى التأكيد، فوجب حَمْل ما نحن فيه على التفسير والتبيين.
(1)
القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائة، ص/ 352 - 353.
(2)
سورة آل عمران، الآية:97.
(وكذا) لو قال: وقفتُ (على ولدي فلان وفلان) فلا يشمل المسكوت عنه من أولاده، عملًا بالبدل، و (يشمل وَلَدَ ولدِه) الذي لم يدخل كما في التي قبلها، ولا يختص بأولاد المسَمَّيَيْن، وهذا احتمال للموفَّق مستدلًا له بقول أحمد
(1)
: إن قوله: وقفتُ على ولدي، يتناول نسله وعقبه كلهم، لكن مقتضى ما قدَّمه عدم دخول أولاد أولاده؛ اعتبارًا بالبدل. وقد سُئلت عنها بالحرمين؛ وأفتيتُ فيها: بأن الوقف بعد ولديه يصرف مصرف المنقطع، ووافقني على ذلك من يوثق به.
(وإذا وقف على فلان، فإذا انقرض أولادُه، فعلى المساكين، كان) الوقف (من بعد موت فلان لأولاده) لدلالة قول الواقف، فإذا انقرض أولاده، فعلى المساكين، وإلا؛ لم يكن لتوقف استحقاق المساكين على انقراضهم فائدة (ثم من بعدهم للمساكين.
ولا يدخل وَلَدُ البنات) في الوقف على ولده، أو أولاده، أو ذريته ونحوه (إلا بصريح، كقوله): وقفت على ولدي وأولادهم (على أن لولد الإناث سهمًا، ولولد الذكور سهمين، ونحوه، أو بقرينة، كقوله: من مات منهم عن ولد، فنصيبه لولده. أو قال): وقفتُ (على ولدي فلان وفلان وفلانة، وأولادهم. أو قال: فإذا خَلَت الأرض ممن يُنسب إليَّ من قبل أب أو أم، فللمساكين. أو قال: على البطن الأول من أولادي، ثم على الثاني والثالث وأولادهم، والبطن الأول بنات، ونحو ذلك) مما يدلُّ على دخول أولاد البنات، فيدخلون بلا خلاف.
(فإنْ قَيَّد) الواقف بما يقتضي عدم دخول أولاد البنات (فقال):
(1)
انظر: كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 418 - 419، 425) رقم 143، 145، والمغني (8/ 195)، والقواعد الفقهية ص/ 353.
وقفتُ (على أولادي لصُلبي، أو) على (من يُنتسب إليَّ؛ لم يدخلوا) أي: ولد البنات، بلا خلاف؛ قاله الحارثي، وقد تقدَّم
(1)
أن الولد للصُّلب يُطلق على الولد الذي لا واسطة بينه وبينه، وعلى ولد البنين.
(وإن رتَّبَ بين أولاده وأولادِهم بـ "ثم"، ثم قال: ومن مات عن وَلَدٍ فنصيبه لولده، استحقَّ كلُّ ولدٍ بعد أبيه نصيب أبيه الأصلي والعائد، مثل أن يكون) الموقوف عليهم (ثلاثة إخوة، فيموت أحدهم عن وَلَدٍ) انتقل نصيبه إليه (ويموت الثاني عن غير ولَدٍ فنصيبُه لأخيه الثالث، فإذا مات) الأخ (الثالث عن وَلَدٍ، استحقَّ) الولد (جميع ما كان في يَدِ أبيه من) الثلث (الأصلي، و) الثلث (العائد إليه من أخيه) لعموم: فنصيبه لولده؛ لأنه مفرد مُضاف لمعرفة فيعمُّ. (وبالواو للاشتراك) لما تقدم
(2)
من أنها لا تقتضي الترتيب بلا قرينة.
(فإذا زاد) الواقف في شروط وقفه: (على أنه إن تُوفِّيَ أحدٌ من أولادِ الموقوفِ عليه ابتداءً في حياة والده) أي: قبل دخوله في الوقف (وله ولدٌ، ثم مات الأبُ عن أولاده لصُلبه، وعن وَلدِ ولدِه لصُلبه الذي مات أبوه قبلَ استحقاقه، فله) أي: ولد الابن (معهم) أي: مع أعمامه (ما لأبيه لو كان حيًّا، فهو) أي: قول الواقف ما ذكر. وفي نسخ: وهو (صريح في ترتيب الأفراد) وإذا مات واحد من مستحقِّي الوقف، وجُهل شرط الواقف، صُرف إلى جميع المستحقين بالسوية؛ ذكره في "الاختيارات"
(3)
.
(1)
(10/ 77 - 78).
(2)
(10/ 81 - 82).
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 262.
(وإن قال) واقفٌ: (على أنَّ نصيب من مات عن غير ولد لمن في درجته، والوقف مرتَّب) بـ "ثم" أو نحوها (فهو) أي: نصيب من مات منهم عن غير ولد (لأهل البطن الذي هو منهم) دون بقية البطون (من أهل الوقف) دون غيرهم؛ عملًا بسوابق الكلام.
فلو كان البطن الأول ثلاثة، فمات أحدُهم عن ابن، ثم مات الثاني عن ابنين، ثم مات أحدُ الابنين، وتَرَكَ أخاه وابنَ عمِّه وعمه وابنًا لعمِّه الحي، كان نصيبه لأخيه وابنِ عمِّه الذي مات أبوه دون عمِّه وابنه.
وكذا لو وقف على ثلاثة من بنيه الأربع، على أن نصيب من مات عن غير ولد لمن في درجته، فمات أحدُ الثلاثة عن غير ولدٍ، كان نصيبه بين أخويه من أهل الوقف دون الثالث.
(وكذا) الحكم (إن كان) الوقف (مشتَرَكًا بين البطون) وشرط أنَّ مَن مات من
(1)
غير وَلَدٍ، فنصيبُه لمن في درجته، فيختصُّ به أهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف، وإلا؛ لم يكن في اشتراط الواقف لهذا الشرط فائدة، والظاهر أنه قصد شيئًا يُفيد.
(فإن لم يوجد في درجته) أي: درجة من مات عن غير وَلَدٍ (أحد، فكما لو لم يذكر الشرطَ) لأنه لم يوجد ما تظهر فائدته فيه (فيشترك الجميع) من أهل الوقف (في مسألة الاشتراك) لأن الشريك يقتضي التسوية (ويختصُّ) البطن (الأعلى به) أي: بنصيب المُتوفَّى الذي لم يوجد في درجته أحد (في مسألة الترتيب) لأن الواقف قد رتب، فيُعمل بمقتضاه، حيث لم يوجد الشرط المذكور.
(وإن كان الوقف على البطن الأول) كما لو قال: وقفتُ على
(1)
في "ذ": "عن".
أولادي (على أن نصيب من مات منهم عن غير وَلَدٍ لمن في درجته، فكذلك) أي: كما تقدَّم من أن نصيب من مات عن غير وَلَدٍ لأهلِ البطنِ الذي هو منهم من أهل الوقف. فإن لم يكن في درجته أحدٌ، اختصَّ به الأعلى؛ لأن الوقف مرتَّب (فيستوي في ذلك كلِّه) أي: في جميع ما تقدم من الصُّور، من كان من أهل درجته، وهم (إخوته وبنو عمِّه، وبنو بني عَمِّ أَبيه، ونحوهم) كبني بني بني عَمِّ أبي أبيه؛ لأنهم في درجته في القُرب إلى الجدِّ الذي يجمعهم، والإطلاق يقتضي التسوية، وكذا إناثهم حيث لا مخصِّص للذكور (إلا أن يقول) الواقف:(يقدَّم الأقرب فالأقرب إلى المتوفَّى، ونحوَه) كأن يقول: يُقدَّم ولد الظَّهر مثلًا (فيختص) الأقرب، أو ولد الظَّهر (به) أي: بنصيب الميت؛ عملًا بالشرط (وليس من الدرجة من هو أعلى) من الميت كعمِّه (ولا) من هو (أنزل) منه كابن أخيه.
(وإن شرط) الواقف (أن نصيب المُتوفَّى عن غير وَلَدٍ لمن في درجته، استحقَّه) أي: النصيب (أهل الدرجة وقت وفاته) عملًا بالشرط (وكذا من سيوجد منهم) لأنه من أهل الدرجة فالشرط منطبِقٌ عليه (فـ) ــعلى هذا (إن حَدَث من هو أعلى من الموجودين، وكان الشرط في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى) كما لو وقف على أولاده ومن يولد له، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم، ما تناسلوا، ومات أولاده، وانتقل الوقف لأولادهم، ثم وُلِدَ له ولد (أخذه) أي: أخذ الولد الوقف (منهم) أي: من أولاد إخوته؛ لأنه أعلى منهم درجة فلا يستحقُّون معه.
"فائدة": لو قال: على أن من مات قبل دخوله في الوقف عن ولد وإن سفل، وآل الحال في الوقف إلى أنه لو كان المُتوفَّى موجودًا لدخل، قام ولده مقامه في ذلك وإن سفل، واستحقَّ ما كان أصله يستحقُّه من
ذلك أن لو كان موجودًا، فانحصر الوقفُ في رَجُلٍ من أولاد الواقف، ورزق خمسة أولاد مات أحدهم في حياة والده وترك ولدًا، ثم مات الرجل عن أولاده الأربعة وولد ولده، ثم مات من الأربعة ثلاثة عن غير ولد، وبقي منهم واحد مع ولد أخيه، استحق الولد الباقي أربعة أخماس ريع الوقف، وَوَلَدُ أخيه الخمسَ الباقي؛ أفتى به البدر محمد الشهاوي الحنفي
(1)
، وتابعه الناصر الطبلاوي الشافعي
(2)
، والشهاب أحمد البهوتي الحنبلي ولد
(3)
عمِّ والدي
(4)
.
ووجهه أن قول الواقف: على أن من مات منهم في دخوله في هذا الوقف
…
إلى آخره، مقصور على استحقاق الولد لنصيب والده المستحق له في حياته، لا يتعداه إلى من مات من إخوة والده عن غير ولد بعد موته، بل ذلك إنما يكون للإخوة الأحياء؛ عملًا بقول الواقف: على أن من تُوفِّي منهم عن غير ولد. . . إلى آخره؛ إذ لا يمكن إقامة الولد مقام أبيه في الوصف الذي هو الآخرة حقيقة بل مجازًا، والأصل حمل اللفظ على حقيقته، وفي ذلك جمعٌ بين الشرطين، وعملٌ بكل منهما في محله، وذلك أولى مِن إلغاء أحدهما.
(1)
لم نقف على ترجمته، وذكره ابن عابدين في حاشية (2/ 509).
(2)
هو ناصر الدين، محمد بن سالم بن علي الطبلاوي، الشافعي، كان من المتبحرين في التفسير والقراءات والفقه والنحو والحديث وغيرها. توفي سنة (966 هـ) رحمه الله تعالى، انظر:"الكواكب السائرة"(2/ 33)، و"شذرات الذهب"(10/ 506 - 507).
(3)
أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "والد".
(4)
لم نقف على ترجمته.
فصل
(والمُسْتحبُّ) للواقف (أن يقسِمَ الوقفَ على أولاده للذَّكر مثل
(1)
الأنثى) لأن القصد القُربة على وجه الدوام، وقد استووا في القرابة.
(واختار الموفَّق) وتبعه في "الشرح" و"المبدع" وغيره: يُستحبُّ أن يقسمه بينهم للذَّكر (مثل حظ الأنثيين) على حسب قسمة الله تعالى في الميراث، كالعطية، والذَّكر في مظنة الحاجة غالبًا، بوجوب حقوق تترتب عليه، بخلاف الأنثى.
(فإن فَضَّل) الواقفُ (بعضَهم على بعض، أو خصَّ بعضَهم بالوقف دون بعض، فإن كان على طريق الأثَرة) بأن لم يكن لغرض شرعي (كُرِه) لأنه يؤدِّي إلى التقاطع بينهم (وإن كان) التفضيل، أو التخصيص (على أن بعضَهم) أي: لأجل أن المفضَّل، أو المخصَّص (له عيال، أو به حاجة) كمَسْكَنة أو عمىً ونحوه (أو خص) أو فضَّل (المشتغلين بالعلم، أو ذا الدِّين دون الفُسَّاق، أو) خصَّ، أو فَضَّل (المريض، أو) خصَّ، أو فضَّل (مَن له فضيلة) ما من الفضائل (من أجل فضيلته، فلا بأس) بذلك؛ نص عليه
(2)
؛ لأنه لغرض مقصود شرعًا.
(و
إن وقف على بنيه، أو بني فلان، اختصَّ به الذُّكورُ)
لأن لفظ البنين وُضِع لذلك حقيقة، قال تعالى:{أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ}
(3)
، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
(4)
فلا يدخل فيه الخُنثى؛ لأنه لا يُعلم
(1)
في "ذ" زيادة: "حظ".
(2)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 336 - 338، 341 - 344) رقم 90، 92، 93، والمغني (8/ 206).
(3)
سورة الصافات، الآية:153.
(4)
سورة الكهف، الآية:46.
كونُه ذكرًا، وكذلك لو وقف على بناته، اختص به الإناث، ولا يدخل فيهن الخُنثى؛ لما تقدم. قال في "الشرح": لا نعلم فيه خلافًا (إلا أن يكونوا قبيلة) كبيرة، قاله في "الرعاية"، كبني هاشم وتميم وقُضاعة (فيدخل فيه النساء)؛ لقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}
(1)
؛ ولأن اسم القبيلة يشمل ذكرَها وأنثاهَا، ورُويَ أن جواريَ من بني النجَّار قُلن:
نحن جوارٍ من بني النَّجَّار
…
يا حَبَّذا محمدٌ مِن جار
(2)
(دون أولادهن من غيرهم) لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها، بل إلى غيرها، وكما لو قال: المنتسبين إليَّ، ويدخل أولادهن منهم؛ لوجود الانتساب حقيقة، ولا يشمل مواليهم. (والحفيدُ) ولد الابن والبنت (والسبطُ، ولد الابن و) ولد (البنت) قاله ابن سِيده
(3)
.
(ولا يدخل مولى بني هاشم في الوصيَّة لهم) ولا في الوقف عليهم (لأنه ليس منهم حقيقةً) فلا يتناوله اللفظ، والوقف والوصية يُعتبر فيهما لفظ الواقف، ولفظ الموصي، بخلاف لفظ صاحب الشريعة، يُعتبر فيه المعنى.
(ولو قال الهاشمي): وقفتُ (على أولادي، وأولاد أولادي الهاشميين، لم يدخل من أولاد بنته من ليس هاشميًا) لعدم وجود الوصف
(1)
سورة الإسراء، الآية:70.
(2)
أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 21، حديث 1899، وأبو يعلى (6/ 134) حديث 3409، والطبراني في الصغير (1/ 32 - 33)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 190، حديث 229، وابن عدي (3/ 1018)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 120)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 508)، والخطيب في تاريخه (13/ 57)، من طرق عن أنس رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سمعهن:"الله يعلم إني لأحبكن". قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 334) عن إسناد ابن ماجه: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات.
(3)
المحكم والمحيط الأعظم (8/ 289).
الذي اعتبره الواقف فيه، وأما الهاشمي ففي دخوله وجهان، بناهما القاضي على الخلاف في أصل المسألة. وقال الموفَّق: الأَولى الدخول؛ لوجود الشرطين.
(ويجَدَّد حقُّ حملٍ بوضعه) فلا استحقاق له قبل انفصاله؛ لأنه إذًا لا يُسمَّى ولدًا (من ثمر وزرع، كمشترٍ) فيستحق من ثمر لم يتشقق، ومن أصول نحوٍ بَقْلٍ، بخلاف ثمر تشقق، وزرع لا يُحصد إلا مرة، فلا شيء له منه؛ لأنه لا يتبع أصله، بخلاف نحو الثمرة قبل التشقق؛ لأنها تتبع أصلها، فيستحقها مستحق الأصل (وتقدم
(1)
أول الباب.
ويُشبه الحملَ) فيما يستحقه من زرع وثمر (إن قَدِم) إنسان (إلى ثغر موقوف عليه فيه، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه.
وقياسه: من نزل في مدرسة ونحوه).
وقال في "الاختيارات"
(2)
: يستحق بحصته مع المغَلِّ، ومَن جَعَلَه كالولد فقد أخطأ، وللورثة من المغَل بقَدْر ما باشر مورِّثُهم. انتهى.
قال في "القواعد الفقهية"
(3)
: واعلم أن ما ذكرناه في استحقاق الموقوف عليه ههنا، إنما هو إذا كان استحقاقه بصفة محضة، مثل كونه ولدًا، أو فقيرًا، أو نحوه، أما إن كان استحقاقه الوقف عوضًا عن عمل، وكان المغل كالأجرة، فَيُقسَّط على جميع السنة، كالمقاسمة القائمة مقام الأجرة، حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه، وإن لم يكن الزرع قد وُجِد. قال: وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين
(4)
، وأفتى الشيخ شمس
(1)
(10/ 25).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 259.
(3)
القاعدة الثالثة والثمانون، ص/ 188.
(4)
الاختيارات الفقهية ص/ 253.
الدين بن أبي عمر: بأن الاعتبار في ذلك بسنة المغل دون السنة الهلالية في جماعة مقرَّرين في قرية حصل لهم حاصل في قريتهم الموقوفة عليهم، فطلبوا أن يأخذوا ما استحقوه عن الماضي، وهو مغل سنة خمس وأربعين مثلًا، فهل يصرفه إليهم الناظر بحساب سنة خمس الهلالية، أو بحساب سنة المغل، مع أنه قد تنزل بعد هؤلاء المتقدمين جماعة شاركوا في حساب سنة المغل، فإن أخذ أولئك على حساب السنة الهلالية لم يبقَ للمتقرِّرين إلا شيء يسير؟
أجاب: بأنه لا يحتسب إلا بسنة المغل دون الهلالية. ووافقه جماعة من الشافعية والحنفية على ذلك.
(وشجرُ الحَوْر الموقوفُ إن أدرك أوانَ قطعه في حياة البطن الأول، فهو له) أي: للبطن الأول (وإن مات) البطن الأول (وبقي) الحور (في الأرض مدة حتى زاد) الحور (كانت الزيادة حادثة من منفعة الأرض التي للبطن الثاني، ومن الأصل
(1)
الذي لورثة الأول، فإما أن تقسم الزيادة على قَدْر القيمتين، وإما أن يعطي الورثة أجرة الأرض للبطن الثاني) والأول قياس ما تقدم في بيع الأصول والثمار
(2)
.
(وإن غَرَسَه) أي: الحور (البطنُ الأول من مال الوقف، ولم يدرِك) أوان قطعه (إلا بعد انتقاله إلى البطن الثاني، فهو لهم) أي: للبطن الثاني (وليس لورثة الأول فيه شيء) لأنه يتبع أصله في البيع، فتبعه في انتقال الاستحقاق، كما تقدم في الثمر غير المشقق
(3)
(قاله
(1)
في "ذ": "الأرض" وأشار في الهامش إلى أن في نسخة: "الأصل".
(2)
(8/ 77).
(3)
أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "المتشقق".
الشيخ
(1)
) رحمه الله.
(وإن وقف) إنسان (على عَقِبه) أو عَقِب غيره (أو نسله، أو ولد ولده، أو ذريته، دخل فيه) أي: الوقف (ولد البنين، وإن نزلوا) لتناول اللفظ لهم (ولا يدخل) فيه (ولد البنات بغير قرينة) لأنهم لا ينتسبون إليه (كما تقدم
(2)
).
وعنه
(3)
: يدخلون، قَدَّمها في "المُحرَّر" و"الرعاية" واختارها أبو الخطَّاب في "الهداية" لأن البنات أولادهُ، وأولادُهن أولادُ أولادِه حقيقة؛ لقوله تعالى:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ. . .} إلى قوله: {وَعِيسَى}
(4)
وهو ولد بنته، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ ابْني هذا سيِّدٌ. . ." الحديث، يعني الحسن؛ رواه البخاري
(5)
.
قال في "الشرح": والقول بدخولهم أصح وأقوى دليلًا. انتهى.
وأُجيب عن الحديث بأنه على المجاز؛ بدليل قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}
(6)
وعن الآية، بأن إدخال عيسى في الذُّرية لأنه لا أب له.
وأصل النسل: من النُّسَالة، وهي شعر الدابة، إذا سقط عن
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 258، وفيه:"وشجر الجوز الموقوف" وهو تصحيف، وانظر ما تقدم (9/ 5).
(2)
(10/ 78، 89 - 90).
(3)
انظر: المحرر في الفقه (1/ 382)، والإنصاف (7/ 80).
(4)
سورة الأنعام، الآية:84.
(5)
في الصلح، باب 9، حديث 2704، وفي المناقب، باب 25، حديث 3629، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب 22، حديث 3746، وفي الفتن، باب 20، حديث 7109، عن أبي بكرة رضي الله عنه.
(6)
سورة الأحزاب، الآية:40.
جسدها.
وأعقب الرجل: ترك عقبًا، وعقَّب إذا خلَّف.
والذرية: من ذرأ الله الخلق، أي: خلقهم، أبدلت الهمزة ياء، وقيل: من ذَرَّ الله الخلقَ، أي: نشرهم. وقيل غير ذلك.
(وإن وقف على قرابته، أو) على (قرابة فلان، فهو) أي: الوقف (للذَّكر والأنثى من أولاده، وأولاد أبيه، و) أولاد (جَدِّه، و) أولاد (جَدِّ أبيه، أربعة آباء) فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى، فلم يعطِ منه لمن هو أبعد - كبني عبد شمس وبني نوفل - شيئًا
(1)
. ولا يقال: هما كبني المطلب؛ فإنه صلى الله عليه وسلم علَّل الفرق بينهم وبين من سواهم ممن ساواهم في القرب بأنهم "لم يفارقوا في جاهلية ولا إسلام"
(2)
.
(يستوي فيه) أي: في الوقف على القرابة (ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وغني وفقير) لعموم القرابة لهم.
(ولا يدخل فيه) أي: في الوقف على القرابة (من يخالف دينُه دينَه) أي: الواقف؛ فإن كان الواقف مسلمًا لم يدخل في قرابته كافرهم، وإن كان كافرًا لم يدخل المسلم في قرابته، إلا بقرينة (كما يأتي قريبًا.
ولا) يدخل في الوقف على قرابته (أمُّهُ ولا قرابته من قِبَلها) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُعطِ من سهم ذوي القربى قرابتَه من جهة أُمِّه شيئًا (إلا أن يكون في لفظه) أي: الواقف (ما يدلُّ على إرادة ذلك) أي: الدخول (كقوله: ويفضَّل قرابتي من جهة أبي على قرابتي من جهة أمي، أو قوله: إلا ابن
(1)
تقدم تخريجه (7/ 145) تعليق رقم (2).
(2)
تقدم تخريجه (5/ 174) تعليق رقم (1).
خالتي فلانًا، أو نحو ذلك) فيعمل بمقتضى القرينة.
(أو) وجدت (قرينةٌ تُخْرِج بعضَهم، عُمِل بها. ويأتي في الوصايا حكم أقرب قرابته، أو الأقرب إليه) مفصلًا.
(وأهلُ بيته) إذا وقف عليهم كقرابته (وقومُه) كقرابته (ونسباؤه) كقرابته (وأهله) كقرابته (وآله كقرابته) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحِلُّ الصدقة لي ولا لأهل بيتي"
(1)
. وفي رواية: "إنَّا آل محمدٍ لا تَحِلُّ لنا الصدقة"
(2)
(1)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - عمرو بن خارجة رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (9/ 48) حديث 16307، وأحمد (4/ 186)، وفي سنده ليث بن أبي سليم، قال ابن حجر في التقريب (5721): صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك.
ب - البراء، وزيد بن أرقم رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 191) حديث 5057، وابن عدي (6/ 2349) وضعفه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 14 - 15): فيه موسى بن عثمان الحضرمي، وهو ضعيف. وقال الحافظ في الدراية (2/ 290): أخرجه بن عدي
…
وضعفه.
ج - عمرو بن حزم رضي الله عنه: أخرجه ابن حبان "الإحسان"(14/ 503) حديث 6559، والحاكم (1/ 396)، والبيهقي (4/ 89)، في حديث طويل، ونقل البيهقي عن الإمام أحمد: أرجو أن يكون صحيحًا.
د - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له طهمان أو ذكوان رضي الله عنه: أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 54) حديث 494، والطبراني في الكبير (4/ 232) حديث 4217، عن عطاء بن السائب، عن ابنة يعلى، عن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 90): وأم كلثوم لم أر من روى عنها غير عطاء بن السائب، وفيه كلام. وانظر ما تقدم في الزكاة (5/ 168، 169) تعليق رقم (2، 3).
(2)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - الحسن بن علي رضي الله عنهما: أخرجه الطيالسي ص/ 163، حديث 1177، وعبد الرزاق (3/ 117) حديث 4984، وابن أبي شيبة (3/ 214)، وأحمد (1/ 200)، والدارمي في الزكاة، باب 16، حديث 1650، وابن أبِي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 302) حديث 416، وأبو يعلى (12/ 132) حديث 6762، =
فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضًا عن الصدقة التي حُرِّمت عليهم، فكان ذوو القربى الذين سَمَّاهم الله تعالى هم أهل بيته، احتج بذلك الإمام
(1)
. وروي عن ثعلب
(2)
أن أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم
(3)
كالأجداد والأعمام وأولادهم.
(والعِترة: العشيرة، وهي) أي: العشيرة (قبيلته) قال الصديق رضي الله عنه في محفل من الصحابة: "نحن عِتْرَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبَيْضتُهُ
= وابن خزيمة (4/ 59) حديث 2347، 2348، والطحاوي (2/ 6، 3/ 297)، والطبراني في الكبير (3/ 76، 78، 86) حديث 2710، 2714، 2741، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 90): رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات.
ب - أبو عمير أو أبو عميرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 334)، وابن سعد (6/ 45)، وابن أبي شيبة (3/ 215 - 216)، وأحمد (3/ 490)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 206) حديث 2736، والدولابي في الكنى (1/ 84)، والطحاوي (2/ 9 - 10، 3/ 297)، والطبراني في الكبير (5/ 76) حديث 4632، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 89): رواه أحمد، والطبراني في الكبير إلا أن أحمد سماه أسيد بن مالك، وسماه الطبراني رشيد بن مالك، وفي حفصة بنت طلق، ولم يرو عنها غير معرف بن واصل، ولم يوثقها أحد.
ج - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 57) حديث 11070، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 91): وفيه عبد الله بن جعفر والد ابن المديني، وهو ضعيف. انظر ما تقدم (5/ 173) تعليق رقم (1).
(1)
مسائل عبد الله (2/ 820 - 821) رقم 1093، ومسائل صالح (2/ 277) رقم 885، ومسائل ابن هانئ (2/ 52) رقم 1395.
(2)
لم نقف عليه في مظانه من كتب ثعلب المطبوعة، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (16/ 495).
(3)
في "ذ": "وآباؤهم" وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة: "وأولادهم".
التي تَفَقَّأت
(1)
عنهُ"
(2)
ولم ينكره أحد، وهم أهل اللسان (وذوو رحمه: قرابتُه من جهة أبويه) وأولاده، وأولادهم، وإن نزلوا؛ لأن الرحم يشملهم (ولو جاوزوا أربعة آباء، فيصرف) الوقف على ذوي رحمه (إلى كل من يرث بفرض، أو عَصَبة، أو بالرحم) لشموله لهم.
(والأشراف: أهلُ بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال الشيخ
(3)
: وأهل العراق كانوا لا يسمون شريفًا إلا من كان عن بني العباس، وكثير من أهل الشام وغيرهم) كأهل مصر (لا يسمون شريفًا إلا من كان علويًّا. انتهى) بل لا يسمون شريفًا إلا من كان عن ذرية الحسن والحسين.
ولو وقف على آل جعفر وآل علي، فقال أبو العباس
(4)
: أفتيتُ أنا وطائفة من الفقهاء أنه يقسم بين أعيان الطائفتين، وأفتى طائفة، أنه يقسم نصفين، فيأخذ آل جعفر النصف، وإن كانوا واحدًا، وهو مقتضى أحد قولي أصحابنا. انتهى. قلت: هو مقتضى ما تقدم في مواضع.
(وجمعُ المُذكَّر السالم - كالمسلمين - وضَميرُهُ) وهو الواو (يشمل النساءَ) لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}
(5)
(لا عكسه) وهو جمع المؤنث السالم وضميره، فلا يشمل المذكَّر، إذ لا يغلب غير الأشرف عليه.
(وإن قال): هذا وقف (لجماعة) من الأقرب إليه (أو) هذا وقف
(1)
تفقَّأت: انفلقت وانشقت. النهاية في غريب الحديث (3/ 461).
(2)
لم نقف على من رواه مسندًا. وقد أورده البيهقي (6/ 166)، وابن الأثير في النهاية (3/ 177)، والموفق في المغني (8/ 534)، وأورده أيضًا ابن قتيبة في أدب الكاتب (1/ 28) والزبيدي في تاج العروس (12/ 520) وزادا فيه: وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها.
(3)
مختصر الفتاوى ص/ 565.
(4)
الاختيارات الفقهية ص/ 261 - 262.
(5)
سورة المؤمنون، الآية:1.
(لجمع من الأقرب إليه؛ فثلاثة) ويشمل أهل الدرجة وإن كثروا؛ لعدم المخصص (ويُتمم) الجمع ثلاثة (مما بعد الدرجة الأولى) إذا لم يكن فيها ثلاثة، فإذا كان له ولدان وأولاد ابن، تُمم الجمع بواحد من أولاد الابن، يخرج بقرعة.
(والأيامى) يشمل الذكر والأنثى، قال تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}
(1)
.
(والعُزَّاب) ويشمل الذكر والأنثى، يقال: رجل عَزَبٌ وامرأة عَزَبٌ، قال ثعلب
(2)
: وإنما سُمِّي عزبًا؛ لانفراده، وكل شيء انفرد فهو عَزَب. وفي "صحيح البخاري" عن ابن عمر:"وكنتُ شابًّا أعْزَب"
(3)
، ولا فرق في ذلك بين البكر وغيره.
قال في "الفروع": والعزب والأيم: غير المتزوج.
(والبكر) يشمل الذكر والأنثى.
(والثيب) يشمل الذكر والأنثى.
(والعانس) يشمل الذكر والأنثى.
(والإخوة) يشمل الذكر والأنثى.
(والعمومة يشمل الذكر والأنثى.
والأخوات للإناث) خاصة.
(فالأيامى والعُزَّاب: مَن لا زوج له من رجل وامرأة، والأرامل: النساء اللاتي فارقَهنَّ أزواجُهنَّ بموت أو حياة) لأنه المعروف بين الناس.
(1)
سورة النور، الآية:32.
(2)
لم نقف عليه في مظانه من كتب ثعلب المطبوعة، وانظر: لسان العرب (1/ 597).
(3)
البخاري في الصلاة، باب 58، 440، وفي فضائل الصحابة، باب 19، رقم 3738. وأخرجه - أيضًا - مسلم في فضائل الصحابة، رقم 2479، بلفظ: "وكنت شابًّا عزبًا".
قال جرير
(1)
:
هذي الأراملُ قد قضَّيْت حاجتَها
…
فمن لحاجةِ هذا الأرملِ الذَّكَر؟!
فأطلق الأول حيث أراد به الإناث؛ لأنه موضوع له، ووصفه في الثاني بالذكر؛ لأنه لو أطلقه لم يُفهم.
وفي "تعليق" القاضي: الصغيرة لا تُسمَّى أيِّمًا ولا أرملة عُرفًا، وإنما ذلك صفة للبالغ.
(وبِكْر: من لم يتزوج) من رجل وامرأة.
(و) يقال: (رجل ثَيِّب وامرأة ثَيِّبة
(2)
: إذا كانا قد تزوَّجا، والثُّيوبة زوال البكارة) بالوطء (ولو من غير زوج) كسيدٍ، ووطء شُبهة، وزِنىً.
(والرَّهط: ما دون العشرة من الرجال خاصَّة، لغة) لا واحدَ له من لفظه، والجمع أرهُط، وأرهاط، وأراهط، وأراهيط. وقال في "كشف المشكل"
(3)
: الرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وكذا قال: النفر: من ثلاثة إلى عشرة؛ قاله في "الفروع".
(وأهل الوقف): هم (المتناولون له.
والعلماء: حَمَلة الشرع) وهم أهل التفسير والحديث، والفقه، أصوله وفروعه (من غني وفقير، لا ذو أدب ونحْوٍ ولغة وتصريف، وعلم كلام، وطب، وحساب وهندسة وهيئة، وتعبير رؤيا، وقراءة قرآن وإقرائه، وتجويده. وذكر ابن رزين: فقهاء ومتفقهة كعلماء).
(1)
لم نجده في المطبوع من ديوانه، وقد أورد هذا البيت، ونسبه إلى جرير: أبو نُعيم في حلية الأولياء (5/ 328)، وصاحب العين (8/ 266).
(2)
المعروف إطلاق "ثيب" على الرجل والمرأة جميعًا، انظر: المصباح المنير ص/ 49، مادة (ثوب)، والقاموس المحيط ص/ 64، مادة (ثاب).
(3)
كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (1/ 116).
قلت: مدلول فقهاء: العلماء بالفقه، والمتفقهة: طلبة الفقه.
(وأهل الحديث: مَن عَرَفه، ولو حفظ أربعينَ حديثًا، لا من سمعه) من غير معرفة.
(والقُرَّاء الآن) أي: في عُرف هذا الزمان (حُفَّاظ القرآن، و) القُرَّاء (في الصدر الأول: هم الفقهاء.
وأعقلُ النَّاس: الزُّهَّاد) لأنهم أعرضوا عن الفاني للباقي (قال ابن الجوزي
(1)
: وليس من الزُّهد تَرْكُ ما يُقيم النفسَ ويُصلح أمرها ويعينها على طريق الآخرة، فإنه زهد الجُهَّال، وإنما هو) أي: الزهد (تَرْك فضول العيش، و) هو (ما ليس بضرورة في بقاء النفس) أي: نفسه ونفس عياله (وعلى هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرءِ إثمًا أنْ يضيِّع من يعول"
(2)
.
(واليتيم: من لم يبلغ ولا أبَ له) من ذكر أو أنثى، ولا يدخل فيه ولد زِنىً (ولو جهلَ بقاء أبيه، فالأصلُ بقاؤُه في ظاهر كلامهم.
وإن وَقَف على أهل قريته، أو) على (قرابته، أو) على (إخْوته ونحوِهم) كأعمامه أو جيرانه (أو وصَّى لهم) بشيء (لم يدخل فيهم من يُخالف دِينَه) أي: دين الواقف، أو الموصي؛ لأن الظاهر من حال الواقف، أو الموصي أنه لم يرِد من يخالف دِينه، سواء كان كافرًا، أو مسلمًا (إلا بقرينة) تدلُّ على دخولهم، فيدخلون (كالصريح) أي: كما لو صَرَّح بدخولهم.
ومن القرينة ما ذكره بقوله: (وإن كانوا كلُّهم كفارًا) دخلوا؛ لأن
(1)
انظر: صيد الخاطر ص/ 55.
(2)
تقدم تخريجه (5/ 183) تعليق رقم (5).
عدم دخولهم يؤدي إلى رفع اللفظ بالكلية (وفيهم) أي: أو كان فيهم (مسلم واحد، والباقي كفار، والواقف مسلم، دخلوا) لأن حمل اللفظ العام على واحد بعيد جدًّا.
(وإن كان) الواقف كافرًا، و (فيهم كافر على غير دِين الواقف الكافر، لم يدخل) الكافر المغاير لدِينه، كما لا يرثه.
(وإن وقف على جماعة يمكن حَصْرهم واستيعابهم) كبنيه، أو بني فلان، وليسوا قبيلته، أو مواليه، أو موالي غيره (وجب تعميمهم) بالوقف (والتسوية بينهم) فيه؛ لأن اللفظ يقتضي ذلك، وأمكن الوفاء به، فوجب العمل بمقتضاه (كما لو أقَرَّ لهم) بمال.
(وإن أمكن حَصْرهم في ابتدائه) أي: الوقف (ثم تعذَّر) بكثرة أهله (كوقف عليٍّ
(1)
رضي الله عنه، عُمِّم مَنْ أمكن منهم) بالوقف (وسُوِّي بينهم) فيه؛ لأن التعميم والتسوية كانا واجبين في الجميع، فإذا تعذَّرا في بعض، وجبا فيما لم يتعذَّرا فيه، كالواجب الذي تعذَّر بعضه.
(وإن لم يمكن حصرهم ابتداء، كالمساكين، والقبيلة الكبيرة، كبني هاشم وبني تميم، جاز التفضيل) بينهم (والاقتصار على واحد منهم) لأن مقصود الواقف عدم مجاوزة الجنس، وذلك حاصل بالدفع إلى واحد منهم، وإذا جاز الاقتصار على واحد، فالتفضيل أولى (وكالوقف على المسلمين كلهم، أو على) أهل (إقليم كالشام، و) على أهل (مدينة، كدمشق) فيجوز التفضيل والاقتصار على واحد.
(1)
أخرج البيهقي (6/ 161) عن زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها تصدقت بمالها على بني هاشم، وبني المطلب، وأن عليًّا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم. وانظر ما تقدم (10/ 53).
(وإن وقف على الفقراء، أو المساكين، تناول الآخر) فهما صنفان حيث اجتمعا، فإن افترقا اجتمعا.
(و) متى كان الوقف على أصناف، كالفقراء، وأبناء السبيل، والغُزاة، ونحوهم فـ (ــمن وُجِد فيه صفات) بأن كان ابن سبيل غازيًا غارمًا (استحق بها) أي: بالصفات، كالزكاة.
(ولو وقف على أصناف الزكاة، أو) على (صِنفين، فأكثر) من أصناف الزكاة (أو) وقف على (الفقراء، أو المساكين، جاز الاقتصار على صِنف، كزكاة) لما تقدَّم من أن مقصود الواقف عدم مجاوزتهم، وذلك حاصل بالدفع إلى صِنف منهم، بل إلى شخص واحد.
(ولا يُعطى فقير) ولا غيره من أهل الزكاة (أكثر مما يُعطاه من زكاة) إن كان الوقف على صِنف من أصناف الزكاة، كالرِّقاب والغارمين؛ لأن المُطلق من كلام الآدمي يُحمل على المعهود في الشرع، فَيُعطى فقير ومسكين تمام كفايتهما مع عائلتهما سنة، ومكاتَب وغارم ما يقضيان به دَينهما، وابن سبيل ما يحتاجه لعوده لبلده، وغازٍ ما يحتاجه لغزوه، وهكذا.
(وإن وقف على مواليه، وله موالٍ من فوق) فقط - وهم من أعتقوه - اختصَّ الوقف بهم (أو) وقف على مواليه، وله موال (من أسفل) فقط - وهم عتقاؤه - (اختصَّ الوقف بهم.
وإن كان له موالٍ من فوق، و) موال (من أسفل، تناول) الوقف (جميعهم، فيستوون فيه) لأن الاسم يتناولهم على السواء.
ومتى انقرض مواليه، فلعصَبَتهم (وإن عدم الموالي) بأن لم يكن له موالٍ حين قال: وقفت على مَواليَّ (كان) الوقف (لموالي العصبة) لأن
الاسم يشملهم مجازًا مع تعذُّرِ الحقيقة، فإن كان له موال ثم انقرضوا، لم يرجع من الوقف شيء لموالي عصبته؛ لأن الاسم تناول غيرهم، فلا يعود إليهم إلا بعقد جديد، ولم يوجد. قال في "الفروع": ولا شيء لموالي عصبته إلا مع عدم مواليه ابتداء.
(والشاب والفَتى من البلوغ إلى الثلاثين، والكهل من حَدِّ الشاب) وهو الثلاثون (إلى الخمسين، والشيخ منها) أي: الخمسين (إلى السبعين، والهَرِم منها) أي: السبعين (إلى الموت.
وأبواب البِرِّ: القُرَبُ كلُّها) لأن البِرَّ اسم جامع لأنواع الخير (وأفضلها الغزو) لما تقدم في صلاة التطوع
(1)
(ويُبدأ به) أي: بالغزو؛ لأنه الأفضل.
(والوصية كالوقف فيـ) ــما ما ذكر في (هذا الفصل) لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف. قال في "الفروع": والأصح دخول وارثه في وصيته لقرابته، خلافًا لـ "المستوعب"، ومن لم يجز من الورثة، بطل في نصيبه، ولو وصَّى بعتق أمَةٍ فأُنثى، والعبد ذَكَر. ولو وصَّى بأُضحية ذكر أو أنثى، فضحوا بغيره خيرًا منه، جاز. وعلله ابن عقيل بزيادة خير في المخرج (ويأتي في باب الموصى له ذِكرُ ألفاظ لم تُذكر هنا، كلفظ الجيران، وأهل السكة، وغير ذلك، فليراجع هناك؛ لأن الوقف كالوصية) قال في "الإنصاف": لكن الوصية أعمُّ من الوقف على ما يأتي.
(1)
(3/ 6).
فصل
(والوقف عقدٌ لازم) قال في "التلخيص" وغيره: أخرجه مخرج الوصية أو لم يخرجه (لا يجوز فسخه بإقالة، ولا غيرها) لأنه عقد يقتضي التأبيد، فكان من شأنه ذلك.
(ويلزم) الوقف (بمجرَّد المقول بدون حكم حاكم) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُباعُ أصلُها، ولا تُوهَبُ، ولا تُورَثُ"
(1)
. قال الترمذي
(2)
: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم، وإجماع الصحابة على ذلك، وكالعتق.
وقوله: "بمجرد القول" جرى على الغالب، وإلا؛ فالفعل مع الدال على الوقف يلزم بمجرده أيضًا.
ويحرم (ولا يصح بيعه، ولا هبته، ولا المناقلة به) أي: إبداله، ولو بخير منه (نصًّا
(3)
) للحديث السابق، وقد صَنَّف الشيخ يوسف المرداوي
(4)
كتابًا لطيفًا في ردِّ المناقلة بالوقف وأجاد وأفاد (إلا أن تتعطَّل
(1)
تقدم تخريجه (10/ 5) تعليق رقم (6).
(2)
في سننه، كتاب الأحكام، باب 36، بعد حديث 1375.
(3)
مسائل صالح (1/ 260 - 261) رقم 197، وكتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 278 - 297) رقم (44 - 49، 51 - 56).
(4)
هو: يوسف بن محمد بن عبد الله المرداوي المتوفى سنة 769 هـ، وكتابه هذا سماه: الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي، وقد طبع، وهو كتاب ردَّ فيه على أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي المشهور بابن قاضي الجبل الحنبلي [المتوفى سنة (771)، انظر: الدرر الكامنة (1/ 138)] في كتابه: المناقلة بالأوقاف وهو مطبوع، حيث اختار جواز بيع الوقف للمصلحة وحَكم به. لكن تعقب المرداويَّ حمزةُ بن موسى ابن شيخ السَّلاميَّة [المتوفى سنة (769)، انظر: الدرر الكامنة (2/ 196)] بكتاب سمَّاه: رفع المثاقلة في منع المناقلة، مؤيدًا لابن قاضي الجبل. ثم جاء من بعده العلامة عز الدين أحمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن المقدسي [المتوفى =
منافعه) أي: الوقف (المقصودة منه، بخراب) له، أو لمحلَّته (أو غيره) مما يأتي التنبيه عليه (بحيث لا يَرُدُّ) الوقف (شيئًا) على أهله (أو يرد شيئًا لا يُعدُّ نفعًا) بالنسبة إليه (وتتعذَّر عمارته وعود نفعه) بألا يكون في الوقف ما يعمر به (ولو) كان الخارب الذي تعطَّلت منفعته، وتعذَّرت إعادته (مسجدًا، حتى بضِيقه على أهله) المصلين به (وتعذَّر توسيعه) في محله (أو) كان مسجدًا وتعذَّر الانتفاع به لـ (ــخراب محلته) أي: الناحية التي بها المسجد (أو كان موضعه) أي: المسجد (قَذِرًا؛ فيصح بيعه) ويُصرف ثمنه في مثله؛ للنَّهي عن إضاعة المال، وفي إبقائه إذًا إضاعة، فوجب الحفظ بالبيع؛ ولأن المقصود انتفاع الموقوف عليه بالثمرة لا بعين الأصل من حيث هو، ومَنْع البيع إذًا مبطل لهذا المعنى الذي اقتضاه الوقف، فيكون خلاف الأصل؛ ولأن فيما نقوله إبقاء للوقف بمعناه حين تعذَّر الإبقاء بصورته، فيكون متعينًا وعموم:"لا يُباع أصلها" مخصوص بحالة تأهّل الموقوف للانتفاع المخصوص؛ لما ذكرناه.
قال ابن رجب
(1)
: ويجوز في أظهر الروايتين عن أحمد
(2)
أن يُباع ذلك المسجد، ويعمر بثمنه مسجد آخر في قرية أخرى، إذا لم يحتج إليه في القرية الأولى، والوقف على قوم بعينهم أحق بجواز نقله إلى مدينتهم من المسجد.
(و) يصح (بيع شجرة) موقوقة (يبست، و) بيع (جذع) موقوف
= سنة (891)، انظر: الضوء اللامع (1/ 255)]، فألف مؤلفًا بسط فيه القول، وفصَّل أحكام الوقف، وحقق المسألة، وذكر سبب تصنيف المرداوي لكتابه ومن وافقه ومن خالفه. انظر: السحب الوابلة (1/ 378 - 379، 3/ 1179)، والإنصاف (16/ 524) ومجموع في المناقلة والاستبدال بالأوقاف.
(1)
انظر: القواعد الفقهية، القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائة، ص/ 340.
(2)
مسائل عبد الله (3/ 1007) رقم 1373.
(انكسر أو بليَ، أو خيف الكسر أو الهدم) قال في "التلخيص": إذا أشرف جذع الوقف على الانكسار، أو داره على الانهدام، وعُلم أنه لو أُخِّرَ لخرج عن كونه منتفعًا به؛ فإنه يُباع رعاية للمالية، أو يُنقض تحصيلًا للمصلحة. قال الحارثي: وهو كما قال.
قال: والمدارس، والرُّبُط، والخانات المسبلة، ونحوها، جائز بيعها عند خرابها على ما تقدم، وجهًا واحدًا.
(و) يصح (بيع ما فضل من نجارة خشبه، ونحاتته) أي: الموقوف؛ لما تقدم.
(ولو شرط) الواقف (عدمه) أي: البيع (إذًا) أي: في الحال التي قلنا يُباع فيها (فشرط فاسد) لحديث: "ما بالُ أقوامٍ يشترِطُونَ شُروطًا ليست في كتاب الله. . ."
(1)
إلى آخره.
(و) حيث
(2)
يُباع الوقف، فإنه (يُصرف ثمنه في مثله) لأن في إقامة البدل مقامه تأبيدًا له وتحقيقًا للمقصود، فتعين وجوبه (أو بعض مثله) إن لم يمكن في مثله، ويُصرف (في جهته، وهي مصرفه) لامتناع تغيير المصرف مع إمكان مراعاته.
(فإن تعطَّلت) جهة الوقف التي عَيَّنها الواقف (صُرف في جهةٍ مثلِها، فإذا وقف على الغُزاة في مكان، فتعطَّل فيه الغزو، صُرِف) البدل (إلى غيرهم من الغُزاة في مكان آخر، كما سيأتي قريبًا) تحصيلًا لغرض الواقف في الجملة حسب الإمكان.
(ويجوز نقل آلة المسجد الذي يجوز بيعه) لخرابه، أو خراب
(1)
تقدم تخريجه (7/ 400) تعليق رقم (3).
(2)
زاد في "ذ": "قلنا".
مَحلته، أو قذر محله (و) نقل (أنقاضه إلى مثله، إن احتاجها) مثله. واحتج الإمام بأن ابن مسعود رضي الله عنه "قد حَوَّلَ مسجد الجامع من التَّمَّارين أي بالكوفَة"
(1)
.
(وهو) أي: نقل آلاته وأنقاضه إلى مثله (أولى من بيعه) لبقاء الانتفاع من غير خلل فيه، وعُلم من قوله:"إلى مثله" أنه لا يعمر بآلات المسجد مدرسة ولا رباط، ولا بئر، ولا حوض، ولا قنطرة، وكذا آلات كل واحد من هذه الأمكنة لا يُعمر بها ما عداه؛ لأن جعلها في مثل العين ممكن فتعيَّن؛ لما تقدم؛ قاله الحارثي.
(ويصير حكم المسجد) بعد بيعه (للثاني) الذي اشتُري بدله، وأما إذا نُقلت آلته من غير بيع، فالبقعة باقية على أنها مسجد. قال حرب
(2)
: قلت لأحمد: رجل بنى مسجدًا، فأذن فيه، ثم قلعوا هذا المسجد، وبنوا مسجدًا آخر في مكان آخر، ونقلوا خشب هذا المسجد العتيق إلى ذلك المسجد؟ قال: يَرِمُّوا هذا المسجد الآخر العتيق ولا يُعطِّلوه. قال الحارثي: فلم يمنع النقل منع البيع، وإخراج البقعة عن كونها مسجدًا.
(ويصح بيع بعضه) أي: الوقف (لإصلاح ما بقي) منه، لأنه إذا جاز بيع الكُلِّ عند الحاجة، فبيع البعض مع بقاء البعض أولى (إن اتَّحد الواقف، كالجهة) الموقوف عليها (إن كان) الموقوف (عينين) على جهة واحدة من واقف واحد، فتُباع إحداهما لإصلاح الأخرى؛ لما تقدَّم (أو) كان الموقوف (عينًا) فيجوز بيع بعضها لإصلاح باقيها؛ لما تقدَّم
(1)
أخرجه صالح في مسائله (1/ 295، 3/ 34) رقم 241، 1273، والطبراني في الكبير (9/ 192) رقم 8949، وانظر: كتاب الوقوف من الجامع للخلال (2/ 613 - 625) رقم 289 - 307.
(2)
انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 68، 69) رقم 331، 343.
(و) محل ذلك إن (لم تنقص القيمة) أي: قيمة العين المبيع بعضها (بتشقيص) أي: ببيع بعضها (وإلا) بأن نقصت بذلك (بيع الكل) كبيع وصي لدَيْن أو حاجة، بل هذا أسهل لجواز تغيير صفاته لمصلحة وبيعه على قول قاله في "الفروع".
وإن توقَّفت عمارة المسجد على بيع بعض آلاته؛ جاز، لأنه الممكن من المحافظة على الصورة مع بقاء الانتفاع.
ولا يُعمر وقف من آخر ولو على جهته (وأفتى عُبادَة
(1)
) من أئمة أصحابنا (بجواز عمارة وقف من آخر - أي من ريعه - على جهته) ذكره ابن رجب في "طبقاته"
(2)
.
قال في "الإنصاف": وهو قوي، بل عَمَلُ الناس عليه. لكن قال شيخنا - يعني ابن قُنْدس - في "حواشي الفروع": إن كلامه في "الفروع" أظهر، أي: لا يعمر وقفًا من ريعِ آخر، وإن اتَّحدت الجهة.
(ويجوز اختصار آنية) موقوفة متعطلة (إلى أصغر منها، وإنفاق الفضل على الإصلاح) محافظة على بقاء عين الوقف، فإن تعذَّر اختصارها؛ بيعت، وصُرف ثمنها في آنية مثلها؛ رعاية للنفع الذي لأجله وُقِفت.
(و
يجوز تجديد بناء المسجد لمصلحة)
لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لولا أنَّ قومكِ حديثُ عهدٍ بجاهليَّةٍ، لأمَرْتُ بالبيتِ فهدِمَ،
(1)
هو عبادة بن عبد الغني بن منصور الحراني، ثم الدمشقي الحنبلي، تفقه على الشيخ زين الدين بن المنجا، ثم على الشيخ تقي الدين ابن تيمية، قال الذهبي: تقدم في الفقه وناظر وتميز، توفي سنة 739 هـ - رحمه الله تعالى -. ذيل طبقات الحنابلة (2/ 432 - 433).
(2)
ذيل طبقات الحنابلة (2/ 433).
فأدْخَلْتُ فيه ما أُخْرِجَ منه، وألزَقْتُهُ بالأرض، وجعلتُ له بابَيْنِ بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، فبَلَغْتُ به أساسَ إبراهيمَ" رواه البخاري
(1)
.
و (لا) يجوز (قسمه) أي: المسجد (مسجدين ببابين، إلى دربين مختلفين) لأنه تغيير لغير مصلحة له.
قال في "الاختيارات"
(2)
: وجوَّز جمهور العلماء تغيير صورة الوقف للمصلحة، كجعل الدور حوانيت، والحكورة المشهورة
(3)
.
(ويجوز نقض منارته) أي: المسجد (وجعلها في حائطه لتحصينه) من نحو كلاب؛ نص عليه في رواية محمد بن الحكم
(4)
.
(وحكم فرس حبيس) أي: موقوف على الغزو (إذا لم يصلح) الفرس (لغزو، كوقف، فَيُباع ويُشترى بثمنه ما) أي: فرسًا (يصلح للغزو) قال في رواية أبي داود
(5)
: الذي يَعْجَفُ - يعني من الدواب التي تُحبس، فلا ينتفع به في بلاد الروم، لا ينفع إلا للطحن أو نحوه - يُباع، ثم يجعل ثمنه في حبيس.
(1)
في الحج، باب 42، حديث 1586. وأخرجه - أيضًا - في العلم، باب 48، حديث 126، وفي الحج، باب 42، حديث 1583 - 1585، وفي أحاديث الأنبياء، باب 10، حديث 3368، وفي التفسير، باب 10، حديث 4484، وفي التمني، باب 9، حديث 7243، ومسلم في الحج، حديث 1333 بنحوه.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 262.
(3)
قال ابن قندس في حاشيته على الفروع (7/ 385): قوله: والحكورة المشهورة، يريد بذلك أن كثيرًا من الأوقاف كان بساتين، فأحكروها وجعلت بيوتًا وحوانيت، ولم ينكر ذلك العلماء الأعيان، ومن ذلك وقف المسمارة بالشام كان بساتين فأحكر، وأعمل بيوتًا وحوانيت، ولم ينكره علماء ذلك الزمان.
(4)
الفروع (4/ 623)، والمبدع (5/ 357).
(5)
مسائل أبي داود ص/ 46، 233. وانظر - أيضًا - كتاب الوقوف من الجامع للخلال (2/ 613 - 623) رقم 89 - 90، 96 - 98، 300 - 305.
"تنبيه": عبارة المصنف وغيره: يُباع، أو: بيع، ونحوه فيما تقدم. قال الحارثي: وما في عبارة أحمد من ذلك كله يقتضي وجوب البيع حال التعطل. وبه صَرَّح في "المغني" و"التلخيص".
(وبمجرَّد شراء البدل) أي: بدل ما بيع من الوقف أو أتلف، ونحوه (يصير) البدل (وقفًا، كبدل أضحية، و) بدل (رهن أتلف).
قال ابن قُنْدس في "حواشي المحرَّر": الذي يظهر أنه متى وقع الشراء لجهة الوقف على الوجه الشرعي، ولزم العقد، أنه يصير وقفًا؛ لأنه كالوكيل في الشراء، والوكيل يقع شراؤه للموكل، فكذا هنا يقع شراؤه للجهة المشترى لها، ولا يكون ذلك إلا وقفًا. انتهى.
فيؤخذ منه أنه لو قصد الشراء لنفسه بمال الوقف، لم يكن ما اشتراه وقفًا، ويطالب بالثمن ليشترى به ما يكون وقفًا، وأنه لا يصير وقفًا إذا اشتراه للوقف إلا بعد لزوم البيع، بأن ينقضي الخيار (والاحتياط وقفه) لئلا ينقضه بعد ذلك من لا يرى وقفيته بمجرَّد الشراء.
(ويبيعه) أي: الوقف (حاكم) بلده (إن كان) الوقف (على سُبُل الخيرات) لأنه فسخ لعقد لازم مختَلف فيه اختلافًا قويًّا، فتوقف على الحاكم، كما قيل في الفسوخ المختَلف فيها.
(وإلا) يكن على سُبُل الخيرات، بأن كان على شخص معيَّن، أو جماعة معينين، أو من يؤم، أو يؤذن في هذا المسجد ونحوه؛ قاله في "شرح المنتهى" (فـ) ــيبيعه (ناظِرُه الخاصُّ) أن كان (والأحوط إذْنُ حاكمٍ له) أي: للناظر الخاص في بيعه؛ لأنه يتضمن البيع على من سينتقل إليهم بعد الموجودين الآن، أشبه البيع على الغائب.
(فإن عُدمِ) الناظر الخاص (فـ) ــيبيعه (حاكم) لعموم ولايته.
(ويجوز بيع آلته) أي: الوقف (وصَرْفها في عمارته) إن احتاج إلى ذلك؛ لما تقدم
(1)
.
(وما فضل عن حاجة المسجد من حُصُرِه، وزيته، ومغلِّه، وأنقاضه، وآلته، وثمنها) إذا بيعت (جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج) إليه؛ لأنه صرف في نوع المعين (و) جازت (الصدقة بها) أي: بالمذكورات (على فقراء المسلمين) لأنه في معنى المنقطع، قال الحارثي: وإنما لم يرصد، لما فيه منع التعطيل، فيخالف المقصود، ولو تُوقِّعت الحاجة في زمن آخر، ولا ريع يسد مسدَّها، لم يُصرف في غيرها؛ لأن الأصل الصَّرْف في الجهة المعيَّنة، وإنما سومح بغيرها حيث لا حاجة؛ حذرًا من التعطيل، وخصَّ أبو الخطَّاب والمجد الفقراءَ بفقراء جيرانه؛ لاختصاصهم بمزيد ملازمته والعناية بمصلحته. قال الحارثي: والأول أشبه.
(قال الشيخ
(2)
): يجوز صرف الفاضل في مثله (وفي سائر المصالح، و) في (بناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته.
وفضل غلةِ موقوفٍ على معيَّنٍ استحقاقُه مقدَّرٌ) من الوقف
(3)
(يتعينُ إرصاده؛ ذكره) القاضي محمد
(4)
(أبو الحسين، واقتصر عليه الحارثي).
(1)
(10/ 107).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 263.
(3)
في "ذ": "الواقف".
(4)
هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء ابن أبي يعلى، تفقَّه، وبرع، وصنف، وأفتى وناظر، توفي سنة (526 هـ) رحمه الله تعالى. ذيل طبقات الحنابلة (1/ 176).
قال: وأما فضل غَلَّة الموقوف على معين، أو معينيْن أو طائفة معينة، فيتعين إرصاده؛ ذكره القاضي أبو الحسين في فضل غَلَّة الموقوف على نفقة إنسان، وإنما يتأتى إذا كان الصَّرْف مقدَّرًا، أما عند عدم التقدير فلا فضل، إذ الغلة مستغْرَقَة. قال في "الإنصاف": وهو واضح. وقَطَع به في "المُنتهى".
(وقال الشيخ
(1)
: إن عَلِم أن رَيعه يَفْضُل دائمًا وجب صرفه؛ لأن بقاءه فساد) له (وإعطاؤه) أي: المستحق (فوق ما قدَّره
(2)
الواقف جائز) لأن تقديره لا يمنع استحقاقه.
(قال: ولا يجوز لغير الناظر صَرْف الفاضل) لأنه افتيات على مَن له ولايته.
قلت: والظاهر لا ضمان، كتفرقة هدي وأضحية.
(ومن وقف على ثَغْرٍ، فاختلَّ) الثغر (صُرف) الموقوف (في ثَغْرٍ مثله) أخذًا من مسألة بيع الوقف إذا خرب؛ إذ المقصود الأصلي هنا الصرف إلى المرابط، فإعمال شرط الثغر المعيَّن معطِّل له، فوجب الصرف إلى ثغر آخر.
قال في "التنقيح": (وعلى قياسه مسجد ورباط ونحوهما) وهو ما صَرَّح به الحارثي.
قال: والشرط قد يخالَف للحاجة، كالوقف من المتفقِّهة على مذهب معين، فإن الصرف يتعين عند عدم المتفقهة على ذلك المذهب إلى المتفقهة على مذهب آخر، أخذًا من مسألة بيع الوقف إذا خرب.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 263.
(2)
في "ذ": "قدر له".
قال: ولو وقف على مسجد أو حوض، وتعطَّل الانتفاع بهما، صُرف إلى مثلهما، ولو نذر التصدق بمال في يوم مخصوص من السنة، وتعذَّر فيه، وجب متى أمكن.
(ونصَّ) أحمد
(1)
(في من وقف على قنطرة، فانحرف الماء، أو انقطع، يُرْصَد، لعله) أي: الماء (يرجع) فيحتاجون إلى القنطرة. وقدَّم الحارثي: يُصرف إلى قنطرة أخرى؛ لما تقدَّم.
(ويَحرمُ حَفْر بئرٍ) في مسجد؛ لأن منفعته مستحقة للصلاة، فتعطيلها عدوان. ونصَّ على المنع في رواية المرُّوذي
(2)
.
(و) يحرم (غرس شجرة في مسجد) لما تقدَّم (فإن فعل) بأن حفر، أو غرس (قُلِعت) الشجرة (وطُمَّت) البئر؛ لما تقدم (فإن لم تُقلع) الشجرة (فثمرها لمساكين المسجد) وقال الحارثي: التقييد بأهل المسجد فيه بحث، والأقرب حِلُّه لغيرهم من المساكين أيضًا.
(ويتوجه جواز حَفْرِ بئر) في المسجد (إن كان فيه مصلحة، ولم يحصُل به ضيق. قال في "الرعاية": لم يكره أحمد
(3)
حَفْرها فيه) أي: المسجد، لكن يردُّه ما تقدم من رواية المرُّوذي.
(وإن كانت الشجرة مغروسة قبل بنائِه) أي: المسجد (ووقفها معه، فإن عيَّن) الواقف (مصرفَها؛ عُمِل به) كسائر الشروط، (وإلا) يعيّن مصرفها (فكوقف منقطع) تُصرف ثمرتها لورثة الواقف نسبًا، وقفًا، فإن انقرضوا فللمساكين.
(1)
كتاب التمام (2/ 93 - 94)، والفروع (4/ 630).
(2)
الفروع (4/ 632)، وانظر: مسائل عبد الله (1/ 151) رقم 198.
(3)
الفروع (4/ 632)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (16/ 541).
(ولا يجوز نقل المسجد) ولا بيعه (مع إمكان عمارته بدون العمارة الأولى) لأن الأصل المنع، فجوِّز
(1)
للحاجة وهي منتفية هنا.
(ويجوز رَفْعُه) أي: المسجد (إذا أراد أكثرُ أهله ذلك) أي: رفعه (وجَعْل تحت سُفْله سِقايةً وحوانيت) نص عليه في رواية أبي داود
(2)
. ومنع منه الموفَّق وابن حامد، وتأولا نصَّ الرفع لأجل السِّقاية على حالة إنشاء المسجد، وسموه مسجدًا بما يؤول إليه، وصححه في "الشرح" وردَّه الحارثيُّ من وجوهٍ كثيرة.
(قال) ابن عقيل (في "الفنون": لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مَرَمَّة؛ لأن كلَّ عصرٍ احتاجت) الكعبة (فيه إليه) أي: إلى تغيير الحجارة (فد فُعل، ولم يظهر نكيرٌ، ولو تعيَّنت الآلة لم يجز) التغيير (كالحجر الأسود) فلا يجوز تغييره (ولا يجوز نقله) من موضعه إلى موضع آخر (ولا يقوم غيره مقامه) مع وجوده (ولا ينتقل النُّسُكُ معه) إذا نُقل من موضعه إلى آخر (ويُكره نقل حجارتها عند عمارتها إلى غيرها) أي: الكعبة، ولعل المراد "يحرم" لقوله: (كما لا يجوز ضَرْب تراب المساجد لبنًا
(3)
في غيرها) أي: المساجد (بطريق الأولى) لما تقدم من أنه يتعين صَرْف الوقف للجهة المعينة.
(قال) في "الفنون": (ولا يجوز أن تُعلَّى أبنيتُها زيادةً على ما وُجِد من علوها) وأنه يُكره الصك فيها وفي أبنيتها إلا بقدر الحاجة.
(قال في "الفروع": ويتوجَّه جواز البناء على قواعدِ إبراهيم - عليه
(1)
في "ذ": "فيجوز".
(2)
مسائل أبي داود ص/ 46.
(3)
في متن الإقناع (3/ 99): "لبناء".
الصلاة والسلام -، يعني إدخال الحِجْر في البيت) وجعل بابين له (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لولا المعارض في زمنه) وهو أنَّ قومه حديثٌ عهدُهم بجاهلية (لَفَعَلَه، كما في حديث عائشة) السابق
(1)
(قال ابن هُبيرة فيه) أي: حديث عائشة: (يدلُّ على جواز تأخير الصواب لأجل قالة الناس، ورأى مالك
(2)
والشافعي
(3)
تركَه) أي: ترك البناء على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام (لئلا يصير البيتُ ملعبةً للملوك) وهو ظاهر.
"خاتمة": قال الشيخ تقي الدين
(4)
: والأرزاق التي يقدِّرها الواقفون ثم يتغير النقد فيما بعد، نحو أن يشرط مائة درهم ناصرية، ثم يحرم التعامل بها وتصير الدراهم ظاهرية، فإنه يعطى المستحق من نَقْدِ البلد ما قيمتُه قيمة المشروط. وقد أوسعنا العبارة في ذلك في "الحاشية".
(1)
(10/ 109) تعليق رقم (1).
(2)
التمهيد (10/ 49 - 50).
(3)
الأم (2/ 177).
(4)
الاختيارات الفقهية ص/ 264.
باب الهبة والعطية
الهبة: مصدر وهب الشيء يَهَبه هِبَة ووَهْبًا، ووَهَبًا - بإسكان الهاء وفتحها - ومَوْهبًا، والاسم المَوهِبَة - وعن بعضهم: والمَوْهِب - بكسر الهاء فيهما
(1)
وقد تُطلق الهِبة على الموهوب، كما في الخبر "لا يَحِلُّ لرجلٍ أنْ يُعطيَ عَطيَّةً، أو يَهب هبةً، ثُمَّ يَرجِعُ فيها إلا الوالِد"
(2)
وفي
(1)
انظر: مختار الصحاح ص/ 737، مادة (وهب)، والمطلع على أبواب المقنع ص/ 291، والقاموس المحيط ص/ 143، مادة (وهب).
(2)
أخرجه أبو داود في البيوع، باب 83، حديث 3539، والترمذي في البيوع، باب 62، حديث 1299، وفي الولاء والهبة، باب 7، حديث 2132، والنسائي في الهبة، باب 2، 4، حديث 3692، 3705، وفي الكبرى (4/ 121، 124) حديث 6517 - 6520، 6533 - 6535، وابن ماجه في الهبات، باب 2، حديث 2377، وابن أبي شيبة (6/ 476)، وأحمد (1/ 237، 2/ 27، 78)، وابن الجارود (3/ 250) حديث 994، وأبو يعلى (5/ 105) حديث 2717، والطحاوي (4/ 79)، وابن حبان "الإحسان"(11/ 524) حديث 5123، والطبراني في الكبير (12/ 396) حديث 13462، والدارقطني (3/ 42 - 43)، والحاكم (2/ 46)، والبيهقي (6/ 179، 180)، عن طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 211): رجاله ثقات.
وأخرجه - أيضًا - النسائي في الهبة، باب 2، حديث 3691، وفي الكبرى (4/ 121)، حديث 6516، وابن ماجه في الهبات، باب 2، حديث 2378، وأحمد (2/ 175، 182)، وابن عدي (5/ 1736)، والدارقطني (3/ 43)، والبيهقي (6/ 179، 181)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، بنحوه. قال الدارقطني في العلل كما في نصب الراية (4/ 124): ولعل الإسنادين محفوظان. وقال البيهقي =
"المحكم"
(1)
: لا يقال: وهبكه. وعن السيرافي: أن بعض الأعراب قال: انطلق معي أهَبْك نَبْلًا. وأصلها عن هبوب الريح أي: مروره، والاتهاب: قَبول الهبة، والاستيهاب: سؤالها، وأوهبه له: أعدَّه له.
و (الهبة: تمليك جائزِ التصرفِ) وهو الحر المكلَّف الرشيد (مالًا معلومًا) منقولًا، أو عقارًا (أو مجهولًا تعذَّر علمه) بأن اختلط مال اثنين على وجه لا يتميز، فوهب أحدهما الآخر ماله (موجودًا مقدورًا على تسليمه، غيرَ واجب في الحياة) متعلق بـ "تمليك"، (بلا عوض) متعلق - أيضًا - به.
فخرج بالمال: الاختصاصات، وتأتي.
وبالمعلوم: المجهول الذي لا يتعذَّر عِلمه، فلا تصح هبته كبيعه.
وبالموجود: المعدوم، كعبد في ذمته.
وبالمقدور على تسليمه: الحمل.
وبغير الواجب: الديون والنفقات ونحوها.
وبـ "في الحياة": الوصية.
وبلا عوض: عقود المعاوضات.
وقوله: (بما يُعدُّ هِبة، عُرفًا) متعلِّق بـ "تمليك"، والباء للسببية (من لفظ هبة وتمليك ونحوهما) من كل قول وفعل دل عليها كما يأتي، وهو بيان لما يُعدُّ هبة.
(وتنعقد) الهبة (بإيجاب وقَبول) بأيِّ لفظ دَلَّ عليهما (وبمعاطاة بفعل يقترن بما يدلُّ عليها) أي: الهبة (فتجهيز ابنته) أو أخته ونحوها
= (6/ 179): ويحتمل أن يكون عمرو بن شعيب رواه من الوجهين جميعًا.
(1)
المحكم والمحيط الأعظم (4/ 317) مادة (وهب).
(بجَهاز إلى) بيت (زوجها
(1)
تمليك
(2)
) لها (وتقدم) ذلك (أول البيع
(3)
.
والعطية: تمليكُ عينٍ) مالية موجودة، مقدورٍ على تسليمها، معلومةٍ، أو مجهولةٍ تعذَّر عِلمها (في الحياة بلا عِوض) ومحترز هذه القيود معلومٌ مما سبق.
فالعَطِية على هذا مصدر، وليس عند أهل اللُّغة كذلك فيما علمت؛ قاله الحارثي، قال: بل نفسُ الشيء المُعطى، والجمع عطايا وأعطِية، وجمعوا أعطية على أعطِيَات. وأما المصدر فالإعطاء، والاسم العطاء، ويُقال - أيضًا - على الشيء المُعطى.
(وهبة التلجِئَة باطلة، بحيث توهب في الظاهر، وتُقبض مع اتِّفاق الواهِبِ والموهوب له على أنه ينزِعُه منه إذا شاءَ، ونحو ذلك من الحِيل التي تُجعل طَريقًا إلى مَنْع الوارث أو الغريم حقوقَهم) لأن الوسائل لها حكم المقاصد.
(وأنواع الهِبة: صَدَقةٌ، وهديَّة، ونِحْلة - وهي العطية - ومعانيها متقاربة) وكلها تمليك في الحياة بلا عوض؛ قاله في "المغني"(تجري فيها أحكامُها) أي: أحكام كل واحدة من هذه المذكورات تجري في البقية.
(فإن قصد بإعطائه ثوابَ الآخرة فقط، فَصَدَقة، وإن قصد) بإعطائه (إكرامًا وتودُّدًا ومكافأة) والواو بمعنى "أو"، كما في "المنتهى" (فهدية،
(1)
في متن الإقناع (3/ 101): "زوج".
(2)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 474) ما نصه: "محل ذلك إذا كانت من أهل القبض، أو قبض الأب ونحوه لها من نفسه؛ لما يأتي قريبًا قوله: ويقبض لطفل أبوه فقط. ا. هـ. من خط ابن العماد".
(3)
(7/ 302).
وإلا) بأن لم يقصد بإعطائه شيئًا مما ذكر (فهِبة وعطية ونِحْلة.
وهي) أي: المذكورات من صَدَقة وهدية وعطية (مستحبَّة، إذا قُصد بها وَجْهُ الله تعالى، كالهِبة للعلماء والفقراء والصالحين، وما قُصِد به صِلَة الرَّحِم) قال الحارثي: وجنس الهبة مندوب إليه؛ لشموله معنى التوسعة على الغير ونفي الشُّح قال: والفضل فيها يثبت بإزاء ما قُصد به وجهُ الله تعالى، كالهبة للصلحاء والعلماء ونحو ذلك، ولا خير فيما قُصد به رياء أو سُمْعة.
و (لا) تُستحب إن قُصد بها (مباهاة ورياء وسُمْعة) الواو بمعنى "أو"(فتُكره) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ الله به، ومن يُراءِ يُراءِ الله به" متفق عليه
(1)
.
وتقدم
(2)
أن الصدقة على قريب
(3)
أفضل من عتق؛ لما في "الصحيحين" عن ميمونة "أنها أعتَقت وليدَةً في زمانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذَكرتْ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو أعْطَيْتِها لأخوالِك كان أعظمَ لأجْرِكِ"
(4)
.
(1)
البخاري في الرقاق، باب 36، حديث 6499، وفي الأحكام، باب 9، حديث 7152، ومسلم في الزهد والرقائق، حديث 2987، عن جندب بن عبد الله البجلي العَلَقي رضي الله عنه.
وأخرجه مسلم في الزهد والرقائق، حديث 2986، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءَى الله به.
(2)
(3/ 11).
(3)
في "ح" زيادة: "محتاج".
(4)
البخاري في الهبة، باب 14، 15، حديث 2592، 2594، ومسلم في الزكاة، حديث 999.
(قال الشيخ
(1)
: والصدقةُ أفضل من الهِبة) لما وَرَدَ فيها مما لا يحصر (إلا أن يكون في الهِبة معنىً تكون) الهِبة (به أفضل من الصدقة، مثل الإهداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبَّة له، ومثل الإهداء لقريب يصل به رحمه، أو) الإهداء لـ (ــأخ له في الله، فهذا قد يكون أفضل من الصدقة) أي: على غيره (انتهى.
ووعاء هدية كهي) في أنها لا ترد (مع عُرف، كقَوْصَرَّةِ
(2)
التمر) فتتبعه اعتبارًا بالعرف.
(ومن أهدَى) شيئًا (ليُهْدَى له أكثر) منه (فلا بأس
(3)
) به (لغير النبي صلى الله عليه وسلم) فكان ممنوعًا منه؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}
(4)
أي: لا تُعطِ شيئًا لتأخذ أكثر منه. قال ابن عباس وغيره: هو خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم
(5)
؛ لأنه مأمور بأشرف الأخلاق وأجلها.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 269.
(2)
القوصرة، بالتثقيل والتخفيف: وعاء التمر يُتخذ من قصب. "المصباح المنير"(2/ 693) مادة (قصر).
(3)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله ما نصه (2/ 475): "إلا أن يكون محاباة ونحوها فيحرم. ا. هـ. من خط ابن العماد".
(4)
سورة المدثر، الآية:6.
(5)
أخرج البيهقي (7/ 51) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]. قال: هو الربا الحلال، كأن يهدي يريد أكثر منه، فلا أجر فيه ولا وزر، ونهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} .
وأخرج الطبري في التفسير (29/ 149) من طريق سفيان، عن رجل، عن الضحاك بن مزاحم:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} قال: هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولناس عامة موسَّع عليهم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/ 282) من قول عكرمة وعزاه إلى عبد بن حميد =
(ويُعتبر) في الهبة (أن تكون من جائز التصرف) فلا تصح من صغير، ولا سفيه، ولا عبد ونحوهم، كسائر التبرعات.
(وهي كبيع في تراخي قَبول) عن إيجاب، فتصح ما داما في المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعها، فإن تفرَّقا قبل القَبول، أو تشاغلا بما يقطعها، بطل.
(و) هي كبيع - أيضًا - في (تقدُّمه) أي: تقدم القَبول على الإيجاب، فتصح في الحال التي يصح فيها البيع، وتبطل فيما يبطل فيه.
(و) هي كبيع - أيضًا - في (غيرهما) كانعقادها بكل لفظ أدَّى معناها، وبالمعاطاة كما تقدم
(1)
.
(ولا تقتضي) الهبة (عوضًا، ولو مع عُرف، كأن يعطيه) أي: يعطي الأدنى أعلى منه (ليعاوضه، أو يقضي له حاجة) ولم يصرح له بذلك؛ لأن مدلول اللفظ انتفاء العوض، والقرينةُ لا تساويه، فلا يصح إعمالها، ولهذا لم نُلحِقه بالشرط.
(وإن شرط) الواهب (فيها) أي: الهبة (عوضًا معلومًا، صارت) الهبة (بيعًا، فيثبت فيها خيار) مجلس ونحوه (و) يثبت فيها (شُفعة) إن كان الموهوب شقصًا مشفوعًا (ونحوهما) كالرد بالعيب، واللزوم قبل التقابض، وضمان الدَّرَك، ووجوب التساوي مع التقابض قبل التفرُّق في الربوي المتحد؛ لأنه تمليك بعوض معلوم، أشبه ما لو قال: بعتُك، أو ملَّكتك هذا بهذا.
(وإن شَرَط) في الهبة (ثوابًا مجهولًا، لم تصح الهِبة) لأنه عوض
= وابن المنذر.
(1)
(10/ 117).
مجهول في معاوضة، فلم تصح كالبيع (وحكمها) أي: الهبة بثواب مجهول (حكم البيع الفاسد) فيضمنها الموهوب له - إن قبضها وتلفت - بمِثلها إن كانت مِثْلية، وقيمتها إن كانت متقوَّمة (ويردّها الموهوب له) إن بقيت (بزيادتها المتصلة والمنفصلة) لأنها نماء ملك الواهب.
(وإن اختلفا في شرطِ عِوضٍ) بأن قال الواهب: شَرَطنا العوض، وأنكره موهوب له (فقول مُنكِرٍ) بيمينه؛ لأن الأصل عدمه، وبرئت ذمته.
(وإن قال) قابض: (وهبتني ما بيدي) و (قال) مُقبِضٌ: (بل بِعتُكَه، ولا بينة) لواحد منهما (حلف كلُّ) واحد (منهما على ما أنكر، ولا يصح) أي: لا يثبت (البيع ولا الهِبة) لأن الأصل عدمهما.
"تتمة": قال في "المُنتهى": وتصح وتُملك بعقد، فيصح تصرّف قبل قبض. انتهى. وهو الذي قدَّمه في "الإنصاف"، وقال المجد في "شرح الهداية": إن الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض، وكذا صرَّح ابن عقيل بأن القبض رُكنٌ من أركان الهبة كالإيجاب في غيرها. وكلام الخرقي يدلُّ عليه أيضًا، وعن ابن حامد وجه: أن الملك في الهبة يقع مراعىً، فإن وجد القبض تبيَّنَّا أنه كان للموهوب بقَبوله، وإلا؛ فهو للواهب. قلت: وهو وجهٌ حسن.
(ويصح أن يهب شيئًا) من دار، أو عبد ونحوهما (ويَستثني نفعه مدة معلومة) كالبيع والعتق.
(و) يصح (أن يهب أَمَةً، ويَستثني ما في بطنها) كالعتق.
(وتلزم) الهبة (بقبضها بإذن واهب).
و (لا) تلزم (قبلَهما) أي: قبل القبض بإذن الواهب (ولو) كانت الهبة (في غير مكيل ونحوه) لما روى مالك عن عائشة "أنَّ أبا بكر نَحَلها
جُذَاذَ
(1)
عشرينَ وَسْقًا من ماله بالعاليةِ، فلمَّا مرضَ، قال: يا بُنَيَّةُ؛ كنتُ نَحلْتُكِ جذاذ
(1)
عشرينَ وَسْقًا، ولو كنتِ جَذَذْتِيهِ، أو قَبَضْتِيهِ كان لكِ، فإنَّما هو اليوم مالُ وارثٍ فاقَتَسِمُوهُ على كتابِ الله تعالى"
(2)
وروى ابن عيينة عن عمر
(3)
نحوه. وروي أيضًا نحوُه عن عثمان، وابن عمر، وابن عباس
(4)
، ولم يُعرف لهم مخالف من الصحابة. واختار ابن عقيل
(1)
"جذاذ" بالذال المعجمة، كذا في الأصول! وفي الموطأ:"جادّ"، وفي بقية مصادر التخريج:"جداد" بالدال المهملة. والجاد: بمعنى المَجدود، أي: نخلٌ يُجدُّ منه ما يبلغ عشرين وسْقًا. والجداد: بالفتح والكسر، صِرام النخل، وهو قطع ثمرتها. النهاية في غريب الحديث (1/ 244).
(2)
مالك في الموطأ (2/ 752). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (9/ 101) رقم 16507، 16508، وابن سعد (3/ 194)، وابن أبي شيبة (6/ 43)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 191) رقم 4826، والطحاوي (4/ 88)، واللالكائي في كرامات الأولياء ص/ 117، رقم 63، والبيهقي (6/ 169، 170، 178)، والبغوي في شرح السنة (8/ 302) رقم 2204، من طرق عن عائشة رضي الله عنها مطولًا، ومختصرًا. وصححه ابن حزم في المحلى (8/ 301)، وابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 104)، والحافط ابن حجر في الدراية (2/ 183).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 40)، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ، قال: قال عمر رضي الله عنه: ما بال رجال ينحلون أولادهم نحلًا، فإذا مات ابن أحدهم، قال: مالي، وفي يدي، وإذا مات هو، قال: قد كنت نحلته ولدي، لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد، دون الوالد.
وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (2/ 753)، وعبد الرزاق (9/ 102) رقم 16509، عن معمر، والبيهقي (6/ 170)، من طريق مالك ويونس بن يزيد، عن الزهري، به. وصحح إسناده الحافط في الدراية (2/ 183).
(4)
أخرج سحنون في المدونة (6/ 108) عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالوا: لا تجوز صدقة حتى تقبض.
وأثر عثمان، وابن عباس رضي الله عنهم: أخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (6/ 41، 44).
وغيره: تلزم في المتميز غير المكيل ونحوه بمجرد العقد (إلا ما كان في يد متَّهَب، كوديعة وعاريَّة وغصبٍ، ونحوه) كشركة (فيلزم) عقد الهبة فيه (بـ) ــمجرد (عقد، ولا يحتاج إلى) مضي (مدة يتأتى قبضه فيها، ولا إلى إذن) واهب (في القبض) لأن قبضه مستدام، فأغنى عن الابتداء، كما لو باعه سلعة بيده.
(ولا يصح قبض) الهبة (إلا بإذن واهب) لأنه قبضٌ غيرُ مستحَقٍّ عليه، فلم يصح إلا بإذنه، كأصل العقد وكالرهن.
(والإذن لا يتوقف على اللفظ، بل المناولةُ) إذْنٌ (والتخلية إذن) لدلالة الحال، وكذا الأمر بأكل الطعام الموهوب.
(ولواهب) أَذِن لمُتَّهب في قبض هبة (الرجوعُ في إذنٍ) قبل القبض؛ لبقاء الملك، وليس الرجوع عنه رجوعًا في الهِبة؛ لأن إبطال الإذن إعدامٌ له، وعدمه لا يوجب رجوعًا؛ قاله الحارثي.
(و) لواهب - أيضًا - الرجوع في (هبة، قبل قبضٍ) لأن عقد الهبة لم يتمَّ، فلا يدخل تحت المنع، قال الحارثي: وعتق الموهوب، وبيعه، وهبته قبل القبض رجوع؛ لحصول المنافاة (مع الكراهة) خروجًا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد.
(ويبطل إذن الواهب) في القبض (بموت أحدهما) أي: الواهب أو الموهوب له؛ لأن إذنه فيه وكالة وهي تبطل بذلك.
(ويقبِض لطفل) وهبه وليه هبة (أبوه فقط من نفسه، فيقول: وهبت ولدي كذا، وقبضته له) فإن لم يقل: وقبضته له، لم يكفِ على ظاهر رواية حرب
(1)
؛ لتغاير القَبْضين، فلا بُدَّ من تمييز؛ لأن اليد التي لجهة
(1)
المغني (8/ 254).
المتَّهَب هنا هي نفس يد الواهب، فلا يؤمن أن يدعيه في ثاني الحال، أو يدعيه الورثة تركة، فيذهب على الطفل (ولا يحتاج) أب وهب طفله (إلى قَبول) للاستغناء عنه بقرائن الأحوال.
(ولا يصحُّ قبض طفل) أي: غير بالغ (ولو) كان غير البالغ (مميزًا، ولا قبض مجنون لأنفسهما، ولا قَبولهما) الهبة؛ لانتفاء أهلية التصرُّف (بل) يقبل ويقبض لهما (وليهما) لأنه المتصرّف عليهما، فالأب (الأمين) أي: العدل، ولو ظاهرًا (يقوم مقامهما) في ذلك (ثم) عند عدمه
(1)
(وصيٌّ، ثم حاكمٌ أمينٌ كذلك، أو من يقيمونه مقامهم، وعند عدمهم) أي: الأولياء (يقبض له من يليه، من أمٍّ وقريب وغيرهما؛ نصًّا
(2)
) قال ابن الحكم: سئل أحمد
(3)
: يعطى من الزكاة الصبي؟ قال: نعم، يعطي أباه، أو من يقوم بشأنه. وروى المرُّوذي - أيضًا - نحوه
(4)
. قال الحارثي: وهو الصحيح؛ لأنه جلب منفعة ومحل حاجة (وتقدم آخر باب ذِكْر أهل الزكاة
(5)
.
لكن يصح منهما) أي: الصغير والمجنون (قبض المأكول الذي يُدفع مثله للصغير) لحديث أبي هريرة: "كان النَّاسُ إذا رأوا أولَ الثمار
(1)
في "ذ": "عدم".
(2)
الفروع (2/ 644)، والمبدع (2/ 440)، وانظر: مسائل صالح (2/ 339) رقم 977، وفيها:"قال: لا أعرف الأم يكون لها القبض، ولا يكون إلا للأب"، ومسائل إسحاق بن منصور الكوسج (2/ 558) رقم 546، وليس فيها ذكر الأم.
(3)
الفروع (2/ 645)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (7/ 212).
(4)
وهو قوله: قلت لأحمد: يُعطي غلامًا يتيمًا من الزكاة؟ قال: نعم، يدفعها إلى الغلام. قلت: فإني أخاف أن يضيعه؟ قال: يدفعه إلى من يقوم بأمر. المغني (4/ 97)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (7/ 212).
(5)
(5/ 176).
جاءوا بهِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه، قال: اللهمَّ بارك لنا في ثمرنا، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان" أخرجه مسلم
(1)
.
(وإن كان الواهب لهما) أي: للصغير والمجنون (أحد الثلاثة غير الأب) بأن كان الواهب الوصيَّ، أو الحاكم (لم يتولَّ طرفي العقد) كالبيع (ووكَّل من يقبل) بخلاف الأب؛ لأن له أن يتولَّى طرفي البيع (ويقبض هو) أي: الولي. قال في "المغني": والصحيح عندي أن الأب وغيره في هذا سواء؛ لأنه عقد جاز صدوره منه وعن وكيله، فجاز له تولِّي طرفيه كالأب، وفارق البيع؛ فإنه عقد معاوضة ومرابحة، فتحصُل التُّهمة في العقد لنفسه، والهِبة محض مصلحة لا تُهمة فيها، فجاز له تولِّي طرفيها كالأب. قال الحارثي: وبه أقول. انتهى.
والسفيه فيما تقدم كالصغير.
(وإن كان الأب غير مأمون) قَبِلَ الحكم الهبة للصغير ونحوه (أو) كان الأب (مجنونًا) قَبِلَ الحاكم الهبة لولده (أو) كان الأب قد مات، و (لا وصي له، قَبِلَ له الحاكم) لأنه وليه إذًا.
(ولو اتَّخذ الأب دعوةَ خِتان، وحُملت هدايا إلى داره، فهي له) لأنه الظاهر (إلا أن يوجد ما يقتضي الاختصاص بالمختون فيكون له، وهذا كثياب الصبيان ونحوها مما يختص بهم، وكذا لو وُجِد ما يقتضي اخصاصَ الأُم) بشيء (فيكون لها، مثل كون المُهْدِي من أقاربها أو معارفها) حُمِلَ على العُرف.
(وخادم الفقراء الذي يطوف لهم في الأسواق، ما حصل له لا يختصُّ به) لأنه في العُرف إنما يُدفع إليه للشركة فيه، وهو إما كوكيلهم،
(1)
في الحج، حديث 1373.
أو وكيل الدافعين، فينتفي الاختصاص.
(وما يُدفع من صدقة إلى شيخ زاوية، أو) شيخ (رِباط، الظاهرُ أنه لا يختصُّ به) لأنه في العادة لا يُدفع إليه اختصاصًا به، فهو كوكيل الفقراء، أو الدافعين، كما تقدم (وله التفضيل في القَسْم بحسب الحاجة) لأن الصدقة يُراد بها سَدّ الخَلّة، مع أنه لم يصدر إليه ما يقتضي التسوية، والظاهر تفويض الأمر إليه في ذلك.
(وإن كان الشيء يسيرًا لم تجرِ العادة بتفريقه، اختصَّ هو به) لأن الإعطاء صدر إليه، ولا قرينة تصرف
(1)
عنه (ذكره الحارثي.
والهبة من الصبي لغيره باطلة) لأنه محجور عليه (ولو أذن فيها الولي) لم تصح؛ لأنه تبرعٌ.
(وكذا السفيهُ) لا تصح هبته، ولو أذن فيها وليُّه.
(وتجوز) الهبة (من العبد بإذن سيده) لأن الحَجْر عليه لحقِّ سيده، فإذا أذنه انفك، بخلاف الصغير ونحوه.
(وله) أي: العبد (أن يَقبل الهِبة، والهدية بغير إذنه) أي: سيده؛ لأنه تحصيل منفعة كالاحتشاش والاصطياد، وتكون لسيده إلا المُكاتَب.
(وإن مات واهب قبل إقباض ورجوع) لم تبطل الهبة؛ لأنه عقد مآله إلى اللزوم، فلم ينفسخ بالموت، كالبيع في مدة الخيار، و (قام وارثه
(2)
مقامه في إذن) في قبض (و) في (رجوع) في الهبة.
(وتبطل) الهبة (بموت متَّهَبٍ قبل القبض) لقيام قبضه مقام القَبول، أشبه ما لو مات من أوجب البيع ونحوه قبل القَبول. قال الحارثي: وهو
(1)
في "ذ": "تصرفه".
(2)
في متن الإقناع (3/ 104): "وارث".
مشكل، وقدَّم أنه كموت الواهب.
(ولو وهب) إنسان (لغائبٍ
(1)
هبة، وأنفذها) الواهب (مع رسول الموهوب له أو) مع (وكيله، ثم مات الواهب، أو) مات (الموهوب له، قبل وصولها) إليه (لزم حكمها، وكانت للموهوب له؛ لأن قبضهما) أي: قبض رسوله ووكيله (كقبضه) فيكون الموت بعد لزومها بالقبض، فلا يؤثر.
(وإن أنفذها الواهب مع رسول نفسه، ثم مات) الواهب (قبل وصولها إلى الموهوب له، أو مات الموهوب له، بطلت) الهبة (وكانت للواهب أو ورثته؛ لعدم القبض) لحديث أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت: "لمَّا تزوَّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُمَّ سلمةَ، قال لها: إنِّي قد أهديتُ إلى النَّجاشي حُلَّةً، وأواقيَ مِسْكٍ، ولا أرى النَّجَاشِي إلا قد ماتَ، ولا أرى هديَّتي إلا مردُودةً عليَّ، فإنْ رُدَّتْ فهو لك، قالت: فكان كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورُدَّتْ عليهِ هديَّتُهُ، فأعْطى كل امرأةٍ من نِسائه أُوقِيَّةً من مِسْكٍ، وأعطى أُمَّ سلمة بقيَّةَ المِسْكِ والحُلَّة" رواه أحمد
(2)
.
(1)
في متن الإقناع (3/ 104): "الغائب".
(2)
(6/ 404). وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (1/ 119) حديث 485، وابن سعد (8/ 95)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 226) حديث 3459، وابن المنذر في الأوسط (2/ 396) حديث 895، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 323) حديث 347، 348، وابن حبان "الإحسان"(11/ 515) حديث 5114، والطبراني في الكبير (25/ 81) حديث 205، 206، والحاكم (2/ 188) والبيهقي (6/ 26 - 27)، وفي معرفة السنن والآثار (8/ 200) حديث 11641، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 285).
قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي، فقال: منكر، ومسلم الزنجي ضعيف. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 147 - 148) (8/ 289): وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وثقه ابن معين وغيره. وضعفه جماعة، وأم موسى بن عقبة لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح. وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح =
وبطلان الهبة إذا مات الواهب بعد بعث رسوله بالهدية؛ لعدم القَبول كما يأتي، بخلاف ما تقدم.
(وليس للرسول حملها) أي: الهبة (بعد موت الواهب إلى الموهوب له إلا أن يأذن) له (الوارث) لأن الحق صار إليه.
(وكذا حكم هدية) وصدقة؛ لأنهما نوعان من الهبة.
(وإن مات المُتَّهَب، أو الواهب قَبْل القَبول، أو ما يقوم مقامه، بطل العقد) لأنه لم يتم، وكذا لو جُنَّ، أو أُغمي عليه، كما يأتي في النكاح.
"تتمة": إذا تفاسخا عقد الهبة، صح، ولا يفتقر إلى قبض الموهوب له، وتكون العين أمانة في يد المُتَّهَب؛ قاله في "الاختيارات"
(1)
.
فصل
(وإن أبرأ غريم غريمَه من دَينه) صح (أو وهبه له) صح (أو أحلَّه منه) صح (أو أسقطه عنه) صح (أو تركه) له صحّ (أو ملَّكه له) صح (أو تصدَّق به عليه) صح (أو عفا عنه، صح، وبرِئت ذِمتُه) وكذا لو قال: أعطيتكه، ونحوه، ويكون ذلك إبراءً وإسقاطًا.
ولفظ الهبة، والصدقة، والعطية ينصرف إلى معنى الإبراء؛ لأنه لا عين موجودة يتناولها اللفظ. قال الحارثي: ولهذا لو وهبه دَينه هبة حقيقية لم يصح؛ لانتفاء معنى الإسقاط وانتفاء شرط الهبة، ومن هنا امتنع هبته لغير من هو عليه، وامتنع إجزاؤه عن الزكاة لانتفاء حقيقة
= (5/ 222).
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 266.
الملك. انتهى.
ويصح الإبراء من الدَّين بالألفاظ السابقة (ولو كان) الدَّين (المُبْرَأ منه مجهولًا لهما) أي: لربِّ الدَّين والمدين (أو) كان مجهولًا (لأحدهما) و (سواء جهلا قَدْره، أو) جهلا (وصفه، أو) جهلا (هما) أي: القَدْر والوصف، ويصح الإبراء من المجهول (ولو لم يتعذَّر علمه) لأنه إسقاط حق، فينفذ مع العلم والجهل، كالعتق والطلاق.
(أو) أي: ويصح الإبراء من الدَّين ولو (لم يقبله المَدين) لأنه إسقاط حق، فلا يتوقف على قَبولٍ، كإسقاط القصاص والشُّفعة (أو ردَّه) أي: يصح الإبراء من الدَّين ولو ردَّه المدين؛ لأنه لو ارتدَّ بالرد، للزم وجوب الاستيفاء، أو إبقاء الحق، وهو ممتنع (أو كان) الإبراء (قبل حلول الدَّين) لأن تأجيله لا يمنع ثبوته في الذِّمة.
(وإن أبرأه ونحوه) بأن وهبه له، أو تصدَّق به عليه، أو تركه له (و
(1)
يعتقد أنه لا شيء له عليه) كقوله: أبرأتُك من مائة، يَعتَقِد عدمها (ثم تبيَّن أنـ) ــه كان (له عليه، صَحَّت البراءة) لمصادفتها الحق (كما تصح) البراءة (من المعلوم) وكذا لو أبرأ من دَين أبيه مع ظن أنه حيٌّ، فبان ميتًا، كبيع مال مورثه الميت مع ظن الحياة.
(وظاهر كلامهم) أي: الأصحاب (عمومه) أي. عموم صحة الإبراء من المجهول (في جميع الحقوق المجهولة، وصرَّح به في "الفروع" آخر القذف. لكن لو جهله رَبّه) أي: الدَّين (وعلمه من عليه الحق، وكتمه) المدين عن ربِّ الدَّين (خوفًا من أنه) أي: ربَّ الدين (لو علمه) أي: الدين (لم يُبرئه) أي: ربّ الدين، منه (لم تصح البراءة) لأن
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 105) دون واو.
فيه تغريرًا للمُبْرئ، وقد أمكن التحرُّز منه.
(وإن أبرأه) أي: أبرأ ربُّ الدَّين مدينًا (من درهم إلى ألف، صح) الإبراء (فيه) أي: الألف (وفيما دونه) أي: دون الألف.
(ولا يصح الإبراء من الدَّين قبل وجوبه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاقَ إلا فيما تَمْلِكُ، ولا عِتْقَ إلَّا فيما تَمْلِكُ"
(1)
والإبراء في معناهما.
(1)
أخرجه أبو داود في الطلاق، باب 7، حديث 2190، والترمذي في الطلاق، باب 6، حديث 1181، وفي العلل (1/ 465)، والطيالسي ص/ 299، حديث 2265، وعبد الرزاق (6/ 417) حديث 11456، وسعيد بن منصور (1/ 251) حديث 1020، وأحمد (2/ 189، 190، 207)، وابن الجارود (3/ 62) حديث 743، وابن عدي (5/ 1736)، والدارقطني (4/ 14 - 15)، والحاكم (2/ 204 - 205)، والبيهقي (7/ 318)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 208، 289) حديث 1545، 1696، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. ولفظ "صحيح" ليس في تحفة الأشراف (6/ 318 - 319) وليس في مختصر سنن أبي داود (3/ 117) للمنذري أيضًا. وقال الترمذي في العلل: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقلت: أي حديث في هذا الباب أصح في الطلاق قبل النكاح؟ فقال: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، وحديث هشام بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.
وقال الخطابي في معالم السنن (3/ 241): حديث حسن. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك (2/ 205): صحيح.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - علي رضي الله عنه: أخرجه العقيلي (4/ 428)، والطبراني في الأوسط (1/ 202) حديث 292، وفي الصغير (1/ 169) حديث 266، وابن عدي (1/ 354، 4/ 1445)، ولفطه:"لا طلاق إلا من بعد نكاح، ولا عتاق إلا من بعد ملك".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 187): رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات.
ب - جابر رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 145) حديث 459، و (8/ 144، 168) حديث 8224، 8296، والحاكم (2/ 204، 419 - 420)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والبيهقي (7/ 319)، ولفظه:"لا طلاق لمن لا يملك، ولا عتق لمن لا يملك".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وشاهده الحديث المشهور في الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ووافقه الذهبي في تصحيحه للحديث، وقال: وشاهده أشهر منه.
وقال ابن حجر في بلوغ المرام، حديث 1014: هو معلول.
ج - معاذ رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6/ 418) حديث 11458، والطبراني في الكبير (10/ 166) حديث 349 - 351، وفي الأوسط (1/ 35) حديث 89، والدارقطني (4/ 14)، والبيهقي (7/ 320)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 289) حديث 1697، من طريق طاوس، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه:"لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 334): رجاله ثقات، إلا أن طاوسًا لم يسمع من معاذ. وقال ابن حجر في الفتح (9/ 384): رجاله ثقات إلا إنه منقطع بن طاوس، ومعاذ.
د - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 27، 49) حديث 10933، 11004، وفي الأوسط (2/ 297) حديث 2029، والدارقطني (4/ 16، 159)، والبيهقي (7/ 320)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 381) حديث 2025.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 246): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الكبير ثقات.
هـ - المسور رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الطلاق، باب 17، حديث 2048.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 354): هذا إسناد حسن.
و - عائشة رضي الله عنها: أخرجه الدارقطني (4/ 15 - 16)، من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا. والبيهقي (7/ 321) من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة موقوفًا.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (18/ 122): وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة إلا أنها عند أهل الحديث معلولة، ومنهم من يصحح بعضها، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يخالفها.
وانظر: فتح الباري (9/ 382 - 383).
(ومن صور الإبراء
(1)
من المجهول، لو) كان له على إنسان دَينان، و (أبرأه من أحدهما
(2)
) لا بعينه (أو) كان له دَينان على شخصين، و (أبرأ أحدَهما) لا بعينه (ويؤخذ) أي: يرجع إلى المبرئ (بالبيان) قاله الحلواني والحارثي. قال في "التنقيح": (و) المذهب (لا يصح) الإبراء (مع إبهام المَحَلِّ، كـ: أبرأتُ أحد غريمي) أو: مِن أحد دَيْنيَّ، كما لو قال: وهبتُك أحد هذين العبدين، أو ضمنتُ لك أحد الدَّينين.
(ولا تصح هبة الدَّين لغير من هو في ذمته) لما تقدم من أن الهبة تقتضي وجود معين، وهو منتفٍ هنا (وتقدم آخر السَّلم
(3)
.
وتصح هبة المُشاع من شريكه، ومن غيره، منقولًا كان) كجزء من نحو فرس (أو غيره) كجزء من عقار (ينقسم، أو لا) كالعبد؛ لما في الصحيح "أنَّ وفد هوازن لما جاؤوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردَّ عليهم ما غنم منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان لي ولبني المطلب فهو لكم"
(4)
.
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 105): "البراءة".
(2)
في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 478) ما نصه: الظاهر أن هذه رواية، والمذهب التي بعدها، ولذلك اقتصر عليها في المنتهى فقال:"ولا يصح مع إبهام المحل، كـ: أبرأتُ أحدَ غريميّ، أو من أحد دَيني". واقتصر عليها، فيكون قول الحلواني والحارثي رواية مرجوحة، وإن قدَّمها هنا، فتأمل. قال في الحاشية:"قال في الفروع: ثم يُفرَّع على المذهب". واقتصر على ذلك. وقال في التنقيح بعد حكاية كلامهما: "والمذهب لا يصح مع إبهام المحل، كـ: أبرأتُ أحدَ غريمي" انتهى. فقول المصنف عقبه: ولا يصح مع إبهام المحل
…
إلى آخر كلام التنقيح. ولعلَّ في كتابته سقطًا، وأصل العبارة كعبارة التنقيح. انتهى.
(3)
(8/ 119 - 120).
(4)
أخرج الإمام البخاري خبر مجيء وفد هوازن مسلمين، وسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم في عدة مواضع: في الوكالة، باب 7، حديث 2307، =
(وإن وهب) أرضًا (أو تصدَّق) بأرضٍ (أو وَقَفَ) أرضًا (أو وصَّى بأرض) يعني بجزء منها (أو باعها، احتاج أن يحدَّها كلها) بأن يقول: كذا سهمًا من كذا سهمًا؛ لقوله في رواية صالح
(1)
، وسأله عن رجل بينه وبين قوم بيت مُشاع غير مقسوم، فتصدَّق أحدُهم على بعضهم بحصته مُشاعًا غير مقسوم، هل يجوز ذلك؟ قال: إذا كان سهم من كذا، وكذا سهمًا، فهو جائز، فإن قال: ثلثها، أو نحوه، صح. قال في رواية أبي داود
(2)
:
= 2308، وفي العتق، باب 13، حديث 2539، 2540، وفي الهبة، باب 9، 23، حديث 2583، 2584، 2607، 2608، وفي فرض الخمس، باب 15، حديث 3131، 3132، وفي المغازي، باب 55، حديث 4318، 3419، وفي الأحكام، باب 26، حديث 7176، 7177، عن مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة.
وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف فلم نقف عليه في المواضع المذكورة، وإنما أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 131، حديث 2693، والنسائي في الهبة، باب 32، حديث 3690، وفي الكبرى (4/ 120) حديث 6515، والبخاري في التاريخ الصغير (1/ 5)، وابن هشام في السيرة (2/ 488 - 489)، وأحمد (2/ 184، 218)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق ص/ 94، حديث 382، والطبري في التاريخ (3/ 86 - 87، 89 - 90)، والطبراني في الكبير (5/ 269) حديث 5303، وفي الصغير (1/ 394 - 396) حديث 661، والبيهقي (6/ 336، 9/ 75)، والخطيب في تاريخه (7/ 105 - 106)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 227) حديث 1610، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 262 - 263)، وابن حجر في لسان الميزان (4/ 101)، والسيوطي في تدريب الراوي (2/ 162 - 164)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا.
قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 91): هذا حديث ثابت مشهور.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 188): رواه أحمد ورجال أحد إسناديه ثقات.
وحسنه الحافظ ابن حجر في اللسان (4/ 100)، والسيوطي في تدريب الراوي (2/ 164).
(1)
(1/ 263 - 264) رقم (202).
(2)
مسائل أبي داود ص/ 203.
وسُئل عمن يهب لرجل ربع داره؟ قال: هو جائز. و- أيضًا - قيل له
(1)
: وهبت منك نصيبي من الدار، قال: إن كان يعلم كم نصيبه فهو جائز.
(ويُعتبر لقبضه) أي: المُشاع إن كان منقولًا (إذن الشريك) لأنه لا يمكن قبضه إلا بقبض نصيب شريكه، وهذا بالنسبة لجواز القبض لا للزوم الهبة، فتلزم به، وإن لم يأذن شريكه، كما أشار إليه ابن نصر الله (وتقدَّم
(2)
آخر الخيار في البيع) مفصلًا.
(ويكون نصفه) أي: القابض (مقبوضًا تملُّكًا، ونصف الشريك) مقبوضًا (أمانة) هذا إذا كانت الهبة في نصفه - ولو عَبَّر بنصيبه لكان أوضح - فإن أبى الشريك أن يُسَلِّم نصيبه، قيل للمتَّهَب: وكِّل الشريك في قبضه لك ونقله، فإن أبى، نَصَبَ الحاكمُ من يكون في يده لهما، فينقله، فيحصل القبض؛ لأنه لا ضرر على الشريك في ذلك.
(وإن أذن) شريكه (له في التصرُّف) أي: الانتفاع (مجانًا، فكعارية) في ضمانه إذا تلف ولو من غير تفريط.
(وإن كان) أذن له في التصرُّف (بأجرة فـ) ـــإن شقصه يكون في يد القابض أمانة (كمأجور) فلا ضمان فيه إن تلف بلا تعدٍّ ولا تفريط، ولو كانت الأجرة مجهولة كأن استعمله وأنفق عليه مثلًا بقصد المعاوضة؛ لأن فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه وتقدم
(3)
.
(وإن تصرَّف) الشريك (بلا إذن) شريكه (ولا إجارة) فكغاصب (أو قبضه بغير إذن الشريك، فكغاصب) لأن يده عادِيَة.
(1)
المصدر السابق.
(2)
(7/ 504).
(3)
(8/ 205).
(وتصح هبة مصحف) وإن قيل بمنع بيعه، قال الحارثي: ولا أعلم فيه خلافًا.
(و) تصح هبة (كل ما يصح بيعه فقط) لأنها تمليك في الحياة، فصحَّت فيما صح فيه البيع، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته على المذهب؛ اختاره القاضي، وقدمه في "الفروع".
(واختار جمع: وكلب) أي: تصبح هبته، جزم به في "المغني" و"الكافي" (ونجاسةٍ مباحٍ نفعُهما) أي: الكلب والنجاسة؛ جزم به الحارثي والشارح؛ لأنه تبرع، فأشبه الوصية به، قال في القاعدة السابعة والثمانين
(1)
: وليس بين القاضي وصاحب "المغني" خلاف في الحقيقة؛ لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز كالوصية، وقد صرح به القاضي في "خلافه".
(ولا تصح هبة مجهول لا يتعذر علمه، كالحمل في البطن، واللبن في الضرع، والصوف على الظهر) للجهالة وتعذر التسليم (ومتى أذن) رب شاة (له) أي: لإنسان (في جَزِّ الصوف، وحلب الشاة، كان إباحة) لصوفها ولبنها، لا هبة.
(وإن وهب دهن سِمْسِمِه) وهو الشيرج قبل عصره (أو زيت زيتونه
(2)
، أو جفته
(3)
قبل عصرهما) أي: الزيتون والسمسم (لم يصح) كاللبن في الضرع وأَولى؛ لكلفة الاعتصار.
(ولو قال: خُذْ من هذا الكيس ما شئتَ. كان له أخْذُ ما به جميعًا، و) لو قال: (خُذْ من هذه الدراهم ما شئتَ. لم يملك أخذَها كلها) إذ
(1)
القواعد الفقهية ص/ 211.
(2)
في "ذ" زيادة: "قبل عصره" شرحًا.
(3)
الجِفْت: الزيتون المسحوق بعد أن يُسحب منه الزيت. معجم الألفاظ العامية ص/ 28.
الكيس ظرف، فإذا أخذ الظرف
(1)
، حَسُن أن يقال: أخذ من الكيس ما فيه، ولا يحسن أن يقال: أخذت من الدراهم كلها؛ قاله ابن الصيرفي في "النوادر".
(ولا تصح هبة المعدوم، كالذي تحمل أَمَتُه أو شجرتُه) لأن المعدوم ليس بشيء، فلا يقبل العقد (فإن تعذَّر عِلْم المجهول) كزيت اختلط بزيت أو شيرج (صحت هبته كصلح) عنه للحاجة.
(ولا) تصح (هبة ما لا يقدر على تسليمه) كآبق وشارد، وطير في الهواء، وسمك بماء، ومرهون؛ لأن ذلك لا يتأهل للقبض، والقبض من ماهية العقد، فلا يقع العقد عليه، والمرهون يتعذَّر تسليمه شرعًا.
(ولا) يصح (تعليقها) أي: الهبة (على شرطٍ مستقبلٍ) كـ: إذا جاء رأس الشهر، أو قدم فلان، فقد وهبتُك كذا، قياسًا على البيع، وقولُه صلى الله عليه وسلم لأم سَلَمة في الحلة المُهداة إلى النجاشي:"إنْ رَجَعَتْ إلينا فهي لكِ"
(2)
قال الموفَّق: على معنى العِدَة. وخرج بالمستقبل الماضي والحال، فلا يمنع التعليق عليه الصحة، كـ: إن كانت ملكي، ونحوه، فقد وهبتكها، فتصح (غير الموت) فيصح تعليق العطية به، وتكون وصية.
وكالهبة الإبراءُ، فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل غير الموت (نحو: إن متَّ - بفتح التاء - فأنت في حِلٍّ) فلا يبرأ (فإن ضم التاء، صح) الإبراء عند وجود شرطه (وكان) الإبراء على الوجه المذكور (وصية) لأنه تبرع بمال بعد الموت، وهو حقيقة الوصية.
(ولا) يصح - أيضًا - (شرط ما يُنافي مقتضاها) أي: الهبة (نحو)
(1)
في "ذ": "المظروف".
(2)
تقدم تخريجه (10/ 128) تعليق رقم (2).
اشتراط الواهب على المتهب (ألا يبيعها) أي: العين الموهوبة (ولا يهبها) أو ألا ينتفع بها (أو) وهبه عينًا دو (يَشْرُط أن يبيعها، أو يهبها) فلا يصح الشرط، إذ مقتضى الملك التصرف المطلق، فالحَجْر فيه منافٍ لمقتضاه، وقوله:(أو) يهبه شيئًا بشرطِ (أن يهب فلانًا شيئًا) تبع فيه "المبدع" وغيره، قلت: والذي يظهر بطلان الهبة فيه؛ لأنه من قبيل بيعتين في بيعة المنهي عنه.
(وتصح هي) أي: الهبة المشروط فيها ما يُنافي مقتضاها، كالشروط الفاسدة في البيع.
(ولا يصح توقيتها) أي: الهبة (كقوله: وهبتُك هذا سنة) أو شهرًا، فلا تصح؛ لأنها تمليك عين فلا توقَّت، كالبيع (إلا العُمْرَى والرُّقْبى) فيصحان (وهما نوعان من أنواع الهبة يفتقران إلى ما تفتقر إليه سائر الهبات) من الإيجاب والقَبول والقبض، ويصح توقيتهما، سُميت عُمْرى؛ لتقييدها بالعُمر، وسُميت رُقْبى؛ لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، قال أهل اللُّغة
(1)
: يقال: أعمرته وعمَّرته - مشددًا - إذا جعلت له الدار مدة عمره أو عمرك (كقوله: أعمرتُك هذه الدار، أو) أعمرتك هذه (الفرس، أو) أعمرتك هذه (الجارية، أو أرْقَبْتُكَها) قال ابن القطَّاع
(2)
(3)
: أرقبتك: أعطيتك، وهي هبة ترجع إلى المرقَب إن مات
(1)
النهاية (3/ 298)، وتاج العروس (13/ 291) مادة (عمر).
(2)
هو أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي، ابن القطَّاع المصري اللغوي، كان أحد أئمة الأدب واللغة، وله تصانيف نافعة، منها: كتاب "الأفعال" و"أبنية الأسماء"، توفي سنة 515 هـ - رحمه الله تعالى -.
انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 433 - 435)، وشذرات الذهب (5/ 74).
(3)
الأفعال لابن القطاع (2/ 23) مادة (رقب).
المرقِب، وقد نهي عنه (أو جعلتها) أي: الدار، أو الفرس، أو الجارية (لك عُمُرَك، أو) جعلتها لك (حياتك، أو) جعلتها لك (ما حييتَ، أو ما عشتَ، أو نحو هذا) كـ: أعطيتكها ما بقيتُ (أو) جعلتها لك (عُمرى، أو) جعلتها لك (رُقْبى، أو) جعلتُها لك (ما بقيتَ، أو أعطيتكها عُمُرك، ويقبلها) الموهوب له (فتصح) الهبة في جميع ما تقدم، وهي أمثلة العُمْرى.
(وتكون) العين الموهوبة (للمُعْمَر - بفتح الميم -) وللمرقَب - بفتح القاف - (ولورثته من بعده) إن كانوا (كتصريحه) بأن يقول: هي لك ولعقبك من بعدك (فإن لم يكن له) أي: الموهوب له (ورثة، فلبيت المال) كسائر الأموال المخلفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمسِكُوا عليكم أموالكم، ولا تُفسِدُوها؛ فإنَّهُ مَن أعمرَ عُمْرَى، فهي للذي أُعْمِرَها حيًّا وميتًا ولعقبِه" أخرجه مسلم
(1)
. وفي المتفق عليه عن جابر: "قَضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعُمْرى لمنْ وُهِبَتْ له"
(2)
واللفظ للبخاري.
وخرَّج مسلم عن جابر: "العُمْرى ميراثٌ لأهلها"
(3)
.
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "لا تُعْمِرُوا ولا تُرْقِبُوا، فمن أعمرَ عُمْرى فهي للذي أُعْمِرَها حيًّا وميتًا ولعقبِه"
(4)
إنما وَرَدَ على سبيل الإعلام لهم بنفوذها،
(1)
في الهبات، حديث 1625 (26)، عن جابر رضي الله عنه.
(2)
البخاري في الهبة، باب 32، حديث 2625، ومسلم في الهبات، حديث 1625 (25).
(3)
مسلم في الهبات، حديث 1625 (31).
(4)
لم نقف على من أخرجه بهذا السياق وإنما هو ملفق من حديثين عن جابر رضي الله عنه، فلفظ:"لا تعمروا ولا ترقبوا. . ." جزء من حديث جابر: أخرجه أبو داود في البيوع، باب 88، حديث 3556، والنسائي في العمرى، باب 2، حديث 3734، وفي الكبرى (4/ 130) حديث 6563، والشافعي في الأم (4/ 64، 7/ 217)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 168)، والحميدي (2/ 540) حديث 1290، والطحاوي =
بدليل السياق، ويؤيده الحديث الأول، ولو أُريد به حقيقةُ النهي لم يمنع الصحة؛ لأن الضرر فيها على فاعلها، وما كان كذلك، النهي عنه لا يقتضي فساده، كالطلاق في الحيض.
(وإن أضافها) أي: الهبة (إلى عُمُرِ غيره) بأن قال: وهبتك الدار ونحوها عمرَ زيد (لم تصح) الهبة؛ لأنها مؤقتة وليست من العُمْرى ولا الرُّقْبى.
(ونصه: لا يطأ) الموهوب له (الجارية المُعْمَرَة) نقل يعقوب وابن هانئ
(1)
: من يُعْمَر الجارية أيطأ؟ قال: لا أراه (وحمل) القاضي النصَّ المذكور (على الورع) لأن الوطء استباحة فَرْجٍ، وقد اختُلف في صحة العُمْرى، وجَعَلها بعضهم تمليكَ المنافع، فلم يَرَ الإمام له وطأها لهذا. وبَعَّد ابن رجب ما ذكره القاضي، ثم قال
(2)
: "والصواب حمله على أن الملك بالعُمْرى قاصر، ولهذا نقول على رواية: إذا شرط عودها إليه بعده صح، فيكون تمليكًا مؤقتًا".
= (4/ 93)، وفي شرح مشكل الآثار (14/ 63) حديث 5451، وابن حبان "الإحسان"(110/ 529) حديث 5127، والبيهقي (6/ 175)، والبغوي في شرح السنة (8/ 292) حديث 2198، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 228) حديث 1619، بلفط:"لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئًا أو أعمره فهو لورثته"، وعند ابن حبان:"فهو له".
قال البغوي: هذا حديث صحيح. وصححه ابن دقيق العيد في الاقتراح ص/ 455 على شرط الشيخين. وقال ابن عبد الهادي في المحرر (969): رجاله ثقات.
ولفظ: "فمن أعمر عمرى. . ." جزء من حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم كما تقدم آنفًا.
(1)
مسائل ابن هانئ (2/ 55) رقم 1406.
(2)
القواعد الفقهية، القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائة ص/ 326.
(وإن شرط) واهبٌ (رجوعَها) أي: الهبة (بلفظ الإرقاب أو غيره إلى المُعْمِر - بكسر الميم -) أي: الواهب (عند موته) أي: الموهوب له (أو) شرط الواهب رجوع الهبة (إليه، إن مات) الموهوب له (قَبْله، أو) شرط الواهب رجوعها (إلى غيره) إن مات الموهوب له قبله، نحو أن يقول: وهبتك هذه الدار، أو: هي لك عمرك على أنك إن متَّ قبلي عادت إليَّ، أو إلى فلان، وإن متُّ أو مات قبلك استقرت عليك (فهي الرُّقْبَى) لأن كلًّا منهما يرقب موت صاحبه.
(أو) شرط الواهب (رجوعها) أي: الهبة (مطلقًا) أي: من غير تقييد بموت أو غيره، إلى الواهب (أو إلى ورثته، أو قال) الواهب: (هي) أي: هذه الدار، أو الأَمَة ونحوها (لآخرنا موتًا، صح العقد دون الشرط، و) معنى ذلك أن العين (تكون للمُعْمَر - بفتح الميم - ولورثته من بعده) فإن لم يكونوا فلبيت المال (كالأول) أي: كالمذكور أولًا من صور العُمْرى.
(ولا ترجع) العين (إلى المُعْمِر) بكسر الميم (و) لا إلى (المرقِب) بكسر القاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُرْقبُوا ولا تُعْمِرُوا فمَنْ أُرْقِبَ شيئًا أو أُعْمِرَهُ فهو لورثتِه" قال الحارثي: والسند صحيح بلا إشكال، وخرَّجه أبو داود والنسائي وغيرهما
(1)
، وروى أحمد وغيره نحوه من طرق مختلفة
(2)
،
(1)
تقدم تخريجه (10/ 139) تعليق رقم (4).
(2)
منها عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: رواه أحمد (5/ 189)، والنسائي في العمرى، باب 2، حديث 3726، وفي الكبرى (4/ 126) حديث 6555، والطبراني في الكبير (5/ 161 - 162) حديث 4944، 4948، 4949، وابن الجوزي في التحقيق. (2/ 228) حديث 1618، ولفظ أحمد:"لا تُرقِبوا، فمن أرقب، فسبيل الميراث".
ومنها عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (1/ 250)، والنسائي في =
فهذه نصوص تدل على ملك المعمَر والمرقَب مع بطلان شرط العود؛ لأنه إذا ملك العين لم تنتقل عنه بالشرط، ولأنه شرط شرطًا ينافي مقتضى العقد، فصح العقد وبطل الشرط، كشرطه في البيع ألا يبيع.
ولو جعل اثنان كلٌّ منهما داره للآخر على أنه إن مات قبله عادت إليه، فرُقْبى من الجانبين.
(ولا يصح إعمار المنفعة ولا إرقابها، فلو قال) ربُّ دارٍ: (سُكنى هذه الدار لك عُمُرَك، أو) قال: (غَلَّة هذا البستان) لك عُمُرَك (أو) قال: (خدمة هذا العبد) لك عُمُرَك (أو) قال: (منحتك
(1)
) أي: ما ذكر من الدار، أو البستان أو العبد ونحوه (عُمُرَك؛ فعارية، له الرجوع فيها متى شاء، في حياته) أي: الممنوح (وبعد موته) لأنها هبة منفعة.
(ويصح إعمار منقول، و) يصح - أيضًا - (إرقابه، من حيوان كعبد وجارية ونحوهما) كبعير وشاة (و) من (غير حيوان) كثوب وكتاب؛
= العمرى، باب 2، حديث 3711، 3714، وفي الكبرى (4/ 126 - 127) حديث 6540، 6543، والطبراني في الكبير (11/ 47) حديث 11000، ولفظه:"لا ترقبوا أموالكم، فمن أرقب شيئًا، فهو لمن أُرقِبه" وفي رواية: "لا تحل الرقبى ولا العمرى، فمن أُرْقِب شيئًا فهو له، ومن أُعمِر شيئًا فهو له".
ومنها عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه أحمد (2/ 357)، والنسائي في العمرى، باب 4، حديث 3755، وفي الكبرى (4/ 134) حديث 6584، ولفظه:"لا عُمرى، فمن أُعمر شيئًا فهو له".
ومنها عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (2/ 26)، والنسائي في العمرى، باب 2، حديث 3735، 3736، وفي الكبرى (4/ 130) حديث 6564، ولفظه:"لا عمرى ولا رقبى، فمن أُعمِر شيئًا، أو أرقبه فهو له حياته ومماته".
انظر ما تقدم (10/ 139) من حديث جابر رضي الله عنه.
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 108): "منحتكه".
لعموم ما تقدم
(1)
من قوله صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ أُرْقِبَ شيئًا أو أُعمِرَهُ فهو لورثتِه".
فصل في التعديل بين الورثة في الهبة
(ويجب على الأب و) على (الأم، و) على (غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة، من ولد وغيره) كأب، وأم، وأخ، وابنه، وعم وابنه (في عطيتهم) لحديث جابر، قال:"قالت أمرأةُ بَشيرٍ لِبَشيرٍ: أعْطِ ابْني غُلامًا وأشْهِدْ لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ ابْنَةَ فُلانٍ سألَتْنِي أنْ أنحَلَ ابْنَها غُلامي. قال: ألَهُ إخْوَةٌ؟ قال: نعم. قال: كُلَّهُمْ أعْطيتَ مِثْلَ ما أعْطيتَهُ؟ قال: لا. قال: فليس يَصْلُحُ هذا، وإنِّي لا أشهدُ إلا على حَقٍّ" رواه أحمد ومسلم وأبو داود
(2)
، ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير، وقال فيه:"لا تشهدني على جور، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم"
(3)
، وفي لفظ المسلم:"اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" فرجع أبي في تلك الصدقة
(4)
. وللبخاري مثلُه لكن ذكره بلفظ العطية
(5)
. فأمَر بالعدل بينهم، وسَمَّى تخصيص أحدهم دون
(1)
(10/ 139).
(2)
أحمد (3/ 326)، ومسلم في الهبات، حديث 1624، وأبو داود في البيوع، باب 85، حديث 3545.
(3)
أحمد (4/ 269). وأخرجه - أيضًا - بهذا اللفط أبو داود في البيوع والإجارات، باب 85، حديث 3542، والبزار (8/ 217) حديث 3265، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 233)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 229) حديث 1620. وصححه ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 192).
(4)
مسلم في الهبات، حديث 1623 (13).
(5)
البخاري في الهبة، باب 13، حديث 2587.
الباقين جَورًا، والجَور حرام؛ فدلَّ على أن أمره بالعدل للوجوب. وقِيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة، وخرج منه الزوجات والموالي، فلا يجب التعديل بينهم في الهبة.
و (لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه) لأنه يُسامح به، فلا يحصُل التأثر.
والتعديل الواجب أن يعطيهم (بقَدْرِ إرثهم منه) اقتداء بقسمة الله تعالى، وقياسًا لحالة الحياة على حال الموت، قال عطاء: فما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى
(1)
.
"فائدة": نصَّ أحمد في رواية صالح
(2)
وعبد الله
(3)
وحنبل في من له أولاد، زوَّج بعض بناته، فجهزها وأعطاها، قال: يعطي جميع ولده مثل ما أعطاها. وعن جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد الله
(4)
يسأل عن رجل له ولد، يزوّج الكبير وينفق عليه ويعطيه، قال: ينبغي له أن يعطيهم كلهم مثل ما أعطاه، أو يمنحهم مثل ذلك. وروى عنه المرُّوذي وغيره معنى ذلك - أيضًا - وقد استوعبها الحارثي رحمه الله.
(إلا في نفقة وكسوة، فتجب الكفاية) دون التعديل، ونقل أبو طالب
(5)
: لا ينبغي أن يفضل أحدًا من ولده في طعام وغيره، قال
(1)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 99) رقم 16499، والطبراني في الكبير (18/ 348) رقم 884. وفيه قصة.
(2)
مسائل صالح (1/ 437) رقم 429.
(3)
مسائل عبد الله (3/ 998) رقم 1362.
(4)
مسائل ابن هانئ (2/ 54) رقم 1404.
(5)
الفروع (4/ 644) وانظر: مسائل صالح (1/ 299) رقم 245، و (3/ 65) رقم 1352 - 1353، ومسائل عبد الله (3/ 997 - 998 رقم 1360 - 1363، و (3/ 1173 - 1175) رقم 1615 - 1617، ومسائل أبي داود ص/ 204، ومسائل ابن هانئ =
إبراهيم: كانوا يستحبُّون التسوية بينهم حتى في القُبَل. قال في "الفروع": فدخل فيه نظر وقف.
(قال الشيخ
(1)
: لا يجب على المسلم التسوية بين أولاده [من أهل]
(2)
الذِّمة) أي: الذميين (انتهى) وكلام غيره لا يخالفه؛ لأنهم غير وارثين منه.
(وله) أي: لمن ذكر من الأب، والأم، وغيرهما (التخصيص) لبعض أقاربه الذين يرثونه (بإذن الباقي) منهم؛ لأن العلة في تحريم التخصيص كونه يورث العداوة وقطيعة الرحم، وهي منتفية مع الإذن (فإن خصَّ بعضَهم) بالعطية (أو فَضَّله) في الإعطاء (بلا إذن) الباقي (أَثِم) لما تقدَّم (وعليه الرجوع) فيما خص أو فضل به، حيث أمكن (أو إعطاء الآخر، ولو في مرض الموت) المخوف (حتى يستووا) بمن خَصَّه. أو فضَّله، قال في "الاختيارات" (1): وينبغي أن يكون على الفور.
(كما لو زوّج أحدَ ابنيه في صحته، وأدَّى عنه الصَّداق، ثم مرض الأب) مرض الموت المخوف (فإنه يعطي ابنه الآخر كما أعطى الأول) ليحصل التعديل بينهما، ولا يمكن الرجوع هنا؛ لأن الزوجة ملكت الصداق بالعقد.
(ولا يُحسب) ما يعطيه الأب لابنه الثاني (من الثلث) مع أنه عطية في مرض الموت (لأنه تدارك للواجب
(3)
، أشبه قضاء الدَّين) ويجوز للأب
= (2/ 53) رقم 1398.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 267.
(2)
ما بين المعقوفتين ليس في الأصول، واستدرك من الاختيارات.
(3)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 108): "للوجوب".
تملك ما يعطيه للتسوية بلا حيلة؛ قدَّمه الحارثي، وصاحب "الفروع"، ونقل ابن هانئ
(1)
: لا يُعجبني أن يأكل منه شيئًا.
(وإن مات) المخصِّص أو المفضِّل (قبل التسوية) بين ورثته (ثبت) أي: استقر الملك (للمعطَى) فلا يشاركه فيه بقية الورثة؛ لأنها عطية لذي رحم، فلزمت بالموت، كما لو انفرد (ما لم تكن العطية في مرض الموت) المخوف، فحكمها كالوصية ويأتي.
(والتسوية هنا) بين الأولاد، والإخوة لغير أم ونحوهم (القسمة، للذَّكر مثل حظ الأنثيين) وتقدَّم ذلك
(2)
في قوله: بقَدْرِ إرثهم، وهو أوضح من هذا (والرجوع المذكور) أي: رجوع المخصِّص، أو المفضِّل بعد القبض (يختصُّ بالأب دون الأم، وغيرها) كالجد والابن والإخوة والأعمام.
(وتحرم الشهادة على التخصيص والتفضيل، تحمُّلًا وأداءً - ولو) كان الأداء (بعد موت المخصِّص والمفضِّل - إن علم) الشاهد بالتخصيص، أو التفضيل؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير:"لا تُشهدني على جَور"
(3)
.
فإن قيل: فقد ورد بلفظ: "فأشهِدْ على هذا غيري"
(4)
، وهو أمر، وأقلُّ أحواله الاستحباب، فكيف تحرم الشهادة؟! فالجواب: أنه تهديد كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}
(5)
، ولو لم يفهم هذا المعنى بشير،
(1)
مسائل ابن هانئ (2/ 12) رقم 1217.
(2)
(10/ 144).
(3)
(10/ 143) تعليق رقم (3).
(4)
أخرجه مسلم في الهبات، حديث 1623 (17).
(5)
سورة فصلت، الآية:40.
لبادر إلى الامتثال، ولم يرد العطية.
(وكذا كلُّ عقد مختلَف فيه، فاسدٍ عند الشاهد) كنكاح بلا ولي، وبيع غير مرئي، ولا موصوف، ونحوه، إن لم يحكم به من يراه، حرم على الحنبلي أن يشهد به تحمّلًا وأداءً؛ قياسًا على ما سبق.
(وتُكره) الشهادة (على عقد نِكاح) من (مُحْرِمٍ بنسك) حج أو عمرة، والمراد: إذا كان النكاح صحيحًا، بأن كان الزوجان والولي حَلَالًا، وإلا؛ حرمت الشهادة؛ لأن النكاح إذًا فاسد (وتقدَّم
(1)
في محظورات الإحرام) بأوضح من هذا.
ولا فرق في امتناع التخصيص، والتفضيل بين كون البعض ذا حاجة، أو زَمَانة، أو عمىً، أو عيال، أو صلاح، أو علم، أو لا، ولا بين كون البعض الآخر فاسقًا، أو مبتدعًا، أو مبذِّرًا، أو لا، وهو ظاهر كلام الأصحاب، ونصَّ عليه في رواية يوسف بن موسى
(2)
، في الرجل له الولد البار الصالح وآخر غير بار: لا ينيل البارَّ دون الآخر.
(وقيل: إن أعطاه لمعنىً فيه، من حاجة، أو زَمَانة، أو عمىً، أو كثرة عائلة، أو لاشتغاله بالعلم، ونحوه) كصلاحه (أو منع بعض ولده لفسقه، أو بدعته
(3)
، أو لكونه يعصي الله بما يأخذه، ونحوه، جاز التخصيص) والتفضيل بالأَولى (اختاره الموفَّق وغيره) استدلالًا بتخصيص الصِّدِّيق عائشة رضي الله عنها
(4)
، وليس إلا لامتيازها
(1)
(6/ 164).
(2)
كما في بدائع الفوائد (3/ 100)، وانظر ما سبق في (10/ 144) تعليق رقم (5).
(3)
في متن الإقناع (7/ 109): "لبدعته".
(4)
(10/ 123) تعليق رقم (2).
بالفضل. ولنا عموم الأمر بالتسوية، وفِعْل الصِّدِّيق يحتمل أنه نحل معها غيرها، أو أنه نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها، فأدركه المرض ونحوه.
(ولا يُكره) للإنسان (قَسْم ماله بين ورّاثه) على فرائض الله تعالى (ولو أمكن أن يولَد له) لأنها قسمة ليس فيها جَور، فجازت في جميع ماله كبعضه.
(فإن حدث له وارث) بعد قسم ماله (سوَّى بينه وبينهم) بما تقدم (وجوبًا) ليحصُل التعديل.
(وإن وُلِدَ له) أي: لمن قسم ماله بين ورّاثه في حياته (ولد بعد موته، استُحِب للمعطَى أن يساوي المولودَ الحادث بعد أبيه) لما فيه من الصلة وإزالة الشحناء.
(ويُستحبُّ) لمن أراد أن يقف شيئًا على أولاده، أو غيرهم من أقاربه (التسويةُ بينهم في الوقف) بألا يُفضِّل ذكرًا على أُنثى (وتقدم
(1)
) ذلك (في باب الوقف) موضَّحًا.
(وإن وقف) شخص (ثُلثَه) فأقل (في مرضه) المخوف (على بعض وُرَّاثه) جاز (أو وَصَّى بوقفه) أي: الثلث (عليهم) أي: على بعض وُرَّاثه (جاز) قال أحمد
(2)
في رواية جماعة منهم الميموني: يجوز للرجل أن يقف في مرضه على ورثته، قيل له: أليس تذهب أنه "لا وصية لوارث؟ "
(3)
فقال: نعم، والوقف غير الوصية؛ لأنه لا يُباع ولا يورث،
(1)
(10/ 77، 89).
(2)
كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 326 - 335) رقم 80، 84 - 87، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 437 - 438).
(3)
سيأتي تخريجه في كتاب الوصايا (10/ 205) تعليق رقم (2).
ولا يصير ملكًا للورثة، أي: ملكًا طلقًا، واحتج
(1)
في رواية أحمد بن الحسن بحديث عمر رضي الله عنه حيث قال: "هذا ما أوصى به عبد الله عمرُ أميرُ المؤمنينَ، إن حَدَث به حَدَث أنَّ ثَمَغًا صدقَةٌ، والعبدُ الذي فيه، والسَّهْم الذي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، والمائة وَسْقٍ الذي أطْعَمَني محمدٌ صلى الله عليه وسلم تَلِيه حَفصةُ ما عاشَتْ، ثم يليهِ ذو الرَّأي مِنْ أهْلِهِ، لا يُباع ولا يُشْترى، تُنْفِقُهُ حيثُ تَرى من السَّائلِ والمحرومِ وذوي القُرْبَى، ولا حرجَ على منْ وليهُ إنْ أكلَ أو اشترى رقيقًا" رواه أبو داود
(2)
بنحو من هذا.
(و
يجري) الوقفُ على بعض ورثته (مجرى الوصية)
في أنه ينفذ إن خرج من الثلث، كالوصية به، لا في توقفه على الإجازة، كما تقدم
(3)
.
(ولا يصحُّ وقفُ مريض) مرض الموت المخوف (على أجنبي) بزيادة على الثلث (أو) على (وارث بزيادة على الثلث) أي: ثلث ماله، كالعطية في المرض، والوصية. قال في "التنقيح": ولو حيلة، كـ: على نفسه، ثم عليه. انتهى؛ لأن الحيل غير جائزة إذا كانت وسيلة لمُحرَّم.
(ولا يجوز لواهب، ولا يصحُّ أن يرجع في هبته، ولو صدقةً وهديةً ونِحلةً، أو نُقوطًا
(4)
و
(5)
حَمولةً في عُرس ونحوه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "العائدُ في هِبته كالكلب يقيء، ثم يعودُ في قَيئهِ" متفق عليه
(6)
وفي رواية
(1)
المغني (8/ 218).
(2)
في الوصايا، باب 13، رقم 2879، وقد تقدم تخريجه (10/ 27) تعليق رقم (2).
(3)
(10/ 28).
(4)
النقوط: ما يقدم للعروس ونحوها من مال أو هدية عند زفافها. المعجم الوجيز ص/ 631، مادة (نقط).
(5)
في متن الإقناع (3/ 110): "أو".
(6)
البخاري في الهبة، باب 14، 30، حديث 2589، 2621، 2622، وفي الحيل، باب 14، حديث 6975، ومسلم في الهبات حديث 1622، عن ابن عباس =
لأحمد: قال قتادة: "ولا أعلم القيء إلا حرامًا"
(1)
وسواء عُوِّض عنها أو لم يعوَّض؛ لأن الهبة المطلقة لا تقتضي الثواب، وتقدم
(2)
.
(أو) أي: ولو (تعلَّق بالموهوب رغبةُ الغير، بأن ناكح) إنسان (الولدَ) الموهوب لوجود ذلك الذي وهبه له والده، بأن زوَّجه إن كان ذكرًا، أو تزوَّجه إن كان أُنثى لذلك (أو دايَنَه) أي: باعه، أو أقرضه، أو أجره ونحوه (لوجود ذلك) الذي وهبه أبوه له، فإن ذلك لا يمنع رجوع الأب فيما وهبه لولده. ولو أخَّره بعد قوله:"إلا الأب الأقرب" لكان أوضح.
وقوله: (بعد لزومها) أي: الهبة بأنواعها بالقبض، متعلق بقوله:"ولا يجوز لواهب، ولا يصح أن يرجع". وأما الرجوع قبل لزومها، فجائز مطلقًا (كالقيمة) أي: كما لا يجوز للواهب الرجوع في قيمة العين الموهوبة، ولو تلفت عنده (إلا الأب الأقرب
(3)
) لحديث ابن عُمر وابن عباس يرفعانه قال: "ليس لأحدٍ أنْ يُعْطي عطيَّة ويَرْجع فيها، إلا الوالِد فيما يُعْطِي ولدَهُ" رواه الترمذي وحسَّنه
(4)
، وفي بعض ألفاظ حديث بشير المتقدم، من قوله صلى الله عليه وسلم لبشير:"فارْدُدْهُ"
(5)
وروي: "فارْجِعْهُ" رواه
= رضي الله عنهما.
(1)
المسند (1/ 291). وأخرجه - أيضًا - أبو داود في البيوع والإجارات، باب 83، حديث 3538، والطبراني في الكبير (10/ 290) حديث 10692.
(2)
(10/ 121).
(3)
في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 483) ما نصه: "قيدٌ لا بدَّ منه؛ ليخرج غير الأقرب كالجد والأم. ا. هـ. من خط ابن العماد".
(4)
تقدم تخريجه (10/ 116) تعليق رقم (2).
(5)
أخرجه مسلم في الهبات، حديث 1623 (10).
مالك
(1)
، ولا فرق بين أب
(2)
يقصد برجوعه التسوية بين أولاده، وبين غيره. ولو وهب كافر لولده الكافر شيئًا، ثم أسلم الولد، فلأبيه الرجوع في هبته، خلافًا للشيخ تقي الدين
(3)
.
(ولو أسقط) الأب (حقَّهُ من الرجوع) فله الرجوع؛ لأنه حق ثبت له بالشرع، فلم يسقط بإسقاطه، كما لو أسقط الوليُّ حقَّه من ولاية النكاح. وقال في "المنتهى": يسقط رجوعه؛ لأنه مجرد حقه، وقد أسقطه، والفرق بينه وبين ولاية النكاح: أن ولاية النكاح حقٌّ عليه لله تعالى وللمرأة، بدليل إثمه بالعضل، بخلاف الرجوع؛ فإنه حقٌّ للأب.
(ولو ادَّعى اثنان مولودًا) مجهول النسب، كل يقول: هو ابني (فوهباه، أو وهبه أحدهما شيئًا، فلا رجوع) لانتفاء ثبوت الدَّعوى (وإن ثبت اللَّحَاقُ بأحدهما، ثبت) له (الرجوع) لثبوت الأبوة.
(ويُشترط لرجوع الأب) أي: لجوازه وصحته فيما وهبه لولده (شروط ثلاثة:
أحدها: أن تكون) الهبة (عينًا باقية في ملك الابن)
إلى رجوع أبيه (فلا رجوع) للأب (في دينه على الولد بعد الإبراء) منه؛ لأنه إسقاط لا تمليك (ولا في منفعة أباحها له) أبوه (بعد الاستيفاء، كسكنى دار ونحوها) لأنه إباحة، واستيفاء المنفعة بمنزلة إتلافها.
(فإن خرجت العينُ) الموهوبة (عن ملكه) أي: الابن (ببيع - ولو مع
(1)
الموطأ (2/ 751 - 752). وأخرجه - أيضًا - البخاري في الهبة، باب 11، حديث 2586، ومسلم في الهبات، حديث 1623 (9).
(2)
في "ذ": "أن".
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 270.
خيار
(1)
- أو هِبة، أو وقف) ظاهره: ولو على نفسه، ثم غيره، خصوصًا إذا قلنا: ينتقل في الحال لمن بعده (أو) خرجت بـ (ــغير ذلك) بأن جعلها صداقًا لامرأة، أو عوضًا في صلح، ونحوه (ثم عادت) العين (إليه) أي: الابن (بسبب جديد، كبيع) ولو مع خيار (أو هِبةٍ، أو وصيةٍ، أو إرثٍ، أو نحوه) كأن أخذها عوضًا عن أرْشٍ جناية، أو قيمة مُتلَف (لم يملك) الأب (الرجوعَ) فيها؛ لأنها عادت إلى الولد بملك جديد لم يستفده من قِبَلِ أبيه، فلم يملك إزالته، كما لو لم تكن موهوبة.
(وإن عادت) العين للولد بعد بيعها (كفسخِ
(2)
البيع بعيبٍ) فيها، أو في الثمن (أو) عادت بـ (ــإقالة، أو) عادت بفسخ لـ (ــفَلَس المشتري) بالثمن (أو بفسخِ خيارِ الشرط، أو المجلس) ملك الأب الرجوعَ فيها؛ لعود الملك بالسبب الأول، فكأنه ما انتقل، وبه فارق العود ببيع، أو هبة، أو نحوهما (أو دبَّر) الولد (العبدَ) الموهوب له من والده (أو كاتبه ملك) الأب (الرجوعَ) في العبد؛ لأن التدبير والكتابة لا يمنعان التصرف في الرقبة بالبيع ونحوه، فلم يمنعا الرجوع، كما لو زوَّجه أو أجره.
(وهو) أي: العبد الذي كاتبه الولد، ثم رجع أبوه فيه (مكاتَب) أي: باقٍ على كتابته؛ للزومها، فإذا أدَّى إلى الأب باقي مال الكتابة عتق، وإن عجز رقَّ، كما لو باعه الابن (وما أخذه الابن من دَيْنِ الكتابة) قبل رجوع الأب (لم يأخذه منه أبوه) لاستقرار ملكه عليه.
الشرط (الثاني: أن تكون العين باقية في تصرُّف الولد،
فإن تلفت) العين (فلا رجوع) للأب (في قيمتها) وتقدم.
(1)
"ولو مع خيار" ساقطة من "ذ" ومتن الإقناع (3/ 110).
(2)
في "ذ": "لفسخ" وفي متن الإقناع (3/ 110): "بفسخ".
(وإن استولد) الابن (الأمَة) التي وهبها له أبوه، لم يملك الرجوعَ؛ لامتناع نقل الملك في أُمِّ الولد (أو كان) الأب (وهبها له للاستعفاف، لم يملك) الأب (الرجوعَ) فيها؛ وإن استغنى الولد، أو لم يستولدها؛ لأن إعفافه واجب عليه.
(وإن رهن) الابن (العينَ) التي وهبها له أبوه وأقبضها، فكذلك (أو أفلس) الابن (وحُجِرَ عليه، فكذلك) أي: فلا رجوع لأبيه؛ لتعلُّق حق المرتَهِن والغرماء بالعين، وفي الرجوع إبطال لذلك.
"تنبيه": ما ذكره المصنف من أن الحجر عليه لفلَس مانع من الرجوع، قال الحارثي: إنه الصواب بلا خلاف، كما في الرهن ونحوه، وبه صَرَّح في "المغني" وصاحب "المحرر" وغيرهما. انتهى. ومقتضى ما قَدَّمه في "المقنع" أنه غير مانع، وتبعه في "المنتهى"؛ لأنه لم يخالفه في "التنقيح".
فإن أفلس ولم يُحجر عليه، ففيه روايتان
(1)
؛ أطلقهما في "الشرح"، فإن حمل كلام "المقنع" و"المنتهى" على فلس لا حَجْرَ معه، وافق ما ذكره الحارثي والشارح.
(فإن زال المانع) بأن انفكَّ الحَجْر والرهن (ملك) الأب (الرجوعَ) لأن ملك الابن لم يزل، وإنما طرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك، فمنع الرجوع، فإذا زال؛ زال المانع.
(1)
الشرح الكبير (17/ 91). وانظر: كتاب الروايتين والوجهين (1/ 442 - 443)، والتمام (2/ 97 - 98)، والهداية (1/ 261)، والمغني (8/ 266)، ومسائل عبد الله (3/ 997) رقم 1360، ومسائل صالح (2/ 268) رقم 873، ومسائل الكوسج (8/ 4281 - 4282) رقم 3050، والورع ص/ 107.
(وكلُّ تصرُّفٍ لا يمنع الابنَ التصرفَ في الرقبة، كالوصية، والهبة قبل القبض) والرهن قبل القبض (والوطء المجرَّد عن الإحبال، والتزويج) للرقيق (والإجارة والمزارعة عليها، وجعلها مضاربة في عقد شركة، لا يمنع) الأب (الرجوعَ) لبقاء ملك الابن، وسلطنة تصرفه (وكذلك العِتق المعلَّق) على صفة قبل وجودها، فلا يمنع الرجوع.
(وإذا رجع) الأب في العين (وكان التصرف لازمًا، كالإجارة، والتزويج والكتابة، فهو) أي: التصرف (باقٍ بحاله) كاستمراره مع المشتري من الولد، لكن تقدَّم
(1)
أن الأخذ بالشُّفعة تنفسخ به الإجارة، والفرق أن للأب فعلًا في الإجارة؛ لأن تمليكه لولده تسليطٌ له على التصرف فيه، ولا كذلك الشفيع. هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
(وإن كان) التصرف (جائزًا، كالوصية والهبة قبل القبض) والمزارعة والمضاربة والمشاركة (بطل) ذلك التصرف؛ لأن استمرار حكمه مقيد ببقاء المعقود عليه
(2)
، وقد فات، بخلاف الأول (والتدبير والعتق المعلَّق بصفة، لا يبقى حكمهما في حقِّ الأب) لأنهما لم يصدرا منه.
(ومتى عاد) المُدَبَّر، أو المُعلَّق عِتقُه بصفة (إلى) ملك (الابن، عاد حكمهما) لعود الصفة (وإن وهب
(3)
الولد لولده لم يملك) الواهب الأول (الرجوع) لأن فيه إبطالًا لملك غير ابنه، وهو لا يملكه (إلا أن يرجع هو) أي: الواهب الثاني في هبته لابنه، فيملك الأول الرجوع حينئذ؛ لأنه
(1)
(9/ 378).
(2)
في "ح" و"ذ": "معه" بدل "عليه".
(3)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 111): "وهبه".
فسخ في هبته برجوعه، فعاد إليه الملك بسببه الأول.
الشرط (الثالث: ألا تزيد) العين الموهوبة عند الولد (زيادة متصلة تزيد في قيمتها، كالسِّمَن والكبر والحمل، وتعلُّم صنعة، أو) تعلُّم (كتابة، أو قرآن) لأن الزيادة للموهوب له؛ لكونها نماء ملكه، ولم تنتقل إليه من جهة أبيه، فلم يملك الرجوع فيها، كالمنفصلة، وإذا امتنع الرجوع فيها، امتنع في الأصل؛ لئلا يُفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص؛ ولأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في عوضه، فمنعه الزيادة المتصلة، كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح، أو نصفِه بالطلاق، أو رجوع البائع في المبيع لفَلَسِ المشتري، ويفارق الردَّ بالعيب من جهة أن الرَّدَّ من المشتري، وقد رضي ببذل الزيادة (وإن زاد) الموهوب (ببرئه من مرض، أو صمم؛ مَنَع الرجوع) كسائر الزيادات.
(وإن اختلف الأبُ وولده في حدوث زيادة) بأن قال الولد: حدث فيه زيادة، فمنعت الرجوع، وأنكر الأب (فقول الأب) لأن الأصل عدم الزيادة.
(ولا تمنع) الزيادة (المنفصلة) الرجوع (كولد البهيمة، وثمرة الشجرة، وكَسْبِ العبد) لأن الرجوع في الأصل دون النماء (والزيادة) المنفصلة (للولد) لأنها حادثة في ملكه، ولا تتبع في الفسوخ، فكذا هنا.
(فإن كانت) الزيادة (وَلَدَ أَمَةٍ) بأن حملت الأَمَةُ، وولدت عند الولد (امتنع الرجوع) في الأم (لتحريم التفريق) بين الأم وولدها.
(وإن وهبه) أي: وهب الأب ولده أمَةً، أو بهيمة (حاملًا، فولدت في يد الابن، فالولد زيادة متصلة) أي: باعتبار الكبر.
(وإن وهبه) أمَةً أو بهيمة (حائلًا، ثم رجع) الأب (فيها حاملًا، فإن
زادت قيمتها) بالحمل (فزيادة مُتَّصلة) تمنع الرجوع.
(وإن وهبه نخلًا فحملت، فقَبْل التأبير زيادة متصلة) تمنع الرجوع (وبعده) أي: التأبير - والمراد التشقق - (منفصلة) لا تمنع الرجوع، نقله الحارثي عن الموفَّق، واقتصر عليه.
(وإن تلف بعضُ العين) لم يمنع الرجوع في الباقي منها (أو نقصت قيمتُها) لم يمنع الرجوع (أو أَبَقَ العبدُ) الموهوب لم يمنع الرجوع؛ لبقاء الملك (أو ارتدَّ الولد) الموهوب له (لم يمنع الرجوع) لبقاء الملك.
(ولا ضمان على الابن فيما تلف منها، ولو) كان التلف (بفعله) لأنه في ملكه.
(وإن جنى العبدُ) الموهوبُ للولد (جناية يتعلَّق أرْشها برقبته، فللأب الرجوع فيه) لبقاء ملك ولده عليه (ويضمن) الأب (أَرْشَ الجناية) لتعلُّقه برقبة العبد، فيفديه، أو يسلمه، أو يبيعه فيها (فإن جُني على العبد) الموهوب للولد (فرجع الأب فيه، فَأرْشُ الجناية عليه للابن) لأنها زيادة منفصلة.
(وصفة الرجوع) من الأب فيما وهبه لولده (أن يقول: قد رجعتُ فيها) أي: الهبة (أو) يقول: (ارْتَجَعْتُهَا، أو رَددتُها، ونحوه) كـ: عدتُ فيها، أو أعدتُها إلى ملكي، ونحو ذلك (من الألفاظ الدَّالة على الرجوع) قال الحارثي: والأكمل: رجعتُ فيما وهبتُهُ لك من كذا. ومن الناس من قسمه إلى: ضريح، وكناية بنية. ولا بأس به، وسواء (علم الولدُ) برجوع أبيه (أو لم يعلم) به.
(ولا يحتاج) الرجوع (إلى حكم حاكم) لثبوته بالنص، كفسخ معتقة تحت عبد.
(وإن تصرَّف الأبُ فيه) أي: فيما وهبه لولده (بعد قبض الابن) لم يكن رجوعًا بغير قول (أو وطئ) الأبُ (الجاريةَ) التي وهبها لولده، وأقبضها له (ولو نوى) الأب (به) أي: بالتصرف أو الوطء (الرجوع، لم يكن) ذلك (رجوعًا بغير قول) لأن ملك الموهوب له ثابت يقينًا، فلا يزول إلا بيقين، وهو صريح القول.
(وإن سأل) زوجٌ (امرأته هِبةَ مَهرِها، فوهبتْهُ) له، ثم ضَرَّها، فلها الرجوع (أو قال) زوج لزوجته:(أنت طالق إن لم تُبْرِئِيني، فأبرأته) من مهرها (ثم ضَرَّها بطلاق أو غيره، فلها الرجوع) فيما وهبته من المهر أو أبرأته منه؛ لأن شاهد الحال يدلُّ على أنها لم تطب به نفسًا، وإنما أباحه الله عن طيب نفسها بقوله:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}
(1)
وغير الصَّداق كالصَّداق؛ قاله في "شرح المنتهى". ويؤيده: قول عمر: "إنَّ النساءَ يعطين أزواجهن رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها شيئًا، ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق به" رواه الأثرم
(2)
، وقال الحارثي: المشهور عنه - أي: عن الإمام - أن لا رجوع لواحد من الزوجين فيما وهب للآخر، إلا أن تهب المرأة مهرها لسؤال منه ونحو ذلك، فترجع
(3)
.
(1)
سورة النساء، الآية:4.
(2)
لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (9/ 115) رقم 16562، وابن أبي شيبة (6/ 191) من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن محمد بن عبيد الله الثقفي، عن عمر رضي الله عنه.
قال ابن حجر في فتح الباري (5/ 217): أخرجه عبد الرزاق بسند منقطع. وذكره ابن حزم في المحلى (9/ 133) معلقًا عن محمد بن عبيد الله الثقفي، عن شريح، عن عمر رضي الله عنه أنه قال في المرأة وزوجها: ترجع فيما أعطته، ولا يرجع فيما أعطاها. وصححه.
(3)
مسائل عبد الله (3/ 1148) رقم 1579، ومسائل صالح (1/ 463) رقم 479، =
(لا إن تبرَّعت به) أي: بمهرها (من غير مسألة) الزوج
(1)
، فلا رجوع لها نصًّا
(2)
، واحتج
(3)
في رواية أحمد بن إبراهيم الكوفي بقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}
(4)
.
فصل
(ولأب فقط - إن كان) الأب (حرًّا - أن يتملَّكَ من مال ولده ما شاء) قال في "الاختيارات"
(5)
: ما لم يتعلَّق به حق كالرهن والفَلَس. وإن تعلَّق به رغبة كالمداينة والمناكحة، وقلنا: يجوز
(6)
الرجوع في الهبة؛ ففي التملك نظر (مع حاجة الأب) إلى تملك مال ولده (و) مع (عدمها، في صِغَر الولد وكبره، وسُخطه ورضاه، وبعلمه وبغيره) لما روى سعيد والترمذي وحَسَّنه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أطيبَ ما أكلْتُم مِن كسبِكم، وإنَّ أولادكم من كسبِكم"
(7)
، وروى الطبراني في
= ومسائل ابن هانئ (2/ 54) رقم 1404، ومسائل الكوسج (8/ 4283) رقم 3051، والورع ص/ 110، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 444).
(1)
زاد في "ذ": "لها".
(2)
مسائل عبد الله (3/ 1148) رقم 1579، ومسائل صالح (1/ 463) رقم 479، ومسائل الكوسج (8/ 4364) رقم 3116، و (9/ 4755) رقم 3420، والورع ص/ 110.
(3)
انظر: الورع للإمام أحمد ص/ 110.
(4)
سورة النساء، الآية:4.
(5)
الاختيارات الفقهية ص/ 270.
(6)
في "ح": "بجواز".
(7)
سعيد بن منصور (2/ 114) حديث 2287، 2288، والترمذي في الأحكام، باب 22، حديث 1358، وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (1/ 406 - =
"معجمه" عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي اجتاح مَالِي، فقال:"أنتَ ومالكَ لأبيكَ"
(1)
. ولأن الولد موهوب لأبيه بالنصِّ القاطع، وما كان موهوبًا له، كان له أخذ ماله كعبده. يؤيده: أن سفيان بن عيينة
(2)
قال في قوله تعالى: {وَلَا عَلَى
= 407)، وأبو داود في البيوع، باب 79، حديث 3528، 3529، والنسائي في البيوع، باب 1، حديث 4461، 4464، وفي الكبرى (4/ 4) حديث 6043 - 6047، وابن ماجه في التجارات، باب 1، حديث 2137، والطيالسي ص/ 221، حديث 1580، وعبد الرزاق (9/ 133) حديث 16643، والحميدي (1/ 281) حديث 248، وابن أبي شيبة (7/ 157، 14/ 196)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 848، 849، 886، 950) حديث 1507، 1508، 1561، 1655 - 1657، وأحمد (6/ 31، 41، 127، 162، 173، 193، 201، 202، 203)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 114)، وابن حبان "الإحسان"(10/ 72 - 75) حديث 4259 - 4261، والطبراني في الأوسط (5/ 245) حديث 4483، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (1/ 327) حديث 232، والإسماعيلي في المعجم (2/ 656) حديث 288، والحاكم (2/ 46)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 229، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 120) حديث 1012، وابن حزم في المحلى (8/ 102)، والبيهقي (7/ 479 - 480)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 299) حديث 15593، والبغوي في شرح السنة (8/ 328) حديث 2398.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 465) والحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه - أيضًا - ابن حزم.
وقال الإمام أحمد - كما في المنتخب من العلل للخلال ص/ 308 - : حديث مضطرب.
(1)
لم نقف عليه في المطبوع من المعجم الكبير من مسند عبد الله بن عمرو ولعله في القسم الذي لم يطبع، وقد تقدم تخريجه في باب زكاة الفطر (5/ 61) تعليق رقم (1).
(2)
لم نقف عليه مسندًا، وقد أورده ابن قدامة في المغني (8/ 274).
أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} الآية
(1)
: ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم في قوله: {مِنْ بُيُوتِكُمْ} لأن بيوت أولادهم كبيوتهم، ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية، كمالِ نفسه (دون أمٍّ وجدٍّ وغيرهما) من سائر الأقارب؛ لأن الأصل المنع، خولف في الأب؛ لدلالة النص، وبقي ما عداه على الأصل (بشروط ستة) متعلق بـ "يتملك":
(أحدها: أن يكون) ما يتملكه الأب (فاضلًا عن حاجة الولد؛ لئلا يضرَّه) بتملكه، وهو منفي بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرَرَ ولا ضِرَارَ"
(2)
(فليس له) أي: الأب (أن يتملك سُرِّيَّته، وإن لم تكن) سريته (أُمَّ ولد) للابن (لأنها ملحقة بالزوجات
(3)
، ولا) يتملك - أيضًا - (ما تعلَّقت حاجته به) كآلة حرفة يتكسَّب بها، ورأس مال تجارة؛ لأن حاجة الإنسان مقدَّمة على دَيْنه، فلأن تقدم على أبيه بطريق الأولى.
الشرط (الثاني: ألا يعطيه) الأب (لولدٍ آخر) فلا يتملَّك من مال ولده زيد، ليعطيه لولده عَمرو؛ لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يُمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.
الشرط (الثالث: ألا يكون) التملك (في مرض موت أحدهما) أي: الأب، أو الولد؛ لأنه بالمرض قد انعقد السبب القاطع للتملك.
الشرط (الرابع: ألا يكون الأبُ كافرًا والابن مسلمًا، لا سيما إذا كان الابن كافرًا ثم أسلم، قاله الشيخ
(4)
) قال في "الإنصاف": وهذا عين
(1)
سورة النور، الآية:61.
(2)
تقدم تخريجه (2/ 111) تعليق رقم (1).
(3)
في متن الإقناع (3/ 113): "بالزوجة".
(4)
الاختيارات الفقهية ص/ 270.
الصواب. انتهى؛ لحديث: "الإسلام يَعلو ولا يُعلى"
(1)
.
(وقال) الشيخ
(2)
- أيضًا - (: الأشبه
(3)
أن الأب المسلمَ ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئًا) لانقطاع الولاية والتوارث.
(1)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - عائذ بن عمرو رضي الله عنه: أخرجه الروياني في مسنده (2/ 37) حديث 783، والدارقطني (3/ 252)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 65)، والخليلي في فوائده - كما في تغليق التعليق (2/ 489) -، والبيهقي (6/ 205)، من طريق حشرج بن عبد الله بن حشرج، عن أبيه، عن جده، عن عائذ، به.
حسَّن إسناده الحافظ في الفتح (3/ 222)، وقال في التغليق (2/ 490): قال الخليلي: عائذ ممن بايع تحت الشجرة، ولم يرو عنه إلا حشرج، ولعائذ أحاديث عزيزة.
قال أبو حاتم الرازي - كما في الجرح والتعديل (3/ 295، 5/ 40) -، والدارقطني - كما في نصب الراية (3/ 213) -: عبد الله بن حشرج، وأبوه: مجهولان.
ب - عمر رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 468) حديث 5993، وفي الصغير (2/ 64)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 489)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 37)، في حديث الضب بلفظ: ". . . الدين
…
يعلو ولا يُعلى".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 294): رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن شيخه محمد بن علي بن الوليد البصري. قال البيهقي: والحمل في هذا الحديث عليه.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 651): صَدقَ - والله - البيهقي، فإنه خبر باطل.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 126): إسناده ضعيف جدًّا.
ج - معاذ رضي الله عنه: أخرجه بحشل في تاريخ واسط ص/ 155، بلفظ:"الإيمان يعلو، ولا يعلى عليه". وفي سنده عمران بن أبان. قال فيه الحافظ في التقريب (5178): ضعيف.
د - ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا: ذكره البخاري في الجنائز، باب 79، قبل حديث 1354 معلقًا بصيغة الجزم، وأخرجه الطحاوي (3/ 257) موصولًا، وصحَّح إسناده الحافظ في الفتح (9/ 421)، وفي تغليق التعليق (2/ 490).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 270.
(3)
في متن الإقناع (3/ 113): "والأشبه".
الشرط (الخامس: أن يكون) ما يتملَّكه الأب (عينًا موجودة) فلا يتملَّك دَيْن ابنه؛ لأنه لا يملك التصرف فيه قبل قبضه.
(ويحصُل تملّكه) أي: الأب، لمال ولده (بقبض) ما يتملكه (مع قول): تملكتُه، أو نحوه (أو نيَّةٍ) قال في "الفروع": ويتوجَّه: أو قرينة؛ لأن القبض أعمُّ من أن يكون للتملك، أو غيره، فاعتُبر القول أو النية؛ ليتعين وجه القبض (وهو) أي: القبض مع ما ذكر (الشرط السادس.
ولا يصح تصرُّفُه) أي: الأب (فيه) أي: في مال ولده (قبل ذلك) أي: قبل القبض مع القول، أو النية (ولو عتقًا) لأن ملك الابن تام على مال نفسه، يصح تصرُّفُه فيه، ويحل له وَطء جواريه، ولو كان الملك مشتركًا لم يحل له الوطء، كما لا يجوز له وطء الجارية المشتركة، وإنما للأب انتزاعها منه، كالعين التي وهبها إياه.
(ولا يملك) أبٌ (إبراءَ نفسه) من دَيْن ولده (ولا) يملك الأب - أيضًا - (إبراء غريم وَلَده، ولا) يملك الأب (تملكه ما في ذِمَّة نفسه، ولا) تملك ما في (ذمَّة غريم ولده، ولا) يملك (قبضه) أي: الدَّين (منهما) أي: من نفسه، وغريم ولده (لأن الولد لم يملكه) قبل قبضه.
(ولو أقرَّ) الأب (بقبض دَيْنِ ولده) من غريمه (فأنكر الولد) أن يكون أبوه قبض (أو أقرَّ) بالقبض (رجع) الولد (على غريمه) بدينه؛ لعدم براءته بالدفع إلى أبيه (ورجع الغريم على الأب) بما أخذه منه إن كان باقيًا، وببدله إن كان تالفًا؛ لأنه قبض ما ليس له قبضه لا بولاية ولا بوكالة، فقول الإمام في رواية مُهَنَّا
(1)
: ولو أقرَّ بقبض دَيْن ابنه، فأنكر،
(1)
الفروع (4/ 653).
رجع على غريمه، وهو على الأب. لا يعوّل على مفهومه من أنه لو أقرَّ لا يرجع؛ لأنه يمكن أن يكون جوابًا عن سؤال سائل، فلا يحتج بمفهومه.
(قال الشيخ
(1)
: لو أخذ) الأب (من مال ولده شيئًا، ثم انفسخ سبب استحقاقه) أي: الشيء المأخوذ (بحيث وجب رَدّه إلى الذي كان مالكه، مثل أن يأخذ) الأب (صَداقَ ابنته، ثم يُطلِّق الزوجُ) قبل الدخول، أو ينفسخ النكاح على وجه يسقط الصداق (أو يأخذ) الأب (ثمنَ السِّلعة التي باعها الولد، ثم ترد السلعة، أو يأخذ) الأب (المبيع الذي اشتراه الولد، ثم يُفْلِس) الولد (بالثمن) ويُحجر عليه، ويفسخ البائع (ونحو ذلك) كما لو فسخ البائع لعيب الثمن بعد أخذ الأب المبيع من ولده (فالأقوى في جميع) هذه (الصور: أن للمالك الأول الرجوعَ على الأب) لسبق حقه على تملك الأب.
(ويأتي في الصَّدَاق: لو تزوَّجها على ألفٍ لها، وألفٍ لأبيها) أن ذلك يصح، وأن الأب يملك بالقبض مع نية التملُّك، وأنه إذا طلَّقها الزوج، أو انفسخ النكاح قبل الدخول على وجه يسقطه، رجع عليها لا على أبيها، وهو يقتضي أن المذهب خلاف ما قاله الشيخ.
(وإن وطئ) أبٌ (جاريةَ ولدِه) قبل تملكها (فأحبلها، صارت أمَّ ولدٍ له) أي: للأب؛ لأن إحباله لها يوجب نقل الملك إليه، وحينئذٍ يكون الوطء مصادفًا للملك، فإن لم تحبل، فهي باقية على ملك الولد (وولدُه) أي: الأب من جارية ولده (حُرٌّ) لأنه من وَطءٍ انتفى فيه الحَدُّ للشُّبهة (لا يلزمه قيمته) لولده المنتقل عنه ملك الجارية؛ لصيرورتها أُمّ وَلد للأب، ودخولها في ملكه بالإحبال، فلم تأتِ بالولد إلا في ملك الأب.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 270.
(ولا) يلزمه (مهرٌ) لأن الوطء سبب نقل الملك فيها، وإيجاب القيمة للولد، والوطء الموجب للقيمة كالإتلاف، فلا يجتمع معه المهر (ولا حَدٌّ) لشُبهة الملك (ويعزَّر) لأنه وطئ وطئًا محرَّمًا، أشبه وَطء الأَمَة المشتركة بينه وبين غيره.
(ويلزمه) أي: الأب (قيمتُها) أي: قيمة الأَمَة التي أولدها لولده؛ لأنه أتلفها عليه، لكن ليس له مطالبته بها، ومحل انتقال الملك فيها للأب (إن لم يكن الابنُ وطئها) لأنها بالوطء تصير كحلائل الأبناء، فتحرم على الأب.
(ولا ينتقل الملك فيها إن كان الابن استولدها، فلا تصير أُمَّ ولدٍ للأب) إذ أُمّ الولد لا ينتقل الملك فيها (وإن كان الابن وطئها، ولو لم يستولدها، لم يملكها الأب) بالإحبال (ولم تَصِرْ أُمَّ ولد له) لأنها بالوطء صارت ملحقة بالزوجة، فلا يصح أن يتملكها بالقول - كما تقدم - فلا يملكها بالإحبال.
(وحَرُمت عليهما) أي: على الأب؛ لأنها من موطوآت ابنه، وعلى الابن؛ لأنها موطوءة أبيه (ولا يُحدُّ) الأب بوطئه للأَمَة في هذه الحال، لشُبهة:"أنت ومالُكَ لأبيكَ"
(1)
.
(وإن وطئ) الابنُ (أَمَةَ أحد أبويه، لم تَصِر أُمَّ ولد) له، إن حملت منه (وولدُه قِنٌّ، ويُحدُّ) إن علم التحريم؛ لأن الابن ليس له التملك على أحد من أبويه، فلا شُبهة له في الوطء.
(وليس لولدٍ ولا لورثته مطالبةُ أبيه بدَيْنِ قَرْضٍ، ولا ثمن مبيعٍ، ولا قيمةِ مُتلَفٍ، ولا أرْشِ جناية، ولا) بأجرة (ما انتفع به من ماله) لما روى
(1)
تقدم تخريجه (5/ 61) تعليق رقم (1).
الخلال "أن رجُلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يَقْتَضيهِ دَيْنًا عليهِ، فقال: أنت ومالُك لأبيك"
(1)
؛ ولأن المال أحد نوعي الحقوق، فلم يملك مطالبةَ أبيه به؛ كحقوق الأبدان.
(ولا) للابن (أن يُحِيل عليه) أي: على الأب (بدَيْنه) لأنه لا يملك طلبه به، فلا يملك الحوالة عليه (ولا) مطالبة للولد على والده بـ (ــغير ذلك) من سائر الحقوق؛ لما تقدم (إلا بنفقتِه) أي: الولد (الواجبة) على الأب؛ لفقر الابن وعجزه عن التكسُّب، فله الطلب بها (زاد في "الوجيز": وحَبْسُه عليها) لقوله صلى الله عليه وسلم لهند: "خُذِي ما يَكفيك وولَدَك بالمعروف"
(2)
.
(وله) أي: الولد (مطالبته) أي: الأب (بعين مالٍ له) أي الولد (في يده) أي: الأب.
(ويجري الرِّبا بينهما) أي: بين الوالد وولده؛ لتمام ملك الولد على ماله، واستقلاله بالتصرف فيه، ووجوب زكاته عليه، وحِلِّ الوَطء وتوريث ورثته، وحديث:"أنْتَ ومالُكَ لأبيكَ"
(3)
على معنى سلطة
(4)
التملك، ويدلُّ عليه إضافة المال للولد.
(ويثبت له) أي: الولد (في ذِمَّته) أي: الوالد (الدَّين) من بدل قرضٍ، وثمن مبيع، وأجرة ونحوها (ونحوه) كأرش
(5)
الجنايات، وقيم
(1)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الخلال المطبوعة، وقد تقدم تخريجه (5/ 61) تعليق رقم (1).
(2)
أخرجه البخاري في النفقات، باب 9، حديث 5364، وفي الأحكام، باب 28، حديث 7180، ومسلم في الأقضية، حديث 1714، عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
تقدم تخريجه (5/ 61) تعليق رقم (1).
(4)
في "ذ": "سلطنة".
(5)
في "ذ": "كأروش".
المُتلفات؛ إعمالًا للسبب، فإن ملك الولد تام، والسبب: إما إتلاف، فلمال الغير، وإما قرضٌ ونحوه، فعقد يدخل تحت قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
(1)
.
(قال في "الموجَز": لا يملك) الولد (إحضارَه) أي: الأب في مجلس الحكم، فإن أحضَرَه فادَّعى) الولد عليه (فأقرَّ) الأب بالدَّين (أو قامت) به (بيِّنة، لم يُحبس) لما تقدم من حديث الخلال
(2)
.
(وإن وَجَد) الولد (عينَ ماله الذي أقرَضَه) لأبيه (أو باعَه) له (ونحوه) كعين ما غصبه منه (بعد موته، فله) أي: الولد (أخذه) أي: ما وَجَده من عين ماله (إن لم يكن انتقد ثمنه) لتعذُّر العِوض؛ قاله في "التلخيص"، ولعله مبنيٌّ على القول بأن الدَّين لا يثبت في ذِمة الأب لولده، فلما تعذَّر عليه العِوض، رجع بعين المال، والمذهب أنه يَثبت فيُطالِب بالعِوض.
(ولا يكون) ما وُجِد من عين مال الولد بعد موت أبيه (ميراثًا) لورثة الأب (بل) هو (له) أي: للولد المأخوذ منه (دون سائر الورثة) قال في "تصحيح الفروع": هذا إذا صار إلى الأب بغير تمليك، ولا عقد معاوضة، فأما إن صار إليه بنوع من ذلك، فليس له الأخذ قولًا واحدًا. والله أعلم. انتهى.
قلت: فكيف تصور المسألة حينئذٍ مع قولهم: "عين ما أقرضه أو باعه"؟! وما قَدَّمته أولى.
(ولا يسقط دَينُه الذي عليه) أي: الأب (بموته، فيؤخذ من تَرِكته) كسائر الديون.
(1)
سورة المائدة، الآية:1.
(2)
(10/ 165) تعليق رقم (1).
(وتسقط جنايتُه) أي: أرْشها، بموت الأب. قال في "شرح المنتهى": ولعل الفرق بينها وبين دَيْن القرض وثمن البيع ونحوهما، كون الأب أخذ عن هذا عوضًا، بخلاف أرش الجناية، وعلى هذا ينبغي أن يسقط عنه - أيضًا - دين الضمان، إذا ضمن غريم ولده.
(ولو قضى الأب الدَّيْن الذي عليه لولده في مرضه، أو وصَّى بقضائه، فمن رأس ماله) لأنه حق ثابت عليه لا تُهمة فيه، فكان من رأس المال، كالدَّيْن لأجنبي
(1)
.
(ولولد الولد مطالبة جَدِّه بما لَه في ذِمته) من دَيْنٍ، وأرشِ جنايةٍ، وغيرهما كسائر الأقارب، إن لم يكن انتقل إليه من أبيه؛ لما تقدَّم أنه ليس لورثة الولد مطالبة أبيه بدينه (وكذا الأم) تطالب بدين ولدها.
(و
لا اعتراضَ للأب على تصرُّف الولد في مال نفسه
بعقود المعاوضات وغيرها) لتمام ملك الولد على ماله.
(والهدية تُذْهِبُ الحقدَ) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "تَهادوا، فإنَّ الهدايا تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ"
(2)
والوَحَرَ - بفتح الحاء المهملة -: الحقد
(1)
في "ذ": "كدين الأجنبي".
(2)
أخرجه الترمذي في الولاء والهبة، باب 6، حديث 2130، والطيالسي ص/ 307، حديث 2333، وأحمد (2/ 405)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق ص/ 87، حديث 358، القضاعي في مسند الشهاب (1/ 380) حديث 656، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 18 - 19)، من طريق أبي معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأبو معشر اسمه نجيح مولى بني هاشم، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. =
والغيظ (و) الهدية (تجلب المحبة) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "تهادَوا تحابُّوا"
(1)
.
(ولا تُردُّ) أي: يُكره ردُّ الهدية (وإن قَلَّت، كذراع، أو كُرَاع) - بضم الكاف، وتخفيف الراء، وآخره عين مهملة -: مستدق الساق من الرِّجْل، ومن حد الرسغ في اليد، وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير، ووظيف البعير: خُفُّه، وهو كالحافر للفرس؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لو أُهدي إليَّ ذراعٌ أو كُراعٌ لقَبِلتُ"
(2)
(خصوصًا الطِّيْب) لحديث: "ثلاثةٌ لا تُرَدُّ"
(3)
فعدَّ منها الطيب، وقوله
= وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 69): في إسناده أبو معشر المدني، وتفرد به، وهو ضعيف.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 272 مع الفيض) ورمز لضعفه.
وجاء عند الطيالسي وأحمد: "وَغَرَ" بدل "وَحَرَ".
(1)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص/ 203، حديث 594، وأبو يعلى (11/ 9) حديث 6148، والدولابي في الكنى (1/ 150، 2/ 7)، وابن عدي (4/ 1424)، وأبو الشيخ في الأمثال (1/ 175) حديث 245، وتمام في فوائده (2/ 332) حديث 712، والبيهقي (6/ 169)، وفي شعب الإيمان (6/ 479) حديث 8976، والمزي في تهذيب الكمال (13/ 313 - 314).
وجوَّد إسناده العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 40).
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 69 - 70)، وفي بلوغ المرام ص/ 194، حديث 1961: إسناده حسن.
(2)
أخرجه البخاري في الهبة، باب 2، حديث 2568، وفي النكاح، باب 73، حديث 5178.
(3)
أخرجه الترمذي في الأدب، باب 37، حديث 2790، وفي الشمائل ص/ 110، حديث 219، وابن حبان في الثقات (4/ 110)، والطبراني في الكبير (12/ 336) حديث 13279، وأبو الشيخ في الطبقات المحدثين بأصبهان (3/ 217) حديث 457، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 99)، والبغوي في شرح السنة (12/ 88) حديث =
(مع انتفاء مانع القَبول) متعلق بـ "لا تُرَدُّ".
(ويُسنُّ) لمن أُهديت إليه (أن يُثيب عليها) لحديث عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهديةَ، وَيُثيبُ عليها" أخرجه البخاري
(1)
.
(فإن لم يستطع) أن يُثيب عليها (فَلْيَذْكُرْها، و) لْـ (ــيُثنِ على صاحبها) الذي أهداها (ويقول: جزاك الله خيرًا) لحديث جابر: "مَنْ أُعْطِيَ عطاءً، فوجد فليَجْزِه
(2)
به، فإن لم يجد، فَلْيُثْنِ به، فمن أثْنَى به فقد شكره، ومن كَتَمهُ فقد كفَره" أخرجه أبو داود
(3)
.
= 3173، عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظ الترمذي: ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن، والدهن يعني به الطيب.
قال الترمذي: هذا حديث غريب.
وقال أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (2/ 308): هذا حديث منكر.
وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 177): معلول.
وخالفهم الحافظ ابن حجر فقال في الفتح (5/ 209): إسناده حسن؛ إلا أنه ليس على شرط البخاري. وانظر: السلسلة الصحيحة (2/ 183) رقم 619.
(1)
في الهبة، باب 11، حديث 2585.
(2)
في "ذ": "فليَجْزِ به" وكذا في سنن أبي داود.
(3)
أبو داود في الأدب، باب 12، حديث 4813، 4814. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد ص/ 64، حديث 215، والترمذي في البر والصلة، باب 87، حديث 2034، وعبد بن حميد (3/ 77) حديث 1145، وأبو يعلى (4/ 104) حديث 2137، وابن حبان "الإحسان" (8/ 203) حديث 3415، وابن عدي (1/ 356)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 294) حديث 485، 486، والبيهقي (6/ 182)، وفي شعب الإيمان (6/ 415) حديث 9108 - 9110، والخطيب في تاريخه (10/ 119)، وفي الموضح (2/ 170)، كلهم من طرق عن جابر رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 332): صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 75 مع الفيض) ورمز لصحته.
ولحديث أسامة بن زيد مرفوعًا: "من صُنِعَ إليه معروفٌ، فقال: جزاك الله خيرًا، فقد أبْلَغَ في الثَّناء" رواه الترمذي
(1)
. وقال: حسن غريب
(2)
.
(ويُقدَّم في الهدية الجارُ القريبُ بابُه على) الجار (البعيد) بابه؛ لحديث عائشة، قالت:"قلت: يا رسول الله، إنَّ لي جارين، فإلى أيّهما أُهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا"
(3)
.
(ويجوز ردُّها) أي: الهدية (لأمورٍ: مثل أن يريد أخْذَها بعقد
(1)
في البر والصلة، باب 87، حديث 2035. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (6/ 53) حديث 10008، والبزار (7/ 54) حديث 2601، وابن حبان "الإحسان" (8/ 202) حديث 3413، والطبراني في الصغير (2/ 148)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 242، حديث 275، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 164) حديث 930، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 345)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 521) حديث 9137، والضياء في المختارة (4/ 110 - 111) حديث 1321، 1322، كلهم من طريق سعير بن الخِمْس، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن جيد غريب. وفي تحفة الأشراف (1/ 51): حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث أسامة إلا من هذا الوجه.
وقال في العلل ص/ 315، حديث 589: سألت محمدًا [يعني البخاري] عن هذا الحديث، فقال: هذا منكر، وسعير بن الخمس كان قليل الحديث، ويروون عنه مناكير.
وقال أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (2/ 236): هذا حديث عندي موضوع بهذا الإسناد.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 172 مع الفيض) ورمز لصحته.
(2)
في "ح": "صحيح" بدل "غريب".
(3)
أخرجه البخاري في الشفعة، باب 3، حديث 2259، وفي الهبة، باب 16، حديث 2595، وفي الأدب، باب 32، حديث 6020.
معاوضة؛ لحديث جابر في جَمَلِه) قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بعْني جَمَلَكَ هذا، قال: قلت: لا، بل هو لك، قال: لا، بل بِعْنيه" رواه مسلم
(1)
.
(أو يكون المُعطِي لا يقنع بالثواب المعتاد) لما في القَبول من المشقَّة حينئذٍ.
(أو تكون) الهدية (بعد السؤال واستشراف النفس لها) لحديث عمر: "إذا جاءك من هذا المالِ شيءٌ وأنت غير مُسْتشرفٍ ولا سَائِل فخذه، وما لا؛ فلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ"
(2)
. وإشراف النفس فسَّره إبراهيم الحربي
(3)
بأنه: تطلُّب للشيء، وارتفاع له، وتعرُّض إليه.
(أو لقطع المِنَّة) إذا كان على الآخذ فيه مِنَّةٌ.
(وقد يجب الرَّدُّ، كهدية صيد لمُحْرِم) لأنه صلى الله عليه وسلم رَدَّ على الصَّعْب بن جَثَّامَةَ هدية الحِمار الوَحْشي، وقال:"إنا لم نَرُدَّهُ عليك إلا أنَّا حُرُمٌ"
(4)
.
وكذا إن علم أنه أهدى حياءً، حَرُمَ القَبول؛ نقله في "الآداب"
(5)
عن ابن الجوزي
(6)
، وجزم به في "المنتهى".
(1)
في المساقاة، حديث 715 (111) بعد حديث 1599. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الوكالة، باب 8، حديث 2309، وقد تقدم تخريج الحديث في (7/ 392) تعليق رقم (1).
(2)
أخرجه البخاري في الزكاة، باب 51، حديث 1473، وفي الأحكام، باب 17، حديث 7163، 7164، ومسلم في الزكاة، حديث 1045.
وعندهما: "مُشْرِف" بدل: "مُستشرف".
(3)
لم نقف عليه في القسم المطبوع من غريب الحديث له.
(4)
تقدم تخريجه (6/ 146) تعليق رقم (4).
(5)
الآداب الشرعية (2/ 280).
(6)
في كتابه منهاج القاصدين، كما في الفروع (2/ 596)، ولم يطبع، وانظر: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص/ 411.
فصل في عطية المريض وما يلحق به
(1)
(عطيةُ المريضِ في غير مرض الموت، ولو) كان المرض (مَخُوفًا) كصحيح (أو في) مرض (غير مَخُوفٍ، كرَمَد، ووجع ضِرْس، وصُداع) أي: وجع رأس (وجَرَب، وحُمَّى يسيرة ساعة، أو نحوها، والإسهال اليسير من غير دم ونحوه) بأن يكون منحرفًا
(2)
لا يمكنه منعه ولا إمساكه، فإن كان كذلك فهو مَخوف ولو ساعة، لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه، ذكره في "المغني" (ولو مات) المعطي (به) أي: بذلك المرض (أو صار) المرض (مَخُوفًا، ومات به كـ) ــعطيةِ (صحيح) لأنه في حكم الصحة؛ لكونه لا يخاف منه في العادة.
(و) عطيته (في مرض الموت المَخُوف، كالبِرْسام) - بكسر الموحدة -: بخار يرتقي إلى الرأس، ويؤثِّر في الدماغ، فيختل عقلُ صاحبه. وقال عياض
(3)
: ورم في الدماغ يتغير منه عقل الإنسان ويَهذي (ووجع القلب، و) وجع (الرِّئة) فإنها لا تكن حركتها، فلا يندمل جرحها (وذات الجَنْب) قروح بباطن الجنب (والطاعون في بدنه) قال في "شرح مسلم"
(4)
: الطاعون وباء معروف، وهو بَثْر وورم مؤلم جدًّا،
(1)
في "ح" و"ذ": "بها".
(2)
كذا في الأصول الخطية و"ذ"، وجاء في المغني (8/ 490):"منخرقًا"، وفي الشرح الكبير (17/ 121):"متحركًا" ولعله الصواب. انظر: القانون لابن سينا (1/ 139).
(3)
مشارق الأنوار (1/ 85).
(4)
شرح مسلم للنووي (1/ 105).
يخرج مع لهب، ويَسْوَدُّ ما حولَه ويَخضرّ، ويحمرّ حُمرة بنفسجية، ويحصُل معه خفقان للقلب (أو وقع) الطاعون (ببلده) لأنه مخوف إذا كان به (أو هاجت به الصفراء) لأنها تورثه يبوسة (أو البلغم) لأنه يورثه شدة برودة (والقُولنج) بأن ينعقد الطعام في بعض الأمعاء، ولا ينزل عنه (والحُمَّى المطبِقة، والرُّعاف الدائم) لأنه يصفِّي الدم (والقيام المتدارك، وهو الإسهال المتواتر) الذي لا يستمسك، وكذا إسهال معه دم؛ لأنه يُضعِف) القوة (والفالِج)، استرخاء لأحد شقي البدن، لانصباب خلط بلغمي، تَفسُد منه مسالك الروح، فُلِجَ كعُنِيَ، فهو مفلوج؛ قاله في "القاموس"
(1)
(في) حال (ابتدائه، والسِّل) - بكسر السين المهملة -: داء معروف (في) حال (انتهائه) ويأتي مقابله.
(وما قال مُسْلِمان عدلان من أهل الطِّب، لا) ما قال (واحد، ولو لعدم) غيره (عند إشكاله) أي: المرض: (إنه مَخُوف).
قال في "الاختيارات"
(2)
: ليس معنى المرض المَخُوف الذي يغلب على القلب الموت منه، أو يتساوى في الظن جانب البقاء والموت، لأن أصحابنا جعلوا ضَرْبَ المَخاض من الأمراض المَخوفة، وليس الهلاك غالبًا، ولا مساويًا للسلامة، وإنما الغرض أن يكون سببًا صالحًا للموت، فَيُضاف إليه، ويجوز حدوثه عنده، وأقرب ما يقال: ما يَكثُر حصول الموت منه.
(فعطاياه ولو) كانت (عتقًا، ووقفًا، ومُحاباة) بأن باع بدون ثمن المِثْل، أو اشترى بأكثر (كوصية، في أنَّها لا تَصِح لوارث بشيء غير
(1)
ص/ 258.
(2)
ص/ 276.
الوقف) للثُّلث فأقل (ولا لأجنبي بزيادة على الثُّلث، إلا بإجازة الورثة فيهما) أي: فيما إذا كانت لوارث بشيء، وما إذا كانت لأجنبي بزيادة على الثلث؛ لحديث أبي هريرة يرفعه:"إنَّ الله تَصدَّق عليكم عند وفاتِكم بِثُلُثِ أموالِكم، زيادة لكم في أعمالِكم" رواه ابن ماجه
(1)
. فمفهومه:
(1)
في الوصايا، باب 5، حديث 2709. وأخرجه - أيضًا - الطحاوي (4/ 380)، وابن حزم في المحلى (8/ 301، 9/ 355)، والبيهقي (6/ 269)، والخطيب في تاريخه (1/ 349)، من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الزيلعي في نصب الراية (4/ 400): رواه البزار في مسنده، وقال: لا نعلم رواه عن عطاء إلا طلحة بن عمرو، وهو وإن روى عنه جماعة فليس بالقوي.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 91)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 143): إسناده ضعيف.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 322 - 323) من طريق عقبة، عن عطاء، عن أبي هريرة، وقال: غريب من حديث عطاء، لا أعلم له راويًا غير عقبة.
وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - أبو الدرداء رضي الله عنه: أخرجه أحمد (6/ 440 - 441)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 139) حديث 1382، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 353) حديث 1482، وأبو نعيم في الحلية (6/ 104)، من طريق أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي الدرداء.
قال البزار: وهذا قد روي من غير هذا الوجه، وأعلى من روى في ذلك أبو الدرداء، ولا نعلم له طريقًا غير هذا، وضمرة وابن أبي مريم معروفان بالنقل للعلم، واحتمل عنهما الحديث.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 212): وفيه أبو بكر بن أبي مريم، وقد اختلط.
ب - معاذ بن جبل رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 54) حديث 94، والدارقطني (4/ 150)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن عتبة بن حميد الضبي، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن معاذ رضي الله عنه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 212): رواه الطبراني، وفيه عتبة بن حميد الضبي، وثقة ابن حبان وغيره، وضعفه أحمد.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 91): وفيه إسماعيل بن عياش، وشيخه =
ليس لكم أكثر من الثلث، يؤيده: ما روى عمران بن حُصين: "أنَّ رجلًا أعتق في مرضه ستة أعْبُدٍ، لم يكن له مال غيرهمْ، فاستدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجَزَّأهم ثلاثة أجزاءٍ، فأقرَعَ بينهم، فأعتق اثنين، وأرقَّ أربعةً" رواه مسلم
(1)
. وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى، ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت، فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا تتجاوز الثلث، كالوصية (إلا الكتابة) لرقيقه أو بعضه بمُحاباة.
(فلو حاباه) سيده المريض مرض الموت (فيها) أي: الكتابة (جاز، وتكون) المُحاباة حينئذٍ (من رأس المال) هذا معنى كلامه في "الإنصاف" و"التنقيح" و"المنتهى" لكن كلام "المحرر" و"الفروع" والحارثي وغيرهم، يدلُّ على أن الذي يصح عن رأس المال هو الكتابة
= عتبة بن حميد، وهما ضعيفان.
ج - أبو بكر رضي الله عنه: أخرجه العقيلي (1/ 275) وابن عدي (2/ 794)، وابن حزم في المحلى (8/ 301)، من طريق حفص بن عمر بن ميمون، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، عن الصنابحي، عن أبي بكر.
قال الحافط ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 91): وهو [أي حفص بن عمر] متروك.
د - خالد بن عبيدٍ - وقيل عبيد الله - السلمي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 70) حديث 1385، والطبراني في الكبير (4/ 198) حديث 4129، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 952) حديث 2461.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 212): إسناده حسن.
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 91): خالد بن عبيدٍ السلمي مختلف في صحبته، رواه عنه ابنه الحارث. وهو مجهول. وذكر الحافظ ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 111) هذه الطرق، وضعفها ثم قال: ولكن قد يقوى الحديث بانضمام بعض هذه الطرق إلى بعض. وقال الحافظ في بلوغ المرام (906) بعد ذكره طرق الحديث: وكلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضًا. والله أعلم.
(1)
في الأيمان، حديث 1668.
نفسها؛ لأنها عقد معاوضة كالبيع من الغير. قال الحارثي: ثم إن وُجِدت محاباة فالمُحاباة من الثلث. وقد ناقش شارحُ "المُنتهى" صاحبَ "الإنصاف"، وعارضه بكلام "المحرر"، و"الفروع" وذكر أنه لم يقف على كلام الحارثي، وقد ذكرتُه لك، فوقع الاشتباه على صاحب "الإنصاف" و"التنقيح" وتبعه مَن تبعه، والحقُّ أحق أن يُتبع.
(وكذا لو وَصَّى بكتابةٍ بمُحاباة) فتكون المُحاباة من رأس المال، وفيه ما تقدم.
(وإطلاقها يكون بقيمته) أي: لو وصَّى السيدُ أن يُكاتَب عبده وأطلق، بأن لم يقل: على كذا، كُوتب على قيمته؛ لأنه العدل.
(وفرَّع في "المستوعب" على العتق، فقال: وينفذ العتق في مرض الموت في الحال، ويُعتبر خروجه) أي: العتيق (من الثلث بعد الموت، لا حين العتق، فلو أعتق في مرضه) المَخوف (أَمَةً تخرج من الثلث حال العتق، لم يجز أن يتزوجها) لاحتمال ألا تخرج من الثلث عند الموت، فلا تعتق كلها (إلا أن يصحَّ) المريض (من مرضه) فيصح تزوجها
(1)
؛ لنفوذ العتق قطعًا (وإن وهبها) أي: وهب المريض أَمَةً (حَرُم على المُتَّهَب وطؤها حتى يبرأ الواهب، أو يموت) فتبين أنها خرجت من الثلث. وذكر القاضي في "خلافه": يجوز للمُتَّهَب وطؤها. أي: قبل البرء والموت، واستبعده الشيخ تقي الدين
(2)
؛ لأنه يتوقف على إجازة الورثة، فكيف يجوز قبلها؟ وقد يقال: هو في الظاهر ملكه بالقبض، وموت الواهب وانتقال الحق إلى ورثته مظنون، فلا يمنع التصرُّف؛ قاله في القاعدة
(1)
في "ح": "تزويجها".
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 276 - 277.
الثالثة والخمسين
(1)
.
(والاستيلاد في المرض) المَخوف (لا يُعتبر من الثُّلث، فإنه من قَبيل الاستهلاك في مهور الأنكحة، وطيبات الأطعمة، ونفائس الثياب، والتَّداوي، ودفع الحاجات، ويُقبل إقرار المريض به) أي: بالاستيلاد ونحوه؛ لتمكُّنه من إنشائه.
(ولو وهب في الصحة، وأقبض في المرض) لغير وارث (فـ) ــما وهبه يُعتبر (من الثُّلث) اعتبارًا بوقت القبض؛ لأنه وقت لزومها.
(فأما الأمراض الممتدة كالسِّل) في غير حال انتهائه (والجُذام، وحُمَّى الرِّبْع) وهي التي تأخذ يومًا وتذهب يومين، وتعود في الرابع (والفالج في دَوامه، فإن صار صاحبُها صاحبَ فراش، فهي مَخُوفة، وإلا) بأن لم يَصِر صاحبُها صاحب فراش (فعطاياه كصحيح.
والهَرِم إن صار صاحبَ فراش، فكمَخُوف) أي: كالمريض مرضًا مخوفًا.
(ومن كان بين الصَّفَّين عند التحام حَرْب هو فيه، واختلطت الطائفتان للقتال، سواء كانتا مُتفقتين في الدِّين، أو لا) لوجود خوف التلف (وكانت كل واحدة منهما) أي: عن الطائفتين (مكافئةً للأخرى، أو) كانت (إحداهما مقهورةً، وهو منها، فكمرض مَخُوف) لأن توقع التلف هنا كتوقع المريض، أو أكثر، فوجب أن يلحق به.
(فأما) مَن كان مِن (القاهرة بعد ظهورها، أو كان) من إحدى الطائفتين، و (كل من الطائفتين متميزة) عن الأخرى (لم يختلطوا) للحرب (وبينهما رمي سهام أو لا، فليس) حاله (بـ) ـــمنزلة مرض
(1)
القواعد الفقهية ص/ 88.
(مخوف) لأنه لا يتوقع التلف قريبًا.
(ومن كان في لُجَّة البحر عند هيجانه) أي: ثورانه بهبوب الريح العاصف، فكمرض مَخوف؛ لأن الله تعالى وَصَف هذه الحالة بشدَّة الخوف بقوله:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ}
(1)
(أو قُدِّم لِيُقتل قِصاصًا، أو غيره) فكمرض مَخُوف، وأَولى؛ لظهور التلف وقُربه (أو أُسر عند من عادتهـ) ـــم (القتل) فكمرض مخوف؛ لأنه يترقَّبه، وإن لم تكن عادتهم القتل، فعطاياه كصحيح (أو حامل عند مخاض) أي: طَلْق (حتى تنجو من نِفَاسها، مع ألم، ولو) كان الطَّلْق (بسِقْطٍ تام الخلق) فكمرض مخوف، للخوف الشديد (بخلاف المُضغة) إذا وضعتها، فعطاياها كعطايا الصحيح (إلا أن يكون ثَمَّ مرض، أو ألمٌ) قاله في "المغني" فعطاياها إذًا كالمريض المرض المخرف (أو حُبس ليُقتل) فكمرض مخوف.
(أو جُرح جرحًا مُوَحِّيًا مع ثبات عقله، فكمرض مخوف) لأن عمر رضي الله عنه لما جُرح سقاه الطبيب لبنًا، فخرج من جُرحه، فقال له الطبيب: اعْهد إلى الناس، فعهد إليهم ووصَّى، فاتفق الصحابة على قَبول عهده ووصيته
(2)
. وعليٌّ رضي الله عنه بعد ضَرْب ابن مُلْجَم أوصى، وأمر ونهى، فلم يُحكم ببطلان قوله
(3)
. ومع عدم ثبات عقله لا
(1)
سورة يونس، الآية:22.
(2)
أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب 8، رقم 3700، من طريق عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة
…
الخبر.
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في مقتل علي رضي الله عنه ص/ 46 - 57، رقم (40 - 50)، والطبري في تاريخه (5/ 143، 149)، وفي تهذيب الآثار في مسند علي بن أبي طالب ص/ 75 - 76، رقم 137، والطبراني في الكبير (1/ 97 - 105) رقم 168، من طُرق عن علي، به.
وذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 140 - 145)، وقال: رواه الطبراني، وهو =
حكم لعطيته، بل ولا لكلامه.
(وحكم من ذُبح) كميت (أو أبينت حُشْوَتُه؛ وهي أمعاؤه، لا خَرْقها فقط) من غير إبانة (كميت) فلا يُعتد بكلامه.
قال الموفَّق في "فتاويه"
(1)
: إن خرجت حُشْوته ولم تَبِن، ثم مات ولدُه، ورِثَه. وإن أُبينت، فالظاهر يرثه؛ لأن الموت زهوق النفس وخروج الروح، ولم يوجد؛ ولأن الطفل يرث ويورث بمجرد استهلاله، وإن كان لا يدل على حياة أثبت من حياة هذا.
قال في "الفروع": وظاهر هذا من الشيخ أنَّ من ذُبح ليس كميت مع بقاء روحه.
(ولو علَّق صحيحٌ عِتْق عبدٍ) على صفة، كقدوم زيد، أو نزول مطر ونحوه (فوُجِد شَرْطه) أي: ما عَلَّق العتق عليه (في مرضه) المخُوف (ولو) كان وجوده (بغير اختياره فـ) ــعتق العبد يُعتبر (من ثلثه) اعتبارًا بوقت وجود الصفة؛ لأنه وقت نفوذ العتق.
(وإن اختلف الورثة، وصاحبُ العطية، هل أُعطيها في الصِّحة) فتكون من رأس المال (أو) أُعطيها في (المرض) فتُعتبر من ثلثه (فـ) ــالقول (قولهم) نقله عن "الفروع" في شرح "المنتهى"، وقال: نقله مُهنَّا
(2)
في العِتق؛ ذكره آخر العطية، وجزم به في "المبدع" في مسألة العِتق في تعارض البينتين. وقال الحارثي: إذا اختلف الوارث والمعطَى، هل المرض مَخُوف أم لا؟ فالقول قول المعطَى؛ إذ الأصل عدم الخوف،
= مرسل وإسناده حسن.
(1)
ذكرها ابن رجب في ذيل الطبقات (2/ 139)، والعليمي في المنهج الأحمد (4/ 155) ضمن مؤلفات الموفق ولم تطبع.
(2)
الفروع (4/ 672).
وعلى الوارث البينة. انتهى. فمسألتنا أولى.
(وإن كانت) العطية (في رأس الشهر، واختلفا) أي: الوارث والمعطَى (في مرض المعطي فيه) أي: في رأس الشهر (فقول المعطَى) بفتح الطاء: أن المعطِي - بكسرها - كان صحيحًا؛ لأن الأصل عدم المرض.
(وإن عَجَز الثُّلث عن التبرُّعات المنجزة، بُدئ بالأول فالأول منها) لأن السابق استحقَّ الثُّلث، فلم يسقط بما بعده، والتبرُّع إزالة ملك فيما ليس بواجب بغير عوض، واحترز بـ "المنجزة" عن الوصية بالتبرُّع (ولو كان فيها) أي: التبرعات (عِتقٌ) فهو كغيره من التبرعات. وعنه: يقدم عِتق
(1)
.
(فإن تساوت) التبرُّعات المنجزة (بأن وقعت دفعة واحدة) وضاق الثُّلث عنها، ولم تُجزها الورثة (قُسِم الثلث بين الجميع بالحصص) لأنهم تساووا في الاستحقاق، فيقسم بينهم على قَدْر حقوقهم، كغرماء المفلِس.
قال في "المغني": فإن كانت كلها عتقًا، أقرعنا بينهم، فكملنا العِتق كله في بعضهم؛ لحديث عمران بن حُصين
(2)
؛ ولأن القصد بالعتق تكميل الأحكام بخلاف غيره، وتبعه الحارثي وغيره.
(وإذا قال المريض) مرض الموت المخوف: (إن أعتقتُ سعدًا، فسعيدٌ حرٌّ، ثم أعتق) المريض (سعدًا، عَتَق سعيدٌ إن خرج من الثُّلث) لوجود الصفة (وإن لم يخرج) من الثلث (إلا أحدهما، عَتَق سعد وحده،
(1)
الإرشاد ص/ 419، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 23).
(2)
تقدم تخريجه (10/ 175) تعليق رقم (1).
ولم يقرع بينهما) لسبق عتق سعد (ولو رقَّ بعض سعدٍ لعجز الثلث عن) قيمة (كله، فات إعتاق سعيد) لعدم وجود شرطه (وإن بقي من الثلث بعد إعتاق سعدٍ ما يعتق به بعض سعيد، عَتَق تمام الثلث منه) أي: من سعيد؛ لوجود شرط عتقه.
(وإن قال) المريض: (إن أعتقتُ سعدًا، فسعيدٌ وعمرٌو حُرَّان، ثم أعتق سعدًا، ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم، عَتَق سعد وحده) لما تقدم.
(وإن خرج من الثُّلث اثنان، أو) خرج (واحدٌ وبعضُ آخر، عَتَق سعد) لما تقدم (وأُقرع بين سعيد وعَمرو فيما بقي من الثُّلث) لإيقاع عتقهما معًا من غير تقدم لواحد على آخر (ولو خرج من الثلث اثنان وبعضُ الثالث) عتق سعد كاملًا بلا قُرعة لما تقدم، و (أقْرَعْنا بينهما) أي: بين سعيد وعمرو (لتكميل الحرية في أحدهما، وحصول التشقيص في الآخر) لما تقدم.
(وإن قال) مريض: (إن أعتقتُ سعدًا فسعيد حُرٌّ) في حال إعتاقي، فالحكم سواء (أو) قال: إن أعتقتُ سعدًا (فسعيدٌ وعمرو حُرَّان في حال إعتاقي، فالحكم سواء) فيما تقدم من غير فوق؛ لجعله عتق سعد شرطًا لعتق سعيد وحده أو مع عمرو.
(ولو رقَّ بعضُ سعدٍ؛ لَفاتَ شرط عِتقهما، فإن كان الشرط في الصحة، والإعتاقُ) أي: وجود الصفة (في المرض، فالحكم على ما ذكرناه) اعتبارًا بوقت الإعتاق.
(وإن قال) مريضٌ: (إن تزوَّجتُ فعبدي حُرٌّ، فتزوَّج في مرضه بأكثرَ من مهر المثِل، فالزيادة مُحاباة، فتعتبر من الثلث) لما تقدم (فإن لم يخرج
من الثلث إلا المُحاباة، أو العبد، قُدِّمت المُحاباة) لسبقها، إن لم ترث المرأة الزوج لمانع. أما إن ورثته؛ فعلى المذهب: نتبين أن المُحاباة لم تثبت إلا أن يجيزها الورثة، فيتعيَّن تقديم العتق، للزومه من غير توقف على إجازة، فيكون سابقًا؛ قاله الحارثي والشارح.
(وإن اجتمعت عطيةٌ ووصيةٌ، وضاق الثلث عنهما، ولم تُجِز) الورثة (جميعهما؛ قُدِّمت العطية) لأن العطية لازمة في حق المريض، فقُدمت على الوصية، كعطية الصحة.
(ولو قَضَى مريضٌ بعضَ غرمائه) دينَه (صَحَّ) القضاء (ولم يكن لبقية الغرماء الاعتراض عليه) لأنه تصرف من جائز التصرف في محله، وليس بتبرع (ولم يُزاحم المقضيَّ الباقون) من الغرماء (ولو لم تَفِ تركته ببقية الديون) لأنه أدى واجبًا عليه، كأداء ثمن المبيع.
(وما لزم المريض في مرضه من حقٍّ لا يمكن
(1)
دفعه وإسقاطه، كأرش جناية عبده) وأرش جنايته (وما عارض عليه بثمن المِثل) بيعًا، أو شراء، أو إجارة ونحوها (ولو مع وارث) فمن رأس المال؛ لأنه لا تبرع فيها ولا تهمة (وما يَتَغابنُ الناس بمثله) عادة (فمِن رأس المال) لأنه يندرج في ثمن المِثل؛ لوقوع التعارف به.
(ولا يبطل تبرُّعُه) أي: المريض (بإقراره بعده) أي: التبرع (بدَين) لأن الحق ثبت بالتبرع في الظاهر.
(ولو حابى) المريض (وارثه، بَطَلت) تصرفاته (في قَدْرها) أي: المُحاباة (إن لم تُجِز الورثة) لأن المحاباة كالوصية، وهي لوارث باطلة، فكذا المُحاباة (وصحَّت في غيرها) وهو ما لا محاباة فيه (بقِسْطِه) لأن
(1)
في متن الإقناع (3/ 120): "يمكنه".
المانع من صحة البيع المحاباة، وهي هنا مفقودة.
فعلى هذا: لو باع شيئًا بنصف ثمنه، فله نصفه بجميع الثمن؛ لأنه تبرع له بنصف الثمن، فبطل التصرف فيما تبرَّع به (وللمشتري الفسخ) لأن الصفقة تبعَّضت في حقه، فشُرع له ذلك؛ دفعًا للضرر. فإن فسخ وطلب قَدْر المحاباة، أو طلب الإمضاء في الكل، وتكميل حق الورثة من الثمن، لم يكن له ذلك.
(وإن كان له) أي: الوارث المُحابى (شفيعٌ، فله) أي: الشفيع (أخذه) أي: الشقص الذي وقعت فيه المُحاباة؛ لأن الشفعة تجب بالبيع الصحيح، وقد وجد (فإن أخذه) الشفيع (فلا خيار للمشتري) لزوال الضرر عنه؛ لأنه لو فسخ البيع رجع بالثمن، وقد حصل له من الشفيع.
(ولو باع المريض أجنبيًّا) شِقصًا (وحاباه) في ثمنه (وله) أي: الأجنبي (شفيع وارث، أخذها) لما تقدم (إن لم يكن حيلة) على مُحاباة الوارث، فإن كان كذلك، لم يصح؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد، وقوله (لأن المُحاباة لغيره) أي: الوارث، متعلِّق بـ "أخذها" على أنه عِلَّة له، كما لو وصَّى لغريم وارثه؛ ولأنه إنما منع مكانها في حق الوارث لما فيها من التهمة من إيصال المال إلى بعض الورثة، المنهي عنه شرعًا، وهذا معدوم فيما إذا أخذ بالشفعة.
وإن أجر المريض نفسه، وحابى المسأجرَ؛ وارثًا كان أو غيره؛ صح مجانًا، بخلاف عبيده وبهائمه.
(و
يُعتبر الثلث عند الموت) لأن العطية مُعتبرة بالوصية،
والثلث في الوصية مُعتبر بالموت؛ لأنه وقت لزومها وقَبولها وردِّها، فكذلك في العطية.
(فلو أعتق) مريض (عبدًا لا يملك غيره، ثم ملك) المريض (مالًا فخرج) العبد (من ثلثه، تبيَّنا أنه عتق كله) لخروجه من الثلث عند الموت (وإن صار عليه) أي: المريض (دين يستغرقه) أي: العبد (لم يعتق منه شيء) لأن الدَّين مقدَّم على الوصية، والعتق في المرض في معناها. فإن مات قبل سيده، مات حرًّا؛ قاله في "المبدع".
فصل
حكم العطية في مرض الموت حكم الوصية في أشياء كما تقدم
(1)
:
منها: أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث، أو إجازة الورثة.
ومنها: أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة الورثة.
ومنها: أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة.
ومنها: أنها تتزاحم في الثلث، إذا وقعت دفعة واحدة، كتزاحم الوصايا.
ومنها: أن خروجها من الثلث يُعتبر حال الموت، لا قبلَه ولا بعدَه.
(و
تفارق العطيةُ) في المرض (الوصيةَ في أربعة أشياء:
أحدها: أنه يُبدأ بالأول فالأول منها) لوقوعها لازمة (والوصية يُسوَّى بين متقدِّمها، ومتأخِّرها) لأنها تبرع بعد الموت، فوجد دفعة واحدة.
(الثاني: لا يصح الرجوع في العطية) بعد القبض؛ لأنها لازمة في حق المُعطي، ولو كثرت، وإنما مُنِع من التبرع بزيادة على الثلث لحق
(1)
(10/ 172 - 174).
الورثة (بخلاف الوصية) فإنه يملك الرجوع فيها؛ لأن التبرع فيها مشروط بالموت، فقَبْل الموت لم يوجد، فهي كالهِبة قبل القَبول.
(الثالث: يُعتبر قَبوله للعطية عند وجودها) لأنها تمليك في الحال (والوصية بخلافه) فإنها تمليك بعد الموت، فاعتبر عند وجوده.
(الرابع: أن الملك يثبت في العطية من حينها) بشروطها؛ لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال كعطية الصحة، وكذا إن كانت مُحاباة أو إعتاقًا، (ويكون) الملك (مراعىً) لأنا لا نعلم هل هو مرض الموت أو لا؟ ولا نعلم هل يستفيد مالًا، أو يتلف شيء من ماله؟ فتوقفنا لنعلم عاقبة أمره لنعمل بها.
قال في "الاختيارات"
(1)
: ذكر القاضي أن الموهوب له يقبض الهبة، ويتصرف فيها؛ مع كونها موقوفة على الإجازة، وهذا ضعيف، والذي ينبغي أن تسليم الموهوب إلى الموهوبِ له يذهب حيث يشاء، وإرسال العبد المعتَقِ، أو إرسال المحابى لا يجوز، بل لا بُدَّ أن يوقف أمر التبرُّعات على وجه يتمكن الوارث منع ردها بعد الموت، إذا شاء.
(فإذا خرجت) العطية (من ثلثه عند موته تبينا أنه) أي: الملك (كان ثابتًا من حينه) أي: الإعطاء؛ لأن المانع من ثبوته كونه زائدًا على الثلث، وقد تبين خلافه.
(فلو أعتَقَ) رقيقًا في مرضه (أو وهب رقيقًا) لغير وارثه (في مرضه، فَكَسَب) الرقيقُ (ثم مات سيدُه، فخرج) الرقيق (من الثلث، كان كسْبُه له إن كان معتَقًا) لأنا تبينا حريته من حين العتق (و) كان كسب الرقيق (للموهوب له إن كان موهوبًا) لأن الكسب تابع لملك الرقبة.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 276 - 277.
(وإن خرج بعضُه) من الثلث (فلهما) أي: المعتَق والموهوب له (من كسبه بقَدْره) أي: بقَدْر ذلك البعض الخارج من الثلث (فلو أعتق عبدًا لا مال له سواه، فَكَسَبَ) العبد (مثل قيمته قبل موت سيده، فقد عَتَقَ منه شيء وله من كسبه شيء) لأن الكسب يتبع ما تنفذ فيه العطية دون غيره، فيلزم الدور؛ لأن للعبد من كسبه بقَدْر ما عتق، وباقيه لسيده، ثم التركة تتسع بحصة الرق؛ لأن حصة العتق ملك للعبد بجزئه الحر، فلا تدخل في التَّركة، وإذا اتَّسعت التَّرِكة اتَّسعت الحرية، فتزيد حصتها من الكسب، ومن ضرورة هذا نقصان حصة التَّرِكة من الكسب، فتنقص الحرية، فتزيد التَّركة فتزيد الحرية، فتدور زيادته على زيادته ونقصانه على زيادته
(1)
. ولاستخراج المقصود وانفكاك الدور طُرق حسابية اقتصر المصنف منها على طريق الجبر، فتقول: عتق من العبد شيء وله من كسبه شيء. (ولورثة سَيِّده شيئان، فصار العبدُ وكَسْبُه نصفين) لأن العبد لما استحق بعتقِه شيئًا، وبكسبه شيئًا، كان له في الجملة شيئان وللورثة شيئان (فيعتق منه نصفه، وله نصف كَسْبِه) غير محسوب عليه؛ لأنه استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده (وللورثة نصفهما) وذلك مِثْلا ما عتق.
(فلو كان العبد يساوي عشرةً، فَكَسَبَ قبل الوفاة مثلها) عشرة (عَتَق منه شيء، وله من الكسب شيء، وللورثة شيئان، فيعتق نصفُه، ويأخذ خَمسةً) لا تُحسب عليه (وللورثة نصفه) أي: العبد (وخمسة) من كسبه وذلك مِثْلا ما عتق.
(وإن كَسَبَ مِثْلَي قيمتِه صار له) من كسبه (شيئان، وعَتَق منه
(1)
في "ح" جاءت العبارة هكذا: "فتدور زيادته على نقصانه، ونقصانه على زيادته".
شيء، وللورثة شيئان، فيعتق منه ثلاثةُ أخماسه، وله ثلاثة أخماس من كسبه، والباقي) منه ومن كسبه (للورثة) وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته، فقد عَتَق منه شيءٌ، وله ثلاثة أشياء من كسبه، وللورثة شيئان، فيعتق منه ثلثاه، وله ثلثا كسبه، وللورثة الباقي.
(وإن كَسَبَ نصفَ قيمتِه، عَتَق منه شيء، وله نصف شيء من كَسْبه، وللورثة شيئان) فالجميع ثلاثة أشياء ونصف، ابسطها تكون سبعة، له ثلاثة أسباعها (فيعتق منه ثلاثة أسباعه، وله ثلاثة أسباع كسبه، والباقي) أربعة أسباعه وأربعة أسباع كسبه (للورثة.
وإن كان) العبد (موهوبًا لإنسان، فله) أي: الموهوب له (من العبد بقَدْر ما عتق منه) في المسائل السابقة (وبقَدْره من كسبه) لأن الكسب يتبع الملك، ولو كانت قيمته مائة وكسب تسعة، فاجعل له من كل دينار شيئًا، فقد عَتَق منه مائة شيء، وله من كل دينار شيء، فقد عتق منه مائة شيء، وله من كسبه تسعة أشياء، ولهم مائتا شيء، فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلاثمائة وتسعة، وله من كسبه مثل ذلك، ولهم مائتا جزء من نفسه ومائتا جزء من كسبه، فإن كان على السيد دَيْنٌ يستغرق قيمته وقيمة كَسْبه
(1)
صُرف من العبد ومن كسبه ما يُقضى منه الدَّين، وما بقي منهما يقسم على ما تعمل في العبد الكامل وكسبه.
(وإن أعتق جاريةً، ثم وطئها بنكاح، أو غيره) كشبهة (ومهر مِثْلِها نصف قيمتها، فكما لو كسبت نصف قيمتها) لأن مهور النساء كسب لهن (يَعْتق منها ثلاثة أسباعها، سُبْعٌ بملكها له بمهرها) ولا ولاء عليها لأحد؛
(1)
زاد في الشرح الكبير (17/ 152) عبارة من تمام المعنى وهي: "صُرفا في الدَّين، ولم يعتق منه شيء؛ لأن الدين مقدَّم على التبرع، وإن لم يستغرق قيمته وقيمة كسبه".
قاله في "المبدع"، ونقله الحارثي عن بعض الأصحاب، ولم يسمه (وسُبعان) يعتقان (بإعتاق المُتوفَّى) قال في "المبدع": وفي التشبيه نظر، من حيث إن الكسب يزيد به ملك السيد، وذلك يقتضي الزيادة في العتق، والمهر ينقصه، وذلك يقتضي نقصان العتق، ونقله الحارثي عن بعض متأخِّري الأصحاب، وقال: وهو كما قال.
(ولو وهبها) المريض (لمريض آخر لا مال له، فوهبها الثاني للأول) وماتا (صحَّت هبةُ الأول في شيء، وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه، بَقِي لورثة الآخر ثلثا شيء، وللأول) أي: ورثته (شيئان) فاضربها في ثلاثة، ليزول الكسر، تكن ثمانية أشياء، تعدل الأَمَة الموهوبة (فلهم) أي: لورثة الأول (ثلاثة أرباعها) ستة (ولورثة الثاني ربعها) شيئان، وإن شئت قلت: المسألة من ثلاثة؛ لأن الهبة صحت في ثلث المال، وهبة الثاني صحت في ثلث الثلث، فتكون من ثلاثة، اضربها في أصل المسألة تكن تسعة، أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية، بقيت المسألة من ثمانية.
(ولو باع مريض قفيزًا لا يملك غيره، يساوي ثلاثين، بقفيز يساوي عشرة، وهما) أي: القفيزان من (جنس واحد، فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه، مع التخلُّص من الربا) لكونه يحرم التفاضل بينهما (فأسقِطْ) عشرة (قيمة الرديء من) ثلاثين، قيمة (الجيد، ثم انْسُب الثلث إلى الباقي - وهو عشرةٌ من عشرين - تجده نصفَها، فيصح البيع في نصف الجيد، بنصف الرديء) لأن ذلك مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذُّر أخذ جميعه بجميع الثمن، أشبه ما لو اشترى سلعتين بثمن، فانفسخ البيع في إحداهما بعيب أو غيره (ويبطل) البيع (فيما بقي) لانتفاء المقتضي
للصحة، ولم يصح في الجيد بقيمة الرديء، ويبطل في غيره (حذارًا من ربا الفضل) لكونه بيع ثلث الجيد بكل الرديء، وذلك ربًا (ولا شيء للمشتري سوى الخيار) لتفريق الصفقة.
(وإن شئت في عملها) أي: عمل الأخيرة (فانسب ثلث الأكثر) وهو ثلاثون، وثلثه عشرة، فانسبها (من المُحاباة) وهي عشرون، تكن النصف (فيصح البيع فيهما بالنسبة، وهو هنا نصف الجيد بنصف الرديء.
وإن شئت فاضْرِب ما حاباه) به، وهو عشرون (في ثلاثة) مخرج الثلث (يبلغ ستين، ثم انسبْ قيمة الجيد) ثلاثين (إليها، فهو نصفه، فيصح بيع نصف الجيد بنصف الرديء.
وإن شئت فقل: قَدْر المُحَاباة الثلثان، ومخرجهما ثلاثة، فخذ للمشتري سهمين منه) أي: من المخرج، وهو ثلاثة (وللورثة أربعة) مِثْلًا ما للمشتري (ثم انْسب المُخْرَج) وهو الثلاثة (إلى الكل) وهو الستة، تجده (بالنصف، فيصح بيع نصف أحدهما بنصف الآخر.
وبـ) ــطريق (الجبر) يقال: (يصح بيع شيء من الأعلى بشيء من الأدنى، فقيمته
(1)
ثلث شيء من الأعلى، فتكون المُحاباة بثلثي شيء منه) أي: الجيد (فأَلْقِها منه يبقى قفيز إلا ثلثي شيء، يعدل مثل المحاباة منه، وهو شيء وثلث شيء. فإذا جَبَرْتَ وقابلتَ عِدْل شيئين، فالشيء نصف قَفيزٍ) فإن كان الأدنى يساوي عشرين، صحت في جميع الجيد بجميع الرديء، وإن كان الأدنى يساوي خمسة عشر، فاعمل على ما تقدم، يصح بيع ثلثي الجيد بثلثي الرديء، ويبطل فيما عداه.
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 123): "قيمته".
(فلو لم يُفْضِ إلى ربًا، كما لو باعه عبدًا يساوي ثلاثينَ لا يملك غيرَه بعشرة، ولم تُجز الورثة) المحاباة (صح بيع ثلثه) أي: العبد (بالعشرة، والثلثان كالهبة، فَيرُدُّ الأجنبيُّ نصفَهما وهو عشرة، ويأخذ عشرةً بالمُحاباة، وإن كانت المُحاباة مع وارث، صح البيع في ثلثه) أي: العبد بالعشرة (ولا محاباة) حيث لم تجز الورثة (ولهما) أي: الأجنبي والوارث (فَسخُه) أي: البيع؛ لتفريق الصفقة.
(وإذا أفضى إلي إقالة بزيادةٍ، أو) أفضى إلى (ربا فضل، فكالمسألة الأُولى) فلو أسلف عشرة في كُرِّ حنطة، ثم أقاله في مرضه وقيمته ثلاثون، صَحَّت في نصفه بخمسة، وبطلت فيما بقي، لئلا يُفضي صحتها في أكثر من ذلك إلى الإقالة في السَّلَم بزيادة، إلا أن يكون وارثًا.
(وقدَّم في "الفروع" وغيرِه في المسألة الأولى) وهي ما إذا باع المريض قفيزًا يساوي ثلاثين، بقفيز يساوي عشرة (أن له) أي: المشتري (ثلثه) أي: الجيد (بالعشرة، وثلثه بالمحاباة، لنسبتهما من قيمتِه، فيصحُّ بقَدْرِ النسبة.
وإن أصدق) مريض (امرأةً عشرةً، لا مال له غيرُها، وصَدَاقُ مِثْلها خمسةٌ، فماتت قبله، ثم مات) فيدخلها الدور (فـ) ــنقول: (لها بالصَّداق خمسة) وهي مهر مثلها (وشيء بالمحاباة، رجع إليه نصف ذلك) إرثًا (بموتها) إن لم يكن لها ولد (صار له سبعةٌ ونصفٌ إلا نصفَ شيء) لأنه كان له خمسة إلا شيئًا، وورث اثنين ونصفًا ونصف شيء (يعدل شيئين) لأنه مِثْلا ما استحقته المرأة بالمحاباة، وذلك شيء (اجْبُرْها بنصف شيء) ليعلم (وقابل) أي: يزاد على الشيئين نصف شيء ليقابل ذلك النصف المزاد، أي: يبقى سبعة ونصف يعدل شيئين ونصفًا (يخرج الشيء ثلاثة،
فلورثته ستة) لأن لهم شيئين (ولورثتها أربعة) لأنه كان لها خمسة وشيء، وذلك ثمانية، رجع إلى ورثته نصفها، وهي أربعة. والطريق في هذا: أن تنظر ما بقي في يد ورثة الزوج، فَخُمساه هو الشيء الذي صَحَّت المحاباة فيه، وذلك لأنه بعد الجَبْر يعدل شيئين ونصفًا، والشيء هو خُمساها، وإن شئت أسقطت خمسة، وأخذت نصف ما بقي (وإن مات قبلَها وَرِثَتْهُ) لأنها زوجته (وسقطت المحاباة) لأنها لوارث، فلا تصح، فإن قام بها مانع نحو كفر، لم تسقط؛ لعدم الإرث.
(ولو وهبها) أي: وهب المريض زوجته (كُلَّ ماله، فماتت قبله) ثم مات (فلورثته أربعة أخماسه، ولورثتها خُمسه) وطريق ذلك بالجبر أن تقول: صحت الهبة في شيء، وعاد إليه نصفه بالإرث، يبقى لورثته المال كله إلا نصف شيء، يعدل ذلك شيئين، فإذا جَبَرتَ وقابلتَ خرج الشيء خُمسي المال، وهو ما صحَّت فيه الهبة، فيحصل لورثته أربعة أخماس، ولعصبتها خمسه (ويأتي في الخُلْع له تتمة إن شاء الله تعالى.
وللمريض لُبْسُ الناعم، وأكلُ الطَّيب؛ لحاجةٍ) لأن حق وارثه لم يتعلق بعين ماله (وإن فعله لتفويت الورثة؛ مُنع من ذلك) لأنه لا يستدرك؛ كإتلافه. قال في "الاختيارات"
(1)
: ودعوة المريض فيما خرج عن العادة ينبغي أن تعتبر من الثلث.
فصل
(لو ملك) في صحته (ابنَ عمِّه، فأقرَّ في مرضه أنه) كان (أعتقه في صحته) عَتَق من رأس ماله (أو مَلَك) المريض (من يَعْتِق عليه) كأبيه وعَمِّه
(1)
ص/ 277.
(بهبة، أو وصية؛ عَتَق من رأس ماله) لأنه لا تبرع فيه؛ إذ التبرع بالمال إنما هو بالعطية، أو الإتلاف، أو التسبب إليه، وهذا ليس بواحد منها، والعِتق ليس من فعله، ولا يتوقف على اختياره، فهو كالحقوق التي تلزم بالشرع، وقَبول الهبة ونحوها ليس بعطية، ولا إتلاف لماله، وإنما هو تحصيل لشيء تلف بتحصيله، فأشبه قَبوله لشيء لا يمكنه حفظه، وفارق الشراء، فإنه تضييع لماله في ثمنه (ووَرِث) لأنه لا مانع به من موانع الإرث.
(فلو اشترى) مريض (ابنَه) ونحوه (بخمسمائة، وهو يساوي ألفًا، فقَدْر المحاباة) الحاصلة للمريض من البائع، وهو خمسمائة (من رأس ماله) أي: فلا يحتسب بها في التركة ولا عليها، ويحسب الثمن من ثلثه، وكذا ثمن كل من يعتق عليه؛ لأنه عتق في المرض.
(ولو اشترى) مريض (مَن) أي: قريبه الذي إن مات (يَعتق على وارثه) كمريض يرثه ابن عَمٍّ له، فوجد أخا ابنِ عمه يُباع، فاشتراه (صح) الشراء (وعَتَق على وارثه) أخيه عند موت المشتري.
(وإن دبَّر) مريض (ابنَ عمِّه) أو ابن عم أبيه ونحوه (عَتَق) بموته (ولم يرث) لأن الإرث شرطه الحرية، ولم تسبقه، فلم يكن أهلًا للإرث.
(ولو قال: أنت حرٌّ آخر حياتي) ثم مات السيد (عَتَق ووَرِث) لسبق الحريةِ الإرثَ (وليس عتقه وصية له) أي: فلا يتوقف على إجازة الورثة؛ لأنه حال العتق غير وارث، وإنما يكون وارثًا بعد نفوذه.
(ولو اشترى) مريض (مَنْ يَعتق عليه، ممن يرث) منه، كأبيه وابنه وعمه، عتق من الثلث وورث؛ لما تقدم (أو أعتق) بمباشرة أو تعليق (ابنَ
عَمِّه) ونحوه (في مرضه، عَتَق) إن خرج (من الثلث، ووَرِث) لعدم المانع وتقدم (وإن لم يخرج) ثَمَن من يعتق عليه، أو قيمة من أعتقه (من الثلث، عَتَق منه بقَدْره) أي: بقَدْرِ الثلث؛ لأنه تبرع (ويرث بقَدْر ما فيه من الحرية) لما سيأتي في إرث المبعَّض.
فلو اشترى أباه بكل ماله، وترك ابنًا، عتق ثلث الأب
(1)
على الميت، وله ولاؤه، ووَرِث من نفسه بثلثه الحر ثلث سدس باقيها المرقوق، ولا ولاء على هذا الجزء لأحد، وبقية الثلثين تعتق على الابن، وله ولاؤها. ولو كان الثمن تسعة دنانير، وقيمته ستة، فقد حصل منه عطيتان: محاباة البائع بثلث المال، وعِتْق الأب، فيتحاصَّان؛ لتقارنهما؛ لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك البائع لثمنه، فللبائع ثلث الثلث محاباة، وثلثاه للأب عتقًا يَعتق به ثلث رقبته، ويَردُّ البائع دينارين، وثلثا الأب مع الدينارين تَرِكة. وقوله في "شرح المنتهى":"للابن" فيه نظر، بل للأب بثلثه الحُر ثلث السدس، والباقي للابن على ما تقدم.
(ولو أعتق) مريض (أَمَته، وتزوَّجها في مرضه) المخوف ثم مات (وَرِثته) لعدم المانع (وتَعتقُ إن خرجت من الثلث، ويصح النكاح، وإلا) بأن لم تخرج من الثلث (عَتَق) منها (قَدْره، وبطل النكاح) أي: تبينا بطلانه؛ لأنه نكح مبعَّضةً يملك بعضها، فيبطل إرثها لبطلان سببه، وهو النكاح.
(ولو أعتقها) في مرضه (وقيمتها مائة، ثم تزوَّجها وأصدقها مائتين، لا مال له سواهما، وهما مهر مِثْلها، ثم مات؛ صَحَّ العِتق)
(1)
في "ح": "الابن".
والنكاح (ولم تستحق الصَّدَاق؛ لئلا يُفضي إلى بطلان عتقها، ثم يبطل صَدَاقها) لأنها إذا استحقت الصداق؛ لم يبقَ له سوى قيمة الأَمَة المقدَّر بقاؤها، فلا ينفذ العِتق في كلها، للحَجْر عليه فيما زاد على الثلث، وإذا بطل العتق في البعض، بطل النكاح، وإذا بطل النكاح؛ بطل الصَّداق.
ولو أعتقها وأصدق المائتين أجنبية، وهما مهر مِثْلها، ومات قبل أن يتجدَّد له مال؛ صح الإصداق، وبطل العِتق في ثلثي الأمَة؛ لأن الخروج من الثلث مُعتَبر بحال الموت، وحال الموت لم يبقَ له مال، وكذا لو تلفت المائتان قبل موته.
(وإن تبرَّع) مريض (بثلث ماله، ثم اشترى أباه من الثلثين؛ صح الشراء، ولم يَعتق) منه شيء؛ لسبق التبرع بالثلث (فإذا مات) المشتري (عَتَق) أبوه (على الورثة؛ إن كانوا ممن يَعتق عليهم) كالأولاد والإخوة لأب؛ لأنهم ملكوا من يَعتِق عليهم (ولا يَرِث) الأب من ابنه شيئًا (لأنه لم يَعتق في حياته
(1)
) ومن شرط الإرث حرية الوارث عند الموت.
(1)
زاد في متن الإقناع (3/ 125): "والله سبحانه وتعالى أعلم".
كتاب الوصايا
كتاب الوصايا
يقال: وصَّى توصية، وأوصى إيصاء، والاسم الوصيَّة، والوَصاة، والوَصاية، والوِصاية، بفتح الواو وكسرها، والوصايا: جمع وصية، كقضايا جمع قضية، وأصله وصائِيٌ بهمزة مكسورة بعد المد يليها ياء متحركة هي لام الكلمة، فُتحت هذه الهمزة العارضة في الجمع، وقُلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار وصاآ، فكرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة، فقلبوها ياء صار وصايا. قال في "المبدع": ولو قيل: إن وزنه فعالى، وإن جمع المعتل خلاف جمع الصحيح؛ لكان حسنًا. انتهى. وهي مأخوذة من وصيتُ الشيء أصيه، إذا وصلته، فإن الميت وَصَل ما كان فيه من أمر حياته، بما بعده من أمر مماته.
(الوصية) لغةً: الأمر، قال تعالى:{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ}
(1)
وقال: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}
(2)
، ومنه قول الخطيب: أُوصيكم بتقوى الله وطاعته.
وشرعًا: (الأمر بالتصرُّف بعد الموت) كأن يوصي إلى الإنسان بتزويج بناته، أو غسله، أو الصلاة عليه إمامًا، أو الكلام على صغار أولاده، أو تفرقة ثلثه، ونحوه.
والأصل فيها: الكتاب، والسُّنة، والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
(1)
سورة البقرة، الآية:132.
(2)
سورة الأنعام، الآية:151.
إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}
(1)
.
وأما السُّنة؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "ما حَقُّ امرئٍ مسلمٍ لهُ شيءٌ يُوصِي فيهِ؛ يَبيتُ ليلتينِ إلا ووصِيَّتُه مكتوبةٌ عندهُ" متفق عليه
(2)
.
وأوصى أبو بكر بالخلافة لعمر
(3)
، ووصَّى بها عُمر إلى أهل
(1)
سورة البقرة، الآية:180.
(2)
البخاري في الوصايا، باب 1، حديث 2738، ومسلم في الوصية، حديث 1627، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(3)
رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله. منهم:
أ - ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (14/ 574)، والطبري في تفسيره (12/ 175، 176)، والخلال في السنة (1/ 277) رقم 340.
ب - أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (5/ 449) رقم 9764، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 152)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 67) رقم 1808، والطبري في تاريخه (3/ 433)، وفي تهذيب الآثار في مسند عمر (2/ 925) رقم 1315، والخطابي في غريب الحديث (2/ 37)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 249).
ج - عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن سعد (3/ 274).
د - قيس بن أبي حازم رحمه الله: أخرجه ابن أبي شيبة (14/ 573)، والطبري في تاريخه (3/ 428)، والخلال في السنة (1/ 276) رقم 339.
هـ - أبو السفر سعيد بن يحمد رحمه الله: أخرجه الطبري في تاريخه (3/ 428)، والخلال في السنة (1/ 276) رقم 338، وابن عساكر في تاريخه (44/ 253).
و - زبيد اليامي رحمه الله: أخرجه ابن أبي شيبة (14/ 572)، وهناد في الزهد (1/ 284) رقم 496، وعمر بن شبَّة في تاريخ المدينة (2/ 671)، والخلال في السنة (1/ 275) رقم 337.
ز - عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط رحمه الله: أخرجه سعيد بن منصور (5/ 133) رقم 942، وأبو نعيم في الحلية (1/ 36)، وفي معرفة الصحابة (1/ 34) رقم 114.
ح - عبد الله البهي رحمه الله: أخرجه ابن سعد (3/ 198).
الشورى
(1)
.
وخرج بقوله: "بعد الموت" الوكالة.
(ولا تجب) الوصية لأجنبي؛ لعدم دليل وجوبها، ولا لقريب، وآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}
(2)
منسوخة؛ أخرجه أبو داود
(3)
عن ابن عباس. (إلا على من عليه دَيْن) بلا بينة (أو عندَه وديعة) بلا بينة (أو عليه واجبٌ) من زكاة، أو حج، أو كفارة، أو نذر، فيجب عليه أن (يوصي بالخروج منه) لأن أداء الأمانات والواجبات واجب، وطريقُه الوصية.
والحد السابق لأحد نوعي الوصية، وذكر الثاني بقوله:(والوصية بالمال: التَّبرعُ به) أي: بالمال (بعد الموتِ) أخرج به الهبة.
(وتصحُّ) الوصية (من البالغ الرَّشيد، سواء كان عدلًا أو فاسقًا، رجلًا أو امرأة، مسلمًا أو كافرًا) لأن هبتهم صحيحة، فالوصية أَولى.
(1)
أخرجه البخاري في الجنائز، باب 96، رقم 1392، وفي فضائل الصحابة، باب 8، رقم 3700، وفي الأحكام، باب 43، رقم 7207.
(2)
سورة البقرة، الآية:180.
(3)
في الوصايا، باب 1، رقم 2869. وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (2/ 663) رقم 252، وأحمد - كما في تفسير ابن كثير (1/ 211) -، والدارمي في الوصايا، باب 28، رقم 3265، والطبري في تفسيره (2/ 118، 119)، والحاكم (2/ 273)، والبيهقي (6/ 265، 7/ 427)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 297)، وابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص/ 188. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
وأخرجه البخاري في الوصايا، باب 6، رقم 2747، وفي تفسير سورة النساء، باب 5، رقم 4578، وفي الفرائض باب 10، رقم 6739، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين
…
الحديث.
والمراد: ما لم يُعاين الموت؛ قاله في "الكافي"؛ لأنه لا قول له، والوصية قول.
قال في "الآداب الكبرى"
(1)
: ولعله أراد ملك الموت، فيكون كقول "الرعاية": وتُقبل - أي التوبة - ما لم يُعاين التائبُ المَلَك. وقيل: ما دام مكلَّفًا، وقيل: ما لم يُغرغر. أي: تبلغ روحه حلقومه.
(و) تصح الوصية (من المحجور عليه لفَلَس) وتقدم في الحَجْر
(2)
؛ لأن الحَجْر عليه لحظ الغرماء، ولا ضرر عليهم؛ لأنه إنما تنفذ وصيته في ثلثه بعد وفاء ديونه.
(و) تصح (من العبد، والمكاتَب، والمُدَبَّر، وأُمِّ الولد في غير المال) لأن لهم عبارة
(3)
صحيحة وأهلية تامة (و) أما وصيتهم (في المال) فـ (ــإن ماتوا على الرِّق؛ فلا وصيَّةَ لهم) لانتفاء ملكهم.
(ومَنْ عَتَقَ منهم، ثم مات ولم يُغَيِّر وصيَّته، صحَّت) وصيته (لأنَّ الوصيَّة تَصحُّ مع عدمِ المال، كالفقير إذا أوصى ولا شيءَ) من المال (له، ثم استَغْنى) صَحَّت وصيته.
(وتصِحُّ) الوصية (من المحجور عليه لسفهٍ بمالٍ) لأنها تمحَّضت نفعًا له من غير ضرر، فصحَّت منه كعباداته؛ ولأنه إنما حُجِر عليه لحفظ ماله، وليس في الوصية إضاعة له؛ لأنه إن عاش كان ماله له، وإن مات كان ثوابه له، وهو أحوج إليه من غيره.
و (لا) تصح الوصية من المحجور عليه لسفهٍ (على أولادِه) لأنه لا
(1)
الآداب الشرعية (1/ 128).
(2)
(8/ 339).
(3)
في "ذ": "عبادة" وهو الأقرب.
يملك أن يتصرَّف عليهم بنفسه فوصيته أَولى.
(و) تصح الوصية (من مُمَيِّز عاقل) للوصية؛ لأنها تصرُّفٌ تمحَّض نفعًا له، فصحَّ منه، كالإسلام والصلاة.
و (لا) تصح الوصية (من سَكرانَ ومَجنُونٍ) مطبق (ومُبَرسَم، وطفل دُون التَّمييزِ) لأنه لا حكم لكلامهم.
(ولا) تصح الوصية (ممن اعْتَقَل لسانُه بإشارةٍ ولو فُهمت، إذا لم يكُن مأْيوسًا من نُطقه كقادِر) على الكلام.
وفي "مصنف" ابن أبي شيبة بسند صحيح، عن قتادة، عن خِلاس:"أنَّ امرأةً قيلَ لها في مرضِها: أوصِي بكذا، أوصِي بكذا، فأومأَت برأسِها، فلم يُجِزهُ عليُّ بن أبي طالب"
(1)
.
(ولا) تصح الوصية (مِنْ أَخْرس لا تُفْهَم إشارَتُه، فإن فُهِمَت) إشارته (صحَّت) لأن تعبيره إنما يحصُل بذلك عرفًا، فهي كاللفظ من قادر عليه، وفيه تنبيه على صحتها منه بالكتابة.
(وتَصِح) الوصية (في إفاقة مَن يُخْنَق
(2)
في) بعض (الأحيان) لأنه في إفاقته عاقل.
(والضعيفُ في عقله إن مَنَعَ) ضعفُه (ذلك رشدَه في ماله، فكَسَفيهٍ) تصح وصيته في ماله لا على ولده، وإن لم يمنع رشدَه، فهو جائز التصرف.
(وإن وُجدَت وصيتُه بخطِّه الثابِت) أنه خطه (بإقرار ورثته، أو بَينةٍ تعرف خطَّه، صَحَّت) الوصية (وعُمِل بها).
(1)
ابن أبي شيبة (11/ 172).
(2)
الخُنَاق، والخُنَّاق: داء يأخذ في حلوق الناس والدواب، يمنع نفوذ النَّفَس إلى الرئة. تاج العروس (25/ 268)، ومعجم متن اللغة (2/ 346) مادة (خنق).
قال في "الاختيارات"
(1)
: وتنفذ الوصية بالخط المعروف، وكذا الإقرار إذا وُجِد في دفتره، وهو مذهب الإمام أحمد
(2)
. انتهى.
لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئٍ مسلِم يبيتُ ليلتينِ إلَّا ووصِيتُهُ مكتوبةٌ عندَهُ"
(3)
ولم يذكر أمرًا زائدًا على الكتابة؛ فدلَّ على الاكتفاء بها.
واستُدلَّ - أيضًا - بأنه صلى الله عليه وسلم كَتَب إلى عُمّاله وغيرهم مُلزمًا للعمل بتلك الكتابة، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده؛ ولأن الكتابة تنبئ عن المقصود، فهي كاللفظ.
قال القاضي في "شرح المختصر": ثبوت الخط يتوقف على معاينة البينة أو الحاكم لفِعل الكتابة.
وقال الحارثي: وقول أحمد (2): إن كان عُرِفَ خطه، وكان مشهورَ الخطِّ، ينفذُ ما فيها. يخالف ما قال؛ فإنه أناط الحكم بالمعرفة والشهرة، من غير اعتبار لمعاينة الفعل، وهو الصحيح
…
إلى أن قال: ولا شَكَّ أن المقصود حصول العلم بنسبة الخط إليه، وذلك موجود بحيث يستقر في النفس استقرارًا لا تردد معه، فوجب الاكتفاء به.
(ما لم يُعْلَم رجُوعه عَنْها) أي: الوصية، فتبطل؛ لأنها جائزة - كما يأتي - فله الرجوع عنها، وإذا لم يُعلم رجوعه عنها عُمل بها (وإن تطاولت مدته، وتَغيّرت أحوال الموصِي، مثل أن يُوصِيَ في مرضٍ، فيبرأ منه، ثم يموت بعد) ذلك (أو يُقتل؛ لأن الأصل بقاؤه) أي: الموصي على وصيته.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 274.
(2)
مسائل ابن هانئ (2/ 44، 50) رقم 1362، 1383.
(3)
تقدم تخريجه (10/ 198) تعليق رقم (2).
(وعكسُها) أي: عكس المسألة (خَتْمها) أي: الوصية (والإشهادُ عليها؛ ولم يُعرف أنه خطُّه) فلا يُعمل به (لكن لو تحقَّق أنه خطُّه من خارج، عُمل به) أي: بالخط (لا بالإشهاد عليها) مختومة؛ لأنه كتاب لا يَعلم الشاهد ما فيه؛ فلم يجز أن يشهد عليه، ككتاب القاضي إلى القاضي.
(وعكسُ الوصيَّةِ الحُكمُ؛ فإنه لا يجوز) للقاضي الحكم (برؤية خَطّ الشَّاهد) احتياطًا للحكم.
(ولو رأى الحاكم حكمه بخطِّه تحت خَتْمِه، ولم يَذْكر أنه حَكَم به، أو رأى الشاهد شَهادَته بخطِّه، ولم يذكر الشَّهادة، لم يَجُز للحاكم إنفَاذُ الحكم بما وجَده) بخطه تحت خَتْمه (ولا للشَّاهِد الشَّهادة بما رَأى خَطَّه به) على الصحيح احتياطًا. والفرق بين ذلك والوصية أنها سومح فيها بصحتها مع الغَرَر والخطر، وبالمعدوم والمجهول، فجازت المسامحة فيها بالعمل بالخط كالرواية، بخلاف الحكم والشهادة (ويأتي) ذلك (في باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي، و) يأتي أيضًا (آخر الباب الذي قبله) مفصلًا.
(ويُسن أن يكتبَ الموصِي وصيته) للحديث السابق (و) يُسن أن (يُشهِد) الموصي (عليها) بعد أن يسمعوها منه أو تُقرأ عليه، فيقِرُّ بها قطعًا للنزاع.
(ويُستحب أن يكتب في صدرها: هذا ما أوصى) به (فلان) بن فلان (أنه يشهد أنْ لا إله إلا الله؛ وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأنَّ الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي أهلي أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات
بينهم، ويُطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصيهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب {يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(1)
لما ثبت عن أنس بن مالك قال: "هكذا كانوا يوصون" أخرجه الدارمي، وخرَّجه - أيضًا - سعيد بن منصور وفي أوله:"كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى"
(2)
.
فصل
(والوصية ببعض المال ليست واجبةً) لما قدمنا (بل مستحبةٌ) لأنها بِرٌّ ومعروف. وعن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تصدَّقَ عليكُمْ بثُلُث أموالكُم عِند وفاتكُم، زيادةً في إحسانكم
(3)
؛ ليجعلَها لكم زكاةً في أعمالِكُمْ" رواه الدارقطني
(4)
(لمن ترك خيرًا، وهو) أي: الخبر (المال الكثير عُرفًا) فلا يتقدَّر بشيء؛ لأنه لا نص في تقديره (بخُمْس ماله) رُوي عن أبي بكر
(5)
، وعلي
(6)
رضي الله عنهما. قال أبو بكر: "رَضيتُ بما
(1)
سورة البقرة، الآية:132.
(2)
الدارمي في الوصايا، باب 4، رقم 3187، وسعيد بن منصور (1/ 84) رقم 297. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (9/ 53) رقم 16319، والبزار "كشف الأستار" (2/ 136) رقم 1375، والدارقطني (4/ 154)، والبيهقي (6/ 287).
(3)
في سنن الدارقطني (4/ 150): حسناتكم.
(4)
تقدم تخريجه (10/ 174) تعليق رقم (1) فقرة "ب".
(5)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 66) رقم 16363، والبيهقي (6/ 270) عن قتادة، والطبري في التفسير (10/ 3) عن الحسن، وكلاهما لم يدرك أبا بكر رضي الله عنه.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 66) رقم 16361، وابن أبي شيبة (11/ 202)، والبيهقي =
رضِي اللهُ تعالى لنفسِه" يعني في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}
(1)
.
(لقريبٍ فقير لا يَرِث) لأن الله تعالى كَتَب الوصية للوالدين والأقربين، فخرج منه الوارثون بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا وصِيَّة لوارثٍ"
(2)
= (6/ 270)، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك. وعند عبد الرزاق: فلم يترك شيئًا.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 95): والحارث ضعيف.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 88) رقم 334، وابن أبي شيبة (11/ 201)، عن جويبر، عن الضحاك، أن أبا بكر وعليًّا أوصيا بالخمس من أموالهما، وزاد سعيد بن منصور: لمن لا يرث من قرابتهما.
وجويبر هو ابن سعيد. قال الحافظ في التقريب (994): ضعيف جدًّا.
(1)
سورة الأنفال، الآية:41.
(2)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الوصايا، باب 6، حديث 2870، وفي البيوع، باب 90، حديث 3565، والترمذي في الوصايا، باب 5، حديث 2120، وابن ماجه في الوصايا، باب 6، حديث 2713، والطيالسي ص/ 154، حديث 1127، وعبد الرزاق (4/ 148، 9/ 48) حديث 7277، 16308، وسعيد بن منصور (1/ 107) حديث 427، وابن أبي شيبة (11/ 149)، وأحمد (5/ 267)، وابن الجارود (3/ 216) حديث 949، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (9/ 264) حديث 3633، والطبراني في الكبير (8/ 114، 135) حديث 7531، 7615، وفي مسند الشاميين (1/ 309) حديث 541، وابن عدي (1/ 290)، والدارقطني (3/ 41)، والبيهقي (6/ 264)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 230، 14/ 298). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وحسنه ابن الملقن في البدر المنير (7/ 364). وقال الحافظ في بلوغ المرام (961): وحسنه أحمد والترمذي، وقواه ابن خزيمة، وابن الجارود.
ب - أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الوصايا، باب 6، حديث =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 2714، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 360) حديث 621، وابن عدي (4/ 1575)، والدارقطني (4/ 70)، وتمام في فوائده (2/ 340) حديث 718، والبيهقي (6/ 264 - 265)، والخطيب في الموضح (2/ 127)، والضياء في المختارة (6/ 149، 150) حديث 2144، 2146، 2147.
وجوَّد إسناده ابن التركماني في الجوهر النقي. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 144): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
ونقل الزيلعي في نصب الراية (4/ 404) عن صاحب التنقيح أنه لا يحتج براويه.
وانظر: تحفة الأشراف ومعه النكت الظراف (1/ 225)، وتهذيب التهذيب (2/ 22).
ج - عمرو بن خارجة رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الوصايا، باب 5، حديث 2121، والنسائي في الوصايا، باب 5، حديث 3643، وفي الكبرى (4/ 107) حديث 6468 - 6470 وابن ماجه في الوصايا، باب 6، حديث 2712، والطيالسي ص/ 169، حديث 1217، وعبد الرزاق (9/ 47، 70) حديث 16306، 16376، وسعيد بن منصور (1/ 126) حديث 428، وابن سعد (2/ 183)، وابن أبي شيبة (11/ 149) حديث 10766، وأحمد (4/ 186 - 187، 4/ 238 - 239)، والدارمي (2/ 511) حديث 3260، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 90، 4/ 427) حديث 788، 2481، 2482، وبحشل في تاريخ واسط ص/ 116، وأبو يعلى (3/ 78) حديث 1508، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 218 - 219)، والطبراني في الكبير (4/ 202، 17/ 32، 35) حديث 4140، 61 - 68، وفي الأوسط (8/ 388) حديث 7787، والدارقطني (4/ 152 - 153)، والبيهقي (6/ 264)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 299)، والخطيب في تاريخه (6/ 337).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
د - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 256، حديث 349، وابن عدي (1/ 307)، والدارقطني (4/ 97)، والبيهقي (6/ 263)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 299)، من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال أبو داود، وابن عبد الهادي في التنقيح (3/ 117): عطاء الخراساني لم يدرك ابن عباس، ولم يره.
وأخرجه الدارقطني (4/ 98، 152)، والبيهقي (6/ 263) من طريق يونس بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال البيهقي: عطاء الخراساني غير قوي، وقال الذهبي في المهذب (5/ 2423): بل هذا حديث صالح الإسناد، وعطاء صدوق.
وأخرجه الدارقطني (4/ 98) - أيضًا - من طريق ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 269): وهذا إسناد جيد.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 92): رواه الدارقطني عن ابن عباس بسند حسن. وقال في الدراية (2/ 290): أخرجه الدارقطني ورجاله لا بأس بهم.
هـ - جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي (1/ 202)، والدارقطني (4/ 97)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 172)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 227)، والبيهقي (6/ 85)، والخطيب في تاريخه (6/ 337).
قال الدارقطني: الصواب مرسل.
و - علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 149)، وابن عدي (7/ 2511، 2648)، والدارقطني (4/ 97)، والبيهقي (6/ 267)، والخطيب في الموضح (2/ 171).
ضعَّفه ابن الملقن في البدر المنير (7/ 269). وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 92): إسناده ضعيف.
وانظر: نصب الراية (4/ 405).
ز - معقل بن يسار رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي (5/ 1853) وقال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد.
ح - عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه ابن عدي (2/ 817)، والدارقطني (4/ 98).
قال ابن حجر في الدراية: وفي إسناد الدارقطني سهل بن عمار وهو ساقط. وحسن الشيخ الألباني في الإرواء (6/ 91)، إسناد ابن عدي.
ط - خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 318 - 319) قال عبد الله: عرضت على أبي أحاديث سمعتها من إسماعيل بن عبد الله بن زرارة السكري الرقي عن شيخ يقال له: عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي البالسي، عن خصيف، عن أبي صالح، عن أسماء بنت يزيد، =
وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم، وأقل ذلك الاستحباب؛ ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل، فكذا بعد الموت.
(فإن كان القريب غنيًّا، فلِمِسكين، وعالمٍ، ودَيِّنٍ، ونحوهم) كالغزاة.
(وتُكره) الوصية (لغيره) أي: غير من ترك مالًا كثيرًا (إن كان له وارث) محتاج كما في "المغني"؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أن تترُك ورثَتَك أغنياءَ خيرٌ
= عن خزيمة قال: إني لقائم تحت جران ناقة
…
فقال أبي: عبد العزيز - وهو الذي يروي عن خصيف - اضرب على أحاديثه، هي كذب، أو قال: موضوعة.
ي - ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا: أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 150).
وروي عن جماعة من التابعين مرسلًا، منهم:
أ - عمرو بن دينار: أخرجه سعيد بن منصور (1/ 107) حديث 426.
ب - جعفر بن محمد عن أبيه: أخرجه الدارقطني (4/ 151)، والبيهقي (6/ 85).
ج - مجاهد: أخرجه الشافعي في الأم (4/ 99، 108، 112)، وفي الرسالة ص/ 140، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 189)، وسعيد بن منصور (1/ 107) حديث 425، والبيهقي (6/ 264)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 173) حديث 12756.
قال الشافعي في الرسالة ص/ 139: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم، لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح:"لا وصية لوارث" ويأثرونه عمن حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي، فكان هذا نقل عامة عن عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد، وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين. وانظر: الأم (4/ 36).
وقال البيهقي (6/ 265): وقد روي هذا الحديث من أوجه أُخر، كلها غير قوية، والاعتماد على ما ذكره الشافعي من نقل أهل المغازي مع إجماع العامة على القول به.
وقال ابن حجر في الفتح (5/ 372): ولا يخلو إسناد كل منها من مقال، لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلًا، بل جنح الشافعي إلى أن هذا المتن متواتر.
وانظر: الدراية (2/ 290).
مِن أن تدعهُمْ عالةً"
(1)
، قال:"ولأن إعطاء القريب المُحتاج، خير من إعطائه الأجنبي، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم، كان تركه لهم، كعطيتهم إياه، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم"، فعلى هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم، وغناهم وفقرهم.
(و
من لا وارث له بفرض، أو عَصَبةٍ، أو رَحِمٍ، تجوز وصيَّتُهُ بكُلِّ ماله)
رُوي عن ابن مسعود
(2)
؛ لأن مَنْعَ مجاوزة الثلث ثبت لحق الورثة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّك أنْ تَدَع ورثَتَك أغنياءَ خيرٌ من أن تدعَهُم عالةً"
(1)
، فحيث لا وارث ينتفي المنع لانتفاء علته.
(فلو مات وترك زوجًا، أو زوجة لا غير، و) كان قد (أوْصَى بجميع ماله) لزيد، أو الفقراء (ورَدَّ) الوصية أحد الزوجين (بطلَتِ) الوصية (في قَدْرِ فَرضه مِنَ الثُّلثينِ).
فإن كان الرادُّ زوجًا، بطلت في الثلث؛ لأن له نصف الثلثين، وإن كان زوجة، بطلت في السدس؛ لأن لها ربع الثلثين (فيأخذ الموصَى له الثلث) لأنه لا يتوقَّف على إجازة (ثم يأخذ أحد الزوجين فرضه من
(1)
تقدم تخريجه (10/ 31) تعليق رقم (2).
(2)
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في الحجة (4/ 243)، وعبد الرزاق (9/ 68) رقم 16371، وسعيد بن منصور (1/ 81 - 82) رقم 215 - 218، وابن أبي شيبة (11/ 196)، والطحاوي (4/ 403)، والطبراني في الكبير (9/ 347) رقم 9723، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال لي عبد الله بن مسعود: إنكم من أحرى حيّ بالكوفة أن يموت أحدكم ولا يدع عصبة، فما يمنعه إذا كان كذلك أن يضع ماله في الفقراء والمساكين. وفي رواية: فليضع الرجل ماله حيث شاء.
صححه ابن حزم في المحلى (9/ 317).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 212): رجاله رجال الصحيح.
الباقي، وهو الثلثان فيأخذ ربعهما) وهو سدس (إن كان) الراد (زوجةً، ونصفهما) وهو ثلث (إن كان) الراد (زوجًا، ثم يأخذ الموصَى له الباقي من الثلثين) لأن الزوجين لا يرد عليهما، فلا يأخذان من المال أكثر من فرضيهما.
(ولو أوصى أحد الزوجين للآخر بماله كله، وليس له) أي: الموصي (وارث غيره، أخذ) الموصَى له (المالَ كله إرثًا ووصية) لما تقدم.
(وتحرم الوصيَّةُ) على الصحيح من المذهب؛ نص عليه
(1)
؛ قاله في "الإنصاف"(وقيل: تُكره) قال في "الإنصاف": (وهو الأوْلى) ولو قيل بالإباحة لكان له وجه (اختارَهُ جُموع) وجزم به في "التبصرة"، و"الهداية"، و"المذهب"، و"مسبوك الذهب"، و"المستوعب"، و"الخلاصة"، و"الرعاية الصغرى"، و"الحاوي الصغير"، و"النظم"، وغيرهم (على من له وارث غير أحد الزوجين بزيادة على الثلث لأجنبي، وبشيء) مطلقًا (لوارث) سواء وجدت في صحة الموصي أو مرضه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لسعد حين قال: أُوصي بمالي كله؟ قال: "لا". قال: فالشطر؟ قال: "لا". قال: الثُّلُث؟ قال: "الثُّلُث، والثُّلُث كثيرٌ. إنك أن تذَرَ ورثتكَ أغنياءَ خيرٌ من أن تدعهُم عالةً يتكفَّفُون النَّاس" متفق عليه
(2)
. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى كُلَّ ذي حق حقهُ، فلا وصيَّةَ لوارثِ" رواه الخمسة إلا النسائي
(3)
.
(1)
مسائل عبد الله (3/ 1181) رقم 1630، ومسائل الكوسج (8/ 4287 - 4288) رقم 3055.
(2)
تقدم تخريجه (10/ 31) تعليق رقم (2).
(3)
تقدم تخريجه (10/ 205) تعليق رقم (2) فقرة "أ".
(وتصح) هذه الوصية المُحرَّمة (وتقفُ على إجازة الورثةِ) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "لا تجوزُ وصيَّةٌ لوارثٍ، إلَّا أن يشاءَ الورثَةُ". وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة" رواهما الدارقطني
(1)
، والاستثناء من النفي إثبات؛ فيكون ذلك دليلًا على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا عن الاستثناء، فمعناه: لا وصية نافذة أو لازمة، وما أشبه ذلك، وهذان الحديثان مخصِّصان لما تقدم من العموم؛ ولأن المنع من ذلك إنما هو لحق الورثة، فإذا رضوا بإسقاطه؛ سقط. (إلا إذا أوصَى بوقفِ ثُلثه على بعض الورثة؛ فيجوز. وتقدم في الباب قبله
(2)
.
وإن أسقط) مريض (عن وارثه دينًا) فكوصية (أو أوصى بقضائه) أي: قضاء دَيْن عن وارثه (أو أسقطت المرأة صَدَاقها عن زَوْجها) فكوصية (أو عفا عن جناية مُوْجَبُها المال) في مرضه المخوف (فكالوصية) يتوقف على إجازة باقي الورثة؛ لأنه تبرع في المرض، فهو كالعطية فيه.
(وإن أوصى لولدِ وارثِهِ) بالثلث فما دون (صح) ذلك؛ لأنها وصية لغير وارث.
(فإن قصد بذلك نَفْع الوارث، لم يجز فيما بَيْنَه وبينَ الله) لأن الوسائل لها حكم المقاصد، وتنفذ حكمًا؛ لما تقدم.
(وتصح وصية) من صحيح ومريض (لكل وارث بمعين) من المال (بقدْر إرثه، ولو لم تُجِز الورثة، كرجل خلَّفَ ابنًا وبنتًا، و) خلَّف (عبدًا
(1)
(4/ 98، 152)، وتقدم تخريجهما (10/ 206 - 207)، فقرة "د"، و"ح".
(2)
(10/ 148).
قيمته مائة، وأَمَة قيمتها خمسون، فوصَّى له به) أي: للابن بالعبد (و) وصَّى (لها بها) أي: للبنت بالأَمَة، فيصح؛ لأن حق الوارث في القَدْر لا في العين، بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته، أو أجنبيًّا جميع ماله بثمن مثله، فإن ذلك يصح، ولو تضمن فوات عين جميع المال.
(وكذا وقفه) أي: المريض الثلث، فأقل على بعض ورثته، وكذا وصيته بوقف الثلث، فأقل على بعض ورثته، وتقدم
(1)
في الوقف، فإن وقف أكثر من الثلث، صح (لكن بالإجازة فيما زاد على الثُّلثِ، ولو كان الوارث) الموقوف عليه (واحدًا) لأنه يملك رده إذا كان على غيره، فأحرى إذا كان على نفسه.
(وإن لم يفِ الثلث بالوصايا، ولم تجز الورثة، تحاصُّوا فيه) أي: الثلث، فيدخل النقص على كل منهم بقَدْر وصيته (ولو) كانت وصية بعضهم (عتقًا، كمسائل العَوْل) لأنهم تساووا في الأصل، وتفاوتوا في المقدار، فوجب أن يكون كذلك.
(والعطايا المُعلَّقة بالموت، كقوله: إذا متُّ فأعطوا فلانًا كذا، أو) إذا مت فـ (ــأعتقوا فلانًا، ونحوه؛ وصايا كلُّها) لأنها تبرع بعد
(2)
الموت، وهذا معنى الوصية كما تقدم
(3)
(ولو كانت) الوصايا أو العطايا المعلَّقة بالموت (في حال الصحة) أو بعضها في الصحة وبعضها في المرض؛ فيسوَّى بينهم.
و (يُسوَّى بين مقدَّمها ومؤخَّرها) لأنها تبرع بعد الموت، فوجد
(1)
(10/ 148).
(2)
في "ذ": "عند" بدل "بعد". وأشار إلى أنه في نسخة: "بعد".
(3)
(10/ 197).
دفعة واحدة، وتقدم
(1)
.
(و) يُسوَّى - أيضًا - بين (العِتق وغيره) فلا يتقدَّم على غيره، كما تقدم في العطايا
(2)
.
(وإذا أوصى بعِتق عبدِه) المعيَّن، وخرج من الثلث (لزم الوارث إعتاقه) لصحة الوصية، ولزوم الوفاء بها، ولا يعتق قبل إعتاقه (ويجبره الحاكم عليه) أي: إعتاقه (إنْ أبى) أن يعتقه كسائر الحقوق عليه (وإن أعتقه الوارث، أو الحاكِم) عند عَدَمِهِ، أو امتناعه (فهو) أي: العبد (حُرٌّ من حين أعتَقه) لا من الموت.
قال في "الفروع": ويتوجَّه مثله في موصىً بوقفه. وفي "الروضة": الموصى بعتقه ليس بمُدبَّر، وله حكم المُدبَّر في كل أحكامه.
(وولاؤه للموصي) لأنه السبب (فإن كانت الوصية بعتقه إلى غير الوارث، كان الإعتاق إليه) أي: إلى مَن عيَّنه الموصي (ولم يملك ذلك) أي: الإعتاق (غيرُه) أي: غير من عيَّنه الموصي (إذا لم يَمْتَنع) من الإعتاق، فإن امتنع فالظاهر أن الوارث يقوم مقامه، فإن امتنع فالحاكم.
(وما كَسَب الموصَى بعتقِه بعدَ الموت وقبل الإعتاق؛ فله) أي: للموصَى بعتقه؛ لاستحقاق الحرية فيها اسحقاقًا لازمًا. قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب، وذكره القاضي، وابن عقيل، وصاحب "المحرر"، وغيرهم، وقدَّمه في القاعدة الثانية والثمانين
(3)
،
(1)
(10/ 184).
(2)
(10/ 178).
(3)
القواعد الفقهية ص/ 173.
وقال في "المغني" في آخر باب العتق: كسبه للورثة كأُمِّ الولد. انتهى.
والثاني جزم به في "المنتهى" في آخر باب الموصَى له، قال الحارثي: وهو الصحيح.
(وإن ردَّ الورثةُ ما يقف على إجازتهم) كالزائد على الثلث لأجنبي، أو لوارث بشيء (بطلت الوصيةُ فيه) أي: فيما توقف على الإجازة فقط، دون غيره، فلو أوصى لأجنبي بالنصف فردوها، بطلت في السدس خاصة؛ لما تقدم، ونفذت في الثلث.
فصل
(وإجازتهم) أي: الورثة، لما زاد على الثلث؛ للأجنبي، وللوارث بشيء (تنفيذ) لقول الموصي (لا هِبة) أي: ليست إجازتهم هِبة مبتدأة، كما يقوله من قال ببطلان الوصية (فلا تفتقر) الإجازة (إلى شروطها) أي: الهِبة، والمراد بالشروط هنا: ما تتوقَّف عليه الصحة، وإن كان داخل الماهية، فيتناول الأركان، بدليل قوله:(من الإيجاب، والقَبول، والقبض، ونحوِه) كالعلم بما وقعت فيه الإجازة، والقدرة على تسليمه (ولا تثبتُ أحكامُها) أي: الهبة، فيما وقعت فيه الإجازة (فلو كان المجيز أبًا للمجازِ له، لم يكن له الرجوع) فيما أجازه لابنه؛ لأن الأب إنما يملك الرجوع فيما وهبه لابنه، والإجازة تنفيذ لما وهبه غيره لابنه (ولا يحنثُ بها) أي: بالإجازة (مَنْ حَلَف لا يهب) شيئًا، فأجاز الوصية به؛ لأن الإجازة ليست بهبة (ولا يُعتبر) لصحة الإجازة (أن يكون المُجاز معلومًا) لأنه ليس هبة.
(ولو كان المُجاز عِتقًا، كان الولاء للموصِي، تختصُّ به) أي: بالإرث به (عصبته) دون باقي ورثته؛ لأن الإجازة تنفيذ لفعل الميت.
(ولو كان الموصَى بعتقِه أَمَةً، فولدت قبل العِتقِ وبعد الموت، تَبِعها الولد) في العتق (كأُمِّ الولد) والمُدبَّرة.
(ولو قبل الموصَى له الوصية المفتقرة إلى الإجازة) لمجاوزتها الثلث، أو لكونها لوارث (قبل الإجازة، ثم أجِيزت) الوصية بعد قَبولها (فالملك ثابت له مِن حينِ قَبُوله) الوصية، ولا يحتاج إلى قَبول الإجازة؛ لأنها تنفيذ لقول الموصي، لا ابتداء عطية.
(وما جاوَزَ الثُّلث من الوصايا، إذا أجيز) للموصى له (زاحَم به من لم يجاوز الثُّلثَ، كوصيتين: إحداهما مجاوزة الثلثَ، والأخرى غير مجاوزةٍ، كـ) ـــوصية بـ (ـــنصفٍ، و) وصية بـ (ــثلثٍ، فأجاز الورثة الوصيةَ المُجَاوزَة للثلث خاصة) وهي وصية النصف (فإن صاحب النصفِ يُزاحم صاحبَ الثلثِ بنصف كامل، فيقسم الثلث بينهما على خمسة) وهي بسط النصف والثلث من مخرجهما وهو ستة (لصاحب النصف ثلاثة أخماسه) أي: الثلث (وللآخر) صاحب الثلث (خمساه، ثم يُكَمَّل لصاحب النصف) نصفه (بالإجازة).
وإن قلنا: هي عطية، فإنما يزاحمه بثلث خاصة؛ إذ الزيادة عليه عطية محضة من الورثة لم تُتلق من الميت، فلا يزاحم بها الوصايا، فيقسم الثلث بينهما نصفين، ثم يكمل لصاحب النصف بالإجازة، وإنما مثَّل المصنف لهذه لإشكالها على كثير، ولذلك تممت بذكر المقابل.
(ولو أجاز المريض في مرض موتِه وصيَّة مَوروثه، جازَت غيرَ مُعتَبرةٍ من ثُلثه) لأنها تنفيذ لا عطية، هذه طريقة أبي الخطَّاب، وخالف في "المنتهى" تبعًا للقاضي في "خلافه" وصاحب "المحرر" فقال: تُعتبر من ثلثه؛ لأنه بالإجازة قد ترك حقًّا ماليًّا كان يمكنه ألا يتركه، فهو
كمُحاباة صحيح في بيع خيار له ثم مرض زَمَنَهُ.
(وإن كان) المجاز (وقفًا على المجيزِين؛ صَحَّ ولزم) لأن الوقف ليس صادرًا من المجيز ولا منسوبًا إليه، وإنما هو منفذ له.
(ويكفي فيها) أي: الإجازة (قول الوارث: أجزتُ، أو: أمضيتُ، أو: أنفذتُ، ونحو ذلك) كـ: رضيت بما فعله (فإذا قال) الوارث (ذلك، لزمتِ الوصيَّة) لأنها ليست بعطية، وإلا؛ لانعكست هذه الأحكام.
(وإن أَوْصَى، أو وَهَب لوارث) ظاهرًا كأخ (فصار عند الموت غيرَ وارثٍ) لتجدد ابنٍ (صحَّت) الوصية والعطية، إن خرجتا من الثلث؛ لأن الاعتبار في الوصية بحال الموت؛ لأنه الذي يحصُل به الانتقال إلى الوارث والموصَى له، والعطية ملحقة بالوصية في ذلك.
(وعكسه) بأن أوصى له وهو غير وارث، كأخيه مع وجود ابنه، فصار عند الموت وارثًا لنحو موت ابنه (بعكسه) أي: فتتوقف على إجازة باقي الورثة (لأن اعتبار الوصية بالموت) لما تقدم، والعطية مُلحقة بها.
(ولا تصح إجازتُهم) أي: الورثة حيث اعتُبرت، إلا بعد الموت
(1)
(و) لا يصح (ردُّهم) حيث ساغ (إلا بعد موتِ الموصِي) لأنه حق لهم حينئذ، فيصح منهم الإجازة والرد كسائر الحقوق.
(فلو أجازوا قبل ذلك) أي: موت الموصي (أو رَدُّوا) قبله (أو أَذِنوا لمورثهم في صحَّتِه، أو) في (مرضِه بالوصيَّة بجميع ماله) ولو (لأجنبي، أو) أذنوا له بالوصية بشيء (لبعض ورثته، فلهم الرَّدُّ بعد موته) ولا عِبرة بما صدر منهم قبلَه؛ لأن الحق لم يكن له
(2)
وقته، كالمرأة تُسقِط مهرها
(1)
في "ح"، و"ذ":"إلا بعد موت الموصي".
(2)
في "ذ": "لهم".
قبل النكاح، والشفيع يُسقِطُ شُفعته قبل البيع.
(ومن أجاز الوصيَّة) لوارث، أو أجنبي (إذا كانت) الوصية (جزءًا مُشاعًا من التَّرِكة كنصفها، ثم قال: إنما أجزتُ لأنني ظننت المال قليلًا) بأن كانت ستة آلاف، فقال: ظننته ثلاثة آلاف (فالقول قوله) أي: المُجيز؛ لأن الغالب أن المجيز إنما يترك الاعتراض للموصَى له في الوصية؛ لأنه لا يرى المنازعة في ذلك القَدْر ويستخفه، فإذا ادَّعى أنه إنما أجاز لظنه قِلَّة المال، كان الظاهر معه، فصدق (مع يمينه) لأنه يحتمل كذبه.
(وله) أي: المجيز (الرجوع بما زاد على ظَنِّه) لأن ما هو في ظنه قد أجازه، فلا اعتراض له فيه، فبقي ما ليس في ظنه، فيرجع به. ففي المثال يرجع بخمسمائة ويحصُل للموصَى له ألفان وخمسمائة (إلا أن يكون المال ظاهرًا لا يخفى) فلا يُقبل قول المجيز أنه ظَنَّه قليلًا؛ لأنه خلاف الظاهر (أو تقوم بينة بعلمه) أي: المجيز (بقَدْره) أي: المال، فلا يُقبل قوله ولا رجوع له عملًا بالبينة.
(وإن كان المُجاز عينًا، كعبد أو فرس، أو) معيَّنٍ (يزيد على الثلث) وَصَّى به أو وهبه المريض، فأجاز الوارث (وقال) بعد الإجازة:(ظننت المال كثيرًا تخرج الوصية من ثلثه، فبان) المال (قليلًا، أو ظهر عليه دين لم أعلمه) لم يُقبل قوله.
(أو كان المجاز مبلغًا معلومًا) كمائة درهم أو عشرة دنانير، أو خمسة أوسق، من بُرٍّ تزيد على الثلث، أوصى بها وأجازها الوارث، ثم قال: ظننت الباقي كثيرًا فبان قليلًا، أو ظهر عليه دَيْن لم أعلمه (لم يُقبل قوله) ولم يملك الرجوع؛ لأن المجاز معلوم لا جهالة فيه.
وقال الشيخ تقي الدين
(1)
: وإن قال: ظننتُ قيمته ألفًا فبان أكثر، قُبِلَ. وليس نقضًا للحكم بصحة الإجازة ببينة أو إقرار. وقال
(1)
: وإن أجاز وقال: أردت أصل الوصية؛ قُبِل.
(ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف) بخلاف الصبي والمجنون؛ لأنها تبرُّع بالمال أشبهت الهبة (إلا المفلس والسفيه) فتصح الإجازة منهما، لأنها تنفيذ لا ابتداء عطية.
فصل
(ولا يثبت الملك) في الوصية (للموصَى له إلا بقَبوله بعد الموت، إن كان) الموصَى له (واحدًا) كزيد (أو جمعًا محصورًا) كأولاد عمرو؛ لأنه تمليك مال، فاعتُبر قَبوله كالهبة، قال أحمد
(2)
: الهبة والوصية واحدة (فورًا أو تراخيًا)، أي: يجوز القَبول على الفور والتراخي.
(ولا عبرة بقَبوله) الوصية قبل الموت (و) لا عبرة بـ (ــرده) الوصية (قبل الموت) لأنه قبله لم يثبت له حق.
(ويحصُل القَبول باللفظ) كـ: قبِلتُ (وبما قام مقامه من الأخذ والفعل الدَّالِّ على الرضا) كالبيع: والهبة (ويحصُل الردُّ: بقوله) أي: الموصَى له: (رددتُ الوصية، أو: ما أقبلها، أو ما أدَّى هذا المعنى) نحو: أبطلتها.
(ويجوز التصرُّف في الموصَى به بعد ثبوت
(3)
الملك بالقَبول وقبل
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 278.
(2)
مسائل الكوسج (8/ 4277) رقم 3046، والمغني (8/ 418).
(3)
في "ح": "تمام" بدل "ثبوت".
القبض) ولو كان مكيلًا ونحوه؛ لأن الملك استقرَّ فيه بالقَبول، فلا يخشى انفساخه، ولا رجوع ببدله على أحد، كالوديعة، بخلاف المبيع؛ لأنه يخشى انفساخ البيع فيه.
(وإن كانوا) أي: الموصَى لهم (غير محصورين، كالعلماء
(1)
والمساكين، ومن لا يمكن حصرهم؛ كبني تميم، أو على مصلحة؛ كمسجد وحج، لم يُشترط القَبول، ولزمت) الوصية (بمجرَّد الموت) لأن اعتبار القَبول منهم متعذِّر، فسقط اعتباره كالوقف عليهم، ولا يتعين واحد منهم فيكتفى به.
(ولو كان فيهم
(2)
ذو رَحِم من الموصَى به، مثل أن يوصي بعبدٍ للفقراء، وأبوه) أي: العبد (فقير، لم يَعتِق عليه) لأن الملك لم يثبت لكل منهم إلا بالقبض.
(وإن مات الموصَى له قبل موت الموصي) بطلت؛ لأنها عطية صادفت المُعطَى ميتًا، فلم تصح، كما لو وهب ميتًا، إلا أن يكون أوصى بقضاء دينه، فلا تبطل، كما يأتي (أو رَدَّ) الموصَى له (الوصيةَ بعد موته) أي: الموصي (بطلت) الوصية؛ لأنه أسقط حَقَّه في حال يملك قَبولَه وأخْذَه، أشبه عفو الشفيع عن الشُّفعة بعد البيع.
(وإن رَدَّها) أي: الموصَى له (بعد موته) اي: الموصي (وبعد قَبوله) لم تبطل (ولو) كان الرد (قبل القبض، ولو في مكيل ونحوه) كموزون ومعدود ومذروع؛ لان الملك يحصُل فيه بالقَبول من غير قبض، فلا يملك رَدَّه كسائر أملاكه (أو مات الموصَى له بقضاء دَيْنه قبل
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 133) زيادة: "والفقراء".
(2)
أشار في "ذ" إلى أنه في نسخة: "منهم". وكذا هو في متن الإقناع (1/ 133).
موت الموصي، لم تبطل) الوصية؛ لأن تفريغ ذِمة المدين بعد موته كتفريغها قبله؛ لوجود الشُّغل في الحالين، كما لو كان حيًّا.
(وإذا لم يقبل) الموصَى له الوصيةَ (بعد موته) أي: الموصي (ولا رَدّ) الوصية (حكم عليه بالرَّدِّ، وبطل حَقّه من الوصية) لأنها إنما تنتقل إلى ملكه بالقَبول، ولم يوجد.
(وكلّ موضع صَحَّ فيه الردُّ، بطلت فيه الوصية، ويرجع الموصَى به إلى التَّرِكة، ويكون للوارث، ولو خَصَّ به الرادُّ واحدًا منهم) لم يتخصص، وكان بين الكل؛ لأن المردود عاد إلى ما كان قبل الوصية، فلا اختصاص.
(وكل موضع امتن الردُّ فيه) أي: الموصَى به (لاستقرار ملكه) أي: الموصَى له (عليه) أي: الموصَى به (فله أن يخصَّ به بعض الورثة) فيكون ابتداء تمليك؛ لأن له تمليكه لأجنبي، فله تمليكه لوارث، وإذًا لو قال: أردت الوصية لفلان، فلا أثر لذلك، إلا أن يقترن به ما يفيد تمليك فلان؛ فيصح. وفي "المغني" و"المجرد": يقال له: ما أردتَ؟ فإن قال: أردتُ تمليكه إياها وتخصيصه بها، فقَبِلها، اختصَّ بها. وإن قال: أردتُ رَدَّها إلى جميعهم ليرضى فلان، عادت إلى جميعهم إذا قَبلوها، فإن قَبِلها بعضهم فله حصته. انتهى، وفيه بحثٌ؛ قاله الحارثي.
(ويستقرُّ الضمان على الورثة بمجرد موت مورثهم إذا كان المال) المتروك (عينًا حاضرة يتمكن) الوارث (من قبضها) وتلفت.
(فلو ترك) الميت (مائتي دينار، وعبدًا قيمته مائة) دينار (موصىً به لرجُل) كزيد (فسُرقت الدنانير بعد موت الموصي) وتمكن الورثة من قبضها (فقال) الإمام (أحمد) في رواية ابن منصور
(1)
: (وجب العبد
(1)
مسائل الكوسج (8/ 4335 - 4336) رقم 3096.
للموصَى له، وذهبت دنانير الورثة) لأن ملكهم استقرَّ بثبوت سببه، إذ هو لا يخشى انفساخه، ولا رجوع لهم بالبدل على أحد، فأشبه المودع ونحوه، بخلاف المملوك بالعقود.
"تنبيه": أركان الوصية أربعة: موص، وتقدم الكلام عليه
(1)
، وموصىً به، وموصىً له، ويأتيان، وصيغة، وتقدمت الإشارة إليها
(2)
. وذكره أيضًا بقوله: (وتنعقد الوصية
(3)
بقوله: وصَّيتُ لك) بكذا (أو) وصَّيتُ (لزيد بكذا، أو: أعطوه مِن مالي بعد موتي كذا، أو: ادفعوه إليه) بعد موتي (أو: جعلتُه له) بعد موتي (أو: هو له بعد موتي، أو: هو له من مالي بعد موتي، ونحو ذلك) مما يؤدي معناها، كـ: ملَّكتُه له بعد موتي.
(وتصحُّ الوصيةُ مطلقةً ومقيدةً، فالمُطلَقة: أن يقول: إن متُّ فثلثي للمساكين، أو: لزيد، والمقيَّدة: أن يقول: إن متُّ من مرضي هذا، أو في هذه البلدة، أو في هذه السفرة فثلثي للمساكين) كالوكالة والجعالة.
(فإن برئ) الموصي (من مرضه، أو قَدِم) الموصي (من سفره، أو خرج من البلدة، ثم مات، بطلت) أي: لم تنعقد (الوصية) لعدم وجود شرطها.
(وإن مات الموصَى له بعد موت الموصِي، وقبل الردِّ والقَبول) للوصية (قام وارثه مقامه في القَبول والردِّ) للوصية؛ لأنه حقٌّ ثبت للموروث، فينتقل إلى الوارث بعد موته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَن تركَ حقًّا فلورثته"
(4)
، وكخيار العيب؛ ولأن الوصية عقد لازم من أحد الطرفين،
(1)
(10/ 200 - 202)
(2)
(10/ 203 - 204)
(3)
في متن الإقناع (3/ 134): "الوصية له".
(4)
لم نقف على من أخرجه بهذا اللفظ مسندًا، وقال الحافظ في التلخيص الحبير =
فلم تبطل بموت من له الخيار؛ كعقد الرهن والبيع، إذا شُرط فيه الخيار لأحدهما، وبهذين فارقت الهبةَ والبيعَ قبل القَبول.
وأيضًا: الوصية لا تبطل بموت الموجب لها، فلم تبطل بموت الآخر.
(فإن كان وارثه جماعة اعتُبر القَبول والرد من جميعهم، فمن قَبِلَ منهم) فله حكمه من لزوم الوصية في نصيبه (أو ردَّ) منهم (فله حكمه) من سقوط حقه من نصيبه، وعوده لورثة الموصي.
(فإن كان فيهم من ليس له التصرف) وهو المحجور عليه (قام وليُّه مقامه) في ذلك (فيفعل ما فيه الحظ) للمحجور عليه كسائر حقوقه (وإن فعل) الولي (غيرَه) أي: غير ما فيه الحظ (لم يصح) فإذا كان الحظ في قَبولها، لم يصح الرد، وكان له قَبولها بعد ذلك، وإن كان الحظ في رَدِّها، لم يصح قَبوله لها؛ لأن الولي لا يملك التصرف في مال المولّى عليه بغير ما له الحظ فيه.
(فلو وصَّى لصبي) ذكر، أو أنثى، أو مجنون (بذي رحم يعتق بملكة له) كأبيه وابنه وأخيه وعمه (وكان على الصبي ضرر في ذلك) أي: في قَبول الوصية له (بأن تلزمه نفقة الموصَى به؛ لكونه) أي: الموصَى به (فقيرًا لا كَسْب له، والمُوَلَّى عليه موسر) قادر على الإنفاق عليه (لم يكن له) أي: الولي (قَبول الوصية) لأنه لا حَظَّ لمحجوره في قَبولها.
(وإن لم يكن عليه) أي: المحجور (ضرر لكون الموصَى به ذا
= (3/ 56): "ولم أره كذلك".
والحديث في الصحيحين وغيرهما بلفظ: "من ترك مالًا فلورثته" وقد تقدم تخريجه (8/ 367) تعليق رقم (2).
كَسْب، أو لكون المولَّى عليه فقيرًا لا تلزمه نفقته، تعيَّن القَبول) لأنَّ فيه منفعة بلا مضرَّة، وتقدَّم في الحَجْر
(1)
.
وحيث تقرَّر أنه لا يثبت الملك للموصَى له المعيَّن إلا بقَبوله بعد الموت (فما حصل من كَسْبٍ، أو نماء منفصل، فيه) أي: في الموصَى به (بعد موت الموصي، وقبل القَبول) والنماء المنفصل (كالولد والثمرة والكسب؛ فللورثة؛ لأنه) أي: الموصى به (ملكهم) فنماؤه لهم، وتتبعها الزيادة المتصلة.
(ولو كانت الوصية) لزيد مثلًا (بأَمَةٍ، فوطئها الوارث) للموصي (قبل القَبول، وأولدها، صارت أُمَّ ولدٍ له) بمجرَّد الإحبال؛ لأنها ولدت من مالكها (ولا مهر عليه، وولده حر لا تلزمه قيمته) لأنه من مالك.
(وعليه) أي: الواطئ (قيمتُها للموصَى له، إن قبلها) بعد ذلك، كما لو أتلفها، وإنما وجبت له قيمتُها بإتلافها - قبل دخولها في ملكه بالقَبول - إذا قبلها بعد ذلك؛ لثبوت حق التملك له فيها بموت الموصي.
فإن قيل: كيف قضيتم بكونها أُمَّ وَلَدٍ له، وهي لا تعتق بإعتاقه؟
أُجيب: بأن الاستيلاد أقوى، ولذلك يصح من المجنون والشريك المعسر، وإن لم يصح إعتاقهما.
(وإن وطئها) أي: الأَمَة (الموصَى له) بها بعد موت الموصي (كان ذلك قَبولًا) لأنه إنما يُباح في الملك، فتعاطيه دليل اختيار الملك (كالهِبة، فيثبت له الملك به) كقَبوله باللفظ (وكوطء الرجعية) تحصُل به الرجعة.
(1)
(8/ 392).
(ولو وصَّى له) في نسخة
(1)
: لحُرٍّ (بزوجته
(2)
، فَقَبِلها) الموصَى له (انفسخ النكاح) لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين (فإن أتت بولد كانت حاملًا به وقتَ الوصية، فهو موصىً به معها) تبعًا لها. (وإن حملت به بعد الوصية، وولدته في حياة الموصي فهو) أي: الولد (له) أي: للموصي؛ تبعًا لأُمِّه (و) إن ولدته (بعد موته قبل القَبول) فالولد (للورثة) لأنه نماء ملكهم (و) يكون الولد (لأبيه، إن ولدته بعده) أي: بعد القَبول، تبعًا لأُمِّه.
(وكل موضع كان الولد للموصى له، فإنه يعتِق عليه) بالملك؛ لأنه ابنه.
(وإن حملت) الموصى بها (به بعد موت الموصي، ووضعته قبل القَبول فـ) ــالولد (للورثة) لأنه نماء ملكهم (و) إن حملت
(3)
(بعده) أي: بعد القَبول، فالولد (لأبيه) حر الأصل (وأُمُّه أُم ولد) لأنها كانت مملوكة له حال إحباله.
(هذا كله إن خرجت من الثلث، وإن لم تخرج) كلها من الثلث (مَلَكَ) الموصَى له (منها بقَدْره) أي: الثلث، إن لم تُجز الورثة (وانفسخ النكاح) لحصول الملك في البعض.
(وكل موضع يكون الولد لأبيه، فإنه يكون له منه ههنا بقَدْر ملكه من أُمِّه، ويسري العتق إلى باقيه إن كان) الموصَى له (موسرًا) بقيمة باقيه (وإلا) بأن لم يكن موسرًا بقيمة باقية عتق (ما ملك منه فقط) ولا سراية؛
(1)
في "ذ": "وفي نسخة".
(2)
أشار في هامش "ذ" إلى أنه في نسخة "بزوجة"، وفي متن الإقناع (3/ 136):"ولو وصى لحر بزوجته".
(3)
في "ذ": "حملت به".
لعدم وجود شرطها.
(وكل موضع قلنا: تكون أُمَّ ولد) هناك (فإنها تصير أُمَّ ولد هنا، موسرًا كان) الموصَى له (أو معسرًا) لأن الاستيلاد من قبيل الاستهلاك، وتقدم
(1)
.
(وإن وصَّى له) أي: لزيد مثلًا (بأبيه، فمات) زيد (قبل القَبول) والرد (فقبل ابنه) الوصية (صح) القَبول؛ لقيامه مقامه (وعتق عليه الجد) بالملك (ولم يرث) العتق (من ابنه شيئًا) لأن حريته إنما حصلت حين القَبول بعد أن صار الميراث لغيره. ولو كان الموصَى به ابن أخ للموصى له، وقد مات بعد موت الموصي، فقَبِل ابنه لم يعتق عليه ابن عَمِّه؛ لأن القابل إنما تلقَّى الوصية من جهة الموصي لا من جهة أبيه، ولذا لا تقضى ديونُ موصى له مات بعد موص وقبل قَبولٍ من وصيته إذا قَبِلها وارثه.
(ولو وصَّى له) أي: لزيد مثلًا (بأرض، فبنى الوارث فيها وغرس قبل القَبول، ثم قَبِل الموصَى له، فكبناءِ المشتري الشِّقْصَ المشفوع، وغرسِه) فيكون محترمًا يتملكه الموصى له بقيمته، أو يقلعه ويغرم نقصه؛ لأن الوارث بنى وغرس في ملكه، فليس بظالم، فلعِرْقه حقٌّ، سواء علم بالوصية أو لا.
(ولو بيع شِقْص في شركة الورثة، و) شركة (الموصَى له) على تقدير قَبوله، وكان البيع (قَبْلَ قَبوله) الوصية (ثم قَبِل، فلا شُفعة له) لأنه لم يكن مالكًا للرقبة حال البيع، وتختص الورثة بالشفعة، لاختصاصهم بالملك.
(ولو كان الموصَى به) نِصَابًا (زَكَويًّا، وتأخَّر القَبول مُدةً تجب الزكاة فيها في مثله) بأن يكون نقدًا، فيحول عليه الحول، أو ماشية،
(1)
(10/ 177).
فتسوم الحول، أو زرعًا، أو ثمرًا فيبدو صلاحه قبل قَبوله (فلا زكاة فيه) على الموصى له؛ لأنه لم يكن في ملكه وقت الوجوب. وظاهر كلامهم: ولا على الوارث، قال في "الإنصاف": وهو أولى؛ لأن ملكه عليه غير تام، وتردَّد فيه ابنُ رجب
(1)
.
(وأما اعتبار قيمة الموصَى به) عند تقويمه (فـ) ــتعتبر (يوم الموت) لأن حق الموصَى له تعلَّق بالموصَى به تعلقًا قطع تصرف الورثة فيه، فيكون ضمانه عليه كالعبد الجاني، وزيادتُه المتصلة تابعة له كسائر العقود والفسوخ (ويأتي في باب الموصَى به).
فصل
(ويجوز الرجوع في الوصية، وفي بعضها، ولو بالإعتاق) لقول عمر رضي الله عنه: "يُغيِّرُ الرَّجلُ ما شاءَ في وصِيتهِ"
(2)
، ولأنها عطية تنجز بالموت، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها، كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه، وتفارق التدبير، فإنه تعليق على شرط، فلم يملك تغييره، كتعليقه على صفة في الحياة.
(فإذا قال) الموصي: (قد رجعتُ في وصيتي، أو: أبطلتُها، أو: غَيَّرتُها) أو: فسختُها، بَطَلَتْ؛ لأنه صريح في الرجوع.
(أو قال) الموصي (في الموصَى به: هو لورثتي، أو) هو (في ميراثي، فهو رجوع) عن الوصية؛ لأن ذلك ينافي كونه وصية.
(1)
القواعد الفقهية، المسائل الملحقة بالقواعد، المسألة الحادية عشرة ص/ 432.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 172).
وأخرجه الدارمي في الوصايا، باب 11، رقم 3214، 3216، بلفظ: يحدث الرجل في وصيته ما شاء، وملاك الوصية آخرها. وانظر ما يأتي (10/ 233).
(وإن قال: ما أوصيتُ به لزيد، فهو لعَمرو؛ كان لعَمرو، ولا شيء) منه (لزيد) لرجوعه عنه، وصرفه إلى عمرو، أشبه ما لو صَرَّح بالرجوع.
(وإذا أوصى لإنسان) كزيد (بمعيَّن من ماله) كعبده سالم (ثم أوصى
(1)
به لآخر) فهو بينهما؛ لتعلُّق حق كل واحد منهما على السواء، فوجب أن يشتركا فيه، كما لو قال: هو بينهما (أو وَصَّى له) أي: لزيد (بثلثه) مثلًا (ثم وَصَّى لآخر بثلثه) فهو بينهما عند الردِّ؛ للتزاحم، وإن أُجيز لهما أخذ كل الثلث لتغايرهما (أو وَصَّى له بجميع ماله، ثم وَصَّى به) أي: بجميع ماله (لآخر، فهو بينهما) للتزاحم.
(ومن مات منهما) أي: من الموصَى لهما بشيء واحد (قبل موت الموصي) كان الكل للآخر (أو رَدَّ بعد الموت) أي: موت الموصي (كان الكل للآخر؛ لأنه اشتراك تزاحم) وقد زال المزاحِم.
وعُلم من قوله: "قبل موت الموصي" أنه لو مات بعده، قام وارثه مقامه، وتقدم
(2)
.
وعُلم من قوله: "رد بعد الموت" أن رَدَّه قبلَه لا أثر له، وتقدم
(3)
.
(وإذا أوصى بعبدٍ لرجُلٍ، و) أوصى (لآخر بثلثه، فهو) أي: العبد (بينهما أرباعًا) بقَدْر وصيتهما، كما يأتي في عمل الوصايا.
(وإن وصَّى به) أي: بالعبد ونحوه (لاثنين، فَرَدَّ أحدهما وصيته) وقَبِل الآخر (فللآخر نصفه) أي: العبد؛ لأنه الموصَى له به.
(وإن وصَّى لاثنين بثلثي ماله، فردَّ الورثة ذلك) لمجاوزته الثلث
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 137): "وصَّى".
(2)
(10/ 221).
(3)
(10/ 216).
(ورَدَّ أحد الوصيين وصيته، فللآخر الثلث كاملًا) لأنه موصىً له به، ولا مزاحِم له فيه.
(وإذا أقرَّ الوارث أن أباه وصَّى بالثُّلث لرجُل، وأقام آخر بينة أن أباه وصَّى له بالثُّلث، فَرَدَّ الوارث الوصيتين، وكان الوارث رجُلًا عدلًا، وشَهِد بالوصية، حلف معه الموصى له، واشتركا في الثلث) لأن المال ثبت بشاهد ويمين (وإن كان) الوارث (المُقِر ليس بعدل، أو كان) المقر (امرأة، فالثلث لمن شَهِدت له البينة) لثبوت وصيته، دون المُقَر له.
(وإن لم يكن لواحد منهما بينة، فأقر الوارث أنه أقر لفلان بالثلث، أو) أقرَّ له (بهذا العبد، وأقر لآخر به، بكلام مُتَّصل، فالمُقَر به بينهما) لقيام المقتضي. وإن كان منفصلًا؛ فإما أن يكون في مجلسين؛ فلا يقبل للمتأخّر؛ لتضمنه رفع ما ثبت للمتقدّم بإقراره، وإن كان في مجلس واحد فالألْف
(1)
بينهما؛ قدَّمه في "المغني".
(وإن باع الموصي ما أوصى به، أو وَهَبه، أو تصدَّق به) فرجوع؛ لأنه إزالة ملك، وهو ينافي الوصية (أو رهنه) فرجوع؛ لأنه يُراد للبيع (أو أكله، أو أطعمه، أو أتلفه، أو أوجبه في بيع أو هبة، ولم يقبل) المبتاع أو المتَّهب (فيهما) فرجوع (أو عرضه) الموصي (لبيع أو رهن، أو وصَّى ببيعه، أو) وصَّى بـ (ــعتقه وهبته
(2)
) فرجوع؛ لدلالته عليه (أو أصدقه) لامرأة نَكَحها لنفسه، أو غيره (أو جعله عوضًا في خُلع) أو صلح، أو جعالة، أو عتق، ونحوها (أو) جعله (أجرة في إجارة) فرجوع؛ لما فيه
(1)
"فالألف" كذا في الأصول، والصواب:"فالمقرّ به" كما في مطالب أولي النهى (4/ 462)؛ لأنه لم يتقدم ذكر للألف هنا، وانظر: المغني (8/ 466 - 467).
(2)
في متن الإقناع (3/ 138): "أو هبته".
من إزالة ملكه عنه (أو كان) الموصَى به (قُطْنًا فَحَشى به فِراشًا، أو) كان (مسامير فسمَّر بها بابًا) فرجوع (أو قال: ما أوصيتُ به لفلان، فهو حرام عليه) فرجوع (أو كاتب العبد) الموصَى به (أو دبَّره) فرجوع (أو خَلَطه) أي: الموصَى به (بغيره على وجهٍ لا يتميز) كزيتٍ بزيت، أو شيرج (ولو) كان الموصى به (صُبرة) فخلطها (بغيرها) على وجه لا تتميز، فرجوع.
(أو أزال اسمه، أو زال هو) أي: زال اسمه بغير فعله (أو بعضه) أي: أزال اسم بعضه، أو زال اسم بعضه (فطَحَن الحنطةَ، أو خبز الدقيقَ، أو عَجَنه، أو جعل الخبز فتيتًا، أو غزل القطن والكتان، أو نسج الغزل، أو عمل الثوب قميصًا، وفصّله) أي: الثوب (أو كان) الموصى به (جارية فأحبلها، أو ضرب النُّقْرة) الموصَى بها (دراهم، أو ذبح الشاة) الموصَى بها (أو بنى أو غرس) ما أوصى به، بأن كان حجرًا، أو آجرًا، فبناه، أو نوىً ونحوَه فغرسه، فرجوع.
ولو غرس الأرض الموصَى بها أو بناها، فرجوع - أيضًا - في أصح الوجهين؛ لأنه للدوام، فيشعر بالصرف على
(1)
الأول، بخلاف الزراعة، ذكره الحارثي.
(أو نَجَرَ الخشبة) الموصَى بها (بابًا) أو نحوه (أو انهدمت الدارُ) الموصَى بها (أو) انهدم (بعضُها، وزال اسمُها) فرجوع.
(أو أعادها) أي: أعاد الموصي دارًا انهدمت (ولو بآلتها القديمة) أو جعلها حَمَّامًا ونحوه (فرجوع) لأن ذلك دليلٌ على اختيار الرجوع.
(لا إن جَحَد) الموصي (الوصية) فإن ذلك ليس رجوعًا؛ لأنها عقد، فلا تبطل بالجحود، كسائر العقود.
(1)
في "ذ": عن.
(أو أجر) الموصي العينَ الموصى بها (أو زَوَّج) الأَمَة الموصَى بها (أو زرع) الأرض الموصَى بها (أو وطئ الأَمَة) الموصَى بها (ولم تحمل) من وطئه، فليس رجوعًا؛ لأنه لا يزيل الملك.
(أو خَلَطه) أي: خلط الموصي الموصَى به (بما يتميز منه) كبُرٍّ بباقلاء (أو لبس) الموصي الثوب الموصى به (أو سكن) الموصي المكان (الموصَى به) فلا رجوع؛ لأنه لا يُزيل الملك ولا الاسم ولا يمنع التسليم.
(أو أوصى بثلث ماله، فتلف المال) الذي كان يملكه حين الوصية بإتلافه وغيره (أو باعه، ثم ملك مالًا) غيره، فلا رجوع؛ لأن الوصية بجزء مُشاع من المال الذي يملكه حين الموت، فلم يؤثِّر ذلك فيها.
(أو انهدمت) الدَّار الموصَى بها (ولم يزل اسمها، أو غسل الثوب) الموصَى به، أو عَلَّم الرقيق الموصَى به صنعة، ونحو ذلك مما لا يزيل الملك، ولا الاسم، ولا يمنع التسليم.
(وإن وصَّى له بقفيز من صُبرة، ثم خلط) الموصي (الصُّبرة بـ) ــصُبرة (أخرى، لم يكن ذلك رجوعًا؛ سواء خلطها بمثلها، أو بخير منها، أو) بـ (ــدونها) مما لا تتميز منه؛ لأن القفيز كان مُشاعًا وبقي على إشاعته.
(وإن زاد) الموصي (في الدار عمارة، لم يستحق الموصى له العمارة، وتكون) العمارة (للوارث) لأن الزيادة لم توجد حين العقد، فلم تدخل في الوصية (لا المتهدم
(1)
المنفصل منها) أي: من الدار قبل قَبول الوصية، فإنه يكون للموصَى له عند قَبول الوصية (لأن الأنقاض منها) فدخلت في الوصية.
(1)
في "ذ": "المنهدم".
(وإن أوصى له بدار، دخل فيها) أي: الدار (ما يدخل) فيها (في (البيع) وتقدَّم في بيع الأصول والثمار
(1)
.
(وإن عَلَّق الوصية على صفة بعد موته، إذا كان يرتقب وقوعها، كقوله: أوصَيتُ له بكذا، إذا مَرَّ شهر بعد موتي) صح.
(أو) قال: وصَّيتُ (لفلانة بكذا، إذا وضعتْ بعد موتي، صح) التعليق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شُروطِهِم"
(2)
وثبت عن غير واحد من الصحابة تعليقها
(3)
؛ ولأن الوصية لا تتأثر بالغَرَر، فأَولى ألا تتأثر بالتعليق؛ لوضوح الأمر وقِلَّة الغرر. فإن كانت الصفة لا يرتقب وقوعها بعد الموت، ففي التعليق عليها نظر، والأولى عدم جوازه؛ لما فيه من إضرار الورثة بطول الانتظار، لا إلى أمد يعلم.
(وإن وصَّى لزيد) بمعيَّن (ثم قال) الوصي
(4)
: (إن قدم عَمرو،
(1)
(8/ 57).
(2)
تقدم تخريجه (7/ 107) تعليق رقم (3).
(3)
أخرج أبو داود في الوصايا، باب 3، رقم 2879، والبيهقي (6/ 160)، عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب وفيه: هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين: إن حدث بي حدث، أن ثمغًا
…
لا يباع ولا يشترى
…
وصحح إسناده ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 101). وأخرج سعيد بن منصور (1/ 96) رقم 373، وابن أبي شيبة (11/ 175)، والدارقطني (4/ 151)، والبيهقي (6/ 281) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ليكتب الرجل في وصيته: إن حدث بي حدث موت قبل أن أغير وصيتي هذه. وصحح إسناده ابن الملقن في البدر المنير (7/ 292).
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 175) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أوصى، فكتب في وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم، هنا ما أوصى به ابن مسعود في وصيته: إن حدث به حدث في مرضه هذا.
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 175) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يشترط: إن حدث بي حدث قبل أن أغيِّر كتابي هذا.
(4)
في "ذ": "الموصي".
فهو) أي: ما وصَّى به لزيد (له) أي: لعمرو (فقَدِم) عمرو (في حياة الموصي، فهو له، عاد) عمرو (إلى الغيبة، أو لم يعد) لوجود الشرط.
(وإن قدم) عمرو (بعد موته) أي: الموصي (فـ) ــالموصَى به (لزيد) لثبوته له بالموت والقَبول؛ لأنه لم يوجد إذ ذاك ما يمنعه، فلم يؤثر وجود الشرط بعد ذلك، كما لو عَلَّق إنسان عتقًا، أو طلاقًا على شرط، فلم يوجد إلا بعد موته.
(وإن أوصى له) أي: لعمرو مثلًا (بثلثه، وقال) الموصي لعمرو: (إن مِتَّ قبلي، أو رددتَه فـ) ـهو (لزيد، ومات) عمرو (قبله) أي: الموصي (أو رَدَّ) الوصية (فعلى ما شَرَط) الموصي، فتكون لزيد عملًا بالشرط.
فصل
(وتخرج الواجبات التي على الميت من رأس المال، أوصى بها) قبل موته (أو لم يوصِ، كقضاء الدَّين، والحج، والزكاة) والنَّذْر والكفَّارة؛ لحديث علي رضي الله عنه: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بالدَّينِ قبلَ الوصيَّةِ" خَرَّجه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي، وابن ماجه
(1)
، وروى نحوه أبو الشيخ في كتاب "الفرائض والوصايا" عن عبد الله بن بدر، عن أبيه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "اقضوا اللهَ فاللهُ أحق بالوفاءِ" رواه البخاري
(3)
مختصرًا.
(1)
تقدم تخريجه (4/ 41) تعليق رقم (1).
(2)
لم نقف على كتاب الفرائض والوصايا لأبي الشيخ، وقد رواه من طريقه ابن الأثير في أسد الغابة (1/ 168)، وفي سنده محمد بن جابر الحنفي قال الحافظ في التقريب (5814): صدوق ذهبت كتبه، فساء حفظه، وخلط كثيرًا، وعمي فصار يلقن. وفي سنده - أيضًا - ابن أعين، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 4): لينه الدارقطني.
(3)
تقدم تخريجه (6/ 50) تعليق رقم (5).
والحكمة في تقديم ذِكْر الوصية في الآية قبل الدَّين، أنها
(1)
لمَّا أشبهت الميراث في كونها بلا عوض، فكان في إخراجها مشقة على الوارث، فقُدِّمت حثًّا على إخراجها. قال الزمخشري
(2)
: ولذلك جيء بكلمة "أو" التي للتسوية. أي: فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع، وإن كان مقدمًا عليها. وقال ابن عطية
(3)
: الوصية غالبًا تكون لضعاف، فقوي جانبها بالتقديم في الذِّكْر؛ لئلا يُطمع ويُتساهل فيها بخلاف الدَّين. وتقدَّم
(4)
أن مؤنة التجهيز تُقدَّم مطلقًا.
(فإن وصَّى معها) أي: الواجبات (بتبرُّع؛ اعتُبر الثلث من الباقي بعد إخراج الواجب، كمن تكون تَرِكته أربعين، فوصَّى
(5)
بثلث ماله، وعليه دَيْن عشرة، فتخرج العشرة أولًا، ويدفع إلى الموصَى له عشرة، وهي ثلث الباقي بعد الدَّين) لما تقدم من تقديمه عليها.
(وإن لم يَفِ ماله) أي: الميت (بالواجب الذي عليه، تحاصُّوا) أي: وزِّع ما تركه على جميع الديون بالحصص، سواء كانت دَيْن آدمي، أو لله، أو مختلفة.
(والمُخرِج لذلك) أي: الواجبات والتبرُّعات (وصيُّه) إن كان (ثم وارثه) إن كان أهلًا (ثم الحاكم) إن لم يكن وارث، أو كان صغيرًا، ولا وصي له، أو أبى الوارث إخراجه.
(1)
في "ذ": "لأنها".
(2)
الكشاف عن حقائق التنزيل (1/ 373).
(3)
المحرر الوجيز (3/ 517 - 518).
(4)
(4/ 102).
(5)
في "ذ" و"ح" ومتن الإقناع (3/ 140): "فيوصى".
(وإن أخرجه) أي: الواجب (مَن لا ولاية له من ماله؛ أجزأ) كقضاء الدَّيْن عن حَيٍّ بلا إذنه (كما لو كان) القضاء (بإذن حاكم.
وإن قال) الموصي: (أخرجوا الواجب من ثلثي، أُخرِج من الثلث، وتُمِّم) الواجب (من رأس المال) لما تقدم من وجوب إخراج الواجبات من رأس ماله
(1)
.
(فإن كان معها) أي: الواجبات (وصيةُ تبرُّع، فإن فضل منه) أي: الثلث (شيء، فـ) ــهو (لصاحب التبرُّعِ) لأن الدَّيْن تجب البداءة به قبل الميراث والتبرُّع، فإذا عيَّنه في الثلث وجبت البداءة به، وما فضل للتبرُّع (وإلا) بأن لم يفضل شيء من الثلث بعد إخراج الواجب منه (بطلت الوصية) بالتبرُّع، كما لو رجع عنها، إلا أن تجيز الورثة، فيُعطى ما أوصى له به.
(1)
في "ح": "المال".
باب المُوصَى له
وهو الرُّكن الثالث للوصية.
(تصح الوصية) من المسلم والكافر (لكل من يصح تمليكه من مسلم وكافر مُعَيَّنٍ) لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}
(1)
. قال محمد بن الحنفية: "هو وصية المسلم لليهودي والنصراني"
(2)
ولأن الهبة تصح لهم، فصحَّت لهم الوصية (ولو) كان الكافر (مرتدًّا، أو حربيًّا، ولو) كان (بدارِ حَرْبٍ) كالهِبة له. قال في "المغني": الآية - أي: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ. . .}
(3)
إلى آخرها - حُجة لنا في مَن لم يقاتل، فأما المقاتل فإنما نهي عن تَولِّيه لا عن بِرِّه، والوصية له. وقال الحارثي: الصحيح من القول أنه إذا لم يتصف بالقتال، أو المظاهرة؛ صحَّت، وإلا؛ لم تصح.
(فلا تصح) الوصية (لـ) ــكافر (غير المُعَيَّنِ، كا) لوصية لـ (ــليهود، والنصارى، ونحوهم) كالمجوس، أو لفقراء اليهود ونحوهم، كالوقف عليهم.
(ولا) تصح الوصية (لكافرٍ بمُصْحَفٍ، ولا بعبدٍ مسلم، ولا بسلاح) لأنه لا يصح تمليكه ذلك.
(ولا) تصح الوصية لكافر (بحَدِّ قَذْفٍ) يستوفيه للمسلم المقذوف؛
(1)
سورة الأحزاب، الآية:6.
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره (21/ 124)، وابن أبي حاتم، وابن المنذر - كما في الدر المنثور (5/ 183) -.
(3)
سورة الممتحنة، الآية:8.
لأنه لا يملك استيفاءه لنفسه، فلغيره أَولى.
(فلو كان العبد) الموصَى به لكافر (كافرًا، ثم أسلم) العبد (قبل موت الموصي، أو بعده) أي: بعد موت الموصي (قبل القَبول، بطلت) الوصية؛ لأنه يمنع من تعاطي ملكه.
(وتصح) الوصية (للمُكاتَب) لأنه يصح تمليكه (ولو) كان الموصَى له (مكاتَبه) أي: مكاتَب الموصي (بجزء شائع) كثلث ماله وربعه (أو) بشيء (مُعَيَّن) كعبد وثوب؛ لأنه معه كأجنبي في المعاملة، ولهذا جاز دفع زكاته إليه.
(فإن قال) لورثته: (ضعوا عنه بعضَ كتابته، أو) قال: ضعوا عنه (بعض ما عليه. وضعوا ما شاؤوا) لأن اللفظ مطلَقٌ (فإن قال: ضعوا عنه نَجْمًا، فلهم أن يضعوا) عنه (أي نجم شاؤوا) سواء (اتفقت النجومُ، أو اختلفت) لصدق اللفظ بذلك.
(وإن قال) الموصي: (ضعوا عنه ما شاء. فالكُلُّ) يوضع عنه (إذا شاء) ذلك؛ لدخول الشرط على مطلق، ولو قال: ضعوا ما شاء من مال الكتابة. لم يوضع الكل؛ لأن "من" للتبعيض؛ قاله القاضي والموفَّق. ونظر فيه الحارثي بأنه لا يمتنع أن تكون لبيان الجنس، فيوضع الكل.
(وإن قال: ضعوا عنه) أي: المُكاتَب (أيَّ نجم شاء. رُجِعَ) - بالبناء للمفعول - (إلى مشيئته) عملًا بقول الموصي.
(وإن قال: ضعوا عنه) أي: عن المُكاتَب (أكبر نجومه. وضعوا أكثرها مالًا) لأنه أكبرها قَدْرًا.
(وإن قال: ضعوا) عنه (أكثَرَها - بالمُثلَّثة - وضعوا عنه أكثر من نصفها، فإن كانت النجوم خمسة، وضعوا) منها (ثلاثةً، وإن كانت)
نُجومُهُ (ستةً، وضعوا) منها (أربعةً) لأن أكثر الشيء يزيد على نصفه.
(ولو أوصى له بأوسطِ نُجومِهِ، وكانت النجوم شَفْعًا متساوية القَدْر، تعلَّق الوضع بالشفع المتوسط، كالأربعة) النجوم (المتوسط منها: الثاني والثالث، والستة المتوسط منها: الثالث والرابع) لأنه الأوسط.
(وإن كانت) النجوم (وِتْرًا متساوية القَدْر والأجل، كـ) ــما لو كانت النجوم (خمسة، تعيَّن) النجم (الثالث، أو سبعة، فـ) ــالنجم (الرابع) لأنه أوسطها.
(وإن كانت) النجوم (مختلفةَ المِقدار، فبعضُها مائة، وبعضُها مائتان، وبعضُها ثلاثمائة، فأوسطها المائتان، فيتعيَّن) وضعه، وإن تعدَّد.
(وإن كانت متساويةَ القَدْر، مختلفةَ الأجل، مثل أن يكون) نجمان (اثنان إلى شهرٍ شهرٍ، و) نجم (واحد إلى شهرين، و) نجم (واحد إلى ثلاثة أشهر، تعيَّنت الوصية في الذي إلى شهرين) لأنه الأوسط.
(وإن اتفقت هذه المعاني) أي: معاني الأوسط (في واحد) بأن اتفق أنه أوسط في العدد والقَدْر والأجل (تَعيَّن) وضعه بلا إشكال.
(وإن كان لها أوسط في القَدْر، وأوسط في الأجل، وأوسط في العدد، يُخالف بعضها بعضًا، رُجِع إلى قول الورثة) فيتعيَّن ما يضعونه عنه؛ لصدق الكلام بكل منها.
وإن اختلف المُكاتَب والورثة في مراد الموصِي، فالقول قولهم (مع أيمانِهم؛ لا يعلمون ما أراد الموصي منها) لأن الأصل عدم علمهم به.
ولو قال: ضعوا ما يخف، أو ما يكثر، أو ما يثقل، اعتُبر تقدير
الورثة؛ لأن القليل كثير بالنسبة إلى ما دونه، والكثير قليل بالنسبة إلى ما فوقه، فهو كالإقرار بمال عظيم، أو جليل، أو قليل؛ يُعتبر له تفسير المُقِر.
قال الحارثي: وفيه نظر، فإن المُقِرَّ أعلم بمراده، فتفسيره معتبر، وتقدير الوارث يتعلق بمراد غيره، وهو لا يعلم مراده بدون إعلامه، وإعلامه غير معلوم.
وقد يُجاب عنه: بأنه لما كان اللفظ محتملًا، وتعذَّر العلم بالمراد منه، رجع إلى تقدير الورثة بأقل ما يحتمله؛ لأنه المتيقن
(1)
، وما زاد مشكوك فيه.
وإن قال: ضعوا عنه أكثر ما عليه، ومثل نصفه، فذلك ثلاثة أرباع، أو
(2)
أدنى زيادة.
وإن قال: ضعوا ما عليه ومثله، فذلك الكتابة كلها وزيادة عليها، فتصح في الكتابة، وتبطل في الزيادة؛ لعدم محلها.
(وتصح الوصية لمُدبَّره) لصيرورته حرًّا عند لزومها، فيقبل التمليك (لكن لو ضاق الثلث عن المُدبَّر، وعن وصيته بُدِئَ) بالبناء للمفعول (بـ) ــالمُدبَّر (نفسه، فيقدَّم عِتقُه على وصيته) لأنه أهم، وبطل ما عجز عنه الثلث.
(وتصح) الوصية (لأمِّ ولده) لوجود الحرية عند الموت، فَتَقبل التمليك (كوصيته: أن ثلث قريته وقفٌ عليها ما دامت على ولدها) أي: ما دامت حاضنة لولدها منه؛ نقله المرُّوذي
(3)
.
(1)
أشار في "ذ" إلى أنه في نسخة: "للمتعين".
(2)
في "ذ": "وأدنى".
(3)
الفروع (4/ 678).
(فإن) وصَّى لها بشيء و (شرَط عَدَم تزويجها، فلم تتزوَّج، وأخذت الوصية، ثم تزوَّجت، رَدَّتْ ما أخذت من الوصية) لبطلان الوصية بفوات شرطها، وفرق بينه وبين العتق بتعذُّر رفعه.
(ولو دفع لزوجته مالًا على ألا تتزوَّج بعد موته، فتزوَّجت، ردَّتْ المالَ إلى ورثته، نصًّا
(1)
) نقله أبو الحارث؛ لفوات الشرط.
(وإن أعطته مالًا على ألا يتزوَّج عليها، ردَّه إذا تزوَّج) نقله أبو الحارث
(2)
.
(وإذا وصَّى بعِتق أَمَته على ألا تتزوَّج، فمات) الموصي (فقالت) الأمَة: (لا أتزوج، عَتَقت) لوجود الشرط (فإن تزوَّجت) بعد ذلك (لم يَبْطُل عِتْقُها) لأن العتق لا يمكن رفعه بعد وقوعه.
وبحث فيه الحارثي: بأنا لا نُسلِّم الوقوع، فإن الحكم بوقوعه لا يستلزم الوقوع في نفس الأمر، ألا ترى أنه لو حكم بعِتق عبد في وصية، ثم ظهر دين يستغرق، لَرُدَّ إلى الرِّق. وقال عن الرد إلى الرق: هو الأظهر؛ لأن شرط ألا تتزوج نفيٌ يعمُّ الزمان كله، فإذا تزوَّجت تبين انتفاء الشرط، فيتبين انتفاء الوصية.
(وتصح الوصية لعبدِ غيرِه، ولو قلنا: لا يَمْلِك) صَرَّح به ابن الزاغوني في "الواضح" وهو ظاهر في كلام كثير من الأصحاب؛ قاله في "الإنصاف"، وهو مقتضى ما نقله الحارثي عن الأصحاب، من أن الوصية للسيد؛ لأنها من إكساب العبد، وإكسابه لسيده؛ وسواء استمر في رِقِّ
(1)
بدائع الفوائد (4/ 121)، والفروع (5/ 214 - 215)، والإنصاف (7/ 223).
(2)
بدائع الفوائد (4/ 121)، والفروع (5/ 214 - 215)، وانظر: مسائل الكوسج (4/ 1682) رقم 1053.
الموجود حين الوصية، أو انتقل إلى آخر.
وقَدَّم في "الفروع": أنها لا تصح إلا إذا قلنا: يملك، وتبعه في "التنقيح" و"المنتهى". وما قاله المصنف ظاهر كالهبة، ولم يَحْكِ الحارثي فيه خلافًا مع سعة اطلاعه، وكذا الشارح لم يحكِ فيه خِلافًا، وأيُّ فَرْقٍ بين الوصية والهبة؟!
(ويُعتبر قَبوله) أي: قَبول العبد للوصية؛ لما تقدم (فإذا قبل ولو بغير إذن سيده) لأنه نوع كسب، فلا يفتقر إلى إذن، ككسب المباح (فهي) أي: الوصية (لسيده) وقت القَبول (ككسبه) المباح.
(وإن قَبِل سيدُه) الوصية (دونه، لم يصح) قَبوله؛ لأن الخطاب لم يجرِ مع السيد، فلا جواب له.
(وإن كان) العبد الموصَى له (حرًّا وقت موت الموصي، أو بعده قَبْلَ القَبول، ثم قَبِلَ، فهي له) أي: العتيق (دون سيده) لأن العتيق هو المقصود بالوصية.
(ووصيته لعبدِ وارثه، كوصيته لوارثه) فتقف على إجازة باقي الورثة.
(و) وصيته (لعبدِ قاتله كـ) ــوصيته لـ (ــقاتله) لما تقدم من أن الوصية - إذا قَبِلها - لسيده.
(وتصح) الوصية (لعبدِه) أو أَمَته (بمُشاع يتناوله) أي: العبد (فلو وصَّى له بربع ماله) صح؛ لأنه ربع المال أو بعضه، فالوصية تنحصر فيه اعتبارًا للعتق، فإنه يعتق بملكه نفسه. وإذا أوصى له بالربع (وقيمته مائة، وله) أي: الموصي (سواه) أي: العبد (ثمانمائة، عَتَقَ، وأخذ مائة وخمسة وعشرين) لأن مجموع المال تسعمائة، وربعها مائتان وخمسة
وعشرون، عَتَق منها العبد بمائة، يبقى له ما ذكر، فيأخذه.
وإن كانت الوصية بالربع، وله سواه ثلاثمائة، عَتَق فقط.
وإن كان له سواه مائتان؛ عَتَق منه ثلاثة أرباعه، وهكذا.
والحاصل: أنه إن كانت الوصية وَفْقَ قيمته، عَتَق، أو أزيد، فالزيادة له، أو أنقص، فيعتق بقَدْره منه.
(وإن وصَّى له) أي: لِقنِّه (بنفسه، أو برقبته، عَتَق بقَبوله إن خرج من ثلثه) كما لو وصَّى له بعتقه. وعُلم منه: أنه إن لم يقبل لم يَعتق؛ لاقتضاء الصيغة القَبول، كما لو قال: وهبتُ منك نفسك، أو ملَّكتُك نفسك، فإنه يحتاج إلى القَبول في المجلس (وإلا) بأن لم يخرج من ثلثه، عَتَق منه (بقَدْره) أي: الثلث، إن لم تُجِز الورثة.
(وإن وصَّى له بمُعيَّن لا يتناول شيئًا منه، كثوب، ومائة) دينار أو درهم (لم يصح) لأنه يصير للورثة، فكأنه وصى لهم بما يرثونه.
(ولو وصَّى بعتق نَسَمة بألف، فأعتقوا) أي: الورثة (نسمةً بخمسمائة، لزمهم عتق) نسمةٍ (أخرى بخمسمائة) حيث احتمل الثلث الألف؛ استدراكًا لباقي الواجب.
(وإن قال) الموصي: أعتقوا (أربعة) أعبد (بكذا) كخمسمائة (جاز الفضل بينهم) بأن يشترى واحد بمائة، وآخر بمائتين وآخر بمائة وعشرين، وآخر بثمانين؛ لأن لفظه يحتمل ذلك (ما لم يُسَمِّ) الموصي (ثمنًا معلومًا) لكل واحد منهم، فيتعيَّن على ما قاله.
(وتصح) الوصية (للحَمْلِ) لأنه يرث، وهي في معنى الإرث من جهة الانتقال عن الميت مجانًا (إن كان موجودًا حال الوصية) لأنها تمليك، فلا تصح لمعدوم (بأن تضَعَهُ حيًّا لأقل من ستة أشهر من حين
الوصية، فراشًا كانت لزوج، أو سيد، أو بائنًا) لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، كما يأتي، فإذا وضعته لأقل منها، وعاش، لزم أن يكون موجودًا حينها (أو) تضعه (لأقل من أربع سنين، إن لم تكن فِراشًا، أو كانت فِراشًا لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها، لكونه غائبًا في بلد بعيد، أو مريضًا مرضًا يمنع الوطء، أو كان أسيرًا، أو محبوسًا، أو عَلِمَ الورثة أنه لم يطأها، أو أقرُّوا) إقرارًا (بذلك) للَحَاقه بأبيه، والوجود لازم له، فوجب ترتُّب الاستحقاق، ووطء الشُّبهة نادر، وتقدير الزنى إساءة ظن بمسلم، والأصل عدمها، فإن وضعته لأكثر من أربع سنين لم يستحق؛ لاستحالة الوجود حين الوصية.
"تنبيه": قوله: "أو أقرُّوا" صوابه: "وأقرُّوا" لأن علمهم مع عدم إقرارهم به لا وصول إلى الاطلاع عليه.
(ويثبت الملك له) أي: الحَمْل (من حين قَبول الوليِّ) الوصية (له) أي: للحَمْل (بعد موت الموصي) هذا أحد قولي ابن عَقيل، وقال تارةً أخرى - تبعًا لشيخه القاضي -: إن الوصية له تعليق على خروجه حيًّا، والوصية قابلة للتعليق بخلاف الهبة. انتهى، ومقتضاه: أن الملك إنما يثبت بعد الولادة. قال الحارثي: وقَبول الولي يُعتبر بعد الولادة لا قبل؛ لأن أهلية الملك إنما تثبت حينئذ.
(وإن انفصل) الحَمْل الموصَى له (ميتًا، بَطَلت الوصية) لانتفاء أهلية الملك، ولا فرق بين موته بجناية جانٍ وغيرها؛ لانتفاء إرثه.
(ولو
(1)
وصَّى لحَمْل امرأة من زوجها أو سيدها، صحَّت الوصية له، إن لَحِقَ به) أي: بالزوج أو السيد (وإن كان) الحَمْل (منفيًّا بِلِعَان، أو
(1)
في "ح" ومتن الإقناع (3/ 144): "وإن".
دعوى الاستبراء، فلا) تصح الوصية؛ لعدم شرطه المشروط في الوصية.
(ولو وصَّى لحَمْلِ امرأة) بوصية (فولدت ذكرًا وأنثى، تساويا فيها) أي: الوصية؛ لأن ذلك عطية وهبة، أشبه ما لو وَهَبها شيئًا بعد الولادة (وإن فاضَلَ بينهما) بأن جعل لأحدهما أكثر من الآخر (فعلى ما قال) كالوقف (وإن ولدت أحدهما منفردًا، فله وصيته) لتحقق المقتضي.
(ولو قال) الموصي: (إن كان في بطنكِ ذَكَرٌ، فله كذا، وإن كان فيه أنثى فـ) ــلها (كذا، فكانا فيه) بأن ولدت ذكرًا وأنثى (فلهما ما شرط) لأن الشرط وجد فيهما.
(وإن كان) حملها (خُنثى، ففي "الكافي": له ما للأنثى) أي: إن كان أقل عما جعل للذَّكَر؛ لأنه المتيقن (حتى يتبين أمره) وتتبين ذكوريته فيأخذ الزائد.
(وإن ولدت ذَكَرين، أو) ولدت (أُنثيين، فللذَّكَرين ما للذَّكَر، وللأُنثيين ما للأنثى) إذ لا مَزيَّة لأحدهما على الآخر.
(وإن قال) الموصي: (إن كان حملك، أو ما في بطنك ذَكرًا، فله كذا، وإن كان) حملك، أو ما في بطنك (أنثى، فله كذا، فولدت أحدهما منفردًا، فله وصيته) لوجود شرطه.
(وإن ولدت ذكرًا وأنثى، فلا شيء لهما؛ لأن أحدهما ليس هو كلَّ الحمل، ولا كلَّ ما في البطن) بل بعضه، فلم يوجد الشرط.
(وإن وصَّى لمن تحمل هذه المرأة، لم تصح) الوصية (لأنه وصية لمعدوم.
وكذا المجهول) لا تصح الوصية له (كأن يوصي بثلثه لأحد هذين) الرجلين، أو المسجدين ونحوهما.
(أو قال): أوصيت بكذا (لجاري) فلان (أو) لـ (ــقريبي فلان، باسم مشترك) لأن تعيين الموصى له شرط، فإذا قال: لأحد هذين، فقد أبهم الموصى له، وكذا الجار والقريب؛ لوقوعه على كل من المُسمَّيين (ما لم تكن قرينةٌ تدلُّ على أنه أراد معينًا من الجار، والقريب) فَيُعطى من دَلَّت القرينة على إرادته.
(فإن قال: أعطوا ثلثِي أحدَهما؛ صَحَّ) كما لو قال: أعتقوا أحد عبديَّ (وللورثة الخيرة) في من يعطوه الثلث من الاثنين، والفرق بين هذه والتي قبلها، أن قوله: أعطوا ثلثِي أحدَهما، أمر بالتمليك، فصح جعله إلى اختيار الورثة، كما لو قال لوكيله: بع سلعتي من أحد هذين، بخلاف قوله: وصَّيت ونحوه، فإنه تمليك معلَّق بالموت، فلم يصح لمُبْهَم.
(وإن قال: عبدي غانم حُرٌّ، وله مائة، وله) أي: الموصي (عبدان بهذا الاسم، عَتَق أحدهما بقُرعة) لأنه عتقٌ استحقَّه واحد منهما، فأُخرج بالقُرعة، كما لو أعتقهما، فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما، ولم تُجِز الورثة عتقهما (ولا شيء له) أي: لمن خرجت له القُرعة من الدراهم، ولو خرجت الثلث
(1)
؛ لأن الوصية بها وقعت لغير معيَّن، فلم تصح.
قال في "الاختيارات"
(2)
: وإن وصف الموصَى له أو الموقوف عليه بخلاف صفته، مثل أن يقول: على أولادي السود، وهم بيض، أو العشر، وهم اثنا عشر؛ فههنا؛ الأوجه: إذا علم ذلك أن يعتبر الموصوف دون الصفة.
(1)
في "ذ": "من الثلث".
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 278.
فصل
(وإن قَتَل الوصِيُّ) أي: الموصَى له (المُوصِي) قتلًا مضمونًا بقصاص، أو ديّة، أو كفَّارة، كما قال ابن نصر الله (ولو) كان القتل (خطأً، أو قَتَل مدبَّرٌ سيِّدَهُ؛ بَطَلت الوصية) والتدبير؛ لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد منها، فالوصية أَولى، ومعاملة
(1)
له بنقيض قصده.
(وإن أوصى لقاتله؛ لم تصح) الوصية؛ لما تقدم.
(وإن جَرَحه، ثم أوصى له، فمات من الجرح؛ لم تبطل) وصيته؛ لأنها بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها، لم يطرأ عليها ما يبطلها، بخلاف ما إذا تقدَّمت، فإن القتل طرأ عليها فأبطلها.
(وكذا فِعْل مُدَبَّر بسيده) فإن جنى على سيده، ثم دَبَّره، ومات السيد؛ لم يبطل تدبيره؛ لما تقدم. بخلاف ما لو دَبَّره ثم جنى عليه، فإنه يبطل تدبيره، وتقدم.
قال الحارثي: وكذلك العطية المنجَزة في المرض، إذا وُجِد القتل من المُعطَى.
(وإن وصَّى لصنف من أصناف الزكاة، أو لجميع الأصناف) الثمانية (صح) الإيصاء؛ لأنهم من أبواب البر؛ ولأنهم يملكون، بدليل الزكاة والوقف (ويُعطون بأجمعهم) بخلاف الزكاة، والفرق بينهما حيث يجوز الاقتصار في الزكاة على صنف واحد؛ أن آية الزكاة أُريدَ بها بيان من يجوز الدفع إليه، والوصية أريدَ بها من يجب الدفع إليه. قال في
(1)
في "ح": "ومعاقبة".
"المغني": (وينبغي أن يُعطَى كلُّ صنف) حيث أوصى لجميعهم (ثُمنَ الوصية، كما لوم وصَّى لثَمانِ قبائل.
ويكفي من كلِّ صِنف) شخص (واحد) لتعذُّر الاستيعاب، بخلاف الوصية لثلاثة عُيِّنوا، حيث تجب التسوية؛ لإضافة الاستحقاق إلى أعيانهم.
(ويُستحبُّ إعطاء من أمكن منهم) والدفع على قَدْر الحاجة (وتقديم أقارب الموصِي) لما فيه من الصلة.
(ولا يُعطى إلا المستحق من أهل بلده) أي: الموصي، كالزكاة، فإن لم يكن بالبلد فقير تقيَّد بالأقرب إليه.
(ولا تجب التسوية) بينهم، فيجوز التفضيل، كما لا يجب التعميم.
(ويُعطى كلُّ واحد منهم القَدْر الذي يُعطاه من الزكاة) على قَدْر الحاجة.
(وإن وصَّى للفقراء، دخل فيه المساكين، وكذا العكس) فإذا وصَّى للمساكين، دخل فيه الفقراء؛ لأنهم
(1)
كنوعٍ واحد فيما عدا الزكاة، لوقوع كل من الاسمين على الآخر (إلا أن يذكر الصنفين جميعًا) فعلى ما تقدَّم
(2)
في الزكاة.
(ويُستحبُّ تعميم من أمكن منهم، و) يُستحبُّ (الدفع إليهم على قَدْر الحاجة، والبداءة بأقارب الموصي، كما تقدم).
(1)
في "ذ": "لأنهما".
(2)
(5/ 117).
والوصية في سبيل الله المشهور عنه
(1)
: اختاصها بالغزو. وعنه
(2)
: دخول الحج في ذلك. قال الحارثي: وهو الصحيح.
(وإن وصَّى لكَتْبِ القرآن، أو) كتب (العلم) النافع (صح) لأنه جهة قُربة.
(وتصحُّ) الوصية (لمسجدٍ، وتُصرف في مصالحه) وكذلك الوصية لقَنطرة، وسِقاية ونحوها؛ لأنها قُربة.
(وإن وصَّى بشراء عَيْن) كعبد وثوب (وأطلق، أو) وصَّى (ببيع عَبْدهِ، وأطلق) فلم يقل: لزيد ونحوه، ولا بشرط عتق (فالوصية باطلة) لخلوها عن قُربة.
(فإن وصَّى ببيعه بشرط العِتق، صحَّت الوصية) لأن عِتقه قُربة (وبِيع كذلك) أي: بشرط العتق (فإن لم يوجد من يشتريه كذلك؛ بَطَلت) الوصية؛ لتعذُّر الوفاء بها.
(وإن وصَّى ببيعه لرجُل بعينه بثمنٍ معلوم، بِيع به) أي: بالثمن الذي عيَّنه لذلك الرجل؛ لأنه يقصد الرِّفق، إما بالعبد؛ لحسن معاشرة الرجل، أو بالرجل؛ لنفع العبد له.
(وإن) وصَّى ببيعه لرجُلٍ معيَّن، و (لم يُسَمِّ ثمنًا؛ بِيع) له (بقيمته) لأنه العدل (فإن تعذَّر بيعه للرجل) لمانع ما (أو أبى) الرجل (أن يشتريه بالثمن) المعين (أو بقيمته إن لم يعين) الموصي (الثمن، بَطَلت الوصية) لتعذُّر الوفاء.
(1)
المغني (8/ 579)، وانظر: مسائل صالح (3/ 33 - 34) رقم 1268، ومسائل أبي داود ص/ 216.
(2)
مسائل عبد الله (2/ 514) رقم 710.
(وإن وصَّى في أبواب البِرِّ، صُرفَ في القُرَب كُلِّها، ويُبدأ بالغزو) لأنه أفضلها.
(وإن قال: ضَعْ ثلثي حيث أراك الله، فله صَرْفه في أي جهة من جهات القُرَب، والأفضل) صَرْفه (إلى فقراء أقاربه) لأنها صدقة وصِلة (فإن لم يجد) الوصيُّ أقارب فقراء غير وارثين للموصى له (فإلى محارمه من الرضاع) كأبيه، وأخيه، وعمِّه، ونحوهم من رضاع (فإن لم يجد) له محارم من رضاع (فإلى جيرانه) الأقرب فالأقرب، ولا يجب ذلك؛ لأنه جعل ذلك إلى ما يراه، فلا يجوز تقييده بالتحكم.
"ولو وصَّى بفَكاك الأسرى، أو وقف مالًا على فَكاكِهم، صُرف من يد الوصي أو وكيله، وله أن يقترض عليه، ويوفيه منه، وكذلك في سائر الجهات.
ومن افتكَّ أسيرًا غير متبرع، جاز صرف المال إليه.
وكذلك لو اقترض غير الوصي مالًا فك به أسيرًا، جاز توفيته منه.
وما احتاج إليه الوصي في افتكاكهم من أجرة، صُرِف من المال.
ولو تبرَّع بعض أهل الثغر بفدائه، واحتاج الأسير إلى نفقة الإياب، صُرف من مال الأسرى، وكذا لو اشترى عن المال الموقوف على افتكاكهم، أنفق عليه منه إلى بلوغ محله" قاله في "الاختيارات"
(1)
.
(ويأتي في باب الموصى إليه إذا قال: ضَعْ ثلثي حيث شئت.
وإذا قال: يخدم عبدي فلانًا سنةً، ثم هو حُرٌّ، صحَّت الوصية) على ما قال الموصي (فإن لم يقبل الموصَى له بالخدمة) الوصيةَ (أو وهب له) أي: العبد (الخدمة، لم يعتق إلا بعد السنة) قاله في "المغني"
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 279.
و"الشرح"، وفي "المنتهى" وغيره: يعتق في الحال.
"فرع": قال أبو بكر: لو قال الموصي: أعتقْ عبدًا نصرانيًا، فأعتق مسلمًا، أو ادفع ثلثي إلى نصراني، فدفعه إلى مسلم؛ ضَمِن. قال أبو العباس
(1)
: وفيه نظر.
(وإذا أوصى أن يُشْترى عبدُ زيدٍ بخمسمائة، فيُعْتَق، فلم يبعه سيده، أو امتنع) سيده (من بيعه بالخمسمائة، أو تعذَّر شراؤه بموته) أي: العبد (أو لعجز الثلث عن ثمنه؛ فالخمسمائة للورثة) وبَطَلت الوصية؛ لتعذُّر الإيفاء بها (ولا يلزمهم شراء عبدٍ آخر) لأن الوصية تعلَّقت بعين الموصَى به (وإن اشتروه) أي: العبد (بأقل) مما قال الموصي، كما لو اشتروه بأربعمائة (فالباقي) من الثمن (للورثة) لأنه لا مصرف له.
(وإذا أوصى أن يُشترى عبدٌ بألف فيُعْتَق، فلم يخرج من ثلثه، اشتُريَ عبدٌ بالثلث) إن لم تجز الورثة.
(ولا يُشترط في صحَّة الوصية القُربة) كالهبة، بخلاف الوقف؛ لأنه للدوام، بخلافهما.
(قال الشيخ
(2)
: لو جعل الكفر، أو الجهل شرطًا في الاستحقاق، لم تصح) الوصية (فلو وصَّى لأجهل الناس؛ لم يصح) انتهى.
(وإن وصَّى من لا حج عليه أن يحج عنه بألف، صرف) الوصيُّ (من ثلثِه مؤنة حجةٍ بعد أخرى) لمن يحج (راكبًا أو راجلًا، يدفع) الوصي (لكل واحد قَدْر ما يحجُّ به) من النفقة (حتى ينفدَ) أي: يفرغ الألف؛ لأنه وصَّى بجميعه في جهة قُربة، فوجب صَرْفه فيها، كما لو وصَّى به في
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 279.
(2)
مجموع الفتاوى (31/ 31).
سبيل الله.
ولا يجوز أن يدفع إلى واحد أكثر من نفقة المِثْل؛ لأنه أطلق التصرف في المعاوضة، فاقتضى ذلك عوض المِثْل، كالتعويض في البيع والشراء.
(فلو لم يَكْفِ الألفُ) للحج، حُجَّ به من حيث يبلغ (أو) صرف منه في حجة بعد أخرى وبقي بقية، ولم تكف (البقيَّةُ) للحج (حُجَّ به) أي: الباقي (من حيث يبلغ) لأن الموصي قد عين صرف ذلك في الحج، فصرف فيه بقدر الإمكان.
(ولا يصح حج وصيٍّ بإخراجها) أي: الألف، في الحج (لأنه منفِّذٌ، فهو كقوله) لإنسان: (تصدق عني) بكذا (لم) يجز للمأمور أن (يأخذ منه) شيئًا، كما تقدم في الوكالة
(1)
.
(ولا) يصح - أيضًا - حج (وارثٍ) لأن ظاهر كلام الموصي جعله لغيره، فإن عيَّن الموصي أن يحج عنه الوارث بالنفقة، جاز (ويجزئُ أن يحج عنه) أي: عمن أوصى بالحج ولا حج عليه (من الميقات) حملًا على أدنى الحالات، والأصل عدم وجوب الزائد؛ ولأن اللفظ إنما تناول الحج، وفعله إنما هو من الميقات، وقطع ما قبله من المسافة ليس منه.
(وإن قال: حجُّوا عني بألف، ولم يقل: واحدة، لم يُحجَّ عنه إلا حجة واحدة، وما فضل للورثة) هكذا في "الإنصاف"، وهو مشكل على ما تقدم. ولو أسقط "بألف" لكان موافقًا لنصوص الإمام. قال في رواية عبد الله
(2)
(1)
(8/ 416).
(2)
مسائل عبد الله (2/ 808) رقم 1079، وانظر: مسائل صالح (1/ 242) رقم 177، و (3/ 32) رقم 1265.
وحرب: إن قال: حُجوا عني، ولم يُسمِّ دراهم، فما فضل ردَّه إليهم.
قال الحارثي: أما إيجاب المِثْل، فلأن الإطلاق يقتضيه كما في نظائره. وأما أن الفضل للوارث، فلحصول الموصى به، وهو الحج والإنفاق فيه، فوجب كونه للوارث، وأما وجوب حجة واحدة عند الإطلاق، فلأن اللفظ إنما اقتضى وجود الماهية، وهو حاصل بالمرة، والأصل عدم إرادة الموصي الزيادة. انتهى.
ويمكن تخريج كلام المصنف على اختيار أبي محمد الجوزي: أنه إن أوصى بألف يُحجُّ بها، يصرف في كل حجة قَدْر نفقته، حتى ينفدَ. ولو قال: حجوا عني بألف. فما فضل للورثة، لكن صاحب "الإنصاف" حكاه مقابلًا لما قدَّم أنه الصحيح.
(وإن قال): حجُّوا عني (حَجَّة بألف، دُفِعَ الألف إلى من يحج عنه) حجة واحدة؛ عملًا بمقتضى وصيته، وتنفيذًا لها (فإن
(1)
عيَّنه) الموصي (أو لا في الوصية، فقال: يحج عني فلان) حجة (بألف، فهو وصية له إن حج) وله أخذه قبل التوجّه؛ لأنه مأذون في التجهز به، ومن ضرورته الأخذ قبله، لكن لا يملكه بالأخذ؛ لأن المال جُعل له على صفة، فلا يملك بدون تلك الصفة، فلا يضمنه إن تلف أو ضاع بلا تفريط.
(ولا يعطى) المال (إلا أيام الحج) احتياطًا للمال؛ ولأنه معونة في الحج، فليس مأذونًا فيه قبل وقته.
(فإن أبى) المُعَيَّن (الحجَّ، وقال: اصرفوا لي
(2)
الفضلَ، لم يُعْطَه، وبَطَلت الوصية في حَقِّه) لأن الوصية به إنما هي بصفة الحج، فلا يَستحقُّ
(1)
زاد قبلها في متن الإقناع (3/ 148): "عيَّنه أو لا".
(2)
في متن الإقناع (3/ 148): "إلي".
بدونها، وسواء فيه حج الفرض ونفله (ويُحَجُّ عنه بأقل ما يمكن من النفقة) لمثله (والبقية للورثة) لأنه لا مصرف لها.
(وله تأخيره) أي: للنائب تأخير الحج (لعُذرٍ) كمرض ونحوه.
(ولو قال مَنْ عليه حجٌّ) أي: قال: حُجُّوا عني بألف، أو حجة بألف (صُرِف الألف كما سبق) إن لم يقل:"حجة" صُرف في حجة بعد أخرى، حتى ينفد، وإن قال:"حجة" وكان أوصى لمعيَّن، دفع إليه إن قَبِل (وحُسبَ من الثلث الفاضل عن نفقة المِثل) لحجة الفرض؛ لأنه تبرُّع.
(وإن قال: "حجُّوا عني حجةً" ولم يذكر قدْرًا من المال، دفع إلى من يحج قَدْر نفقةِ المِثل فقط) لأن الإطلاق لا يقتضي الزيادة عليها.
(فإن تَلِف المال في الطريق) بيد النائب (فهو من مال الموصِي) غير مضمون على النائب؛ لأنه مؤتمن بالإذن في إثبات يده، أشبه المودَع. والتصرف بالإنفاق لا يوجب ضمانًا، ولا يزيل ائتمانًا؛ لأنه مأذون فيه، كما في إنفاق المضارب بالإذن (وليس على النائب إتمام الحَجِّ) ولا يضمن ما كان أنفق، لوجود الإذن، وكذا لو مات، أو أحصر، أو مرض، أو ضل الطريق؛ للإذن فيه.
وإن رجع خشية أن يمرض، وجب الضمان؛ لأنه صحيح، والعُذر موهوم، وللمعذور ممن ذكر نفقة الرجوع.
وإن مضى من ضاعت منه النفقة، فما أنفق من ماله، أو مال استدانه، رجع به على التركة إذا عاد، إن كان واجبًا. وإن مضى - هذا الضائع منه النفقة - للحجِّ عن آخر بنفقة يأخذها، جاز؛ لانقطاع علقه عن الأول بنفاد نفقته؛ ولانتفاء اللزوم.
وعلى الوصي استنابة ثقة؛ لأن في الحج أمانة، فإن مما تتوقف الصحة عليه النية، ولا تُعلم إلا من جهته، فما لم يكن ثقة لا يبرأ به عن العهدة.
(ولو وصَّى بثلاث حِجَج إلى ثلاثة، صحَّ صرفها) إلى ثلاثة (في عام واحد) لإطلاق الوصية، وإمكان الفعل. قال القاضي وابن عقيل: وكان أولى من التأخير (وأحرم النائب بالفرض أولًا، إن كان عليه) أي: الموصي (فرض) لتقدمه، فإن أحرم بغيره قبله وقع عن الفرض، وتقدم في الحج
(1)
.
(وكذا إن) وصَّى بثلاث حجج، و (لم يقل: إلى ثلاثة) وكذا لو قال: حجوا عني بألف. وأمكن أن يستناب بها جماعة في عام، ويكون معنى قولهم: صرف في حجة بعد أخرى. أي: بعد الصرف في حجة أخرى، كما يميل إليه كلام الحارثي، وإنما لم يحصُل بالمباشرة إلا حجة واحدة؛ لأنه لا يتسع لأكثر، ولا يستلزم ذلك ألا يحصل بالنائب أكثر؛ لأن النائب إذا تعدد أمكن الاتساع، فأمكن تعدد الوقوع.
(والوصية بالصدقة) بمال (أفضل من الوصية بحج التطوع) لما تقدم في صلاة التطوع
(2)
: أن صدقة التطوع أفضل من حجه.
(وإن وصَّى لأهل سِكَّتِه) بكسر السين (أو) وصَّى (لقرابته، أو) وصَّى (لأهل بيته، أو لجيرانه، ونحوه، لم يدخل من وُجِدَ بين الوصية والموت، كمن وُجِدَ بعد الموت.
و
إن أوصى بما
(3)
في كيس معين، لم يتناول المتجدّد فيه)
بعد الوصية.
(1)
(6/ 57).
(2)
(3/ 11).
(3)
في "ذ": "بمال" وأشار في الحاشية إلى أنه في نسخة: "بما".
(وأهل سِكَّته: هم أهل دربه، أي: زُقاقه) بضم الزاي، والجمع: أزقَّة، قال الأخفش والفراء
(1)
: أهل الحجاز يؤنِّثون الزقاق والطريق والسبيل والصراط والسوق، وتميم تُذَكِّر.
قال الحارثي: والوصية لأهل خِطِّه
(2)
- بكسر الخاء، وكثير من أهل العرف يقوله بالضم - يستحقها أهل دربه، وما قاربه عن الشارع الذي يكون به؛ لأنه العُرف.
والوصية لأهل محلته، كالوصية لأهل حارته.
"تتمة": أهل العلم من اتَّصف به، وأهل القرآن حفظته، ذكره في "حاشيته".
(و) لو وصَّى (لجيرانه، يتناول أربعين دارًا من كل جانب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الجار أربعون دارًا هكذا، وهكذا، وهكذا، وهكذا" رواه أحمد
(3)
.
(1)
انظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 17)، والصحاح (4/ 1491).
(2)
الخِطَّة: أرض يختطها الرجل لم تكن لأحد قبله، وحذف الهاء لغة فيها فيقال: هو خِطُّ فلان، وهي خطته. المصباح المنير (1/ 237) مادة (خطط).
(3)
لم نقف عليه في كتب الإمام أحمد المطبوعة، وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم بنحوه، منهم:
أ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه أبو يعلى (10/ 385) حديث 5982، ومن طريقه ابن حبان في المجروحين (2/ 150) عن محمد بن جامع العطار، عن محمد بن عثمان، عن عبد السلام بن أبي الجنوب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"حق الجوار أربعون دارًا هكذا وهكذا وهكذا. . ." قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 168): رواه أبو يعلى عن شيخه محمد بن جامع العطار، وهو ضعيف.
وقال ابن حبان: عبد السلام بن أبي الجنوب منكر الحديث، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات. =
(ويُقسم المال) الموصَى به (على عدد الدُّور، وكل حصة دار تُقسم على سكانها) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية.
(وجيران المسجد من يَسمع النداء) لحديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" رواه الدارقطني
(1)
عن جابر، وأبي هريرة، مع قوله صلى الله عليه وسلم للأعمى - لما سأله أن يرخِّص له في الصلاة في بيته -:"هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب" رواه مسلم
(2)
.
(و) إن وصَّى (لأقرب قرابته، أو) وصَّى بشيء لـ (ــأقرب الناس إليه، أو) وصَّى بشيء لـ (ــأقربهم به رَحِمًا، لا يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب، فأبٌ وابنٌ سواء) لأن كلَّ واحدٍ منهما يُدْلي بنفسه من غير واسطة (وأخ من أبوين أولى من أخٍ لأب) لأن من له قرابتان أقرب ممن له قرابة واحدة.
(وكل من قُدِّم) على غيره (قُدِّم ولده) فيقدَّم ابن أخ لأبوين على ابن أخ لأب (إلا الجَدَّ فإنه يُقدَّم على بني إخوته) أي: الموصي، مع أنه
= ب - كعب بن مالك رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 73) حديث 143.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 169): فيه يوسف بن السفر، وهو متروك. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 93): وينظر في إسناده.
ج - عائشة رضي الله عنها: أخرجه البيهقي (6/ 276) بإسنادين، وقال: في هذين الإسنادين ضعف، وإنما يعرف من حديث ابن شهاب الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا: أربعين دارًا جار.
د - الزهري مرسلًا: أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 257، حديث 350.
هـ - الحسن البصري مرسلًا: أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص/ 38، حديث 109.
(1)
في سننه (1/ 419 - 420). وقد تقدم تخريجه (3/ 146) تعليق رقم (1).
(2)
في المساجد، حديث 653.
يستوي مع آبائهم (و) إلا (أخاه لأبيه) فإنه (يُقدَّم على ابن أخيه لأبويه) كما في الإرث، مع أن الأخ لأبوين مقدَّم على الأخ لأب، كما تقدَّم.
(والذكور والإناث فيها) أي: القَرابة (سواء) فابن وبنتٌ سواء، وأخ وأخت سواء، وعمٌّ وعمَّة سواء، وعُلِم مما تقدَّم: أن الأب أَولى من ابن الابن، ومن الجد، ومن الإخوة على الصحيح؛ قاله في "شرح المنتهى".
(وأخ) لأبوين، أو لأب (وجَدٌّ) لأب (سواء) لأن كلًّا منهما يُدلي بالأب بلا واسطة.
(ولا يدخل في القَرابة من كان مِن جهة الأم) كالإخوة لأم، والجد لها، والخال والخالة (وتقدَّم) ذلك (في الوقف
(1)
) بأوضح من هذا.
(ويُقدَّم الابن على الجَدِّ، والأب على ابن الابن) لأن من يُدلي بلا واسطة أقرب ممن يُدلي بواسطة.
(والطفل: من لم يُميِّز) قال في "البدر المنير"
(2)
: الطفل: الولد الصغير من الإنسان والدواب. قال بعضُهم: ويبقى هذا الأب للولد حتى يُميِّز، ثم لا يُقال له بعد ذلك: طفل، بل صبي، وحَزَوَّر، ومراهق، وبالغ.
(وصَبي، وغُلام، ويافع، ويَتيم: من لم يبلغ) قال في "شرح المنتهى": يعني أن هذه الألفاظ تُطلق على الولد من حين ولادته إلى حين بلوغه، بخلاف الطفل؛ فإنه يُطلق إلى حين تمييزه فقط، فهذه الأسماء أعمُّ من لفظ الطفل.
(1)
(10/ 94).
(2)
كذا في الأصول: "البدر المنير"! وصوابه: "المصباح المنير" والنص فيه ص/ 511، مادة (طفل).
قال في "فتح الباري"
(1)
في حديث: "علِّموا الصَّبي الصَّلاة ابن سبع"
(2)
: يؤخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع؛ الردُّ على من زعم أنه لا يُسمَّى صبيًّا إلا إذا كان رضيعًا، ثم يقال له غلام إلى أن يصير ابن تسع سنين، ثم يصير يافعًا إلى عشر، ويوافق الحديث قول الجوهري
(3)
: الصبي: الغلام. انتهى.
وقوله: "ويتيم من لم يبلغ". يعني: ولا أب له، وفي غير الناس: من لا أم له، فإن مات الأبوان، فالصغير لَطيم، فإن ماتت أُمّه، فالصغير عَجِي
(4)
؛ قاله في "الحاشية".
(ولا يشمل اليتيم ولد) الـ (ــزنى) ولا منفيًّا بِلِعان، لأن اليتيم من فَقَدَ أباه بعد أن كان، وهذا لم يكن له أب.
(ومراهق: من قارب البلوغ) قال في "القاموس"
(5)
: راهق الغلام: قارب الحلم.
(وشابٌّ وفتىً: منه) أي: البلوغ (إلى الثلاثين) سنة.
(وكَهْل: منها) أي: الثلاثين (إلى خمسين) سنة.
(وشيخٌ: منها) أي: الخمسين (إلى سبعين) سنة.
(ثم هَرِمٌ) إلى آخر عمره.
قال في "القاموس"
(6)
: الكهل: من
(1)
(2/ 346).
(2)
تقدم تخريجه (2/ 18) تعليق رقم (1).
(3)
الصحاح (6/ 2398).
(4)
انظر لسان العرب (15/ 29)، والقاموس المحيط ص/ 1688، مادة (عجي).
(5)
القاموس المحيط ص/ 889، مادة (رهق).
(6)
القاموس المحيط ص/ 1054، مادة (كهل).
وخَطَهُ
(1)
، الشيبُ، ورؤيت له بَجالة
(2)
، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعًا وثلاثين إلى إحدى وخمسين. انتهى. والبجالة: مصدر بجل، كعظم (وتقدم) ذلك (في الوقف
(3)
) أيضًا.
فصل
(ولا تَصِحُّ الوصية لكنيسة، ولا لحُصُرها وقناديلها ونحوه، ولا) لـ (ــبيتِ نارٍ، و) لا لـ (ــبِيعَةٍ، وصومعة، و) لا (دَيْرٍ، ولا لإصلاحها، وشعلها، وخدمتها، ولا لعمارتها) ولو من ذمي؛ لأن ذلك إعانة على معصية.
(ولا لكَتْب التوراة، والإنجيل، والزبور، والصُّحف، ولو) كانت الوصية (من ذمي؛ لأنها كتب منسوخة، والاشتغال بها غير جائز) لما فيها من التغيير والتبديل.
(وإن وصَّى ببناء بيت يسكنه المجتازون) أي: المارون (من أهل الذِّمة، وأهل الحرب، صَحَّ) لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية.
(ولا) تصح الوصية (لملَك) - بفتح اللام - أحد الملائكة (ولا لميت، ولا لجني، ولا لبهيمة، إن قصد تمْلِيكها) لأنه تمليك، فلم يصح لهم، كالهبة.
(وتصح) الوصية (لفرس حَبيس) لأنه جهة قُربة (ما لم يُرِد تمليكه)
(1)
وخَطَه: خالطه. القاموس المحيط ص/ 691، مادة (وخط).
(2)
رجل بَجَال: أي مبجّل، وقد بَجُل بَجَالة وبُجولًا، وبجَّلته تبجيلًا عظَّمته ووَقَّرته. المصباح المنير ص/ 50، والقاموس المحيط ص/ 1246، مادة (بجل).
(3)
(10/ 103).
فلا تصح الوصية لاستحالة تمليكه (وينفَق المُوصَى به) للفرس الحبيس (إليه
(1)
) لأنه مصلحته (فإن مات الفرس) الحبيس (رُدَّ الموصى به) إن لم يكن أُنفق منه شيء (أو) ردَّ (باقيه على الورثة) لأنه لا مصرف له.
(وإن شَرَد) الفرس المُوصَى له (أو سُرِق ونحوه) بأن غُصِب (انتُظِر عَوْدُه) لأنه ممكن (وإن أُيِسَ منه) أي: من عوده (رُدَّ) الموصَى به (إلى الورثة) إذ لا مصرف له.
(ولو وصَّى بشراء فرس للغزو بـ) ــقَدْر (معيَّن) كألف (وبمائة نفقةً له، فاشتُري) الفرس (بأقل منه) أي: مما عيَّنه (فباقيه نفقة) للفرس (لا إرث) لأنه أخرج الألف والمائة في وَجْهٍ واحد وهو الفرس، فهما مال واحد، بعضه للثمن وبعضه للنفقة عليه، وتقدير الثمن لتحصيل صفة، فإذا حصلت فقد حصل الغرض، فيخرج الثمن من المال، وتبقى بقيته نفقة.
(وتصح) الوصية (لفرس زيد، ولو لم يَقْبَله) - أي: الموصَى به - زيدٌ (ويصرفه) أي: الموصَى به للفرس (في علفه) رعاية لقصد الموصي.
(فإن مات) الفرس قبل إنفاق الكل عليه (فالباقي للورثة) أي: ورثة الموصي؛ لا لمالك الفرس؛ لأنها إنما تكون له على صفة، وهي الصرف في مصلحة دابته؛ رعاية لقصد الموصي. قال الحارثي: بحيث يتولَّى الوصي، أو الحاكم الإنفاق لا المالك.
(وإن وصَّى لحيٍّ وميت يَعلم) الموصِي (موتَه، أو لم يَعلم) موته (فللحي النصف، ولو لم يقل) الموصي: إن الموصى به (بينهما) لأنه أضاف الوصية إليهما، فإذا لم يكن أحدهما محلًّا للتمليك، بَطَل في
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 150): "عليه".
نصيبه، وبقي نصيب الحي، وهو النصف (وكذا إن وصَّى لحيَّين، فمات أحدُهما) قبل موت الموصي. قال في "المبدع"
(1)
: بغير خلاف نعلمه.
(وإن وصَّى لوارثه، وأجنبيٍّ بثلث ماله، فأجاز سائر الورثة وصية الوارث، فالثلث بينهما نصفين) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية.
(وإن وصَّى لكل واحد منهما) أي: من وارثه وأجنبي (بمعيَّن، قيمتهما الثلث، فأجاز سائر الورثة وصية الوارث، جازت الوصيتان لهما) على ما قال الموصِي؛ لعدم المانع.
(وإن رَدُّوا؛ بَطَلت وصية الوارث) لعدم إجازة الورثة (وللأجنبي المُعيَّن له) لأنه لا اعتراض للورثة عليه.
(وإن وصَّى لهما) أي: لوارثه وأجنبي (بثلثي ماله، فردَّ الورثة نصفَ الوصية، وهو ما جاوز الثلث، فللأجنبي السدس) وللوارث السدس؛ لأن الوارث يُزاحم الأجنبي مع الإجازة، فإذا ردُّوا، تعيَّن أن يكون الباقي بينهما، كما لو تلف بغير رَدٍّ.
(ولو ردُّوا نصيبَ الوارث وأجازوا للأجنبي، فله الثلث، كإجازتهم للوارث) فيكون له الثلث؛ لأن لهم أن يجيزوا لهما ويردوا عليهما، فلهم أن يُجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر.
(وإن ردُّوا وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي، فله) أي: الأجنبي (السدس) لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان فيه، فإن رجعوا فيما للوارث، لم يزد الأجنبي على ماله حال الإجازة للوارث، ولو أرادوا نقص الأجنبي عن نصف وصيته، لم يملكوا ذلك، أجازوا للوارث أو ردوا.
(1)
في "ذ": "الفروع" بدل: "المبدع"، وهو في المبدع (6/ 46).
(ولو وصَّى له ولجبريل) بثلث ماله (أو له ولحائط بثلث ماله، فله جميع الثلث) لأن من أشركه معه لا يَمْلك، فلم يصح التشريك.
(ولو وصَّى له وللرسول صلى الله عليه وسلم بثلث ماله، قُسِم بينهما نصفين، ويُصرفُ ما للرسول صلى الله عليه وسلم في المصالح العامة) كخمس خمس الغنيمة.
(ولو وصَّى له ولله) سبحانه وتعالى (أو له، ولإخوته) شيء (قُسِم نصفين) وصُرِف ما لله في المصالح العامة.
(ولو وصَّى لزيد، وللفقراء بثُلُثه، قُسِم) الثلث (بين زيد والفقراء نصفين، نصفه له) أي: لزيد (ونصفه للفقراء) لأنه قابل بينه وبينهم، فاستويا في قَدْر الاستحقاق، كما في قوله: لزيد وعمرو، ولو قال: لزيد والفقراء والعلماء. فلزيد الثلث ولهما الثلثان لذلك.
(ولو كان زيدٌ فقيرًا، لم يستحق من نصيب الفقراء شيئًا) لاقتضاء العطف المغايرة، وكذا لو وصَّى لزيد وجيرانه بشيء، لم يشاركهم زيد بكونه جارًا.
ولو وصَّى لقرابته والفقراء، فلقريبٍ فقيرٍ سهمان؛ ذكره أبو المعالي؛ لأن المُراعَى في الاستحقاق وصفه، فجاز تعدد استحقاقه بتعدد وصفه.
(وإن وصَّى به) أي: بالثلث (لزيدٍ وللفقراء والمساكين، فله) أي: زيد (تُسعٌ فقط، والباقي لهما) أي: الفقراء والمساكين (ولا يستحق معهم بالفقر والمسكنة) شيئًا، لما تقدم.
(ولو وصَّى بماله لابنيه وأجنبي) ولا وارث غير ابنيه (فردَّا وصيته فله) أي: الأجنبي (التُّسع). لأنه بالرد رجعت الوصية إلى الثلث، والموصى له ابنان وأجنبي، فيكون للأجنبي التسع؛ لأنه ثلث الثلث.
(ولو وصَّى بدفن كُتُبِ العلم، لم تُدفن) قاله أحمد
(1)
. ولعل وجهه أن الغرض نشر العلم لا إخفاؤه.
(ولو وصَّى بإحراق ثلث ماله؛ صح، وصُرِف في تجمير الكعبة وتنوير المساجد.
ولو وصى بجعل ثلثه في التراب، صُرِف في تكفين الموتى.
و) لو وصَّى (بجعله) أي: الثلث (في الماء، صُرِف في عمل سفن الجهاد) محافظة على تصحيح كلام المكلَّف مهما أمكن.
وإن أوصى بجعله في الهواء، قال ابن نصر الله: يتوجَّه أن يعمل به بادهنج
(2)
لمسجد ينتفع به المصلون. قال تلميذه صاحب "المبدع": وفيه شيء. انتهى. ولو قيل: يعمل به نبل ونُشَّاب للجهاد، لم يبعد.
(ولو وصَّى بكتب العلم لآخر، صح) لأنه إعانة على طاعة (ولا تدخل كتب الكلام) في كتب العلم (لأنه) أي: الكلام (ليس من العلم) قال أحمد في رواية أبي الحارث
(3)
: الكلام رديء لا يدعو إلى خير، لا يفلح صاحب كلام، تجنبوا أصحاب الجدال والكلام، وعليك بالسنن وما كان عليه أهل العلم؛ فإنهم كانوا يكرهون الكلام.
وعنه
(4)
: لا يُفْلِح صاحب كلام أبدًا، ولا ترى أحدًا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل.
(1)
مسائل صالح (2/ 98) رقم 653.
(2)
بادَهَنْج: المنفذ الذي يجيء منه الريح. اهـ. أي: للتهوية. شفاء الغليل للخفاجي ص/ 70 - 71.
(3)
انظر: مسائل صالح (2/ 166 - 167) رقم 734، والآداب الشرعية (1/ 224).
(4)
درء تعارض العقل والنقل (7/ 147)، وانظر: مسائل أبي داود ص/ 275، وطبقات الحنابلة (1/ 75)، والآداب الشرعية (1/ 224).
وكذلك روى ابن مهدي عن مالك فيما حكى البغوي
(1)
: لو كان الكلام علمًا، لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع ولكنه باطل. قال ابن عبد البر
(2)
: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام لا يعدون في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الفقه والأثر.
(ولا تصح الوصية لكتبه) أي: الكلام (ولا) الوصية (لكتب البِدع المضلة، و) لا لكتب (السحر، والتعزيم، والتنجيم، ونحو ذلك) من العلوم المحرَّمة؛ لأنها إعانة على معصية.
(وتصح) الوصية (بمصحف ليُقْرأ فيه) لأنه قربة (ويوضعَ بجامع، أو موضع حَريز) ليحفظه.
(1)
شرح السنة للبغوي (1/ 217) معلقًا. وأخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في "ذم الكلام؛ انتخاب أبي الفضل المقرئ" ص/ 96 - 97، وعنه الهروي في "ذم الكلام"(4/ 115 - 116) رقم 874.
(2)
جامع بيان العلم وفضله (2/ 942).
باب المُوصَى به
وهو المتمم لأركان الوصية الأربعة.
(يُعتبر فيه) أي: الموصَى به (إمكانُه، فلا تصح بمدبَّره) ولا بأُمِّ ولده؛ لأنهما يعتقان بالموت؛ فلا يمكن دخولهما في ملك المُوصَى له.
(و) يُعتبر فيه - أيضًا - اختصاصه أي: الموصِي بالمُوصَى به، فـ (ــلا) تصح الوصية (بمال الغير، ولو ملكه بعد) بأن قال: وصيت بمال زيد، فلا تصح الوصية، ولو ملك الموصي مال زيد بعد الوصية؛ لفساد الصيغة بإضافة المال إلى غيره.
(وتصح) الوصية (بما لا يقدر على تسليمه، وللوصي السعي في تحصيله، كآبق، وشارد، وطير في هواء، وحمل في بطن، ولَبَنٍ في ضَرْعٍ) وسَمَكٍ في لجَّة.
قال الحارثي: وعلى التمثيل ههنا باللَّبن في الضَّرْع مناقشة؛ فإنه يمكن التسليم بالحليب
(1)
، لكنه من نوع المجهول، أو المعدوم؛ لتجدده شيئًا فشيئًا.
(و) تصح الوصية - أيضًا - (بمعدوم كالذي تحمل أَمَته) قال أبو العباس
(2)
في "تعاليقه القديمة": ويظهر لي أنه لا تصح الوصية بالحمل نظرًا إلى علة التفريق؛ إذ ليس التفريق مختصًّا بالبيع، بل هو عام في كل تفريق إلا العتق وافتداء الأسير.
(1)
في "ذ": "بالحلب".
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 279 - 280.
(أو) تحمل (شجرته أبدًا أو مدة معيَّنة) كسَنَة وسنتين (فإن حصل شيء؛ فله) لأن الوصية أُجريت مجرى الميراث، وهذا يُورَث، فصحَّت الوصية به، إلا حَمْل الأَمَة، فيُعطى مالك الأَمَة قيمته؛ لحرمة التفريق، فإن وُطِئت بشُبهة؛ فعلى الواطئ قيمةُ الولد لو
(1)
وصَّى له به، وإن لم تحمل حتى صارت حُرَّة؛ بطلت الوصية، ولا يلزم الوارث السقي؛ لأنه لم يضمن تسليمها، بخلاف بائع (وإلا) بأن لم يحصل شيء مما وصَّى به (بطلت) الوصية لفوات محلها.
(ومثله) أي: ما تقدَّم في الصحة؛ الوصية (بمائة لا يملكها، فإن قدر) الموصي (عليها عند الموت، أو) قدر (على شيء منها) صحَّت، واعتُبرت من الثلث (وإلا) بأن لم يقدر على شيء منها (بطلت) الوصية؛ لما تقدم.
(وتصح) الوصية (بإناء ذهب وفضة) لأنه مال يُباح الانتفاع به على غير هذا الوجه، بأن يكسره ويبيعه، أو يغيره عن هيئته بأن يجعله حليًا يصلح للنساء، أو نحو ذلك، فصحَّت الوصية به، كالأَمَة المُغنِّية.
(و) تصح الوصية لإنسان (بزوجته) الأَمَة، وينفسخ النكاح بقَبوله بعد الموت.
(و) تصح الوصية (بما فيه نفع مباح من غير المال، ككلب صيد، و) كلب (ماشية، و) كلب (زرع وحرث
(2)
لِما يُباح اقتناؤه منها) لأن فيه نفعًا مباحًا، وتُقَرُّ اليد عليه، والوصية تبرُّع، فصحَّت في غير المال، كالمال (ويأتي في الصيد) بأوضح من هذا.
(1)
في "ذ": "لمن".
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 153): "جرو" بدل "حرث".
(وكزيت متنجِّس) فتصح الوصية به (لغير مسجد) لأن فيه نفعًا مباحًا، وهو الاستصباح به، ولا تصح الوصية به لمسجد؛ لأنه لا يجوز الاستصباح به فيه. وتقدم
(1)
.
(وله) أي: الموصَى له بالكلب المباح، أو الزيت المتنجِّس (ثلث الكلب، و) ثلث (الزيت) المتنجِّس الموصَى به (إن لم تجز الورثة، ولو كان له مال كثير) لأن موضوع الوصية على أن يَسْلم ثلثا التركة للورثة، وليس من التركة شيء من جنس الموصَى به.
(وإن وصَّى لزيد بكلابه، و) وصَّى (لآخر بثلث ماله، فللموصى له بالثلث ثلث المال، وللموصى له بالكلاب ثلثها إن لم يُجِز الورثة) لأن ما حمل للورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصَى له، وهو ثلث المال، ولم يحتسب على الورثة بالكلاب؛ لأنها ليست بمال.
(ولو وصَّى بثلث ماله، ولم يوصِ بالكلاب، دفع إليه) أي: الموصى له بالثلث (ثلث المال، ولم تُحتسب الكلاب على الورثة) لأنها ليست بمال.
(وتُقسم) الكلاب (بين الورَّاث) بالعدد (و) تُقسم - أيضًا - بين الورَّاث وبين (الموصَى له) بها - إن لم تجز الورثة كلها أو بعضها - بالعدد (أو) أي: وتُقسم الكلاب (بين اثنين) فأكثر (موصىً لهما بها على عددها؛ لأنه لا قيمة لها.
فإن تشاحُّوا في بعضها) بأن طلب كلٌّ منهم أن يكون له (فينبغي أن يُقرَع بينهم) قاله في "الشرح"؛ لأنه لا مُرجِّح لأحدهم على غيره.
(1)
(1/ 443).
وعبارته في "المبدع" و"الإنصاف" وغيرهما: فإن تشاحوا؛ أقرع بينهم.
(ولا تصح) الوصية (بما لا يُباح اتّخاذه منها) كالأَسود البهيم، والعقور، وما لا يصلح للصيد، ولا للزرع، ولا للماشية (ولا بالخنزير، ولا بشيء من السباع) من البهائم والطيور (التي لا تصلح للصيد) لعدم نفعها (ولا بما لا نَفْعَ فيه مباح، كالخمر والميتة) المُحَرَّمة (ونحوها
(1)
) كالدم؛ لأن الوصية تمليك، فلا تصح بذلك، كالهبة، وقد حث الشارع على إراقة الخمر وإعدامه، فلم يُناسب صحة الوصية به. وظاهره: ولو قلنا: يُباح الانتفاع بجلدها بعد الدباغ.
(وتصح) الوصية (بمجهول) كعبد وثوب؛ لأن الموصَى له شبيه بالوارث من جهة انتقال شيء من التركة إليه مجانًا، والجهالة لا تمنع الإرث، فلا تمنع الوصية (ويُعطى ما يقع على الاسم) لأنه مقتضى اللفظ (فإن اختلف الاسم بالحقيقة) الوضعية (والعُرف، كالشاة، هي في) الحقيقة للذَّكر والأنثى من الضأن والمعز - والهاء للواحدة - وفي (العُرف للأنثى الكبيرة من الضأن والمعز) غُلِّب العُرف، كالأيمان. (والبعير والثور هو في العُرف للذَّكر الكبير) من الإبل أو البقر (وفي الحقيقة للذكر والأنثى، غُلِّب العُرف، كالأيمان) اختاره الموفَّق، وجزم به في "الوجيز" و"التبصرة"؛ لأن الظاهر إرادته؛ ولأنه لو خوطب قوم بشيء لهم فيه عُرف، وحملوه على عُرفهم؛ لم يعدوا مخالفين.
(وصحح المُنقِّح أنه تُغَلَّب الحقيقة) وهو قول القاضي، وأبي الخطاب، وابن عقيل، وغيرهم من الأصحاب، وجزم به في "المنتهى"؛ لأنها الأصل، ولهذا يُحمل عليها كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم (فيتناول)
(1)
في "ذ": "نحوهما".
اللفظ مما ذكر (الذكور والإناث، والصغار والكبار، فيُعطى ما يقع عليه الاسم من ذكر وأنثى، كبير وصغير) لصلاحية اللفظ له.
(وحِصان) بكسر الحاء المهملة، لذَكَر (وجَمَل) بفتح الميم وسكونها، لذَكَر، (وحمار، وبغل، وعبد، لذَكَر) فقط قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}
(1)
والعطف يقتضي المغايرة؛ ولأنه المفهوم من إطلاق اسم العبد، فلو وكَّله في شراء عبد، فليس له شراء أَمَة.
(وأتان) الحمارة، قال في "القاموس"
(2)
: والأتانة قليلة (وناقة، وبَكْرَة
(3)
، وقلوص
(4)
) الأنثى
(5)
(وحِجْر
(6)
) بكسر الحاء وسكون الجيم الأنثى من الخيل، قال في "القاموس"
(7)
: وبالهاء لحن (وبقرة لأنثى، وكبش للذَّكر الكبير من الضأن، وتيس للذَّكر الكبير من المعز، وفرس) لذكر وأنثى (ورقيق لذكر وأنثى) قال في "شرح المنتهى": ويكونان للخنثى أيضًا.
(والدابة: اسم للذَّكر والأنثى من الخيل، والبغال، والحمير) لأن ذلك هو المتعارف، قال الحارثي: والقائلون بالحقيقة لم يقولوا ههنا بالأعمِّ، كأنهم لحظوا غلبة استعماله في الأجناس الثلاثة، بحيث صارت
(1)
سورة النور، الآية:32.
(2)
القاموس المحيط ص/ 1515، مادة (أتن).
(3)
البكرة: الفتية من الإبل، القاموس المحيط ص/ 353، مادة (بكر).
(4)
القلوص من الإبل: بمنزلة الجارية من النساء، وهي الشابة، المصباح المنير ص/ 513.
(5)
في "ذ": "لأنثى".
(6)
في "ذ": "حجرة".
(7)
القاموس المحيط ص/ 475، مادة (حجر).
الحقيقة مهجورة.
(فإن قرن به) أي: بذِكْرِ الدَّابة في الوصية (ما يصرفه إلى أحدها) أي: أحد الأجناس الثلاثة (كقوله): أعطوا له (دابةً يُقاتِل عليها، انصرفَ إلى الخيل) وكذا لو قال: دابة يُسهم لها؛ لاختصاصها بذلك.
(وإن قال): أعطوا له (دابةً ينتفع بظهرها ونسلها، خرج منه البغال والذَّكر) لانتفاء النسل فيهما.
(ولو قال:) أعطوه (عشرةً) أو عشرًا (من إبلي، أو غنمي، فللذَّكر والأنثى) لأنه قد يلحظ في التذكير معنى الجمع، وفي التأنيث معنى الجماعة. و- أيضًا - اسم الجنس يصح تذكيره وتأنيثه.
(وإن أوصى له بعبدٍ مجهول) بأن أوصى له بعبد (من عبيده) ولم يعينه (صح، ويعطيه الورثة ما شاؤوا منهم) لأن لفظه تناول واحدًا، فيلزم الموصَى له قَبول ما يدفعه الوارث من صحيح أو مَعيب، جيد أو رديء؛ لتناول الاسم له.
(فإن لم يكن له عبيد، لم تصح الوصية إن لم يملك الموصي عبيدًا قبل الموت) لأن الوصية تقتضي عبدًا من الموجودين حين الموت، أشبه ما لو أوصى له بما في الكيس، ولا شيء فيه، أو بداره ولا دار له.
(فلو ملك) الموصي شيئًا من العبيد (قَبْله) أي: الموت (ولو واحدًا، أو كان له) عبد (واحد، صحت) الوصية وتعيَّن كونه للموصَى له؛ لأنه لم يكن للوصية محل غيره.
(وإن كان له) أي: الموصي (عبيد، فماتوا قبل موت الموصي بطلت) الوصية لفوات محلها.
(ولو تلفوا بعد موته من غير تفريط) من الورثة (فكذلك) أي:
بطلت الوصية، بمعنى أنه فات على الموصَى له؛ إذ لا موجب للضمان، لحصول التركة في أيديهم بغير فعلهم.
(وإن ماتوا) أي: العبيد (إلا واحدًا؛ تعيَّنت الوصية فيه) لأنه لم يبقَ غيره، وقد تعذَّر تسليم الباقي. وهذا إن حمله الثلث؛ قاله في "الرعاية".
(وإن قُتِلوا) أي: العبيد (كلُّهم، فله) أي: الموصَى له (قيمة أحدهم، وهو من يختار الورثة بذله للموصَى له على قاتله) كما يلزم القاتل قيمته، وإن لم يكن موصًى به.
(ومثله) أي: العبد في الوصية (شاة من غنمه) وثوب من ثيابه، وأَمَة من إمائه، وأتان من حميره، وفرس من خيله، ونحوها على ما سبق تفصيله بلا فرق.
(ولو وصَّى أن يُعطى) زيد مثلًا (مائة من أحد كِيْسَيَّ، فلم يوجد فيهما شيء؛ استحق مائة) اعتبارًا للمقصود، وهو أصل الوصية لا صفتها، بخلاف ما لو وصَّى له بعبد من عبيده، ولا عبد له؛ فتبطل.
قال الحارثي: وقد يفرق بينهما بأن القَدْر الفائت في صورة المائة صفة محل الوصية، لا أصل المحل، فإن كيسًا يؤخذ منه مائة موجود ملكًا، فأمكن تعلُّق الوصية به، والفائت في صورة العبد أصل المحل، وهو عدم العبيد بالكلية فالتعلُّق متعذِّر. انتهى. وقد ذكرت في "الحاشية" الفرق بينهما عن ابن نصر الله أيضًا. وإن قال: أعطوه عبدًا من مالي ولم يكن له عبد، اشتُري له.
(وإن وصَّى له بقوس، وله أقواس؛ قوس نُشَّاب - وهو الفارسي - وقوس نَبْل - وهو العربي - أو قوس بمَجرىً، وهو) القوس (الذي يُوضع السهم) الصغير (في مجراه، فيخرج) السهم (من المَجرى) ويقال له:
قوس حُسْبَان، وهي السهام الصغيرة، قاله الحارثي. (و
(1)
) قوس (جَرْخ
(2)
) وهو الذي يرمي به الروم (أو) قوس (بُنْدق، وهو قوس جُلاهِق) بضم الجيم وكسر الهاء، وهو اسم للبندق، وأصله بالفارسية: جله، وهي كبة غزل، والكبير جلها (أو) قوس (نَدْف) يندف به القطن (فله) أي: الموصَى له بقوس مطلق (قوس النُّشَّاب بغير وَتَرٍ؛ لأنه أظهرها) أي: أسبق إلى الفهم، فله واحد من المتعارف يعينه الوارث.
(فإن لم يكن له) أي: الموصي (إلا قوس واحد من هذه القِسيِّ، تعيَّنت الوصية فيه) إذ لا محل لها غيره.
(وإن كان في لفظِه) أي: الموصي (أو حالة قرينةٌ تصرِفُه إلى أحدها) أي: الأقواس (انصرف إليه، مثل أن يقول: قوس يندف به، أو) قوس (يتعيش) به (أو نحو ذلك، فهذا يصرفه إلى قوس النَّدف) عملًا بالقرينة (وإن قال: قوس يغزو به. خرج قوس النَّدف والبندق) لأنهما لا يُقاتل بهما.
(وإن كان الموصَى له) بقوس (نَدَّافًا لا عادة له بالرَّمي، أو بُندُقانِيًّا لا عادة له بالرّمي عن سواه، أو يرمي بقوس غيره، ولا يرمي بسواه، انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة) لأن ذلك قرينة تخصص ذلك النوع؛ لأن الظاهر إرادة الانتفاع.
(فإن كان له) أي: الموصي (أقواس من النَّوع الذي استحق الوصي) قوسًا (منها أعطي أحدها بقُرعة) قياس ما تقدم: أنه يعطى ما
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 156): "أو".
(2)
قال ابن القيم في الفروسية ص/ 429: هي قوس تستعمل بالرِّجل، لها جوزة ومفتاح، وأهل المغرب يعتنون بها كثيرًا، ويفضلونها على قوس اليد، وانظر: الألفاظ الفارسية المعربة لأدي شير ص/ 39.
يختاره الورثة.
(وإن وصَّى له بطبل حَرْب، صحَّت) الوصية؛ لأن فيه نفعًا مباحًا، ومثله على ما ذكره الحارثي: طبل صيد، وطبل حجيج لنزول وارتحال.
و (لا) تصح الوصية (بطبل لهو، ولا تصلح للحرب وقت الوصية) لأنه لا منفعة فيه مباحة، فإن كان الطبل يصلح للحرب واللهو معًا، صَحَّت الوصية به؛ لقيام المنفعة المباحة به.
(وإن كان) الطبل (من جوهر نفيس ينتفع برُضاضه) بضم الراء أي: فتوته، وكل شيء كسرته فقد رضضته (كالذهب والفضَّة، صحّت) الوصية به (نظرًا إلى الانتفاع بجوهرهما دون جهة التَّحريم) كآنية الذهب والفضة. وقياس ذلك: صحة بيعه.
(فإن كان له طبلان أحدهما مباح) والآخر مُحَرَّم، ووصَّى بطبل، انصرفت الوصية إلى المباح.
(أو وصَّى له بكلب، وله كلبان، أحدهما مباح) والآخر مُحَرَّم (انصرفت الوصية إلى المباح) لأن وجود المُحَرَّم كعدمه شرعًا، فلا يشمله اللفظ عند الإطلاق.
(وكذا الدُّف) أي: لو كان له دُفٌّ مباح، ودُفٌّ مُحَرَّم بحِلَق أو صُنوج، وأوصى بدُفٍّ، انصرف إلى المباح دون المُحَرَّم؛ لما تقدم.
(وتصح الوصية بالبُوق لمنفعته في الحرب) قاله القاضي.
(وإن كان له) أي: الموصي (طبول تصح الوصية بجميعها) لكونها كلها تصلح للحرب، ووصى بأحدها وأطلق (فله) أي: الموصَى له (أحدها بالقُرعة).
قياس ما تقدم: له أحدها باختيار الورثة. قال الحارثي: وإن تعدد
المباح، فله أحدها إما بالقرعة أو اختيار الورثة على الاختلاف فيه.
(ولا تصح) الوصية (بمزمار، وطُنبور، وعود لهوٍ، وكذا آلات اللهو كلها، ولو لم يكن فيها أوتار) لأنها مُهيَّأة لفعل المعصية، أشبه ما لو كانت بأوتارها، وقياس ما تقدم: إن كانت من جوهر نفيس يُنتفع برُضاضه كالذهب والفضة، صحَّتْ؛ نظرًا إلى الانتفاع بجوهرها دون جهة التحريم.
(وتنفذ الوصية فيما علم) الموصي (من ماله، وما لم يعلم) منه؛ لعموم اللفظ، فإن المال يعم معلومه ومجهوله، وقياسًا على نَذْر الصدقة بالثلث.
(فإذا أوصى بثلثه) لنحو زيد، أو مسجد (فاستحدث مالًا، ولو بنصب أُحبُولة قبل موته، فيقع فيها صيد بعد موته، دخل ثلثه) أي: المستحدث (في الوصية، ويقضى منه دينه.
وإن قُتِلَ وأُخِذت دِيَتُهُ، دخلتْ) دِيَتُهُ (في الوصية، فهي) أي: الدِّية (ميراث تحدُثُ على ملك الميِّت) لأنها بدل نفسِه، ونفسُه له، فكذلك بدلها، ولأن دِيَة أطرافه في حال حياته له، فكذلك دِيَة نفسه بعد موته (فيقضى منها) أي: الدِّيَة (دَيْنه، ويُجهَّز منها، إن كان) أخذها (قبل تجهيزه) وإنما يزول ملكه عما يستغني عنه، فأما ما تعلقت به حاجته فلا، ووصيته من حاجته.
(ولو وصَّى بـ) ــنحو عبد (معيَّن بقَدْر نصف الدِّية حُسبت الدِّية على الورثة من ثلثيه) لأنها تركة ويأخذُ العبدَ الموصى له به.
فصل
(وتصح الوصيةُ بالمنفعة المُفْرَدَة) عن الرَّقبة؛ لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة، فصحت الوصية بها، كالأعيان، وقياسًا على الإعارة (كـ) ــما لو أوصى لإنسان بـ (ــخدمة عبدٍ، وغلَّة دار، وثمرة
(1)
بستان، أو) ثمرة (شجرة، سواء وصَّى بذلك) أي: بما ذكر من المنفعة (مدةً معلومة، أو) وصَّى (بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله) لأن غايته جهالة القَدْر، وجهالة القَدْر لا تقدح. ولو قال: وصَّيتُ بمنافعه، وأطلق، أفاد التأبيد - أيضًا - لوجود الإضافة المُعمَّمة، ولو وقَّت شهرًا، أو سنة وأطلق؛ وجب في أول زمن لظهور معنى الإبهام بقوله من السنين.
(و) إذا كانت الوصية بثمرة بستان، أو شجرة أبدًا، أو مدة معينة (لا يملك واحد من الموصَى له والوارث إجبار الآخر على السقي) لعدم الموجب لذلك.
(فإن أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضرُّ بصاحبه، لم يملك الآخر منعه) من السقي، فإن تضرر؛ مُنع؛ لحديث "لا ضرَرَ ولا ضِرارَ"
(2)
.
(وإذا يَبسَتِ الشجرة) الموصَى بثمرتها (فحطَبُها للوارث) إذ لا حق للموصى له في رقبتها.
(وإن لم يحمل) الشجر الموصَى بثمرته لزيد سنة مثلًا (في المدة المعينة، فلا شيء للموصى له) لفوات محل الوصية.
(1)
في متن الإقناع (3/ 158): "بثمرة".
(2)
تقدم تخريجه (2/ 111) تعليق رقم (1).
(وإن قال) الموصي لزيد: (لك ثمرتها أول عام تُثمر، صَحَّ، وله ثمرتها ذلك العام) تنفيذًا للوصية.
(وإن وصَّى له بلبن شاته وصوفها، صح) كسائر المنافع.
(ويُعتبر خروج ذلك من الثلث) كسائر الوصايا (وإلا) بأن لم يخرج من الثلث (أُجيز منها بقَدْر الثلث) إن لم تجز الورثة الباقي.
(وإذا أُريد تقويمُها) أي: المنفعة (وكانت الوصية) بالمنفعة (مقيَّدة بمُدَّة) معلومة (قُوِّم الموصَى بمنفعته مسلوبَ المنفعةِ تلك المدَّة، ثم تُقوَّم المنفعة في تلك المُدَّة، فينظر كم قيمتها) مثاله: لو وصَّى له بسُكنى دار سنةً، فتقوَّم الدار مستحقة المنفعة سنة، فإذا قيل: قيمتها عشرة مثلًا، قُوِّمت بمنفعتها، فإذا قيل: قيمتُها اثنا عشر، فالاثنان قيمة المنفعة الموصَى بها، إن خرجا من الثلث، نفذت الوصية، وإلا فبقَدْر ما يخرج منهما، وهذا أحد الوجهين. واختاره في "المستوعب"، وقال: هذا الصحيح عندي.
والوجه الثاني: يُعتبر خروج العين بمنفعتها من الثلث، وجزم به المصنف فيما يأتي. قال في "الإنصاف": وهو الصحيح. وقال في "تصحيح الفروع": حكمها حكم المنفعة على التأبيد، وعليه الأكثر، منهم القاضي. وقدَّمه في "الخلاصة" و"النظم" و"الرعايتين" و"الحاوي الصغير" و"الفائق" و"شرح الحارثي" وغيرهم من الأصحاب.
(وإن كانت الوصية) بالمنفعة (مطلقة في الزمان كله، فإن كانت منفعةَ عبدٍ ونحوه، فتُقوَّم الرقبة بمنفعتها؛ لأن عبدًا لا منفعة له لا قيمة له، وإن كانت) المنفعة الموصى بها (ثمرة بستان، قُوِّمت الرَّقبة على الورثة، و) تُقوَّم (المنفعة على الوصي؛ لأن الشجر يُنتفع بحَطَبِهِ إذا يبس، فإذا
قيل: قيمة الشجرة عشرة، وبلا ثمرة درهم. علمنا أن قيمة المنفعة تسعة) فيُعتبر خروجها من الثلث.
و (ولو وصَّى بمنافع عبده، أو) بمنافع (أَمَته أبدًا، أو مدةً معينة) كسنة (صح) لما تقدَّم (وللورثة عتقها) لأنها مملوكة لهم (لا عن كفَّارة) لعجزها عن الاستقلال بنفعها فهي كالزمنة (ومنفعتها باقية للموصى له، ولا يرجع على المعتق بشيء) لأنه لم يفوّت عليه شيئًا.
(وإن أعتقه صاحبُ المنفعة، لم يعتق) لأن العتق للرقبة، وهو لا يملكها (فإن وهب صاحب المنفعة) وهو الموصَى له بها (منافعه للعبد، أو أسقطها) عنه (فللورثة الانتفاع به؛ لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده) فعلى هذا إن كان ذلك بعد العتق، فليس لهم الانتفاع به.
(ولهم) أي: الورثة (بيعها) أي: الرقبة (من الموصى له) بمنافعها ولـ (ــغيره؛ لأن المشتري قد يرجو الكمال بحصول منافعها له من جهة الموصي
(1)
، إما بهبة، أو وصية، أو مصالحة بمال، وقد يقصد تكميل المصلحة لمالك المنفعة بتمليكها له) أي: تمليك الرقبة للموصى له، وفي نسخة: بتكميلها (وقد يعتقها فيكون له الولاء) ولأن الرقبة مملوكة لهم، فصح بيعها كغيرها، وتُباع مسلوبة المنفعة، ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه.
(وإن جَنَت) الأَمَة الموصَى بمنافعها، أو العبد (سلَّموها) لولي الجناية مسلوبة المنفعة (أو فَدَوها مسلوبة) المنفعة (ويبقى انتفاع الوصيَّة بحاله) لأن جنايتها تتعلَّق برقبتها لا بمنفعتها.
(ولهم) أي: الورثة (كتابتها) أي: الأَمَة الموصى بمنافعها، وكذا
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (1/ 159): "الوصي".
العبد الموصى بمنافعه كبيعه.
(و) لهم (ولاية تزويجها، وليس لهم تزويجها إلا بإذن مالك المنفعة) لأنه يتضرَّر به، فإن اتفقا على ذلك، جاز.
(ويجب) تزويجها (بطلبها) لأنه حق لها (والمهر في كل موضع وجب) سواء كان بنكاح، أو شُبهة، أو زِنىً (للموصى له) لأنه بدل بُضعها، وهو من منافعها.
(وإن وُطِئت) الأَمَةُ الموصَى بنفعها (بشُبهة، فالولد حُرٌّ) لاعتقاد الواطئ أنه وطئ في ملك، كالمغرور بأَمَة (وللورثة قيمته) أي: الولد (عند الوضع على الواطئ) جبرًا لما فاتهم من رِقّه؛ لأنه فَوَّته عليهم.
(وإن قتلها) أي: الأَمَة (وارثٌ أو غيره، فلهم) أي: الورثة (قيمتها) دون الموصى له؛ لأن الإتلاف صادف الرقبة، وهم مالكوها، وفوات المنفعة حصل ضمنًا (وتبطل الوصية) لفوات محلها، كالإجارة.
(ويلزم القاتل قيمة المنفعة) أي: فَتُقوَّم العين غير مسلوبة المنفعة، ويغرم قيمتها للورثة، كما تقدم. وليس معناه: يغرمها للموصَى له، كما قدَّمتُه لك، فلا مخالفة فيه لكلام الأصحاب.
وفي "الانتصار": إن قتلها وارثُها، فعليه قيمة المنفعة. قال في "الإنصاف": وعموم كلام المصنف وغيره من الأصحاب: إنَّ قَتْلَ الوارث كقَتْلِ غيره. وقطع في "المنتهى" بما في "الانتصار".
(وللموصَى له) بخدمة أَمَة ونحوها (استخدامها حَضَرًا وسفرًا، و) له (المسافرة بها، وإجارتها، وإعارتها) لأنه إذا ملك النفع، جاز له استيفاؤه بنفسه، وبمن يقوم مقامه، وكذا حكم العبد الموصَى بنفعه.
(وليس لواحد منهما) أي: الوارث والموصَى له بالنفع (وَطؤها)
لأن مالك المنفعة ليس بزوج ولا مالك للرقبة، والوطء لا يُباح بغيرهما، ومالك الرقبة لا يملكها ملكًا تامًّا، ولا يأمن أن تحمِل منه، وربما أفضى إلى هلاكها.
(فإن وَطِئها أحدُهما؛ أَثِمَ؛ ولا حَدَّ عليه) لأنه وَطْءُ شُبهة؛ لوجود الملك لكل منهما (و) إن ولدت من أحدهما فـ (ــولده حُرٌّ) لما تقدم.
(فإن كان الواطئ صاحب المنفعة) وأولدها (لم تصر أُمَّ وَلَدٍ له) لأنه لا يملكها (وعليه قيمة ولدها يوم وَضْعه) للورثة؛ لما تقدم (ولا مهر عليه) لأنه لو وجب لكان له (وحكمها على ما ذكر فيما إذا وَطِئها أجنبيٌّ بشُبهة) على ما سبق.
(وإن كان الواطئ مالك الرَّقبة، صارت أُمَّ ولد له) لأنها علقت منه بحُرٍّ في ملكه (وعليه المهر) للموصى له بالنفع (وتجب عليه قيمة الولد، يأخذ شركاؤه حصتهم منها) لكونه فَوَّته عليهم.
(وإن كان) الواطئ (هو الوارث وحدَه سقطت منه) قيمةُ الولد، إذ لو وجبت لكانت له، ولا يجب للإنسان على نفسه شيء.
(وإن ولدت) الموصَى بنفعها (من زوجٍ) لم يشرط الحرية (أو زنىً، فالولد لمالك الرَّقبة، لأنه جزء منها) وليس من النفع الموصى به.
(ونفقتُها على مالك نفعها) لأنه يملك نفعها، فكانت النفقة عليه، كالزوج (وكذلك سائر الحيوانات الموصَى بمنفعتها) تكون نفقتها على الموصى له بمنفعتها.
(ويُعتبر خروج جميعها) أي: الأَمَة الموصى بنفعها، وكذلك كلُّ عين موصىً بنفعها (من الثلث) سواء كانت الوصية أبدًا، أو مدةً معيَّنة،
وهذا الصحيح، كما تقدَّمت الإشارة إليه
(1)
(فتُقوَّم) الأَمَة (بمنفعتها) فما بلغت اعتُبر من الثلث، فإن ساواه أو نقص نفذ، وإلا؛ فبقَدْره، ويتوقف الزائد على الإجازة.
(وإن وصَّى لرجُلٍ برقبتها، و) وصَّى (لآخر بمنفعتها، صح) ذلك (وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا) من الأحكام؛ لأنه مالك الرقبة.
(ولو مات الموصَى له بنفعها، أو) مات (الموصى له برقبتها) أو ماتا (فلورثة كل واحد منهما ما كان له) لأن من مات عن حق، فهو لورثته.
(وإن وصَّى لرجُل بحَبِّ زرعه، ولآخر بِتِبْنِهِ، صح، والنفقة بينهما) على قَدْر المالين (ويُجبر الممتنع منهما) على الإنفاق مع الآخر؛ لأن الترك ضرر عليهما، وإضاعة للمال (وتكون النفقة) بينهما (على قَدْر قيمة حق كل واحد منهما) في الحَبِّ والتِّبْنِ، كالشريكين في أصل الزرع.
(وإن وصَّى له) أي: لزيد (بخاتم، و) وصَّى (لآخر بفصِّه، صح) ذلك؛ لأن فيه نفعًا مباحًا (وليس لواحد منهما الانتفاع به) أي: بالخاتم (إلا بإذن الآخر) كالمشترك (وأيهما طلب قلع الفَصِّ من الخاتم، أُجيب إليه، وأُجبر الآخر عليه) لتمييز حَقِّه.
(وإن وصَّى له بمُكَاتَبه، صح) لأنه يصح بيعه (ويكون) الموصَى له به (كما لو اشتراه) لأن الوصية تمليك، أَشبهت الشراء، فإن أدَّى، عتق والولاء له، كالمشتري، وإن عَجَز عاد رقيقًا له، وإن عَجَز في حياة الموصي لم تبطل الوصية؛ لأن رِقَّه لا ينافيها، وإن أدَّى إليه، بطلت.
فإن قال: إن عَجَز ورق، فهو لك بعد موتي، فعجز في حياة
(1)
(10/ 275).
الموصي، صَحَّت، وإن عَجَز بعد موته، بطلت.
وإن قال: إن عَجَز بعد موتي فهو لك، ففيه وجهان، لكن قياس ما تقدَّم الصحة.
(وإن وصَّى له بمال الكتابة) كله (أو بنَجْم منها، صحَّ) لأنها تصحّ بما ليس بمستقر، كما تصح بما لا يملكه في الحال كحَمْل الجارية (وللموصى له الاستيفاء) عند حلوله (والإبراء) منه (ويَعتق) المُكاتَب (بأحدهما) أي: بالاستيفاء أو الإبراء (والولاء للسيِّد) لأنه المنعم عليه.
(فإن عَجَز) المُكاتَب (فأراد الوارث تعجيزه، وأراد الموصى له إنظارَه، أو عكسه) بأن أراد الموصى له تعجيزه، وأراد الوارث إنظاره (فالحكم للوارث) لأن حق الموصى له إنما يثبت عند قيام
(1)
العقد والقدرة على الأداء، فإن عجز كان العقد مستحق الإزالة، فيملك الوارث الفسخ والإنظار (وتقدَّم في الباب قبله ذِكْرُ الوصية للمكاتَب
(2)
) مفصَّلة.
(وإن وصَّى برقبته) أي: المُكاتَب (لرجل و) وصَّى (بما عليه لآخر، صحَّ) على ما قاله؛ لأن كلًّا منهما تصح الوصية به مفردًا، فجاز مجتمعًا.
(فإن أدَّى) المُكاتَب (لصاحب) وصية (المال، أو أبرأه منه، عَتَق، وبطلت الوصية برقبته) لانتفاء شرطها.
(وإن عَجَز) المُكاتَب عن أداء مال الكتابة كله، أو بعضه (فسخ صاحب الرقبة كتابته، وكان رقيقًا له) عملًا بالوصية (وبطلت وصية صاحب المال) لفوات محلها.
(وإن كان) الموصَى له بالمال (قَبَض من مال الكتابة شيئًا، فهو له)
(1)
في "ذ": "تمام" وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة "قيام".
(2)
(10/ 236).
ولا يرجع به عليه.
(وإن كانت الكتابة فاسدة، فأوصى لرجل بما في ذِمَّة المُكاتَب؛ لم يصح) لأنه لا شيء في ذمته.
(فإن قال: أوصيتُ لك بما أقبضه من مال الكتابة؛ صح) لأن الأداء في الفاسدة، كالأداء في الصحيحة من ترتُّب العِتق عليه، وإن أوصى برقبته، صح؛ لأنه إذا صح في الصحيحة ففي الفاسدة أَولى.
(وإذا قال: اشتروا بثلثي رقابًا، فأعتقوهم؛ لم يجز صَرْفه إلى المُكاتَبين) لأنه أوصى بالشراء، لا بالدفع إليهم، وإن اتَّسع الثلث لثلاثة؛ لم يجز شراء أقل منها، فإن قدر أن يشتري أكثر من ثلاثة فهو أفضل، وإن أمكن شراء ثلاثة رخيصة، وحصة من رابع، فثلاثة غالية أولى. ويُقَدَّم من به ترجيح، من عِفَّة، ودين، وصلاح، ولا يجزئ إلا رقبة مسلمة، سالمة من العيوب كالكفَّارة.
وإن وصَّى بكفَّارة أيمان، فأقله ثلاثة؛ نقله حنبل
(1)
؛ لأنها أقل الجمع.
فصل
(ومن أُوصي له بشيء معيَّن) كعبدٍ وثوب (فتلف قبل موت الموصي، أو) تلف (بعده قبل القَبول؛ بطلت الوصية) حكاه ابن المنذر
(2)
إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم؛ لأن الموصَى له إنما يستحق
(1)
انظر: مسائل عبد الله (3/ 1178) رقم 1625.
(2)
الإجماع لابن المنذر ص/ 89، وانظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1403).
المعيَّن، فإذا ذهب زال حقه، كما لو تلف في يده، والتَّركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم؛ لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم، ولا تفريط منهم، فلم يضمنوا شيئًا.
(وإن تَلِفَ المال كله غيرَه) أي: غير المعيَّن الموصَى به (بعد موت الموصِي، فهو للموصَى له) لأن حقوق الورثة لم تتعلَّق به لتعيينه للموصَى له، بدليل أنه يملك أخذه بغير رضاهم، فتعيَّن حقه فيه دون سائر ماله. قال ابن حمدان: إن كان عند الموت قَدْر الثلث أو أقل، وإلا؛ ملك منه بقَدْر الثلث.
(وإن لم يأخذه) أي: يأخذ الموصَى له الموصَى به (زمانًا، قُوِّم وقتَ الموت) لأنه حال لزوم الوصية، فيُعتبر قيمة المال فيه. قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه (لا وقت الأخذ) هو تأكيد، فيُنظر كَمْ كان الموصَى به وقت الموت، فإن كان ثلث التَّرِكة أو دونه استحقه الموصَى له، وإن زادت قيمته حتى صارت مثل المال أو أكثر، أو هلك المال سواه اختص به، ولا شيء للورثة، وتقدم
(1)
.
وإن كان حين الموت زائدًا على الثلث، فللموصى له قَدْر الثلث، وإن كان نصف المال، فله ثلثاه، وإن كان ثلثيه فله نصفه، وإن كان نصف المال وثلثه فله خمساه، ولا عبرة بالزيادة أو النقصان بعد ذلك. وكذا لو وصَّى بعتق عبد معين.
(وإن لم يكن له) أي: الموصي (سوى المال المعيَّن إلا مال غائب، أو) لم يكن له سوى المال المعين إلا (دَيْن في ذِمَّة موسر، أو) ذِمَّة (مُعسِر، فللموصَى له ثلث الموصَى به) لأن حقه في الثلث متيقَّن،
(1)
(10/ 266 - 267).
فوجب تسليم ثلث المعيَّن إليه، وليس له أخذ المعيَّن قبل قدوم الغائب وقبض الدَّين، لأنه ربما تلف، فلا تنفذ الوصية في المعين كله
(1)
.
(وكلما اقْتُضِي من الدَّين شيء، أو حضر من الغائب شيء؛ ملك) الموصَى له (من الموصَى به قَدْر ثلثه، حتى يملكه كله) لأنه موصىً له به، يخرج من ثلثه، وإنما مُنع قبل ذلك لأجل حق الورثة، وقد زال. فلو خلَّف ابنًا وتسعة عينًا، أوصى بها لشخص، وعشرين دينارًا دينًا، فللوصي ثلثها ثلاثة، فإذا اقتضى ثلاثة، فله من التسعة واحد، وهكذا حتى يقتضي ثمانية عشر، فتكمل له التسعة، وإن تعذر استيفاء الدين، فالستة الباقية للابن، ولو كان الدين تسعة، فالابن يأخذ ثلث العين، والوصي ثلثها، ويبقى ثلثها موقوفًا، كلما استوفى من الدين شيئًا فللوصي من العين قَدْر ثلثه، فإذا استوفى الدين، كمل للوصي ستة، وهي ثلث الجميع.
وإن كانت الوصية بنصف العين، أخذ الوصي ثلثها، والابن نصفها، ويبقى سدسها موقوفًا، فمتى اقتضى من الدين ثلثيه، كملت وصيته.
(وكذلك الحكم في المدبَّر) أي: يعتق في الحال ثلثه، وكلما اقتُضي من الدَّين شيءٌ، أو حضر من الغائب؛ عَتَق منه بقَدْر ثلثه، حتى يعتق جميعه، إن خرج من الثلث.
(وتُعتبر قيمة الحاصل بسعر يوم الموت) لأنه وقت لزوم الوصية، لا يوم القبض (على أدنى صفته من يوم الموت إلى حين الحصول) لأنه غير مضمون على الورثة قبل قبضه، وكذا إن وصَّى بعتق عبد معين.
(وإن وصَّى له بثلث عبد، فاستُحِقَّ ثلثاه، فله) أي: الموصى له (ثلثه الباقي؛ إن خرج من الثلث) لأنه موصىً به خرج من الثلث،
(1)
في "ح" و"ذ" زيادة: "وكما لو لم يخلف غير المعين".
فاستحقَّه، كما لو كان معيَّنًا (وإلا) بأن لم يخرج من الثلث، فلم يكن له مال غيره (فله تُسعُه) أي: العبد (إن لم تجز الورثة.
ومثله لو وصَّى بثلث صُبرة، من مكيل أو موزون، فتلف) ثلثاها (أو استُحِق ثلثاها) فللموصى له الثلث الباقي إن خرج من الثلث، وإلا؛ فالتسع.
(وإن وصَّى له بثلث ثلاثة أعبُد، فاستُحِق اثنان، أو ماتا، فله ثلث) العبد (الباقي) لأنه لم يوصِ له منه بأكثر من ثلثه، وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه.
(وإن وصَّى له) أي: لزيد مثلًا (بعبد قيمته مائة، و) وصَّى (لآخر) كعمرو مثلًا (بثلث ماله، وملكه غير العبد مائتان) أي: إذا وصَّى لشخص بمعيَّن من ماله، ولآخر بجزء مُشاع منه، كثلثه، فأجيز لهما؛ انفرد صاحب المُشاع بوصيته من غير المعين، ثم شارك صاحب المعيَّن فيه، فيقسم بينهما على قَدْر حقهما فيه، ويدخل النقص على كل واحد منهما بقَدْر وصيته، كمسائل العول. وقد نَبَّه عليه بقوله:(فأجاز الورثة) الوصيتين (فللموصَى له بالثُّلث ثلث المائتين) وهو ستة وستون، وثلثان لا يزاحمه الآخر فيها (وربع العبد) لدخوله في المال الموصَى له بثلثه، فابسط الكامل من جنس الكسر وهو الثلث، يصير العبد ثلاثة، واضمم إليها الثلث الذي للآخر، تصير أربعة، ثم اقسِم عليها، فيصير الثلث ربعًا كمسائل العول، فيخرج لصاحب الثلث ربع (وللموصَى له بالعبد ثلاثة أرباعه).
ثم انتقل إلى حال الرد فقال: (وإن ردُّوا؛ فللموصَى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد، وللموصَى له بالعبد نصفه) لأن الوصيتين
متساويتان؛ لأن العبد قيمته مائة، وثلث جميع المال مائة، فيكون الثلث بينهما نصفين، إلا أن الموصَى له بالعبد يأخذ نصيبه كله منه، والموصَى له بالثلث يأخذ من جميع المال سدسه.
(وإن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث، فأجازوا، فلصاحب النصف مائة) لأنها نصف المائتين اللتين لا مزاحم له فيهما (وثلث العبد) لأنه موصىً له بنصفه لدخوله في جملة المال، وموصىً للآخر بكلِّه، وذلك نصفان ونصف، فاقسمه على ثلاثة يرجع النصف إلى ثلث (ولصاحب العبد ثلثاه) لما تقدم.
(وفي الرد) تقسم الثلث على وصيتهما، وهي مائتان وخمسون، قيمة العبد مائة، ونصف المال مائة وخمسون، يكون (لصاحب النصف خُمس المائتين وخُمس العبد) ستون من ثلاثمائة، وذلك خُمسا وصيته (ولصاحب العبد خمساه) أربعون من ثلاثمائة، وذلك خمسا وصيته.
(والطريق فيهما) أي: في المسألتين (أن تنسب الثلث) وهو مائة (إلى وصيَّتهما جميعًا، وهما) أي: الوصيتان (في) المسألة (الأولى مائتان) لأنهما بالعبد وقيمته مائة، وبثلث المال وهو مائة فيكون نصفًا.
(وفي) المسألة (الثانية مائتان وخمسون) لأنهما بالعبد وقيمته مائة، وبنصف المال وهو مائة وخمسون، فيكون خمسين (ويعطى كل واحد) من الموصى لهما (مما له في الإجازة مثل تلك النِّسبة) يخرج له ما تقدم.
(وإن وصَّى له) أي: لزيد مثلًا (بثلث ماله، و) وصَّى (لآخر بمائة، و) وصَّى (لثالث بتمام الثلث
(1)
، فلم يزد الثلث على المائة)
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 163): زيادة: "على المائة".
بأن
(1)
المال ثلاثمائة (بطلت وصيَّة صاحب التَّمام) لأنه لم يوصِ له بشيء، أشبه ما لو وصَّى له بداره، ولا دار له (وقسم الثلث بين الآخرين على قَدْر وصيَّتهما) بالمحاصَّة (لكل واحد) منهما (خمسون) إن رَدَّ الورثة. ولو كان الثلث خمسين، كان كأنه أوصى بمائة وبخمسين، فيقسم الثلث بينهما أثلاثًا. ولو كان الثلث أربعين، قُسم بينهما أسباعًا، للموصَى له بالمائة خمسة أسباعه، وللموصى له بالثلث سبعاه.
(وإن زاد) الثلث (على المائة) بأن كان المال أكثر من ثلاثمائة، صَحَّت وصية صاحب التمام - أيضًا - ثم ينظر (فـ) ــإن (أجاز الورثة) لهم (نفذت الوصية على ما قال الموصِي) لأنه لا مانع من ذلك، فلو كان الثلث مثلًا مائتين، أخذهما الموصَى له بالثلث، وأخذ كل واحد من الآخرين مائة.
(وإن ردُّوا) أي: الورثة (فلكلِّ واحد) من الموصَى لهم (نصف وصيَّته) سواء جاوز الثلث مائتين، أو لا؛ لأن وصية المائة، وتمام الثلث مثل الثلث، وقد أوصى مع ذلك بالثلث، فصار كأنه وَصَّى بالثلثين، فيرد ذلك إلى الثلث لرد الورثة ما زاد عليه، فيدخل النقص بالنصف على كل واحد بن الأوصياء بقَدْر وصيته، فترد كل وصية إلى نصفها.
(وإن ترك ستَّمائة، ووصَّى لأجنبي بمائة، ولآخر بتمام الثلث؛ فلكل واحد منهما مائة، وإن رد الأول وصيته، فللآخر مائة) كما لو لم يرد.
(وإن وصَّى للأول بمائتين، وللآخر بباقي الثلث؛ فلا شيء للثاني)
(1)
في "ذ": "بأن كان".
لأنه لا يبقى بعد المائتين من الثلث شيء، فلم يوصِ له بشيء (سواء ردَّ الأول وصيته، أو قَبِلها.
وإذا أوصى لشخص بعبدٍ، ولآخر بتمام الثلث عليه) أي: العبد (فمات العبد قبل الموصِي، قُوِّمت التَّرِكة بدونه) أي: العبد، اعتبارًا بحال موت الموصي (ثم أُلقيت قيمته من ثلثها) أي: التَّرِكة؛ لأن الموصي جعل له تتمة الثلث بعد العبد (فما بقي) من الثلث (فهو لـ) ــصاحب (وصية التمام) وإن لم يبقَ شيء، فلا شيء له.
ولو وصَّى لشخص بثلث ماله ويعطى زيد منه كل شهر مائة حتى يموت، صح؛ فإن مات وبقي شيء، فهو للأول؛ نص عليه
(1)
؛ ذكره في "المبدع".
(1)
مسائل الحسن بن ثواب كما في المغني (8/ 470).
باب الوصية بالأنصباء والأجزاء
الأنصباء: جمع نصيب، كالأنصبة؛ وهو الحظ من الشيء.
وأنْصَبَهُ: جعل له نصيبًا. وهم يتناصبونه: أي: يقتسمونه.
والأجزاء: جمع جزء؛ وهو الطائفة من الشيء. والجَزْء - بالفتح - لغة، وجزأت الشيءَ جزءًا، وجزّأته تجزئة، جعلته أجزاء. وقال ابن سِيده
(1)
: جزَّأ المال بينهم - مشدَّد لا غير -: قسمه.
وعبَّر عن هذا الباب في "المحرَّر" بباب حساب الوصايا. وفي "الفروع" بباب عمل الوصايا. والغرض منه: العلم بنسبة ما يحصُل لكل واحد من الموصى لهم إلى أنصباء الورثة، إذا كانت الوصية منسوبة إلى جملة التَّرِكة، أو إلى نصيب أحد الورثة، ولذلك طُرق نبيّن ما تيسَّر منها.
وتنقسم مسائل هذا الباب ثلاثة أقسام: قسم في الوصية بالأنصباء، وقسم في الوصية بالأجزاء، وقسم في الجمع بين النوعين، وتأتي مُرتَّبة.
فالقسم الأول: هو المُشار إليه بقوله: (إذا أوصى له) أي: لزيد مثلًا (بمثل نصيب وارثٍ معيَّن) بالتسمية أو الإشارة ونحوها، كقوله: أوصيتُ لفلان بمِثل نصيب ابني فلان، أو ابني هذا، أو أختي، ونحوه (أو) وصَّى له (بنصيبه) أي: الوارث المعيَّن (فله) أي: الموصى له (مثل نصيبه) أي: الوارث المعيَّن (مضمومًا إلى المسألة) أي: مسألة الورثة لو لم تكن وصيةٌ. وعُلم من: صحة الوصية؛ لما روى ابنُ أبي شيبة، عن أنس "أنَّه أوصَى بمِثلِ نصيب أحدِ ولدِهِ"
(2)
ولأن المراد تقدير الوصية،
(1)
المحكم والمحيط الأعظم في اللغة (7/ 334).
(2)
ابن أبي شيبة (11/ 170). وأخرجه - أيضًا - البيهقي (6/ 272).
فلا أثر لذكر الوارث، وفيما إذا أوصى بنصيب ابنه ونحوه، المعنى: بمثل نصيبه، صونًا للفظ عن الإلغاء، فإنه ممكن الحمل على المجاز بحذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، ومثله في الاستعمال كثير، و- أيضًا - فيبعد حصول نصيب الابن للغير، فيتعيَّن الحمل على إضمار لفظة المِثْل.
(فإذا أوصى بمِثْل نصيب ابنه، أو بنصيب ابنه) بإسقاط لفظة "مثل"(وله ابنان) وارثان (فله) أي: الموصى له (الثلث) لأن ذلك مثل ما يحصُل لابنه؛ لأن الثلث إذا خرج بقي ثلثا المال، لكل ابن ثلث.
(وإن كانوا) أي: البنون (ثلاثة، فله) أي: الموصَى له (الربع) لما تقدم.
(فإن كان معهم) أي: البنين الثلاثة (بنت، فله تُسُعان) لأن المسألة من سبعة، لكل ابن سهمان وللبنت سهم، ويُزاد عليها مثل نصيب ابن فتصير تسعة، والاثنان منها تُسُعان.
(و) إن وصَّى له (بمِثْل نصيب ولده، وله ابن وبنت، فله مثل نصيب البنت) لأنه المتيقَّن.
(و) إن أوصى لزيد مثلًا (بضعف نصيب ابنه، فله مثلُه مرتين) لقوله تعالى: {لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}
(1)
وقوله: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا}
(2)
وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}
(3)
، ويُروى عن عمر أنه أضعف الزكاة
(1)
سورة الإسراء، الآية:75.
(2)
سورة سبأ، الآية:37.
(3)
سورة الروم، الآية:39.
على نصارى بني تغلب، فكان يأخذ من المائتين عشرة
(1)
.
قال الأزهري
(2)
: الضِّعف: المِثْل فما فوقه، فأما قوله: إن الضعفين المِثلان، فقد روى ابنُ الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي قال: العرب تتكلم بالضعف مثنى، فتقول: إن أعطيتني درهمًا فلك ضعفاه، أي: مثلاه، وإفراده لا بأس به، إلا أن التثنية أحسن.
(و) إن وصَّى (بضعفيه) أي: ضعفي نصيب ابنه، فللموصى له (ثلاثة أمثاله، و) إن وصَّى له بـ (ــثلاثة أضعافه) فله (أربعة أمثاله، وهَلُمَّ جرًّا) أي: كلما زاد ضعفًا زاد مثلًا؛ لأن التضعيف: ضَمُّ الشيء إلى مِثله، مرةً بعد أخرى، قال أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنى
(3)
: ضعف الشيء هو ومثلُه وضعفاه هو ومثلاه. وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، ولولا أن ضعفي الشيء ثلاثة أمثاله، لم يكن فرق بين الوصية بضعف الشيء وبضعفيه، والفرق بينهما مراد ومقصود، وإرادة المِثْلين عن قوله تعالى:{يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَينِ}
(4)
، إنما فُهم من لفظ:{يُضَاعَفْ} لأن التضعيف: ضم الشيء إلى مثله، فكل من المِثلين المنضمين ضعف، كما قيل لكل واحد من الزوجين: زوج، والزوج هو الواحد المضموم إلى مثله.
(وإن وصَّى بمِثْل نصيب مَن لا نصيب له، كمن يوصي بمِثل نصيب ابنه، وهو لا يرث لرقِّه، أو لكونه مخالفًا لدينه) أي: المورث (أو) وصَّى له (بنصيب أخيه، وهو محجوب عن ميراثه، فلا شيء للموصَى له) لأنه
(1)
تقدم تخريجه (7/ 230) تعليق رقم (2).
(2)
تهذيب اللغة (1/ 480).
(3)
مجاز القرآن (2/ 137).
(4)
سورة الأحزاب، الآية:30.
لا نصيب للابن، أو الأخ المذكورين، فمِثل أحدهما لا شيء له.
(وإن وصَّى بمِثْل نصيب أحد ورثته، ولم يُسَمِّه) أي: يعينه بأن قال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب أحد ورثتي، فله مثل ما لأقلِّهم؛ لأنه المتيقَّن، وما زاد مشكوك فيه.
(أو) وصَّى له (بمِثل نصيب أقلِّهم ميراثًا، كان له مِثْل ما لأقلِّهم ميراثًا) عملًا بوصيته.
(فلو كانوا) أي: الورثة (ابنًا وأربع زوجات، صَحَّت) مسألتهم (من اثنين وثلاثين) لأن أصلها ثمانية، للزوجات سهم عليهن لا ينقسم، ولا يوافق، فاضْرِب عددهن في ثمانية، تبلغ ذلك (لكلِّ امرأة سهم) والباقي للابن (وللموصَى له سهمٌ) كنصيب إحدى الزوجات (يُزاد عليها) أي: المسألة (فتصير من ثلاثة وثلاثين) للموصَى له سهمٌ، ولكلِّ امرأة سهم، وللابن ما بقي.
(وإن قال): أوصيتُ لزيدٍ (بمثْل نصيب أكثرهم ميراثًا، فله ذلك) أي: مثل نصيب أكثرهم إن خرج من الثلث، أو أُجيز (مضافًا إلى المسألة، فيكون له في هذه المسألة ثمانية وعشرون) مثل نصيب الابن؛ لأنه أكثرهم (تُضم إلى المسألة) اثنين وثلاثين (فتكون) الجملة (ستين سهمًا) مع الإجازة، ومع الرد له الثلث، والثلثان للورثة.
(وإن وصَّى) لزيد مثلًا (بمِثْل نصيب وارث لو كان) موجودًا (فله) أي: الموصى له بذلك مع عدم الوارث المقدَّر وجوده (مثلُ ما له لو كانت الوصية وهو موجود) بأن ينظر ما يكون للموصى له مع وجود الوارث، فيكون له مع عدمه. وطريق ذلك أن تصحِّح مسألة عدم الوارث، ثم تصحح مسألة وجود الوارث، ثم تضرب إحداهما في
الأخرى، ثم تقسم المرتفع من الضرب على مسألة وجود الوارث، فما خرج بالقسمة أضفْه إلى ما ارتفع من الضرب؛ فيكون للموصَى له، واقْسِم المرتفع بين الورثة.
(فإن خلَّف ابنين ووصَّى بمِثْل نصيب) ابن (ثالث لو كان، فللموصَى له الربع) وتصح من ثمانية؛ لأن مسألة وجود الوارث من ثلاثة، ومسألة عدمه من اثنين، والحاصل بالضرب ستة، فإذا قسمتها على ثلاثة، خرج اثنان، فأضفها
(1)
للستة تبلغ ثمانية، فللموصَى له سهمان، ولكل ابن ثلاثة.
(وإن خلَّف ثلاثة بنين) ووصَّى بمِثْل نصيب رابع لو كان (فله) أي: الموصَى له (الخمس) وتصح من خمسة عشرة، للموصَى له ثلاثة، ولكل ابن أربعة.
(وإن كانوا) أي: البنون (أربعة) ووصَّى بمِثْل نصيب خامس لو كان (فـ) ــللموصى (له السدس) وتصح من أربعة وعشرين، للموصَى له أربعة، ولكل ابن خمسة.
(ولو كانوا) أي: الأبناء (أربعة، وأوصى بمِثْل نصيب أحدهم؛ إلا مثلَ نصيب ابن خامس لو كان، فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية، فيكون له سهم يُزاد على ثلاثين سهمًا) لأنه استثنى السُّدس من الخُمس، فاضرِب مخرج أحدهما في مخرج الآخر يكن ثلاثين، خمسها ستة وسدسها خمسة، فإذا طرحت الخمسة من الستة، بقي سهم للموصَى له فزِده على الثلاثين، ثم أعطِ الموصَى له سهمًا، يبقى ثلاثون على البنين الأربعة لا تنقسم وتوافق بالنصف، فردَّ الأربعة إلى اثنين
(1)
في "ذ": "فأضفهما".
واضربهما في الأحد والثلاثين (فتصح من اثنين وستين سهمًا، له) أي: الموصَى له (منها سهمان، ولكل ابن خمسة عشر) سهمًا.
(وإن قال) من له أربعة أبناء: أوصيتُ لزيد (بمِثْل نصيب) ابن (خامس لو كان، إلا مِثْل نصيب) ابن (سادس لو كان، فقد أوصى له بالسدس لا السُّبع، وهو سهم من اثنين وأربعين) سهمًا وطريقته: أن تضرب مخرجَ أحدهما في مخرج الآخر، ستة في سبعة تكن اثنين وأربعين، سدسها سبعة، أسقط منه السُّبُع ستة، يبقى سهم للوصية (فيزاد) ذلك (السَّهم على الاثنين وأربعين) سهمًا، يجتمع ثلاثة وأربعون، للموصَى له سهم، والباقي للبنين الأربعة لا ينقسم، ويوافق بالنصف، فرُدَّ الأربعة إلى نصفها اثنين، واضربْهما في ثلاثة وأربعين (فتصح من ستة وثماثين، للموصَى له سهمان، ولكلِّ ابن أحدٌ وعشرون) سهمًا.
(وإن خلَّفت) المرأةُ (زوجًا، وأختًا) شقيقة أو لأب (وأوصت بمِثْل نصيب أُمّ لو كانت، فللموصَى له الخُمس؛ لأن للأم الرُّبع لو كانت) وتعول المسألة إلى ثمانية، للأم سهمان، وللزوج ثلاثة، وللأخت ثلاثة، فَزِدْ عليها سهمين، مثل ما للأم للموصى له، تكن عشرة، للموصى له سهمان، يبقى ثمانية، للزوج أربعة، وللأخت أربعة، ثم ترد نصيب كل واحد منهم إلى نصفه للموافقة (فيجعل) للموصَى (له سهم مضافًا إلى أربعة) الورثة، وللزوج سهمان، وللأخت سهمان (يكون) ما للموصى له (خُمُسًا) لما علمت.
(وإن خلَّف) الموصي (بنتًا فقط، ووصَّى بمِثْل نصيبها، فللموصى له النِّصف) مع الإجازة؛ لأنها تستوعب المال بالفرض والرد، فهو (كما
لو وصَّى بمِثْل نصيب ابن ليس له) وارث (غيره) ومن لا يرى الرد يقتضي قوله أن يكون للموصَى له الثلث، ولها نصف الباقي، وما بقي لبيت المال.
وإن خَلَّف أختين ووصَّى بمِثْل نصيب إحداهما، فهي من ثلاثة عندنا.
(وإن خَلَّف ثلاثةَ بنين، ووصَّى لثلاثة بمِثْل أنصبائهم، فالمال بينهم على ستة إن أجازوا) للبنين ثلاثة، وللموصَى لهم ثلاثة (و) المال بينهم (من تسعة إن ردوا) للموصَى لهم الثلث، لكلِّ واحد سهم، وللبنين ستة، لكل واحد منهم سهمان.
فصل في الوصية بالأجزاء
(وإن وصَّى له) أي: لزيد مثلًا (بجُزءٍ، أو حَظٍّ، أو قِسْطٍ، أو نصيب، أو شيء، أعطاه الوارث ما شاء) قال في "المغني": ولا أعلم فيه خلافًا؛ لأن كل شيء جزء، ونصيب، وحظ، وشيء، وكذلك إن قال: أعطوا فلانًا من مالي، أو ارزقوه؛ لأن ذلك لا حدَّ له في اللغة ولا في الشرع (ممَّا يُتَمَوَّل) لأن القصد بالوصية برّ الموصى له، وإنما وكل قَدْر الموصى به وتعيينه إلى الورثة، وما لا يتمول شرعًا لا يحصل به المقصود.
(وإن وصَّى له بسهم من ماله، فله السدس بمنزلة سُدسٍ مفروضٍ، فإن لم تكمل فروضُ المسألة) كزوجة وعمٍّ، أعطي الموصى له بالسهم سدسًا.
(أو كانوا) أي: الورثة (عصبةً) كبنين وإخوة وأعمام (أُعطي) الموصَى له (سُدسًا كاملًا) والورثة ما بقي.
(وإن كملَت فرُوضها أُعيلت به، كزوجٍ، وأخت لأبوين أو لأب) مع وصية بسهم من ماله، فتعول إلى سبعة (وأُعطي) الموصَى له (السُّبع) واحدًا من سبعة، والزوج ثلاثة، والأخت ثلاثة من السبعة.
(وإن كانت عائلة؛ كأن كان معهما جدَّةٌ، زاد عَوْلها به) أي: بالسهم الموصَى به (فيُعطى) الموصَى له به (الثُّمن) والجَدَّة سهمًا، وكل من الزوج والأخت ثلاثة ثلاثة.
قال أحمد
(1)
في رواية ابن منصور: فكان معنى الوصية: أوصيت لك بسهمِ مَن يرث السدس. انتهى.
لما روى ابن مسعود "أنَّ رجلًا أوصى لرجلٍ بسهم مِنْ مالِهِ، فأعطاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم السُّدسَ"
(2)
، ولأن السهم في كلام العرب السُّدس؛ قاله إياس بن معاوية
(3)
، فتنصرف الوصية إليه؛ ولأنه قول
(1)
مسائل الكوسج (8/ 4303) رقم 3069، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 17)، والجامع الصغير ص/ 212.
(2)
أخرجه البزار (5/ 415) حديث 2047، والطبراني في الأوسط (8/ 182) حديث 8338 من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي، عن أبي قيس، عن الهزيل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا.
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم يروى كلامه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وأبو قيس فليس بالقوي.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 213): رواه البزار، وفيه محمد بن عبيد الله العرزمي، وهو ضعيف.
وقال الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 291): وفيه العرزمي، وهو متروك.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 171 و 172)، وعزاه الزيلعي في نصب الراية (4/ 408) =
علي
(1)
، وابن مسعود
(2)
، ولا مخالف لهما من الصحابة؛ ولأن السُّدس أقلُّ سهم مفروض لذي قرابة، فتنصرف الوصية إليه.
(وإن وصَّى له) أي: لزيد مثلًا (بجزء معلوم، كثلث أو ربع، أَخذْتَه من مَخْرجه) ليكون صحيحًا (فدفعتَه إليه) أي: إلى الموصَى له به (وقَسمتَ الباقي على مسألة الورثة) لأنه لهم، فمن أوصى بثلثه وله ابنان، فالمسألة من ثلاثة، وإن كانوا ثلاثة فهي من تسعة، للموصَى له الثلث ثلاثة، ولكل ابنٍ سهمان (إلا أن يزيد) الجزء المعلوم الموصَى به (على الثُّلث، ولا يُجيزوا) أي: الورثة (له) أي: للموصَى له (فتفرِضَ له الثلث، وتقسم الثُّلثين عليها) أي: على مسألة الورثة، كما لو وصَّى له بالثلث، فلو وصَّى له بالنصف وله ابنان، فردَّا، فللموصَى له الثلث والباقي للابنين، وتصح من ثلاثة.
(فإن لم يَنقسم) الباقي بعد الثلث على مسألة الورثة (ضَرَبتَ المسألة) أي: مسألة الورثة إن باينها الباقي (أو) ضربت (وَفْقها) إن وافقها الباقي (في مَخْرج الوصية، فما بلغ، فمنه تصح).
مثال المباينة: ما لو وصَّى بنصف وله ثلاثة بنين، فردّوا، مخرجُ الوصية من ثلاثة، للموصَى له سهم منها، يبقى اثنان تُبايِنُ عدد البنين، فاضرب ثلاثة في ثلاثة تصح من تسعة.
ومثال الموافقة: لو كان البنونَ أربعة، فقد بقي لهم سهمان تُوافق عددهم بالنصف، فردَّهم لاثنين واضربْهما في ثلاثة، تصح من ستة،
= إلى كتاب غريب الحديث للسرقسطي، باب كلام التابعين.
(1)
لم نقف على من رواه مسندًا، وأورده الموفق في المغني (8/ 423).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 171).
للموصَى له سهمان، ولكل ابن سهم.
(وإن وصَّى بجزأين، أو أكثر) كثُمُن، وتُسُع، وعُشر (أخذتها) أي: الكسور (من مَخْرجِها) الجامع لها (وقسمت الباقي على المسألة) أي: مسألة الورثة، فإن لم تنقسم فعلى ما تقدَّم.
(فإن زادت) الأجزاء الموصَى بها (على الثلث وردوا) أي: الورثة (جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال) لتُقْسَم عليهم بلا كسر (وقسمت الثلثين على الورقة) إن انقسم، وإلا فعلى ما تقدَّم، سواء كان الموصَى لهم من جاوزت وصيته الثلث أو لا، وتقدَّمت الإشارة إليه.
(فلو وصَّى لرجُل بثلث ماله، و) وصَّى (لآخر بربعه، وخلَّف ابنين، أخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني عشر) لأن مخرج الثلث من ثلاثة، والربع من أربعة، وثلاثة وأربعة متباينان، ومسطحهما
(1)
اثنا عشر، فهي المخرج، وثلثها أربعة وربعها ثلاثة، فمجموع البسطين سبعة للوصيين (يبقى خمسة للابنين - إن أجازا) للوصيين - لا تنقسم عليهما، وتباين عددهما، فاضْرِب اثنين في اثني عشر (فتصح من أربعة وعشرين) ثم اقسِمْ، فللموصَى له بالثلث ثمانية، وبالربع ستة، وللابنين عشرة، لكل ابن خمسة.
(وإن ردَّا) أي: الابنان الوصيتين (جعلتَ السبعةَ ثُلثَ المال) وقسمتها بين الوصيين على قَدْر وصيتيهما (فتكون) المسألة (من أحدٍ وعشرين، للوصيَّيْن الثلثُ سَبعةٌ، لصاحب الثلث أربعةٌ، ولصاحب الرُّبع ثلاثةٌ، ولكل واحد من الابنين سبعةٌ.
وإن أجازا) أي: الابنان (لأحدِهما) أي: الوصيين (دون الآخر، أو
(1)
أي: حاصل ضرب أحدهما في الآخر، إرشاد الفارض لسبط المارديني ص/ 212.
أجاز أحدُهما لهما دون) الابن (الآخر، أو أجاز كلُّ واحد من الابنين لواحد) من الوصيين فاعمل مسألة الإجازة، ومسألة الرد، وانظر بينهما بالنسب الأربع، فإن تباينتا فاضْرِبْ إحداهما في الأخرى، وإن توافقتا كما في المِثال، فإن مسألة الإجازة فيه من أربعة وعشرين، ومسألة الرد من أحد وعشرين، وهما متوافقتان بالثلث (فاضْرِبْ وَفْقَ مسألة الإجازة، وهو ثمانية في مسألة الرد، وهي أحدٌ وعشرون، تكن مائةً وثمانيةً وستِّين) ثم اقسِمْها بينهم (للذي أُجيز له) منهما (سهمُه من مسألة الإجازة مضروبة
(1)
في وَفْقِ مسألة الردِّ، وللمردود عليه) منهما (سهمُه من مسألة الردِّ مضروب في وَفْقِ مسألة الإجازة، والباقي للورثة).
فإن كانت الإجازة لصاحب الثلث وحده، فسهمُه من مسألة الإجازة ثمانية، تُضرب في وَفْق مسألة الرد، وهو سبعة، يحصل ستة وخمسون، ولصاحب الربع نصيبه من مسألة الردِّ، ثلاثة مضروبٌ في وَفْقِ مسألة الإجازة يبلغ أربعة وعشرين، فصار مجموع ما للوصيين في هذه الصورة ثمانين سهمًا، والباقي وهو ثمانية وثمانون بين الابنين، لكل ابن أربعة وأربعون سهمًا.
وإن كانت الإجازة منهما لصاحب الربع وحده، فله من مسألة الإجازة ستة، تُضرب في وَفْقِ مسألة الرد سبعة، يحصُل اثنان وأربعون، ولصاحب الثلث من مسألة الرد أربعة، تُضرب في ثمانية وَفْق مسألة الإجازة اثنان وثلاثون، يصير مجموع ما للوصيين إذن أربعة وسبعين، والباقي وهو أربعة وتسعون للابنين، لكل ابنٍ سبعة وأربعون.
هذا إن أجازا لأحدهما وردَّا لآخر.
(1)
في "ذ": "مضروب".
(و) إن أجاز أحد الابنين لهما، وردهما الآخر، فللابن (الذي كان أجاز لهما سهمُه من مسألة الإجازة) خمسة مضروبًا (في وَفْقِ مسألة الردِّ) سبعة بخمسة وثلاثين (وللآخر) أي: الابن الراد (سهمُه من مسألة الردِّ) سبعة (في) وَفْقِ (مسألة الإجازة) ثمانية بستة وخمسين، فيكون مجموع ما للولدين أحدًا وتسعين (والباقي) سبعة وسبعون (بين الوصيين على سبعة) لصاحب الثلث أربعة وأربعون، ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون.
وعُلِم مما تقدَّم: أن الابنين إذا أجازا لصاحب الثلث وحده، كان له ستة وخمسون، وإذا ردَّا عليه، كان له اثنان وثلاثون، فقد نقصه ردُّهما أربعة وعشرين، فينقصه ردُّ أحدهما اثني عشر.
وإن أجازا لصاحب الربع وحده؛ كان له اثنان وأربعون. وإن ردَّا عليه كان له أربعة وعشرون، فقد نقصه ردُّهما ثمانية عشر، فينقصه ردُّ أحدها تسعة.
وأما الابنان، فالذي أجاز لصاحب الثلث، أن أجاز لهما معًا، كان له خمسة وثلاثون، وإن رد عليهما كان له ستة وخمسون، فنقصته الإجازة لهما أحدًا وعشرين، لصاحب الثلث منها اثنا عشر، يبقى للابن الذي أجاز لصاحب الثلث أربعة وأربعون، والذي أجاز لصاحب الربع إذا أجاز لهما معًا كان له خمسة وثلاثون، وإذا رَدَّ عليهما كان له ستة وخمسون، فنقَصَتْه الإجازة لهما أحدًا وعشرين، منها تسعة لصاحب الربع، يبقى للابن الذي أجاز لصاحب الربع سبعة وأربعون.
فصل
(وإن زادت الوصايا على المال، عَمِلْتَ فيها عملكَ في مسائل العَوْل) بأن تجعل وصاياهم كالفروض التي فرضها الله تعالى للورثة، إذا زادت على المال (فإذا وصَّى بنصفٍ وثلثٍ وربعٍ وسدس، أخذْتَها من اثني عشر) لأنه مَخْرجها (وعالت إلى خمسة عشر، فيقْسم
(1)
المال كذلك) أي: على خمسة عشر (إن أُجيز لهم، أو) يقسم (الثلث) كذلك (إن رُدَّ عليهم) فتصح مسألة الرد من خمسة وأربعين.
وأصله ما روى سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو عاصم الثقفي قال: قال لي إبراهيم النخعي: "ما تقولُ في رجل أوصى بنصفِ مالِهِ، وثلثِ ماله، ورُبع ماله؟ قال: قلتُ: لا يجوزُ. قال: قد أجازوهُ. قلتُ: لا أدْرِي. قال: أمْسِك اثْنَي عشَرَ، فأخرج نصفها ستّة، وثلثَها أربعة، ورُبْعَها ثلاثة، واقْسِم المال على ثلاثة عشرَ"
(2)
.
(وإن وصَّى لرجُلٍ) أو امرأة (بجميع ماله، و) وصَّى (لآخر بنصفه، وله ابنان، فالمال بين الوصيين على ثلاثة، إن أُجيز لهما، والثلث) بين الوصيين (على ثلاثة مع الرد) لأنك تبسط المال من جنس الكسر يكون نصفين، فإذا ضممتَ إليهما النصفَ الآخر، صارت ثلاثة، وصار النصف ثلثًا، كزوج وأم وثلاث أخوات مفترقات.
(فإن أُجيز لصاحب المال وحدَه، فلصاحبِ النصف التُّسُعُ) لأن
(1)
في متن الإقناع (3/ 169): "فَتَقْسِم".
(2)
سعيد بن منصور (1/ 98) رقم 381. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (11/ 169 - 170)، والبيهقي (6/ 272).
الثلث بينهما على ثلاثة، لصاحب النصف ثلثه وهو التُّسُع (والباقي) وهو ثمانية أتساع (لصاحب المال) لأنه موصى له بالمال كله، وإنما مُنِع من ذلك في حال الإجازة؛ لمزاحمة صاحبه له، فإذا زالت المزاحمة في الباقي كان له.
(وإن أجازا) أي: الابنان (لصاحب النصف وحده، فله النصف) لأنه موصى له به، وإنما مُنِع منه في حال الإجازة للمزاحمة (ولصاحب المال تُسْعان) لأنهما ثلثا الثلث.
(وإن أجاز أحدهما) أي: الابنين (لهما، فسهمُهُ بينهما على ثلاثة) وحينئذ فلا شيء للمُجيز، وللابن الآخر الثلث، والثلثان بين الوصيين على ثلاثة، فتصح من تسعة، للموصى لهما ثلاثة من الأصل، يبقى ستة، لكل ابن ثلاثة، ثم تقسم نصيب المجيز لهما، فيصير لهما ستة مقسومة بينهما أثلاثًا، لصاحب المال أربعة، ولصاحب النصف سهمان، ويبقى للراد ثلاثة أسهم يختص بها.
(وإن أجاز) أحد الابنين (لصاحب المال وحده، دفع) المجيز (إليه كل ما في يده) فيصير معه خمسة أتساع، ولصاحب النصف تُسع، وللراد ثلاثة.
(وإن أجاز) أحد الابنين (لصاحب النصف وحده، دفع إليه نصف ما في يده، ونصف سدسه) وهو ثلث ما بيده وربعه، وتصح من ستة وثلاثين، للذي لم يجز اثنا عشر، وللمجيز خمسة، ولصاحب النصف أحدَ عشر، ولصاحب المال ثمانية، وذلك لأن مسألة الرد من تسعة، لصاحب النصف منها سهم، فلو أجاز له الابنان كان له تمام النصف ثلاثة ونصف، فإذا أجاز له أحدهما، لزمه نصف ذلك سهم ونصف
وربع
(1)
، فتضرب مخرج الربع في تسعة، تكن ستة وثلاثين.
فصل في الجمع بين الوصية بالأجزاء والأنصباء
(إذا خلَّف ابنين، ووصَّى لزيد بثلث ماله، ولعَمرو بمِثْل نصيب أحد ابنيه، فلكلٍّ منهما الثلث مع الإجازة) أما زيد؛ فظاهر، وأما عمرو؛ فلما تقدَّم
(2)
أنه يُفرض له مثل نصيب ابن ويُضمُّ إليهما، أشبه ما لو لم يكن معه وصي آخر (و) لكل منهما (السدس مع الرد) لأنه موصى لهما بثلثي ماله، وقد رجعت وصيتهما بالرد إلى نصفها، وتصح من ستة (والابنان بالعكس) فلكلٍّ منهما السدس مع الإجازة، والثلث مع الرد.
(وإن كان الجزء الموصى به لزيد النصف، وأجازا) أي: الابنان للوصيين (فهو) أي: النصف (له) أي: لزيد (ولعمرو الثلث، ويبقى سدس بين الابنين، وتصح من اثني عشر) لزيد ستة ولعمرو أربعة، ولكل ابن سهم.
(وإن ردَّا فـ) ــتصح (من خمسة عشر) لأن الثلث يقسم بينهما على خمسة، فتضربها في ثلاثة بخمسة عشر (لزيد ثلاثة، ولعمرو اثنان) ولكل ابن خمسة.
(وإن كان الموصى به لزيد الثلثين) ولعمرو بمثل نصيب ابن (صحَّت مع الإجازة من ثلاثة) مَخرج الثلثين والثلث للتماثل (لزيد
(1)
في "ح": "ونصف سهم، وربع سهم".
(2)
(10/ 291).
سهمان، ولعَمرو سهم، ومع الردِّ يقسم الثلث بينهما على ثلاثة، وتصح من تسعة) لزيد تُسُعان ولعمرو تُسُع، ولكل ابن ثلاثة.
(وإن وصَّى لرجُل بمِثْل نصيب أحدهما) أي: الابنين (و) وصَّى (لآخر بثلث باقي المال، فلصاحب النصيب ثلث المال) كما لو لم يكن معه وصي آخر (وللآخر ثلث الباقي) وهو (تُسعان مع الإجازة) فتصح من تسعة، لصاحب النصيب ثلاثة، وللآخر تُسعان، ولكل ابن تُسعان (ومع الرد، الثلث) بين الوصيين (على خمسة، والباقي للورثة) وتصح من خمسة عشر، لصاحب النصيب ثلاثة، وللآخر سهمان، ولكل ابن خمسة.
(وإن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف، فـ) ــإنها تصح (من ثمانية عشر) لأن مخرج الثلث والنصف ستة، وثلثها اثنان، فإذا طرحته من نصفها ثلاثة بقي واحد، ولا ثلث له صحيح، فتَضْرِب الستة في مخرج الثلث يبلغ ثمانية عشر (لصاحب النصيب الثلث ستة، وللآخر ثلث ما يبقى من النصف) والباقي منه ثلاثة، وثلثها (سهم، يبقى أحد عشر للابنين) لا تنقسم عليهما، فتضرب اثنين في ثمانية عشر.
(وتصح) المسألة (من ستة وثلاثين، لصاحب النصف
(1)
اثنا عشر، وللآخر سهمان، ولكلِّ ابن أحدَ عَشَرَ إن أجازا لهما، ومع الرد، الثلث) بين الوصيين (على سبعة، وتصح من أحدٍ وعشرين، للأول ستة) أسهم (وللآخر سهمٌ، ولكل ابن سبعة) أسهم.
(وإن خلَّف أربعةَ بنين، و) كان قد (وصَّى لزيد بثلث ماله إلا مثل نصيب أحدهم، فأعْطِ زيدًا وابنًا الثلث، و) أعْطِ (الثلاثة) البنين (الثلثين)
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 170): "النصيب".
فتصح من تسعة (لكل ابن تُسعان، ولزيد تُسع) لأن مَخْرج الوصية ثلاثة مضروب في ثلاثة، تكن تسعة، لزيد ثلثها، والباقي ستة على ثلاثة بنين، لكل ابن تُسعان، والمستثنى من الثلث مثل نصيب أحد بنيه الأربعة، وهو اثنان، وإذا أسقطهما
(1)
من ثلاثة، بقي سهم لزيد، وهو التسع، ولأنه جعل لزيد الثلث، واستثنى منه نصيب ابن، فتعيَّن أن يأخذ أحد البنين نصيبه من الثلث، وبقية البنين يختصون بالثلثين بينهم سوية، فما حصل لواحدٍ منهم من الثلثين، أخذ من زيد من الثلث نظيره، ويبقى باقي الثلث لزيد.
(وإن وصَّى لزيدٍ بمِثْل نصيب أحدهم) أي: البنين الأربعة (إلا سدس جميع المال، و) وصَّى (لعَمرو بثلث باقي الثلث بعد النصيب، صَحَّت) المسألة (من أربعة وثمانين) لأنك تضرب مَخْرج الثلث في عدد البنين، تبلغ اثني عشر، لكلِّ ابنٍ ثلاثة، ويُراد لزيد مثل نصيبِ ابنٍ ثلاثةٌ، استثنِ من هذه الثلاثة اثنين؛ لأنهما سدس جميع المال وهو الاثنا عشر
(2)
وزدهما عليها، تبقَ أربعة عشر، اضْرِبها في مخرج السدس ليخرج الكسر صحيحًا، تبلغ أربعة وثمانين (لكلِّ ابن تسعةَ عشر) وهي النصيب (ولزيد خمسةٌ) لأنها الباقي من النصيب بعد سدس جميع المال، وهو أربعة عشر (ولعَمرو ثلاثةٌ) لأنها ثلث باقي الثلث بعد النصيب؛ لأن ثلثها ثمانية وعشرون، والنصيب تسعة عشر، فباقي الثلث تسعة وثلثها ثلاثة.
(1)
في "ذ": "أسقطتهما".
(2)
في "ذ" زيادة: "لعل هنا سقطًا تقديره: يبقى واحد، وزِيدَ لعمرو واحد أيضًا، لأنه الباقي بعد إسقاط النصيب، وهو واحد من ثلث المال؛ وهو أربعة، الباقي ثلاثة، وثلثها واحد، فمجموع الوصيتين اثنان". وعلق في الهامش على هذه الزيادة: "غير موجود في الخطية".
(وإن خلَّف أمًّا وبنتًا وأختًا) لأبوين أو لأب (وأوصى) لواحد (بمِثْل نصيب الأم وسُبْع ما بقي، و) وصَّى (لآخرَ بمِثْل نصيب الأُخت ورُبع ما بقيَ و) وصَّى (لآخرَ بمِثْل نصيب البنت، وثلث ما بقي، فمسألة الورثة من ستة) لأن فيها نصفًا وسدسًا، وما بقي للبنت ثلاثة، وللأم سهم، وللأخت سهمان (تعطي
(1)
الموصَى له بمِثْل نصيب البنت ثلاثةً، وثلث ما بقي من الستة سهمٌ) فيجتمع له أربعة (وللموصَى له بمِثْل نصيب الأخت سهمان، وربعُ ما بقي) من الستة (سهمٌ) فيجتمع له ثلاثة (وللموصَى له بمثل نصيب الأم سهمٌ، وسُبع ما بقي) من الستة (خمسةُ أسباعِ سهمٍ، فيكون مجموعُ الموصَى به لهم ثمانية أسهمٍ وخمسةَ أسباعِ سهمٍ، يُضاف) ذلك (إلى مسألة الورثة، وهي ستة، يكن) الحاصل (أربعةَ عشر سهمًا وخَمسة أسباعِ) سهمٍ (تُضرب في سَبعة ليخرج الكسر صحيحًا، يكن مائة وثلاثة، فمن له شيء من أربعة عشر سهمًا وخمسةِ أسباعٍ مضروبٌ في سبعة؛ فللبنت أحد وعشرون) سهمًا حاصلة من ضرب ثلاثة في سبعة (وللأخت أربعة عشر) حاصلة من ضرب اثنين في سبعة (وللأم سَبعة) حاصلة من ضَرْب واحد في سبعة (وللموصَى له بمِثْل نصيب البنت وثلثِ ما بقي ثمانيةٌ وعشرون) حاصلة من ضرب أربعة في سبعة (وللموصَى له بمِثْل نصيب الأخت وربعِ ما بقي، أحدٌ وعشرون) حاصلة من ضَرْب ثلاثة في سبعة (وللموصَى له بمثل نصيب الأمِّ وسُبعِ ما بقي، اثنا عشر) حاصلة من ضرب واحد وخمسة أسباع في سبعة. هذا كله مع الإجازة.
ومع الرد تَجْمَع سهامَ الأوصياء، وتقسم الثلث عليها، وإن عملت على الإجازة بطريق المنكوس كما في "المقنع"، فقل: الستة التي هي
(1)
في متن الإقناع (3/ 170): "يُعطى".
مسألة الورثة بقية مال ذهب ثُلثه، فزِدْ عليه مثل نصفه ثلاثةً، تكن تسعة، ثم زِدْ عليه مثل نصيب البنت، وهو ثلاثة، تكن اثني عشر، وهي بقية مال ذهب رُبعه، فزد عليه ثُلثه وهو أربعة، ومثل نصيب الأخت أيضًا، يكن ثمانية عشر، وهي بقية مال ذهب تُسعه، فزِدْ عليه سُدسه ومثل نصيب الأم أيضًا، يكن اثنين وعشرين، فتدفع إلى الموصَى له بمثل نصيب الأم سهمًا وسُبع ما بقي ثلاثةً، تبقى ثمانية عشر تدفع إلى الموصَى له بمِثْل نصيب الأخت سهمين وربع الباقي أربعة، فيحصُل له ستة، ويبقى اثنا عشر، تُدفع إلى الموصَى له بمثل نصيب البنت ثلاثة، يبقى تسعة، تدفع إليه ثلثها ثلاثة، يصير له ستة، يبقى ستة للورثة.
لكن الطريق الذي ذكره المصنف أصح، وطريق المنكوس - على الوجه المذكور - محلها إذا رتَّبها كما ذكر؛ لأنه لو أعطي الموصَى له بمِثْل نصيب الأخت أو الأم أولًا، لاختلف مقدار ما لهم، كما أشار إليه في "التنقيح".
(وهكذا تفعل بكلِّ ما وَرَدَ عليك من هذا الباب) لأنها طريقة صحيحة، موافقة للصواب والقواعد.
(وإذا خلَّف ثلاثة بنين، وأوصى بمِثْل نصيب أحدهم إلا رُبعَ المال، فخُذْ مخرج الكسر) المستثنى وهو الربع (أربعة، وزِدْ عليه) أي: الأربعة (رُبعَه يكن) المجتمع (خَمسةً، فهو نصيب كلِّ ابن) من الثلاثة (وزِدْ على عدد البنين واحدًا) يكن أربعة (واضْرِبه في مخرج الكسر) المُستثنى وهو أربعة (يكن) الحاصل (ستة عشر، أعطِ الموصَى له) من ذلك (نصيبًا وهو خمسة، واستثنِ منه رُبعَ المال أربعةً، يبقى له سهمٌ، ولكلِّ ابن خمسةٌ، وإن شئتَ خصصتَ كلَّ ابنٍ برُبع) المال؛ لأنه مستثنىً
من النصيب، فيُعطى كل ابن أربعة من الستة عشر (وقسمتَ الرُّبعَ الباقي) وهو أربعة (بينهم) أي: البنين (وبينَه) أي: الموصَى له (على أربعة) لكلِّ ابن سهم، فيجتمع لكل ابن خمسة، وللموصَى له سهم، وعلى هذا فتعلَمُ انتفاء ورود السؤال، وهو: أن المثل مع الثلاثة ربع، فكيف يستثنى منه الربع وهو مستغرَق؟ لأن الوصية له ليست بالربع بل بما يستقرُّ له، وهو أزيد من ربع المال، واستثنِ من هذا النصيب المستقر ربع المال، كما علمت.
لكن يرد عليه وعلى نظائره مما سبق: أن استثناء الأكثر لا يصح على المذهب.
وأجاب عنه أبو الخطاب: بأنه ليس من باب الاستثناء، وإنما كأنه وصَّى له بشيء ثم رجع عن بعضه. وأجاب بعضهم - أيضًا - بأن استثناء الأكثر إنما يمتنع في العدد خاصة. وقد أوضحت ذلك في "حاشية المنتهى".
(وإن قال) الموصي: أوصيت لفلان بمثل نصيب أحد بني الثلاثة (إلا ربع الباقي بعد النصيب، فزِدْ على سهام البنين سهمًا ورُبعًا) ليكون الباقي بعد النصيب من المبلغ الحاصل بعد الضرب ربعًا صحيحًا (اضْرِبه) أي: الحاصل عن عدد البنين والمزاد عليه وهو أربعة وربع (في أربعة) مخرج الكسر المستثنى (يكن) حاصل الضرب (سبعة عشر للموصَى له سهمان) لأن النصيب خمسة، فإذا أسقطها من سبعة عشر، بقي اثنا عشر، فإذا سقط عنها ربعها وهو ثلاثة، بقي من النصيب سهمان للوصية (ولكلِّ ابن خمسة.
و) إن أردت عملها (بـ) ــطريق (الجَبْر، تأخذ مالًا، وتدفع منه نصيبًا إلى الوصي، واستثنِ منه) أي: النصيب (ربع الباقي، وهو ربعُ مال
إلا ربعَ نصيب، صار معك مالٌ وربعٌ إلا نصيبًا ورُبعًا، يعدِل) ذلك (أنصباءَ البنين وهو ثلاثة، اجْبُر، وقابِلْ) يحصُل معك مال وربع، يعدل أربعة أنصباء وربع نصيب، فابسط الكل أرباعًا، يبلغ خمسة أموال، تعدل سبعة عشر نصيبًا، فاقلبْ وحوّلْ بأن تجعل المال موضح النصيب، والنصيب موضع المال (يخرج النصيب خمسة، والمال سبعة عشر.
وإن قال): أوصيتُ لفلان بمِثْل نصيب أحد بني الثلاثة (إلا رُبْع الباقي بعد الوصية، فاجْعَل المخرجَ ثلاثة، وزِدْ عليه) أي: المخرج (واحدًا، يكن) الحاصل (أربعة، فهي النصيب، وزِدْ على سهام البنين) الثلاثة (سهمًا) ليكون النصيب أربعة (و) زِدْ أيضًا (ثلثًا) لأجل الوصية (واضْرِبه) أي: المجتمع وهو أربعة وثُلث (في ثلاثة) التي هي المخرج (تكن ثلاثة عشر سهمًا، له) أي: الموصَى له (سهمٌ، ولكلِّ ابن أربعة).
وإن شئت قلت: المال كله ثلاثة أنصباء ووصية، والوصية هي نصيب إلا ربع المال الباقي بعدها، وذلك ثلاثة أرباع نصيب، فيبقى رُبع نصيب وهو الوصية، وتبين أن المال كله ثلاثة وربع، فألْقِ من واحد ربعها، وهو ثلاثة أرباع، يبقى رُبع وهو الوصية. زِدْه على ثلاثة يبلغ ثلاثة وربعًا، وهو المال، فابسط الكل أرباعًا ليزول الكسر، يبلغ ثلاثة عشر، للوصية واحد، ولكل ابن أربعة.
وفي أكثر ما تقدم من الصور، طرق أخرى أعرضنا عنها خوفَ الإطالة واعتمادًا على ما وضع في هذا الفن من الكتب المختصرة والمطوَّلة. وقد أطال الأصحاب الكلام على هذه المسائل، وزادوا عليها صورًا تناسبها، لكن أضربنا من ذلك لما شاهدناه من قصور الهمم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
باب الموصى إليه
وهو المأمور بالتصرُّف بعد الموت.
(الدخول في الوصية للقويّ عليها قُربة) مندوبة؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم، فرُوي عن أبي عبيدة
(1)
"أنَّهُ لمَّا عَبَر الفُراتَ أوْصَى إلى عُمَرَ"
(2)
، وأوصى إلى الزبير ستة من الصحابة منهم عثمان وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم
(3)
.
ولأنه معونة للمسلم، فيدخل تحت قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}
(4)
، وقوله:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
(5)
. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافِلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كهاتينِ، وقال بإصبعِهِ السبابَةِ
(1)
كذا في الأصول: "أبي عبيدة"، والصواب:"أبي عبيد بن مسعود" كما في مصادر التخريج.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 199، 12/ 556) ومن طريقه ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1710) عن أبي أسامة، عن إسماعيل بن قيس، قال: كان أبو عبيد بن مسعود
…
فذكره.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 198)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 128) رقم 136، والبيهقي (6/ 282)، وابن عساكر في تاريخه (18/ 396 - 397) عن عروة بن الزبير، به.
وأخرج أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 111)، وابن سعد (3/ 158 - 159)، والحاكم (3/ 314)، والبيهقي (6/ 282 - 283) عن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: أوصى عبد الله بن مسعود فكتب: إن وصيتي إلى الله وإلى الزبير بن العوام وإلى ابنه عبد الله بن الزبير، وإنهما في حل وبل فيما وليا. . . إلخ.
وحسَّن إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 96).
(4)
سورة النحل، الآية:90.
(5)
سورة المائدة، الآية:2.
والتي تليها" أخرجه البخاري
(1)
.
(و) قال في "المغني": قياس مذهب أحمد أن (تَرْكَه) أي ترك الدخول في الوصية (أولى) لما فيه من الخطر، وهو لا يعدل بالسلامة شيئًا. انتهى (في هذه الأزمنة) إذ الغالب فيها العطب وقِلَّة السلامة، لكن رَدَّ الحارثي ذلك، وقال: لأن الوصية إما واجبة، أو مستحبَّة، وأولوية ترك الدخول يؤدِّي إلى تعطيلها. قال: فالدُّخول قد يتعيَّن فيما هو مُعرَّض للضياع، إما لعدم قاض أو غيره، لما فيه من دَرْءِ المفسدة وجَلْبِ المصلحة.
(وتصح وصية المسلم إلى كلِّ مُسلِم) لأن الكافر لا يلي مسلمًا (مكلَّف) فلا تصح إلى طفل، ولا مجنون، ولا أبله؛ لأنهم لا يتأهَّلون إلى تصرُّف أو ولاية (رشيد) فلا تصح إلى سفيه؛ لأنه لا يصح توكيله (عدل ولو مستورًا، أو أعمَى، أو امرأةً، أو أمَّ وَلَدٍ، أو عدُوَّ الطفل الموصَى عليه) لأنهم أهل للائتمان (و) كذا (لو) كان (عاجزًا) لأنه أهل للائتمان.
(ويُضَمُّ إليه) أي: الضعيف (قويٌّ أمين معاوِن، ولا تُزال يده عن المال، ولا) يُزال (نظره) عنه؛ لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة.
(وهكذا إن كان) حال الوصاية (قويًّا، فَحَدث فيه) بعدها (ضَعْف) أو علَّة، ضَمَّ إليه الحاكم يدًا أخرى (و) يكون (الأوَّل هو الوصي دون الثاني) فإنه معاون؛ لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الوصي. قال في "الإرشاد": وللحاكم أن يجعل معه أمينًا، يحتاط على المال إذا كان
(1)
في الطلاق، باب 25، حديث 5304، وفي الأدب، باب 24، حديث 6005، عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
متهمًا أو عاجزًا، ولا يخرجه من الوصية.
(وتصح) الوصية (إلى رقيقه) أي: الموصي (و) إلى (رقيق غيره) بأن يوصي رقيقه، أو رقيق زيد على أولاده ونحوه؛ لأنه أهل للرعاية على المال، لقوله صلى الله عليه وسلم:"والعبدُ راعٍ على مالِ سَيِّدهِ، وهو مسؤولٌ عنهُ"
(1)
والرعاية ولاية، فوجب ثبوت الصحة، ولأنه أهل للعدالة والاستنابة في الحياة، فتأهَّل للإسناد إليه.
وأما أنه لا يلي على ابنه؛ فلا أثر له، بدليل المرأة، وكون عبد الغير يتوقف تصرُّفه على إذن سيده؛ لا أثر له أيضًا، بدليل توقف التنفيذ للقَدْر المجاوز للثلث على إذن الوارث.
(ولا يقبل) عبد الغير الوصية أي: لا يتصرف (إلا بإذن سيده) لأن المنافع له، فلا بُدَّ من إذنه فيها.
(ويُعتبر وجود هذه الصفات) أي: الإسلام، والتكليف، والرُّشد، والعدالة (عند الوصية إليه) لأنها شروط لصحتها، فاعتُبر وجودها حالها (و) يُعتبر وجود هذه الصفات (عند موت الموصي) لأنه الوقت الذي يملك الموصَى إليه التصرُّف فيه بالإيصاء.
(فإن تَغيَّرت) هذه الصفات (بعد الوصية، ثم عادت قبل الموت، عاد) الموصَى إليه (إلى عمله) لعدم المانع.
(وإن زالت) هذه الصفات (بعد الموت) انعزل، لوجود المنافي
(1)
أخرجه البخاري في الجمعة، باب 11، حديث 893، وفي الاستقراض، باب 20، حديث 2409، وفي العتق باب 17، 19، حدث 2554، 2558، وفي الوصايا، باب 9، حديث 2751، وفي النكاح، باب 81، حديث 5188، وفي الأحكام، باب 1، حديث 7138، ومسلم في الإمارة، حديث 1829، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(أو) زالت (بعد الوصية، ولم تَعُد قبل الموت، انعزل) من الوصية (ولم تَعُد وصيته) لو عادت الصفات بعد (إلا بعقد جديد) إن أمكن، بأن قال الموصي مثلًا: إن انعزلتَ لفقد صفة، ثم عدت إليها، فأنت وصي.
وقال في "المنتهى": ومن عاد إلى حاله من عدالة وغيرها، عاد إلى عمله.
(وينعقد الإيصاء بقول الموصي: فوضتُ) إليك كذا (أو وصَّيتُ إليك) بكذا (أو) وصَّيتُ (إلى زيد بكذا، أو أنت) وَصِيِّي (أو هو) أي: زيد وَصِيِّي في كذا (أو جعلته) أي: زيدًا وَصِيِّي (أو جعلتك وَصِيِّي) على كذا.
(ولا تصح) الوصية (إلى فاسق، ولا) إلى (صبي ولو مراهقًا، ولا إلى مجنون) لأنهم ليسوا أهلًا للولاية والأمانة، وتقدم
(1)
(ولا إلى كافر من مسلم، ولا إلى سفيه) لما تقدم
(1)
.
(ولا نظر لحاكم مع وصيٍّ خاصٍّ، إذا كان) الوصي (كُفُؤًا في ذلك) التصرف الذي أسند إليه، لأن الوصية تقطع نظر الحاكم، لكن له الاعتراض عليه، إن فعل ما لا يسوغ، على ما تقدم
(2)
في ناظر الوقف.
(وتصح وصية المُنتظَر) أي: الذي تُنتظر أهليتُه (بأن يجعله وصيًّا بعد بلوغه، أو بعد حضوره من غيبته ونحوها) نحو أن يقول: هو وَصِيِّي، إذا أفاق من جنونه، أو زال فسقه أو سفهه، أو أسلم ونحوه (و) كذا إن قال: وصيت إلى فلان، فـ (ــإن مات فلان؛ ففلان وَصِيِّي. أو) قال: (هو
(1)
(10/ 310).
(2)
(10/ 68).
وَصِيِّي سنة، ثم فلان بعدها) أي: السنة (فإذا قال: أوصيتُ إليك، فإذا بلغ ابني فهو وَصِيِّي؛ صح) ذلك (فإذا بلغ ابنه صار وصيه.
ومثله) في الصحة إذا قال: (أوصيتُ إليك، فإذا تاب ابني من فسقه، أو صَحَّ من مرضه، أو اشتغل بالعِلم، أو صالح أُمَّه، أو رَشَد، فهو وَصِيِّي؛ صحَّت) الوصية في الصور كلها (ويصير) المذكور (وصيًّا عند وجود الشرط) للخبر الصحيح: "أميركُم زيدٌ، فإن قُتلَ فجعفرُ، فَإن قُتِل فعبدُ الله بن رواحة"
(1)
والوصية كالتأمير.
وإن قال الإمام: الخليفة بعدي فلان، فإن مات في حياتي أو تغيَّر حاله، ففلان، صح، وكذا في ثالث ورابع، لا للثاني إن قال: فلان ولي عهدي، فإن ولي ثم مات، ففلان بعده. وإن علق ولي أمر ولاية حكم أو وظيفة بشرط شغورها أو غيره، فلم يوجد حتى قام غيره مقامه؛ صار الاختيار له.
(وإذا أوصَى إلى واحد، و) أوصى (بعده إلى آخر، فهما وصيان) ولم يكن عزلًا للأول؛ لأن اللفظ لا يدلُّ عليه مطابقة ولا تضمنًا، ولا يستلزمه، فإن الجمع ممكن.
(كما لو أوصى إليهما جميعًا في حالة واحدة، إلا أن يقول: قد أخرجت الأوَّل) فإن قاله أو نحوه، مما يدل عليه، انعزل؛ لحصول العزل ممن يملكه.
(وليس لأحدهما) أي: الوصيين (الانفراد بالتَّصرُّف) لأن الموصي لم يرضَ إلا بتصرُّفهما، وانفراد أحدهما يُخالف ذلك (إلا أن يجعله)
(1)
أخرجه البخاري في المغازي، باب 44، حديث 4261، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
أي: التصرُّف (الموصِي لكل منهما) فلكلٍّ منهما الانفراد حينئذ، لرضا الموصي بذلك (أو يجعله) أي: التصرُّف (لأحدهما) واليد للآخر (فيصحُّ تصرُّفه منفردًا) عملًا بالوصية.
(وإذا تصرَّفا) أي: أرادا التصرف (فالظاهر أن المراد) باجتماعهما ليس معناه تلفظهما بصيغ العقود معًا، بل (صدوره) أي: التصرُّف (عن رأيهما) واجتهادهما (ثم لا فرق بين أن يُباشر أحدهما) التصرف وحده (أو) يباشره (الغير بإذنهما، ولا يشترط توكيلهما) أي: أن يوكل أحدهما الآخر، وإن اختلفا في شيء وقف الأمر، حتى يتفقا.
(وإن مات أحدُهما، أو جُنَّ، أو غاب، أو وُجِد منه ما يوجب عزله) كسَفَه، وعزله نفسَه (ولم يكن الموصِي جعل لكل منهما الانفراد بالتصرف، أقام الحاكم مقامه) أي: الميت، أو المجنون ونحوه (أمينًا) ليتصرف مع الآخر.
(وإن أراد الحاكم أن يكتفي بالباقي منهما، لم يجز له) الاكتفاء به؛ لأن الموصي لم يكتف بأحدهما، فلا يقتصر عليه؛ إذ الوصية تقطع نظر الحاكم واجتهاده.
(فإن جعل الموصي لكلٍّ منهما الانفراد بالتصرُّف، أو جعله) أي: التصرف (لأحدهما، صح تصرُّفه منفردًا) وتقدم.
(فإن مات أحدهما والحالة هذه) لم يكن للحاكم أن يُقيم مقامه (أو خرج) أحدهما (عن أهلية التصرُّف) والحالة هذه (لم يكن للحاكم أن يُقيم مقامه، واكتفى بالباقي) منهما لرضا الموصي به (إلا أن يعجز) الباقي (عن التصرف وحده) فيضم الحاكم إليه أمينًا يعاونه.
(ولو حدث) لأحدهما (عَجْزٌ لضعف، أو كثرة عملٍ ونحوه، ولم
يكن لكل واحد منهما التصرف منفردًا؛ ضُم أمين) أي: ضم الحاكم أمينًا، لمن عجز، يعاونه. والوصي هو الأول كما تقدم
(1)
.
(وإذا اختلف الوصيان) وليسا مستقلين (عند من يُجعل المالُ منهما) بأن طلب كلٌّ أن يكون المال تحت يده، أو تحت يد الآخر (لم يجعل عند واحد منهما) لعدم رضى الموصي بذلك (ولم يقسم) المال (بينهما) لأن من لوازم الشركة في التصرُّف؛ الشركة في الحفظ؛ لأنه مما وُصِّيَ به، فلا يستقل ببعض الحفظ، كما لا يستقل ببعض التصرُّف (وجعل) المال (في مكان تحت أيديهما) لكل واحد منهما على نحو قفل، فإن تعذَّر ذلك ختما عليه، ودفع إلى أمين القاضي. وإن كانا مستقلَّين، احتمل ذلك واحتمل القِسمة؛ ذكره الحارثي.
(وإن نصب) الموصِي (وصيًّا، ونَصب) الموصَى (عليه ناظرًا يرجع الوصي إلى رأيه، ولا يتصرف) الوصي (إلا بإذنه؛ جاز).
قلت: فإن خالف لم ينفذ تصرفه؛ لأن الموصي لم يرضَ برأيه وحده.
(وإن فسق الوصِيُّ، انعزل) لوجود المنافي، ولا يعود بعَوْد الأهلية إلا بعقد جديد، على ما تقدم
(2)
في كلامه. وتقدم
(3)
كلام "المنتهى".
وكذا منصوب القاضي، بخلاف الأب إذا فسق؛ تعود ولايته بعَوْد الأهلية؛ لأن ولايته عن سبب الأبوة، وهو ثابت، وولاية الوصي والأمين عن إيصاء وتولية، وقد بطل، فلا بُدَّ في العود من مثل ذلك السبب، ثم
(1)
(10/ 310).
(2)
(10/ 311 - 312).
(3)
(10/ 312).
ما تصرف بعد البطلان مردودٌ، لصدوره من غير أهله، لكن رد الودائع، والغصوب، والعواري، وقضاء الديون التي جنسها في التركة تقع موقعها؛ لأن المقصود من هذه الأمور وصولها إلى أهلها، وهو حاصل بذلك، وإذا أُعيد وكان أتلف مالًا، فقياس المذهب براءته بالقبض من نفسه، فإن ذلك ثابت للأب، وقد نص من رواية أبي داود
(1)
على أن الوصي بمنزلة الأب في كل شيء، إلا في النكاح؛ قاله الحارثي.
(وأقام الحاكم مقامه) أي الفاسق (أمينًا) ليتصرَّف.
(ويصح قَبول) الوصي (الإيصاء إليه في حياة الموصي) لأنه إذن في التصرف، فصح قَبوله بعد العقد، كالوكالة، بخلاف الوصية بالمال، فإنها تمليك في وقت، فلم يصح القَبول قبله.
(و) يصح القَبول - أيضًا - (بعد موته) لأنها نوعُ وصيةٍ، فيصح قَبولها إذن كوصية المال (فمتى قَبِل، صار وصيًّا) قال الحارثي: ويقوم فعل التصرُّف مقام اللفظ، كما في الوكالة، قال ابن رجب
(2)
: وهو الأظهر.
(وله) أي: الوصي (عَزْلُ نفسه متى شاء، مع القدرة والعجز، في حياة الموصِي وبعد موته، و) في (حضوره وغيبته) لأنه متصرف بالإذن، كالوكيل، ونقل الأثرم وحنبل
(3)
: له عزل نفسه إن وجد حاكمًا. قدَّمه في "المحرر"، وقطع به الحارثي؛ لأن العزل إذًا تضييع للأمانة، وإبطال لحق المسلم، وكذا إذا تعذَّر تنفيذ الحكم للموصى به؛ لعدم ثبوته عنده
(1)
مسائل أبي داود ص/ 213.
(2)
القواعد الفقهية، القاعدة الخامسة والخمسون، ص/ 95.
(3)
الفروع (4/ 712)، والقواعد الفقهية، القاعدة الستون، ص/ 110.
أو نحوه، أو غلب على الظن أن الحاكم يسند إلى من ليس بأهل، أو أن الحاكم ظالم. ذكره الحارثي.
(وللموصي عزله متى شاء) كالموكل (وليس للوصي) عند الإطلاق (أن يوصي) لأنه قصر توليته، فلم يكن له التفويض، كالوكيل. وسبق في الوكالة
(1)
: له أن يوكل فيما لا يباشره مثله، أو يعجز عنه فقط. قال الحارثي: والأمراض المعتادة كالرعد والحُمَّى، تلحق
(2)
بنوع ما لا يباشره، وما ليس كذلك كالفالج وغيره، يلتحق بنوع ما يباشره.
(إلا أن يجعل إليه) الموصي (ذلك) أي: أن يوصي (نحو أن يقول) الموصي للوصي: (أذنتُ لك أن توصي إلى من شئتَ، أو) يقول: (كُلُّ من أوصيتَ) أنت (إليه، فقد أوصيتُ) أنا (إليه، أو) يقول: كلُّ من أوصيتَ أنت إليه (فهو وصيي) فله أن يوصي؛ لأن الموصي رضي رأيه ورأي من يراه، ولأنه تصرف مأذون فيه، فكان كغيره من التصرفات.
(ويجوز أن يجعل) الموصي أو الحاكم (للوصي جعلًا) معلومًا، كالوكالة (ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة) أي: نافذة (على الورثة؛ لأنه نائب عنهم) ففعله كفعلهم (ومقاسمته) أي: الوصي (للورثة على الموصى له لا تجوز) لأنه ليس نائبًا عنه، كتصرف الفُضُولي.
(1)
(8/ 422).
(2)
في "ذ": "تلتحق".
فصل
(ولا تصح الوصيةُ إلا في) تصرف (معلوم) يعلم الوصي ما وُصِّي به إليه؛ ليحفظه ويتصرف فيه (يملك المُوصِي فعله؛ كقضاء الدَّين، وتفريق الوصية، والنظر في أمْرٍ غيرِ مكلَّفٍ) رشيد من طفل، ومجنون، وسفيه (وردِّ الودائع) إلى أهلها (واستردادها) ممن هي عنده (وردِّ غَصْبٍ، وإمامٍ بخلافة، وحَدِّ قذف) لأن الوصي يتصرف بالإذن، فلم يجز إلا في معلوم بملكه الموصي، كالوكالة (فهو يستوفيه
(1)
لنفسه) أي: للموصي نفسه (لا للمُوصَى إليه) وإنما صحَّت الوصية بما تقدم (لأنه) أي: الموصي (يملك ذلك) أي: ما ذكر من قضاء الدَّين وتفريق الوصية إلى آخرها (فَمَلَكه وصيُّه) لقيامه مقامه.
(ويصح الإيصاء بتزويج مُوَلَّاتِه
(2)
) كبنته (ولو كانت صغيرة) دون تِسع (وله) أي: وصي الأب (إجبارها) إذا كانت بكرًا، أو ثيبًا دون تِسع (كالأب) لأنه نائبه كوكيله (ويأتي في باب أركان النكاح) مفصَّلًا.
(ولا يقضي) الوصي (الدَّين إلا) إذا ثبت (بيِّنة) إذ لا يقبل قول الوصي، ولا مدَّعي الدَّين بغير بينة (غير ما يأتي) التنبيه عليه.
(فأما) الوصية بـ (ــالنظر على ورثته في أموالهم، فإن كان) الموصي (ذا ولاية عليهم) في المال (كأولاده الصغار والمجانين، ومن لم يؤنس)
(1)
"فهو يستوفيه" كذا في الأصل، وفي متن الإقناع (3/ 176) ونسخة أشار إليها في حاشية "ذ":"ويستوفيه".
(2)
في متن الإقناع (1/ 176): "موليته".
أي: يُعلم (رُشده) منهم (فله أن يوصي إلى من ينظر في أموالهم يحفظها، ويتصرَّف لهم فيها بما لَهم الحَظُّ فيه) لقيام وصيه مقامه.
(ومَن لا ولاية له) أي: الموصي (عليهم كالعقلاء الراشدين) من أولاده، وغيرهم (و) كـ (ــغير أولاده، من الإخوة) مطلقًا (والأعمام) مطلقًا، وبنيهم وبناتهم كذلك (وأولاد ابنه، وسائر من عدا أولاده لصلبه، فلا تصح الوصية عليهم، ولا من المرأة على أولادها) إذ لا ولاية لغير الأب كما تقدم.
(ولا) تصح الوصية (باستيفاء دَينه مع بلوغ الوارث ورشده، ولو مع غيبته) لأن المال انتقل عن الميت إلى ورثته الذين لا ولاية له عليهم، فلم تصح الوصية باستيفائه، كما لو لم يكونوا وارثين.
"تتمة": قال الشيخ تقي الدين
(1)
: ما أنفقه وصيٌّ متبرِّع بالمعروف في ثبوت الوصية، فمن مال اليتيم. انتهى. وعلى قياسه كل ما فيه مصلحة له.
(وإذا أوصى إليه في شيء، لم يصر وصيًّا في غيره) لأنه استفاد التصرُّف بالإذن من جهته، فكان مقصورًا على ما أذن فيه كالوكيل، فإن وصَّى إليه في تركته وأن يقوم مقامه، فهذا وصي في جميع أموره، يبيع ويشتري إذا كان نظرًا لهم، وإن خصصها بشيء لم يتعده (مثل أن يوصي إليه بتفريق ثلثه) فيفعله (دون غيره، أو) يوصي إليه (بقضاء ديونه، أو بالنظر في أمر أطفاله) أو تزويجهم، فلا يتجاوزه.
(وإن جَعل لكلِّ واحدة من هذه الخِصال وصيًّا؛ جاز) على ما قال (ويتصرف كلُّ واحد منهم فيما جَعل) الموصي (إليه) خاصة، لما تقدم.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 280.
(وإذا أوصى إليه بتفرقة ثلثه، وقضاء دَينه، فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم، أو جحدوا ما في أيديهم، وأبوا قضاء الدَّين، أو جحدوه، وتعذَّر ثبوتهما؛ قضى) الوصي (الدَّين باطنًا) أي: من غير علم الورثة؛ لأنه تمكن من إنفاذ ما وصي إليه بفعله، فوجب عليه، كما لو لم يجحده الورثة، ولأنه لا حق لهم إلا بعد وفاء الدَّين (وأخرج) الوصي (بقية الثلث) الموصى إليه بتفرقته (مما في يده) لأن حق الموصى لهم بالثلث متعلق بأجزاء التَّرِكة، وحق الورثة مؤخَّر عن الوصية ووفاء الدَّين، فوجب تقديمها. ومحل كونه يجب على الوصي ذلك (إن لم يخف تَبِعة) أي: رجوع الورثة عليه بما دفعه في الدَّين أو الوصية، وينكروهما، ولا بينة بهما، فلا يجب عليه ذلك للعُذر.
(ويبرأ مَدين باطنًا بقضاء، دَين يعلمُه على الميت) فيسقط عن ذِمته بقَدْر ما يقضي عن الميت، كما لو دفعه إلى الوصي بقضاء الدَّيْن، فدفعه في دَيْن الميت، إذ لا فرق بينهما سوى توسُّط الوصي بينهما.
(ولو ظهر دَيْن يستغرق التَّرِكة) لم يضمن الوصي ما صَرَفه في الوصية (أو جهل) وصي (موصى له، فتصدَّق) الوصي (بجميع الثلث هو أو حاكم، ثم ثبت ذلك) أي: الموصى له (لم يضمن) الوصي ولا الحاكم لرب الدَّين، ولا للموصى له بالثلث شيئًا؛ لأنه معذور بعدم العلم. وفي "الرعاية الكبرى" قلت: بل يرجع به لوفاء الدَّين. وقال ابن نصر الله: لو كان فيها، أي: التركة عين مستحقَّة، فباعها وتصدَّق بثمنها ضَمِنها؛ لتعلُّق حَقِّ صاحبها بعينها، بخلاف الدَّين.
(ولو أقام الذي له الحق) من دَيْنٍ، أو وديعة ونحوها (بينةً شهدت بحقه) عند الموصي (لم يُشترط الحاكم، بل تكفي الشهادة عند
الوصي
(1)
) فله قضاء الحق؛ لأن البينة حجة له. قال ابن أبي المجد في "مصنفه": لزمه قضاؤه بدون حضور حاكم على الأصح. وقدَّمه ابن رزين في "شرحه" وجعل في "المغني" و"الشرح" الروايتين في جواز الدفع لا لزومه. وهو الأليق بقوله: (والأحوط) أن تشهد البينة (عند الحاكم) خروجًا من الخلاف، وقطعًا للتهمة.
ولمدين دفع دين موصى به لمعيَّن إليه، من غير حضور الوصي والورثة، وله دفعه إلى وصي في تنفيذ وصاياه، ويبرأ وإن لم يوصِ به، أو كان للميت عين، ولم يوصِ بقبضها، فأبى
(2)
وارث ووصي معًا.
و
إن صرف أجنبي الموصى به لمعين في جهته، لم يضمنه.
وإن وصَّى بإعطاء مُدَّع عَيَّنه دينًا بيمينه، نفذه الوصي من رأس ماله، قاله الشيخ تقي الدين
(3)
. ونقل ابن هانئ
(4)
: ببينة. ونقله عبد الله
(5)
، ونقل ابن عقيل: مع صدق المدعي؛ ذكره في "الفروع".
(و
تصح وصية كافر إلى مسلم، إن لم تكن تَرِكته خمرًا، أو خنزيرًا ونحوه
ما) كالسرجين
(6)
النجس، فإن كانت تَرِكته كذلك؛ لم تصح الوصية إلى مسلم بالنظر فيها؛ لعدم إمكانه.
(و) تصح الوصية - أيضًا - من كافر (إلى من) أي: كافر إن (كان عدلًا في دينه) لأنه يلي على غيره بالنسب، فيلي بالوصية كالمسلم.
(1)
في "ذ": "الموصى".
(2)
في "ذ": "فإلى".
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 281.
(4)
مسائل ابن هانئ (2/ 45 - 46) رقم 1386 - 1370.
(5)
مسائل عبد الله (3/ 1165 - 1166) رقم 1602.
(6)
السرجين: الزِّبْل. "القاموس المحيط" ص/ 1555.
(وإذا قال) الموصي للوصي: (ضع ثلثي حيث شئت، أو أعطِ
(1)
) لمَن شئت (أو تصدَّق به على من شئت، لم يجز له) أي: الوصي (أخذه) أي: الثلث لنفسه؛ لأنه تمليك ملكه بالإذن، فلا يكون قابلًا له كالوكيل، وقيل: يعمل بالقرينة.
(ولا) يجوز للوصي - أيضًا - (دفعه) أي: الثلث (إلى أقاربه) أي: الوصي (الوارثين) له (ولو كانوا فقراء) لأنه مُتَّهم في حَقِّهم، قال الحارثي: والمذهب جواز الدفع إلى الولد والوالد ونحوهم، واختاره صاحب "المحرر" لاندراجه تحت اللفظ، والتُّهمة لا أثر لها، فإن هذه العبارة تُستعمل في الرضا، بصرف الوصي إلى من يختاره كيف كان.
(ولا) يجوز للوصي - أيضًا - دفع الثلث (إلى ورثة الموصى) أغنياء كانوا أو فقراء؛ لأن الوصي نائب الميت، فلم يكن له الدفع إلى من لا يدفع المستنيب إليه، وإن قال: اصنع في مالي ما شئت، أو هو بحكمك افعل فيه ما شئت، ونحو ذلك من ألفاظ الإباحة، لا الأمر. قال أبو العباس
(2)
: أفتيتُ أن هذا الوصي له أن يُخرج ثلثة، وله ألا يخرجه، فلا يكون الإخراج واجبًا ولا حرامًا، بل موقوفًا على اختيار الوصي.
(ومن أوصي إليه بحفر بئر بطريق مكة، أو) بحفر بئر (في السبيل، فقال: لا أقدر. فقال الموصي: افعلْ ما ترى، لم يجز) للوصي (حفرها بدار قوم لا بئر لهم؛ لما فيه من تخصيصهم) نقله ابن هانئ
(3)
؛ لأن ظاهر الوصية حفرها بموضع يعمُّ نفعه.
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (1/ 178): "أعطه".
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 281.
(3)
مسائل ابن هانئ (2/ 45) رقم 1367.
(ولو أمره ببناء مسجد، فلم يجد) الوصي (عَرْصة) أي: أرضًا يبنيها مسجدًا (لم يجز شراء عَرْصة يزيدها في مسجد صغير) نص عليه
(1)
؛ لأنه ليس فعلًا لما أمر به.
(ولو قال) الموصي: (يُدفع هذا إلى يتامى بني فلان، فإقرار بقرينة، وإلا) أي: وإن لم تكن هناك قرينة (فهو وصية) لهم؛ قاله الشيخ تقي الدين
(2)
.
(وإن دعت حاجة إلى بيع بعض العقار) المخلف عن الميت (لقضاء دَيْنٍ) عن الميت (مستغرِق) ماله غير العقار، واحتاج إلى تتمة
(3)
من العقار (أو) دعت الحاجة لبيع بعض العقار، لـ (ــحاجة صغار، وفي بيع بعضه ضَرَر، مِثل أن ينقص الثمن على الصغار؛ باع الوصي) العقار كله (على الصغار، وعلى الكبار إن أبوا) أي: الكبار (البيع، أو كانوا غائبين) لأن الوصي قائم مقام الأب، وللأب بيع الكل، فالوصي كذلك، ولأنه وصي يملك بيع البعض، فملك بيع الكل، كما لو كان الكل صغارًا، أو الدَّين مستغرِقًا، ولأن الدَّين متعلِّق بكل جزء من التَّرِكة، ولهذا لو تلف بعضها وَفّى من الباقي.
(وإن كان شريكهم) أي: الصغار (غير وارث، لم يبع) الوصي (عليه) لأن الوصي فرع الميت، وهو لا يبيع على شريكه بغير إذنه، فنائبه أَولى.
(ولو كان الكل) من الورثة (كبارًا) رشيدين (وعلى الميِّت دَيْن، أو وصية تستغرق، باعه الموصَى إليه، إذا أبوا بيعه) أو غابوا.
(1)
الفروع (4/ 717)، والمبدع (6/ 111).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 281.
(3)
في "ذ": "تتمته".
(وكذا لو امتنع البعض) أو غاب؛ باع الوصي على الكل؛ لما تقدم.
وكذا لو كان الدَّين، أو الوصية لا يستغرق العقار، لكن في بيع بعضه ضَرر، فله بيع الكل؛ لما تقدم من أنه نائب الموصي، وأنه يملك بيع البعض، فملك بيع الكل، كما يعلم من كلام أكثر الأصحاب.
(والحكم) المذكور من جواز البيع على الكبار إذا أبوا، أو غابوا، وكان في بيع البعض ضرر في المسألتين (لا يتقيَّد بالعقار، بل يثبت فيما عداه، إلا الفُرُوج) احتياطًا لها (نص عليه
(1)
) قال يعقوب بن بُخْتَان
(2)
: سألت أبا عبد الله عن الوصي يبيع على البالغ الغائب؟ فقال: إنما الوصي بمنزلة الأب، إذا كان من طريق النظر. قلت لأبي عبد الله: فإن كان فَرْج؟ قال: ما أحب أن يبيعه، وإنما خص العقار بالذكر لأن إبقاءه أحظ لليتيم، فثبوت الحكم فيه منبِّه على الثبوت فيما دونه في ذلك (قاله الحارثي.
وإن مات إنسان لا وصيَّ له) بأن لم يوصِ إلى أحد، أو لم يقبل الموصى إليه (ولا حاكم ببلده) الذي مات فيه (أو مات) إنسان (بِبَريَّة) بفتح الباء أي: صحراء (ونحوها) كجزيرة لا عمران بها (جاز لمسلم ممن حضره أن يحوز تَرِكَته، و) أن (يتولَّى أمره) أي: تجهيزه على ما يأتي (ويفعل الأصلح فيها) أي: التَّرِكة (من بيع وغيره) كحفظها، وحملها للورثة؛ لأن ذلك موضع ضرورة لحفظ مال المسلم عليه، إذ في تَرْكِهِ إتلاف له.
(ولو كان في التَّرِكة إماء) أي: فله بيعها؛ لأنه موضع ضرورة
(1)
مسائل عبد الله (3/ 1167) رقم 1605، ومسائل صالح (1/ 291) رقم 236.
(2)
انظر المصدرين السابقين.
(وقال) الإمام (أحمد
(1)
: أحب إلي أن يتولَّى بيعهن) أي: الإماء (حاكم) قال في "الشرح": وإنما توقَّف عن بيعهن على طريق الاختيار احتياطًا؛ لأن بيعهن يتضمن إباحه فُروجهن. انتهى. وهو معنى كلام القاضي.
(ويُكفِّنه) أي: المسلم الذي حضره (منها) أي: من تَرِكَته (إن كانت) تَرِكة (وأمكن) تكفينه منها (وإلا) بأن لم يكن له تَرِكة، أو كانت، ولم يمكن تجهيزه منها (فـ) ــإنه يجهزه (من عنده، ويرجع) بما جهَّزه به بالمعروف (عليها) أي: على تركته حيث كانت (أو) يرجع به (على من يلزمه كفنه) أن لم يترك شيئًا؛ لأنه قام عنه بواجب (إن نواه) أي: الرجوع (مطلقًا) أي: سواء استأذن حاكمًا، أو لا، أشهد على نية الرجوع أو لا (أو استأذن حاكمًا) في تجهيزه، فله الرجوع على تَرِكته، أو على من يلزمه كفنه؛ لأنه لو لم يرجع إذَنْ لامتنع الناس عن فعله مع حاجة الناس إليه (ما لم ينوِ التبرع) فإن نواه، فلا رجوع له، وكذا لو لم ينوِ تبرعًا ولا رجوعًا، فإنه لا رجوع له على مقتضى قوله:"إن نواه" وهو قياس ما تقدَّم فيمن قام عن غيره بدين واجب.
"تنبيه": قول المصنف: "أو على من يلزمه كفنه" أولى من قول "المنتهى": "يلزمه نفقته". إذ الزوج يلزمه نفقة زوجته، ولا يلزمه كفنها، فلا يرجع عليه، بل على أبيها أو نحوه. والله أعلم.
(1)
مسائل صالح (1/ 291) رقم 236، وانظر: مسائل عبد الله (3/ 1167) رقم 1605.
كتاب الفرائض
جمع فريضة، بمعنى: مفروضة، والهاء فيها للنقل من المصدر إلى الاسم، كالحَفِيرة ونحوها.
والفرض: التوقيت، ومنه {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}
(1)
، والجزء من
(2)
الشيء، كالتَّفْريض، ومن القوس: موقع الوتر، وما أوجبه الله كالمفروض، والقراءةُ، والسُّنةُ، يقال: فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أي: سنَّ، ونَوْع من التمر، والجند يفترضون، والتُّرْس، وَعُود من أعواد البيت، والعَطِيَّة الموسومة، وما فَرَضتَه على نفسك فوهبتَهُ، ومن الزَّند: حيث يُقدح منه، أو الحَزُّ
(3)
الذي فيه، {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}
(4)
: جعلنا فيها فرائض الأحكام، وبالتشديد
(5)
، أي: جعلنا فيها فريضة بعد فريضة، أو فضَّلناها وبيَّناها؛ قاله في "القاموس"
(6)
.
(وهي) شرعًا: (العِلم بقسمة المواريث) جمع ميراث، وهو الحق المخلَّف عن الميت، وأصله: مِوراث، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، ويقال له أيضًا: التراث، وأصل التاء فيه واو.
والإرث لغة: البقاء وانتقال الشيء من قوم إلى قوم آخرين، ويُطلق
(1)
سورة البقرة، الآية:197.
(2)
"الجزء من" كذا في الأصول! وفي القاموس المحيط ص/ 650، وشرحه تاج العروس (18/ 475) مادة (فرض):"الحَزُّ في" وهو الصواب.
(3)
في "ذ": الجز.
(4)
سورة النور، الآية:1.
(5)
أي: "فرَّضناها" وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو، انظر: إتحاف فضلاء البشر ص/ 322، وكتاب السبعة لابن مجاهد ص/ 452.
(6)
ص/ 650، مادة (فرض).
بمعنى الميراث.
ويُسمَّى القائم بهذا العلم: فارضًا، وفريضًا وفَرْضيًّا - بفتح الراء وسكونها - وفرَّاضًا وفرائضيًّا.
(وموضوعه التَّرِكات) لأنها التي يُبحث فيه عن عوارضها (لا العَدد) فإنه موضوع علم الحساب.
(والفريضة: نصيب مُقدَّر شرعًا لمستحقه).
وقد رُويت أحاديث تدلُّ على فضل هذا العلم والحثِّ على تعلُّمه وتعليمه، فمنها:
قوله صلى الله عليه وسلم: "العِلمُ ثلاثةٌ، وما سوى ذلك فضل: آيةٌ محكمةٌ، وسنةٌ قائمةٌ، وفريضةٌ عادلةٌ" رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا الفرائض وعلِّموها الناس؛ فإنِّي امرؤٌ مقبوضٌ، وإنَّ العِلم سيقبضُ، وتظهرُ الفتنُ حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدانِ من يَفصلُ بينهما" رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، ولفظه له، عن ابن مسعود
(2)
.
(1)
في المقدمة، باب 8، حديث 54. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الفرائض، باب 1، حديث 2885، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 36، حديث 53، والدارقطني (4/ 67)، والحاكم (4/ 332)، والبيهقي (6/ 208)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 266) وفي جامع بيان العلم وفضله (1/ 751) حديث 1384، والبغوي في شرح السنة (1/ 291) حديث 136، وابن عساكر في تاريخه (34/ 8). وسكت عنه الحاكم، وضعفه الذهبي في تلخيص المستدرك، وفي المهذب (5/ 2361). وابن كثير في التفسير (1/ 458) وفي إرشاد الفقيه (2/ 125). وقال ابن رجب كما في فيض القدير (4/ 387): الحديث فيه ضعف مشهور.
(2)
لم نقف عليه في المسند، ولا في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة. وأخرجه =
وعن عمر: "تعلَّمُوا الفرائضَ؛ فإنَّها من دِينكُم"
(1)
.
وعنه - أيضًا -: "تعلَّمُوا الفرائضَ، واللحنَ، والسُّنة، كما تعلمُون القرآن"
(2)
.
= الترمذي في الفرائض، باب 2، عقب حديث 2091، والحاكم (4/ 333). وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 63) حديث 6306، والطيالسي ص/ 53، حديث 403، والشاشي في مسنده (2/ 269)، حديث 843، والبيهقي (6/ 208) من طرق عن عوف بن أبي جميلة، عن رجل، عن سليمان بن جابر، عن ابن مسعود، به.
وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 63)، حديث 6305، والدارمي في المقدمة، باب 24، حديث 227، والشاشي في مسنده (2/ 268) حديث 842، والطبراني في الأوسط (6/ 336) حديث 5716، والدارقطني (4/ 81)، والحاكم (4/ 333)، من طرق عن عوف، عن سليمان بن جابر، عن ابن مسعود رضي الله عنه، به.
وأخرجه - أيضًا - أبو يعلى (8/ 441)، حديث 5028، والبيهقي (6/ 208)، وفي شعب الإيمان (2/ 255) حديث 1668، من طريق المثنى بن بكر، عن عوف، عن سليمان، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود رضي الله عنه، به.
وأخرجه الترمذي - أيضًا - في الفرائض، باب 2، حديث 2091، والمزي في تهذيب الكمال (7/ 41) من طريق الفضل بن دلهم، عن عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.
قال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وله عِلَّة. ورجَّح رواية من رواه عن عوف، عن سليمان بن جابر، عن ابن مسعود، على رواية من رواه عن عوف، عن رجل، عن سليمان، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وخالفه الدارقطني، انظر علل الدارقطني (5/ 78). وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 79): وفيه انقطاع.
قلنا: سليمان بن جابر الهجري، قال فيه الحافظ في التقريب (2556): مجهول.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 2) رقم 2، وابن أبي شيبة (11/ 234)، والدارمي في الفرائض، باب 1، رقم 2854، والبيهقي (6/ 209).
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 1) رقم 1، وابن أبي شيبة (11/ 236)، والدارمي في الفرائض، باب 1، رقم 2853، والبيهقي (6/ 209).
وعن أبي هريرة مرفوعًا: "تَعلَّمُوا الفَرائض وعلِّموها؛ فإنها نصف العلمِ وهو يُنسى، وهو أوَّلُ عِلم يُنزع من أمتي" رواه ابن ماجه والدارقطني
(1)
من رواية حفص بن عمر، وقد ضعَّفه جماعة.
واختُلف في معناه:
فقال أهلُ السلامة: لا نتكلَّم فيه، بل يجب علينا اتباعه.
وقال قوم: هو نصف العلم باعتبار الحال؛ فإن للناس حالتين: حياة ووفاة، فالفرائض تتعلَّق بالثاني، وباقي العلوم بالأول.
وقيل: باعتبار الثواب؛ لأن له بتعليم مسألة واحدة من الفرائض مائة حسنة، وبغيرها من العلوم عشر حسنات.
قيل: وأحسن الأقوال أن يقال: أسباب الملك نوعان: اختياري: وهو ما يملك رده كالشراء والهبة ونحوها، وقهري: وهو ما لا يملك رده وهو الإرث.
(1)
ابن ماجه في الفرائض، باب 1، حديث 2719، والدارقطني (4/ 67). وأخرجه - أيضًا - العقيلي (1/ 271)، وابن حبان في المجروحين (1/ 255)، والطبراني في الأوسط (6/ 142)، حديث 5289، وابن عدي (2/ 791)، والحاكم (4/ 332)، والبيهقي (6/ 208)، والخطيب في تاريخه (3/ 319، 12/ 90)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 136) حديث 197، والمزي في تهذيب الكمال (7/ 40 - 41) من طريق حفص بن عمر، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به. قال البيهقي: تفرد به حفص بن عمر، وليس بالقوي. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به حفص بن عمر بن أبي العلاف. قال البخاري: هو منكر الحديث، رماه يحيى بن يحيى النيسابوري بالكذب.
وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال.
وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 79): مدار الحديث على حفص بن عمر، وهو متروك.
وحُكي أن الوليد بن مسلم
(1)
: رأى في منامه أنه دخل بستانًا، فأكل من جميع ثمره إلا العنب الأبيض، فقصَّه على شيخه الأوزاعي، فقال: تُصيب من العلوم كلها إلا الفرائض، فإنها جوهر العلم، كما أن العنب الأبيض جوهر العنب
(2)
.
والأصل فيها: الكتاب، والسُّنة. وستقف على ذلك مفصلًا.
(وإذا مات) ميت (بُدِئ من تَرِكته بكفنه، وحَنُوطه، ومؤنة تجهيزه) بالمعروف (و) مؤنة (دفنه بالمعروف، من صُلب ماله، سواء كان قد تعلَّق به) أي: المال (حقُّ رهنٍ، أو أرْش جناية، أو لم يكن) تعلَّق به شيء من ذلك، كحال الحياة؛ إذ لا يقضى دَينه إلا بما فضل عن حاجته، وتقدم
(3)
.
(وما بقي بعد ذلك) أي: بعد مؤنة تجهيزه بالمعروف (يُقضى منه ديونه) سواء وصَّى بها أو لا، وتقدم
(4)
، ويُبدأ منها بالمتعلَّق بعين المال، كدَيْن برهن، وأرش جناية برقبة العبد الجاني ونحوه، ثم الديون المرسلة في الذمة (سواء كانت) الديون (لله) تعالى (كزكاة المال، وصدقة الفطر، والكفارات، والحج الواجب) والنذر (أو) كانت (لآدمي، كالديون) من قرض، وثمن، وأجرة، وجعالة استقرت، ونحوها (والعقل) بعد الحول (وأرش الجنايات والغصوب، وقِيم المُتلفات وغير ذلك) لما تقدم من أنه
(1)
هو عالم أهل الشام، أبو العباس الدمشقي المتوفى سنة (195) رحمه الله تعالى.
انظر: سير أعلام النبلاء (9/ 211).
(2)
لم نقف على من نسب هذه القصة إلى الوليد بن مسلم، وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخه (56/ 327)، والمزي في تهذيب الكمال (27/ 60)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (10/ 118)، والصفدي في الوافي بالوفيات (5/ 243) ونسبوا هذه الرؤيا لمحمد بن يوسف الفريابي، وأنه قصها على سفيان الثوري.
(3)
(4/ 102).
(4)
(10/ 232).
- صلى الله عليه وسلم قضى بالدَّين قبل الوصية
(1)
. فإن ضاق المال، تحاصُّوا، وتقدم
(2)
.
(وما بقي بعد ذلك تنفذ وصاياه) لأجنبي (من ثلثه، إلا أن تجيزها الورثة فَتنفُذ) وإن زادت على الثلث، أو كانت لوارث (من جميع الباقي، ثم يُقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته) لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
(3)
.
(وأسباب) جمع سبب، وهو لغةً: ما يُتوصل به لغيره، كالسُّلَّم لطلوع السطح. واصطلاحًا: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته (التوارث ثلاثة فقط) فلا يرث ولا يورث بغيرها، كالموالاة، أي: المؤاخاة والمعاقدة، وهي المحالفة، وإسلامه على يديه، وكونهما من أهل ديوان واحد، والتقاط؛ لحديث:"إنَّما الولاءُ لِمَن أعتق"
(4)
واختار الشيح تقي الدين
(5)
: أنه يورث بها عند عدم الرَّحِم والنكاح والولاء. وتبعه في "الفائق".
(رَحِمٌ وهو القرابة) لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}
(6)
.
(و) الثاني: (نِكاح) لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}
(7)
الآية (وهو عقد الزوجية الصحيح) سواء دخل أو لا (فلا
(1)
تقدم تخريجه (4/ 41) تعليق رقم (1).
(2)
(10/ 233).
(3)
سورة النساء، الآية:11.
(4)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(5)
الاختيارات الفقهية ص/ 282.
(6)
سورة الأنفال، الآية:75.
(7)
سورة النساء، الآية:12.
ميراث في النكاح الفاسد) لأن وجوده كعدمه.
(و) الثالث: (ولاءُ عِتقٍ) فيرث به المُعتِق، وعصبتُه من عتيقه، ولا عكس
؛ لحديث: "الولاءُ لُحمةٌ كلُحمةِ النَّسَبِ" رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم وصححه
(1)
، شبَّه الولاء بالنسب، والنسب يورث به، فكذا الولاء. ووجه التشبيه: أن السيد أخرج عبده بعتقه إياه من حيز المملوكية التي ساوى بها البهائم إلى حيز المالكية التي ساوى بها الأَناسيَّ،
(1)
ابن حبان "الإحسان"(11/ 325) حديث 4950، والحاكم (4/ 341).
وأخرجه - أيضًا - الشافعي في الأم (4/ 125)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 72 - 73)، والطبراني في الأوسط (2/ 188) حديث 1340، وابن عدي (6/ 2036)، والبيهقي (10/ 292، 293)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 409) حديث 20494، وفي بيان خطأ من أخطأ على الشافعي ص/ 290 - 291، والرافعي في التدوين (2/ 130 - 131) عن ابن عمر رضي الله عنهما وتمام الحديث: لا يُباع ولا يوهب.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وتعقَّبه الذهبي بقوله: صحيح بالدبوس. أي بالقوة. ووهنه الإمام أحمد في مسائل الكوسج (2/ 494). وقال أبو زرعة - كما في العلل لابن أبي حاتم (2/ 53) -: الصحيح عبيد الله، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن بيع الولاء، وعن هبته.
وقال الدارقطني في العلل - كما في الدراية (2/ 194) -: هذا اللفظ غير محفوظ والمحفوط ما رواه الجمّ الغفير عن عبد الله بن دينار، بلفظ: نهى عن بيع الولاء، وعن هبته.
وبنحوه قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/ 409) حديث 20497.
ورواه ابن أبي شيبة (6/ 123)، والبيهقي (6/ 240، 10/ 292) عن الحسن مرسلًا، وقال: وروي هذا موصولًا عن وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما وليس بصحيح. وقال - أيضًا - في السنن الكبرى (7/ 292): وقد روي عن أوجه أخر كلها ضعيفة.
ولفظ: "نهى عن بيع الولاء، وعن هبته" أخرجه البخاري في العتق، باب 10، حديث 2535، وفي الفرائض، باب 21، حديث 6756، ومسلم في العتق، حديث 1506، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وانظر ما يأتي (10/ 529) تعليق رقم (2).
فأشبه بذلك الولادة التي أخرجت المولود من العدم إلى الوجود.
(وموانعه) أي: التوارث (ثلاثة: القتل، والرِّق، واختلاف الدِّين، وتأتي في أبوابها) مفصَّلة.
وأركانه ثلاثة: وارث، ومورِّث، وحق موروث.
وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث، أو إلحاقه بالأحياء، وتحقق موت المورث، أو إلحاقه بالأموات، والعلم بالجهة المقتضية للإرث. وتُعلم مما يأتي.
(والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يورَث، وكانت تَرِكته صَدَقة) وكذا سائر الأنبياء؛ لحديث: "إنَّا مَعاشِر الأنبياءِ لا نورثُ، ما تركناهُ صَدقةٌ"
(1)
.
(و
المُجمَع
(2)
على توريثهم من الذكور عشرة:
الابن، وابنه وإن نزل)
بمحض الذُّكور؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}
(3)
الآية. وابنُ الابنِ ابنٌ؛ لقوله تعالى:
(1)
أخرجه أحمد (2/ 463) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه:"إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركت بعد مؤنة عاملي، ونفقة نسائي صدقة". وأخرجه البخاري في الوصايا، باب 32، حديث 2776، وفي فرض الخمس، باب 3، حديث 3096، وفي الفرائض، باب 3، حديث 6729، ومسلم في الجهاد، حديث 1760، بلفظ:"لا يقتسم ورثتي دينارًا، ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي فهو صدقة". وفي رواية لمسلم حديث 1761: "لا نورث، ما تركنا صدقة".
وأخرجه البخاري في فرض الخمس، باب 1، حديث 3093، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب 12، حديث 3712، وفي المغازي، باب 14، 39، حديث 4036، 4241، وفي الفرائض، باب 3، حديث 6726، ومسلم في الجهاد، حديث 1759، عن عائشة، عن أبي بكر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا نورث، ما تركنا صدقة".
(2)
مراتب الإجماع ص/ 175 - 177، والإقناع في مسائل الإجماع (3/ 1454 - 1455) رقم 2744.
(3)
سورة النساء، الآية:11.
{يَابَنِي آدَمَ}
(1)
، {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ}
(2)
.
(والأب، وأبوه وإن علا) بمحض الذكور؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
(3)
الآية.
والجَد تناوله النص؛ لدخول ولد الابن في الأولاد، وقيل: ثبت فرضه بالسُّنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه السدس
(4)
.
(1)
سورة الأعراف، الآية:26.
(2)
سورة البقرة، الآية:40.
(3)
سورة النساء، الآية:11.
(4)
أخرج أبو داود في الفرائض، باب 6، حديث 2897، وسعيد بن منصور (1/ 20) حديث 38، وابن أبي شيبة (11/ 291)، وأحمد (5/ 27)، والطبراني في الكبير (20/ 203) حديث 462، 463، عن الحسن، أن عمر سأل عن فريضة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد، فقام معقل بن يسار، فقال: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ماذا؟ قال: السدس.
قال المنذري في تهذيب السنن (4/ 169): الحسن عن عمر منقطع.
وأخرجه ابن ماجه في الفرائض، باب 3، حديث 2723، والنسائي في الكبرى (4/ 72) حديث 6334، 6335، والطبراني في الكبير (20/ 202) حديث 461 - 464، والدارقطني (4/ 91) حديث 4090، والحاكم (4/ 339)، والبيهقي (6/ 244) عن الحسن، عن معقل بن يسار رضي الله عنه، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جد كان فينا بالسدس. قال أبو حاتم - كما في المراسيل لابنه ص/ 42 - : لم يصح سماع الحسن من معقل بن يسار رضي الله عنه.
وقال المنذري في تهذيب السنن (4/ 169): قد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الحسن عن معقل بن يسار.
وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 72) حديث 6333، وابن ماجه في الفرائض، باب 3، حديث 2722، وابن أبي شيبة (11/ 291)، وأحمد (5/ 27)، والطبراني في الكبير (20/ 229) حديث 536، من طرق، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عمرو بن ميمون، عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أتي بفريضة فيها جد، فأعطاه ثلثًا، أو سدسًا.
وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الفرائض، باب 6، =
(والأخ من كل جهة) شقيقًا كان، أو لأب، أو لأم.
أما الذي لأم، فلقوله تعالى:{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
(1)
فإنها في الإخوة للأم، كما يأتي.
وأما الذي لأبوين أو لأب، فلقوله تعالى:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}
(2)
.
(وابن الأخ إلا) إن كان الأخ (من الأم) فقط، فابنه من ذوي الأرحام.
(والعم) لا من الأم (وابنه كذلك) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألحِقُوا الفرائضَ بأهلها، فما بَقِي فَلأوْلى رَجلٍ ذَكرٍ"
(3)
وأما العم لأم وابنه، فمن ذوي الأرحام.
(والزوج) لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}
(4)
.
(ومولى النعمة) وهو المعتِق وعصبته المتعصبون بأنفسهم؛
= حديث 2896، والترمذي في الفرائض، باب 9، حديث 2099، والنسائي في الكبرى (4/ 73) حديث 6337، وابن أبي شيبة (11/ 290)، وأحمد (4/ 428، 436)، والبيهقي (6/ 244)، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن ابني مات، فما لي من ميراثه؟ فقال:"لك السدس"، فلما أدبر دعاه، فقال:"لك سدس آخر"، فلما أدبر دعاه، فقال:"السدس الآخر طعمة".
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وتعقبه المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 168) بقوله: وقد قال علي ابن المديني وأبو حاتم وغيرهما: إن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين.
(1)
سورة النساء، الآية:12.
(2)
سورة النساء، الآية:176.
(3)
أخرجه البخاري في الفرائض، باب 5، 7، 9، حديث 6732، 6735، 6737، ومسلم في الفرائض، حديث 1615 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
سورة النساء، الآية:12.
لحديث: "الولاءُ لُحْمةِ كلُحْمةِ النَّسَب"
(1)
.
(و) المُجمَع
(2)
على توريثهن (من الإناث سبع:
البنت، وبنت الابن وإن سَفل) بتثليث الفاء (أبوها) بمحض الذكور.
(والأم، والجدة) من قِبَلها، أو من قِبَل الأب، على تفصيل يأتي.
(والأخت من كل جهة) أي: سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم.
(والزوجة) هي بالتاء لغةُ سائر العرب، ما عدا أهل الحجاز. اقتصر الفقهاء والفرضيون عليها للإيضاح وخوف اللبس.
(ومولاة النعمة) وهي المعتقة ومعتقتها وإن علت، ودليل ذلك يعلم مما تقدم
(3)
ومما يأتي مفصلًا في أبوابه.
(والورَّاث ثلاثة:
ذو فرض) أي: نصيب مقدَّر شرعًا لا يزيد إلا بالردِّ، ولا ينقص إلا بالعول.
(وعصبات) يرثون بلا تقدير.
(و) ذو
(4)
(رَحِم) يرثون عند عدم العصبات، وأصحاب الفروض غير الزوجين، على ما يأتي بيانه.
(والفروض) القرآنية (ستة:
النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس) وإن شئت قلت: النصف والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، أو الثمن
(1)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1).
(2)
مراتب الإجماع ص/ 178 - 181.
(3)
(10/ 333) وما بعده.
(4)
في "ذ": "ذوو".
والسدس وضعفهما وضعف ضعفهما، أو الربع والثلث وضعف الكل، ونصف كلٍّ، وثلث الباقي ثبت باجتهاد الصحابة
(1)
- رضي الله تعالى عنهم -.
(وأصحابها) أي: الفروض (عشرة:
الزوجان) على البدلية (والأبوان) مجتمعين ومفترقين (والجد) لأب (والجدة) لأم أو أب (والبنت وبنت الابن) وإن نزل أبوها (والأخت من كل جهة، والأخ من الأم).
وتُسمَّى الإخوة والأخوات لأبوين: بني الأعيان؛ لأنهم من عين واحدة.
وللأب فقط: بني العَلَّات، جمع عَلَّة - بفتح العين المهملة - وهي الضَّرَّة، قال في "القاموس"
(2)
: وبنو العلات: بنو أمَّهات شَتَّى من رجل؛ لأن الذي يتزوجها عَلَى أُولَى قد كان قبلها ناهِلٌ، ثم عَلَّ من هذه. انتهى.
وللأم فقط: بني الأخياف - بالخاء المُعجمة تليها مُثنَّاة تحتية - سمّوا بذلك؛ لأن الأخياف: الأخلاط، فهم من أخلاط الرجال ليسوا من رجل واحد.
وإن أردت تفصيل أحوال أصحاب الفروض:
(فللزَّوج الربع، إن كان لها ولد) ذكر، أو أُنثى منه، أو من غيره لم يقم به مانع (أو ولد ابن) وإن سفل أبوه بمحض الذُّكور (و) له (النصف مع
(1)
أخرجه ابن حزم في المحلى (9/ 289)، والبيهقي (6/ 252) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وانظر:"البدر المنير"(7/ 240 - 241).
(2)
ص/ 1035، مادة (علل).
عدمهما) أي: عدم الولد وولد الابن.
(ولزوجة فأكثرَ: الثُّمن، إن كان له ولد) ذكر، أو أنثى، واحد أو متعدِّد، منها أو من غيرها (أو ولد ابن) وإن سَفل (والربع مع عدمهما) إجماعًا
(1)
؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}
(2)
الآية.
(وولد البنت لا يَحجُبُ الزوجَ من النصف إلى الربع، ولا) يَحجُبُ (الزوجةَ من الربع إلى الثمن) ولو ورَّثناه (ويأتي في باب ذوي الأرحام) لأنه لم يدخل في مُسمَّى الولد، ولم ينزله الشرع منزلته.
ومن قام به مانع من الأولاد، أو أولاد الابن، فوجوده كعدمه، وكذا سائر من قام به مانع.
وإنما بدأ بالزوجين؛ لقلة الكلام فيهما. وإنما جعل للجماعة من الزوجات مثل ما للواحدة؛ لأنه لو جعل لكل واحدة الربع، وهن أربع، أخذن جميع المال، وزاد فرضهن على فرض الزوج، وكذا الجدَّات إذا تعددن، فلهن مثل ما للواحدة؛ لأنه لو أخذت كل واحدة السدس، لزاد ميراثهن على ميراث الجد.
وأما بقية أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المفترقات، فإن لكل جماعة مثل ما للاثنتين منهن، وإنما زدن على فرض الواحدة؛ لأن الذَّكر الذي يرث فِي درجتهن لا فرض له، إلا ولد الأم، فإن ذَكَرهم وأنثاهم سواء؛ لأنهم يرثون بالرَّحِم وبالقرابة المجردة.
(ويرث أبٌ) من ابنه، أو بنته (وجَدٌّ مثله أن عدم الأب مع ذكورية
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 81، رقم 290، 291، ومراتب الإجماع ص/ 181.
وانظر: الإقناع في مسائل الإجماع (3/ 1415 - 1416) رقم 2643 - 2646.
(2)
سورة النساء، الآية:12.
ولد) للميت (أو) مع ذكورية (ولد ابن) وإن نزل (بالفرض سدسًا) للآية السابقة.
(و) يرث أب من ولده، وجَدٌّ من ولد ابنه (بفرض، وتعصيب مع أُنوثِيَّتِهما) أي: الولد وولد الابن، كما لو مات عن أب وبنت، أو بنت ابن (فيأخذ) الأب (السدس فرضًا) لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
(1)
الآية، وتأخذ البنت، أو بنت الابن النصف: ثلاثةً (ثم) يأخذ الأب (ما بقي، إن بقي شيء) كما فِي المِثال (بالتعصيب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألحِقُوا الفرائضَ بأهلها، فما بَقِي فهو لأوْلى رَجلٍ ذَكرٍ"
(2)
، ورُويَ: أنَّ الحجاج سأل الشعبيَّ عن هذه المسألة، فقال: للبنت النصف، والباقي للأب، فقال له الحجاج: أصبتَ في المعنى، وأخطأتَ في اللفظ، هلّا قلت: للأب السدس وللبنت النصف والباقي للأب؟ فقال: أخطأتُ وأصاب الأمير
(3)
.
ولا يرث بفرض وتعصيب معًا بسبب واحد إلا الأب والجد، وأما بسببين فكثير، من ذلك زوج هو معتِق، وأخ لأم هو ابن عم، وزوجة معتِقة.
(و) يرث الأب، أو الجد عند عدم الأب (بالتعصيب) فقط (مع عدمهما) أي: الولد وولد الابن، فيأخذ المال كله، أو ما أبقت الفروض.
(1)
سورة النساء، الآية:11.
(2)
تقدم تخريجه (10/ 335) تعليق رقم (3).
(3)
أورده ابن مفلح في المبدع (6/ 119).
فصل في الجَدِّ مع الإخوة أو الأخوات، لأبوين، أو لأب، منفردِين، أو مع ذي فرض
قال ابن المنذر
(1)
: أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجد أبا الأب لا يحجُبه عن الميراث غير الأب.
وأنزلوا الجَدَّ في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء: أحدها: زوج وأبوان. والثانية: زوجة وأبوان، للأم فيهما ثلث الباقي مع الأب، وثلث جميع المال لو كان مكان الأب جَدّ. والثالثة: اختلفوا في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو لأب. ولا خِلاف بينهم في إسقاطه بني الإخوة، وولد الأم، ذكرهم وأُنثاهم.
وذهب الصديق رضي الله عنه إلى أن الجد يُسقِط جميعَ الإخوة والأخوات من جميع الجهات، كما يُسقِطهم الأب، وبذلك قال ابن عباس
(2)
وابن
(1)
الإجماع ص/ 84، وانظر: مراتب الإجماع ص/ 175.
(2)
أخرج يزيد بن هارون في كتاب الفرائض له - كما في الفتح (12/ 19) - عن محمد بن سالم، عن الشعبي: أن أبا بكر، وابن عباس، وابن الزبير كانوا يجعلون الجد أبًا يرث ما يرث، ويحجب ما يحجب. قال الحافظ: ومحمد بن سالم ضعيف، والشعبي عن أبي بكر منقطع. وذكر البخاري في الفرائض، باب 9، في حديث 6737، معلقًا:"وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير: الجد أب". وقول أبي بكر رضي الله عنه وصله البخاري رقم 6738 عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أنزله أَبًا. ووصله سعيد بن منصور (1/ 21) رقم 40 - 44، والدارمي في الفرائض، باب 11، رقم 2906 - 2912 عن أبي سعيد، وأبي موسى، وعثمان، وابن عباس رضي الله عنهم: أن أبا بكر رضي الله عنه جعل الجد أبًا. وصححه الحافظ في الفتح (12/ 19). ووصله - أيضًا - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ابن أبي شيبة (11/ 288)، والبيهقي (6/ 246). وعن أبي موسى رضي الله عنه: ابن أبي شيبة (11/ 288)، =
الزبير
(1)
، وروي عن عثمان
(2)
وعائشة
(3)
وأبي بن كعب
(4)
وجابر بن عبد الله
(5)
وأبي الطفيل
(6)
وعبادة بن الصامت
(7)
- رضي الله تعالى عنهم -. وبه قال أبو حنيفة
(8)
وغيره.
وكان علي بن أبي طالب
(9)
وزيد بن
= وابن حزم في المحلى (9/ 287). وعن عثمان رضي الله عنه: الدارقطني (4/ 92)، والبيهقي (6/ 246).
وقول ابن عباس رضي الله عنهما: وصله عبد الرزاق (10/ 264) رقم 19053 - 19056، وسعيد بن منصور (1/ 22) رقم 49، وابن أبي شيبة (11/ 289)، والبيهقي (6/ 246) عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يرى الجد أبًا، ويتلو:{مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} . ووصله الدارمي في الفرائض، باب 14، رقم 2929، عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه جعل الجد أبًا.
(1)
تقدم تخريج قوله في التعليق السابق، وأخرج البخاري في المناقب، باب 5، رقم 3658، عن ابن أبي مليكة، قال: كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد، فقال: أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلًا لاتخذته" أنزله أبًا، يعني: أبا بكر.
(2)
أخرج عبد الرزاق (10/ 263) رقم 19050، عن الزهري: أن عثمان كان يجعل الجد أبًا.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 46) رقم 46، عن عطاء، وابن أبي شيبة (11/ 289) عن طاوس: أن أبا بكر، وعثمان، وابن عباس كانوا يجعلون الجد أبًا.
(3)
ذكره البيهقي في معرفة السنن والآثار (9/ 136) رقم 12612 معلقًا بصيغة التمريض.
(4)
ذكره القرطبي في تفسيره (5/ 68)، والحافظ في فتح الباري (12/ 20).
(5)
ذكره أبو الخطاب الكلوذاني في التهذيب في الفرائض ص/ 96.
(6)
ذكره أبو الخطاب الكلوذاني في التهذيب في الفرائض ص/ 96.
(7)
ذكره أبو الخطاب الكلوذاني في التهذيب في الفرائض ص/ 96.
(8)
المبسوط (29/ 180)، والبحر الرائق (8/ 559)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 757).
(9)
أخرج عبد الرزاق (10/ 268) رقم 19064، وابن أبي شيبة (11/ 294) رقم 11272، والدارمي في الفرائض، باب 13، رقم 2926، والبيهقي (6/ 249) عن =
ثابت
(1)
وابن مسعود
(2)
رضي الله عنهم يورثونهم معه ولا يحجُبونهم به.
وبه قال مالك
(3)
والأوزاعي
(4)
والشافعي
(5)
وأحمد
(6)
وأبو يوسف
(7)
،
= إبراهيم: أن عليًّا كان يشرك الجد إلى ستة مع الإخوة. وفي لفظ للدارمي، رقم 2923، 2924، عن الحسن وعبد الله بن سلمة: أن عليًّا كان يشرك الجد مع الإخوة إلى السدس.
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 293)، والدارمي في الفرائض، باب 13، رقم 2920، والبيهقي (6/ 249) عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى علي يسأله عن ستة إخوة وجدّ، فكتب إليه علي: أن أعط الجد سدسًا. ولفظ البيهقي: أعطه سُبع المال.
(1)
أخرج عبد الرزاق (10/ 266) رقم 19059، عن قتادة، قال: دعا عمر عليًّا، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس فسألهم عن الجد،
…
فقال زيد بن ثابت: له الثلث مع الإخوة وله السدس من جميع الفريضة، ويقاسم ما كانت الفريضة خيرًا له.
وأخرج عبد الرزاق (10/ 267) رقم 19063، وابن أبي شيبة (11/ 294)، والدارمي في الفرائض، باب 16، رقم 2932، والبيهقي (6/ 250) عن إبراهيم: أن زيدًا كان يشرك الجد مع الإخوة إلى الثلث.
(2)
أخرج عبد الرزاق (10/ 268) رقم 19065 عن إبراهيم: أن ابن مسعود شرك الجد إلى ثلاثة إخوة.
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 292) عن علقمة: أن عبد الله كان يشرك الجد مع الإخوة.
وأخرج البيهقي (6/ 250) عن إبراهيم: كان عبد الله يشرك الجد مع الإخوة إلى الثلث.
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 292) عن عبيد بن نضلة: كان عمر وعبد الله يقاسمان بالجد مع الإخوة.
(3)
الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (2/ 528 - 530)، والاستذكار (15/ 431).
(4)
الاستذكار (15/ 438)، والمغني (9/ 66).
(5)
الأم (4/ 81).
(6)
مسائل عبد الله (3/ 1202) رقم 1659، والاستذكار (15/ 438)، والمغني (9/ 69).
(7)
المبسوط (29/ 180)، والبحر الرائق (8/ 559).
ومحمد
(1)
؛ لأنهم تساوَوا في سبب الاستحقاق، فيتساوَون فيه، فإن الجد والأخ يدليان بالأب، الجد أبوه، والأخ ابنه، وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة، بل ربما كانت أقوى، فإن الابن يُسقط تعصيب الأب، ولذلك مَثّله علي
(2)
بشجرة أنبتت غصنًا فانفرق منها غصنان، كل منهما إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة. ومثّله زيدٌ
(3)
بوادٍ خرج منه نهر، انفرق منه جَدْوَلان، كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي.
(1)
انظر المرجعين السابقين.
(2)
أخرج عبد الرزاق (10/ 265) رقم 19058، والبيهقي (6/ 247، 248) عن الشعبي قال: كان عمر يكره الكلام في الجد، فلما صار عمر جدًّا، قال: هذا أمر قد وقع، لا بد للناس من معرفته، فأرسل إلى زيد بن ثابت، فسأله، فقال: لا تجعل شجرة نبتت، فانشعب منها غصن، فانشعب من الغصن غصن، فما يجعل الغصن الأول أولى من الغصن الثاني، وقد خرج الغصن من الغصن، فأرسل إلى علي رضي الله عنه فسأله، فقال له كما قال زيد: إلا أن جعل سيلًا سال، فانشعبت منه شعبة، ثم انشعبت منه شعبتان، فقال: أرأيت لو أن هذه الشعبة الوسطى رجع [أي: ماؤها]؛ أليس إلى الشعبتين جميعًا.
وأخرج الدارقطني (4/ 93 - 94)، والبيهقي (6/ 247) من طريق سليمان بن زيد عن زيد بن ثابت: أن عمر استأذن عليه يومًا
…
، وضرب له مثلًا، إنما مثله مثل شجرة تنبت على ساق واحد، فخرج فيها غصن، ثم خرج من غصن غصن آخر، فالساق يسقي الغصن، فإن قطعت الغصن الأول رجع الماء إلى الغصن، وإن قطعت الثاني رجع الماء إلى الأول.
وأخرج الحاكم (4/ 339) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استشارهم في ميراث الجد والإخوة، قال زيد: فحاورت أنا عمر، فضربت له في ذلك مثلًا، وضرب علي بن أبي طالب وابن عباس مثلًا.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين.
(3)
تقدم في التعليق السابق.
واختلف القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم على مذاهب، منها: مذهب زيد بن ثابت، وهو قول أهل المدينة
(1)
، والشام
(2)
، والشافعي
(3)
، وأحمد
(4)
، وأكثر أهل العلم، وهو ما أشار إليه المصنف بقوله:(والجد لأب وإن علا) بمحض الذكور (مع الإخوة) أي: الأخ فأكثر، لأبوين أو لأب (و) مع (الأخوات) أي: الأخت فأكثر كذلك
(5)
(لأبوين أو لأب يقاسمهم كأخ منهم ما لم يكن الثلث خيرًا له) من المقاسمة (فيأخده، والباقي لهم) أي: للإخوة، للذَّكر مثل حظِّ الأنثيين، فإذا لم يكن معهم ذو فرض، فله خير الأمرين: المقاسمة أو ثلث المال، والمقاسمة خير له إن نقصوا عن مثليه، وذلك في خمس صور: جد وأخ، جد وأخت، جد وأختان، جد وأخ وأخت، جد وثلاث أخوات. والثلث خير له، إن زادوا على مِثْليه، كجد وثلاث إخوة فأكثر، أو جد، وخمس أخوات، فأكثر، ولا حصر لصوره. ويستوي له الأمران إذا كانوا مِثليه، وذلك في ثلاث صور: جد وأخوان، جد وأخ وأختان، جد وأربع أخوات، وحيث استوى له الأمران، فَسَمِّ له ما شئت منهما، ذكره في "شرح المنتهى".
(فإن كان معهم) أي: الجد والإخوة (ذو فَرْض). من زوج أو زوجة، أو بنت أو بنت ابن، أو أم أو جدة (أخذ) ذو الفرض واحدًا كان أو
(1)
الاستذكار (15/ 433، 436، 438)، والمغني (9/ 69).
(2)
المغني (9/ 69).
(3)
الأم (4/ 81)، ومختصر المزني ص/ 191.
(4)
مسائل عبد الله (3/ 1202 - 1203) رقم 1659، والاستذكار (15/ 438)، والمغني (9/ 69).
(5)
"كذلك" ساقطة من "ح" و"ذ".
أكثر (فرضه، ثم للجَدِّ الأحظ من) أمور ثلاثة، وهي (المقاسمة) للإخوة (كأخ، وثلث الباقي، وسدس جميع المال ولو عائلًا) فالمقاسمة خير له في نحو: جدة، وجد، وأخ. وثلث الباقي خير له في نحو: جدة، وجد، وثلاث إخوة. والسدس خير له في نحو: أم، وبنت، وجد، وأخوين. ومتى زاد الإخوة عن مِثْليه، فلا حظَّ له في المقاسمة. ومتى نقصوا عنه، فلا حظَّ له في ثلث الباقي. ومتى زادت الفروض عن النصف فلا حظَّ له في ثلث ما بقي. وإن نقصت عن النصف، فلا حظَّ له في السدس. وإن كان الفرض النصف وحده، استوى له سدس المال وثلث الباقي. وإن كان الإخوة اثنين، استوى ثلث الباقي والمقاسمة. وقد تستوي له الأمور الثلاثة، وذلك إذا كان الفرض النصف والإخوة اثنين، كزوج وجد وأخوين. ويُعطى له السدس إذا كان خيرًا له ولو عائلًا (كزوجٍ وبنتين وأم وجد) وأخ فأكثر (فتعطيه سهمين من خمسة عشر) وتُسقِط الإخوة لاستغراق الفروض التركة.
(فإن لم يفضل عن الفرض إلا السُّدس، فهو له) أي: الجد (ويسقط
(1)
الإخوة، كأم وبنتين، وجد وأخت) فأكثر (أو أخ) فأكثر (فإنـ) ــها تصح من ستة (للأم السدس) واحد (وللبنتين الثلثان) أربعة و (يبقى السدس) واحد (للجد، وتسقط الإخوة) ذكورًا كانوا أو إناثًا؛ لأن الجد لا ينقص أبدًا عن سدس المال، ولو اسمًا بالعول؛ لأنه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى، فمع غيره أَولى.
(إلا) الأخت (في الأكدرية، وهي: زوج، وأم، وأخت، وجد) سُميت بذلك، قيل: لتكديرها لأصول زيد في الجد؛ فإنه أعالها، ولا
(1)
في "ذ": ومتن الإقناع (3/ 184)"سقط".
عول عنده في مسائل الجد والإخوة، وَفَرَضَ للأخت مع الجد، ولم يفرض لأخت مع جد ابتداء في غيرها، وجمع سهامها وسهامه فقسمها بينهما، ولا نظير لذلك.
وقيل: لأن زيدًا كَدَّر على الأخت ميراثها بإعطائها النصف، واسترجاع بعضه منها.
وقيل: لأن عبد الملك بن مروان
(1)
سأل عنها رجلًا اسمه أكدر، فأفتى فيها على مذهب زيد، وأخطأ فنسبت إليه.
وقيل: لأن الميتة كان اسمها أكدرة.
وقيل: بل كان اسم زوجها أكدر.
وقيل: بل كان اسم السائل.
وقيل: بل سُميت بذلك، لكثرة أقوال الصحابة فيها وتكدُّرِها.
(فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف) فتعول إلى تسعة (ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد) وهما أربعة من تسعة (بينهما) أي: الجد والأخت (على ثلاثة) لأنها لا تستحق معه إلا بحكم المقاسمة، وإنما أعالها زيد؛ لأنه لو لم يفرض لها لسقطت، وليس في الفريضة من يُسقِطها.
فإن قيل: هي عصبة بالجد، فتسقط باستكمال الفروض؟ فالجواب: أنه إنما يعصبها إذا كان عصبة، وليس الجد بعصبة مع هؤلاء،
(1)
أخرجه الثوري في الفرائض ص/ 24، رقم 10، وابن أبي شيبة (11/ 302) عن وكيع، عن سفيان، قال: قلت للأعمش: لم سُميت الأكدرية؟ قال: طرحها عبد الملك بن مروان على رجل - يقال له الأكدر - كان ينظر في الفرائض، فأخطأ فيها، فسمَّاها الأكدرية، قال وكيع: وكنا نسمع قبل أن يفسر سفيان: إنما سميت الأكدرية؛ لأن قول زيد تكدر فيها، لم يفش قوله.
بل يُفرض له، والأربعة لا تنقسم على ثلاثة (فاضرِبْها) أي الثلاثة (في المسألة وعَولها) وذلك تسعة (تكن سبعة وعشرين) ومنها تصح (للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة) ويُعايا بها فيقال: أربعة ورثوا مال ميت، فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي، والثالث ثلث باقي الباقي، والرابع ما بقي. ونظمها بعضهم
(1)
فقال:
ما فرضُ أربعةٍ يُوزَّع بينهم
…
ميراثُ ميتِهم بفرضٍ واقعِ
فلواحد ثلثُ الجميع، وثلْثُ ما
…
يَبقى لثانيهم بحُكمٍ جامعِ
ولثالثٍ من بعدهم ثلثُ الذي
…
يَبقى وما يَبقى نصيبُ الرابعِ
ويقال - أيضًا -: امرأة جاءت قومًا، فقالت: إني حامل، فإن ولدت ذكرًا، فلا شيء له، وإن ولدت أنثى، فلها تُسع المال وثلث تسعه، وإن ولدت ولدين، فلهما السدس. ويقال - أيضًا -: إن ولدت ذكرًا، فلي ثلث المال، وإن ولدت أنثى فلي تُسعاه، وإن ولدت ولدين، فلي سدسه.
(ولا يعول من مسائل الجد مع الإخوة غيرُها، ولا يُفرض لأختٍ معه) أي الجد (ابتداء إلا فيها) أي: الأكدرية، وخرج بقوله:"ابتداء" مسائل المُعادّة، فإنه يفرض لها فيها بعد المقاسمة، وتأتي.
ثم أخذ في بيان محتَرَز أركانها، فقال:(فإن كان مكان الأخت أخ، سقط؛ لأنه عَصَبة في نفسه) فلا يمكن أن يُفرض له، وقد استغرقت الفروض التَّرِكة (وصحَّت) المسألة (من ستة) ولا عول؛ للزوج ثلاثة، وللأم سهمان، وللجد سهم.
(1)
لم نقف على قائلها، وانظر: الفروع (5/ 6)، وفتح الباري (12/ 22)، والمبدع (6/ 122).
(وإن كان مع الأخت أخت أخرى) انحجبت الأم إلى السدس، وتصح من اثني عشر؛ للزوج ستة، وللأم اثنان، وللجد كذلك، ولكل أخت واحد.
(أو) كان مع الأخت (أخ، أو أكثر) من أخت، أو أخ (انحجبت الأم إلى السدس) وأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والجد السدس (وبقي السدس لهما) أي الأخ والأخت على ثلاثة، فتصح من ثمانية عشر (ولا عول) فيها.
(وإن لم يكن مع الأخت إلا أخ لأم) أو أخت لأم (لم يرث) ولد الأم؛ لحجبه بالجد إجماعًا
(1)
، وتقدم
(2)
(وانحجبت الأمُّ إلى السدس) لوجود عدد من الإخوة.
(وإن لم يكن في الأكدرية زوج) بل كان فيها أم وجد وأخت (فللأم الثلث) ومخرجه من ثلاثة، فلها واحد (وما بقي) اثنان (بين الجد والأخت على ثلاثة) لا تنقسم، وتباين (فـ) ــاضرب ثلاثة في ثلاثة فـ (ــتصح من تسعة) للأم ثلاثة، وللجد أربعة، وللأخت اثنان (وتُسمَّى) هذه المسألة (الخَرْقاء؛ لكثرة اختلاف الصحابة فيها) فكأنَّ الأقوال خرقتها.
(وتُسمَّى) أيضًا (المُسَبَّعة) لأن فيها سبعة أقوال:
قول زيد، وهو المذكور في المتن.
وقول الصديق وموافقيه: للأم الثلث والباقي للجد.
وقول علي: للأخت النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس.
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 82، 85.
(2)
(10/ 340).
وقول عمر: للأخت النصف، وللأم ثلث الباقي، وللجد ثلثاه.
وقول ابن مسعود: للأخت النصف، وللأم السدس، والباقي للجد. وهو في المعنى مثل الذي قبله، إلا أنه سَمَّى للأم في هذا: السدس، وفي الذي قبله: ثلث الباقي.
ويُروى عن ابن مسعود - أيضًا -: للأخت النصف، والباقي بين الجد والأم نصفين، فتكون المسألة من أربعة، وهي إحدى مربعات ابن مسعود.
وقول عثمان: للأم الثلث، وللأخت الثلث، وللجد الثلث.
(و) تُسمَّى (المُسَدَّسة) لأن الأقوال فيها ترجع في المعنى إلى ستة. وتقدَّمت الإشارة إليه.
(و) تُسمَّى (المُخَمَّسة) لاختلاف خمسة من الصحابة فيها: عثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد.
(و) تُسمَّى (المربَّعة) لما تقدم من أنها إحدى مربعات ابن مسعود.
(و) تُسمَّى (المثلَّثة) لقسم عثمان لها من ثلاثة.
(و) لذلك سُميت (العثمانية) أيضًا.
(و) تُسمَّى أيضًا (الشَّعْبية والحَجَّاجيَّة) لأن الحجاج امتحن بها الشعبيَّ، فأصاب فعفا عنه
(1)
.
(1)
أخرج عبد الرزاق (10/ 269) رقم 19069، وسعيد بن منصور (1/ 52) رقم 71، وابن أبي شيبة (11/ 302)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 142) رقم 1388، والبيهقي (6/ 252)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (4/ 314) عن الشعبي قال: أتى بي الحجاج موثقًا
…
فاحتاج إلي في فريضة فبعث إلي وقال: ما تقول في أم وأخت وجد؟ قلت: اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن مسعود وعلي وعثمان وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس؟ قال: فما قال فيها ابن عباس؟ إن كان =
(وولدُ الأب) ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر (كولد الأبوين في مُقاسمةِ الجَدِّ، إذا انفردوا) عن ولد الأبوين؛ لاستواء درجتهم بالنسبة إلى أبي الميت.
(فإن اجتمعوا) أي: اجتمع ولدُ الأبوين، وولد الأب مع الجد (عادَّ
(1)
ولد الأبوين الجدَّ بولدِ الأب) أي: زاحمه به، وحسبه عليه من عداد الرؤوس؛ لأن الجدَّ والد، فإذا حجبه أخوان وارثان؛ جاز أن يحجُبه أخ وارث وأخ غير وارث، كالأم؛ ولأن ولد الأب يرثون معه إذا انفردوا، فيُعَدُّون عليه مع غيرهم، بخلاف ولد الأم؛ فإن الجد يحجبهم،
= لمتقنًا، قلت: جعل الجد أبًا، ولم يعط الأخت شيئًا، وأعطى الأم الثلث. قال: ما قال فيها ابن مسعود؟ قلت: جعلها من ستة، أعطى الأخت ثلاثة، وأعطى الجد اثنين، وأعطى الأم سهمًا. قال: فما قال فيها أمير المؤمنين؟ قال: قلت: جعلها أثلاثًا. فقال: ما قال فيها أبو تراب؟ قال: قلت: جعلها من ستة، أعطى الأخت ثلاثة، وأعطى الأم اثنين، وأعطى الجد سهمًا. قال: فما قال فيها زيد بن ثابت؟ قال: قلت: جعلها من تسعة، أعطى الأم ثلاثة، وأعطى الجد أربعة، وأعطى الأخت اثنين
…
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 228 - 229): "رواه البزار، والراوي عن الشعبي عباد بن موسى، وليس هو الختلي الذي احتج به الشيخان، وإنما هو العكلي، وذكر الذهبي في الميزان [2/ 378]: أنه تفرد عنه ابنه محمد بن عباد بن موسى بن راشد الملقب سندولا، وقد رواه البيهقي في سننه من رواية ابنه محمد بن عباد عنه، فأدخل بينه وبين الشعبي أبا بكر الهذلي، واسمه سلمى بن عبد الله، ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة وغيرهم، وكذبه غُندر، لكنه لم يتفرد عن عبادٍ ابنه محمد، فإنه عند البزار والبيهقي من رواية عيسى بن يونس عنه، وفي رواية للبيهقي: حدثنا موسى بن عباد حدثنا الشعبي، وعلى هذا فالحديث مضطرب الإسناد".
(1)
المُعادَّة: بضم الميم، وتشديد الدال المفتوحة. قال ابن الأعرابي: العديدة الحصة، والعدائد الحصص. وعادَّهم الشيء: تساهموه وتقاسموه بينهم، والعدائد: المال المقتسم والميراث. انظر: تهذيب اللغة (1/ 90)، ولسان العرب (3/ 282)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 7) مادة (عدد).
فلا يعدُّون عليه. ثم المُعادَّة إنما تكون عند الاحتياج إليها، فلو استُغني عنها - كجد وأخوين لأبوين وأخ من أب - فلا مُعادَّة؛ لأن للجد هنا أن لا يُقاسم، ويأخذ ثلث المال، فلا فائدة فيها.
(ثم) بعد عدّهم أولاد الأب على الجد، وأخذ الجد نصيبه، ويرجعون إلى المقاسمة، على حكم ما لو لم يكن معهم جد. فإن كان أولاد الأبوين ذكرًا فأكثر، أو إناثًا (أخذوا) أي: أولاد الأبوين (منهم) أي: أولادِ الأب (ما حصل لهم) فجد وأخ لأبوين، وأخ لأب، المسألة من ثلاثة: للجد واحد، ويأخذ الأخ للأبوين السهم الذي حصل له. والسهم الذي حصل لأخيه. وكذلك جد وأختان لأبوين، وأخ لأب، يأخذ الجد ثلثًا، ثم الأختان الثلثين، ويسقط الأخ، كما لو لم يكن جد واستغرقت الفروض التركة.
فإن قيل: الجد يحجب ولد الأم ولا يأخذ ميراثه، والإخوة يحجبون الأم ولا يأخذون ميراثها؟
أُجيب: بأن الجد وولد الأم يختلف سبب استحقاقهما للميراث. وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث المحجوب. وهنا سبب استحقاق الإخوة للميراث واحد، وهو الأخوّة والعصوبة، فأيهما أقوى
(1)
؛ حَجَب الآخر وأَخَذ ميراثه.
(إلا أن يكون ولد الأبوين أختًا واحدة، فتأخذ تمام النصف) كما لو لم يكن جد (وما فضل) عن الأحظ للجد، وعن النصف الذي فرض لها، فهو (لولد الأب) واحدًا كان أو أكثر، ذكرًا أو أنثى (ولا يتفق هذا) أي: أن يبقى لولد الأب بقية بعد نصيب الجد، ونصف الأخت لأبوين (في مسألة
(1)
في "ذ": "قوي".
فيها فرض غير السدس) لأنه لا يكون في مسائل المُعادَّة فرض إلا السدس أو الربع أو النصف؛ لأن الثلث إنما هو للأم مع عدم الولد والعدد من الإخوة أو الأخوات، والثلثان للبنات أو بنات الابن، والثُّمن للزوجة مع الولد، ولا مُعادَّة في ذلك، وإذا انتفى الثلثان والثلث والثُّمن، بقي النصف والربع والسدس. ومع الربع متى كانت المقاسمة أحظَّ له، بقي للإخوة أقل من النصف فهو لولد الأبوين، وإلا وجب أن يكون الربع للجد؛ لأنه ثلث الباقي، ولا يجوز أن ينقص عنه فيبقى للإخوة النصف، فهو للأخت لأبوين؛ لأنه فرضها، ولا يبقى لولد الأبوين شيء، وإن كان الفرض هو النصف، فالباقي بعده، وبعد ما يأخذه الجد على كل حال دون النصف، فتأخذه الأخت لأبوين، ولا يبقى لولد الأب شيء، فوجب إن كان فرض أن لا يكون غير السدس، وإن لم يكن في مسائل المُعادَّة فرض، لم يفضل عن الأخت لأبوين مع ولد أب وجد أكثر من السدس؛ لأن أدنى ما للجد الثلث، وللأخت النصف والباقي بعدهما هو السدس، وتارة لا يبقى شيء.
(فجد وأخت لأبوين، وأخت لأب) المسألة (من أربعة) عدد رؤوسهم (له) أي: الجد (سهمان) لأن المقاسمة إذًا أحظُّ له (ولكلِّ أخت سهمٌ) لأنهما كأخ (ثم ترجع الأخت لأبوين، فتأخذ ما في يد أختها كله) لتستكمل فرضها وهو النصف - كما لو كان مع الأختين بنت، فأخذت البنت النصفَ وبقي النصف، فإن الأخت لأبوين تأخذه جميعه وتسقط الأخت لأب - وترجع المسألة المذكورة بالاختصار لاثنين: للجد سهمٌ، وللأخت لأبوين سهم.
(وإن كان معهم) أي: الجد والأخت لأبوين والأخت لأب (أخ من
أب فـ) ــالمسألة من ستة؛ لأن فيها نصفًا، وثلثًا، وما بقي (للجد الثلث) اثنان (وللأخت النصف) ثلاثة (يبقى للأخ وأختيه السدس) واحد (على ثلاثة) لا ينقسم ويباين، فاضْرِب الثلاثة في الستة (تصح من ثمانية عشر) للجد ستة، وللأخت لأبوين تسعة، وللأخت لأب سهم، وللأخ لأب سهمان.
وكذا جد وأخت لأبوين، وثلاث أخوات لأب، تصح من ثمانية عشر، للجد ستة، وللتي لأبوين تسعة، وللباقيات لكل واحدة سهم.
(وإن كان معهم) أي: مع الجد والأخت لأبوين، والأخ لأب، والأخت لأب (أم، فلها السدس) لوجود العدد من الإخوة (وللجد ثلث الباقي) لأنه أحظ له إذًا (وللأخت) لأبوين (النصف) لأنه فَرْضها (والباقي لولدي الأب) على ثلاثة، فالمسألة من ثمانية عشر، للأم ثلاثة، وللجد خمسة، وللتي لأبوين تسعة؛ يبقى لولدي الأب واحد لا ينقسم عليهما، فاضْرِب ثلاثة في ثمانية عشر (تصح من أربعة وخمسين) للأم تسعة، وللجد خمسة عشر، وللتي لأبوين سبعة وعشرون، وللأخ لأب سهمان، ولأخته سهم (وتُسمَّى: مُختصَرة زيد) بن ثابت بن الضحَّاك الخزرجي كاتب الوحي رضي الله عنه، وفضله أشهر من أن يُذكر؛ لأنه صحَّحها من مائة وثمانية، وردَّها بالاختصار إلى ما ذكر. وبيانه: أن المسألة من مخرج فرض الأم من ستة، للأم واحد، يبقى خمسة على ستة بعدد رؤوس الجد والإخوة، لا تنقسم وتباين، فتضرب عددهم ستة في أصل المسألة ستة، يحصُل ستة وثلاثون، للأم ستة، وللجد عشرة، وللتي لأبوين ثمانية عشر، يبقى سهمان لولدي الأب على ثلاثة، لا تنقسم وتباين، فتضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانية، ومنها تصح
للأم ثمانية عشر، وللجد ثلاثون، وللشقيقة أربعة وخمسون، وللأخ لأب أربعة، وللأخت لأب سهمان، والأنصباء تتفق بالنصف، فترد المسألة إلى نصفها، ونصيب كل وارث إلى نصفه، فترجع إلى ما ذكر أولًا.
ولو اعتبرت للجد فيها ثلث الباقي، لصحَّت ابتداء من أربعة وخمسين، كما أُشير إليه أولًا.
(فإن كان معهم) أي: مع الأم والجد، والشقيقة والأخ والأخت لأب (أخ آخر من أب، صحَّت) المسألة (من تسعين) لأن للأم السدس، ثلاثة من ثمانية عشر، وللجد ثلث الباقي، خمسة، وللشقيقة النصف تسعة، يفضل واحد لأولاد الأب على خمسة، فاضْرِب خمسة في ثمانية عشر بتسعين، ثم اقْسِم، فللأم خمسة عشر، وللجد خمسة وعشرون، وللشقيقة خمسة وأربعون، ولكل أخ لأب سهمان، ولأختهما سهم (وتُسمَّى: تِسعينيَّة زيد) لأنه صحَّحها من تسعين.
(فإن اجتمع مع الجد أُختان لأبوين، وأُخت لأب فـ) ــالمسألة (من خمسة) عدد رؤوسهم (للجد سهمان) لأن المقاسمة خير له (وللأختين لأبوين سهمان، وهما ناقصان عن الثلثين، فيَستردَّان ما في يد الأخت للأب - وهو سهم - فلا تكمل الثلثان) لهما (فيقتصر على استرداد ذلك) ولا عَوْل؛ لأن الجد يعصب الأخوات، وإذا قسمت الثلاثة على الشقيقتين لم تنقسم، فاضْرِب اثنين في خمسة (وتصحّ من عشرة) للجد أربعة، ولكل شقيقة ثلاثة.
(ومن المُلَقَّبات) الفرضية: (اليتيمتان) وهما (زوج وأخت لأبوين، أو) أخت (لأب) تشبيهًا بالدرة اليتيمة؛ إذ ليس لنا مسألة يورث فيها المال
كله بفرضين متساويين غيرهما.
(و) من المُلَقَّبات: (المُبَاهَلَة) وهي (زوج وأم وأخت لأبوين، أو لأب) لقول ابن عباس فيها: "مَن شاءَ باهلتُه أنَّ المسألةَ لا تعولُ، إن الذي أحصى رمل عالج عَددًا أعدل من أن يَجعل في مال نصفًا ونصفًا وثلثًا، هذان نِصفان ذَهَبا بالمالِ، فأين مَوضِعُ الثلث؟ "
(1)
ومعنى المباهلة: الملاعنة، والتباهل: التلاعن، وهذه أول فريضة عالت في الإسلام.
(و) من المُلَقَّبَات: (الغرَّاء، والمَروانية) وهي (زوج، وولد أم، وأختان) لغيرها؛ لأنها حدثت بعد المباهلة، في زمن مروان، فاشتهر العول بها.
(و) من المُلَقَّبات: (أم الأرامل) وهي (ثلاث زوجات وجدتان، وأربع أخوات لأم، وثمان) أخوات (لأبوين، أو لأب) لأنوثية جميع
(1)
لم نقف على من أخرجه بهذا السياق وقد أخرج عبد الرزاق (10/ 254) رقم 19022، وسعيد بن منصور (1/ 19) رقم 36، من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أحصى الله رمل عالج، ولم يحص هذا! ما بال في مال، ثلثان، ونصف؛ يعني أن الفريضة لا تعول. لفظ عبد الرزاق. وأخرجه الحاكم (4/ 340)، والبيهقي (6/ 253) من طريق الزهري به، مطولًا.
وفي رواية لعبد الرزاق (10/ 255) رقم 19024 عن طاوس، عن ابن عباس قال: لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفوني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 19) رقم 37، والجصاص في أحكام القرآن (3/ 23) عن عطاء، قال: قلت لابن عباس: إن الناس لا يأخذون بقولي ولا بقولك، ولو مت أنا وأنت ما اقتسموا ميراثًا على ما نقول، قال: فليجتمعوا، فلنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، ما حكم الله بما قالوا.
الورثة، وتُسمَّى: السبعة عشرية، والدينارية الصغرى، إذ كانت التركة فيها سبعة عشر دينارًا.
(و) من المُلَقَّبَات: (عَشَرية زيد) بفتح العين والشين، وهي (جد وأخت لأبوين، وأخ لأب) أصلها من خمسة عدد رؤوسهم؛ لأن المقاسمة أحظ للجد، فله سهمان، ثم يفرض للأخت النصف، فتضرب مخرجه اثنين في الخمسة. وتصح من عشرة، للجد أربعة، وللأخت خمسة، وللأخ لأب واحد.
وعشرينية زيد: جد وأخت لأبوين، وأختان لأب، أصلها خمسة، للجد سهمان، وللشقيقة النصف: سهمان ونصف، والنصف الباقي للأختين من الأب، لكل واحدة ربع، فتضرب مخرجه أربعة في الخمسة بعشرين، ومنها تصح للجد ثمانية، وللشقيقة عشرة، ولكل أخت لأب سهم.
(و) من المُلَقَّبات: (مَرَبَّعة الجماعة) وهي (زوجة وأخت) لأبوين، أو لأب (وجد) لإجماعهم على أنها من أربعة، وإن اختلفوا في كيفية القسمة، ومذهب زيد ومن وافقه: للزوجة الربع، والباقي بين الجد والأخت أثلاثًا.
(و) من المُلَقَّبات: (الدِّينارية) الكبرى (والرِّكابية) وهي (زوجة، وأم، وبنتان، واثنا عشر أخًا، وأخت) لغير أم، أصلها أربعة وعشرون، وجزء سهمها رؤوس الإخوة خمسة وعشرون، وتصح من ستمائة، للزوجة خمسة وسبعون، وللبنتين أربعمائة، وللأم مائة، ولكل أخ اثنان، وللأخت واحد. روي أن امرأة أخذتْ برِكاب عليٍّ، وقالت له: إن أخي من أبي وأمي مات، وترك ستمائة دينار، وأنابَني منه دينارًا
واحدًا؟ فقال: لعل أخاك خلَّف من الورثة كذا وكذا، قال: نعم، قال: قد استوفيتِ حقّك
(1)
.
(و) من المُلقَّبَات: (المأمونية) وهي (أبوان وابنتان، ماتت بنت) منهما (قبل القَسم) امتحن بها المأمون يحيى بن أكثم حين سأله أن يولِّيه القضاء
(2)
(وتأتي آخر المناسخات) موضحة.
(و) من المُلَقَّبات: (مسألة الامتحان) وهي (أربع زوجات، وخمس جدات، وسبع بنات، وتسعة إخوة) أصلها أربعة وعشرون، وجزء سهمها ألف ومائتان وستون. وتصح من ثلاثين ألفًا ومائتين وأربعين (والمذهب لا يرث أكثر من ثلاث جدات) كما يأتي، فلا تتمشَّى مسألة الامتحان على قواعدنا.
(و) من المُلَقَّبات: (مسألة الإلزام) وهي (زوج، وأم، وأخوان لأم) وتُسمَّى - أيضًا - مسألة المناقضة؛ لأن ابن عباس
(3)
لا يرى حَجْبَ الأم من الثلث إلى السدس إلا مع وجود ثلاثة من الأخوة أو الأخوات، ولا يرى العول، ويرد النقص مع ازدحام الفروض على من يصير عصبة في بعض الأحوال بتعصيب ذَكَرٍ لهنَّ، وهنَّ البنات والأخوات لغير أم، فأُلزم بهذه المسألة؛ لأنه إن أعطى الأم الثلث لكون الإخوة أقل من ثلاثة، وأعطى الأخوين الثلث، عالت المسألة، وهو لا يرى العول، وإن أعطاها سدسًا، فقد ناقض مذهبه في حجبها بأقل من ثلاثة، وإن أعطاها ثلثًا وأدخل النقص على ولدي الأم، ققد خالف مذهبه في إدخال النقص على
(1)
ذكره الكلوذاني في التهذيب ص/ 437.
(2)
ذكره الكلوذاني في التهذيب ص/ 411، وابن خلكان في وفيات الأعيان (6/ 148).
(3)
تقدم تخريجه (10/ 359) تعليق رقم (2).
من لا يصير عصبة بحال.
(وتأتي العُمَريتان) ويقال لهما: الغراوان، زوج وأبوان، وزوجة وأبوان.
(و) تأتي (المشَرَّكة وهي الحِماريَّة) زوج وأم، وأخوان لأم، وإخوة لهما لأبوين؛ لأن بعض أهل العلم شرَّك فيها بين ولد الأبوين، وولد الأم في الثلث، وقال: هب أباهم حمارًا، فما زادهم إلا قربًا
(1)
، وهي رواية نقلها حرب
(2)
.
(و) تأتي: (أم الفُروخ) بالخاء المعجمة، زوج، وأم، وإخوة لأم، وأختان فأكثر لغيرها؛ سُمِّيت بذلك لكثرة عولها، شَبَّهوا أصلها بالأم وعولها بفروخها، وليس في الفرائض مسألة تعول بثلثيها سواها.
(وهي الشُّريحيَّة) لحدوثها زمن القاضي شُريح، وله قصة فيها مشهورة يأتي ذكرها
(3)
.
(و) تأتي (المِنبريَّة) زوجة، وأبوان، وابنتان، سُئل عنها عليٌّ وهو على المِنبر يخطب فقال: صار ثمن المرأة تسعًا، ومضى في خطبته
(4)
.
(وهي البخيلة) لقلة عَوْلها.
(1)
أخرج الحاكم (4/ 337)، والبيهقي (6/ 256)، عن زيد بن ثابت أنه قال في المشركة:"هبوا أن أباهم كان حمارًا، ما زادهم الأب إلا قُربًا، وأشرك بينهم في الثلث".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 86): فيه أبو أمية بن يعلى الثقفي، وهو ضعيف.
(2)
مجموع الفتاوى (31/ 339)، ومنهاج السنة النبوية (6/ 98).
(3)
(10/ 395).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 258) رقم 19033، وأبو عبيد في غريب الحديث (3/ 486)، وسعيد بن منصور (1/ 19) رقم 34، وابن أبي شيبة (11/ 288)، والدارقطني (4/ 69)، والبيهقي (6/ 253).
فصل
(وللأم أربعة أحوال) ثلاثة منها يختلف ميراثها بسبب اختلافها، وأما الرابع فإنما يظهر تأثيره على المذهب في عصبتها، كما يأتي.
(فـ) ــإذا كانت (مع الولد) ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو متعددًا (أو) مع (ولد الابن) كذلك (أو) مع (اثنين ولو محجوبين من الإخوة والأخوات كاملي الحرية) فـ (ـــلها سدس) لقوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} وقوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}
(1)
.
وروى الحاكم
(2)
- وقال: صحيح الإسناد - أن ابن عباس قال لعثمان - رضي الله تعالى عنهم -: ليس الأخوان إخوةً في لسان قومك، فلِمَ تَحجُبُ بهما الأمَّ؟ فقال: لا أستطيع أن أرُدَّ شيئًا كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به. وهذا عن عثمان يدل على إجماع الناس على ذلك قبل مخالفة ابن عباس. قال الزمخشري
(3)
: لفظ الإخوة هنا يتناول
(1)
سورة النساء، الآية:11.
(2)
(4/ 335). وأخرجه - أيضًا - الطبري في تفسيره (4/ 278)، وابن حزم في المحلى (9/ 258)، والبيهقي (6/ 227) من طريق ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنه. فلا الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 460): وفي صحة هذا الأثر نظر، فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس، ولو كان هذا صحيحًا عن ابن عباس، لذهب إليه أصحاب الأخصاء به، والمنقول عنهم خلافه.
وقال الحافط ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 85): فيه نظر، فإن في شعبة مولى ابن عباس، وقد ضعَّفه النسائي.
(3)
الكشاف (1/ 373).
الأخوين؛ لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية. انتهى.
ولأن كل حَجْبٍ تعلَّق بعدد؛ كان أوله اثنين، كحجب البنات لبنات الابن، والأخوات من الأبوين للأخوات من الأب. وشمل قوله:"ولو محجوبين" ما إذا حجبا بالأب، أو بالجد كالإخوة للأم، وما إذا كان أحدهما وارثًا والآخر محجوبًا، كأخ شقيق وأخ لأب.
(و) للأم (مع عدمهم) أي: عدم الولد، وولد الابن، والعدد من الإخوة والأخوات (ثلث) لقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}
(1)
وهذا هو الحال الثاني.
(و) الحال الثالث أشار إليه بقوله: (في أبوين وزوج، أو زوجة، وهما: العمريَّتان) والغرَّاوان (لها ثلث الباقي بعد فرضيهما) أي: الزوجين، قضى بذلك عمر
(2)
، فتبعه عليه عثمان
(3)
، وزيد بن ثابت
(4)
، وابن مسعود
(5)
، وبه قال الجمهور.
(1)
سورة النساء، الآية:11.
(2)
أخرج عبد الرزاق (10/ 252) رقم 19015، وسعيد بن منصور (1/ 12) رقم 6، 7، وابن أبي شيبة (11/ 239)، والدارمي في الفرائض، باب 3، رقم 2875، والبيهقي (6/ 228) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان عمر رضي الله عنه إذا سلك طريقًا فتبعناه فيه، وجدناه سهلًا؛ قضى في امرأة وأبوين، فجعلها من أربعة، لامرأته الربع، وللأم ثلث ما بقي، وللأب الفضل.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 253) رقم 19016، وسعيد بن منصور (1/ 13) رقم 10، وابن أبي شيبة (11/ 238)، والدارمي في الفرائض، باب 3، رقم 2871، والبيهقي (6/ 228).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 253، 254) رقم 19017، 19021، وسعيد بن منصور (1/ 13)، رقم 11، 12، وابن أبي شيبة (11/ 238)، والدارمي في الفرائض، باب 3، رقم 2873، 2876، والبيهقي (6/ 228).
(5)
أخرج عبد الرزاق (10/ 253) رقم 19019، وابن أبي شيبة (11/ 241)، والدارمي =
وقال ابن عباس
(1)
: لها ثلث المال كله في المسألتين؛ لظاهر الآية، والحجة معه؛ لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على خلافه
(2)
. ووجهه: أنهما استويا في السبب المُدْلى به، وهو الولادة، وامتاز الأب بالتعصيب بخلاف الجد، فلو أعطينا الزوج فَرْضه، وأخذت الأم الثلث، لزم تفضيل أنثى على ذكر من حيز واحد في مرتبة واحدة، أو أعطينا الزوجة فرضها، والأم الثلث كاملًا، لزم أن لا يفضل عليها التفضيل المعهود مع اتحاد الجهة والرتبة، فلذلك استدركوا هذا المحذور، وأعطوا الأم ثلث الباقي، والأب ثلثيه؛ مراعاة لهذه المصلحة.
(و) الحال (الرابع: إذا لم يكن لولدها أب، لكونه ولدَ زنىً، أو ادَّعَتْهُ) أي: ادَّعت أنه ولدها (وأُلحق بها) ولو كانت ذات زوج، دون
= في الفرائض، باب 3، رقم 2877، عن المسيب بن رافع قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما كان الله ليراني أفضِّل أمًّا على أب. انظر ما تقدم في التعليق رقم (2) آنفًا.
(1)
أخرج عبد الرزاق (10/ 254) رقم 19020، وابن أبي شيبة (11/ 241 - 242)، والبيهقي (6/ 228) عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين فقال زيد: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال، فأرسل إليه ابن عباس: في كتاب الله تجد هذا؟ قال: أكره أن أفضل أمًّا على أب، وكان ابن عباس يعطي الأم الثلث من جميع المال.
وأخرج الدارمي في الفرائض، باب 3، رقم 2879، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في زوج وأبوين: للزوج النصف، وللأم ثلث جميع المال، وما بقي فللأب.
وأخرج عبد الرزاق (10/ 253) رقم 19018، وابن أبي شيبة (11/ 240)، والدارمي في الفرائض، باب 3، رقم 2881، عن إبراهيم النخعي قال: خالف ابن عباس أهل القبلة في امرأة وأبوين، جعل للأم الثلث من جميع المال.
(2)
الإقناع في مسائل الإجماع (3/ 1415) رقم 2642، والمغني (9/ 23)، وانظر: الاستذكار (15/ 411).
زوجها الجاحد له، وتقدم
(1)
(أو) لكونه (منفيًّا بلِعان، فإنه ينقطع تعصيبه) أي: الولد (ممن نفاه) باللعان (ونحوه) كجَحْد زوج المُقِرَّة به (فلا يرثه هو) أي: النافي (ولا أحد من عصبته) لانقطاع السبب، وهو النسب، وكذا الزاني وعصبته، لا يرثون ولد الزنى، وكذا زوج المُقِرَّة وعصبته لا يرثون من أقرَّت به، إن لم يصدقوها؛ لانقطاع نسبه (ولو) كان التعصيب (بإخوة من أب، إذا ولدت توأمين) من زنىً أو زوج نفاهما باللعان، فإذا مات أحدهما (فلا يرث) منه (الأخ من الأب) الذي هو توأمه بإخوته من الأب شيئًا (ولا يحجب) توأمه أحدًا ممن يحجبه الأخ لأب (لأنه لا نَسَبَ له) إذ ليس لواحد منهما أب ينتسب إليه (وترث أُمُّه) منه فَرْضها (و) يرث (ذو فرض منه) أي: من ولد زِنىً ومنفي بلِعان ونحوه (فَرْضه) كغيره؛ لأن كونه لا أب له لا تأثير له في منع ذي فرض من فرضه.
(وعصبته) أي: عصبة من لا أب له شرعًا (عصبة أُمِّه) رُوي عن علي
(2)
وابن عباس
(3)
وابن عمر
(4)
- رضي الله تعالى عنهم -، إلا أن عليًّا
(1)
(9/ 544).
(2)
أخرج عبد الرزاق (7/ 125) رقم 12481، 12482، وسعيد بن منصور (1/ 38) رقم 120، وابن أبي شيبة (11/ 339)، والدارمي في الفرائض، باب 24، رقم 2965، والبيهقي (6/ 258) عن علي رضي الله عنه قال: عصبة ابن الملاعنة عصبة أُمه.
(3)
أخرج الدارمي في الفرائض، باب 24، رقم 2970 عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في ولد الملاعنة: هو الذي لا أب له، ترثه أُمه، وإخوته من أُمه، وعصبة أُمه.
(4)
أخرج عبد الرزاق (7/ 124) رقم 12478، والدارمي في الفرائض، باب 24، رقم 2968 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ابن الملاعنة يدعى لأُمه، ومن قذف لأمه يقول: يا ابن الزانية، ضُرب الحد، وأمه عصبته يرثها وترثه.
يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له.
ووجه قولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحِقُوا الفَرائِضَ بأهلهَا، فما بَقِي فهو لأوْلى رَجلٍ ذكرٍ" متفق عليه
(1)
، وقد انقطعت العصوبة من جهة الأب، فبقي أولى الرجال به أقارب أُمّه، فيكون ميراثه بعد أخذ ذوي الفروض فرضهم؛ له، وفي حديث سهل بن سعد في المتلاعنين:"فَجَرت السُّنَّةُ أن يرثُها، وأنَّها تَرثُ منه ما فَرَضَ الله لها" رواه الشيخان
(2)
، ومفهومه: أنها لا ترث أكثر من فرضها فيبقى الباقي لذوي قرابته وهم عصبتها، وعلى هذا فإن كانت أُمُّه مولاةً، فما بقى لمولاها، فإن لم يكن لأمِّه عصبة، فلها الثلث فرضًا والباقي ردًّا في قول علي وسائر من يرى الرد (في إرث فقط، كقولنا في الأخوات مع البنات: عصبة، فلا يعقلون) أي: عصبة أُمّه (عنه، ولا يثبت لهم) عليه (ولاية التزويج) لو كان أنثى (ولا غيره) كولاية المال؛ لأنهم ينتسبون إليه بقرابة الأم، وهي ضعيفة.
ولا يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في غيره، كما في الأخوات مع البنات، وتقدمت الإشارة إليه.
واختار أبو بكر عبد العزيز أن عصبته نفس أُمِّه، فإن لم تكن، فعصبتُه عصبتها، وهو قول ابن مسعود
(3)
، ورُوي نحوه عن علي
(4)
.
(1)
تقدم تخريجه (10/ 335) تعليق رقم (3).
(2)
البخاري في التفسير، باب 2، حديث 4746، وفي الطلاق، باب 31، حديث 5309، ومسلم في اللعان، حديث 1492 (2).
(3)
أخرج عبد الرزاق (7/ 124) رقم 12479، وإن أبي شيبة (11/ 337)، والدارمي في الفرائض، باب 24، رقم 2954، والبيهقي (6/ 258 - 259) عن قتادة أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ميراث ولد الملاعنة كله لأمّه، زاد البيهقي: فإن لم تكن له أم كان لعصبتها.
(4)
أخرج البيهقي (6/ 258) عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء =
ومذهب زيد بن ثابت
(1)
: أنها ليست بعصبة، ولا عصبتها عصبة له، وهو مقتضى القياس وظاهر القرآن، ولعل الإمام لم يقل به لمخالفة من تقدم من الصحابة له، فلولا أن معهم توقيفًا في ذلك لما صاروا إليه؛ لأنه ليس مما يقال بالرأي، فيكون معهم زيادة علم في ذلك لم يعلمها غيرهم، فيكون قولهم أرجح لذلك.
قال ابن نصر الله في "حاشية" له على "المغني": ولم أر من نبَّه على ذلك، وهو أصل كبير، ينبغي النظر فيه، وهو أن الصحابة إذا اختلفوا على قولين، وكان أحدهما موافقًا للقياس، والآخر مخالفًا له، وليس مما يقال بالرأي، يؤخذ بالقول المخالف للقياس، أي: لأن الظن بهم صدوره عن توقيف.
ومحل كون عصبة الأم عصبة له (إن لم يكن له) أي: لولد الزنى والمنفي بلِعان ونحوه (ابن ولا ابن ابن، وإن نَزَل) بمحض الذُّكور (ويكون الميراث) أي الباقي بعد الفروض إن كانت (لأقربهم) أي:
= قوم إلى علي رضي الله عنه فاختصموا في ولد المتلاعنين، فجاء ولد أبيه يطلبون ميراثه، قال: فجعل ميراثه لأمه، وجعلها عصبة.
وأخرج - أيضًا - (6/ 258)، عن الشعبي، عن علي وعبد الله رضي الله عنهما قالا: عصبة ابن الملاعنة أمه، ترث ماله أجمع، فإن لم تكن له أم فعصبتها عصبته، وولد الزنى بمنزلته.
(1)
أخرج عبد الرزاق (7/ 125) رقم 12485، وابن أبي شيبة (11/ 337)، والبيهقي (6/ 258) عن قتادة: أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال في ابن الملاعنة: الثلث لأمه، وما بقي في بيت المال.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 38) رقم 119، والدارمي في الفرائض، باب 24، رقم 2958، والبيهقي (6/ 258) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال في ابن الملاعنة مات وترك أُمه وأخاه: لأمّه الثلث، ولأخيه السدس، وما بقي فلبيت المال.
العصبة (منها) أي: الأم (فإن خلف) ولد الزنى أو المنفي بلعان ونحوه (أمه، وأباها، وأخاها، فلها الثلث) إجماعًا
(1)
(والباقي لأبيها) على المذهب؛ لأنه أقرب عصبتها (وإن كان مكان الأب جد) فالمسألة: أمٌّ وجدُّها وأخوها (فـ) ــللأم الثلث و (الباقي بين أخيها وجدها نصفين) لاستوائهما في القرب منها، وتصح من ثلاثة.
(وإن خلَّف) ولدُ الزنى ونحوه (أمًّا وخالًا) لغير أم (فلها الثلث، والباقي للخال) لأنه عصبة أُمّه (وإن كان معهما) أي: الأم والخال (أخ لأم، فـ) ــللأم الثلث و (له) أي: الأخ لأم (السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا، ويسقط الخال) لأن الابن أقرب من الأخ.
(ويرث أخوه) أي: المنفي بلِعان، وولد زنىً ونحوه (لأمّه مع بنته بالعصوبة فقط) فإذا مات عن بنت وأخ لأم، فلبنته النصف، والباقي لأخيه لأمِّه عصوبة، ولا شيء له بالفرض؛ لسقوطه بالبنت.
و (لا) ترث (أخته لأُمّه) مع بنته شيئًا؛ لأنها محجوبة بالبنت عن الفرض ولا عصوبة لها.
(فإذا خَلَّف) ولد زنىً ونحوه (بنتًا وأخًا) لأم (وأختًا لأم، فلبنته النصف) فرضًا (والباقي للأخ) تعصيبًا؛ لأنه أقربُ عصبةِ أُمّه (وبدون البنت لهما الثلث فرضًا، والباقي للأخ) عصوبة، ومن هنا تعلم أن المراد بعصبة الأم العصبة نفسه فقط.
(وإذا قُسِم ميراثُ ابن الملاعنة، ثم أكذب المُلاعِن نفسه، لَحِقَهُ الولد) وإن لم يكن له ولد ولا قوم
(2)
؛ لأنه أقرَّ بحق عليه ولا نظر للتهمة
(1)
انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 85.
(2)
في "ذ" ومطالب أولي النهى (4/ 553): "توأم".
(ونُقِضَت القسمة) كما لو اقتسموا في غيبة بعضهم.
(وإذا مات ابن ابن مُلاعِنة، وخلَّف أُمّه وجدته أمَّ أبيه، وهي المُلاعِنة) ولا عصبة (فالكل لأُمّه فرضًا وردًّا) لأن الجدة لا ترث مع الأم.
(وينقطع التوارث بين الزوجين إذا تَمَّ اللعان) لانقطاع النكاح الذي هو سببه.
(وإن مات أحدهما قبل إتمامه) أي: اللعان (ورثه الآخر) لبقاء النكاح إلى الموت، وعدم المانع.
فصل في إرث الجدة
(ولجدَّة فأكثر) إلى ثلاث (إذا تحاذَيْن) أي: تساوين في الدرجة (السُّدس) إجماعًا
(1)
، ذكره في "المغني"؛ لحديث عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم:"قضى للجدَّتين من الميراث بالسُّدُس بينهما" رواه عبد الله بن أحمد في زوائد "المسند"
(2)
.
(1)
انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 84، ومراتب الإجماع ص/ 180، والتمهيد (11/ 98)، والإقناع في مسائل الإجماع (3/ 1429 - 1434).
(2)
(5/ 327) في حديث طويل.
وأخرجه - أيضًا - الحاكم (4/ 340)، والبيهقي (6/ 235) من طريق إسحاق بن يحيى، عن عبادة رضي الله عنه.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
وقال البيهقي: إسحاق عن عبادة مرسل.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 227): رواه الطبراني في الكبير وأحمد في أثناء حديث طويل، وإسنادهما منقطع، إسحاق بن يحيى لم يسمع من عبادة.
(و) الجدة (القُرْبى، ولو) كانت (من جهة الأب تحجُبُ) الجدة (البُعْدى) لأنها جدة قُربى فتحجُب البُعْدى، كالتي من قِبل الأم؛ ولأن الجدات أُمَّهات يرثن ميراثًا واحدًا من جهة واحدة، فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهنَّ، كالآباء، والأبناء، والإخوة، والبنات، وقال مالك
(1)
، والشافعي
(2)
في الصحيح عنه: لا تحجب القُرْبى من جهة الأب البُعْدى من جهة الأم، لقوتها.
(ولا يَرِث أكثرُ من ثلاث جدَّات) وهن (أُمُّ الأم، وأُمُّ الأب، وأُمُّ الجد) أبي الأب فقط (ومن كان من أُمهاتِهن وإن علونَ أُمومةً) روي ذلك عن علي، وزيد
(3)
، وابن مسعود
(4)
؛ لما روى سعيد في "سننه" عن إبراهيم النخعي، "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ورَّث ثلاث جدَّاتٍ، ثِنْتَيْنِ من قِبل الأب، وواحدةً من قِبل الأم"
(5)
. وأخرجه أبو عبيد والدارقطني
(6)
. وروى
(1)
الاستذكار (15/ 453)، وانظر: منح الجليل (4/ 706).
(2)
مختصر المزني ص/ 188، وانظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (6/ 17).
(3)
أخرج سعيد بن منصور (1/ 32) رقم 84، والدارمي في الفرائض، باب 20، رقم 2943، والبيهقي (6/ 236) عن الشعبي أن عليًّا وزيدًا رضي الله عنهما كانا يورثان ثلاث جدَّات، ثنتين من قِبَل الأب، وواحدة من قِبَل الأم، وكانا يجعلان السدس لأقربهما.
وأثر زيد أخرجه - أيضًا - الدارقطني (4/ 91)، والبيهقي (6/ 236).
(4)
أخرج سعيد بن منصور (1/ 33) رقم 91، عن الشعبي، وابن أبي شيبة (11/ 323)، والبيهقي (6/ 236) عن إبراهيم: كان عبد الله رضي الله عنه يورث ثلاث جدَّات، ثنتين من قِبَل الأب، وواحدة من قِبَل الأم، فكان يجعل السدس بينهن ما لم يرث واحدة منهن أخرى التي من قِبَل الأب.
(5)
سعيد بن منصور (1/ 30) حديث 79، بنحوه.
(6)
لم نقف عليه في مظانه من كتب أبي عبيد المطبوعة، وأخرجه الدارقطني (4/ 91).
وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المراسيل ص/ 260، حديث 355، 356، وعبد الرزاق =
سعيد - أيضًا - عن إبراهيم: "أنَّهم كانوا يُوَرِّثون من الجدَّات ثلاثًا، ثنتين من قِبل الأب، وواحدة من قبل الأم"
(1)
. وهذا يدل على التحديد بثلاث، وأنه لا يورث من فوقها.
(والجدات المتحاذيات أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب) وكذا أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب.
وإن أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن، فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدَّتين: أُم أمه وأم أبيه، وفي الثانية أربعًا؛ لأن لكل واحد من أبويه جدتين، فهما أربع بالنسبة إليه، وفي الثالثة: ثمان؛ لأن لكل واحد من الأبوين أربعًا على هذا الوجه، فيكون لولدهما ثمان، وعلى هذا، كلما عَلَوْنَ درجة يضاعف عددهن ولا يرث منهن إلا ثلاث.
(وترث الجدة) أم الأب (و) ترث (أم الجد وابنهما حي، سواء كان أبًا أو جدًّا) فلا يحجُب الأبُ أمَّ نفسه، ولا أمَّ أبيه، وكذلك الجدُّ لا يحجُب أمَّه (كما لو كان عمًّا) روي عن عمر
(2)
، وابن
= (10/ 273) حديث 19079، وابن أبي شيبة (11/ 322)، والدارمي في الفرائض، باب 18، حديث 2938، والبيهقي (6/ 236)، من طرق عن منصور، عن إبراهيم، به.
قال البيهقي: هذا مرسل.
وأخرجه الدارقطني (4/ 90)، والبيهقي (6/ 236)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 249) حديث 1674، من طريق خارجة بن مصعب، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد.
قال البيهقي: وهو - أيضًا - مرسل.
(1)
سعيد بن منصور (1/ 33) رقم 94.
(2)
أخرج عبد الرزاق (10/ 277) رقم 19094، وسعيد بن منصور (1/ 33) رقم 90، وابن أبي شيبة (11/ 330 - 331) وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 585) رقم 3780، 3781، والدارمي في الفرائض، باب 18، رقم 2937، والبيهقي (6/ 226) من طريق إبراهيم بن ميسرة، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورَّث =
مسعود
(1)
، وأبي موسى
(2)
، وعمران بن حصين
(3)
، وأبي الطفيل
(4)
= جدَّة رجل من ثقيف مع ابنها. وفي لفظ لأحمد: ورث الجدة وابنها حي.
قال البيهقي: رواية صحيحة.
قال ابن التركماني في الجوهر النقي: ابن المسيب لم يسمع من عمر، فكيف تكون هذه الرواية صحيحة؟!
(1)
أخرج عبد الرزاق (10/ 277) رقم 19090، عن الشعبي، وسعيد بن منصور (1/ 36) رقم 109، وابن أبي شيبة (11/ 331)، والبيهقي (6/ 226)، عن أبي عمرو الشيباني، أن عبد الله بن مسعود ورَّث جدَّة مع ابنها. وصححه البيهقي.
وأخرج الدارمي في الفرائض، باب 18، رقم 2935، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود قال: إن أوَّل جدَّة أطعمت في الإسلام سهمًا أم أب، وابنها حي.
وفي رواية للدارمي في الفرائض، باب 21، رقم 2947، عن إبراهيم، عن ابن مسعود قال: ترث الجدَّة، وابنها حي.
(2)
أخرج عبد الرزاق (10/ 278) رقم 19097، عن بلال بن أبي بردة، أن أبا موسى الأشعري كان يورِّث الجدَّة مع ابنها.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 35) رقم 103، وابن أبي شيبة (11/ 332)، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، أن رجلًا من بني حنظلة يقال له: حسكة، هلك ابن له وترك أباه حسكة وأم أبيه، فرفع ذلك إلى أبي موسى الأشعري، فكتب ذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن ورِّث أم حسكة من ابن حسكة مع ابنها حسكة.
وفي رواية لسعيد بن منصور (1/ 35) رقم 105 عن الحسن، أن الأشعري ورَّث أم حسكة من ابنٍ لحسكة وحسكة حي.
(3)
أخرج سعيد بن منصور (1/ 35) رقم 102، عن حميد بن هلال العدوي، عن رجل منهم، أن رجلًا منهم مات وترك جدَّتيه، أم أمه وأم أبيه، وأبوه حي، فولِيتُ تركته، فأعطيت السدس أم أمه وتركت أم أبيه، فقيل لي: كان ينبغي أن تشرك بينهما، فأتيت عمران بن حصين فسألته عن ذلك فقال: أشرك بينهما في السدس، ففعلت.
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 331)، والدارمي في الفرائض، باب 18، رقم 2941، والبيهقي (6/ 226) عن أبي الدهماء، عن عمران بن حصين أن قال: ترث الجدَّة، وابنها حي.
(4)
لم نقف على من رواه مسندًا، وقد ذكره ابن عبد البر في التمهيد (11/ 104).
- رضي الله تعالى عنهم -؛ لما روى ابن مسعود: "أوَّل جدَّة أطعمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم السُّدُسَ أُمُّ أب مع ابنها وابنُها حيٌّ" أخرجه الترمذي
(1)
، ورواه سعيد بن منصور، إلا أن لفظه:"أوَّل جدَّةٍ أُطعِمَت السُّدُسَ أمُّ أبٍ مع ابْنِها"
(2)
. وقال ابن سيرين: "أوَّلُ جَدَّةٍ أطعَمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السُّدُسَ أمُّ أبٍ مع ابنِها"
(3)
.
ولأن الجدات أُمهات يَرِثْن ميراث الأم، لا ميراث الأب، فلا يُحجَبن به، كأُمهات الأم.
(وإن اجتمعت جدة ذات قرابتين مع) جدة (أخرى) ذات قَرابة واحدة (فلها) أي: ذات القَرابتين (ثلثا السدس) ولذات القرابة ثلثه؛ لأنها شخص ذو قرابتين، يرث بكلِّ واحدةٍ منهما منفردة، لا يرجح بهما على غيره، فوجب أن تَرِث بكلِّ واحدة منهما، كابن العمِّ إذا كان أخًا لأم، أو زوجًا، وفارقت الأخ لأبوين؛ لأنه رجح بقرابته على الأخ لأب، ولا يجمع بين الترجيح بالقرابة الزائدة والتوريث بها، فإذا وجد أحدهما،
(1)
في الفرائض، باب 11، حديث 2102. وأخرجه - أيضًا - البزار (5/ 325) حديث 1946، والبيهقي (6/ 226)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 250) حديث 1675 من طريق محمد بن سالم، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه.
وقال البزار: هذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه إلا محمد بن سالم ولم يُتابع عليه، ومحمد بن سالم هذا ليِّن الحديث.
وقال البيهقي: تفرَّد به محمد بن سالم، وهو غير محتج به.
(2)
(1/ 34) حديث 99، عن هشيم، عن الشعبي، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 261، حديث 358، وعبد الرزاق (10/ 277) حديث 19093، وسعيد بن منصور (1/ 34) حديث 95، وابن أبي شيبة (11/ 331).
انتفى الآخر، ولا ينبغي أن يُخلَّ بهما جميعًا، وهاهنا قد انتفى الترجيح فيثبت التوريث.
وقال الشافعي
(1)
وأبو يوسف
(2)
: السدس بينهما نصفين، وهو قياس قول مالك
(3)
.
(فلو تزوَّج بنت عمته) فأتت بولد (فجدته أم أم أم ولدهما، وأم أبي أبيه) فترث معها أم أم أبيه ثلث السدس.
(أو) تزوَّج (بنت خالته) فولدت ولدًا (فجدته أم أم أم وأم أم أب) فترث معها أم أم أبيه ثلث السدس.
(وقد تُدلي جدَّةٌ بثلاث جهات تَرِث بها) كما لو تزوَّج هذا الولد بنت خالة له، فأتت بولد منه، فالجدة المذكورة بالنسبة إليه أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب (فـ) ــهذه الجدة في هذه الصورة (ينحصر السدس فيها) لأنا لا نورِّث أكثر من ثلاث جدات.
(وأما أم أبي الأم، وأم أبي الجد، فلا ترثان بأنفسهما فرضًا؛ لأنهما من ذوي الأرحام) بل ترثان بالتنزيل عند توريث ذوي الأرحام، وكذا كل جدة أدلت بذكر بين أنثيين، اتفاقًا
(4)
، أو أدلت بجدٍّ أعلى؛ لأن القرابة
(1)
انظر: روضة الطالبين (6/ 10)، ومغني المحتاج (3/ 16)، والمجموع (15/ 234).
(2)
المبسوط للسرخسي (29/ 171)، وتبيين الحقائق (6/ 232)، والبحر الرائق (8/ 562).
(3)
انظر: الذخيرة (13/ 64)، ومنح الجليل على مختصر سيدي خليل (4/ 705 - 706).
(4)
انظر: المبسوط للسرخسي (29/ 165)، وتبيين الحقائق (6/ 232)، والبحر الرائق (8/ 561). وشرح الزرقاني على مختصر خليل (8/ 208)، والخرشي على مختصر خليل (8/ 202)، والشرح الصغير (6/ 410). وروضة الطالبين (6/ 9)، ومغني المحتاج (3/ 16)، والغرر البهية (6/ 574).
كلما بعدت ضعفت، والجدودة جهة ضعيفة.
(وتقدم
(1)
: لو ادَّعى اللقيطَ رجلان، فألحقته القافة بهما، فهما أبواه) أو: وطئ اثنان امرأة بشُبهة فأُلحق ولدها بهما، فهما أبواه (لأميهما إذا مات) المُلحَق بهما (مع أم أم نصف السدس، ولها) أي: أم الأم (نصفه).
وكذا لو أُلحق بأكثر من أب لأمهات الآباء نصف السدس بينهن سوية، ولأم الأم نصفه.
فصل في إرث البنات، وبنات الابن، والأخوات
(وللبنت الواحدة النصف) بلا خلاف
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}
(3)
.
(ولابنتين
(4)
فصاعدًا الثلثان) لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}
(3)
.
ولأنه صلى الله عليه وسلم: "أمَرَ بإعطاء ابنتي سعدٍ الثلُثَينِ" رواه أبو داود، وصححه الترمذي، والحاكم
(5)
.
(1)
(9/ 547).
(2)
الإجماع لابن المنذر ص/ 80، ومراتب الإجماع ص/ 179.
(3)
سورة النساء، الآية:11.
(4)
في متن الإقناع (3/ 189): "ولاثنتين".
(5)
أبو داود في الفرائض، باب 4، حديث 2892، والترمذي في الفرائض، باب 3، =
وقياسًا على الأختين. وشذَّ عن ابن عباس أن البنتين فرضهما النصف لظاهر الآية
(1)
، لكن قال الشريف الأُرمَوي
(2)
: صح عن ابن عباس رجوعه عن ذلك، وصار إجماعًا
(3)
.
(وبنات الابن، إذا لم تكن بنات) أي: لا واحدة ولا أكثر (بمنزلتهن) فلبنت ابن نصف، ولبنتي ابن فأكثر الثلثان؛ قياسًا على بنات الصلب، أو لدخول أولاد الابن في الأولاد على ما تقدم في
= حديث 2092، والحاكم (4/ 333 - 334).
وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الفرائض، باب 2، حديث 2720، وابن سعد (3/ 524)، وأحمد (3/ 352)، وأبو يعلى (4/ 34) حديث 2039، والطحاوي (4/ 395)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 881)، حديث 4892، والدارقطني (4/ 79)، والبيهقي (6/ 216)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 96)، وفي الاستذكار (15/ 390)، والواحدي في الوسيط (2/ 18)، وفي أسباب النزول ص/ 177، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد رواه شريك - أيضًا - عن عبد الله بن محمد بن عقيل.
وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وقال المنذري في تهذيب السنن (4/ 167) بعد ذكره كلام الترمذي: وعبد الله بن محمد بن عقيل اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديثه.
وحسنه ابن عبد البر في الاستذكار (14/ 394) وقال: هذه سنة نجتمع عليها لا خلاف فيها، والحمد لله.
(1)
انظر: شرح مشكل الآثار (3/ 321)، وتفسير القرطبي (5/ 63).
(2)
هو عرفة بن محمد الحيسوب الأرموي الدمشقي الشافعي، كان خبيرًا بعلم الفرائض والحساب، وكان يعرف ذلك معرفة تامة، وله فيه شهرة كلية. صنف حاشية على نزهة النظار شرح المنظومة المسماة: فتح الوهاب في الحساب، للرمزي، في مجلد، كانت وفاته سنة 930 أو 931 هـ رحمه الله تعالى. انظر: الكوكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة (1/ 260)، وهدية العارفين (5/ 663).
(3)
الإجماع لابن المنذر ص/ 79، والتمهيد (24/ 96)، وإعلام الموقعين (1/ 205).
الوقف
(1)
.
(فإن كانت بنتٌ) واحدة (وبنت ابن فأكثر، فللبنت النصف، ولبنت الابن فصاعدًا السدس، تكملةَ الثلثين) إجماعًا
(2)
؛ لما روى هذيل
(3)
بن شرحبيل قال: "سُئل أبو موسى عن ابنةٍ، وابنةِ ابنٍ، وأُخت، فقال: للابنة النصفُ وما بقي فللأخت، فأتى ابنَ مسعودٍ وأخبرهُ بقول أبي موسى، فقال: قد ضَلَلْتُ إذًا وما أنا من المُهتدين، أقضي فيها بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم: للابنةِ النِّصفُ، ولابنةِ الابن السدُسُ تكمِلة الثلُثين، وما بقي فللأختِ. فأتينا أبا موسى فأخبرناهُ بقَول ابن مسعودٍ، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحَبرُ فيكم" رواه البخاري
(4)
.
ولأنه قد اجتمع من بناته أكثر من واحدة؛ لأن بنات الصلب وبنات الابن كلهن نساء عن الأولاد، فكان لهن الثلثان، واختصت بنت الصلب بالنصف؛ لأنها أقرب، فبقي للبقية تمام الثلثين.
(إلا أن يكون مع بنات الابن) الواحدة فأكثر (ابنُ) ابن فأكثر (في درجتهن كأخيهن، أو ابنِ عمهن، فَيُعَصِّبُهن فيما بقي) بعد فرض البنت (للذكر مثل حظ الأنثيين) لدخولهم في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي
(1)
(10/ 78).
(2)
الإجماع لابن المنذر ص/ 80.
(3)
كذا في الأصول: هذيل - بالذال المعجمة - وفي كتب الحديث والتراجم: هزيل - بالزاي - وهو الصواب. وقد نبَّه عليه ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 83) فقال: هزيل، قيَّده الرافعي في الأصل بالزاي، وإنما صنع ذلك مع وضوحه؛ لأنه وقع في كلام كثير من الفقهاء: هذيل - بالذال - وهو تحريف. وقال في الفتح (12/ 42): ووهم من قال بالذال المعجمة.
(4)
في الفرائض، باب 8، 12، حديث 6736، 6742.
أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
(1)
ولا يُعَصِّبُهن من هو أنزل منهن متى كان لهن شيء من الثلثين؛ لعدم احتياجهن إليه؛ خلافًا لما في "شرح المنتهى".
(وإن استكمل البنات الثلثين) بأن كُنَّ ثنتين فأكثر (سقط بنات الابن) لمفهوم قول ابن مسعود فيما سبق: "السدُسُ تكمِلة الثلثينِ". وكذا بنت ابن ابن نازلة فأكثر مع بنتي ابن أعلى منها تسقط (إلا أن يكون معهنَّ في درجتهنَّ ذكر ولو) كان (غير أخيهن أو) كان الذكر (أنزل منهن فَيُعَصِّبُهن فيما بقي) لأنه إذا عصَّب من في درجته، فمن هي أعلى منه عند احتياجها إليه أولى.
(وبنت الابن مع بنات ابن الابن كالبنت مع بنات الابن) فللعُليا النصف، وللَّاتي يلينها السدس تكملة الثلثين. وإذا استوفى العاليات الثلثين، سقط مَن دونهن، إن لم يعصّبها ذكر بإزائها، أو أنزلَ منها.
(ويمكن عَوْل المسألة بسدس بنت الابن كله؛ كزوج وأبوين وبنت وبنت ابن، أصلها من اثني عشر) لأن فيها ربعًا وسدسًا، وما عداهما مماثل أو داخل فيهما (وتعول إلى خمسة عشر) للزوج ثلاثة، ولكل واحد من الأبوين اثنان، وللبنت ستة، ولبنت الابن اثنان (فلو عَصَّبها أخوها والحالة هذه، فهو الأخ المشؤوم؛ لأنه أضرَّ
(2)
) أخته (نفسها وما انتفع) لأنهما ساقطان؛ لاستغراق الفروض التَّركة.
(وكذا أختٌ لأبٍ) فأكثر، لها السدس تكملة الثلثين (مع الأخت) الواحدة (لأبوين) قياسًا على بنت الابن مع بنت الصُّلب.
(وكذا في بنات ابن الابن) واحدة كانت أو أكثر، لها السدس (مع
(1)
سورة النساء الآية: 11.
(2)
في متن الإقناع (3/ 189): "ضرَّ".
بنت الابن) الواحدة، وكذا كل نازلة مع أعلى منها من بنات الابن وإن نزل أبوهن.
(وفرض الأخواتِ من الأبوين) كفرض البنات عند عدمِهن وعدم بنات الابن، للواحدة النصف، وللثنتين فأكثر الثلثان إجماعًا
(1)
؛ لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} الآية
(2)
(أو) أي: وفرض الأخوات (من الأب عند عدمِهن) أي: عدم البنات وبنات الابن والشقيقات (مثل فرض البنات) للواحدة النصف، وللثنتين فأكثر الثلثان؛ للآية السابقة، أجمعوا
(3)
على أنها نزلت في الإخوة لغير أم.
(والأخوات من الأب معهن) أي: الشقيقات (كبنات الابن مع البنات سواء) ففي شقيقة وأخت لأب فأكثر: للشقيقة النصف، وللتي لأب فأكثر السدس تكملة الثلثين كما تقدم. فإن كان الشقيقات ثنتين فأكثر سقطت الأخوات لأب ما لم يُعَصَّبن (إلا أنه لا يُعَصِّبُهن إلا أخوهنَّ) دون ابنه؛ لأنه لا يُعَصِّب من في درجته من بنات الأخ، فمن هي أعلى منه أَولى.
(وأختٌ فأكثر لأبوين، أو لأب مع بنتٍ فأكثر، أو بنت ابن فأكثر: عصبةٌ يَرِثن ما فضل) عن ذوي الفروض (كالإخوة) لحديث ابن مسعود السابق في بنت وبنت ابن وأخت حيث قال: "وللأختِ ما بقي"
(4)
(فبنتٌ وبنتُ ابن وأخت) لأبوين أو لأب من ستة (للبنت النصف، ولبنت الابن السدس) تكملة الثلثين (والباقي للأخت) لما تقدم.
(ولو كان ابنتان وبنت ابن وأختٌ) لغير أم (فـ) ــالمسألة من ثلاثة
(1)
مراتب الإجماع ص/ 180، وانظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 83.
(2)
سورة النساء، الآية:176.
(3)
الإجماع لابن المنذر ص/ 82.
(4)
تقدم تخريجه (10/ 374) تعليق رقم (4).
(للبنتين الثلثان، والباقي للأخت) عصوبة (ولا شيء لبنت الابن) لاستغراق البنتين الثلثين.
(فإن كان معهن) أي: مع البنتين وبنت الابن والأخت (أم، فلها السدس) وللبنتين الثلثان (ويبقى للأخت سدس) تأخذه عصوبة.
(فإن كان بدل الأم زوجٌ، فالمسألة من اثني عشر، للزوج الربع، وللبنتين الثلثان، وبقي للأخت نصف السدس) تأخذه تعصيبًا.
(وإن كان معهم) أي: الزوج والبنتين والأخت (أم؛ عالت) المسألة (إلى ثلاثة عشر) للزوج ثلاثة، وللبنتين ثمانية، وللأم سهمان (وسقطت الأخت) لاستغراق الفروض التَّرِكة.
(وسواء كانت الأخت في هذه المسائل لأبوين أو لأب. فإن اجتمع مع) البنت فأكثر، أو مع بنت الابن فأكثر، و (الأخت لأبوين، ولدُ أب، فالباقي عن البنت أو البنات) أو بنت الابن أو بنات الابن أو عن البنت وبنت الابن كما تقدم (للأخت لأبوين) لأنها عصبة مُدْلِية بقرابتين كالأخ الشقيق (وسقط) بها (ولدُ الأب، أختًا كانت أو أخًا
(1)
أو إخوة، أو أخوات وإخوة) لما تقدم.
(وللأخ الواحد لأم السدس، ذكرًا كان أو أنثى؛ فإن كانا اثنين) ذكرين، أو أنثيين، أو خُنثيين، أو مختلفين (فصاعدًا، فلهم الثلث بينهم بالسوية) إجماعًا
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ
(1)
زاد في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 190): "أو أخوات"
(2)
الإجماع لابن المنذر ص/ 82.
شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}
(1)
أجمعوا
(2)
على أنها في الإخوة للأم، وقرأ ابن مسعود
(3)
وسعد بن أبي وقاص
(4)
: "وله أخٌ أو أختٌ من أُمٍّ".
والكلالة: الورثة غير الأبوين، والولدين، نص عليه
(5)
. وهو قول الصديق
(6)
.
وقيل: الميت الذي لا ولد له ولا والد. وروي عن عمر
(7)
،
(1)
سورة النساء، الآية:12.
(2)
الإجماع لابن المنذر ص/ 82، والتمهيد (5/ 199)، والاستذكار (15/ 464).
(3)
لم نقف على من رواه مسندًا، وقد ذكره ابن حجر في فتح الباري (12/ 4)، وفي التلخيص الحبير (3/ 86) وقال: لم أره عن ابن مسعود.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (3/ 1187) رقم 592، وابن أبي شيبة (11/ 416 - 417)، والدارمي في الفرائض، باب 26، رقم 2979، والطبري في تفسيره (4/ 287) رقم 8772 - 8775، وابن المنذر في تفسيره (2/ 594) رقم 1450، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 888) رقم 4937، والبيهقي (6/ 231).
قال الحافظ في الفتح (12/ 4): أخرجه البيهقي بسند صحيح.
(5)
الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص/ 355، والمغني (9/ 8).
(6)
أخرج ابن أبي شيبة (11/ 415 - 416)، والدارمي في الفرائض، باب 26، رقم 2976، والطبري في تفسيره (4/ 283 - 284) عن الشعبي قال: قال أبو بكر: رأيت في الكلالة رأيًا، فإن يك صوابًا فمن عند الله، وإن يك خطأ فمن قبلي والشيطان، الكلالة: ما عدا الولد والوالد.
وأخرجه عبد الرزاق (10/ 304) رقم 19190، مختصرًا عن الشعبي، عن أبي بكر، قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 89): رجاله ثقات إلا أنه منقطع.
(7)
أخرج ابن أبي شيبة (11/ 417)، والبيهقي (6/ 224)، عن السميط بن عمير قال: كان عمر يقول: أتى عليَّ زمان ما أدري ما الكلالة، وإذا الكلالة: مَن لا أب له ولا ولد.
وأخرج عبد الرزاق (10/ 303) رقم 19188، وسعيد بن منصور (3/ 1182) رقم 589، وابن أبي شيبة (11/ 415)، وابن المنذر في تفسيره (2/ 592) رقم 1442، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 887) رقم 4933، والحاكم (2/ 303)، والبيهقي =
وعلي
(1)
، وابن مسعود
(2)
.
وقيل: قرابة الأم.
فصل في الحجب
وهو المنع من الإرث بالكلية، أو من أوفر الحظَّين، مأخوذ من الحِجَاب، ومنه حاجب السلطان؛ لأنه يمنع من أراد الدخول إليه. وحاجب العين؛ لأنه يمنع ما ينحدر إليها.
وهو ضربان: حَجْب نقصان، كحَجْب الزوج من النصف إلى الربع بالولد، والزوجة من الربع إلى الثمن به، وبنت الابن عن النصف إلى السدس ببنت الصلب، ونحوه مما تقدم.
وحَجْب حرمان، وهو المراد هنا.
و (حجب النقصان يدخل على كل الورثة) كالأم عن الثلث إلى
= (6/ 225) عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت آخر الناس عهدًا بعمر، فسمعته يقول: الكلالة من لا ولد له. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: كذا في هذه الرواية، والذي روينا عن عمر، وابن عباس في تفسير الكلالة أشبه بدلائل الكتاب والسنة من هذه الرواية، وأولى أن يكون صحيحًا لانفراد هذه الرواية، وتظاهر الروايات عنهما بخلافها.
(1)
لم نقف على من رواه مسندًا، وقد أورده السيوطي في الدر المنثور (2/ 250) وعزاه إلى عبد بن حميد في تفسيره، وانظر: المبسوط (29/ 152)، والتهذيب للكلوذاني ص/ 196.
(2)
لم نقف على من أورده مسندًا، انظر: المبسوط (29/ 152)، والتهذيب للكلوذاني ص/ 196.
السدس بالولد، والأب عن المال إلى السدس بالابن، والزوجين على ما تقدم، والبنت عن النصف إلى المقاسمة بالابن، والابن عن الاستقلال إلى المشاركة بمن في درجته من الأولاد. وهكذا تفعل في كل واحد من الورثة بما يناسبه.
(وحَجْب الحرمان) تارة يكون بالوصف؛ كالرق والكفر، فيمكن دخوله على جميع الورثة، وتارة يكون بالشخص فـ (ــلا يدخل على خمسة) من الورثة (الزوجين والأبوين والولد) وضابطهم: من أدلى إلى الميت بنفسه غير المولى.
(ويسقط الجد بالأب) إجماعًا
(1)
؛ لأنه يُدلي به (و) يسقط (كلُّ جد) أعلى (بمن هو أقرب منه) لإدلائه به.
(و) تسقط (الجدات من كل جهة) أي: من جهة الأب أو الأم (بالأم) لأن الجدات يرثن بالولادة، فكانت الأم أَولى منهن؛ لمباشرتها الولادة.
(و) يسقط (ولدُ الابن) ذكرًا كان أو أنثى (بالابن) لقُربه، وكذا كل ولد ابن ابن نازل بابن ابن أعلى منه.
(و) يسقط (الأخ) لأبوين (و) تسقط (الأختُ لأبوين) بثلاثة (بالابن وابنه) وإن نزل (والأب) حكاه ابن المنذر إجماعًا
(2)
.
(ويسقط الأخ للأب) والأخت للاب (بهؤلاء الثلاثة) الابن وابنه والأب (وبالأخ الشقيق) وبالشقيقة، إذا صارت عَصَبة مع البنت أو بنت الابن، وتقدم.
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 84، ومراتب الإجماع ص/ 175.
(2)
الإجماع لابن المنذر ص/ 83، والاستذكار (15/ 415).
(وتسقط الأخوة لأم) ذكورًا كانوا أو إناثًا (بالولد، ذكرًا كان أو أُنثى، وبولد الابن ذكرًا كان أو أنثى، وبالأب، و) بـ (ــالجد لأب) وإن علا.
(ويسقط ابنُ الأخ) شقيقًا كان أو لأب (بالجد) وإن علا.
(ومن لا يرث لمانع فيه من رِقٍّ أو قَتْلٍ أو اختلاف دِين، لم يَحْجُب) أحدًا، لا حرمانًا ولا نقصانًا، بل وجوده كعدمه.
(وكذا لو كان ولد زنىً) أو منفيًا بلِعان، لا يحجب زوجة الزاني والملاعِن عن الربع إلى الثمن؛ لأن نسبه غير لاحق به، فلا أثر له.
ويَحجب زوجَ الزانية والملاعنة عن النصف إلى الربع؛ لأنه ولدها، وكذا يحجب مع أخ له آخر أمَّه من الثلث إلى السدس، فكلام المصنف ليس على إطلاقه؛ بدليل السوابق.
باب العصبات
جمع عَصَبَة، وهو جمع عاصِب، من العَصْب، وهو الشدُّ، ومنه: عِصابةُ الرأس؛ لأنه يُعصب بها، أي: يشد. والعَصَبُ؛ لأنه يشدُّ الأعضاء. وعِصابةُ القوم؛ لاشتداد بعضِهم ببعض، و {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}
(1)
أي: شديد. فَسُميت القرابة عَصَبةً؛ لشدَّة الأزر.
(العصبة: مَنْ يرث بغير تقدير) لأنه متى لم يكن معه ذو فَرْض، أخذ المالَ كله، وإن كان معه ذو فرض، أخذ الباقي.
واختصَّ التعصيب بالذُّكور غالبًا؛ لأنهم أهل الشدَّة والنُّصرة، ولما اختلفت أحوالهم في الشدة بالقرب والبعد، كان الأقرب أَولى، ومتى أُطلِق العاصب، فالمراد العاصب بنفسه، وله ثلاثة أحكام:
(وإن انفرد أخَذَ المالَ كله) تعصيبًا؛ لقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}
(2)
، وغير الأخ كالأخ.
(وإن كان معه) أي: العاصب (ذو فرض) واحد، أو أكثر (أخذ) العاصب (ما فضل عنه) لحديث:"ألحقُوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فلأوْلى رجُل ذكرٍ"
(3)
.
(وإن استوعَبَت الفروض المال، سقط) العاصب؛ لمفهوم الحديث المذكور.
(1)
سورة هود، الآية:77.
(2)
سورة النساء، الآية:176.
(3)
تقدم تخريجه (10/ 331) تعليق رقم (3).
(وهم) أي العصبة بالنفس: (كلُّ ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى) غير الزوج، فخرج الأخ للأم؛ لأنه يُدلي بأنثى.
(وهم) أي: العصبة المذكورة (الابنُ وابنُه) وإن نزل (والأب وأبوه) وإن علا (والأخ) شقيقًا كان أو لأب (وابنه) كذلك (إلا من الأم) فإن الأخ للأم من ذوي الفروض، وابنه من ذوي الأرحام (والعم) كذلك (وابنه كذلك)، أي: إلا من الأم (ومولى النعمة) وهو المُعتِق، ذكرًا كان أو أنثى، وعصبته المتعصبون بأنفسهم.
(وأحقهم) أي: العصبة (بالميراث أقربهم) إلى الميت، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:"فلأوْلى رجلٍ ذكرٍ"
(1)
، وقوله:"ذَكَرٍ" بعد "رجل" للإشارة إلى أن المراد به ما قابل الأنثى، بالغًا، عاقلًا كان أو لا (ويسقط به) أي: الأقرب (من بَعُدَ) من العصبات.
وجهات العصوبة ستة: بنوة، ثم أبوة، ثم جدودة وأخوّة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة، ثم الولاء.
وإذا اجتمع عاصبان فأكثر، قُدِّم الأقرب جهة، فإن استووا فيها، فالأقرب درجة، فإن استووا فيها، فمَن لأبوين على مَن لأبٍ، وهذا معنى قوله:(وأقربهم الابن، ثم ابنه وإن نزل) فلايرث أب ولا جد مع فرع ذكر وارث بالعصوبة، بل السدس فرضًا. وتقدم
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
(3)
الآية. ولأنه جزؤه، وجزء الشيء أقرب إليه من أصله.
(1)
جزء من حديث تقدم تخريجه (10/ 335) تعليق رقم (3).
(2)
(10/ 339).
(3)
سورة النساء، الآية:11.
(ثم الأب، ثم الجد أبو الأب وإن علا، فهو أولى من الإخوة لأبوين أو لأب في الجملة) لأنه أب وله إيلاد، ولذلك يأخذ السدس مع الابن، وإذا بقي السدس فقط، أخذه وسقطت الإخوة، وإذا بقي دون السدس أو لم يبقَ شيء أُعيل له بالسدس، وسقطت الإخوة كما تقدم
(1)
(فإن اجتمعوا معه، فقد تقدم
(2)
حكمهم) أي: حكم الجد والإخوة مجتمعين.
(ثم الأخ من الأبوين) لترجحه بقرابة الأم (ثم) الأخ (من الأب، ثم ابن أخ من الأبوين، ثم) ابن أخ (من الأب) لأن ابن كل أخ يدلي بأبيه (ثم أبناؤهم) أي: أبناء بني الإخوة (وإن نزلوا) يُقدَّم الأقرب فالأقرب مع الاستواء، وإلا؛ فمن يُدلي بالأخ لأبوين على من يُدلي بالأخ لأب.
(ثم الأعمام، ثم أبناؤهم كذلك) يقدم العم الشقيق، ثم العم للأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب وإن نزلوا.
(ثم أعمام الأب، ثم أبناؤهم كذلك) يُقدَّم مَن لأبوين على مَن لأب.
(ثم أعمام الجد، ثم أبناؤهم كذلك) يُقدَّم من لأبوين على من لأب.
ثم أعمام أبي الجد، ثم أبناؤهم كذلك (أبدًا،
لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منهم، وإن نزلت درجتهم)
لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقِيَ فلأوْلى رجلٍ ذكرٍ" متفق عليه
(3)
. و"أولى" هنا بمعنى أقرب، لا بمعنى أحق؛ لما يلزم عليه من
(1)
(10/ 345).
(2)
(10/ 344 - 345).
(3)
تقدم تخريجه (10/ 335) تعليق رقم (3).
الإبهام والجهالة، فإنه لا يُدرى مَن هو الأحق.
(فمن تزوَّج امرأة، و) تزوَّج (أبوه ابنتها) وولد لكل منهما ابن (فولد الأب عمٌّ) لابن الابن؛ لأنه أخو أبيه لأبيه (وولد الابن خالٌ) لابن الأب
(1)
؛ لأنه أخو أُمه لأمها، فإن مات ابن الأب وخلَّف خاله هذا (فـ) ــإنه (يرثه) مع عم له (خاله هذا دون عمِّه) لأن خاله هذا ابن أخيه، وابن الأخ يحجب العم. (ولو خَلَّف الأب) في هذه الصورة (أخًا له وابن ابنه هذا، وهو أخو زوجته، وَرِثه) ابن ابنه (دون أخيه) لأنه محجوب بابن الابن (و) يُعايا بها، فـ (ــيقال فيها: زوجة ورثت ثُمن التَّرِكة وأخوها الباقي، فلو كانت الإخوة) للزوجة وهم بنو ابنه (سبعة، ورثوه) أي: المال (سواءً) لها مثل ما لكل واحد منهم، فيُعايا بها.
(ولو كان الأب نكح الأم) وابنه ابنتها (فولده) أي: الأب (عمُّ ولد ابنه وخاله) فيُعايا بها.
(ولو تزوَّج رجلان كلٌّ منهما أمَّ الآخر) وولد لكل منهما ابن (فولد كل منهما عَمُّ الآخر) وهما القائلتان: مرحبًا بابنينا وزوجينا.
ولو تزوَّج كل واحد منهما بنت الآخر، فولدُ كلٍّ منهما خال ولد الآخر.
ولو تزوَّج زيدٌ أمَّ عمرو، وعمرو بنت زيد، فابن زيدٍ عمُّ ابن عمرو وخاله.
ولو تزوَّج كل منهما أخت الآخر، فولدُ كل منهما ابنُ خال ولد الآخر.
(وأَولى ولد كلِّ أبٍ أقربهم إليه) فإذا خلَّف ابنَ عم، وابنَ ابن عم،
(1)
في "ح" و"ذ" زيادة: "من بنتها".
فالأول أَولى بالميراث؛ لأنه أقرب إلى الجد الذي يجتمعان إليه (فإن استووا) في الدرجة (فأولاهم من كان لأبوين) فأخ شقيق أَولى من أخ لأب، وابن أخ شقيق أولى من ابن أخ لأب، وعم شقيق أولى من عم لأب، وابن عم شقيق أَولى من ابن عم لأب، والأخ من الأم ليس من العصبات، فلا يتناوله كلامه، ويأخذ فرضه مع الشقيق، وأخت شقيقة مع بنت أو بنت ابن كأخ شقيق، فتسقط الإخوة لأب، وبني الإخوة أشقاء أو لأب، وكذا الأخت لأب يسقط بها مع البنت بنو الإخوة كذلك؛ إذ العصوبة جعلتها في معنى الأخ.
(فإن عُدِم العصبةُ من النسب، وَرِث المَولى المُعتِق، ولو) كان (أنثى) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاءُ لمن أعتَقَ" متفق عليه
(1)
. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاءُ لُحمةٌ كلُحمةِ النَّسبِ، لا يُباعُ ولا يوهبُ" رواه الخلال
(2)
. والنسب يورث به، فكذا الولاء. وروى سعيد بسنده عن عبد الله بن شداد، قال:"كان لبنْتِ حمزةَ مولى أعتَقَتهُ فماتَ، وتركَ ابنتَهُ ومولاتَهُ، فأعطى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِنتهُ النِّصفَ، وأعطَى مولاتَهُ بنتَ حمزةَ النِّصفَ"
(3)
.
(1)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(2)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1).
(3)
سعيد بن منصور (1/ 51) حديث 174. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المراسيل ص/ 266، حديث 364، والنسائي في الكبرى (4/ 86)، حديث 6399، وعبد الرزاق (9/ 22) حديث 16210، 16211، وابن أبي شيبة (11/ 267، 269)، والدارمي في الفرائض، باب 31، حديث 3017، والطحاوي (4/ 401)، والطبراني في الكبير (24/ 354، 355) حديث 876 - 880، والبيهقي (6/ 41)، كلهم من طرق عن عبد الله بن شداد، به.
قال البيهقي: "والحديث منقطع" يعني مرسل.
وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 86)، حديث 6398، وابن ماجه في الفرائض، =
وروى - أيضًا - عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المِيراثُ للعَصَبة، فإن لم يكن عَصَبة فللمولى"
(1)
.
(ثم عَصَباته) أي: المُعتِق، إن لم يكن موجودًا (من بعده، الأقرب فالأقرب، كنسب) لما روى أحمدُ عن زياد بن أبي مريم: "أنَّ امرأةً أعتقتْ عبدًا لها، ثم تُوفِّيت وترَكتِ ابنًا لها وأخاها، ثم تُوُفِّيَ مولاها من بعدِها، فأتى أخو المرأةِ وابنُها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في ميراثِهِ، فقال صلى الله عليه وسلم: ميراثُهُ لابنِ المرأة، فقال أخُوها: يا رسولَ الله، لو جَرَّ جريرَةً كانت عليَّ ويكونُ ميراثُهُ لهذا؟ قال: نعم"
(2)
ولأنه صار بين العتق ومعتِقه مضايقة النسب،
= باب 7، حديث 2734، وابن أبي شيبة (11/ 267)، والطبراني في الكبير (24/ 353) حديث 874، والحاكم (4/ 66)، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 219) من طريق محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الله بن شداد، عن ابنة حمزة، مرفوعًا.
ورجَّح النسائي الرواية المرسلة على المرفوع حيث روى أولًا المرفوع، ثم المرسل وقال: وهنا أولى بالصواب من الذي قبله.
وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 80): وأعلَّه النسائي بالإرسال، وصحح هو والدارقطني الطريق المرسلة.
وأخرجه أحمد (6/ 405)، ومن طريقه ابن الأثير في أسد الغابة (7/ 147)، عن قتادة، عن سلمى بنت حمزة، أن مولاها مات، وترك ابنة، فورَّث النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف، وورث يعلى النصف - وكان ابن سلمى -.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 231): رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن قتادة لم يسمع من سلمى. وقال الحافظ في تعجيل المنفعة (2/ 155): قتادة عن سلمى مرسل.
ملحوظة: اختلف في اسم بنت حمزة، ففي رواية أحمد سميت سلمى، وفي رواية للحاكم: أمامة، وفي رواية ابن أبي شيبة، والطبراني: فاطمة، وقيل: اسمها عمارة، انظر: المعجم الكبير للطبراني، وتحفة الأشراف (13/ 116).
(1)
سعيد بن منصور (1/ 75) حديث 281.
(2)
لم نقف عليه في مسند أحمد، ولا في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة. =
فورثه عصبة المعتِق، لأنه يُدْلون به
(ثم مولاه) أي: مولى المولى (كذلك) أي: يُقدَّم مولى المولى، ثم عصبته الأقرب فالأقرب، ثم مولى مولى المولى، ثم عصبته الأقرب فالأقرب، وهكذا.
(ثم) إن عُدِم ذو الولاءِ وإن بَعُدَ
(1)
(الردُّ) على ذوي الفروض غير الزوجين، كما يأتي؛ لقوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}
(2)
فإن لم يردّ الباقي على ذوي الفروض، لم تتحقق الأولوية فيه؛ لأنا نجعل غيرهم أولى به منهم، ثم الفروض إنما قُدِّرت للورثة حالة الاجتماع؛ لئلا يزدحموا، فيأخذ القوي، ويُحرَم الضعيف؛ ولذلك فرض للإناث، وفرض للأب مع الولد دون غيره من الذكور؛ لأن الأب أضعف من الولد وأقوى من بقية الورثة، فاختص في موضع الضعف بالفرض، وفي موضع القوة بالتعصيب.
(ثم) إذا عُدِم ذوو الفروض
(3)
(ذوو الأرحام) للآية المذكورة؛ ولأن سبب الإرث القرابة، بدليل أن الوارث من ذوي الفروض والعصبات إنما ورثوا لمشاركتهم الميت في نَسَبه، وهذا موجود في ذوي الأرحام، فيرثون كغيرهم (ولا يرث المولى من أسفل) وهو العتيق، من
= وأخرجه الدارمي في الفرائض، باب 31، حديث 3013، من طريق خصيف بن عبد الرحمن الجزري، عن زياد، به.
قال السبكي في فتاواه (2/ 251): حديث مرسل. قلنا: وخصيف هذا قال عنه الحافظ في التقريب رقم 1728: صدوق سيئ الحفظ، خلط بآخرة.
(1)
أي: الولاء.
(2)
سورة الأنفال: الآية: 75.
(3)
في "ذ": "ذو الفرض".
حيث كونه عتيقًا من معتقه؛ لحديث: "إنَّما الولاءُ لمن أعتَقَ"
(1)
.
(وأربعةٌ من الذكور يعصبون أخواتِهم، ويمنعونهنَّ الفرض، ويقتسمون ما وَرِثوا، للذَّكر مثل حظ الأنثيين، وهم: الابن) فأكثر، يعصب البنت فأكثر؛ لقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
(2)
.
و) الثاني: (ابنه وإن نزل) فيعصب بنت الابن فأكثر، أخته كانت، أو بنت عمه؛ للآية المذكورة.
(و) الثالث: (الأخ من الأبوين) فأكثر، يعصب الأخت لأبوين فأكثر.
(و) الرابع: (الأخ من الأب) يعصب أخته؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
(3)
، والجد يعصب الأخت فأكثر، كما تقدم
(4)
.
(ويعصب ابن الابن بنت عمه أيضًا) كما يعصب أخته (فيمنعها الفرض؛ لأنها في درجته) سواء كان لها شيء في الثلثين أوْ لا، وتقدم.
(وابنُ ابنِ الابن يُعصِّب مَنْ بإزائه من أخواته وبنات عمه) مطلقًا (و) يعصب (من) هي (أعلى منه من عمَّاته وبناتِ عَمِّ أبيه، إذا لم يكن لهنَّ فرض) من نصف، أو ثُلثين، أو سُدس، أو مشاركة فيها (ولا يعصب من) هي (أنزل منه) بل يحجبها، وتقدم
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(2)
سورة النساء، الآية:11.
(3)
سورة النساء، الآية:176.
(4)
(10/ 345).
(5)
(10/ 376).
(وكلما نزلت درجته زاد في تعصيبه قبيلٌ آخر
(1)
) من بنات الابن والعم وابنه، وابن الأخ، وابن المعتق. وأخوه، وعمه، ونحوهم، ينفرد بالميراث دون أخواته؛ لأن أخوات هؤلاء من ذوي الأرحام، والعصبة تُقدم على ذي الرحم، والولاء إنما يرث به العصبة بالنفس.
(ومتى كان بعض بني الأعمام زوجًا) للميتة وانفرد، أخذ المال كله فرضًا وتعصيبًا.
(أو) كان بعض بني الأعمام (أخًا من أم) للميت وانفرد (أخذ المال كله فرضًا وتعصيبًا، فإن كان معه عصبة غيره، أخذ) الذي هو زوج، أو أخ لأم (فرضه) لوجود مقتضيه (وشارك الباقين في تعصيبهم) لوجود المقتضي وعدم المانع. ويفارق الأخَ من الأبوين والعم وابن العم إذا كانا من أبوين، فإنه لا يفرض له بقرابة أمه شيء، فرجح بها، ولا يجتمع في إحدى القرابتين ترجيح وفرض.
ولو ماتت امرأة عن بنت وزوج هو ابن عم، فتَرِكتُها بينهما بالسوية.
وإن تركت معه بنتين فالمال بينهم أثلاثًا، وثلاثة إخوة لأبوين أصغرهم زوج لبنت عمهم الموروثة، له ثلثان، ولهما ثلث، وقد نظمها بعضهم
(2)
فقال:
ثلاثةُ إخوةٍ لأبٍ وأم
…
وكُلُّهُمُ إلى خيرٍ فقير
فحازَ الأكبرانِ هناكَ ثُلْثًا
…
وباقي المال أحرزه الصغير
(1)
زاد في متن الإقناع (3/ 194): "ومن عداهم من العصبات ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث، وهم بنو الإخوة والأعمام وبنوهم".
(2)
نسبه في الفروع (12/ 14) لعيون المسائل، وهو لابن شهاب العكبري.
(وإذا كان زوج، وأم) أو جدة (وإخوة لأم) اثنان فأكثر (وإخوة لأبوين، أو لأب) ذكر فأكثر، أو ذكور وإناث (فـ) ــالمسألة من ستة:(للزوج النصف) ثلاثة (وللأم) أو الجدة (السدس) واحد (وللإخوة من الأم الثلث) اثنان (وسقط سائرهم) أي: باقيهم، لاستغراق الفروض التَّرِكة (وتُسمَّى) هذه المسألة (المشرَّكة، والحِمَاريَّة إذا كان فيها إخوة لأبوين) ذكر فأكثر، منفردًا أو مع إناث؛ لأنه يُروى عن عمر:"أنه أسقط ولدَ الأبويْنِ، فقال بعضهُم: يا أميرَ المؤمنينَ، هَبْ أنَّ أبانا كان حمارًا، أليستْ أمُّنا واحدةً؟ فشرَّك بينَهمْ"
(1)
. ويقال: إن بعض الصحابة قال ذلك
(2)
.
وسقوط الأشقاء إذًا روي عن علي
(3)
، وابن مسعود
(4)
، وأبي بن كعب
(5)
، وابن عباس
(5)
وأبي موسى
(6)
رضي الله عنهم. وبه قال أبو حنيفة
(7)
.
(1)
لم نقف على من رواه عن عمر مسندًا، وذكره الرامهرمزي في أمثال الحديث ص/ 143، وابن كثير في تفسيره (1/ 46)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 86) وقال: ذكره الطحاوي. ولم نقف عليه في كتابيه.
(2)
انظر ما تقدم (10/ 358) تعليق رقم (1).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 251) رقم 19010، 19011، وسعيد بن منصور (1/ 16) رقم 22، 26، وابن أبي شيبة (11/ 258، 259)، والدارمي في الفرائض، باب 5، رقم 2886، والبيهقي (6/ 256، 257).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 252) رقم 19013، وسعيد بن منصور (1/ 17) رقم 28، وابن أبي شيبة (11/ 259)، والبيهقي (6/ 256).
(5)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا، وذكره ابن عبد البر في الاستذكار (15/ 424).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 259)، والبيهقي (6/ 257).
(7)
أحكام القرآن (2/ 133)، ومختصر اختلاف العلماء (4/ 460) كلاهما للجصاص، وحاشية ابن عابدين (6/ 785 - 786)، وانظر: البحر الرائق (8/ 560)، والاستذكار (15/ 424).
وعن عمر
(1)
، وعثمان
(2)
، وزيد بن ثابت
(3)
، أنهم شَرَّكوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث، فقسموه بينهم بالسوية، للذَّكر مثل الأنثى
(4)
. وبه قال مالك
(5)
والشافعي
(6)
.
(وإن كان مكانهم) أي: مكان الإخوة لأبوين أو لأب (أخوات لأبوهن، أو لأب) ثنتان فأكثر، مع الزوج، والأم، أو الجدة والإخوة للأم (عالت) المسألة (إلى عشرة) للزوج النصف ثلاثة، وللأم أو الجدة السدس واحد، وللإخوة لام الثلث اثنان، وللأخوات لأبوين أو أب الثلثان أربعة (وتُسمَّى) هذه المسألة (أم الفُرُوخ) - بالخاء المعجمة - لكثرة عولها، وتقدم
(7)
(وتُسمَّى) أيضًا (الشُّريحية) لحدوثها زمن
(1)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 249 - 250) رقم 19005، 19006، 19008، 19009، وسعيد بن منصور (1/ 15) رقم 20، 21، 23، وابن أبي شيبة (11/ 255، 256، 258) والدارمي في الفرائض، باب 5، رقم 2885، 2890، والدارقطني (4/ 88)، والحاكم (4/ 337)، والبيهقي (6/ 255، 256).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 251) رقم 19011، وسعيد بن منصور (1/ 16) رقم 22، وابن أبي شيبة (11/ 256)، والدارمي في الفرائض، باب 5، رقم 2887، والبيهقي (6/ 255)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 148) رقم 12657.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 252) رقم 19009، 19013، وسعيد بن منصور (1/ 15) رقم 20، 21، وابن أبي شيبة (11/ 255، 256)، والدارمي في الفرائض، باب 50، رقم 2885، 2888، والحاكم (4/ 337)، والبيهقي (6/ 256). قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
(4)
في "ذ": "مثل حظ الأنثى".
(5)
الاستذكار (15/ 424)، وانظر: حاشية الدسوقي (4/ 466)، ومنح الجليل (4/ 715).
(6)
الوسيط (4/ 343)، وروضة الطالبين (6/ 14 - 15)، ونهاية المحتاج (6/ 21).
(7)
(10/ 358).
القاضي شُريح، روي "أنَّ رجلًا أتاهُ وهو قاضٍ بالبصرة، فقال: ما نصيبُ الزوج من زوجتهِ؟ قال: النِّصفُ مع غير الولد، والربعُ معهُ. فقال: امرأتي ماتت، وخلفتني، وأُمَّها، وأُختَيها لأمِّها، وأُختيها لأبيها وأُمِّها. فقال: لك إذًا ثلاثةٌ من عشرةٍ، فخرجَ من عنده، وهو يقولُ: لم أرَ كقاضيكم هذا، لم يعطني نصفًا، ولا ثلثًا، فكان شريح يقول له إذا لقيَهُ: إذا رأيْتَنِي ذكرْتَ حاكِمًا جائرًا، وإذا رَأيْتك ذكرْتُ رجلًا فاجرًا، إنَّك تَكتُم القضيَّةَ وتُشيعُ الفاحشة"
(1)
.
(1)
أخرجه وكيع في أخبار القضاة (2/ 364) بنحوه.
باب أصول المسائل، والعَوْل، والرَّد
أصل المسألة: هو مخرج فَرْضها، و
(1)
فروضها.
والعَوْل: مصدر عال الشيء، إذا زاد، أو غلب. قال في "القاموس"
(2)
: والفريضة عالت في الحساب: زادت وارتفعت، وعُلْتُها أنا وأعلتُها.
(تَخْرُجُ الفروضُ من سبعةِ أصول) لأن الفروض القرآنية ستة كما تقدم
(3)
، ومخارجها مفردةً خمسةٌ؛ لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد، فالنصف من اثنين، والثلث والثلثان من ثلاثة، والربع من أربعة، والسُّدس من ستة، والثمن من ثمانية، والربع مع الثلث أو الثلثين أو السدس من اثني عشر، والثمن مع السدس أو الثلثين أو معهما من أربعة وعشرين، فصارت سبعة.
وإذا نظرتَ لثلث الباقي الثابت بالاجتهاد، زِدت على هذه السبعة أصلين في باب الجد والإخوة، كما هو معلوم في كتب الفرائض عند الحُذَّاق من متأخِّري الشافعية
(4)
.
(أربعة) من الأصول (لا تعول، وهي ما كان فيه
(5)
فرض واحد،
(1)
في "ذ": "أو".
(2)
القاموس المحيط ص/ 1036، مادة (عول).
(3)
(10/ 336).
(4)
نهاية الهداية إلى تحرير الكفاية في علم الفرائض للأنصاري (2/ 53)، ونهاية المحتاج (6/ 35)، وتحفة المحتاج (6/ 431)، وأسنى المطالب (3/ 24).
(5)
في متن الإقناع (3/ 197): "فيها".
أو) كان فيه (فرضان من نوع) واحد (وهي) أي: الأصول الأربعة (أصلُ اثنين، و) أصل (ثلاثة، و) أصل (أربعة، و) أصل (ثمانية، فالنصف والربع والثُّمن نوع) لأن مخرج أقلها مخرج لها (والثلثان والثلث والسدس نوعٌ) كذلك.
(فالنصف وحده مع الباقي، كزَوْج وأخ) أو بنت، أو بنت ابن، أو أخت لأبوين، أو لأب مع عم، من اثنين مخرج النصف (أو نصفان كزوج وأخت لأبوين أو لأب من اثنين) مخرج النصف والنصف لتساويهما، وتسميان باليتيمتين، وتقدم
(1)
، وبالنصفيتين.
(والثلث وحده مع الباقي، كأم وأب) من ثلاثة مخرج الثلث، للأم واحد، والباقي للأب
(2)
(أو الثلث مع الثلثين كأخوات) ثنتين فأكثر (لأبوين أو لأب، وأخوات لأم) ثنتين فأكثر، أو إخوة لأم، كذلك من ثلاثة مخرج الثلثين والثلث لتماثلهما.
(أو الثلثان مع الباقي، كبنتي ابن وعم من ثلاثة) مَخْرج الثلثين.
(والربع وحده) مع الباقي من أربعة، كزوجةٍ وعم، أو زوجٍ وابن (أو) الربع (مع النصف) كزوجة وأخت لأبوين وعم، أو زوج وبنت وعم (من أربعة) مخرج الربع، ومخرج النصف داخل فيها.
(والثُّمن وحده) مع الباقي كزوجة وابن من ثمانية (أو) الثمن (مع النصف) كزوجة وبنت وعم (من ثمانية) مخرج الثمن، والنصف داخل فيها.
فهذه الأصول الأربعة لا عَوْل فيها؛ لأن العول ازدحام الفروض،
(1)
(10/ 354).
(2)
في "ذ" و"ح": "وللأب الباقي".
ولا يُتصوَّر وجوده في أصل من هذه الأربعة.
(وتُسمَّى المسألةُ التي لا عَوْل فيها ولا رَدَّ) ولا عاصب (العادلةَ، وهي التي استوى مالُها وفروضُها) سُمِّيت بذلك لمساواة فروضها للمال، فهي بعدله أي: قدره. فإن كان فيها عاصب، فناقصة. وأصل اثنين وثلاثة تارة يكون عادلًا، وتارة يكون ناقصًا. وأصل أربعة وثمانية لا يكون إلا ناقصًا.
(وثلاثة) من الأصول (تعول) إذا زادت فروضها.
(والعول) اصطلاحًا: (زيادة في السِّهام ونقصان في أنصباء الورثة، وهي) أي: الأصول الثلاثة (أصل ستة، و) أصل (اثني عشر، و) أصل (أربعة وعشرين، وهي التي يجتمع فيها فرضان) فأكثر (من نوعين) أي: في الجملة، وإلا؛ فالسدس وما بقي: من ستة مع أنه لم يجتمع فيها فرضان.
(فإذا اجتمع مع النصف سدس) فمن ستة، كبنت وأم وعمٍّ (أو) اجتمع مع النصف (ثلث) كأخت لأبوين وأم وعمٍّ، فمن ستة (أو) اجتمع مع النصف (ثلثان) كزوج وأختين لغير أُم (فمن ستة) لأن مخرج النصف اثنان ومخرج الثلثين أو الثلث ثلاثة، وهما متباينان، فتضرب أحدهما في الآخر يبلغ ستة، وأما النصف مع السدس، فإنه يكتفى بمخرج السدس؛ لدخول مخرج النصف فيه.
(وتعول) الستة (إلى سبعة) كالمِثال الأخير، وكزوج وأُخت لغير أم وجدة.
(و) تعول إلى (ثمانية) كالمُبَاهَلة، زوج وأم وأخت لغيرها.
(و) تعول إلى (تسعة) كزوج وولدي أم وأختين لغيرها.
(و) تعول إلى (عشرة فقط) فلا تتجاوزها، كأم الفُروخ، زوج وأم وولداها وأختان لغيرها، وتقدمت
(1)
، وعُلم منه أن الستة تكون عادلة وعائلة وناقصة.
(وإن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة) وهي الثلث والثلثان والسدس (فمن اثني عشر) لأن مخرج الربع من أربعة، ومخرج الثلث والثلثين من ثلاثة، وهما متباينان، فتضرب أربعة في ثلاثة تبلغ اثني عشر. وأما الربع والسدس فإن مخرجيهما - وهما ستة وأربعة - توافق بالنصف، فإذا ضربت نصف أحدهما في الآخر حصل ذلك.
الأمثلة: زوجة وأم وعم، زوج وابنتان وعم، زوج وأم وابن، وقِسْ عليها.
(وتعول) الاثنا عشر (على الأفراد إلى) ثلاثة عشر، وخمسة عشر و (سبعة عشر فقط) دون الأشفاع، وهي أربعة عشر، وستة عشر، ونحوهما (ولا بُدَّ في هذه الأصول
(2)
أن يكون الميت أحد الزوجين) بشهادة الاستقراء.
مثال عولها إلى ثلاثة عشر: زوج وبنتان وأم، وإلى خمسة عشر: زوج وبنتان وأبوان، وإلى سبعة عشر: أم الأرامل ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان أخوات لغيرها، وتقدمت
(3)
، وتُسمَّى أم الفُروج بالجيم.
(وإن اجتمع مع الثمن سُدس) فمن أربعة وعشرين، كزوجة وأم
(1)
(10/ 358، 392).
(2)
في متن الإقناع (3/ 199): "هذا الأصل".
(3)
(10/ 355).
وابن؛ لأن مخرج الثمن من ثمانية، والسدس من ستة وهما متوافقان بالنصف، فإذا ضَربتَ نصفَ أحدهما في الآخر حصل ما ذكر، للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللابن سبعة عشر.
(أو) اجتمع مع السنن (ثلثان) كزوجة وبنتين وعم، فمن أربعة وعشرين؛ لأن مخرج الثلثين ثلاثة تباين الثمانية، فتضرب أحدَهما في الآخر يحصُل ما ذكر. للزوجة ثلاثة، وللبنتين ستة عشر، وللعم ما بقي خمسة.
(أو) اجتمع مع الثمن (سدس وثلثان) كزوجة وأم وبنتين وعم (فمن أربعة وعشرين) للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللبنتين ستة عشر، وللعم واحد، وإنما كانت من أربعة وعشرين، لأن مخرج الثلثين داخل في مخرج السدس، وبين مخرج السدس والثمن توافق كما تقدم، فتضرب نصفَ أحدهما في كامل الآخر يحصل المذكور، وتصح بلا عَوْل كما تقدم.
(وتعول) الأربعة والعشرون (إلى سبعة وعشرين فقط) كزوجة وأبوين وابنتين (وتُسمَّى البخيلة) لقلة عَوْلها (والمِنْبرية) لما تقدم
(1)
أن عليًّا سُئل عنها وهو على المِنْبر فقال: صار ثُمُنُ المرأة تسعًا، ومضى في خطبته
(2)
(ولا يكون الميت فيها) أي: في المسألة من أربعة وعشرين (إلا زوجًا) بدليل الاستقراء؛ ولأن الثمن لا يكون إلا لزوجة فأكثر مع فرع وارث.
وعُلِم مما تقدم: أن أصلَ اثني عشر وأربعة وعشرين لا يكون عادلًا أبدًا، بل إما ناقص أو عائل، كما تقدَّمت أمثلته.
(1)
(10/ 358).
(2)
تقدم تخريجه (10/ 358) تعليق رقم (4).
فصل في الرد
وقد اختُلِف فيه، والقول به رُويَ عن عمر
(1)
، وعلي
(2)
، وابن عباس
(3)
، وكذا عن ابن مسعود
(4)
في الجملة، وبه قال أبو حنيفة
(5)
وأصحابه، ونص عليه إمامنا في رواية الجماعة
(6)
، وسواء انتظم بيت المال أو لا، وعليه الفتوى عند الشافعية
(7)
إن لم ينتظم بيت المال.
ومذهب زيد
(8)
ومالك
(9)
: لا يُرَدُّ على أحد؛ بدليل تقدير
(1)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا. وذكره الباجي في المنتقى شرح الموطأ (6/ 224).
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 36، 37) رقم 112، 115، وابن أبي شيبة (11/ 275)، والدارمي في الفرائض، باب 23، رقم 2952، والطحاوي (4/ 400)، والبيهقي (6/ 244).
(3)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا. وذكره ابن قدامة في المغني (9/ 48).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 36، 37) رقم 112، 116، وابن أبي شيبة (11/ 276 - 277)، والدارمي في الفرائض، باب 23، حديث 2949، 2952، والطحاوي (4/ 399)، والبيهقي (6/ 244).
(5)
انظر: المبسوط (29/ 194)، وتبيين الحقائق (6/ 246 - 247)، والبحر الرائق (8/ 588)، وحاشية ابن عابدين (6/ 787).
(6)
مسائل عبد الله (3/ 1203) رقم 1660، ومسائل الكوسج (8/ 4163 - 4164) رقم 2976، ومسائل ابن هانئ (2/ 66) رقم 1460.
(7)
روضة الطالبين (6/ 45)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (6/ 11 - 12)، وحاشيتا القليوبي وعميرة (3/ 137).
(8)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 37) رقم 113، 114، وابن أبي شيبة (11/ 276، 277، 429)، والدارمي في الفرائض، باب 23، رقم 2953، والبيهقي (6/ 244).
(9)
الاستذكار (15/ 486).
الفروض، وتقدم جوابه
(1)
.
ولنا قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}
(2)
وهؤلاء من ذوي رَحِمِهِ وقد ترجَّحوا بالقُرب، فهم أَولى من بيت المال؛ لأنه لسائر المسلمين، وذو الرَّحِم أحقُّ من الأجانب. وقال صلى الله عليه وسلم:"من تركَ مالًا فلورثته، ومن ترك كلًّا فإليَّ"
(3)
وفي لفظ: "من ترَك دَينًا فإليَّ، ومن ترك مالًا، فلوارثٍ" متفق عليه
(4)
، وهو عام في جميع المال.
(إذا لم تستوعب الفروضُ المالَ) كما لو كان الوارث بنتًا وبنت ابن، ونحو ذلك (ولم يكن عصبة) مع ذوي الفروض (رُدَّ الفاضلُ) عن الفروض (على ذوي الفروض بقَدْرِ فُروضهم) كالغرماء يقتسمون مال المفلس على قَدْر ديونهم (إلا الزوج والزوجة، فلا رَدَّ عليهما) لأنهما ليسا من ذوي القرابة، ورُوي عن عثمان
(5)
أنه رَدَّ على زوج، قال في "المغني": ولعله كان عصبة أو ذا رَحِمٍ، فأعطاه لذلك، أو أعطاه من بيت
(1)
(10/ 388).
(2)
سورة الأنفال، الآية:75.
(3)
البخاري في الاستقراض، باب 11، حديث 2398، وفي الفرائض، باب 25، حديث 6763، ومسلم في الفرائض، حديث 1619 (17)، وفيهما:"فإلينا" بدل: "فإليَّ".
(4)
البخاري في الكفالة، باب 5، حديث 2298، وفي النفقات، باب 15، حديث 5371، وفي الفرائض، باب 4، حديث 6731، ومسلم في الفرائض، حديث 1619 عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين، فترك دينًا فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته.
وقد تقدم تخريجه في الحجر (8/ 367) تعليق رقم (2).
(5)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا. وذكره السرخسي في المبسوط (29/ 192)، وابن قدامة في المغني (9/ 49).
المال لا على سبيل الميراث.
(فإن كان المردود عليه) شخصًا (واحدًا) كأم، أو بنت، أو بنت ابن، أو أخت، أو ولد أم، ونحوهم (أخذ المال كلَّه) فرضًا وردًا؛ لأن تقدير الفروض إنما شرع لمكان المزاحمة، ولا مزاحم هنا.
(وإن كان) المردود عليه (جماعة من جنس واحد، كبنات) أو بنات ابن، أو أخوات، أو أولاد أم (أو جدَّات، اقتسموه) أي: الميراث بالسوية (كالعَصَبة من البنين، والإخوة وغيرهم) كبني الإخوة، والأعمام، وبنيهم؛ لاستوائهم في موجب الميراث.
(وإن اختلفت أجناسهم) أي: محلهم من الميت، كبنت وبنت ابن، أو أم وأخت (فخُذْ عدد سهامهم من أصل ستة أبدًا) إذ ليس في الفروض كلها ما لا يوجد في الستة إلا الربع والثُّمن، ولا يكونان لغير الزوجين وليسا من أهل الرَّدِّ (واجعله) أي: اجعل ما أخذته من أصل ستة من عدد السهام (أصل مسألتِهم) كما صارت السهام في المسألة العائلة هي المسألة التي يُضرب فيها جُزء السهم.
(فإن كان) عدد سهامهم (سدسين، كجدة وأخ من أم، فهي) أي: مسألة الرد (من اثنين) لأن فرض كل منهما السدس، والسدسان من ستة اثنان، فيكون المال بينهما نصفين لاستواء فرضهما. ولو كانت الجدات فيها ثلاثًا، فاضرب عددهن في الاثنين، وتصح من ستة، للأخ من الأم ثلاثة، وللجدات ثلاثة لكل واحدة واحد.
(وإن كان مكان الجدة أم) بأن كانت المسألة أمًّا وأخًا لأم (فمن ثلاثة) لأن فرض الأم الثلث، وهو اثنان من ستة، وفرض الأخ لأم السدس واحد، فيكون المال بينهما أثلاثًا، للأم ثلثاه، ولولدها ثلثه.
(وإن كان مكانها) أي: الأم (أخت من أبوين) أو أب (فمن أربعة) لأن فرض الأخت النصف ثلاثة من ستة، وفرض الأخ من أم واحد، فيكون المال بينهما أرباعًا، للأخت ثلاثة أرباعه، ولولد الأم ربعه.
وكذا بنت وأم، للبنت ثلاثة أرباعه فرضًا وردًا، وللأم ربعه كذلك، وكذا بنت وبنت ابن.
(وإن كان معهما) أي: الأخت لأبوين والأخ لأم (أخت لأب فـ) ــالمسألة (من خمسة) لأن فرض الأخت لأبوين النصف، والأخت لأب السدس تكملة الثلثين، والأخ لأم السدس، فيقسم المال بينهم أخماسًا؛ للتي لأبوين ثلاثة أخماسه، وللتي لأب خمسه، ولولد الأم خمسه.
(ولا تزيد) مسائل الرَّدِّ (على هذا) أي: على خمسة (أبدًا؛ لأنها لو زادت) على الخمسة (سدسًا آخر، لكمل المال) فلم يبق منه شيء يرد.
(فإن انكسر على فريق منهم) أي: من الورثة المردود عليهم، سهامه (ضَربْتَه) أي: عدد الفريق إن باينته سهامه، أو وفقه إن وافقته (في عدد سهامهم؛ لأنه أصل مسألتهم) دون الستة، كما تضرب، في المسألة بعَوْلها إذا عالت دون أصلها.
مثال المباينة: جدتان وأخت لأبوين، أصلها بالرَّدِّ من أربعة، للجدَّتين سهم لا ينقسم عليهما، ويباينهما، فتضرب اثنين في أربعة بثمانية، ومنها تصح، للجدتين سهمان، وللأخت ستة.
ومثال الموافقة: ست أخوات لأبوين وأخ لأم، أصلها بالرد من خمسة، للأخوات منها أربعة على ستة لا تنقسم، وتوافق بالنصف، فرُدَّ الستة إلى ثلاثة، واضرِبْها في خمسة تصح من خمسة عشر، للأخوات اثنا
عشر، لكل واحدة سهمان، وللأخ للأم ثلاثة، وقِسْ على ذلك.
(وإن كان معهم) أي: مع الذين يُرَدُّ عليهم من أصحاب الفروض (أحدُ الزوجين، فأعطِه فَرْضه من مسألته) أي: مسألة أحد الزوجين: (واقسِم الباقي) بعد فرض أحد الزوجين (على مسألة الرَّدِّ، فإن انقسم، كزوجة وأم وأخوين لأم، فللزوجة الربع) واحد من أربعة مخرج الربع (والباقي ثلاثة تنقسم على مسألة الرَّدِّ) وهي ثلاثة (صحَّت المسألتان من مسألة الزوجية) للزوجة سهم، وللأم سهم، ولكل واحد من الأخوين سهم.
وكذا زوجة، وأم، وأخ لأم، للزوجة سهم
(1)
والباقي للأم وولدها أثلاثًا، لها مِثلا ماله: سهمان، وله سهم.
(وإن لم ينقسم) الباقي بعد فَرْض الزوجية (على مسألة الرَّدِّ، ولم يوافقها، فاضرِب مسألة الرَّدِّ في مسألة الزوجيَّة) فما حصل صَحَّت منه المسألتان (ثم) تقسِمه، فـ (ــمن له شيء من مسألة الزوجيَّة أخذه مضروبًا في مسألة الرَّدِّ) لأنها التي ضربت فيها (ومن له شيء من مسألة الرَّدِّ، أخذه مضروبًا في الفاضل عن) فرض أحد الزوجين من (مسألة الزوجية) لأنه المستحق لهم. وينحصر ذلك في خمسة أصول:
أحدها: ما ذكره بقوله: (فزوج، وجدة، وأخ من أم، مسألة الزوج من اثنين) مخرج النصف (ومسألة الرد من اثنين) فللزوج واحد يبقى واحدٌ على اثنين لا ينقسم ويُبَاين، فـ (ــاضرِبْ إحداهما في الأخرى يكن) الحاصل (أربعةً) للزوج واحد في اثنين باثنين، ولكل من الجدة والأخ لأم واحد في واحد بواحد.
(1)
في "ح" و"ذ": "الربع" بدل "سهم".
(وإن كان مكان الزوج زوجة) فتكون الورثة زوجة وجدة وأخًا لأم، مسألة الزوجية من أربعة، لها واحد يبقى ثلاثة لا تنقسم على مسألة الرد، وهي اثنان فتباينها (فاضرِبْ مسألة الرَّدِّ) اثنين (في) مسألة الزوجية (أربعة تكن ثمانية) للزوجة واحد في اثنين باثنين، ولكل من الجدة والأخ لأم واحد في ثلاثة بثلاثة.
(وإن كان مكان الجدة أخت من الأبوين) فالورثة زوجةٌ وأختٌ لأبوين وأخ لأم، مسألة الرَّدِّ من أربعة، للأخت ثلاثة، وللأخ لأم واحد، يفضل لهم عن فَرْض الزوجة ثلاثة تُبايِن الأربعة، فإذا ضَربتَ أربعة في أربعة (انتقلت) المسألة (إلى ستة عشر) للزوجة أربعة، وللأخت تسعة، وللأخ ثلاثة.
(وإن كان مع الزوجة بنت وبنت ابن) فمسألة الزوجيَّة من ثمانية، ومسألة الرد من أربعة، والفاضل عن الزوجة سبعة لا تنقسم على الأربعة وتُباينها، فإذا ضربت أربعة في ثمانية (انتقلت) المسألة (إلى اثنين وثلاثين) للزوجة أربعة، وللبنت أحد وعشرون، ولبنت الابن سبعة.
(وإن كان معهنَّ) أي: الزوجة والبنت وبنت الابن (جدة، صارت من أربعين) لأن مسألة الرد من خمسة، والباقي بعد فرض الزوجة سبعة، فاضْرِب الخمسة في الثمانية يحصل ما ذكر، للزوجة خمسة، وللبنت أحد وعشرون، ولبنت الابن سبعة، وللجدة سبعة.
(وإن كان مع أحد الزوجين واحدٌ منفردٌ ممن يُرَدُّ عليه) من الورثة (أخذ الفاضلَ عن الزوجِ) أو الزوجة (كأنه عصبة، ولا تنتقل المسألة) لعدم المقتضي للنقل (كزوجة وبنت، للزوجة الثمن) واحد من ثمانية (والباقي للبنت فرضًا وردًّا.
وإن وافق الباقي) بعد فرض الزوجية (مسألةَ الردِّ بجزء) كنصف وربع وثمن (فأرجع مسألة الرَّدِّ إلى وَفقها) واعتبر الأدقَّ إن تعدد (ثم اضْرِبْه في مسألة الزوجيَّة، ثم من له شيء من مسألة الزوجية، أخَذَه مضروبًا في وَفْقِ مسألة الرد) لقيامه مقامها (ومن له شيء من مسألة الرد، أخَذَه مضروبًا في وَفْقِ الفاضل عن) أحد الزوجين من (مسألة الزوجيَّة) لقيام وَفقه مقامه (كأربع زوجات، وثلاث جدات) متحاذيات (وثمان بنات، فمسألة الزوجية) أصلها ثمانية للزوجات، واحد لا ينقسم عليهن ويباين، فاضرب أربعة في ثمانية، تصح (من اثنين وثلاثين) للزوجات أربعة، ويفضل ثمانية وعشرون. (ومسألة الرد من ثلاثين؛ لأن) أصلها خمسة، للجدات واحد لا ينقسم عليهن ويُباين، و (سهام البنات) أربعة (تُوافق عددهن) وهو ثمانية (بالربع، فرجعن إلى اثنين، ثم اضرِب اثنين
(1)
في عدد الجدات) للتباين بين المثبَتِينَ من عدد الفريقين (فكان) الحاصل (ستة، ثم) اضْرِب الستة (في أصل مسألة الرَّدِّ، وهو خمسة تبلغ ثلاثين، للجدَّات ستة) لكل واحدة سهمان (وللبنات أربعة وعشرون) لكل واحدة ثلاثة (وبين الثلاثين) التي صحَّت منها مسألة الرد (وبين الفاضل عن الزوجات) من مسألة الزوجية (وهو ثمانية وعشرون موافَقَةٌ بالأنصاف، فأرْجِع الثلاثين إلى) نصفها (خمسةَ عشر، ثم اضْرِبْها) أي: الخمسة عشر (في مسألة الزوجية) اثنين وثلاثين (تبلغ أربعمائة وثمانين، ومنها تصحُّ، ثم) تقسِم، فـ (ــكل من له شيء من مسألة الزوجيَّة أخذه مضروبًا في وَفْقِ مسألة الرَّدِّ، وهو خمسةَ عشر، ومن له شيء من مسألة الردِّ أخذه مضروبًا في وَفْقِ الفاضل عن مسألة الزوجيَّة وهو أربعة عشر،
(1)
جاءت العبارة في متن الإقناع (3/ 200): "ثم ضُرب الاثنان".
فللزَّوجات أربعة في خمسةَ عشر بستين، لكل زوجةٍ خمسةَ عشر، وللجدَّات ستةٌ في أربعةَ عشر) نصف الثمانية والعشرين (بأربعةٍ وثمانين، لكل جدَّة ثمانية وعشرون، وللبنات أربعةٌ وعشرون في أربعةَ عشر بثلاثمائةٍ وستةٍ وثلاثين، لكلِّ بنت اثنان وأربعون).
وإن شئت صحّح مسألة الرد، ثم زِدْ عليها لفرض الزوجية للنصف مِثلًا، وللربع ثلثًا، وللثمن سُبعًا، وابْسُط من جنس كسر ليزول، ففي بنت وبنت ابن وزوجة مسألة الرد من أربعة، فزِد عليها لثمن الزوجة سُبعًا، تصير أربعة وأربعة أسباع، ابْسُط الكل أسباعًا تكن اثنين وثلاثين، ومنها تصح كما تقدم.
(ومال من لا وارث له) بفرض، أو تعصيب، أو رَحِم، وما فضل عن فرض أحد الزوجين (لبيت المال، وليس بيت المال وارثًا، وإنما يَحفظ المالَ الضائع وغيره) كالفيء (فهو جهة ومصلحة) وفاقًا للحنفية
(1)
، وعليه الفتوى عند الشافعية إن لم ينتظم
(2)
، ومال إليه بعض متأخري المالكية
(3)
.
(1)
شرح السير الكبير (5/ 1955)، والمبسوط (29/ 193)، وتبيين الحقائق (6/ 242).
(2)
انظر: الأم (4/ 76)، ونهاية المحتاج (6/ 11 - 12)، وتحفة المحتاج (6/ 388)، وحاشيتي القليوبي وعميرة (3/ 137)، والغرر البهية (6/ 597).
(3)
التاج والإكليل (6/ 413 - 414)، ومواهب الجليل (6/ 413)، ومنح الجليل (4/ 717).
باب تصحيح المسائل
أي: طريق تحصيل أقلِّ عدد يَخرجُ منه نصيبُ كلِّ وارث صحيحًا بلا كسر. ويتوقف على أمرين: أحدهما: معرفة أصل المسألة، وتقدم
(1)
. والثاني: معرفة جزء السهم ويأتي بيانه.
ثم الانكسار إما أن يكون على فريق واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة عند غير المالكية
(2)
، ولا يتجاوزها في الفرائض اتفاقًا
(3)
.
(إذا) علمت ذلك، فمتى (انكسر سهمُ فريقٍ) واحد (من الورثة) والفريق والحزب والحَيِّزُ: جماعة اشتركوا في فرض، أو ما أبقت الفروض (عليهم) متعلِّق بـ "انكسر" (فاضْربْ عددهم إن بايَنَ) عددُهم (سهامَهم) في المسألة بعَوْلها (أو) اضْرِب (وَفْقَه) أي: الفريق (لها) أي: السهام (إن وافقها) بجزء، كنصف، وعشر، ونصفِ ثمنٍ، واعتبر الأدق محافظة على الاختصار وإن وافقها (في المسألة، وعَوْلها إن كانت عائلة، فما بلغ) الضرب (صحَّت منه الفريضة، ثم مَن له شيء من أصل المسألة يأخذه مضروبًا فيما ضرَبْتَ فيه المسألة) من عدد الفريق، أو وَفْقه (وهو الذي يُسَمَّى جزء السهم) أي: حظ السهم من أصل المسألة من المصحح، وذلك لأنك إذا قسمتَ المصحح على أصل المسألة، خرج
(1)
(10/ 394).
(2)
الخرشي على مختصر خليل (8/ 212)، وحاشية العدوي (8/ 211).
(3)
انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 806). والخرشي على مختصر خليل (8/ 212)، وحاشية العدوي (8/ 211). وتحفة المحتاج (6/ 435)، وحاشية البجيرمي (3/ 265)، والغرر البهية (6/ 637 - 638).
لكلِّ سهمٍ منها ذلك المضروب فيها، وكذا كلُّ عددين ضربت أحدهما في الآخر، إذا قسمت الحاصل على أحدهما، خرج الثاني، والجزء والحظ والنصيب بمعنى (فما بلغ) من ضَرْبِ سهامه في جزء السهم (فهو له، ويصير لكل واحد من الفريق من السهام) في التصحيح (عددُ ما كان لجماعتهم) من السهام في أصل المسألة عند التباين (و
(1)
) يصير لكل واحد من الفريق من السهام عدد (وَفْق ما كان لجماعتهم) عند التوافق (فاقسمه عليهم) يخرج ما لكل واحد منهم.
(مثال ذلك: زوجٌ، وأم، وثلاثة إخوة، أصلها من ستة، للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس سهمٌ، ويبقى للإخوة سهمان، لا تنقسم عليهم ولا توافقهم) وكل عددين متواليين متباينان (فاضْرب عددهم، وهو ثلاثة، في أصل المسألة) ستة (تكن ثمانية عشر سهمًا) ومنها تصح، وكل من له شيء من ستة أخذه مضروبًا في جزء السهم ثلاثة، فـ (ــللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعةٍ، وللأم سهم في ثلاثة بثلاثةٍ، وللإخوة سهمان في ثلاثة بستَّةٍ، لكل واحد منهم سهمان) مثل ما كان لجماعتهم من أصل المسألة.
(ولو كان الإخوة ستة، وافقتهم سهامهم) وهي اثنان (بالنصف، فرُدَّهم إلى نصفهم، ثلاثة، وتعمل فيها كعملك في الأولى) بأن تضرب الثلاثة في الستة تبلغ ثمانية عشر، ثم تقسم كما تقدم: للزوج تسعة، وللأم ثلاثة، وللإخوة ستة (ويصير لكل واحد من الإخوة سهمٌ) وهو وَفْق ما كان لجماعتهم من أصل المسألة.
(وإن انكسر على فريقين أو أكثر) كثلاث فرق، أو أربع فرق، فانظر أولًا بين كل فريق وسهامه، فإما أن توافقه سهامه، أو تُبايِنه سهامه، فرُدَّ
(1)
في متن الإقناع (3/ 201): "أو".
الموافق إلى وَفْقه، وأبْقِ المُبَايِن بحاله (و) انظر ثانيًا بين المثبتات، فإن (كانت متماثلة بعد اعتبار موافقتها السهام) إن كان بينهما موافقة (كثلاثة وثلاثة، اجتزأْتَ بأحدها) أي: المتماثلات (وضَرَبْتَه في أصل المسألة) بلا عَوْل، أو بعَوْلها إن عالت (كزوجٍ، وثلاث جدات، وثلاثة إخوة لأبوين أو لأب) أصلها من ستة، للزوج ثلاثة، وللجدات السدس واحد لا ينقسم عليهن ويُباين، وللإخوة ما بقي اثنان لا ينقسم ويُباين، وثلاثة وثلاثة متماثلان، فاكتف بإحداهما واضْرِبها في ستة (تصحّ من ثمانية عشر) للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة، وللجدات واحد في ثلاثة بثلاثة لكل واحدة سهم، وللإخوة اثنان في ثلاثة بستة، لكل واحد سهمان، وكذا لو كانت الإخوة لأم.
(وإن كانت) أعداد الفرق (متناسبة، وتُسمَّى: مُتداخِلة) لكن الأصغر داخل في الأكبر، ولا عكس، فالتسمية اصطلاحية (وهو) أي: تَناسُب العددين (أن تنسب الأقل إلى الأكثر بجزء واحد من أجزائه، كنصفه، أو ثلثه، أو ربعه) كاثنين وأربعة، أو: وستة، أو: وثمانية، وخرج - بقوله:"واحد" - الأربعة والستة، فإنّ نسبتها إليها بالثلثين، وذلك كَسْر مكرَّر، واصطلاح الحساب أن جزء الشيء كسره الذي إذا سلط عليه أفناه، وكسره أعم، فـ"واحد" تأكيد لدفعِ توهُّمِ أنه مساوٍ للكسر.
(أو) أن تنسب الأقل إلى الأكثر (بجُزء من أحدَ عَشَرَ) كأحد عشر واثنين وعشرين (ونحوه) كسبعة عشر، وأربعة وثلاثين (اجتزأت بأكثرها) أي: المتناسبات (وضربته في المسألة وعَوْلها) إن عالت، فما بلغ فمنه تصح (ثم كل من له شيء من الأصل) أي: أصل المسألة (أخَذَه مضروبًا
فيما ضَربْتَ فيه المسألة) وهو أكبر المتناسبين هنا، كزوج، وثلاثة إخوة لأم، وستة أعمام، أصلها ستة، وجزء سهمها ستة عدد الأعمام؛ لدخول عدد الإخوة فيه، وتصح من ستة وثلاثين: للزوج ثلاثة في ستة بثمانية عشر، وللإخوة لأم اثنان في ستة باثني عشر، لكل واحد أربعة، وللأعمام واحد في ستة، لكل واحد سهم.
(وإن كانت) أعداد الفرق (متباينةً، كخمسة، وستة، وسبعة، ضَرَبتَ بعضَها في بعض) حتى تنتهي (فما بلغ) فهو جزء السهم (اضْرِبه في المسألة وعَوْلها) فما بلغ، فمنه تصح (ثم كلُّ مَن له شيء من الأصل أخذه مضروبًا فيما ضربتَ فيه المسألة) كبنت، وخمس بنات ابن، وثلاث جدات، وسبعة أعمام. المسألة من ستة: للبنت ثلاثة، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين واحد لا ينقسم عليهن ويُباين، وللجدات السدس واحد لا ينقسم ويُباين، وللأعمام الباقي كذلك، فاضْرِب ثلاثة في خمسة، والحاصل خمسة عشر في سبعة بمائة وخمسة، وهي جزء السهم، فاضْرِبها في ستة تبلغ ستمائة وثلاثين، ومنها تصح. فاضْرِب للبنت ثلاثة في مائة وخمسة، بثلثمائة وخمسة عشر، ولكل فريق من باقي الورثة واحد في مائة وخمسة، لكل واحدة من بنات الابن أحد وعشرون، ولكل واحدة من الجدات خمسة وثلاثون، ولكل واحد من الأعمام خمسة عشر، وقِسْ على ذلك.
(وإن كانت) أعداد الفرق (متوافقةً كأربعة، وستة، وعشرة) فإنها متوافقة بالأنصاف (أو كاثني عشر، وثمانية عشر، وعشرين) فلك طريقان: إحداهما طريق الكوفيين، وهي التي أشار إليها بقوله:(وَفَّقْتَ) أي: حصَّلتَ الوفق (بين أي عددين شئت منها من غير أن تقف شيئًا) منها
(ثم) إذا عرفت الوفق بين اثنين منها (ضَربتَ وَفْق أحدهما في جميع الآخر، فما بلغ فاحفظه، ثم انظر بينه) أي: المحفوظ (وبين، الثالث، فإن كان) الثالث (داخلًا فيه) أو مماثلًا له (لم تحتج إلى ضَرْبه، واجتزأت بالمحفوظ) فهو جزء السهم، فاضْرِبه في أصل المسألة، فما بلغ، فمنه تصح (وإن وافقه) أي: وافق الثالث المحفوظ (ضَربتَ وفقه فيه) فما حصل فهو جزء السهم (أو باينه) أي: باين الثالث المحفوظ (ضربته كلَّه) أي: الثالث (فيه) أي: المحفوظ، فما بلغ فهو جزء السهم (ثم) اضْرِبه (في المسألة، فما بلغ، فمنه تصح) المسألة، واقْسِم كما سبق.
ففي أربع زوجات، وتسع شقيقات، واثني عشر عمًّا، المسألة من اثني عشر، وسهام كل فريق تباينه، وإذا نظرت بين تسعة واثني عشر فهما متوافقان بالثلث، فاضْرِب ثلث أحدهما في الآخر بستة وثلاثين، وانظر بينه وبين عدد الزوجات تجد عدد الزوجات داخلًا فيه، فالستة والثلاثون جزء السهم، اضْرِبه في اثني عشر أصل المسألة تصح من أربعمائة واثنين وثلاثين، ثم تقسمها: للزوجات ثلاثة في ستة وثلاثين بمائة وثمانية، لكل واحدة سبعة وعشرون، وللشقيقات ثمانية في ستة وثلاثين بمائتين وثمانية وثمانين، لكل واحدة اثنان وثلاثون، وللأعمام واحد في ستة وثلاثين، لكل واحد ثلاثة.
(وإن تَماثَل عددان وبايَنَهُمَا الثالث) كثلاث أخوات لأبوين، وثلاث جَدَّات، وأربعة أعمام (أو وافقهما) الثالث، كأربع زوجات، وستة عشر أخًا لأم، وستة أعمام؛ لأن نصيب أولاد الأم يوافق عددهم بالربع، فتردهم إلى ربعهم أربعة، وهي مماثلة لعدد الزوجات، وكلاهما يوافق عدد الأعمام بالنصف (ضربتَ أحد المتماثلين في جميع الثالث) إن
بايَنَهُما، كالمثال الأول (أو) ضربتَ أحد المتماثلين (في وَفْقه) أي: الثالث (إن كان موافقًا) كالمثال الثاني (فما بلغ) فهو جزء السهم، فإذا أردت تتميم العمل (ضربْتَه في المسألة) فما حصل صحَّت منه المسألة، وقسمته، كما سبق.
(وإن تناسب اثنان وبايَنهُما الثالث، كثلاث جَدَّات، وتسع بنات ابن، وخمسة أعمام) أصل المسألة ستة، للجدات السُّدس واحد على ثلاثة، لا ينقسم ويُبَاين، ولبنات الابن الثلثان أربعة على ثلاثة، لا تنقسم وتباين، وللأعمام الباقي واحد على خمسة، لا ينقسم ويباين، والثلاثة داخلة في التسعة، والخمسة مباينة لهما (ضربتَ أكثرهما، وهو التسعة في جميع الثالث، وهو خمسة) يحصل خمسة وأربعون، فهي جزء السهم (ثم) اضْرِبْها (في المسألة) وهي ستة (وتصح من مائتين وسبعين) للجدات خمسة وأربعون، لكل واحدة خمسة عشر، ولبنات الابن مائة وثمانون، لكل واحدة عشرون، وللأعمام خمسة وأربعون، لكل واحد تسعة.
(وإن توافق اثنان) من أعداد الفرق (وباينهما الثالث) كأربعة وخمسة وستة (ضربتَ وَفْق أحدهما في جميع الآخر، ثم) ضَرَبتَ الحاصل (في) العدد (الثالث) المُبَاين، فالحاصل جزء السهم، اضْرِبه في أصل المسألة ثم اقْسِمه كما مَرَّ.
(وإن تباين اثنان ووافقهما الثالث) أي: في التباين - وفي نسخة: وتبعهما - فالثلاثة متباينة بدليل قوله: (فاضْرِب أحدهما في الآخر ثم) اضْرِب (الخارج في الثالث إن باينه، كأربع زوجات، وثلاث أخوات لأبوين أو لأب، وخمسة أعمام) أصل المسألة اثنا عشر: للزوجات الربع
ثلاثة على أربعة لا تنقسم وتباين، وللأخوات الثلثان ثمانية على ثلاثة لا تنقسم وتباين، وللأعمام الباقي واحد لا ينقسم ويُبَاين، والأعداد الثلاثة متباينة، وحاصل ضَرْبها في بعضها ستون، فهي جزء السهم تضرب في الاثني عشر (وتصح من سبعمائة وعشرين) للزوجات مائة وثمانون، لكلِّ واحدة خمسة وأربعون، وللأخوات أربعمائة وثمانون، لكل واحدة مائة وستون، وللأعمام ستون، لكل واحد اثنا عشر (لا إن ماثله) أي: ماثل حاصل ضرب المتباينين الثالث، كاثنين وثلاثة وستة، فإن حاصل ضرب الاثنين في الثلاثة ستة، وهي مماثلة للستة، فتكتفي بها وتضربها في أصل المسألة (أو اضْرِب وَفْقه إن وافقه) أي: إذا ضربت أحد المتباينين في الآخر، ووافق الحاصل الثالث، كاثنين وثلاثة وتِسعة، إذا ضربت الاثنين في الثلاثة وقابلت بين الحاصل وبين التسعة، وجدتهما متوافقين بالأثلاث، فَرُدَّ أحدهما إلى ثلثه واضْرِبه في كامل الآخر (كما تقدم في الصور كلها) وتَمِّم العمل على ما تقدم.
وهذا كله في الانكسار على ثلاث فِرق (وكذا لو انكسر على أكثر من ثلاث فِرقٍ) بأن كان الانكسار على أربع فرق، فتَنظر بين اثنين منها، وتحصِّل أقل عدد ينقسم على كل منهما، ثم تنظر بين الحاصل والثالث وتحصل أقل عدد ينقسم على كل منهما، ثم تنظر بين الحاصل والرابع وتحصل أقل عدد ينقسم على كل منهما، ولا يتجاوزها في الفرائض، بخلاف الوصايا وغيرها، وأقل عدد ينقسم على كل من عددين مِثْلُ أحدهما إن تماثلا، وأكبرهما إن تداخلا، ومسطح ضَرْب أحدهما في وَفْق الآخر إن توافقا، أو في كله إن تباينا.
(وهذه) الطريقة (طريقة الكوفيين، وقَدَّمها في "المغني"
و"الشرح" وغيره.
وقوله في "التنقيح" و"الإنصاف": في اثني عشر وثمانية عشر، وعشرين، تقف الاثني عشر لا غير، فـ) ــهو (على طريقة البصريين) وهي أن تقف واحدًا وتوفق بينه وبين الآخرين، فترد كُلًّا منهما إلى وَفْقه.
فإذا وقفت الاثني عشر ونظرت بينها وبين الثمانية عشر، رددت الثمانية عشر لسدسها ثلاثة، ثم نظرت بينها وبين العشرين فتردها لربعها خمسة، ثم تنظر في الوَفْقين فإن تباينا - كما هنا - ضربتَ أحدَهما في الآخر، فتضرب الثلاثة في الخمسة تبلغ خمسة عشر، ثم في الموقوف وهو الاثنا عشر بمائة وثمانين، وإن كان بين الوفقين موافقة - أيضًا - ضربتَ وَفْق أحدهما في الآخر، ثم الحاصل في الموقوف، وإن كانا متناسبين ضَربتَ أكبرهما في الموقوف، وإن كانا متماثلين ضَربتَ أحدهما في الموقوف.
وكذا لو وقفت الثمانية عشر في المثال، ونظرتَ بينها وبين الاثني عشر، ورددتها إلى سدسها اثنين، ثم نظرتَ بينها وبين العشرين، ثم رددتها إلى نصفها عشرة، ثم قلت: الاثنان داخلان في العشرة، فاجتزأت بها. وضربتها في الثمانية عشر، يحصل المقصود.
وكذا لو وقفت العشرين، ووفقت بينها وبين الثمانية عشر، فرددتها إلى نصفها تسعة، ثم بينها وبين الاثني عشر، فرددتها إلى ربعها ثلاثة، ثم بين الثلاثة والتسعة فاكتفيت بالتسعة لأنها الأكبر، وضربتها في العشرين، لحصل ذلك، فلا يتعيَّن واحد منها للإيقاف؛ لحصول الغرض على كل تقدير، فتخصيصه في "الإنصاف" و"التنقيح" الوقف بالاثني عشر لا يتأتى - أيضًا - حتى على طريقة البصريين، بل المنقول عنهم: إيقاف
الأكبر، لكن نوقش فيه بأن المطلوب حاصل على كل حال، إلا أن يظهر له أثر باختصار العمل أو سهولته، ولذلك لم يتابعه في "المنتهى"، وإنما يتعين وقف معين منها إذا كان يوافق الآخَرَين وهما متباينان، كستة وأربعة وتسعة، فتقف الستة فقط، ويُسمَّى الموقوف: المقيد، فتنظر بينه وبين الأربعة، فتردها إلى اثنين، ثم بينه وبين التسعة فتردَّها إلى ثلاثة، ثم تضرب الاثنين في الثلاثة والحاصل في الستة بستة وثلاثين، وإن شئتَ اكتفيت بضرب المتباينين كما هو أحد الوجهين في ذلك (وطريقة الكوفيين أسهل منها) فلذلك اقتصر المصنف عليها.
فصل
تماثل العددين أن يكون أحدهما مثل الآخر، كأربعة وأربعة، أو خمسة وخمسة، وذلك ظاهر.
(والطريق
(1)
إلى معرفة الموافقة، والمناسبة، والمُبَاينة، أن تُلقِي أقل العددين من أكثرهما مرةً بعد أخرى، فإن فَنِي) الأكثر (به) أي: بالأقل، كأربعة وثمانية، أو وستة عشر (فالعددان متناسبان) ويقال: متداخلان، وتقدم
(2)
(وإن لم يَفْنَ) الأكثر بالأقل (لكن بقيت منه بقية، فألقها من العدد الأقل، فإن بقيت منه بقية، فألقها من البقية الأولى، ولا تزال) تفعل (كذلك، تلقي كل بقيةٍ من التي قبلها حتى تصل إلى عدد يَفْنَى الملقَى منه غيرَ الواحد، فأي بقية فني بها غير الواحد، فالموافقة بين
(1)
في "ذ": "والطريقة".
(2)
(10/ 409).
العددين بجزء تلك البقية، فإن كانت) البقية (اثنين فـ) ــالموافقة (بالأنصاف، وإن كانت) البقية (ثلاثة فـ) ــالموافقة بينهما (بالأثلاث، أو) فني الأكبر (بأحد عشر، أو غيره من الأعداد الصُّمِّ الأوائل) أي: غير المركبة من ضرب عدد في آخر، كالثلاثة عشر، والسبعة عشر، والثلاثة والعشرين (فـ) ــالموافقة بينها (بجزء
(1)
ذلك) العدد الأصم.
مثال الأول: تسعة واثنا عشر، تسقط التسعة من الاثني عشر مرة، يبقى ثلاثة، تسقطها من التسعة ثلاث مرات تفنى، فهما متوافقان بالثلث.
ومثال الثاني: سبعة وخمسون وستة وسبعون، الباقي منه بعد طَرْح الأول تسعة عشر، تفني الأول في ثلاث مرات، فهما متوافقان بجزء من تسعة عشر.
(وإن بقي) بعد الطرح المذكور (واحد) كأربعة وتسعة (فالعددان متباينان) وقدَّمت لك أن كل عددين متواليين متباينان، ومن أراد تحقيق علم الحساب والفرائض فعليه بكتبهما المخصوصة، فإن الفقهاء إنما يذكرون من ذلك نُبذًا قليلة. ولما انتهى الكلام على التصحيح بالنسبة إلى ميت واحد، شَرع في بيان العمل فيما إذا مات اثنان فأكثر. فقال:
(1)
في متن الإقناع (3/ 204): "فيجزئ".
باب المناسخات
جمع مناسخة، من النَّسخ بمعنى الإزالة، أو التغيير، أو النقل. يقال: نَسختِ الشمسُ الظلَّ، أي: أزالته. ونسختِ الرياحُ الديارَ: غيَّرتها. ونسختُ الكتابَ: نقلت ما فيه.
(ومعناها) عند الفقهاء والفَرضيين: (أن يموت بعض وَرَثة الميت قبل قَسْم تَرِكته) سُمِّيت بذلك لزوال حكم الميت الأول ورفعه. وقيل: لأن المال تناسخته الأيدي.
وهذا الباب من عويص الفرائض، وما أحسن الاستعانة عليه بمعرفة رسالة "الشِّبَاك"
(1)
لابن الهائم
(2)
لأنه أضبط.
(ولها) أي: المناسخة (ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون ورثة الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من الأول، مثل أن يكونوا عَصَبة لهما) كالأولاد فيهم ذكر، والإخوة، والأعمام (فاقْسِم المال بين من بقي منهم، ولا تنظر إلى الميت الأول) لأنه لا فائدة في النظر في مسألة الميت الأول (كميت خلَّف أربعة بنين، وثلاث بنات،
(1)
كتاب: شبكة ابن الهائم في عمل المناسخات في علم الفرائض، وهو مخطوط لم يطبع. انظر: الفهرس الوصفي لمخطوطات علم الفرائض ص/ 92.
(2)
هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد المصري الشافعي الفرضي الحاسب، ابن الهائم، ولد سنة 753 هـ، عني بالفرائض والحساب، وسمع منه الحافظ ابن حجر، له عدة تآليف في الفرائض، منها: الفصول في الفرائض، أو الفصول المهمة في علم مواريث الأمة وجدول الميراث، وهما مطبوعان. توفي ببيت المقدس سنة 815 هـ، رحمه الله تعالى. انظر: شذرات الذهب (9/ 163 - 164)، والضوء اللامع (2/ 157 - 158).
ثم ماتت بنت ثم) مات (ابن، ثم) ماتت (بنت أخرى، ثم) مات (ابن آخر، وبقي ابنان وبنت، فاقسم المال) بينهم (على) عدد رؤوسهم (خمسة، ولا تحتاج إلى عمل مسائل) لأنه تطويل بلا حاجة.
(وكذلك تقول في أبوين، وزوجة، وابنين وبنتين منها، ماتت بنت ثم) ماتت (الزوجة، ثم) مات (ابن، ثم) مات (الأب، ثم) ماتت (الأم، فقد صارت المواريث كلها بين الابن والبنت الباقيين أثلاثًا) ولا تحتاج إلى عمل مسائل.
وقد يتفق ذلك في أصحاب الفروض في مسائل قليلة، كرجل مات عن زوجة وثلاث
(1)
بنين وبنت منها، ثم مات أحد البنين قبل القسمة، فإن للمرأة من الأولى سهمًا، مثل سهم البنت ومثل نصف سهم الابن، وكذلك لها من الثانية، فاقسم المسألة على ورثة الميت الثاني، ولا تنظر إلى الأول، وهذا هو الاختصار قبل العمل.
(وربما اختصرت المسائل بعد) العمل و (التصحيح بـ) ــسبب (الموافقة بين السهام) بأن كان بين جميع السهام موافقة بجزء ما، فَتَرُدَّ المسألة إلى وَفْقها، ونصيب كل وارث إلى وَفْقه، كما أشار إليه بقوله:(فإذا صَحَّحْتَ المسألة، فإن كان لجميعها) أي: المسألة (كسرٌ تتفقُ فيه جميع السهام، رَدَدْت المسألة إلى ذلك الكسر، وردَدْتَ سهام كلِّ وارث إليه) أي: إلى ذلك الكسر (ليكون أسهل في العمل؛ كزوجة، وابن، وبنت، ماتت البنت) عن أُمِّها وأخيها، فالأولى من أربعة وعشرين، والثانية من ثلاثة، وسهام الميتة سبعة لا تنقسم عليها ولا توافقها، فاضْرِب الثانية في الأولى (تصح المسألتان من اثنين وسبعين) وتُسمَّى
(1)
كذا في الأصول، والصواب:"ثلاثة".
الجامعة (للزوجة ستة عشر، وللابن ستة وخمسون، وتتفق سهامهما بالأثمان، فَرُدَّ
(1)
المسألة إلى ثُمنها تسعة) ونصيب كل منهما إلى ثمنه، فيكون (للزوجة سهمان، وللابن سبعة) وقِسْ على ذلك ما أشبهه.
(الحال الثاني: أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضُهم يعضًا، كإخوة خلَّف كل واحد) منهم (بنِيه) مُنفردِين، أو مع إناث (فاجعل) لكلِّ واحد منهم مسألة، واجعل (مسائلهم كعددٍ انكسرت عليه سهامهم، وصَحِّح على ما ذكر في باب التصحيح) يحصُل المطلوب.
(مثاله: رجل خلَّف أربعة بنين، فمات أحدُهم عن ابنين، و) مات (الثاني عن ثلاثة) بنين (و) مات (الثالث عن أربعة) بنين (و) مات (الرابع عن ستة) بنين (فالمسألة الأولى من أربعة) عدد البنين (ومسألة الابن الأول من اثنين، و) مسألة الابن (الثاني من ثلاثة، و) مسألة الابن (الثالث من أربعة، و) مسألة الابن (الرابع من سِتَّة) عدد البنين لكل منهم، فالحاصل من مسائل الورثة: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة (فالاثنان تدخل في الأربعة، والثلاثة) تدخل (في الستة) فأسقط الاثنين والثلاثة، يبقى أربعة وستة، وهما متوافقان (فاضْرِب وَفْق الأربعة في السِّتة، تكن اثني عشر، ثم) تضربها (في المسألة الأولى) وهي أربعة (تكن ثمانية وأربعين، لورثة كل ابن اثنا عشر) حاصلة من ضرب واحد في الاثني عشر (فلكلِّ واحد من ابني الابن الأول ستة، ولكلِّ واحد من ابني) الابن (الثاني أربعة، ولكل واحد من بني) الابن (الثالث ثلاثة، ولكلِّ واحد من بني) الابن (الرابع سهمان) وهذا واضح؛ لأن كل صنف منهم يختصُّ بتَرِكَة مُوَرِّثه.
(الحال الثالث: ما عدا ذلك) المذكور في الحالين قبل، بأن تكون
(1)
في متن الإقناع (3/ 205): "فترد".
ورثة الثاني لا يرثونه كالأول، ويكون ما بعد الميت الأول من الموتى، يرث بعضُهم بعضًا (وهو ثلاثة أقسام) لأنك إذا عملت مسألة الأول وصحَّحتها، وعملت مسألة الثاني كذلك وأخذت سهامه من الأولى، وعرضتها على مسألته لم تخل من حال من أحوال ثلاثة:
(الأول: أن تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته، فتصح المسألتان ما صحَّت منه الأولى، كرجُلٍ خلَّف زوجة، وبنتًا، وأخًا) لغير أم (ثم ماتت البنت، وخلَّفت زوجًا، وبنتًا، وعمًّا، فإن) مسألة الأول من ثمانية: للزوجة واحد، وللبنت أربعة، وللأخ: الباقي، ثلاثة، ومسألة البنت من أربعة: لزوجها واحد، ولبنتها اثنان، ولعمها واحد، و (لها) من الأولى (أربعة، ومسألتها من أربعة) كما عرفت، فهي منقسمة عليها، فتصح المسألتان من ثمانية: للزوجة واحد، وللأخ - الذي هو عم في الثانية - أربعة، ولزوج الثانية واحد، ولبنتها اثنان.
(الثاني: ألا تنقسم) سهام الثاني (عليها) أي: على مسألته (بل توافقها فـ) ــــرُدَّ مسألته إلى وَفْقها، و (اضْرِب وَفْق مسألته في) كل (الأولى) فما بلغ فهو الجامعة للمسألتين (ثم كل مَن له شيء من المسألة الأولى مضروب في وَفْق الثانية، ومن له شيء من الثانية مضروب في وَفْق سهام الميت الثاني) هذا طريق العلم بما لكل واحد من المسألتين (مثل أن تكون الزوجة أُمًّا للبنت في مسألتنا) المذكورة (فإن مسألتها) تكون (من اثني عشر) لأن فيها نصفًا للبنت، وربعًا للزوج، وسدسًا للأم (توافق سهامها) من الأولى، وهي أربعة (بالربع، فترجع) الاثنا عشر (إلى ربعها ثلاثة، فاضْرِبها في الأولى) وهي ثمانية (تكن أربعة وعشرين) للمرأة التي هي زوجة في الأولى أُمٌّ في الثانية، سهم من الأولى، مضروب في وَفْق
الثانية، وهو ثلاثة بثلاثة، ومن الثانية سهمان، في وفق سهام الميتة باثنين، فيكون لها خمسة، وللأخ من الأولى ثلاثة في وَفْق الثانية ثلاثة بتسعة، وله بكونه عمًّا في الثانية واحد في واحد بواحد، فيجتمع له عشرة، ولزوج البنت من الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة، ولبنتها منها ستة في واحد بستة، ومجموع السهام أربعة وعشرون.
(الثالث: ألا تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته ولا توافقها، فاضْرِب) المسألة (الثانية في) كل المسألة (الأولى) فما حصل فهو الجامعة (ثم كل من له شيء من الأولى مضروب في الثانية، ومَن له شيء من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني) وذلك (كأن تُخلِّف البنتُ) التي مات أبوها عنها وعن زوجة وأخ (بنتين) وزوجًا وأمًّا (فإن) الأولى من ثمانية كما تقدم
(1)
، وسهام البنت منها أربعة و (مسألتها تعول إلى ثلاثة عشر) للبنتين ثمانية، وللزوج ثلاثة، وللأم اثنان، والأربعة لا تنقسم عليها ولا توافقها، فـ (ــاضْرِبها في) المسألة (الأولى، تكن) الجامعة (مائة وأربعة) للمرأة التي هي أم في الثانية، زوجة في الأولى سهم من الأولى في الثانية بثلاثة عشر، ولها من الثانية سهمان في سهام الميتة من الأولى، أربعة بثمانية، يجتمع لها أحد وعشرون، ولأخي الميت الأول ثلاثة من الأولى في الثانية بتسعة وثلاثين، ولا شيء له من الثانية؛ لاستغراق الفروض المال، وللزوج من الثانية ثلاثة في سهام الميتة الأربعة باثني عشر، ولبنتيها من الثانية ثمانية في أربعة باثنين وثلاثين، ومجموع السهام مائة وأربعة.
(فإن مات ثالث) قبل القسمة (جَمعتَ سهامه مما صحَّت منه
(1)
الصفحة السابقة.
الأولَيان، وعملتَ فيها عملك في مسألة الثاني مع الأولى) بأن تنظر بين سهامه ومسألته، فإن انقسمت عليها، لم تحتج لضرب، وإلا؛ فإما أن توافق أو تُباين، فإن وافقت، ردَدْتَ الثالثة لوفقها وضربته في الجامعة، وإن باينت، ضربت الثالثة في الجامعة، ثم من له شيء من الجامعة يأخذه مضروبًا في وَفْق الثالثة عند التوافق، أو في كلها عند التباين. ومن له شيء من الثالثة يأخذه مضروبًا في وَفْق سهام مورثه من الجامعة عند الموافقة، أو في كلها عند المباينة.
مثاله: مات عن زوجة، وأمٍّ، وثلاث أخوات مفترقات، أصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى خمسة عشر، ماتت الأخت من الأبوين عن زوجها، وأمها، وأختها لأبيها، وأختها لأمها، أصل مسألتها من ستة، وتعول إلى ثمانية، وسهامها من الأولى ستة متفقان بالنصف، فاضْرِب نصف الثانية أربعة في الأولى تبلغ ستين، واقْسِم على ما تقدَّم، للزوجة من الأولى ثلاثة في أربعة باثني عشر، وللأم من الأولى اثنان في أربعة بثمانية، ومن الثانية واحد في ثلاثة فيجتمع لها أحد عشر. ولأخت الأول لأبيه اثنان في أربعة بثمانية، ولها من الثانية ثلاثة في ثلاثة بتسعة، يجتمع لها سبعة عشر، وللأخت للأم من الأولى اثنان في أربعة بثمانية، ومن الثانية واحد في ثلاثة بثلاثة، فيجتمع لها أحد عشر، ولزوج الثانية من الثانية ثلاثة في ثلاثة بتسعة، ثم ماتت الأم وخلَّفت زوجًا، وأختًا، وبنتًا وهي الأخت لأم، فمسألتها من أربعة، ولها من الجامعة أحد عشر لا تنقسم ولا تُوافق، فتضرِب مسألتها أربعة في الجامعة وهي ستون، تبلغ مائتين وأربعين، ومنها تصح الثلاث، للزوجة من الجامعة اثنا عشر في أربعة بثمانية وأربعين، وللأخت لأب سبعة عمر في أربعة بثمانية
وستين، وللأخت لأم من الجامعة أحد عشر في أربعة بأربعة وأربعين، ومن الثالثة اثنان في أحد عشر وهي سهام الثالثة باثنين وعشرين، فيجتمع لها ستة وستون، ولزوج الثانية تسعة من الجامعة في أربعة بستة وثلاثين، ولزوج الثالثة منها واحد في أحد عشر بأحد عشر. وكذا أختها.
(وكذلك تصنع في) الميت (الرابع) بأن تعمل له مسألة، وتُقابل بينها وبين سهامه من الجامعة للثلاث قبلها، فإما أن تنقسم، أو تُوافق، أو تُباين، وتتمم العمل على ما تقدم.
(و) كذا تصنع في (من) مات (بعده) من خامس أو أكثر، بأن تعمل للخامس مسألة وتقابل بينها وبين سهامه من الجامعة للأربع قبلها، ثم تعمل للسادس مسألة، وتقابل وبين سهامه من التي قبلها، وهكذا فتكون الجامعة كالأولى، ومسألة الميت كالثانية، وتتمم العمل على ما تقدم. والاختبار بجمع الأنصباء، فإن ساوى حاصلها الجامعة، فالعمل صحيح، وإلا؛ فأعِدْه.
(وإذا قيل: ميت مات عن أبوين وبنتين، ثم لم تقسم التَّرِكة حتى ماتت إحدى البنتين) عمن في المسألة فقط، أو مع زوج (احتيج) أي: احتاج المسؤول (إلى السؤال عن الميت الأول) أذكر هو أم أنثى (فإن كان) الميت الأول (رجلًا، فالأب) في الأولى (جدٌّ وارث في الثانية، لأنه أبو أب، وتصح المسألتان من أربعة وخمسين) حيث ماتت عمن في المسألة فقط؛ لأن الأولى من ستة، لكل من الأبوين سهم، ولكل من البنتين سهمان، والثانية من ثمانية عشر، للجدة السدس ثلاث، وللجد عشرة، وللأخت خمسة، وسهام الميتة اثنان لا تنقسم على الثمانية عشر، لكن توافقها بالنصف، فرُدَّها لتسعة واضْرِبها في ستة تبلغ أربعة
وخمسين، للأم من الأولى واحد في تسعة بتسعة، ومن الثانية ثلاثة في واحد، يجتمع لها اثنا عشر، وللأب من الأولى واحد في تسعة بتسعة، ومن الثانية عشرة في واحد بعشرة، يجتمع له تسعة عشر، وللبنت من الأولى سهمان في تسعة بثمانية عشر، ومن الثانية خمسة في واحد، ومجموعها ثلاثة وعشرون، ومجموع سهام الكل أربعة وخمسون.
(وإن كانت امرأة، فالأبُ) في الأولى (أبو أمٍّ في الثانية، لا يرث) والأخت إما أن تكون شقيقة، أو لأم (وتصح المسألتان من اثني عشر) إن كانت الأخت شقيقة؛ لأن الأولى من ستة كما علمت، والثانية من أربعة بالرَّد، للجدة واحد، وللشقيقة ثلاثة، وسهام الميتة اثنان لا تنقسم على الأربعة، لكن توافقها بالنصف، فتردُّ الأربعة لاثنين، وتضربها في ستة باثني عشر، ثم تقسمها، للأب من الأولى واحد في اثنين باثنين، ولا شيء له من الثانية، وللبنت من الأولى اثنان في اثنين بأربعة، ومن الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة، وللأم من الأولى واحد في اثنين باثنين، ومن الثانية واحد في واحد فلها ثلاثة، ومجموع السهام اثنا عشر. وإن كانت الأخت: لأم، فمسألة الرد من اثنين، وسهام الميتة من الأولى اثنان، فتصح المسألتان من الستة، للأب واحد، وللبنت ثلاثة، وللجدة اثنان.
(وهي) أي: المسألة، المسؤول عنها بأبوين وابنتين لم تقسم التَّرِكة حتى ماتت إحدى البنتين (المأمونية) لأن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم - بالثاء المثلثة - لما أراد أن يوليه القضاء، فقال له يحيى: الميت الأول ذكر أو أنثى؟ فعلم أنه قد فطن لها، فقال له: إذا عرفت التفصيل، فقد عرفت الجواب، وولَّاه
(1)
.
(1)
تقدم الإشارة إلى هذه المسألة (10/ 357) تعليق رقم (2).
باب قسمة التركات
القسمة: معرفة نصيب الواحد من المقسوم عليه، أو: معرفة عدد ما في المقسوم من أمثال المقسوم عليه.
ولهذا إذا ضربت الخارج بالقسمة في المقسوم عليه، ساوى حاصله المقسوم. فمعنى: اقسِم ستة وثلاثين على تسعة، أي: كم نصيب الواحد من التسعة؟ أو كم في الستة وثلاثين مثل التسعة؟ وإذا ضربت الخارج بالقسمة، وهو أربعة في التسعة ساوى المقسوم.
وقسمة التركات هي الثمرة المقصودة من علم الفرائض، وتنبني على الأعداد الأربعة المتناسبة، التي نسبة أولها إلى ثانيها، كنسبة ثالثها إلى رابعها، كالاثنين والأربعة، والثلاثة والستة، نسبة الاثنين إلى الأربعة، كنسبة الثلاثة إلى الستة، وكذلك نسبة نصيب كل وارث من المسألة إليها، كنسبة ما له من التركة إليها. وهذه الأعداد الأربعة، أصل كبير في استخراج المجهولات، وإذا جهل أحدها ففي استخراجه طُرُق:
أحدها: طريق النسبة، وقد أشار إليها بقوله:(إذا كانت التَّرِكة معلومة) وصحَّحت المسألة على ما تقدم (وأمكن نسبة سهم كل وارث من المسألة) إلى المسألة (فله) أي: للوارث (من التركة مثل نسبته) أي: نسبة سهمه إلى المسألة، وذلك (كزوجٍ، وأبوين، وابنتين، المسألة) أصلها (من) اثني عشر وعالت إلى (خمسة عشر، والتَّرِكة أربعون دينارًا، فللزوج) من المسألة (ثلاثة وهي خُمس المسألة، فله خمس التركة ثمانية دنانير، ولكل واحد من الأبوين) اثنان وهما (ثلثا خمس المسألة، فله ثلثا
الثمانية) خمسة وثُلُثٌ (ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما) يعني: لكل واحدة أربعة نسبتها إلى الخمسة عشر، خُمس وثلث خُمس، فخُذْ لها من التَّرِكة مثل ذلك (وذلك عشرة) دنانير (وثلثان) وهذه أحسن الطُّرق حيث سَهُلَتْ.
الثانية: المشار إليها بقوله: (وإن شئتَ قَسَمْتَ التَّرِكة على المسألة، وضَربتَ الخارج بالقسم في نصيب كل وارث) من المسألة (فما اجتمع) بالضرب (فهو نصيبه) من التَّرِكة، ففي المثال: إذا قسمت الأربعين على الخمسة عشر، خرج اثنان وثلثان، فاضْرِب فيها نصيب الزوج ثلاثة يخرج له ثمانية، واضْرِب فيها اثنين لكل واحد من الأبوين، يخرج خمسة وثلث، واضْرِب فيها أربعة لكل واحدة من البنتين، يخرج لها عشرة وثلثان.
الطريق الثالث: ما ذكره بقوله: (وإن شئتَ قَسَمْتَ المسألة على التَّرِكة) وإن كانت التَّرِكة أكثر كما في المثال، نسبت المسألة إليها (فما خرج) بالقسمة (قسمتَ عليه نصيب كل وارث بعد بسطه من جنس الخارج، فما خرج فـ) ــهو (نصيبه) ففي المثال: نسبة الخمسة عشر إلى الأربعين، ثلاثة أثمان، فتقسم عليها نصيب كل وارث بعد بسطه أثمانًا، بأن تضربه في ثمانية مخرج الثمن، ثم تقسم على ثلاثة، فللزوج ثلاثة تضربها في ثمانية بأربعة وعشرين، ثم تقسمها على ثلاثة، يخرج له ثمانية دنانير، ولكل من الأبوين اثنان في ثمانية بستة عشر، تقسمها على ثلاثة، يخرج خمسة وثلث، ولكل واحدة من البنتين أربعة في ثمانية باثنين وثلاثين، ثم تقسمها على ثلاثة، يخرج لها عشرة وثلثان.
الطريق الرابع: ذكره بقوله: (وإن شئتَ قَسَمْت المسألة على
نصيب كل وارث، ثم قسمتَ التَّرِكة على خارج القسمة، فما خرج) له (فـ) ــهو (نصيبه) ففي المال إذا قسمتَ الخمسة عشر على ثلاثةِ الزوجِ، خرج خمسة، اقْسِم عليها الأربعين، يخرج له ثمانية، وإذا قسمت الخمسة عشر على اثنين لكل من الأبوين، خرج سبعة ونصف، اقْسِم عليها الأربعين، يخرج لكل منهما خمسة وثلث، واقْسِم الخمسة عشر على أربعة كل من البنتين، يخرج ثلاثة وثلاثة أرباع، اقسم عليها الأربعين بعد البسط، يخرج عشرة وثلثان.
الطريق الخامس: أشار إليه بقوله: (وإن شئتَ ضربتَ سهامه) أي: كل وارث (في التَّرِكة، وقسمتَها على المسألة، فما خرج فنصيبُه) ففي المثال: للزوج ثلاثة، تضربها في التَّرِكة أربعين بمائة وعشرين، وتقسمها على المسألة خمسة عشر، يخرج له ثمانية، ولكل من الأبوين اثنان تضربهما في أربعين بثمانين، وتقسمها على الخمسة عشر، يخرج خمسة وثلث، فهي له، وتضرب لكل من البنتين أربعة في أربعين بمائة وستين، وتقسمها على الخمسة عشر، يخرج عشرة وثلثان. وقِسْ على ذلك.
(وإن شئتَ في مسائل المناسخات قسمتَ التَّرِكة على المسألة الأولى، ثم أخذتَ نصيب) الميت (الثاني فقسمته على مسألته، وكذلك) تفعل في (الثالث) فتقسم نصيبَه على ورثته، ثم في الرابع، وهكذا حتى ينتهوا.
فلو مات إنسان عن أربعة بنين وأربعين دينارًا، ثم مات أحدهم عن زوجته وإخوته، فإذا قسمت التركة على المسألة الأولى، خرج لكل واحد عشرة، ثم تقسم نصيب المتوفى وهو عشرة على مسألته أربعة، فتعطى الزوجة دينارين ونصفًا، ولكل أخ كذلك، ثم إن مات آخر عن
زوجته وأخويه، فله من التركتين اثنا عشر ونصف دينار، فللزوجة ثلاثة دنانير وثمن دينار، ولكل من الأخوين أربعة ونصف دينار وثمن دينار ونصف ثمن دينار. وقِسْ على ذلك.
(وإن كان بين المسألة والتَّرِكة موافقة) كما في المثال السابق؛ لأن الأربعين توافق الخمسة عشر بالخمس (فـ) ـــرُدَّ كلًّا منهما إلى خمسة، و (اقْسِم وَفْق التَّرِكة على وَفْق المسألة) إذا عملت بالطريق الثاني؛ لأن القسم إذًا أسهل.
(وإن أردت القسمةَ على قراريط الدينار، وهي أربعة وعشرون) في اصطلاح أهل مصر والشام ومن وافقهما، وعند المغاربة: عشرون (فاجعل عدد القراريط كالتَّرِكة، واعمل على ما ذكرنا) فيما تقدم.
(فإن كانت السِّهام كثيرة، وأردت أن تعلم سهم القيراط) منها (فاقسم ما صحَّت منه المسألة على أربعة وعشرين، فما خرج فهو سهم القيراط، فإذا قسمتَ عليها) أي: الأربعة والعشرين (ستَّمائة، فَـ) ـــحُلَّ الأربعة والعشرين إلى ما تركَّبت منه، وهو ثمانية وثلاثة، أو ستة وأربعة، و (اقْسِمها) أي: الستمائة (على ستَّة، لأنها أحد ضِلعي القيراط، يخرج) بالقسمة (مائة، اقْسِمها على الضلع الآخر، وهو أربعة، يخرج خمسة وعشرون، وهي سهم القيراط.
وإن شئتَ قسمتَ وَفْق السهام) أي: سهام المسألة يعني: نفس المسألة (على وفق القيراط) يحصل المطلوب (فتأخذ سُدس الستمائة، وهو مائة، فقسمه
(1)
على سدس الأربعة وعشرين، وهو أربعة، فيخرج خمسة وعشرون) وهو المطلوب.
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 210): "فتقسمه".
(وإن شئت أخذت ثُمن الستمائة، خمسة وسبعين، وقسمته على ثُمن الأربعة وعشرين، وهو ثلاثة، يخرج خمسة وعشرون، وكذلك كل عدد قسمته على عدد آخر) إذا كان بينهما موافقة، ردَدْتَ كلًّا منهما إلى وَفْقه، وقسمْتَ وَفْق المقسوم على وَفْق المقسوم عليه، يخرج المطلوب.
(وإن شئتَ) إذا قسمت على الأربعة وعشرين (فانظر عددًا إذا ضربته في الأربعة وعشرين، ساوى حاصله المقسوم أو قاربه، فإن بقيت منه بقية ضَرَبْتها في عدد آخر، حتى يبقى أقل من المقسوم عليه، ثم تجمع العدد الذي ضربته إليه، وتنسب تلك البقية من المقسوم عليه فتضمها إلى العدد، فيكون ذلك) العدد (سهم القيراط. مثاله في الستمائة، أن تضرب عشرين) هوائية (في أربعة وعشرين) هي المقسوم عليها (تكون أربعمائة وثمانين) يبقى من المقسوم مائة وعشرون، وهي أكثر من الأربعة وعشرين (فتضرب خمسة أخرى) هوائية (في الأربعة وعشرين، تكون مائة وعشرين) ولا يبقى من المقسوم شيء (وتضم الخمسة إلى العشرين، فيكون ذلك سهم القيراط، ومن عرف عِلْم الحساب هان عليه ذلك) وغيره من الأعمال الفرضية.
(فإذا عرفت سهم القيراط، فكلُّ من له سهام فأعطه بكلِّ سهم من سهام القيراط قيراطًا، فإن بقي له شيء من السهام لا يبلغ قيراطًا، فانسبه إلى سهم القيراط، وأعطه منه مثل تلك النسبة.
وإن كان في سهام القيراط كَسْرٌ، فابسط القراريط الصِّحاح من جنس الكسر، وضُمَّ الكسر إليها، واحفظ المجتمع، ثم كل من له شيء من المسألة، اضْرِبه في مخرج الكسر، واحسب له بكل قدْرٍ عَدَدَ البَسْطِ
قيراطًا، وإن بقي) أو خرج (ما لا يبلغ مجموع البسط، فانْسبه منه) أي: البسط (وأعطه مثل تلك النسبة) مثاله: زوجٌ وأمٌّ، وستة أعمام، تصح المسألة من ستة وثلاثين، إذا قسمتها على مخرج القيراط، أربعة وعشرين، خرج واحد ونصف، فبسط ذلك ثلاثة، احفظها، ثم اضْرِب للزوج ثمانية عشر في مخرج الكسر اثنين بستة وثلاثين، واجعل له بكل ثلاثة قيراطًا، يخرج له اثنا عشر قيراطًا، واضْرِب للأم اثني عشر في اثنين بأربعة وعشرين، وأعطها بكل ثلاثة قيراطًا، يخرج لها ثمانية قراريط، واضْرِب لكل عَمٍّ واحدًا في اثنين وسهمًا من الثلاثة، يكن له ثلثا قيراط.
(وإن كانت سهام التَّرِكة) أي: المسألة (دون الأربعة وعشرين، فانْسبها إليها) أي: الأربعة والعشرين (واحفظ بسط الكسر) الخارج بالنسبة (ثم كُلُّ من له شيء من المسألة، اضْرِبه في مخرج الكسر، واحسب له بكل قَدْرٍ عدد البسط قيراطًا) بأن تقسم الحاصل على البسط، يخرج ما له
(1)
.
(مثاله: زوج، وثلاثة إخوة، وأختان لأبوين) أصل المسألة من اثنين، للزوج واحد، يبقى واحد للإخوة على ثمانية، فتضرب ثمانية في اثنين، فـ (ـــتصح من ستة عشر) وهي أقل من أربعة وعشرين، و (نسبتها إلى الأربعة والعشرين ثلثان، فمخرج) ذلك (الكسر ثلاثةٌ وبسطه اثنان، للزوج) من الستة عشر (ثمانية، اضْرِبها في ثلاثة) مخرج الثلث
(2)
(بأربعة وعشرين، واحسب له كل اثنين بقيراط) بأن تقسم الأربعة والعشرين على اثنين، وهي بسط الثلثين (يكن) الخارج (اثني عشر قيراطًا) للزوج (وكذا
(1)
في "ح": "القيراط" بدل "ما له".
(2)
في "ح" و"ذ": "الثلثين".
الإخوة) فلكل أخ سهمان في ثلاثة بستة، احسب له كل اثنين بقيراط، يكن له ثلاثة قراريط، ولكل أخت واحد في ثلاثة بثلاثة، فلها قيراط ونصف قيراط.
(وإن كانت التَّرِكة سهامًا من عقار، كثلث وربع، ونحوه) كخمس، وسدس من دار، أو بستان ونحوه، فلك طريقان (فإن شئت اجمعها) أي: الكسور (من قراريط الدينار، واقسِمْها على ما قلنا) فيما سبق (فثلثُ دارٍ وربعها أربعة عشر قيراطًا، فاجعلها كأنَّها دنانير، واعمل على ما سبق) لك (فإذا خلَّفَت) امرأة (زوجًا، وأمًّا، وأختًا لأبوين أو لأب، فالمسألة من ثمانية، للزوج ثلاثة، هي) أي: الثلاثة (ربعها وثُمنها) أي: المسألة (فإذا قسمت السهام على المسألة، فللزَّوج ربع أربعة عشر قيراطًا وثُمُنُها، وهو خمسة قراريط، وربع) قيراط (من جميع الدار، وللأمِّ سهمان هما ربع التركة، فتعطيها) ربع الأربعة عشر (ثلاثةً ونصفًا، وللأخت مثل الزوج).
والطريق الثاني ذَكَره بقوله: (وإن شئت) أخذت السهام من مخرجها و (وافقت بينها) أي: السهام (وبين المسألة) بأن تنظر هل بينهما موافقة أو مباينة (وضَرَبْتَ المسألة إن بايَنَتِ السهامَ) في مخرجها (أو) ضربت (وَفْقها) أي: المسألة (إن وافقتها) السهام (في مخرج سهام العقار، ثم كل من له شيء من المسألة، اضْرِبه في السهام الموروثة من العقار) عند المباينة (أو) في (وَفْقها) عند الموافقة (فما بلغ فانسبه من مبلغ سهام العقار، فما خرج فهو نصيبه، ففي المسألة المذكورة) وهي: زوجٌ، وأمٌّ وأخت لغيرها، والتركة ثلث دار وربعها، المسألة عن ثمانية، وبسط الثلث والربع من مخرجهما سبعة و (ليس بين الثمانية والسبعة
موافقة، فاضْرِب الثمانية في مخرج السهام وهو اثنا عشر، تكن ستة وتسعين؛ للزوج من المسألة ثلاثة مضروبة في سبعة تكون أحدًا وعشرين، فانسبها إلى ستة وتسعين، تجدها ثمنها وثلاثة أرباع ثمنها) الاثنا عشر ثمنها والتسعة ثلاثة أرباعه (فله من الدار مثل تلك النسبة، وللأخت مثله، وللأم) من المسألة (سهمان في سبعة بأربعة عشر، وهي ثمن الستة وتسعين وسدس ثُمنها، فلها من الدَّار مثل تلك النسبة) هذا مثال المباينة.
(ومثال الموافقة: زوج، وأبوان، وابنتان، والتَّرِكة ربع دار وخمسها، فالمسألة من) اثني عشر، وتعول إلى (خمسةَ عشر) للزوج ثلاثة، ولكل من الأبوين سهمان، ولكل بنت أربعة (ومخرج السهام عشرون) وبسطها تسعة كما سيشير إليه (فالمسألة توافق السهام الموروثة من العقار بالثلث؛ لأنها) أي: السهام الموروثة (تسعةٌ، فتردُّ المسألة إلى ثلثها خمسة) للموافقة (ثم تضرِبها في مخرج سهام العقار وهو عشرون، تكن مائة) وتمِّم العمل على ما سبق (فللزوج من المسألة) التي هي خمسة عشر (ثلاثة في وَفْق سهام العقار ثلاثة تبلغ تسعة، انسبها إلى المائة تكن تسعة أعشار عشرها، فله من الدار تسعة أعشار عشرها، ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة تبلغ ستة، وهي ستة أعشار عشر) المائة، فله بمثل تلك النسبة ستة أعشار عشر (الدار، ولكل بنت) من المسألة (أربعة في ثلاثة) وَفْق السهام تبلغ (اثني عشر، وهي عشر) المائة وعُشرا عشرها، فلها عُشر (الدار وعُشرا عُشرها) والأولى أن تقول: وخمس عشرها؛ لأنها أخصر. هذا كله إن لم تنقسم السهام على المسألة.
(وإن انقسمت سهام العقار على المسألة، فاقْسِمْها من غير ضَرْبٍ في شيء، مثال ذلك: زوج، وأمٌّ، وثلاث أخوات متفرقات) إحداهن
شقيقة، والأخرى لأب، والثالثة لأم (والتَّرِكة ربع دار وخُمسها) أصل (المسألة من) ستة، وتعول إلى (تسعة) للزوج ثلاثة، وللشقيقة مثله، ولكل واحدة من الباقيات سهم (ومخرج سهام العقار عشرون، الموروث منها تسعة) لأن ربعها خمسة، وخمسها أربعة، والمجموع تسعة (منقسمة على المسألة؛ للزوج منها ثلاثة، وهي عُشر) العشرين ونصف عشرها، فله عشر (الدار ونصف عشرها، وللأخت من الأبوين مثل ذلك، ولكل واحدة من الباقيات) واحد، وهو نصف عشر العشرين، فلها (نصف عشرها) أي: الدار، وقِسْ على ذلك ما أشبهه.
(وإذا قال بعض الورثة: لا حاجة لي بالميراث، اقتسمه بقية الورثة، ويوقف) له (سهمه) نصًّا
(1)
؛ لأن الإرث قهري.
(ولو قال قائل: إنما يرثني أربعة بنين ولي تَرِكة، أخذ الأكبر دينارًا وخُمس ما بقي، وأخذ الثاني دينارين وخُمس ما بقي، وأخذ الثالث ثلاثة دنانير وخُمس ما بقي، وأخذ الرابع جميع ما بقي، والحال أن كل واحد منهم أخذ حقه من غير زيادة ولا نقصان، كم كانت التَّرِكة؟ الجواب: كانت ستة عشر دينارًا) وقد أخذ كل واحد منهم أربعة دنانير، وهي نصيبه.
(وإن خلَّف بنين ودنانير، فأخذ الأكبر دينارًا وعشر الباقي، و) أخذ (الثاني دينارين وعشر الباقي، و) أخذ (الثالث ثلاثة) دنانير (وعشر الباقي، و) أخذ (الربع أربعة) دنانير (وعشر الباقي، واستمروا كذلك، ثم أخد الأصغر الباقي، واستوت سهامهم، فكم البنين والدنانير؟ فخذ مخرج العشر وهو عشرة، وأنقصه واحدًا، فالباقي) تسعة، وهي (عدد
(1)
مسائل أبي داود ص/ 213.
البنين، فاضرب عددهم) تسعة (في مثله) تسعة (والمرتفع) بالضرب هو (عدد الدنانير وهو واحد
(1)
وثمانون) وأخذ كل واحد تسعة دنانير.
(ولو قال إنسان صحيح لمريض: أوصِ. فقال) المريض للصحيح: (إنما يرثني امرأتاك، وجدتاك، وأختاك، وعمتاك، وخالتاك، فالجواب: أن كل واحد منهما تزوج بجَدَّتَي الآخر، أمِّ أمِّه وأمِّ أبيهِ، فأولد المريض كلًّا منهما) أي: من جدتي الصحيح (بنتين، فهما من أُمِّ أبي الصَّحيح عمَّتا الصَّحيح، ومن أُمِّ أمِّه خالتاه، وقد كان أبو المريض تزوج أمَّ الصَّحيح، فأولدها بنتين) فالورثة زوجتان وهما جدتا الصحيح، وجدتان، وهما زوجتا الصحيح، وأربع بنات العمتان والخالتان، وأختان لأب هما أختا الصحيح لأمه. فأصل المسألة من أربعة وعشرين.
(وتصح عن ثمانية وأربعين) لأن ثُمن الزوجتين لا ينقسم عليهما ويباينهما، وكذلك نصيب الأختين، واثنان واثنان متماثلان، فتكتفي بأحدهما وتضربه في أصل المسألة يبلغ ما ذكر. فللزوجتين الثمن ستة، لكل واحدة ثلاثة، وللجدتين ثمانية لكل واحدة أربعة، وللبنات اثنان وثلاثون، لكل واحدة ثمانية، وللأختين ما بقي، وهو اثنان، لكل واحدة منهما واحد.
"تتمة": قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} الآية
(2)
. قال ابن المسيب
(3)
: إنها منسوخةٌ، كانت قبل الفرائض. ونقل ابن
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 214): "أحد".
(2)
سورة النساء، الآية:8.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 149)، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص/ 30 - 31، والطبري في تفسيره (4/ 264)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 876)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 157) رقم 327، والبيهقي (6/ 267)، وابن =
منصور
(1)
: إنه ذكر هذه الآية، فقال: أبو موسى أطعم منها
(2)
، وعبد الرحمن
(3)
بن أبي بكر، فدل ذلك على أنها محكمة. وذكر القاضي وغيره: أن هذا مستحب، وأنه عام في الأموال، واحتج بأن محمد بن الحكم سأل أحمد
(4)
عنها فقال: أذهب إلى حديث أبي موسى، يعطي قرابة الميت من حضر القسمة.
= الجوزي في نواسخ القرآن ص/ 117، من طريق قتادة، به. وصححه ابن حجر في الفتح (8/ 242).
(1)
مسائل الكوسج (8/ 4297) رقم (3064).
(2)
في مسائل الكوسج: "بها".
وأثر أبي موسى رضي الله عنه المشار إليه: أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 194 - 195)، والطبري في تفسيره (3/ 267)، من طريق شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: قسم أبو موسى بهذه الآية {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} .
(3)
"عبد الرحمن" كذا في الأصول، وصوابه:"عبد الله بن عبد الرحمن" كما في مسائل الكوسج ومصادر التخريج.
وأثر عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر رحمه الله: أخرجه ابن حزم في المحلى (9/ 311)، والبيهقي (6/ 167)، من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة: أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر والقاسم بن محمد أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حيَّة، قال: فلم يدع في الدار مسكينًا ولا ذا قرابة إلا أعطاهم من ميراث أبيه، قال: وتلا: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} . قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: ما أصاب، ليس ذلك له، إنما ذلك في الوصية، وإنما هذه الآية في الوصية، يريد الميت أن يوصي.
وصحَّح إسناده الحافظ في الفتح (8/ 242).
(4)
الفروع (5/ 26)، وانظر: مسائل الكوسج (8/ 4297) رقم (3064).
باب ذوي الأرحام، وكيفية توريثهم
الأرحام: جمع رحم. قال صاحب "المطالع"
(1)
: هي معنىً من المعاني، وهو النسب والاتصال الذي يجمعه والد
(2)
، فسُمِّي المعنى باسم ذلك المحل، تقريبًا للأفهام، ثم يُطلق الرَّحم على كلِّ قَرابة.
(وهم) أي: ذوو الأرحام اصطلاحًا في الفرائض: (كلُّ قَرابة ليس بذي فَرْض ولا عصبة).
واختلف في توريثهم، فرُوي عن عمر
(3)
، وعلي
(4)
، وعبد الله
(5)
،
(1)
هو "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" لابن قرقول، ولم يطبع، وقد سبق التعريف به (6/ 181) تعليق رقم (1)، وقد نقله عنه صاحب المطلع، المطلع ص/ 305.
(2)
في "المطلع": يجمع رحم والده.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 282) رقم 19112 - 19114، وسعيد بن منصور (1/ 46، 49) رقم 153، 154، 157، 158، 165، 167، وابن أبي شيبة (11/ 260 - 263)، والدارمي في الفرائض، باب 27، 38، رقم 2980، 2982 - 2984، 3053، 3057، 3061، والطحاوي (4/ 399، 400)، والبيهقي (6/ 217) من طرق: أن عمر رضي الله عنه ورث العمة والخالة، جعل للعمة الثلثين وللخالة الثلث. وفي رواية للطحاوي: عن إبراهيم، قال: كان عمر، وعبد الله رضي الله عنهما يورثان الأرحام دون الولاء. قال ابن التركماني: فهذه وجوه كثيرة عن عمر يشد بعضها بعضًا أنه ورث ذوي الأرحام.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 261)، والطحاوي (4/ 400)، والبيهقي (6/ 217).
(5)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 283) رقم 19115، وسعيد بن منصور (1/ 46، 47) رقم 155 - 158، 160، وابن أبي شيبة (11/ 261، 262)، والدارمي في الفرائض، باب 27، 38، رقم 2885، 3057، 3066، والطحاوي (4/ 400)، =
وأبي عبيدة بن الجراح
(1)
، ومعاذ بن جبل
(2)
، وأبي الدرداء
(3)
، رضي الله عنهم: توريثهم عند عدم العصبة وذوي الفروض غير الزوجين، وبه قال أبو حنيفة
(4)
وأحمد
(5)
، والشافعية
(6)
إذا لم ينتظم بيت المال.
وكان زيد
(7)
لا يورثهم، ويجعل الباقي لبيت المال، وبه قال مالك
(8)
وغيره.
ولنا قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}
(9)
.
وحديث سهل
(10)
بن حنيف: "أن رجلًا رمى رجلًا بسهم فقتله،
= والبيهقي (6/ 217).
(1)
انظر تخريج حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف الآتي في توريث الخال.
(2)
لم نقف على من رواه مسندًا، وأورده السرخسي في المبسوط (30/ 2).
(3)
لم نقف على من رواه مسندًا، وأورده السرخسي في المبسوط (30/ 2).
(4)
المبسوط (30/ 3)، وانظر: تبيين الحقائق (6/ 241 - 242)، والبحر الرائق (8/ 577)، ومجمع الأنهر (2/ 765 - 767)، وحاشية ابن عابدين (6/ 791 - 792).
(5)
مسائل عبد الله (3/ 1203) رقم 1660، ومسائل صالح (1/ 355) رقم 322، و (3/ 142) رقم 1523، ومسائل أبي داود ص/ 218، ومسائل ابن هانئ (2/ 66) رقم 1457، ومسائل الكوسج (8/ 4162 - 4163) رقم 2975، والاستذكار (15/ 482).
(6)
المجموع (14/ 496)، ومغني المحتاج (3/ 7)، والغرر البهية (6/ 597 - 598).
(7)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 287) رقم 19131، 19132، وسعيد بن منصور (1/ 50) رقم 170، وابن أبي شيبة (11/ 277).
(8)
الموطأ (2/ 518)، والاستذكار (15/ 480)، وانظر: مواهب الجليل (6/ 413)، وشرح الزرقاني (8/ 213)، ومنح الجليل (4/ 416، 417).
(9)
سورة الأنفال، الآية:75.
(10)
كذا في الأصول "سهل بن حنيف"، وفي مسند أحمد، وسنن الترمذي وغيرهما من =
ولم يترك إلا خالًا، فكتب فيه أبو عبيدة لعمر، فكتب إليه عمر: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الخالُ وارِثُ مَن لا وارِثَ له" رواه أحمد
(1)
. قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وروى المقداد
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الخالُ وارثُ من لا وارثَ له، يعقِل عنه ويرثُهُ" أخرجه أبو داود
(3)
.
= كتب التخريج: أبو أمامة بن سهل بن حنيف.
(1)
أحمد (1/ 28، 46)، والترمذي في الفرائض، باب 12، حديث 2103. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 76) حديث 6351، وابن ماجه في الفرائض، باب 9، حديث 2737، وابن أبي شيبة (11/ 263)، والبزار (1/ 375) حديث 253، وابن الجارود (2/ 227) حديث 964، والطحاوي (4/ 397)، وابن حبان "الإحسان" (13/ 400) حديث 6037، والدارقطني (4/ 84 - 85)، والبيهقي (6/ 214)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 240)، والضياء في المختارة (1/ 167 - 169) حديث 74 - 77، كلهم من طريق الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن حكيم بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل، به.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وقد روي عن غير عمر، وأحسن إسناد يروى في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإسناد عن عمر.
وقال الحافظ في الفتح (12/ 30): حديث حسن.
(2)
كذا في الأصول "المقداد" وعند أبي داود، وغيره ممن خرج هذا الحديث "المقدام".
(3)
في الفرائض، باب 8، حديث 2899، 2900. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 77) حديث 6355، 6356، وابن ماجه في الديات، باب 7، حديث 2634، وفي الفرائض، باب 9، حديث 2738، والطيالسي ص/ 156 حديث 1150، وسعيد بن منصور (1/ 50) حديث 172، وابن أبي شيبة (11/ 264)، وأحمد (4/ 131، 133)، وابن الجارود (3/ 228) حديث 965، والطحاوي (4/ 397، 398)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 169، 171) حديث 2748، 2749، وابن حبان "الإحسان" (13/ 397) حديث 6035، والطبراني في الكبير (20/ 264، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 265) حديث 625، 626، والدارقطني (4/ 85)، والحاكم (4/ 344)، والبيهقي (6/ 214) من طريق بديل، عن علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام رضي الله عنه، به.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: علي بن أبي طلحة قال أحمد: له أشياء منكرات، لم يخرج له البخاري.
قلنا: وكذلك بديل لم يخرج له سوى مسلم، وراشد بن سعد إنما أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، وأبو عامر الهوزني لم يخرجا له.
وأخرجه أبو داود في الفرائض، باب 8، حديث 2901، والبيهقي (6/ 214) من طريق يزيد بن حجر، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه، عن جده المقدام رضي الله عنه.
وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 76، 90) حديث 6354 و 6419، وأحمد (4/ 133)، والطحاوي (4/ 398)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 173) حديث 2750، 2751 من طريق معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن المقدام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك دينًا أو ضيعة فإليَّ، ومن ترك مالًا فلوارثه، وأنا ولي من لا ولي له أفك عنه وأرث ماله، والخال ولي من لا ولي له يفك عنه ويرث ماله".
وأخرجه ابن حبان "الإحسان"(13/ 400) حديث 6036، والطبراني في الكبير (20/ 265) حديث 627، وفي مسند الشاميين (3/ 91) حديث 1856، من طريق الزبيدي، عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن المقدام رضي الله عنه، به.
وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 77) حديث 6357 من طريق ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث مرسلًا.
واختلف أقوال العلماء في هذا الحديث، فقال البيهقي (6/ 215): إن ابن معين كان يبطل حديث المقدام ويقول: ليس فيه حديث قوي. وصححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 324)، وابن التركماني في الجوهر النقي (6/ 214).
وحسَّنه أبو زرعة - كما في العلل لابن أبي حاتم (2/ 50)، وبلوغ المرام ص/ 313 حديث 978 - ، وابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (4/ 171)، والحافظ ابن حجر في الفتح (12/ 30). =
(وهم أحد عشر صنفًا):
الأول: (ولد البنات، وولد بنات الابن) وإن نزل.
(و) الثاني: (ولد الأخوات) سواء كن لأبوين، أو لأب، أو لأم.
(و) الثالث: (بنات الإخوة) سواء كانوا لأبوين، أو لأب.
(و) الرابع: (بنات الأعمام) لأبوين، أو لأب.
(و) الخامس: (أولاد الإخوة من الأم) سواء كانوا ذكورًا، أو إناثًا.
(و) السادس: (العم من الأم) سواء كان عم الميت، أو عم أبيه، أو عم جده.
(و) السابع: (العَمَّات) سواء كُنَّ شقيقات، أو لأب أو لأم، وسواء
= ويشهد له حديث عمر المتقدم.
وحديث عائشة الذي أخرجه الترمذي في الفرائض، باب 12، حديث 2104، والنسائي في الكبرى (4/ 76) حديث 6352، والطحاوي (4/ 397)، والدارقطني (4/ 85)، والحاكم (4/ 344) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس، عن عائشة مرفوعًا.
قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب، وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه: عن عائشة.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 76) رقم 6353، والدارمي في الفرائض، باب 27، رقم 2981، والطحاوي (4/ 397)، والدارقطني (4/ 85)، والبيهقي (6/ 215) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس، عن عائشة موقوفًا.
قال البيهقي: هذا هو المحفوظ من قول عائشة موقوفًا عليها، وكذلك رواه عبد الرزاق عن ابن جريج موقوفًا، وقد كان أبو عاصم يرفعه في بعض الروايات عنه ثم شك فيه، فالرفع غير محفوظ، والله أعلم.
في ذلك عَمَّات الميت، وعَمَّات أبيه، وعَمَّات جده، وإن علا.
(و) الثامن: (الأخوال والخالات) أي: إخوة الأم وأخواتها، سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، وكذا خالات أبيه وأخواله، وأخوال أمه وخالاتها، وأخوال وخالات جده، وإن علا من قبل الأب أو الأم.
(و) التاسع: (أبو الأم) وأبوه وجده وإن علا.
(و) العاشر: (كل جَدَّة أدْلَت بأب بين أُمَّيْن) كأم أبي الأم (أو) أدْلَت (بأب أعلى من الجد) كأم أبي أبي أبي الميت.
(و) الحادي عشر: (من أدْلى بهم) أي: بصنف من هؤلاء، كعَمّة العَمّة، وخالة الخالة، وعَمّة
(1)
العم لأم وأخيه، وعَمّه لأبيه وأبي أبي الأم، وعَمّه وخاله، ونحو ذلك.
واختلف القائلون بتوريثهم في كيفيته على مذاهب، هُجر بعضها، والباقي لم يهجر؛ مذهبان:
أحدهما: مذهب أهل القرابة، وهو أنهم يورثون على ترتيب العصبة، وهو قول أبي حنيفة
(2)
وأصحابه، وهو رواية عن الإمام
(3)
.
(و) المذهب الثاني وهو المختار: أنهم (يورثون بالتنزيل، وهو أن تجعل كل شخص) منهم (بمنزلة من أدْلى به، فولد البنات) وإن نزل كالبنات (وولد بنات الابن) كبنات الابن (وولد الأخوات كأمهاتهم) شقيقات كُنَّ، أو لأب، أو لأم (وبنات الإخوة) كالإخوة، أشقاء كانوا، أو لأب، أو لأم (و) بنات (الأعمام لأبوين، أو لأب) كالأعمام كذلك
(1)
في "ذ": "وعم العم لأم". وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة كما هو في الأصل.
(2)
المبسوط (30/ 4)، وتبيين الحقائق (6/ 242 - 243)، ومجمع الأنهر (2/ 765)، وحاشية ابن عابدين (6/ 792).
(3)
الإرشاد ص/ 341، والفروع (5/ 27)، والإنصاف (7/ 323).
(وبنات بنيهم) أي: بني الإخوة أو بني الأعمام، كآبائهم، فبنت ابن الأخ بمنزلة ابن الأخ، وبنت ابن العم بمنزلة ابن العم (وولد الإخوة من الأم) ذكورًا كانوا، أو إناثًا (كآبائهم، والأخوال) كالأم (والخالات) كالأم (وأبو الأم كالأم، والعمَّات) مطلقًا كالأب (والعم من الأم كالأب، وأبو أم أب، وأبو أم أم وأخواهما) مطلقًا (وأختاهما) كذلك (وأم أبي جدٍّ بمنزلتهم، ثم تجعل نصيب كل وارث) بفرض، أو تعصيب (لمن أدْلى به) روي عن علي
(1)
وعبد الله
(2)
أنهما نَزَّلا بنت البنت بمنزلة البنت، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الأم، ورُوي ذلك عن
(1)
أخرج البيهقي (6/ 217) عن جرير، عن المغيرة، عن أصحابه: كان علي وعبد الله رضي الله عنهما إذا لم يجدوا ذا سهم أعطوا القرابة، أعطوا بنت البنت المال كله، والخال المال كله، وكذلك ابنة الأخ وابنة الأخت للأم، أو للأب والأم، أو للأب، والعمة وابنة العم وابنة بنت الابن، والجد من قبل الأم، وما قرب أو بعد إذا كان رحمًا، فله المال إذا لم يوجد غيره، فإذا وجد ابنة بنت وابنة أخت فالنصف والنصف، وإن كان عمة وخالة فالثلث والثلثان، وابنة الخال وابنة الخالة الثلث والثلثان.
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 261) من طريق سليمان العبسي، عن رجل، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول في العمة والخالة بقول عمر: للعمة الثلثان وللخالة الثلث.
(2)
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (4/ 240، 241)، وعبد الرزاق (10/ 283) رقم 19115، وسعيد بن منصور (1/ 46) رقم 155، والدارمي في الفرائض، باب 38، رقم 3066، والبيهقي (6/ 217) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: الخالة بمنزلة الأم، والعمة بمنزلة الأب، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل ذي رحم ينزل بمنزلة رحمه التي يرث بها إذا لم يكن وارث ذو قرابة.
وأخرج البيهقي (6/ 217) عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أنزلوهم منازل آبائهم، يقول: ورث كل إنسان بمنزلة أبيه.
قال ابن حجر في الفتح (12/ 30): وأخرج [أبو عبيد] بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جعل العمة كالأب والخالة كالأم.
عمر
(1)
في العَمَّة والخالة. وروى الزهريُّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمَّةُ بمنزلةِ الأب إذا لم يكن بينهما أبٌ، والخالةُ بمنزلة الأمِّ إذا لم يكن بينهما أُمٌّ" رواه أحمد
(2)
.
(ف
إن انفرد واحدٌ من ذوي الأرحام، أخذ المال كله)
لأنه يُنَزَّل منزلة من أدلى به، فإما أن يُدلي بعصبة فيأخذه تعصيبًا، أو بذي فرض فيأخذه فرضًا وردًّا.
(وإن أدلى جماعة منهم) أي: من ذوي الأرحام (بواحد، واستوت
(1)
أخرج سعيد بن منصور (1/ 46) رقم 154، وابن سعد في الطبقات (7/ 100)، وابن أبي شيبة (11/ 260)، والطحاوي (4/ 399)، والدارقطني (4/ 99 - 100)، والبيهقي (6/ 216 - 217) عن الشعبي قال: انتهى إلى زياد عمة وخالة فقال زياد: أنا أعلم الناس بقضاء عمر بن الخطاب فيها، جعل العمة بمنزلة الأب فجعل لها الثلثين، وجعل الخالة بمنزلة الأم فجعل لها الثلث.
وأخرج الدارمي في الفرائض، باب 38، رقم 3053، عن بكر بن عبد الله المزني، أن رجلًا هلك وترك عمته وخالته فأعطى عمر العمة نصيب الأخ، والخالة نصيب الأخت.
وأخرج عبد الرزاق (10/ 282) رقم 19113 - 19114، وسعيد بن منصور (1/ 68) رقم 153، وابن أبي شيبة (11/ 260)، والطحاوي (4/ 399) عن الحسن، عن عمر، أنه جعل للعمة الثلثين وللخالة الثلث.
وأخرج ابن أبي شيبة (11/ 261) عن إبراهيم قال: كان عمر وعبد الله يورثان الخالة والعمة إذا لم يكن غيرهما، قال إبراهيم: كانوا يجعلون العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم.
(2)
لم نقف عليه في مسند الإمام أحمد ولا في مظانه من كتب الإمام المطبوعة، وذكره أبو يعلى في كتاب الروايتين والوجهين (2/ 52) عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، حدثنا يزيد، عن الحجاج بن أرطاة، عن الزهري، به.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (15/ 472): ورووا فيه حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا ليس بقوي.
منازلهم منه بلا سبق) كأولاده وإخوته (فنصيبه بينهم بالسوية، ذكرهم كأُنثاهم) بلا تفضيل (ولو خالًا وخالة) فلا يفضل عليها؛ لأنهم يرثون بالرَّحِم المجردة، فاستوى ذَكَرهم وأُنثاهم، كولد الأم (فابن أخت معه أخته) المال بينهما نصفين (أو ابن بنت معه أخته) المال بينهما نصفين (أو خال وخالة: المال بينهما نصفين) لما تقدم.
(فإن أسقط بعضُهم بعضًا، كأبي الأم والأخوال، فأسقِطِ الأخوال؛ لأن الأب يُسْقِط الإخوة والأخوات) كما لو ماتت الأم عنهم.
(فإن كان بعضهم) أي: ذوي الأرحام (أقربَ من بعض، فالميراث لأقربهم ويَسْقُطُ البعيدُ منهم، كما يَسْقط البعيد من العَصَبات بقَريبهم، كخالة، وأم أبي أم، أو) خالة و (ابن خال، فالميراثُ للخالة لأنها تلقَى الأُمَّ بأول درجة) بخلاف أم أبيها وابن أخيها، وكذا بنت بنت بنت، وبنت بنت ابن، المال لبنت بنت الابن؛ لأنها تلقى الوارثة بالفرض - وهي بنت الابن - بأول درجة.
(فإن اختلفت منازلُهم من المُدلى به، جعلتَه) أي: المدلى به (كالميت، وقسمتَ نصيبَه بينهم على ذلك) أي: على حسب منازلهم منه (كثلاث خالات متفرقات) إحداهن لأبوين، والأخرى لأب، والأخرى لأم (وثلاث عمات متفرقات) فالخالات كالأم، والعَمَّات كالأب (فالثلث) الذي كان للأم (بين الخالات على خمسة) لأنهن يرثن الأم كذلك، لو ماتت عنهن (والثلثان) اللذان كانا للأب (بين العَمَّات كذلك) أي: على خمسة؛ لأنهن يرثن الأب كذلك لو مات عنهن، فأصل المسألة من ثلاثة: للخالات واحد لا ينقسم على الخمسة ويُبَاينها، وللعَمَّات اثنان كذلك، والخمسة والخمسة متماثلان (فاجتزئ بإحداهما،
واضْرِبها في ثلاثة تكن خمسة عشر) ومنها تصح للخالات خمسة (للخالة التي من قِبَل الأب والأم ثلاثة، وللتي من قِبَلِ الأب سهم، وللتي من قِبَلِ الأم سهم، و) للعَمَّات عشرة (للعمَّة التي من قِبَلِ الأب والأم ستة، وللتي من قِبَلِ الأب سهمان، وللتي من قِبَلِ الأم سهمان) ولو كان مع الخالات خال من أم، ومع العَمَّات عم من أم، فالثلث بين الخال والخالات على ستة، والثلثان بين العم والعَمَّات على ستة، وتصح من ثمانية عشر.
(وإن خَلَّف ثلاثةَ أخوال متفرقين
(1)
) أي: أحدهم أخو الأم لأبويها، والآخر لأبيها، والآخر لأمها (فللخال) الذي (من الأم السُّدس) كما يرثه من أخته لو ماتت (والباقي للخال من الأبوين) لأنه يُسْقِط الأخ للأب، وتصح من ستة. ومقدم أنه يُسْقِطهم أبو الأم.
(وإن خَلَّفَ ثلاث بنات عُمُومة مفترقين) أي: بنت عم لأبوين، وبنت عم لأب، وبنت عم لأم (فالمال لبنت العَمِّ من الأبوين وحدها) لأنهن أُقمن مقام آبائهن، ولو خَلَّف ثلاثة أعمام مفترقين لكان جميع الميراث للعم من الأبوين؛ لسقوط العم من الأب به مع كونه من العصبات، فالعم من الأم مع كونه من ذوي الأرحام أولى بالسقوط، وإن خَلَّف بنت عم لأب، وبنت عم لأبوين، أو بنت عم لأم، وبنت بنت عم لأبوين
(2)
، فالمال للأولى؛ لأنها أقرب، وبنت عم وبنت عمة، المال لبنت العم في قول الجمهور.
(وإن أدلى جماعة منهم) أي: من ذوي الأرحام (بجماعة، قسمْتَ
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 216): "مفترقين".
(2)
العبارة في "ذ" هكذا: "وإن خلف بنت عم لأب، وبنت عم لأم، وبنت ابن عم لأبوين، أو بنت عم لأم، وبنت بنت عم لأبوين، فالمال للأولى".
المال) الموروث (بين المُدْلى بهم كأنهم أحياء، فما صار لوارث) بفرض، أو تعصيب (فهو لمن أدلى به) من ذوي الأرحام؛ لأنهم ورّاثه (فابن أخت معه أخته، وبنت أخت أخرى) مساوية للأخت الأولى في كونها لأبوين، أو لأب أو لأم (فلبنت الأخت وأخيها حق أمهما النصف بينهما نصفين) لتنزيلهما منزلتها (ولبنت الأخت الأخرى حق أمها النصف) لقيامها مقامها، وتصح من أربعة (وإن كان بنت بنت، وبنت بنت ابن، فـ) ــالمسألة (من أربعة) بالرد، كما لو مات عن بنت وبنت ابن (لبنت البنت ثلاثةٌ حَقُّ أُمِّها) لقيامها مقامها (ولبنت بنت الابن سهمٌ حقُّ أُمّها) ولو كان ثلاث بنات أخت لأبوين، وثلاث بنات أخت لأب، وثلاث بنات أخت لأم، وثلاث بنات عم لأبوين، أو لأب، قُسم المال بين المُدلى بهم من ستة، للأخت للأبوين النصف، وللأخت للأب السدس تكملة الثلثين، وللأخت للأم السدس، يبقى سهمٌ للعم، ثم اقْسِم نصيب كل وارث على ورثته، فنصيب الأخت لأبوين على بناتها صحيح عليهن، ونصيب الباقين على بناتهم مُباين، والأعداد متماثلة، فاجتزئ بأحدهما واضْربه في أصل المسألة ستة، تكن ثمانية عشر: لبنات الأخت لأبوين تسعة، لكل واحدة ثلاثة، ولبنات الأخت للأب ثلاثة، لكل واحدة سهم، ولبنات الأخت للأم كذلك، ولبنات العم كذلك.
(وإن كان ثلاث بناتِ ثلاثِ أخواتٍ مفترقات) كما تقدم (وبنت عم) لابوين، أو لأب (فاقْسِم المال بين المُدْلى بهم كأنهم أحياء، فـ) ــالمسألة من ستة (للأخت لأبوين النصف) ثلاثة (وللأخت للأب السدس) تكملة الثلثين واحد (وللأخت للأم السدس، وللعم السدس) الباقي واحد
(وتصح من) أصلها (ستة، فأعطِ بنت الشقيقة ثلاثة) أمها (و) أعط (بنت الأخت لأب سهمًا) وهو ما كان لأمها (و) أعط (بنت الأخت للأم سهمًا) كما كان لأمها (و) أعط (بنت العم سهمًا)
(1)
لقيام كل واحدة منهن مقام من أدلت به.
(وإن أسقط بعضُهم) أي: المُدْلى بهم (بعضًا، عملت على ذلك) وأسقطت المحجوب (كما إذا كان في مسألتنا بدل بنت الأخت لأبوين بنت أخ لأبوين) وبدل بنت الأخت لأب بنت أخ لأب، وبدل بنت الأخت لأم بنت أخ لأم، بدليل كلامه الآتي (فهي) أي: المسألة (أيضًا من ستة) لأن الورثة بنت أخت لأم وبنت أخ لأبوين، ففيها سدس، وما بقي (لبنت الأخ للأم سهم) أبيها، (والباقي) خمسة (لبنت الأخ لأبوين) لقيامها مقام أبيها (وتسقط بنت الأخ لأب وبنت العم) لأن الأخ لأبوين يسقطهما.
(فإن كان بعضهم) أي: ذوي الأرحام (أقرب من بعض في السبق إلى الوارث، ورث) الأقربُ (وأسقط غيرَه إذا كانوا من جهة واحدة، كبنت بنت وبنت بنت البنت) المال للأولى لقُربها.
(وإن كانوا) أي: ذوو الأرحام (من جهتين) فأكثر (فـ) ــإنه (يُنَزَّل البعيدُ حتى يلحق بوارثه، سواء سقط به القريبُ أو لا، كبنت بنتِ بنتٍ، وبنت أخ من أم، المال لبنت بنت البنت) لأن جدتها - وهي البنت - تسقط الأخ لأم، ونص في رواية جماعة
(2)
في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم: للخالة الثلث، ولابنة ابن العم الثلثان، ولا تعطى بنت الخالة شيئًا.
ومن خلَّف ثلاث خالات أب مفترقات، وثلاث عمَّات أم مفترقات
(1)
عبارة "كما كان لأمها وأعط بنت العم سهمًا" ساقطة من "ح".
(2)
انظر: المغني (9/ 88)، والشرح الكبير ومعه المقنع والإنصاف (18/ 190).
وثلاث خالات أم مفترقات، فخالات الأم بمنزلة أم الأم، وخالات الأب بمنزلة أم الأب.
ولو خلَّف الميت هاتين الجدتين، كان المال بينهما نصفين، فيكون نصيب كل واحدة منهما بين أخواتها على خمسة، وتصح من عشرة، وتسقط عَمَّات الأم، لأنهنَّ بمنزلة أبي الأم، وهو غير وارث.
فلو كان معهنَّ عمَّات أب، كان لخالات الأب والأم السدس بينهما نصفين؛ لما تقدم أنها بمنزلة الجدتين، والباقي لعمات الأب لأنهنَّ بمنزلة الجد، وخالة أب وأم أبي أم، الكل للثانية؛ لأنها بمنزلة الأم، والأولى بمنزلة الجدة.
(والجهات) التي ترث بها ذوو الأرحام كلهم (ثلاثة):
إحداها (أبوَّة): ويدخل فيها فروع الأب من الأجداد والجدات السواقط، وبنات الإخوة، وأولاد الأخوات، وبنات الأعمام، والعمَّات وبناتهن، وعمَّات الأب، وعمات الجد وإن علا.
(و) الثانية (أمومة): ويدخل فيها فروع الأم من الأخوال والخالات، وأعمام الأم وأعمام أبيها وأُمِّها، وعمَّات الأم وعمَّات أبيها وأمها، وأخوال الأم وأخوال أبيها وأمها، وخالات الأم وخالات أبيها وأمها.
(و) الثالثة (بنوة): ويدخل فيها أولاد البنات وأولاد بنات الابن.
ووجه الانحصار في الثلاثة: أن الواسطة بين الإنسان وسائر أقارِبهِ أبوهُ وأمُّه وولده؛ لأن طرفه الأعلى أبواه؛ لأنه ناشئ منهما، وطرفه الأسفل أولاده؛ لأنه مبدؤهم، ومنه نشؤوا، فكل قريب إنما يُدْلي بواحد من هؤلاء، وتسقط بنت بنت أخ ببنت عمّة، لأن بنت العَمّة تلقى الأب
بثاني درجة، وبنت بنت الأخ تلقاه بثالث درجة.
(ومن أدلى بقرابتين) من ذوي الأرحام (وَرِث بهما، فتجعل ذا القرابتين كشخصين) لأنه شخص له قرابتان لا يرجّح بهما، فورث بهما، كزوج هو ابن عم (كابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى، ومعه بنت بنت بنت أخرى، فللابن الثلثان) جعلًا له بمنزلة اثنين (وللبنت الثلث) وتصح من ثلاثة (فإن كانت أمهما واحدة، فله ثلاثة أرباع المال) لأن له نصف ما كان لجدته لأمه وهو الربع، وله جميع ما كان لجدته لأبيه وهو النصف، ولأخته لأمّه نصف ما كان لأمها وهو الربع.
ومن أمثلة ذلك: بنتا أخت لأم، إحداهما بنت أخ لأب، وبنت أخت لأبوين، المسألة من اثني عشر، لبنت الأخت من الأبوين ستة، ولذات القرابتين أربعة من جهة أبيها، وواحد من جهة أُمها، وللأخرى واحد.
عمَّتان من أب، إحداهما خالة من أم، وخالة من أبوين، هي من اثني عشر: لذات القرابتين خمسة، وللعمة الأخرى أربعة، وللخالة من الأبوين ثلاثة، فإن كان معهما عم من أم هو خال من أب، صحَّت من تسعين: لهذا العم الذي هو خال سبعة عشر، وللعَمَّة التي هي خالة تسعة وعشرون، وللعمَّة فقط أربعة وعشرون، وللخالة لأبوين عشرون.
(وإن اتَّفق معهم) أي: ذوي الأرحام (أحد الزوجين، فأعْطِهِ فرضه) بالزوجية (غير محجوب) فلا يحجب الزوج من النصف إلى الربع ولا الزوجة من الربع إلى الثمن بأحد من ذوي الأرحام (ولا يعادل
(1)
) لأن فرض الزوجين بالنص، وإرث ذوي الأرحام غير منصوص عليه فلا
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 218): "مُعاوَلٍ" وهو الأقرب.
يعارضه، ولذلك لا يرث ذو الرحم مع ذي فرض، وإنما وَرِث مع أحد الزوجين؛ لأنه لا يرد عليه، فيأخذ الزوج، أو الزوجة فرضه تامًّا (واقْسِم الباقي) عن أحد الزوجين (بينهم) أي: ذوي الأرحام (كما لو انفردوا) عن أحد الزوجين.
(فإذا خلَّفت) المرأة (زوجًا، وبنت بنت، وبنت أخت) لأبوين أو لأب، أو بنت أخ كذلك (فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين) كما لو انفردتا (وتصح من أربعة) للزوج اثنان، ولكل منهما واحد.
(وإن كان معه) أي: الزوج (خالة وعَمَّة، أو) كان مع الزوج (خالة وبنت عم، أو) كان مع الزوج خالة و (بنت ابن عم، فللزوج النصف، والباقي: للخالة ثلثه، وللعمَّة أو بنت العم أو بنت ابن العم ثُلثاه) فمخرج النصف من اثنين، للزوج واحد يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة ويباين، فاضْرِب الثلاثة في الاثنين (وتصح من ستة) للزوج ثلاثة، وللخالة واحد، وللعَمَّة أو بنت العم، أو بنت ابن العم اثنان.
(وإن خلَّفَتْ زوجًا وابن خال أبيها وبنتي أخيها) لغير أم (فللزوج النصف، والباقي كأنه التَّرِكةُ بين ذوي الأرحام، فابن خال أبيها يُدْلي بعمَّته وهي جدة الميتة، فيرث ميراثها وهو السدس) لقيامه مقامها (فيكون له سدس الباقي) بعد فرض الزوج (ولبنتي أخيها باقيه) لقيامهما مقام الأخ (وهو) أي: الباقي (خمسة بينهما نصفين) فلا تنقسم فاضْرِب اثنين في اثني عشر (وتصح من أربعة وعشرين، للزوج) نصفها (اثنا عشر، ولابن خال أبيها) سدس الباقي (سهمان، ولكل واحدة من بنتي الأخ خمسة.
ولا يعول هنا) أي: في باب ذوي الأرحام من أصول المسائل (إلا أصل ستة) ولا يعول إلا (إلى سبعة) لأن العول الزائد على ذلك لا يكون
إلا لأحد الزوجين، وليس في مسائل ذوي الأرحام (كخالة وست بنات وست أخوات مفترقات) للخالة السدس ولبنتي الأختين لأبوين الثلثان أربعة، ولبنتي الأختين لأم الثلث اثنان، ولا شيء لبنتي الأختين لأب، كما أنه لا شيء للأختين لأب مع الأختين لأبوين (وكأبي أم وبنت أخ لأم، وثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات) لبنت الأخت لأبوين ثلاثة، ولبنت الأخ لأب السدس تكملة الثلثين واحد، ولبنت الأخت لأم وبنت الأخ لأم الثلث اثنان لكل واحدة واحد، ولأبي الأم السدس واحد، ومجموع ذلك سبعة.
باب ميراث الحَمْل
بفتح الحاء، ويُطلق على ما في بطن كل حُبْلى. والمراد به هنا: ما في بطن الآدمية من ولد، يقال: امرأة حامل وحاملة، إذا كانت حُبْلى، فإذا حَمَلت شيئًا على ظهرها، أو رأسها، فهي حاملة لا غير. وحمل الشجر: ثمرُه - بالفتح والكسر -.
(يرث الحَمْل) بلا نِزاع في الجملة (ويثبت له الملك بمجرد موت مُورِّثه، بشرط خروجه حيًّا).
قال في "القواعد الفقهية"
(1)
: الذي يقتضيه نص أحمد في الإنفاق على أُمّه من نصيبه، أنه يثبت له الملك بالإرث من حين موت أبيه. وصَرَّح بذلك ابنُ عقيل وغيره من الأصحاب، ونقل عن أحمد
(2)
ما يدل على خلافه، وأنه لا يثبت له الملك إلا بالوضع. قال قبل ذلك: وهذا تحقيق قول من قال: هل الحمل له حكم أم لا؟
(فإذا مات) إنسان (عن حَمْلٍ يرثه) ومع الحَمْل من يرث - أيضًا - ورضي بأن يوقف الأمر إلى الوضع (وقف الأمر) إليه، وهو أولى، لتكون القسمة مرة واحدة (وإن طَلَب بقية الورثة) قلت: أو بعضهم (القسمة، لم) يجبروا على الصبر، ولم (يُعطوا كل المال، ووقف للحمل الأكثر من
(1)
القاعدة الرابعة والثمانون ص/ 192.
(2)
أهل الملل والردة من الجامع للخلال (2/ 407) رقم 934، 935. وانظر: مسائل صالح (3/ 238) رقم 1733، ومسائل ابن هانئ (2/ 70) رقم 1474، ومسائل الكوسج (8/ 4223 - 4225) رقم 3010، والقواعد الفقهية ص/ 193، القاعدة الرابعة والثمانون.
إرث ذكرين، أو أنثيين) لأن ولادة التوأمين كثيرة معتادة، فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد، وما زاد عليهما نادر، فلم يوقف له شيء، كالخامس والسادس.
(مثال كون الذَّكرين نصيبهما أكثر: لو خلَّف زوجة حاملًا وابنًا) فيدفع للزوجة ثمنها، ويوقف للحَمْل نصيب ذكرين؛ لأنه أكثر من نصيب أنثيين، وتصح من أربعة وعشرين، للزوجة الثمن ثلاثة، وللابن سبعة، ويوقف للحَمْل أربعة عشر، وبعد الوضع لا يخفى الحال.
(ومثاله في الأنثيين: كزوجة حامل مع أبوين) فالمسألة من أربعة وعشرين، وتعُول إلى سبعة وعشرين إن كان الحمل أنثيين، فيوقف منها للحمل ستة عشر، ويُعطى كل واحد من الأبوين أربعة، والزوجة ثلاثة.
(و
متى زادت الفروض على الثلث، فميراث الإناث أكثر)
لأنه يُفرض لهن الثلثان، ويدخل النقص على الكل بالمحاصَّة، وإن نقصت، كان ميراث الذَّكرين أكثر، وإن استوت كأبوين وحمل، استوى ميراث الذَّكرين والأنثيين.
(ومن لا يحجبه) الحمل (يأخذ إرثه كاملًا) كزوج أو زوجة، مع أم حامل (و) يُعطى (من يَنقُصُه) الحمل (شيئًا اليقينَ) كالأم في المثال، تُعطى السدس؛ لاحتمال أن يكون حملها عددًا، فيحجبها عن الثلث إلى السدس، وكذا من مات عن زوجة حامل، تُعطى الثمن؛ لأنه اليقين.
(ومن سَقَط به) أي: الحمل (لم يُعط شيئًا) فمن مات عن حَمْل منه، وعن أخ، أو أخت، أو عم، لم يُعط شيئًا.
(فإذا وُلِدَ) الحمل (وورث الموقوف كلَّه، دُفع إليه) لأنه ميراثه، والمراد إلى وليه.
(وإن زاد) ما وقف له عن ميراثه (رُدَّ الباقي لمستحقِّه، وإن أعوز شيئًا) بأن وقف له نصيب ذَكَرين، فولَدت ثلاثة (رجع على من هو في يده) بباقي ميراثه، وربما لا يرث الحمل إلا إذا كان أنثى، كزوج وأخت لأبوين، وامرأة أب حامل، يوقف له سهم من سبعة، فإن ولدته أنثى - فأكثر من الإناث - أخذته، وإن ولدته ذكرًا - أو ذكرًا وأنثى فأكثر - اقتسمه الزوج والأخت، وربما لا يرث إلا إذا كان ذكرًا، كبنت، وعم، وامرأة أخ حامل، فإنه يوقف له ما فضل عن إرث البنت وهو نصف، فإن ظهر ذكرًا أخذه، وأنثى أخذه العم.
(ولو مات كافر) بدارنا (عن حَمْل منه، لم يَرِثْه؛ للحُكم بإسلامه قبل وضعه) نص عليه
(1)
. قاله في "المحرر"، وهذا هو الذي أشار إليه ابن رجب
(2)
فيما سبق
(3)
بقوله: ونقل عن أحمد ما يدلُّ على خلافه؛ لأن هذا يقتضي أنه إنما يحكم بإرثه بالوضع وأن الإسلام سبق، فيكون مخالفًا لدين مورِّثه، فلا يرثه.
وأما إذا قلنا: يرث بالموت، فلا يمنع الإسلام الطارئ بعد؛ لأنه متأخِّر عن الحكم بالإرث، ولذلك قال في "الفروع": وقيل: يرثه، وهو أظهر. وهو مقتضى ما قدمه المصنف أول الباب.
(وكذا لو كان) الحمل (من كافر غيره) أي: الميت (فأسلمت أُمّه قبل وضعه، مثل أن يخلف) كافر (أُمّه) الكافرة (حاملًا من غير أبيه) ثم تسلم، فيتبعها حملها ولا يرث؛ للحكم بإسلامه قبل الوضع. وعلى
(1)
أهل الملل والردة من كتاب الجامع للخلال (2/ 407) رقم 934، 935.
(2)
القواعد الفقهية، القاعدة الرابعة والثمانون، ص/ 193.
(3)
(10/ 452).
مقتضى القول بأنه يرث بالموت، يرث هنا - أيضًا - لتأخر الإسلام عنه.
(و
يرث طفل حُكم بإسلامه بموت أحد أبويه منه)
أي: من الذي حكم بإسلامه بموته؛ لأن المانع لم يتقدَّم الحكم بالإرث، وإنما قارنه. وهذا يرجع إلى ثبوت الحكم مع مقارنة المانع له؛ لأن الإسلام سبب المنع والمنع يترتب عليه، والحكم بالتوريث سابق على المنع؛ لاقترانه بسببه.
(ويرث الحملُ ويُورث) عنه ما ملكه، بنحو إرث أو وصية (بشرطين: أحدهما: أن يعلم أنه كان موجودًا حال موت مورِّثه، بأن تأتي به أُمّه لأقل من ستة أشهر) فراشًا كانت أو لا؛ إذ هي أقل مدة الحمل، فحياته دليل أنه كان موجودًا قبل.
(فإن أتت به) أُمّه (لأكثر من ذلك) أي: من ستة أشهر (وكان لها زوج) يطؤها (أو) لها (سيد يطؤها، لم يَرِث) لاحتمال تجدده بعد الموت (إلا أن تُقِرَّ الورثة أنه كان موجودًا حال الموت) فيلزمهم دفع ميراثه إليه، مؤاخذة لهم بإقرارهم.
(وإن كانت) التي وضعت الحمل (لا تُوطأُ؛ لعدمهما) أي: السيد والزوج (أو غيبتهما، أو اجتنابهما الوطء عجزًا أو قصدًا، أو غيره، ورث، ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل أربع سنين) إناطة للحكم بسببه الظاهر. وتقدم
(1)
نظيره في الوصية.
الشرط (الثاني: أن تضعه حيًّا، كما تقدم. وتعلم حياته إذا استهلَّ بعد وضع كلِّه صارخًا) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا استهلَّ المولودُ
(1)
(10/ 242).
صارخًا وَرِثَ" رواه أحمد وأبو داود
(1)
. وروى ابن ماجه
(2)
بإسناده مرفوعًا مثله.
قال في "القاموس"
(3)
: واستهلَّ الصبي: رفع صوته بالبكاء، كأهَلَّ، وكذا كل متكلِّم رفع صوته أو خفض. انتهى. "فصارخًا" حال
(1)
لم نقف عليه في مسند الإمام أحمد، ولا في مظانه من كتبه المطبوعة. وأخرجه أبو داود في الفرائض، باب 15، حديث 2920، ومن طريقه البيهقي (6/ 257)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 251) حديث 1679. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 135): وهذا إسناد جيد وحسن.
(2)
في الفرائض، باب 17، حديث 2750. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الجنائز، باب 43، حديث 1032، والنسائي في الكبرى (4/ 77) حديث 6358، وابن حبان "الإحسان" (13/ 392) حديث 6032، وابن عدي (3/ 992)، والحاكم (4/ 348، 349)، والبيهقي (4/ 8، 9)، والخطيب في الجامع (2/ 124) حديث 1306، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 251) حديث 1678 من طرق، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا.
وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 77) رقم 6359، وابن أبي شيبة (3/ 319، 11/ 382)، والدارمي في الفرائض، باب 47، رقم 3130، 3134، والطحاوي (1/ 59)، والبيهقي (4/ 8) عن جابر موقوفًا.
قال النسائي: وهذا أولى بالصواب.
قال الترمذي: هذا حديث قد اضطرب الناس فيه، فرواه بعضهم عن أبي الزببر عن جابر مرفوعًا، وروى محمد بن إسحاق عن عطاء بن أبي رباح عن جابر موقوفًا. وكأن هذا أصح من الحديث المرفوع.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقد أجده من حديث الثوري عن أبي الزبير موقوفًا، فكنت أحكم به. وقال -أيضًا-: لا أعرف أحدًا رفعه عن أبي الزبير غير المغيرة، وقد أوقفه ابن جريج وغيره، وقد كتبناه من حديث الثوري عن أبي الزبير موقوفًا.
وقال الحافظ في الفتح (11/ 489): صححه الحاكم وابن حبان، وقد ضعفه النووي في شرح المهذب [5/ 203]، والصواب أنه صحيح الإسناد، لكن المرجح عند الحفاظ وقفه، وعلى طريق الفقهاء لا أثر للتعليل بذلك، لأن الحكم للرفع لزيادته.
(3)
ص / 1072، مادة (هلل).
مؤكدة؛ كقوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}
(1)
.
(أو عَطَس) بفتح الطاء في الماضي، وضمِّها وكسرها في المضارع (أو بكى، أو ارتضع، أو تحرَّك حركة طويلة، أو تنفَّس وطال زمن التنفُّس، ونحو ذلك مما يدلُّ على حياته) كسعال؛ لأن هذه الأشياء دالَّة على الحياة المستقرة، فيثبت له أحكام الحي، كالمُسْتَهل.
(لا) بـ (ـحركة يسيرة، أو اختلاج
(2)
، أو تنفُّس يسير) لأنها لا تدلُّ على حياة مستقرَّة، ولو علمت الحياة إذًا؛ لأنه لا يعلم استقرارها؛ لاحتمال كونها كحركة المذبوح، فإن الحيوان يتحرَّك بعد ذبحه شديدًا، وهو كميت.
قلت: فيؤخذ منه أن المولود لدون ستة أشهر لا يَرِث بحال؛ للقطع بعدم استقرار حياته، فهو كالميت.
(وإن خَرَج بعضُه
(3)
، فاستهلَّ) أي: صَوَّتَ (ثم انفصل ميتًا، لم يَرِث) وكان كما لو لم يستهل.
(وإن جُهل مُستَهِلٌّ من توأمين) ذكر وأنثى، و (إرثهما مختلِف) بأن كانا من غير ولد الأم (عُيِّن) المستهل (بقُرعة) كما لو طَلَّق واحدة من نسائه، ولم تعلم عينها بعد موته. وقال الخَبْري
(4)
(5)
: ليس في هذا
(1)
سورة النمل، الآية:19.
(2)
في "ذ" زيادة "يسير" بعد "اختلاج".
(3)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 220) زيادة "حيًّا".
(4)
هو العلامة أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري، نسبة إلى خَبْر، وهي ناحية بنواحي شيراز، الشافعي، برع في الفرائض والحساب، وله فيهما المصنفات الفائقة، وشرح الحماسة وعدة دواوين، تُوفي سنة (476 هـ) رحمه الله. انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 558 - 559)، وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 62 - 63).
(5)
المغني (9/ 182).
عن السَّلف نص. وقال بعض الفرضيين: تعمل المسألة على الحالين، ويُعطى كلُّ وارث اليقين، ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه. ومن خلَّف أمًا مزوَّجة
(1)
، وورثةً لا تَحجبُ ولدَها؛ لم تُوطأ حتى تُستبرأ؛ ليعلم أحامل أو لا، فإن وطئت وولدته بعد، فقد تقدم
(2)
في الشرط الأول.
(ولو زوَّج أَمَته بحُرٍّ) بشرطيه، ولم يشترط حرية ولده (فأحبلَها، فقال السيد: إن كان حَمْلُكِ ذكرًا، فأنتِ وهو رقيقان، وإلا؛ فأنتما حُرَّان فـ) ـعلى ما قال، فإن ولدت ذكرًا، لم تعتق ولم يَعتق، وإن ولدت أُنثى تبينَّا أنهما عتقا من حين التعليق، لكن قوله: إن ولدت ذكرًا، فأنت وهو رقيقان؛ لا أثر له، وإنما الأثر لما بعده، و (هي القائلة: إنْ ألِدْ ذكرًا لم أرثْ ولم يَرثْ) لبقائهما في الرق (وإلا) أي: وإن ولدت أُنثى، (ورثنا)، أي: ورِثتُ وورثَتْ؛ لأنهما حُرَّان حال الموت.
(ومن خلَّفتْ زوجًا، وأمًّا، وإخوة لأم) اثنين فأكثر (وامرأة أب حاملًا، فهي القائلة: إنْ ألدْ أُنثى ورثَتْ، لا ذكرًا) لأنها إن ولدت أُنثى واحدة، أُعيل لها بالنصف، فتعول المسألة إلى تسعة، وإن ولدت أُنثيين، أُعيل لهما بالثلثين، وتعول إلى عشرة، وتقدمت
(3)
.
وإن ولدت ذكرًا فأكثر، أو مع أنثى فأكثر لم يرثوا؛ لأنهم عصبة، وقد استغرقت الفروض التَّرِكة.
(1)
أي: بغير أبيه، كما في شرح المنتهى (4/ 614).
(2)
(10/ 455).
(3)
انظر: (10/ 343، 391).
وكذا الحكم لو كانت أمها هي القائلة، على المذهب من أن عصبة الأشقاء لا يَرِث في المشركة.
ومن مات عن بنتين، وبنت ابن حامل من ابن ابن له آخر مات قبله، فهي القائلة: إن ألد ذكرًا ورِثنا، لا أنثى.
باب ميراث المفقود
مِن فَقَدتُ الشيء أفْقِدُهُ فَقدًا وفُقدانًا، بكسر الفاء وضمها. والفَقْدُ
(1)
: أن تطلب الشيء فلا تجده.
والمراد به هنا: من لا تُعلم له حياة ولا موت؛ لانقطاع خبره، وهو قسمان:
الأول: (من انقطع خَبَرُه -ولو) كان (عبدًا- لغيبةٍ ظاهرها السلامة، كأسرٍ) فإن الأسير معلوم من حاله أنه غير متمكّن من المجيء إلى أهله (وتجارةٍ) فإن التاجر قد يشتغل بتجارته عن العود إلى أهله (وسياحةٍ) فإن السائح قد يختار المُقام ببعض البلاد النائية عن بلده (و) الذي يغلب على الظن في هذه الأحوال ونحوها، كـ (ـطلبِ علمٍ) السلامةُ (انتُظِر به تتمة تسعين سنة منذ ولد) لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا، وهذا المذهب، نص عليه
(2)
، وصححه في "المذهب" وغيره.
وعنه
(3)
: ينتظر به حتى يتيقن موته، أو تمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها، وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم، وبه قال الشافعي
(4)
، ومحمد بن الحسن
(5)
، وهو المشهور عن أبي حنيفة
(6)
ومالك
(7)
وأبي
(1)
في "ح": "والفقدان".
(2)
المغني (11/ 247 - 248)، وانظر: مسائل صالح (1/ 355 - 356) رقم 322.
(3)
الفروع (5/ 35)، وانظر: مسائل صالح (1/ 365) رقم 322.
(4)
الأم (4/ 74، 5/ 239، 7/ 220)، وانظر: المجموع (14/ 509)، وروضة الطالبين (6/ 34).
(5)
فتح القدير (6/ 149)، والبحر الرائق (5/ 178).
(6)
المبسوط (30/ 54)، وفتح القدير (6/ 147 - 148).
(7)
المدونة (2/ 452)، والذخيرة (13/ 22)، والخرشي على مختصر خليل (8/ 224).
يوسف
(1)
؛ لأن الأصل حياته.
(ف
إن فُقِدَ ابن تسعين، اجتهد الحاكم) في تقدير مدة انتظاره.
القسم الثاني: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك، وهو المشار إليه بقوله:(وإن كان غالبها) أي: غالب أحوال غيبته (الهلاك، كمن غرق مركبه فسلم قوم دون قوم، أو فُقِدَ من بين أهله، كمن يخرج إلى الصلاة) فلا يعود (أو) يخرج (إلى حاجة قريبة فلا يعود، أو) فُقِدَ (في مَفَازة مهلكة، كمفازة الحجاز) قال في "المبدع": مَهْلِكة بفتح الميم واللام، ويجوز كسرهما؛ حكاهما أبو السعادات
(2)
، ويجوز ضم الميم مع كسر اللام اسم فاعل، من أَهلكتْ فهي مُهلِكة، وهي أرض يكثر فيها الهلاك. انتهى. وتسميتها مفازة تفاؤلًا.
(أو) فُقِد (بين الصَّفَّين حال التحام القِتال؛ انتُظر به تمام أربع سنين منذ فُقِدَ) لأنها مُدَّة يتكرر فيها تردد المسافرين والتُّجار، فانقطاع خبره عن أهله مع غيبته على هذا الوجه يغلّب ظن الهلاك؛ إذ لو كان باقيًا لم ينقطع خبره إلى هذه الغاية؛ فلذلك حُكم بموته في الظاهر.
(فإن لم يُعلم خبره) بعد التسعين في القسم الأول، أو الأربع في القسم الثاني (قُسِم ماله) بين ورثته (واعتدَّت امرأته عدة الوفاة، وحلَّت للأزواج) لاتفاق الصحابة على ذلك (ويأتي) ذلك (في العِدَد) موضَّحًا (ويزكَّى مالُه لما مضى قبل قسمه) لأن الزكاة حق واجب في المال، فيلزم أداؤه.
(ولا يرثه) أي: المفقود (إلا الأحياء من ورثته وقت قَسْم ماله) وهو
(1)
المبسوط (11/ 35 - 36)، وفتح القدير (6/ 148).
(2)
النهاية في غريب الحديث (5/ 271).
عند تتمة المدة من التسعين، أو الأربع على ما تقدم؛ لما سبق
(1)
أن من شروط الإرث: تحقق حياة الوارث عند موت الموروث، وهذا الوقت بمنزلة وقت موته.
و (لا) يرث من المفقود (من مات) من ورثته (قبل ذلك) أي: الوقت الذي يقسم ماله فيه؛ لأنه بمنزلة من مات في حياته، لأنها الأصل.
(فإن قَدِم) المفقود (بعد قَسْمه) أي: المال (أخذ ما وجده) من المال (بعينه) بيد الوارث، أو غيره؛ لأنه قد تبيَّن عدم انتقال ملكه عنه (ورجع على من أخذ الباقي) بعد الموجود، بمثل مِثْليٍّ وقيمة متقوَّم؛ لتعذُّر رَدّه بعينه.
(وإن مات موروثه) أي: من يرثه المفقود (في مدة التربَّص) وهي المدة التي قلنا ينتظر به فيها (أخذ كل وارث) غير المفقود من تَرِكة المُتوفَّى (اليقين) وهو ما لا يمكن أن ينقص عنه مع حياة المفقود أو موته (ووُقِف الباقي) حتى يتيقن أمره، أو تمضي مدة الانتظار؛ لأنه مال لا يعلم الآن مستحقه، أشبه الذي ينقص نصيبه بالحمل.
(وطريق العمل في ذلك) أي: في معرفة اليقين (أن تعمِل المسألةَ على أنه) أي: المفقود (حَيٌّ) وتصححها (ثم) تعمل المسألة (على أنه ميت) وتصححها (ثم تَضرب إحداهما في الأخرى، إن تباينتا، أو) تضرب إحداهما (في وَفْقها) أي: الأخرى (إن اتفقتا، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلنا، و) تجتزئ (بأكثرهما إن تداخلتا) وفائدة هذا العمل: تحصيل أقل عدد ينقسم على المسألتين، ليعلم اليقين (وتدفع
(1)
(10/ 333).
إلى كل وارث اليقين، وهو أقل النصيبين) لأن ما زاد عليه مشكوك في استحقاقه له.
(ومن سقط في إحداهما) أي: إحدى المسألتين (لم يأخذ شيئًا) لأن كلًّا من تقدير الحياة، أو الموت معارَض باحتمال ضده، فلم يكن له شيء متيقن.
ومن أمثلة ذلك: لو مات أبو المفقود، وخلَّف ابنه المفقود، وزوجةً وأمًّا وأخًا، فالمسألة على تقدير الحياة من أربعة وعشرين، للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللابن المفقود سبعة عشر، ولا شيء للأخ، وعلى تقدير الموت من اثني عشر، للزوجة ثلاثة، وللأم أربعة، وللأخ خمسة، والمسألتان متناسبتان، فتجتزئ بأكثرهما، وهي أربعة وعشرون، للزوجة منها على تقدير الحياة ثلاثة، وهي الثُّمُن من أربعة وعشرين، وعلى تقدير الموت لها ثلاثة من اثني عشر، وهي الربع مضروبة في مخرج النسبة بين المسألتين وهو اثنان؛ لأن نسبة الاثني عشر إلى الأربعة والعشرين نصف، ومخرج النصف اثنان، والحاصل من ضرب ثلاثة في اثنين ستة، فتعطيها الثلاثة؛ لأنها أقل، وللأُمِّ على تقدير الحياة أربعة من أربعة وعشرين، وهي السدس، وعلى تقدير الموت أربعة من اثني عشر في اثنين بثمانية، فتعطيها الأربعة، وللأخ من مسألة الموت وحدها خمسة في اثنين بعشرة؛ ولا شيء له من مسألة الحياة، فلا تُعطيه شيئًا، وتقف السبعة عشر.
(فإن بان) المفقود كالابن في المثال (حيًّا يوم موت مورِّثه، فله حَقّه) وهو السبعة عشر الموقوفة في المثال؛ لأنه قد تبيَّن أنها له (والباقي) إن كان (لمستحقِّه) من الورثة.
(وإن بان) المفقود (ميتًا) ولو لم يتحقَّق أنه قبل موت مورثه، فالموقوف لورثة الميت الأول؛ لانتفاء شرط إرثه (أو مضت مدة تَربُّصِه ولم يَبِنْ حالُه) بأن لم تُعلم حياته بقدومه، أو غيره حين موث موروثه، ولم يعلم موته حين ذاك (فالموقوف لورثة الميت الأول) قطع به في "المغني" وقدَّمه في "الرعايتين"، والمذهب أنه إن لم يعلم موت المفقود حين موت مورثه، فحكم ما وُقِف له كبقية ماله، فيورث عنه ويقضى منه دَينه في مدة تربُّصه، وينفق منه على زوجته وبهيمته؛ لأنه لا يحكم بموته إلا عند انقضاء زمن تربُّصه؛ صحَّحه في "الإنصاف" و"المحرَّر" و"النظم"، وقطع به في "الكافي "و"الوجيز" و"شرح" ابن منجا و"المُنتهى".
(ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه) أي: المفقود (فيقتسموه) لأن الحق فيه لا يعدوهم (كأخ مفقود في الأكدرية) بأن ماتت أخت المفقود زمن تربُّصه عن زوج، وأم، وأخت، وجدٍّ، وأخيها المفقود.
(مسألة الحياة) من ثمانية عشر، للزوج تسعة، وللأم ثلاثة، وللجد ثلاثة، وللأخت واحد، وللمفقود اثنان.
(و) مسألة (الموت من) سبعة وعشرين، للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة. وبين المسألتين موافقة بالأتساع، فتضرب تسع إحداهما في الأخرى تبلغ (أربعة وخمسين، للزوج ثلث المال) ثمانية عشر؛ لأنه اليقين (وللأم سدس) المال تسعة؛ لأنه أقل ما ترثه من المسألتين (وللجد تسعة) بتقديم التاء على السين، وهي السدس (من مسألة الحياة) لأنه أقل ما يرثه في الحالين (وللأخت منها) أي: من
مسألة الحياة (ثلاثة) لأنها اليقين (ويبقى خمسة عشر موقوفة) حتى يتبين الحال، أو تمضي مدة التربُّص (للمفقود -بتقدير حياته- ستة) لأن له مثلي ما للأخت (وتبقى تسعة زائدة عن نصيبه) أي: المفقود، بين الورثة، لا حقَّ له فيها، فلهم أن يصطلحوا عليها؛ لأنها لا تخرج عنهم.
(ولهم) أي: الورثة (أن يصطلحوا على كلِّ الموقوف، إذا لم يكن للمفقود فيه حق، بأن يكون) المفقود (ممن يحجب غيره) من الورثة (ولا يرث، كما لو خلَّف الميت أمًّا، وجدًّا، وأختًا لأبوين، وأختًا لأب مفقودة) فعلى تقدير الحياة للأم السدس، والباقي بين الجد والأختين على أربعة، وتصح من أربعة وعشرين، للأمِّ السدس أربعة، وللجد عشرة، ولكل واحدة من الأختين خمسة، ثم تأخذ الأخت من الأبوين ما سُمِّي لأختها، فيصير معها عشرة؛ لما تقدم
(1)
في مسائل المعادَّة. وعلى تقدير الموت، للأم الثلث، ويبقى الثلثان بين الجد والأخت على ثلاثة، وتصح من تسعة، للأم ثلاثة، وللجد أربعة، وللأخت سهمان.
وبين المسألتين توافق بالأثلاث، فاضْرِب ثلث إحداهما في الأخرى يبلغ اثنين وسبعين، للأم اثنا عشر، وللجد ثلاثون، وللأخت ستة عشر، يبقى أربعة عشر موقوفة بينهم لا حَقَّ للمفقودة فيها.
(وكذا إن كان) المفقود (أخًا لأب عَصَّب أخته مع زوج وأخت لأبوين) فمسألة الحياة من اثنين، للزوج واحد، وللشقيقة واحد، ومسألة الموت من ستة، وتعول إلى سبعة، للزوج ثلاثة، وللشقيقة ثلاثة، وللأخت لأب واحد، فتضرب اثنين في سبعة للتباين بأربعة عشر، للزوج ستة، وللشقيقة مثله، يبقى اثنان موقوفان لا حقَّ للمفقود فيهما.
(1)
(10/ 346).
(وإن حصل لأسيرٍ) شيء (من ريع وقف عليه، حَفِظَه وكيلُه ومن ينتقل الوقف إليه) جميعًا؛ قاله الشيخ تقي الدين
(1)
(ولا ينفرد أحدهما بحفظه) قال في "الفروع": ويتوجَّه وجه يكفي وكيله. قال في "الإنصاف": ويتوجَّه أن يحفظه الحاكم إذا عدم الوكيل.
(ومن أشكل نسبه) من عدد محصور، ورُجِيَ انكشافه (فكمفقود) إذا مات أحد من الواطئين لأُمِّه، وقف له نصيبه منه على تقدير إلحاقه به، وإن لم يُرْجَ زوال إشكاله، بأن عُرض على القَافَة، فأشكل عليهم ونحو ذلك، لم يوقف له شيء.
(ومفقودان فأكثر كخَناثى في التنزيل) بعدد أحوالهم لا غير، دون العمل بالحالين؛ قاله في "الرعاية الكبرى". فزوج وأبوان وابنتان مفقودتان، مسألة حياتهما من خمسة عشر، وحياة إحداهما من ثلاثة عشر، وموتهما من ستة، فتضرب ثلث الستة في خمسة عشر، ثم في ثلاثة عشر، تكن ثلاثمائة وتسعين، ثم تُعطي الزوج والأبوين حقوقهم من مسألة الحياة مضروبة في اثنين، ثم في ثلاثة عشر، وتقف الباقي؛ قاله في "المغني" و"الشرح" بعد ذكرهما هذا المثال.
وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون، عملت لهم أربع مسائل، وإن كانوا أربعة عملت خمس مسائل، وعلى هذا.
(ولو قال رجل) أو امرأة عن مجهولَي النسب: (أحد هذين ابني) مع إمكان كونهما منه (ثبت نسب أحدهما) منه، مؤاخذة له بإقراره (فيعيّنه) أي: فيؤمر بتعيينه؛ لأن في تَرْكه تضييعًا لنسبه.
(1)
الاختيارات الفقهية ص / 263.
وإن كان توأمان ثبت نسبهما كما يعلم مما يأتي فيما يلحق من النسب.
(فإن مات) قبل أن يعيِّنه (عيَّنه وارث) لقيامه مقام مورثه.
(فإن تعذَّر) الوارث أو كان لا يعلمه (أُرِيَ القافة) كلٌّ منهما، فمن ألحقته به تعيَّن.
(فإن تعذَّر) أن يُرَى القافةَ، بأن مات -أيضًا- أو لم توجد، أو أشكل عليها (عُيِّن أحدُهما بالقرعة) أي: أُقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة عتق إن كانا رقيقيه، كما لو قال: أحدهما حرٌّ، ثم مات قبل أن يعينه. وقد تبع المصنف "الفروع" في العبارة، قال في "شرح المنتهى": وفي بعض نسخ "الفروع": "عُيِّن" بالبناء للمفعول من التعيين، والظاهر أنه تصحيف، وأن الصواب "عَتَق" أو أن معناه: عُيِّن للعتق، فإنه قال عقب ذلك:(ولا مدخل للقرعة في النسب على ما يأتي) ولا يرث ولا يوقف، ويصرف نصيب ابنٍ لبيت المال؛ ذكره في "المنتخب" عن القاضي؛ للعلم باستحقاق أحدهما.
باب ميراث الخنثى المشكل
(1)
مِن خَنَثَ الطعامُ إذا اشتبه فلم يخلص طعمهُ.
(وهو الذي له) شكل (ذكر) رجل (و) شكل (فَرْج امرأة، أو) له (ثقب مكان الفَرْج يخرج منه البول.
وينقسم) الخُنثى (إلى مشكِل، وغير مشكِل) مِن أشكل الأمرُ: التبس.
(فإن ظهرت فيه علامات الرِّجَال من نبات لِحيته، وخروج المَنِي من ذَكَر) هـ، قال في "المغني" و"الشرح":(وكونه مَنِي رَجُل، فـ) ــــالخنثى (رَجُل) عملًا بالعلامة؛ للزوم اطرادها.
(أو) ظهرت فيه (علامات النساء من الحيض، والحمل، وسقوط الثديين، أو تَفَلُّكِهِما) قال في "القاموس"
(2)
: وفَلَكَ ثديُها، وأفلك، وتفلَّك: استدار (فهو امرأة) عملًا بالعلامة.
(وليس بمشكِل فيهما إنما هو رَجُل فيه خِلقة زائدة) في الأُولى (أو امرأة فيها خِلقة زائدة) في الثانية.
(وحكمه) أي: المتضح (في إرثه وغيره) كالنكاح، ونقض الوضوء، وإيجاب الغسل والعورة وغيرها (حكمُ مَن ظهرت علامته
(3)
) من رجل أو امرأة.
(1)
"المشكل": ساقطة من "ح".
(2)
ص / 951، مادة (فلك).
(3)
زاد في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 223): "فيه".
(و) الخُنثى (الذي لا علامة فيه) على ذكورية، أو أنوثية (مُشكِل) لالتباس أمره.
(ولا يكون) المُشكِل (أبًا، ولا أمًّا، ولا جدًّا، ولا جدة) وإلا؛ لاتَّضحت ذكوريتُه أو أنوثيته (ولا) يكون المُشكل -أيضًا- (زوجًا ولا زوجة) لما يأتي في النكاح أنه لا يصح تزويجه مادام مُشكِلًا.
(وينحصر إشكاله في الإرث في الولد وولد الابن، والأخ لغير أم، وولد الأخ لغير أم، والعم وولده، والولاء) إذ كل واحد من المذكورين يمكن أن يكون ذَكرًا، وأن يكون أنثى.
(فإن بال) من ذَكَرِه فَذَكَرٌ، أو من فَرْجه فأنثى، حكاه ابنُ المنذر إجماعًا
(1)
(أو سبق بوله من ذَكَره؛ فَذَكَر، أو عكسه؛ فأنثى) قال ابن اللبَّان
(2)
: روى الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم:"سُئل عن مولودٍ، له قُبُلٌ وذَكَرٌ، من أين يورثُ؟ قال: من حيثُ يبول"
(3)
.
(1)
الإجماع ص/ 87.
(2)
هو العلامة محمد بن عبد الله بن الحسن، أبو الحسين البصري، كان إمامًا في الفقه والفرائض، صنَّف فيها كتبًا كثيرة، ليس لأحد مثلها، وعنه أخذ الناس الفرائض. تُوفي سنة (402 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الفقهاء للشيرازي ص/ 120، وطبقات الشافعية لابن قاضي شُهبة (1/ 192).
(3)
أخرجه ابن عدي (3/ 1100، 6/ 2131)، والبيهقي (6/ 261)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 157) حديث 12695، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 539) حديث 1766.
قال ابن عدى: الكلبي إذا روى عن أبي صالح، عن ابن عباس، ففيه مناكير، واشتهر به فيما بين الضعفاء، يكتب حديثه. وقال البيهقي: الكلبي لا يُحتج به، ولا بأبي صالح هذا. وقال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح، وقد اجتمع فيه كذابون: أبو صالح، والكلبي، وسليمان. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 128): والكلبي =
ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بخُنثى من الأنصارِ، فقال:"ورِّثوهُ بأولِ ما يبولُ منه"
(1)
.
(وإن خَرَجا) أي: خرج البول من الفرجين (معًا، اعتُبر أكثرهما) خروجًا منه، قال ابن حمدان: قَدْرًا وعددًا؛ لأن له تأثيرًا. انتهى؛ لأن الكثرة مزية لإحدى العلامتين، فيُعتبر بها كالسبق.
(فإن استويا) أي: استوى المحلان في قَدْر ما يخرج من كل واحد منهما من البول (فـ) ــــالخُنثى (مُشكِل) لأنه أشكلَ أمره بعدم تمييزه بشئٍ مما تقدم.
(فإن كان يُرجى انكشافُ حاله، وهو الصغير) الذي لم يبلغ (أُعطي هو ومن معه اليقين) من التَّرِكة، وهو ما يرثه على كل تقدير.
(ومن سقط به) أي: بالخُنثى (في أحد الحالتين، لم يُعْطَ شيئًا) كولد خنثى مع أخ لغير أم، يُعطى الخُنثى النصف؛ لاحتمال أنوثته، ولا يُعطى الأخ شيئًا؛ لاحتمال ذكورة الولد (ويوقف الباقي حتى يبلغ) الخنثى (فتظهر فيه علامات الرِّجال، أو) علامات (النساء) فيزول الإشكال.
= هو محمد بن السائب متروك الحديث، بل كذاب، وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، ويغني عن هذا الحديث الاحتجاج في هذه المسألة بالإجماع، فقد نقله ابن المنذر وغيره، وقد روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق هذا عن على رضي الله عنه: أنه ورث خنثى من حيث يبول، وإسناده صحيح.
وأثر علي رضي الله عنه هذا: أخرجه عبد الرزاق (10/ 308) رقم 19204، وسعيد بن منصور (1/ 40) رقم 126، وابن أبي شيبة (11/ 349)، والدارمي في الفرائض، باب 25، رقم 2973، 2974، والبيهقي (6/ 261).
(1)
لم نقف على من رواه مسندًا. وذكره الموفق في المغني (9/ 109)، والقرطبي في التفسير (16/ 51 - 52).
(وإن يُئِسَ من ذلك) أي: من ظهور العلامات فيه (بموته) أي: الخنثى (أو عدم العلامات بعد بلوغه) بأن بلغ بلا أمارةٍ تظهر بها ذكوريته أو أنوثيته.
(فإن ورث) الخنثى (بكونه ذكرًا فقط) أي: لا بكونه أنثى (كولد أخي الميت، أو) كـ (ـــعمه) أو ولد عمه (فله نصف ميراث ذكر فقط، كزوج وبنت وولد أخٍ خنثى) صفة لـ"ولد"، (تصح) المسألة (من ثمانية) لأن مسألة الذكورية من أربعة، ومسألة الأنوثية عن أربعة -أيضًا- للزوج الربع واحد، والباقي للبنت فرضًا وردًّا، والأربعة والأربعة متماثلان، فتكتفي بإحداهما وتضربها في اثنين عدد حالي الخُنثى، يحصل ما ذكر (للزوج سهمان، وللبنت خمسة، وللخُنثى سهم.
وإن ورث) الخُنثى (بكونه أُنثى فقط، فله نصفُ ميراث أنثى فقط، كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى) مسألة الذكورية من اثنين، ومسألة الأنوثية من سبعة بالعول، وهما متباينتان، وحاصل ضرب اثنين في سبعة أربعه عشر، تضربها في الحالين (تصح من ثمانية وعشرين، للخُنثى سهمان) لأن له من السبعة واحدًا في اثنين باثنين، ولا شيء له من الاثنين (ولكلِّ واحدٍ من الآخرين ثلاثة عشر) لأن لكلِّ واحد منهما واحدًا عن اثنين في سبعة بسبعة وثلاثة من سبعة في اثنين بستة، ومجموعهما ما ذكر.
(وإن وَرِث بهما) أي: بالذُّكورة والأنوثة (متساويًا، كولد الأم فله السدسُ) بكل حال.
(وإن كان) الخُنثى (معتقًا فهو عَصَبة) لأنه إما ذكر أو أنثى، والمُعتِقُ لا يختلف إرثه من عتيقه باعتبار ذلك.
(وإن وَرِث) الخُنثى (بهما) أي: بالذكورة والأنوثة (متفاضلًا، فطريق العمل أن تعمل المسألة على أنه) أي: الخنثى (ذَكَر، ثم) تعمل المسألة -أيضًا- (على أنه أُنثى، ويُسمَّى هذا) المذهب (مذهبَ المنزِّلين) وهو اختيارُ الأصحاب (ثم اضْرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، أو) اضْرب (وَفْقها) أي: وَفق إحداهما في الأخرى (إن اتفقا، واجتزئ بإحداهما إن تماثلتا، و) اجتزئ (بأكثرهما إن تداخلتا، ثم اضْرب الحاصل) من ضرب إحدى المسألتين في الأخرى، أو من ضَرْب وَفقها في الأخرى، أو إحداهما إن تماثلتا، أو أكثرهما عند التداخل (في حالين) فما بلغ فمنه تصح (ثم) تقسم، فـ (ـــمَن له شيء من إحدى المسألتين؛ اضْربه في الأخرى؛ إن تباينتا، أو) اضْرِبه (في وَفقها؛ إن توافقتا، واجمع ما له فيهما؛ إن تماثلتا) فما اجتمع فله.
(ومن له شيء من أقل العددين) المتداخلين (اضْرِبه في) مخرج (نسبة أقل المسألتين إلى الأخرى؛ ثم يُضاف إلى ما له من أكثرهما إن تناسبتا) فما اجتمع فله.
(فإن كان ابن وبنت، وولد خُنثى) مُشكِل، وعملت بهذا الطريق (فمسألة ذكوريته من خمسة) عدد رؤوس الابنين والبنت (و) مسألة (أنوثيته من أربعة) عدد رؤوس الابن والبنتين، والخمسة والأربعة متباينتان (فاضْرِب أحدهما في الأخرى؛ لتباينهما تكن عشرين، ثم) اضْرب العشرين (في الحالين، أي: في اثنين) عدد حال الذكورة وحال الأنوثة (تكن أربعين) ومنها تصحُّ (للبنت سهمٌ من أربعة، في خمسة) بخمسة (و) لها (سهم من خمسة، في أربعة) بأربعة، فأعطها (تسعة، وللذَّكَر سهمان) من أربعة (في خمسة) بعشرة (و) له (سهمان) من خمسة (في
أربعة) بثمانية، يجتمع له (ثمانية عشر) أعطه إياها (وللخُنثى) من مسألة الأنوثة (سهمٌ، في خمسة) وهي مسألةُ الذكورية (و) له (سهمان) من خمسة (في أربعة) يجتمع له (ثلاثة عشر) واجمع السهام تكن أربعين، هذا مثالُ التباين.
(ومثالُ التوافق: زوج وأم وولد أب خنثى.
مسألة الذكورية من ستة) للزوج ثلاثةٌ، وللأم اثنان، ولولد الأب الباقي.
(ومسألة الأنوثية من) ستة، وتعول إلى (ثمانية) للزوج ثلاثة، وللأم سهمان، وللخُنثى ثلاثة، و (بينهما) أي: المسألتين (موافقة بالأنصاف، فاضْرِب ستة في أربعة، تكن أربعة وعشرين، ثم) اضْرِبها (في حالين) أي: اثنين (تكن ثمانية وأربعين) ثم اقسمها على ما تقدم؛ للزوج من الستة ثلاثةٌ، في أربعة، وله من الثمانية ثلاثة، في ثلاثة، فله أحد وعشرون، وللأم اثنان من ستة، في أربعة، واثنان من ثمانية، في ثلاثة؛ أربعة عشر، وللخُنثى واحد من ستة، في أربعة، وثلاثة من ثمانية، في ثلاثة؛ ثلاثة عشر.
(ومثال التماثل: زوجة، وولد خُنثى، وعم.
مسألة الذكورية من ثمانية) للزوجة واحدٌ، وللخُنثى الباقي سبعة، ولا شيء للعم.
(ومسألة الأنوثية كذلك) من ثمانية، للزوجة واحد، وللخُنثى أربعة، وللعم الباقي ثلاثة (فاجتزئ بإحداهما) للتماثل (ثم اضْرِبها في حالين، تكن ستة عشر) للزوجة اثنان، وللخُنثى أحد عشر، وللعم ثلاثةٌ،
(ومثال التناسب: أم، وبنت، وولد خنثى، وعم.
مسألة الذكورية من ستة) مخرج السدس، للأم واحدٌ، وللبنت والخنثى ما بقي، على ثلاثة، لا ينقسم، ولا يوافق، فاضرب ثلاثة في ستة (وتصح من ثمانية عشر) للأم ثلاثة وللبنت خمسة، وللخُنثى عشرة.
(ومسألة الأنوثية من ستة، وتصح منها) للأم واحد، وللبنت اثنان، وللخُنثى اثنان، ويبقى للعمِّ واحدٌ، والستة داخلةٌ في الثمانية عشر (فاجتزئ بالثمانية عشر، ثم اضْرِبها في حالين، تكن ستةً وثلاثين) ثم اقْسِمها، للأم من مسألة الذكورية ثلاثة، ومن مسألة الأنوثية واحد، مضروب في ثلاثةٍ، وهي مخرجُ الثلث؛ لأن نسبةَ الستة إلى الثمانية عشر ثلثٌ، فلها ستةٌ. وللبنت من مسألة الذكورية خمسة، ومن مسألة الأنوثية اثنان، في ثلاثة، بستة، فلها أحد عشر، وللخُنثى من مسألة الذكورية عشرة، ومن مسألة الأنوثية اثنان، في ثلاثة، بستة، فله ستة عشر، وللعم من مسألة الأنوثية، واحد في ثلاثة، بثلاثة.
ولك في العمل طريق آخر، وهو أن تنسبَ ما لكل واحدٍ من الورثة من الخُنثى ومَن معه إلى التَّرِكة على كلا التقديرين، ثم خُذْ له نصفه، وابسط الكسورَ التي تجتمع معك من مخرج مجمعها
(1)
، يحصلُ المطلوب.
ففي المثال الأخير:
للأمِّ من الذكورية السدسُ، ومن الأنوثية السدسُ -أيضًا- ومجموعهما ثلث، فأعطها نصفَه، وهو سدس.
وللبنت من مسألة الأنوثية ثلثٌ، ومن الذكورية سدسٌ وثلثا سدس، يجتمع نصف وثلثا سدس، أعطها نصفَها ربعًا وثلث سدس.
(1)
في "ذ": "يجمعها" وأشار إلى أنه في نسخة: "مجمعها".
وللخُنثى ثلثان وتسعان في الحالين، ونصفها ثلث وتسع.
وللعم من مسألة الأنوثية السدسُ، ولا شيء له من الذكورية، فأعطِه نصفَه، ومخرج الكسور المتحصِّلة ستةٌ وثلاثون، وبسطها منه ما تقدم في العملِ الأول.
(وإن كانا خُنثيين فأكثر نزَّلتهم بعدد أحوالهم، فتجعل للاثنين أربعة أحوال، وللثلاثة ثمانية) أحوال (وللأربعة ستة عشر) حالًا (وللخمسة اثنين وثلاثين) حالًا، واجعل لكلِّ حال مسألة وانظر بينها، وحصِّل أقل عدد ينقسم عليها كما تقدم في الانكسار على فِرَقٍ (فما بلغ من ضَرْب المسائل) بعضها في بعضٍ مع اعتبار الموافقةِ والتناسبِ والتماثلِ إن كان (اضربه في عددِ أحوالهم، واجمع ما حصل لهم في الأحوال كلها مما صحت منه قبل الضرب في عدد الأحوال، هذا إن كانوا من جهة واحدة) كابن وولدين خُنثيين، فلها أربعة أحوال: حال ذكورية، وهي من ثلاثة. وحال أنوثية من أربعة. وحال ذكرين
(1)
وأنثى. وحال ذكرين (
(1)
) وأنثى -أيضًا- من خمسة خمسة، فتضرب ثلاثة في أربعة، والحاصل في خمسة تبلغ ستين، وتسقط الخمسة الثانية للتماثل، ثم اضْرب الستين في عدد الأحوال أربعة تبلغ مائتين وأربعين.
للابن في الذكورية: ثلثُ الستين عشرون، وفي مسألة الأنوثية: نصفها ثلاثون. وفي مسألتي ذكرين وأنثى: خمسان: أربعة وعشرون وأربعة وعشرون، يجتمع له ثمانية وتسعون.
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 597) ما نصه: "صورة ذلك: أن تقدر أحد الخنثيين ذكرًا، والآخر أنثى، ثم تقدر الذي قدرته أولًا ذكرًا أنثى، وتقدر الآخر الذى قدرته أولًا أنثى ذكرًا، فعلى كلا الحالتين المسألة من خمسة خمسة. ا. هـ".
وللخُنثيين في مسألة الذكورية: الثلثان أربعون، وفي الأنوثية: نصفها ثلاثون، وفي مسألتي ذكرين وأنثى: ثلاثة أخماس ستة وثلاثون، فمجموع ما لهما مائةٌ واثنان وأربعون، لكل خنثى أحد وسبعون.
(وإن كانوا) أي: الخَناثَى (من جهات) أي: من جهتين فأكثر (جمعتَ ما لكلِّ واحدٍ) من الورثة (من الأحوال، وقسمته على عدد الأحوال كلها، فالخارجُ بالقسم نصيبه) نحو: ولد خنثى وولد أخ خنثى وعم.
فإن كان الولد وولد الأخ ذكرين، فالمالُ للولد.
وإن كانا أنثيين، فللولد النصفُ والباقي للعم.
وإن كان الولد ذكرًا وولد الأخ أنثى، فالمالُ للولد.
وإن كان ولد الأخ ذكرًا والولد أنثى، كان للولد النصف والباقي لولد الأخ.
فالمسألة في حالين من واحد، وفي حالين من اثنين، فتكتفي باثنين، وتضربها في عدد الأحوال أربعة
(1)
تبلغ ثمانية، ومنها تصح، للولد المال في حالين، والنصف في حالين، ومجموع ذلك أربعة وعشرون، أقْسِمها على أربعة عدد الأحوال يخرج له ستة، ولولد الأخ أربعةٌ في حال فقط، فاقْسِمها على أربعة يخرج له واحد، وكذلك العمُّ.
(ولو صالح الخُنثى المُشكِل مَن معه) من الورثة (على ما وقف له، صح) الصلح (إن كان) الصلح (بعد بلوغه) ورُشْدِه؛ لأنه إذًا جائز التصرفِ.
(قال الموفق) في "المغني": (وجدنا في عصرِنا) شيئًا شبيهًا بهذا
(1)
في "ذ": "الأربعة".
لم يذكره الفرضيون، ولم يسمعوا به، فإنا وجدنا (شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج لا ذكر ولا فرج) أما (أحدهما) فذكروا أنه (ليس له في قبله إلا لحمة كالزبرة يرشحُ البول منها) رشحًا (على الدوام، والثاني ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوطُ ومنه يبولُ) وسألت مَن أخبرني عنه عن زيه، فأخبرني أنه إنما يلبسُ لباس النساء، ويخالطهنَّ، ويغزل معهنَّ، ويعد نفسَه امرأةً. و (قال: وحُدِّثت أن في بلاد العجمِ شخصًا ليس له مخرجٌ أصلًا، لا قُبل ولا دبر، وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه. قال: فهذا وما أشبهه في معنى الخُنثى، لكنه لا يكونُ اعتبارُه بمَبَاله، فإن لم يكن له علامةٌ أخرى، فهو مُشكِلٌ ينبغي أن يثبت له حكمه في ميراثِه وأحكامه كلها).
باب ميراث الغرقى ومن عمي
أي: خفي (موتهم)
بأن لم يعلم أيهم مات أولًا، كالهدمى، والغرقى: جمع غريق.
(إذا مات متوارثان بغرق، أو هَدْمٍ) بأن انهدم عليهما بيت ونحوه (أو غير ذلك) كطاعون (وجُهل أولهما موتًا، أو عُلم) أولهما موتًا (ثم نُسِي، أو جهلوا عينه) بأن عُلم السَّبْق وجُهل السابق، أو جُهل الحال (ولم يختلفوا في السابق) بأن لم يَدَّع ورثة كلٍّ سَبْق موت الآخر (ورثَ كلُّ واحد من الموتى صاحبه) هذا قول عمر
(1)
وعلي
(2)
.
قال الشعبي: "وقعَ الطَّاعونُ بالشامِ عامَ عمواس، فجَعَلَ أهلُ البيتِ يموتون عن آخرهم، فكُتِبَ في ذلك إلى عمر، فأمَر عمرُ أن وَرِّثُوا بعضَهُم من بعض"
(3)
. قال
(1)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 294، 295) رقم 19150، 19151، 19153، وسعيد بن منصور (1/ 63) رقم 229، 230، وابن أبي شيبة (11/ 343)، والدارمي في الفرائض، باب 37، رقم 3051.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 294) رقم 19150 - 19153، وسعيد بن منصور (1/ 63) رقم 231، 233، ومسدد كما في المطالب العالية (7/ 505) رقم 1536، وابن أبي شيبة (11/ 343، 344، 346)، والدارمي في الفرائض، باب 37، رقم 3052، والبيهقي (6/ 222).
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 64) رقم 232 عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن عمر، به. وذكره البيهقي (6/ 222) معلقًا، وقال: منقطع.
وأخرجه ابن أبي شيبة (11/ 344) عن قتادة، عن رجل، عن قبيصة بن ذؤيب، أن طاعونًا وقع بالشام، فكان أهل البيت يموتون جميعًا، فكتب عمر أن يورث الأعلى من الأسفل، وإذا لم يكونوا كذلك ورث هذا من هذا، وهذا من هذا.
وذكره البيهقي (6/ 222) تعليقًا عن قتادة أن عمر، فذكره. ثم قال: وقد قيل: عن =
أحمد
(1)
: أذهب إلى قول عمر.
ورُوي عن إياس المزني، أن النبي صلى الله عليه وسلم:"سُئِل عن قومٍ وقع عليهم بيتٌ؟ فقال: يَرِثُ بعضُهم بعضًا"
(2)
.
(من تِلاد ماله) والتِّلاد بكسر التاء: القديمُ، ضد الطارئ، وهو الحادث، أي: الذي مات وهو يملكه (دون ما ورثه من الميت) معه؛ لئلا يدخله الدور (فيُقَدَّر أحدُهما مات أولًا، فيوَرَّث الآخر منه، ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته، ثم يصنع بالثاني كذلك.
فإذا غرق أخوان) ولم يُعلم الحال (أحدهما مولى زيدٍ، والآخر مولى عمرو، صار مال كلِّ واحدٍ منهما لمولى الآخر).
وفي زوج وزوجة وابنهما، غرقوا ونحوه، وخلَّف امرأة أخرى وأمَّا، وخلَّفت ابنًا من غيره وأبًا. فمسألة الزوج من ثمانية وأربعين، لزوجته الميتة ثلاثة، ومسألتها من ستة، لأبيها السدس، ولابنها الحي الباقي،
= قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمر، وهو -أيضًا- منقطع.
(1)
المغني (9/ 170)، وانظر: مسائل أبي داود ص/ 218، ومسائل ابن هانئ (2/ 65) رقم 1453، 1454، ومسائل الكوسج (8/ 4204 - 4207، 4254) رقم 2997، 2998، 3029.
(2)
لم تقف على من رواه مرفوعًا، وأخرجه عبد الرزاق (10/ 297) رقم 19159، وسعيد بن منصور (1/ 64) رقم 234، وابن أبي شيبة (11/ 341 - 342)، والدارقطني (4/ 74) عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال، عن إياس بن عبدٍ المزني -وله صحبة- موقوفًا، أن قومًا وقع عليهم بيت فورث بعضهم من بعض.
قال البيهقي (6/ 223): قال الإمام أحمد رحمه الله: وروي عن إياس بن عبدٍ المزني، أنه قال: يورث بعضهم من بعض، وقول الجماعة أولى.
وقال ابن قدامة في المغني (9/ 172): والصحيح أن هذا إنما هو عند إياس نفسه، وأنه هو المسؤول، وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا رواه سعيد في سننه، وحكاه الإمام أحمد عنه.
تُردُّ مسألتها إلى وَفْق سهامها بالثلث اثنين، ولابنه أربعة وثلاثون، لأم أبيه سدس، ولأخيه لأمّه سدس، ولعصبته الباقي، فمسألته من ستة توافق سهامه بالنصف، فردها لثلاثة واضْرِبها في اثنين، وَفْق مسألة الأم، ثم في المسألة الأولى ثمانية وأربعين، تكن مائتين وثمانية وثمانين، ومنها تصح.
ومسألة الزوجة من أربعة وعشرين، للزوج منها ستة تقسم على باقي ورثته، فمسألته من اثني عشر، لزوجته ربعها، ولأمِّه ثلثها، والباقي لعصبته، فرد الاثني عشر إلى سُدسها، اثنين للموافقة. ومسألة الابن منها من ستة، لجدّته سدس، ولأخيه لأمّه سدس، ولعصبته الباقي، وسهامه سبعةٌ تُباين الستة، ودخل وَفْق مسألة الزوج اثنان في مسألته، فاضْرب ستة في أربعة وعشرين تكن مائة وأربعة وأربعين. ومسألة الابن من ثلاثة، لأمّه سهمٌ، ولأبيه سهمان، فمسألة أُمّه من ستة ولا موافقة، ومسألة أبيه من اثني عشر توافق سهامه بالنصف، فردّها إلى ستة، وهي مماثلة لمسألة الأم، فاجتزئ بستة واضْرِبها في ثلاثة بثمانية عشر، لورثة الأم ستة، ولورثة الأب اثنا عشر.
(وإن جهل السابق منهما) أي: من ميتين بغرق ونحوه (واختلف ورثتهما فيه) بأن ادَّعى كلٌّ تأخر موت مورثه (ولا بيِّنة) لأحدهما (أو كانت) لهما بينتان (وتعارضت) البينتان (تحالفا) أي: حلف كلٌّ منهما على ما أنكر من دعوى صاحبه؛ لعموم حديث: "البيِّنة على المُدَّعي، واليمينُ على من أنكرَ"
(1)
(ولم يتوارثا) لعدم وجود شرطه، وهو تحقق حياة الوارث بعد موت المورِّث، وإنما خُولِف فيما سبق؛ لما تقدم.
(1)
تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).
(كما إذا ماتت امرأة وابنهُا، فقال زوجها: ماتت فورثناها، ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها): بل (مات ابنها فورثَتْهُ) أي: ورثت منه (ثم ماتت) بعده (فورثناها) أي: ورثها أخوها المدعي وزوجها (حلف كلُّ واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه) لأنه ينكرها (وكان ميراث الابن لأبيه) عملًا باليقين (و) كان (ميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين) للزوج نصفه فرضًا، والباقي لأخيها تعصيبًا، وهذا قول الجمهور من العلماء، وإن لم يقع تداع.
(ولو عيَّن الورثة موت أحدهما) بأن قالوا: مات فلان يومَ كذا، من شهر كذا عند الزوال (وشكُّوا، هل مات الآخر قبله أو بعده؟ ورث مَن شُكَّ في موته من) الميت (الآخر) الذي عيَّنوا موته؛ لأن الأصل بقاء حياته (ولو تحقَّق موتهما) أي: المتوارثين (معًا، لم يتوارثا) بلا خلاف؛ لأن شرط الإرث حياة الوارث بعد موت المورِّث، ولم يوجد.
(ولو مات أخوان) أو نحوهما (عند الزوال، أو) ماتا عند (الطلوع) أي: طلوع الشمس، أو القمر، أو الفجر (أو الغروب في يوم واحد) وكان (أحدهما) أي: الأخوين (بالمشرق والآخر بالمغرب، وَرِث الذي مات بالمغرب من الذي مات بالمشرق) حيث لا حاجب ولا مانع (لموته قبله؛ لأن الشمس وغيرها تزول وتطلع وتغرب في المشرق قبل) زوالها وطلوعها وغروبها في (المغرب).
قلت: والمراد -والله أعلم- أن هذه الأشياء تظهر بالمشرق قبل المغرب، وإلا فقد نصَّ الإمام
(1)
على أن الزوال في الدنيا واحد. وهذا واضح.
(1)
الفروع (1/ 299).
باب ميراث أهل الملل
جمع مِلَّة، بكسر الميم: وهي الدِّين والشريعة، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}
(1)
، وقال:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}
(2)
.
واختلاف الدِّين من موانع الإرث. فـ (ــلا يرث المسلمُ الكافرَ) لحديث أسامة بن زيد مرفوعًا: "لا يَرثُ الكافرُ المُسلِمَ ولا المُسلِمُ الكافِرَ" متفق عليه
(3)
(إلا بالولاء) فيرث المسلم عتيقَه الكافرَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَرِث المُسْلِمُ النَّصراني، إلاَّ أنْ يكونَ عَبدَه أو أمتَه" رواه الدارقطني
(4)
عن جابر؛ ولأن ولاءه له
(1)
سورة آل عمران، الآية:19.
(2)
سورة النحل، الآية:122.
(3)
البخاري في المغازي، باب 48، حديث 4283، وفي الفرائض، باب 26، حديث 6764، ومسلم في الفرائض، حديث 1614.
(4)
(4/ 74). وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (4/ 83) حديث 6389، وابن عدي (6/ 2231)، والحاكم (4/ 345)، والبيهقي (6/ 218)، والمزي في تهذيب الكمال (26/ 228) من طريق ابن وهب، عن محمَّد بن عمرو، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عدي في "محمَّد بن عمرو": في حديثه مناكير.
وقال الحاكم: محمَّد بن عمرو اليافعي من أهل مصر، صدوق الحديث، صحيح. ووافقه الذهبي.
وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 538): وعلته أن هذا الرجل (محمَّد بن عمرو اليافعي) مجهول الحال لا يعرف إلا برواية ابن وهب عنه.
وأخرجه عبد الرزاق (6/ 18) رقم 9865، والدارقطني (4/ 75)، والبيهقي =
بالإجماع
(1)
، وهو شعبة من الرق، فورثه به كما يرثه قبل العتق.
و (لا) يرث (الكافرُ المسلمَ إلا بالولاء) فيرث الكافر عتيقه المسلم بالولاء؛ قياسًا على عكسه، لما تقدم.
(أو يسلم) الكافرُ (قبل قَسْم ميراث قريبٍ مسلمٍ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أسلَمَ على شيءٍ فهو له" رواه سعيد في "سننه" من طريقين عن عروة
(2)
وابن أبي مليكة
(3)
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى أبو داود، وابن ماجه بإسنادهما عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ قَسْم قُسمَ في الجاهلية، فهو على ما قُسِمَ، وكُلُّ قَسْم أدركَهُ الإِسلامُ فإنَّهُ على قَسْمِ الإِسلام"
(4)
.
= (6/ 218) من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفًا.
وقال الدارقطني: وهو المحفوظ.
ورجحه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 538 - 539) وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (9/ 380): وقد رواه عبد الرزاق عن ابن جريج موقوفًا، وهو الصواب.
(1)
انظر: مراتب الإجماع ص/ 260، والتمهيد (3/ 64)، والإقناع في مسائل الإجماع (3/ 1461 - 1462) رقم 2768 - 2771.
(2)
(1/ 55) حديث 189.
قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 127): الحديث مرسل، لكنه صحيح الإسناد.
(3)
(1/ 55) حديث 190، انظر ما تقدم (7/ 131) تعليق رقم (1).
(4)
أبو داود في الفرائض، باب 11، حديث 2914، وابن ماجه في الرهون، باب 21، حديث 2485. وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى (4/ 247) حديث 2359، والبيهقي (9/ 122)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 48 - 49)، وفي الاستذكار (22/ 237) من طريق موسى بن داود، عن محمَّد بن مسلم، عن ابن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 518): ينبغي أن يكون حسنًا، فإنه من =
وروى ابن عبد البر في "التمهيد"
(1)
عن يزيد بن قتادة العنبري: "أنَّ إنسانًا مِن أهلِهِ مات على غيرِ دين الإِسلام، فورثتهُ أختي دوني، وكانت على دينه، ثمَّ إنَّ جدِّي أسلم، وشهد مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم حنينًا فتُوُفِّيَ، فلبثْتُ سَنة، وكان تركَ ميراثًا، ثمَّ إنَّ أختي أسلمتْ، فخاصمتْني في الميراثِ إلى عثمانِ، فحدَّثه عبد الله بنُ أرْقَمَ أنَّ عُمرَ قضَى أنه مَن أسلمَ على ميراثٍ قبْلَ أنْ يُقْسَمَ، فله نَصيبُهُ، فقضَى بهِ عثمانُ، فذهبَتْ بذلك الأوَّلِ، وشاركَتْني في هَذا" وهذه قضية انتشرت، ولم تُنكر، فكان الحكم فيها كالمجمع عليه، والحكمة في ذلك، الترغيبُ في الإِسلام والحث عليه.
= رواية محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، ومحمد بن مسلم مختلف فيه. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 126): وإسناده جيد.
وأخرجه سعيد بن منصور (1/ 55) حديث 193، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار مرسلًا.
وأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 200) حديث 11488 من طريق محمد بن الفضل بن عطية، عن سالم الأفطس، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل ميراث أدرك الإسلام ولم يقسم فهو على قسم الإسلام".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 226): رواه الطبراني، وفيه محمد بن الفضل بن عطية، وهو ضعيف جدًا.
وأخرجه عبد الرزاق (7/ 166) حديث 12634، عن معمر، عن ابن طاوس، عن عطاء بن أبي رباح مرسلًا.
وأخرجه ابن طهمان في مشيخته ص/137، حديث 79، ومن طريقه البيهقي (9/ 122) عن مالك، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه مرفوعًا. ومال ابن عبد البر في الاستذكار (22/ 237) إلى تصحيحه. وقال الشيخ الألباني في الإرواء (6/ 158): وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه صحيح.
(1)
(2/ 57).
(ولو) كان الذي أسلم (مرتدًا) عند موت مورثه (أو) كان الوارث (زوجة) وأسلمت (في عدة) قياسًا على ما سبق.
و (لا) يرث إن كان (زوجًا) وأسلم بعد موت زوجته؛ لانقطاع علَقِ النكاح عنه بموتها بخلافها.
(ولا) يرث إن كان (قِنًا) و (عَتَق قبل القسمة بعد موت قريبه) من أب، أو ابن، أو أم، ونحوهم (أو) عَتَق (مع موته، كتعليقه العِتق على ذلك) بأن قال له سيده: إذا مات أبوك أو نحوه، فأنت حرٌّ، فإذا مات أبوه، عَتَق ولم يرث، وإن كانت التَّرِكة لم تُقسم، بخلاف من أسلم.
والفرق أن الإِسلام أعظم الطاعات والقُرَب، وَرَدَ الشرع بالتأليف عليه، فورد الشرع بتأليفه؛ ترغيبًا له في الإسلام، والعتق لا صنع له فيه ولا يُحمد عليه، فلم يصح قياسه عليه، ولولا ما ورد من الأثر في توريث من أسلم، لكان النظر أن لا يرث من لم يكن من أهل المِيراث حين الموت؛ لأن الملك ينتقل بالموت إلى الورثة فيستحقونه، فلا يبقى لمن حدث شيء، لكن خالفناه في الإِسلام؛ للأثر. وليس في العتق أثر يجب التسليم له.
(أو دبَّر ابن عَمِّه ثم مات) وخرج المُدَبَّر من الثلث، عَتَق ولم يرث. وتقدم
(1)
.
(وإن قال: أنت حُرٌّ في آخر حياتي، عَتَق ووَرِث) لأنه حين الموت كان حرًّا.
(و
إن كان الوارث واحدًا، فمتى تَصَرَّف في التَّرِكة واحتازها، فهو كقَسْمِها)
بحيث لو أسلم قريبه بعد ذلك لم يشاركه، كما لو كان معه غيره واقتسموا.
(1)
(10/ 192).
(وإن أسلم قبل قَسْم بعض المال وَرِثَ) من أسلم (مما بقي) دون ما قسم؛ لما تقدم.
(ويرث الكُفَّار بعضهم بعضًا، إن اتَّحدت مِلَّتهم، وهم ملل شتى مختلفة، فلا يتوارثون مع اختلافها) روي عن على
(1)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهلُ مِلَّتينِ شتَّى" رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
(2)
. فاليهودية مِلَّة، والنصرانية مِلَّة، والمجوسية مِلَّة، وعبدة الأوثان مِلَّة، وعبدة الشمس مِلَّة، وهكذا، فلا يَرِث بعضهم بعضًا.
وقال القاضي: اليهودية مِلَّة، والنصرانية مِلَّة، ومن عداهما مِلَّة.
(ويرث ذمي حربيًا، وعكسه) أي: يرث الحربي الذمي (و) يرث
(1)
لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره الموفق في المغني (9/ 157)، وابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 447).
(2)
أبو داود في الفرائض، باب 10، حديث 2911. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (4/ 82) حديث 6384، وابن ماجه في الفرائض، باب 6، حديث 2731، وابن المبارك في مسنده ص/97 حديث 164، وسعيد بن منصور (1/ 42) حديث 2137، وأحمد (2/ 178)، وابن الجارود (3/ 232) حديث 967، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 84)، وابن عدي (5/ 1736، 6/ 2418، 7/ 2649)، والطبراني في الأوسط (7/ 173) حديث 6319، والدارقطني (4/ 72، 73، 75، 76)، وتمام في فوائده (2/ 349) حديث 720، والخطيب في تاريخه (5/ 290، 8/ 407)، والبيهقي (6/ 218)، والبغوي في شرح السنة (8/ 364، 10/ 172) حديث 2232، 2532، وابن عساكر في تاريخه (8/ 243)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 243) حديث 1661، 1663 من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 221): وهذا إسناد جيد إلى عمرو. وقال في خلاصة البدر المنير (2/ 135): وإسناد أبي داود والدارقطني إسناد صحيح.
وقال ابن حجر في الفتح (12/ 51): وسند أبي داود إلى عمرو صحيح.
(حربي مستأمنًا، وعكسه) أي: يرث المستأمن الحربي (و) يرث (ذمي مستأمنًا وعكسه) أي: يرث المستأمن الذمي (بشرطه) وهو اتِّحاد المِلَّة، فاختلاف الدارين ليس بمانع؛ لأن العمومات من النصوص تقتضي توريثهم، ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع، ولا يصح فيهم قياس، فيجب العمل بعمومها، ومفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يتوارثُ أهلُ مِلَّتَيْنِ شتَّى" أن أهل المِلَّة الواحدة يتوارثون، وضَبْط التوريث بالمِلَّة والكفر والإسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره.
(والمرتد لا يرث أحدًا) من المسلمين ولا من الكفار؛ لأنه لا يقر على ما هو عليه، فلم يثبت له حكم دين من الأديان (إلا أن يسلم) المرتد (قبل قسم الميراث) فيرث على ما تقدم
(1)
. (ولا يرثه) أي: المرتد (أحد) من المسلمين؛ لأن المسلم لا يرث من الكافر ولا من غير المسلمين؛ لأنه يخالفهم في حكمهم؛ لأنه لا يقر على ما هو عليه من الردة.
(فإن مات) المرتد ولو أنثى (في رِدته، فماله فيءٌ) يوضع في بيت المال للمصالح العامة، وليس وارثًا كما تقدم
(2)
، بل جهة ومصلحة.
(والزنديق -وهو الَّذي كان يُسمَّى منافقًا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كمرتد) و (لا تُقبل توبته) ظاهرًا (ويأتي في باب المرتد).
والنفاق: اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو ستر الكفر وإظهار الإيمان، وإن كان أصله في اللغة معروفًا، وهو مأخوذ من النَّافِقاء
(3)
، أو من النَّفَق، وهو السَّرَب الَّذي يستتر فيه.
(1)
(10/ 483).
(2)
(7/ 191، 10/ 406).
(3)
النافقاء: إحدى جِحَرة اليربوع يكتمها ويظهر غيرها، فإذا أُتي من جهة القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق. القاموس المحيط ص/ 926، مادة (نفق).
(ومثله مرتكب بدعة مكفرة كجَهْمي) واحد الجهمية، وهم أتباع جهم بن صفوان
(1)
القائل بالتعطيل (وغيره) من المشبهة ونحوهم، فمن لم يتب منهم، كالمرتد لا يرث ولا يورث.
فصل
(ويرث مجوسيٌّ ونحوه ممن يرى حِلَّ نِكاح ذوات المَحَارم بجميع قراباته) إن أمكن (إذا أسلم، أو حاكم إلينا) وهو قول عمر
(2)
، وعلي
(3)
، وابن مسعود
(4)
، وابن عباس
(5)
، وزيد
(6)
، في الصحيح عنه؛ لأن الله تعالى فرض للأم الثلث، وللأخت النصف، فإذا كانت الأم أختًا وجب
(1)
جهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي، السمرقندي، رأس الجهمية، وأسُّ الضلالة، كان ينكر الصفات، ويقول بخلق القرآن، وأن الله في الأمكنة كلها، وغير ذلك. قتل سنة (128 هـ). سير أعلام النبلاء (6/ 26).
(2)
لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره الموفق في المغني (9/ 166).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 31، 32، 10/ 299) رقم 9906، 9910، 19169، وابن أبي شيبة (11/ 366)، والدارمي في الفرائض، باب 42، رقم 9093، والبيهقي (6/ 260).
وقال البيهقي: الروايات عن الصحابة في هذا الباب ليست بالقوية.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 31، 10/ 299) رقم 9906، 19169، وابن أبي شيبة (11/ 366). والدارمي في الفرائض، باب 42، رقم 3093. وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (9/ 155) رقم 12692: والرواية فيه عن علي، وابن مسعود، وزيد رضي الله عنهم ضعيفة.
(5)
لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره الموفق في المغني (9/ 166).
(6)
أشار إليه البيهقي في معرفة السنن والآثار (9/ 155) وضعفه. وقال في السنن الكبرى (6/ 260)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 155) رقم 12689: ويُذكر عن زيد بن ثابت أنَّه قال: يرث بأدنى الأمرين ولا يرث من وجهين.
إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين كالشخصين؛ ولأنهما قرابتان تَرِث بكل واحدة منهما منفردة، لا تحجب إحداهما الأخرى، ولا ترجح بها، فترث بهما مجتمعتين، كزوج هو ابن عم، أو ابن عم هو أخ من أم، وكذوي الأرحام المُدْلين بقرابتين.
(فإذا خلَّف أمًا، وهي أخته من أبيه) لكون أبيه تزوَّج بنته فولدت له هذا الميت (و) خلَّف معها (عمًّا، ورثت الثلث بكونها أمًّا، و) ورثت (النصف بكونها أختًا، والباقي) وهو واحد من ستة (للعم) لحديث: "ألحِقُوا الفَرائِضَ بأهلِهَا"
(1)
.
(فإن كان معها) أي: مع الأم التي هي أخت (أخت أخرى، لم ترث) الأخت التي هي أم (بكونها أمًّا إلا السدس؛ لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى) لأن الأم تُحجب عن الثلث إلى السدس بأختين وقد وجدتا.
(ولا يرثون) أي: المجوس ونحوهم (بنكاح المَحَارم) لبطلانه (ولا) يرثون أيضًا (بنكاح لا يُقَرُّون عليه لو أسلموا، كمن تزوَّج مطلقته ثلاثًا) قبل أن تنكح غيره.
(ولو تزوَّج المجوسي بنته، فأولدها بنتًا، ثم مات عنهما، فلهما الثلثان؛ لأنهما ابنتاه، ولا ترث الكبرى بالزوجية) لأنهما لا يُقرّان عليها.
(فان ماتت الكبري بعده) أي: بعد أبيها (فقد تركت بنتًا هي أخت لأب، فلها النصف بالبنوة، والباقي بالأخوة) لأنها بنت وأخت.
(فإن ماتت الصغرى أولًا) أي: والكبري باقية (فقد تركت أُمًّا هي أخت لأب، فلها النصف) ثلاثة (و) لها (الثلث) اثنان (بالقرابتين) أي: النصف بالأختية، والثلث بالأمومة.
(1)
تقدم تخريجه (10/ 335) تعليق رقم (3).
ولو تزوَّج أُمَّه فأولدها بنتًا ثم مات، فلأُمه السدس، ولابنته النصف، فإن ماتت الكبرى بعده فقد خَلَّفت بنتًا هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين.
(ولو أولد مسلم ذات مَحْرم، أو غيرها بشُبهة، ثبت النسب) للشُّبْهة.
(وكذا لو اشتراها) أي: ذات مَحْرمه (وهو لا يعرفها فوطئها) فأتت بولد (ثبت النسب، وورث بجميع قراباته) قال في "المغني": والمسائل التي يجتمع فيها قرابتان يصح الإرث بهما، ست:
إحداهن في الذكور، وهي: عم
(1)
هو أخ من أم، بأن ينكِح زوجة ابنه التي أولدها ولدًا فولدت منه -أيضًا- ابنًا، فهو عم لولد ابنه وأخوه لأُمُّه.
وخمس في الإناث، وهي: بنت هي أخت، أو بنت ابن. وأم هي: أخت لأب. وأم أم هي: أخت لأب. وأم أب هي: أخت لأم. قال: ومتى كانت البنت أختًا والميت رجلًا، فهي أخت لأم، وإن كان امرأة فهي أخت لأب.
وإن قيل: أم، هي أخت لأم، أو أم أم، هي أخت لأم، أو أم أب فهي أخت لأب، فهو محال.
(وإذا مات ذمي) أو مستأمن (لا وارث له من أهل الذِّمة) ولا العهد ولا الأمان (كان ماله فيئًا) كما تقدم
(2)
في باب الفيء.
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 602) ما نصه: "بأن ينكح زوجة ابنه التي أولدها ولدًا فولدت منه أيضًا، فهو عم لولد ابنه وأخوه لأمه. ا. هـ. من خط ابن العماد رحمه الله".
(2)
(7/ 182).
(وكذا ما فضل من ماله) أي: الذمي ونحوه (عن إرثه، كمن) أي: كذمي (ليس له وارث إلا أحد الزوجين) فباقي ماله فيء، وتقدم
(1)
في بابه.
فإن ورثه حربي بناء على ما تقدم
(2)
من أن اختلاف الدارين ليس بمانع، كان -أيضًا- لبيت المال؛ لأنه مال حربي قدرنا عليه بغير قتال، كما يُعلم مما تقدم في بابه (1).
(1)
(7/ 182).
(2)
(10/ 487).
باب ميراث المُطلَّقة
أي: بيان من لا يرث من المطلقات، كالمطلقة بائنًا بلا تُهمة، ومن يرث منهن، كالمطلقة طلاقًا رجعيًا، أو بائنًا يُتهم فيه بقصد الحرمان.
(إذا أبان) الزوج (زوجته في صحَّته) لم يتوارثا (أو) أبانها في (مرضه غير المخوف، ومات به) لم يتوارثا (أو) أبانها في (مرض غير) مرض (الموت، بطلاق، أو غيره) كخلع على عوض (ولو قصد الفرارَ من الميراث، لم يتوارثا) لعدم التُّهمة؛ لأنه لا فرار منه.
(بل) يتوارثان (في طلاق رجعيٍّ ما دامت في العدة) سواء كان في المرض أو الصحة، قال في "المغني": بغير خلاف
(1)
نعلمه. ورُوي عن أبي بكر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود
(2)
، وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه، ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها، ولا وليٍّ ولا شهود ولا صداق جديد.
(وإن طلقها في مرض الموت) المَخوف أو غير (طلاقًا لا يُتهم فيه) بقصد الفرار (بأن سألته الطلاق، أو الخلع) فأجابها إليه، فكطلاق
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 100، ومراتب الإجماع ص/ 189.
(2)
أخرج ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله الكلاعي، عن مكحول أن أبا بكر وعمر وعليًا وابن مسعود وأبا الدرداء وعبادة بن الصامت وعبد الله بن قيس الأشعري كانوا يقولون في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين: إنه أحق بها ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة، يرثها، وترثه ما دامت في العدة.
ولم نقف على من رواه عن عثمان رضي الله عنه مسندًا. وذكره ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 187)، والبغوي في شرح السنة (8/ 374).
الصحيح. (أو علَّق طلاقها على فعل لها منه بدٌّ، ففعلته عالمةٌ) بالتعليق فكطلاق الصحيح (أو) علَّقه (على مشيئتها، فشاءت) فكطلاق صحيح، وهي من أفراد التي قبلها.
(أو خيَّرها) أي: خيَّر المريض زوجته (فاختارت نفسها) فكطلاق صحيح؛ لأنه لا يُتهم في ذلك كله بقصد الحرمان.
(أو علقه) أي: عَلَّق صحيح الطلاق (بفعل زيدٍ كذا) كدخوله الدار (ففعله) زيدٌ (في مرضه) فكطلاق صحيح؛ لأنه لم يُعلِّقه في المرض المَخوف الَّذي مات منه، وكذا لو علَّقه صحيحًا بطلوع الشمس، أو نزول المطر، أو قدوم الحاج ونحوه، فوجد ذلك في مرضه.
(أو) علَّقه صحيحًا (بشهرٍ، فجاء في مرضه، أو علَّقه في الصحة على شرط، كقُدوم زيدٍ، أو صلاتها الفرض، فوُجِد) ذلك (في المرض) فكطلاق صحيح؛ لعدم قرينة إرادة الفرار.
(أو طَلَّق) ولو مريضًا (مَنْ لا ترث، كالأَمَة، والذمية، فعَتقت وأسلمت قبل موته) فكطلاق صحيح؛ لأنه حين الطلاق لم يكن فارًّا؛ لقيام المانع من رق، أو اختلاف دين (أو قال لهما) أي: للأَمَة والذمية: (أنتما طالقتان غدًا، فعَتقت الأَمَة) قبل غد (وأسلمت الذمية قبل غد) فكطلاق صحيح؛ لما تقدم.
(أو وطئ مجنون أمَّ زوجته فكطلاق الصحيح) لأن المجنون لا قصد له صحيح إذًا.
(إلا إذا سألته) أي: سألت زوجة المريض مرض الموت المخوف أن يطلقها (طلقة) أو طلقتين (فطلقها ثلاثًا، فترثه) ما لم تتزوج، أو ترتد؛ لقرينة التهمة.
قلت: ولعل المراد إذا لم تكن سألته الطلاق على عوض، فإن كان كذلك لم ترثه؛ لأنها سألته الإبانة، وقد أجابها إليها.
(وإن كان يُتهم فيه) أي: الطلاق (بقصد حِرمانها الميراث، كمن طلقها ابتداء) بلا سؤال منها (في مرض موته المخوف، أو علَّقه فيه) أي: في مرض موته المخوف (على فعل لابُدِّ لها منه شرعًا، كصلاة ونحوها) كوضوء وغسلٍ.
(أو) علقه فيه على فعل لابُدَّ لها منه (عقلًا كأكل، وشرب، ونوم ونحوه، ففعلته، ولو عالمةً. وليس منه) أي: من الفعل الَّذي لابُدَّ لها منه (كلام أبويها، أو) كلام (أحدهما) لأنها تستغني عنه، فلو علَّق في مرضه المخوف طلاقها على كلامهما، أو على كلام أحدهما، ففعلت لم ترث، وجعل في "المحرر" كلام أبيها مما لابُدَّ لها منه شرعًا. وقال في "الرعاية": وقيل: وكلام أبويها أو أحدهما. انتهى.
قلت: ولو قيل به حتَّى في الأجنبي، إذا لم يكن فيه محذور لم يبعد؛ لما يأتى من حديث:"لا يَحِلُّ لمُسلم أن يَهْجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثة أيَّامٍ"
(1)
.
(أو طلَّقها) في مرض الموت المخوف بعوض من غيرها (أو خلعها
(1)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الأدب، باب 57، 62، حديث 6065، 6076، ومسلم في البر والصلة، حديث 2559.
ب - أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الأدب، باب 62: حديث 6077، وفي الاستئذان، باب 9، حديث 6237، ومسلم في البر والصلة، حديث 2560.
ج - المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود رضي الله عنهم في حديث طويل: أخرجه البخاري في الأدب، باب 62، حديث 6073 - 6075.
فيه بعوض من غيرها.
أو علَّقه) أي: الطلاق (على مرضه، أو على فعل له) أي: الزوج (ففعله في مرضه) المخوف (أو) علَّقه (على تَرْكه) أي: تَرْكِ فعل له (كقوله): أنت طالق (لأتزوَّجنَّ عليك، أو) أنت طالق (إن لم أتزوج عليك ونحوه، فمات قبل فعله) وَرِثَتْه.
(أو أقرَّ فيه) أي: في مرضه المخوف (أنَّه كان أبانها في صحته) ورثتْه.
(أو وكَّل في صحته من يُبِينُها متى شاء، فأبانها في مرضه) ورثته
(1)
.
(أو قذفها في مرضه، أو صحته، ولاعَنَها في مرضه لنفي الحدِّ، أو لنفي الولد) ورثته.
(أو علَّق طلاق ذميةٍ، أو) طلاق (أَمَةٍ على الإسلام) من الذمية (والعتق) للأَمَة (فَوُجِدَا) أي: الإسلام والعتق (في مرضه) ورثته.
(أو عَلِم) المريض (أن سيدها علَّق عِتْقها بغدٍ، فأبانها اليوم) ورثته.
(أو وَطِئَ فيه) أي: في مرض الموت المخوف (عاقلٌ -ولو صبيًّا- أمَّ امرأته) أو بنتها، انفسخ نكاح امرأته، وورثته.
(أو وطئ امرأته) أي: امرأة المريض مرض الموت المخوف (أبوه) أو ابنه العاقل، انفسخ النكاح، و (ورثته) لأن عثمان رضي الله عنه "ورَّثَ بنتَ الأصبغ الكلبيَّة من عبد الرحمن بن عوف وكان طلَّقها في
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 604) ما نصه: "أي لاحتمال تواطئهما على ذلك. ا. هـ. من خط ابن العماد رحمه الله".
مرضه فَبتَّها"
(1)
. واشتُهِر ذلك في الصحابة ولم يُنكر، فكان كالإجماع.
وروى عروة أن عثمان قال لعبد الرحمن: "لئن مُتَّ لأورثنَّها منك، قال: قد علمت ذلك"
(2)
.
وما روي عن عبد الله بن الزبير أنَّه قال: "لا تَرِثُ مَبتُوتَةٌ"
(3)
فمسبوق بالإجماع السكوتي في زمن عثمان، ولأن قصد المُطلِّق قصدٌ فاسدٌ في الميراث، فعُورِض بنقيض قصده، كالقاتل القاصد استعجال الميراث يُعاقَب بحرمانه.
وكمرض الموت المَخوف، ما ألحق به، كمن قُدِّم للقتل، أو حبس له ونحوه، مما تقدم في عطية المريض، كما أشار إليه ابن نصر الله.
(ولم يَرِثها) لانقطاع العصمة ولا قصد منها، فَيُعاقب بضدِّه، وتَرِث المُبانة فِرارًا من مُبينِهَا (ولو) مات (بعد) انقضاء (العدة) قال أبو بكر: لا يختلف قول أبي عبد الله
(4)
في المدخول بها إذا طَلَّقها المريض، أنها تَرِثه في العدة وبعدها (ما لم تتزوج) لما روى أبو سلمة بن
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 226، 254)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 193)، وعبد الرزاق (7/ 62) رقم 12192، وابن أبي شيبة (5/ 217)، والدارقطني (4/ 64)، والبيهقي (7/ 362)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 82) رقم 14835 من طريق ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، انظر (10/ 497) تعليق رقم (1).
(2)
أورده ابن حزم في المحلي (10/ 220). من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، به، وانظر الأثر السابق.
(3)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 226، 254)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 193)، وعبد الرزاق (7/ 62) رقم 12192، وابن أبي شيبة (5/ 217)، والبيهقي (7/ 362)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 82) رقم 14835.
(4)
مسائل عبد الله (3/ 1144) رقم 1572، ومسائل صالح (2/ 235) رقم 822، و (3/ 87، 174) رقم 1400، 1590، ومسائل ابن هانئ (1/ 236) رقم 1139.
عبد الرحمن: "أنَّ أباه طلَّق أُمَّهُ وهو مريضٌ، فمات، فَوَرِثَتْهُ بعد انقضاء عدَّتها"
(1)
. فإن تزوَّجت لم تَرِث من الأول (أبانها الثاني أولا، أو ترتد) فإن ارتدت فلا ميراث لها منه (ولو أسلمت بعده) أي: بعد الارتداد، ولو قبل موته، فإن مجرَّد تزوّجها وارتدادها يسقط به إرثها، لأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول.
(وتعتدُّ) المُبَانة فرارًا (أطول الأجلين) من عدة طلاق أو وفاة (ويأتي) ذلك (في العِدَد) بأوضح من هذا.
(فإن لم يَمُتِ) المطلِّق (من المرض) المخوف (ولم يصحَّ منه، بل لُسع) بشيءٍ من القواتل (أو أكله سبعٌ) ونحوه (فكذلك) أي: ورثته ما لم تتزوَّج أو ترتد، نظرًا إلى قصد الفرار.
(ولو أبانها) أي: أبان المريض مرض الموت المخوف زوجته (قبل الدخرل) والخلوة (ورثته) معاقبة له بضدِّ قصده (ولا عِدَّة عليها) لأنها مُبَانة في الحياة قبل الدخول، فهي داخلة في عموم قوله تعالى:{ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}
(2)
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 571)، والشافعي في الأم (5/ 254)، وعبد الرزاق (7/ 62) رقم 12195، وسعيد بن منصور (2/ 42) رقم 1958، 1959، والبيهقي (7/ 362)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 82) رقم 14836. وأخرجه عبد الرزاق -أيضًا- (7/ 61) رقم 12191، عن الزهري، عن ابن المسيب، وبرقم 12193، عن الزهري، قال: قضى عثمان في امرأة عبد الرحمن أنها تعتد، وترثه، وإنه ورثها بعد انقضاء عدتها.
وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 572)، ومن طريقه البيهقي (7/ 363) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بنحوه. انظر (10/ 491) تعليق رقم (1).
وأخرجه ابن أبي شيبة (5/ 217)، عن عمرو [بن دينار]، عن صالح.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:49.
(ويكمل لها الصداق) فيتقرر كله بالموت؛ عقابًا له بضدِّ قصده الفاسد (ويأتي في باب) يعني كتاب (الصداق) مفصَّلًا.
(وإن أكْرَه ابنٌ عاقلٌ وارثٌ) -ولو صبيًّا
(1)
(ولو نقص إرثه) بوجود مزاحم بأن وجد للمريض ابن آخر (أو انقطع) إرثه لقيام مانع، أو حجب بأن كان ابن ابن، فحدث للمريض ابن حجبه- (امرأةَ أبيه، أو) امرأةَ (جدِّه، وهو وارثه) جملة حالية، أي: أَكره المرأة حال كونه وارثًا، ولو صار غير وارث بعد، كما تقدم (في مرضه) أي: مرض موت مورِّثه المخوف (على ما يفسخ نكاحها) متعلق بـ"أكره"(من وطء، أو غيره) بيان لما يفسخ نكاحها، وغير الوطء: إرضاع زوجة له صغرى أخرى (لم يقطع ميراثها) لأنه فَسْخٌ حصل في مرض الزوج بغير اختيار الزوجة لقصد حرمانها، فلم يقطع إرثها، أشبه ما لو أبانها الزوج.
(إلا أن تكون له) أي: للزوج (امرأة ترثه سواها) لانتفاء التُّهمة إذًا، لأنه لم يتوفر عليه بفسخ نكاحها شيء من الميراث (أو) كان (لم يتَّهم فيه) أي: قصد
(2)
حرمانها الميراث (حال الإكراه) بأن كان ابن ابن مع وجود ابن، أو كان رقيقًا أو مباينًا لدين زوجها (أو طاوعت) المرأة ابنَ زوجها ونحوه، على وطئه ونحوه، فلا تَرِث؛ لأنها شاركته فما ينفسخ به نِكاحها، أشبه ما لو سألت زوجها البينونة فأبانها، وكذا لو كان زائل العقل.
(وإن فعلت في مرض موتها ما يفسخ نكاحها، بأن ترضع امرأة زوجها الصغيرة، أو) ترضع (زوجها الصغير) في الحولين خمس رضعات
(1)
"ولو صبيًا" ساقطة من "ح".
(2)
في "ذ": "في قصد".
(أو استدخلت ذَكرَ ابن زوجها) أو ذَكَر أبيه (وهو نائم، أو ارتدت) في مرض موتها المخوف (لم يسقط ميراث زوجها مادامت في العدة) لأنها أحد الزوجين، فلم يسقط فعلها ميراث الآخر كالزوج. قال في "الفروع": وكذا خرَّج الشيخ -أي: الموفَّق- في بقية الأقارب، أي: إذا فعل ما يقطع به ميراث قريبه في مرض موته المخوف، بأن ارتدَّ؛ لئلا يرثه قريبه، فيعاقب بضدِّ ذلك، بناء على أن رِدَّة أحد الزوجين في المرض لا تقطع الميراث، كما في "الانتصار". وقال الموفق: هو قياس المذهب. قال في "الفروع": والأشهر لا، أي: أن الردَّة ليست كفعل ما يفسخ النكاح، فتقطع الميراث، وهو مقتضى ما قطع به المصنف في الباب قبله: أن المرتدَّ لا يَرِث ولا يورث، وهو مقتضى كلام "المنتهى"؛ لأنه أسقط: "أو ارتد
(1)
".
(وكذا) لا يسقط ميراثه (بعد العدة، كما لو كان هو المطلِّق، وجزم به في "الفروع" فقال: والزوج في إرثها اذا قطعت نِكاحها منه كفعله. انتهى. ومقتضاه أنه يَرِثها في العِدة وبعدها) كما لو كان الزوج هو المطلِّق، وكذا أطلق في "المقنع" وتبعه في "الشرح". وقال في "الإنصاف": مراده مادامت في العدة. وكذا قال في "التنقيح": مادامت في العدة. وتبعه في "المنتهى"، لكن يحتاج إلى الفرق ببن المسألتين.
(هذا) أي: عدم سقوط ميراث زوجها بفسخها النِّكاح (إن كانت مُتَّهمة فيه) أي: في فِعلها في مرض موتها ما يفسخ نكاحها بقصد حرمانه الميراث (وإلا) بأن لم تكن متَّهمة في ذلك (سقط) الميراث (كفسخ مُعْتَقةٍ تحت عبد) لأنه لدفع الضرر لا للفرار (أو فعلته) أي: ما يفسخ نكاحها
(1)
في "ذ": "ارتدت".
من استدخال ذكر أبيه، أو إرضاع زوجة زوجها الصغير ونحوه (مجنونة) فلا إرث؛ لأنها لا قصد لها.
(ولو خلَّف زوجات، نكاح بعضهن فاسد) ولم تعلم عَيْنُهَا، أخرجها وارث بقُرعة (أو) خلَّف زوجات نكاح بعضهن (منقطع قطعًا يمنع الميراث) على ما تقدم تفصيله (ولم تعلم عَينُها) أي: عين من انقطع نكاحها قطعًا يمنع المراث (أخرجها وارثٌ بقُرعةٍ) والميراث للبواقي، لأنه إزالة مُلك عن آدمي فتستعمل فيه القُرعة عند الاشتباه، كالعتق؛ ولأن الحقوق تساوت على وجه تعذَّر تعيين المستحق فيه من غير قُرعة، فينبغي أن تُستعمل فيه القُرعة، كالقسمة.
(وإن كان الزوج عنِّينًا فأجِّل سنة، فلم يُصِبْهَا حتى مرضت) مرض الموت المخوف (في آخر الحول، واختارت فُرقته، وفرَّق) الحكم (بينهما، لم يتوارثا) لانقطاع العصمة على وجه لا فرار فيه؛ لأن الفسخ هنا لدفع الضرر لا للفرار، فهي كالمعتَقة تحت عبد.
(وإن طلَّق أربعًا في مرضه) المخوف (طلاقًا يُتهم فيه) بقصد حِرمانهن (فانقضت عدَّتهن، وتزوَّج أربعًا سواهنَّ) ثم مات (فالميراث للثَّمان ما لم تتزوج المطلقات) أو يرتددنَ؛ لأن طلاقهنَّ لم يُسقِط ميراثهن، كما تقدم
(1)
، فيشارِكن الزوجات.
(ولو كانت المُطلَّقة) فرارًا (واحدة) فانقضت عدَّتها (وتزوَّج أربعًا سواها) ثم مات (فالميراث بين الخمس على السَّواء) لأن المطلقة وارثة بالزوجية، فكانت أُسوة من سواها.
(ولو ادَّعت) امرأة (أن زوجها أبانها، وجَحَد الزوج) دعواها (ثم
(1)
(10/ 496).
مات، لم ترثه إن دامت على قولها) لإقرارها أنها مُقيمة تحته بغير نِكاح، وعُلم منه: أنها لو كذبت نفسَها قبل موته ورثته؛ لتصادقهما على بقاء النكاح المترتب عليه آثاره، من وجوب طاعته ونحوها، ولا عبرة بتكذيب نفسها بعد موته؛ لأنها مُتَّهمة إذًا، وفيه رجوع عن إقرار لباقي الورثة فلم يقبل.
(ولو قَتَلها) أي: قتل الزوج زوجته (في مرض الموت) المخوف (ثم مات، لم ترثه؛ لخروجها من حيِّز التَّملك والتَّمليك) ذكره ابن عقيل وغيره. وظاهره: ولو أقرَّ أنه قتلها من أجل أن لا تَرِثه. قال في "الفروع": ويتوجَّه خلاف كمن وقع في شبكته صيد بعد موته.
(وحكم التَّزوج
(1)
في مرضه) حكمه في الصحة.
(أو) أي: وحكم تزوجها في (مرضها) حكم التزوج في الصحة.
(أو) أي: وحكم تزوّج إنسان بامرأة في (مرضهما، ولو) كان المرض (مخوفًا، ولو) كان النكاح (مضارَّة) للورثة، أو بعضهم (حكم النكاح في الصِّحة، في صِحَّة العقد، و) في (توريث كل منهما من صاحبه) لأنه عقد معاوضة يصح في الصِّحة، فصحَّ في المرض، كالبيع، ولأن له أن يوصي بثلث ماله.
(1)
في متن الإقناع (3/ 233): "التزويج".
باب الإقرار بمشارك في الميراث
أي: بيان طريق العمل في تصحيح المسألة، إذا أقرَّ بعضُ الورثة دون بعض، وأما إذا كان الإقرار من جميعهم، فلا يحتاج إلى عمل سوى ما تقدم. وبيان نفس الإقرار بوارث وشروطه، فهو وإن علم مما هنا إجمالًا، لكنه يأتي آخر الكتاب بأوسع مما هنا.
(إذا أقرَّ كلُّ الورثة المُكلَّفون، ولو أنه) أي: المُقِر الوارث (واحد يرث المال كلَّه) لو لم يقر (تعصيبًا) كأخي الميت (أو) يرثه تعصيبًا و (فرضًا) كأخي الميت لأمه إذا كان ابن عمه، أو زوج الميتة إذا كان ابن عمها. وليس لنا وارث واحد يرث المال كله فرضًا (أو) كان الوارث يرث المال كله (فرضًا وردًا) كسائر أصحاب الفروض غير الزوجين (ولو) كان الإقرار ممن انحصر فيهم الإرث لولا الإقرار (مع عدم أهلية الشهادة، كالكافر والفاسق) إذا أقرَّ (بوارث للميت) واحد أو أكثر، كابن، أو بنت (سواء كان) المُقَر به (من حرَّة، أو) كان من (أَمَته) أي: أمَة الميت (فصدَّقهم) المقَر به، إن كان مكلَّفًا؛ ثبت نسبه.
(أو) لم يصدِّق، و (كان صغيرًا، أو مجنونًا؛ ثبت نسبه) لأن الوارث يقوم مقام المورِّث في ميراثه، والدَّين الذي له وعليه، وبيِّناته ودعاويه، والايمان التي له وعليه، كذلك في النسب.
وبهذا قال الشافعي
(1)
وأبو يوسف
(2)
، وحكاه عن أبي
(1)
روضة الطالبين (4/ 421)، ونهاية المحتاج (5/ 109 - 110).
(2)
بدائع الصنائع (3/ 217، 7/ 229)، وحاشية ابن عابدين (8/ 187).
حنيفة
(1)
، لكن المشهور عن أبى حنيفة
(2)
أنه لا يثبت نسبه إلا بإقرار رجلين، أو رجل وامرأتين.
وقال مالك
(3)
: لا يثبت إلا بإقرار اثنين؛ لأنه يحمل النسب على غيره، فاعتُبر فيه العدد كالشهادة.
ولنا: أنه حق يثبت بالإقرار، فلم يُعتبر فيه العدد، كالدَّين؛ ولأنه قول لا يُعتبر فيه
(4)
العدالة، فلم يُعتبر فيه العدد كإقرار الموروث، واعتباره بالشهادة لا يصح؛ لأنه لا يُعتبر فيه اللفظ ولا العدالة، ويبطل بالإقرار بالدَّين.
(ولو أسقط) المقَرُّ به (المقِرَّ) أي: الذي أقرَّ (به، كأخ يقرُّ بابن) لأن المُقَرَّ به ثابت النسب الذي بينه وبين الميت، وليس به مانع، فدخل في عموم الوارث حالة الإقرار.
إذا تقرر هذا فإنه يثبت نسبه (ولو مع) وجود (مُنكِر) من أقاربه (له) أي: للمُقَر به (لا يرث) ذلك المُنكِر (لمانعٍ) قام به، من (رِقٍّ ونحوه) كقتل، أو اختلاف دِيْنٍ؛ لأن وجود من قام به المانع كعدمه في الإرث والحَجْب، فكذا هنا، ومحل ثبوت نسبه بالإقرار (إن كان) المُقَر به (مجهول النسب) بخلاف ثابت النسب؛ لأن إقراره به يتضمن إبطال نسبه المعروف؛ فلم يصح.
(1)
لم نقف على هذا القول الذي حكاه أبو يوسف عن أبي حنيفة في كتب الحنفية. ونقل عنه في الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (18/ 335).
(2)
بدائع الصنائع (3/ 217، 7/ 229)، وانظر: حاشية ابن عابدين (8/ 187).
(3)
المدونة (3/ 373)، وانظر: حاشية الدسوقي (3/ 417)، ومواهب الجليل (6/ 362).
(4)
في "ذ" زيادة: "اللفظ ولا".
(وهو ممكن) أي: ويُشترط -أيضًا- أن يكون المُقَر به يمكن لحاقه بالميت، فإن كان الميت دون ابن عشر، لم يصح الإقرار بولد له، وكذا لو كان ابن أكثر منها وأقرُّوا بمن بينه وبينه دونها أنه ولده، لم يلحقه؛ لاستحالته.
ويُشترط -أيضًا- ما أشار إليه بقوله: (ولم ينازع) المُقِرَّ (فيه) أي: في نسب المُقَرِّ به (منازعٌ) بأن لا يدعي آخرُ نسبه؛ لأنه إذا نازعه آخر، فليس أحدهما بلحاقه أَولى من الآخر (ويأتي في الإقرار) بأوضح من هذا.
(وإلا) بأن فُقِدَ شيء من الشروط الأربعة، وهي إقرار الجميع، وتصديق المُقَرِّ به إن كان مكلَّفًا، وإمكان كونه من الميت، وعدم المنازع (فلا) ثبوت للنسب.
(و) حيث ثبت نسبه، فإنه (يثبت إرثه، فيقاسمهم) لما تقدم (إن لم يقم به مانع) من موانع الإرث، نحو رِقٍّ (فإن كان به مانع، ثبت نسبه، ولم يرث) للمانع.
(فإن كان المُقَرُّ به) وقت الإقرار (غير مكلَّف) لصغر، أو جنون (فأنكر) النسب (بعد تكليفه، لم يُسمع إنكاره) اعتبارًا بحال الإقرار؛ لأنه يبطل حقًا عليه.
(ولو طلب) المُقَرُّ به بعد تكليفه (إحلافه) أي: المُقِر (على ذلك) أي: على ما أقر به من النسب (لم يُستحلف) لأنه لو نَكَل لم يقض عليه بالنكول؛ لأنه إنما يقضى به في المال وما يقصد به المال، وهذا ليس منه.
(وإذا اعترف إنسان بأن هذا أبوه، فكاعترافه بأنه ابنه) فيثبت نسبه إن
كان مجهول النسب، وصدَّقه المُقَر به (حيث أمكن ذلك) بأن كان المقر بأبوته أكبر من المقر بفوق عشر سنين مع مدة الحمل.
(و) لو مات إنسان عن بنت وزوج، أو عن بنت ومولىً، فأقرّت البنت بأخ لها، فإنه (يُعتبر) لثبوت نسبه (إقرار الزوج والمولى المعتق إذا كانا من الورثة) كالمثالين، لشمول اسم الورثة لكل منهما.
(وإن أقرَّ أحدُ الزوجين الذي لا وارث) للآخر (معه، بابنٍ لـ) ـلزوج (الآخر من غيره، فصدَّفه الإمام أو نائبه، ثبت نسبه) لأن ما فضل عن حصة الزوج أو الزوجة لبيت المال، والإمام أو نائبه هو المتولي لأمره، فقام مقام الوارث معه لو كان.
(وإلا) بأن لم يُصدِّق الإمام أو نائبه المُقِر من الزوجين (فلا) يثبت نسب المُقَر به من الميت.
فإن أقرَّ أحد الزوجين بابن للآخر من نفسه، ثبت نسبه من المُقِر مطلقًا بشرطه، ومن الميت إن كان زوجةً، وأمكن اجتماعه بها، وولدت لستة أشهر من ذلك.
وإن كان زوجًا وصدَّقة باقي الورثة، أو نائب الإمام، ثبت -أيضًا- وإلا؛ فلا. هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
ثم شرع يتكلم على الإقرار من بعض الورثة، فقال:
(وإن أقرَّ بعض الورثة) بوارث للميت (فشهد عدلان منهم، أو من غيرهم، أنه ولد الميت) أو أخوه ونحوه (أو) شهدا أنه كان (أقرَّ به في حياته، أو) شهدا أنه (وُلِدَ على فراشه، ثبت نسبه وإرثه) لأن ذلك حقٌّ شهد به عدلان، لا تُهمة فيهما، فثبت بشهادتهما كسائر الحقوق.
(وإلا) بأن لم يشهد به عدلان (لم يثبت نسبه المُطلَق؛ لأنه إقرار
على الغير) فلم يُعمل به (ويثبت نسبه وإرثه من المُقِرِّ فقط؛ لأنه إقرار على نفسه خاصةً) فلزمه كسائر الحقوق.
(فـ) ـعلى هذا (لو كان المُقَر به أخًا للمُقِر، ومات المقِرُّ) أيضًا (عنه) ورثه.
(أو) مات المُقِر (عنه) أي: عن المُقَر به (وعن بني عمٍّ، ورثه المُقَر به) وحده؛ لأن بني العم محجوبون بالأخ (ويثبت
(1)
نسبه) أي: المُقَر به (من ولد المقرِّ المنكر له، تبعًا) لثبوت نسبه من أبيه، فيُغتفر في التابع ما لا يُغتفر في المتبوع (فتثبت العمومة) تبعًا للأخوة المُقَر بها.
(ولو مات المُقِر) بأخ له (عن) الأخ (المُقَر به، وعن أخ) له أيضًا (منكِر) لأخوة المُقَر به (فإرثه) أي: المقر (بينهما) أي: بين المنكِر والمقر به، بالسوية؛ لاستوائهما في القرب، والمراد حيث تساويا في كونهما شقيقين، أو لأب، بحسب إقرار الميت، وإلا؛ عُمل بمقتضاه.
(وإذا أقرَّ به) أي: الوارث (بعضُ الورثة، ولم يثبت نَسَبُه) المطلق؛ لعدم تصديق باقيهم، وعدم شهادة عدلين (لَزِم المُقِر أن يدفع إليه) أي: إِلى المُقَر به (فَضْلَ ما في يده عن ميراثه) على مقتضى إقراره؛ لأنه مُقِر بأن ذلك له (فإن جحده بعد إقراره، لم يُقبل جحده) لأنه رجوع عن إقرار بحق عليه لغيره.
(فإذا خلَّف) ميت (ابنين، فأقرَّ أحدهما بأخٍ) للمُقِر (فله ثلث ما في يده) لأن إقراره تضمن أنه لا يستحق أكثر من ثلث التركة، وفي يده نصفها، فيكون السدس الزائد للمُقَر به، وهو ثلث ما بيده، فيلزمه دفعه إليه.
(1)
في الإقناع (3/ 236): "ثبت".
(أو) أقرَّ أحد الابنين (بأُختٍ) له (فلها خُمس ما في يده) أي: المُقِر؛ لأنه لا يدعي أكثر من خُمسي المال، وذلك أربعة أخماس النصف الذي بيده، ويبقى خمسه، فيلزمه دفعه إليها.
(فإن لم يكن في يد المُقِر فَضْل، فلا شيء للمُقَر به) لعدم ما يوجبه.
(فإذا خلَّف) ميت (أخًا من أب، وأخًا من أم، فأقرَّا بأخ من أبوين، ثبت نسبه) لإقرار الورثة كلهم به (وأخذ ما في يد الأخ من الأب) كلَّه؛ لأنه تبين أن لا حق له؛ لحجبه بذي الأبوين، ولم يأخذ مما في يد الأخ لأم شيئًا؛ لأنه لا فضل له بيده.
(فإن أقرَّ به) أي: بالأخ لأبوين (الأخ من الأب وحده) أي: دون الأخ لأم (أخذ) الأخ لأبوين (ما في يده) أي: يد الأخ لأب؛ مؤاخذة للمُقِر بمقتضى إقراره (ولم يثبت نسبه) المطلق؛ لإنكار بعض الورثة، وهو الأخ لأم.
(وإن أقرَّ به) أي: بالأخ لأبوين (الأخ من الأم وحده) فلا شيء له.
(أو) أقرَّ الأخ لأم (بأخ سواه) أي: سوى الأخ لأبوين (ولو) كان الأخ المُقَر به منه أخًا (من الأم، فلا شيء له) أي: للمقر به؛ لأنه لا فضل بيد المقر.
(وإن أقرَّ) الأخ لأم (بأخوين من أم، دفع إليهما ثلث ما في يده) لأن في يده السدس، وفي إقراره بهما قد اعترف أنه لا يستحق إلا التسع، فيبقى بيده نصف التسع، وهو ثلث ما في يده فيدفعه إليهما.
فصل
(و
(1)
طريق العمل) في مسائل هذا الباب كله (أن) تعمل مسألة الإقرار ومسألة الإنكار، ثم (تضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار) إن تباينتا (وتُراعي الموافقة) فتضرِب إحداهما في وَفْق الأخرى، إن كان بينهما موافقة، وتكتفي بإحداهما إن تماثلتا، وبكُبراهما إن تداخلتا، ومن له شيء من إحدى المسألتين أخذه مضروبًا في واحد إن تماثلتا، وفي التداخل من له شيء من الكبرى أخذه مضروبًا في واحد، ومن له شيء من الصغرى أخذه مضروبًا في مخرج نسبتها إلى الكبرى.
(وتدفع إلى المُقِرِّ سهمه من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار) عند المباينة، أو في وَفْقها عند الموافقة (و) تدفع (إلى المنكِر سهمه من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار) أو وَفْقها على ما سبق (فما فَضَل) بعد ما أخذه المقر والمنكِر (فهو للمقَرِّ له.
فلو خلَّف) ميت (ابنين، فأقرَّ أحدهما بأخوين) غير توأمين (فصدَّقه أخوه في أحدهما، ثبت نسبه) أي: المتفق عليه؛ لإقرار جميع الورثة به (وصاروا ثلاثة) بنين (للمقر ربع المال) لاعترافه أنه واحد من أربعة (وللمنكِر ثلثه) لأنه يقول: إنه واحد من ثلاثة، وينكر الرابع (وللمتَّفق عليه كذلك) أي: ثلث المال (إن جحد الرابع) لأنه مثل المنكِر في ذلك.
(وإلا) بأن لم يجحده، بل اعترف به (فله الربع) كالمُقرِّ (والباقي) من الميراث (للمجحود).
فمسألة الإقرار من أربعة، ومسألة الإنكار من ثلاثة، وهما
(1)
في "ذ": "في"، بدل: الواو.
متباينتان، فاضرب إحداهما في الأخرى (تصح من اثني عشر) للمنكر سهم من مسألة الإنكار، في مسألة الإقرار بأربعة، وللمقرِّ من مسألة الإقرار سهم، في مسألة الإنكار بثلاثة، وللمتفق عليه إن صدَّق المقِرُّ مثل سهمه ثلاثة، وإن وافق المنكِر مثل سهمه أربعة، والباقي للمختلف فيه، وهو سهمان
(1)
حال التصديق، وسهم حال الإنكار.
وإن كان المُقَر به توأمين ثبت نسبهما والحالة هذه؛ لأنه يلزم من الإقرار بأحدهما الإقرار بالآخر.
(وإن خلَّف) ميت (ابنًا، فأقرَّ) الابن (بأخوين فأكثر) من أخوين له (بكلام مُتَّصل) بأن قال: هذان أخواي (ولا وارث غيره) أي: غير المقر (فاتفقا أو اختلفا، ثبت نسبهما) لإقرار من هو كل الورثة قبلهما (ولو لم يكونا توأمين) لما تقدم.
(وإن أقرَّ) الابن (بأحدهما بعد الآخر) ثبت نسبهما إن كانا توأمين، ولم يلتفت إلى إنكار المنكِر منهما، سواء تجاحدا معًا، أو جحد أحدهما الآخر، للعلم بكذبهما؛ لأنهما لا يفترقان.
وإن لم يكونا توأمين، لم يثبت نسب الثاني حتى يصدق عليه الأول، و (أعطى) المقرُّ (الأول) منهما (نصف ما في يده) من تَرِكة أبيه؛ لأنه أقرَّ له به أولًا، فلا يبطل بإقراره للآخر بعد (و) أعطى (الثاني ثلث ما بقي في يده، إذا كذَّب الأول بالثاني) لأنه الفضل؛ لأنه يقول: نحن ثلاثة أولاد (وثبت نسب الأول) لانحصار الإرث حال الإقرار فيمن أقرَّ به (ووقف ثبوت نسب الثاني على تصديقه) أي: الأول؛ لأنه وارث حال إقرار أخيه به (ولو كذب الثاني بالأول، وهو) أي: الأول (مصدِّقٌ به)
(1)
في "ح": جاءت العبارة هكذا: "وللمختلف فيه ما فضل وهو سهمان".
أي: بالثاني (ثبت نسب الثلاثة) ولا أثر لتكذيب الثاني؛ لأنه لم يكن وارثًا حين إقرار الأول به.
(وإن أقرَّ بعض الورثة بامرأة للميت) أي: بأنها زوجته (لزمه لها) أي: للزوجة من التَّرِكة (ما يَفْضُل في يده من حصته) كما لو مات رجل عن ابنين، فأقر أحدهما بزوجة للميت، وأنكر الآخر، فلها نصف ثُمن التَّرِكة مما بيد المقر.
(فإن مات من أنكر) ها من الابنين (فأقرَّ بها ابنه) أي: ابن المنكِر، ولا وارث له غيره (كمل إرثها) فيدفع لها نصف الثُّمن، فيكمل لها الثمن؛ لاعترافه بظلم أبيه لها بإنكارها.
(وإن قال مكلَّف) لمكلَّفٍ آخر: (مات أبي، وأنت أخي. أو) قال لأكثر من واحد: (مات أبونا، ونحن أبناؤه. فقال) المقَر به: (هو) أي: الميت (أبي، ولست بأخي. لم يُقبل إنكاره) لأن القائل نَسَبَ الميت إليه أولًا بأنه أبوه، وأقرَّ بمشاركة المقَر له في ميراثه بطريق الأخوة، فلما أنكر أخوته لم يثبت إقراره به، وبقيت دعواه أنه أبوه دونه غير مقبولة، كما لو ادَّعى ذلك قبل الإقرار.
(وإن قال) الأول: (مات أبوك، وأنا أخوك. فقال) مجيبًا له: (لست بأخي. فالمال) المُخَلّف عن الميت (كلُّه للمقَرِّ به) لأنه بدأ بالإقرار بأن هذا الميت، أبوه فثبت ذلك له، ثم ادَّعى مشاركته بعد ثبوت الأبوة للأول، فإذا أنكر الأول أخوّته لم تُقبل دعوى هذا المقِر.
(وإن قال) مكلَّف لمكلَّف آخر: (ماتت زوجتي، وأنت أخوها. فقال) مجيبًا له: (لستَ بزوجها. قُبِل إنكاره) أنها زوجته؛ لأن الزوجية من شرطها الإشهاد، فلا تكاد تخفى، ويمكن إقامة البينة عليها.
فصل
(ومن أقرَّ) من الورثة (في مسألة) فيها (عول، بمن) أي: بوارث (يُزيل العول، كـ) ـــمن ماتت (عن زوج، وأختين لأب أو لأبوين) فإن أصل المسألة من ستة، وتعول إلى سبعة، كما تقدم
(1)
، فإذا (أقرَّت إحداهما بأخ) لأب، أو لأبوين، فإنه يعصبهما ويزول العول، وتصح مسألة الإقرار من ثمانية، للزوج أربعة، وللأخ سهمان، ولكل أخت سهم (فاضْرِب مسألة الإقرار) ثمانية (في مسألة الإنكار) سبعة لتباينهما (تكن ستة وخمسين، واعمل كما تقدم) من ضرب سهم المنكِر من مسألته في الإقرار، وبالعكس (يكن للزوج أربعة وعشرون) لأن له من مسألة الإنكار ثلاثة، مضروبة في مسألة الإقرار، يحصُل ما ذكر (ولـ) ـــلأخت ا (لمنكِرة ستة عشر) لأن لها من مسألة الإنكار سهمين، في الثمانية، بستة عشر (وللمُقِرَّة سبعة) لأن لها من مسألة الإقرار واحدًا في السبعة (يبقى) من الأربعة والخمسين (تسعة للأخ) المُقَرّ به؛ لأنها الفاضلة له مما بيد المقرة. هذا إذا كذَّبها الزوج.
(فإن صدَّقها الزوج) على أنه أخوها (فهو) أي: الزوج (يدعي أربعة) تمام الثمانية والعشرين، التي هي نصف الستة والخمسين، لزوال العول بالأخ (والأخ) المقر به (يدَّعي أربعة عشر) مِثْلا ما للمُقرة به (والمقَر به من السهام تسعة) لما تقدم (فاقسمها) أي: التسعة (على سهامهما الثمانية عشر أتساعًا) فيحصل لكل سهمين من الثمانية عشر سهم من التسعة؛ لأن نسبة التسعة إلى الثمانية عشر نصف، فيكون
(1)
(10/ 396).
(للزوج سهمان، وللأخ سبعة) فإن أقرت الأختان بالأخ، وكذَّبهما الزوج؛ دفع إلى كل أخت سبعة، ودفع إلى الأخ أربعة عشر، وذلك نصف التَّرِكة ثمانية وعشرون، ويبقى من النصف الثاني أربعة، يقرون بها للزوج، وهو ينكرها، وفيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها تُقَرُّ بيد من هي في يده؛ لأن الإقرار يبطل بإنكاره، وهذا مقتضى كلامه في المسألة بعدها.
والثاني: أنه يعطى الزوج نصفها، والأختان نصفها، لأنها لا تخرج عنهم، فلا شيء فيها للأخ؛ لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شيء بحال.
والثالث: يؤخذ لبيت المال؛ لأنه مال لم يثبت له مالك.
(فإن كان معهم) أي: مع الأختين لأبوين أو لأب، والزوج (أُختان لأم) وأقرَّت إحدى الأختين لغير أم بأخ مساوٍ لهما، فمسألة الإنكار من تسعة، للزوج ثلاثة، وللأختين لأم سهمان، لكل واحدة واحد، وللأختين لغير أم أربعة، لكل واحدة سهمان. ومسألة الإقرار أصلها ستة، للزوج ثلاثة، وللأختين لأم سهمان، يبقى واحد، للأخ والأختين لغير أم، على أربعة، فتضربها في ستة، تبلغ أربعة وعشرين، وبينها وبين التسعة موافقة بالأثلاث (فإذا ضربت وَفْق مسألة الإقرار) وهو ثمانية (في مسألة الإنكار) تسعة (بلغت اثنين وسبعين، للزوج ثلاثة من مسألة الإنكار) تضربها (في وَفْق مسألة الإقرار) ثمانية، يحصل له (أربعة وعشرون، ولولدي الأم) سهمان من مسألة الإنكار، في ثمانية وَفْق مسألة الإقرار، فلهما (ستة عشر، وللأخت المُنكِرة) سهمان من مسألة الإنكار، في الثمانية وَفْق مسألة الإقرار (ستة عشر، وللمُقِرَّة) سهم من مسألة
الإقرار في وَفْق مسألة الإنكار (ثلاثة، يبقى في يدها ثلاثة عشر، للأخ منها ستة) مِثْلا أخته المقرة به (يبقى سبعة لا يدعيها أحد، تقَر بيد المقِرَّة) لأن الإقرار يبطل بإنكار من أُقِر له. هذا إذا كذَّبها الزوج.
(فإن صدَّق الزوج المقِرَّة) في إقرارها بالأخ (فهو يدعي اثني عشر) ليكمل له بها مع الأربعة والعشرين نصف المال ستة وثلاثون (والأخ) المقر به (يدعي ستة) مِثْلي أخته -وفي "شرح المنتهى" هنا سبق قلم لا يخفى على فَطِنٍ- (يكونان) أي: مدعي الزوج ومدعي الأخ (ثمانية عشر، ولا تنقسم عليها الثلاثة عشر) الباقية بيد الأخت المقرة (ولا توافقها، فاضرب ثمانية عشر في أصل المسألة) اثنين وسبعين تبلغ ألفًا ومائتين وستة وتسعين (ثم كلُّ من له شيء من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر، ومن له شيء من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر) فللزوج من الاثنين وسبعين أربعة وعشرون، في ثمانية عشر، أربعمائة واثنان وثلاثون، ومن الثمانية عشر اثنا عشر، في ثلاثة عشر، مائة وستة وخمسون، وللأختين من الأم مائتان وثمانية وثمانون، وللمنكِرة كذلك، وللمقِرة أربعة وخمسون، وللأخ ستة في ثلاثة عشر، ثمانية وسبعون، والسهام متفقة بالسدس، فترد المسألة إلى سدسها: مائتين وستة عشر، وكل نصيب إلى سدسه (وعلى هذا تعمل ما ورد عليك) من مسائل هذا الباب.
باب ميراث القاتل
أي: بيان الحال التي يَرِث القاتل فيها، والحال التي لا يرث فيها.
(القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئًا)
لحديث عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس للقاتل شيء" رواه مالك في الموطأ وأحمد
(1)
، وحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قتل قتيلًا،
(1)
مالك في الموطأ (2/ 867)، وأحمد (1/ 49). وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (4/ 79) حديث 6368، وابن ماجه في الديات، باب 14، حديث 2646، والشافعي في الأم (6/ 34)، وعبد الرزاق (9/ 402، 403) حديث 17782، 17783، وابن أبي شيبة (11/ 358)، والبيهقي (6/ 219، 8/ 38، 72، 134)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 103) حديث 12494، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 444) عن عمرو بن شعيب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال البيهقي: هذا الحديث منقطع، وقال في معرفة السنن والآثار: قال أحمد: هذا مرسل. وقال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 226): منقطع، فإن عمرو بن شعيب لم يسمع من عمر.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 84): هو منقطع.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 126): هذا إسناد حسن.
وأخرجه ابن أبي شيبة (11/ 358) عن ابن أبي نجيح، وأحمد (1/ 49) عن عمرو بن شعيب، وابن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن عمر رضي الله عنه، به. قال ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 441): هذا منقطع بين مجاهد وعمر فإنه لم يسمع منه، ولم يره، ولم يدركه.
وأخرجه الدارقطني (4/ 95، 237) عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا.
قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 412): هو منقطع، فإن سعيدًا لا يصح له سماع من عمر، إلا نعيَه النعمان بن مقرن، ومنهم من أنكر أن يكون سمع منه شيئًا البتة. وأخرجه أحمد (1/ 49) -أيضًا- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا. =
فإنَّه لا يرثُهُ، وإن لم يكن له وارثٌ غيرُهُ، وإن كان والدَهُ أو ولده، فليس لقاتل ميراثٌ" رواه أحمد
(1)
، وفي الباب
= وقال البيهقي في السنن (6/ 219): وهذه مراسيل يقوي بعضها بعضًا، وقد روي موصولًا من أوجه. ا. هـ.
وأخرجه أبو داود في الديات، باب 18، حديث 4564، والنسائي في الكبرى (4/ 79) حديث 6367، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 82، حديث 94، وابن عدي (1/ 292)، والدارقطني (4/ 96 - 97، 237)، والبيهقي (6/ 220، 8/ 186 - 187)، وابن عبد البر (23/ 443)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 241) حديث 1659، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
قال النسائي -كما في تحفة الأشراف (6/ 341) حديث 8817 - : هذا الحديث خطأ. وصوَّب رواية عمرو بن شعيب عن عمر بن الخطاب المتقدمة.
وقال ابن عبد البر في كتاب الفرائض -كما في تحفة المحتاج (2/ 326)، وفيض القدير (5/ 380) -: إسناده صحيح بالاتفاق، وله شواهد كثيرة.
وقال ابن عبد الهادي في المحرر (1/ 529) حديث 966: قوَّاه ابن عبد البر، وذكر له النسائي علة مؤثرة وانظر أيضًا: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق (3/ 121).
وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 136): وأغرب ابن عبد البر فصحح في كتاب الفرائض حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "ليس للقاتل من الميراث شيء" وغلا فزاد نقل الاتفاق على ذلك.
وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 327): إسناده حسن.
وانظر: نصب الراية (4/ 328 - 329).
(1)
لم نقف عليه في مسند الإمام أحمد، ولا في مظانه من كتبه المطبوعة. وأخرجه عبد الرزاق (9/ 404) رقم 17787، ومن طريقه البيهقي (6/ 220) وابن عبد البر في التمهيد (23/ 444) عن معمر، عن رجل، قال عبد الرزاق: هو عمرو بن برق، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 85): والرجل المذكور هو عمرو بن برق، قاله عبد الرزاق راوي الحديث، وهو ضعيف عندهم.
وأخرجه الدارقطني (4/ 95 - 96، 237) عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس مرفوعًا. =
غيره
(1)
.
والحكمة فيه: تهمة الاستعجال في الجملة.
والقتل بغير حق (مثل أن يكون القتل مضمونًا بقصاص) كالعمد المحض العدوان (أو) يكون القتل مضمونًا بـ (ــدية) كقتل الوالد لولده عمدًا عدوانًا، فإنه يضمنه بالدية، ولا كفارة؛ لأنه عمد، ولا قصاص؛ لما يأتي.
(أو) يكون القتل مضمونًا بـ (ــكفارة) كمن رمى مسلمًا بين الصَّفَّين يظنُّه كافرًا، على ما يأتي في الجنايات، فإن كان مضمونًا باثنين من هذه،
= قال عبد الحق في الأحكام الوسطى (3/ 334): وليث هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف الحديث.
وضعفه ابن الملقن في البدر المنير (7/ 227).
(1)
منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقد تقدم تخريجه قريبًا. ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرج الترمذي في الفرائض، باب 17، حديث 2109، وابن ماجه في الديات، باب 14، حديث 2645، وفي الفرائض، باب 8، حديث 2735، وابن عدي في الكامل (1/ 322)، والدارقطني (4/ 96)، والبيهقي (6/ 220) عن إسحاق بن عبد الله، عن الزهرى، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"القاتل لا يرث".
قال الترمذي: هذا حديث لا يصح، لا يعرف إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قد تركه بعض أهل الحديث، منهم أحمد بن حنبل، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، أن القاتل لا يرث، كان القتل عمدًا أو خطأ.
قال ابن عبد البر فى التمهيد (23/ 436 - 437): وقد روى مسندًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .... ومن حديث عمر بن الخطاب أيضًا، ومن حديث ابن عباس، وهو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم، يستغني بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه، حتى يكاد أن يكون الإسناد في مثله لشهرته تكلفًا.
كشبه العمد والخطأ، غير ما ذكر؛ منع بالأولى، فالقتل بغير حق من موانع الإرث كما قدمت الإشارة إليه (عمدًا كان القتل، أو شبه عمد، أو خطأ) وسواء كان (بمباشرة أو سبب، مثل أن يحفر بئرًا) في موضع لا يحلُّ حفرها فيه، فيموت بها مورِّثه
(1)
.
(أو يضع حجرًا) بطريق، لا لنفع المارة في نحو طين (أو ينصب سكينًا، أو يخرج) روشنًا أو ساباطًا أو دكانًا، أو (ظُلَّة إلى الطريق) عدوانًا (أو يرش ماء) لغير تسكين غبار على ما يأتي في الجنايات (ونحوه) كإلقاء قشر بطيخ بطريق، فيهلك بذلك مورثه
(2)
؛ فلا يرثه؛ لما تقدم؛ لأنه قاتل كالمباشر.
(أو) يكون القتل (بـ) ــسبب (جناية مضمونة من بهيمة) لكونها ضارية، أو لكون يده عليها، كالراكب، والقائد، والسائق (فيهلك بها مورثه
(3)
). فلا يرثه؛ لأنه قاتل له (ولو كان القاتل غير مكلَّف) كصغير ومجنون، وكذلك لو انقلب نائم ونحوه على مورثه
(4)
، فقتله، فلا يرثه؛ لأنه قاتل له
(5)
، سدًا للباب.
وسواء (انفرد) الوارث (بالقتل، أو شارك فيه) غيره؛ لأن شريك القاتل قاتل، بدليل أنه يُقتل به، لو أوجب القصاص.
(وكذا لو قتله بسحر) فلا يرثه؛ لما تقدم (أو سقى ولده ونحوه) ممن في حَجْره (دواء ولو يسيرًا، أو) أدَّبه، أو (فصده، أو حجمه، أو بطَّ
(1)
في "ح": "موروثه".
(2)
في "ح" و"ذ": "موروثه".
(3)
في "ذ" ومتن الإقناع (2/ 239): "موروثه".
(4)
في "ذ": "موروثه".
(5)
"له" ساقطة من "ح" و"ذ".
سِلْعته لحاجته، فمات) لم يرثه؛ لأنه قاتل، ويأتي ما فيه.
(ولو شربت) حامل (دواءً فأسقطت جنينها، لم ترث من الغُرَّة شيئًا) بجنايتها المضمونة.
(وما) أي: وكلُّ قَتْلٍ (لا يُضمن بشيء من هذا) المذكور من قصاص، أو دية، أو كفَّارة (كقتل قصاصًا، أو) القتل (حدًا) كترك زكاة ونحوها، أو لزنىً ونحوه (أو) القتل (حرابًا) بأن قل مورثه الحربي (أو قتل بشهادة حق) من (وارثه) أو زكَّى الشاهد عليه بحق، أو حكم بقتله بحق ونحوه (أو) قتله (دفعًا عن نفسه) إن لم يندفع إلا به (و) كـ (ــقتل العادل الباغيَ في الحرب وعكسه) بأن قتل الباغي العادل (لا يَمنع الميراث) لأنه فعل مأذون فيه، فلم يَمنع الميراث، كما لو أطعمه أو سقاه باختياره فأفضى إلى موته.
(ومنه) أي: من القتل الذي لا يمنع الميراث (عند الموفَّق والشارح: مَن قصد مصلحة مَوْلِيِّه مما له فعله، من سقي دواء، أو بطٍّ خُراجه، فمات) فيرثه؛ لأنه ترتب على
(1)
فعل مأذون فيه (أو مَن أمره إنسان عاقل كبير) أي: بالغ (ببطِّ جراحه
(2)
، أو) بـ (ـــقطع سِلْعة منه) ففعل (فمات بذلك) فيرثه.
(ومثله من أدَّب ولده) أو زوجته، أو صبيَّه في التعليم، ولم يسرف، فإنه لا يضمنه بشيء مما تقدم، فلا يكون ذلك مانعًا من إرثه (ولعله) أي: قول الموفق والشارح (أصوب) لموافقته للقواعد.
(1)
في "ح" و"ذ": "عن" بدل "على".
(2)
أشار فى "ذ" ومتن الإقناع (3/ 240) إلى أنه في نسخة: "خُرَاجه".
باب ميراث المُعتَق بعضه وما يتعلَّق به
(القِنُّ) قال ابن سِيده
(1)
وغيره: القِنُّ هو المملوك وأبواه. قال الجوهري
(2)
: ويستوي فيه الواحد، والاثنان، والجمع، والمؤنث، وربما قالوا: عبدان قِنَّان، ثم يجمع على أقِنَّة. اهـ.
واصطلاحًا:
الرقيق الكامل رِقُّه، الذي لم يحصُل فيه شيء من أسباب العِتق ومقدِّماته، بخلاف المُكاتَب، والمدبَّر، والمعلَّق عتقه بصفة، وأم الولد، سواء كان أبواه مملوكين، أو عتيقين، أو حُرَّي الأصل، وكانا كافرين فاسترقَّ هو، أو كانا مختلفين.
(والمُدَبَّر، والمُكَاتَب، وأُمّ الولد، ومن عُلِّقَ عتقه بصفة ولم توجد؛ لا يرثون ولا يورثون) لأن فيهم نقصًا منع كونهم وارثين، فمنع كونهم موروثين، كالمرتدِّ. وأجمعوا
(3)
على أن المملوك لا يورث؛ لأنه لا مال له فيورثَ؛ لأنه لا يملك. ومن قال: إنه يملك بالتمليك، فملكه ناقص غير مستقر، يزول إلى سيده بزوال ملكه عن رقبته؛ لقوله: صلى الله عليه وسلم: "من باع عبدًا وله مالٌ، فمالُه للبائع، إلا أن يشتَرطَهُ المبتاعُ"
(4)
؛ ولأن السيد أحق بمنافعه وأكسابه في حياته، فكذلك بعد مماته.
والمُكاتَب كالقِن، ولو مَلَكَ وفاءً؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن
(1)
المحكم والمحيط الأعظم فى اللغة (6/ 85).
(2)
الصحاح (6/ 2184).
(3)
مراتب الإجماع ص/ 174.
(4)
تقدم تخريجه (7/ 423) تعليق رقم (2).
أبيه، عن جده:"المُكَاتَبُ عبدٌ ما بقيَ عليه درهمٌ" رواه أبو داود
(1)
.
وأما الأسير الذي عند الكفار، فإنه يرث إذا عُلمت حياته، في قول عامة الفقهاء، إلا سعيد بن المسيب
(2)
، فإنه قال: لا يرث، لأنه عبد. ولا يصح ما قاله؛ لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر.
(ويرثُ معتَقٌ بعضُه) بقَدْرِ حرية بعضه (ويورَثُ) معتَق بعضه بقَدْر حرية بعضه (ويَحجبُ) معتَق بعضه (بقَدْر حرية بعضه) هذا قول علي
(3)
(1)
في العتق، باب 1، حديث 3926. وأخرجه -أيضًا- الطحاوى (3/ 11)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 303) حديث 1386، والبيهقي (10/ 324) من طريق إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سليم، عن عمرو بن شعيب، به.
وحسنه النووى في روضة الطالبين (12/ 236).
قال الزيلعي في نصب الراية (4/ 143): وفيه إسماعيل بن عياش، لكنه عن شيخ شامي ثقة.
وقال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 742): صحيح.
وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص/ 461: أخرجه أبو داود، بإسناد حسن، وأصله عند أحمد والثلاثة، وصححه الحاكم.
وأخرج -أيضًا- أبو داود في العتق، باب 1، حديث 3927، والترمذى في البيوع، باب 35، حديث 1260، والنسائي في الكبرى (3/ 197) حديث 5026، وابن ماجه في العتق، باب 3، حديث 2519، وأحمد (2/ 178، 184، 206، 209)، والدارقطني (4/ 121)، والحاكم (2/ 218)، والبيهقي (10/ 323 - 324) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بقول: "من كاتب عبده على مائة أوقيه فأدَّاه إلا عشر أواق، أو قال: عشرة دراهم، ثم عجز، فهو رقيق". واللفظ للترمذى.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 381، 12/ 294).
(3)
أخرج عبد الرزاق (8/ 410) رقم 15734، عن قتادة، أن عليًا قال في المُكاتَب: يورث =
وابن مسعود
(1)
؛ لما روى عبد الله بن أحمد بسنده إلى ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العبد يُعتَق بعضه:"يَرِث ويُورَث على قَدْر ما عَتَقَ منه"
(2)
؛ ولأنه يجب أن يثبت لكلٍّ بعض حكمه، كما لو كان الآخر معه.
(وما كسب) المعتق بعضه (بجزئه الحر) بأن كان هايأ سيده، فما
= بقدر ما أدى، ويجلد الحد بقدر ما أدى، ويعتق بقدر ما أدي، وتكون ديته بقدر ما أدى.
وأخرج عبد الرزاق (8/ 412) رقم 15741، عن عكرمة، والبيهقي (10/ 326) عن الشعبى، عن على رضي الله عنه، كان يقول: يعتق منه بالحساب بقدر ما أدى. وفي لفظ للبيهقي، قال: المكاتب يرث بقدر ما أدى.
(1)
أخرج عبد الرزاق (8/ 411) رقم 15737، عن الشعبي أن ابن مسعود وشريحًا كانا يقولان: إذا أدى الثلث فهو غريم.
وفي لفظ له، عن إبراهيم أن ابن مسعود قال: إذا أدى قدر ثمنه فهو غريم.
(2)
لم نقف عليه في زوائد عبد الله على المسند، ولا في مسائله لوالده. وأخرجه الإمام أحمد (1/ 369)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ: يودى المكاتب بحصة ما أدى دية الحر، وما بقي دية عبد.
وأخرج أبو داود في الديات، باب 20، حديث 4582، والترمذي في البيوع، باب 35، حديث 1259، والنسائي في القسامة، باب 38، حديث 4826، 4827، وفي الكبرى (3/ 196، 4/ 84، 303) حديث 5021، 6390، 7266، والطبراني في الكبير (11/ 316) حديث 11857، والدارقطني (4/ 121)، والحاكم (2/ 218 - 219)، والبيهقي (10/ 325)، وابن الجوزى في التحقيق (2/ 252) حديث 1680، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا أصاب المكاتب حدًّا، أو ورث ميراثًا، يرث على قدر ما عَتَق منه".
قال النسائي فى الكبرى (4/ 303): هذا لا يصح، وهو مختلف فيه.
وقال الترمذى: حديث ابن عباس حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وقال ابن القيم فى تهذيب السنن (5/ 386): وهو حديث حسن، قد روي من وجوه متعددة، رواته أئمة ثقات لا مطعن فيهم.
كسبه في نوبته، فهو له خاصة (أو ورث) المبعَّض (به) أي: بجُزئه الحر، شيئًا، فهو له خاصة (أو كان) المعتَق بعضه (قاسمَ سيده في حياته) كسبه (فهو) أي: ما حصل
(1)
(له خاصة) أي: لا حقَّ لمالك باقيه في شيء منه، فلو اشترى عنه رقيقا وأعتقه، فولاؤه له خاصة، فإن مات العتيق عن غير ورثة من النسب ورثه المبعَّض وحده، كما ذكرته في "الحاشية" عن ابن نصر الله.
(و) ما ملكه بجزئه الحر، أو ورثه، أو خصَّه من مقاسمة سيده فهو (لورثته بعد موته) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"مَن مات عن حق فهو لورَثَتِهِ"
(2)
.
وحيث تقرر أن المبعَّض يَرث، ويَحجب، بحسب ما فيه من الحرية (فلو كان ابنٌ نصفُه حرٌّ وأم وعمٌّ حرَّان) فلو كان الابن كامل الحرية، كان للأم السدس، وله الباقي، وهو نصف وثلث (فله) أي: الابن (نصف ما يرث لو كان حرًّا، وهو ربع وسدس) بنصفه الحر (وللأم ربع) لأن الابن الحر يحجبها عن سدس، فبنصفه الحر يحجبها عن نصفه، يبقى لها سدس ونصف سدس وذلك ربع (والباقي) وهو ثلث (للعم) تعصيبًا.
(وكذا الحكم إن لم ينقص ذو الفرض بالعصبة، كجدة، وعم) حُرَّين (مع ابن نصفه حرٌّ، فـ) ـــــللجدة السدس، و (له) أي: الابن المبعَّض (نصف الباقي بعد ميراث الجدة) وهو ربع وسدس، والباقي وهو ربع وسدس أيضًا للعم.
(ولو كان معه) أي: المبعَّض (من يسقط بحريته التامة) كالعم في المثالين السابقين، و (كأخت وعَمٍّ حُرَّين) مع ابن نصفه حُر (فله) أي:
(1)
زاد في "ذ" ومتن الإقناع (2/ 241): "له".
(2)
تقدم تخريجه (8/ 367) تعليق (2).
الابن المبعَّض (النصف) بنصفه الحر (وللأخت) إن كانت شقيقة أو لأب (نصف ما بقي) فلها الربع؛ لأن حُريته الكاملة تحجبها عن النصف، فنصفها يحجبها عن نصف النصف وهو ربع (وللعم ما بقي) تعصيبًا، وتصح من أربعة: للابن المبعَّض اثنان، وللأخت واحد، وللعم كذلك. فإن كانت الأخت لأم فلها نصف السدس، وتصح من اثني عشر: للابن المبعَّض ستة، وللأخت لأم واحد، وللعم خمسة.
(ولو كان مكان الابن بنت) نصفها حر، مع أم وعَمٍّ حُرَّين (فلها) أي: البنت (الربع) لأن لها النصف لو كانت حُرَّة، فتأخذ نصفه بنصفها الحر (وللأم الربع لحَجْبها) أي: البنت المذكورة (لها عن نصف السدس) لما تقدم (وللعم سهمان) من أربعة (وهو الباقي) بعد فرض البنت وفرض الأم.
(وأم وبنت نصفهما حُرٌّ، وأب حُرٌّ) كله (فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها) لو كانت كاملة الحرية، وذلك نصف (وهو) أي: نصف النصف (الربع، وللأم مع حريتها ورقِّ البنت الثلث، ومع حرية البنت) لها (السدس) فقد حجبتها حرية البنت عن السدس (فنصف حريتها) أي: البنت (تحجبها) أي: الأم (عن نصفه) أي: السدس (يبقى لها) أي: الأم (الربع لو كانت حرة، فلها بنصف حريتها نصفه) أي: الربع (وهو الثمن، والباقي للأب) فرضًا وتعصيبًا، وتصح من ثمانية: للأم واحد، وللبنت اثنان، وللأب خمسة.
(وإن شئت نزَّلْتَهم) أي: المبعَّضين من الورثة (أحوالًا، كـ) ــــتنزيل (الخناثى) الوارثين (فأم وبنت نصفهما حُر، وأب حُر) وهو المثال السابق (فتقول: إن كانتا) أي: الأم والبنت (حُرَّتين، فالمسألة من ستة: للبنت ثلاثة، وللأم السدس سهم، والباقي) سهمان (للأب) فرضًا وتعصيبًا.
(وإن كانتا رقيقتين، فالمال) كله (للأب) تعصيبًا.
(وإن كانت البنت وحدها حرة، فلها النصف) وللأب السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا (والمسألة من اثنين) لتوافق النصيبين بالثلث، فترجع الستة إلى ثلثها اثنين، ونصيب كل من البنت والأب إلى ثلثه واحد.
(وإن كانت الأم وحدها حُرَّة، فلها الثلث) والباقي للأب (وهي من ثلاثة، وكلها) أي: كل المسائل غير الستة (تدخل في الستة، فـ) تكتفي بها، و (تضربها في الأربعة أحوال، تكون أربعة وعشرين: للبنت ستة، وهي الربع؛ لأن لها النصف في حالين) وهما: حال حُريتها وحرية الأم، وحال حُرّيتها وحدها، وإذا جمعت اثني عشر واثني عشر وقسمت على الأربعة، عدد الأحوال خرجت الستة (وللأم الثُّمن وهو ثلاثة؛ لأن لها الثُّلث في حال) حريتها ورق البنت (و) لها (السدس في حال) حُريتها وحرية البنت، والثلث والسدس من أربعة وعشرين اثنا عشر، فإذا قسمتها على الأربعة خرج ثلاثة (والباقي) خمسة عشر (للأب) والسهام متفقة بالثلث، فرد المسألة إلى ثلثها ثمانية، ونصيب كل وارث إلى ثلثه، فلذلك قال:(وترجع بالاختصار إلى ثمانية) كما تقدم.
(وإذا كان عصبتان، نصف كل واحد منهما حُر، كأخوين) للميت (أو ابنين) له (لم تكمل الحرية) فيهما؛ لأنها لو كملت لم يظهر للرِّق فائدة، وكانا في ميراثهما كالحُرَّين.
(حتى ولو كان أحدهما يحجب الآخر، كابن وابن ابن) نصف كلٍّ منهما حُر، فلا تكمل الحرية فيهما؛ لأن الشئ لا يكمل بما يسقطه، ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه (ولهما ثلاثة أرباع المال بالخطاب والأحوال)
بأن تقول لكل واحد منهما: لو كنت حُرًّا والآخر رقيقًا لكان لك المال، ولو كنتما حُرَّين لكان لك نصفه، وتعطيه ربع ماله في الحالين، وهو ربع وثُمن، وكذلك الآخر، هذا إن كانا أخوين أو ابنين. وفي ابن وابن ابن نصفهما حُر: للابن نصف، ولابن الابن ربع، والباقي للعاصب، وكذلك إن نزلتهم أحوالًا على ما تقدم لك.
(ولأمٍّ مع الابنين) اللذين نصف كل منهما حر (سدس، وربع سدس) لأن مسألة حرِّيَّتهما أو حرِّية أحدهما ورقِّ الآخر من ستة، ومسألة رقِّهما عن ثلاثة، فتكتفي بستة وتضربها في عدد الأحوال أربعة بأربعة وعشرين، لها ثمانية في حال، وأربعة في ثلاثة أحوال، ومجموعها عشرون، تقسمها على أربعة، يخرج خمسة وهي سدس وربع سدس.
(ولزوجة) مع ابنين نصف كل منهما حر (ثمن وربع ثمن) لأن مسألة حُريتهما، أو حُرية أحدهما مع رِق الآخر من ثمانية، ومسألة رِقهما من أربعة وهي داخلة في الثمانية، فاضرِبها في عدد الأحوال أربعة، تكن اثنين وثلاثين، للزوجة ثُمنها، أربعة في ثلاثة أحوال، وربعها ثمانية في حال، وإذا قسمت العشرين على الأربعة خرج خمسة، وهي ثُمن الاثنين والثلاثين وربع ثُمنها.
(وجعل في "التنقيح") وتَبعه في "المنتهى"(للأم السدس) مع الابنين المذكورين (وللزوجة الثمن) كذلك؛ لأن كل واحد منهما يحجب الأم بنصفه الحُر عن نصف السدس، والزوجة عن نصف الثمن، وهو
(1)
الذي قدَّمه في "الشرح". ثم قال: ومن ورث بالأحوال والتنزيل، فذكر
(1)
في "ح" و"ذ": "وهذا" بدل "وهو".
ما قاله المصنف (وهو على المذهب غير صواب) لما تقدم
(1)
أن الحرية لا تكمل فيهما، لكن لا يلزم من عدم تكميلها فيهما بالنسبة لهما عدم تكميلها بالنسبة لغيرهما.
(وابنان نصف أحدهما قِنٌّ، المال بينهما أرباعًا، تنزيلًا لهما) لأن مسألة حرية المبعَّض من اثنين، ومسألة رِقه من واحد، فتضرب الاثنين في الحالين بأربعة: للحُر من الحرية واحد في واحد، ومن الرِّقّيّة واحد في اثنين، ومجموعها ثلاثة، وللمبعَّض واحد من الحرية في واحد، ولا شيء له مع الرق.
(و) كذلك المال بينهما أرباعًا (خطابًا بأحوالهما) بأن تقول: لو كان المبعَّض حرًّا لحجب أخاه عن نصف المال، فنصفه يحجبه عن نصف النصف وهو ربع، فله ثلاثة أرباع، وتقول للمبعَّض: لو كنت كامل الحرية لكان لك نصف المال، فلك بنصف الحرية نصف النصف وهو الربع، ولابن وبنت نصفهما حر مع عم خمسة أثمان المال على ثلاثة، ومع أم لها السدس، وللابن خمسة وعشرون مع اثنين وسبعين، وللبنت أربعة عشر منها؛ قاله في "المنتهى".
(ويرد على كل ذي فرض) بعضه حُر (و) يرد -أيضًا- على كل (عصبة) بعضه حُر (إن لم يصبه من التَّرِكة بقَدْر حُريته من نفسه، لكن أيهما) أي: العصبة وذو الفرض (استكمل بِرَدٍّ أزيَدَ من قَدْر حريته من نفسه، مُنع من الزيادة) على قدر حريته من نفسه (ورد على غيره إن أمكن) بأن كان هناك من لم يصبه بقَدْر حريته من المال (وإلا) بأن لم يمكن ذلك (فلبيت المال) كما لو لم يكن ثَمَّ مبعض.
(1)
(10/ 524).
(فلبنت نصفها حُر؛ النصف، بفرض ورَدِّ، ولابن مكانها) أي: البنت (النصف بالعصوبة، والباقي) لذي الرَّحم إن كان، كما ذكره في "الشرح" في بعض الصور. ويُعلم مما تقدم، وإلا فهو (لبيت المال) في الصورتين.
(ولابنين نصفهما حُر؛ البقية) وهي ربع (مع عدم عصبة) فيأخذ كلٌّ منهما النصف تعصيبًا وردًا.
(ولبنت وجدة نصفهما حُر؛ المال بينهما نصفين بفرض ورَدٍّ، ولا يرد هنا) أي: في هذه الصورة وشبهها (على قَدْر فرضيهما؛ لئلا يأخذَ مَن نصفه حر فوق نصف التَّرِكة) وهو ممنوع.
(ومع حُرية ثلاثة أرباعهما؛ المال بينهما أرباعًا) فيرد عليهما (بقَدْر فرضيهما؛ لفقد الزيادة الممتنعة، و) يكون لبنت وجدة (مع حرية ثلثهما الثلثان بينهما بالسوية، والبقية لبيت المال) لئلا يأخذ مَنْ ثلثه حر أكثر من ثلث التركة.
باب الولاء وجره ودوره
الولاء -بفتح الواو والمد- لغةً: الملك.
وشرعًا: ثبوت حكم شرعي بعتق، أو تعاطي سببه، كما أشار إليه بقوله:(ومعنى الولاء: إذا أعتق نسمة) ذكرًا أو أنثى أو خُنثى، صغيرًا أو كبيرًا (صار لها عصبةً في جميع أحكام التعصيب؛ عند عدم العصبة من النسب) كالابن، والأب، والأخ، والعم، ونحوهم. وقوله:(من الميراث، وولاية النكاح، والعَقل) إذا جنى خطأ أو شبه عَمْد (وغير ذلك) كالنفقة؛ بيانٌ لأحكام التعصيب (قاله في "المطلع"
(1)
و) قاله (الزركشي).
وقوله: "عند عدم العصبة من النسب" متعلق بـ"صار"، والأولى إسقاطه؛ لأنه عصبة حتى مع وجوده، لكنه محجوب به عن الميراث.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}
(2)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لعنَ الله مَنْ تولَّى غيرَ مواليهِ"
(3)
، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مولى
(1)
في "ح": "المطالع"، وانظر: المطلع ص/ 311 - 312.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:5.
(3)
رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - علي رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الحج، باب 13، حديث 1870، وفي الجزية والموادعة، باب 10، 17، حديث 3172، 3179، وفي الفرائض، باب 21، حديث 6755، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 6، حديث 7300، ومسلم في الحج، حديث 1370 عن علي رضي الله عنه مرفوعًا: "
…
ومن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه =
القوم منهم"
(1)
حديثان صحيحان.
وإنما تأخَّر الولاء عن النسب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن أبي أوفى: "الولاء لُحمةٌ كلُحْمةِ النَّسب" رواه الخلال
(2)
، ورواه الشافعي
= صرف ولا عدل، ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك".
وأخرجه ابن حبان "الإحسان"(13/ 216) حديث 2896، بلفظ:"لعن الله من تولى لغير مواليه".
ب - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه مسلم في العتق، حديث 1508، ولفظه:"من تولى قومًا بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة، لا يُقبل منه عدل ولا صرف".
ج - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (1/ 309، 317)، وعبد بن حميد (1/ 513) حديث 598، وأبو يعلى (4/ 414) حديث 2539، وابن حبان "الإحسان"(10/ 265) حديث 4417، والطبراني في الكبير (11/ 218) حديث 11546، والحاكم (4/ 356)، والبيهقي (8/ 231)، وفي شعب الإيمان (4/ 354) حديث 11456 عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث طويل.
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 103): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
(1)
تقدم تخريجه (5/ 169) تعليق رقم (3).
(2)
لم نقف عليه في المطبوع من كتاب الجامع للخلال، ولا في مظانه من كتبه المطبوعة. وقد أخرجه الطبري في تهذيب الآثار -كما في الجوهر النقي لابن التركماني (10/ 294 بهامش السنن الكبرى للبيهقي) -، والطبراني في الكبير -كما في البدر المنير (9/ 718) -، وابن عدي (5/ 1988)، من طريق عبيد بن القاسم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفي، به. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 231): رواه الطبراني، وفيه عبيد بن القاسم وهو كذاب.
وتابعه يحيى بن هاشم السمسار: أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 8)، وفي معرفة الصحابة (3/ 1592) حديث 4013، والخطيب في تاريخه (12/ 61)، وأبو بكر الشافعي في الرباعيات (1/ 96/ 1) كما في إرواء الغليل (6/ 113). ويحيى بن هاشم -أيضًا- متروك. انظر: ميزان الاعتدال (4/ 412).
وقال الحافظ في الفتح (12/ 44) بعد ذكر طرقه: والمحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق [9/ 5، رقم 16149] عن الثوري، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن =
وابن حبان من حديث ابن عمر مرفوعًا، وفيه:"لا يُباعُ ولا يُوهبُ"
(1)
شبَّهه بالنسب، والمشبَّه دون المشبه به؛ ولأن النسب أقوى من الولاء؛ لأنه يتعلّق به المحرمية، وترك الشهادة ونحوها، بخلاف الولاء.
إذا تقرّر ذلك (فكلُّ من أعتق رقيقًا، أو) أعتق (بعضه، فسرى) العتق (عليه) إلى باقيه على ما يأتي بيانه، فله عليه الولاء.
(ولو) كان أعتقه (سائبة ونحوها، كقوله: أعتقتك سائبة، أو) أعتقتك (ولا ولاء لي عليك) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتقَ"
(2)
وقوله: "الولاءُ لُحمةٌ كلحمَةِ النسب" فكما أنه لا يزول نسب إنسان، ولا ولد عن فراش بشرط؛ لا يزول ولاء عن عتيق به، ولذلك لما أراد أهل بَرِيرة اشتراط ولائها على عائشة، قال صلى الله عليه وسلم:"اشتريها واشتَرطي لهم الولاءَ، فإنَّما الولاءُ لمن أعْتق" (
(2)
) يريد أن اشتراط تحويل الولاء عن المعتق، لا يفيد شيئًا. وروى مسلم بإسناده عن هذيل
(3)
بن شرحبيل، قال: "جاءَ رجلٌ إلى عبد الله، فقال: إني أعتقتُ عبدًا لي وجعلتُهُ سائبة، فماتَ وترك مالًا فلم يدعْ وارثًا، فقال عبد الله: إنَّ أهلَ الإِسلام لا يُسيِّبُون، وإن أهلَ الجاهليَّهِ كانوا يُسيبون، وأنت وليُّ نعمته، فإن تأثمتَ وتحرَّجتَ عن
= المسيب موقوفًا عليه: "الولاء لُحمة كلُحمة النسب". انظر ما تقدم (10/ 332) تعليق رقم (1).
(1)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1).
(2)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(3)
كذا في الأصول "هذيل" بالذال، وصوابه:"هُزيل" -بالزاي مصغرًا- كما سبق التنبيه عليه (10/ 374) تعليق رقم (3).
شيءٍ، فنحن نقبلهُ ونجعلُهُ في بيتِ المال"
(1)
.
(أو) كان المعتَق
(2)
(منذورًا، أو من زكاة، أو عن كفَّارة) لما تقدم، ولأنه معتق عن نفسه، فكان الولاء له (أو عَتق عليه برَحِم) كما لو ملك أباه، أو ولده، أو أخاه، أو عمه ونحوه، فعتق عليه بسبب ما بينهما من الرحم، أي: القرابة (أو) عتق عليه بـ (ـتمثيل به) بأن مَثَّلَ برقيقه، فيعتق عليه وله ولاؤه (أو) عَتَق عليه بـ (ـكتابة) بأن كاتبه على مال فأدَّاه (ولو أدَّى) المُكاتَب (إلى الورثة) ما كوتب عليه وعَتَق، فولاؤه للموروث، يَرِث به أقرب عصبته، على ما يأتي (أو) عتَق عليه بـ (ـتدبير) بأن دبَّره، فمات، وخرج من ثلثه (أو) عَتَق عليه بـ (ـإيلاد) كأن أتت أمَته منه بولد، ثم مات أبو الولد (أو) بسبب (وصية بعتقه) بأن وصَّى بعتق عبده
(3)
،
(1)
لم نقف عليه في صحيح مسلم، ولم يعزه إليه المزي في التحفة (7/ 154) برقم 9596 وإنما عزاه للبخاري فقط.
وقد أخرجه البخاري في الفرائض، باب 20، رقم 6753 مختصرًا بلفظ:"إن أهل الإسلام لا يُسيبون، وأن أهل الجاهلية كانوا يسيبون".
وقال الحافظ في الفتح (12/ 42): هذا طرف من حديث أخرجه الإسماعيلي بتمامه، ثم ساقه بمثل ما ذكره المؤلف.
وأخرجه -أيضًا- بتمامه عبد الرزاق (9/ 26) رقم 16223، والطبراني في الكبير (10/ 38) رقم 9879، والبيهقي (10/ 300)، عن هزيل بن شرحبيل، به.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 26) رقم 16222، 16224، عن قتادة.
وسعيد بن منصور (1/ 83) رقم 225، عن إبراهيم، وابن أبي شيبة (11/ 367)، عن عطاء.
والدارمي في الفرائض، باب 46، رقم 3129، عن القاسم، كلهم عن ابن مسعود رضي الله عنه، بنحوه.
(2)
في "ح" و"ذ": "العتق".
(3)
في "ح" و"ذ": "عبد".
فأعتقه الورثة، (أو بتعليق) عتقه (بصفة فوجدت) كأن يقول له: إذا جاء رأس السنة، فأنت حُر، فجاء رأس السنة ونحوه (أو) يعتقه (بعِوض) نحو: أنت حُرٌّ على أن تخدمني سنة، وكما لو اشترى العبدُ نفسه من سيده بعوض حالٌ، فإنَّه يعتق ويكون الولاء لسيده، نصَّ عليه
(1)
(أو حلف) السيد (بعتقه، فحنث، فله) أي: السيد (عليه) أي: على العتيق في جميع هذه الصُّور (الولاء، وإن اختلف دينهما) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاءُ لمن أعتقَ" متفق عليه
(2)
.
(و) له أيضًا الولاء (على أولاده) أي: أولاد العتيق (من زوجةٍ معتَقةٍ) للعتيق أو غيره (أو) على أولاده من (سُرّيَّة) للعتيق.
(و) له الولاء أيضًا (على مَن له) أي: العتيق ولاؤه، كعتقائه (أو لهم) أي: لأولاد العين وإن سفلوا (ولاؤه، كمعتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم، ومعتقيهم أبدًا ما تناسلوا) لأنه ولي نعمته وبسببه عتقوا؛ ولأنهم فرع، والفرع يتبع أصله، فأشبه ما لو باشر عتقهم، ولا فَرق بين كون ذلك في دار الإِسلام أو الحرب؛ لأن الولاء مشبه بالنسب، والنسب ثابت بين أهل الحرب، فكذلك الولاء.
و (لا يزول) الولاء (بحال) لحديث: "الولاء لُحْمة كَلُحْمة النسب، لا يُباع ولا يوهب"
(3)
.
(ويَرِث) ذو الولاء (به) أي: بالولاء (ولو باينه في دينه) لما تقدم (عند عدم العصبة من النَّسبَ، و) عند (عدم ذوي فروض تستغرق فروضهم
(1)
المبدع (6/ 270).
(2)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(3)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1)، و (10/ 529) تعليق رقم (2).
المال) لحديث: "ألحقُوا الفرائِضَ بأهلِها، فما بقِيَ فلأولى رَجُل ذكَرٍ"
(1)
والولاء دون النَّسَب؛ لأنه مشبَّه به، فقدمت العصبة من النسب على العصبة من الولاء، وتقدم
(2)
.
(وإن كان ذو الفرض لا يرث جميع المال) كأم وبنت وما أشبه ذلك (فالباقي للمولى) لحديث: "ألحقُوا الفرائضَ بأهلِها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذكرٍ"(1).
(ثمَّ يَرِث به) أي: الولاء (عصباته) أي: المعتق (من بعده) أي: بعد موته، وكذا لو قام به مانع كقتل (الأقرب فالأقرب) من المعتق، سواء كان العصبة ولدًا، أو أبًا، أو أخًا، أو عمًّا، أو غيرهم من العصبات، وسواء كان المعتق ذكرًا أو أنثى، فإن لم يكن للمعتق عصبة من النَّسب، كان الميراث لمولى المعتق، ثم لعصباته الأقرب، فالأقرب كذلك، ثم لمولى المولى، ثم لعصبته كذلك أبدًا، اتفاقًا؛ لما روى أحمد بإسناده عن زياد بن أبي مريم:"أنَّ امرأةً أعتقَت عبدًا لها ثمّ تُوفيت، وتَركت ابنًا لها وأخاها، ثمّ تُوفي مولاها من بعدِها، فأتى أخو المرأة وابنُها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مِيراثِهِ، فقال صلى الله عليه وسلم: ميراثُهُ لابنِ المرأةِ. فقال أخوها: يا رسول الله، لو جرّ جريرة كانت عليَّ، ويكون ميراثُهُ لهذا! قال: نعمْ"
(3)
.
(فلو أعتق كافر مسلمًا، فخلَّف المسلمُ العتيقُ ابنًا لسيده كافرًا، وعمًّا مسلمًا، فمالُه) أي: العتيق (لابن سيده) لأنه أقرب من عمه،
(1)
تقدم تخريجه (10/ 235) تعليق رقم (3).
(2)
(10/ 530).
(3)
تقدم تخريجه (10/ 387) تعليق رقم (2).
ومخالفته له في الدِّين غير مانعة لإرثِه، كما تقدم
(1)
.
(وإن تزوّج حرُّ الأصلِ أمَةً، فَعَتَق ولدها على سيدها) بشيء مما سبق من مباشرة، أو سبب (فله) أي: سيدها (ولاؤه) لأنه المعتق له (ومن كان أحد أبويه الحُرَّين حُر الأصل، ولم يمسّه رِق) والآخر عتيق، فلا ولاء عليه لأحد؛ لأن الأم إن كانت حُرَّة الأصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقًا؛ في انتفاء الرِّق والولاء، فلأن يتبعها في انتفاء الولاء وحده أَولى. وإن كان الأب حُر الأصل، فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء، بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه، فلأن يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى (أو كان أبوه مجهول النسب، وأمّه عتيقة، أو عكسه) بأن كانت أمّه مجهولة النسب، وأبوه عتيقًا (فلا ولاء عليه) لأحد؛ لأن مجهول النسب محكوم بحريته، أشبه معروف النسب، ولأن الأصل في الآدميين الحرية وعدم الولاء، فلا يترك هذا الأصل في حق الولد بالوهم، كما لم يترك في حق أصله.
(ومن أعتق عبده) أو أمَتَه (عن ميت، أو) أعتقه من (حي بلا أمره، فولاؤه للمعتق) لحديث: "الولاء لمن أعتق"
(2)
، وكما لو لم يقصد غيره (إلا إذا أعتق وارث عن ميت) يرثه (في واجب عليه) أي: الميت (ككفَّارة ظهار، و) كفارة وطء في نهار (رمضان، و) كفَّارة (قتل) ويمين (وله) أي: الميت (تَرْكة، فيقع) العتق (عن الميت، والولاء للميت) لمكان الحاجة إلى ذلك، وهو احتياج الميت إلى براءة ذمته؛ ولأن الوارث كالنائب عن الميت في أداء ما عليه، فكان العتق منه. قال الشيخ تقي
(1)
(10/ 532).
(2)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
الدين
(1)
: بناء على أن الكفَّارة ونحوها ليس من شرطها الدخول في ملك المُكفَّر عنه.
(فإن تبرَّع) وارث (بعتقه عنه) أي: الميت، في
(2)
واجب عليه (ولا تركة) للميت (أجزأ) العتق (عنه، كـ) ـما لو تبرع عنه بـ (ـإطعام)(أو كسوة) في كفَّارة يمين (والولاء للمعتق) لحديث: "الولاء لمن أعتق"
(3)
.
وإذا كانت الكفارة عن يمين لم يتعين العتق، وله الإطعام والكسوة، وإن تبرَّع بهما أجنبي أو بعتقٍ عن الميت، أجزأ، ولمتبرِّع الولاء.
(وإن أعتقه عنه) أي: عن حي (بأمره) له بإعتاقه (فالولاء للمُعتَقِ عنه) كما لو باشره.
(وإذا قال) إنسان لآخر: (أعتق عبدك) أو أَمَتك (عَنَّي مجانًا، أو): أعتق رقيقك عنِّي، و (عليَّ ثمنه، أو، قال: (أعتقه عني. ويطلقُ) فلم يقل: مجانًا، ولا: وعليَّ ثمنه (ففعل) المقول له، بأن أعتقه عنه في المجلس، أو بعد الفرقة (صحَّ) ذلك (والعتق والولاء للقائل) ووقع الملك والعتق معًا، كما لو قال له: أطعم عني، أو: اكْسُ عنِّي.
(ويجزئه) أي: يجزئ هذا العتق القائلَ (عن العتق الواجب) عليه من نذر أو كفَّارة، والمراد إذا نواه (ما لم يكن) العتيق (ممن يعتق عليه) أي: القائل، إذا ملكه، كأبيه ونحوه، فلا يجزئه عن واجب، ويأتي في
(1)
المبدع (6/ 275).
(2)
في "ح" زيادة: "حق".
(3)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
الكفّارة (ولا يلزمه) أي: القائل: أعتق عبدك عنِّي (ثمنه) أي: العتيق (إلا بالتزامه) بأن قال: أعتقه وعليَّ ثمنه. وصح: كلما أعتقت عبدًا من عبيدك، فعليّ ثمنه. وإن لم يبين العدد والثمن؛ ذكره في "الاختيارات"
(1)
في الإجارة.
(وإن قال) إنسان لمالك رقيق: (أعتقه والثمن عليَّ) ولم يقل: أعتقه عني (أو) قال: (أعتقه عنك وعليَّ ثمنه، ففعل
(2)
؛ صح) العتق (والثمن عليه) لالتزامه له، فقد جعل له جعلًا على إعتاق عبده، فلزمه ذلك بالعمل، كما لو قال: ابنِ لي هذا الحائط بدينار (والعتق والولاء للمعتق) لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه، ولا قصده به المعتق، فلم يوجد ما يقتضي صَرْفه إليه، فبقي للمعتق؛ لحديث:"الولاءُ لمن أعتقَ"
(3)
.
(ويجزئه) أي: يجزئ هذا العتقُ المعتِقَ (عن الواجب) عليه من نذر أو كفارة.
(ولا يجب على السيد إجابة من قال) له: (أعتق عبدك عنِّي) أو عنك (وعليَّ ثمنه) لأنه لا ولاية له عليه، ولو قال: اقتله على كذا، فلغو.
(وإن قال كافر لشخص) مسلم أو كافر: (أعتق عبدك المسلم عني) أو عنك
(4)
(وعلي ثمنه، ففعل) أي: فأعتقه عن الكافر (صح) لأنه إنما يملكه زمنًا يسيرًا ولا يتسلمه، فاغتفر هذا الضرر اليسير؛ لأجل تحصيل الحرية للأبد التي يحصل بها نفع عظيم؛ لأن الإنسان بها يصير متهيئًا للطاعات، وإكمال القُربات (وعَتَقَ، وولاؤه له) أي: للكافر، ويرثه به؛
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 221.
(2)
"ففعل" ليست في "ح".
(3)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(4)
قوله: "أو عنك" سقط من "ح" و"ذ".
لما تقدم
(1)
، واحتج أحمد
(2)
بقول علي: "الولاء شُعبةٌ من الرِّقِّ"
(3)
فلم يضر تباين الدِّين، بخلاف الإرث بالنسب (كالمسلم) أي: كما لو قال مسلِمٌ لآخر: أعتق عبدك عنِّي وعليَّ ثمنه، ففعل.
فصل
(ولا يرث النساء بالولاء إلا من أعتقنَ) أي: من باشرن عتقه (أو أعتق من أعتقن) أي: أو عتيق من باشرن عتقه (وأولادهما) أي: أولاد عتيقهن وأولاد عتيق عتيقهن (ومن جَرُّوا) أي: النساء وعتيقهن، وعتيق عتيقهن، وأولادهما (ولاءه) بعتق أبيه (أو كاتبن) فأدَّى وعتق (أو كاتب من كاتبنَ) أي: مكاتَب من كاتبه النساء إذا أدَّى وعتق، رُوي ذلك عن عمر
(4)
وعثمان
(5)
وعلي
(6)
؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
(1)
(10/ 532).
(2)
انظر: أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 413 - 414)، والمغني (9/ 217)، والكافي (4/ 117 - 118).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 405)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 190)، والبيهقى (10/ 302 - 303). وأخرجه عبد الرزاق (9/ 4) رقم 16141، والبيهقي (10/ 294) بلفظ: الولاء شعبة من النسب، من أحرز الولاء أحرز الميراث.
(4)
أخرج بن أبي شيبة (11/ 388)، والدارمي في الفرائض، باب 52، رقم 3149، والبيهقى (10/ 306) عن إبراهيم، عن عمر، وعلي، وزيد رضي الله عنهم أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن.
(5)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 37) رقم 16263، وانظر التعليق السابق رقم (4).
جده مرفوعًا قال: "ميراث الوَلاءِ للكُبْر من الذُّكُورِ، ولا يَرِثُ النساءُ من الولاءِ إلا ولاء من أعتقنَ"
(1)
؛ ولأن الولاء مُشبَّه بالنسب، والمولى العتيق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عَمّه، فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه أو ولد عَمّه، ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة.
(ولا يرث به) أي: بالولاء (ذو فرض، إلا أب وجد يرثان السدس مع الابن أو ابنه، وإن نزل) بمحض الذُّكور، كالنسب؛ لأنه عصبة وارث، فاستحق بالولاء كأحد الأخوين مع الآخر، ولا نُسَلِّم أن الابن أقرب من الأب، بل هما في القرب سواء، وكلاهما عصبة لا يُسقِط أحدهما الآخر، وإنما هما متفاضلان في الميراث، فكذلك في الإرث بالولاء.
(ويرث الجد والإخوة) الذكور (إذا اجتمعوا من المولى كمال سيده) المعتق له؛ لاستوائهم في العصوبة وعدم المرجّح.
(و) الحاصل أنهم (إن زادوا) أي: الإخوة (عن اثنين، فله) أي: الجد (ثلثُ مالِه) أي: العتيق (لأنه) أي: الثلث (أحظّ) للجد من المقاسمة إن لم يكن للعتيق ذو فرض (وإن نقصوا) أي: الإخوة، عن اثنين (قاسمهم، وكذا بقية مسائله) إذا كان معهم صاحب فرض (على ما تقدم
(2)
في ميراث الجَد) مع الإخوة.
(1)
لم نقف على من رواه مرفوعًا، لا من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ولا عن غيره. وقد أخرج الدارمي في الفرائض باب 52، رقم 3149، عن إبراهيم، عن عمر، وعلى، وزيد أنهم قالوا: الولاء للكبير، ولا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن، أو كاتبن.
وأخرجه البيهقي (10/ 306)، من طريق زيد بن وهب، عن علي وعبد الله وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبير من العصبة، ولا يورثون النساء إلا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن. وانظر: نصب الراية (4/ 154)، والدراية (2/ 195).
(2)
(10/ 340).
(و
ترث عصبة ملاعِنةٍ عتيق ابنها)
لأن عصبة أُمه هم عصبته كما تقدم
(1)
.
(والولاء لا يورث، ولا يُباع، ولا يوهب، ولا يوقف) لأنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن بَيعِ الوَلاءِ وَهِبَتِهِ"
(2)
، وقال:"الولاءُ لُحمة كلُحمَةِ النَّسبِ"
(3)
، ولأن الولاء معنىً يورث به، فلا ينتقل، كالقرابة، فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق بموته (لكن يورَث به) أي: بالولاء، على ما يأتي تفصيله (وهو الكُبْر) بضم الكاف، وسكون الموحدة، ويأتي توضيحه.
(ولا يجوز) للعتيق (أن يوالي غير مواليه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله مَن تَولَّى غيرَ مواليهِ"
(4)
(ولو بإذن معتقه) له أن يوالي غيره؛ فلا يصح؛ لأن الولاء كالنسب، فلا ينتقل.
(فلو مات السيد قبل عتيقه، فله) أي: السيد (ولاؤه) أي: لم ينتقل عنه بموته؛ لأنه لا يورث، بل (يرث به أقرب عصبته) أي: المعتق (إليه يوم موت عتيقه، وهو المراد بالكُبْر) في حديث عَمرو بن شعيب السابق
(5)
وغيره.
(فلو مات السيد) المعتِق (عن ابنين، ثم) مات (أحدهما عن ابن، ثم مات عتيقه، فإرثه لابن سيده) دون ابن ابنه؛ لأن الولاء للكُبْر.
(وإن ماتا) أى: ابنا السيد (قبل العتيق، وخَلَّف أحدهما) أي: أحد
(1)
(10/ 363).
(2)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1).
(3)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1)، و (10/ 529) تعليق رقم (2).
(4)
تقدم تخريجه (10/ 528) تعليق رقم (3).
(5)
(10/ 538) تعليق رقم (1).
الابنين (ابنًا و) خَلَّف الابن (الآخر تسعة) أبناء (ثم مات العتيق، فإرثه بينهم على عددهم كإرثهم) جدَّهم (بالنسب) فيكون لكل واحد منهم في المثال عُشر التَّرِكة، روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن حارثة
(1)
، وابن مسعود
(2)
، وبه قال
(1)
كذا في الأصول "زيد بن حارثة" ولعل الصواب "زيد بن ثابت" كما سيأتي في مصادر التخريج، وذكره في المغني (9/ 249، 250) ولم ينسبه، قلنا: وزيد بن حارثة رضي الله عنه غير معروف بالنقل، استشهد يوم مؤتة فى حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان.
(2)
أخرج عبد الرزاق (9/ 31) رقم 16239، والبيهقي (10/ 303) عن إبراهيم النخعي أن عليًا وزيد بن ثابت قضيا في رجل ترك أخاه لأبيه وأمه، وأخاه لأبيه، وترك مولى، فجعلا الولاء لأخيه لأبيه وأمه، دون أخيه لأبيه، قالا: فإن مات الأخ للأب والأم، رجع الولاء للأخ للأب، قالا: فإن مات الأخ للأب وترك بنين رجع الولاء إلى بني الأخ للأب والأم إن كان له بنون.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 72) رقم 265، وابن أبي شيبة (11/ 403)، والدارمي في الفرائض، باب 33 رقم 3032، والبيهقي (10/ 303) عن مغيرة، عن إبراهيم، في أخوين ورثا مولى كان أعتقه أبوهما فمات أحدهما وترك ولدًا، قال: كان علي وزيد وعبد الله رضي الله عنهم يقولون: الولاء للكبر.
وأخرج عبد الرزاق (9/ 30) رقم 16238، وابن أبي شيبة (11/ 404) عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، أن عليًا وعمر وزيد بن ثابت كانوا يجعلون الولاء للكبر.
وزاد عبد الرزاق: قال سفيان: وتفسيره: رجل مات وترك ابنيه وترك موالي، ثم مات أحد الابنين وترك ولدًا ذكورًا، فصار الولاء لعمهم، ثم مات العم بعدُ وله خمسة من الولد وللأول سبعة، قالوا: الولاء على اثني عشر سهما، كان الجد هو الذي مات، فورثوه.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 93) رقم 276، والدارمي في الفرائض، باب 33، رقم 3026، والبيهقي (10/ 303)، عن أشعث بن سرار، عن الشعبي أن عمر وعليًا وابن مسعود وعبد الله وزيدًا كانوا يجعلون الولاء للكُبْر. واللفظ لسعيد، وزاد الدارمي: =
مالك
(1)
والشافعي
(2)
وأصحاب الرأي
(3)
وأكثر أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاءُ لِمن أعتقَ"
(4)
وقوله: "الولاة لُحمةٌ كلُحمةِ النَّسبِ"
(5)
ولأنهم إنما يرثون العتيق بولاء معتقه لا نفس الولاء.
(وإذا اشترى أخٌ وأختُه أباهما، أو) اشتريا (أخاهما) ونحوه (فاشترى) الأب ونحوه (عبدًا) أو ملكه بأي وجه كان (ثم أعتقه، ثم مات الأب) أو الأخ ونحوه (ثم مات العتيقُ، ورثه الابن) أو الأخ ونحوه (دون أخته بالنسب؛ لكونه عصبة المعتق، فَقُدِّمَ على مولاه) بخلاف أخته (وغَلِط فيها خلقٌ كثير) قال في "الإنصاف": يروى عن مالك أنه قال: سألت سبعين قاضيًا من قضاة العراق عنها، فأخطؤوا فيها.
(ولو مات) العتيق (بعد) موت (الابن ورثتْ) بنت معتقِ المعتَق ومولاته ونحوها (منه) أي: العتيق (بقَدْر عتقها من الأب) أو الأخ ونحوه، الذي هو معتق العتيق (والباقي) من تَرِكة عتيق عتيقها يكون (بينها وبين معتِق أمِّها إن كانت) أمها (عتيقة).
= يعنون بالكبر. ما كان أقرب باب أو أم.
وأخرج البيهقي (10/ 303) عن سعيد بن المسيب، أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا: الولاء للكُبْر.
أما أثر عثمان: ففد أخرجه مالك في الموطأ (2/ 784)، والبيهقي (10/ 303).
(1)
الاستذكار (23/ 218)، وانظر: الفواكه الدواني (2/ 348 - 349)، ومواهب الجليل (6/ 362 - 363).
(2)
الأم (4/ 127 - 128)، ومختصر المزني ص/ 188 وانظر: روضة الطالبين (12/ 175 - 176).
(3)
المبسوط (8/ 82 - 83، 30/ 39)، وبدائع الصنائع (4/ 164)، والهداية (3/ 274)، وتبين الحقائق (5/ 178).
(4)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(5)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1)، و (10/ 529) تعليق رقم (2).
وإن اشتريا أخاهما فعتق عليهما، ثم اشترى عبدًا، فأعتقه، ومات الأخ المعتِق قبل موت العبد، وخَلَّف ابنه، ثم مات العبد، فميراثه لابن الأخ دون الأخت؛ لأنه ابن أخي المعتِق، فإن لم يخلف إلا بنته فنصف مال العبد للأخت؛ لأنها معتِقةٌ نصفَ معتقِه، ولا شيء لبنت الأخ، والباقي لبيت المال.
(ومن نكحت عتيقَها، فأحبلها، ثم مات، فهي القائلة: إن ألد أُنثى فلي النصف) لأن للبنت النصف وللزوجة الثمن، والباقي لها تعصيبًا (و) إن ألد (ذكرًا) فلي (الثمن) لأنها زوجة مع ابن، ولا ترث بالولاء مع العصبة عن النسب (وإن لم ألد، فـ) ـلي (الجميع) لأنها ترث الربع فرضًا والباقي تعصيبًا.
(وإذا ماتت امرأة، وخَلَّفت ابنها، وعصبتها، ومولاها، فولاؤه وإرثه لابنها) لأنه أقرب عصبتها (إن لم يكن له وارث من النسب، وعقله على عصبتها وابنها؛ لأنه من العاقلة، فإن انقرض بنوها فالولاء لعصبتها) الأقرب فالأقرب (دون عصبتهم) أي: عصبة بنيها؛ لأن الولاء لا يورث، والأصل في ذلك ما روى إبراهيم قال:"اختصمَ عليٌّ والزبيرُ في مولى صفيةَ، فقال عليٌّ: مولى عمتي وأنا أعقِلُ عنهُ، وقال الزبير: مولى أمي، وأنا أرثه، فقضى عمر على علي بالعقل، وقضى للزبير بالميراث" رواه سعيد
(1)
. واحتج
(1)
(1/ 74) رقم 274 وفيه: قضى عمر للزبير بالميراث، وقضى على علي بالميراث. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (9/ 319 و 11/ 402)، والبيهقي (8/ 107) بلفظ: فقضى عمر بالميراث للزبير والعقل على علي رضي الله عنهما.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 37): وهو منقطع.
وأخرجه سحنون في المدونة (3/ 369) عن ابن شهاب، عن رجال من أهل العلم بنحوه.
به أحمد
(1)
.
ومن خلَّف بنت مولاه، ومولى أبيه فقط، فماله لبيت المال؛ لأنه ثبت عليه الولاء من جهة مباشر العتق، فلم يثبت عليه بإعتاق أبيه، وإنما لم ترثه بنت مولاه؛ لأنها ليست بعصبة للمعتق، وإذا لم يكن للمعتق
(2)
عصبة لم يرجعِ الولاء لمعتق أبيه.
ومن خَلَّف معتق أبيه وخَلَّف معتق جده، ولم يكن هو معتقه
(3)
، فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقه، ثم لعصبة معتق أبيه، فإن لم يوجد أحد منهم فميراثه لبيت المال.
وعُلم مما سبق: أن ذوي أرحام المعتِق لا يرثون عتيقه وإن عدمت عصبته.
و (قال ابن أبي موسى: فإن مات العبد) العتيق (ولم يترك عصبة) من النسب (ولا ذا سهم) أي: فرض (ولا كان لمعتقه عصبة) من النسب، ولا عن الولاء (ورثه الرجال من ذوي أرحام معتقه دون نسائهم، وعند عدمهم) أي: عدم الرجال من ذوي أرحام معتق
(4)
يكون ميراثه (لبيت المال).
(1)
مسائل الكوسج (8/ 4463 - 4464، 4469) رقم 3199، 3205.
(2)
أشار في هامش "ذ" إلى أنه في نسخة: "لمعتقه".
(3)
في "ذ": "معتقًا".
(4)
في "ذ": "معتقه".
فصل في جَرِّ الولاء
(من ثبت له ولاء رقيق بمباشرة عتق أو سبب) بأن عتق عليه برحم، أو كتابة أو تدبير، أو وصية ونحوها (لم يزل) ولاؤه (عنه بحال) لقوله صلى الله عليه وسلم:"الولاءُ لِمن أعتقَ"
(1)
.
(فأما إن تزوَّج العبد -ومثله المُكاتَب، والمُدبَّر، والمعلَّق عِتقُه بصفةٍ- معتَقةً) لغير سيده (فأولدها، فولاء ولدها) ذكرًا، أو أنثى، أو خنثى، واحدًا، أو أكثر (لمولى أُمّه) التي هي زوجة العبد، يعقل عنه، ويرثه إذا مات؛ لكونه سبب الإنعام عليه؛ لأنه إنما صار حرًّا بسبب عتق أُمه.
(فإن أعتق العبد) الذي هو الأب (انجرَّ ولاؤه) أي: ولاء ولد العتيقة منه عن مولى الأم (إلى معتِقه) فيصير له الولاء على العتيق، وأولاده، لأن الأب لما كان مملوكًا لم يكن يصلح وارثًا، ولا وليًا في نكاح
(2)
ابنه، كولد الملاعنة ينقطع نسبه عن أبيه، فيثبت الولاء لمولى أُمّه، وينتسب إليها، فإذا عتق الأب، صلح الانتساب إليه، وعاد وارثًا ووليًا، فعادت النسبة إليه، وإلى مواليه، وصار بمنزلة ما لو استلحق الملاعن ولده.
وروى عبد الرحمن
(3)
عن الزبير "أنَّه لمَّا قدِم خيبرَ، رأى فتيةً
(1)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(2)
كذا في الأصل، وفي "ذ":"في نكاح، فكان ابنه".
(3)
كذا في الأصول "عبد الرحمن" وفي السنن الكبرى (10/ 307) يحيى بن =
لُعْسًا، فأعجبَهُ ظَرْفُهم وجمالهم، فسأل عنهم، فقيل له: إنَّهُم موالي رافع بن خَدِيج، وأبوهم مملوك لآل الحُرَقة، فاشترى الزبيرُ أباهُم فأعتقه، وقال لأولادِه: انْتَسِبوا إليَّ، فإن ولاءكُم لي، فقال رافعُ بن خديج: الولاءُ لي؛ لَأنَّهُم عَتَقُوا بعتقي أُمّهم؛ فاحتكموا إلى عثمانَ، فقضى بالولاء للزُّبير"
(1)
فاجتمعت الصحابة عليه. واللَّعَس: سواد في الشفتين تستحسنه العرب
(2)
.
(ولا يعود) الولاء الذي جَرَّه مولى الأب (إلى مولى أُمِّه بحال) فلو انقرض موالي الأب، عاد الولاء إلى بيت المال دون موالي الأم؛ لأن الولاء يجري مجرى النسب، ولو انقرض الأب وآباؤه، لم يعد النسب إلى الأم، فكذا الولاء، فلو ولدت بعد عتق الأب، كان ولاء ولدها لموالي أبيه بغير خلاف.
(فإن نَفَاه) أي: الولد (الأب باللِّعَان، عاد ولاؤه إلى موالي الأم؛ لأننا تبيَّنا أنه لم يكن له أب ينتسب إليه، فإن عاد) الأب (فاستلحقه) لحقه و (عاد الولاء إلى موالي الأب) لعود النسب إليه.
وعُلم مما تقدم: أن
لجَرِّ الولاء ثلاثة شروط:
أن يكون الأب رقيقًا حين ولادة أولاده من زوجته التي هي عتيقة لغير سيده.
وأن تكون الأم مولاة، فإن كانت حُرَّة الأصل، فلا ولاء على
= عبد الرحمن بن حاطب.
(1)
أخرجه البيهقي (10/ 307). وأخرجه -أيضًا- هو، وعبد الرزاق (9/ 41 - 42) رقم 16281 - 16283، وابن أبي شيبة (11/ 398)، من طرق بنحوه.
(2)
انظر: القاموس المحيط ص/ 573، مادة (لعس).
ولدها بحال، وإن كانت أمة فولدها رقيق لسيدها، فإن أعتقهم، فولاؤهم له مطلقًا لا ينجر عنه بحال.
وأن يعتق العبدَ سيدُه، فإن مات على الرق، لم ينجر الولاء بحال.
فإن اختلف سيد العبد، ومولى الأم في العبد بعد موته، فقال سيده: مات حرًا بعد جر الولاء، وأنكر ذلك مولى الأم، فالقول قوله؛ لأن الأصل بقاء الرق، ذكره أبو بكر.
(و) كذا
(لا يُقبل قولُ سيدِ مكاتَبٍ ميت أنه أدَّى وعَتَق؛ ليجُرَّ الولاء)
أي: ولاء أولاده من مولى أمهم؛ لأن الأصل عدم الأداء.
(وإن أُعتِق الجد ولو قبل الأب، أو) عتق (بعد موته) أي: الأب (لم يجر ولاءهم) أي: ولاء أولاد ولده عن مولى أمهم. قال أحمد
(1)
: الجد لا يجر الولاء، ليس هو كالأب؛ ولأن الأصل بقاء الولاء لمستحقه، وإنما خولف هذا الأصل لما ورد في الأب، والجد لا يساويه؛ ولأنه لو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده، ولأن الجد يدلي بغيره، فهو كالأخ.
(وإن اشترى الابن) أي: ابن المعتقة (أباه) العبد، أو ملكه بهبة، أو غيرها (عتق عليه) بالملك (وله) أي: الابن (ولاؤه) أي: ولاء أبيه؛ لأنه عتق عليه بملكه إياه، فكان له ولاؤه كما لو باشره (و) له أيضًا (ولاء إخوته) من المعتقة؛ لأنهم تبع لأبيهم.
(و) له أيضًا ولاء (من له) أي: الأب ولاؤه (و) ولاء من (لهم) أي: إخوته (ولاؤه) لأنه معتق المعتق (ويبقى ولاء نفسه) أي: نفس الذي ملك
(1)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 58)، وكتاب التمام (2/ 114).
أباه (لمولى أُمّه) لأنه لا يجر ولاء نفسه كما لا يرث نفسه (فإن اشترى هذا الابن) الذي هو ابن عبد من عتيقة (عبدًا فأعتقه) مع بقاء الرق على أبيه (ثم اشترى العتيق أبا معتِقِه) أو ملكه بهبة ونحوها (فأعتقه، ثبت له ولاؤه) أي: ولاء أبي معتقه (وجرَّ ولاء معتِقِه) بولائه على أبيه (فصار لكل واحد منهما ولاء الآخر) لأن الابن مولى معتق أبيه؛ لأنه أعتقه، والعتيق مولى معتقه؛ لأنه بعتقه أباه جرَّ ولاء معتقه.
(فلو مات الأب وابنه والعتيق، فولاؤه لمولى أُمّ مولاه) فيه نظر؛ لقوله فيما سبق: ولا يعود إلى موالي أُمّه بحال.
(ولو أعتق حربي عبدًا كافرًا فـ) ـأسلم العتيق، ثم (سبى سيده، فأعتقه، فولاء كل واحد) منهما (للآخر) لأن كل واحد منهما منعِم على الآخر بخلاص رقبته من الرق، ويرث كل واحد منهما الآخر بالولاء، فإنه كما جاز أن يشتركا في النسب، فيرث كلُّ واحد منهما صاحبه، كذلك الولاء.
(فلو سَبَى المسلمون العتيقَ الأول، فرقَّ) قبل إسلامه (ثم أُعتِق، بَطَلَ ولاء الأول وصار الولاء للثاني) وحده، لأن السَّبْي يبطل ملك الأول الحربي، فالولاء التابع له أَولى، ولأن الولاء بطل باسترقاقه فلم يعد بإعتاقه.
(ولا ينجرُّ إلى الأخير ما لـ) ـلمعتق (الأول قبل رِقه) أي: رِق العتيق (ثانيًا من ولاء ولدٍ، و) ولاء (عتيق) ثبت ولاؤهما للمعتق الأول قبل أن يُسترقَ ثانيًا، لأنه أثر العتق الأول، فيبقى على ما كان.
(وكذا لو أعتق ذميٌّ عبدًا كافرًا، فهرب إلى دار الحرب، فاستُرِق)
ثم أعتق ثانيًا، بَطَلَ ولاء الأول وصار الولاء للثاني، ولا ينجر إلى الأخير ما للأول قبل رقه ثانيًا من ولاء ولد وعتيق؛ لما تقدم.
(وإن أعتق مسلمٌ كافرًا، فهرب) الكافر (إلى دار الحرب، ثم سباه المسلمون، جاز استرقاقه) لأنه كافر أصلي، فجاز استرقاقه كمعتق الكافر وكغير المعتق.
(فإن) استرق، ثم (أعتِق عاد الولاء إلى الأول) مَالَ إليه الموفق؛ لحُرمة حق المسلم.
(وإن أعتَق مسلم) مسلمًا (أو) أعتق (ذمي مسلمًا، فارتدَّ) العتيق (ولحق بدار الحرب، ثم سُبِيَ، لم يجز استرقاقه) لأنه لا يُقَر على الرِّدة (وإن اشترى) العتيق المرتد مسلمًا (فالشراء باطل) لعدم صحة استرقاقه (ولا يُقبل منه إلا التوبة) إن قُبلت (أو القتل) كما يأتي في كل مرتد.
فصل في دَوْرِ الولاء
(ومعناه) أي:
معنى دور الولاء
(أن يخرج من مال ميت قسطٌ إلى مال ميت آخر بحكم الولاء، ثم يرجع من ذلك القسط جزءٌ إلى الميت الآخر بحكم الولاء -أيضًا- فيكون هذا الجزء الراجع) من مال أحدهما إلى مال الآخر بحكم الولاء (فدار
(1)
بينهما.
واعلم أنه لا يقع الدَّور) بالمعنى المذكور (في مسألة حتى يجتمع
(1)
في "ذ" وإحدى نسخ الإقناع (3/ 250): "قد دار".
فيه ثلاثة شروط):
أحدها: (أن يكون المعتِق اثنين فصاعدًا.
و) الثاني: (أن يكون في المسألة اثنانِ فصاعدًا.
و) الثالث: (أن يكون الباقي منهما يحوز إرْثَ الميت قبله.
مثاله: ابنتان عليهما ولاء لموالي أُمهما، اشترتا أباهما) نصفين (فعتق عليهما) لأنه ذو رَحِم مَحْرَم، وولاؤه (بينهما نصفين) بحسب الملك (فلكلِّ واحدة منهما نصف ولاء أبيها) لأنها معتِقة لنصفه (و) لكل واحدة منهما (نصف ولاء أختها الأخرى، يجرُّ ذلك إليها أبوها) لأن ولاء الولد تابع لولاء الوالد (ويبقى نصف ولاء كل واحدة منهما لموالي أمها؛ لأن كل واحدة لا تجرُّ ولاء نفسها) كما لا ترث نفسها.
(فإن ماتت الكبرى) من البنتين (ثم مات الأب بعدها، فالأخت الباقية تستحق سبعة أثمان المال، نصفه بالنسب) لأنها بنته (وربعه بكونها مولاةَ نصفه) أي: الأب (والربع الباقي لموالي الميتة، وهم أختها الباقية وموالي أمها، فيكون) ذلك (الربع بينهما: للأخت الباقية نصفه، وهو ثُمن المال، والثمن الباقي لموالي الأم، فيبقى) أي: يصير (للأخت الباقية سبعة أثمان) المال (ولموالي أمها ثمنه.
فإذا ماتت الصغرى بعد ذلك) أي: بعد موت الأب والكبرى (كان مالها لمواليها، وهم أختها الكبرى، وموالي أمها بينهما نصفين) بحسب ما لهما من الولاء (فاجعل النصف الذي أصاب الكبرى من الصغرى بالولاء لمواليها -وهم أختها الصغرى وموالي أُمّها- مقسومًا بينهما نصفين، لموالي الأم نصفه وهو الربع، وللصغرى نصفه وهو الربع، فهذا
الربع قد خرج من مال الصغرى إلى موالي أختها الكبرى، ثم عاد إليها لأنها مولاة لنصف أختها، وهذا هو الجزء الدائر، فيكون لموالي الأم).
ولو اشترت إحدى البنتين أباها وحدها، عَتَق عليها وجَرَّ إليها ولاء أختها، فإذا مات الأب، فلابنتيه الثلثان بالنسب، والباقي لمعتقته بالولاء، فإن ماتت التي لم تشتره بعد ذلك، فمالُها لأختها، نصفه بالنسب ونصفه بالولاء، لكونها مولاة أبيها. ولو ماتت التي اشترته فلأختها النصف والباقي لمولى أمها.
(ولو اشترى ابنُ) معتَقَةٍ (وبنتُ معتَقَةٍ أباهما) نصفين (عَتَقَ عليهما) لأنه رَحِمٌ مَحْرَم (وثبت ولاؤه لهما نصفين) لكل واحد نصفه بحسب ما عتق عليه (وجرَّ كلُّ واحد منهما نصف ولاء صاحبه) لأن ولاء الولد تابع لولاء الوالد (ويبقى نصفه) أي: نصف ولاء كل واحد منهما (لموالي أُمّه) أي: أم كل واحد من الابن والبنت؛ لان كلًّا منهما لا يجرُّ ولاء نفسه.
(فإن مات الأب ورثاه) أي: ابنه وبنته (بالنسب أثلاثًا) لأن عصبة النسب مقدَّمة على عصبة الولاء، وميراث النسب للذكر مثل حظ الأنثيين.
(وإن ماتت البنت بعده) أي: بعد الأب (ورثها أخوها بالنسب) لأنه مقدَّم على الولاء.
(فإذا مات أخوها) بعدها، ولم يترك وارثًا من النسب (فمالُه لمواليه، وهم) أي: مواليه (أخته وموالي أُمّه، فلموالي أُمّه النصف، ولموالي أخته النصف) لأن الولاء بينهما (نصفين، وهم) أي: موالي
الأخت (الأخ وموالي الأم، فلموالي أمها نصفه) أي: نصف النصف (وهو الربع) أي: ربع التَّرِكة؛ لأن ولاء الأخت بين الأخ وموالي الأم نصفين (يبقى) من التَّرِكة (الربع، وهو الجزء الدائر) من الولاء (لأنه خرج من تَرِكة الأخ وعاد إليه، فيكون لموالي أُمه) ومقتضى كونه دائرًا أنه يدور أبدًا في كل دورة يصير لموالي الأم نصفه، ولا يزال كذلك حتى ينفد كله إلى موالي الأم.