المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب العتق (وهو) لغة: الخلوص، ومنه عِتاق الخيل وعِتاق الطير، أي: - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ١١

[البهوتي]

فهرس الكتاب

‌كتاب العتق

(وهو) لغة: الخلوص، ومنه عِتاق الخيل وعِتاق الطير، أي: خالصها. وسُمِّي البيتُ الحرام عتيقًا لخلوصه من أيدي الجبابرة

(1)

.

وشرعًا: (تحرير الرَّقبة وتخليصُها من الرِّق) وخُصَّت الرَّقبة، وإن تناول العتق جميع البدن؛ لأن ملك السيد له كالغُلِّ في رقبته المانع له من التصرف، فإذا عتق، صار كأن رقبته أُطلقت من ذلك. يقال: عتق العبد وأعتقه، فهو عتيق ومعتق، وهم عتقاء، وأَمَة عتيق وعتيقة.

وقد أجمع العلماء

(2)

على صحته، وحصول القُربة به. وسنده من

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 201)، والترمذي في تفسير سورة الحج، حديث 3170، والبزار "كشف الأستار"(2/ 45) حديث 1165، والطبري في تفسيره (17/ 151 - 152)، والحاكم (2/ 420)، والبيهقي في الدلائل (1/ 125) من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن الزهري، عن محمد بن عروة بن الزبير، عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما سُمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [كذا في المطبوع، وفي نسخة الكروخي (ق 209/ ب): حسن غريب] وقد رُوي هذا الحديث عن الزهري مرسلًا.

وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط البخاري.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 296): فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، قيل: ثقة مأمون، وقد ضعَّفه الأئمة؛ أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات.

وأخرجه الطبري في تفسيره (17/ 151)، من طريق معمر، عن الزهرى، عن ابن الزبير قال: إنما سمي البيت العتيق؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة.

ورجَّح المرسل الإمامُ أبو حاتم الرازي. انظر: العلل لابنه (1/ 274 - 275).

(2)

الإجماع ص/ 154، والإشراف (2/ 274)، والإقناع لابن المنذر (2/ 593)، =

ص: 7

الكتاب قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}

(1)

، وقوله:{فَكُّ رَقَبَةٍ}

(2)

. ومن السُّنة: حديث أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكل إرْبٍ منها إربًا منه من النَّار، حتَّى أنَّهُ لَيُعتِقُ اليدَ باليدِ، والرِّجلَ بالرِّجلِ، والفَرْجَ بالفَرْجِ" متفقٌ عليه

(3)

في أخبار كثيرة سوى هذا.

(وهو) أي: العتق (من أفضل القُرَب) لأن الله تعالى جعله كَفَّارة للقتل، والوطء في نهار رمضان، وكفَّارة للأيمان، وجعله صلى الله عليه وسلم فكاكًا لمعتِقه من النار؛ ولأن فيه تخليصَ الآدمي المعصوم من ضرر الرِّق وملكه نفسه ومنافعه، وتكميل أحكامه، وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه على حسب إرادته واختياره.

وفي "التبصرة" و"الحاوي الصغير": هو أحبها إلى الله تعالى.

(وأفضل الرِّقاب) لمن أراد العتق (أنفَسُها عند أهلها) أي: أعظمها وأعزها في نفس أهلها (وأغلاها ثمنًا) نقله الجماعة عن أحمد

(4)

.

قال في "الفروع": فظاهره: ولو كافرة؛ وفاقًا لمالك، وخالفه

= ومراتب الإجماع لابن حزم ص/ 260، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1466).

(1)

سورة النساء، الآية:92.

(2)

سورة البلد، الآية:13.

(3)

البخاري في العتق، باب 1، حديث 2517، وفي كفارات الأيمان، باب 6، حديث 6715، ومسلم في العتق، حديث 1509، بنحوه. واللفظ الذي ذكره المؤلف أخرجه أبو عوانة في مسنده (3/ 243) حديث 4829، والبيهقي (6/ 273)، وفي شعب الإيمان (4/ 67) حديث 4339.

(4)

الفروع (6/ 291).

ص: 8

أصحابه

(1)

، ولعله مراد أحمد

(2)

، لكن يُثاب على عتقه، قال في "الفنون": لا يختلف الناس فيه، واحتج به، وِبِرِقِّ الذُّرية على أن الرق ليس بعقوبة، بل محنة وبلوى.

(وعتق الذَّكر ولو لأنثى) أي: ولو كان معتق الذكر أنثى (أفضل من عتق الأنثى) لفضل الذكر على الأنثى (وهما) أي: الذكر والأنثى (في الفكاك من النار، إذا كانا مؤمنين سواء) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أعتق رقبةً مؤمنةً

" الحديث

(3)

، وعُلم منه: أنه لا يحصل الفكاك منها بعتق الرقبة الكافرة للحديث المذكور، وإن قلنا: يُثاب عليه كما تقدم.

(والتعدُّد في العتق) ولو من إناث (أفضل من عتق الواحد) ولو ذكرًا (بذلك المال) لما فيه من تخليص عدد معصوم من ضرر الرق.

(ويُستحب عتق) من له كَسْب ودِين؛ لانتفاعه بملك كسبه بالعتق (و) يُستحب (كتابة مَن له كسب ودِين) لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}

(4)

؛ ولانتفاعه بملك كسبه بالعتق.

(ويُكره عتق من لا قوة له، ولا كسب) لسقوط نفقته بإعتاقه، فيصير كَلًّا على الناس، ويحتاج إلى المسألة، وكذا كتابته.

(وإن كان) الرقيق (ممن يَخاف عليه الرجوع إلى دار الحرب، وتركَ إسلامه، أو) يَخاف عليه (الفساد من قطع طريق وسرقة، أو يَخاف على الجارية الزنى والفساد، كُرِه إعتاقه) لئلا يكون وسيلة إلى مُحَرَّم

(1)

الذخيرة (11/ 82 - 83).

(2)

انظر: مسائل الكوسج (8/ 4505) رقم 3250، وأهل الملل من الجامع للخلال (2/ 331) رقم 708 - 713.

(3)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة تعليق رقم (3).

(4)

سورة النور، الآية:33.

ص: 9

(وإن عَلِم ذلك) أي: الرجوع إلى دار الحرب، وترك الاسلام، أو الفساد من قطع طريق وسرقة، أو الزنى (منه) أي: الرقيق؛ حَرُم عتقه (أو ظَنَّه) أي: ظن السيد وقوع ما ذكر من الرقيق (حَرُم) عتقه؛ لأن التوسل إلى المُحَرَّم حرام (و) إن أعتقه مع علمه، أو ظنه ذلك منه (صح) العتق؛ لأنه إعتاق صدر من أهله في محله، فنفذ؛ كعتق غيره.

(ولو أعتق رقيقَه، واستثنى نفعَهُ مدةً معلومةً) كشهر، أو سنة ونحوها، صح كبيعه كذلك (أو) أعتقه و (استثنى خدمتَهُ) للمعتق، أو غيره كما أشار اليه في "الاختيارات"

(1)

(مدة حياته، صح) ما ذكر من العتق والاستثناء؛ لأن أُمَّ سلمة (أعْتَقَتْ سَفِينة واشترطتْ خدمتَهُ له صلى الله عليه وسلم ما عاش" رواه أبو داود

(2)

.

(ويصح العتق ممن تصح وصيته، وإن لم يبلغ

(3)

) قاله في "الرعايتين"، و"الفائق" زاد في "الفائق": نص عليه

(4)

.

وقال في "المذهب": يصح عتق من يصح بيعه.

قال الناظم: ولا يصح إلا ممن يصح تصرُّفه في ماله، وقدَّمه في "المستوعب". وقطع الموفَّق وغيره أنه لا عتق لمميز، وقال طائفة من الأصحاب: لا يصح عتق الصغير بغير خلاف، منهم الموفَّق، وأثبت غير واحد الخلاف.

(ولا يصح) العتق (من سفيه) كالهبة والصدقة منه (ولا) يصح -أيضًا- (من مجنون) لأنه لا يعقل ما يقوله (ولا) يصح عتقٌ -أيضًا- (من

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 288.

(2)

تقدم تخريجه (7/ 394) تعليق رقم (3).

(3)

جاء بعدها في متن الإقناع (3/ 254): "ويقع العتق في بيع فاسد".

(4)

انظر: مسائل أبي داود ص/ 214.

ص: 10

غير مالك بغير إذنه) كبيعه وهبته وصدقة به (ولا أن يُعتق) أب (عبد ولده الصغير، كـ) ـما لا يصح أن يعتق عبد ولده (الكبير، ولا) عبد ولده (المجنون، ولا) أن يعتق عبد (يتيمه الذي في حِجره) لأنه تبرع وهو ممنوع منه.

(ولا) يصح -أيضًا- (عتق) العبد (الموقوف) ولو على معين، وقلنا: الملك فيه له؛ لتعلُّق حق من يأتي من البطون بعده به.

(ولو قال رجل) أو امرأة (لعبد غيره) أو أَمَته: (أنت حُرٌّ من مالي، فلَغْوٌ) لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، ولا يملك مال غيره ببذل عوضه (فإن اشتراه بعد ذلك) أي: بعد قوله: أنت حُرٌّ من مالي (فهو مملوكه، ولا شيء عليه) لأنه لم يقع منه تعليق لعتقه على ملكه، ولا نَذْر لعتقه.

(ويحصُل العتق بالقول، و) يحصُل -أيضًا- بـ (ـالملك) لذي رَحِمٍ مَحْرَم، وباستيلاد إذا مات؛ ذكره في "الكافي"، وبالتمثيل ويأتي.

و (لا) يحصل (بالنية المجرَّدة) لأنه إزالة ملك، فلا يُكتفى فيه بالنية المجردة كالطلاق.

(فأما القول فـ) ـله صريح وكناية، و (صريحه لفظ: العتق، و) لفظ (الحرية) لأنهما لفظان ورد الشرع بهما، فوجب اعتبارهما (كيف صُرِّفا، نحو) قوله لرقيقه: (أنت حر، أو) أنت (محرَّر) أو حررتُك (أو) أنت (عتيق، أو معتق، أو) قال له، (أنت حر في هذا الزمان، أو) أنت حر في هذا (المكان) أو في هذا البلد، فيعتق مطلقًا؛ لأنه إذا أعتق في زمان أو مكان، لا يعود رقيقًا في غيرهما (أو) قال لرقيقه:(أعتقتُك) فيعتق في جميع ما تقدم (ولو) كان (هازلًا) كالطلاق (ولو تجرَّد) ما سبق من لفظ

ص: 11

الصريح (عن النية) قال أحمد

(1)

في رجل لَقِي امرأة في الطريق، فقال: تنحَّيْ يا حُرة. فإذا هي جاريته، قال: قد عتقت عليه. وقال

(2)

في رجل قال لخدم قيام في وليمة: مُرُّوا، أنتم أحرار. وكان فيهم أُم ولده، لم يعلم بها، قال: هذا به عندي تعتق أم ولده.

و (لا) يصح العتق (من نائم ونحوه) كمُغمىً عليه ومبرسم؛ لأنهم لا يعقلون ما يقولون.

قال في "الفاتق": قلت: نية قصد اللفظ معتبرة تحرُّزًا من النائم ونحوه، ولا تُعتبر نية النفاذ، ولا نية القربة، فيقع عتق الهازل. انتهى. ومعنى قوله: نية قصد اللفظ. أي: إرادة لفظه لمعناه، فلا عتاق لِحاكٍ وفقيه يكرره ونائم ونحوه، كما يأتي في الطلاق.

ويُستثنى من تصريف لفظ العتق والحرية ثلاثة ألفاظ، ذكرها بقوله:(غير أمر، ومضارع، واسم فاعل) فمن قال لرقيقه: حَرِّرْه، أو أعْتِقْه، أو أُحَرِّرُه، أو أُعْتِقُه، أو هذا مُحرِّر بكسر الراء، أو هذا معتِق بكسر التاء، لم يعتق بذلك؛ لأن ذلك طلب ووعد وخبر عن غيره، فلا يكون واحد منها صالحًا للإنشاء، ولا إخبار عن نفسه فيؤاخذ به. فإن قال: أنت عاتق، فقياس ما يأتي في الطلاق يعتق بذلك.

(وإن) قال لرقيقه: أنت حر، و (قصد بلفظ الحرية: عِفَّته وكرم أخلاقه) لم يعتق (أو) قصد (بقوله) لرقيقه: (ما أنت إلا حُر) غير معناه كأن (يريد به عدم طاعته ونحو ذلك، لم يعتق) قال حنبل

(3)

: سُئِل أبو

(1)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 165).

(2)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 164 - 165).

(3)

المغني (14/ 346) وانظر: مسائل عبد الله (3/ 1201) رقم 1658.

ص: 12

عبد الله عن رجل قال لغلامه: أنت حُرٌّ، ولا يريد أن يكون حرًّا، أو كلام شبه هذا: رجوت ألا يعتق، وأنا أهاب المسألة؛ لأنه نوى بكلامه ما يحتمله، فانصرف إليه.

وييان احتمال اللفظ لما أراده: أن المرأة الحر تُمدح بمثل هذا، يقال: امرأة حرة، يعنون عَفيفة. وتُمدح المملوكة -أيضًا- بذلك. ويقال لكريم الأخلاق: حُر. قالت سُبَيْعة ترثي عبد المطلب

(1)

:

ولا تسأما أن تبكيا كلَّ ليلة

ويومٍ على حُرٍّ كريمٍ الشمائل

(ولو أراد العبدُ إحلافَه

(2)

) أي: إحلاف سيده أنه نوى بحريته ما ذكر (فله ذلك) فيحلف السيد، لاحتمال صدق العبد، فعلى هذا: إن نَكَل قُضي عليه بالعتق.

(وكنايته) أي: العتق: (خَلَّيْتُك، والْحَقْ بأهلك، واذهبْ حيث شئتَ وأطلقتُكَ، وحبلُك على غاربك، ولا سبيل) لي عليك (ولا مِلك) لي عليك (ولا رِقَّ) لي عليك (ولا سلطان) لي عليك (ولا خدمة لي عليك، وفككتُ رقبتَك، وأنت مولاي، وأنت لله، ووهبتُك لله، ورفعتُ يدي عنك إلى الله، وأنت سائبة، وملَّكْتُك نفسك، وقوله لأمَته: أنت طالق، أو) أنت (حرام) وفي "الانتصار": وكذا: اعتدِّي، وأنه يحتمل مثله في لفظ الظِّهار.

(وقوله لعبده الذي لا يُمْكِنُ كونه منه لكبره، أو صغره ونحوه) ككونه ممسوحًا: (أنت ابني، أو) أنت (أبي، فلا يعتق بها) أي: بشيء من هذه الكنايات (ما لم ينوِ عتقه) لأن هذه الألفاظ تحتمل العتق وغيره، فلا

(1)

المغني (14/ 346).

(2)

فى "ذ": "استحلافه".

ص: 13

تُحمل عليه إلا بالنية.

(وان) قال لعبده: أنت أبي، أو ابني، و (أمكن كونه منه؛ عَتَق)، نواه أو لا (ولو كان له نسب معروف) لجواز كونه من وطء شُبهة.

(وإن قال) لرقيقه: (أعتقتُكَ من ألف سنة، أو) قال له: (أنت حُرٌّ من ألف سنة، ونحوه) مما هو معلوم الكذب، لم يعتق (أو قال لأمَته: أنت ابني، أو لعبده: أنت ابنتي، لم يعتق) بذلك؛ لأنه محال من الكلام، وكذب يقينًا.

قلت: وإن نوى به العتق عَتَق، قياسًا على قوله لعبده الذي لا يمكن كونه منه لكبر ونحوه: أنت ابني.

(وإن أعتق) أَمَة (حاملًا، عَتَقَ جنينها) لأنه يتبعها في البيع والهبة، فتبعها في العتق (إلا أن يستثنيه) أي: الحمل، فلا يعتق لإخراجه إياه. وعُلم منه: صحة استثناء الحَمْل في العتق، وبه قال ابن عمر

(1)

، وأبو هريرة

(2)

، لأنه يصح إفراده بالعتق، بخلاف البيع، فيصح استثناؤه كالمنفصل، ويفارق البيع؛ لأنه عقد معاوضة يُعتبر فيه العلم بصفات المعوض، ليعلم هل قام مقام العوض أو لا؟ والعتق تبرع لا تتوقف صحته على معرفة صفات المعتَق، ولا تُنافيه الجهالة به، ويكفي العلم بوجوده، وقد وُجِد.

(وإن أعتق ما في بطنها دونها) بأن قال: أعتقتُ حملك (عَتَق)

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (6/ 154) عن محمد بن الفضاء، عن أبيه، عن ابن عمر في الرجل يبيع الأمة ويستثني ما في بطنها، قال: له ثنياه. وذكر ابن حزم في المحلى (9/ 188) عن ابن عمر "أنه أعتق أمة له، واستثنى ما في بطنها" وقال: هذا إسناد كالشمس من أوله إلى آخره.

(2)

لم نقف على من رواه مسندًا، وأشار إليه ابن حزم في المحلى (9/ 189).

ص: 14

حملُها (وحدَه) ولم يَسْرِ العتق إلى أُمِّه؛ لأن الأصل لا يتبع الفرع، بخلاف عكسه (ولو أعتق أمَةً حَمْلُها لغيره، وهو) أي: المعتق (موسر) بقيمة الحمل (كـ) ـالحمل (الموصى به) إذا أعتق الوارث الموسر أُمّه (عتق الحمل) تبعًا لأمه بالسراية (وضمن) المعتق (قيمته) للموصى له به؛ لأنه فوَّته عليه.

قلت: وتعتبر قيمته يوم وضعه؛ لأنه أول وقت يتأتى تقويمه فيه.

(وأما الملك) الذي يحصُل به العتق (فمن مَلَك) من جائز التصرف وغيره (ذا رَحِم) أي: قرابة (مَحْرَم) وهو الذي لو قُدِّر أحدهما ذكرًا، والآخر أنثى حرم نكاحه عليه للنسب، بخلاف ولد عمه وخاله، ولو كان أخاه من رضاع، فإنه لا يعتق عليه بالملك، وإن كان ذا رَحم مَحْرَم؛ لأن تحريمه بالرضاع لا بالنسب (ولو) كان ذو الرحم المَحرَم (مخالفًا له في الدَّين) وقوله:(بميراث أو غيره) من بيع أو هبة أو وصية أو جعالة ونحوها متعلق بـ"ملك".

(ولو) كان المملوك المُحرَّم بالقرابة (حَمْلًا) كما لو اشترى زوجة ابنه الأمَة، التي هي حامل من ابنه (عتق عليه) لحديث الحسن عن سَمُرَة مرفوعًا:"مَن ملكَ ذا رحِمٍ مَحرمٍ فهو حُرٌّ" رواه الخمسة

(1)

،

(1)

أبو داود في العتق، باب 7، حديث 3949، والترمذى في الأحكام، باب 28، حديث 1365، والنسائي في الكبرى (3/ 173) حديث 4898 - 4901، وابن ماجه في العتق، باب 5، حديث 2524، وأحمد (5/ 15، 18، 20). وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص/ 123، حديث 910، وابن أبي شيبة (6/ 31)، وابن الجارود (3/ 238) حديث 973، والطحاوى (3/ 109)، وفى شرح مشكل الآثار (13/ 442 - 444) حديث 5400 - 5403، والطبراني في الكبير (7/ 205) حديث 6852، وفي الأوسط (2/ 118) حديث 1438، والحاكم (2/ 214) والبيهقي (10/ 289)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 406) حديث 20479، كلهم من طرق عن حماد بن =

ص: 15

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سلمة عن قتادة، عن الحسن، به.

وعند ابن ماجه، وفي رواية للترمذي حديث 1365، والنسائي حديث 4902، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، وعاصم الأحول، عن الحسن، به.

وأخرجه بن أبي شيبة (6/ 30)، عن عبد الكريم، عن الحسن مرسلًا.

وأخرجه أبو داود -أيضًا- في العتق باب 7، رقم 3950، والنسائي في الكبرى (3/ 174) رقم 4903، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عمر رضي الله عنه موقوفًا.

قال أبو داود: لم يحدث ذلك الحديث إلا حماد بن سلمة، وقد شك فيه.

وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مسندًا إلا من حديث حماد بن سلمة.

وقال في العلل الكبير ص/ 211، رقم 375: سألت محمدًا [البخاري] عن هذا الحديث فلم يعرفه عن الحسن عن سمرة إلا من حديث حماد بن سلمة، قال: ويروى عن قتادة عن الحسن عن عمر هذا الحديث أيضًا.

وقال الحاكم: صحيح محفوظ.

وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/ 406 - 407) بعد ذكر طرق هذا الحديث: "والحديث إذا انفرد به حماد بن سلمة، ثم يشك فيه، ثم يخالفه فيه من هو أحفظ منه، وجب التوقف فيه، وقد أشار البخاري إلى تضعيف هذا الحديث، وقال علي ابن المديني: هذا عندى منكر". انتهى.

وللحديث شواهد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 173) حديث 4897، وابن ماجه في العتق، باب 5، حديث 2525، وابن الجارود (3/ 238) حديث 972، والطحاوي (3/ 109)، والحاكم (2/ 214)، والبيهقي (10/ 289)، من طريق ضمرة، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قال الترمذي -بعد أن رواه معلقًا عقب الحديث 1365 - : ولم يُتابَع ضمرة على هذا الحديث، وهو حديث خطأ عند أهل الحديث.

وقال النسائي: حديث منكر.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. =

ص: 16

وحسَّنه الترمذي، وقال: العمل على هذا عند أهل العلم

(1)

.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجزي ولد والدَه إلا أن يجِدهُ مملوكًا فيشتَريَه فيُعتِقه" رواه مسلم

(2)

، فيحتمل أنه أراد: فيشتريه فيعتقه بشرائه، كما يقال: ضربه فقتله، والضرب هو القتل، وذلك لأن الشراء لما كان يحصل به العتق تارة دون أخرى، جاز عطف صفته عليه، كما يقال: ضربه فأطار رأسه. وذكر أبو يعلى الصغير: أنه -أي: العتق بالملك- آكد من التعليق، فلو عَلَّق عتق ذي رَحِمه المَحْرم على ملكه فملكه عتق بملكه لا بتعليقه.

و (لا) يعتق بالملك ذو رَحِم (غير مَحْرَم) كولد عَمِّه وعَمَّته، وولد خاله وخالته، (ولا) يعتق -أيضًا- بالملك (مُحَرَّم برضاع) كأمّه منه،

= وقال البيهقي: المحفوظ بهذ الإسناد حديث: نهى عن بيع الولاء وعن هبته. وقال في معرفة السنن والآثار (14/ 407): هذا وهم فاحش والمحفوظ

إلخ.

وأنكره الإمام أحمد ورده ردًّا شديدًا، وقال: لو قال رجلٌ: إن هذا كذب لما كان مخطئًا. انظر: تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 459) رقم 1168، وتهذيب التهذيب (4/ 461).

ب- عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: أخرجه ابن عدي (2/ 459) وضعفه.

ج- علي رضي الله عنه مرفوعًا. أخرجه ابن عدي (5/ 1776) في ترجمة عمرو بن خالد أبي خالد الكوفي، وقال: عامة ما يرويه موضوعات.

د- عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه أبو داود في العتق، باب 7، رقم 3950، والنسائي في الكبرى (3/ 174 - 175) رقم 4903، 4906 - 4911، وعبد الرزاق (9/ 183) حديث 16856، 16857، وابن أبي شيبة (6/ 31)، وأحمد فى العلل (1/ 425) رقم 937، والطحاوى (3/ 110)، وفي شرح مشكل الآثار (13/ 445 - 446)، والبيهقي (10/ 289).

(1)

لم نقف على تحسين الترمذي، وقد تقدم في التعليق السابق قوله: والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم.

(2)

في العتق، حديث 1510، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 17

وأُخته منه، وعَمَّته منه، وخالته منه (أو) مُحَرَّم بـ (ـمصارهة) كأمّ زوجته وبنتها، وحلائل عمودي النسب، فلا يعتقون بالملك؛ لمفهوم الحديث السابق؛ ولأنه لا نص في عتقهم ولا هم في معنى المنصوص عليهم، فيبقون على الأصل.

(وإن ملك) إنسان (ولده وإن نزل) من زنىً، لم يعتق عليه (أو) ملك (أباه) وإن علا (من الزنى، لم يعتق) عليه، لأن أحكام الأبوة والبنوة من الميراث والحَجْب والمحرمية، ووجوب الإنفاق، وثبوت الولاية عليه، لم يثبت شيء منها في كونه أبًا، ولا في كونه ابنًا، فكذا في العتق.

(وإن ملك سهمًا) أي: جزءًا، وإن قَلَّ (ممن يعتق عليه) كأبيه، وابنه، وأخيه وعَمّه (بغير الميراث) متعلّق بـ "ملك"، (وهو) أي: المالك لجزء من أبيه ونحوه (موسر) بقيمة باقية (عتق عليه كله) أي: كل الذي ملك جزءه؛ لأنه فعل سبب العتق اختيارًا منه، وقَصْدًا إليه، فسرى عليه كما لو أعتق نصيبه من مشترك. قال الإمام أحمد

(1)

: له نصف القيمة. قال في "الفروع": لا قيمة النصف. وردَّه ابن نصر الله في "حواشيه"، وتأول كلام أحمد. وقال الزركشى: هل يقوّم كاملًا ولا عتق فيه، أو قد عتق بعضه؟ فيه قولان للعلماء، أصحهما الأول، وهو الذى قاله أبو العباس

(2)

فيما أظن؛ لظاهر الحديث؛ ولأن حق الشريك إنّما هو في نصف القيمة لا قيمة النصف، بدليل ما لو أراد البيع، فإن الشريك يُجبر على البيع معه. انتهى. وكذا الحكم لو أعتق شركًا في عبد، وهو موسر

(1)

مسائل صالح (2/ 72) رقم 620، وانظر مسائل عبد الله (3/ 1190) رقم 1644، ومسائل ابن هانئ (2/ 162) رقم 1440، مسائل الكوسج (8/ 4380) رقم 3129.

(2)

مجموع الفتاوى (28/ 96، 29/ 72)، والاختيارات الفقهية ص/ 287.

ص: 18

على ما يأتي؛ قاله في "الإنصاف"(وإلا) أي: وإن لم يكن موسرًا بقيمة باقية كله (عتق منه بقَدْر ما هو موسر به) ممن ملك جزءه بغير إرث.

(والموسر هنا: القادر حالة العتق على قيمته) أي: قيمة ما عتق عليه بالسراية (وأن يكون ذلك) الذي هو قيمته (كفطرة) أى: فاضلًا عن حاجته، وحاجة من يمونه يوم العتق وليلته.

(وإن كان) الذي ملك جزءًا من رَحِمه المَحْرَم (معسرًا) فلم يملك من قيمة باقيه شيئًا فاضلًا عن حاجته وحاجة من يمونه، لم يعتق منه سوى ما ملكه (أو ملكه) أي: ملك جزءًا من رَحِمه المَحْرم (بالميراث، ولو) كان (موسرًا) بقيمة باقيه (لم يعتق عليه إلا ما ملك) منه؛ لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه؛ لحصول ملكه بدون فعله وقصده.

(وإن مثَّل) -بتشديد المثلثة- قال أبو السعادات

(1)

: مثَّلثُ بالحيوان أمثِّل تمثيلًا، إذا قطعت أطرافه، وبالعبد إذا جدعت أنفه، أو أذنه ونحوه، (برقيقه، ولو) كان تمثيله به (بلا قصد، فقطع أنفه، أو) قطع (أذنه، أو) قطع (عضوًا منه) كيده أو رجله (أو جبَّه) بأن قطع ذكره (أو خصاه) بأن قطع خُصيتيه (أو خرق) عضوًا منه (أو أحرق) بالحاء المهملة (عضوًا منه) أي: من رقيقه كيَدِهِ أو رجله (أو وطئ) سيد (جاريته المباحة التي لا يوطأ مثلها، فأفضاها) أي: خرق ما بين سبيليها (قال الشيخ

(2)

: أو استكرهه على الفاحشة) أي: لو فعل المالك الفاحشة، أي: اللواط بعبده مكرهًا (عتق عليه) الرقيق بمجرد التمثيل به (بلا حكم) حاكم، لما روى عمرو بن شعيب، من أبيه، عن جده: "أنَّ زِنباعًا أبا

(1)

النهاية في غريب الحديث (4/ 294).

(2)

مجموع الفتاوى (20/ 566)، والاختيارات الفقهية ص/ 287.

ص: 19

رَوحٍ وَجد غُلامًا له مع جاريته، فَقَطع ذكرَه وجدَع أنفهُ، فأتى العبدُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما حَملك على ما فعلت؟ قال: فعَل كذا وكذا، قال: اذهب فأنت حرٌّ" رواه أحمد

(1)

وغيره.

والاستكراه على الفاحشة في معنى التمثيل، وحيث تقرر أنه يعتق بالتمثيل فإنه يعتق (ولو كان عليه) أي: على السيد أو العبد الذي مثَّل به (دين) ولو تعلَّق برقبة العبد، كما لو أعتقه بالقول.

(وله) أي: للسيد الذي مثَّل برقيقه (ولاؤه) لحديث: "الولاءُ لمن أعتق"

(2)

وكما لو عتق عليه بغير ذلك. وقيل: ولاؤه لبيت المال.

(ولا عتق) حاصل (بضربه) أي: الرقيق (وخدشه، ولعنه) لأنه لا نص في العتق بذلك، ولا هو في معنى المنصوص عليه، فلم يعتق بذلك كما لو هَّدده.

(ولو مثَّل) سيد (بعبد مشترك) بينه وبين غيره (سرى العتق) من نصيب الممثِّل (إلى باقيه بشرطه) وهو أن يكون الممثل موسرًا بقيمة باقيه فاضلة كفطرة (وضمن) الممثل (للشريك) قيمة حصته يوم عتقه (ذكره ابن عقيل) قياسًا على ما لو أعتق نصيبه بالقول.

و (لا) عتق (إذا مثَّل بعبد غيره) لأنه لا يملك عتقه بالقول، فأولى

(1)

(2/ 182). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الديات، باب 7، حديث 4519، وابن ماجه في الديات، باب 29، حديث 2680، وعبد الرزاق (9/ 438) حديث 17932، وابن سعد (7/ 506)، وسحنون في المدونة (7/ 219)، والطبراني في الكبير (5/ 268) حديث 5301، والبيهقي (6/ 36)، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 350) حديث 308.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 288 - 289): رواه أحمد ورجاله ثقات.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).

ص: 20

ألَّا يعتق بتمثيله به، وعليه دية ما جنى عليه، على ما يأتي تفصيله فى الجنايات، وملك سيده باق عليه.

(وقال جماعة) من الأصحاب: (لا يعتق المُكاتَب بالمُثْلة) لأنه يستحق على سيده أرش الجناية فينجبر بذلك.

(ولو أعتق عبده) وبيده مال، فهو لسيده، رُوي عن ابن مسعود

(1)

وأبي أيوب

(2)

وأنس

(3)

؛ لما روى الأثرم بإسناده عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير: "يا عُميرُ، إني أريد أن أعتقَك عِتقًا هنيًّا، فأخبرني بمالِكَ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيّما رجل أعتق عبده، أو غلامهُ فلم يخبره بماله، فمالُهُ لسيِّده"

(4)

؛ ولأن العبد وماله كانا للسيد، فأزال ملكه عن أحدهما، فبقي ملكه في الآخر، كما لو باعه.

(1)

أخرجه أبو يوسف في الآثار ص/ 169، رقم 773، وعبد الرزاق (8/ 134) رقم 14618، وابن أبي شيبة (6/ 417، 418)، والطبراني في الكبير (9/ 236) رقم 9157.

(2)

أخرجه ابن أبى شيبة (6/ 418).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 135) رقم 14619، وابن أبي شيبة (6/ 417).

(4)

لعله في سنن الأثرم، ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- أبو ماجه في العتق، باب 8، حديث 2350، من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن جده عمير، عن عبد الله بن مسعود

الحديث.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 100): هذا إسناد فيه مقال، إسحاق بن إبراهيم قال فيه البخاري [التاريخ الكبير 1/ 379]: لا يتابع في رفع حديثه.

وأخرجه الشاشى في مسنده (2/ 249) حديث 823، وابن عدي في الكامل (5/ 954)، والبيهقي (5/ 326) عن طريق عبد الأعلى بن أبي المساور، عن عمران بن عمير، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود

الحديث.

وقال ابن عدى: عبد الأعلى بن أبي المساور، عامة أحاديثه مما لا يتابعه عليها الثقات.

ص: 21

ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من باعَ عبدًا وله مالٌ، فمالهُ للبائع إلا أن يشترطه المبتاعُ"

(1)

فأما حديث ابن عمر يرفعه: "مَن أعتقَ عبدًا وله مالٌ فالمال للعبد" رواه أحمد وغيره

(2)

، فقال أحمد

(3)

: يرويه عبيد الله بن أبي

(1)

أخرجه البخاري في المساقاة، باب 17، حديث 2379، ومسلم في البيوع، حديث 1543 (80)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

لم نقف عليه في مسند أحمد، ولا في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وأخرجه أبو داود في العتق، باب 11، حديث 3962، والنسائي في الكبرى (3/ 188) حديث 4980، 4981، وابن ماجه في العتق، باب 8، حديث 2529، وأبو عبيد في الأموال ص/ 557، حديث 1341، وسحنون في المدونة (7/ 217)، والطبراني في الأوسط (9/ 332) حديث 8725، والدارقطني (4/ 134)، والبيهقي (5/ 325)، من طريق عبيد الله بن أبى جعفر، عن بكير بن الأشج، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال أبو حاتم -كما في العلل لابنه (1/ 395) حديث 1183 - : هذا خطأ، إنما هو: من باع عبدًا فماله للبائع.

وقال البيهقي: هذا بخلاف رواية الجماعة عن نافع، فقد رواه الحفاظ عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر -كما تقدم- (أي بلفظ: من باع عبدًا، وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)، ورواه جماعة عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه سالم عن أبيه. وقال ابن القيم رحمه الله:"هذا الحديث يعد في أفراد عبيد الله هذا، وقد أنكره عليه الأئمة، قال الإمام أحمد -وقد سئل عنه-: يرويه عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر، وهو ضعيف في الحديث، كان صاحب فقه، وأما في الحديث فليس هو فيه بالقوي، وقال أبو الوليد: هذا الحديث خطأ، وهذا كما قاله الأئمة، فإن الحديث المحفوظ عن سالم: إنما هو في البيع (من باع عبدًا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) هذا هو المحفوظ عنه، وأما قصة العتق، فإنها وهم من ابن أبي جعفر، خالف فيها الناس".

قال ابن حزم في المحلى (9/ 215): فهذا إسناد في غاية الصحة لا يجوز الخروج عنه. وقال ابن حجر في الفتح (5/ 171): أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح.

(3)

نقل قوله ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (5/ 420).

ص: 22

جعفر من أهل مصر، وهو ضعيف الحديث، كان صاحب فقه، فأما في الحديث فليس فيه بالقوي.

(أو) أعتق (مكاتبه وبيده مال، فهو لسيده) لما سبق، بخلاف ما لو أدى المكاتب ما عليه من دين الكتابة، فإنه يعتق، وما بقي بيده من المال فله، كما يأتي في بابه.

فصل

(ومن أعتق جزءًا من رقيقه غير شعر، وسن، وظفر، وريق، ونحوه) كدمع، وعرق، ولبن، ومني، وبياض، وسواد، وسمع، وبصر، وشم، ولمس، وذوق (معينًا) كان الجزء الذي أعتقه -غير ما استثنى- كيده ورجله، و (كرأسه وإصبعه، أو مشاعًا كنصفه، وعُشر عُشره، ونحوه) كجزء من ألف جزء منه (عتق) الرقيق (كله) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أعتق شِقْصًا له مِن مملوكٍ، فهو حُرٌّ مِن ماله"

(1)

قال في "المغنى" وغيره: ولأنه إزالة ملك عن بعض مملوك الآدمى، فزال عن جميعه، كالطلاق، ويفارق البيع؛ فإنه لا يحتاج إلى السعاية، ولا ينبنى على التغليب والسراية. وأما إذا قال: شعرك، أو نحوه حر؛ فإنه لا يعتق منه شيء؛ لأن هذه الأشياء تزول ويخرج غيرها، فهي في قوة المنفصلة.

(وإن أعتق) أحد شريكين (شِركًا له في عبد) أو أَمَةٍ، بأن أعتق

(1)

أخرجه البخارى في الشركة، باب 5، 14، حديث 2492، 2504، وفي العتق، باب 5، حديث 2526، 2527، ومسلم في العتق، حديث 1503، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 23

حصته، أو بعضها (أو) أعتق (العبد) المشترك (كله) أو أعتق الأَمَة المشتركة كلها (وهو) أي: الشريك الذي باشر العِتق (موسر بقيمة باقيه يوم) أي: حين (عتقه على ما ذكر في زكاة فِطر؛ عتق) العبد (كله) أو الأمَة كلها (وعليه) أي: الشريك المباشر للعتق (قيمة باقية لشريكه) لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أعتق شِركًا له في عبدٍ، وكان له مالٌ يبلغ ثمن العبد، قُوِّمَ عليه العبد قيمةَ عَدْل، فأعطى شُركاءَهُ حصَّتهُم، وعَتَقَ عليه العبد، وإلا؛ فقد عتَقَ عليه ما عَتَق" متفق عليه

(1)

.

وتُعتبر القيمة (وقت عتقه) أي: اللفظ بالعتق؛ لأنه حين التلف (فإن لم يؤدِّ) الشريك المعتق (القيمة حتى أفلس) أي: حَجَر عليه الحاكم لفلس (كانت) القيمة (في ذمته) فيضرب لربها بها أسوة الغرماء، ولم يبطل العتق؛ لأنه إذا وقع لا يرتفع (ويعتق على موسر ببعضه) أي: ببعض قيمة باقي العبد، أو الأمَة (بقَدْره) أي: بقدر ما هو موسر به فقط، وباقيه رقيق (كما تقدم

(2)

) في من ملك جزءًا من ذي رَحِمه المَحْرَم بنسب (وولاؤه) أي: ولاء ما عتق عليه من نصيب شريكه بالسراية (له) لأنه المعتق له، ولذلك غرم قيمته.

(وسواء) فيما تقدم (كان العبد والشركاء مسلمين) كلهم (أو كافرين) كلهم (أو) كان (بعضهم) مسلمًا، وبعضهم كافرًا، ولو كان المعتق كافرًا والعبد مسلمًا؛ لما تقدم، ولا فرق في العبد -أيضًا- بين القن والمُدَبَّر والمُكاتَب ونحوه، ولو مع رهن شقص الشريك، وتجعل

(1)

البخاري في الشركة، باب 5، حديث 2491، وفي العتق، باب، 4، 17، حديث 2522، 2523، 2553، ومسلم في العتق، حديث 1501. ولفظهما:"فقد عتق منه ما عتق".

(2)

(11/ 19).

ص: 24

قيمته مكانه، وإذا كان المشترك مكاتَبًا، وسرى العتق، قُوِّم مكاتَبًا، وغرم المعتق حصة الشريك منه.

(فإن أعتقه الشريك بعد ذلك) أي: بعد عتق شريكه لنصيبه وسراية العتق إلى نصيبه (ولو قبل أخذ) الشريك (القيمة) لم ينفذ عتقه له؛ لأنه قد صار حرًّا بعتق الأول له؛ لأن عتقه حصل باللفظ لا بدفع القيمة، وصار جميعه حرًّا واستقرَّت القيمة على المعتق الأول، فلا يعتق بعد ذلك بعتق غيره (أو تصرَّف) الشريك (فيه) أي: في نصيبه من العبد المشترك بعد عتق شريكه الموسر (لم ينفذ) تصرفه، سواء كان بيعًا، أو هبة، أو إجارة، ونحوها؛ لأنه تصرف في حرٍّ.

(وإن اختلفا) أي: الشريكان (في القيمة) أي: قيمة العبد المشترك حين اللفظ بالعتق (رجع إلى قول المقوِّمين) أي: أهل الخبرة بالقيم؛ لأنهم أدرى بها، ولابُدَّ من اثنين، كما يؤخذ من بأب القسمة من قولهم: إن كان يحتاج إلى تقويم، فلابُدَّ من قاسمين (فإن كان العبد) الذي وقعت السراية فيه (قد مات أو غاب، أو تأخَّر تقويمه) عن زمن اللفظ بالعتق (زمنًا تختلف فيه القيمة، ولم يكن بينة) بقيمته وقت العتق (فالقول قول المعتِق) بيمينه؛ لأنه منكِر لما زاد على ما يقوله، والأصل براءة ذِمته من الزيادة.

(وإن اختلفا في صناعةٍ في العبد توجب زيادة القيمة؛ فقول المعتِق) أيضًا بيمينه؛ لما تقدم (إلا أن يكون العبد يحسن الصناعة في الحال، ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه، فيكون القول قول الشريك) المطالب بالقيمة؛ لأن الظاهر معه، والأصل عدم التعلم (كما لو اختلفا في عيب ينقصه، كسرقة وإباق) بأن قال المعتِق: كان العبد يسرق، أو

ص: 25

يأبق، وأنكر شريكُه، فقوله؛ لأن الأصل سلامته.

(وإن كان العيب) موجودًا (فيه حال الاختلاف، واختلفا في حدوثه فـ) ـــالقول (قول المعتِق) في عدم حدوثه؛ لأنه الأصل.

(وإن كان المعتِق) للعبد المشترك، أو لنصيبه منه (معسرًا بقيمة شقص شريكه كله، فلم يملك شيئًا من قيمته (عتق نصيبه) من العبد أو الأَمَة (فقط) يعني: ولا يسري عتقه إذًا إلى نصيب شريكه (ولو أيسر بعده) أي: بعد العتق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإلَّا فقد عَتَق عليه ما عَتَق"

(1)

.

(وإذا كان لرجل) أو امرأة (نصف عبد) أو أَمَة (ولـ) ـشخص (آخر ثلثه) أي: العبد أو الأمَة (ولـ) ـشخص (آخر سدسه، فأعتق موسران منه) أي: العبد أو الأمَة (حقَّيهِما معًا بوكيل) بأن وكَّلا من أعتق حقَّيهما منه معًا، أو وكَّل أحدهما الآخر فأعتق حقَّيهما (أو تعليقٍ) بأن قالا له: إذا جاء رأس الشهر، أو دخلت الدار ونحوه، فنصيبنا منك حُر ونحوه، وكذا لو تلفَّظا بالعتق معًا (فضمان حق) الشريك (الثالث) بينهما نصفين؛ لأن عتق نصيب الثالث عليهما إتلاف لرقِّه، وقد اشتركا فيه فتساويا في ضمانه، ويفارق الشفعة؛ لأنها شُرعت لإزالة الضرر عن نصيب الشريك الذي لم يبع، فكان استحقاقه على قَدْر نصيبه (وولاء حصته) أي: الشريك الثالث (بينهما نصفين) لأن الولاء بحسب العتق.

(ولو قال شريك) في رقيق: (أعتقتُ نصيبَ شريكي فـ) ـــقوله ذلك (لغو) ولو موسرًا، ولو رضي شريكه؛ لأنه لا ولاية له على نصيب شريكه.

(وإن قال) الشريك في رقيق: (أعتقتُ النصف، انصرف إلى ملكه

(1)

تقدم تخريجه (11/ 24) تعليق رقم (1).

ص: 26

ثم سرى) العتق إلى نصيب شريكه إن كان موسرًا؛ لأن الظاهر أنه أراد نصفه الذي يملكه. ونقل ابن منصور عن أحمد

(1)

-في دار بينهما، قال أحدهما: بعتك نصف هذه الدار-: لا يجوز، إنما له الربع من النصف حتى يقول: نصيبي.

(ولو وكَّل أحدهما) أي: أحد الشريكين الشريك (الآخر) في عتق نصيبه من الرقيق المشترك (فأعتق) الشريك الوكيل (نصفه ولا نية) بأن لم ينوِ بالنصف الذي أعتقه نصفه، أو نصف شريكه الذي وكِّله (انصرف) العتق (إلى نصيبه) أي: الوكيل، دون نصيب شريكه الموكِّل؛ لأن الأصل في تصرُّف الإنسان أن يكون في ماله ما لم ينوه عن موكِّله، وأيهما سرى العتق عليه، لم يضمن حصة شريكه؛ ذكره في "المنتهى".

(ومن ادَّعى أنَّ شريكه الموسر أعتق حقَّه) من رقيق مشترك (فأنكر) شريكه ذلك (عَتَق حق المُدَّعي) وحده؛ لاعترافه بحريته (مجانًا) فلا يَغرم له أحد قيمته (ولم يعتق نصيب) الشريك (الموسِر) من الرقيق؛ لأن إقرار شريكه عليه غير مقبول، (ولا تُقبل شهادة المُعسِر عليه) أي: على الموسر بالعتق (لأنه يجرُّ إلى نفسه نفعًا) بشهادته؛ لكونه يوجب عليه بشهادته قيمة حصته له (فإن لم تكن) للعبد (بينة سواه، حلف الموسِرُ، وبرئ من القيمة والعَتق) جميعًا.

(ولا ولاء للمعسِر في نصيبه) لأنه لا يَدَّعيه (ولا) ولاء (للموسر) أيضًا على نصيب المعسر؛ لأنه لا يدعيه (فإن عاد المعسر، فأعتقه وادعاه) أي: فاعترف أنه كان أعتق حصته (ثبت له) ولاء حصته؛ لأنه لا منازع له فيه. وإن عاد الموسر، واعترف بإعتاق نصيبه، وصدَّقه المعسِر

(1)

مسائل الكوسج (6/ 3043) رقم 2285.

ص: 27

مع إنكار المعسر لعِتق نصيبه، عتق نصيب المعسِر أيضًا، وعلى الموسر غرامة نصيب المعسر، وثبت له الولاء على جميعه.

(وإن كان المدَّعى عليه) بأنه أعتق نصيبه من العبد (معسِرًا) وأنكر (فـ) ــالقول (قوله مع يمينه) لأن الأصل عدم العتق (ولا يعتق منه) أي: العبد (شيء) لأنه ليس في دعواه على المعسر أنه أعتق نصيبه اعترافٌ بحرية نصيبه، ولا ادعاء استحقاق قيمتها على المعتق.

(فإن كان المُدَّعي) رجلًا (عدلًا حلف العبد مع شهادته) وقُبلت شهادته؛ لأنه لا يجر بها إليه نفعًا؛ لاعترافه بعسرته، فلا سراية (و) إذا شهد الرجل العدل، وحلف العبد معه بأنه أعتق نصفه

(1)

(صار نصفه حرًّا وإن لم يحلف معه، لم يعتق منه شيء؛ لأن العتق لا يحصل بشاهد واحد من غير يمين.

(وإن اشترى المدعي حق شريكه) بعد دعواه عليه أنه أعتقه (عتق عليه) حق شريكه (كله) مؤاخذة له باعترافه، ولم يَسْرِ العتق إلى نصيبه؛ لأن عتقه لما ملكه حصل باعترافه بحريته بإعتاق شريكه، ولا يثبت له عليه ولاء؛ لأنه لا يدَّعيه، بل يعترف أن المعتق غيره. وقال أبو الخطاب: يعتق العبد كله؛ لأنه شراء حصل به الإعتاق، فأشبه شراء بعض ولده. وهو ظاهر كلام المصنف هنا، لكن تخريجه على المذهب أَولى، كما أشرت إليه أولًا؛ ليوافق ما يأتي قريبًا.

(وإن ادَّعى كلُّ واحد منهما) أي: من الشريكين (ذلك) أي: أن شريكه أعتق نصيبه (على شريكه، وهما موسران، عتق) المشترك (عليهما) لاعتراف كلِّ منهما بحريته، وصار كلٌّ مدَّعيًا على شريكه

(1)

أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "نصيبه".

ص: 28

بنصيبه من قيمته، فيحلف كلٌّ منهما للآخر للسراية حيث لا بينة (ولا ولاء لهما عليه) لأنهما لا يدَّعيانه، وولاؤه لبيت المال كالمال الضائع.

(وإن كان أحدهما معسرًا) والآخر موسرًا، وادعى كلٌّ منهما علي الآخر أنه أعتق نصيبه (عتق نصيبه) أي: المعسر (فقط) لاعترافه بحرية نصيبه بإعتاق شريكه الموسر الذي يسري عتقه إلى حصة المعسر، ولم يعتق نصيب الموسر؛ لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه، أعتق نصيبه، فعتق وحده.

(وإن كانا) أي: الشريكان (معسرين) وادعى كل منهما أن الآخر أعتق نصيبه من الرقيق (لم يعتق منه شيء) لأنه ليس في دعوى أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه اعتراف بحرية نصيبه؛ لكون عتق المعسر لا يسري إلى غيره.

(وللعبد) أو الأمة (أن يحلف مع كل واحد منهما، ويعتق) حيث كانا عدلين؛ لأنه لا مانع من قَبول شهادة أحدهما على الآخر؛ لأنه لا يجرُّ بها إلى نفسه نفعًا ولا يدفع عنها ضررًا (أو) يحلف (مع أحدهما) أي: أحد الشريكين (إن كان) أحدهما (عدلًا، ويعتق نصفه) أي: المشترك وهو نصيب المشهود عليه.

(وأيهما) أي: أي الشريكين المعسرين اللذين ادَّعى كل منهما أن الآخر أعتق نصيبه (اشترى نصيب صاحبه) منه أو من غيره (عتق ما اشترى فقط) أي: بلا سراية إلى نصيبه؛ لما تقدم من أن عتقه لما ملكه حصل باعترافه بحريته بإعتاق شريكه، ولا ولاء له عليه؛ لأنه لا يدعي إعتاقه، بل يعترف بأن المعتق غيره، وإنما هو مخلِّص له ممن يسترقه ظلمًا كَفَكِّ الأسير.

ص: 29

ولو ملك كل واحد منهما بشراءٍ من الآخر، ثم أقرَّ كلٌّ منهما بأنه كان أعتق نصيبه قبل بيعه، وصدَّق الآخرَ في شهادته؛ بطل البيعان، وثبت لكلٍّ واحد منهما الولاء على نصفه؛ لأن أحدًا لا يُنازعه فيه، وكلُّ واحد منهما يصدِّق الآخرَ في استحقاق الولاء.

(وكذا إن كان البائع وحده معسرًا) وقد ادَّعى عليه شريكه الموسر أنه أعتق نصيبه، فأنكر وحلف، ثم اشتراه منه، فإنه يعتق عليه مؤاخذة له بإقراره، ولا يسري إلى نصيبه؛ لأنه لا عتق منه، وإنما ادعى العتق من شريكه في حال لا سراية فيه. ومحل ذلك إذا لم يدع المعسر -أيضًا- أن شريكه الموسر أعتق نصيبه، فسرى إليه؛ لعدم إمكان البيع إذًا.

(وإن قال) شريك (لشريكه) الموسر: (إن أعتقت نصيبك) من هذا الرقيق (فنصيبي) منه (حر، فأعتقه) أي: أعتق المقول له نصيبه (عتق الباقي) بعد حصته عليه (بالسراية مضمونًا) عليه بقيمته، ولا يقع عتق شريكه المعلق على عتقه؛ لأن السراية سبقت فمنعت عتق الشريك، ويكون ولاؤه كله له.

(وإن كان) المقول له ذلك (معسرًا) وأعتق نصيبه (عتق على كل واحد) منهما (حقه) بالمباشرة والتعليق، ولا سراية؛ للعسرة.

(وإن قال) أحد الشريكين في رقيق للآخر: (إذا أعتقت نصيبك، فنصيبي مع نصيبك) حر (أو) قال له: إن أعتقت نصيبك فنصيبي (قبله حر، فأعتق) المقول له (نصيبه، عتق) الرقيق كله (عليهما) معًا (وإن كان المعتق موسرًا، ولم يلزم المعتق شيء؛ لأن العتق وُجِدَ منهما معا، فهو كما لو وكَّل الشريكان غيرَهما في إعتاقه، إعتاقه بلفظ واحد (ولَغَتِ القَبْلِيَّةُ) على ما يأتي في: "إن طلقتُكِ، فأنت طالق قبله ثلاثًا".

ص: 30

(وإن قال) مالك أَمَةٍ (لأَمَته: إن صَلَّيت مكشوفة الرأس، فأنت حُرَّة قبله، فصلَّت كذلك) أي: مكشوفة الرأس (عَتَقت) لوجود الشرط وهو صلاتها الصحيحة، ولغَتِ القبلية.

(وإن قال: إن أقررتُ بكَ لزيد فأنتَ حُرٌّ قبله، فأقرَّ له به، صَحَّ إقراره فقط) دون العتق؛ لأنه إذا أقرَّ به لزيد، ملكه زيد، فلم يوجد الشرط إلا وهو في ملك غيره، ويلغو قوله قبله.

(وإن قال) لعبده: (إن أقررتُ بك له) أي: لزيد (فأنت حُرٌّ ساعةَ إقراري) فأقرَّ به لزيد (لم يصح الإقرار ولا العتق) لتنافيهما.

(وكلٌّ من شَهِد على سيد رقيق بعتق رقيقه) فرُدَّت شهادته (ثم اشتراه) الشاهد (فعتق عليه) مؤاخذة له باعترافه، فلا ولاء له عليه (أو شَهِد اثنان عليه) أي: على سيد رقيق (بذلك) أي: بأنه أعتقه (فرُدَّت شهادتهما) بعتقه (ثم اشترياه) فعتق عليهما، فلا ولاء لهما عليه (أو) اشتراه (أحدهما فعتق) عليه فلا ولاء له عليه.

(أبو كان) عبد (بين شريكين فادَّعى كلُّ واحدٍ منهما أن شريكه أعتق حقه منه، وكانا موسرين فعتق عليهما كما تقدم

(1)

) مؤاخذة لهما باعترافهما (أو كانا معسرين عدلين، فحلف العبد مع) شهادة (كل واحد منهما) على شريكه بأنه أعتق نصيبه (وعتق) العبد فلا ولاء لهما عليه.

(أو ادَّعى عبد أن سيده أعتقه، فأنكر) عتقه (وقامت بينة بعتقه، فعتق) أي: فحكم القاضي بعتقه (فلا ولاء على الرقيق في هذه المواضع كلها) لمن عتق عليه؛ لأنه غير معترف به، وولاؤه لبيت المال، كسائر الحقوق التي لا يُعلم لها مالك.

(1)

(11/ 27).

ص: 31

(ف‌

‌إن عاد مَن ثبت إعتاقه، فاعترف به، ثبت له الولاء)

لعدم المنازع له فيه. وإن كان أخذ ثمنًا عنه رَدَّه؛ لاعترافه بأن قبضه بغير حق. وكذا حكم من ادَّعى عليه العتق، ولم يثبت عليه.

(وأما) الشريكان (الموسران إذا) ادَّعى كلٌّ منهما على الآخر أنه أعتق نصيبه، و (عتق عليهما فإن صدَّق أحدُهما صاحبه في أنه أعتق نصيبه وحده) أي: وأن الآخر لم يصدر منه عتق، فالولاء لمن عتق عليه (أو) صدَّق أحدهما صاحبه في (أنه سبق بالعِتق، فالوَلاء له) أي: السابق ويغرم لشريكه قيمة حصته.

(وإن اتفقا على أنهما أعتقا نصيبهما دفعةً واحدة) بأن تلفَّظا بالعتق معًا، أو وكَّلا واحدًا، أو وكَّل أحدهما الآخر، أو علَّقا عتقه على دخول الدار -مثلًا- فدخلها (فالولاءُ بينهما) بحسب ما كان لهما فيه، ولا غُرم؛ لعدم السراية.

(وإن ادّعى كلُّ واحد منهما أنه المُعتِق وحدَه، أو) ادَّعى كلٌّ منهما (أنّه السابق) بالعتق ليختص بالولاء (فأنكر الآخر، وتحالفا) أي: حلف كل منهما على إنكار ما ادعاه شريكه (فالولاء بينهما نصفين) حيث كان ملك العبد لهما نصفين؛ لأن الأصل بقاء ما كان لكل واحد منهما على ما كان له، وإذا شهدا بعتقه، ورُدَّت شهادتهما واشترياه، وعتق عليهما، ثم رجع الشاهدان والبائع، وُقف حتى يصطلحوا.

فصل

(ويصِح تعليق العتق بصفة، كدخول دار، وحدوث مطر، وغيره) كقدوم زيد، ورأس الحول، ونحوه؛ لأنه عتق بصفة، فصح كالتدبير،

ص: 32

وإذا قال له: أنت حُرٌّ في رأس الحول، لم يعتق حتى يجيء رأسُ الحول؛ لأنه علَّق العتق بصفة، فوجب أن يتعلَّقَ بها، كما لو قال: إذا أديتَ إلى ألفًا، فأنت حُرٌّ.

(ولا يملك) السيد (إبطاله) أي: التعليق (بالقول) بأن يقول: أبطلته، فلا يبطل؛ لأنها صفة لازمة ألزمها نفسه، فلم يملك إبطالها، كالنذر (ولو اتَّفق السَّيد والعبد على إبطاله) أي: التعليق (لم يبطل) لذلك، وكتعليق الطلاق.

(وما يكتسبه العبد) المعلَّق عتقه على شرط (قبل وجود الشَّرْط، فـ) ــهو (لسيده) لأن الكسب تابع لملك الرقبة (إلا أنه إذا عَلَّق) السيد (عتقه على أداء مال معلوم) كقوله: إن أعطيتني ألفًا فأنت حُرٌّ (فما أخذه السيد) من كسب العبد (حسب

(1)

من المال) الذي علق عتقه على إعطائه.

(فإذا أكمل أداء المال عَتَق) لوجود الشرط المُعلَّق عليه.

(وما فضل) من كسبه (في يده) أي: يد العبد بعد أداء ما علَّق عتقه عليه (فـ) ـــهو (لسيده) لأنه كان لسيده قبل عتقه، ولم يوجد ما يزيله عنه.

(و‌

‌له وطء أمَته بعد تعليق عتقها)

على صفة قبل وجودها؛ لأن استحقاقها العتق بوجود الصفة لا يمنع إباحة الوطء كالاستيلاد، فأما المكاتَبة فإنما لم يبح وطؤها؛ لأنها اشترت نفسها من سيدها بعوض، وزال ملكه عن أكسابها.

(ومتى وجدت الصفةُ) التي علق العتق عليها (كاملة، وهو) أي: العبد (في ملكه) أي: السيد (عتق) لوجود الصفة، فإن لم توجد كاملة لم

(1)

في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 260): "حسبه".

ص: 33

يعتق، كالجعل في الجعالة (فإذا قال) سيدٌ (لعبده: إذا أديتَ إلى ألفًا، فأنت حُرٌّ، لم يعتق) العبد (حتى يؤدي الألفَ جميعه) لأن أداء بعض الألف ليست أداء للألف.

(فإن أبرأه السيد من الألف، لم يعتق) لأنه لا حَقَّ له في ذمته حتى يبرئه منه (ولم يبطل التعليق) بالإبراء؛ لأنه لغو.

(فإن خرج) المعلَّق عتقه على صفة (عن ملكه) أي: ملك سيده الذي علق عتقه عليها (قبل وجود الصفة، ببيع، أو غيره) من هبة وجعالة، وأجرة في إجارة ونحوها، ووجدت الصفة وهو في ملك الغير (لم يعتق) لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا طلاقَ ولا عَتاقَ ولا بيعَ فيما لا يملكُ ابنُ آدم"

(1)

ولأنه لا ملك له عليه، فلم يعتق، كما لو لم يتقدم له عليه ملك.

(فإن عاد) المعلَّق عتقه على صفة (إلى ملكه) أي: ملك المعلِّق للعتق (عادت الصفة) فمتى وجدت، وهو في ملكه عتق (ولو) كانت (وجدت في حال زوال ملكه) أي: المعلِّق، عنه؛ لأن التعليق والشرط وُجِدا في ملكه، فأشبه ما لم يتخللهما زوال ملك، ولا وجود صفةٍ حالَ زواله (و‌

‌يبطل) التعليق (بموت السيد) المعلِّق

؛ لزوال ملكه زوالًا غير قابل للعود.

(وإذا قال) لعبده: (إن دخلتَ الدار بعد موتي فأنت حُرٌّ، لم يصح) التعليق، (ولم يعتق) العبد (بوجود الشرط) لأنه علَّق عتقه على صفة توجد بعد موته وزوال ملكه، فلم تصح، كما لو قال: إن دخلت الدار بعد بيعي لك فأنت حُرٌّ، ولأنه إعتاق له بعد استقرار ملك غيره عليه، فلم يعتق به كالمنجَز.

(1)

تقدم تخريجه (10/ 131) تعليق رقم (1).

ص: 34

(و) لو قال السيد لعبده: (إن دخلتَ الدار، فأنت حُرٌّ بعد موتي، فدخلها في حياة السيد؛ صار مُدبَّرًا) لوجود الصفة التي عُلِّق عليها تدبيره (وإن دخلها بعد موته) أي: السيد (لم يعتق) العبد، وبطل التعليق؛ لما تقدم.

(و) إن قال سيد لعبده: (أنت حُرٌّ بعد موتي بشهر، صح) كما لو وصَّى بإعتاقه، وكما لو وصَّى أن تباع سلعته ويتصدق بثمنها (وما كسب) العبد (بعد الموت، وقبل وجود الشرط، فـ) ــــهو (للورثة) ككسب أُمِّ الولد في حياة سيدها (وليس لهم) أي: الورثة (التصرُّف فيه) أي: في العبد الذي قال له سيده: أنت حُرٌّ بعد موتي بشهر (بعد الموت، وقبل وجود الشرط ببيع ونحوه) كالموصى بعتقه قبله، والموصى به لمعين قبل قَبوله.

(وإن قال) السيد لعبده: (اخدُمْ زيدًا سنة بعد موتي، ثم أنت حُرٌّ؛ صح) ذلك، فإذا فعل ذلك، وخرج من الثلث في هذه المسألة والتي قبلها، عتق (فلو أبرأه زيد من الخدمة بعد موت السيد، عتق في الحال) أي: حال إبراء زيد له، على الصحيح من المذهب، وقيل: لا يعتق إلا بعد سنة؛ قاله في "الإنصاف"، ومشى المصنف على الثاني في الوصية. ووجه الأول: أن الخدمة المستحقَّة عليه وهبت له، فبرئ منها.

(فإن كانت الخدمة لكنيسة) بأن قال له: اخْدُم الكنيسة سنة ثم أنت حُرٌّ (وهما) أي: السيد والعبد (كافران فأسلم العبد، سَقطتْ عنه الخدمة، وعتق مجانًا) أي: من غير أن يلزمه شيء؛ لأن الخدمة المشروطة عليه صار لا يتمكن منها؛ لأن الإسلام يمنعه منها، فيبطل اشتراطها كما لو شرط عليه شرطًا باطلًا.

ص: 35

(وإن

(1)

قال) السيد (لعبده: إن لم أضْربْك عشرة أسواط فأنت حر، ولم ينوِ) السيد (وقتًا؛ لم يعتق حتَّى يموت أحدهما) فيعتق قبيل الموت؛ لليأس من ضربه (وإن باعه قبل ذلك) أي: ضرْبِه عشرة أسواط (صح) بيعه؛ لأنه باق على الرق حتَّى توجد الصفة (ولم ينفسخ البيع) لعدم موجب الفسخ.

(وإن

(2)

قال) السيد (لجاريته: إذا خدمت ابني حتى يستغني، فأنت حُرَّة؛ لم تعتق حتى تخدمه إلى أن يكبر، ويستغني عن الرضاع) لأنه يصدق عليه أنَّه قد استغنى في الجملة، ولا يشترط كون زمن الخدمة معلومًا، فلو قال: أعتقتك على أن تخدم زيدًا مُدَّة حياتك، صح؛ لما روي عن سفينة قال:"كُنتُ مملوكًا لأمِّ سلمة فقالت: أعْتِقُك وأشترطُ عليك أن تَخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عِشتَ، فقلت: إن لم تشترطي عليَّ ما فارقتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عِشتُ، فأعتقيني واشترطي عليَّ" رواه أَحْمد، وأبو داود واللفظ له، والنَّسائيّ، والحاكم وصححه

(3)

. وإنما اشترط تقدير زمن الاستثناء في البيع؛ لأنه عقد معاوضة، فيشترط فيه علم الثُّنيا وزمنها؛ لأن الثمن يختلف من حيث طولُها وقصرُها.

(وإن قال لها) أي: لجاريته أو لعبده (أنت حُرَّة إن شاء الله، عتقت، ويأتي في تعليق الطلاق بالشروط) بأوضح من هذا.

(وإن قال حُرٌّ: إن ملكت فلانًا، فهو حر، أو) قال: (كل مملوك أملكه، فهو حر، صح) التعليق، فإذا ملكه عتق؛ لأنه أضاف العتق إلى

(1)

في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 260): "وإذا".

(2)

في "ح" و"ذ": "ولو".

(3)

تقدم تخريجه (7/ 394) تعليق رقم (3).

ص: 36

حال يملك عتقه فيه، فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه، بخلاف ما لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق؛ لأن العتق مقصود من الملك، والنكاح لا يقصد به الطلاق. وفَرَّقَ أَحْمد

(1)

بأن الطلاق ليس لله، ولا فيه قُربة إلى الله.

(وإن قال ذلك) أي: إن ملكت فلانًا فهو حر، أو كل مملوك أملكه فهو حُرٌّ (عبد) أو أَمَة (ثم عتق وملك) أو عتقت وملكت (لم يعتق) لأنه لا يصح تعليقه، لأنه لا يصح منه عتق حين التعليق لكونه لا يملك، ولو قيل بملكه

(2)

؛ فهو ضعيف لا يتمكن من التصرُّف فيه، وللسيد انتزاعه منه بخلاف الحُر.

وإن عَلَّق حُرٌّ عِتق ما لا يملكه على غير ملكه إياه، نحو: إن كلمتُ عبدَ زيد فهو حر، لم يعتق إن ملكه ثم كلمه (وتقدم آخر شروط البيع

(3)

: إذا علَّق عتقه على بيعه) أو شرائه، أو علق البائع عتقه على بيعه، والمشتري عتقه على شرائه.

(وإن قال) جائز التصرُّف: (آخر مملوك أملكه، فهو حُرٌّ فملك عبيدًا) أو إماء، أو من الصنفين (واحدًا بعد واحد لم يعتق) أي: لم يتبيَّن عتق (واحد منهم حتَّى يموت) السيد (فيعتق آخرهم ملكًا منذ ملكه) سواء كان الملك بشراء، أو اتِّهاب، أو إصداق، أو غيره؛ لأن السيد مادام حيًّا يحتمل أن يشتري آخر بعد الذي في ملكه، فيكون هو الأخير، فلا يحكم بعتق واحد من رقيقه، فإذا مات علمنا أن آخر ما اشتراه هو الذي وقع

(1)

انظر: مسائل عبد الله (3/ 1101، 1187) رقم 1519، 1638، ومسائل صالح (1/ 247) رقم 188، ومسائل الكوسج (8/ 4456) رقم 3193.

(2)

في "ذ": "يملكه".

(3)

(7/ 404).

ص: 37

عليه العتق (وكسبه) أي: كسب الأخير منذ شراه (له، دون سيده) لأنه حُرٌّ من حين الشراء.

(فإن ملك) من قال: آخر قِنٍّ أملكه حر (أمَةً، حَرُم وطؤها حتى يملك غيرها) لاحتمال ألَّا يملك بعدها قِنًّا، فتكون حرة من حين شرائها، ويكون وطؤه في حرة أجنبية، وإنما يزول هذا الاحتمال بشرائه غيرها.

(وكذا الثَّانية) إذا ملكها حَرُم عليه وطؤها حتَّى يملك غيرها؛ لما تقدم (وهَلُمَّ جَرًّا) كلما ملك أَمَة، حَرُم وطؤها حتَّى يملك غيرها؛ لما سبق.

(فإن) ملك أَمَةً وأتت بأولاد ومات السيد، و (تبيَّن أنها آخر ما ملك) من الأرقاء (كان أولادها أحرارًا من حين ولدتهم) بل من حين علقت بهم (لأنهم أولاد حرة) فتبعوها.

(وإن كان) السيد (وطئها) ثم تبيَّن أنها آخر (فعليه مهرها) لأنه تبين أنَّه وطئ حُرَّة بشبهة.

(لكن لو ملك) من قال: آخر قِن أملكه حر (اثنين فأكثر، معًا) عتق واحد بقرعة؛ لأن صفة الآخرية شاملة لكل واحد بانفراده، والمعلَّق إنما أراد عتق واحد فقط، فميز بالقرعة.

(أو علَّق) جائز التصرف (العتقَ على أول مملوك يملكه، فملكهما) أي: ملك اثنين فأكثر (معًا، أو قال لأَمَته: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت ولدين) فأكثر (خرجا معًا) عتق أحدهما بقُرعة؛ لأن صفة الأولية شاملة لكل واحد بانفراده، والمعلّق إنما أراد عتق واحد فقط، فميز بالقُرعة.

ص: 38

(أو) قال: أول ولد تلدينه فهو حر، فولدت ولدين، و (أشكل الأول) منهما (عتق واحد بقُرعة) لأن أحدهما استحق العتق، ولم يُعلم بعينه، فوجب إخراجه بالقُرعة (و: أول مملوك أملكه) فهو (حُرٌّ، ولم يملك إلَّا واحدًا، عتق) قال الزجَّاج

(1)

: "أول" يجوز أن يكون له ثان، ويجوز ألّا يكون. قال تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى}

(2)

وهم كانوا يعتقدون أنَّه ليس لهم موتة بعدها.

(وكذا) إن قال: (آخِرُ مملوكٍ) أملكه حر، ولم يملك إلَّا واحدًا؛ عتق.

فليس من شرط الأول أن يكون له ثان، ولا من شرط الآخر أن يأتي قبله أول، ومن أسمائه تعالى: الأول والآخر.

(وإن قال لأمَته: آخِرُ ولدٍ تلدينه فهو حر، فولدت حيًّا، ثم) ولدت (ميتًا، لم يعتق الأول) لأنه لم يوجد شرط العتق فيه (وعكسه) بأن ولدت ميتًا ثم حيًّا (يعتق الحي) لوجود الشرط فيه.

(وإن قال: أول) مملوك أشتريه حُر (أو) قال: (آخر مملوك أشتريه) فهو (حر، فملكه بإرث أو هبة) بلا عوض (ونحوها) كصُلح عن دم عمد ونحوه (لم يعتق) لعدم وجود الصفة؛ لأن ذلك ليس شِراء، بخلاف ما ملكه بهِبة بعوض، أو صُلح عن مال، فإنَّه يعتق؛ لأنه شِراء.

(وإن قال: أول ولد تلدينه) فهو حُرٌّ، فولدت ميتًا ثم حيًّا، لم يعتق الحي.

(أو) قال: (إذا ولدت ولدًا، فهو حُرٌّ، فولدت ميتًا، ثم حيًّا، لم

(1)

معاني القرآن (1/ 445، 4/ 428).

(2)

سورة الدخان، الآية:35.

ص: 39

يعتق الحي) لأن شرط العتق إنما وُجِد في الميت، وليس بمحل العِتق، فانحلَّت اليمين به (وعكسه) بأن ولدت حيًّا ثم ميتًا (يعتق) الحي؛ لوجود الصفة فيه.

(و: أول أمّة لي، أو) أول (امرأة) لي (تطلع) أو تخرج، أو تجلس ونحوه، فالأمَة (حُرَّة، أو) المرأة (طالق، فطلع الكُلّ) من إمائه، أو زوجاته معًا (عتق) من الإماء واحدة بقُرعة (وطلق) من الزوجات (واحدة بقُرعة) لما تقدم.

(ويتبع حَمْلُ مُعْتَقةٍ بصفة) أُمَّه (إن كان) العمل (موجودًا حال عتقها) بأن كانت حاملًا به حين وجود الصفة؛ لأن العتق وُجِد فيها وهي حامل به، فتبعها في العتق، كالمنجز عتقها (أو) كان الحمل موجودًا (حال تعليق عتقها) لأنه كان حين التعليق كعضو من أعضائها، فسرى التعليق إليه.

فلو وضعته إذًا قبل وجود الصفة، ثم وُجِدَت؛ عتقت هي وولدها؛ لأنه تابع في الصفة، فأشبه ما لو عتقت وهي حامل به، و (لا) يتبعها حملها في العتق (إن حملَتْه ووضعته بينهما) أي: بين التعليق ووجود الصفة، فإنَّه لا يعتق؛ لأن الصفة لم تتعلَّق به حال التعليق، ولا حال وجود الصفة (كما) لو كان الولد مولودًا (قبل التعليق) لعتقها.

(وإن علَّق عتق عَبيده) أو أَمَته (بصفةٍ، فوُجدت) الصفة (في صحة السيد) أو مرض

(1)

غير مرض الموت المخوف (عتق من رأس المال) كسائر تصرُّفاته (وإن وُجِدت) الصفة (في مَرض موته) المَخوف -قلت:

(1)

في "ذ": "مرضه".

ص: 40

وكذا ما ألحق بالمرض المخوف مما تقدَّم

(1)

في عطية المريض- (عتق من الثلث) كسائر تبرعاته (وتقدم

(2)

) ذلك (في باب الهبة) في عطية المريض مفصلًا.

(وإن قال) لقِنِّه: (أَنْتَ حُرٌّ وعليك أَلْف، أو) أَنْتَ حر (على ألْفٍ، عتق في الأولى) وهي: أَنْتَ حُرٌّ وعليك أَلْف (ولا شيء عليه) لأنه أعتقه بغير شرط، وجعل عليه عوضًا لم يقبله، فعتق ولم يلزمه شيء.

(وفي) الصورة (الثانية) وهي: أَنْتَ حُرٌّ على أَلْف (إن قَبِل عَتَقَ) وعليه أَلْف (وإلَّا) بأن لم يقبل (فلا) يعتق؛ لأنه أعتقه على عِوض، فلم يعتق بدون قَبوله، ولأن "على" تُستعمل للشرط والعوض: قال تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}

(3)

.

(ومثلها) أي: الثَّانية (لو قال): أَنْتَ حر (على أن تُعطيني ألفًا، أو) أَنْتَ حر (بألف) فيعتق إن قبل، وإلا؛ فلا. بخلاف: أنتِ طالق بألف، فإنَّه يقع رجعيًا إن لم تقبل، والفرق أن خروج البُضع في النكاح غير متقوَّم على الصحيح، بخلاف العبد؛ فإنَّه مال محض.

(أو) قال: (بعتُك نفسَك بألف) فلا يعتق حتَّى يقبل.

(أو قال لأمَته: أعتقتُك على أن تتزوجيني) فلا تعتق حتَّى تقبل (وتأتي تتمتها في) باب (أركان النكاح) مفصلة.

(و) إن قال لقِنِّه: (أَنْتَ حر على أن تَخْدِمني سنةً؛ عتق) في الحال (بلا قَبول) من القن (ولزمته الخدمة) لأنه في معنى العتق واستثناء

(1)

(10/ 177 - 178).

(2)

(10/ 172 - 174).

(3)

سورة الكهف، الآية:66.

ص: 41

الخدمة، وتقدم أن ذلك صحيح (فإن مات السيد في أثناء السنة) المعينة للخدمة (رجعَ الورثةُ على العبد بقيمةِ ما بقي من الخدمة) لأن العتق عقد لا يلحقه الفسخ، فإذا تعذَّر فيه استيفاء العوض رجع إلى قيمته كالنكاح، والمصالح به عن دم عمد.

(ولو باعه) أي: باع السيد قِنَّه (نفسه بمال في يده) أي: القِنِّ (صح) ذلك على الأصح (وعتق) قال في "الترغيب": مأخذهما: هل هو معاوضة أو تعليق؟ (وله) أي: السيد (عليه) أي: على قنه الذي باعه نفسه، وقلنا: عتق بذلك (الولاء) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاءُ لمن أعتق"

(1)

.

(ويجوز للسيد) إذا باع عبده واستثنى خدمته (بيع هذه الخدمة من العبد، أو غيره) نقل حرب

(2)

: لا بأس ببيعها من العبد، أو ممن شاء (ولعل المراد بالبيع الإجارة) إذ حقيقة البيع السابقة لا تتأتى في الخدمة المستثناة.

(وإن قال) سيد لقِنّه: (إن أعطيتني ألفًا فأنت حُرٌّ؛ فهو) أي: القول المذكور (تعليق محض) ليس فيه معنى المعاوضة (لا يبطل) ذلك التعليق (مادام) القِن (ملكه، ولا يعتق) القن (بالإبراء منها، بل) يعتق (بدفعها) كلها، وتقدم

(3)

.

وإن قال لقِنّه: جعلت عتقك إليك، أو: خيّرتك، ونوى تفويضه إليه، فأعتق نفسه في المجلس؛ عتق، وإلا؛ فلا. قال في "الفروع": ويتوجَّه كطلاق.

(1)

تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).

(2)

انظر: مسائل الكوسج (8/ 4495) رقم 3237، والفروع (5/ 96).

(3)

(10/ 530).

ص: 42

فصل

(وإن قال) السيد: (كل مملوك) لي حُرٌّ، (أو) قال: كل (عبد لي) حر (أو) قال: كل (مماليكي) حر (أو) قال: كل (رقيقي حر؛ عتق: مدبَّروه، ومكاتَبوه، وأمَّهات أولاده، وعبيد عبده التاجر، وأشقاصه، ولو لم ينوِها) لأن لفظه عام فيهم، فيعتقون كما لو عيَّنهم، حتَّى ولو كان على عبده التاجر دَين يستغرق عبيده، لكن تقدم في الوصية

(1)

أن العبد خاص بالذَّكَر، فينبغي أن يعتق المذكور فقط إذا قال: كل عبد لي حر؛ لأنه لا يشمل الإناث إلَّا أن يُقال بالتغليب.

(ولو قال) السيد: (عبدي، أو أمتي حرّ، أو) قال: (زوجتي طالق، ولم ينوِ معينًا) من عبيده، ولا إمائه، ولا زوجاته (عتق الكل) من عبيده، أو إمائه (وطلق كل نسائه؛ لأنه) أي: لفظ: عبدي، أو أمتي، أو زوجتي (مفرَد مضاف، فيعمُّ) العبيد، أو الإماء، أو الزوجات.

قال في رواية حرب

(2)

-لو كان له نسوة، فقال: امرأته طالق-: أذهب إلى قول ابن عباس: "يقع عليهنَّ الطلاق"

(3)

وليس هذا مثل قوله: إحدى الزوجات طالق. قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}

(4)

وقال: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى

(1)

(10/ 268).

(2)

مسائل حرب ص/ 150.

(3)

أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 233)، وسعيد بن منصور (1/ 280، 281) رقم 1171، 1172، وابن أبي شيبة (5/ 225)، والبيهقي (7/ 364)، عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل له ثلاث نسوة، فطلق إحداهن ثم مات لم يعلم أيتهن طلق؟ قال: فقال ابن عباس: ينالهن من الطلاق ما ينالهن من الميراث.

(4)

سورة النحل، الآية:18.

ص: 43

نِسَائِكُمْ}

(1)

وهذا شامل لكل نعمة وكل ليلة، وقال صلى الله عليه وسلم:"صَلاةُ الجَماعةِ تَفضلُ على صَلاةِ الفَذِّ بسبْعٍ وعشْرينَ دَرجةً"

(2)

وهي تعم كل صلاة جماعة.

(وإن قال: أحد عبديَّ) حُرًّ (أو) قال: أحد (عبيدي) حر (أو) قال: (بعضُهم) أي: بعض عبيدي (حرّ، ولم ينوِه، أو عيَّنه) بلفظه أو نيته (ثم أُنسِيَه، أعتق أحدهم بالقُرعة) لأن مستحق العتق واحد غير معيّن، فميز بالقُرعة، كما لو أعتق جميعهم في مرضه ولم تجز الورثة.

(وكذا لو أدَّى أحد مكاتبيه، وجُهل) المؤدي، سواء مات بعضهم، أو السيد، أو لا.

(وإن قال لأمتَيْه: إحداكما حُرَّة، ولم ينوِ) واحدة بعينها، عتقت إحداهما بقُرعة؛ لما سبق، و (حَرُم) عليه (وطؤهما بدون قُرعة) لأن إحداهما عتقت، وهي مجهولة، فوجب الكف عنهما إلى القُرعة (فإن وطئ) السيد (واحدة) منهما (لم تعتق الأخرى) بذلك، بل لابُدَّ من القُرعة (كما لو أعتقها) أي: أعتق واحدة منهما بعينة (ثم أُنْسِيَهَا) -بالبناء للمفعول- فإنَّه يخرجها بالقُرعة، لا بتعيينه لها.

(فإن مات) السيد في جميع ما تقدم قبل القرعة (أقرع الورثة) لقيامهم مقامه، فمن خرج بالقرعة، فهو حر من حين العتق، وكسبُه له.

(وإن مات أحد العَبدين) اللذين قال سيدهما: أحدكما حر (أقرع بينه) أي: الميت (وبين الحي) كما لو لم يمت.

(فإن عَلِم ناسٍ) أي: لو أعتق معينًا من عبيده، أو إمائه، ثم نسيه،

(1)

سورة البقرة، الآية:187.

(2)

تقدم تخريجه (3/ 144) تعليق رقم (4).

ص: 44

فأقرع بينهم ثم علم (بعدها) أي: القرعة (أن المعتَق غيرُه) أي: غير من خرجت له القرعة (عتق، وبطل عِتقُ الأول) لتبين خطأ القرعة (إلا أن تكون القُرعة بحكم حاكم، فيعتقان) لأن في إبطال عِتْق المخرج نقضًا لحكم الحاكم بالقرعة. ويأتي في القضاء: أن قرعة الحاكم نفسها حكم، فلا يحتاج الحاكم مع القرعة إلى الحكم بها، كتزويج اليتيمة ونحوه.

(و) إذا أعتق معينًا ثم نسيه ثم تذكره (قبل القرعة) فإنَّه (يقبل تعيينه) لأنه غير متهم فيه (فيعتق من عيَّنه) للعتق

(1)

.

(وإن قال) السيد: (أعتقت هذا لا بل هذا، عتَقَا) جميعًا؛ لأن إضرابه عن الأول لا يبطله.

(وكذا الحكم في إقرار الوارث) إذا قال: مورثي أعتق هذا، لا بل هذا، عتق الاثنان.

وإن قال لعبديه: إن قدم زيد في هذا الشهر -مثلًا - فأحدكما حر. فمات أحدهما، أو باعه السيد قبل قدوم زيد، ثم قدم زيد في الشهر المعلَّق عتقه على قدومه فيه؛ عتق الباقي في ملكه؛ لمصادفة وجود الشرط لمن هو محل لوقوع العتق، كقوله لِقنّه، وأجنبي، أو بهيمة: أحدهما حر، فيعتق قِنّه وحده، وكذا الطلاق، ويأتي.

فصل

(وإن أعتق في مرض موته المَخُوف جزءًا من عبده) أو من أمته (أو دبّره) أي: دبر جزءًا من عبده، أو أَمَته (مثل أن يقول: إذا متُّ فنصف عبدي) فلان، أو نصف أمَتي فلانة (حر، أو وصَّى بعتقه) أي: بعتق جزء

(1)

في "ح": "المعتق".

ص: 45

من عبده، أو أَمَته، ثم مات (وثلثُه) حين الموت (يحتمل) قيمة (جميعه، عتق) القِن (كله) لأن عتق الميت جزءه أو تدبيره جزءه، أو عتق الورثة بالوصية يسري إلى باقيه من ثلث ماله؛ لأن ملك المعتق لثلث ماله ملك تام يملك التصرُّف فيه بالتبرُّع وغيره، فأشبه عِتق الصحيح.

(فلو مات العبد) الذي نجز سيده المريض عتق جزء منه (قبل) موت (سيده) ثم مات سيده (عتق) منه (بقَدْر ثلثه) أي: ثلث مال السيد عند الموت، بخلاف المُدَبّر والموصى بعتقه، فإنه يموت قِنًّا.

(وكذا لو أعتق) أحد شريكين في رقيق (شركًا له في عبد) أو أَمَة (في مرض موته) المخوف (أو دبَّره) أي: دبَّر شركًا له في رقيق، ولو في الصحة (وثلثه يحتمل باقيه) فإنه يعتق كله؛ لما تقدم، كالصحيح الموسر (ويعطى الشريك قيمه حصته) يوم عتقه من التركة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ويُعْطى شُركاؤه حِصَصهُم"

(1)

.

(وإن أعتق في مرضه) المخوف (ستةَ أعبد) أو ست إماء، أو ستة منهما (قيمتهم سواء، وثلثه يحتملهم) في الظاهر (ثم ظهر عليه) أي: على معتقهم (دين يستغرقهم) أي: يستغرق الستة الذين أعتقهم، وما معهم من ماله (بيعوا في دَيْنه) لتبين بطلان عتقهم بظهور الدَّيْن، ويكون عتقهم وصية، والدَّيْن مقدَّم على الوصية؛ لقول علي رضي الله عنه:"إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدَّين قبل الوصية"

(2)

وإن استغرق الدَّيْن بعضهم، بيع منهم بقَدْره ما لم يلتزم الوارث بقضائه فيهما (فإن) لم يظهر عليه دَيْن، ولم يعلم له مال غيرهم (أعتقنا ثلثهم) لأنه تبرع في مرض الموت، أشبه الوصية.

(1)

تقدم تخريجه (11/ 24) تعليق رقم (1).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 41) تعليق رقم (1).

ص: 46

(ثم) إن (ظهر له) أي: للمعتق (مال يخرجون من ثلثه، عتق من أُرِقَّ منهم) لأن تصرُّف المريض في ثلثه نافذ، وقد بان أنهم ثلث ماله، وخفاء ما ظهر من المال علينا، لا يمنع كون المعتق موجودًا من حينه (وكان حكمهم) أي: الستة الذين أعتقهم في مرضه، وتبيَّنا خروجهم من الثلث (حكم الأحرار من حين أعتقهم) لنفوذ عتقهم إذًا (وكسبهم لهم منذ عتقوا. وإن كانوا قد تُصُرِّف فيهم) من الورثة، أو غيرهم (ببيع أو هبة) أو إجارة، أو نحوها (أو رهن أو تزويج بغير إذن) منهم، إن كانوا أهلًا له (كان) التصرف (باطلًا) لأنه تصرُّف في حر بغير إذنه، ولا ولاية عليه.

(وإن كانوا) أي: العتقاء (قد تصرَّفوا) ببيع أو هبة ونحوها (فحكم تصرفهم حكم تصرُّف) سائر (الأحرار) لأنهم من جُملتهم.

(فإن لم يظهر له) أي: لمعتق الستة المتساوين في القيمة (مال غيرُهم) ولم يكن عليه دَيْن (جزأناهم ثلاثة أجزاء، كل اثنين جزءًا، ثم أقرعنا بينهم بسهمِ حرية وسهمي رِق، فمن خرج له سهم الحرية، عتق، ورَقَّ الباقون) لحديث عمران بن حصين "أنَّ رجُلًا من الأنصار أعتق ستةَ مملوكين في مرضِه، لا مالَ له غيرهم، فجزَّأهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأعتق اثنين، وأرق أربعة" رواه مسلم وأبو داود وسائر أصحاب السنن

(1)

، ورواه الإمام أحمد بإسناده عن أبي زيد الأنصاري الصحابي

(2)

، وروي نحوه

(1)

مسلم في الأيمان، حديث 1668، وأبو داود في العتق، باب 10، حديث 3958، والترمذى في الأحكام، باب 27، حديث 1364، والنسائي في الجنائز، باب 65، حديث 1956، وفي الكبرى (3/ 187) حديث 4974 - 4977، وابن ماجه في الأحكام، باب 20 حديث 2345.

(2)

أحمد (5/ 341). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في العتق، باب 10 حديث 3960، والنسائي في الكبرى (3/ 187) حديث 4973، وسعيد بن منصور (1/ 104) حديث =

ص: 47

عن أبي هريرة مرفوعًا

(1)

؛ ولأن العتق حق في تفريقه ضرر، فوجب جمعه بالقُرعة، كقسمة الإجبار إذا طلبها أحد الشركاء، والوصية لا ضرر في تفريقها، بخلاف مسألتنا. وإن سلَّمنا مخالفته لقياس الأصول فرسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع سواء وافق نصه القياس أو لا.

هذا إن تساوَوْا في القيمة، فإن اختلفت، كستة: قيمة اثنين ثلاثمائة ثلاثمائة، واثنين مائتان مائتان، واثنين مائة مائة، جعلت الاثنين اللذين قيمتهما أربعمائة جزءًا، وكل واحد من اللذين قيمتهما مائة مع واحد من الأولين جزءًا، وقِسْ على ذلك.

هذا إن أعتقهم دفعة، فإن أعتقهم واحدًا بعد آخر

(2)

، فقد تقدَّم أنه يبدأ بالأول فالأول، خِلافًا لـ "المبدع" هنا.

(فإن كانوا) أي: العبيد الذين أعتقهم في مرض موته المَخوف دفعة واحدة (ثمانية) وقيمتهم سواء، ولم يخرجوا من ثلثه، ولم تجز الورثة عتقهم (فإن شاء أقرع بينهم بسهمَيْ حرية، وخمسةِ) أسهم (رِق، وسهمٍ لمن ثلثاه حُر) لأن الغرض خروج الثلث بالقُرعة، فكيف اتَّفق حصل ذلك الغرض (وإن شاء جَزَّأهم أربعة أجزاء، وأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثةٍ رق، ثم أعاد القُرعة بين الستَّة لإخراج مَنْ ثلثاه حر) ليظهر المعتَق من

= 409، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 208) حديث 740، عن أبي قلابة، عن أبي زيد، أن رجلًا من الأنصار

الحديث.

قال ابن أبي حاتم فى المراسيل ص/ 96: قال أبي: أبو قلابة لم يسمع من أبي زيد عمرو بن أخطب، بينهما عمرو بن بجدان.

(1)

أخرجه النسائي فى الكبرى (3/ 188) حديث 4978، وابن أبي شيبة (7/ 351، 14/ 158)، والبيهقي (10/ 286)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 419).

(2)

في "ذ": "واحد بعد واحد".

ص: 48

غيره (وكيف أقرع جاز) بأن يجعل ثلاثة جزءًا، وثلاثة جزءًا، واثنين جزءًا، فإن خرجت القُرعة على الاثنين عتقا، ويكمل الثلث بالقُرعة من الباقين، وإن خرجت لثلاثة، أقرع بينهم بسهمي حرية وسهم رِق لمن ثلثاه حر.

وإن كان جميعُ ماله عبدين وأعتقها، أقرعنا بينهما بسهم حرية وسهم رق على كل حال.

(وإن أعتق في مرضه) المخوف (عبدين لا يملك غيرهما، قيمة أحدهما مائتان، و) قيمة (الآخر ثلاثمائة، جمعتَ قيمتهما، وهي خمسمائة، فجعلْتَها الثُّلث) إن لم تجز الورثة عتقهما؛ لئلا يكون فيه كسر فتعسر النسبة إليه (ثم أقرعتَ بينهما) ليتميز المعتَق من غيره.

(فإن وقعت) القُرعة (على الذي قيمته مائتان، ضربتها في ثلاثة) كما يعمل في مجموع القيمة (تبلغ ستمائة، ثم تنسب منه) أي: من حاصل الضرب وهو الستمائة (الخمسمائة) لأنها الثلث تقديرًا (يكون العتق خمسة أسداسه) لأن الخمسمائة خمسة أسداس الستمائة.

(وإن وقعت) القُرعة (على) العبد (الآخر) الذي قيمته ثلاثمائة (عتق منه خمسة أتساعه) لأنك تضرب قيمته وهي الثلاثمائة في ثلاثة، يحصل تسعمائة، تنسب إليها الخمسمائة، تكن خمسة أتساعها.

(وكل شيء) من المسائل (يأتي من هذا الباب، فسبيله) أي: طريقه (أن يضرب في ثلاثة) مخرج الثلث (ليخرج) صحيحًا (بلا كسر.

وإن أعتق) مريض (واحدًا) مبهمًا (من ثلاثة أعبد غير معيَّن، فمات أحدهم) أي: أحد العبيد الثلاثة (في حياته) أي: السيد المريض (أُقرع بينه) أي: العبد الميت (وبين الحيَّين) لأن الحرية إنما تنفذ في الثلث،

ص: 49

أشبه ما لو أعتق واحدًا منهم معينًا.

(فإن وقعت على الميت، رَقَّ الآخران) كما لو كان حيًا.

(وإن وقعت) القرعة (على أحد الحييَّن، عتق) من خرجت له القرعة (إذا خرج من الثلث) وقت الموت؛ لأن تصرف المريض مُعتَبر من الثلث، ولم يشترطوا فيما إذا وقعت القُرعة على الميت خروجه من الثلث؛ لأن قيمة الميت إن كانت وَفق الثلث فلا إشكال، وإن كانت أكثر فالزائد على الثلث هلك على مالكه، وإن كانت أقل، فلا يعتق من الآخرين شيء؛ لأنه لم يعتق إلا واحدًا.

قلت: إن كسب شيئًا بعد العتق، ثم مات اعتبر من الثلث؛ لأجل أن ترث ورثته ما كسبه بجزئه الحر، أو بكله إن خرج من الثلث.

(وإن أعتق الثلاثة) أعبد، وهو لا يملك غيرهم (في مرض) موته المخوف، (فمات أحدهم في حياة السيد، أقرع بينه وبين الحَيَّين) لأن الحرية إنما تنفذ في الثلث، أشبه ما لو أعتق واحدًا منهم، إلا أن الميت هنا لو كانت قيمته أقل من الثلث، ووقعت القُرعة عليه، عتق من أحد الحيين تكملة الثلث بالقُرعة.

(وكذا الحكم لو أوصى بعتقهم) أي: بعتق ثلاثة أعبد لا يملك غيرهم (فمات أحدهم بعده) أي: الموصي (وقبل عتقهم، أو دبرَّهم) أي: الثلاثة، فمات أحدهم قبله (أو دبرَّ بعضهم، ووصَّى بعتق الباقين) ولم تجز الورثة عتقهم (فمات أحدهم) فيقرع بينه وبين الحيين على ما تقدم.

(وإن قال) عبد لغير سيده: (اشترني من سيدي بهذا المال، وأعتقني ففعل) أي: فاشتراه وأعتقه (عتق، ولزم مشتريه) الثمن

ص: 50

(المُسَمَّى) في العقد، وما أخذه من العبد ودفعه لسيده ملك للسيد لا يحتسب عليه من الثمن، ولا يبرأ به عمَّا لزمه من الثمن الذي اشتراه به في ذمته، والولاء له (إن لم يكن اشتراه بعين المال) الذي أعطاه له العبد (وإلا) بأن اشتراه بعين المال (بطلا) أي: الشراء والعتق؛ لأنه اشترى بعين مال غيره شيئًا بغير إذنه، فلم يصح الشراء، ولم ينفذ العتق؛ لأنه أعتق مملوك غيره بغير إذنه، ويكون السيد قد أخذ ماله؛ لأن ما بيد العبد لسيده.

ص: 51

‌باب التدبير

يقال: دابر الرجل يُدابِر مُدَابرة: إذا مات، فسُمّي العتقُ بعد الموت تدبيرًا؛ لأن الموت دُبُرُ الحياة. وقال ابن عقيل: هو مشتق من إدباره من الدنيا. ولا يُستعمل في شيء بعد الموت، من وصية، ووقف وغيرهما، فهر لفظٌ يختصُّ به العتق بعد الموت.

(وهو) أي: التدبير (تعليق العِتق بالموت) أي: موت المعَلِّق (فلا تصح الوصية به) أي: بالتدبير، وتقدم في الوصية

(1)

: لا تصح بمُدَبَّرٍ.

والأصل فيه: حديث جابر "أنَّ رجلًا من الأنصار أعتقَ غلامًا لهُ عن دُبُر، لم يكن له غُلامٌ غيره، فبلغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نُعيمُ بنُ عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه" متفق عليه

(2)

. وفي رواية: "وقال: أنتَ أحوجُ منهُ"

(3)

.

وحكى ابن المنذر الإجماعَ عليه في الجملة

(4)

.

(1)

(10/ 264).

(2)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 59، حديث 2141، وفي الاستقراض، باب 18، حديث 2403، وفي كفارات الأيمان، باب 7، حديث 6716، وفي الإكراه، باب 4، حديث 6947، ومسلم في الزكاة، حديث 997، وفي الأيمان، حديث 997 (58) بلفظ:"لم يكن له مال" بدل "لم يكن له غلام".

(3)

أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 191، 480) حديث 5000، 5979، والطبراني في الأوسط (9/ 76) حديث 8160، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 267، والبيهقي (10/ 310) بلفظ:"أنت أحوج إليه".

وأخرجه أبو داود في العتق، باب 9، حديث 3956، وابن حبان "الإحسان"(11/ 305) حديث 4933، والبيهقي (10/ 311) بلفظ:"أنت أحوج إلى ثمنه".

(4)

الإجماع لابن المنذر ص/ 133.

ص: 52

(و‌

‌يُعتبر) لعتق المُدَبَّر خروجه (من الثلث)

بعد الديون ومؤن التجهيز يوم موت السيد (سواء دبَّره في الصحة، أو المرض) لأنه تبرُّعٌ بعد الموت، أشبه الوصية، بخلاف العتق في الصحة، فإنه لم يتعلَّق به حق الورثة، فنفذ في جميع المال، كالهبة المنجَزة. وأما الاستيلاد، فإنه أقوى من التدبير؛ لأنه يصح من المجنون، ولا يصح بيع أمِّ الولد.

(فإن لم يَفِ الثلث بها) أي: بالمُدَبَّرة (وبولدها) التابع لها في التدبير، بأن لم يخرجا من الثلث (أُقرع بينهما) أي: بينها وبين ولدها، كمدَبَّرين لا قرابة بينهما (فأيُّهما خرجت القُرعة لة، عتَق) كله (إن احتمله الثلث) بأن كانت قيمته مائة، وله غيره مائتان مثلًا (وإلا) بأن لم يخرج من الثلث (عَتَق منه بقَدْره) أي: الثلث، إن لم تجز الورثة، كالموصى بعتقه، (وإن فَضَل من الثلث بعد عتقه شيء، كُمِّل) الثلث بالعتق (من الآخر) فيعتق منه تمام الثلث (كما لو دبَّر عبدًا وأَمَة) معًا، أو أحدهما بعد الآخر.

(وإن اجتمع العِتق والتدبير في المرض) -متعلق بـ"العتق"، كما يعلم من "شرح المنتهى" وغيره، فأما التدبير فلا فرق بين أن يكون في الصحة، أو الموض كما قَدَّمه- (قُدِّم العتق) حيث ضاق الثلث عنهما لسبقه (ومن التدبير) أي: مثله (الوصيةُ بالعتق) يعني إذا اجتمع التدبير والوصية بالعتق تساويا؛ لأنهما جميعًا عتق بعد الموت.

(و‌

‌يصح) التدبير (ممن تصح وصيتُهُ)

كرشيدِ، ولو محجورًا عليه لفلسٍ، وسفيه، ومميز يعقله.

(وصريحه) أي: التدبير (لفظُ العتق والحرية المُعلَّقين بموت السيِّد، ولفظُ التدبير، وما تصرَّف منها) نحو: أنت حر بعد موتي، أو: أنت، مُعتَق أو: عتيق بعد موتي، أو: حررتُكَ بعد موتي، أو: أنت مدبَّر،

ص: 53

أو: دبَّرتك ونحوه (غير أمرٍ) نحو: حرِّرْ بعد موتي، أو أعْتِق بعد موتي، أو: دبِّرْ (و) غير (مضارع) نحو: تحرر بعد موتي، أو: تعتق بعد موتي، أو: تدبَّر (و) غير (اسم فاعل) نحو: أنت محرِّر، بكسر الراء الأولى، أو: أنت معتِق، بكسر التاء، أو: أنت مدبِّر، بكسر الباء.

(و‌

‌كنايات العتق

المنجَزِ تكون تدبيرًا) أي: كنايات للتدبير (إذا أضاف إليه) أي: إلى ما ذكر من كنايات العتق المنجَز (ذِكرَ الموت) يعني إذا عُلِّقت بالموت، كقوله: إن متُّ فأنت لله تعالى، أو: فأنت مولاي، أو: فأنت سائبة. ونحوه.

(ويصح تعليقُه) أي: العتق (بالموت مطلقًا) أي: غير مقيد (نحو: إن مُتُّ فأنتَ حر) أو: فأنت عتيق. ونحوه، وكذا: أنت مُدَبَّر.

(و) يصح التدبير (مقيدًا، نحو: إن مِتُّ من مرضي هذا) فأنت حرٌّ، أو مُدَبَّرٌ، (أو): إن مُتُّ (في عامي هذا) فأنت حر أو مُدَبَّر (أو): إن مُتُّ (في هذا البلد، أو) هذه (الدار، فأنت حرٌّ، أو مُدَبَّرٌ) فيكون جائزًا على ما قال (وكذا: أنت مُدَبَّر اليوم) فيصح، و (يتقيد به، فإن مات السيد على الصفة التي شرطها، عَتَق) المُدَبَّر إن خرج من الثلث (وإلا) بأن لم يمت على الصفة التي شرطها (فلا) يعتق؛ لأنه ليس بمُدَبَّر؛ لعدم وجود شرطه.

(وإن قال) السيد لرقيقه: (إذا قرأتَ القرآن فأنت حر بعد موتي. فقَرَأهُ) أي: القرآن (جميعَه في حياة السيد؛ صار مدبَّرًا) لوجود شرطه، و (لا) يصير مدبَّرًا إن قرأ (بعضه) لأنه عرَّفه بـ"أل" المقتضية للاستغراق، فعاد إلى جميعه، وأما قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ

ص: 54

الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}

(1)

الآية، ونحوها، فإنما حُمِل على بعضه بدليلٍ، ولأن قرينة الحال هنا تقتضي قراءة جمعيه؛ لأن الظاهر أنه أراد ترغيبه في قراءة القرآن، فتتعلق الحرية به.

(إلا إذا قال: إن قرأتَ قرآنًا) فأنت حر بعد موتي. فإنه يصير مدبَّرًا بقراءة بعضه؛ لأنه نكرة في سياق الشرط، فيعم أي بعضٍ كان، وليس في لفظه ما يقتضي استيعابه.

(وإن قال) السيد لرقيقه: (متى شئتَ) فأنت مُدبَّر (أو) قال له: (إن شئتَ فأنتَ مُدبرَّ، أو) قال له: (إذا قدم زيد) فأنت مُدبَّر (أو) قال له: إذا (جاء رأسُ الشهر -ونحوه- فأنت مدبرَّ. فشاء) الرقيق (ولو متراخيًا) في حياة السيد؛ صار مدبَّرًا، (أو قدم زيد في حياة السيد لا بعدها) أو جاء رأس الشهر ونحوه في حياة السيد لا بعدها (صار مدبَّرًا) وعتق بموت سيده؛ لوجود الشرط المعلَّق عليه، وإن لم يوجد في حياة السيد، ووُجِد بعد موته؛ لم يعتق؛ لأن إطلاق الشرط يقتضي وجوده في الحياة، بدليل ما لو عَلَّق عليه عتقًا منجزًا.

(وإن قال) السيد لرقيقه: (متى شئتَ بعد موتي، فأنت حر، أو أيَّ وقت شئتَ بعد موتي) فأنت حر (لم يصح التعليق، ولم يعْتِق) لأن التدبير تعليق العتق بالموت، فلا يمكن حدوثه بعد الموت. (وكذا لو قال: إذا مُتُّ، فأنت حر، أو لا؟) فلا يعتق (أو قال): إذا مُتُّ (فأنتَ حر، أو لست بحر؟ لأنه استفهام) لا إعتاق.

(وإن أبْطَل التدبير) لم يبطل (أو قال) السيد: (رجعتُ فيه) أي: التدبير، لم يبطل (أو جَحَده) أي: التدبير، لم يبطل (أو رهن) السيد

(1)

سورة النحل، الآية:98.

ص: 55

(المدبَّر) لم يبطل (أو أوصى) السيد (به) أي: بالمدبَّر، لم تصح الوصية؛ لأنه يعتق بالموت، وتقدم

(1)

، و (لم يبطل) التدبير (لأنه تعليق للعتق على صفة) والتعليق لازم لا يملك إبطاله، بخلاف الوصية.

(فإن مات السيد، وهو) أي: المُدَبَّر (رهن؛ عَتَق) المُدَبَّر إن خرج من الثلث (وأخذ) المرتهن (من تَرِكته قيمته) أي: المُدَبَّر، تكون (رهنًا مكانه) إِلَى حلول الدين، وإن كان حالاًّ وفَّى دينه.

(وإن غَيَّر التدبيرَ، فكان مطلقًا) بأن كان قال له: أنتَ مدبَّر (فجعله مقيدًا) بأن قال له: إن مِتُّ فِي مرضي هذا، أو بلدي هذا ونحوه، فأنت حر (لم يصح التقييد) لأنه رجوع عن الإطلاق الأول، فهو كالرجوع عن التدبير. وكذا لو قال لمُدَبَّره بعد تدبيره: إن أدَّيتَ إِلَى ورثتي كذا، فأنت حُرٌّ. فهو رجوع عن التدبير، فلا يصح.

(وإن كان) التدبير (مقيدًا، فأطلقه) بأن قال له أولًا: أَنْتَ حر إن مت فِي مرضي هذا. ثم قال له: أَنْتَ مدبَّر (صح؛ لأنه زيادة) فلا يمنع منه.

(وإن ارتد المُدبَّر، ولحق بدار حرب، لم يبطل تدبيرهُ) لأن رِدته لا تُنافيه، (فإن سباه المسلمون) وعلموا سيده (لم يملكوه، ويُرَدُّ إِلَى سيده، إن عُلِم به قبل قَسْمِه) كسائر أموال المسلمين المأخوذة منهم (ويُستتاب) المدبَّر المرتد ثلاثة أيام (فإن تاب) لم يقتل (وإلا) بأن لم يتب، ومضت الثلاثة أيام (قُتِلَ) لرِدته.

(وإن لم يُعْلَم به) أي: بسيد المُدبَّر المأخوذ من الكفار (حتَّى قُسم) المُدبَّر، ملكه من وقع في قَسْمه

(1)

(10/ 264).

ص: 56

(فإن اختار سيده أخذه بالثمن الذي حُسب به على آخذه، أخذهُ به

(1)

) أي: بالثمن، وكذا لو أخذ منهم بشراء (وإن لم يختر) سيدهُ (أخذَه) بثمنه (بطل تدبيره) بمعنى أنَّه لو مات السيد وهو فِي ملك الآخذ له، لم يعتق بموته، كما لو انتقل الملك فيه عن سيده، ببيع أو هبة.

(ومتى عاد) المدبَّر (إلى سيده بوجه من الوجوه) من بيع، أو هبة، أو إرث ونحوه (عاد تدبيره) بحيث إنَّه متى مات سيده، وهو فِي ملكه عتق بشرطه بالتدبير السابق؛ لعود الصفة، كما في العتق المُعلَّق والطلاق.

(وإن مات سيدُه) أي: سيد المُدبَّر المرتد، وهو بدار الحرب (قبل سَبْيِهِ، عَتقَ) حيث خرج من الثلث؛ لموت سيده وهو باق في ملكه، كما لو لم يلحق بدار حرب.

(فإن سُبيَ بعده) أي: بعد العتق (لم يُردَّ إِلَى ورثة سيده) لأن الحُر لا يورث، (لكن يُستتاب) ثلاثة أيام (فإن تاب، وأسلم؛ صار رقيقًا يُقسم بين الغانمين) قدَّمه فِي "الشرح" وغيره. وقال القاضي: لا يجوز استرقاقه إذا أسلم؛ لأن فِي استرقاقه إبطال ولاء المسلم الذي أعتقه. ولنا: أن هذا لا يمنع قتله، وإذهاب نفسه وولائه، فلئلا يمنع ملكه أولى.

(فإن لم يتب قُتِل) وجوبًا (ولم يجز استرقاقه) كسائر المرتدين.

(وإن ارتدَّ سيده) أي: المُدبر (أو دبَّره) سيده (في رِدته) أي: السيد (ثم عاد) سيده (إِلَى الإسلام، فالتدبير بحاله) فإذا مات سيده، عَتَق إن خرج من الثلث (وإن قُتِل) السيد لرِدته، أو غيرها، (أو مات) السيد (على رِدته لم يَعْتِق) المدبَّر.

(1)

في "ذ": "حُسب على آخذه به" وليس فيه: "أخذه به".

ص: 57

(وللسيد بيع المدبَّر، ولو) كان (أمَةً، أو) كان البيع (فِي غير الدَّين، و) له أَيضًا (هِبته، ووقفه) ورهنه ونحوه. قال أبو إسحاق الجُوزْجانيّ

(1)

: صحَّت أحاديث بيع المدبَّر باستقامة الطرق

(2)

. ولأنه عتق بصفةٍ، ويثبتُ بقول المعتِق، فلم يمنع البيع، كقوله: إن دخلتَ الدار، فأنت حر. ولا يصح قياسه على أم الولد؛ لأن عتقها ثبت بغير اختيار سيدها، وليس بتبرع، ويكون من جميع المال، والوقف والهبة ونحوها كالبيع.

(فإن عاد) المدبَّر بعد بيعه أو هبته ونحوه (إليه) أي: إِلَى السيد، بإرث، أو فسخ، أو عقد (عاد التدبير) لأنه علَّق عتقه بصفة، فإذا باعه ونحوه، ثم عاد إليه، عادت الصفة، كما لو قال: أَنْتَ حر إن دخلت الدار. فباعه، ثم عاد إليه. فإذا باع السيد المدبَّر، ثم عاد إليه، ثم مات وهو فِي ملكه، عَتَق.

(وإن جنى) المدبَّر (بِيعَ) أي: جاز بيعه فِي الجناية، وتسليمه لوليها بها؛ لأنه قِن (وإن) اختار سيده فداءه، فله ذلك، فإن (فدي، بقي تدبيره) بحاله وصار كأنه لم يَجْنِ (وإن بِيعَ بعضه) أي: المُدبَّر فِي الجناية أو غيرها (فباقيه مدبَّر) بحاله يعتق بموت سيده، ويسري إِلَى الباقي إن احتمله الثلث.

(وللسيد وطءُ مدبَّرته، وإن لم يشترط) وطْأها حال تدبيرها، سواء كان يطؤها قبل تدبيرها، أو لا، رُوي عن ابن عمر "أنَّه دَبَّرَ أمَتَيْنِ له؛

(1)

لم نقف على كلامه هذا في مظانه من كتبه المطبوعة، وقد نقله عنه في المغني (14/ 420).

(2)

منها حديث جابر وقد تقدم تخريجه (11/ 52) تعليق رقم (2)، (3).

ص: 58

وكان يَطؤُهما"

(1)

. قال أَحْمد

(2)

: لا أعلم أحدًا كره ذلك غير الزهري

(3)

. ووجهه: أنها مملوكته ولم تَشْتَر نفسها منه، فحلَّ له وطؤها؛ لعموم قوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(4)

.

(فإن أولدها) أي: أولد السيد مدبَّرته (بطل تدبيرها) وصارت أمَّ ولد؛ لأن الاستيلاد أقوى من التدبير؛ لأن مقتضاه العتق من رأس المال وإن لم يملك غيرها، أو كان عليه دَين، فيبطل به الأضعف، وهو التدبير، كملك الرقبة إذا طرأ على النكاح.

(وله) أي: السيد (وطْءُ ابنتها) أي: المدبَّرة (إن لم يكن وطِئَ أُمَّها) لأن ملك سيدها تام فيها كأمها، بخلاف بنت المُكاتَبة، فإنها تتبع أُمَّها، وأُمُّها يحرم وطؤها، فإن وطئ أُمَّها حرمت البنت؛ لأنها ربيبةٌ دخل بأمها.

(وما ولدته) مُدبَّرة (من غير سيدها بعد تدبيرها، كهِيَ) أي: المُدبَّرة (يعتقُ بموته) أي: السيد (سواء كان) ما ولدته بعد التدبير (موجودًا حال التعليق، أو) موجودًا حال (العتق، أو) كان (حادثًا بينهما) أي: بين التعليق والعتق؛ لما روي عن عمر

(5)

(1)

أخرجه مالك فِي الموطأ (2/ 814)، والشافعي فِي الأم (8/ 25)، وعبد الرزاق (9/ 147) رقم 16697، 16698، والبيهقي (10/ 315)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 433) رقم 20630.

(2)

الاستذكار لابن عبد البر (23/ 382)، والمغني (14/ 429).

(3)

أخرجه عن الزهري عبد الرزاق (9/ 148) رقم 16700، وابن أبي شيبة (6/ 138). وانظر: الاستذكار لابن عبد البر (23/ 382).

(4)

سورة النساء، الآية:3.

(5)

لم نقف على من رواه عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه مسندًا، وأخرجه عبد الرزاق (9/ 146 - 147) رقم 16693 - 16695، وابن أبي شيبة (6/ 163 - 164)، =

ص: 59

وابنه

(1)

وجابر

(2)

أنَّهم قالوا: "وَلَدُ المُدَبَّرةِ بمنزلَتِها"، ولا مخالف لهم من الصحابة

(3)

؛ ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها، فتبعها ولدها كأم الولد، ويفارق التعليق بصفة فِي الحياة، والوصية؛ لأن التدبير آكد من كل منهما.

(ويكون) ولد المدبَّرة (مُدبَّرًا بنفسه، فإن بَطَل التدبير فِي الأم، لبيع) السيد إياها، (أو غيره) كموتها (لم يبطل) التدبير (فِي الولد) فيعتق بموت سيده؛ لعدم موجب البطلان فيه.

(وإن عتقت الأم) المُدبَّرة (فِي حياة السيد، لم يعتق ولدها) كغير المُدبَّرة؛ لانفصاله (حتَّى يموت السيد) فيعتق بالتدبير.

(فلو قالت) المدبَّرة: (ولدتُ بعدَ تدبيري) فيتبعني ولدي (وأنكر السيدُ) وقال: بل ولدتْ قبله (فقوله) أي: السيد (وكذا) إذا مات واختلفتْ مع (ورثته بعده) فالقول قولهم بأيمانهم؛ لأن الأصل بقاءُ رِقِّ الولد وانتفاء الحرية عنه.

(ولا يَعْتِق) بموت سيدها (ما ولدته قبل التدبير، لأنه لا يتبعها فيه) أي: فِي التدبير؛ لانفصاله.

(وولد المدبَّر يتبع أُمَّه) حرة كانت، أو أَمَة، مُدبَّرة، أو غيرها، و (لا) يتبع (أباه) لأن الولد إنما يتبع أُمّه فِي الحرية والرِّق، لكن إن قلنا:

= والبيهقي (10/ 349)، عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (9/ 144) رقم 16682، 16683، وابن أبي شيبة (6/ 163)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 458 - 459)، وسحنون فِي المدونة (8/ 298)، والدارقطني (4/ 136)، والبيهقي (10/ 315).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 166)، والبيهقي (10/ 315).

(3)

انظر: الاستذكار (23/ 358 - 359).

ص: 60

له التسري، فولده من أَمته كهو، كولد الحر من أمَته، كما فِي "المنتهى" وغيره.

(وإذا كاتب المُدبَّر) صح، وهو قول ابن مسعود

(1)

وأبي هريرة

(2)

؛ لأن التدبير إن كان عتقًا بصفة، لم يمنع الكتابة، وكذا إن كان وصية، كما لو وصَّى بعتقه، ثم كاتبه (أو

(3)

) كاتب (أُمَّ ولده) صح؛ لأن الاستيلاد والكتابة سببان للعتق، فلم يمنع أحدهما الآخر، كتدبير المُكاتَب.

(أو دبَّر المُكاتَبَ؛ صح) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأنه تعليق لعتقه بصفة، وهو يملك إعتاقه، فيملك التعليق.

(فإن أدَّى) المُدبَّر الذي كاتبه سيده ما كوتب عليه (عَتَق) وبطل تدبيره، وما فضل بيده فله (وإن مات سيده قبل الأداء، عَتَق) بالتدبير (إن حمله الثلث) وبطلت الكتابة، وما بيده لورثة سيده (وإلَا) بأن لم يخرج من الثلث (عَتَق) منه (بقدره) لأن المُدبَّر يعتبر فِي عتقه بالتدبير خروجه من الثلث (وسقط من الكتابة بقَدْر ما عَتق منه (بالتدبير) لانتفاء محلها بالعتق، ولورثة السيد من كسبه بقَدْر ما عتق منه (وهو مُكاتَب فيما بقي) لأن محلها لم يعارضه شيء، فعلى هذا لو خرج نصفه من الثلث عَتَق نصفه، وسقط نصف الكتابة، وبقي نصفه. والذي يُحسب من الثلث إنما

(1)

أخرج البخاري فِي التاريخ الكبير (1/ 210)، وابن أبي شيبة (6/ 376)، عن الأحنف أنَّه أعتق غلامًا عن دُبُر، فكاتبه، فأدى بعضه، وبقي بعض، ومات مولاه، فأتوا ابن مسعود، فقال: ما أخذ فهو له، وما بقي فلا شيء.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 375 - 376)، والبيهقي (10/ 314)، ولفظه:"دبرت امرأة من قريش غلامًا، ثم أرادت أن تكاتبه، فكتب الرسول -ولفظ البيهقي: فكتبت- إِلَى أبي هريرة، فقال: كاتبيه، فإن أدى مكاتبته فذاك، وإن حدث به حدث عتق، قال: وأراه ما كان عليه لها -يعني من كتابته- شيء".

(3)

فِي متن الإقناع (3/ 270): "و".

ص: 61

هو قيمة المُدبَّر وقت موت سيده؛ لأن المُدبَّر لو لم يكن مُكاتَبًا لاعتُبرت قيمته.

(وإن دَبَّر أُمَّ ولده، لم يصح) التدبير (إذ لا فائدة فيه) لأن أُمَّ الولد تعتق بالموت مطلقًا، بخلاف التدبير.

(وإذا عَتَق) المُدبَّر الذي كاتبه سيده (بالكتابة، كان ما فِي يده له) أي: للعتيق؛ لأنه كان له قبل العتق، فيكون له بعد العتق، كما لو لم يكن مُدبَّرًا.

(وإن عتق بالتدبير مع العجز عن أداء مال الكتابة) أو مع القدرة عليه، كما يأتي (كان ما فِي يده للورثة) لأنه كان للسيد قبل العتق، فيكون لورثته بعد العتق، كما لو لم يكن مُكاتَبًا، وبطلت الكتابة (لا كَسْبُه) فلا يكون لورثة سيده، بل للعتيق، كأم الولد، وقوله:(لأن كسب المدبَّر فِي حياة سيده لسيده) تعليل لما تقدم من أن ما فِي يده للورثة، إذا عتق بالتدبير (و) كسبه (بعدها) أي: بعد حياة سيده (له) أي: للمُدبَّر نفسه؛ لأنه حر.

(وإن مات السيد قبل العجز، و) قبل (أداء) المُدبَّر الذي كاتبه (جميع الكتابة، عَتَق بالتدبير) إن خرج من الثلث، كما تقدم (وما فِي يده للورثة أيضًا) لما تقدم.

وأُمُّ الولد إذا كاتبها سيدها ومات قبل الأداء، تعتق بموته مطلقًا، ويسقط ما عليها من مال الكتابة، وما بيدها لورثة السيد.

(وإذا دبَّر شِرْكًا له فِي عبدٍ) أو أمَة (لم يَسْرِ التدبير إِلَى نصيب شريكه، ولو) كان (موسِرًا) لأن التدبير تعليق للعتق بصفة، فلم يَسْرِ، كتعليقه بدخول الدار، ويفارق الاستيلاد، فإنَّه آكد كما تقدم.

ص: 62

(فإن مات المُدبِّرُ) -بكسر الباء- (عَتَق نصيبهُ، إن خرج من الثلث) بالتدبير (وإن) أي: ولو (لم يَفِ ثلثه بقيمة حصة شريكه، وإن كان) ثلثه (يفي) بقيمة حصة شريكه. (سرى) العتق (فِي بقيته)، فيعتق جميعه (ويُعْطى الشريك قيمة حصَّته) من التَّرِكة (وتقدم آخر الباب قبله

(1)

.

وإن أعتق الشريك) الذي لم يُدبَّر (نصيبَهُ قبل موت السيد المدبِّر) بكسر الباء (وهو) أي: المعتِق (موسِر) بقيمة نصيب شريكه (عَتَق) نصيبه (وسرى) العتق (إِلَى نصيب شريكه، وغَرِم قيمتَه) أي: النصيب (لسيده) لحديث ابن عمر السابق

(2)

فِي سراية العتق.

(وإن دبَّر كلُّ واحد منهما) أي: الشريكين (نصيبه) من مشترَك بينهما (فمات أحدُهما؛ عَتَق نصيبُه، وبقي نصيب الآخر على التدبير؛ إن لم يفِ ثلث الميت بقيمة حصة شريكه، وإن كان يفي) ثلثه (بها، سرى) العتق (إليها، كما تقدم) ويؤخذ من تَرِكته قيمة نصيب شريكه.

(وإن قالا لعبدهما: إن مِتنا فأنت حرٌّ، فإذا مات أحدُهما فنصيبه حر) لأنه من مقابلة الجملة بالجملة، فينصرف إِلَى مقابلة البعض بالبعض، كـ: ركب النَّاس دوابهم، ولبسوا ثيابهم، وأخذوا رماحهم (لا أنَّه لا يَعتِق إلَّا بموتهما جميعًا) -كما ذكره القاضي وجماعة، وقدَّمه فِي "الفروع"- فلا يَعتِق بموت أحدهما شيء منه، ولا يبيع وارثه حقه منه؛ لتعلُّق العتق به تعليقًا لا ينفك، إلَّا أنَّه متوقف على موت الثاني.

(وإذا أسلم مُدبَّرُ كافرٍ، أو) أسلم (قِنُّه، أو) أسلم (مكاتَبُه، أُلزم بإزالة ملكه عنه) لئلا يبقى الكافر مالكًا لمسلم مع إمكان بيعه (فإن أبى)

(1)

(11/ 46).

(2)

تقدم تخريجه (11/ 24) تعليق رقم (1).

ص: 63

أن يُزِيل ملكه عنه (بيعَ) أي: باعه الحاكم (عليه) ولا يبقى ملكه؛ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}

(1)

.

(وإن أنكر السيدُ التدبيرَ، ولا بيِّنَة) للمدعي (حلف) السيد (على البَتِّ) أنَّه لم يدبره؛ لأنه يحلف على فعل نفسه (وإن كان المنكِرُ) للتدبير (ورثة السيد بعد موته؛ حلف كلُّ واحد من الورثة على نفي العلم) أنَّه لا يعلم أن مورثه دَبَّره؛ لأنه يحلف على نفي فعل غيره (ومن نَكَل منهم) قُضي عليه بالنكول، و (عَتَق نصيبه، ولم يسرِ) العتق (إِلَى باقيه، وكذلك إن أقرَّ) عتق نصيبه، ولم يسر إِلَى باقيه (لأن إعتاقه بفعل المورِّث، لا بفعل المقر، ولا) بفعل (الناكل) عن اليمين.

(وإن شهد به) أي: بالتدبير (رجلان، أو رجل وامرأتان، أو) شهد به رجل، و (حلف معه المدبَّر؛ حُكِم به) أي: بالتدبير؛ لأن الشهادة بالتدبير تتضمن إتلاف مال، والمال يُقبَل فيه ما ذكر (وكذا الكتابةُ) يُقبَل فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، ورجل ويمين؛ لما ذكر.

(وإن قَتَل المدبَّر سيده) قتلًا يمنع الميراث (بطَلَ تدبيره) لأنه استعجل ما أُجِّل له، فعوقب بنقيض قصده، كما حُرم القاتلُ الميراثَ، ولأن ذلك مما يُتخذ وسيلة إِلَى القتل المُحَرَّم لأجل العتق، فمنع العتق سدًّا لذلك، بخلاف أمّ الولد؛ لأن إبطال الاستيلاد فيها يُفضي إِلَى نقل الملك فيها، ولا سبيل إليه.

وإن جَرَح قِنٌّ سيده فدبَّره، ثم سرى الجرح، ومات السيد؛ لم يبطل التدبير، وتقدم فِي الوصية

(2)

.

(1)

سورة النساء، الآية:141.

(2)

(10/ 245).

ص: 64

‌باب الكتابة

(وهي) اسم مصدر بمعنى المكاتَبة، سُمِّيت بذلك؛ لأن السيد يكتب بينه وبين رقيقه كتابًا بما اتفقا عليه، وقيل: من الكَتْب وهو الضم؛ لأن المُكاتَب يضم بعض النجوم إِلَى بعض، ومنه سُمِّي الخرز كتبًا، والكتيبة لانضمام بعضها إِلَى بعض.

وشرعًا: (بيع سيدٍ رقيقَه) ذكرًا كان، أو أنثى، أو خنثى (نفسه، أو) بيعه (بعضَه) كنصفه وسدسه (بمال مُؤجّل فِي ذمَّته، مباح معلوم، يصح فيه السَّلَم، مُنَجَّم) أي: مؤجل بأجلين فصاعدًا (يُعلم قِسْط كل نجم ومدَّتُه) أي مدة النجم من شهر، أو سنة ونحوهما.

فلا تصح بنحو خمر، ولا بمال حال، ولا بمعيَّن، ولا بمحرَّم الصناعة، كآنية ذهب وفضة، ولا بمال مجهول، ولا بما لا يصح السَّلَم فيه، كجوهر ونحوه مما لا ينضبط بالوصف، ولا بمؤجل أجلًا واحدًا، ولو طال.

والمراد بالنجم هنا: الوقت؛ لأن العرب كانت لا تعرف الحساب، وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم، كما قال بعضهمِ

(1)

:

إذا سُهَيْلٌ أوَّلَ الليلِ طَلَع

فابنُ اللَّبونِ الحِقُّ، والحِقُّ جَذَع

(أو) بيع السيد رقَيقَه نفسه، أو بعضه بـ (ـــمنفعةٍ مؤجَّلة منجَّمة)

(1)

لم نقف على قائله، وقد قال أبو داود فِي سننه، كتاب الزكاة، باب تفسير أسنان الإبل رقم (8)، بعد حديث 1590: وأنشدنا الرياشي فذكره، وذكره فِي لسان العرب ولم ينسبه لأحد (10/ 54) مادة (حقق) و (11/ 350) مادة (سهل).

ص: 65

على أجلين فأكثر. واشتراط النجمين فأكثر؛ لأنها مشتقة من الكَتْب، وهو الضم، فوجب افتقارها إلى نجمين؛ ليضم أحدهما إلى الآخر. واشتراط العلم بما لكل نجم من القسط والمدة؛ لئلا يؤدي جهل ذلك إلى التنازع. ولا يُشترط التساوي، فلو جعل أحد النجمين شهرًا، والآخر سنة، أو جعل قِسْط أحد النجمين عشرة، والآخر خمسة ونحوه؛ جاز؛ لأن القصد العلم بقَدر الأجل وقسطه.

والأصل في الكتابة: قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيرًا}

(1)

. وقصة بَرِيرة

(2)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"المُكاتبُ عبدٌ ما بقِيَ عليهِ من كتابته درهم" رواه أبو داود

(3)

.

وأجمع

(4)

المسلمون على مشروعيتها.

(وهي) أي: الكتابة (مندوبة لمن يعلم) سيده (فيه خيرًا، وهو الكسب والأمانة) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيرًا}

(5)

قال أحمد

(6)

: الخير: صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة. والآية محمولة على الندب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحلُّ مالُ امرئ مُسلم إلَّا عن طيبِ نفسٍ منه"

(7)

؛ ولأنه دعاء إلى إزالة ملك بِعوض، فلم يُجبر السيد عليه، كالبيع.

(1)

سورة النور، الآية:33.

(2)

تقدم تخريجه (7/ 400) تعليق رقم (3).

(3)

تقدم تخريجه (10/ 520) تعليق رقم (1).

(4)

الإجماع لابن المنذر ص / 133، ومراتب الإجماع لابن حزم ص / 263، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1490 - 1491).

(5)

سورة النور، الآية:33.

(6)

المغني (14/ 443).

(7)

تقدم تخريجه (9/ 225) تعليق رقم (3).

ص: 66

(وتُكره كتابة مَن لا كسبَ له) لئلا يصير كَلًّا على الناس، ويحتاج إلى السؤال. وتقدم

(1)

بأوضح من هذا.

(ولا تصح كتابة المرهون) بعد قبضه؛ لأنه محجور عليه فيه لحق المرتهن، كما لا يصح بيعه ووقفه.

(والكتابة في الصحة والمَرَض من رأس المال) لأنها معاوضة، فهي كالبيع والإجارة (واختار الموفَّق وجموعٌ) منهم صاحب "المبدع" (أنها) أي: الكتابة (في المرض المخوف من الثلث) لأن ما يأخذه عوضًا، من كسب عبده وهو مال له، فصار كالعتق بغير عوض. وتقدم

(2)

حكم المحاباة فيها.

(ولو كاتبه في الصحة، وأسقط دَيْنه) في مرضه المخوف (أو) كاتبه في الصحة، و (أعتقه في مرضه؛ اعتُبر خروج الأقل من رقبته أو دَينه من الثلث) لأن العتق إبراء والإبراء عتق، فاعتبر أقلهما وأُلغي الآخر (ولو وصَّي بعتْقِه) أي: المكاتَب (أو أبرأه) المريض مرض الموت المخوف ونحوه (من الدَّيْن) أي: دين الكتابة (اعتُبر) خروج (أقلِّهما) أي: رقبته أو دينه (من ثلثه) لما تقدم.

(ولو حمل الثلثُ بعضَه) أي: بعض ما عليه من دين الكتابة (عتق) منه بقَدر ما حمله الثلث، لعدم المانع (وباقيه على الكتابة) إن لم تجز الورثة.

(ولا تصح) الكتابة (إلا بقولٍ) بأن يقول السيد لمن يريد أن يُكاتبه: كاتبتكَ على كذا؛ لأنها إما بيع، أو تعليق للعتق على الأداء، وكلاهما

(1)

(11/ 9).

(2)

(10/ 175 - 176).

ص: 67

يُشترط له القول؛ إذ لا مدخل للمعاطاة هنا (من جائز التصرُّف) لأنها عقد معاوضة كالبيع (مع قبوله) أي: المُكاتَب؛ لأنها عقد معاوضة، فتوقفت على القبول كالبيع.

(وإن كاتب) السيد (المميِّزُ رقيقه بإذن وليِّه، صح) العقد، وبغير إذنه لا يصح؛ لأن الكتابة تصرف في المال، فلم تصح عن المميز إلا بإذن وليِّه، كالبيع.

(وإن كاتب السيدُ عبدَه المميز؛ صح) العقد؛ لأنّه يصح تصرفه وبيعه بإذن وليّه، فصحت كتابته كالمكلف؛ لأن تعاطي السيد العقد معه؛ إذنٌ له في قَبوله، و (لا) يصح أن يكاتب رقيقًا (مجنونًا، و) طفلًا غير مميز) لأن قولهما غير معتدٍّ به.

(فإن فعل) بأن كاتب مجنونًا، أو طفلًا (لم يَعتِقا بالأداء) لبطلان الكتابة (بل) يَعتقان (بتعليق العتق به) أي: بالأداء (إن كان التعليق صريحًا) بأن قال في العقد: ومتى أديت ذلك ونحوه، فأنت حر (وإلا) بأن لم يكن التعليق صريحًا (فلا) عتق؛ لعدم ما يقتضيه.

(وتصحُّ كتابة الذمِّي عبدَه) كالمسلم (فإن أسلما) أي: السيد وعبده (أو) أسلم (أحدهما، أو) لم يُسلِما، ولكن (ترافعا إلينا أمضينا العقد، إن كان موافقًا للشرع) لقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَينَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}

(1)

.

(وإن كانت) الكتابة (فاسدة، مثل أن يكون العوض خمرًا ونحوه) كخنزير (وقد تقابضاه في الكفر، أمضيناه أيضًا، وحصل العتق، سواء ترافعا) إلينا (قبل الإسلام، أو بعده) للزومه بالتقابض.

(وإن تقابضاه بعد الإِسلام، فهي كتابة فاسدة. ويأتي حكمها إن

(1)

سورة المائدة، الآية:48.

ص: 68

شاء الله تعالى) آخر الباب.

(وإن ترافعا قبل قبضه) أي: الخمر ونحوه (أبطلنا الكتابة) كسائر عقودهم الفاسدة، إذا ترافعوا إلينا قبل التقابض.

(وتصح كتابة الحربي لرقيقه (في دار الحرب ودار الإسلام) ككتابة الذمي وسائر عقوده.

(فإن دخلا مستأمِنين إلينا، لم يتعرَّض الحاكم لهما، إلا أن يترافعا إليه) أي: الحاكم، فإن ترافعا إليه (فإن كانت) الكتابة (صحيحة، ألزمهما حكمها، وإن جاءا) دار الإِسلام (وقد قهر أحدُهما صاحبه، بطلت الكتابة؛ لأن دار الحرب دارُ قَهرٍ وإباحة، فمن قهَر صاحبَه -ولو حُرًّا قَهَرَ حُرًّا- مَلَكَه. وإن دخلا) دار الإِسلام (من غير قهر، ثم قهر أحدُهما الآخر في دار الإسلام؛ لم تبطل) الكتابة؛ لأنه لا أثر للقهر في دار الإِسلام، لأنها دار عصمة.

(وتنعقد) الكتابة (بقوله) أي: السيد لرقيقه: (كاتبتُك على كذا. مع قَبوله) لأنه اللفظ الموضوع لها، فانعقدت بمجرده (وإن لم يقل) السيد:(فإذا أديت إليَّ فأنت حر) لأن الحرية موجب عقد الكتابة، فتثبت عند تمامه كسائر أحكامه؛ ولأن الكتابة عقد وُضِع للعتق، فلم تحتج إلى لفظ العتق ولا نيته، كالتدبير. وقول المخالف

(1)

: لفظ الكتابة يحتمل المخارجة. ليس بمشهور حتى يحتاج أن يميز أحدهما عن الآخر بشيء يميزه، على أن اللفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد محتمَلَيه.

(ولا تصح) الكتابة (إلا بعوض مباح) بخلاف آنية الذهب والفضة، والحلي المُحرَّم. (يصح السَّلَم فيه) لأنه لا يكون إلا في الذمة، فيحتاج

(1)

هو الإمام الشافعي، انظر: الأم (8/ 47).

ص: 69

إلى ضبط صفاته؛ قطعًا للنزاع، بخلاف الجوهر ونحوه؛ فإنه لا ينضبط بالوصف (منجم نجمين فأكثر، يُعلم لكل أجل نجم) أي: وقت (قِسطه ومدَّته) لما تقدم (تساوت) النجوم (أو لا) أي: أو لم تتساو كما تقدمت

(1)

الإشارة إليه (فلا تَصِح) الكتابة (حالَّة) لأنه يفضي إلى العجز عن الأداء وفسخ العقد.

(ولا) تصح الكتابة (على عبد مطلق) كأن يُكاتب رقيقه على عبد ويطلق؛ لأنه عوض مقدَّر في عقد أشبه البيع. وقال القاضي وأصحابه: تصح، وصححه ابن حمدان كمهر، وله الوسط.

(ولا) يصح أيضًا (توقيت النجمين بساعتين ونحوه) مما لا وقع له في القدرة على الكسب؛ (بل يُعتَبر ما له وقعٌ في القُدرة على الكسب؛ صوّبه في "الإنصاف" وإن كان ظاهر كلام الأصحاب خلافه) قال في "تصحيح الفروع": ظاهر كلام كثير من الأصحاب الصحة، ولكن العُرف والعادة والمعنى: أنه لا يصح قياسًا على السَّلَم، لكن السَّلَم أضيق، انتهى.

وقال في "المنتهى": ولا يشترط أجل له وقع في القدرة على الكسب فيه. قال في "شرحه": في الأصح، فيصح توقيت النجمين بساعتين.

(و‌

‌تصِحُّ) الكتابة (على خدمة مُفردة منجّمة في مدتين فأكثر،

كأن يكاتبه في أول المُحرَّم على خدمته فيه) أي: المُحرَّم (وفي رجب، أو على خياطة ثوب؛ وبناء حائط عينهما، وكذا لو قال) السيد لرقيقه: كاتبتك (على أن تَخدمني هذا الشهر، و) على (خياطة كذا عقيب الشهر، أو):

(1)

(11/ 66).

ص: 70

كاتبتك (على أن تَخدُمني شهرًا من وقتي هذا، وشهرًا عقيب هذا الشهر) فيصح؛ لأنهما أجلان، وإن ولي أحدهما الآخر.

(وإن كاتبه على خدمة شهر مُعَين) كرجب، ولي العقدَ، أو لا (أو) كاتبه على خدمة (سنة معيَّنةٍ) كسنة خمس تلي العقد، أو لا (لم يصحَّ) عقد الكتابة (لأنه نجم واحد.

وتصح) الكتابة (على خدمة ومال) لأن كلًّا منهما يصح أن يكون عوضًا في غير الكتابة، فليكن فيها كذلك، سواء (تقدمت الخدمة، أو تأخرت) لأن تقدّمها وتأخرها لا يخرجها عن كونها صالحة للعوض، وأوَّلها عقب العقد مع الإطلاق (إن كان المال مؤجلًا ولو إلى أثنائها) أي: أثناء مدة الخدمة، كأن يكاتبه على خدمته

(1)

من شهر رجب وعلى دينار، وجعل محله في نصف رجب، أو في انقضائه، فيصح، كما لو جعل محله فيما بعد رجب؛ لأن الخدمة بمنزلة العوض الحاصل في ابتداء مدتها، فيكون محلها غير محل الدينار (بخلاف الخِدمةِ، فإنه لا يشترط تأجيلُها) لأن المنع من الحلول في غيرها لأجل العجز عنه في الحال، وهذا غير موجود في الخدمة، فجازت حالة، ويصح أن يكون أجل الدينار قبل الخدمة إن لم تكن متصلة بالعقد، مثل أن يكاتبه في المُحرَّم على دينار سلخ صفر، وخدمته شهر رجب.

(وإذا كاتب) السيد (العبدَ، وله مال، فمالُه لسيده، إلا أن يشترطه المُكاتَب) لأنه كان له قبل الكتابة، فيكون له بعدها، وكما لو باعه، أو أعتقه (فإن كانتْ له) أي: العبد قبل أن يكاتب (سُرِّية -إن جوزنا للعبد التسري- أو) كان له (ولد منها) أي: من سُرِّيَّته بناء على ذلك القول (فهو)

(1)

في "ذ": "خدمة".

ص: 71

أي: المذكور من السُّرِّيَّة والولد (لسيده) لأن ذلك من جملة ماله، فيكون لسيده، إن لم يشترطه المُكاتَب.

(وإذا أدى) المُكاتَب (ما كُوتب عليه، فقبضه السيد) مع أهليته للقبض، أو قبضه وكيله (أو) قبضه (وَليُّه) إن لم يكن السيد أهلًا (أو أبرأه) السيد (منه) أي: مما كوتب عليه (عتق) لأنه لم يبق لسيده عليه شيء، و (لا) يعتق (قبل الأداء) لجميع ما كوتب عليه (والإبراء) منه؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"المكاتَبُ عبدٌ ما بقيَ عليهِ دِرهمٌ" رواه أبو داود

(1)

، دَلَّ بمنطوقه على أنه لا يَعتِق حتى يؤدي جميع كتابته، ومفهومه أنه إذا أداها لا يبقى عبدًا. (وإن كاتبه على دنانير، فأبرأه) السيد (من دراهمَ، أو بالعكس) بأن كاتبه على دراهم، فأبرأه من دنانير (لم تصحَّ البراءة) لأنه أبرأه مما ليس له عليه (إلا أن يزيد) في البراءة لفظ:(بقَدر ذلك مما لي عليك) فتصح البراءة منه اكتفاء بالمعنى (ولو كان في ملكه) أي: المكاتب (ما يؤدي) منه (فهو عبد ما بقي عليه درهم) لحديث عَمرو بن شعيب السابق.

(فإن) مات السيد وورثه اثنان فأكثر، و (أبرأه) أي: المُكاتَب (بعض ورثته) أي: السيد (من حقه منها) أي: الكتابة بمعنى دينها (وكان) المبرئ (موسرًا) بقيمة باقيه (عتق عليه كله) بالسراية؛ لما تقدم

(2)

في من أعتق شركا له في رقيق.

(وما فضل في يده) أي: المُكاتَب (بعد الأداء) لجميع مال الكتابة (فـ) ـهو (له) أي: للمُكاتَب؛ لأنه

(3)

له، بدليل صحة تصرفه فيه

(1)

تقدم تخريجه (10/ 520) تعليق رقم (1).

(2)

(11/ 23 - 24).

(3)

في "ذ": "لأنه مالك له".

ص: 72

قبل العتق.

(فإن مات) المُكاتَب (أو قُتِل، ولو كان القاتل) له (السيد قبل الأداء، انفسخت الكتابة، ومات عبدًا، وكان ما في يده لسيده) سواء خلَّف وفاء أم لا، لحديث عَمرو بن شعيب السابق؛ ولأن الكتابة عقد معاوضة على المُكاتَب، وقد تلف المعقود عليه قبل التسليم؛ فبطل. وتفارق الكتابة البيع؛ لأن كل واحد من المتعاقدين غير معقود عليه، ولا يتعلق بعينه، فلم ينفسخ بتلفه، بخلاف الكتابة.

(وإن عجّل) المُكاتَب (ما عليه) من دين الكتابة (قبل محلّه، لزم سيدَه أخذه، وعتق إن لم يكن فيه) أي: في أخذه قبل محله (ضرر) على السيد؛ رواه سعيد عن عمر وعثمان

(1)

. ولأن الأجل حق لمن عليه الدين، فإذا قدمه، فقد رضي بإسقاط حقه، فسقط، كسائر الحقوق، لا يقال: إذا علق عتق رقيقه على فعل في وقت، ففعله في غيره لا يعتق؛ لأن هذا صفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها، والكتابة معاوضة يعتق فيها بأداء العوض، فافترقا.

فإن كان في قبضها قبل محلها ضرر، بأن دفعها بطريق مخوف، أو

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من سننه، وذكره الموفق في المغني (14/ 462)، فقال: ورواه سعيد بن منصور في سننه عن عمر وعثمان جميعا، قال: حدثنا هشيم، عن ابن عون، عن محمَّد بن سيرين، أن عثمان قضى بذلك. ا هـ. وأخرجه ابن أبي شيبة (7/ 119)، والبيهقي (10/ 335)، من طريق ابن المبارك وابن أبي زائدة، عن ابن عون، عن محمَّد بن سيرين، بلفظ: قال: أراد مكاتب أن يعطي مولاه المال كله، فقال: لا آخذ إلا نجومًا، فكتب له عثمان عتقه، فأخذ المال وقال: أنا أعطيكه نجومًا، فلما رأى ذلك الرجل أخذ المال. وانظر ما يأتي (11/ 74) تعليق رقم (1، 2).

ص: 73

كانت مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن ونحوه، لم يلزم السيد أخذها؛ لأن الإنسان لا يلزمه التزام ضرر لا يقتضيه العقد، ولا يعتق ببذله مع وجود الضرر.

(فلو أبى) السيد أخْذَ المعجل مع عدم الضرر (جعله الإمام في بيت المال، ثم أداه إلى السيد وقت حلوله، وحكم بعتق المُكاتَب في الحال) أي: حال أخذ المعجل منه؛ لما روى الأثرم بإسناده عن أبي بكر بن حزم "أن رجلًا أتى عمرَ فقال: يا أميرَ المؤمنينَ إني كوتبتُ على كذا وكذا، وإنِّي أيسرتُ بالمالِ وأتيتُهُ به، فزعم ألا يأخُذها إلا نجومًا، فقال عمر: لا يَرفأ، خُذْ هذا المال، فاجعَلهُ في بيتِ المال، وأدِّ إليه نجومًا في كل عامٍ، وقد عتق هذا، فلما رأى ذلك سيِّدُه أخذَ المال"

(1)

، وعن عثمان نحوه

(2)

.

(وإذا كاتبه على جنسٍ كدنانير ودراهم، أو عرض، لم يلزمه) أي: السيد (قبض غيره) أي: غير ما وقع عليه العقد؛ لأنها معاوضة، فلا تلزمه، ولا يُجبر عليها، وإن تراضيا؛ جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما.

(وإذا أدَّى) المُكاتَب (العوض) الذي كُوتِب عليه جميعه (وعتق، فبانَ العوض معيبًا، فله) أي: السيد (أرشه) إن أمسْكه (أو عوضه إن رده، ولم يبطل عتقه) لأنّه إتلاف، فإذا وقع لم يرتفع، وكالخلع، وإطلاق عقد الكتابة يقتضي سلامة العوض فيها، وقد تعذَّر رَد المكاتَب رقيقًا، فوجب

(1)

لعل الأثرم رواه في سنة ولم تطبع. وأخرجه -أبضا- عبد الرزاق (8/ 404) رقم 15713، وابن أبي شيبة (7/ 119 - 120)، والدارقطني (4/ 122)، والبيهقي (10/ 334 - 335)، من طرق مختلفة بنحوه.

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. ورواه -أيضًا- عبد الرزاق (8/ 404) رقم 15714، وانظر ما تقدم (11/ 73) تعليق رقم (1).

ص: 74

أرش العيب، أو عوض المعيب؛ جبرًا لما اقتضاه إطلاق العقد.

(وإذا أحضر) المُكاتَب (مال الكتابة، فقال السيد: هذا حرام أو غصب) فلا يصح أن أقبضه منك (فإن أقرَّ به المُكاتَب، أو ثبت ببينة) أنه حرام، أو غصب، (لم يلزم السيد قبوله، ولا يجوز له) قبوله، وسُمِعت بينة السيد بذلك؛ لأن له حقًّا في ألا يقتضي دينه من حرام، ولا يأمن أن يرجع صاحبه عليه به.

(وكذلك نفقة الزوجة، و) كذلك (صداقها، و) كذلك (كل حق) من قرض، أو قيمة مُتلَف، أو أرش جناية ونحوه (أو عوض في عقد) كثمن مبيع وأجرة ونحوها، إذا حضر بها من هي عليه، وادَّعى مَن هي له أنها حرام أو غصب، لم يجز له قَبولها، ولم يلزمه إن ثبت ذلك بإقرار المدين، أو ببينة.

(فإن أنكر) المُكاتَب أنها غصب، أو حرام (ولم يكن للسيد بينة، فقول العبد مع يمينه) أنه ملكه؛ لأنه الأصل (ثم يجب) على السيد (أخذه، ويعتق) المُكاتَب بأخذه؛ لأن الأصل أنه ملكه.

(فإن نَكَل) المُكاتَب (عن اليمين؛ لم يلزم السيد قبوله) ويحلف السيد أنه حرام.

(وإن حلف) المُكاتَب أنه ليس بحرام (قيل للسيد: إما أن تقبضه؛ وأما أن تُبرئه ليعتق) لأن الظاهر أنه ملكه.

(فإن قبضه) السيد (وكان تمام كتابته، عتق العبد) لأنه لم يبقَ عليه شيء في الظاهر (ولم يمنع السيد من التصرف فيه) أي: فيما قبضه وقال: هو حرام أو غصب (إن لم يقرَّ به لأحد) معين، لعدم صحة الإقرار إذًا (وعليه إثمه فيما بينه وبين الله) فلا يجوز له التصرف باطنًا فيه إذا علمه

ص: 75

حرامًا.

(وإن ادّعى) السيد (أنه) أي: المُكاتَب (غَصَبه من فلان) أو سَرَقه منه ونحوه (لزمه) أي: السيد (دفعه إليه) أي: إلى المقر له به، إن صدقه، مؤاخذة له بإقراره.

(فإن أبرأه) أي: أبرأ السيد مُكاتَبه (من مال الكتابة، لم يلزمه قَبْضه؛ لأنه لم يَبقَ له عليه حق) حتى يلزمه أخذه.

(وإن لم يُبرئه) السيد من مال الكتابة (ولم يقبضه) أي: المال الذي أحضره له وقال السيد: إنه حرام، ولم يقم به بينة، وحلف المُكاتَب أنه ليس بحرام (كان له) أي: المُكاتَب (دفع ذلك) المال (إلى الحاكم، لينوب الحاكم في قبضه عنه) أي: عن السيد؛ لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع بغير حق (ويعتق العبد) بأخذ الحاكم ذلك منه كما لو أخذه السيد.

(ولا بأس أن يُعجِّل المُكاتَب لسيِّده) مال الكتابة قبل حلول أجله (ويضع عنه) السيد (بعضَ كتابته) مثل أن يُكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة، ثم يقول له: عَجِّل خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أي: أُسقطه، أو قال: صالحني منه على خمسمائة معجَّلة، جاز ذلك؛ لأن دين الكتابة غير مستقر، وليس بدين صحيح؛ بدليل أنه لا يُجبر على أدائه، ولا تصح الكفالة به، وما يؤدّيه إلى سيده كسب عبده، وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق، وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق، وتخفيفًا عن المُكاتَب، فإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط به عنه بعض ما عليه، كان أبلغ في حصول العتق، وأخف على العبد، وبهذا فارق سائر الديون، ويفارق الأجانب من حيث إن هذا عبده، فهو أشبه بعبده القِن.

ص: 76

(وإن اتفقا على زيادة الأجل والدَّين) مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة، يؤدّي نصفها في نصف السنة، والباقي في آخرها، ثم جعلاها إلى سنتين بألف ومائتين في كل سنة ستمائة، أو يحل عليه نجم فيقول: أخِّرني إلى كذا، وأريدك كذا (لم يجز) لأن هذا يُشبه ربا الجاهلية المُحرَّم؛ ولأن المؤجَّل إلى وقت، لا يتأخر أجله عن وقته باتفافهما عليه، ولا يتغير أجله بتغييره، وإذا لم يتأخر عن وقته، لم تصح الزيادة التي في مقابلته؛ ولأنه يأخذ أكثر مما وقع عليه العقد، بخلافه في الأولى.

(وإذا دفع) المُكاتَب أو غيره (إلى السيد مال الكتابة ظاهرًا؛ فقال له السيد: أنت حرٌّ، أو قال) بعد الدفع إليه: (هذا حُرٌّ، ثم بان العوض مستحقًّا) لغيره، بأن تبين أنه غصبه، أو سرقه ونحوه (لم يعتق) المُكاتَب (بذلك) لفساد القبض، وقوله: أنت حرّ ونحوه، إنما قاله اعتمادًا على صحة القبض.

(فلو ادَّعى المُكاتَبُ أن السيد قَصَد بذلك عتقه) لا في مقابلة القبض (وأنكر السيدُ) ذلك (فقول السيد) بيمينه؛ لأنه أدرى بنيته.

فصل

(ويملك المُكاتَبُ نَفْعَ نفسه، و) يملك (كسبَه، والإقرارّ، وكلَّ تصرف يُصْلح ماله من البيع والشراء، والإجارة والاستئجار) لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق، ولا يحصل إلا بأداء عوضه، وهو متعذِّر ألا بالاكتساب، والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب؛ فإنه قد جاء في

ص: 77

الأثر "أنَّ تسعة أعْشَارِ الرِّزْقِ في التجارة"

(1)

(و) يملك (الإنفاق على نفسه وولده التابع له من أَمَته، و) على (رقيقه) لأن ذلك مما لا غناء عنه.

(وله) أي: المكاتب (أن يقتص لنفسه ممن جنى عليه، على طرفه، أو جرحه) وقوله: (بغير إذن سيده) متعلق بـ"يقتص"، ويحتمل أن يتعلق بقوله:"ويملك المكاتب" لأنه لو عفا على مال؛ كان له، فكذلك بدله.

(وله) أي: المكاتب (شراء ذوي رحمه) لأنه اشترى مملوكًا بما لا ضرر على السيد في شرائه، أشبه الأجنبي.

(و) له (قبولهم إذا وُهِبوا له، أو وُصِّي له بهم، ولو أضروا بماله، وله أن يفديهم إذا جَنوا) لأن في ذلك كله تحصيلًا لحريتهم بتقدير عتقه،

(1)

أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 299)، وسعيد بن منصور -كما في الدر المنثور (2/ 144)، ولم نقف عليه في المطبوع من سننه-، ومسدد -كما في المطالب العالية (2/ 108) حديث 1447 - وابن أبي الدنيا في إصلاح المال ص / 73 حديث 213، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (1/ 81) عن نعيم بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ العراقي في تخريجه على الإحياء (2/ 62): "رجاله ثقات، ونعيم هذا قال فيه ابن منده: ذُكر في الصحابة ولا يصح، وقال أبو حاتم الرازي [الجرح والتعديل (9/ 461)]، وابن حبان [الثقات 5/ 477]: إنه تابعي، فالحديث مرسل".

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (3/ 275): هذا إسناد ضعيف؛ لجهالة نعيم بن عبد الرحمن. وقال في مختصره (4/ 405 - 406): رواه مسدد مرسلًا بسند صحيح.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 244 مع الفيض) مرسلًا ورمز لحسنه.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال ص / 73، حديث 214، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرزق عشرون بابًا، فتسعة عشر بابًا للتجار، وباب للصانع بيده.

وأورده الديلمي في الفردوس (5/ 287) حديث 8205، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بنحوه.

ص: 78

فكان له ذلك؛ لأن العتق مطلوب شرعًا (وإذا ملكهم لم يجز بيعهم) لأنه لا يملكه لو كان حرًّا، فلا يملكه مُكاتَبًا (وكسبهم له) أي: كسب ذوي رَحِم المُكاتَب المحرم له؛ لأنهم عبيده، فكان له كسبهم كالأجانب (وحكمهم) أي: حكم ذوي رحمه المحرم (حكمه) أي: المُكاتَب (إن عتق) بالأداء أو الإبراء؛ (عتقوا) لأنه كمل فيهم ملكه، وزال تعلق حق سيده بهم.

(وإن عجز؛ رقوا لسيده) لأنهم من ماله، فيصيرون للسيد عند عجزه، كعبيده الأجانب (إلا إذا أعتقه سيده، فلا يعتقُون، بل) هم (أرقَّاء لسيده) لأن من عتق على غير مال، يكون ما بيده لسيده، كما تقدم

(1)

(وولده) أي: المُكاتَب (من أمَته كذلك) أي: كذوي رَحِمه المحرم، إن عتق عتق معه، وإن عجز رق. وإن أعتق المُكاتَبَ سيدُه كان ولده لسيده، وأما ولده من غير أَمَته فتابع لأمّه.

(وله) أي: المُكاتَب (تأديب رقيقه، و) له (تعزيرهم، و) له (خَتْنهم) لأنه من مصلحة ملكه (لا إقامة الحد عليهم) لأنه موضع ولاية، وما هو من أهلها.

(وله المطالبة بالشفعة، والأخذ بها) أي: الشفعة (ولو من سيِّده. وكذا السيد) له الأخذ بالشفعة (منه) أي: من مُكاتَبه (لأنه) أي: المُكاتَب (مع سيده في البيع والشراء كالأجنبي) وتقدم في الشفعة

(2)

.

(وله) أي: المُكاتَب (الشراء نسيئة بلا رهن) لأنه لا غرر فيه. قال في "الشرح": ولا يجوز أن يدفع به رهنًا، لأن الرهن أمانة وقد يتلف، أو

(1)

(11/ 21).

(2)

انظر: (9/ 368).

ص: 79

يجحده الغريم، وله أن يستسلف في ذمته وأن يقترض؛ لأنه ينتفع بالمال.

(وله شراء من يعتق على سيِّده) كابن سيده، وأخيه، ويعتق إن عجز المُكاتَب، أو أعتقه سيده.

(وسفره) أي: المُكاتَب (كـ) ـــسفر (مدين) فلسيده منعه، ولا يتأتَّى أن يوثق برهن يحرز أو كفيل مليء؛ لأنهما لا يصحان بمال الكتابة على ما تقدم (وتقدم في الحَجْر

(1)

) حكم سفر الغريم.

(وله) أي: المُكاتَب (أخذ الصدقة الواجبة والمستحبة) لقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}

(2)

وإذا جاز الأخذ من الواجبة، فالمستحبة أَولى.

(فإن شرط) السيد (عليه ألَّا يسافر، ولا يأخذ الصدقة، ولا يسأل الناس؛ صح) الشرط وكان لازمًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شُروطهم"

(3)

؛ ولأن للسيد في هذا الشرط فائدة، فلزم، كما لو شرط نقدًا معلومًا.

(فلو خالف) المُكاتَب (وفعل) ما شرط عليه ألَّا يفعله (كان لسيده تَعجيزُه) لمخالفته الشرط، قال أحمد

(4)

: قال جابر بن عبد الله: "هم على شُروطهم"

(5)

إنْ رأيته يسأل تنهاه، فإن قال: لا أعود، لم يرده عن كتابته

(1)

انظر: (8/ 326 - 327).

(2)

سورة التوبة، الآية:60.

(3)

تقدم تخريجه (7/ 107) تعليق رقم (3).

(4)

المغني (14/ 477).

(5)

أخرجه البخاري تعليقًا في الشروط، باب 17، قبل حديث 2735، ووصله الثوري في الفرائض ص / 49، رقم 77، ومن طريقه عبد الرزاق (8/ 405) رقم 15717، =

ص: 80

في مرة. قال في "الشرح": فظاهر هذا: أن الشرط صحيح لازم، وأنه إن خالف مرة لم يُعجِّزه، وإن خالف مرتين فأكثر، فله تعجيزه.

"تنبيه": ظاهر كلامهم هنا: لا يبطل الكتابة جمع بين شرطين فأكثر، بخلاف البيع.

(ولا يصح شرط نوع تجارة) أو ألَّا يتَّجر مطلقًا؛ لأنه ينافي مقتضى العقد الموضوع للعتق.

(وليس له) أي: المُكاتَب (أن يُسافر لجهاد) بغير إذن سيده؛ لتفويت حق سيده، وعدم وجوبه عليه (ولا) أن (يبيع نَسَاء، ولو برَهْن وضمينٍ) بغبر إذن سيده (ولو) كان (بأضعافٍ قيمته) لما فيه من الضرر على سيده، وفيه غرر بتسليم ماله لغيره، والرهن قد يتلف، والغريم والضمين قد يُفلِسان.

(وإن باع) شيئًا (بأكثر من قيمته) وجعل قدر القيمة (حالًّا، وجعل الزيادة مؤجلة؛ جاز) لأنه منفعة من غير مضرة.

(ولا يرهن) المُكاتَب ماله (ولا يُضارِب) أي: يدفع ماله إلى غيره مضاربة؛ لأنه تغرير بالمال، وله أن يأخذ قِراضًا؛ لأنه من أنواع الكسب.

(ولا يتزوَّج، ولا يتسرَّى، ولا يُقرِض) ظاهره: ولو برهن كالبيع نَسَاء. وقال في "المبدع": لم يذكروا قرضه برهن (ولا يتبرّع، ولا يدفع ماله سَلمًا) لأنه في معنى البيع نسيئة.

(ولا يهب ولو بثواب مَجْهول) إلا بإذن سيده؛ لأن حق السيد لم

= والبيهقي (10/ 324، 331)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 414 - 415)، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن جابر رضي الله عنه؛ قال في المكاتب: شروطهم بينهم.

ووقع في مطبوع الفرائض: ابن جريج، بدل: ابن أبي نجيح وهو خطأ.

ص: 81

ينقطع عنه، وقد يعجز فيعود إليه. وعلم من قوله: بثواب مجهول: أنه لو كان معلومًا صح، حيث لا محاباة؛ لأنها بيع في الحقيقة. وعبارة "المنتهى" تقتضي المنع مطلقًا، إلا أن تحمل على ما إذا كان العوض مجهولًا، أو كان فيها محاباة، ولعله أظهر.

(ولا يُحَابي) المُكاتَب في بيع ولا شراء ونحوه (ولا يُعير دابته) بغير إذن سيده؛ لأنه تبرع. قال الحلواني: له إطعام الطعام لضيفانه، وإعارة أواني منزله مطلقًا.

(ولا يوصي) المُكاتَب (مسألة) لأنها تبرع بعد الموت، لكن تقدم: تصح وصيته إن مات حرًّا، في كتاب الوصية

(1)

.

(ولا يَحُطُّ) المُكاتَب (عن المشتري شيئًا) من الثمن، ولا عن المستأجر شيئًا من الأجرة ونحو ذلك؛ لأنه تبرع.

(ولا يَضْمن) المُكاتَب مالًا (ولا يتكفّل بـ) ــــبدن (أحد، ولا ينفق على قريبه غير ولده الذي يتبعه) في الكتابة، وغير ذوي رحمه المحرم إذا ملكهم (ولا يتوسع في النّفقة) لأن ذلك في معنى التبرع.

(ولا يقتص إذا قتلَ بعضُ رقيقه بعضًا) لما فيه من تفويت حق السيد، بإتلاف جزء من رقيقه الجاني من غير إذن سيده (ولا يكاتبه) لأن الكتابة نوع إعتاق فلم تجز منه، كالمنجز (ولا يعتقه ولو بمال في ذمّته) لأنّه نوع إعتاق، أشبه العتق بغير مال (ولا يزوّجه) لأنّه نوع تبرع.

(ولا يُكَفِّرَ بمال) لأنه عبد؛ وفي حكم المعسر، بدليل أنه لا يلزمه زكاة، ولا نفقة، ويُباح له أخذ الزكاة لحاجته (إلا بإذن سيده في هذه المسائل كلّها) فإن أذن له زال المانع.

(1)

(10/ 200).

ص: 82

(وإن أذن له في التكفير بالمال، لم يلزمه) أي: التكفير بالمال؛ لأن عليه ضررًا، لما يُفضي إليه من تفويت حريته (وكذا تبرُّعه) إذا أذن له فيه لا يلزمه (ونحوه) كما لو أذن له في المُحاباة أو العتق، فلا يلزمه لعدم ما يوجبه، لكن يجوز له فعله؛ لأن المنع إنما هو لحق السيد، وقد زال بإذنه.

(و‌

‌ولاء من يعتقه) المُكاتَب

لسيده (أو) ولاء من (يُكاتبه) إذا أدى

(1)

ما كُوتب عليه (لسيده، ولو مع عدم عجزه) أي: المُكاتَب (و) عدم (رجوعه إلى الرّق) لأن العتق لا ينفك عن الولاء، والوَّلاء لا يوقف؛ لأنه سبب يورث به، فهو كالنسب (إلا أن يؤدي هو) أي: المُكاتَب الأول (قبل أن يؤدي) إليه (مكاتَبهُ) ما كوتب عليه (فيكونُ ولاء كل منهما لسيده الذي كاتبه) أي: فولاء الأول لسيده، وولاء الثاني للأول؛ لحديث:"الولاء لمن أعتق"

(2)

.

(وإذا كوتبت الأمَة وهي حامل) تبعها وَلَدُها (أو) حملت و (ولدت بعدها) أي: الكتابة (تبعَها وَلَدُها، إن عتقتْ بأداء أو إبراءٍ؛ عَتَق) لأن الكتابة سبب للعتق، لا يجوز إبطاله من قبل السيد بالاختيار، فسرى إلى الولد، كالاستيلاد والتدبير، ويفارق التعليق بالصفة، فإن السيد يملك إبطاله بالبيع.

و (لا) يعتق ولدها (بإعتاقها) بدون أداء أو إبراء، كما لو لم تكن مكاتبة، ويكون لسيدها (و) لا يعتق ولد المكاتبة بـ (ـــموتها) قبل الأداء والإبراء، كغير المُكاتبة، وإن قُتِل فقيمته لها، وكذا لو جُني عليه؛ لأنه

(1)

في "ح" و"ذ"، زيادة:"الثاني".

(2)

تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).

ص: 83

بمنزلة جزئها، وبدل جزئها لها؛ قاله في "الكافي".

(وولد بنتها) أي: بنت المُكاتبة التابعة لأمها، ذكرًا كان أو أنثى (كبنتها) لأن الولد يتبع أُمّه، والأم تابعة لأمّها، فيعتق إن عتقت الكبرى بأداء أو إبراء، لا بإعتاق وموت.

و (لا) يتبعها (ولد ابنها؛ لأنه يتبع أُمّه) دون أبيه، إن لم يكن من سُرِّيَّتِهِ، فيتبعه كما تقدم

(1)

في المُكاتَب.

(ولا يتبعها) أي: المُكاتَبة (ما ولدته قبل الكتابة) لأنه لو باشرها بالعتق، لا يتبعها ولدها، فلأن لا يتبعها في الكتابة بطريق أَولى.

(ولو أعتق السيِّدُ الولدَ) أي ولد المُكاتَبة (دونها) أي دون أُمّه (صحَّ عتقه) له؛ نصًّا

(2)

؛ لأنه مملوك له كأمّه، وكما لو أعتقه معها.

(وإذا اشترى المكاتَبُ زوجتَه) انفسخ النكاح (أو اشترت المُكاتَبة زوجَها؛ انفسخ النكاح) لما يأتي من أنه متى ملك أحد الزوجين الآخر، أو بعضه؛ انفسخ النكاح، وملك المُكاتَب صحيح؛ لما تقدم من ملكه لكسبه ومنافعه.

(وإن استولد) المُكاتَب (أمَته؛ صارت أُم ولد له، وامتنع عليه بيعها) لأن ولدها له حرمة الحرية، ولهذا لا يجوز بيعه، ويعتق بعتق أبيه، أشبه ولد الحر من أَمَته.

(وإن لزمته) أي: المُكاتَب (ديون معاملةٍ؛ تعلّقتْ بذمته) لأنه لما ملك كسبه صارت ذمته قابلة للاشتغال؛ ولأنه في يد نفسه، فليس من السيد غرر بخلاف المأذون له (يُتْبَعُ بها) أي: بالديون (بعد العتق) إذا

(1)

(11/ 71 - 72).

(2)

مسائل مهنا كما في المغني (14/ 533).

ص: 84

عَجَزَ عنها؛ لأن ذلك حال يساره.

(ولا يملك غريمُه تعجيزَه) لعدم تعلُّقها برقبته (وإن عَجَزَ) المُكاتَب عن ديون المعاملة (تعلَّقت بذمة سيده) معطوف على المنفي بلا، أي: ولا يقال: إن عَجَزَ تعلَّقت بذمة سيده؛ لئلا يناقض ما ذكره أولًا من أنها تتعلَّق بذمته، ويُتْبع بها بعد العتق، ويخالف كلامَ الأصحاب ونصَّ الإمام. قال في "المغني" و"الشرح" فيما إذا مات المُكاتَب المدين: ويستوفى دينه مما كان في يده، فإن لم يفِ بها، تسقط. قال أحمد

(1)

: ليس على سيده قضاء دينه، هذا كان يسعى لنفسه. انتهى. وتقدمت -أيضًا- الإشارة إلى الفرق بينه وبين المأذون.

فصل

(ولا يملك السيد شيئًا من كسبه) أي: المُكاتَب، بل يملكه المُكاتَب؛ لأن الملك الواحد لا يتوارد عليه مالكان فأكثر في وقت واحد؛ ولأنه اشترى نفسه من سيده ليملك كتبه ومنافعه وماله، فلا يبقى ذلك لبائعه، كسائر المبيعات.

(ويحرم الربا بينهما) أي: بين السيد ومُكاتَبه؛ لأنه في المعاملة كالأجنبي منه (إلا في مال الكتابة) فيما إذا عجَّل البعض وأسقط عنه الباقي، وتقدمت

(2)

قريبًا (وتقدم آخر الربا

(3)

) وإنما استثني مال الكتابة (لتجويزهم تعجيل) دين (الكتابة بشرط أن يضع عنه بعضها، فيجوز في

(1)

المغني (14/ 524)، وانظر: مسائل الكوسج (8/ 4396) رقم 3140.

(2)

(11/ 76).

(3)

(8/ 51).

ص: 85

هذه الصورة) خاصة؛ لما تقدم.

(وإن جنى السيد عليه) أي: المُكاتَب (فله الأرش) لأنه معه كالأجنبي، ولا يجب إلا باندمال الجرح. وإن كان في الجناية تمثيل عتق به، وتقدم

(1)

، فلا أرشَ له، بل ماله لسيده؛ لأنه معتق بغير أداء، فإن قتل

(2)

؛ فهدر (ولا قصاص) على سيد المُكاتَب بجنايته عليه؛ لعدم المكافأة.

(وإن حبسه) أي: حبس السيدُ مُكاتَبه، (فعلى السيد أرفق الأمرين بالمُكاتَب؛ من إنظاره مثل تلك المدة) التي حبسه فيها (أو أجرة مثله) في تلك المدة؛ لأنه قد وجد سببهما، فكان للمُكاتَب أنفعهما.

(وإن جنى المُكاتَب على غيره، ولو) كانت الجناية (على سيده، تعلقت برقبته) لأنه في الحقيقة عبد، ولأنه مع سيده كالحر في المعاملات، فكذا في الجنايات (واستوى الأول والآخِر) من المجني عليهم، فلا يُقدَّم أحدهم على الآخر؛ كجناية القِن المتعلقة برقبته (ولو كان بعضها) أي: الجناية (في كتابته، وبعضها بعد تعجيزه) فيسوَّى بين ذلك كله.

(وعليه) أي: المُكاتَب (فداء نفسه) مما في يده (مقدمًا على الكتابة، ولو حَلَّ نجم) لأن أرش الجناية يتعلق برقبة المُكاتَب، ودين الكتابة يتعلق بذمته؛ ولأنه إذا قدم حق المجني عليه على السيد في العبد القِن، وعلى حق المرتهن وغيرهما؛ فلأن يُقدم عليه في المُكاتَب بطريق الأولى (إلا أن يشاء وليُّ الجناية من سيد وغيره التأخيرَ إلى بعد وفاء مال

(1)

(11/ 19).

(2)

في "ذ": "قتله".

ص: 86

الكتابة) فله ذلك؛ لأن الحق له وقد رضي بتأخيره.

(فإن كان فيها) أي: في جنابة المُكاتَب (ما يوجب القصاص، فلمستحقِّه استيفاؤه) لعدم المانع.

(وتبطل حقوق) المجني عليهم (الآخرين) المتعلقة برقبته؛ لفوات المحل (إن كان) القصاص (في النفس) بخلاف ما إذا كان في الطرف.

(وإن عفا) من وجب له القصاص (على مال) جاز، و (صار حكمه حكم الجنابة الموجبة للمال) فيتعلق برقبته، ويستوي وليها مع المجني عليه خطأ.

(فإن) بادر المُكاتَب و (أدَّى) للسيد دين الكتابة، ولم يكن ولي الجناية يسأل الحكم الحَجْر عليه وأجابه؛ صح (وعتق) لصحة الأداء؛ لأنه قضى حقًّا واجبًا عليه، فصح قضاؤه، كما لو قضى المفلِسُ بعض غرمائه قبل الحَجْر عليه.

وحيث تقرَّر ذلك (فالضمان) لأرش الجناية (عليه) أي: استقر في ذمته؛ لأنه كان واجبًا

(1)

قبل العتق، فكذلك بعده.

(وإن أعتقه سيده) فالضمان عليه (أو قتله) سيده (فالضمان عليه) أي: ضمان ما كان على المكاتَب من أقل الأمرين على سيده؛ لأنه بقتله أو عتقه فوَّت على وليِّ الجنابة محل تعلقها، وهو رقبة الجاني، فلزمه ما كان واجبا على الجاني.

(وإن عجَّزه) أي: عجَّز المكاتبَ الجاني سيده؛ لعجزه عن وفاء مال الكتابة (فعاد قِنًّا؛ خُيِّر) سيده (بين فدائه) بالأقل، من أرش الجناية، أو قيمته (و) بين (تسليمه) لولي الجناية، وبين بيعه فيها، كما لو

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة: "عليه".

ص: 87

لم يكن مُكاتَبًا.

(وإذا كان أرش الجنابة للسيِّد) بأن كانت الجناية عليه، أو على ماله، أو ورث أرشها عن المجني عليه (وعَجَّزه) سيده؛ لعجزه عن الوفاء (سَقَط عنه مال الكتابة وأرشُ الجناية) لأنه لا يجب له على قِنِّهِ مال؛ لأنه لو وجب لكان عليه.

(وإن بدأ المُكَاتبُ) الجاني على غير سيده (فدفع مال الكتابة إلى سيده، وكان وليُّ الجناية سأل الحاكمَ) أن يحجر عليه (فحجر عليه؛ لم يصح دفعه إلى سيده) لأن النظر فيه صار للحكم، كمال المحجور عليه لفلس (ويرتجعُه) الحاكم (ويُسلِّمُه إلى وليِّ الجناية) لأن أرش الجناية مقدم على دين الكتابة؛ لأن أرش الجناية مستقر، ودين الكتابة غير مستقر.

(فإن وفَّى) ما بيد المُكاتَب (بما لزمه) أي: المُكاتَب (من أرشها) أي: الجناية؛ سقط الطلب به عنه (وإلا باع الحاكم منه) بقَدر (ما بقي) عليه من أرش الجناية (وباقيه) أي: المُكاتَب (باق على كتابته) لعدم ما ينافيه.

(فإن أدَّى) المُكاتب (عتق بالكتابة، وسرى العتق إلى باقيه إن كان السيد موسرًا) بقيمة ما بيع منه في الجناية، ويغرم قيمته لشريكه؛ لحديث ابن عمر

(1)

في السراية السابق في من أعتق شركا له من عبد. وإن كان معسرًا عتق نصيبه فقط، وإن أيسر بالبعض؛ عتق بقَدر ما هو موسر به.

(وإن لم يكن الحاكم حجر عليه) أي: المُكاتَب الجاني، وبادر وأدى إلى سيده مال الكتابة قبل أرش الجناية (صح دفعه إلى السيد)

(1)

تقدم تخريجه (11/ 24) تعليق رقم (1).

ص: 88

وعتق، لأنه يقضي حقًّا عليه، أشبه ما لو قضى بعض غرمائه قبل الحَجْر عليه، واستقر ضمان أرش الجناية عليه، وتقدم

(1)

.

(والواجب في الفداء) أي: فِداء المُكاتب (أقل الأمرين من قيمته) أي: المُكاتَب، إن كان أرش الجناية أكثر من قيمته (أو أرش جنايته) إن كان أقل من قيمته؛ لأن الزيادة مع كون الأرش أكثر من قيمته لا موضع لها، وإن كان أقل لم يكن للمجني عليه أكثر من أرشها.

(ولا يُجبر المُكاتَب على الكسب لوفاء دين الكتابة) لأن عليه في السعي فيه كلفة ومشقة، ودين الكتابة غير مستقر (بخلاف سائر الديون) فإنه يُجبر على الكسب لوفائها؛ لوجوبها عليه.

فصل

(وإن وطئ مكاتبته في مدة الكتابة بشرط) أي: مع اشتراطه عليها في عقد الكتابة أن يطأها (جاز) لبقاء أصل الملك؛ كراهن يطأ بشرط؛ ذكره في "عيون المسائل"؛ ولأن بُضعها من جملة منافعها، فإذا استثنى نفعه صح، كما لو استثنى منفعة أخرى، وجاز وطؤه لها؛ لأنها أمَته، وهي في جواز وطئه لها كغير المُكاتَبة؛ لاستثنائه، قال في "الاختيارات"

(2)

: وعلى هذا -أي التعليل الأول- يتوجَّه جواز وطئها بلا شرط بإذنها. (و) حيث شرط وطأها فـ (ـلا مهر) بوطئه إياها؛ لأنه وطء يملكه، ويباح له، كما لو وطئ أمَته القِن.

(1)

(11/ 87).

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 288.

ص: 89

(و) إن وطئ مُكاتَبته (بلا شرط؛ يؤدَّب عالمٌ بالتحريم، منه، ومنها) لارتكابه معصية (ويلزمه) أي: سيد المُكاتبة بوطئه إياها (مهر) مثلها (ولو) كانت (مطاوعة) لأنه وطء شُبهة (كـ) ـما لو وطئ (أمتها) لأنه عوض شيء مستحق للمُكاتَبة، فكان لها كبقية منافعها.

وعدم منعها من وطئه ليس بإذن منها له في الفعل، ولهذا لو رأى مالكُ مالِ إنسانًا يتلفه، فلم يمنعه؛ لم يسقط عنه الضمان، وتحصُل المقاصة إن حَلَّ النجم وهو بذمته بشرطه.

(ولا حدَّ) بوطئه مُكاتَبته أو أَمَتها؛ لشُبهة الملك.

(فإن تكرَّر وطؤه) لمُكاتبته، أو لأمَتها (قبل أن يؤدي مهره؛ فمهرٌ واحد) لاتحاد الشبهة، وهي كون الموطوءة مملوكته، أو مملوكة مملوكته؛ كالوطء في النكاح الفاسد.

(ومتى أدَّى) السيد الواطئ لمُكاتَبته، أو لأمَتها (مهر وطء) ثم أعاده (لزمه مهر ما بعده) أي: بعد الوطء الذي أدَّى مهره؛ لأن الأداء قد قطع حكم الوطء.

(فإن أولدها) أي: أولد السيد مكاتَبته (سواء وطئها بشرط، أو لا) صارت أُم ولد؛ لأنها أمَة له ما بقي عليها درهم (أو أولد أمتَه، ثم كاتَبها، صارت أم ولد له) أي: بقيت على كونها أُم ولد له مع كونها مُكاتَبته؛ لأن كلًّا من الاستيلاد والكتابة سبب للعتق، فلا يتنافيان، وولدها من غير سيدها بعد استيلادها

(1)

تابع لها (وولده) أي: السيد من مكاتبته (حر) لأنه من أمَته.

(فإن أدت) المُكاتبة المستولَدة (عتقت) بالأداء (وكسبُها لها) كما

(1)

في "ح": "إيلادها".

ص: 90

لو لم تكن مستولدة.

(وإن مات) سيدها (ولم تؤدِّ) أي: قبل أن تؤدي جميع ما كوتبت عليه (أو عَجَزَت) عن أداء ما كوتبت عليه، وأعيدت للرق (عتقت بموته) لأنها أم ولده، كما لو لم تكن كوتبت (وسقط ما بقي عليها من كتابتها) لفوات محل الكتابة بالعتق (وما في يدها) أي: المُكاتَبة التي عتقت بالاستيلاد (لورثته) أي: ورثة السيد (ولو مات) السيد (قبل عجزها) عن أداء ما كوتبت عليه؛ لأنها عتقت بغير أداء، وتقدم في التدبير

(1)

.

(وكذا الحكم فيما إذا أعتق المُكاتب سيده) ولو قبل عجزه، فإن ما بيده يكون لسيده، وتقدم

(2)

.

(ولا يملك السيد إجبار مُكاتَبته) على التزويج؛ لأن منافعها ملك لها، لا له (ولا) يملك السيد إجبار (ابنتها) أي: ابنة مكاتبته على التزويج (ولا) يملك -أيضًا- إجبار (أمتها على التزويج) لأنه ليس مالكًا لمنافعهنَّ، كما لا يؤجرهن.

(وليس لواحدة منهن) أي: من المُكاتَبة وابنتها وأَمَتها (التزويج بلا إذنه) لأن حقه لم ينقطع عنهن؛ لأنها ربما عجزت فيَعُدن إلى ملكه.

(وليس له) أي: السيد (وطء بنت مُكاتَبته، ولو بشرط) لأن حكم الكتابة ثبت فيها تبعًا، ولم يكن وطؤها مباحًا حال العقد فيشترطه (فإن فعل) بأن وطئ بنت مكاتَبته (فلا حدَّ عليه) لأنها مملوكته، وربما عجزت أمها فعادت لملكه، والحدود تدرأ بالشبهات (ويأثم) بوطئه لابنة مُكاتَبته؛ لما تقدم (ويُعزَّر) عليه (ولها) أي: لبنت المكاتبة (المهر) بوطئه

(1)

(11/ 62).

(2)

(11/ 23).

ص: 91

لها (حكمه حكم كَسْبِها، يكون لأمها) تستعين به في كتابتها؛ لأنه بدل منفعة بُضعها، كأجرة خدمتها.

(فإن أحبلها) أي: أحبل السيد بنت مكاتَبته (صارت أُمَّ ولد له) كأمها؛ لأنه أحبلها بحر في ملكه (والولد حُر يلحقه نسبه) لشُبهة الملك (ولا تجب عليه) أي: على السيد الذي أولد بنت مكاتَبته (قيمتها) أي: قيمة بنت مكاتبته؛ لأن أُمها لا تملكها، ولا قيمة ولدها؛ لأنها وضعته في ملكه.

(وليس له وطء جارية مُكاتبه، ولا) وطء (مُكاتَبته) أي: مكاتبة مكاتبه؛ لأن ملكهما للمُكاتَب؛ بدليل صحة تصرفه فيهما.

(فإن فعل) بأن وطئ جارية مُكاتَبه، أو مُكاتَبته (أثِم وعُزر، ولا حَد) لشبهة الملك؛ لأنه مالك المالك، فهو مالك بواسطة (وعليه) بوطئه لها (مهرها لسيدها) الذي هو المُكاتَب؛ لأنه عوض منفعتها، وهي له، فكذا عوضها.

(وولده) أي: السيد (منها) أي: من جارية مُكاتَبه أو مكاتبته (حر يلحقه نسبه) لشُبهة الملك (وتصير أم ولد له) لما تقدم، (وعليه قيمتُها لسيدها) لأنه فوَّتها عليه، إذ الاستيلاد كالإتلاف (ولا يجب عليه قيمة الولد) من أمَةِ مُكاتَبه أو مكاتَبته؛ لأن ولد السيد كجزء منه، فلا يجب عليه أن يدفع قيمته لرقيقه؛ ولأنه انعقد حرًّا.

(ولو كاتب اثنان جاريتهما، ثم وَطِئها أحدُهما؛ أُدِّب فوق أدب الواطئ المُكاتَبة الخالصة) له؛ لأنها تحرم عليه من حيث كونها مُكاتَبة، ومن حيث كونها مشترَكة، بخلاف المُكاتَبة الخالصة (وعليه لها مهر مثلها) لأن منفعة البُضع لها؛ فإذا تلفت بالوطء، لزم متلفها بدلها،

ص: 92

وهو المهر.

(وإن وطئاها) أي: الشريكان (فلها على كل واحدٍ منهما مهر) لما تقدم.

(فإن كانت) المكاتبة (بكرًا، فعلى) الواطئ (الأول مهر بكر، وعلى) الواطئ (الآخر مهر ثيِّب) باعتبار الحال التي وطئ كل واحد عليها.

(وإن أولدها أحدهما، فولده حُرّ) يلحقه نسبه؛ لشبهة الملكِ (وتصير أم ولد له) لأنها علقت بحرِّ في شيء يملك بعضه، وذلك موجب للسراية؛ لأن الاستيلاد أقوى من العتق، بدليل صحته من المجنون، وينفذ من جارية ابنه، ومن رأس المال في المرض (و) تصير -أيضًا- (مكاتبة له) بمعنى أنها باقية على كتابتها في نصيبه، وينتقل إليه نصيب شريكه على كتابته (كما لو اشترى نصفها من شريكه، وعليه

(1)

) أي: المستولد (نصف قيمتها مُكاتَبة له) أي: لشريكه (لأنه أتلفها عليه.

فإن كان) المستولد (موسرًا) بنصف قيمتها (أداه، وإن كان معسرًا فـ) ـهو (في ذمته) إلى أن يوسر، كسائر الديون.

(وعليه) أي: المستولد (له) أي: لشريكه (نصف قيمة ولدها) في إحدى الروايتين

(2)

؛ لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكًا لشريكه، فقد أتلف رِقه عليه. قال القاضي: هذه الرواية أصح في المذهب، وصححها في "التصحيح" و"النظم"، وجزم بها في "الوجيز" و"المنتهى".

(1)

في متن الإقناع (3/ 282): "وعليه له".

(2)

الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص / 435، والمغني (14/ 373).

ص: 93

والرواية الثانية

(1)

: لا يغرم في الولد شيئًا؛ لأنها وضعته في ملكه، والولد حر؛ قدّمه في "المغني"، و"الشرح"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير"، و"الفائق"، و"شرح ابن رزين"، وقال: هذا المذهب. قال في "المبدع": هذا أظهر، وهو المشابه؛ لما يأتي في أمهات الأولاد.

"تنبيه: مقتضى كلامه أن نصف قيمة الولد للشريك، وقال في "الكافي": ويكون الواجب لأمه إن كانت على الكتابة؛ لأنه بدل ولدها.

(و) عليه -أيضًا- (نصف مهر مثلها) ومقتضى كلامه أنه لشريكه، وليس مرادًا، بل لها، كما في "الفروع" وغيره، وكما دَل عليه أول كلامه، من أن المهر إذا وجب كان لها، والصحيح وجوب المهر كاملا. قال في "الإنصاف": وهل يلزمه المهر كاملا أو نصفه؟ فيه وجهان، الصحيح من المذهب: الأول؛ قدمه في الفروع.

(وإن ألحق) الولد (بهما) أي: بالشريكين الواطئين لها (فهي أم ولدهما) لأن الولد منسوب إليهما (يعتق نصفها بموت أحدهما، و) يعتق (باقيها بموت الآخر) لأنه الذي يملكه كل واحد منهما.

قلت: لو كان الميت أولًا موسرا ثلثه بقيمة الباقي، فهل يعتق عليه بالسراية، كما تقدم

(2)

في المُدَبَّر؛ لحديث ابن عمر

(3)

؟ أو لا؛ لكونه يبطل حق صاحبه من الولاء الذي قد انعقد سببه بالاستيلاد؟ قال الشارح في نظير المسألة في أمهات الأولاد عن الأول: إنه أولى وأصح.

(ويجوز‌

‌ بيع المُكاتَب)

ذكرا كان أو أنثى؛ لما روت عائشة: "أن

(1)

الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص / 435، والمغني (14/ 373).

(2)

(11/ 63).

(3)

تقدم تخريجه (11/ 24) تعليق رقم (1).

ص: 94

بَرِيرةَ جاءتْ تستعينها في كتابَتها، ولم تكن قضت من كِتابَتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجِعِي إلى أهلكِ، فإن أحبوا أن أقضي عنكِ كتابتك، ويكون ولاؤكِ لي، فعلتُ ذلك. فذكرت ذلك بَرِيرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك، فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ابتاعِي وأعتِقي، فإنما الولاء لمن أعتق" متفق عليه

(1)

.

قال ابن المنذر

(2)

: بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مكاتبة، ولم ينكر ذلك، ولا وجه لمن أنكره، ولا أعلم خبرا يعارضه، ولا أعلم في شيء من الأخبار ما دَلَّ على عجزها. وتأوله الشافعي

(3)

على أنها كانت قد عَجَزَت، وليس في الخبر ما يدلُّ عليه، بل قولها:"أعينيني" دَلَّ على بقائها على الكتابة.

(و) تجوز (هبته، والوصية به) كالبيع (وولده التابع له) في كتابته كهو، فيصح بيعه، وهبته، والوصية به، مع المكاتَب لا منفردا؛ لأنه عبد له كأصله، ولذلك صح عتقه له، بخلاف ذوي رَحِم المُكاتَب المحرم؛ لأنهم ليسوا عبيدًا لسيده (وتقدم في الهبة

(4)

) أنه تصح هبة المكاتَب (و) تقدم في باب (الموصى إليه

(5)

) يعني له: أنه تصح الوصية بالمُكاتَب.

(ومن انتقل إليه) المُكاتَب ببيع، أو هبة، أو وصية، ونحوها (يقوم

(1)

تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).

(2)

الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/ 340 - 341).

(3)

الأم (4/ 126).

(4)

انظر: (10/ 127).

(5)

(10/ 279) في باب الموصى به.

ص: 95

مقام مكاتِبه) بكسر التاء (يؤدي إليه) المُكاتَب (ما بقي من كتابته، فإذا أدَّى إليه عتق، وولاؤه لمن انتقل إليه) لأن الكتابة عقد لازم، فلم تنفسخ بنقل الملك في المُكاتَب (وإن عَجَزَ) المُكاتَب عن الأداء لمن انتقل إليه (عاد قِنًّا) لأن حكمه مع بائعه ونحوه كذلك.

(وإن لم يعلم مشتريه) أي: المُكاتَب (أنه مُكاتَب، فله الرَّدُّ أو الأرش) لأن الكتابة نقص؛ لأنه لا يقدر على التصرف في منافعه وكسبه، وقد انعقد سبب الحرية فيه، أشبه الأمَة المزوَّجة.

(ولا يجوز بيع ما في ذِمة المُكاتَب من نجوم الكتابة) كدين السَّلَم، فإن سَلَّم المُكاتَب إلى المشتري نجومه، فقيل: يعتق ويبرأ المُكاتَب، ويرجع السيد على المشتري بما قبضه من المُكاتَب؛ لأن البيع تضمَّن الإذن في القبض، أشبه قبض الوكيل، وقيل: لا يعتق؛ لأنه لم يستَنِبْه في القبض، وإنما قبضه لنفسه بحكم البيع الفاسد، فكان القبض فاسدًا، فلم يعتق، بخلاف وكيله؛ قاله في "الشرح". ومال الكتابة باقٍ في ذمة المُكاتَب، ويرجع المُكاتَب على المشتري بما دفعه إليه، ويرجع المشتري على البائع، فإن سَلَّم المشتري إلى البائع لم يصح تسليمه؛ لأنه قبضه بغير إذن المُكاتَب، أشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه.

وتصح وصية السيد لمُكاتَبه) وتقدم في الوصية

(1)

(و) يصح (دفع زكاته) أي: السيد (إليه) أي: إلى مكاتبه، وتقدم في الزكاة

(2)

.

(وإن اشترى كلُّ واحد من المكاتَبين) المكاتَب (الآخر، صح شراء الأول) لأن التصرف صدر من أهله في محله (فقط) أي: دون شراء الثاني

(1)

(10/ 236).

(2)

(5/ 140).

ص: 96

للأول؛ لأن العبد لا يملك سيده؛ لأنه يُفضي إلى تناقض الأحكام؛ لأن كل واحد يقول لصاحبه: أنا مولاك، ولي ولاؤك، وإن عجزت صرت لي رقيقًا (وسواء كانا) أي: المكاتبان (لواحد أو لاثنين) لأن العلة كون العبد لا يملك سيده، وهي موجودة هنا، فإن أدَّى المبيعُ منهما؛ عتق، وولاؤه للسيد على مقتضى ما سبق. ويحتمل أن يفرق بينهما لكون العتق تم بإذن السيد، فيحصل الإنعام عنه بإذنه فيه، وههنا لا يفتقر إلى إذنه، فلا نعمة له عليه، فلا يكون له عليه ولاء ما لم يعجز سيده، وعليه فيكون موقوفًا؛ ذكره بمعناه في "الشرح".

(فإن جهل الأول) من البيعين (بطل البيعان، ويرد كل واحد منهما إلى كتابته) كنكاح الوليين، إذا أشكل الأول منهما، ولا يحتاج ذلك إلى فسخ ولا قُرْعة؛ لأنه لم يثبت يقين البيع في واحد بعينه، فلم يفتقر إلى فسخ.

(وإن أُسِرَ) المُكاتَب (فاشتراه أحد، فلسيده أخذه بما اشتُري به) كغيره من الأموال، وكذا لو لم يعلم به سيده إلَّا بعد القسمة، وأحب أخذه؛ فيأخذه بثمنه، كما تقدم في المُدَبّر

(1)

. (وهو) أي: المُكاتَب بعد الأسر (على كتابته) لأنها عقد لازم، فلا تبطل بذلك، كالبيع.

(ولا يحتسب عليه) أي: المُكاتَب (بمدَّة الأسر) فلا يعجز حتَّى يمضي بعد الأسر مثلها؛ لأنه لم يتمكن من التصرف والكسب، أشبه ما لو حبسه سيده.

(وإن لم يأخذه) سيده، بل تَرَكه لمشتريه أو من وقع في قسمه (فهو) أي: المُكاتَب (لمشتريه) أو لمن وقع في قسمه (بما بقي من

(1)

(11/ 56 - 57).

ص: 97

كتابته، يعتق بالأداء، وولاؤه له) كما لو اشتراه من سيده.

(ومن مات) عن مُكاتَب (وفي ورَّاثه زوجة لمُكاتَبه) كما لو زوَّج بنته أو أخته ونحوها بمكاتبه ثم مات (انفسخ نكاحها) لأنها ملكت زوجها أو بعضه.

(وكذا لو وَرِث رجل زوجته المكاتَبة) أو بعضها (أو) ورث زوجة له (غيرها) أي: غير المكاتبة، فمتى ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه انفسخ النكاح، ويأتي.

فصل

(والكتابة الصحيحة عقدٌ لازم من الطرفين) لأنها بيع، وهو من العقود اللازمة (لا يدخلها خيار) مجلس، ولا شرط، ولا غيرهما؛ لأن الخيار شُرع لدفع الغَبْن عن المال، والسيد دخل على بصيرة أنَّ الحظ لعبده، فلا معنى لثبوت الخيار.

(ولا يصح تعليقها) أي: الكتابة (على شرط مستقبل) كقوله: إذا جاء رأس الشهر، فقد كاتبتك على كذا، كسائر العقود اللازمة. وخرج به الماضي والحاضر، كـ: إن كنت عبدي -ونحوه- فقد كاتبتك على كذا، فيصح.

(ولا تنفسخ) الكتابة (بموت السيد، ولا جنونه، ولا الحَجْر عليه) لسفه أو فَلَس، كبقية العقود اللازمة.

(ويَعْتق) المُكاتَب (بالأداء إلى سيده) مع أهليته للقبض (و) بالأداء إلى (من يقوم مقامه من ورثته) إن مات؛ لأنه انتقل إليهم مع بقاء الكتابة، فهو كالأداء إلى مورثهم (وغيرهم) أي: غير ورثته: كوليهِ إن جُن أو حُجِر

ص: 98

عليه، ووكيلِهِ لقيامه مقام السيد، أشبه ما لو دفع إليه نفسه.

(وتصح الوصية بمال الكتابة) وتقدم

(1)

(فإن سلَّمه المُكَاتَب إلى الموصى له) المعيَّن (أو) إلى (وكيله) إن كان جائز التصرف، برئ وعتق (أو) سَلَّمه إلى (وليّه) أي: ولي الموصى له (إن كان) الموصى له (محجورًا عليه، برئ) المُكاتَب (وعتق) لأدائه مال الكتابة لمستحقه، أشبه ما لو أداه لسيده الذي كاتبه.

(وولاؤه لسيده الذي كاتبه) لأنه هو المنعِم بالعتق، فكان الولاء له كما لو أدَّى إليه، ولأن الورثة أو الموصى له إنما ينتقل إليهم ما بقي للسيد، وإنما بقي له دين في ذمة المُكاتب، والفرق بين الميراث والوصية والبيع: أن السيد في البيع نقل حقه باختياره، فلم يبقَ له فيه حق مِن وجه، والوارث يخلف الموروث ويقوم مقامه، ويبني على ما فعل موروثه، وكذا الموصى له.

(وإن أبرأه الموصَى له) وهو جائز التصرُّف (من مال الكتابة) الموصى له به (عَتَق) لأنه لم يبقَ عليه شيء من مالها، وبراءته له صحيحة؛ لأن الحق له دون الورثة.

(فإن أعتقه) الموصى له بدين الكتابة (لم يَعتق) لأنه ليس مالكًا لرقبته ولا مأذونًا له في عتقه، وحقه فيما عليه، لا في رقبته.

(وإِن عَجَزَ) عن أداء مال الكتابة للموصى له به (ورُدَّ في الرق، صار عبدًا للورثة) دون الموصى له بما عليه، والأمر في تعجيزه للورثة؛ قاله في "الشرح"(وما قبضه الموصى له) من دين الكتابة (فهو له، وتبطل الوصية فيما لم يقبضه) لفوات محله،

(1)

(10/ 280).

ص: 99

وتقدم

(1)

ذلك في الوصية بأوضح من هذا.

(وإن وصَّى) السيد (به) أي: بما على المُكاتَب من دين الكتابة (للمساكين) ونحوهم (ووصَّى إلى من يقبضه ويفرقه بينهم؛ صح) ذلك حيث خرج من الثلث (ومتى سلَّم) المُكاتَب (المال إلى الموصى) إليه بقبضه، (برئ) من عُهدته (وعتق) لأنه أدَّى ما عليه من كتابته لمستحق قبضه، أشبه الأداء إلى ولي سيده.

(وإن أبرأه) أي: أبرأ الموصى إليه بقبض مال الكتابة ليفرقه للمساكين

(2)

(منه) أي: من مال الكتابة (لم يبرأ) المُكاتَب (لأن الحق لغيره) فلا يصح أن يبرأ

(3)

منه، ولم يعتق.

(وإن دفعه المُكاتَب إلى المساكين لم يبرأ) منه (ولم يعتق؛ لأن التعيين إلى الموصَى إليه) بقبضه، فلا يفتات عليه.

(وإن وصَّى) السيد (بدفع المال) الذي على مُكاتَبه (إلى غُرمائه، تعين القضاء منه، كما لو وصَّى به عطية لهم) أي: لغُرمائه، لا في مقابلة الدَّين.

(فإن كان) السيد (إنما وصَّى بقضاء ديونه مطلقًا) ولم يقيد بكونها من دين الكتابة (كان على المُكاتَب أن يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدَّين) إن كان (ويدفعه) أي: ما عليه من المال (إليهم) أي: الورثة (بحضرته) أي: الوصي (لأن المال للورثة، ولهم قضاء الدَّين منه ومن غيره) فلهم ولاية قبضه (وللوصي في قضاء الدَّين حق؛ لأن له) أي:

(1)

(10/ 280).

(2)

في "ذ": زيادة: "المكاتَب".

(3)

في "ذ": "يبرئ".

ص: 100

الوصي (منعهم) أي: الورثة (من التصرف) في التَّرِكة (قبل قضاء الدَّين) فلذلك اعتبر حضوره (وتقدم

(1)

في باب الموصَى له الوصية للمُكاتَب بمال الكتابة) مفصَّلة.

(ولا يملك أحدهما) أي: السيد والمُكاتَب (فسخها) أي: الكتابة، كسائر العقود اللازمة (إلَّا السيد؛ له الفسخ إذا حَلَّ نجم فلم يؤدِّه المُكاتَب، ولو لم يقل: قد عَجَزتُ) لأن مال الكتابة حق للسيد، فكان له الفسخ بالعجز عنه، كما لو أعسر المشتري ببعض ثمن المبيع قبل قبضه.

(وإذا حَلَّ النجم ومالُه) أي: المُكاتَب (حاضر عنده، طُولب به، ولم يجز الفسخ قبل الطلب) لأن الكتابة عقد لازم، ولم يتعذَّر على السيد الوصول للعوض.

(فإن طلب) السيد (منه) أي: من المُكاتَب، ما حَلَّ عليه (فذكر) المُكاتَب (أنه) أي: ماله (غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد، أو قريب منه؛ لم يجز الفسخ) لأنه لا ضرر على السيد إذًا (وأُمهل) المُكاتَب لذلك بقَدْر ما يتمكن فيه من الوفاء؛ لقصر مدته (ويلزمه) أي: السيد (إنظاره) أي: المُكاتَب (ثلاثًا) أي: ثلاث ليال بأيامها (لبيع عرض) يوفيه من ثمنه (أو لمال غائب دون مسافة قَصْر يرجو قدومه، ولدَين حالٍّ على مليء، أو) قبض (مودَع) لأن عقد الكتابة ملحوظ فيه حظ المُكاتَب والرفق به.

(وإذا حَلَّ نجمٌ) من نجوم الكتابة (والمُكاتَب غائب بغير إذن سيده، فله) أي: السيد (الفسخ) دفعًا لما يلحقه من الضرر بانتظاره.

و (لا) يملك الفسخ (إن غاب) المُكاتَب (بإذنه) أي: إذن سيده؛

(1)

(10/ 236 - 238).

ص: 101

لأنه الذي أدخل الضرر على نفسه بإذنه له (لكن يرفع) السيد (الأمر إلى الحاكم) ببلده (ليكتب كتابًا إلى حاكم البلد الذي فيه المُكاتَب ليأمره بالأداء، أو يثبت عجزه عنده، فيفسخ السيد، أو وكيله حينئذ) دفعًا لما يلحقه من ضرر التأخير.

(وإن كان) المُكاتَب (قادرًا على الأداء) لما عليه من مال الكتابة (أمره) الحاكم المكتوب إليه (بالخروج إلى البلد الذي فيه السيد، ليؤدّي) ما حَلَّ عليه (أو يوكِّل مَن يؤدي) عنه ما وجب عليه أداؤه (فإن فعله) أي: ما ذكر من الخروج أو التوكيل (في أول حال الإمكان عند خروج القافلة، إن كان لا يمكنه الخروج) بلا ضرر يلحقه عادة (إلا معها) أي: القافلة (لم يجز) للسيد (الفسخ) أي: فسخ الكتابة؛ لأنه لا تقصير من المُكاتَب.

(وإن أخَّره) أي: ما ذكر من الخروج والتوكيل (مع الإمكان) أي: قدرته عليه (ومضى زمن المسير) عادة (فللسيد الفسخ) إزاحة لما لحقه من ضرر التأخير.

(وإن كان قد جعل السيد للوكيل الفسخ عند امتناع المُكاتَب من الدفع إليه؛ جاز)؛ ذلك لأن من ملك شيئًا، ملك أن يوكل فيه.

(وله) أي: الوكيل (الفسخ إذا ثبتت وكالته) عن السيد (ببينة، بحيث يأمن المُكاتَب إنكارَ السيد) الوكالة؛ لأنه لا عذر للمُكاتَب إذًا في التأخير.

(فإن لم يثبت ذلك) أي: أنَّه وكله بالبينة (لم يلزم المُكاتَبَ الدفعُ إليه) ولو صدَّقه أنَّه وكيل؛ لأنه لا يأمن إنكارَ سيده الوكالة (وكان) ذلك (له عذرًا يمنع جواز الفسخ) لما فيه من الضرر عليه إذا أنكر سيده.

(وحيث جاز) للسيد أو وكيله (الفسخ؛ لم يحتج) الفسخ (إلى

ص: 102

حُكم حاكم) لأنه مجمع عليه، أشبه الرد بالعيب؛ قاله في "الكافي".

(وليس للعبد فَسْخها) أي: الكتابة بحال، قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه. قال في "المغني": لأنها سبب الحرية، وفيها حق مُعلَّق، وفي فَسْخها إبطال لذلك الحق.

(ولقادر على الكسب تعجيز نفسه) بترك التكسُّبِ؛ لأن معظم المقصود من الكتابة تخليصه من الرق، فإذا لم يرد ذلك؛ لم يُجبر عليه (إن لم يملك) المُكاتَب (وفاء) لمال الكتابة (فإن ملكه) لم يملك تعجيز نفسه، و (أُجبر على وفائه، ثم عَتَق) لأن سبب الحرية -وهو الأداء- حاصلٌ، يمكنه فعله من غير كلفة، والحرية حق لله تعالى، فلا يملك إبطالها مع حصول سببها، بخلاف ما إذا لم يملك وفاء، فإن السبب غير حاصل، وعليه في السعي كلفة ومشقَّة.

(ويجوز فَسْخُها) أي: الكتابة (باتفاقهما) أي: السيد والمكاتب، بأن يتقايلا أحكامها، قياسًا على الييع، قال في "الفروع": ويتوجه ألا يجوز؛ لحق الله تعالى. انتهى. قلت: ويؤيده ما فيها من معنى التعليق.

(ويجب على سيده) أي: المُكاتَب (-ولو كان العبد المُكاتَب ذميًّا- أن يؤتيه رُبع مال الكتابة).

أما وجوب الإيتاء من غير تقدير؛ فلقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}

(1)

وظاهر الأمر الوجوب.

وأما كونه ربع مال الكتابة، فلما روى أبو بكر بإسناده عن علي، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قال:

(1)

سورة النور، الآية:33.

ص: 103

"رُبعُ الكِتابَة"

(1)

وروي موقوفًا عنه

(2)

.

(1)

أخرجه النَّسَائِيّ في الكبرى (3/ 198، 199) حديث 5034، 5035، وعبد الرَّزّاق (8/ 375) حديث 15589، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 166) حديث 4371، وابن أبي حاتم في تفسيره -كما في تفسير ابن كثير (3/ 288) -، والطبراني في الأوسط (4/ 20) حديث 3025، وابن عدي (5/ 2002)، والحاكم (2/ 397)، والبيهقي (10/ 328 - 329)، والضياء في المختارة (2/ 194، 195) حديث 576، 577، عن ابن جريج، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وعبد الله بن حبيب هو أبو عبد الرحمن السلمي، وقد أوقفه عن علي في رواية أخرى. ووافقه الذهبي.

وقال النسائي -كما في تحفة الأشراف (7/ 402) -: حديث ابن جريج خطأ، والصواب موقوف.

وقال الطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 168): فكان الذي رفع هذا الحديث عن علي إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هو ابن جريج، عن عطاء، وعطاء فقد كان خلط بأخرة،

فحديث ابن جريج عنه، هو ما أخذ عنه في حال الاختلاط، فلم يكن ذلك مما يوجب رفع هذا الحديث.

وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 288) عند قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} : هذا حديث غريب، رفعه منكر، والأشبه أنَّه موقوف على علي رضي الله عنه، كما رواه عنه أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى.

وقال النَّسَائِيّ وعبد الرزاق والطحاوي والبيهقي: قال ابن جريج: وأخبرني غير واحد عن عطاء بن السائب أنه كان يحدث بهذا الحديث لا يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وزاد البيهقي: قال ابن جريج: ورفعه لي.

(2)

الموقوف أخرجه النسائي في الكبرى (3/ 199) رقم 5037، 5038، وعبد الرَّزّاق (8/ 375، 376) رقم 15590، 15591، والطبري في تفسيره (18/ 129، 130، 131)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 165)، والبيهقي (10/ 329)، والضياء في المختارة (2/ 194) رقم 575، من طرق عن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه موقوفًا. قال الدارقطني في العلل (4/ 165): وهو الصواب. وقال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف.

ص: 104

فإن قيل: إنه ورد غير مقدَّر؟ فجوابه: أن السنة بيَّنته وقدَّرته، كالزكاة. وفارقت الكتابة في ذلك سائر العقود؛ لأن القصد بها رفق المكاتب، بخلاف غيرها.

فـ (ـإن شاء) السيد (وَضعه) أي: الربع (عنه) أي: المُكاتَب (من أول الكتابة) أي: من أول أنجمها (أو) وضَعه عنه (من أثنائها. وإن شاء قبضه) أي: الربع منه (ثم دفعه إليه) لأن الله تعالى نصَّ على الدفع إليه، فنبَّه به على الوضع؛ لكونه أنفع من الدفع؛ لتحقق النفع به في الكتابة (والوضع عنه أفضل) من الدفع إليه بعد؛ لما تقدم من أنَّه أنفع.

(وإن مات السيد قبل الإيتاء) لربع مال الكتابة بعد أدائه (فهو) أي: الربع (دين في تَرِكته) يحاصص به غرماءه؛ لأنه حق لآدمي؛ فلم يسقط بالموت، كسائر الحقوق.

(فإن أعطاه) أي: الربع للمُكاتب (السيد من جنس مال الكتابة) من غيره (لزمه) أي: المُكاتَب (قَبوله) لأنه لا فرق في المعنى بين الإيتاء من عينه والإيتاء من غيره من جنسه، فوجب أن يتساويا في الإجزاء، كالزكاة، وغير المنصوص إذا كان في معناه أُلحق به، لكن الأولى أن يؤتيه من عينه.

(وإن أعطاه) أي: السيد (من غير جنسها، مثل أن يُكاتبه على دراهم، فيعطيه دنانير، أو) يعطيه (عُروضًا؛ لم يلزمه) أي: المُكاتَب (قَبوله) لأنه لم يؤته من مال الكتابة ولا جنسه.

(وإن أدَّى) المُكاتَب (ثلاثة أرباع المال، وعجز عن الربع، لم يعتق، وللسيد فسخها) أي: الكتابة؛ لحديث عَمرو بن شُعيب، عن أَبيه، عن جده مرفوعًا: "المُكاتَب عبدٌ ما بقيَ عليه

ص: 105

دِرهم"

(1)

، وروى الأثرم عن عمر، وابنه، وعائشة، وزيد بن ثابت أنهم قالوا:"المُكاتَبُ عبدٌ ما بقي عليه درهمٌ"

(2)

، وروي ذلك -أيضًا- عن أم سلمة

(3)

، ويؤيده ما روى سعيد بإسناده عن أبي قلابة قال:"كُنَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتجِبنَ من مُكاتَبٍ ما بقي عليه دينار"

(4)

.

وأما حديث ابن عباس مرفوعًا: "إذا أصاب المكاتَبُ حدًّا، أو ميراثًا ورث بحسابِ ما عَتقَ منه، ويُؤدَى المُكاتبُ بحصَّةِ ما أدَّى ديَة حُرٍّ،

(1)

تقدم تخريجه (10/ 520) تعليق رقم (1).

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وقد ذكره البخاري تعليقًا في المكاتب، باب 4، قبل حديث 2564: قال: وقالت عائشة: هو عبد ما بقي عليه شيء، وقال زيد بن ثابت: ما بقي عليه درهم. وقال ابن عمر: هو عبد -إن عاش، وإن مات، وإن جنى- ما بقي عليه شيء.

وقد رويت هذه الآثار موصولة، فأثر عمر بن الخطاب: أخرجه ابن أبي شيبة -كما في نصب الراية (4/ 144) - والبيهقي (10/ 325، 332).

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: وصله مالك في الموطأ (2/ 787)، وعبد الرزاق (8/ 406) رقم 15722، وابن أبي شيبة (6/ 146)، والطحاوي (3/ 112)، والبيهقي (10/ 324).

وأثر عائشة رضي الله عنها: وصله عبد الرزاق (8/ 408، 412) رقم 15726، 15727، 15740، وابن أبي شيبة (6/ 147)، والطحاوي (3/ 112)، والبيهقي (10/ 324 - 325).

وأثر زيد رضي الله عنه: وصله الشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 70)، وعبد الرزاق (8/ 405، 410) رقم 15717، 15735، وابن أبي شيبة (6/ 146 - 147)، والطحاوي (3/ 112)، والبيهقي (10/ 324)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 446) رقم 20692.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 408) رقم 15728، والطحاوي (3/ 112).

(4)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد، وأخرجه -من طريقه- البيهقي (10/ 325).

وأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 147)، عن مجاهد رحمه الله بنحوه.

ص: 106

وما بقي ديَةَ عَبْدٍ" رواه الترمذي

(1)

وقال: حديث حسن؛ فمحمول على مُكاتَب لرجل مات، وخلَّف ابنين، فأقرَّ أحدهما بأداء كتابته، وأنكر الآخر. ونحوه، جمعًا بينه وبين الأخبار، وتوفيقًا بينها وبين القياس.

(لكن لو كان له) أي: المُكاتَب (على السيد) عن ثمن مبيع، أو قرض، أو قيمة متلفٍ ونحوه (مثل ما لَه) أي: السيد (عليه) من دَينِ الكتابة (حصل التقاصُّ، وعتق) المُكاتَب (عليه) لأنه لم يبقَ عليه شيء من دَينِ الكتابة، ووجب على السيد أداء الربع؛ إن لم يكن دفعه قبل، أو وضعه.

وعُلم مما هنا: أن المُقاصَّة ليس من شرطها استقرار الدينين؛ إذ دين الكتابة ليس بمستقرٍّ، ويأتي -أيضًا- نظيره في النكاح، ولم يُصرِّحوا بخلافه.

وللمُكاتَب أن يصالح سيده عمَّا في ذمته بغير جنسه لا مؤجَّلًا، وإذا أبرئ من بعض كتابته، فهو على الكتابة فيما بقي.

فصل

(وإن كاتب عبيده) اثنين فأكثر، أو إماءه (صفقة واحدة، بعوض واحد) مثل أن يُكاتِب

(2)

ثلاثة أعبد بألف (صح) عقد الكتابة، كما لو باعهم لواحد، وجملةُ العوض معلومة، وجَهْل تفصيله لا يمنع الصحة.

(وقُسِّط) العوض (بينهم بقَدْر قيمتهم يوم العقد) لأنه زمن

(1)

في البيوع، باب 35، حديث 1259، وتقدم تخريجه (10/ 521) تعليق رقم (2).

(2)

في "ح": "كاتب".

ص: 107

المعاوضة، وزمن زوال سلطان السيد عنهم، لا على عدد رؤوسهم، كما لو اشترى شقصًا وسيفًا.

(ويكون كلُّ واحدٍ منهم مكاتبًا بقدر حصته) من العوض (فمن أدى ما قُسِّط عليه) من العوض (عَتَق وحده، ومن عجز) عمَّا قُسِّط عليه (فللسيد فسخ كتابته فقط) لأن الحصة بمنزلة الثمن المنقود

(1)

، ومن جنى منهم، فجنايته عليه دون صاحبيه.

(وإن شَرَط عليهم) أي: على عبيده الذين كاتبهم صفقة واحدة بعوض داحد (في العقد) أي: عقد الكتابة (ضمانَ كلِّ واحد منهم عن الباقين) ما عليهم (فَسَدَ الشرطُ) لأن مال الكتابة ليس لازمًا، ولا يؤول إلى اللزوم، فلم يصح ضمانه (وصح العقد) أي: فلا يفسد بفساد الشرط، لقصة بَرِيرةَ

(2)

.

(وإن اختلفوا بعد أن أدّوا) جميع ما كوتبوا عليه (وعتقوا، في قَدْر ما أدى كلُّ واحد منهم، فقال من كَثُرت قيمته: أدَّينا على قَدْر قيمنا. وقال آخر: أدَّينا على السواء، فبقيت لنا على الأكثر بقية؛ فقول من يدَّعي) منهم (أداء قدر الواجب عليه) لأن الظاهر من حاله أداء ما وجب عليه، فوجب قُبول قوله فيه؛ لاعتضاده بالظاهر؛ ولأن الأصل براءته مما يُدَّعى به عليه.

(فإن شَرَطْ السيد على المُكاتَب أن يرثه دون ورثته، أو) شرط السيد على المُكاتَب أنه (يزاحمهم) أي: ورثة المُكاتَب (في مواريثهم؛ فـ) ــــشرط (فاسد) لأنه لا يقتضيه العقد (ولا تفسد الكتابة) به؛

(1)

أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "المفقود".

(2)

تقدم تخريجها (7/ 400) تعليق رقم (3).

ص: 108

لقصة بَرِيرةَ.

(وإن شرط) السيد (عليه) أي: المُكاتَب (خدمةً معلومة) كشهر أو سنة (بعد العتق؛ جاز) الشرط، ولزمه الوفاء به، كما لو نجز عتقه واشترط عليه الخدمة، وكبيعه بذلك الشرط؛ ولأنه شرط نفعًا معلومًا، أشبه ما لو شرط عوضًا معلومًا، وهذا الشرط لا يُنافي مقتضى العقد؛ فإنَّ مقتضاه العتق عند الأداء، وهذا لا ينافيه.

(وإذا كاتبه على ألفين، في رأس كل شهر ألف، وشرط) السيد (أن يعتق) المُكاتَب (عند أداء) الألف (الأول؛ صح) العقد، وكان على ما شرطا (ويعتق عند أدائه) الألف الأول؛ لأن السيد لو أعتقه بغير أداء شيء؛ صح، فكذلك إذا جعل عتقه عند أداء بعض الكتابة (ويبقى الألْفُ الآخر دينًا عليه بعد عتقه) كما لو باعه نفسه به.

(ومن كاتب بعض عبده) أو بعض أَمَته بألف أو نحوه (ملك) العبد (من كسبه بقدره) لأن الكتابة عقد معاوضة، فصحَّت في بعضه، كالبيع.

ويجب أن يؤدي إلى سيده من كسبه بحسب ما له فيه من الرق، إلَّا أن يرضى سيده بتأدية الجميع في الكتابة؛ فيصح.

(فإن أدَّى ما عليه) في الكتابة (عَتَق كله) ما كوتب منه بالكتابة، وباقيه بالسراية؛ لأن العتق إذا سرى إلى ملك غير السيد، فلأن يسري إلى ملكه أولى.

(وإن كاتب) السيد (حصة له في عبد) أو أَمَةٍ (صح) العقد (سواء كان باقيه حرًّا أو ملكًا لغيره، بإذن شريكه أو لا) لأن الكتابة عقد معاوضة على نصيبه؛ فصح كبيعه؛ ولأنه ملك يصح بيعه وهبته، فصحت كتابته، كالعبد الكامل، وكما لو كان باقيه حرًّا، أو أذن فيه الشريك. ولا يمنع

ص: 109

كسبه، ولا يمنع أخذه الصدقة بجزئه المُكاتَب، ولا يستحق الشريك شيئًا منه، كالمبعَّض إذا ورث بجزئه الحر، ومتى هايأه مالك البقية، فكسب في نوبته شيئًا اختص به، وإن لم يهايئه، فكسب بجملته شيئًا، كان له من كسبه بقَدْر ما فيه من الجزء المُكاتَب، ولسيده الذي لم يكاتبه الباقي؛ لأنه كسبه بجزئه المملوك.

(فإن أدَّى ما كوتب عليه) للذي كاتبه (و) أدَّى (مثله لسيده الآخر) الذي لم يكاتبه (عتق كله؛ إن كان) الذي (كاتبه موسرًا) بقيمة باقيه بالسراية، لا بالكتابة (وعليه قيمة حصة شريكه) لحديث ابن عمر السابق

(1)

.

(فإن أعتق الشريك) -الذي لم يُكاتِب- نصيبَهُ منه (قبل أدائه) ما كوتب عليه (عتق كله؛ إن كان) المعتق (موسرًا) بقيمة باقيه (وعليه قيمة نصيب) شريكه (المكاتِب) -بكسر التاء- مُكاتَبًا؛ لعموم ما سبق.

(وإن كاتبا) أي: الشريكان (عبدهما) أو أَمَتهما، سواء تساوى ملكهما فيه، بأن كان بينهما نصفين، أو تفاضلا، كما لو كان بينهما أثلاثًا (ولو) كان العوض الذي كاتباه عليه (متفاضِلًا) بأن كان العبد بينهما نِصفين، وكاتباه على ثلاثمائة، لواحد مائتان، وللآخر مائة (صح) العقد، سواء كاتباه في عقد واحد أو عقدين؛ لأن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة؛ فجاز أن يختلفا في العوض كالبيع؛ ولأنه إنما يؤدي إِليهما على التساوي. وظاهره: ولو اختلفا في التنجيم، أو جعل لأحدهما في النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر؛ لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخَّر نجمه قبل محلّه، ويعطي من قلَّ نجمه أكثر من الواجب

(1)

تقدم تخريجه (11/ 24) تعليق رقم (1).

ص: 110

له، ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله، أو أكثر منه، ويمكن أن ينظره من حَلَّ نجمه، أو يرضى من له الكثير بأخذ دون حقه، وإذا أمكن إفضاء العقد إلى مقصوده، فلا نبطله باحتمال عدم الإفضاء إليه. وإذا عَجِزَ، قُسِم ما كسبه بينهما على قَدْر الملكين، فلم يكن أحدهما ينتفع إلَّا بما يقابل ملكه، وعاد الأمر بعد زوال الكتابة إلى حكم الرِّق، كما لو لم يزل.

(ولم يؤد) أي: ولا يجوز للمُكاتَب أن يؤدي (إليهما) أي: إلى سيِّدَيه (إلا على قدر ملكيهما) منه، فلا يجوز أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر، ولا يقدّم أحدهما على الآخر؛ لأنهما سواء فيه، فيتساويان في كسبه، وحقُّهما متعلِّق بما في يده تعلُّقًا واحدًا، فلم يكن له أن يخصَّ أحدهما بشيء دون الآخر.

(فإن قبض أحدهما) أي: الشريكين (دون الآخر بغير إذنه شيئًا، لم يصح القبض، وللآخر أن يأخذ منه حصته) لما تقدم. وإن عجز مكاتَبهما؛ فلهما الفسخ والإمضاء، فإن فسخا جميعًا أو أمضيا الكتابة؛ جاز ما اتفقا عليه، وإن فسخ أحدهما، وأمضى الآخر؛ جاز، وعاد نصفه رقيقًا، ونصفه مكاتَبًا. وقال القاضي: ينفسخ في جميعه. وجوابه: أنهما عقدان، فلم ينفسخ أحدهما بفسخ الآخر.

(فإن كاتَباه منفردَين) في صفقتين (فأدى) العبد (إلى أحدهما ما كاتبه عليه؛ لكون نصيبه من العوض أقل) من نصيب شريكه (أو أبرأه) أحدهما (من حصته؛ عَتَق نصيبه خاصة؛ إن كان) المستوفي لنصيبه، أو المبرئ (معسرًا) بقيمة حصة شريكه؛ لعدم السراية إذًا (وإلا) أي: وإن لم يكن معسِرًا، بأن كان موسرًا بها؛ عَتَق (كله) وعليه قيمة حصة شريكه

ص: 111

مكاتبًا، وولاؤه كله لمن عتق عليه.

(وإن كاتَباه كتابة واحدة) في صفقة واحدة (فأدى إلى أحدهما مقدارَ حقِّهِ بغير إذن شريكه؛ لم يَعتِق منه شيءٌ) لعدم صحة القبض؛ لتعلُّق حق كلٍّ من الشريكين بما في يد المُكاتَب تعلُّقًا واحدًا.

(وإن كان) أداؤه لأحدهما (بإذنه) أي: إذن الشريك الآخر؛ صح القبض، و (عَتَق نصيبُه) لأن المنع من صحة القبض لحق الشريك الآخر، فإذا أذن فيه صح، كما لو أذن المُرتَهن للراهن في التصرُّف في الرهن، أو أذن الشريكان للمُكاتَب في التبرُّع (وسَرَى) العتق (إلى باقيه؛ إن كان) المستوفي كتابته (موسِرًا) بقيمة باقيه كما تقدم (وضَمِن نصيبَ شريكه بقيمته مكاتَبًا) حال العتق؛ لعتقه عليه مبقىً على كتابته، وولاؤه كله له، وما في يده من المال للذي لم يقبض منه شيئًا -مع كونه بينهما نصفين- بقدر ما قبض صاحبه، والباقي بين العبد وسيده الذي عتق عليه؛ لأن نصفه عَتَق بالكتابة، ونصفه بالسراية، فحصَّة ما عَتَق بالكتابة للعبد، وحصة ما عَتَق بالسراية للسيد.

(ولو كاتب ثلاثةٌ عبدًا) بينهم (فادَّعى الأداءَ إليهُم، فأنكرَه) أي: أنكر وفاء مال كتابته (أحدهم) أي: أحد الثلاثة، وأقرَّ الآخران (شارَكَهما) المنكِرُ (فيما أقرَّا بقبضِه) من العبد، فلو كانت كتابته على ثلاثمائة، واعترف اثنان منهم بقبض مائتين، وأنكر الثالث قَبْض المائة، شاركهما في المائتين اللتين اعترفا بقبضهما؛ لأنهما اعترفا بأخذهما من ثمن العبد، والعبد مشترَكٌ بينهم، فثمنه يجب أن يكون بينهم؛ ولأن ما في يد العبد لهم، والذي أخذاه كان في يده، فيجب أن يشترك فيه الجميع.

ص: 112

(وتُقبل شهادتُهما عليه) أي: على المُنكِر (نصًّا

(1)

) بما قبضه من العبد؛ لأنهما شهدا للعبد بأداء ما يَعتِق له، فقُبِلت شهادتُهُما كالأجنبيين، إلَّا أن ذلك لا يمنع رجوع المشهود عليه عليهما بحصته مما قبضاه، وإلا؛ لم تُقبل؛ لأنهما يدفعان عن أنفسهما مَغْرَمًا.

وإن كان الشريكان غيرَ عدلين؛ لم تُقبَل شهادتهما، لكن يؤاخذان بإقرارهما؛ فيعتق نصيبهما، ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفًا على القبض، وله مطالبته بنصيبه، أو مشاركة صاحبيه فيما أخذا، فإن شاركهما؛ أخذَ منهما ثلثي مائة، ورجع على العبد بتمام المائة، ولا يرجع المأخوذ منه على الباقين بشيء؛ لأن كلًّا يدَّعي أنه ظَلَمه، والمظلوم إنما يرجع بِظُلامته على مَن ظلمه. وإن أنكر الثالث الكتابة؛ فنصيبه باقٍ على الرِّق؛ إذا حَلَف أنه ما كاتبه، إلَّا أن يشهدا عليه بالكتابة مع عدالتهما.

ومن قَبِلَ كتابةً عن نفسه وغائب؛ صح كتدبير، فإن أجاز الغائب؛ انعقدت له، والمال عليهما على حكم ما قَبِلَه الحاضر، وإلا لزمه الكل؛ ذكره أبو الخطاب، وجزم بمعناه في "المنتهى"، وقال في "الفروع": ويتوجه كفضولي، وتفريق الصفقة.

(وإن اختلفا) أي: السيد ورقيقه (في الكتابة) بأن قال العبد: كاتبتني على كذا، فأنكر سيده، أو بالعكس (فقول من ينكرها) بيمينه؛ لأن الأصل معه.

(وإن) اتفقا على الكتابة، و (اختلفا في قَدْر عوضها) بأن قال السيد: كاتبتُك على ألفين. وقال العبد: بل على ألف؛ فقول سيد، كما

(1)

مسائل الكوسج (8/ 4400) رقم 3143.

ص: 113

لو اختلفا في أصل الكتابة، وتفارق البيع من حيث إن الأصل في المُكاتَب أنه وكسبه لسيده، بخلاف المبيع، ومن حيث إن التحالف في البيع مفيد، ولا فائدة في التحالف في الكتابة، فإنَّ الحاصل منه يحصُل بيمين السيد وحده؛ لأن الحاصل بالتحالف الفسخ، وهذا يحصُل عند من يجعل القولَ قولَ السيد، وإنما قُدِّم قولُ المُنْكِر في سائر المواضع؛ لأن الأصل معه، والأصل هاهنا مع السيد؛ لأن الأصل ملكه العبد وكسبه، وسواءٌ كان الاختلاف قبل العتق أو بعده، مثل: أن يدفع إلى سيده ألفين فيعتق، ثم يدَّعي المُكاتَب أن أحدهما عن الكتابة، والآخر وديعة، ويقول السيد: بل هما جميعًا مال الكتابة.

(أو) اختلفا في (جنسه) أي: جنس عوض الكتابة، بأن قال السيد: كاتبتُكَ على مائة درهم، فقال المُكاتَب: بل على عشرة دنانير؛ فقول سيد؛ لما تقدم.

(أو) اختلفا في قَدْر (أجلها) بأن قال السيد: كاتبتُكَ على ألفين إلى شهرين، كل شهر ألف، وقال العبد: بل إلى سنتين، كل سنة ألف (فقول سيد) لما تقدم.

(وإن اختلفا في وفاء مالِهَا) بأن قال العبد: وَفَّيتُكَ مال الكتابة، وأنكر السيد (فقول سيِّدٍ) بيمينه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولكن اليمين على المُدَّعى عليه"

(1)

.

(وإن أقام العبدُ شاهدًا) بأداء مال الكتابة (وحَلَف معه، أو) أقام (شاهدًا وامرأتين؛ ثبت الأداء) لأن المال يثبت بذلك (وعَتَق) لأنه لم يبقَ عليه شيء من كتابته.

(1)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

ص: 114

(وإن أقرَّ السيدُ ولو في مرض موته) المَخُوف (بقبض مال الكتابة؛ عَتَق العبد) لأنه غير مُتَّهم في إقراره بذلك.

(ولو قال) السيد: (استوفيتُ كتابتي كلَّها إن شاء الله، أو) إن (شاء زيد؛ عَتَق) العبد، ولم يؤثّر الاستثناء (كما لو لم يَستثنِ) لأن هذا الاستثناء تعليق على شرط، والذي يتعلَّق على شرط إنما هو المستقبل، وقوله:"قَبضتُهَا" ماضٍ، فلا يمكن تعليقه؛ لأنه قد وقع على صفة، فلا يتغير عنها بالشرط.

وإن قال: استوفيتُ آخر كتابتي، وقال: إنما أردت أني استوفيتُ النجمَ الآخر دون ما قبله، وادعى العبدُ إقراره باستيفاء الكلِّ؛ فقول السيد؛ لأنه أعلم بمراده.

فصل

(والكتابة الفاسدة، كما إذا كان العِوض) فيها (حرامًا؛ كخَمْرٍ ونحوه) كخنزير (أو) كان (مجهولًا؛ كثوب) وحِمار (ودار، تكون جائزة من الطرفين، لكل منهما فَسْخُها) لأنه عقدٌ فاسدٌ لا حُرمة له. وسواء كان فيه صفة كقوله: إن أدَّيتَ إليَّ فأنت حُرٌّ، أو لم يكن؛ لأن المقصودَ المعارضة، فصارت الصفة مبنية عليها، بخلاف الصفة المجرَّدة؛ قاله في "الكافي".

ولا يحتاج الفسخ لحاكم (ولا يلزمه) أي: المُكاتَب كتابة فاسدة، إذا أدى ما كوتب عليه، وعَتَق (قيمة نفسه) ولم يرجع بما أدَّاه؛ لأنه عقد كتابة حصل العتق فيه بالأداء، فلم يجب فيه تراجع، كما لو كان

ص: 115

صحيحًا؛ ولأن العبد عَتَق بالصفة، فلم يجب عليه قيمة نفسه، كالمعلَّق عتقه على صفة وجدت، وما أخذه السيد، فهو من كسب عبده الذي يملك كسبه، فلم يجب ردّه.

(ويُغلَّب فيها) أي: الكتابة الفاسدة (حكم الصفة، في أنه) أي: المُكاتَب (إذا أدَّى) ما كوتب عليه (عَتَق) لأن مقتضى عَقْد الكتابة أنه متى أدَّى عَتَق، فيصير كالمصرَّح به، فيعتق بوجوده، كالكتابة الصحيحة.

و (لا) يعتق بالكتابة الفاسدة (إن أُبرئ) مما كوتب عليه، أو أداه لغير السيد؛ لأن الصفة لم توجد، والعقد فاسد لا أثر له، فلم يثبت في الذمة شيء تقع البراءة منه.

(وسواء كان فيه) أي: في عقد الكتابة الفاسدة (صفة) تعليق (كقوله: إن أديت إليَّ فأنت حُرٌّ، أو لم يكن) فيه ذلك؛ لأنه مقتضاه، كما تقدم.

(وتنفسخ) الكتابة الفاسدة (بموت السيد، وجنونه، والحَجْر عليه لسَفَهٍ) لأنها عقد جائز لا يؤول إلى اللزوم.

(ويملك السيد أخذ ما في يده) أي: المكاتب كتابة فاسدة (قبل الأداء، و) يملك -أيضًا- أخذ (ما فَضَل) بيده (بعده) أي: بعد الأداء (لأن كسبه هنا للسيد) لأن العتق هنا بالصفة.

(ويتبع المُكاتَبة ولدها فيها) أي: في الكتابة الفاسدة (من غير سيِّدِها) كالصحيحة، وفيه وجه آخر: لا يتبعها؛ لأنه إنما يتبع في الصحيحة بحكم العقد، وهو مفقود هنا، قال في "المبدع": وهو أقيس وأصح.

(ولا يجب) على السيد في الكتابة الفاسدة (الإيتاء) أي: أن يؤدي

ص: 116

إلى المكاتب ربع مال الكتابة، أو شيئًا منه؛ لأن العتق هنا بالصفة، أشبه ما لو قال: إن أدَّيت إليَّ فأنت حُرٌّ.

(وإذا شرط) المُكاتَب (في كتابته أن يوالي من شاء؛ فالشرط باطل، والولاء لمن أعتق) لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة بَرِيرةَ: "فإنَّما الولاءُ لمن أعتق" متفق عليه

(1)

.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 400) تعليق رقم (3).

ص: 117

‌باب أحكام أمهات الأولاد

الأحكام: جمع حكم، وهو في اللغة: القضاء والحكمة. واصطلاحًا: خطابُ الله المفيدُ فائدةً شرعيةً.

وأحكامُهُنَّ: جواز الانتفاع بهنَّ، وتزويجُهنَّ، وتحريم بيعهن، ونحوه مما سنقف عليه.

وأمهات: جمع "أم" باعتبار الأصل، ويقال: أُمَّات، باعتبار اللفظ، وقيل: الأمَّهات للناس، والأمَّات للبهائم، والهاء في أُمَّهَة زائدة عند الجمهور

(1)

.

وقد أشعر كلامه بجواز التَّسري، وهو إجماع

(2)

؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ}

(3)

.

واشتهر أنَّه صلى الله عليه وسلم أولد ماريةَ القبطيَّة

(4)

، وعملت الصحابة على ذلك

(1)

انظر: لسان العرب (12/ 29)، والمصباح المنير ص / 33، والقاموس المحيط ص / 1076، مادة (أم).

(2)

مراتب الإجماع لابن حزم ص / 115، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1176).

(3)

سورة المؤمنون، الآيتان:6. وسورة المعارج، الآيتان: 29، 30.

(4)

أخرج ابن ماجه في العتق، باب 2، حديث 2516، وابن سعد (8/ 215)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 450) حديث 3132، وابن حبان في المجروحين (1/ 293)، والدارقطني (4/ 131)، والحاكم (2/ 19)، والبيهقي (10/ 346)، وابن عساكر في تاريخه (3/ 237)، كلهم من طرق عن أبي بكر بن أبي سبرة، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما ولدت مارية =

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= القبطية إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعتقها ولدها".

قال البيهقي: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي، ضعَّفه أكثر أصحاب الحديث، وأعله ابن كثير في جزء في بيع أمهات الأولاد ص / 53 - 54: بعلتين: الأولى: في إسناده أبو بكر بن أبي سَبْرة، وهو متروك بمرَّة، قال الإمام أحمد [العلل ومعرفة الرجال 1/ 510]: كأن يضع الحديث. والثانية: حسين بن عبد الله، تركه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 218): في إسناده حسين بن عبد الله، وهو ضعيف جدًّا.

وأخرجه قاسم بن أصبغ في مصنفه -كما في بيان الوهم والإيهام (2/ 86) -، وابن حزم في المحلي (9/ 18 و 219)، وفي الإحكام في أصول الأحكام (1/ 551)، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبري -كما في "بيان الوهم والإيهام"(2/ 85) - عن مصعب بن محمد، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعتقها ولدها".

قال ابن حزم في الموضع الأول من المحلى: هذا خبر صحيح السند، والحجة به قائمة. وقال في الموضع الثاني: هذا خبر جيد السند، كل رواته ثقات. وجوَّد إسناده الحافظ في الدراية (2/ 87).

قلنا: جاء في المحلي لابن حزم (9/ 18): "مصعب بن سعد". وفي الموضع الثاني من المحلى (9/ 219)، والإحكام في أصول الأحكام (1/ 551)، والأحكام الكبري لعبد الحق الإشبيلي -كما في بيان الوهم والإيهام (2/ 85) -:"مصعب بن محمد". وجاء في "الأحكام الوسطى"(4/ 24) لعبد الحق الإشبيلي: "محمد بن مصعب".

وكل ذلك وهمٌ وتخليط، والصواب -كما حرَّره ابن القطان الفاسي في "بيان الوهم والإيهام" (2/ 86) -:"محمد عن مصعب" ومحمد هو: ابن وضَّاح، ومصعب هو: ابن سعيد أبو خيثمة المصيصي.

واعتمد تحقيقه هذا: الزيلعي في نصب الراية (3/ 287)، وابن الملقن في البدر المنير (9/ 757)، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 218).

ومن ثم تعقَّب ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 86) تصحيح الحديث، فقال: مصعب بن سعيد المصيصي يُضعَّف.

قلنا: مصعب بن سعيد، أبو خيثمة المصيصي، قال ابن عدي في الكامل (6/ 364): =

ص: 119

منهم عمر

(1)

وعلي

(2)

.

(أُم الولد مَنْ ولدت ما فيه صورةٌ، ولو) كانت الصورة (خفيةً، ولو) كان ما ولدته (ميتًا، من مالك) متعلّق بـ"ولدت"(ولو) كان مالكًا (بعضَها) ولو جزءًا يسيرًا (ولو) كان مالكها الَّذي ولدت منه (مُكاتَبًا) لصحة ملكه، لكن لا يثبت لها أحكام أُم الولد حتَّى يَعتق المُكاتَب، ومتى عجز وعاد إلى الرق؛ فهي أمَة قِن، ولا يملك المُكاتَب بيعها.

(أو) كانت المستولدة (مُحرَّمة عليه) أي: على سيدها الَّذي أولدها، كأخته من رضاع، وعمته منه ونحوها.

(أو) ولدت من (أبي مالكها) لأنها حملت منه بحُرٍّ، لأجل شُبهة الملك، فصارت أُم ولد له، كالجارية المشتركة (إن لم يكن الابن وَطِئها) نصًّا

(3)

، قال القاضي: فظاهره إن كان الابن قد وَطِئها لم تصر أُم ولد للأب باستيلادها؛ لأنها تحرم عليه تحريمًا مؤبَّدًا بوطء ابنه لها، ولا تحل له بحال، فأشبه وَطْء الأجنبي، فعلى هذا لا يملكها ولا تعتق بموته،

= يحدِّث عن الثقات بالمناكير ويصحِّف عليهم

والضعف على حديثه بيِّن. وقال ابن حبان في الثقات (9/ 175): ربما أخطأ، يُعتبر حديثه إذا روى عن ثقة، بيَّن السماع في حديثه؛ لأنه كان مدلِّسًا، وقد كُف في آخر عمره. وقال صالح جزرة: شيخ ضرير، لا يدري ما يقول. وانظر: لسان الميزان (8/ 75)، وجزء في بيع أمهات الأولاد لابن كثير ص / 55 - 56.

(1)

كانت له من الإماء لهية، ولدت له عبد الرحمن الأوسط، وفكيهة، ولدت له زينب.

انظر: طبقات ابن سعد (3/ 246؛ طبعة الخانجي)، وتاريخ الطبري (4/ 199).

(2)

كانت له خولة الحنفية أم محمد بن علي بن أبي طالب. انظر: طبقات ابن سعد (5/ 91)، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص / 37، وسير أعلام النبلاء (4/ 110).

(3)

مسائل الكوسج (4/ 1726) رقم 1101، والإشراف لابن المنذر (4/ 128).

ص: 120

وأما الولد فيعتق على أخيه؛ لأنه ذو رَحِمه؛ لأنه من وطءٍ يُدرأ فيه الحدُّ لشُبهة الملك، فلَحقَ فيه النسب.

(وتعتق) أُمُ الولد (بموته) أي: موت سيدها، مُسلِمة كانت أو كافرة، عفيفة أو فاجرة، وكذا حكم السيد؛ لأن عتقها بسبب اختلاط دمها بدمِهِ، ولحمِها بلحمِهِ، فإذا استويا في السبب، استويا في حكمه (وإن لم يملك غيرَها) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "مَن وطئ أمته فَولدتْ

(1)

، فهي مُعْتَقةٌ عن دُبُرٍ منه" رواه أحمد وابن ماجه

(2)

، وعنه أيضًا: قال: "ذُكرت أُمُّ إبراهيم عند رسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعْتَقها ولدُها" رواه ابن ماجه والدارقطني

(3)

.

(1)

في "ذ": "فولدت منه" وهو الموافق للرواية.

(2)

أحمد في مسنده (1/ 303، 317، 320)، وابن ماجه في العتق، باب 2، حديث 2515. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 290) حديث 13219، وابن أبي شيبة (6/ 436)، والدارمي في البيوع، باب 38، حديث 2574، والدارقطني (4/ 130)، والحاكم (2/ 19)، والبيهقي (10/ 346)، من طريق شريك، عن حسين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال ابن كثير في جزء في بيع أمهات الأولاد ص / 52: هذا حديث لا يصح رفعه من هذا الوجه؛ لأن حسين بن عبد الله هذا تركه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 65 - 66): هذا إسناد ضعيف؛ حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله الهاشمي تركه علي ابن المديني وأحمد بن حنبل والنسائي، وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال البخاري: يقال: إنه كان يتهم بالزندقة.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: حسين متروك.

وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 217): في إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي، وهو ضعيف جدًّا.

(3)

تقدم تخريجه (11/ 118) تعليق رقم (4).

ص: 121

ولأن الاستيلاد إتلاف حصل بسبب حاجة أصلية، وهي الوطء، فكان من رأس المال، كالأكل ونحوه، وإن كان من مريض.

(فإن وضعت جسمًا لا تخطيط فيه، كمضغة، ونحوها) كعلقة (لم تَصِرْ به أُم ولد) لأنه ليس بولد، وعتقها مشروط بصيرورتها: أُم ولد، فإن شهد ثقات من النساء بأن في هذا الجسم صورة خفية، تعلَّقت بها الأحكام؛ لأنهنَّ اطلعن علي الصورة التي خفيت على غيرهن.

(وإن ملك حاملًا من غيره) حَرُمَ عليه وطؤها قبل الوضع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا تُوطأُ حَاملٌ حتى تضع" رواه أبو داود

(1)

.

(فـ) ــإن (وطئها؛ حَرُم) عليه (بيع الولد، و) لا يلحق به، بل (يُعتقه) لأنه قد شرك فيه؛ لأن الماء يزيد في الولد؛ نقله صالح

(2)

وغيره. وعنه

(3)

: يعتق، وأنه يحكم بإسلامه، وهو يسري كالعتق. أي: لو كانت كافرة حاملًا من كافر، ووطئها مسلم، حكم بإسلام الحمل؛ لأن المسلم شرك فيه، فيسري إلى باقيه.

(وإن أصابها) أي: أصاب أمَةً (في ملك غيره، بنكاح) بأن تزوَّجها (أو) أصاب أمَةَ غيره بـ (ــشُبهة) بزوجته الرقيقة التي لم يشترط حرية ولدها، ثم ملكها (عَتق الحمل) لأنه ولده.

و (لا) يَعتق عليه إن أصابها في ملك غيره (بزنىً) ثم ملكها؛ لأن نسبه غير لاحق به، فليس رحمه، بل هو كالأجنبي، كما تقدم (ولم تصر أُمَّ ولَدٍ) لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ وطِئَ أَمَتهُ فَولدتْ"

(4)

وهذا الحمل لم

(1)

في النكاح، باب 45، حديث 2157، وقد تقدم تخريجه (1/ 479) تعليق رقم (4).

(2)

مسائل صالح (3/ 196) رقم 1640.

(3)

الفروع (5/ 136).

(4)

تقدم تخريجه (11/ 121) تعليق رقم (2).

ص: 122

يحصُل من وطئه حال كونها أَمَته.

(وإن وَطِئَ) السيد (أَمَته المزوَّجة، أُدِّب) لأنه وطءٌ مُحرَّم (ولا حَدَّ عليه) لأنها ملكه (وإن أولدها صارت أُمَّ ولدٍ له، وتعتق بموته) لدخولها في عموم قوله: "مَنْ وَطِيءَ أمتَهُ فَولدتْ"

(1)

(وولده حرٌّ) لأنه من أَمَتِهِ.

(وما ولدت) الأمَة المزوَّجة (بعد ذلك من الزوج، فله حكم أُمَّه) قال أحمد

(2)

: قال ابن عمر

(3)

وابن عباس

(4)

وغيرهما: ولدها بمنزلتها.

(وكذا لو ملك أُختَه) من الرضاع (أو) ملك (بنتَهُ) ونحوها (من الرضاع) أو موطوءة أبيه أو ابنه، أو أُم زوجته، أو بنتها وقد دخل بأُمِّها (فوطئها واستولدها) كانت أُم ولد له؛ لما تقدم.

(أو) ملك (أمَةً مجوسية، أو وثَنيَّة) ونحوها (أو ملك الكافرُ أمَةً مُسلِمة، فاستولدها) صارت أُمَّ ولد له.

(أو وطِئَ أمَته المرهونة) بغير إذن المُرتَهن، فحملت منه، صارت أُم ولد.

(أو وطِئَ ربُّ المال أمَةً من مال المضاربة) سواء ظهر فيه ربح أو لا، أو وطئ المضارب أمَةً من المال وقد ظهر ربح، صارت أُمَّ ولد له،

(1)

تقدم تخريجه (11/ 121) تعليق رقم (2).

(2)

المغني (14/ 599)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (19/ 442).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 161 - 162)، والبيهقي (10/ 348 - 349)، وفي السنن الصغير (9/ 238) رقم 3529، ولفظ البيهقي:"إذا ولدت الأمة من سيدها، فنكحت بعد ذلك، فولدت أولادًا، كان ولدها بمنزلتها عبيدًا ما عاش سيدها، فإن مات فهم أحرار". وصححه ابن كثير في جزء في بيع أمهات الأولاد ص / 114.

(4)

لم نقف عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما. وروي ذلك عن الشعبي والحسن وحماد والزهري ومكحول، وإبراهيم، وعمر بن عبد العزيز: أخرجها ابن أبي شيبة (6/ 161 - 162)، والبيهقي (10/ 349).

ص: 123

وتقدم

(1)

لما سبق.

(و‌

‌أحكام أُمِّ الولد

أحكام الأمَة؛ من وطءٍ، وخدمةٍ، وإجارة، ونحوها) كالتزويج، والعتق، وملك كسبها، وحدها، وعورتها، وغيره من أحكام الإماء؛ لما روى ابن عباس مرفوعًا:"مَن وَطِيءَ أمتَه فولدتْ له، فهي مُعتقةٌ عن دُبُرٍ منه، أو قال: "مِن بَعده" رواه أحمد

(2)

، فدلَّ على أنها باقية على الرق مدة حياته، فكسبها له.

(إلا في التدبير) فلا يصح تدبيرها؛ لأنه لا فائدة فيه، وتقدم

(3)

.

(و) إلا (فيما ينقُلُ الملك في رقبتها؛ كبيع، وهبة، ووقف، أو يراد له؛ كرهن) لحديث ابن عمر مرفوعًا: "أنَّه نَهى عن بَيعِ أمّهات الأولادِ وقال: لا يُبعْنَ ولا يُوهبْنَ ولا يُورَثْنَ، يَستمتِعُ بهنَّ السَّيد مادامَ حيًّا، فإذا ماتَ فهيَ حُرَّة" رواه الدارقطني

(4)

. ورواه مالك في "الموطأ"

(1)

(8/ 511).

(2)

تقدم تخريجه (11/ 121) تعليق رقم (2).

(3)

(11/ 59).

(4)

(4/ 135). وأخرجه -أيضًا- ابن عدي في الكامل (4/ 1494)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 397)، من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (1/ 267)، من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وقال: لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، والمحفوظ عن ابن عمر قال: قضي عمر .... الخبر.

وذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 22)، وقال: هذا يروى من قول ابن عمر، ولا يصح مسندًا.

وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 447) فقال: وعندي أن الَّذي أسنده خير من الَّذي وقفه، وفي كلامه هذا خطأ، وهو قوله: إنه موقوف على ابن عمر، =

ص: 124

والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر، عن عمر موقوفًا

(1)

، قال المجد

(2)

: وهو أصح.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أعْتقها ولدُها"

(3)

وتقدم.

وروى سعيد: حدثنا أبو معاوية، عن المغيرة، عن الشعبي، عن عَبِيدة قال: "خطب عليٌّ الناس، فقال: شاورني عمرُ في أمهاتِ الأولاد فرأيتُ أنا وعمرُ عتقهنَ، فقضي به عمر حياته، وعثمان حياته، فلما

= وإنما هو موقوف على عمر.

وقال ابن كثير في جزء في بيع أمهات الأولاد ص / 63 - 65: فهذا الحديث مَن نظر فيه حَكَمَ بصحته باديَ الرَّأي؛ لأن إسناده الأول رجاله ثقات، لكنه غَلَطٌ بلا شكٍّ، يُبَاهِلُ مَن ذاق طَعْمَ هذه الصناعة على أنَّ رَفْعَهُ غَلَطٌ، فإن الدارقطني رواه أيضًا عن. . عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عُمر، عن عمر، قوله. وهذا هو الصحيح. . فعلمتَ أن الحديث من قول عمر رضي الله عنه، ومَن رَفَعهُ فقد وَهِمَ لا محالة.

(1)

مالك في الموطأ (2/ 776)، والدارقطني (4/ 134). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 292) رقم 13228، وسعيد (2/ 65) رقم 2054، وابن أبي شيبة (6/ 439)، والبيهقي (10/ 342، 343، 348)، من طرق عن عبد الله بن دينار، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر موقوفًا.

وقال البيهقي: هكذا رواية الجماعة عن عبد الله بن دينار، وغلط فيه بعض الرواة عن عبد الله بن دينار فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وهم لا يحل ذكره.

وأخرجه عبد الرزاق (7/ 292) رقم 13225، 13229، من طريق عبيد الله وعبد الله ابني عمر، وأيوب، وسعيد (2/ 64) رقم 2053، من طريق يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، والبيهقي (10/ 342 - 348) من طريق عبد الله وعبيد الله ابني عمر، عن نافع، به.

قال الدارقطني في العلل (2/ 41 - 42): الحديث عن عمر موقوف.

(2)

منتقى الأخبار (2/ 491) رقم 3406.

(3)

تقدم تخريجه (11/ 118) تعليق رقم (4).

ص: 125

وليت رأيتُ فيهن رأيًا. قال عَبِيدة: فرأيُ عمر وعليٍّ في الجماعة أحبُّ إلينا من رأي عليٍّ وحده"

(1)

.

قال في "الاختيارات"

(2)

: وهل الاختلاف في جواز بيعها شبهة؟ فيه نزاع، والأقوى: أنه شُبهة، وينبني عليه: ما لو وطِئ معتقدًا تحريمَه، هل يلحقه النسب أو يرجم المُحصَن؟ أما التعزير فواجب.

(وتصح كتابتها كما تقدم

(3)

، وهي) أي: الكتابة (بيعٌ) لكونها ترادُ للعتق.

(ولا تورث) أم الولد، ولا يوصى بها؛ لأنها تعتق بموته.

(وولدها

(4)

الحادث من غير سيدها بعد الاستيلاد حكمها، في العتق بموت سيدها، سواء عَتَقت أو ماتت قبله) أي: قبل العتق؛ لما

(1)

سعيد بن منصور (2/ 63) رقم 2047، ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 397)، وفيهما:"أبو عوانة" بدل: "أبو معاوية".

وأخرجه عبد الرزاق (7/ 291) رقم 13224، وسعيد (2/ 63) رقم 2048 والبيهقي (10/ 343، 348)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 468) رقم 20796، وفي المدخل إلى السنن الكبرى (1/ 60)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (3/ 84) من طريق ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي رضي الله عنه، بنحوه.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 219): هذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد.

وأخرجه -أيضًا- سعيد (2/ 63) رقم 2047، وابن أبي شيبة (6/ 436 - 437)، والبيهقي (10/ 343)، من طريق الشعبي، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه، بنحوه.

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 289.

(3)

(11/ 90).

(4)

في "ذ": "ولولدها" ولعله الأقرب.

ص: 126

تقدم

(1)

(إلا أنه لا يعتق بإعتاقها) أي: بإعتاق السيد لأم الولد؛ لأنها عَتَقت بغير السبب الذي يتبعها فيه، ويبقى عتقه موقوفًا على موت السيد، وكذا لو أعتقه.

(وولد المُدبرَّة) وفي نسخ: وولد المُكاتَبة (بعد تدبيرها، كَهِي) أي: فيتبعها في التدبير، وتقدم

(2)

(3)

(لكن إذا ماتت) المُكاتَبة (يعود) ولدُها (رقيقًا) لبطلان الكتابة التي هي السبب الذي يتبعها فيه، وعبارته موهمة، وإصلاحها كما قررته لك.

(وإذا عَتَقت أم الولد بموت سيدها؛ فما في يدها لورثته) لأنه كان للسيد قبل موته، فيكون لورثته بعده، بخلاف المُكاتبة (إلا ثياب اللبس المُعتاد) فإنها لها؛ لأنها تتبعها في البيع.

(وكذا لو عتَقت) الأمَة (بتدبير، أو غيره) كوجود صفة عُلِّق العِتق عليها، فما بيدها لسيدها، وثياب اللبس المُعتاد لها؛ لأنها تتبعها في البيع، فكذا في العِتق.

(وإن مات) سيد أُمِّ الولد (وهي حامل منه؛ فلها النفقة لمدَّة حَمْلها من مال حملها) لأن الحمل له نصيب في الميراث؛ فتجب نفقته في نصيبه (وإلا) بأن لم يخلّف السيد شيئًا يرث منه الحمل (فـ) ـنفقة الحمل (على وارثه) الموسر؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}

(4)

.

(1)

(11/ 123).

(2)

(11/ 59).

(3)

كذا العبارة في الأصل، وفي "ذ":(وولد المدبرة بعد تدبيرها كهي)، أي: فيتبعها في التدبير، وتقدم، وفي نسخ:(وولد المكاتبة بعد كتابتها كهي) وتقدم [11/ 83 - 90].

(4)

سورة البقرة، الآية:233.

ص: 127

(وإذا جَنَتْ) أُمّ الولد (تعلَّق أرشُ جنايتها برقبتها) كالقِنِّ، إن كانت على غير سيدها (وعلى السيد أن يفديها) لأنها مملوكته، كالقِن (بأقل الأمرين من قيمتها يوم الفداء) لأنها لو تلفت جميعها لسقط الفداء، فيجب أن يسقط بعضه بتلف بعضها، وإن زادت قيمتها، زاد فداؤها؛ لأن المُتلَف

(1)

زاد، فزاد الفداء بزيادته، كالقِن (معيبة بعيب الاستيلاد) لأنه ينقصها، فاعتبر، كالمرض وغيره من العيوب. وإن كسبت شيئًا فهو لسيدها؛ دون المجنى عليه، وكذلك ولدها؛ لأنه منفصل عنها. وإن فداها في حال حَمْلها، فعليه قيمتها حاملًا؛ لأن الولد متَّصل بها، أشبه سِمنها (أو أرش جنايتها) ولا يسلمها ولا يبيعها؛ لما تقدم.

(وسواء كانت الجناية) من أُم الولد (على بدَنٍ أو مالٍ، أو بإتلاف) مال (أو إفساد نِكاح برضاع، كما يأتي في الرضاع) وسواء كانت خطأ، أو شِبه عمد، أو عمدًا؛ وعفا الوليٌّ عن القصاص إن وجب.

(وكُلَّما جَنَت) أُمّ الولد (فدَاها) بأقلِّ الأمرين. قال أبو بكر: ولو ألف مرة؛ لأنها أُم ولد جانية، فلزمه فداؤها كالأول.

(فإن كانت) أي: وجدت (الجنايات كلها) من أُم الولد (قبل فداء شيء منها، تعلق أرش الجميع برقبتها، ولم يكن عليه) أي: السيد (فيها) أي: في جنايات أُم ولده (كلها، إلا الأقل؛ من قيمتها، أو أرش جميعها) كالقِن.

(ويشترك المجنيُّ عليهم في الواجب لهم، كالغرماء) يتوزَّعون المال بالمحاصَّة، إذا ضاق عن وفائهم، وإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إن كان قبل الفداء، وإلا توفر أرشها على سيدها.

(1)

أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "المتعلق".

ص: 128

(وإن كانت الجناية الثانية بعد فدائه) أم ولده (عن) الجناية (الأولى، فعليه فداؤها من التي بعدها) من الجنايات (كـ) ـما يفديها من (الأولى) بأقل الأمرين، وهو معنى قوله:"وكلما جنت فداها".

(وإن ماتت) أم الولد الجانية (قبل فدائها، فلا شيء على سيدها؛ لأنه لم يتعلق بذمته شيء) وإنما الأرش تعلَّق برقبتها، وقد فاتت (إلا أن يكون) السيد (هو الذي أتلفها) بأن قتلها (فيكون عليه قيمتها) إن كانت أقل من أرش الجناية، يسلمها للمجني عليه أو وليه، وكذا لو أعتقها، وإن نقصها فعليه أرش نقصها.

(وله) أي: لسيد أُم الولد (تزويجها، وإن كرهت) كالقِن؛ لأنه المالك لها ولمنافعها.

(وإن قتلته، ولو عمدًا؛ عَتقت) لأن المقتضي لعتقها زوال ملك سيدها عنها، وقد زال. فإن قيل: ينبغي ألَّا تعتق، كما: لا يرث إلا القاتل وكالمُدبَّر. أجيب: بأنها لو لم تعتق بذلك، لزم جواز نقل الملك فيها، ولا سبيل إليه؛ ولأن الحرية لله، والاستيلاد أقوى من التدبير.

(ولوليِّه) أي: ولي السيد (مع فَقْدِ ولدها من سيدها) الوارث له (القصاص) لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}

(1)

.

وكما لو لم تكن أُم ولده، فإن وَرِث ولدها شيئًا من دم سيدها، فلا قصاص، كما يأتي في الجنايات.

(وإن عَفَوا) أي: أولياء السيد (على مال، أو كانت الجناية خطأ) أو شبه عمد (فعليها الأقل؛ من قيمتها، أو دِيَته) لأنها جناية من أم ولد؛ فلم يجب بها أكثر مما ذكر، اعتبارًا بحال الجناية، وكما لو جنى عبد فأعتقه

(1)

سورة البقرة الآية: 179.

ص: 129

سيده، وهي حال الجناية أَمَةٌ، وإنما تعلَّق موجب الجناية بها؛ لأنها فوَّتت رِقّها بقتلها لسيدها، فأشبه ما لو فوّت المكاتَب الجاني رقه بأدائه، وإنما عَتَقت بالموت.

(ولا حدَّ على قاذفها) كالمُدبَّرة؛ لأنها أَمَةٌ، حكمها حكم غيرها من الإماء في أكثر الأحكام، ففي الحد أَولى؛ لأنه يدرأ بالشبهات، ويحتاط لإسقاطه (ويعزَّر) قاذفها؛ لارتكابه معصية لا حدَّ فيها ولا كفارة.

فصل

(وإذا أسلمت أم ولدِ الكافر) لم تَعتق بذلك؛ لأن في عتقها مجانًا إضرارًا بالسيد، وبالسعاية إضرارًا بها.

و (حِيل بينه وبينها) فلا يخلو بها؛ لئلا يُفضي إلى الوطء المحرم؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الآية

(1)

وتُسلَّم لامرأة ثقة تكون عندها لتحفظها، وإن احتاجت لأجر فعلى سيدها (ما لم يُسلِم) فَيُمَكَّن منها.

(وأُلزم بنفقتها، إن لم يكن لها كسب) لأنه مالكها، ونفقة المملوك على سيده، فإن كان لها كسب؛ فنفقتها فيه؛ لئلا يبقى له عليها ولاية بأخذ كسبها والإنفاق عليها، ومتى فَضَلَ من كسبها شيء عن نفقتها؛ كان لسيدها؛ ذكره القاضي وتبعه جماعة. وقال الموفق: إن نفقتها على سيدها، والكسب له، يصنع به ما شاء، وعليه نفقتها على التمام، سواء كان لها كسب أو لم يكن؛ وصَوَّبه في "الإنصاف". ولو فَضَل من كسبها

(1)

سورة الممتحنة، الآية:10.

ص: 130

شيء عن نفقتها، كان لسيدها.

(إلا أن يموت) ولو كافرًا (فتعتق) بموته؛ لأنها أمّ ولده، وشأن أمَّ الولد العتق بموت سيدها.

(وإن كان كَسْبها لا يفِي بنفقتها، لزمه إتمامها) أي: النفقة؛ لأنها مملوكته.

(ومن وطِئ أمةً) مشترَكة (بينه وبين آخر، فلم تحبل منه؛ لزمه نصفُ مهرها لشريكه) طاوعته أو لا؛ لأن المهر لسيدها، فلا يسقط بمطاوعتها، كما لو أذِنت في إتلاف بعض أعضائها، ويؤدَّب، قال الشيخ تقي الدين

(1)

: وقُدح في عدالته. ولا حدَّ عليه.

(وإن أحبلها) أي: الأمَة المشتركة أحدُ الشريكين (صارت أمَّ ولدٍ له) إذا وضعت ما يتبين فيه بعض خَلقِ إنسان، كما لو كانت خالصة له، وتخرج بذلك عن ملك الشريك، موسرًا كان الواطِئ أو معسرًا؛ لأن الإيلاد أقوى من الإعتاق، كما تقدم

(2)

(وولده حُرٌّ.

ولم يلزمه) أي: الواطئ (لشريكه سوى نصفِ قيمتها) لأنه أتلف نصيبه منها عليه، فيدفعه إليه إن كان موسِرًا (وإن كان معسِرًا ثبت في ذمته) كما لو أتلفها، ولا شيء عليه لشريكه في المهر والولد؛ لأن حصة الشريك انتقلت إليه بمجرّد العلوق، فلا يلزمه شيء من مهر مملوكته، والولد قد انعقد حُرًّا، والحر لا قيمة له.

(فإن وَطِئها الشريك) الثاني (بعد ذلك) أي: بعد أن أولدها الأول (وأحبلها) الثاني (لزمة) للأول (مهرها) كاملًا؛ لأنه وَطءٌ صادف ملك

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 433.

(2)

(11/ 129).

ص: 131

الغير، فأشبه ما لو وطِئَ أمَة أجنبية (ولم تصر أمَّ ولد له) لأنه ليس مالكًا لها، ولا لشيء منها.

(وإن جَهِلَ) الواطِئ الثاني (إيلاد) الشريك (الأول، أو) علمه وجهل (أنها مستولدة) أي: أنها صارت أمّ ولد لشريكه (فولده حُرٌّ) لأنه من وَطءِ شبهة (وعليه) أي: الواطئ الثاني (فداؤه) أي: فداء ولده الذي أتت به من وطئه؛ لكونه فوَّتَ رِقَّه على الأول، فيفديه بقيمته (يوم الولادة) لأنه قبلها لا يمكن تقويمه.

(وإلا) بأن لم يجهل الواطئ الثاني ذلك، بل عَلِمه (فولده رقيق) تبعًا لأمّه؛ لانتفاء الشبهة (سواء كان) الواطئ (الأول موسِرًا أو معسرًا) بقيمة نصيب شريكه؛ لما تقدم من أن الإيلاد أقوى من الإعتاق. ولا فَرق فيما تقدم بين كون الأمَة بينهما نصفين، أو لأحدهما جزء من ألف جزء والبقية للآخر.

"تتمة": إذا تزوَّج بِكرًا، فدخل بها، فإذا هي حُبلى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لها الصداق بما استَحللتَ منها، والولدُ عبدٌ لك، وإذا وَلَدت فاجلِدُوها"

(1)

، ولها الصداق، ولا حَدَّ، لَعلَها استُكرِهتْ؛ رواه أبو داود

(2)

بمعناه من طرق. قال

(1)

إلى هنا ينتهي الحديث، وقوله:"لها الصداق، ولا حد، لعلها استكرهت" من قول الإمام أحمد. انظر: مسائل الكوسح (7/ 3706) رقم 2708.

(2)

في النكاح، باب 38، حديث 2131، من طريق عبد الرزاق، نا ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، عن رجل من الأنصار يقال له بصرة -ولفظه- قال: تزوجت امرأة بكرًا في سترها، فدخلت عليها، فإذا هي حُبلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبدٌ لك، فإذا ولدت، فاجلدوها، أو قال: فحدّوها.

وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 249) حديث 10704 ومن طريقه كل من: ابن أبي =

ص: 132

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 227) حديث 2212، والطبراني في الكبير (2/ 48) حديث 1243، والدارقطني (3/ 250 - 251)، والحاكم (2/ 183)، والبيهقي (7/ 157)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 274) حديث 1744، عن ابن جريج، به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وله شاهد من حديث يحيى بن أبي كثير. -ثم رواه بسنده- عن يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، عن نضرة بن أكثم، أنّه نكح امرأة بكرًا، ودخل بها، فوجدها حبلى، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ولدها عبدًا له، وفرّق بينهما. وسكت عليه الذهبي.

وقال الدارقطني: قال عبد الرزاق: حديث ابن جريج عن صفوان، هو: ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم. وقال البيهقي: هذا حديث إنما أخذه ابن جريج عن إبرهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم، وإبراهيم مختلف في عدالته.

وما قاله الدارقطني عن عبد الرزاق لم نقف عليه في المطبوع من المصنف، وإنما فيه برقم 10705: عن ابن جريج، قال: حُدثت عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، مثله.

وقال ابن حزم في المحلى (10/ 29): لا يعلم لسعيد بن المسيب سماع من نصرة، أو نضرة، فبطل الاحتجاج به.

وأخرجه -أيضًا- الدارقطني (3/ 251)، والبيهقي (7/ 157)، من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري، بنحوه وهذا الإسناد ضعيف جدًّا، فإن إبراهيم بن أبي يحيى، قال فيه البيهقي: مختلف في عدالته. وقال ابن حجر في التقريب (243): متروك. وقال أبو داود (2/ 600): روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد، عن ابن المسيب، ورواه يحيى بن أبي كثير، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، وعطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب، أرسلوه كلهم، وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة، وكلهم قال في حديثه: جعل الولد عبدًا له.

ثم روى أبو داود (2132) بسنده عن يحيى بن أبي كثير، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، أن رجلًا يقال له بصرة بن أكثم نكح امرأة، فذكر معناه، وزاد: =

ص: 133

الخطابي

(1)

: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به، وهو مرسل. وفي "التهذيب"

(2)

قيل: لما كان ولد زنى، وقد غرته من نفسها، وغرم صداقها؛ أخدمه ولدها، وجعله له كالعبد، ويحتمل أنه أرقه عقوبة لأمه على زناها وغرورها، ويكون خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويحمل أنه منسوخ، وقيل: كان في أول الإسلام يُسترق الحرُّ في الدين. والله سبحانه وتعالى أعلم.

= وفرّق بينهما. وحديث ابن جريج أتم.

ورواه -أيضًا- البيهقي (7/ 157) وقال: هذا حديث مرسل.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 275): "وسئل أبي عن حديث رواه سعيد بن المسيب، عن نضرة بن أكثم أنه تزوج

الحديث، ما وجه هذا الحديث عندك؟ فأجاب أبي، فقال: هذا حديث مرسل ليس بمتصل، ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب لا يجاوزه، مرفوع. وما رواه ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن ابن المسيب، عن نضرة بن أكثم ليس هو من حديث صفوان بن سليم، ويحتمل أن يكون من حديث ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم؛ لأن ابن جريج يدلس عن ابن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم غير شيء، وهو لا يحتمل أن يكون منه".

تنبيهان:

1 -

روى أبو داود هذا الحديث بلفظه، لا بمعناه كما قال المؤلف، وسبب هذا الوهم أن المصنف أدرج كلام الإمام أحمد في الحديث.

2 -

اختلف في اسم صحابي هذا الحديث، فقيل: بصرة بن أكثم الأنصاري، وقيل: بُسْرة، وقيل: نضرة، انظر: تهذيب الكمال (4/ 189)، والإصابة (1/ 267).

(1)

معالم السنن (3/ 60).

(2)

انظر: تهذيب السنن (3/ 63)، والعبارة بنصها في زاد المعاد (5/ 105). وذكرها ابن مفلح في الفروع (5/ 137) وعزاها للزاد.

ص: 134

كتاب النكاح وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 135

‌كتاب النكاح وخصائص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

-

وذُكرت هنا، لأنها في النكاح أكثرُ منها في غيره.

(وهو) أي: النكاح لغةً: الضمُّ، ومنه قولهم: تناكحتِ الأشجارُ، أي: انضم بعضُها إلى بعضٍ، وقوله:

أيُّها المنْكِحُ الثريَّا سهيلًا

عَمْرَكَ الله، كيف يجتمعانِ؟

(1)

وعن الزجَّاج

(2)

: النكاحُ في كلام العرب بمعنى الوَطءِ والعَقْدِ جميعًا.

قال ابن جِنِّي عن أبي علي الفارسي

(3)

: فرّقت العربُ فرقًا لطيفًا يُعرف بهِ موضعُ العقد من الوطء؛ فإذا قالوا: نكَحَ فلانةَ أو بنتَ فلان؛ أرادوا تزويجَها والعقدَ عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته؛ لم يريدوا إلَّا المجامعةَ؛ لأنَّ بذكر امرأته وزوجتهِ يُستغنى عن العقد.

وشرعًا: (عقد التزويج) أي: عقد يُعتبر فيه لفظُ إنكاح، أو تزويج، أو ترجمتُهُ.

(وهو حقيقةٌ في العقد، مجازٌ في الوَطء) لأنَّه المشهور في القرآن والأخبار، وقد قيل: ليس في الكتاب لفظُ النكاح بمعنى الوطء إلَّا قولَه

(1)

قائله عمر بن أبي ربيعة. وهو في ديوانه ص / 438، وفيه: يلتقيان. بدل: يجتمعان.

(2)

"الزجاج" كذا في الأصول! وفي تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (1/ 249)، وفتح الباري (9/ 103):"أبو القاسم الزجاجي"، وفي المبدع (7/ 3):"الزجاجي" ولعلّه في كتابه مختصر الزاهر، ولم يُطبع.

(3)

انظر: غريب ألفاظ التنبيه للنووي ص / 249، والمطلع على أبواب المقنع ص / 318.

ص: 137

تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ}

(1)

؛ لخبر. "حتَّى تَذوقي عُسَيلَتَهُ"

(2)

؛ ولصحةِ نفيه عن الوَطء، فيقال: هذا نِكاحٌ وليس بسفاح، وصحةُ النفيِ دليلُ المجاز؛ ولأنه ينصرف إليه عند الإطلاق، ولا يتبادَرُ الذهن إلَّا إليه، فهو مما نَقَلَه العرفُ.

وقيل: إنه حقيقةٌ في الوطء، مجازٌ في العقد، عكسُ ما تقدم؛ لما سبق، والأصلُ عدُم النقل، واختاره القاضي في بعض كتبه.

والأشهرُ أنَّه مشترك؛ قاله في "الفروع". قال في "الإنصاف": وعليه الأكثر.

قال ابنُ رزين: والأشبه أنَّه حقيقة في كل واحدٍ باعتبار مطلق الضَمِّ؛ لأنَّ القولَ بالتواطؤ خيرٌ من الاشتراكِ والمجاز؛ لأنهما على خلاف الأصل.

(والمعقودُ عليه) أي: الذي يتناوَلُه عقدُ النكاح ويقعُ عليه (منفعةُ الاستمتاعِ، لا مِلْكُها) أي: ملك المنفعة. قال القاضي في "أحكام القرآن"

(3)

: المعقودُ عليه الحلُّ لا مِلك المنفعة، ولهذا يقع الاستمتاعُ من جهة الزوجة مع أنه

(4)

لا مِلْك لها. وقيل: بل المعقودُ عليه الازدواج، كالمشاركة.

(1)

سورة البقرة، الآية:132.

(2)

أخرجه البُخاريّ في الشهادات، باب 3، حديث 2639، وفي الطلاق، باب 4، 7، 37، حديث 5260، 5261، 5265، 5317، وفي اللباس، باب 6، 23، حديث 5792، 5825، وفي الأدب، باب 68، حديث 6084، ومسلم في النكاح، حديث 1433، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

أحكام القرآن للقاضي أبي يعلى لم يُطبع، انظر: معجم مصنفات الحنابلة (2/ 40).

(4)

في "ح": "مع أنها".

ص: 138

وهو مشروعٌ بالإجماع

(1)

، وسندهُ قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}

(2)

، {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}

(3)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزوج؛ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصن للفرج، ومَنْ لم يستطع؛ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وِجاءٌ" متَّفقٌ عليه

(4)

. وغير ذلك من الأدلة.

واعلم أن الناس في النكاح على ثلاثةِ أقسام:

أحدها: ما أشار إليه بقوله: (يُسَنُّ لمن له شهوة، ولا يخافُ الزنى) للحديث السابق، علَّل أمرَه به بأنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج، وخاطبَ الشبابَ؛ لأنهم أغلبُ شهوةً، وذكرَه بأفعلِ التفضيل، فدل على أن ذلك أولى -للأمنِ من الوقوع في محظور النظرِ والزنى- من تركه (ولو) كان (فقيرًا) عاجزًا عن الإنفاق؛ نص عليه

(5)

.

واحتجَّ

(6)

بأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يُصبح وما عندهم شيء، ويُمسي وما عندهم شيءٌ"

(7)

ولأنه صلى الله عليه وسلم "زوَّجَ رجلًا لم يقدر على خاتمٍ مِنْ حديدٍ، ولا

(1)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص / 91، ومراتب الإجماع ص / 115 - 116، والإقناع في مسائل الإجماع (3/ 1145) رقم 2117.

(2)

سورة النساء، الآية:3.

(3)

سورة النور، الآية:32.

(4)

البخاري في الصوم، باب 10، حديث 1905، وفي النكاح، باب 2، 3، حديث 5065، 5066، ومسلم في النكاح، حديث 1400، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(5)

انظر: الورع للإمام أحمد ص / 118، رقم 389، ومسائل صالح (1/ 265) رقم 304، ومسائل الفضل بن زياد كما في بدائع الفوائد (4/ 70).

(6)

الورع للإمام أحمد ص / 118.

(7)

أخرجه مسلم في الصيام، حديث 1154، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذًا صائم

=

ص: 139

وَجَدَ إلَّا إزاره، ولم يكن له رداءٌ" أخرجه البخاري

(1)

.

قال أحمد

(2)

في رجلٍ قليل الكسب يضعف قلبه عن التزويج: الله يرزقهم، التَّزويجُ أحصنُ له.

قال في "الشَّرح": هذا في حق من يمكنه التزويجُ، فأمَّا من لا يمكنه. فقد قال تعالى:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}

(3)

انتهى. ونقل صالح (2): يقترضُ ويتزوجُ.

(واشتغالُه) أي: ذي الشهوةِ (به) أي: النكاح (أفضلُ من) نوافلِ العبادةِ؛ قاله في "المختصر" ومن (التخلي لنوافلِ العبادة).

قال ابنُ مسعودٍ: "لو لم يَبقَ من أَجَلي إلَّا عشرَةُ أيامٍ، وأعلمُ أني أموت في آخرها يومًا، لي فيهن طَولُ النِّكاح؛ لتزوَّجتُ مخافة

= الحديث.

وأخرج البُخاريّ في الهبة، باب 1، حديث 2567، وفي الرقائق، باب 17، حديث 6458، 6459، ومسلم في الزهد، حديث 2972 (28)، عن عائشة أنها قالت لعروة: ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم، قالت: الأسودان؛ التمر والماء، إلَّا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه.

(1)

في الوكالة، باب 9، حديث 2310، وفي فضائل القرآن، باب 21، 22، حديث 5029، 5030، وفي النكاح، باب 14، 32، 35، 37، 40، 44، 50، حديث 5087، 5121، 5126، 5132، 5135، 5141، 5149، وفي اللباس، باب 49، حديث 5871، عن سهل بن سعد رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- مسلم في النكاح، حديث 1425.

(2)

انظر: الورع للإمام أحمد ص / 118 رقم 389، ومسائل صالح (1/ 265) رقم 204، ومسائل الفضل بن زياد -كما في بدائع الفوائد (4/ 70) -.

(3)

سورة النور، الآية:33.

ص: 140

الفتنة"

(1)

.

وقال ابن عباسٍ لسعيدِ بن جُبير: "تزوَّج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً"

(2)

.

قال أحمد في رواية المرُّوذي

(3)

: ليست العزوبةُ من أمرِ الإسلام في شيءٍ، ومن دعاك إلى غير التزويج، فقد دعاك إلى غير الإسلام، ولو تزوَّج بِشرٌ

(4)

، كان قد تمَّ أمرُه.

ولأن مصالحَ النكاح أكثرُ من مصالحِ التخلي لنوافل العبادة؛ لاشتمالهِ على تحصين فرجِ نفسه، وزوجته، وحفظها، والقيام بها، وإيجاد النسل، وتكثيرِ الأمَّة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم

(5)

، وغير ذلك

(1)

أخرجه سعيد بن منصور (1/ 122) رقم 493، وابن حزم في المحلى (10/ 25 - 26). وأخرجه الطبراني في الكبير (9/ 239) رقم 9172، بنحوه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 251): رواه الطبراني، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، وهو ثقة، ولكنه اختلط، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قلنا: الراوي عنه أبو نعيم الفضل بن دكين وسماعه منه قبل الاختلاط؛ قاله الإمام أحمد. انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 325)، والكواكب النيرات ص / 293.

(2)

أخرجه البُخاريّ في النكاح، باب 4، رقم 5069.

(3)

الورع ص / 118.

(4)

هو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن، المشهور بالحافي، المروزي ثم البغدادي، المحدث الزاهد، توفي سنة 227 هـ رحمه الله تعالى. انظر سير أعلام النبلاء (10/ 469).

(5)

أخرج عبد الرزاق (6/ 173) حديث 10391، عن ابن جريج قال: أخبرت عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تناكحوا تكثروا؛ فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة

الحديث. وضعَّف إسناده المناوي في فيض القدير (3/ 269).

وأخرج الديلمي في مسند الفردوس -كما في التلخيص الحبير (3/ 116) - من طريق محمد بن الحارث، عن محمَّد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه، عن ابن عمر =

ص: 141

من المصالح الراجح أحدُها على نفل العبادة.

القسم الثاني: ذكره بقوله: (ويباحُ) النِّكاحُ (لمن لا شهوةَ له) كالعِنِّين والمريض والكبير؛ لأنَّ العلةَ التي لها يجبُ النِّكاحُ أو يستحبُّ -وهو خوفُ الزنى أو وجودُ الشهوة- مفقودةٌ فيه؛ ولأن المقصودَ من النِّكاح الولدُ وهو في من لا شهوةَ له غيرُ موجود؛ فلا ينصرفُ إليه الخطابُ به، إلَّا أن يكونَ مباحًا في حقّه كسائرِ المباحات؛ لعدم مَنْعِ الشرع منه، وتخلِّيه إذًا لنوافل العبادة أفضلُ؛ لمنع من يتزوَّجُها من التحصينِ بغيره، ويضرُّها بحبسِها على نفسه، ويُعَرِّضُ نفسه لواجباتٍ وحقوقٍ لعلَّهُ لا يقومُ بها، ويشتغلُ عن العلم والعبادة بما لا فائدةَ فيه.

القسم الثالث: ما أُشيرَ إليه بقوله: (ويجبُ على من يخافُ الزنى) بتركِ النِّكاح (من رجلٍ وامرأةٍ) سواءٌ كان خوفُه ذلك (عِلمًا أو ظنًّا) لأنَّه يلزمُه إعفاف نفسِه، وصرفُها عن الحرام، وطريقُه النِّكاحُ (ويقدَّمُ حينئذ) وَجَبَ

(1)

(على حجٍّ واجبٍ، نصًّا

(2)

) لخشية الوقوع في المحظور بتأخيره، بخلافِ الحجِّ.

قال أبو العباس

(3)

: وإن كانت العباداتُ فرض كفايةٍ، كالعلمِ والجهادِ؛ قُدِّمت على النِّكاح؛ إذا لم يَخشَ العَنَتَ.

= رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجوا تستغنوا، وسافروا تصحوا، وتناكحوا تكثروا؛ فإني أباهي بكم الأمم". وضعف إسناده العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 22). والحديث له شاهد قوي عن أنس رضي الله عنه ويأتي (11/ 146) تعليق رقم (1).

(1)

كذا ضُبطت في الأصل، وفي "ذ":"وجوبًا".

(2)

انظر: مسائل صالح (1/ 265) رقم 204، وطبقات الحنابلة (1/ 23).

(3)

الاختيارات الفقهية ص / 291 - 292.

ص: 142

قال في "الاختيارات"

(1)

: "وما قاله أبو العباس ظاهرٌ، إنْ قلنا: إنَّ النِّكاح سُنَّةٌ، فإن قلنا: إنه لا يَقَع إلَّا فَرضَ كفايةٍ -كما قال أبو يعلى الصغيرُ وابن المنِّيِّ

(2)

في "تعليقِهما"- فقد تعارضَ فرضَا كفايةٍ، ففيه نظرٌ. وإن قلنا: إن النِّكّاحَ واجبٌ؛ قَدَّمه؛ لأنَّ فروضَ الأعيانِ مقدَّمةٌ على فروضِ الكفايات".

(ولا يكتفي في) الخروجِ من عُهدَةِ (الوجوب بمرَّةٍ واحدةٍ، بل يكون) التزوُّج (في مجموعِ العمرِ) لتندفعَ خشيةُ الوقوع في المحظور.

(ولا يكتفى) في الامتثال (بالعقد فقط، بل يجب الاستمتاعُ) لأنَّ خشيةَ المحظورِ لا تندفع إلَّا به.

(ويجزئ تَسَرٍّ عنه) لقوله تعالى: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ}

(3)

.

(ومَن أمرَه به والداه، أو) أمره به (أحدهما، قال أحمد

(4)

: أمرته أن يتزوَّجَ) لوجوبِ بِر والديه.

قال في "الفروع": والذي يحلفُ بالطلاق: لا يتزوَّجُ أبدًا، إن أمره

(1)

ص / 292، والقائل هو علاء الدين علي بن محمَّد البعلي مؤلف الاختيارات.

(2)

هو الشَّيخ الفقيه الزَّاهد، أبو الفتح، نصر بن فتيان بن مطر النهرواني، المعروف بابن المني، تفقَّه على أبي بكر الدينوري، ولازمه حتَّى برع في الفقه، وتقدم على أصحابه، وصرف همته طول عمره إلى الفقه، أصولًا وفروعًا، ومذهبًا وخلافًا، واشتغالًا وإشغالًا، ومناظرة، وطال عمره، وبعد صيته، وتخرج به أئمة كثيرون، منهم: الإمام موفق الدين المقدسي، والحافظ عبد الغني، وناصح الدين ابن الحنبلي، وغيرهم. توفي سنة (583 هـ) رحمه الله تعالى. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (1/ 385).

(3)

سورة النساء، الآية:3.

(4)

مسائل صالح (1/ 248) رقم 189، ومسائل أبي داود ص / 169.

ص: 143

به أبوه؛ تزَوَّجَ.

(قال الشيخُ

(1)

: وليس لهما) أي: لأبويه (إلزامه بنكاحِ مَن لا يريد) نكاحَها؛ لعدم حصولِ الغرَضِ بها (فلا يكون عاقًّا) بمخالفَتِهما في ذلك (كأكلِ ما لا يريد) أكله.

(ويجبُ) النكاحُ (بالنذرِ) من ذي الشهوة؛ لحديث: "مَنْ نَذَرَ أن يُطيعَ الله؛ فَليطعه"

(2)

. وأمَّا نحو العِنِّين، فيخير بينه وبين الكفارةِ، كسائر المباحاتِ إذا نذَرَها، على ما يأتي في النذرِ.

(وليس له) أي: لمسلم دخل دارَ كفر بأمانٍ، كتاجرٍ (أن يتزوجَ) بدارِ حربٍ، إلَّا لضرورةٍ (ولا يتسرَّى) بدارِ حربٍ إلَّا لضرورة (ولا يطأ زوجَتَه إن كانت معه) ولا أَمته، ولا أمَةً اشتراها منهم (بدارِ حرب إلَّا لضرورة) ولو مسلمةً؛ نصَّ عليه في رواية حنبل

(3)

. وعلى مقتضى تعليلهِ: له نكاحُ آيسةٍ أو صغيرةٍ؛ فإنَّه عَلَّل، وقال (

(3)

): من أجلِ الولد؛ لئلا يُستَعبدَ؛ قاله الزركشي.

قلت: وعلل -أيضًا- بأنه لا يأمن من أن يطأ زوجتَه غيرُه منهم، فعليه: لا ينكحُ حتَّى الصغيرةَ والآيسةَ.

وأمَّا إن كان في جيش المسلمين، فله أن يتزوجَ؛ لما روي عن سعيد بن أبي هلالٍ أنهُ بلغَهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "زَوَّجَ أسماءَ بنت عُمَيس أبا بكرٍ وهمْ تحت الرَّايات" رواه سعيد

(4)

؛ ولأن الكفار لا يَدَ لهم عليه،

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 290.

(2)

تقدم تخريجه (3/ 438) تعليق رقم (1).

(3)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 838) رقم 1119.

(4)

في سننه (2/ 338) حديث 2871. وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبة في كتاب مكّة -كما في الإصابة (12/ 117) - بلفظ: زوّج أبا بكر أسماء بنت عميس يوم حنين. =

ص: 144

أشبه من في دار الإسلام.

وقال في "المغني"، و"الشرح" في آخر الجهاد: وأمَّا الأسير فظاهرُ كلام أحمدَ

(1)

: لا يحل له التزويج مادام أسيرًا؛ لأنَّه منَعه من وَطء امرأته إذا أُسِرَتْ معه مع صحةِ نكاحِهما. انتهى. وظاهرُه: ولو لضرورة، كما هو مقتضى كلام "المنتهى".

(ويصحُّ النكاحُ) بدارِ الحربِ (ولو في غير الضرورة) لأنَّه تصرفٌ من أهله في محله (ويَجب عَزله) ظاهره: سواءٌ حَرُمَ ابتداءُ النِّكاح أو جاز، فإن غلبت عليه الشهوة، أُبيحَ له نكَاح مسلمة، وليعزلْ عنها. وقال في "الإنصاف": حيثُ حَرمَ نكاحُه بلا ضرورةٍ وفَعَلَ، وَجَبَ عزلُه، وإلا؛ استُحِبَّ عَزْلُه؛ ذكره في "الفصول"، قلت: فيُعَايَا بها.

(ولا يتزوَّجُ) بدارِ الحرب (منهم) أي: من الكفارِ، بل حيثُ احتاجَ يتزوجُ المسلمةَ؛ لأنَّه أقربُ لسلامةِ الولدِ من أن يُستعبدَ.

(ويستحبُّ) لمن أراد النِّكّاحَ أن يتخير (نكاحَ ديِّنةٍ) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "تُنكَحُ المرأة لأربع: لمالها، ولحَسبها، ولِجمالها، ولدينها، فاظفَر بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَت يداكَ" متَّفقٌ عليه

(2)

.

ويُستحب نكاحُ (ولودٍ) لحديث أنس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تزوَّجوا الوَدود الولود؛ فإني مُكاثرٌ بكمُ الأمم يوم القيامة" رواه سعيد

(3)

.

= وقال الحافظ: وهو مرسل جيد الإسناد.

(1)

مسائل ابن هانئ (2/ 122) رقم 1705.

(2)

البخاري في النكاح، باب 15، حديث 5090، ومسلم في الرضاع، حديث 1466.

(3)

في سننه (1/ 122) حديث 490، وفيه: الأنبياء، بدل: الأمم، وكذلك عند غيره، إلَّا البزار، وأبا نعيم، والضياء في رواية. وأخرجه -أيضًا- أحمد (3/ 158، 245)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 148) حديث 1400، وابن حبان "الإحسان"(9/ 338) =

ص: 145

ويُعْرفُ كونُ البكرِ ولودًا بكونها من نساءٍ يُعْرَفن بكثرة الأولاد.

ويستحبُّ نكاحُ (بكرٍ) لقوله صلى الله عليه وسلم لجابر: "فَهَلَّا بِكْرًا تُلاعبُها وتُلاعبُك؟ " متفق عليه

(1)

(إلا أن تكونَ مصلحتُه في نكاح الثيبِ أرجحَ)

= حديث 4028، والطبراني في الأوسط (6/ 46) حديث 5095، وفي مسند الشاميين (1/ 413) حديث 723، وتمام في فوائده (2/ 130) حديث 1335، وأبو نعيم في الحلية (4/ 219)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 394) حديث 675، والبيهقي (7/ 81 - 82)، وفي شعب الإيمان (4/ 382) حديث 5485، والضياء في المختارة (5/ 260 - 262) حديث 1888 - 1890.

وصححه الحافط في فتح الباري (9/ 111).

وذكره الهيثمي في موضعين من مجمع الزوائد؛ (4/ 252)، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط من طريق حفص بن عمر عن أنس وقد ذكره ابن أبي حاتم، وروى عنه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح. و (4/ 258)، وقال: إسناده حسن. وله شاهد أخرجه أبو داود في النكاح، باب 4، حديث 2050، والنسائي في النكاح، باب 11، حديث 3527، وفي الكبرى (3/ 271) حديث 5342، والمحاملي في الأمالي -رواية ابن البيع- ص / 453، حديث 393، وابن حبان "الإحسان"(9/ 363 - 364) حديث 4056 - 4057، والطبراني في الكبير (20/ 219) حديث 508، والحاكم (2/ 162)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 62)، والبيهقي (7/ 81)، والمزي في تهذيب الكمال (27/ 432)، عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم.

قال الحاكم: صحيح الإسناد.

(1)

البخاري في البيوع، باب 34، حديث 2097، وفي الوكالة، باب 8، حديث 2309، وفي الجهاد والسير، باب 113، حديث 2967، وفي المغازي، باب 18، حديث 4052، وفي النكاح، باب 10، 122، 123، حديث 5079، 5080، 5245، 5247، وفي النفقات، باب 12، حديث 5367، وفي الدعوات، باب 53، حديث 6387، ومسلم في الرضاع، حديث 715 (54).

ص: 146

فيقدِّمُها على البكر.

وأن تكونَ (من بيتٍ معروفٍ بالدين والقناعة) لأنه مظنةُ دينها وقناعتها.

وأن تكونَ (حسيبةً وهي النسيبةُ، أي: طيبةُ الأصلِ) ليكون ولدُها نجيبًا؛ فإنه ربما أشبهَ أهلها ونَزَعَ إليهم.

و (لا) ينبغي تزوُّجُ (بنتِ زنىً، ولقيطةٍ، ومن لا يُعْرَفُ أبوها.

و) يستحبُّ (أن تكونَ جميلةً) لأنه أسكنُ لنفسه، وأغضُّ لبصره، وأكملُ لمودته، ولذلك جاز النظرُ قبل النكاحِ؛ ولحديث أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله: أيُّ النِّساء خَيرٌ؟ قال: "التي تَسُرُّهُ إذا نظر، وتُطيعُهُ إذا أمر، ولا تُخالفُهُ في نفسها ولا في ماله بما يَكره" رواه أحمد والنسائي

(1)

.

وعن يحيى بن جَعْدَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه: امرأةٌ جميلةٌ؛ تَسرُّهُ إذا نظر إليها، وتطيعهُ إذا أمرها، وتحفظه في غيبته في مالها ونفسها" رواه سعيد

(2)

.

(1)

أحمد (2/ 251، 432، 438)، والنسائي في النكاح، باب 14، حديث 3231، وفي الكبرى (5/ 310) حديث 8961. وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 306، حديث 2325، والطبري في تفسيره (8/ 295)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 941) حديث 5255، والطبراني في الأوسط (3/ 71) حديث 2136، والحاكم (2/ 161 - 162)، والبيهقي (7/ 82)، وفي شعب الإيمان (6/ 419) حديث 8737.

قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(2)

في سننه (1/ 124) حديث 501. وأخرجه -أيضًا- مسدد -كما في المطالب العالية (2/ 178) حديث 1639، 1640 - ، وابن أبي شيبة (4/ 308).

قال الحافظ في المطالب العالية: هذا مرسل حسن.

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه مسلم في الرضاع، حديث =

ص: 147

ويستحبُّ أن تكونَ (أجنبيةً) لأنَّ ولدَها يكون أنجبَ؛ ولأنه لا يأمنُ الطلاقَ، فيفضي مع القرابةِ إلى قطيعةِ الرحم المأمورِ بصلتها، وقد قيل: إن الغرائب أنجبُ، وبناتِ العمِّ أصبرُ.

ويستحب أن تكون (ذات عَقْلٍ، لا حمقاء) لأن النكاحَ يُرادُ للعشرِة، ولا تصلحُ العشرةُ مع الحمقاء، ولا يطيب العيش معها، وربما تعدَّى ذلك إلى ولدها، وقد قيل:"اجتنبوا الحمقاء؛ فإن ولدها ضياع، وصحبَتَها بلاءٌ"

(1)

.

(و) يستحبُّ (ألا يزيد على واحدة إن حصل بها الإعفاف) لما فيه

= 1467.

وأبي أمامة رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 5، حديث 1857، والطبراني في الكبير (8/ 222) حديث 7881، وابن عساكر في تاريخه (43/ 279). قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 325): في إسناده علي بن يزيد، وهو ضعيف، قال البخاري: منكر الحديث، وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 419 مع الفيض) ورمز لحسنه، وتعقبه المناوي بقوله: "وليس كما قال، فقد ضعفه المنذري بعلي بن يزيد، وقال ابن حجر في فتاويه: سنده ضعيف، لكن له شاهد يدل على أن له أصلًا. قلنا: في مصباح الزجاجة: علي بن يزيد بن جدعان، وفي فيض القدير: علي بن زيد، والصواب علي بن يزيد وهو الألهاني كما في سنن ابن ماجه وغيره. انظر: تهذيب الكمال (21/ 181).

وعن ابن عباس: أخرجه أبو داود في الزكاة، باب 32، حديث 1664، والحاكم (1/ 409) وقال: صحيح الإسناد على شرطهما، ووافقه الذهبي.

(1)

رُوِيَ مرفوعًا من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ أخرجه الديلمي في مسند الفردوس كما في ذيل الموضوعات للسيوطي ص / 130. قلنا: في إسناده لاحق بن الحسين. قال السيوطي عقبه: لاحقٌ كذَّاب وضَّاع أفَّاك، قال الإدريسي: لا نعلم له ثانيًا -في عصرنا- مثله في الكذب، وضع نُسخًا، قُتل بخوارزم وتخلَّص الناس من وضعه الأحاديث، ولعله لم يُخلق من الكذَّابين مثله.

ص: 148

من التعريض

(1)

للمحرَّم، قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَينَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}

(2)

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن كان له امرأتان فَمَال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشِقُّهُ مائلٌ" رواه الخمسة

(3)

.

(1)

في "ح": "التعرض".

(2)

سورة النساء، الآية:129.

(3)

أبو داود في النكاح، باب 39، حديث 2133، والترمذي في النكاح، باب 42، حديث 1141، وفي العلل ص / 165، حديث 287، والنسائي في النكاح، باب 2، حديث 3952، وفي الكبرى (5/ 280) حديث 8890 وابن ماجه في النكاح، باب 47، حديث 1969، وأحمد (2/ 295). وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 322، حديث 2454، وابن أبي شيبة (4/ 388)، وإسحاق بن راهويه (1/ 159) حديث (100)، والدارمي في النكاح، باب 24، حديث 2206، وابن الجارود (3/ 48) حديث 722، والطبري في تفسيره (9/ 290)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 216) حديث 234، وابن حبان "الإحسان"(10/ 7) حديث 4207، وابن عدي (7/ 2592)، والحاكم (2/ 186)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 328)، وابن حزم في المحلى (10/ 41)، والبيهقي (7/ 297)، وفي شعب الإيمان (6/ 413) حديث 8713، من طريق همام، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

وأخرجه الترمذي -أيضًا- في العلل ص / 166، من طريق عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة قال: كان يقال: إذا كان عند الرجل امرأتان

الحديث.

وقال: وإنما أسند هذا حديث همام بن يحيى عن قتادة، ورواه هشام الدستوائي عن قتادة قال: كان يقال

ولا نعرف هذا الحديث مرفوعًا إلا من حديث همام، وهمام ثقة حافظ.

وقال في العلل الكبير (1/ 449): وحديث همام أشبه، وهو ثقة حافظ.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وصححه -أيضًا- ابن حزم في المحلى (10/ 65)، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 169)، وابن دقيق العيد في الاقتراح ص / 432، وابن الملقن في البدر المنير (8/ 37).

وقال ابن حجر في الدراية: (2/ 66): رجاله ثقات.

ص: 149

وأراد أحمدُ أن يتزوَّجَ أو يتسرى، فقال: يكون لهما لحمٌ

(1)

. يريد كونَهما سمينتين.

وكان يُقال: من أراد أن يتزوَّجَ امرأةً، فْليَسْتَجِدْ شَعْرَها

(2)

؛ فإنَّ الشعرَ وجهٌ، فتخيَّروا أحدَ الوجهين.

وأحسنُ النساء التركياتُ، وأصلحهن الجَلَبُ التي لم تَعْرِف أحدًا.

وليعزلْ عن المملوكةِ إلى أن يتيقَّنَ جودةَ دينها، وقوةَ مَيلها

(3)

إليه.

وليحذر العاقلُ إطلاقَ البصر، فإنَّ العينَ ترى غيرَ المقدورِ عليه على غيرِ ما هو عليه، وربما وقع من ذلك العشقُ، فيهلكُ البدنُ والدينُ. ولا يسأل عن دينها حتى يُحْمَدَ له جمالُها.

(ويسنُّ) لمن أرادَ خِطْبَةَ امرأةٍ -وغَلَبَ على ظنه إجابتُه- النظرُ، جَزَمَ به الحُلْوانيُّ، وابنُ عقيل، وصاحبُ "الترغيب"، وغيرُهم، قال في "الإنصاف": وهو الصوابُ. قال الزركشيُّ: وجعله ابنُ عقيلٍ، وابنُ الجوزيِّ مستحبًّا، وهو ظاهرُ الحديثِ

(4)

(-وقال الأكثرُ: يُباح) جزم به في "الهداية"، و"المذهب"، و"المستوعب"، و"الخلاصة"، و"الكافي"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير" و"الفائق"، وغيرهم، وقدَّمه في "الفروع"، و"تجريد العناية"، قال في "الإنصاف": هذا المذهبُ (لورودِه) أي: الأمر بالنظر (بعد الحظر) أي: المنع، روى المغيرةُ بن شُعبةَ: أنَّهُ خطب امرأةً فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها؛ فإنَّه

(1)

مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص / 376.

(2)

يعني: يتخير ذات الشعر الجيد، يقال: استجاد الشيء إذا طلبه جيدًا.

(3)

في "ذ": "ميلانها".

(4)

سيأتي بعد قليل.

ص: 150

أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما" رواه الخمسة

(1)

إلا أبا داود. قال في "النهاية"

(2)

: يقال: أدَمَ الله بينكما يأدِم أَدْمًا بالسكون، أي: ألَّف ووفَّق (-لمن أراد خِطْبةَ امرأةٍ) بكسر الخاء (وغلب علي ظنه إجابتُه: النظرُ

(3)

.

(1)

الترمذي في النكاح، باب 5، حديث 1087، والنسائي في النكاح، باب 17، حديث 3235، وفي الكبرى (3/ 272) حديث 5346، وابن ماجه في النكاح، باب 9، حديث 1866، وأحمد (4/ 244 - 245، 246).

وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 156) حديث 10335، وسعيد بن منصور (1/ 129) حديث 516 - 518، وابن شيبة (4/ 355)، والدارمي في النكاح، باب 5، حديث 2172، وابن الجارود (3/ 18) حديث 675، والطحاوي (3/ 14)، والطبراني في الكبير (20/ 433 - 434) حديث 1052 - 1056، والدارقطني (3/ 252)، والبيهقي (7/ 84 - 85)، والخطيب في تاريخه (7/ 344)، والبغوي في شرح السنة (9/ 16) حديث 2247، عن بكر بن عبد الله المزني، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن.

وصحح إسناده ابن القطان في أحكام النظر ص / 387، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 328): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في النكاح، باب 9، حديث 1865، وعبد الرزاق في الأمالي في آثار الصحابة ص / 81، حديث 114، وعبد بن حميد (3/ 126) حديث 1252، وابن الجارود (3/ 19) حديث 676، وابن حبان "الإحسان"(9/ 351) حديث 4043، والدارقطني (3/ 253)، والحاكم (2/ 165)، والبيهقي (7/ 84)، والضياء في المختارة (5/ 168) حديث 1788، من طريق معمر، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن المغيرة خطب

الحديث.

قال الدارقطني: الصواب عن بكر المزني. وقال في العلل (7/ 139): وهذا وهم، وإنما رواه ثابت عن بكر مرسلًا.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال البوصيري (1/ 328): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

(2)

(1/ 32) مادة (أدم).

(3)

قوله: "النظر" نائب فاعل لفعل "يُسَنُّ" المذكور آنفًا.

ص: 151

ويُكرِّره) أي: النظرَ (ويتأملُ المحاسن، ولو بلا إذْنٍ) من المرأة

(1)

(-ولعله) أي: عدم الإذن (أولى) لحديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإنَّ استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوهُ إلى نكاحها فليفعل، قال: فخطبتُ جاريةً من بني سَلِمة، فكنتُ أتخبَّأُ لها حتى رأيت منها بعضَ ما دعاني إلى نكاحها" رواه أحمدُ وأبو داود

(2)

. (إن أَمِنَ) الذي أراد خِطبةَ امرأةٍ (الشهوةَ) أي: ثورانَها، من غير خلوةٍ (-إلى ما يظهرُ منها) أي: المرأةِ (غالبًا، كوجهٍ ورقبة ويدٍ وقدم) لأنه صلى الله عليه وسلم لما أذِن

(3)

في النظر إليها من غير علمها، عُلِمَ أنه أذِن في النظرِ إلى جميع ما يظهرُ غالبًا، إذ لا يمكنُ إفرادُ الوجهِ بالنظر مع مشاركةِ غيره في الظهور؛ ولأنه يظهَرُ غالبًا، أشبهَ الوجهَ.

(فإنَّ لم يتيسَّرْ له النظرُ، أو كرهه

(4)

) أي: النظرَ (بعَثَ إليها امرأة)

(1)

في "ذ": "إن أمن الشهوة من المرأة".

(2)

أحمد (3/ 334، 360)، وأبو داود في النكاح، باب 19، حديث 2082. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 157) حديث 10337، وابن أبي شيبه (4/ 355)، وحرب في مسائله ص / 44، والبزار -كما في بيان الوهم والإيهام (4/ 428) -، والطحاوي (3/ 14)، والحاكم (2/ 165)، والبيهقي (7/ 84)، كلهم من طرق عن محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ، عن جابر رضي الله عنه، به.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 429): إن واقدًا هذا لا تعرف حاله، والمذكور المعروف إنما هو واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ

قلنا: في رواية عبد الرزاق، وأحمد في رواية، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي: واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. انظر: التلخيص الحبير (3/ 147).

(3)

في "ذ": "أذن له".

(4)

في "ح": "كرهته".

ص: 152

ثقةً (تتأملها، ثم تَصِفُها له) ليكون على بصيرة.

(وتنظرُ المرأةُ إلى الرجل، إذا عزمتْ على نكاحه؛ لأنه يعجِبُها منه ما يُعْجبه منها) وهذا إنما يظهرُ على قول من يقول: لا تَنْظُرُ المرأةُ من الرجل. والمذهبُ -كما يأتي- أنها تنظرُ إلى ما عدا ما بين سُرَّته وركبته، وإن كان المراد أنه يُسنُّ، فهو إنما يَتَمَشَّى على قول غير الأكثر.

(قال ابنُ الجوزي في كتاب "النساء"

(1)

: ويستحبُّ لمن أراد أن يزوِّج ابنتَه، أن ينظرَ لها شابًّا مستحسنَ الصورِةِ، ولا يُزوِّجَها دَميمًا) بالدال المهملة (وهو القبيحُ، ويأتي في الباب بعده.

وعلى مَنِ اسْتُشير في خاطبٍ، أو مخطوبةٍ أن يذكر ما فيه من مساوئ) أي: عيوب (وغيرها، ولا يكونُ غِيبةً محرمة إذا قصد به النصيحة) لحديث: "المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ"

(2)

، وحديث: "الدِّينُ

(1)

ص / 305.

(2)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 99، حديث 256، وأبو داود في الأدب، باب 123، حديث 5128، والترمذي في الزهد، باب 39، حديث 2369، وفي الأدب، باب 57، حديث 2822، وابن ماجه في الأدب، باب 37، حديث 3745، والطحاوى في شرح مشكل الآثار (11/ 77، 78) حديث 4292، 4294، والطبراني في الكبير (19/ 256) حديث 570، وابن عدي (5/ 1698)، وأبو الشيخ في الأمثال ص / 39، حديث 26، والدارقطني في العلل (8/ 19)، والحاكم (4/ 131)، والبيهقي (10/ 112).

قال الترمذي في الموضع الأول: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال في الموضع الثاني: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

ب - أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الأدب، باب 37، حديث 3746، وأحمد (5/ 274)، وعبد بن حميد (1/ 229) حديث 235، =

ص: 153

النَّصيحَةُ"

(1)

ويأتي في الشهادات بأوسع من هذا.

(وإن اسْتُشير في أمر نفسه بَيَّنَه؛ كقوله: عندي شُحٌّ، وخُلُقي شديد، ونحوُهما) لعموم ما سبق.

(ولا يصلح من النساء مَن قد طال لُبْثُها مع رجل، ومن التغفيلِ أن يتزوَّجَ الشيخ صبيةً) أي: شابةً.

(ويمنعُ) الزوجُ (المرأةَ من مخالطة النساء، فإنهنَّ يُفْسِدنَها عليه.

= والدارمي في السير، باب 13، حديث 2452، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 76) حديث 4290، وابن حبان "موارد الظمآن" ص / 488، حديث 1991، وسقط من الإحسان، والطبراني في الكبير (17/ 230) حديث 637، 638، وأبو الشيخ في الأمثال ص / 42، حديث 34، والبيهقي (10/ 112). وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 254): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

ج - سمرة بن جندب رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 219) حديث 6914، وأبو الشيخ في الأمثال ص / 41، حديث 32، وأبو نعيم في الحلية (6/ 190)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 38) حديث 4، والخطيب في الموضح (2/ 248 - 249).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 96): رواه الطبراني من طريقين: في إحداهما إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف، وفي الأخرى عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، وهو متروك.

د - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أخرجه العقيلي (4/ 127)، وابن عدي (6/ 2255 - 2256)، وأبو الشيخ في الأمثال ص / 39، حديث 24، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 39) حديث 5، قال العقيلي: يروى من غير هذا الوجه، بإسناد أصلح من هذا.

هـ - أم سلمة رضي الله عنها: أخرجه الترمذي في الأدب، باب 57، حديث 2823، وأبو يعلى (12/ 333) حديث 6906، وأبو الشيخ في الأمثال ص / 38، حديث 23. قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أم سلمة.

(1)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 55، عن تميم الداري رضي الله عنه.

ص: 154

والأولى ألّا يَسْكُنَ) الزوجُ (بها عند أهلها) لسقوطِ حرمته عندها بذلك (وألّا يدخل بيتَه مراهِقٌ، ولا يأذنَ لها في الخروج) من بيته؛ لأنها إذا اعتادت

(1)

لم يتمكن من منعها بعدُ.

(ولرجلٍ نَظَرُ ذلك) أي: الوجهِ والرقبةِ واليدِ والقدمِ (و) نظرُ (رأسٍ وساقٍ عن الأُمَةِ المُسْتامةِ، وهي المطلوبُ شراؤها) لأن الحاجةَ داعيةٌ إلي ذلك، كالمخطوبة، وأَولى؛ لأنها ترادُ للاستمتاع وغيره من التجارة، وحسنُها يزيدُ في ثمنها، والمقصودُ يحصل برؤية ذلك، فاكتُفي به.

(وكذا الأمَة غيرُ المُستامة) ينظرُ منها إلى هذه الأعضاء الستة؛ قَطَعَ به القاضي في "الجامع الصغير"، واختاره في "المغني"؛ لأنه يُروى عن عمرَ: "أنه رأى أمَةَ مُتَلَمْلمَةً

(2)

، فضربها بالدِّرَّة، وقال: أتَتشَبَّهينَ بالحرائر يا لَكاعِ

(3)

"

(4)

.

(1)

في "ذ": "اعتادته".

(2)

كذا في الأصول "متلملمة" وفي كتب غريب الحديث "متكمكمة"، انظر غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 343)، والفائق (3/ 279)، والنهاية في غريب الحديث (4/ 362)، وتهذيب اللغة (3/ 312).

(3)

اللُّكَع عند العرب: العبد، ثم استعمل في الحمق والذم، يقال للرجل: لُكَع وللمرأة؛ لَكَاعِ. النهاية في غريب الحديث (4/ 268).

(4)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ مسندًا، وقد أخرجه عبد الرزاق (3/ 136) رقم 5062، والبيهقي (2/ 226)، عن صفية بنت أبي عبيد بنحوه. وجوَّد إسناده ابن الملقن في البدر المنير (4/ 211)، وصححه الحافظ في الدراية (1/ 124).

وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 136) رقم 5064، وابن أبي شيبة (2/ 230، 231)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 76) رقم 2414، عن أنس رضي الله عنه بنحوه. وصحح إسناده الحافظ في الدراية (1/ 124).

وقال البيهقي: والآثار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك صحيحة.

وقال ابن المنذر: ثبت أن عمر بن الخطاب ضرب أمة لآل أنس، رآها متقنعة، وقال: =

ص: 155

وروى أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوْلَمَ على صفيَّة، قال الناسُ: لا ندري أجَعَلَها أمَّ المؤمنين، أو أمَّ ولدٍ؟ فقالوا: إن حجبها فهي أمُّ المؤمنين، وإن لم يحجُبها فهي أمُّ ولدٍ، فلما ركب وَطّأ لها خَلْفَهُ، ومَدَّ الحجاب بينه وبين النَّاس" متفق عليه

(1)

.

وهذا يدل على أن عدمَ حجبِ الإماء كان مستفيضًا عندهم.

(وهو) أي: ما ذكره المصنف من أن حكم الأمَة غير المستامةِ كالمستامة (أصوبُ مما في "التنقيح") حيث قال: ومن أمَةٍ غيرِ مُسْتامةٍ إلى غيرِ عورةِ صلاة، وتبعه في "المنتهى"، قال في "شرحه": وما ذكره في "التنقيح" مخالفٌ للمعنى الذي أُبيح النظرُ من أجله، وقال: والذي يظهرُ التسويةُ بينهما.

(و) لرجل -أيضًا- نظرُ وَجْهٍ، ورقبةٍ، ويدٍ، وقدمٍ، ورأسٍ، وساقٍ (من ذوات محارمه) قال القاضي: على هذه الرواية يُباحُ ما يظهرُ غالبًا كالرأس واليدين إلى المرفقين (وهُنَّ: من تَحْرمُ عليه على التأبيد بنَسَب) كأخته، وعمَّته، وخالته (أو سببٍ مباحٍ) كأخته من رضاعٍ، وأمِّ زوجته، وربيبةٍ دخل بأمِّها، وحليلةِ أبٍ، أو ابنٍ (لحرمتها) احترازٌ عن الملاعَنة؛ لأن تحريمها تغليظٌ عليه (إلا نساءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلا) يُباحُ النظرُ إليهنَّ من غير المذكورين في قوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ}

(2)

الآية؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

(3)

(وتقدم)

= اكشفي عن رأسك، لا تَشَبَّهين بالحرائر.

(1)

البخاري في المغازي، باب 38، حديث 4213، وفي النكاح، باب 12، 60، حديث 5085، 5159، ومسلم في النكاح حديث (87).

(2)

سورة الأحزاب، الآية:55.

(3)

سورة الأحزاب، الآية:53.

ص: 156

ذلك (في الحج

(1)

) مفصَّلًا.

(فيحرم) على زانٍ (النظرُ إلى أمِّ المزني بها، و) إلى (ابنتها) لأنه ليس مَحْرمًا لهما (لأن تحريمهن بسبب محرَّم، وكذا المحرَّمةُ باللعان) يحرمُ على الملاعِنِ النظرُ إليها (و) كذا (بنتُ الموطوءة بشبهة، وأمُّها) لأنه ليس مَحْرمًا لهن.

(ولا تسافرُ المسلمةُ مع أبيها الكافر؛ لأنه ليس مَحْرمًا لها في السفر، نصًّا

(2)

) وإن كان مَحْرمًا في النظر.

(وإن كانت الأمَةُ جميلةً، وخيفت الفتنةُ بها، حَرُمَ النظرُ إليها؛ كالغلامِ الأمردِ) الذي يُخشى الفتنةُ بنظره

(3)

؛ لوجودِ العلةِ في تحريم النظر، وهو الخوفُ من الفتنةِ، والفتنةُ يستوى فيها الحرةُ والأمَةُ، والذكرُ والأنثى (ونصَّ) أحمدُ

(4)

(أنَّ) الأمةَ (الجميلةَ تنتقبُ) ولا ينظر إلى المملوكة، فكم نظرةٍ ألقَت في قلب صاحبِها البلابلَ

(5)

.

(ولعبدٍ -لا مُبعَّضٍ ومشترَكٍ، وأفتى الموفَّقُ: بلَى) في المشتركِ أنَّه كالعبد (- نظرُ ذلك) أي: الوجهِ، والرقبةِ، واليدِ، والقدمِ، والرأسِ، والساقِ (من مولاته) لقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الآية، إلى قوله:

(1)

(6/ 53 - 54).

(2)

انظر: أحكام النساء للإمام أحمد ص 21 / رقم 38، ومسائل أبي داود ص / 163، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 230 - 231) رقم 424، 425، 427، 430.

(3)

"الذي يخشى الفتنة بنظره" في "ح" ومتن الإقناع (3/ 298) من المتن، وليس من الشرح.

(4)

الورع للمروذي ص / 111 رقم 367، ومسائل الكوسج (9/ 4706) رقم 3366، وأحكام النساء للإمام أحمد ص / 60 - 61، رقم 101، 102.

(5)

في "ذ": "البلاء".

ص: 157

{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُنَّ}

(1)

؛ ولأنه يَشُقُّ على رَبَّةِ العبدِ التحرزُ منه.

(وكذا) أي: كالعبد والمحرَمِ (غيرُ أُولي الإربةِ) من الرجالِ، أي: غير أولي الحاجة من النساء؛ قاله ابن عباس

(2)

، وعنه

(3)

: هو المخنَّثُ الذي لا يقومُ عليه زُبُّه. وعن مجاهد

(4)

وقتادة

(5)

: الذي لا أرَبَ له في النساء (وهو مَنْ لا شهوةَ له، كعِنِّينٍ، وكبيرٍ، ومُخَنَّثٍ) أي: شديد التأنيث في الخِلْقة، حتى يشبهَ المرأةَ في اللينِ، والكلامِ، والنغمةِ، والنَّظَر، والعقل

(6)

، فإذا كان كذلك لم يَكُنْ له في النساءِ أرَبٌ (ومن ذهبت شهوتُه لمرضٍ لا يُرْجى برؤُه) لقوله تعالى:{أَو التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}

(7)

.

(وينظر ممن لا تُشْتَهى، كعجوز، وبَرْزة

(8)

) لا تُشتهى (وقبيحة) ومريضة لا يُرجى برؤها (إلى غير عورة صلاة) على ما تقدم في ستر

(1)

سورة النور، الآية:31.

(2)

أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 123)، وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2578) رقم 14426، والبيهقي (7/ 96).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي (5/ 43).

وأخرجه الطبري في تفسيره (18/ 123)، وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2579)، من قول عكرمة رحمه الله.

(4)

أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 122)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 273).

(5)

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 274).

(6)

في "ذ": "والفعل".

(7)

سورة النور، الآية:31.

(8)

البرزة: هي المرأة العفيفة التي تبرز للرجال وتتحدث معهم، وهي المرأة التي أسنَّت وخرجت عن حد المحجوبات. انظر: المصباح المنير (1/ 61) مادة (برز).

ص: 158

العورة

(1)

، وقال في "الكافي": يُباح النظر منها إلى ما يظهر غالبًا؛ لقول الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا}

(2)

الآية، قال ابن عباس

(3)

: استثناهن الله من قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}

(4)

؛ ولأن ما حرم النظر لأجله معدوم في جهتها، فأشبهت ذوات المحارم، وتبعه الشارح.

(ويحرم نظر خصيٍّ، ومجبوب) وممسوح

(5)

(إلى) امرأة (أجنبية، نصًّا

(6)

) قال الأثرم

(7)

: استعظم الإمام أحمد إدخال الخِصيان على النساء؛ لأن العضو وإن تعطل أو عُدِمَ، فشهوة الرجال لا تزول من قلوبهم، ولا يؤمن التمتع بالقُبلة وغيرها، فهو (كفحلٍ) ولذلك لا تباح خلوة الفحل بالرتقاء

(8)

من النساء.

(ولشاهد نظر وَجْه مشهود عليها، تحمُّلًا، وأداءً عند المطالبة منه) لتكون الشهادة واقعة على عينها

(9)

، قال أحمد

(10)

: لا يشهد على امرأة

(1)

(2/ 128).

(2)

سورة النور، الآية:60.

(3)

أخرجه أبو داود في اللباس، باب 37، حديث 4111، والبيهقي (7/ 93).

(4)

سورة النور، الآية:31.

(5)

الممسوح: هو مقطوع الذكر والخُصيتين: انظر: اللسان (2/ 594) مادة (مسح).

(6)

انظر: أحكام النساء للإمام أحمد ص / 34 رقم 93، 97، والورع للمروذي ص / 115 رقم 381، ومسائل ابن هانئ (2/ 150) رقم 1845.

(7)

أحكام النساء للإمام أحمد ص / 47، 48، رقم 65، 67.

(8)

امرأة رتقاء: بيِّنة الرَّتَق: لا يستطاع جماعها، أو لا خرق لها إلا المبال خاصة. انظر: القاموس المحيط ص / 1143، مادة (رتق).

(9)

جملة: "لتكون الشهادة واقعة على عينها" في "ح" من المتن.

(10)

انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 37، 38) رقم 1336، 1338.

ص: 159

إلا أن يكون قد عرفها بعينها (ونصُّه

(1)

: وكفَّيها

(2)

مع الحاجة) عبارة "الإنصاف": المنصوص عن أحمد

(3)

أنه ينظر إلى وجهها وكفيها، إذا كانت تعامله. انتهى. وقد ذكرت كلام الشيخ تقي الدين

(4)

في نقله الروايات عن الإمام في "الحاشية"، وأن مقتضاه أن الشاهد لا ينظر سوى الوجه، إذ الشهادة لا دخل لها في نظر الكفين (وكذا) ينظر (لمن يعاملها في بيع وإجارة ونحو ذلك) كقرض وغيره، فينظر لوجهها ليعرفها بعينها، فيرجع عليها بالدرك، وإلى كفيها لحاجة.

(ولطبيب نظرُ ولمسُ ما تدعو الحاجة إلى نظره، ولمسه، حتى فَرْجها، وباطنه) لأن ذلك موضع حاجة، وظاهره: ولو ذميًّا

(5)

؛ قاله في "المبدع"، ومثله "المغني"(وليكن ذلك مع حضور مَحْرَم، أو زوج) لأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ، إلا كان الشيطان ثالثَهما" متفق عليه

(6)

(ويُستر منها ما عدا موضعَ

(1)

الفروع (5/ 152)، والمبدع (7/ 9).

(2)

في "ح": "وكفها".

(3)

انظر: أحكام النساء للإمام أحمد ص / 29، 30 رقم 73، 77.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى (22/ 110 - 111).

(5)

قال في الفروع (5/ 153): إذا لم يجد غيره.

(6)

البخاري في الجهاد، باب 140، حديث 3006، وفي النكاح، باب 111، حديث 5233، ومسلم في الحج، حديث 1341، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.

وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف، فأخرجه الترمذي في الفتن، باب 7، حديث 2165، والنسائي في الكبرى (5/ 387 - 389) حديث 9219 - 9225، والطيالسي ص / 7، حديث 33، وعبد الرزاق (11/ 341) حديث 20710، وأبو عبيد في كتاب الخطب والمواعظ ص / 201 - 202، وأحمد (1/ 18، 26)، وعبد بن حميد (1/ 64) حديث 23، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص / 191، حديث =

ص: 160

الحاجة) لأنها على الأصل في التحريم.

(ومثله) أي: الطبيب (من يلي خدمة مريض، أو مريضة، في وضوء، واستنجاء، وغيرهما، وكتخليصها من غرق، وحرق ونحوهما.

وكذا لو حَلَقَ عانة من لا يُحسِن حَلْق عانته، نصًّا

(1)

) وظاهره: ولو ذميًّا.

وكذا لمعرفة بكارة، وثيوبة، وبلوغ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم:" لمَّا حكَّم سعدًا في بني قريظة فكان يكشف عن مُؤْتَزرهم"

(2)

، وعن عثمان "أنَّهُ أُتِي بغلام قد سرق، فقال: انظروا إلى مُؤْتَزَرِهِ، فلم يجدوه أنبَتَ الشَّعْرَ، فلم يقطعه"

(3)

.

= 606، والبزار (1/ 271) حديث 167، وبحشل في تاريخ واسط ص / 233، وأبو يعلى (1/ 131، 133) حديث 141، 143، وابن حبان "الإحسان"(10/ 436، 12/ 399، 15/ 122، 16/ 239) حديث 4576، 5586، 6728، 7254، والطبراني في الأوسط (2/ 393) حديث 1680، وفي الصغير (1/ 158) حديث 245، وابن منده في الإيمان (2/ 983) حديث 1087، والحاكم (1/ 114)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 249، 2/ 90) حديث 404، 946، وابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (4/ 193)، والبيهقي (7/ 91)، والخطيب في تاريخه (2/ 187، 4/ 54، 318، 6/ 57)، والضياء في المختارة (1/ 191 - 195، 266، 294) حديث 96 - 98، 155، 157، 185، والذهبي في سير أعلام النبلاء (7/ 102)، عن عمر رضي الله عنه.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(1)

الفروع (5/ 153)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 44).

(2)

تقدم تخريجه (8/ 378) تعليق رقم (1).

(3)

أخرجه عبد الرازق (7/ 338، 10/ 177) رقم 13398، 18735، وابن أبي شيبة (9/ 485 - 486)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (3/ 981)، والطحاوي (3/ 217)، والبيهقي (6/ 58).

ص: 161

(ولصبيٍّ مميز، غير ذي الشهوةِ، نظرُ ما فوق السرة وتحت الركبة) لأنه لا شهوة له، أشبه الطفل؛ ولأن المحرّم للرؤية في حق البالغ كونه محلًّا للشهوة، وهو معدوم هنا (و) المميز (ذو الشهوة) كذي رَحِم محرم؛ لأن الله تعالى فرَّق بين البالغ وغيره بقوله:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}

(1)

، ولو لم يكن له النظر لما كان بينهما فرق (وبنت تسع) مع رجل (كذي رَحِم) محرم؛ لأن عورتها مخالفة لعورة البالغة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخِمَار"

(2)

يدل على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة الرأس، وكقولنا في الغلام المراهق مع النساء.

(ومن له النظر) ممن تقدم (لا يحرم البروز له) أي: عدم الاستتار منه؛ لما تقدم؛ ولما روى أنس: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعَبْدٍ وهبه لها قال: وعلى فاطمة ثوب، إذا قَنَّعتْ به رأسها، لم يبلغ رجليها، وإذا غطَّت رجليها، لم يبلغ رأسها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس عليك بأسٌ، إنما هو أبوك وغلامك" رواه أبو داود

(3)

.

(1)

سورة النور، الآية:59.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 470) تعليق رقم (3).

(3)

في اللباس، باب 35، حديث 4106. وأخرجه -أيضًا- ابن عدي (3/ 1152)، والبيهقي (7/ 95)، والضياء في المختارة (5/ 91) حديث 1712.

قال الضياء في السنن والأحكام عن المصطفى (5/ 107): لا أعلم بإسناده بأسًا. وقال المنذري في مختصر السنن (6/ 59): في إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجيمي البصري، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة الرازي: مصري لين الحديث. وقال ابن القطان في كتاب النظر في أحكام النظر بحاسة البصر ص / 196: ولا يبالى بقول أبي زرعة، فإن العدول متفاوتون في الحفظ بعد تحصيل رتبة العدالة، والحديث صحيح. وقال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 510): هذا إسناد جيد.

ص: 162

(ولا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع، ولا لمسها، نصًّا

(1)

، ولا يجب سترها) أي: عورة الطفل والطفلة (مع أمن الشهوة) لأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء

(2)

(ولا يجب الاستتار منه) أي: ممن دون سبع (في شيء) من الأمور.

(وللمرأة مع الرجل) نظر ما فوق السرة وتحت الركبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "اعتدِّي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجلٌ أعمى، تضعين ثيابك فلا يراك"

(3)

، وقالت عائشة:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد" متفق عليه

(4)

، "ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد، مضى إلى النساء فذكَّرهن، ومعه بلال، فأمرهنَّ بالصدقة"

(5)

.

ولأنهنَّ لو مُنِعْنَ النظر

(6)

، لوجب على الرجال الحجاب، كما وجب على النساء، لئلا ينظرن إليهم.

فأما حديث نبهان، عن أم سلمة قالت: "كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

أحكام النساء ص / 54، رقم 83، 84.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 63) تعليق رقم (1).

(3)

أخرجه مسلم في الطلاق، حديث 1480.

(4)

تقدم تخريجه (9/ 159) تعليق رقم (1).

(5)

أخرجه البخاري في العلم، باب 32، حديث 98، وفي الأذان، باب 161، حديث 863، وفي العيدين، باب 8، 16، 18، 19، حديث 964، 975، 977، 979، وفي الزكاة، باب 21، 33 حديث 1431، 1449، وفي التفسير، باب 3، حديث 4895، وفي النكاح، باب 124، حديث 5249، وفي اللباس، باب 56، 57، 59، حديث 5880، 5881، 5883، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 16، حديث 7325، ومسلم في صلاة العيدين، حديث 884.

(6)

في "ذ": "لو منعن من النظر".

ص: 163

أنا وحفصةُ، فاستأذن ابنُ أمِّ مكتوم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه، فقلت: يا رسول الله، إنه ضرير لا يبصر، فقال: أفعمياوان أنتما؛ لا تبصران" رواه أبو داود

(1)

، فقال أحمد

(2)

: نبهان روى حديثين عجيبين، هذا الحديث، والآخر:"إذا كان لإحداكُنَّ مُكاتَبٌ، فَلْتحتجب منه"

(3)

.

(1)

في اللباس، باب 37، حديث 4112. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الأدب، باب 29، حديث 2778، والنسائي في الكبرى (5/ 393) حديث 9241، 9242، وابن سعد (8/ 175، 176، 178)، وإسحاق بن راهويه (4/ 84) حديث 1848، وأحمد (6/ 296)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 416)، وأبو يعلى (12/ 353) حديث 6922، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 265، 266) حديث 288، 289، وابن حبان "الإحسان" (12/ 387) حديث 5575، والطبراني في الكبير (23/ 302) - حديث 678، والبيهقي (7/ 91 - 92)، وفي الآداب ص / 244، حديث 747، والخطيب في تاريخه (3/ 16 - 18، 8/ 338 - 339)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 155 - 156).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وحسنه النووي في شرح صحيح مسلم (10/ 97)، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (7/ 512).

وقال ابن حجر في الفتح (1/ 550): وهو حديث مختلف في صحته. وقال في موضع آخر (9/ 337): وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان، وليست بعلة قادحة، فإن من يعرفه الزهري ويصف بأنه مكاتب أم سلمة، ولم يجرحه أحد، لا تُرَدُّ روايته. وقال في التلخيص الحبير (3/ 148): وليس في إسناده سوى نبهان مولى أم سلمة، شيخ الزهري، وقد وثق.

(2)

المغني (9/ 507).

(3)

أخرجه أبو داود في العتق، باب 1، حديث 3928، والترمذي في البيوع، باب 35، حديث 1261، والنسائي في الكبرى (3/ 197 - 198) حديث 5028 - 5033، و (5/ 389) حديث 9227، 9228، وابن ماجه في العتق، باب 3، حديث 2520، وابن طهمان في مشيخته ص / 131، حديث 73، والشافعي في السنن المأثورة ص / 416، حديث 614، وعبد الرزاق (8/ 409) حديث 15729، والحميدي =

ص: 164

كأنه أشار إلى ضعف حديثه، إذ لم يَرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول. وقال ابن عبد البر

(1)

: نبهان مجهول، لا يُعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث، وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة، ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ قاله أحمد

(2)

وأبو داود

(3)

. قلت: لكن يعارضه حديث عائشة المتفق عليه

(4)

.

(و) للمرأة (مع المرأة ولو كافرة) مسلمة نظر ما فوق السرة وتحت الركبة؛ لأن النساء الكوافر كُنَّ يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم

= (1/ 138) حديث 289، وإسحاق بن راهويه (4/ 83) حديث 1847، وأحمد (6/ 289 - 308، 311)، وأبو يعلى (12/ 388) حديث 6956، والطحاوي (4/ 331)، وفي شرح مشكل الآثار (1/ 273 - 274) حديث 298 - 300، وابن حبان "الإحسان"(11/ 163) حديث 4322، والطبراني في الكبير (23/ 301، 399) حديث 676، 955، والحاكم (2/ 219)، والبيهقي (10/ 327)، وفي السنن الصغير (4/ 221) حديث 444، والمزي في تهذيب الكمال (29/ 312)، من طريق الزهري، عن نبهان، عن أم سلمة رضي الله عنها، ولفظ الحديث:"إذا كان لإحداكن مكاتب، فكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب منه".

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع، وقالوا: لا يعتق المكاتب، وإن كان عنده ما يؤدي حتى يؤدي.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال البيهقي: وحديث نبهان قد ذكر فيه معمرٌ سماعَ الزهري من نبهان، إلا أن البخاري ومسلمًا صاحبي الصحيح لم يخرجا حديثه في الصحيح، وكأنه لم يثبت عدالته عندهما، أو لم يخرج من حد الجهالة برواية عدل عنه.

(1)

التمهيد (19/ 155).

(2)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 78).

(3)

في سننه عقب حديث 4112.

(4)

تقدم تخريجه (9/ 159) تعليق رقم (1).

ص: 165

يكنَّ يُحجبن، ولا أمر بحجاب.

(وللرجل مع الرجل ولو أمرد، نظر ما فوق السرة، وتحت الركبة) لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده-: "احفظ عورتك إلا من زوجك

(1)

، أوْ ما ملكَتْ يَمِينُك"

(2)

.

(وخُنثى مشكِل في النظر إليه كامرأة) تغليبًا لجانب الحَظر (ونظره) أي: الخُنثى المشكِل (إلى رجل، كنظر امرأة إليه، ونظره إلى امرأةٍ، كنظر رجل إليها) قاله المنقِّح؛ تغليبًا لجانب الحظر.

(ويجوز النظر إلى الغلام بغير شهوة) لأنه ذكَر، أشبه المُلتحي (ما لم يخفْ ثورانها) أي: الشهوة (فيحرم) النظر إلى الغلام (إذا كان مميزًا) لما فيه من الفتنة.

(ويحرم النظر إلى أحد منهم) أي: ممن تقدم ذِكْرهم، مِن ذَكَرٍ وأنثى وخُنثى، غير زوجته، وسُرِّيَّته (بشهوة، أو) مع (خوف) ثورانـ (ــها، نصًّا

(3)

) لما فيه من الدعاء إلى الفتنة.

(ولمسٌ كنظرٍ) فيحرم حيث يحرم النظر (وأولى) أي: بل اللمس أولى؛ لأنه أبلغ من النظر، ولا يلزم من حِل النظر حِل اللمس، كالشاهد ونحوه.

(ومعنى الشهوة: التلذُّذ بالنظر) إلى الشيء.

(ولا يجوز النظر إلى) شيء من (الحُرَّة الأجنبية قصدًا) في غير ما تقدم؛ لمفهوم ما سبق، وأما النظر من غير قصد فليس بحرام، وهو معنى

(1)

في "ح" ومصادر التخريج: "إلا من زوجتك".

(2)

تقدم تخريجه (1/ 381) تعليق رقم (2).

(3)

أحكام النساء للإمام أحمد ص / 31، 35، رقم 12، 28.

ص: 166

قوله صلى الله عليه وسلم: "الأوَّلَة لَكَ"

(1)

أي: ما كان فجأة من غير قصد.

(ويحرم نظر شعرها) أي: شعر المرأة الأجنبية، كسائر أجزائها.

و (لا) يحرم نظرُ ولا مَسُّ الشعر (البائن) أي: المنفصل من المرأة الأجنبية؛ لزوال حرمته بالانفصال (وتقدم

(2)

في) باب (السواك.

(1)

أخرجه بن أبي شيبة (4/ 326 - 327، 12/ 64)، وأحمد (1/ 159)، وفي فضائل الصحابة (2/ 601) حديث 1028، والدارمي في الرقاق، باب 3، حديث 2709، والبزار (3/ 121) حديث 907، والطحاوي (3/ 14 - 15)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 119) حديث 1865، وابن حبان "الإحسان"(12/ 381) حديث 5570، والطبراني في الأوسط (1/ 388) حديث 678، والحاكم (3/ 123)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 303) حديث 340، والضياء في المختارة (2/ 108، 109) حديث 482، 483، عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتبع النظر النظر، فإن الأولى لك، وليست لك الآخرة.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 63): فيه ابن إسحاق وهو مدلس، وبقيه رجاله ثقات.

وأخرجه أبو داود في النكاح، باب 24، حديث 2149، والترمذي في الأدب، باب 28، حديث 2777، ووكيع في الزهد (3/ 796) حديث 486، وابن أبي شيبة (4/ 324)، وأحمد (5/ 351، 352، 353، 357)، وهناد في الزهد (2/ 649) حديث 1415، والروياني في مسنده (1/ 69) حديث 22، والطحاوي (3/ 15)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 123، 124) حديث 1866 - 1867، والحاكم (2/ 194)، والبيهقي (7/ 90)، وفي شعب الإيمان (4/ 364) حديث 5421، 5422، وابن الجوزي في ذم الهوى ص / 86 - 87، والمزي في تهذيب الكمال (33/ 306). عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة".

قال الترمذي: حسن غريب.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(2)

(1/ 184).

ص: 167

وصوتها) أي: الأجنبية (ليس بعورة) قال في "الفروع" وغيره: على الأصح (ويحرم التلذُّذ بسماعه، ولو) كان (بقراءة) خشية الفتنة، وتقدم

(1)

في الصلاة: وتُسِرُّ بالقراءة إن سَمِعَها

(2)

أجنبي. وقال في رواية مُهنَّا

(3)

. ينبغي للمرأة أن تخفض من

(4)

صوتها إذا كانت في قراءتها، إذا قرأت بالليل.

(ويحرم النظر مع شهوةِ تخنيث، وسِحاق، ودابة يشتهيها، ولا يعِفُّ عنها) قاله ابن عقيل، وهو ظاهر كلام غيره (وكذا الخلوة بها) أي: بدابة يشتهيها، ولا يعفّ عنها، لخوف الفتنة.

(وتحرم الخلوة لغير

(5)

مَحْرَمٍ، على الكل) أي: كل من تقدم (مطلقًا) أي: مع شهوة أو بدونها؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا: "لا يَخْلُونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم" متفق عليه

(6)

(كخلوته

(7)

) أي: الرجل (بأجنبية -ولو) كانت (رتقاء- فأكثر) فيحرم خلوة رجل أجنبي بعدد من النساء (وخلوة) رجال (أجانب بها) أي: بامرأة؛ لعموم ما سبق.

(وتحرم) الخلوة (بحيوان يشتهي المرأة، أو تشتهيه، كالقرد) ذكره ابن عقيل، وابن الجوزي

(8)

، والشيخ تقي

(1)

(2/ 321).

(2)

في "ذ": "إن كان يسمعها".

(3)

أحكام النساء للإمام أحمد ص / 34، رقم 26.

(4)

في "ح": "أن تخفض صوتها".

(5)

في "ذ": "بغير".

(6)

تقدم تخريجه (11/ 160) تعليق رقم (6).

(7)

في "ح": "كخلوة".

(8)

انظر: أحكام النساء لابن الجوزي ص / 178.

ص: 168

الدين

(1)

؛ لخوف الفتنة.

(وقال الشيخ

(2)

: الخلوة بأمرد حَسنٍ ومضاجعتُه كامرأة) أي: فتحرم؛ لخوف الفتنة (ولو لمصلحة تعليم وتأديب، والمُقِرُّ مُوَلّاه) بضم الميم، وفتح الواو، وتشديد اللام (عند من يعاشره

(3)

كذلك) أي: مع الخلوة أو المضاجعة (ملعون دَيُّوث، ومَنْ عُرف بمحبتهم ومعاشرةٍ بينهم؛ مُنع من تعليمهم) سدًّا للباب (وقال أحمد لرجل معه غلام جميل -هو ابن أخته-: الذي أرى لك ألّا يمشي معك في طريق

(4)

).

وقال ابن الجوزي

(5)

: كان السلف يقولون في الأمرد: هو أشدُّ فتنة من العذارى، فإطلاق البصر من أعظم الفتن.

وروى الحاكم في "تاريخه"

(6)

، عن ابن عيينة، حدثني عبد الله بن المبارك -وكان عاقلًا- عن أشياخ أهل الشام، قال: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أوَّلًا؛ لم يَنْجُ منها آخرًا؛ وإن كان جاهدًا

(7)

.

قال ابن عقيل: الأمرد يَنْفُق

(8)

على الرجال والنساء، فهو شبكة الشيطان

(9)

في حق النوعين.

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 291.

(2)

المرجع السابق.

(3)

في "ح": "يعاشر".

(4)

أحكام النساء للإمام أحمد ص / 27، رقم (4)، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص / 337.

(5)

ذم الهوى ص / 107 - 108، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص / 336.

(6)

هو تاريخ نيسابور ولم يُطبع. وأخرجه -أيضًا- الخطيب في تاريخه (7/ 190).

(7)

في "ح": "مجاهدًا".

(8)

أي: يروج. القاموس المحيط ص / 1195، مادة (نفق).

(9)

في "ذ": "الشياطين".

ص: 169

(وكره) الإمام (أحمد

(1)

مصافحة النساء، وشدَّد -أيضًا- حتى

(2)

لمَحْرم، وجوَّزه

(3)

لوالد) قال في "الفروع": ويتوجه: ومَحْرم.

(وجوَّز

(4)

أخذ يد عجوز) وفي "الرعاية": (وشوهاء.

ولا بأس للقادم من سفر، بتقبيل ذوات المحارم؛ إذا لم يخف على نفسه) نصَّ عليه في رواية ابن منصور

(5)

، وذكر حديث خالد بن الوليد

(6)

، [و]

(7)

"أنه صلى الله عليه وسلم قَدِمَ من غَزْوٍ فقبّل فاطمة"

(8)

(لكن لا يفعله

(1)

مسائل الكوسج (9/ 4663) رقم 3318.

(2)

في "ح": "وشدد أيضًا لمحرم".

(3)

انظر: الآداب الشرعية (2/ 246).

(4)

انظر: الجامع الصغير لأبي يعلى ص / 397.

(5)

مسائل الكوسج (9/ 4659) رقم 3316.

(6)

أخرج ابن أبي شيبة (4/ 408)، من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن أن خالد بن الوليد استشار أخته في شيء، فأشارت، فقبَّل رأسها.

(7)

زيادة يقتضيها السياق، لأن الحديث ليس من رواية خالد بن الوليد، وإنما جاء عنه الأثر المشار إليه في التعليق السابق.

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 408)، من حديث عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من مغازيه قبَّل فاطمة.

وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 244، 252 - 253، حديث 947، 971، وأبو داود في الأدب، باب 143، حديث 5217، والترمذي في المناقب، باب 61، حديث 3872، والنسائي في الكبرى (5/ 96) حديث 8369، و (5/ 391 - 392) حديث 9236 - 9237، وابن حبان "الإحسان"(15/ 403) حديث 6953، والحاكم (3/ 154، 159، 160، 4/ 274)، والبيهقي (7/ 101)، وفيه: "

وكانت -أي فاطمة- إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبَّلها وأجلسها في مجلسه

".

قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ص: 170

على الفم أبدًا، الجبهة والرأس) ونقل حرب

(1)

في من تضع يدها على بطن رجل لا تحل له، قال: لا ينبغي إلا لضرورةٍ. ونقل المرُّوذي

(2)

: تضع يدها على صدره؟ قال: ضرورة.

(ولكل واحد من الزوجين نَظَرُ جميع بدن الآخر، ولَمْسُه

(3)

، بلا كراهة، حتى الفَرْج) لما روى بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال:"قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نَذَر، قال: احفظ عورتك إلَّا من زوجك، أو ما ملكت يمينُك" رواه الترمذي

(4)

، وقال: حديث حسن؛ ولأن الفرج محل الاستمتاع، فجاز النظر إليه كبقية البدن، والسنة ألّا ينظر كلّ منهما إلى فرج الآخر، قالت عائشة:"ما رأيتُ فَرْجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قط" رواه ابن ماجه

(5)

، وفي لفظ قالت: "ما رأيته من النبي

(1)

الفروع (5/ 158).

(2)

المرجع السابق.

(3)

زاد في متن الإقناع (3/ 301): "وتقبيله".

(4)

في الأدب، باب 22، 39، حديث 2769، 2794، وتقدم تخريجه (1/ 381) تعليق رقم (2).

(5)

في الطهارة، باب 137، حديث 662، وفي النكاح، باب 28، حديث 1922.

وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الشمائل ص / 192، حديث 353، وابن سعد (1/ 383 - 384، 8/ 193)، وابن أبي شيبة (1/ 106)، وإسحاق بن راهويه (2/ 465) حديث 1038، وأحمد (6/ 63، 190)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 414) حديث 1383، والبيهقي (7/ 94)، من طريق موسى بن عبد الله بن يزيد، عن مولاة لعائشة، عن عائشة رضي الله عنها، وعند بعضهم: عن مولى لعائشة. والحديث ضعَّفه ابن حزم في المحلى (10/ 33). وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 337 - 338): هذا إسناد ضعيف لجهالة تابعيه.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 107) حديث 2218، وفي الصغير (1/ 100) حديث 138، وابن عدي في الكامل (2/ 479)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 247)، =

ص: 171

- صلى الله عليه وسلم، ولا رآه منِّي"

(1)

.

(قال القاضي: يجوز تقبيل فَرْج المرأة قبل الجماع، ويُكره) تقبيله (بعده) وذكره عن عطاء

(2)

، ويُكره النظر إليه حال الطمث (وكذا سيِّدٌ مع أمَته المباحة) له؛ لحديث بهز بن حكيم، واحترز بقوله:"المباحة" عن المشترَكة، والمزوَّجة، والوثنية، ونحوها، ممن لا تحل له.

(ولا ينظر) السيد (من) الأمَة (المُشتَرَكة عورَتَها) فظاهره أنه يُباح نظر ما عداها، كالمزوَّجة.

(ويحرم أن تتزين) امرأة (لمَحْرمٍ غيرهما) أي: غير زوجها وسيدها؛ لأنها مظنة الفتنة.

(وله) أي: السيد (النظر من أمَته المزوَّجة، والوثنية، والمجوسية إلى ما فوق السُّرة وتحت الركبة) لما روى عَمرو بن شعيب، عن أبيه: عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا زوَّج أحدكم جاريتهُ عَبْدَهُ، أو أجيرَه، فلا ينظر إلى ما دون السُّرَّة، وفوق الركبة؛ فإنّهُ عورة" رواه أبو

= والخطيب في تاريخه (4/ 225)، بلفظ: ما رأيت عورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.

قال الدارقطني في العلل (5 / الورقة 20 مخطوط): يرويه بركة بن محمد الحلبي وهو متروك.

(1)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ مسندًا، وأورده ابن الجوزي في صيد الخاطر ص / 481، وابن قدامة في المغني (9/ 497)، والمقريزي في إمتاع الأسماع (6/ 119). وذكره ابن حجر في لسان الميزان (2/ 504)، في ترجمة زيد بن الحسن المصري، عن محمد بن كامل بن ميمون الزيات، ثنا زيد بن الحسن، ثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: ما نظرت إلى فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، ولا نظر إلى فرجي قط. وقال: قال الدارقطني: محمد بن كامل، وزيد بن حسن ضعيفان، ولا يصح هذا عن مالك، ولا عن الزهري.

(2)

لم نقف على من رواه مسندًا.

ص: 172

داود

(1)

، ومفهومه إباحة النظر إلى ما عدا ذلك

(2)

.

(قال في "الترغيب"، وغيره: و‌

‌يُكره النظر إلى عورة نفسه بلا حاجة)

قلت: لعل المراد حيث أُبيح كشفها، وإلا؛ حَرُمَ؛ لأنه استدامة للكشف المحرَّم، كما يدل عليه كلامهم في ستر العورة

(3)

.

(ويُكره نوم رجلين، أو امرأتين، أو مراهقين) وفي "الرعاية": مميِّزين (متجرِّدين تحت ثوب واحد، أو) تحت (لحاف واحد) قال في "الآداب"

(4)

: ذكره في "المستوعب" و"الرعاية". وقد "نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن مباشرة الرجلِ الرجلَ في ثوبٍ واحدٍ، والمرأةِ المرأةَ"

(5)

(قال في "المستوعب": ما لم يكن بينهما ثوب) فلا يُكره نومهما تحت ثوب واحد، أو لحاف واحد، وهو مفهوم قوله

(6)

فيما سبق: "متجرِّدين".

(وإن كان أحدهما ذكرًا، غيرَ زوج وسيِّد) والآخرُ أنثى (أو) كان رجل (مع أمرد، حَرُم) نومهما تحت ثوب واحد، أو لحاف واحد؛ لما يأتي في الإخوة.

(وإذا بلغ الإخوةُ: عشرَ سنينَ، ذكورًا كانوا أو إناثًا، أو إناثًا

(1)

في اللباس، باب 37، حديث 4113، 4114، وقد تقدم تخريجه (2/ 127) تعليق رقم (1).

(2)

زاد في "ذ": "بلا حاجة".

(3)

(2/ 125).

(4)

الآداب الشرعية (3/ 506 - 507).

(5)

أخرجه مسلم في الحيض، حديث 338، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد.

(6)

في "ح": "من قوله".

ص: 173

وذكورًا، فرَّق وليُّهم بينهم في المضاجع، فيجعل لكل واحد منهم فراشًا وحده) لقوله صلى الله عليه وسلم:"وفرِّقوا بينهم في المضاجع"

(1)

أي: حيث كانوا ينامون متجرِّدين، كما في "المستوعب" و"الرعاية".

قال في "الآداب الكبرى"

(2)

: "وهذا -والله أعلم- على روايةٍ، واختارها أبو بكر

(3)

، والمنصوص -واختاره أكثر أصحابنا- وجوب التفريق في ابن سبع فأكثر، وأنَّ له عورة يجب حفظها".

‌فصل في الخطبة

(ويحرم التصريح -وهو ما لا يحتمل غير النكاح- بخطبة معتدَّة بائن) قال في "المبدع": بالإجماع

(4)

، وسنده قوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}

(5)

؛ ولأنه لا يؤمن

(6)

أن يحملها الحرص على النكاح على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها، والتعريض بخلافه (إلا لزوج تحل له) كالمختلعة؛ لأنه يباح له نكاحها في عدتها، أشبهت غير المعتدة بالنسبة إليه؛ فإن كانت لا تحل له إلا بعد

(1)

تقدم تخريجه (2/ 18) تعليق رقم (1).

(2)

الآداب الشرعية (3/ 507).

(3)

انظر: أحكام النساء للإمام أحمد ص / 41، رقم 124 - 127.

(4)

مراتب الإجماع ص / 122.

(5)

سورة البقرة، الآية:235.

(6)

في "ح": "لا يأمن".

ص: 174

انقضاء العدة، كالمَزْني بها، والموطوءة بشُبهة، فينبغي أن يكون كالأجنبي، والمستبرأة كأم الولد؛ إذا مات سيدها، أو أعتقها، ينبغي أن تكون في حق الأجنبي كالمتوفَّى عنها؛ قاله في "الاختيارات"

(1)

.

(ويحرم) أيضًا (تعريض، وهو ما يُفهم منه النكاح مع احتمال غيره) أي: غير النكاح (بخطبة) مطلقة (رجعية) لأنها في حكم الزوجات.

(ويجوز) التعريض (في عدة الوفاة، والبائن بطلاق ثلاث، و) البائن (بغير) الطلاق (الثلاث) كالمختلعة، والمطلقة على عوض (و) البائن (بفسخٍ، لِعُنَّة، وعيب) ورضاع، ونحوه؛ لقوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}

(2)

.

(وهي) أي: المرأة (في الجواب) للخاطب (كهو فيما يحل ويحرم) فيجوز للبائن التعريض في الإجابة، ويحرم عليها التصريح، وعلى الرجعية التعريض والتصريح مادامت في العدة؛ لأن الخطبة للعقد، فلا يختلفان في حله وحرمته.

(والتعريض) من الخاطب (نحو أن يقول: إني في مثلِكِ لراغب، و

(3)

لا تفوَّتيني بنفسكِ، و (

(3)

) إذا انقضت عدتُكِ فأعلميني، وما أشبه ذلك مما يدلها على رغبته فيها) نحو: ما أحوجني إلى مثلكِ (وتجيبه) تعريضًا: (ما يُرغَب عنكَ، وإن قُضي شيء كان، ونحوَ ذلك) نحو: إن يكُ من عند الله يُمْضِه.

(فإن صَرَّح) الخاطب (بالخطبة، أو عرَّض) بالخطبة (في موضع

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 292.

(2)

سورة البقرة، الآية:235.

(3)

في "ح": "أو".

ص: 175

يَحْرُمان فيه، ثم تزوَّجها بعد حلها) وانقضاء عدتها (صح نكاحه) لأن أكثر ما في ذلك تقديم حظر على العقد.

(ولا يحل لرجل أن يخطب) امرأة (على خطبة مسلم-) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا يخطب الرجلُ على خِطْبَةِ أخيهِ، حتَّى يَنكحَ أو يترُك" رواه البُخَارِيّ والنَّسائيّ

(1)

؛ ولأن في خطبة الثاني إفسادًا على الأول، وإيقاعًا للعداوة.

و (لا) تحرم خطبته

(2)

على خطبة (كافر) لمفهوم قوله: "على خِطبة أخيهِ"(كما لا) يجب أن (ينصحه، نصًّا

(3)

) لحديث: "الدِّينُ النصيحةُ. قلنا: لِمَنْ يَا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابهِ، ولرسولهِ، ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم

(4)

؛ ولأن النهي خاص بالمسلم، وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله، وليس الذمي كالمسلم، ولا حُرمته كحُرمته.

(- إن أُجيب) الخاطب الأول (تصريحًا أو تعريضًا؛ إن علم) الثاني بخطبة الأول وإجابته؛ لأنه إذا لم يعلم كان معذورًا بالجهل، والأصل عدم الإجابة (فإن فعل) أي: خطب على خطبته بعد إجابته مع علمه، وعقد عليها (صح العقد، كالخطبة) أي: كما لو خطبها (في العدة) لأن المُحرَّم لا يقارن العقد، فلم يؤثر فيه (بخلاف البيع) على بيع المسلم.

(فإن لم يعلم) الثاني (أُجيب) الأول (أم لا) جاز؛ لأنه معذور

(1)

البُخَارِيّ في البيوع، باب 58، حديث 2140، وفي النكاح، باب 45، حديث 5144، والنسائي في النكاح، باب 20، حديث 3241. وأخرجه -أيضًا- مسلم في النكاح، حديث 1413، دون قوله: "حتى ينكح أو يترك".

(2)

في "ذ": "خطبة".

(3)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 455) رقم 1081.

(4)

في الإيمان، حديث 55، عن تميم الداري رضي الله عنه.

ص: 176

بالجهل (أو رد) الأول؛ جاز؛ لما روت فاطمة بنت قيس: "أنها أتت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فذكرت له أن معاوية وأبا جهمٍ خطباها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما معاوية، فصُعلوكٌ لا مال له، وأما أبو جهمٍ، فلا يضع العصا عن عاتقه، انكِحي أسامةَ بن زيد" متفق عليه

(1)

.

(ولو) كان رده (بعد الإجابة) فيجوز للثاني الخطبة؛ لأن الإعراض عن الأول ليس مِنْ قِبَله (أو لم يُرْكَنْ) بالبناء للمفعول (إليه) أي: إلى الأول، وهو بمعنى عدم الإجابة (أو أذن) الأول (له) أي: للثاني في الخطبة؛ جاز؛ لأنه أسقط حقه (أو سَكتَ) الأول (عنه) بأن استأذن الثاني الأولَ، فسكت عنه؛ جاز؛ لأنه في معنى الترك (أو كان) الأول (قد عرَّض لها في العدة) قال في "الاختيارات"

(2)

: ومن خطب تعريضًا في العدة، أو بعدها، فلا يُنْهى غيره عن الخطبة. (أو ترك) الأول (الخطبة؛ جاز) للثاني أن يخطب؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:"حتَّى ينكِحَ أو يَتْركَ" وكذا لو لم يعقد الخاطب حتَّى طالت المدة، وتضرَّرت المرأة بذلك، أو زالت ولاية الولي المجيب بموت، أو جنون، أو كانت الإجابة من المرأة، ثم جُنَّت؛ ذكره ابن نصر الله.

(ولا يُكره للولي) المجبِر الرجوع عن الإجابة لغرض (ولا) يُكره (للمرأة) غير المُجبَرة (الرجوع عن الإجابة لغرض) صحيح؛ لأنه عَقْد عُمْرٍ يدوم الضرر فيه، فكان لها الاحتياط لنفسها، والنظر في حظها، والولي قائم مقامها في ذلك (وبلا غرض) صحيح (يُكره) الرجوع منه، ومنها؛ لما فيه من إخلاف الوعد، والرجوع عن القول، ولم يحرم؛ لأن

(1)

لم نقف عليه في صحيح البُخَارِيّ، وأخرجه مسلم في الطلاق، حديث 1480.

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 293.

ص: 177

الحق بعدُ لم يلزم، كمن ساوم لسلعته، ثم بدا له ألّا يبيعها.

(وأشدّ منه) أي: من تحريم الخطبة على الخطبة (تحريمًا: مَنْ فَرض له ولي الأمر على الصدقات، أو غيرها) كالجوالي

(1)

(ما يستحقه، فيجيء من يُزاحمه) فيه (أو) من (ينزعه عنه) لأنه أشد إيذاء له من خطبته

(2)

عليه.

(والتعويل في الرد والإجابة عليها) أي: المرأة (إن لم تكن مُجبرة) لأنها أحق بنفسها من وليها، ولو أجابت

(3)

الولي ورغبت هي عن النكاح، كان الأمر أمرها (وإلا) بأن كانت مجبَرة (فـ) ـالتعويل في الرد والإجابة (على الولي) لأنه ملك تزويجها بغير اختيارها، فكانت العبرة به، لا بها.

(لكن لو كرهت) المُجبَرة (المجاب، واختارت) كفؤًا (غيره وعينته؛ سقط حكم إجابة وليها؛ لأن اختيارها) إذا تَمَّ لها تسع سنين (يُقدّم على اختياره.

قال الشيخ

(4)

: ولو خطبت المرأة أو وليها الرَّجل ابتداء فأجابها، فينبغي ألّا يحل لرجل آخر خطبتها) لأنه إيذاء له (إلَّا أن أضعف من أن يكون هو الخاطب) لأنه دونه في الإيذاء، ثم ذكر الشيخ مسألة وقع فيها في كلامه سقط كلمة فتركها المصنف.

ثم قال الشيخ: (ونظير الأولى) وهي التي ذكرت لك في المتن (أن

(1)

تقدم التعريف بها (9/ 460) تعليق رقم (2).

(2)

في "ح": "من الخطبة".

(3)

في "ح": "أجاب" وهو الصواب؛ وفي حاشية الشيخ حمود قال: لعله أجاب.

وانظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 79)، ومعونة أولي النهى (4/ 34).

(4)

الاختيارات الفقهية ص / 293.

ص: 178

تخطبه امرأة، أو) يخطبه (وليها بعد أن خطب هو امرأة، فإن هذا إيذاء للمخطوب في الموضعين، كما أن ذلك إيذاء للخاطب، وهذا بمنزلة البيع على بيع أخيه قبل انعقاد العقد) أي: لزومه (وذلك كله ينبغي أن يكون حرامًا. انتهى).

قال في "المبدع": وظاهر كلامهم يقتضي جواز خطبة المرأة على خطبة أختها، وصرَّح في "الاختيارات"

(1)

بالمنع. ولعل العلة تساعده.

(والسعي من الأب للأيِّم في التزويج واختيار الأكفاء غير مكروه) بل هو مستحب (لفعل عمر رضي الله عنه حيث عرض حفصة على عثمان رضي الله عنهم

(2)

؛ قاله ابن الجوزي

(3)

.

(ولو أذنت) امرأة (لوليها أن يزوِّجها من رجل بعينه، فهل يحرم على أخيه المسلم خطبتها؟ أم لا) يحرم؛ فيه (احتمالان) أحدهما: يحرم؛ كما لو خطبت فأجابت، قال التقي الفتوحي: الأظهر التحريم،

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 293.

(2)

أخرجه البُخَارِيّ في المغازي، باب 12، حديث 4005، وفي النكاح، باب 33، 36، 46، حديث 5122، 5129، 5145، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخَطَّاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حُذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرًا توفي بالمدينة قال عمر: فلقيتُ عثمان بن عفان فعرضتُ عليه حفصة فقلت: إن شئتَ أنكحتُك حفصة بنت عمر؟ قال: سأنظر في أمري. فلبث ليالي فقال: قد بدا لي أن لا أتزوَّج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أَبا بكر فقلت: إن شئتَ أنكحتُكَ حفصة بنت عمر؟ فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئًا، فكنت عليه أوجد منِّي على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدتَ عليَّ حين عرضتَ عليَّ حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم. قال: فإنَّه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلَّا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو ترَكها لقبلتُها.

(3)

انظر: صفة الصفوة (2/ 38).

ص: 179

والثاني: لا يحرم؛ لأنه لم يخطبها أحد، وهما للقاضي أبي يعلى، قال الشيخ تقي الدين

(1)

: وهذا دليل من القاضي أن سكوت المرأة عند الخطبة ليس بخطبة بحال.

(و‌

‌يُستحبُّ عقد النكاح يوم الجمعة، مساء)

لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "أمْسُوا بالإملاك

(2)

، فإنهُ أعظم للبركةِ" رواه أبو حفص

(3)

؛ ولأنه أقرب لمقصوده؛ ولأنه يوم شريف، ويوم عِيد، والبركة في النكاح مطلوبة، فاستُحب له أشرف الأيام طلبًا للبَرَكة، والإمساء به؛ لأن في آخر النهار من يوم الجمعة ساعة الإجابة.

ويُستحبُّ أن يكون العقد (بعد خُطبة) عبد الله (ابن مسعود

(4)

) رضي الله عنه (يخطبها العاقد، أو غيره) من الحاضرين (قبل الإيجاب والقَبول) وقال الشيخ عبد القادر: إن أخَّر الخطبة عن العقد جاز، قال في "الإنصاف": ينبغي أن تقال مع النسيان بعد العقد.

(وكان) الإمام (أَحْمد

(5)

إذا حضر عقد نكاح، ولم يُخطب فيه بها، قام وتركهم) وهذا منه على طريق المبالغة في استحبابها (وليست واجبة) لأن "رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: زَوِّجِنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زوَّجتُكها بما معك من القرآن" متفق عليه

(6)

، ولم يذكر خطبة.

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 293.

(2)

في "ذ": "الملاك".

(3)

هو العكبري، وسبق التعريف به (5/ 383) تعليق رقم (2)، ولم يطبع شيء من كتبه، وأخرجه -أيضًا- الثعلبي في تفسيره (7/ 94) وفي إسناده من لم نقف له على ترجمة.

(4)

يأتي ذكرها قريبًا.

(5)

المغني (9/ 466).

(6)

تقدم تخريجه (11/ 140) تعليق رقم (1).

ص: 180

وروى أبو داود بإسناده، عن رجل من بني سليم، قال:"خطبتُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُمامة بنت عبد المطَّلب، فأنكحني من غير أن يتشهَّد"

(1)

؛ ولأنه عقد معاوضة، فلم تجب فيه خطبة، كالبيع.

(وهي) أي: خطبة ابن مسعود، قال: "علَّمَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهدَ في الصلاة، والتشهدَ في الحاجة:(إنَّ الحمد لله) بكسر الهمزة على الاستئناف، وفتحها على أنها متعلقة بقوله (نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل

(2)

فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، ويقرأ ثلاث آيات) ففسَّرها سفيان الثوري:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

(3)

{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا}

(4)

{اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}

(5)

الآية) رواه التِّرْمِذِيّ

(6)

وصححه.

(1)

أبو داود في النكاح، باب 33، حديث 2120، وأخرجه -أَيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (1/ 343 - 344)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 108) حديث 1428، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3106)، والبيهقي (7/ 147)، من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن رجل من بني سليم، به. وأخرجه البخاري -أَيضًا- في التاريخ الكبير (1/ 344)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 340 - 341)، والبيهقي (7/ 147)، من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن أَبيه، عن جده، وعند البخاري: أُمامة بنت ربيعة بن الحارث.

قال البُخَارِيّ: إسناده مجهول. انظر: إرواء الغليل (6/ 223).

(2)

في "ذ": "ومن يضلل الله".

(3)

سورة آل عمران، الآية:102.

(4)

سورة النساء، الآية:1.

(5)

سورة الأحزاب، الآية:75. وفي متن الإقناع (3/ 304) ذكر الآيات بتمامها.

(6)

في النكاح، باب 17، حديث 1105، وأخرجه -أَيضًا- أبو داود في النكاح، باب =

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 33، حديث 2118، والنسائي في الجمعة، باب 24، حديث 1403، وفي الكبرى (1/ 529) حديث 1709، و (3/ 321) حديث 5528، و (6/ 126) حديث 10325 - 10327، وفي عمل اليوم والليلة ص / 344 - 345، حديث 491 - 493، والطيالسي ص / 45، حديث 338، وأَحمد (1/ 392 - 393، 432)، والدارمي في النكاح، باب 20، حديث 2208، وأبو يعلى (9/ 168) حديث 5257، و (13/ 185) حديث 7221، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 6) حديث 3، والشاشي في مسنده (2/ 326 - 328) حديث 914، 916 - 918، والطبراني في الكبير (10/ 98) حديث 10080، وفي الأوسط (3/ 208) حديث 2435، وفي الدعاء (2/ 1234، 1236) حديث 931، 933، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص / 551، حديث 599، والحاكم (2/ 182 - 183)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 178)، والبيهقي (7/ 146)، من طرق، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا.

قال النسائي وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 152)، والشوكاني في نيل الأوطار (6/ 140): أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا.

وأخرجه -أَيضًا- النسائي في النكاح، باب 39، حديث 3277، وفي الكبرى (3/ 321) حديث 5527، و (6/ 126) حديث 10322، 10323، وفي عمل اليوم والليلة ص / 344 - 345، حديث 488، 489، وابن ماجه في النكاح، باب 19، حديث 1892، وابن أبي شيبة (4/ 318)، وأحمد (1/ 393)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 114) حديث 255، 256، وابن الجارود (3/ 20) حديث 679، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 6) حديث 1، 2، والشاشي في مسنده (2/ 37، 327 - 328) حديث 509، 915، 918، والطبراني في الكبير (10/ 98) حديث 10079، وفي الدعاء (2/ 1235) حديث 932، والبيهقي (3/ 214)، من طرق، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود مرفوعًا.

وأخرجه أبو داود في النكاح، باب 33، حديث 2118، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة، عن ابن مسعود مرفوعًا. سكت عنه الحاكم. وقال التِّرْمِذِيّ: حديث عبد الله حديث حسن، رواه الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ورواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي =

ص: 182

واقتصر في "المقنع" و"المنتهى" على خطبة ابن مسعود، قال في "الإنصاف": وهو المذهب، وعليه الأصحاب، زاد في "عيون المسائل": (وبعد، فإن الله أمر بالنكاح، ونهى عن السفاح، فقال مخبرًا وآمرًا:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}

(1)

الآية) قال الشيخ عبد القادر: ويستحب أن يزيد هذه الآية -أَيضًا-.

(ويجزئ عن ذلك أن يتشهَّد، ويصلِّي على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) لما روي عن ابن عمر أنَّه كان إذا دعي ليزوج "قال: الحمدُ لله، وصلى الله على سيدنا

(2)

محمَّد، إن فلانًا يَخطُبُ إليكم فلانة، فإنْ أنكحتموه فالحمدُ لله، وإن رددْتُموه فسبحانَ الله"

(3)

.

(والمستحب خُطبة واحدة) لما تقدم (لَا) خُطبتان (اثنتان، إحداهما) من العاقد، والأخرى (من الزوج، قبل قَبوله) لأن المنقول عنه صلى الله عليه وسلم، وعن السلف خطبة واحدة، وهو أولى ما اتبع.

(ويُستحبُّ ضرب الدُّفِّ) الذي لا حِلَق فيه ولا صُنوج (والصوت

= عبيدة، عن عبد الله، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وكلا الحديثين صحيح؛ لأن إسرائيل جمعهما، فقال: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه أبو داود في الصلاة، باب 229، حديث 1097، وفي النكاح، باب 33، حديث 2119، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 114) حديث 258، والشاشي في مسنده (2/ 37، 234) حديث 508، 509، 805 - 807، والطبراني في الكبير (10/ 211) حديث 10499، وفي الدعاء (2/ 1237) حديث 934، والبيهقي (3/ 215، 7/ 146)، والمزي في تهذيب الكمال (16/ 489)، عن أبي عياض عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا، بنحوه.

(1)

سورة النور، الآية:32.

(2)

"سيدنا" ليست في السنن الكبرى للبيهقي.

(3)

أخرجه البيهقي (7/ 181).

ص: 183

في الإملاك) بكسر الهمزة، أي: التزويج (حتى يشتهر ويُعرف، نصًّا

(1)

، قيل لأحمد: ما الصوت؟ قال: يُتَكلَّم ويُتحدَّث ويُظْهر.

ويُسن إظهار النكاح) لقوله صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ ما بين الحلالِ والحرامِ، الصوتُ والدُّفُّ في النكاحِ" رواه النَّسائيّ

(2)

(ويأتي آخرَ الوليمة).

(و) يُسن (أن يُقال للمتزوِّج: بارك الله لك، وعليك، وجمع بينكما في خير وعافية) لما روى أبو هريرة: "أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كان إذا رَفَّأ إنسانًا إذا تزوَّجَ قال: بارك الله لكَ، وبارك عليك، وجمع بينكما في خيرٍ" رواه

(1)

مسائل عبد الله (3/ 1010) رقم 1378، ومسائل ابن هانئ (1/ 197) رقم 978، ومسائل حرب ص / 107، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص / 75، 76.

(2)

في النكاح، باب 72، حديث 3369، 3370، وفي الكبرى (3/ 331، 332) حديث 5562، 5564. ورواه -أَيضًا- التِّرْمِذِيّ في النكاح، باب 6، حديث 1088، وابن ماجه في النكاح، باب 20، حديث 1896، وسعيد بن منصور (1/ 160) حديث 629، وأَحمد (3/ 418، 4/ 259)، وبحشل في تاريخ واسط ص / 47، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 16)، والطبراني في الكبير (19/ 242) حديث 542، والحاكم (2/ 184)، والبيهقي (7/ 289)، والبغوي في شرح السنة (9/ 47) حديث 2266، من طرق عن أبي بَلْج، عن محمَّد بن حاطب، مرفوعًا.

وأخرجه -أَيضًا- ابن أبي شيبة (4/ 192 - 193)، عن شعبة، عن أبي بلج، عن مُحَمَّد بن حاطب موقوفًا.

قال التِّرْمِذِيّ: حديث محمَّد بن حاطب حديث حسن. وأبو بلج اسمه يحيى بن أبي سُليم، ويقال: ابن سليم -أيضًا-. ومحمَّد بن حاطب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (6/ 494): وهو من جملة الأحاديث التي ألزم الدارقطني مسلمًا إخراجه، وقال: هو صحيح.

ص: 184

الخمسة إلَّا النسائي

(1)

، وصححه التِّرْمِذِيّ، وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف:"بارك الله لكَ، أوْلمْ ولو بشاة"

(2)

.

(و) يُسن (أن يقول) الزوج (إذا زفت إليه) المرأة: (اللهمَّ إني أسألُكَ خيرَها، وخير ما جَبَلْتَها عليه، وأعُوذ بكَ منْ شرِّها، وشرِّ ما جَبَلْتَها عليه) لما روى عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جده، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إذا تزوَّج أحدُكُمُ امرأةً، أو اشترى خادمًا، فليقل: اللهمَّ إنِّي أسألكَ خيرها وخيرَ ما جَبَلْتها عليه، وأعوذُ بك من شرِّها، وشرِّ ما جبلْتَها عليه، وإذا اشْتَرى بعيرًا أَخَذَ بذروة سنامه، ولْيقُل مثلَ ذلك" وراه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه

(3)

.

(1)

أبو داود في النكاح، باب 37، حديث 2130، والتِّرمذيّ في النكاح، باب 7، حديث 1091، وابن ماجه في النكاح، باب 23، حديث 1905، وأَحمد (2/ 381). وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (6/ 37) حديث 10089، وسعيد بن منصور (1/ 131) حديث 522، والدارمي في النكاح، باب 6، حديث 2147، وأبو يعلى في معجمه ص / 59، حديث 325، وابن حبان "الإحسان"(9/ 359) حديث 4052، والطبراني في الدعاء (2/ 1239) حديث 938، وابن السني في عمل اليوم واليلة ص / 557، حديث 604، والخطابي في غريب الحديث (1/ 295)، والحاكم (2/ 183)، والبيهقي (7/ 148)، من طريق عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(2)

أخرجه البخاريّ في النكاح، باب 56، حديث 5155، وفي الدعوات، باب 53، حديث 6386، ومسلم في النكاح، حديث 1427 (79) عن أنس رضي الله عنه.

وفي الباب عن جابر رضي الله عنه عند البُخَارِيّ في الدعوات، باب 53، حديث 6387.

(3)

أبو داود في النكاح، باب 46، حديث 2160، والنسائي في الكبرى (6/ 74) حديث =

ص: 185

وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد: "أَنَّهُ تزوَّجَ، فحضرَه عبد الله بن مسعود، وأبو ذر، وحذيفة، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: إذا دخلت على أهلك فصلِّ ركعتين، ثم خذ برأس أهلك، ثم قلْ: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لأهلي فيَّ، وارزقني منهم، ثم شأنك وشأنَ أهلك" رواه صالح بن أحمد في "مسائله"، عن أبيه بإسناده

(1)

.

فصل في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

واحتيج إلى بيانها؛ لئلا يرى جاهلٌ بعضَ الخصائص في الخبر الصحيح، فيعملَ بها أخذًا بأصل التأسي، فوجب بيانها لتُعرف، وأي فائدة أعم

(2)

من هذه! وأما ما يقع في ضمن الخصائص، مما لا فائدة فيه

= 10093، وابن ماجه في النكاح، باب 27، حديث 1918، وفي التجارات، باب 47، حديث 2252. وأخرجه -أيضًا- البخاري في خلق أفعال العباد ص / 40، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص / 553، حديث 600، والحاكم (2/ 185 - 186)، والبيهقي (7/ 148)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 301 - 302).

وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي. وجوَّد إسناده العراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/ 336).

(1)

مسائل صالح (2/ 303) رقم 923، 924.

وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 191) رقم 10462، وابن أبي شيبة (4/ 311 - 312، 10/ 394) عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، بنحوه.

وأخرج عبد الرزاق (6/ 191) رقم 10460، 10461، وابن أبي شيبة (4/ 312) عن أبي وائل، والطبراني في الكبير (9/ 204) رقم 8993، 8994، عن أبي وائل وأبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود رضي الله عنه بنحوه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 292): رجاله رجال الصحيح.

(2)

كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ":"أهم" ولعله الصواب.

ص: 186

اليوم، فقليل، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله؛ للتدرب ومعرفة الأدلة.

‌(خُصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات

؛ قاله) الإمام (أحمد

(1)

) وقد بدأ منها بالواجبات فقال:

(فالواجباب:

الوتر) لخبر: "ثلاثٌ هنَّ عليَّ فرائضُ، ولكم تطوُّعٌ: النحرُ، والوتْرُ، وركعتا الضحى" رواه البيهقي

(2)

، وضعَّفه. ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل الضحى، لا أكثره، وقياسه في الوتر كذلك، قيل: والأولى أن يحمل على ثلاث ركعات؛ لأنه نهى عن الاقتصار على ركعة

(3)

(وهل

(4)

هو) أي: الوتر (قيام الليل أو غيره؟ احتمالان، الأظهر الثاني) أي: أن الوتر غير قيام الليل؛ لحديثٍ ساقه ابن عقيل: "الوتر، والتهجد، وركعتا الفجر"

(5)

قال الشيخ تقي الدين

(6)

: فرَّق أصحابنا هنا بين الوتر، وقيام الليل. انتهى. وأكثر الواصفين لتهجده صلى الله عليه وسلم اقتصروا على إحدى عشرة ركعة، وذلك هو الوتر، وتقدم في صلاة

(1)

انظر: الفروع (5/ 166).

(2)

في الكبرى (9/ 264)، وتقدم تخريجه (3/ 18) تعليق رقم (1).

(3)

أخرج ابن عبد البر في "التمهيد"(13/ 254) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء؛ أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها.

ضعفه ابن حزم في المحلى (3/ 48). وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 50): في إسناده عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، والغالب على حديثه الوهم. وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 154): والحديث من شاذ الحديث الَّذي لا يعرَّج على رواته ما لم تعرف عدالتهم، وعثمان واحد من جماعة فيه.

(4)

في "ح": "وهو".

(5)

لم نقف عليه، وانظر: إمتاع الأسماع (13/ 10، 26).

(6)

انظر: الفروع (5/ 162).

ص: 187

التطوع

(1)

أن التهجد بعد نوم، وعليه: فإن نام، ثم أوتر؛ فتهجدٌ ووتر، وإن أوتر قبل أن ينام، فوتر لا تهجّد.

(والسواك لكلِّ صلاة) لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به لكل صلاة؛ رواه أبو داود، وصحَّحه ابن خزيمة وغيره

(2)

.

(والأضحية) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها، ولو عَبَّر بالتضحية لكان أولى؛ لأن الأضحية اسم للشاة ونحوها مما يُضحَّى به.

(وركعتا الفجر) لحديث ابن عباس: "ثلاثٌ كُتبت عليَّ، وهنَّ لكم تطوُّعٌ: الوترُ، والنحرُ، وركعتا الفجر" رواه الدارقطني

(3)

(وفي "الرعاية": والضُّحى) للخبر السابق، ورُدِّ بضعف الخبر، وبحديث عائشة:"أنهُ لم يُداوم على صلاة الضحى"

(4)

(وغلَّطَه الشيخ) قال

(5)

: ولم يكن يواظب على الضحي، باتفاق العلماء بسنته.

(وقيامُ الليل، لم يُنسخ) وجوبه على الصحيح من المذهب؛ ذكره أبو بكر وغيره، قال القاضي: وهو ظاهر كلام أحمد

(6)

، وقدَّمه في

(1)

(3/ 83).

(2)

أبو داود في الطهارة، باب 25، حديث 48، وابن خزيمة (1/ 72) حديث 138، وتقدم تخريجه (1/ 147) تعليق رقم (1).

(3)

في سننه (2/ 21)، وقد تقدم تخريجه (3/ 18) تعليق رقم (1).

(4)

لم نقف على من أخرجه بهذا اللفظ وقد تقدم في صلاة الضحى (3/ 104) تعليق رقم (3)، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط". قال البيهقي في السنن الكبرى (3/ 49): وعندي -والله أعلم- أن المراد به ما رأيته داوم على سبحة الضحى.

(5)

مجموع الفتاوى (22/ 283).

(6)

المغني (2/ 555)، والإنصاف ومعه المقنع والشرح الكبير (20/ 89).

ص: 188

"الرعاية الكبرى"، و"الفروع"، وقيل: نُسِخ؛ جزم به في "الفصول"، و"المستوعب"؛ قاله في "الإنصاف".

(وأن يُخيِّر) صلى الله عليه وسلم (نساءه) رضي الله عنهن (بين فراقه) طلبًا للدنيا (والإقامة معه) طلبًا للآخرة، أي: وجب عليه ذلك؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}

(1)

الآيتين؛ ولئلا يكون مُكرهًا لهنّ على الصبر على ما آثره لنفسه من الفقر، وهذا لا يُنافي أنَّه تعوَّذ من الفقر؛ لأنه في الحقيقة إنما تعوَّذ من فتنته، كما تعوَّذ من فتنة الغنى، أو تعوَّذ من فقر القلب، بدليل قوله:"ليس الغِني بكثرة العَرَض، وإنما الغِني غَني النفس"

(2)

، وخَيَّرهُنِّ

(3)

، وبدأ منهن بعائشة

(4)

، فاخترن المقام.

(وإنكار المنكَر إذا رآه على كل حال) فلا يسقط عنه بالخوف؛ لأن الله وعده بالعصمة، بخلاف غيره، ولا؛ إذا كان المرتكِبُ يزيده الإنكارُ إغراءً؛ لثلا يَتَوهَّمَ إباحته، بخلاف سائر الأمة؛ ذكره السمعاني في "القواطع"

(5)

.

(والمشاورة في الأمر مع أهله وأصحابه) ذوي الأحلام؛ لقوله

(1)

سورة الأحزاب، الآية:28.

(2)

أخرجه البخاري في الرقاق، باب 15، حديث 6446، ومسلم في الزكاة، حديث 1051، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغني غني النفس.

(3)

أخرج البخاري في الطلاق، باب 5، حديث 5262، 5263، ومسلم في الطلاق، حديث 1447، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئًا.

(4)

أخرجه مسلم في الطلاق، حديث 1478، عن جابر رضي الله عنه في حديث طويل.

(5)

قواطع الأدلة (2/ 198).

ص: 189

تعالى: {وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

(1)

، والحكمة أن يستنَّ بها الحُكَّام بعده، فقد كان صلى الله عليه وسلم غنيًّا عنها بالوحي.

(ومصابرة العدو الكثير) الزائد على الضِّعف (للوعد بالنصر) أي: لأنه موعود بالعصمة والنصر، بل روي الدَّمِيريُّ و غيره عن ابن عباس أنَّه: لم يُقتل نبي أُمِر بالقتال

(2)

.

ثم أشار إلى المحظورات بقوله:

(ومنع) صلى الله عليه وسلم (من):

الرمز بالعين، والإشارة بها) لحديث:"ما كان لنبي أن تكون له خائنةُ الأعين" رواه أبو داود، وصححه الحاكم علي شرط مسلم

(3)

، وهي: الإيماء إلى مباح من نحو ضرب وقتل، على خلاف ما هو الظاهر، وسُمي خائنة الأعين؛ لشبهه بالخيانة بإخفائه، ولا يحرم ذلك على غيره، إلا في محظور.

(و) من (نزعِ لأمةِ الحرب) أي: سلاحه، كدرعه (إذا لَبِسها، حتَّى يلقى العدو) ويقاتله إن احتيج إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة أُحُد، لما أشير عليه بترك الحرب، بعد أن لبس لأمَتَهُ:"ما كان لنبي أن يلبس لَأمَةَ الحرب، ثم ينزعها، حتَّى ينجز الله بينه وبين عدوِّهِ"

(4)

وقضيته أن ذلك من خصائص الأنبياء.

(1)

سورة آل عمران، الآية:159.

(2)

ذكره ابن عطية: في المحرر الوجيز (1/ 156) والقرطبي في تفسيره (1/ 368)، بلفظ:"لم يقتل نبي قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال، وكل من أمر بقتال نصره الله".

(3)

تقدم تخريجه (7/ 18) تعليق رقم (2).

(4)

تقدم تخريجه (7/ 17) تعليق رقم (3).

ص: 190

(و) من (إمساك مَن كرهتْ نكاحه) كما هو قضية

(1)

تخييره نساءه

(2)

، واحتج له بخبر العائذة بقولها:"أعُودُ بالله منك" وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد استعذتِ بمَعَاذ، الحقي بأهلك" رواه البخاري

(3)

.

(ومن الشعر، والخطِّ، وتعلمهما) قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}

(4)

وقال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}

(5)

الآية.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"

(6)

، ونحوه، فليس بشعر؛ لأنه كلام موزون بلا قصد زِنته، واتفق أهل العروض والأدب على أنَّه لا يكون شعرًا إلا بالقصد، واختلفوا في الرجز، أشعر هو أم لا؟ وكان يميز بين جيد الشعر ورديئه.

(ومن نكاح الكتابية) لأنها تكره صحبته؛ ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة، وفي الخبر:"سألتُ ربي أَلَّا أُزوَّج إلا من كان معي في الجنّة، فأعطاني" رواه الحاكم

(7)

، وصحح إسناده (كالأمَة) أي: كما

(1)

في "ح": "قضيته".

(2)

تقدم تخريجه (11/ 189) تعليق رقم (3).

(3)

في الطلاق، باب 3، حديث 5254 - 5257، عن عائشة وعن سهل وأبي أسيد رضي الله عنهم، وفي الأشربة، باب 30، حديث 5637، عن سهل بن سعد رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- مسلم في الأشرية، حديث 2007، عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

(4)

سورة يس، الآية:69.

(5)

سورة العنكبوت، الآية:48.

(6)

أخرجه البخاري في الجهاد، باب 52، 61، 97، 167، حديث 2864، 2874، 2930، 3042، وفي المغازي، باب 54، حديث 4315 - 4317، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1776، عن البراء رضي الله عنه.

(7)

(3/ 137)، ولفظه: سألت ربي عز وجل ألا أُزوح أحدًا من أمتي، ولا أتزوج إلا كان =

ص: 191

منع من نكاح الأمة، ولو مسلمة؛ لأن نكاحها معتبر بخوف العَنت، وهو معصوم، وبفقدان مهر الحرة، ونِكاحُه غنيٌّ عن المهر، ابتداء وانتهاء، وخرج بالنكاح التسري.

(ومِن) أخذ (الصدقة) لنفسه (ولو تطوعًا، أو) كانت (غير مأكولة) وكذا الكفارة؛ لخبر مسلم: "إنَّ هذه الصدقاتِ إنما هِيَ أوساخُ الناس، وإنها لا تحلُّ لمحمدٍ، ولا لآل محمدٍ"

(1)

وصيانة لمنصبه الشريف؛ لأنها تنبيء عن ذل الآخذ، وعزِّ المأخوذ منه، وأُبدل بها الفيء الَّذي يؤخذ على سبيل القهر والغَلَبة، المنبيء عن عزِّ الآخذ، وذلّ المأخوذ منه.

= معي في الجنّة، فأعطاني. وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الأوسط (6/ 50) حديث 5762، من طريق عمار بن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 17): فيه عمار بن سيف، وقد ضعفه جماعة، ووثقه ابن معين، وبقية رجاله ثقات.

وله شاهد عن عبد الله بن عمر أو عمرو رضي الله عنهما: أخرجه الحارث بن أبي أسامة -كما في "بغية الباحث" ص / 301، حديث 1011 - ، والطبراني في الأوسط (4/ 502) حديث 3856، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 17): فيه يزيد بن الكميت، وهو ضعيف. وقال ابن حجر في الفتح (7/ 85): سنده واهٍ.

وعن أبي عبد الله بن مرزوق -أو ابن رزق-: أخرجه الحارث بن أبي أسامة -كما في "بغية الباحث" ص / 302، حديث 1012 - . وفي سنده جرول بن جيفل، قال ابن المديني: روي مناكير. (لسان الميزان 2/ 101)، وأبو عبد الله راوي الحديث لا يُدري من هو.

(1)

في الزكاة، حديث 1072 (168)، عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه.

ص: 192

(و) من (الزكاة على قرابتَيه، وهما: بنو هاشم، وبنو المطلب) علي قول في بني المطلب، وكذا مواليهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لا تحلُّ لنا، وإن مولى القوم من أنفسهم) رواه الترمذي

(1)

، وقال

(2)

: حسن صحيح، ولكون تحريمها على هؤلاء بسبب انتسابهم إليه، عُدَّ من خصائصه، أما صدقة النفل فلا تحرم عليه.

(وقال القاضي - في قوله تعالى): {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} ) إلى قوله: {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ}

(3)

: (الآية تدل على أن من لم تهاجر معه لم تحل له) قال في "الفروع": ويتوجَّه احتمال أنَّه شرط في قراباته في الآية، لا الأجنبيات، فالأقوال ثلاثة، وذكر بعض العلماء نَسْخَهُ، ولم يبيِّنه.

(وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يصلِّي أولًا) أي: في أول الإسلام (على من مات وعليه دين لا وفاء له، كأنه ممنوع منه إلا مع ضامن، ويأذن) صلى الله عليه وسلم (لأصحابه) رضي الله عنهم (في الصلاة عليه

(4)

، ثم نُسخ المنع؛ فكان آخرًا يصلي عليه ولا ضامن، ويوفي دَينه من عنده) لخبر الصحيحين:"أنا أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فمَنْ تُوفِّي منهم فترك دَينًا فَعَلَيَّ قضاؤه"

(5)

.

(1)

في الزكاة، باب 25، حديث 657، وتقدم تخريجه (5/ 169) تعليق رقم (3).

(2)

في "ذ" زيادة: "هذا".

(3)

سورة الأحزاب، الآية:50.

(4)

أخرج البخاري في الحوالات، باب 3، حديث 2289، وفي الكفالة، باب 3، حديث 2295، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال:"هل عليه دين؟ " قالوا: لا، فصلي عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقال:"هل عليه دين؟ " قالوا: نعم، قال:"صلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة: عليَّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه.

(5)

البخاري في الكفالة، باب 5، حديث 2298، وفي النفقات، باب 15، حديث =

ص: 193

قال في "الفروع": (وظاهر كلامهم: لا يُمْنَعُ من الإرث. وفي "عيون المسائل": لا يرث ولا يَعْقِل بالإجماع) واقتصر على ذلك في "الإنصاف".

ثم شرع في المباحات بقوله:

(وأُبيح له) صلى الله عليه وسلم (أن يتزوَّج بأيِّ عدد شاء) لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ}

(1)

الآية؛ ولأنه مأمون الجَور، ومات عن تسع، كما هو مشهور

(2)

.

(وفي "الرعاية": كان له) صلى الله عليه وسلم (أن يتزوَّج بأي عدد شاء، إلى أن نزل قوله تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}

(3)

. انتهى. ثم نسخ؛ لتكون المنَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بترك التزوّج عليهنَّ، فقال:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّلاتِي أَتَيتَ أُجُورَهُنَّ}

(4)

الآية) وقيل: نُسِخَ بقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْويِ إِلَيكَ مَنْ

= 5371، وفي الفرائض، باب 4، حديث 6731، ومسلم في الفرائض، حديث 1619، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

سورة الأحزاب، الآية:51.

(2)

أخرجه الشافعي في الأم (5/ 110، 189)، وفي مسنده ص / 260، عن مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض عن تسع نسوة.

وأخرجه عبد الرزاق (7/ 490) حديث 14000، والطبراني في الكبير (22/ 448) حديث 1090، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع عنده تسع نسوة مع صفية بعد خديجة، مات عنهن كلهن.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 254): رواه الطبراني مرسلًا.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 137): هو أمر مشهور لا يحتاج إلى تكلف تخريج الأحاديث فيه.

(3)

سورة الأحزاب، الآية:52.

(4)

سورة الأحزاب، الآية:50.

ص: 194

تشاءٌ}

(1)

الآية.

(وله) صلى الله عليه وسلم (التزوج بلا ولي ولا شهود) لأن اعتبار الشهود لأمن الجحود، وهو مأمون منه، والمرأة لو جحدت لا يلتفت إليها، واعتبار الولي للمحافظة على الكفاءة، وهو فوق الأكفاء.

(و) له التزوج أيضًا (بلا مهر) وهو بمعنى الهبة، فلا يجب مهر ابتداء ولا انتهاء؛ لقوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}

(2)

الآية.

(و) له التزوج (بلفظ الهبة) للآية السابقة.

(وتحل له) صلى الله عليه وسلم المرأة (بتزويج الله) تعالى من غير تلفظ بعقد (كزينب) قال الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}

(3)

.

(وإذا تزوج) صلى الله عليه وسلم (بلفظ الهبة لا يجب مهر بالعقد ولا بالدخول) لظاهر الآية.

(و) كان (له أن يتزوج في زمن الإحرام) لخبر الصحيحين عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نَكَحَ ميمونةَ وهو مُحرمٌ"

(4)

، لكن أكثر الروايات أنَّه كان حلالًا، كما رواه ابن عباس

(5)

أيضًا، وفي مسلم وغيره:"قالت: تزوَّجني النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حلالانِ بِسرفٍ"

(6)

. وقال أبو رافع: "تزوَّجها وهو حلالٌ، وكنتُ السَّفير بينهما" رواه الترمذي

(1)

سورة الأحزاب، الآية:51.

(2)

سورة الأحزاب، الآية:50.

(3)

سورة الأحزاب، الآية:37.

(4)

تقدم تخريجه (6/ 160) تعليق رقم (4).

(5)

تقدم تخريجه (6/ 162) تعليق رقم (3).

(6)

تقدم تخريجه (6/ 161) تعليق رقم (3).

ص: 195

وحسنه

(1)

. وقد رد بهذا رواية ابن عباس الأولى.

(و) له (أن يُردِفَ الأجنبية خلفه؛ لقصة أسماء

(2)

) وروى أبو داود عن امرأة من غِفَار: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبته"

(3)

ويختلي بها؛ لقصة أم حرام

(4)

.

قال في "الآداب"

(5)

: وهل له أن يردفها معه على الدابة مع عدم سوء الظن؟ يتوجه خلاف بناءً على أن إردافه صلى الله عليه وسلم لأسماء يختص به، واختار النووي

(6)

الجواز، والقاضي عياض

(7)

المنع.

(و) له (أن يزوِّجها) أي: الأجنبية (لمن شاء، بلا إذنها وإذن وليها

(8)

، و) أن (يتولَّى طرفي العقد) لقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ

(1)

الترمذي في الحج، باب 23، حديث 841، وقد تقدم تخريجه (6/ 161) تعليق رقم (4).

(2)

أخرجها البخاري في النكاح، باب 107، حديث 5224، ومسلم في السلام، حديث 2182، عن أسماء رضي الله عنها، وفيها: فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال:"إخ إخ" ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال

إلخ.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 432) تعليق رقم (1).

(4)

أخرج البخاري في الجهاد، باب 3، 8، 63، 75، حديث 2788، 2789، 2799، 2800، 2877، 2878، 2894، 2895، وفي الاستئذان، باب 41، حديث 6282، 6283، وفي التعبير، باب 12، حديث 7001، 7002، ومسلم في الإمارة، حديث 1912، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه.

(5)

الآداب الشرعية (2/ 301).

(6)

شرح صحيح مسلم (14/ 166).

(7)

إكمال المعلم (7/ 77).

(8)

في "ح": "والدها".

ص: 196

مِنْ أَنْفُسِهِمْ}

(1)

. (وإن كانت) المرأة (خلية) من موانع النكاح (ورغب

(2)

) صلى الله عليه وسلم (فيها؛ وجبت عليها الإجابة، وحرم على غيره خطبتها) للآية السابقة.

(وأُبيح له) صلى الله عليه وسلم (الوصال في الصوم) لخبر "الصحيحين": "أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال. فقيل: إنكَ تُواصل؟ فقال: إني لست مثلكم؛ إني أُطعَمُ وأُسْقَى"

(3)

أي: أُعطى قوة الطاعم والشارب.

(و) أبيح له (خُمُسُ خُمُسِ الغنيمة وإن لم يحضر) الوَقْعة؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}

(4)

.

(و) أبيح له (الصَّفِيُّ من المغنم، وهو شيءٌ يختاره قبل القِسمة) من الغنيمة (كجارية ونحوها) كسيف ودرع. ومنه صفية أم المؤمنين رضي الله عنها

(5)

.

(وأبيح له) صلى الله عليه وسلم (دخول مكة بلا إحرام) من غير عذر (و) أبيح له (القتال فيها) أي: في مكة (ساعة) من النهار، وكانت من طلوع الشمس إلى العصر، وتقدم موضحًا في الحج

(6)

.

(وله) صلى الله عليه وسلم (أخذ الماء من العطشان) والطعام من المحتاج إليه؛ لأنه

(1)

سورة الأحزاب، الآية:6.

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 308): "أو رغب".

(3)

تقدم تخريجه (5/ 339) تعليق رقم (1).

(4)

سورة الأنفال، الآية:41.

(5)

أخرج البخاري في الصلاة، باب 12، حديث 371، وفي صلاة الخوف، باب 6، حديث 947، ومسلم في النكاح، حديث 1365، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر. . . فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها. يعني صفية بنت حيي رضي الله عنها انظر ما يأتي (11/ 296، 297) تعليق رقم (1، 1).

(6)

(6/ 75).

ص: 197

أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

(و) أبيح له (أن يقتل بغير إحدى الثلاث، نصًّا

(1)

) يعني: بالثلاث المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله؛ وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيبُ الزاني، والنفسُ بالنفسِ، والتارك لدينه المفارقُ للجماعة" متفق عليه

(2)

.

(وجُعِلت تَرِكته صدقة، فلا يورَث) لخبر "الصحيحين": "إنَّا معاشرَ الأنبياء لا تُورَث، ما تَركناهُ صدقةٌ"

(3)

. ومنه يعلم أن هذا لا يختص بنبينا، بل سائر الأنبياء مثلُه، فهو من خصائص الأنبياء - صلى الله عليهم وسلم -.

(وفي "عيون المسائل") ونقله الشيخ تقي الدين

(4)

عن القاضي في "الجامع"، وابن عقيل:(يباح له ملك اليمين، مسلمة كانت) الأمَة (أو مشركة) يعني: كتابية. ولا يستشكل جواز التسري بالكتابية بما عللوا به نكاح الكتابية، من كونها تكره صحبته؛ لأنَّ التسري لا يستلزم الصحبة، فلا يستلزم كراهتها؛ ولأن القصد بالنكاح أصالةً التوالد، فاحتيط له، ويلزم في النكاح أن تكون الزوجة المشركة أم المؤمنين، بخلاف الملك.

ثمَّ ذكر الكرامات بقوله:

(وأُكرم) صلى الله عليه وسلم (بأن جُعِلَ خاتم الأنبياء) قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}

(5)

.

(1)

مسائل أبي داود ص / 227.

(2)

تقدم تخريجه (7/ 66) تعليق رقم (2).

(3)

تقدم تخريجه (10/ 333) تعليق رقم (1).

(4)

انظر: الفروع (5/ 163).

(5)

سورة الأحزاب، الآية:40.

ص: 198

(و) جُعل (خير الخلائق أجمعين) لحديث: "أنا سيدُ ولَدِ آدمَ، ولا فخر"

(1)

أي: ولا فخر أكمل من هذا الفخر الذي أعطيته، أو: لا أقول

(1)

أخرجه مسلم في الفضائل، حديث 2278، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة" دون قوله: "ولا فخر".

وأخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 3، حديث 3340، بلفظ:"أنا سيد القوم يوم القيامة".

وأما بزيادة لفظ: "ولا فخر" فقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو بكر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (1/ 4 - 5)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 349، 381) حديث 751، 812، وفي الأوائل ص / 113، حديث 187، والبزار (1/ 149) حديث 76، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر الصديق ص / 48، 53، حديث 15، 16، وأبو يعلى (1/ 56، 60) حديث 56، 57، والدولابي في الكنى (2/ 155)، وابن خزيمة في التوحيد (2/ 735) حديث 468، وأبو عوانة (1/ 151) حديث 443، وابن حبان "الإحسان"(14/ 393) حديث 6476، والضياء في المختارة (1/ 120، 121) حديث 38، 39، من طريق والان العدوي، عن حذيفة، عن أبي بكر رضي الله عنه في حديث الشفاعة الطويل.

شك ابن خزيمة في صحة هذا الحديث حيث قال: إن صح الحديث. وقال الدارقطني في العلل (1/ 191): ووالان غير مشهور إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت. وحسن إسناده الشيخ الألباني في تعليقه على كتاب السنة لابن أبي عاصم، وفصل القول فيه.

ب - أبو سعيد رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، باب 18، حديث 3148، وفي المناقب، باب 1، حديث 3615، وابن ماجه في الزهد، باب 37، حديث 4308، وأحمد (3/ 2)، من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، في حديث الشفاعة.

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ج - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطيالسي ص / 353، حديث 2711، وأحمد (1/ 281، 295)، وأبو يعلى (4/ 213) حديث 232، والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 481 - 483)، من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن ابن عباس =

ص: 199

ذلك على وجه الافتخار، بل لبيان الواقع، أو للتبليغ، وحديث:"لا تفضلوا بين الأنبياء"

(1)

ونحوه؛ أجيب عنه بأجوبة، منها: أن المراد تفضيل يؤدي إلى التنقيص. ونوع الآدمي أفضل الخلق، فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق.

(وأُمَّته أفضل الأمم) قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}

(2)

(وجُعلت) أمَّته (شهداء على الأمم بتبليغ الرسل إليهم) لقوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}

(3)

.

(وأصحابه خير القرون) لحديث: "خيرُ القرون قرني" متفق عليه

(4)

.

= رضي الله عنهما، في حديث طويل. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 373): رواه أبو يعلى وأحمد، وفيه علي بن زيد، وقد وثق، وبقية رجالهما رجال الصحيح.

د - واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أخرجه ابن حبان "الإحسان"(14/ 135، 392) حديث 6242، 6475.

هـ - أنس رضي الله عنه: أخرجه أحمد (3/ 144)، والدارميُّ في المقدمة، باب 8، حديث 53، وابن خزيمة في التوحيد (2/ 710) حديث 454، وابن منده في الإيمان (2/ 846 - 847) حديث 877، والبيهقيُّ في الدلائل (5/ 479)، وفي شعب الإيمان (2/ 181) حديث 1489، من طريق يزيد بن الهاد، عن عمرو، عن أنس رضي الله عنه.

قال ابن منده: هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد.

(1)

أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 35، حديث 3414، ومسلم في الفضائل، حديث 2373، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

سورة آل عمران، الآية:110.

(3)

سورة البقرة، الآية:143.

(4)

البخاري في الشهادات، باب 9، حديث 2652، وفي فضائل الصحابة، باب 1، حديث 3651، وفي الرقاق، باب 7، حديث 6429، وفي الأيمان، باب 10، حديث 6658، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2533، عن عبد الله بن مسعود =

ص: 200

(وأمَّته معصومة من الاجتماع على الضلالة) لحديث: "لا تجتمعُ هذه الأمةُ على ضلالةٍ أبدًا" رواه الترمذي

(1)

، وفي سنده ضعيف، لكن أخرج الحاكم له شواهد

(2)

(و) لذلك كان (إجماعهم حجة) واختلافهم رحمة.

(ونَسَخَ شرعُه الشرائع) لما مَرَّ: أنَّه خاتم الأنبياء، وقد أُمر بترك شرائع غيره من الأنبياء (ولا تُنسخ شريعته) لأنه لا نبي بعده.

(وجُعل كتابه معجزًا) لقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}

(3)

الآية.

(و) جُعل كتابه (محفوظًا عن التبديل) والتحريف؛ لقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}

(4)

، بخلاف غيره من

= رضي الله عنه رضي بلفظ: "خير الناس قرني". وأخرجه -أيضًا- البخاري في الشهادات، باب 9، حديث 2651، وفي فضائل الصحابة، باب 1، حديث 3650، وفي الرقاق، باب 7، حديث 6428، وفي الأيمان، باب 27، حديث 6695، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2535، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، بلفظ:"خيركم قرني".

(1)

في الفتن، باب 7، حديث 2167، عن ابن عمر رضي الله عنهما وقال: حديث غريب. ورواه -أيضًا- ابن أبي عاصم في السنة (1/ 39) حديث 80، والطبراني في الكبير (12/ 447) حديث 13623، والحاكم (1/ 115)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (1/ 118) حديث 154.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 218): رواه الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة، وهو ثقة.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 141): فيه سليمان بن شعبان المدني وهو ضعيف، وله شواهد أخرجها الحاكم.

(2)

المستدرك (1/ 115).

(3)

سورة الإسراء، الآية:88.

(4)

سورة فصلت، الآية:42.

ص: 201

الكتب. وقد اشتمل على جميع الكتب الإلهية وزيادة، وجمع كل شيء، ويُسِّر للحفظ، ونزل منجَّمًا، وعلى سبعة أحرف، أي: أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، وبكل لغة من لغات العرب، لكن أكثره بلغة أهل الحجاز، ففيه خمسون لغة ذكرها الواسطي في "الإرشاد"

(1)

.

(ولو ادعي عليه) بشيء (أو ادعى) على غيره (بحق، كان القول قوله) صلى الله عليه وسلم (بغير يمين) لأنه معصوم والصادق المصدوق

(2)

.

(وظاهر كلامهم) أي: الأصحاب، كما أشار إليه في "الفروع":(أنَّه في وجوب القَسْم) بين الزوجات (والتسوية بين الزوجات، كغيره) قال في "الفروع": وذكره في "المجرد"، و"الفنون"، و"الفصول". انتهى؛ لقوله:"اللهم هذا قَسْمِي فيما أملكُ، فلا تَلُمْني فيما تملكُ ولا أمْلِكُ" رواه ابن حبَّان وغيره، وصححه الحاكم على شرط مسلم

(3)

. قال

(1)

لم نقف على ترجمة الواسطي المذكور، وكتابه المشار إليه في القراءات العشر، كما في الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/ 364).

(2)

في "ذ": "لأنه المعصوم الصادق المصدوق".

(3)

ابن حبان "الإحسان"(10/ 5) حديث 4205، وأبو داود في النكاح، باب 39، حديث 2134، والترمذي في النكاح، باب 42، حديث 1140، وفي العلل ص / 165، حديث 286، والنسائيُّ في عشرة النساء، باب 2، حديث 3953، وفي الكبرى (5/ 281) حديث 8891، وابن ماجه في النكاح، باب 47، حديث 1971، وابن أبي شيبة (4/ 386 - 387)، وإسحاق بن راهويه (3/ 756) حديث 1370، وأحمد (6/ 144)، والدارميُّ في النكاح، باب 25، حديث 2207، والطبري في تفسيره (5/ 315)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 214) حديث 232، 233، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 425)، والحاكم (2/ 187)، والبيهقيُّ (7/ 298)، كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

قال الحاكم (2/ 187): حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وذكره =

ص: 202

الترمذي

(1)

: وروي مرسلًا، وهو أصح.

(وظاهر كلام ابن الجوزي أنَّه) أي: القسم (غير واجب عليه

(2)

) قال الشيخ تقي الدين في "المسودة": وأبيح له ترك القسم، قسم الابتداء وقسم الانتهاء

(3)

؛ قاله أبو بكر والقاضي في "الجامع".

(وجُعل) صلى الله عليه وسلم (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) لقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}

(4)

.

= السيوطي في الجامع الصغير (5/ 237 مع الفيض) ورمز لصحته.

وقال الترمذي في السنن (3/ 446): حديث عائشة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة. ورواه حماد بن زيد وغير واحد، عن أيوب، عن أبي قلابة، مرسلًا، وهذا أصح.

وقال في العلل (1/ 448): سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث فقال: رواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن قلابة، مرسلًا.

وقال النسائي في الكبرى (5/ 281): أرسله حماد بن زيد.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 425): سمعت أبا زرعة يقول: لا أعلم أحدًا تابع حمادًا على هذا. ثمَّ قال الرازي: روى ابن علية عن أيوب، عن أبي قلابة. . . الحديث، مرسل.

والمرسل أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 120)، وابن سعد (2/ 231، 8/ 168)، وابن أبي شيبة (4/ 386)، والطبري في تفسيره (5/ 314، 315)، من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة، مرسلًا.

قال الترمذي في سننه (3/ 446): هذا أصح من حديث حماد بن سلمة. وقال ابن حجر في الدراية (2/ 66): قال الدارقطني في العلل: أرسله -أيضًا- عبد الوهاب وابن علية وهو أولى.

(1)

السنن (3/ 446).

(2)

زاد المسير (6/ 407 - 408).

(3)

لم نقف عليه في المطبوع من المسودة، وانظر: إمتاع الأسماع للمقريزي (10/ 223).

(4)

سورة الأحزاب، الآية:6.

ص: 203

(ويلزم كل أحد

(1)

أن يقيه بنفسه وماله، فله طلب ذلك) حتى من المحتاج، ويَفْدي بمهجته مهجتَهُ صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم

(2)

، ومثله لو قصده ظالم، فعلى من حضره أن يبذل نفسه دونه.

(و) يلزم كل أحد (أن يحبه أكثر من نفسه) لحديث عمر مرفوعًا: "لن يُؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه" رواه البخاري

(3)

. (و) أكثر من (ماله وولده) ووالده (والناس أجمعين) لحديث أنس: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده ووَلَده" رواه البخاري

(4)

، زاد النسائي:"والنَّاس أجمعينَ"

(5)

.

(وحرم على غيره نكاح زوجاته بعد موته) لقوله تعالى: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}

(6)

حتى من فارقها في الحياة، دخل بها أو لم يدخل، قاله القاضي وغيره، وهو قول أبي هريرة

(7)

. ونقل الشيخ تقي

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 310): "واحد".

(2)

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 135): لم أر وقوع ذلك في شيء من الأحاديث صريحًا، ويمكن أن يستأنس له بأن طلحة وقاه بنفسه يوم أحد. . . انتهى.

قلنا: يشير الحافظ إلى ما رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب 14، حديث 3724، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شَلَّتْ.

(3)

في الأيمان والنذور، باب 3، حديث 6632.

(4)

في الأيمان، باب 8، حديث 15. وأخرجه -أيضًا- مسلم في الإيمان، حديث 44.

(5)

في الإيمان، باب 19، حديث 5028، وفي الكبرى (6/ 534) حديث 11744، وهذه الزيادة -أيضًا- عند البخاري، ومسلم.

(6)

سورة الأحزاب، الآية:53.

(7)

لم نقف عليه من قول أبي هريرة رضي الله عنه، ولعل الصواب:"ابن أبي هريرة" وهو الفقيه الشافعي المشهور، كما نسبه له النووي في روضة الطالبين (7/ 11).

ص: 204

الدين

(1)

عن ابن حامد

(2)

: لا يجوز العقد على من دخل بها، دون من لم يدخل بها

(3)

. وأطلق في "الفروع"

(4)

عنه: جواز نكاح من فارقها في حياته.

وأما تحريم سراريه صلى الله عليه وسلم على غيره؛ فلم أره في كلام أصحابنا نفيًا، ولا إثباتًا. وللشافعية فيه وجهان

(5)

، وجزم الطاووسي

(6)

والبارزي

(7)

وغيرهما منهم بالتحريم، قياسًا على زوجاته

(8)

. قال شيخ الإِسلام زكريا في "شرح البهجة"

(9)

: وظاهر الأدلة يقتضي

(10)

أنها لا تحرم على غيره؛ لأنها ليست بزوجةٍ ولا أم للمؤمنين، لكن المنع أقوى منعًا

(11)

.

(وهُنَّ أزواجه في الدنيا والآخرة) للخبر

(12)

.

(1)

لم نقف عليه فيما طبع من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية.

(2)

"ابن حامد" كذا في الأصول، ولعل الصواب:"أبو حامد" وهو الإسفراييني الشافعي كما في روضة الطالبين (7/ 11).

(3)

في "ذ": "يجوز العقد على من لم يدخل بها دون من دخل بها".

(4)

انظر: الفروع (5/ 164).

(5)

روضة الطالبين (7/ 11).

(6)

هو العراقي بن محمَّد بن العراقي، أبو الفضل الهمذاني الطاووسي، كان إمامًا مبرزًا في النظر، صاحب "التعليقة" في الخلاف (ت 600 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الشافعية (8/ 346).

(7)

هو: هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم الجهني، شرف الدين ابن البارزي، صاحب التصانيف الكثيرة، منها "شرح الحاوي"، (ت 738 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الشافعية (10/ 387 - 388).

(8)

انظر: الغرر البهية في شرح منظومة البهجة الوردية (7/ 246 - 247)، وحاشية البجيرمي على الخطيب (4/ 297).

(9)

(7/ 247).

(10)

في "ذ": "تقتضي".

(11)

"منعًا" كذا في الأصول، وفي شرح البهجة:"معنى"، وهو الأقرب.

(12)

أخرج البخاري في الفتن، باب 18، حديث 7101، عن أبي وائل قال: قام عمار =

ص: 205

(وجُعلن أمهات المؤمنين) قال الشيخ تقي الدين

(1)

: والزوجية باقية بينه وبينهن، من ماتت عنه، أو مات عنها قال تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}

(2)

(في تحريم النكاح، ووجوب احترامهنَّ، وطاعتهن، وتحريم عقوقهن) دون الخلوة والنظر والمسافرة ونحوها (ولا يتعدَّى تحريم نكاحهن إلى قرابتهن) فلا تحرم بناتهن، ولا أمهاتهن، ولا أخواتهن، ونحوهن على المؤمنين (إجماعًا

(3)

) لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(4)

.

(وجُعل ثوابهن وعقابهن ضعفين) لقوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ}

(5)

الآيتين.

(ولا يحل أن يُسألن شيئًا إلا من وراء حجاب) لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

(6)

(ويجوز أن يُسأل غيرهن) من النساء (مشافهة).

وأفضلهن خديجة وعائشة، وما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة -حين قالت له: قَدْ رزقَكَ الله خيرًا منها-: "لا والله ما رزقني الله خيرًا منها،

= على منبر الكوفة، فذكر عائشة، وذكر مسيرها وقال: إنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 132): حديث: زوجاتي في الدنيا زوجاتي في الآخرة. لم أجده بهذا اللفظ.

(1)

الاستغاثة في الرد على البكري (2/ 568 - 569).

(2)

سورة الأحزاب، الآية:6.

(3)

منهاج السنة النبوية (4/ 370)، والفروع (5/ 164).

(4)

سورة النساء، الآية:24.

(5)

سورة الأحزاب، الآية:30.

(6)

سورة الأحزاب، الآية:53.

ص: 206

آمنتْ بي حينَ كذّبني الناس، وأعطتني مالها حين حرمني الناس"

(1)

وما روي أن عائشة أقرأها النبي صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل

(2)

، وخديجة أقرأها جبريل من ربها السلام

(3)

على لسان محمد؛ يدل على تفضيل خديجة. وخبر: "فاطمةُ بَضعةٌ مني"

(4)

، وقوله لها:"أما ترضينَ أن تكوني سيدةَ نساءِ أهل الجنة إلا مريَمَ"

(5)

يدل على أن فاطمة أفضل، واحتج من فضَّل

(1)

أخرجه أحمد (6/ 117 - 118)، والطبراني في الكبير (23/ 13) حديث 21، 22.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 224): رواه أحمد وإسناده حسن.

وأخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب 20، حديث 3821، معلقًا، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2437، عن عائشة رضي الله عنها بنحوه، دون قوله: لا والله

إلخ.

(2)

أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب 6، حديث 3217، وفي فضائل الصحابة، باب 30، حديث 3768، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2447، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب 20، حديث 3820، وفي التوحيد، باب 35، حديث 7497، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2432، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب 12، 16، 29، حديث 3714، 2729، 3767، وفي النكاح، باب 109 حديث 5230، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2449، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه البخاري في المناقب، باب 25، حديث 3624، وفي الاستئذان، باب 43، حديث 6285، 6286، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2450، عن عائشة رضي الله عنها، دون قوله:"إلا مريم". وقد روى هذه اللفظة: النسائي في الكبرى (5/ 95) حديث 8366، وابن أبي شيبة (12/ 126)، والطبري في تفسيره (3/ 264)، وابن حبان "الإحسان"(15/ 402) حديث 6952، والطبراني في الكبير (22/ 499 - 420) حديث 1034، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 200)، عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجها الترمذي في المناقب، باب 61، حديث 3873، عن أم سلمة رضي الله عنها، وقال: حسن غريب من هذا الوجه.

ص: 207

عائشة بما احتجت به من أنها في الآخرة مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجة، وفاطمة مع علي فيها

(1)

.

(وأولاد بناته) صلى الله عليه وسلم (ينسبون إليه) لحديث: "إن ابني هذا سيدٌ" مشيرًا إلى الحسن؛ رواه أبو يعلى

(2)

. وفي حديث: "إن الله لم يبعث نبيًّا قط إلا جعلَ ذريَّتهُ من صلبه، غيري؛ فإن الله جعل ذريتي من صُلبِ عليٍّ"

(3)

ذكره في "الخصائص الصغرى"

(4)

(دون أولاد بنات غيره) فيُنسبون إلى آبائهم. قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}

(5)

.

(1)

نقله المقريزي في إمتاع الأسماع (10/ 273) وعزاه لابن دحية في كتاب "مرج البحرين".

(2)

لم نقف عليه في الكتب المطبوعة لأبي يعلى، وقد رواه البخاري في الصلح، باب 9، حديث 2704، وفي المناقب، باب 25، حديث 3629، وفي فضائل الصحابة، باب 22، حديث 3746، وفي الفتن، باب 20، حديث 7109، عن أبي بكرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه الخطيب في تاريخه (1/ 316 - 317)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 209)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: لا يصح، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 586)، في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب، وقال: لا يدرى من ذا، وخبره كذب.

وأخرجه الطبراني في الكبير (3/ 35) حديث 2630، وابن عدي (7/ 2657)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 214) حديث 339، عن جابر رضي الله عنه.

قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 172): فيه يحيى بن العلاء وهو متروك. انظر: الملل المتناهية (1/ 209)، وميزان الاعتدال (4/ 397).

وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص / 515، حديث 821: وقول ابن الجوزي في العلل المتناهية: إنه لا يصح. ليس بجيد. ثم ذكر أن طرق هذا الحديث يقوي بعضها بعضًا.

ورمز السيوطي في الجامع الصغير (2/ 223 مع الفيض) لضعفه.

(4)

وهو المسمى: أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب ص 86.

(5)

سورة الأحزاب، الآية:5.

ص: 208

(والنجس مِنَّا طاهر منه) صلى الله عليه وسلم ومن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويجوز أن يستشفى ببوله ودمه، روى

(1)

الدارقطني "أن أم أيمنَ شربتْ بوله، فقال: إذًا لا تلجُ النارُ بطنكِ"

(2)

لكنه ضعيف، وروى

(3)

ابن حبان في الضعفاء "أن غلامًا حجم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ

(1)

في "ذ": "لما روى".

(2)

لم نقف عليه في سنن الدارقطني، وقد ذكره في العلل (5 / ق 225 مخطوط) بلفظ:"لا ينجس بطنك".

وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (25/ 89) حديث 230، والحاكم (4/ 63)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 67)، وفي دلائل النبوة (2/ 444)، حديث 365، من طريق أبي مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن أم أيمن رضي الله عنها بنحوه.

قال الدارقطني: أبو مالك ضعيف، والاضطراب من جهته. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 271): فيه أبو مالك النخعي، وهو ضعيف.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 31): أبو مالك ضعيف، ونبيح لم يلحق أم أيمن. انظر: علل الدارقطني، والإمام لابن دقيق العيد (3/ 386)، والإصابة (13/ 180).

وللحديث شاهد عن أميمة بنت رقيقة: أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 121) حديث 3342، والطبراني في الكبير (24/ 189، 204)، حديث 477، 527، والبيهقي (7/ 67)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3263) حديث 7517، وابن عبد البر في الاستيعاب (12/ 223)، وابن عساكر في تاريخه (69/ 51)، وفيه أن المرأة التي شربت بوله صلى الله عليه وسلم اسمها بركة، كانت تخدم أم حبيبة، جاءت بها من أرض الحبشة.

وجود إسناده ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (1/ 152)، ونقل تصحيحه عن الدارقطني. وتوقف ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 514) في تصحيح هذا الحديث. وقال القاضي عياض في الشفا (1/ 157): حديث المرأة التي شربت بوله صحيح. انظر ما تقدم (1/ 117) تعليق رقم (4).

(3)

في "ذ": "لما روى".

ص: 209

من حجامته شرب دمه، فقال: ويحك! ما صنعت بالدم؟ قال: غيبته في بطني. قال: اذهب، فقد أحرزتَ نفسك من النار"

(1)

قال الحافظ ابن حجر

(2)

: وكان السر في ذلك ما صنعه الملكان من غسلهما جوفه

(3)

.

(1)

ابن حبان في المجروحين (3/ 59)، من طريق نافع أبي هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال: نافع روى عن عطاء، عن ابن عباس وعائشة؛ نسخة موضوعة، وذكر منها هذا الحديث. ومن طريق ابن حبان أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 180) حديث 286، وقال: لا يصح. وكذا قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 30).

وروى البخاري في التاريخ الكبير (4/ 209)، والبزار (9/ 284) حديث 3834، وابن حبان في المجروحين (1/ 111)، والطبراني في الكبير (7/ 81) حديث 6434، وابن عدي (2/ 497، 5/ 1709)، والبيهقي (7/ 67)، وفي شعب الإيمان (5/ 233)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 180) حديث 285، عن إبراهيم -ولقبه بريه- ابن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم، ثم قال له: خذ هذا الدم، فادفنه من الدواب والطير والناس. قال: فتغيبت به فشربته، ثم سألني -أو قال: فأخبرته- فضحك.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 270): رجال الطبراني ثقات.

وقال ابن عدي (2/ 497): ولبُريه غير ما ذكرت من الحديث شيء يسير، وأرجو أنه لا بأس به. وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج بخبره بحال. وقال ابن الجوزي: لا يصح.

وقال ابن كثير في الفصول ص / 274: حديث ضعيف لحال بريه؛ فإنه ضعيف جدًّا.

(2)

التلخيص الحبير (3/ 143).

(3)

رواه البخاري في الصلاة، باب 1، حديث 349، وفي الحج، باب 76، حديث 1636، وفي الأنبياء باب 5، حديث 3342، ومسلم في الإيمان، حديث 163، عن أبي ذر رضي الله عنه.

ورواه أيضًا البخاري في بدء الخلق، باب 6، حديث 3207، وفي مناقب الأنصار، باب 42، حديث 3887، ومسلم في الإيمان، حديث 164، عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه.

ورواه أيضًا البخاري في التوحيد، باب 37، حديث 7517، ومسلم في الإيمان، =

ص: 210

(وهو) صلى الله عليه وسلم (طاهر بعد موته، بلا نزاع بين العلماء)

واختلفوا في غيره من الآدميين، والمذهب عندنا أن غيره -أيضًا- طاهر.

(ولم يكن له) صلى الله عليه وسلم (فيء) أي: ظل (في شمس ولا قمر؛ لأنه نوراني

(1)

، والظل نوع ظلمة) ذكره ابن عقيل وغيره، ويشهد له أنه سأل الله أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورًا، وختم بقوله:"واجعلني نورًا"

(2)

.

= حديث 162 (261)، عن أنس رضي الله عنه.

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 94): والنبي صلى الله عليه وسلم خُلق مما يُخلق منه البشر، ولم يُخلق أحدٌ من البشر من نور، بل قد ثبت في الصحيح [مسلم (2996)] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خلق الملائكة من نور، وخلق إبليس من نار، وخلق آدم مما وُصِف لكم". وقال في الجواب الصحيح (3/ 384 - 385): وظن طائفة من غلاة المنتسبين إلى الإسلام وغيرهم الذين يقولون: إن ذات النبي صلى الله عليه وسلم كانت موجودة قبل خلق آدم، ويقولون: إنه خُلق من نور ربِّ العالمين، ووُجد قبل خلق آدم، وأن الأشياء خُلِفت منه، حتى قد يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم من جنس قول النصارى في المسيح، حتى قد يجعلون مَدَد العالم منه، ويروون في ذلك أحاديث، وكلها كذب

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيحين [البخاري (3445)، ومسلم (1691)] أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد؛ فقولوا: عبدُ الله ورسوله" وقد قال تعالى عنه: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 93].

وقال الشيخ محمد خليل هراس في تعليقه على الخصائص الكبرى للسيوطي (1/ 169): لم ترد هذه الخصوصية في شيء من الصحيح، ولا نظنها صحيحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان جسدًا يأكل ويشرب، وله صفات الأجساد، وإذا فُرض أنه لم يكن لجسده ظل؛ فما بال ثيابه؟!

(2)

أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، باب 26، حديث 763، من طريق غندر، عن شعبة، عن سلمة، عن كريب، عن ابن عباس، ولفظه:"واجعل لي نورًا"، أو قال:"واجعلني نورًا" ثم أخرجه من طريق النضر بن شميل، عن شعبة، به، ولفظه:"واجعلني نورًا"، ولم يشك. =

ص: 211

(وكانت الأرض تجتذب أتفاله) للأخبار

(1)

.

(وساوى الأنبياء في معجزاتهم، وانفرد بالقرآن).

فآدم خلقه الله بيده، ومحمد شَقَّ صدره، وملأه ذلك الخُلُقَ النبوي

(2)

.

= والحديث أخرجه البخاري في الدعوات، باب 10، حديث 6316، ومسلم في الموضع السابق، بلفط:"واجعل لي نورًا". قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 117): ولمسلم في رواية شعبة، عن سلمة:"واجعل لي نورًا"، أو قال:"واجعلني نورًا"، هذه رواية غندر، عن شعبة، وفي رواية النضر، عن شعبة:"واجعلني"، ولم يشك، وللطبراني -في الدعاء [1/ 241] من طريق المنهال بن عمرو، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه- في آخره:"واجعل لي يوم القيامة نورًا".

(1)

منها ما أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 245)، وابن عدي (2/ 770) والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 70)، والخطيب في تاريخه (8/ 62)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 188) حديث 288، من طريق حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء، ثم خرج، دخلت بعده، فلا أرى شيئًا، إلا أني أجد ريح الطيب، فذكرت ذلك له، فقال: يا عائشة: أما علمت أن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من شيء ابتلعته الأرض.

قال ابن حبان: حسين بن علوان كان يضع الحديث

وذكر له عدة أحاديث، منها هذا الحديث، ثم قال: وليس لهذه الأحاديث كلها أصول؛ لأنها كلها موضوعة.

وقال البيهقي في الدلائل (6/ 70): هذا من موضوعات الحسين بن علوان، لا ينبغي ذكره، ففي الأحاديث الصحيحة والمشهورة في معجزاته كفاية عن كذب ابن علوان.

وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 188): هذا لا يصح.

وروي من طرق أخرى ليست بأحسن حالًا منها. انظر: العلل المتناهية (1/ 182)، والإصابة (13/ 122)، والخصائص الكبرى للسيوطي (1/ 175)، وتعليق الشيخ محمد خليل هراس عليها.

(2)

حديث شق الصدر والمعراج تقدم تخريجه (11/ 210) تعليق رقم (3).

ص: 212

وأعطي إدريس علو المكان، ومحمد المعراج

(1)

.

ولما نجَّى إبراهيم من النار؛ نجَّى محمدًا من نار الحرب، ولما أعطاه مقام الخلة؛ أعطى محمدًا مقام المحبة

(2)

، بل جمعه له مع الخلة، كما في حديث أبي يعلى في المعراج:"فقال له ربُّه: أتخذهُ خليلًا وحبيبًا، وهو مكتوب في التوراة: محمد حبيب الرحمن"

(3)

.

ولما أعطى موسى قلب العصا حيَّة؛ أعطى محمدًا حنين الجذع

(4)

الذي هو أغرب، ولما أعطاه انفلاق البحر؛ أعطى محمدًا انشقاق القمر

(5)

الذي هو أبهر؛ لأنه تصرف في العالم العلوي، ولما أعطاه

(1)

حديث شق الصدر والمعراج تقدم تخريجه (11/ 210) تعليق رقم (3).

(2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (10/ 204): قول بعض الناس إن محمدًا حبيب الله، وإبراهيم خليل الله، وظنه أن المحبة فوق الخلة؛ قول ضعيف، فإن محمدًا أيضًا خليل الله كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة المستفيضة. ا. هـ. نقول: ومنها ما أخرج مسلم في الفضائل حديث (2383) عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله".

(3)

لم نقف عليه في كتب أبي يعلى المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- البزار "كشف الأستار"(1/ 38) حديث 55، والطبري في التفسير (15/ 6 - 10)، وفي تهذيب الآثار (1/ 433) حديث 727 مسند ابن عباس، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 397 - 403)، في حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 72): رواه البزار، ورجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره. فتابعيه مجهول.

(4)

أخرج البخاري في الجمعة، باب 26، حديث 918، وفي البيوع، باب 32، حديث 2095، وفي المناقب، باب 25، حديث 3584، 3585، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان جذعٌ يقومُ إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وُضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العِشار، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه.

(5)

قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} [القمر:1 - 2] =

ص: 213

تفجير

(1)

الماء من الحجر؛ أعطى محمدًا نبع الماء من بين الأصابع

(2)

، ولما أعطاه الكلام؛ أعطى محمدًا الدنو والرؤية

(3)

.

وأعطى يوسف شطر الحسن

(4)

وأعطى محمدًا الحسن كله

(5)

.

ولما أعطى داود تليين الحديد؛ أعطى محمدًا اخضرار العود اليابس بين يديه

(6)

.

= وأخرج البخاري في المناقب، باب 27، حديث 3636، ومناقب الأنصار، باب 36، حديث 3869، 3870، وفي تفسير سورة القمر، باب 1، حديث 4864، 4865، ومسلم في صفات المنافقين، حديث 2800، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشهدوا.

(1)

في "ح": "تفجُّر".

(2)

أخرج البخاري في الوضوء، باب 32، 46، حديث 169، 200، وفي المناقب باب 25، حديث 3572، ومسلم في الفضائل، حديث 2279، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء

الحديث، وفيه: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم.

(3)

قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 80): وكمل الله له من مراتب الوحي مراتب عديدة:

كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى بن عمران وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء .. وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله له كفاحًا من غير حجاب وهذا على مذهب من يقول: إنه صلى الله عليه وسلم: رأى ربه تبارك وتعالى وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف، وإن كان جمهور الصحابة بل كلهم مع عائشة (أي إنكار الرؤية) كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعًا للصحابة. وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (2/ 335، 6/ 509).

(4)

أخرج مسلم في الإيمان، حديث 162، في قصة الإسراء والمعراج عن أنس رضي الله عنه، وفيه: ..... ، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد أُعطي شطر الحسن.

(5)

لم نقف على من رواه مسندًا. وانظر: فيض القدير (2/ 2).

(6)

لم نقف عليه مسندًا وأورد القاضي عياض في الشفا (1/ 731)، أنه صلى الله عليه وسلم نزل في =

ص: 214

ولما أعطى سليمان كلام الطير؛ أعطى محمدًا أن كلمه الحجر

(1)

، والشجر

(2)

، والذراع

(3)

،

= بعض أسفاره قبل مبعثه تحت شجرة يابسة فاعشوشب ما حولها، وأينعت هي، فأشرقت، وتدلت عليه أغصانها، بمحضر من رآه.

وبيض له السيوطي في "مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا" ص / 173، حديث 883، ولم يذكر السخاوي -أيضًا- في "المقاصد" ص / 122، حديث 126، من أخرجه.

(1)

أخرج مسلم في الفضائل، حديث 2277، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرًا بمكة، كان يسلِّم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن.

(2)

أخرج الترمذي في المناقب، باب 6، حديث 3626، والدارمي في المقدمة، باب 4، حديث 21، والدارقطني في العلل (4/ 24)، والحاكم (2/ 620)، والسهمي في تاريخ جرجان ص / 330، حديث 600، وأبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 501) حديث 289، وابن عساكر في تاريخه (4/ 360)، والضياء في المختارة (2/ 134) حديث 502، من طريق إسماعيل السدي، عن عباد بن أبي يزيد، عن علي رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 206) حديث 5427، والدارقطني في العلل (4/ 25)، وابن عساكر في تاريخه (4/ 361)، عن السدي، عن أبي عمارة الخيواني، عن علي رضي الله عنه، به.

قال الترمذي: حديث غريب، وكذا في تحفة الأشراف (7/ 394) حديث 10159.

وفي المطبوعات الهندية للترمذي -ومنها تحفة الأحوذي (4/ 298) - والترغيب والترهيب (2/ 192): حسن غريب.

وقال الدارقطني: يرويه إسماعيل السدي واختلف عنه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال في ميزان الاعتدال (2/ 378): عباد بن أبي يزيد، لا يدرى من هو، تفرد عنه إسماعيل السدي بحديث: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث.

(3)

حديث "تكلم الذراع" رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في قصة اليهودية التي =

ص: 215

والضب

(1)

.

= أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، منهم:

أ- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(3/ 141) حديث 2424، والحاكم (4/ 109)، وأبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة ص/ 215، حديث 297. وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 296): رجاله ثقات.

ب- جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه أبو داود في الديات، باب 6، حديث 4510، والدارمي في المقدمة، باب 11، حديث 69، والبيهقي (8/ 46)، عن الزُّهْرِيّ، عن جابر رضي الله عنه.

قال الخطابي (4/ 7): حديث جابر ليس بذاك المتصل؛ لأن الزُّهْرِيّ لم يسمع من جابر شيئًا. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 308)، وابن حجر في الفتح (7/ 497): هذا منقطع، الزُّهْرِيّ لم يسمع من جابر بن عبد الله.

وأخرجه ابن سعد (2/ 201)، عن الزُّهْرِيّ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن جابر رضي الله عنه، به.

ج- ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن سعد (2/ 200، 201)، وأحمد (1/ 305). وصحح إسناده ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 209)، وابن حجر في الفتح (10/ 246).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 295): رجاله رجال الصحيح، غير هلال بن خباب، وهو ثِقَة.

د- أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه الطَّبْرَانِيّ في الكبير (2/ 34) حديث 1202، عن أبي سلمة، عنه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 291): فيه سعيد بن محمَّد الوراق، وهو ضعيف.

وأخرجه أبو داود في الديات، باب 6، حديث 4511 - ومن طريقه ابن بشكوال في الغوامض المبهمة (1/ 188) - عن أبي سلمة، مرسلًا.

هـ - أنس رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(3/ 140) حديث 2423.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 295): رجاله رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وهو ثقة، وفيه ضَعْفٌ.

(1)

تقدم تخريجه (10/ 161) تعليق رقم (1) فقرة ب.

ص: 216

ولما أعطى عيسى إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى؛ أعطى محمدًا رد العين بعد سقوطها

(1)

، وهكذا.

(و) أحلت له (الغنائم) ولم تحل لنبي قبله؛ لحديث: "أعطيتُ خمسًا لم يُعطهن نبي قبلي"

(2)

، والأنبياء منهم من لم يؤمر بالجهاد، فلم

(1)

أخرج أبو يعلى (3/ 120) حديث 1549، وأبو عوانة في مسنده (4/ 352)، وابن قانع في معجم الصَّحَابَة (2/ 361)، والطبراني في الكبير (19/ 8) حديث 12، وابن عدي (4/ 1594)، وأبو نعيم في معرفة الصَّحَابَة (4/ 2339) حديث 5749، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 99 - 100، 252)، وابن عساكر في تاريخه (49/ 279)، من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن قتادة رضي الله عنه قال: أصيبت عينه يوم أحد -أو يوم بدر- فسالت على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، ثم قالوا: نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم نستشيره، فأتوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، قال: فوضعها في موضعها، ثم غمزها براحته، ثم قال: اللهمَّ اكسبه جمالًا، قال: فما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت. لفظ أبي عوانة.

وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 483) حديث 416، عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، عن محمود بن لبيد، عن قتادة، به.

وأخرجه أبو القاسم الأَصْبهانِيّ في دلائل النبوة ص/ 118، حديث 126، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 251)، وابن عساكر في تاريخه (49/ 279)، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن قتادة رضي الله عنه، به.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 113) وقال: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه. وذكره -أَيضًا - في (8/ 197 - 198) وقال: رواه الطبراني، وأبو يعلى

وفي إسناد الطَّبْرَانِيّ من لم أعرفه، وفي إسناد أبي يعلى يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف.

وأخرجه ابن إسحاق في المغازي ص/ 328، وابن هشام في السيرة (2/ 82)، وابن سعد (3/ 453)، والطبري في تاريخه (2/ 516)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 251)، وابن عساكر في تاريخه (49/ 282)، عن عاصم بن عمر بن قتادة، مرسلًا.

(2)

أخرجه البُخَارِيّ في التيمم، باب 1، حديث 335، وفي الصلاة، باب 56، حديث =

ص: 217

تكن له غنائم، ومنهم المأذون الممنوع منها، فتأتي نار من السماء فتحرقها، إلَّا الذرية

(1)

.

(وجعلت له ولأمته الأرض مسجدًا) أي: محل سجود، "فأيما رجل أدركته الصلاة في مكان صلى"

(2)

، ولم تكن الأمم المتقدمة تصلي إلَّا في البِيَع والكنائس (و) جعل له ولأمته (ترابها طهورًا) أي: مطهِّرًا، وهو التيمم عند تعذُّر الماء شرعًا، روى ذلك الشيخان (

(2)

) وغيرهما.

(ونُصِر بالرُّعب) أي: بسبب خوف العدو منه (مسيرة شهر) أمامه وشهر خلفه من جميع جهات المدينة، روى ذلك الشيخان

(2)

، وجعلت الغاية شهرًا؛ لأنه لم يكن إذ ذاك بينه وبين أعدائه أكثر من شهر.

(وبُعث إلى النَّاس كافة) قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}

(3)

وأما عموم رسالة نوح بعد الطوفان؛ فلانحصار الباقين في من كانوا معه.

وأرسل إلى الجن بالإجماع

(4)

، وإلى الملائكة في أحد

= 438، وفي فرض الخمس، باب 8، حديث 3122، ومسلم في المساجد، حديث 521، عن جابر رضي الله عنه.

(1)

أخرج البخاري في فرض الخمس، باب 8، حديث 3124، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1747، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غزا نبي من الأنبياء

فجمع الغنائم، فجاءت -يعني: النَّار- لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولًا

فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحلَّ الله لنا الغنائم.

(2)

تقدم تخريجه آنفًا ضمن حديث: أعطيت خمسًا.

(3)

سورة سبأ، الآية:28.

(4)

مراتب الإجماع ص/ 267، والمواهب اللدنية (2/ 645).

ص: 218

القولين

(1)

.

(وأُعطي الشفاعة العُظمى

(2)

، والمقام المحمود

(3)

) مقتضى كلامه كـ"المواهب"

(4)

و"الخصائص"

(5)

وغيرهما أنهما متغايران. وذكر بعضهم في الأذان

(6)

أن المقام المحمود هو الشفاعة العظمى؛ لأن فيه يحمده الأولون والآخرون، وعلى الأول: فالمقام المحمود جلوسه صلى الله عليه وسلم على العرش، وعن عبد الله بن سلام: على الكرسي؛ ذكرهما البغوي

(7)

.

(1)

المواهب اللدنية (2/ 648).

(2)

أخرج حديث الشفاعة: البُخَارِيّ في أحاديث الأنبياء، باب 3، حديث 3340، وفي تفسير سورة الإسراء، باب 5، حديث 4712، ومسلم في الإيمان، حديث 194، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرج البخاري في الزكاة، باب 52، حديث 1475، وفي التفسير، باب 11، حديث 4718، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثًا، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان، اشفع، حتَّى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.

(4)

المواهب اللدنية للقسطلاني (2/ 700).

(5)

الخصائص الكبرى للسيوطي (3/ 223).

(6)

انظر: شأن الدعاء للخطابي ص/ 139، وكشاف القناع (2/ 78 - 79).

(7)

في تفسيره (4/ 178 - 179)، والقول الأول في أن المقام المحمود جلوسه على العرش، هو قول مجاهد في تفسير قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]. وقد أخرجه عنه: ابن أبي شيبة (11/ 436)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 305) رقم 695، والخلال في السنة (1/ 213، 214، 216، 244، 245، 247، 248، 253 - 255، 257، 259) رقم 241، 242، 244، 248، 278، 279، 286 - 288، 298 - 304، 310، 314، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 158)، والخطيب في تاريخه (3/ 22). وأورده -أَيضًا - الطبري في تفسيره (15/ 147)، والذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 439)، وابن حجر في الفتح =

ص: 219

(ومعجزاته باقية إلى يوم القيامة) كالقرآن، وانقطعت

(1)

معجزات الأنبياء بموتهم، إذ أكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية تُشَاهد بالأبصار، كناقة صالح، وعصا موسى، فانقرضت بانقراض أعصارهم، ولم يشاهدها إلَّا من حضرها، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة، فتستمر

= (8/ 400).

قال ابن عبد البر في التمهيد: وهذا قول مخالف للجماعة من الصَّحَابَة ومن بعدهم.

وذكر الذهبي أن هذا القول من أنكر ما جاء عن مجاهد في التفسير.

قلنا: تفسير المقام المحمود بهذا مخالف لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه التِّرْمِذِيّ في التفسير، باب 18، حديث 3137، وأَحمد (2/ 444)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} سُئل عنها قال: هي الشفاعة.

قال الترمذي: حديث حسن.

وقال الحافظ في الفتح (11/ 426): قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ، الجمهور على أن المراد به الشفاعة.

انظر: تفسير الطبري (15/ 147)، والعلو للذهبي (2/ 881).

قلنا: والذي في تفسير مجاهد (1/ 369) أنَّه فسر المقام المحمود بالشفاعة.

وقول عبد الله بن سلام بأنه الجلوس على الكرسي: أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (2/ 365) رقم 786، والطبري في تفسيره (15/ 148)، والخلال في السنة (1/ 209، 211، 245، 256، 257) رقم 236، 237، 280، 307 - 309، والآجري في الشريعة (4/ 1609) رقم 1097، والذهبي في العلو (2/ 1087) رقم 425، من طريق الجريري، عن سيف السدوسي، عن عبد الله بن سلام. قال البخاريّ في التاريخ الكبير (4/ 158): لا يعرف لسيف سماع من ابن سلام.

وأخرجه الحاكم (4/ 568)، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام -في حديث طويل- وصححه ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 254) وقال فيه رجل لم يسمَّ. وانظر: تعليق الشيخ الألباني على السنة لابن أبي عاصم (2/ 266).

(1)

في "ذ": "وانقضت".

ص: 220

إلى يوم القيامة، لا يمر عصر إلَّا ويظهر فيه شيء أخبر أنه سيكون؛ إذ ما يدرك بالعقل يعلمه من جاء بعد الأول.

(ونبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى حلَّت في الماء بوضع أصابعه فيه، فجعل يفور ويخرج من بين أصابعه) حين كان في غزوة تبوك

(1)

.

وكذلك روى في "الصحيحين" وقوعه يوم الحديبية فنفد الماء، فوضع صلى الله عليه وسلم يده في ماءٍ قليل، ففار الماء من بين إصبعيه، فشربوا وتوضؤوا، وهم أَلْف وخمسمائة

(2)

.

(لا أنَّه يخرج من نفس اللحم والدم، كما ظنه بعض الجُهَّال؛ قاله في "الهدي"

(3)

)، وفيه نظر؛ فإن هذا القول ظاهر كلام القرطبي

(4)

، وبه صَرَّح النووي في "شرح مسلم"

(5)

، ويؤيده قول جابر:"فرأيتُ الماءَ يخرج من بين أصابعه"

(6)

قال في "المواهب"

(7)

: وهذا هو الصحيح، وكلاهما معجزة له صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل ذلك -ولم يخرجه من غير ملابسة ماء

(1)

انظر ما أخرجه مسلم في الفضائل، حديث (10) 706، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه بنحوه.

(2)

البخاري في المناقب، باب 24، حديث 3576، وفي المغازي، باب 35، حديث 4152، 4153، وفي الأشربة، باب 31، حديث 5639، ومسلم في الإمارة، حديث 1856، مختصرًا، عن جابر رضي الله عنه.

(3)

زاد المعاد (3/ 667).

(4)

المفهم (6/ 53).

(5)

(15/ 38).

(6)

أخرجه البُخَارِيّ في الأشربة، باب 31، حديث 5639، وقد تقدم تخريجه آنفًا، تعليق رقم (2).

(7)

(2/ 561).

ص: 221

ولا وضع إناء- تأدبًا مع الله تعالى، إذ هو المنفرد بابتداع المعدومات وإيجادها من غير أصل.

(ومن دعاه) صلى الله عليه وسلم (وهو يصلي، وجب عليه قطعها) أي: الصلاة (وإجابته) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}

(1)

.

(وتطوعه صلى الله عليه وسلم بالصلاة قاعدًا) بلا عذر (كتطوعه قائمًا في الأجر) لما روى أَحْمد ومسلم وأبو داود عن ابن عمر

(2)

: "أنَّه رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي جالسًا، فوضع يدهُ على رأسه، فقال: ما لَكَ يَا عبد الله؟ قلتُ: حُدِّثتُ أنك قلت: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم؟ قال: أَجل، ولكني لستُ كأحدٍ منكم"

(3)

. قال في "الفروع": وحمله على العذر لا يصح؛ لعدم الفرق (وقال القفال): تطوعه بالصلاة قاعدًا (على النصف) من أجر القائم (كغيره) ويرده ما سبق.

(وكان له القضاء بعلمه) لأن الله عصمه، فلا يجوز عليه خطأ يُقَر عليه.

(وهو سيد ولد آدم) للخبر

(4)

.

(وأول من تنشق عنه الأرض) يوم القيامة؛ لحديث مسلم: "أنا أوَّلُ من تنشقُّ عنه الأرض"

(5)

.

(1)

سورة الأنفال، الآية:24.

(2)

كذا في الأصول "ابن عمر"، وصوابه:"ابن عمرو" كما في مصادر التخريج.

(3)

أَحْمد (2/ 162، 203)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 735، وأبو داود في الصلاة، باب 179، حديث 950.

(4)

تقدم تخريجه (11/ 199) تعليق رقم (1).

(5)

أخرجه مسلم في الفضائل، حديث 2278، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 222

(وأول شافع وأول مشفَّع

(1)

، وأول من يقرع باب الجنة

(2)

) رواها مسلم.

وأول من يدخل الجنة

(3)

.

(وهو أكثر الأنبياء تَبَعًا) لحديث مسلم: "أنا أكثرُ الأنبياء تابعًا

(4)

"

(5)

، وحديث البَزَّار:"يأتي معي من أمتي يومَ القيامة مثلُ السَّيلِ والليلِ"

(6)

، وحديث مسلم:"ما صُدِّق نبيٌّ من الأنبياء ما صُدِّقتُ"

(7)

إذ من الأنبياء من لم يصدقه إلَّا الرَّجل الواحد.

(وأُعطي جوامع الكلم) رواه مسلم

(8)

، أي: ألفاظًا قليلة تفيد معاني كثيرة.

(1)

أخرجه مسلم في الفضائل، حديث 2278، من أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 196 (331)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أَحْمد (3/ 144)، والدارمي في المقدمة، باب 8، حديث 52، وابن خزيمة في التوحيد ص/ 297، وابن منده في الإيمان (2/ 846) حديث 877، والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 479)، وفي الشعب (2/ 181) حديث 1489، والضياء في المختارة (6/ 323) حديث 2345، عن أنس رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم في الإيمان، حديث 197، بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أَنْتَ؟ فأقول: محمَّد. فيقول: بك أُمرتُ لا أفتح لأحدٍ قبلك.

(4)

في "ح" و"ذ": "تبعًا"، وهو الموافق لرواية مسلم.

(5)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 196، عن أنس رضي الله عنه.

(6)

البزار "كشف الأستار"(4/ 156) حديث 2432، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 344): فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

(7)

مسلم في الإيمان، حديث 196 (332)، عن أنس رضي الله عنه، وتتمة الحديث:"وإن من الأنبياء نبيًّا ما يصدقه من أمته إلَّا رجل واحد".

(8)

في المساجد، حديث 523، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- البُخَارِيّ في الجهاد، باب 122، حديث 2977، وفي التعبير، باب 11، 22، حديث 6998، 7013، وفي الاعتصام، باب 1، حديث 7273، بنحوه.

ص: 223

(وصفوف أُمَّته في الصلاة كصفوف الملائكة) لحديث مسلم: "ألا تَصُفّون كما تَصُفّ الملائكة عند ربها؟ يُتِمُّون الصفوف المتقدِّمة ويَتَراصّون في الصف"

(1)

.

(ولا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته) لقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}

(2)

.

(ولا أن يناديه من وراء الحجرات) لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}

(3)

.

(ولا) أن يناديه (باسمه فيقول: يَا محمَّد، بل يقول: يَا رسول الله، يَا نبي الله) لقوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}

(4)

قال الحافظ ابن حجر

(5)

: والكنية من الاسم. وأما ما وقع لبعض الصَّحَابَة من ندائه بكنيته، فإما أن يكون قبل أن يُسْلم قائله، أو قبل نزول الآية

(6)

.

(1)

مسلم في الصلاة، حديث 430، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، ولفظه: يتمون الصفوف الأُوَل. وأخرج في المساجد، حديث 522، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة

" الحديث.

(2)

سورة الحجرات، الآية:2.

(3)

سورة الحجرات، الآية:4.

(4)

سورة النور، الآية:63.

(5)

فتح الباري (10/ 587).

(6)

أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2654) رقم 14924، وأبو نعيم في دلائل النبوة (1/ 45 - 46) حديث 4 - 5، عن ابن عباس في قوله تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} قال: كانوا يقولون: يَا محمَّد، يَا أَبا القاسم فنهاهم الله عن ذلك إعظامًا لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقالوا: يا نبي الله، يَا رسول الله.

ص: 224

(ويُخاطَب في الصلاة بقول: السلام عليك أيها النَّبِيّ ورحمة الله وبركاته. ولو خاطب مخلوقًا غيره بطلت صلاته. وخاطب إبليس باللعنة في صلاته، فقال:"أَلعنك بلعنةِ الله"

(1)

وفي "الفروع": قبل التحريم، أو مؤول. انتهى. فظاهره عدم الخصوصية (ولم تبطل) صلاته.

(وكانت الهدية حلالًا له) فـ"كان إذا أُتي بطعام سأل عنه، قال: أهدية أو

(2)

صَدقة؟ فإن قيل: صدقة، قالَ لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، وإن قيل: هدية؛ ضرب بيده، وأكل معهم" متفق عليه من حديث أبي هريرة

(3)

(بخلاف غيره من ولاة الأمور، فلا تحل لهم هدية

(4)

رعاياهم) لما روى أبو حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هدايا العمالِ غُلولٌ"، رواه أَحْمد

(5)

.

(ومن رآه في المنام، فقد رآه حقًّا؛ لأن

(6)

الشيطان لا يتمثَّل به

(7)

)

(1)

أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 542، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

(2)

في "ذ": "أم"، وهو الموافق للرواية.

(3)

البخاري في الهبة، باب 7، حديث 2576، ومسلم في الزكاة، حديث 1077.

(4)

في "ذ": "الهدية من رعاياهم".

(5)

(5/ 424)، وتقدم تخريجه (5/ 134) تعليق رقم (2).

(6)

في "ذ": "فإن" وهو الموافق للرواية.

(7)

أخرج البخاري في العلم، باب 38، حديث 110، وفي الأدب، باب 109، حديث 6197، وفي التعبير، باب 10، حديث 6993، ومسلم في الرؤيا، حديث 2266، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "

ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي

".

وانظر ما أخرجه البُخَارِيّ في التعبير، باب 10، حديث 6994، عن أنس رضي الله عنه.

وما أخرجه البخاري في التعبير، باب 10، حديث 6996، ومسلم في الرؤيا، حديث =

ص: 225

لأن الله عصمه منه، لكن لا يعمل الرائي بما سمعه منه مما يتعلق بالأحكام؛ لعدم الضبط، لا للشك في رؤيته.

(وكان لا يتثاءب

(1)

) لأنه من الشيطان، والله عصمه منه.

(وعُرض عليه الخلق كلهم، من آدم إلى من بعده، كما عُلِّم آدم أسماء كل شيء) لحديث الديلمي: "مُثِّلَت لي الدنيا بالماء والطين، وعُلِّمتُ الأشياء كلها كما عُلِّمَ آدمُ الأسماءَ كلها"

(2)

وعُرض عليه أمته بأسرهم حتى رآهم؛ لحديث الطبراني: "عُرِضَتْ عليَّ أمتي البارحة لدى هذه الحجرة، أولها وآخرها، صُوِّروا لي بالماء والطين، حتى إني لأعرفُ بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه"

(3)

.

= 2267، عن أبي قتادة رضي الله عنه بنحوه.

وما أخرجه البخاري في التعبير، باب 10، حديث 6997، من أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وما أخرجه مسلم في الرؤيا، حديث 2268، عن جابر رضي الله عنه.

(1)

أخرج ابن سعد (1/ 385)، وابن أبي شيبة (2/ 427)، عن يزيد بن الأصم، مرسلًا، قال: ما تثاءب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قط. وقال الحافظ في الفتح (10/ 613): وأخرج الخطابي [أعلام الحديث 3/ 2226] من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان، قال: ما تثاءب نبي قط. ومسلمة أدرك بعض الصحابة، وهو صدوق، ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان.

(2)

الديلمي في الفردوس (4/ 166) حديث 6519، عن أبي رافع رضي الله عنه ولفظه: مثلت لي أمتي من الماء والطين، وعلمت الأسماء

إلخ.

(3)

الطبراني في الكبير (3/ 181) حديث 3054، من طريق زياد بن المنذر، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، مرفوعًا.

قال الهيثمي في المجمع (10/ 69): فيه زياد بن المنذر وهو كذاب.

وأخرجه الطبراني -أيضًا- من طريق داود بن الجارود، به. وداود بن الجارود لم نقف على من ترجمه، فهو مجهول.

ص: 226

وعرض عليه -أيضًا- ما هو كائن في أمته حتى تقوم الساعة؛ لحديث أحمد وغيره: "أُريتُ ما تلقى أمتي بعدي وسفكَ بعضهم دماءَ بعضٍ"

(1)

.

(ويبلغه سلام الناس بعد موته) لحديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا: "ما مِنْ أحد يسلّم عليَّ عند قبري، إلَّا رد الله عليَّ روحي، حتى

(1)

أحمد (6/ 427 - 428)، والطبراني في الكبير (23/ 222) حديث 410، من طريق أبي اليمان، شعيب بن أبي حمزة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين، عن أنس بن مالك، عن أم حبيبة رضي الله عنها، مرفوعًا.

وأخرجه ابن معين في الجزء الثاني من حديثه ص / 235، حديث 188، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 456) حديث 1154، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 421) حديث 3077، وفي السنة (1/ 96) حديث 215، و (2/ 372) حديث 800، وفي الديات ص/ 28، حديث 97، وابن خزيمة في التوحيد (2/ 657) حديث 358، والطبراني في الكبير (23/ 221) حديث 409، وفي الأوسط (5/ 52) حديث 4648، وفي مسند الشاميين (4/ 156) حديث 2990، والحاكم (1/ 68): وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3218) حديث 7411، وابن بشران في الأمالي (1/ 83) حديث 159، وابن عساكر في تاريخه (15/ 70)، كلهم من طريق أبي اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن أنس، عن أم حبيبة رضي الله عنهما مرفوعًا.

وقد اختلف أهل العلم في هاتين الروايتين أيتهما أصح وأرجح، فرجح الإمام أحمد، وأحمد بن صالح المصري، والذهلي، والدارقطني، والذهبي: الوجه الأول. ورجح ابن عين، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري الوجه الثاني، انظر: مسند أحمد (6/ 428)، والمستدرك (1/ 68)، وعلل الدارقطني (5/ 186)، وتاريخ ابن عساكر (15/ 72)، وسير أعلام النبلاء (10/ 323)، والسلسة الصحيحة (3/ 426).

وصحح الحاكم الوجهين، قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والعلة عندهما فيه أن أبا اليمان حدث به مرتين، فقال مرة: عن شعيب، عن الزهري، عن أنس، وقال مرة: عن شعيب، عن ابن أبي حسين، عن أنس، وقد قدمنا القول في مثل هذا أنه لا ينكر أن يكون الحديث عند إمام من الأئمة عن شيخين، فمرة يحدث به عن هذا، ومرة عن ذاك.

ص: 227

أرُدَّ عليه السلام"

(1)

.

(والكذب عليه) صلى الله عليه وسلم (ليس ككذب على غيره) لأنه عليه كبيرة؛ للحديث الذي ذكر المصنف معناه، والكذب على غيره صغيرة، إلَّا فيما يأتي في الشهادات (ومن كذب عليه متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار

(2)

.

وتنام عيناه ولا ينام قلبه) لخبر الصحيحين: "إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي"

(3)

، وفي البخاري في خبر الإسراء:"وكذلك الأنبياءُ، تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم"

(4)

، ولا يرد عليه نومه في الوادى عن صلاة

(1)

أحمد (2/ 527). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في المناسك، باب 100، حديث 2041، وإسحاق بن راهويه (1/ 453) حديث 526، والطبراني في الأوسط (4/ 3116)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 253)، والبيهقي (5/ 245)، وفي شعب الإيمان (2/ 217) حديث 1581، وفي حياة الأنبياء في قبورهم، حديث 16. وقد صححه النووي في رياض الصالحين ص/ 396، وفي الأذكار ص/ 97، وابن القيم في جلاء الأفهام ص /108، والمناوي في التيسير (2/ 357)، وجود إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/ 233، 27/ 116)، وقال في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 174)، وفي الرد على الإخنائي ص/ 180: هذا الحديث على شرط مسلم.

وقال الحافظ في الفتح (6/ 279): رواته ثقات. وحسنه السخاوي في القول البديع ص/316.

(2)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 34، حديث 1291، ومسلم في المقدمة، حديث 4، عن المغيرة رضي الله عنه.

(3)

البخاري في التهجد، باب 16، حديث 1147، وفي صلاة التراويح، باب 1، حديث 2013، وفي المناقب، باب 24، حديث 3569، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 738، عن عائشة رضي الله عنها، مطولًا.

(4)

البخاري في المناقب، باب 24، حديث 3570، وفي التوحيد، باب 37، حديث 7517، عن أنس رضي الله عنه.

ص: 228

الصبح

(1)

؛ لأن طلوع الفجر والشمس إنما يدرك بالعين، وهي نائمة، أو يقال: كان له نومان: أحدهما تنام عينه وقلبه

(2)

، والثاني عينه دون قلبه، وكان نوم الوادي من النوع الأول (فلا

(3)

نقض بنومه ولو مضطجعًا) لخبر الصحيحين (أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع ونام حتى نَفَخَ، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ"

(4)

.

(ويرى من خلفه كما يرى أمامه رؤية بالعين حقيقة، نصًّا

(5)

) كما ثبت في الصحيحين

(6)

. والأخبار الواردة فيه مقيدة بحال الصلاة، فهي مقيدة لقوله:"لا أعلم ما وراءَ جداري هذا"

(7)

؛ قاله الحافظ ابن حجر.

(والدفن في البنيان مختصٌّ به؛ لئلا يُتَّخذ قبره مسجدًا) ولما روي

(1)

تقدم تخريجه (2/ 112) تعليق رقم (2)، و (3/ 134) تعليق رقم (3).

(2)

"وفيه نظر لقوله: "ولا ينام قلبي" والفعل كالنكرة فتعم في سياق النفي" ا. هـ. ش.

(3)

في "ذ": "ولا".

(4)

البخاري في الوضوء، باب 5، حديث 138، وفي الأذان باب 58، 161، حديث 698، 859، وفي الدعوات، باب 10، حديث 6316، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 763، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

مسائل ابن هانئ (2/ 193) رقم 2044، وانظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 91).

(6)

أخرج البخاري في الأذان، باب 71، 72، 76، حديث 718، 719، 725، ومسلم في الصلاة، حديث 434، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف، فإني أراكم خلف ظهري".

(7)

لم نقف على من رواه مسندًا، وقد ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 142) في معرض الجيمع بينه وبين الحديث السابق. وذكره المناوي في فيض القدير (1/ 146) وقال: قال ابن حجر: وأما ما اشتهر من خبر: "ولا أعلم ما وراء جداري" فلا أصل له، وبفرض وروده؛ فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلَّا بإطلاعه تعالى. وانظر: المقاصد الحسنة ص/ 571، حديث 934، وكشف الخفاء (2/ 232).

ص: 229

عن أبي بكر مرفوعًا: "لم يُقبَرْ نبيٌّ إلَّا حيث قُبِض"

(1)

.

(وزيارة قبره مستحبَّة للرجال والنساء) لعموم ما روى الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حج فزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي" وفي رواية: "مَنْ زار قبري، وجبتْ له شفاعتي"

(2)

، وكقبره الشريف في عموم الزيارة تبعًا له قبرُ صاحبيه رضي الله عنهما، ويكره للنساء زيارة من عداهم على الصحيح. وتقدم

(3)

.

(وخُص بصلاة ركعتين بعد العصر) اختاره ابن عقيل. قال ابن بطة: كان خاصًّا به، وكذا أجاب القاضي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يصلي بعد العصر ركعتين، وينهى عنهما" رواه أبو داود من حديث عائشة

(4)

. وروى الحميدي بسنده عنها: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط

(5)

. وظاهر كلامه في "المغني"، و"الشرح"، وغيرهما في أوقات

(1)

تقدم تخريجه (4/ 217) تعليق رقم (1).

(2)

الدارقطني في سننه (2/ 278)، وتقدم تخريجه وبيان عدم صحته (6/ 341، 342) تعليق رقم (4، 1).

(3)

(4/ 244 - 245)، والصحيح في المسألة منع النساء من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه مطلقًا. انظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله (3/ 239)، وفتاوى اللجنة الدائمة (9/ 102).

(4)

في الصلاة، باب 299، حديث 1280، من طريق محمد بن إسحاق، من محمد بن عمرو بن عطاء، عن ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل وينهى من الوصال.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 83): في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار، وقد اختلف في الاحتجاج بحديثه. ا. هـ.

(5)

الحميدي (1/ 99) حديث 194. وأخرجه -أيضًا- البخاري في مواقيت الصلاة، باب 33، حديث 590 - 593، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 835.

ص: 230

النهي: أنه من قضاء الراتبة إذا فاتت، وليس بخصوصية، حيث استدلوا به على جواز قضاء الراتبة في وقت النهي.

(ولم يكن له أن يُهدي) شيئًا (ليُعطَى) بالبناء للمفعول (أكثر منه) لقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}

(1)

أي: لا تعطِ شيئًا لتأخذ أكثر منه.

(وله) صلى الله عليه وسلم (أن يقضي) ويفتي (وهو غضبان، وأن يقضي بعلمه، ويحكم لنفسه وولده، ويشهد لنفسه وولده، ويقبل شهادة من يشهد له صلى الله عليه وسلم) أو لولده؛ لحديث خزيمة

(2)

؛ لأنه معصوم. وقضيته أنه يشهد،

(1)

سورة المدثر، الآية:6.

(2)

أخرج أبو داود في الأقضية، باب 20، حديث 3607، والنسائي في البيوع، باب 81، حديث 4661، وابن سعد (4/ 378 - 379)، وأحمد (5/ 215 - 216)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (4/ 116) حديث 2085، والطحاوي (4/ 164)، وفي شرح مشكل الآثار (12/ 292) حديث 4802، والطبراني في الكبير (22/ 379) حديث 946، والحاكم (2/ 17 - 18)، والبيهقي (10/ 145 - 146)، والخطيب في الأسماء المبهمة ص / 120 - 121، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 389) حديث 355، من طرق عن الزهري، عن عمارة بن خزيمة، أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي

الحديث، وفيه: فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا. فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل النبي شهادة خزيمة شهادة رجلين.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 87)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 115) حديث 2084، والطبراني في الكبير (4/ 87) حديث 3730، والحاكم (2/ 18)، والبيهقي (10/ 146)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 914) حديث 2357، والخطيب في الأسماء المبهمة ص / 121 - 122، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 391) حديث 356، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 483)، من طريق عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ورجاله باتفاق الشيخين ثقات، ولم =

ص: 231

ويقبل، ويحكم على عدوه، وبإباحة الحمى لنفسه، وتقدم في إحياء الموات

(1)

.

قال في "الفروع": وظاهر كلامهم: إن كان لنبيٍّ مال لزمته الزكاة. قيل للقاضي: الزكاة طهرة، والنبيُّ مُطهَّر، فقال: باطل بزكاة الفطر، ثم بالأنبياء صلوات الله عليهم؛ لأنهم مطهرون، ولو كان لهم مال لزمتهم الزكاة.

وخصائصه صلى الله عليه وسلم لا تنحصر فيما ذكر، وفيها كتب مشتملة على بعضها

(2)

.

= يخرجاه، وعمارة بن خزيمة سمع هذا الحديث من أبيه -أيضًا-. ووافقه الذهبي.

(1)

(9/ 475).

(2)

منها: الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة (544 هـ) رحمه الله تعالى، وإمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع لأحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة (845 هـ) رحمه الله تعالى، والخصائص الكبرى للسيوطي المتوفى (911 هـ) رحمه الله تعالى، وغيرها كثير. وانظر كتاب معجم ما ألّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، للدكتور صلاح الدين المنجد ص/ 187 - 190.

ص: 232

‌باب‌

‌ أركان النكاح

وشروطه

أركان الشيء: أجزاء ماهيّته، والماهيّة لا توجد بدون جزئها، فكذا الشيء لا يتم بدون ركنه.

والشروط: ما ينتفي المشروط بانتفائه. وليس جزءًا للماهية.

(وأركانه

(1)

) أي: النكاح، ثلاثة:

أحدها: (الزوجان الخاليان من الموانع) الآتية في باب محرمات النكاح، وأسْقَطَهُ في "المقنع" و"المنتهى" وغيرهما لوضوحه.

(و) الثاني: (الإيجاب،

و) الثالث: (القبول) لأن ماهية النكاح مركبة منهما، ومتوقفة عليهما.

(ولا ينعقد) النكاح (إلا بهما مرتبين، الإيجاب أولًا، وهو) أي: الإيجاب (اللفظ الصادر من قِبَلِ الولي، أو من يقوم مقامه) كوكيله (ثم القَبول بعده) أي: بعد الإيجاب (وهو) أي: القَبول (اللفظ الصادر من قِبَلِ الزوج، أو من يقوم مقامه) لأن القَبول إنما يكون للإيجاب، فإذا وُجِدَ قبله لم يكن قَبولًا؛ لعدم معناه.

(ولا يصح إيجاب ممن

(2)

يحسن العربية إلَّا بلفظ: أنكَحتُ، أو: زوَّجتُ) لورودهما في نص القرآن في قوله: {زَوَّجْنَاكَهَا}

(3)

{وَلَا

(1)

في "ح": "أركانه" بلا واو.

(2)

في "ح": "من".

(3)

سورة الأحزاب، الآية:37.

ص: 233

تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}

(1)

.

(ولمن يَمْلِكُها، أو) يملك (بعضَها، وبعضُها الآخرُ حُرٌّ) إذا أذِنت له هي، ومعتِق البقية، على ما يأتي:(أعْتقتُها وجعلتُ عِتْقَها صداقَها، ونحوه) مما يؤدي هذا المعنى ويأتي؛ لقصة صفية

(2)

، إذ العادل عن هذه الصيغ مع معرفته لها عادل عن اللفظ الذي ورد به الكتاب والسنة مع القدرة.

فإن فلت: قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "زَوَّجَ رجلًا امرأة فقال: ملَّكْتُكْ بما معكَ من القرآن" رواه البخاري

(3)

، قلت: وَرَدَ فيه: "زوَّجتُكَها"

(4)

و"زوجناكَها"

(5)

و"أنكحتها

(6)

"

(7)

من طرق صحيحة. فإما أن يكون قد جمع بين الألفاظ، أو يحمل على أن الراوي روى بالمعنى ظنًّا منه أنها بمعنىً واحد، أو يكون خاصًّا به، وعلى كل تقدير لا يبقى حجة.

ويصح الإيجاب من الولي بلفظ: زُوِّجتَ -بضم الزاي وفتح التاء بصيغة البناء للمفعول- لا: جوَّزتُك، بتقديم الجيم. وسُئل الشيخ تقي

(1)

سورة النساء، الآية:22.

(2)

انطر ما تقدم (11/ 197) تعليق رقم (5)، وما يأتي (11/ 296، 297) تعليق رقم (1، 1).

(3)

في فضائل القرآن، باب 22، حديث 5030، وفي النكاح، باب 14، 35، 44، حديث 5087، 5126، 5141، وفي اللباس، باب 49، حديث 5871. ورواه -أيضًا- مسلم في النكاح، حديث 1425.

(4)

البخاري في فضائل القرآن، باب 621 حديث 5029، وفي النكاح، باب 37، حديث 5132، ومسلم في النكاح، حديث 1425 (77).

(5)

البخاري في الوكالة، باب 9، حديث 2310، وفي النكاح، باب 40، حديث 5135.

(6)

"أنكحتها" كذا في الأصل و"ح"، وفي "ذ":"أنكحتكها" وهو الموافق للرواية.

(7)

البخارى في النكاح، باب 50، حديث 5149.

ص: 234

الدين

(1)

عن رجل لم يقدر أن يقول إلا: قبلت تجويزها، تقديم الجيم؟ فأجاب بالصحة؛ بدليل قوله: جوزتي طالق، فإنها تطلق.

(ولا يصح قَبوله

(2)

لمن يحسنها) أي: العربية (إلا بـ) ــلفظ: "قبلتُ تزويجها، أو:) قبلتُ (نكاحها، أو: قبلتُ هذا النكاح، أو:) قبلتُ (هذا التزويج، أو: تزوجتها، أو: رضيتُ هذا النكاح، أو: قبلتُ فقط، أو: تزوجتُ) لأن ذلك صريح في الجواب، فصحَّ النكاح به، كالبيع.

(أو قال الخاطب للولي: أزوَّجتَ؟ فقال) الولي: (نعم. وقال) الخاطب (للمتزوج: أقبلتَ؟ فقال) المتزوج: (نعم) انعقد النكاح؛ لأن المعنى: نعم زوَّجْتُ، نعم قبلت هذا النكاح؛ لأن السؤال يكون مضمرًا في الجواب، معادًا فيه، بدليل قوله تعالى:{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}

(3)

أي: وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا. ولو قيل لرجل: ألفلانٍ عليك ألف درهم؟ فقال: نعم، كان إقرارًا صريحًا لا يفتقر إلى نية، ولا يرجع فيه إلى تفسيره، وبمثله تُقطع اليد في السرقة؛ مع أن الحدود تُدرأ بالشُّبهات، فوجب أن ينعقد به التزويج.

(واختار الموفَّق، والشيخ

(4)

، وجمعٌ، انعقادَهُ بغير العربية، لمن يحسنها

(5)

) لأن المقصود المعنى دون اللفظ.

(1)

انظر: الإنصاف ومعه المقنع والشرح الكبير (20/ 96).

(2)

في "ذ" وفي متن الإقناع (3/ 315): "قبول".

(3)

سورة الأعراف، الآية:44.

(4)

في "ذ": "والشيخ تقي الدين"، وانظر: مجموع الفتاوى (19/ 12).

(5)

في "ذ": "لمن لم يحسنها"، وفي متن الإقناع (3/ 315):"لمن لا يحسنها" والمثبت هو الصواب، انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 98)، واختيار الشيخ =

ص: 235

(وقال الشيخ

(1)

أيضًا: ينعقد) أي: النكاح (بما عدَّه الناس نكاحًا، بأي لغة ولفظ كان، وإنَّ مِثلَهُ) أي: النكاح (كلُّ عَقدٍ) فينعقد البيع بما عدَّه الناس بيعًا؛ بأي لغة ولفظ كان، والإجارة بما عدَّه الناس إجارة؛ بأي لغة ولفظ كان، وهكذا.

(و) قال أيضًا

(2)

: (إن الشرط بين الناس ما عَدُّوه شرطًا) وكذا قال تلميذه ابن القيم

(3)

.

فلو تزوَّج من قوم لم تجر العادة بالتزويج على نسائهم، كان بمنزلة شرط ألَّا يتزوج عليها، وتأتي الإشارة إليه، وإلى مأخذه في باب الشروط في النكاح.

(فالأسماء تُعرف حدودها تارة بالشرع) كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والوضوء، والغسل، ونحوها (و) تُعرف حدودها (تارة باللغة) كرجل، وفرس، وشجر، ونحوها (و) تعرف حدودها (تارة بالعُرف) العام، كالدَّابة لذوات الأربع، أو الخاص، كالفاعل والمبتدأ (وكذلك العقود) فتُعرف حدودها بواحد من هذه الثلاثة (انتهى).

والفرق: أن الشهادة شرط في النكاح، والكناية إنما تُعلم بالنية، ولا يمكن الشهادة على النية؛ لعدم الاطلاع عليها، فيجب ألاَّ ينعقد.

(فإن كان أحد المتعاقدين) في النكاح (يحسن العربية، دون الآخر، أتى الذي يحسن العربية) بما هو من قِبَله، من إيجاب أو قَبول

= تقي الدين انعقاد النكاح بغير العربية لمن يحسنها ولمن لا يحسنها. انظر: مجموع الفتاوى (29/ 9 - 12، 32/ 15).

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 293.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 293.

(3)

انظر: إعلام الموقعين (1/ 292، 2/ 4 - 5).

ص: 236

(بها) أي: بالعربية؛ لقدرته عليه (و) العاقد (الآخر يأتي) بما هو من قِبَله (بلسانه) أي: بلغته.

(فإن كان كلُّ منهما) أي: العاقدين (لا يُحسِنُ لسان الآخر؛ ترجم بينهما ثقةٌ يعرف اللسانين).

قال الشيخ تقي الدين عن القاضي: ولم يشرط

(1)

تعدده، أي: الثقة الذي يترجم بين العاقدين.

ويأتي في الشهادات أن الترجمة عند الحاكم كالشهادة، فإذا كان القاضي لا يعرف لسانهما؛ فلابُدَّ في الترجمة عنده من رجلين عدلين.

(ولابدَّ أن يعرف الشاهدان اللسانين المعقودَ بهما) ليتمكنا من تحمُّل الشهادة؛ لأنها على اللفظ الصادر منهما، فإذا لم يعرفاه؛ لم يتأتَّ لهما الشهادة به.

(ويأتي حكم تولي طرفي العقد) في فصل: وإذا استوى وليان.

(ويصح إيجاب أخرس، وقَبوله) النكاح (بإشارة مفهومة يفهمها صاحبه) العاقد معه (و) يفهمها (الشهود) لأن النكاح معنًى لا يستفاد إلا من جهته، فصح بإشارته، كبيعه وطلاقه (أو كتابة

(2)

) أي: ويصح إيجاب النكاح وقبوله من أخرس بكتابة؛ لأنها أولى من الإشارة؛ لأنها بمنزلة الصريح في الطلاق والإقرار.

و (لا) يصح النكاح (من القادر على النطق) بإشارة ولا كتابة؛ للاستغناء عنها.

(1)

في "ذ": "ولم يشترط".

(2)

زاد في متن الإقناع (3/ 316): "نصًا". وانظر: المحرر (2/ 15)، ومسائل حرب ص/161، ومسائل عبد الله (3/ 1044) رقم 1429.

ص: 237

(ولا) يصح إيجاب النكاح ولا قَبوله (من أخرس لا تُفهم إشارته) كسائر تصرفاته القولية؛ لعدم الصيغة.

(فإن قدر على تعلُّمهما) أي: الإيجاب والقَبول (من لم

(1)

يحسنهما بالعربية؛ لم يلزمه) تعلمهما بالعربية؛ لأن النكاح غير واجب بأصل الشرع، فلم يجب تعلم أركانه بالعربية، كالبيع، بخلاف التكبير. ولأن المقصود هنا المعنى دون اللفظ المعجز، بخلاف القراءة في الصلاة (وكفاه) أي: العاجر (معناهما الخاص بكل لسان) أي: لغةٍ عرفها؛ لأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والتزويج.

وعُلم منه: أنه لا يصح بلفظ لا يؤدي معنى النكاح والتزويج الخاص؛ لأن من عدل عن اللفظ الخاص بذلك اللسان إلى غيره؛ شبه

(2)

لمن هو عربي وعدل عن لفظهما الخاص.

(ولو قال الولي للمتزوج: زوجتَكَ مُولِيَّتي) فلانة (بفتح التاء) من: "زوجتك"(عجزًا) عن ضمها (أو جهلًا باللغة العربية؛ صح) النكاح، و (لا) يصح إن كان ذلك (من عارف) بالعربية، قادر على إصلاحه. قال في "شرح المنتهى": هذا هو الظاهر. وأفتى الموفَّق أنه يصح مطلقًا. وتوقف في المسألة ناصح الإسلام ابن أبي الفهم

(3)

من أصحابنا، وأطلق القولين في "المنتهى"، ومثله لو قال الزوج: قبلتَ، بفتح التاء.

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 316): "من لا".

(2)

في "ذ": "يشبه من".

(3)

هو عبد القادر بن عبد القاهر، أبو الفرج ابن أبي الفهم، الحراني، الحنبلي، الملقب بناصح الدين، مفتي حران وعالمها، توفي سنة (634 هـ) بحران رحمه الله تعالى. العبر (5/ 139)، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 202).

ص: 238

(وان أوجب) الولي (النكاح) ونحوه (ثم جُنَّ) قبل القبول (أو أُغمي عليه قبل القَبول؛ بَطَلَ العقد) أي: الإيجاب، بذلك (كـ) ــما: يبطل بـ (ـــموته نصًا

(1)

) لأن الإيجاب قبل القبول غير لازم، فبطل بزوال العقل، كالعقود الجائزة، تبطل بالموت والجنون، و (لا) تبطل (إن) أوجب ثم (نام) وحصل القَبول في المجلس؛ لأن النوم لا يبطل العقود الجائزة، فكذلك هنا.

(ولا يصح تعليق النكاح على شرط مستقبل، كقوله: إن وضعت زوجتي جارية، فقد زوَّجتُكها. أو: زوجتك ما في بطنها) أي: بطن هذه المرأة (أو:) زوَّجتك (مَن في هذه الدار؛ وهما) أي: الولي والزوج (لا يعلمان ما فيها) أي: الدار، فلا يصح النكاح.

(بخلاف الشروط الحاضرة، و) الشروط (الماضية، مثل قوله: زوجتك هذا المولود إن كان أنثى. أو: زوَّجتُك ابنتي إن كانت عدتها قد انقضت. أو:) زوَّجتُك بنتي (إن كنت وليها؛ وهما يعلمان ذلك) أي: كونها أنثى في المثال الأول، وانقضاء العدة في المثال الثاني، أو أنه وليها في الثالث (فإنه يصح) النكاح؛ لأن ذلك ليس بتعليق حقيقة، إذ الماضي والحاضر لا يقبله.

(وكذا تعليقه بمشيئة الله) كقوله: زوَّجتُكها إن شاء الله. أو: قبلت إن شاء الله (أو قال) الولي: (زوَّجتُكَ ابنتي إن شئتَ. فقال: قد شئتُ وقبلتُ؛ فيصح) النكاح (قاله زين الدين عبد الرحمن بن رجب

(2)

)

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 195) رقم 968.

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن رجب المطبوعة، وانظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 97).

ص: 239

رحمه الله تعالى.

(وإذا وُجِد الإيجاب والقَبول؛ انعقد النكاح، ولو من هازل أو مُلجأ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ هزلهنَّ جِدٌّ، وجدُّهن جِدٌّ: الطلاقُ، والنكاحُ، والرَّجْعَةُ" رواه الترمذي

(1)

، وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ نكح لاعبًا، أو طلَّق لاعبًا، أو عَتق لاعبًا؛

(1)

في الطلاق، باب 9، حديث 1184. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الطلاق، باب 9، حديث 2194، وابن ماجه في الطلاق، باب 13، حديث 2039، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (3/ 202 - 203)، وسعيد بن منصور (1/ 373) حديث 1603، وابن الجارود (3/ 44) حديث 712، والطحاوي (3/ 98)، والدارقطني (3/ 256 - 257، 4/ 18 - 19)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 40)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 43) حديث 14694، والخطيب في الموضح (1/ 345)، والبغوي في شرح السنة (9/ 219) حديث 2356، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 294) حديث 1711، والرافعي في التدوين (1/ 227)، عن عبد الرحمن بن حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن ماهك، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وأقره المنذري في مختصر السنن (3/ 119).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وعبد الرحمن بن حبيب هذا هو ابن أردك من ثقات المدنيين. وتعقبه الذهبي بقوله: فيه لين. وصححه ابن الملقن في البدر المنير (8/ 83).

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 210): قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح، وأقره. صاحب الإلمام [ص/ 424]، وهو من رواية عبد الرحمن بن حبيب بن أردك، وهو مختلف فيه، قال النسائي: منكر الحديث، ووثقه غيره، فهو على هذا حسن.

وضعَّفه ابن العربي في عارضة الأحوذي (5/ 156)، وابن حزم في المحلى (8/ 333)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 510)، وتعقب المنذري في مختصر السنن (3/ 119) تضعيف ابن العربي، فقال: إن كان أراد ليس منه شيء على شرط الصحيح فلا كلام، وإن أراد أنه ضعيف ففيه نظر، فإنه حسن كما قال الترمذي.

ص: 240

جاز"

(1)

، وقال عمر:"أربعٌ جائزات؛ إذا تُكلم بهن: الطَّلاقُ، والعتاقُ، والنكاحُ، والنذرُ"

(2)

.

(1)

أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في الحجة (3/ 201). وابن أبي شيبة (5/ 106)، والطبري في تفسيره (2/ 482)، وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 425) بنحوه.

وأخرجه ابن عدي (5/ 1761) عن الحسن، عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 287 - 288): رواه الطبراني، وفيه عمرو بن عبيد، وهو من أعداء الله.

وله شواهد منها:

أ- عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 304) حديث 780، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 335): فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ب - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أخرجه أحمد بن منيع - كما في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 45) حديث 1339، وفي المطالب العالية (2/ 3212) حديث 1719 - ، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 162، حديث 501، وأعله الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 209) بالانقطاع. وقال في بلوغ المرام (1077): سنده ضعيف.

ج - عن أبي ذر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6/ 134) حديث 10249. قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 209): هو منقطع.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (1/ 374 - 375) حديث 1609، 1610، وابن أبي شيبة (5/ 105)، وفي سنده حجاج بن أرطاة، قال عنه في التقريب (1127): صدوق كثير الخطأ والتدليس. وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 502)، والبيهقي (7/ 341)، بلفظ: أربع مقفلات: النذر، والطلاق، والعتاق، والنكاح. وفي سنده ابن إسحاق، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع.

وفي الباب عن أبي الدرداء رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه عبد الرزاق (6/ 133، 134) رقم 10245، 10246، وسعيد بن منصور (1/ 373، 374) رقم 1604، 1605، وابن أبي شيبة (5/ 105).

وعن علي رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه عبد الرزاق (6/ 134) رقم 10247.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه عبد الرزاق (6/ 133) رقم 10244.

ص: 241

(وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلفظ الهبة، وتقدم

(1)

) ذلك (في الباب قبله) موضحًا.

(وإن تقدم القبول الإيجابَ كقوله: تزوجتُ ابنتكَ) فيقول الولي: زوَّجتُكها (أو: زوجني ابنتك) فيقول الولي: زوَّجتُكها (لم يصح، نصًا

(2)

) لأن القَبول إنما يكون للإيجاب، فمتى وُجِدَ قبله لم يكن قَبولًا؛ لعدم معناه، فلم يصح، كما لو تقدم بلفظ الاستفهام؛ ولأنه لو تأخَّر عن الإيجاب بلفظ الطلب؛ لم يصح، فإذا تقدم كان أولى؛ كصيغة الاستفهام. ويفارق البيع؛ لأنه لا يشترط فيه صيغة الإيجاب، بل يصح بالمعاطاة، ولا يتعين فيه لفظ، بل يصح بأي لفظ كان، إذا أتى بالمعنى. ويفارق الخلع؛ لأنه يصح تعليقه على الشرط، إذا أتى بنية الطلاق.

(وإن تراخى) قبول (عنه) أي: عن الإيجاب (صح، ماداما في المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعه عُرفًا) ولو طال الفصل؛ لأن حكم المجلس حكم حالة العقد، بدليل صحة القبض فيما يشترط لصحته قبضه في المجلس، وبدليل ثبوت الخيار في عقود المعارضات.

(وإن تفرَّقا قبله) أي: قبل القَبول بعد الإيجاب (بطل الإيجاب) وكذا إن تشاغلا بما يقطعه عُرفًا؛ لأن ذلك إعراض عنه، أشبه ما لو رده.

(وإن اختلف لفظ الإيجاب والقَبول، فقال الولي: زوَّجتُك) بنتي، مثلًا (فقال المتزوج: قبلتُ هذا النكاح، أو بالعكس) بأن قال الولي: أنكحتُكَ بنتي، فقال الزوج: تزوجتُها، ونحوه (صح) العقد؛ لأن اللفظ وإن اختلف فالمعنى متحد.

(1)

(11/ 195).

(2)

المغني (9/ 462)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 103).

ص: 242

(و‌

‌لا يثبت الخيار في النكاح،

وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط) لأنه ليس بيعًا ولا في معناه، والعوض ليس ركنًا فيه، ولا مقصودًا منه.

فصل

(وشروطه) أي: النكاح (خمسة) بالاستقراء:

(أحدها: تعيين الزوجين)

لأن النكاح عقد معاوضة، أشبه تعيين المبيع في البيع؛ ولأن المقصود في النكاح التعيين، فلم يصح بدونه.

(فلا يصح) العقد إن قال الولي: (زوجتك ابنتي، وله بنات، حتى يميزها) عن غيرها (بأن يُشير إليها، أو يسميها) باسم يخصها (أو يصفها بما تتميز به عن غيرها) بأن تكون الصفة لا يشركها فيها غيرها من أخواتها (كقوله:) زوَّجتُك (بنتي الكبرى، أو) بنتي (الصغرى، أو) بنتي (الوسطى، أو) بنتي (البيضاء، ونحوه) كالحمراء، أو السوداء

(1)

(فإن سَمَّاها مع ذلك) أي: مع وصفها الذي تتميز به، كأن يقول: زوجتك بنتي فلانة الكبرى (كان) ذلك (تأكيدًا) لأنه مقوٍّ لما دل الاسم عليه.

(ولو) قال الولي: زوجتك بنتي، و (لم يكن له) أي: الولي (إلا) بنت (واحدة؛ صح) العقد (ولو سَمَّاها) الولي (بغير اسمها) لأن عدم التعيين إنما جاء من التعدُّدِ، ولا تعدُّدَ هنا (وكذا لو أشار إليها، وسَمَّاها بغير اسمها

(2)

بأن قال: زوجتك بنتي فاطمة هذه، وأشار إلى خديجة؛ فيصح العقد على خديجة؛ لأن الإشارة أقوى.

(1)

في "ح": "السمراء".

(2)

في نسخة "ذ": "لو سماها بغير اسمها وأشار إليها".

ص: 243

(وإن سمَّاها) الولي (باسمها) بأن قال: زوجتك فاطمة، ولم يقل: بنتي؛ لم يصح.

(أو) سمَّاها (بغيره) أي: غير اسمها (ولم يقل: بنتي؛ لم يصح) النكاح.

وكذا لو قال: زوجتك الكبيرة، أو: الطويلة، ونحوه، لأن هذا الاسم، أو هذه الصفة يشتركان بينها

(1)

وبين سائر الفواطم أو الطوال.

(وكمن له بنتان، عائشة وفاطمة، فقال) الولي: (زوجتُك بنتي عائشة، فقبل) الزوج (ونَوَيا في الباطن فاطمة) فلا يصح النكاح؛ لأن المرأة لم تُذكَر بما تتميز به، فإن اسم أختها لا يميزها، بل يصرف العقد عنها؛ ولأنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه، فأشبه ما لو قال: زوجتك عائشة فقط، أو ما لو قال: زوجتك ابنتي، ولم يسمَّها.

وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمِّها، ففيما إذا سَمَّاها بغير اسمها أولى، وكذا إن قصد الولي واحدة، والزوج أخرى.

(وإن سمَّى له) أي: لمن يريد التزوج (في العقد غير من خطبها، فَقَبِلَ، يظنها المخطوبة؛ لم يصح) العقد؛ لأن القبول انصرف إلى غير من وُجِد الإيجاب فيها (ولو رضي) الزوج (بعد علمه بالحال) فلا ينقلب النكاح صحيحًا.

فإن قَبِلَ غير ظانٍّ أنها المخطوبة؛ صح النكاح.

(وإن كان) الذي سمي له في العقد غير مخطوبته، وقَبِل؛ يظنها إياها (قد أصابها) أي: وطئها (وهي جاهلة بالحال) أي: بأنها سُميت له في العقد بعد أن خطب غيرها (أو) جاهلة بـ (ـــالتحريم؛ فلها الصداق).

(1)

في "ح": "بينهما".

ص: 244

أي: مهر المِثْل؛ لأنه وطء شُبهة (يرجع به) الواطئ (على وليها، قال) الإمام (أحمد

(1)

: لأنه غَرَّه.

وتُجهَّز إليه) أي: استحبابًا (التي خطبها بالصداق الأول، يعني بعقد جديد) لتوقف الحل عليه (بعد انقضاء عدة التي أصابها؛ إن كانت) المخطوبة (ممن يحرم الجمع بينهما) بأن كانت أخت المصابة، أو عمتها، أو خالتها، ونحوه؛ لما يأتي في تحريم الجمع.

(وإن كانت) المصابة (وَلدت منه، لحقه الولد) لأنه من وطء شُبهة

(2)

.

(وان علمت) المصابة (أنها ليست زوجته، و) علمت (أنها محرَّمة عليه، وأمكنته

(3)

من نفسها؛ فهي زانية لا صداق لها) وعليها الحد؛ لانتفاء الشبهة.

وجميع ما تقدم في تعيين الزوجة، يأتي نظيره في الزوج، ولم يُنبِّهوا عليه؛ لوضوحه.

الشرط (الثاني: رضاهما) أي: الزوجين (أو من يقوم مقامهما، فإن لم يرضيا) أي: الزوجان (أو) لم يرض (أحدهما؛ لم يصح) النكاح؛ لأن العقد لهما، فاعتبر تراضيهما به، كالبيع (لكن للأب) خاصة (تزويج بنيه الصغار، و) بنيه (المجانين ولو) كان بنوه المجانين (باَلغِين) لأنهم لا قول لهم، فكان له ولاية تزويجهم، كأولاده الصغار. وروى الأثرم

(4)

:

(1)

المغني (9/ 481).

(2)

في "ح": "لأنه وطء شبهة"، وفى "ذ":"لأنه من وطء بشبهة".

(3)

في "ح": "ومكنته".

(4)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور (1/ 231) حديث 925، والبيهقى (7/ 143، 246) بنحوه.

ص: 245

"أن ابن عمر زوّج ابنه وهو صغير؛ فاختصموا إلى زيد، فأجازاه جميعًا" وكأبي الصغيرة والمجنونة.

وحيث زوَّج الأب ابنه لصغره وجنونه؛ فإنه يزوِّجه (بغير أَمَةٍ) لئلا يُسترق ولده (ولا معيبة عيبًا يردُّ به النِّكَاح) كرتقاء وجذماء

(1)

؛ لما فيه من التنفير.

ويزوَّج الأب ابنه الصغير والمجنون (بمهر المِثل وغيره، ولو كُرْهًا) لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، وهذا مثله، فإنه قد يرى المصلحة في ذلك، فجاز له بذل المال فيه، كمداواته، بل هذا أولى، فإن الغالب أن المرأة لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها، فيتعذَّر الوصول إلى النِّكَاح بدون ذلك.

(وليس لهم) أي: للبنين الصغار والمجانين إن زوَّجهم الأب (خيار إذا بلغوا) وعقلوا، كما لو باع مالهم ونحوه.

(و) للأب (تزويج بناته الأبكار، ولو بعد البلوغ) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "الأيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليها، والبِكر تُستأمر، وإذنها صُمَاتُها" رواه أبو داود

(2)

. فلما قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، دَلَّ على نفيه عن الآخر، وهي البِكر، فيكون وليها أحق منها بها، ودَلَّ الحديث على أن الاستئمار هنا، والاستئذان في حديثهم؛ مستحب غير واجب.

(و) للأب أيضًا تزويج (ثيب، لها دون تسع سنين) لأنه لا إذن لها.

(1)

الجذماء: المقطوعة اليد أو الأنامل. القاموس المحيط ص/ 1404، مادة (جذم).

(2)

في النكاح، باب 26، حديث 2098. وأخرجه -أيضًا- مسلم في النِّكَاح، باب 9، حديث 1421.

ص: 246

(بغير إذنهم) أي: البنين الصغار، والمجانين، والبنت البكر، والثيب التي

(1)

دون تسع سنين؛ لما تقدم.

(وليس ذلك) أي: تزويج من ذكر (للجَدِّ) لعموم الأحاديث؛ ولأنه قاصر عن الأب، فلم يملك الإجبار، كالعم.

(ويُسن استئذان بِكْرٍ بالغة، هي وأمها) أما هي فلما تقدم، وأما استئذان أمها، فلحديث ابن عمر مرفوعًا:"آمِرُوا النساء في بناتِهنَّ" رواه أبو داود

(2)

.

ويكون استئذان الولي لها (بنفسه، أو بنسوة ثقات ينظرن ما في نفسها) لأنها قد تستحيي منه (وأمها بذلك أولى) لأنها تظهر على أمها ما تخفيه على غيرها.

(وإذا زوَّج) الأب (ابنه الصغير، فـ) ـــإنه يزوّجه (بامرأة واحدة)

(1)

في "ذ""التي لها".

(2)

في النكاح، باب 23، حديث 2095. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 149) حديث 10310، 10311، وأحمد (2/ 34)، والبيهقي (7/ 115)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 45) حديث 13576، عن إسماعيل بن أمية قال: حدثني الثقة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 39): فيه رجل مجهول. وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (7/ 116): وليس ذلك بحجة عند أهل الحديث حتى يسمي الثقة. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 56 مع الفيض) ورمز لحسنه. ووافقه المناوي في التيسير (1/ 11).

وقد روي من طرق أخرى بنحوه: أخرجه أحمد (2/ 97)، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 157، حديث 482، والطحاوي (4/ 368، 369، 370)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (10/ 45) حديث 13578، وابن عساكر في تاريخه (62/ 182)، لكن أعل بالاضطراب في السند والمتن. انظر: شرح معاني الآثار (4/ 369، 370).

ص: 247

لحصول الغرض بها (و) له تزويجه (بأكثر) من واحدة (إن رأى فيه مصلحة) نقله في "الإنصاف" عن ابن رزين وغيره، لكن ضعَّفه في "تصحيح الفروع"، قال: وهذا ضعيف جدًّا، وليس في ذلك مصلحة؛ بل مفسدة، وصوَّب ألَّا يزوجه أكثر من واحدة، وقال: هو مراد من أطلق. وأما الوصي فلا يزوجه أكثر، لأنه تزويج لحاجة، والكفاية تحصل بذلك.

إلا أن تكون غائبة، أو صغيرة طفلة، وبه حاجة، فيجوز أن يزوجه ثانية؛ قاله القاضي في "المجرَّد" في الوصايا. انتهى. وعلى نحو ذلك يُحمل كلام ابن رزين وغيره، فلا تضعيف.

(وحيث أُجبرت) البكر (أُخِذَ بتعيين بنت تسع

(1)

فأكثر كُفُؤًا، لا بتعيين المجبِر) من أب أو وصيه؛ لأن النِّكَاح يُراد للرغبة، فلا تُجبر على من لا ترغب فيه.

قال في "المبدع": وقد صرَّح بعض العلماء أنَّه يُشترط للإجبار شروط: أن يزوجها من كفء بمهر المثل، والَّا يكون الزوج معسرًا، وألَّا يكون بينهما وبين الأب عداوة ظاهرة، وأن يزوِّجها بنقد البلد. واقتصر عليه.

قلت: وفيه شيء.

(فإن امتنع) المجبِر (من تزويج من عَيَّنته) بنت تسع سنين فأكثر (فهو عاضل، سقطت ولايته) ويفسق به إن تكرر، على ما يأتي.

(ومن يُخْنَق في بعض الأحيان) لم يصح تزويجه إلا بإذنه إن كان بالغًا؛ لأنه يمكن أن يتزوج لنفسه، فلم تثبت ولاية تزويجه لغيره،

(1)

في "ذ": "تسع سنين".

ص: 248

كالعاقل (أو زال عقله بِبِرْسَام أو بمرض مرجوِّ الزوال؛ لم يصح تزويجه إلا بإذنه) كالعاقل، فإن دام به صار كالمجنون؛ قاله الشيخ تقي الدين في "المسودة"

(1)

. وهو معنى كلام الشارح.

(وليس للأب تزويج ابنه البالغ العاقل بغير إذنه) لأنه لا ولاية عليه

(2)

(إلا أن يكون سفيهًا، وكان) النِّكَاح (أصلح له) بأن يكون زَمِنًا أو ضعيفًا يحتاج إلى امرأة تخدمه، فإن لم يكن محتاجًا إليه، فليس لوليه تزويجه.

(وله) أي: للأب (قَبول النِّكَاح لابنه الصغير) ولو مميزًا (و) لابنه (المجنون) لما تقدم

(3)

، وكذا البالغ المعتوه في ظاهر كلام أحمد

(4)

والخرقي، مع ظهور أمارات الشهوة، وعدمها. وقال القاضي: إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة بميله إلى النساء ونحوه.

(ويصحُّ قَبول مميز لنكاحه

(5)

، بإذن أبيه

(6)

، نصًّا

(7)

) كما يصح أن يتولى البيع والشراء لنفسه بإذن وليه.

و (لا) يصح قبول (طفل دون التمييز) لنكاحه (ولا) قَبول (مجنون) لنكاحه (ولو بإذن وليهما) لأن قولهما غير معتبر.

(وللسيد إجبار إمائه الأبكار والثُّيَّب) لا فرق بين الكبيرة والصغيرة

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من المسودة.

(2)

في "ذ": "لا ولاية له عليه".

(3)

(11/ 245).

(4)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 86).

(5)

في "ح": "لنكاح".

(6)

في "ذ": "وليه". وأشار في الهامش إلى أنَّه في نسخة: "أبيه".

(7)

انظر: المغني (9/ 417).

ص: 249

منهن، ولا بين القِنِّ، والمُدَبَّرَة، وأم الولد؛ لأن منافعهن مملوكة له، والنِّكَاح عقد على منفعتهن، فأشبه عقد الإجارة، ولذلك ملك الاستمتاع بها، وبهذا فارقت العبد؛ ولأنه ينتفع بذلك، لما يحصل له من مهرها وولدها، وتسقط عنه نفقتها وكسوتها، بخلاف العبد، ولا فرق بين كونها مباحة، أو محرَّمة عليه، كأخته من رضاع (إلا مكاتَبَتَه) ولو صغيرة، فلا يُجْبِرها؛ لأنها بمنزلة الخارجة عن ملكه، ولذلك لا يلزمه نفقتها، ولا يملك إجارتها، ولا أخذ مهرها.

(ولو كان نصف الأَمَة حرًّا، لم يملك مالك الرِّقِّ إجبارها) لأنه لا يملك نفعها (ويعتبر إذنها) لما فيها من الحرية (و) يعتبر (إذن مالك البقية، كأَمَةٍ لاثنين) وكذا يعتبر إذن المعتِق؛ لأنه له ولاء ما أعتق منها، فهو وليه (ويقول كل منهما) أي: من المعتق ومالك البقية: (زوَّجتُكَها، ولا يقول: زوَّجتُك بعضها) لأن النِّكَاح لا يقبل التشقيص والتجزئ، بخلاف البيع والإجارة.

وهل يُعتبر اتحاد زمن الإيجاب منهما، أو يجوز ترتبهما؟ فيه نظر؛ قاله ابن نصر الله.

قلت: الأظهر أنَّه لا يَضُرُّ

(1)

ترتبهما فيه ماداما في المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعه عُرفًا، وفي اعتبار اتحاده حرج ومشقة.

(ويملك) السيد (إجبار عبده الصغير، ولو) كان العبد (مجنونًا) فيجبره، ولو

(2)

بالغًا؛ لأن الإنسان إذا ملك تزويج ابنه الصغير والمجنون؛ فعبده الَّذي كذلك مع ملكه وتمام ولايته عليه أولى.

(1)

كذا في الأصل، وفي "ذ":"يعتبر"، وأشار في الهامش إلى أنَّه في نسخة:"يضر".

(2)

في "ذ": "ولو كان".

ص: 250

و (لا) يملك إجبار (عبده الكبير العاقل) لأنه مكلَّف يملك الطلاق، فلا يُجبر على النِّكَاح، كالحر؛ لأن النِّكَاح خالص حقِّه، ونفعُه له، فلا يُجبر عليه، كالحر، والأمر بإنكاحه مختص بحال

(1)

طلبه، بدليل عطفه على الأيامى

(2)

، وإنما يزوجن عند الطلب.

(ولا يجوز لسائر) أي: باقي (الأولياء) بعد الأب (تزويج حُرَّة كبيرة) بالغة، ثيبًا كانت أو بكرًا (إلا بإذنها) لحديث أبي هريرة مرفوعًا:"لا تُنكح الأيم حتَّى تُستأمرَ، ولا تُنكح البكر حتَّى تُستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنُها؟ قال: أن تسكتَ" متفق عليه

(3)

.

(إلا المجنونة، فلهم) أي: لسائر الأولياء (تزويجها) أي: المجنونة (إذا ظهر منها الميل إلى الرجال) لأن لها حاجة إلى النِّكَاح؛ لدفع ضرر الشهوة عنها، وصيانتها عن الفجور، وتحصيل المهر والنفقة والعفاف، وصيانة العرض، ولا سبيل إلى إذنها، فأُبيح تزويجها، كالبنت مع أبيها (ويعرف ذلك) أي: ميلها إلى الرجال (من كلامها، وتتبعها الرجال، وميلها إليهم، ونحوه) من قرائن الأحوال (وكذا إن قال أهل الطب) ولعل المراد: ثقةٌ منهم إن تعذَّر غيره، وإلا فاثنان، على ما يأتي في الشهادات: (إن علتها تزول بتزويجها

(4)

) فلكل ولي تزويجها؛ لأن ذلك من أعظم مصالحها، كالمداواة (ولو لم يكن لها) أي: المجنونة

(1)

في "ذ": "بحالة".

(2)

في قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ

} سورة النور، الآية 32.

(3)

البخاري في النِّكَاح، باب 42، حديث 5136، وفي الحيل، باب 11، حديث 6968، 6970 ومسلم في النكاح، حديث 1419.

(4)

في "ح": "بتزوجها".

ص: 251

ذات الشهوة ونحوها (ولي إلا الحاكم، زوَّجها) لما سبق.

(وإن احتاج الصغير العاقل، أو) احتاج (المجنون المُطبَقُ البالغ إلى النِّكَاح، لحاجة النِّكَاح) أي: الوطء (أو) لحاجة (غيره) كخدمةٍ (زوجهما الحاكم، بعد الأب والوصي) أي: مع عدمهما؛ لأنه الَّذي ينظر في مصالحهما إذًا، وتقدم

(1)

حكم من يُخْنَق في بعض الأحيان.

(ولا يملك ذلك) أي: تزويج الصغير والمجنون (بقية الأولياء) وهم مَن عدا الأب ووصيِّه والحاكم؛ لأنه لا نظر لغير هؤلاء في مالهما، ومصالحهما المتعلقة به.

(وإن لم يحتاجا) أي: الصغير والمجنون (إليه) أي: إلى النِّكَاح (فليس له) أي: الحاكم (تزويجهما) لأنه إضرار بهما بلا منفعة.

(وليس لسائر الأولياء) أي: من عدا الأب ووصيِّه الَّذي نص له عليه (تزويج صغيرة لها دون تسع سنين بحال) أي: في حال من الأحوال؛ لما روي: "أنَّ قُدامة بن مظعون زوج ابنةَ أخيه من عبد الله بن عمر، فرفع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنها يتيمة ولا تُنكحُ إلا بإذنها"

(2)

والصغيرة لا إذن لها بحال.

(1)

(11/ 248).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 130)، والدارقطني (3/ 230)، والبيهقي (7/ 120)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 53) حديث 626، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 347) حديث 5765، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 165) حديث 1719.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 280): رجاله ثقات.

وأخرجه الدارقطني (3/ 229)، والحاكم (2/ 167)، والبيهقي (7/ 121)، والبغوي في شرح السنة (9/ 36) حديث، والمزي في تهذيب الكمال (21/ 300)، بلفظ:"لا تنكحوا اليتامي حتى تستأمروهن فإن سكتن فهو إذنهن".

قال الحاكم: صحيح علي شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

ص: 252

(ولا للحاكم تزويجها) أي: بنت دون تسع سنين، كغيره (خلافًا لما في "الفروع") قال: وعنه

(1)

: لهم تزويجها، كالحاكم (فإنه) أي: صاحب "الفروع"(لم يوافَق) بالبناء للمفعول (عليه) أي: على ما أفهمَه كلامُه؛ من أن للحاكم تزويج الصغيرة وإن منعنا غيره من الأولياء.

قال في "الإنصاف": ولا أعلم له موافقًا على ذلك، بل صَرَّح في "المستوعب"، و"الرعاية"، وغيرهما بغير ذلك. ونص عليه أحمد

(2)

، ومع ذلك له وجه؛ لأنه أعلم بالمصالح من غيره من الأولياء، لكنه يحتاج إلى موافق، ولعله:"كالأب" فَسَبَقَ القلمُ، وكذا قال شيخنا

(3)

وابن نصر الله، وذكر شيخنا أنَّه ظاهر كلام القاضي في "المجرد".

(ولهم) أي: سائر الأولياء (تزويج بنت تسع) سنين (فأكثر، بإذنها، ولها إذْنٌ صحيح مُعتَبرٌ، نصًّا

(4)

) لما روي أحمد بسنده إلى عائشة: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"

(5)

وروي مرفوعًا عن

(1)

انظر: مسائل الكوسج (4/ 1479 - 1482) رقم 862 - 864، ومجموع الفتاوي (32/ 46 - 50).

(2)

مسائل عبد الله (3/ 1011 - 1104) رقم 1380، 1382، 1383 ومسائل صالح (2/ 146) رقم 713، و (3/ 38) رقم 1284، ومسائل أبي داود ص/163، ومسائل ابن هانئ (1/ 195، 210)، رقم 969، 1035، ومسائل الكوسج (4/ 1473) رقم 860، ومسائل حرب ص/ 40 - 41.

(3)

يعني شيخَه: ابن قندس أبا بكر بن إبراهيم بن يوسف، صاحب "الحاشية" المعروفة على "الفروع" لابن مفلح، وقد طبعت مع الفروع وتصحيحه بتحقيق الدكتور عبد الله التركي.

(4)

مسائل عبد الله (3/ 1011 - 1014، 1023) رقم 1380 - 1383، 1396، ومسائل أبي داود ص/ 163، ومسائل ابن هانئ (1/ 199) رقم 990.

(5)

لم نقف عليه في كتب الإمام أحمد المطبوعة، وقد تقدم (1/ 478) تعليق رقم (2).

ص: 253

ابن عمر

(1)

، ومعناه: في حكم المرأة؛ ولأنها تصلح بذلك للنكاح، وتحتاج إليه، أشبهت البالغة.

(وإذْنُ الثيِّبِ: الكلام) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الثيِّب تُعْرِبُ عن نفسها، والبِكرُ رضاها صمتُها" رواه الأثرم وابن ماجَهْ

(2)

(وهي) أي: الثيب (من وُطئِت في القُبُل) لا في الدبر (بآلة الرجال) لا بآلة غيرها (ولو) كانت وُطِئت (بزنيً) لأنه لو وصَّى للثيب؛ دخلت في الوصية، ولو وصى للأبكار؛ لم تدخل فيهن (وحيث حكمنا بالثيوبة) بأن وُطِئت في القُبُل بآلة رجل

(1)

تقدم تخريجه (1/ 478) تعليق رقم (3).

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع، وأخرجه ابن ماجه في النِّكَاح، باب 11، حديث 1872. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة في مسنده (2/ 278) حديث 774، والحربي في غريب الحديث (1/ 80)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/ 192)، وأبو يعلي في مسنده كما في مصباح الزجاجة (1/ 330)، والطحاوي (4/ 368)، وفي شرح مشكل الآثار (14/ 439) حديث 5743، 5744، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 291)، والطبراني (17/ 108) حديث 264، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2193)، والبيهقي (7/ 123)، عن عدي بن عدي الكندي، عن أبيه، مرفوعًا.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 330): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنَّه منقطع، عدي لم يسمع من أبيه عدي بن عميرة يدخل بينهما العرس بن عميرة، قاله أبو حاتم وغيره.

وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 386) حديث 2430، والطحاوي (4/ 368)، وفي شرح مشكل الآثار (14/ 439) حديث 5745، والطبراني (17/ 138) حديث 342: وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2239) حديث 5563، والبيهقي (7/ 123)، وابن عساكر في تاريخه (11/ 505)، عن عدي بن عدي، عن أبيه، عن العرس بن عميرة، مرفوعًا.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 279): رجاله ثقات. وانظر: إرواء الغليل (6/ 234).

ص: 254

(وعادت البكارة، لم يزُل حكم الثيوبة) لأن الحكمة التي اقتضت التفرقة بينها وبين البِكْرِ مباضعة الرجال ومخالطتهم، وهذا موجود مع عَوْد البكارة.

(وإذْن البِكر الصُّمَات، ولو زوَّجها غير الأب) لما روى أحمد بسنده عن أبي هريرة مرفوعًا: "تُستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبتْ لم تُكره"

(1)

، وعن عائشة:"أنها قالت: يا رسول الله؛ إنَّ البكر تَسْتَحْيي، قال: رضاها صُماتُها" متفق عليه

(2)

.

(وان ضحكت أو بكت فـ) ــــذلك (كَسُكُوتِها) لما روي أبو بكر بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُستأمرُ اليتيمةُ، فإن بكت أو سكتَت فهو رضاها، وإن أبَت فلا جواز عليها"

(3)

؛ ولأنها غير

(1)

أحمد (2/ 259، 384، 475). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في النِّكَاح، باب 23، حديث 2093، والترمذي في النكاح، باب 19، حديث 1109، والنسائي في النكاح، باب 36، حديث 3270، وفي الكبري (3/ 282) حديث 5381، وعبد الرزاق (6/ 145) حديث 10297، وابن أبي شيبة (4/ 138)، وأبو يعلي (10/ 412) حديث 6019، و (13/ 312) حديث 7328، والطحاوي (4/ 364)، وفي شرح مشكل الآثار (14/ 421 - 422) حديث 5728 - 5729، و (9/ 392) حديث 4079، وابن حبان "الإحسان"(9/ 397) حديث 4086، والبيهقي (7/ 120، 122)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 99).

قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن. انظر ما يأتي ص/ 255، تعليق رقم (1).

(2)

البخاري في النكاح، باب 42، حديث 5137، وفي الإكراه، باب 4، حديث 6946، وفي الحيل، باب 11، حديث، ومسلم في النكاح، باب 9، حديث 1420.

(3)

أبو بكر لعله غلام الخلال، ولعله رواه في كتابه الشافي ولم يطبع. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في النكاح، باب 23، حديث 2094، ومن طريقه البيهقي (7/ 122) عن =

ص: 255

ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان، فكان ذلك إذنًا منها.

(ونطقها) أي: البِكر (أبلغ) من سكوتها وضحكها وبكائها؛ لأنه الأصل فى الإذن، وإنما اكتفى بالصمات من البكر للاستحياء (فإن أذنت) البِكر نطقًا (فلا كلام، وإن لم تأذن) البِكر نطقًا (استحب ألَّا يجبرها) على النطق، واكتفى بسكوتها إن لم تصرح بالمنع، فلا يجبرها غير الأب ووصيه، كما تقدم

(1)

.

(وزوال البكارة بإصبع، أو وثبة، أو شدة حيضة، ونحوه) كسقوط من شاهق (لا يغير صفة الإذن) فلها حكم البكر في الإذن؛ لأنها لم تَخبُرِ المقصودَ، ولا وُجِدَ وطؤها في القبل، فأَشبهت من لم تَزُل عذرتها (وكذا وطء دُبُر) ومباشرة دون الفرج؛ لأنها غير موطوءة في القُبُل.

(ويُعتبر في الاستئذان تسمية الزوج على وجه تقع معرفتها) أي: المرأة (به) أي: بالزوج، بأن يذكر لها نسبه ومنصبه، ونحوه؛ لتكون على بصيرة في إذنها في تزويجه بها.

= محمد بن العلاء، حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به، وقال أبو داود. وليس:"بكت" بمحفوظ، وهو وهم في الحديث، والوهم من ابن إدريس، أو من محمد بن العلاء. والحديث ثابت دون هذه الزيادة. انظر ما تقدم آنفًا (11/ 255) تعليق رقم (1).

وأخرج عبد الرزاق (6/ 145) رقم 10298، عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال: كتب عمر أن تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو رضاها، قال: وقال الشعبي: إن سكتت أو بكت أو ضحكت فهو رضاها، وإن أبت فلا يجوز عليها. وأخرج ابن أبي شبية (4/ 139) عن الشعبي مثل ذلك. وأخرج سعيد بن منصور (1/ 155) رقم 560، وابن أبي شبية (4/ 139)، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثل قول الشعبي وليس فيه:"ضحكت".

(1)

(11/ 248).

ص: 256

(ولا يُشترط) في استئذان (تسميةُ المهر) لأنه ليس رُكنًا في النكاح، ولا مقصودًا منه.

قلت: ولا يُشترط - أيضًا - اقترانه بالعقد، فتقدُّمُ الخطبة والإهداء ونحوه إذا استؤذنت - مع سكوتها وكانت بكرًا - دليل إذنها.

(ولا) تُشترط - أيضًا - (الشهادةُ بخلوها عن الموانع الشرعية) عملًا بالظاهر، والعبرة في العقود بما في نفس الأمر.

(ولا) يُشترط - أيضًا - (الإشهادُ على إذنها) لوليها أن يزوجها ولو غير مجبرة، لما تقدم (والاحتياط الإشهاد) على خلوها من الموانع، وعلى إذنها لوليها إن اعتبر احتياطًا.

(وإن ادعى زوج إذنها) في التزويج للولي (وأنكرت) الإذن له (صُدِّقت قبل الدخول) لأن الأصل عدمه، و (لا) تُصَدَّق (بعدَه) أي: بعد الدخول؛ لأن تمكينها من نفسها دليل إذنها، فلم تقبل دعواها عدم الإذن بعدُ؛ لمخالفتها الظاهر.

(وإن ادعت) من مات العاقد عليها (الإذن) لوليها في تزويجها له (فأنكر ورَثتُه) أن تكون أذنت (صُدِّقَت) لأنها تدعي صحة العقد، وهم يدعون فساده، فقُدِّم قولها عليهم؛ لموافقته الظاهر في العقود، وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، فيتقرر الصداق وترث منه.

(ومن ادعى نكاح امرأة فجحدته) فقولها؛ لأنها منكِرَة، والبينة على المدعي (ثم) إن (أقرت له) بعد جحودها (لم تحل) له بنفس الإقرار، حيث لم تكن زوجة له، سواء صالحها عن ذلك بعوض أو لا؛ لأنه صُلْحٌ أحلَّ حرامًا (الا بعقد جديد) مع خلوها عن الموانع، وباقي شروطه، وإن كانت زوجته في الباطن فإنكارها لا أثر له، وتحل له ويحصل التوارث

ص: 257

بينهما، كما ذكره هو وغيره في مواضع تقدم بعضها، وتأتي بقيتها.

(فإن أقرَّ الولي عليها) بالنكاح، بأن أقرَّ أنه زوَّجها من المدعي، وأنكرت (وكان الولي ممن يملك إجبارها) كأبي البِكر، ووصيِّه في النكاح (صحَّ إقراره) لأن من ملك إنشاء عقد، ملك الإقرار به (وإلا) بأن لم يكن الولي مجبِرًا، كالجد والأخ والعم (فلا) يُقبل قوله عليها؛ لأنه إقرار على الغير، ما لم تقر بالإذن له.

‌فصل

الشرط (الثالث: الولي، فلا) يصح (نكاح إلا بولي)

لما روى أبو موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي" رواه الخمسة

(1)

،

(1)

أبو داود في النكاح، باب 20، حديث 2085، والترمذي في النكاح، باب 14، حديث 1101، وابن ماجه في النكاح، باب 15، حديث 1881، وأحمد (4/ 394)، ولم نقف عليه عند النسائي.

وأخرجه - أيضًا - الطيالسي، حديث 583، وسعيد بن منصور (1/ 148) حديث 527، وابن أبي شيبة (4/ 131، 14/ 168، 169)، والدارمي في النكاح، باب 11، حديث 2182، 2183، والبزار (8/ 107، 108، 110 - 115) حديث 3105، 3106، 3108، 3109، 3111 - 3116، وابن الجارود (3/ 38 - 39) حديث 701 - 704، وأبو يعلى (13/ 195) حديث 7227، والطحاوي (3/ 8 - 9)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 388، 389، 391، 394، 395، 400) حديث 4077، 4078، 4083، 4090، والطبراني في الأوسط (1/ 211، 5/ 363، 8/ 42) حديث 685، 5565، 7900، وابن عدي (3/ 1145، 5/ 1790، 1958)، والإسماعيلي في المعجم (2/ 609 - 610)، والدارقطني (3/ 218 - 220)، والحاكم (2/ 169 - 172)، وتمام في فوائده (2/ 395 - 397) حديث 756 - 761، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 120)، وابن حزم في المحلى (9/ 452)، والبيهقي (7/ 107 - 108، 110)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 33) حديث =

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 13528، وفي السنن الصغير (3/ 16 - 17) حديث 2368، 2369، والخطيب في تاريخه (2/ 214، 6/ 41، 13/ 86)، وفي الموضح (1/ 395 - 396)، وفي الكفاية ص/ 409، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 87 - 88) والبغوي في شرح السنة (9/ 38)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 257) حديث 1689، 1690، 1692، من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه مرفوعًا.

وأخرجه الترمذي في العلل الكبير ص/ 115، حديث 265، وعبد الرزاق (6/ 196) حديث 10475 عن الثوري. والبزار (8/ 109، 110) حديث 3107، 3110، والطحاوي (3/ 9) عن سفيان الثوري وشعبة وابن أبي شيبة (4/ 131، 14/ 168) عن أبي الأحوص. وابن عدي (3/ 1144) عن شعبة، الثلاثة عن أبي إسحاق، عن أبي بردة مرسلًا ورجحه ابن عدي فقال (5/ 1958): والأصل في هذا الحديث مرسل عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورجح جماعة من المحدثين المرفوع المتصل، قال الترمذي في سننه (3/ 408) وفي العلل ص/ 156 بعد سرده الخلاف في: رواية هؤلاء - الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا نكاح إلا بولي" - عندي أصح.

وقال الحاكم (2/ 170) بعد ذكر طرق الحديث عن إسرائيل: هذه الأسانيد كلها صحيحة، وقد علونا فيه عن إسرائيل وقد وصله الأئمة المتقدمون الذين ينزلون في رواياتهم عن إسرائيل، مثل عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع ويحيى بن آدم، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وغيرهم، وقد حكموا لهذا الحديث بالصحة. ثم نقل تصحيحه مرفوعًا عن كل من: عبد الرحمن بن مهدي، وأبي الوليد الطيالسي، وعلي بن المديني، ومحمد بن يحيى الذهلي، وذكر للحديث طرقًا عديدة إلى أن قال: فقد استدللنا بالروايات الصحيحة، وبأقاويل أئمة هذا العلم على صحة حديث أبي موسى بما فيه غنية لمن تأمله. وقال البيهقي (7/ 109) بعد سير طرق الحديث وكلام الأئمة فيه: والاعتماد على ما مضى من رواية إسرائيل ومن تابعه في وصل الحديث، والله أعلم. وقال البغوي: هذا حديث حسن، وهكذا رواه إسرائيل، وشريك، وزهير بن معاوية، وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبي موسى، وروى بعضهم عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبي موسى، وروى شعبة، =

ص: 259

وصححه ابن المديني

(1)

. وقال المَرُّوذي

(2)

: سألت أحمد ويحيى عن حديث "لا نكاح الا بوليٍّ" فقالا: صحيح.

وهو لنفي الحقيقة الشرعية، بدليل ما روى سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأةٍ نَكَحتْ نفسها بغير إذن وليِّها، فنكاحها باطل باطلٌ باطلٌ، فإن دخل بها فلها المهرُ بما استحلَّ من فَرْجِها، فإن اشتجروا فالسُّلطانُ وليُّ مَنْ لا ولي له" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه

(3)

.

= والثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ورواية من أسنده عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أصح.

وسلك ابن حبان طريق الجمع بين رواية المرفوع، والمرسل، فقال (9/ 395): سمع هذا الخبر أبو بردة عن أبي موسى مرفوعًا، فمرة كان يحدث به عن أبيه مسندًا، ومرة يرسله، وسمعه أبو إسحاق من أبي بردة مرسلًا ومسندًا معًا، فمرة كان يحدث به مرفوعًا، وتارة مرسلًا، فالخبر صحيح مرسلًا ومسندًا معًا لا شك ولا ارتياب في صحته. انظر للمزيد من التفصيل: سنن الترمذي (3/ 408 - 409)، والمستدرك (2/ 169 - 172)، والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 107 - 109).

(1)

مستدرك الحاكم (2/ 170).

(2)

انظر: المغني (9/ 345).

(3)

أحمد (6/ 47، 165 - 166)، وأبو داود في النكاح، باب 20، حديث 2083، والترمذي في النكاح، باب 14، حديث 1102. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (3/ 285) حديث 5394، وابن ماجه في النكاح، باب 15، حديث 1879، والطيالسي ص/ 206، حديث 1463، والشافعي في الأم (5/ 13، 166، 7/ 171، 222)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 11)، وعبد الرزاق (6/ 195) حديث 10472، والحميدي (1/ 112) حديث 228، وسعيد بن منصور (1/ 133) حديث 528، 529، وابن أبي شيبة (4/ 128)، وإسحاق بن راهويه (2/ 194، 195) حديث 698، 699، والدارمي في النكاح، باب 11، حديث 2190، وابن الجارود (3/ 38) حديث 700، وأبو يعلى (8/ 191) حديث 4750، والطحاوي (3/ 7)، =

ص: 260

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وابن حبان "الإحسان"(9/ 384) حديث 4074، والدارقطني (3/ 221)، والحاكم (2/ 168)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 315، حديث 554، وأبو نعيم في الحلية (6/ 88)، وابن حزم في المحلى (9/ 451)، والبيهقي (7/ 105، 113، 138)، وفي السنن الصغير (3/ 16)، حديث 2366، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 29) حديث 13506، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 85 - 87)، والخطيب في الكفاية ص/ 280، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 255) حديث 1684، والبغوي في شرح السنة (9/ 39) حديث 2262، كلهم من طرق عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، به.

قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أيوب، وسفيان الثوري وغير واحد من الحفاظ عن ابن جريج نحو هذا. وقال ابن عدي (3/ 1115): هذا حديث جليل في هذا الباب

وعلى هذا الاعتماد في إبطال نكاح بغير ولي. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال السمعاني في معجم الشيوخ (1/ 513)، وابن عساكر معجم الشيوخ (1/ 205): هذا حديث حسن محفوظ من حديث سليمان بن موسى، عن الزهري. وقال ابن الجوزي: هذا الحديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 144):"والحديث من أجود ما روى الحاكم في مستدركه، وإن كان عنده تساهل، وابن معين قد صحح هذا الحديث من طريق إسماعيل بن موسى في رواية الدوري عنه [(3/ 232) رقم 1089]، والبيهقي وغير واحد". وقال ابن حجر في الفتح (9/ 191): وصححه أبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم. وقال في موافقة الخبر الخبر (2/ 205): هذا حديث حسن.

وأخرجه أحمد (6/ 47)، والطحاوي (3/ 8)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 256) حديث 1685، عن إسماعيل بن علية، عن ابن جريج، به. ثم قال: قال ابن جريج: فلقيت الزهري، فسألته عن هذا الحديث، فلم يعرفه.

وبسبب هذه الحكاية رد بعض العلماء هذا الحديث، منهم الطحاوي كما في شرح معاني الآثار (3/ 8).

وقد أجاب الأئمة النقاد عن هذه الحكاية بعدة أجوبة منها:

قال الترمذي في سننه (3/ 410): "وذُكِرَ عن يحيى بن معين، أنه قال: لم يذكر هذا =

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم. قال يحيى بن معين: وسماع إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جريج ليس بذاك، إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ما سمع من ابن جريج، وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج.

والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي عند أهل العلم". ثم سرد بعض أسماء الصحابة، والتابعين، وتبع التابعين.

وقال ابن حبان (9/ 385): "هذا خبر أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه منقطع، أو لا أصل له؛ بحكاية حكاها ابن علية عن ابن جريج في عقب هذا الخبر، قال: ثم لقيت الزهري، فذكرت ذلك له، فلم يعرفه. وليس هذا مما يهي الخبر بمثله، وذلك أن الخيِّر الفاضل المتقن الضابط من أهل العلم قد يحدث بالحديث، ثم ينساه، وإذا سئل عنه لم يعرفه، فليس بنسيانه الشيء الذي حدث به بدالٍّ على بطلان الخبر".

وقال الحاكم (2/ 168): "فقد صح وثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض، فلا تعلل هذه الروايات بحديث ابن علية، وسؤاله ابن جريج عنه، وقوله: إني سألت الزهري عنه، فلم يعرفه، فقد ينسى الثقة الحافظ الحديث بعد أن حدث به، وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث".

وقال ابن الجوزى في التحقيق (2/ 256): "وإذا ثبت هذا عن الزهريّ كان نسيانًا منه، وذلك لا يدل على الطعن في سليمان، لأنه ثقة، ويدل على أنه نسي: أن هذا الحديث قد رواه عنه جعفر بن ربيعة، ورواه ابن عبد الرحمن، وابن إسحاق، فدل على ثبوته عنه، والإنسان قد يحدث وينسى. وقد جمع الدارقطني جزءًا في من حدث ونسي".

قلنا: هذا ولم ينفرد به سليمان بن موسى، عن الزهري، بل تابعه كل من:

جعفر بن ربيعة: أخرجه أبو داود حديث 3084، وأحمد (6/ 66)، وأبو يعلى (8/ 251) حديث 4837، والطحاوي (3/ 7)، والدارقطني في العلل (5/ ق 116)، والبيهقي (7/ 106)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 32)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 87)، من طرق، عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة. قال أبو داود: جعفر لم يسمع من الزهري، كتب إليه.

وحجاج بن أرطاة: أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 15، حديث 1880، وابن أبي شيبة (4/ 130)، وأحمد (6/ 260)، وأبو يعلى (4/ 386) حديث 2508، =

ص: 262

لا يقال: يمكن حمل الرواية الأولى على نفي الكمال؛ لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية، أي: لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلا بولي.

ولا يقال - أيضًا -: الثاني يدل على صحته بإذن الولي، وأنتم لا تقولون به مع أن قوله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}

(1)

يدل على صحة نكاحها لنفسها، لأنه أضافه إليهن، ولأنه خالصُ حقها، فصح منها كبيع أمَتها

(2)

؛ لأنه خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له؛ لأن الغالب أن المرأة إنما تُزوِّج نفسها بغير إذن وليها، وأما الآية فالنهي عن العضل عمَّ الأولياء. ونهيهم عنه دليل على اشتراطهم، إذ العضل لغة:

= و (8/ 147، 308) حديث 4692، 4906، والطحاوي (3/ 7)، والبيهقي (7/ 106)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 87)، وفي الاستذكار (16/ 33)، مختصرًا بلفظ:"لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له".

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 103): "هذا إسناد ضعيف، حجاج هو ابن أرطاة مدلس، وقد رواه بالعنعنة، ولم يسمع الحجاج أيضًا من الزهري".

وعبيد الله بن جعفر: أخرجه الطحاوي (3/ 7) عن ابن لهيعة، عنه، به.

وأخرجه أبو يعلى (8/ 191) حديث 749، والدارقطني (3/ 227)، عن يزيد بن سنان عن هشام بن عروة، عن أبيه، به. وأخرجه الترمذي في العلل الكبير ص/ 158، حديث 267، وأبو يعلى (8/ 139) حديث 4682، عن زمعة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا بلفظ: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. قال الترمذي: سألت محمدًا [البخاري] عن هذا الحديث، فضعف زمعة بن صالح، وقال: هو منكر الحديث، كثير الغلط.

فهذه المتابعات وإن كان في أسانيدها كلام لكن تصلح في المتابعة.

انظر للمزيد من التفصيل: المستدرك (2/ 168، 7/ 105 - 107، 112)، والمحلى لابن حزم (9/ 452 - 454) وانظر ما يأتي (11/ 302) تعليق رقم (4).

(1)

سورة البقرة، الآية:232.

(2)

في "ح": "فيصح منها كبيع مالها".

ص: 263

المنع، وهو شامل للعضل الحسي والشرعي. ثم الآية نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوَّجَها

(1)

. ولو لم يكن لمعقل ولاية، وأنَّ الحكم متوقف عليه؛ لما عوتب عليه، وأما الإضافة إليهن فلأنهنَّ محلٌّ له.

(فلو زَوَّجتِ) امرأةٌ (نفسها، أو) زَوَّجت (غيرها) كأمَتها، وبنتها، وأختها ونحوها (أو وكَّلت) امرأة (غير وليها في تزويجها، ولو بإذن وليِّها فيهن) أي: في الصور الثلاث المذكورة (لم يصح) النكاح؛ لعدم وجود شرطه؛ ولأنها غير مأمونة على البُضع؛ لنقص عقلها، وسرعة انخداعها، فلم يجز تفويضه إليها كالمبذِّر في المال. وإذا لم يصح منها؛ لم يصح أن توكِّل فيه، ولا أن تتوكَّل فيه، وروي هذا عن عمر

(2)

وعلي

(3)

وابن مسعود

(4)

وابن عباس

(5)

وأبي هريرة

(6)

وعائشة

(7)

.

(فإن حكم بصحته حاكم) لم يُنقض (أو كان المتولي لعقده حاكمًا) يراه (لم يُنقض، وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة) إذا حكم بها من يراها لم

(1)

أخرجه البخاري في النكاح باب 37، حديث 5130، وفي الطلاق، باب 45، حديث 5331، من حديث الحسن عن معقل بن يسار رضي الله عنه.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (1/ 133، 135) رقم 530، 537، والدارقطني (3/ 225، 229)، وذكره ابن عبد البر في التمهيد (19/ 84).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 135)، وذكره ابن عبد البر في التمهيد (19/ 84).

(4)

ذكره ابن عبد البر في التمهيد (19/ 84).

(5)

أخرجه سعيد بن منصور (1/ 134) رقم 533، وذكره ابن عبد البر في التمهيد (19/ 84).

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 135)، والدارقطني (3/ 227، 228)، وذكره ابن عبد البر في التمهيد (19/ 84).

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 135)، وذكره ابن عبد البر في التمهيد (19/ 84).

ص: 264

ينقض

(1)

؛ لأنه يسوغ فيها الاجتهاد، فلم يجز نقض الحكم بها (كما لو حكم بالشفعة للجار) ونحوه مما للاجتهاد فيه مساغ، وليس فيه مخالفة قاطع

(2)

، على ما يأتي تفصيله في القضاء. وهذا النص متأوَّل، وفي صحته كلام، وقد عارضه ظواهر.

(ويُزوِّجُ أمتَها بإذنها) أي: المالكة (بشرط نطقها) أي: المالكة (به) أي: بالإذن (من يزوجها) أي: المالكة من أب وجدٍّ وأخ وعمٍّ ونحوهم؛ لأن مقتضى الدليل كون الولاية للمالكة، فامتنعت في حقها لقصورها، فتثبت لأوليائها كولاية نفسها؛ ولأنهم يلونها لو عتقت، ففي حال رقِّها أولى.

(ولو) كانت المالكة (بكرًا) فلا بدَّ من نطقها بإلاذن؛ لأن صماتها إنما اكتُفي به في تزويجها نفسها لحيائها، ولا تستحيي في تزويج أمتها (إن كانت) المالكة (غير محجور عليها) لحظ نفسها.

(وإلا) بأن كانت محجورًا عليها لصغر، أو سفه، أو جنون (فيزوِّج أمَتَها وليُّها في مالها) من أب، أو وصيه، أو حاكم، أو قيِّمه فقط (إن كان الحظ في تزويجها) لأن التزويج تصرفٌ في المال، والأمَة مال، ولا إذنَ للمالكة إذًا.

(وكذلك الحكم في أمَة ابنه الصغير) أو المجنون، أو السفيه، فيزوجها أبوه لمصلحة كما تقدم، فإن لم يكن أبي، فوصيُّه، ثم الحاكم، ثم قيمه.

(ويُجبرها من يُجبر سيدتها) إنْ حُمل ذلك على الأمَة كما هو

(1)

في "ح": "لم تنقض".

(2)

في "ذ": "نص قاطع".

ص: 265

صريح كلامه فلا مفهوم له، والمعنى أنه يزوج الأَمَة بلا إذنها وليُّ سيدتها بإذن سيدتها، كما تقدم، إن لم تكن محجورًا عليها، وإلا؛ زوَّجها وليُّها في مالها.

وإن كان مراده بجَبْر

(1)

العتيقة من يجبر مولاتها كما في "المنتهى" وغيره، فمعناه أن أبا المعتقة يجبر عتيقة ابنته البكر

(2)

. قال الزركشي: وهو بعيد. وقال عن عدم الإجبار: إنه الصحيح المقطوع به عند الشيخين وغيرهما. قال في "الإنصاف": وهو كما قال في الكبيرة، بعني: إذا كانت العتيقة كبيرة لا إجبار، بخلاف الصغيرة التي لم يتمَّ لها تسع سنين، ولذلك اقتصر على التمثيل بها في "شرح المنتهى".

(ويزوّج معتقتَها) أي: عتيقة المرأة (عصبةُ المُعتَقَة) بفتح التاء بضبط المصنف (من النَّسبِ) كأبيها وابنها وأخيها ونحوهم؛ لأن عصبة النسب مقدَّمة على عصبة الولاء (فإن عُدِمَ) عصبتها من النسب (فأقربُ وليٍّ لسيدتها المعتِقة) يزوج العتيقة (بإذنها) أي: العتيقة؛ لأنهم عصبات يرثون ويعقلون، فكذلك يزوجون. وظاهر كلامه هنا: لا إجبار، وصَرَّح به الشارح، قال: وليس له ولاية إجبار؛ لأنه أبعد العصبات، وتقدم ما فيه.

(فإن اجتمع ابن المعتِقة وأبوها، فالابن أَولى) بتزويج عتيقة أُمِّه؛ لأنه أقرب، والأب إنما قُدِّم في نكاح ابنته لزيادة شفقته (ولا إذن) مُعتبر (لسيدتها) أي: المعتقة، في تزويجها؛ لأنه لا ولاية لها، ولا ملك.

(وأحق الناس) الذين لهم ولاية النكاح (بنكاح المرأة الحرة:

(1)

في "ح"، و"ذ":"يجبر".

(2)

ليس في "ح": "البكر".

ص: 266

أبوها) لأن الولد موهوب لأبيه، قال تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}

(1)

وقال إبراهيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}

(2)

وقال صلى الله عليه وسلم: "أنتَ ومالُكَ لأبيكَ"

(3)

وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس؛ ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظرًا، بخلاف الميراث، بدليل أنه يجوز أن يشتري لها من ماله، وله من مالها.

(ثم أبوه وإن علا) لأن الجد له إيلاد وتعصيب، أشبه الأب (وأولى الأجداد أقربهم) كالميراث.

(ثم ابنها، ثم ابنه، وإن سفل) بتثليث الفاء؛ لما تقدم في الميراث

(4)

. وللابن ولاية؛ نص عليه في رواية جماعة

(5)

؛ لحديث أم سلمة: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليها، فقالت: ليس أحدٌ مِنْ أوليائي شاهدًا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس من أوليائك شاهدٌ ولا غائبٌ يكره ذلك" رواه أحمد والنسائي

(6)

. فدلَّ على أن لها وليًّا شاهدًا، أي: حاضرًا. ويحتمل أنها

(1)

سورة الأنبياء، الآية:90.

(2)

سورة إبراهيم، الآية:39.

(3)

تقدم تخريجه (5/ 61) تعليق رقم (1).

(4)

(10/ 383).

(5)

مسائل الكوسج (4/ 1498) رقم 877، وانظر: مسائل حرب ص/ 25، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 91).

(6)

أحمد (6/ 295، 313، 317 - 318)، والنسائي في النكاح، باب 28، حديث 3254، وفي الكبرى (3/ 286) حديث 5396. وأخرجه - أيضًا - مطولًا ومختصرًا ابن سعد (8/ 89 - 90)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 16، 5/ 423) حديث 685، 3081، وابن الجارود (3/ 41) حديث 706، وأبو يعلى (12/ 334 - 338) حديث 6907 - 6908، والطحاوى (3/ 11 - 12)، وابن حبان "الإحسان" (7/ 212 - 213) حديث 2949، والحاكم (4/ 16 - 17)، والبيهقي (7/ 131)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 186 - 187)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 266) =

ص: 267

ظنت أنَّ ابنها عمر لا ولاية له لصغره، فإنه صلى الله عليه وسلم تزوَّجها سنة أربع. وقال ابن الأثير

(1)

: كان عُمُرُ عُمَرَ حين وفاته صلى الله عليه وسلم تسع سنين؛ وإنه ولد سنة اثنتين من الهجرة، وعلى هذا يكون عمره حين التزويج سنتين. انتهى.

وقال الأثرم

(2)

: قلت لأبي عبد الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوَّج النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُمَّهُ أُمَّ سَلَمة صغيرًا

(3)

؟ قال: ومن يقول كان صغيرًا؟ ليس فيه بيان.

(ثم أخوها لأبويها) كالميراث (ثم) أخوها (لأبيها) كالإرث (ثم بنوهما كذلك) فيقدم ابن الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب، كالميراث، ثم بنوهما كذلك (وإن نزلوا) كالإرث.

(ثم العم لأبوين، ثم) العم (لأب، ثم بنوهما كذلك، وإن نزلوا) الأقرب فالأقرب.

(ثم أقرب العَصَبَات على ترتيب الميراث) لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة، ومظنة ذلك القرابة. والأحق بالميراث هو الأقرب، فيكون أحق بالولاية.

قال ابن هُبيرة: اتفقوا على أن الولاية في النكاح لا تثبت إلا لمن يرث بالتعصيب

(4)

. على هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه،

= حديث 1721.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وانظر: نصب الراية (4/ 92 - 93).

(1)

جامع الأصول لابن الأثير، تتمته (2/ 611).

(2)

المغني (9/ 357).

(3)

زاد في "ح" و"ذ": "أليس كان صغيرًا".

(4)

الإفصاح (2/ 330).

ص: 268

وإن نزلت درجتهم، وأولى ولد كلِّ أبٍ أقربُهم إليه لا نعلم فيه خلافًا.

(وإذا

(1)

كان ابنا عَمٍّ أحدُهما أخ لأم، فكأخ لأبوين وأخ لأب) أي: فيقدم ابن العم الذي هو أخ من أم على مقتضى كلام القاضي وطائفة. وقال الموفق والشارح: هما سواء؛ لأنما استويا في التعصيب والإرث به، وجهة الأم يورث بها منفردة، فلا ترجيح بها، فعلى هذا لو اجتمع ابن عَمٍّ لأبوين وابن عم لأب هو أخ من أم؛ فالولاية لابن العم من الأبوين.

(ثم المولى المُنعِم) بالعتق؛ لأنه يرثها ويعقل عنها عند عدم عصبتها من النسب، فكان له تزويجها (ثم أقرب عصباته) فأقربهم على ترتيب الميراث، ثم

(2)

مولى المولى، ثم عصباته كذلك، ثم مولى مولى المولى، ثم عصباته كذلك (ويقدَّم هنا ابنه، وإن نزل على أبيه) لأنه أحق بالميراث، وأقوى في التعصيب. وإنما قُدِّم الأب النسيب لزيادة شفقته، وفضيلة ولادته، وهذا معدوم في ابن

(3)

المعتق، فرجع فيه إلى الأصل.

(ثم السلطان) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "فالسلطان ولي مَنْ لا وليَّ لها"

(4)

(وهو) أي: السلطان (الإمام) الأعظم (أو) نائبه (الحاكم، أو من فوَّضا إليه) الأنكحة، ومقتضاه أنَّ الأمير لا يزوِّج، وهو مقتضى نص الإمام في رواية أبي طالب

(5)

: القاضي يقضي في الفروج والحدود

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 323): "فإذا".

(2)

في "ح": "من" بدل: "ثم".

(3)

في "ح" و"ذ": "أب" ولعله الأقرب إلى الصواب، وأشار في هامش "ذ" إلى أنه في نسخة:"ابن".

(4)

تقدم تخريجه (11/ 260) تعليق (3).

(5)

انظر: مسائل عبد الله (3/ 1008) رقم 1375، وصالح (1/ 474) رقم 500، وأبي داود ص/ 162.

ص: 269

والرجم. وصاحب الشُّرَط إنما هو مسلَّط في الأدب والجناية، ليس إليه المواريث والوصايا والفروج والرجم والحدود، وهو إلى القاضي أو إلى الخليفة الذي ليس بعده شيء.

وقال في رواية المَرُّوذي

(1)

في الرستاق يكون فيه الوالي، وليس فيه قاض: يزوِّج إذا احتاط لها في المهر والكفؤ، أرجو ألَّا يكون به بأس. وحمله القاضي على أنه مأذون له في التزويج؛ لما تقدم.

وقال الشيخ تقي الدين

(2)

: الأظهر حمل كلامه على ظاهره عند تعذر القاضي؛ لأنه موضع ضرورة. وإليه ميل الشيخ، وهو معنى ما جزم به المصنف فيما يأتي.

(ولو) كان الإمام أو الحاكم (من بُغَاةٍ، إذا استولوا على بلد) لأنه يجري فيه حكم سلطانهم وقاضيهم مجرى حكم الإمام وقاضيه.

وإذا ادَّعت المرأة خلوها من الموانع، وأنها لا وليَّ لها؛ زُوجت، ولو لم تُثبت

(3)

ذلك ببينة؛ ذكره الشيخ تقي الدين

(4)

، واقتصر عليه في "الفروع".

(و‌

‌من حكَّمه الزوجان) بينهما (وهو صالح للحكم؛ فـ) ــهو (كحاكم)

مُولّىً من قبل الإمام أو نائبه؛ لما يأتي في القضاء.

(ولا ولاية لغير العصبات) النَّسَبيَّة والسببية (من الأقارب، كالأخ من الأم والخال، وعم الأم، وأبيها، ونحوهم) لقول علي: إذا بلغ النساء نصَّ الحقائق فالعصبة أولى. يعني: إذا أدْركن؛ رواه أبو عبيد في

(1)

انظر: المغني (9/ 361)، والاختيارات الفقهية ص/ 295.

(2)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 295.

(3)

في "ح" و"ذ": "يثبت".

(4)

انظر: مجموع الفتاوى (32/ 34).

ص: 270

"الغريب"

(1)

؛ ولأن من ليس بعصبتها شبيه بالأجنبي منها. وفي نسخة: لغير العصبات والأقارب وما وقع عليه الحل

(2)

أولى. وقوله: "من الأقارب" صفة لغير العصبات، أو حال منه

(3)

.

(ولا) ولاية (لمن أسلمت) المرأة (على يديه) ولا لمُلتقِطٍ؛ لأنه لا نسب ولا ولاء؛ لحديث: "الولاءُ لمن أعتَق"

(4)

.

(فإن عدم الولي مطلقًا) بأن لم يوجد أحد ممن تقدم (أو عضل) وليها، ولم يوجد غيره (زوَّجها ذو سلطان في ذلك المكان؛ كوالي البلد، أو كبيره، أو أمير القافلة، ونحوه) لأن له سلطنة.

(فإن تعذر) ذو سلطان في ذلك المكان (زوجها عدل بإذنها.

قال) الإمام (أحمد

(5)

في دُهقان قرية) بكسر الدال وتضم. ودهق

(6)

الرجل وتدهقن كثر ماله؛ قاله في "الحاشية"(أي: رئيسها: يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفؤ والمهر، إذا لم يكن في الرُّستاق قاض) لأن اشتراط الولي في هذه الحالة يمنع النكاح بالكلية، فلم يجز؛ كاشتراط كون الولي عصبة في حق من لا عصبة لها.

(وإن كان في البلد حاكم وأبى التزويج إلا بظلم؛ كطلبه جُعلًا لا

(1)

(3/ 456 - 457). وأخرجه - أيضًا - البيهقي (7/ 121).

(2)

أشار في "ذ" إلى أنه في نسخة: "الحد".

(3)

زاد في "ذ": "وعلى كل منهما مفهومه ليس مرادًا، بل عصبة الولاء أيضًا لها الولاية، لكنها المؤخرة عن عصبة النسب، كما تقدم".

(4)

تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).

(5)

انظر: المغني (9/ 361)، والاختيارات الفقهية ص/ 295.

(6)

في "ح" و"ذ": "دهقن" وهو الصواب، كما في المصباح المنير ص/ 274، مادة (دهقن).

ص: 271

يستحقه) إما لأن

(1)

يكون له في بيت المال ما يكفيه، أو طلب زيادة على جعل مثله (صار وجوده) أي: الحاكم (كعدمه) قال الشيخ تقي الدين

(2)

، ووجهه ظاهر.

(ووليُّ أمَةٍ ولو) كانت (آبقة: سيدُها) المكلفُ الرشيدُ؛ لأنه عقد على منافعها، فكان إليه، كالإجارة (ولو) كان سيدها (فاسقًا، أو مكاتَبًا) لأن تزويجه إياها تصرف في ماله، فصح ذلك منه، كبيعه، لكن لا يزوجها المكاتَب إلا بإذن سيده، كما تقدم في الكتابة

(3)

.

(فإن كان لها سيدان، اشتركا في الولاية، وليس لواحد منهما الاستقلال بها) أي: بالولاية عليها (بغير إذن صاحبه) كما لا يبيعها ولا يؤجرها بغير إذنه، ولا يتأتى تزويج نصيبه؛ لأنه لا يتشقص.

(فإن اشتجرا) أي سيدا الأمَة في تزويجها (لم يكن للسلطان ولاية) لأنها مملوكة لمكلف رشيد حُرٍّ

(4)

، ولا ولاية عليه لأحد.

(فإن أعتقاها) معًا، أو واحدًا بعد آخر

(5)

، والأول معسر (وليس لها عصبة) من النسب (فهما وليَّاها) يزوِّجانها بإذنها، ولو تفاوتا في العتق.

(فإن اشتجرا؛ قام

(6)

الحاكم مقام الممتنع منهما) لأنها صارت حرَّة، وصار نكاحها حقًّا لها، ولا يستقل الآخر به؛ لأن ولايته سببها

(1)

في "ح": "بأن".

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 296.

(3)

(11/ 82).

(4)

في "ح" و"ذ": "حاضر".

(5)

في "ذ": "بعد واحد" وأشار إلى أنه في نسخة: "آخر".

(6)

في متن الإقناع (3/ 324): "أقام".

ص: 272

العتق، وهو إنما أعتق بعضها.

(وإن كان المُعتِق أو) كانت (المُعتِقة واحدًا، وله عصبتان كالابنين، والأخوين، فلأحدهما الاستقلال بتزويجها) بإذنها، كالابنين، والأخوين من النسب؛ لأن الولاء لا يورث، وإنما زوَّج بكونه عصبة للمعتق، ولا تبعض في ذلك، بخلاف المعتِقَين وعصبتهما.

(ولا تزول الولاية بالإغماء) لقصر مدته عادة، كالنوم (ولا) تزول الولاية أيضًا بـ (ـــالعمى) لأن الأعمى أهل للشهادة والرواية، فكان من أهل الولاية، كالبصير.

(ولا) تزول الولاية أيضًا (بالسَّفَهِ) لأن رُشد المال غير معتبر في النكاح

(1)

.

(وإن جُنَّ) الولي (أحيانًا، أو أغمي عليه، أو نقص عقله

(2)

بنحو مرض) يرجى زواله (أو أحرم) الولي بحج أو عمرة (انتظر زوال ذلك) لأن مدته لا تطول عادة (ولا ينعزل وكيلهم بطريان ذلك) أي: ما ذكر من الجنون أحيانًا، والإغماء، ونقص العقل بالمرض المرجو زواله، والإحرام؛ لأنه لا ينافي الولاية.

وأما الخَرَسُ فإن مَنَعَ فَهْمَ الإشارة أزال الولاية، وإن لم يمنعها لم تزل الولاية؛ لأن الأخرس يصح تزوجه، فصح تزويجه، كالناطق.

(1)

في "ح": "في الولي".

(2)

في "ذ" زيادة: "أي الولي".

ص: 273

فصل

(ويُشترط في الولي) سبعة شروط:

أحدها: (حرية) أي: كمالها؛ لأن العبد والمبعَّض لا يستقلان بالولاية على أنفسهما، فعلى غيرهما أولى (إلا مكاتَبًا يزوِّج أمَته) بإذن سيده. وتقدم

(1)

.

(و) الثاني: (ذكورية) لأن المرأة لا يثبت لها ولاية على نفسها، فعلى غيرها أولى.

(و) الثالث: (اتفاق دين) الولي والمولَّى عليها، فلا يزوِّج كافرٌ مسلمةً ولا عكسه. قال في "الاختيارات"

(2)

: لو كانت المرأة يهودية ووليها نصراني، أو بالعكس، فينبغي أن يخرَّج على الروايتين

(3)

في توارثهما. وجزم بمعناه في "شرح المنتهى" قال: ولا لنصراني ولاية على مجوسية ونحو ذلك؛ لأنه لا توارث بينهما بالنسب (سوى ما يأتي قريبًا) من أن أمَّ ولدِ الكافر، إذا أسلمت؛ يزوِّجها، والمسلم يزوِّج أمَته الكافرة، والسلطان يزوج كافرةً لا ولي لها.

(و) الرابع: (بلوغ.

و) الخامس: (عقل) لأن الولاية يُعتبر لها كمال الحال؛ لأنها تنفيذ

(4)

التصرف في حق غيره، وغير المكلف مولى عليه لقصوره، فلا تثبت له ولاية، كالمرأة.

(1)

(11/ 272).

(2)

ص/ 296.

(3)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 406) رقم 929.

(4)

في "ذ": "تفيد"، وأشار في الحاشية إلى أن في نسخة:"تنفيذ".

ص: 274

(و) السادس: (عدالة) لما روي عن ابن عباس: "لا نكاح إلا بشاهِدَي عدلٍ ووليٍّ مُرشدٍ"

(1)

قال أحمد

(2)

: أصح شيء في هذا: قول ابن عباس. وروي عنه مرفوعًا: "لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهِدَي عَدْلٍ، وأيُّما امرأةٍ أنكحها وليٌّ مسخوطٌ عليه؛ فنكاحها باطل"

(3)

. وروى

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (5/ 22، 7/ 222)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 12)، والبيهقي (7/ 112، 126)، وفي معرفة السنن والآثار (3/ 56) رقم 13638، والبغوي في شرح السنة (9/ 45) رقم 2264. وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 129)، بلفظ: لا نكاح إلا بولي أو سلطان مرشد.

(2)

انظر: المغني (9/ 368).

(3)

أخرجه الدارقطني (3/ 121)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 260) حديث 1704، من طريق عدي بن الفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، به.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 318) حديث 525، من طريق سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، به، ولفظه: لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان.

قال الدارقطني: رفعه عدي بن الفضل، ولم يرفعه غيره. وقال ابن الجوزي: في هذا الإسناد عدي، قال يحيى: ليس ثقة، لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث. وفيه عبد الله بن عثمان، قال يحيى: ليست أحاديثه بالقوية.

وأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 125) حديث 11343، وفي الأوسط (5/ 263، 7/ 97)، حديث 4517، 6165، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 258). حديث 1694، وفي العلل المتناهية (2/ 133) حديث 1025، من طريق النهاس بن قهم، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس مرفوعًا، بلفظ: البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن، لا يجوز النكاح إلا بولي، وشاهدين، ومهر قل أو كثر. وقال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به النهاس، قال يحيى: النهاس ضعيف. وقال ابن عدي: لا يساوي النهاس شيئًا. وانظر ما يأتي (11/ 301) تعليق رقم (7).

وأخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 15، حديث 1880، وأحمد (1/ 250)، وأبو يعلى (4/ 386، 8/ 147، 309) حديث 2507، 4692، 4907، والطبراني في الكبير (11/ 115، 269، 12/ 50) حديث 11298، 11944، 12483، وفي =

ص: 275

البرقاني

(1)

بإسناده عن جابر مرفوعًا: "لا نكاح إلا بولي وشاهِدَي عدل"

(2)

. ولأنها ولاية نظرية، فلا يستبدُّ بها الفاسق، كولاية المال (ولو) كان الولي عدلًا (ظاهرًا) فيكفي مستور الحال؛ لأن اشتراط العدالة ظاهرًا وباطنًا حرجٌ ومشقة، ويفضي إلى بطلان غالب الأنكحة (إلا في سلطان) يزوِّج من لا ولي لها، فلا تُشترط عدالته، للحاجة (و) إلا في (سيد) يزوِّج أمَته، فلا تُشترط عدالته؛ لأنه تصرفٌ في أَمَته، أشبه ما لو آجرها.

= الأوسط (4/ 282) حديث 3499، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (12/ 121) حديث 151، 152، والبيهقي (7/ 109 - 110)، والخطيب في الموضح (2/ 302)، بلفظ:"لا نكاح إلا بولي". قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 156): وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، ومداره عليه.

قلنا: تابعه خالد الحذاء عند أبي الشيخ. وله شاهد من حديث أبي موسى، وعائشة كما تقدم (11/ 258، 260) تعليق رقم (1)(3).

(1)

هو أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب أبو بكر الخوارزمي البرقاني، الإمام العلامة الفقيه الحافظ الثبت شيخ الفقهاء والمحدثين صاحب التصانيف، المتوفى سنة 425. انظر: تاريخ بغداد (4/ 373)، وسير أعلام النبلاء (17/ 464).

(2)

لم نقف عليه في كتب البرقاني المطبوعة. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (6/ 263) حديث 5560، وابن عدي (6/ 2113)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 260) حديث 1702، من طريق قطن بن نسير، عن عمرو بن النعمان، عن محمد بن عبد الله العرزمي، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، به.

وقال ابن الجوزي: قال أحمد: ترك الناس حديث العرزمي، وقال الفلاس والنسائي: هو متروك، وقال يحيى: لا يكتب حديثه،

وقطن بن نسير ضعيف.

ومحمد بن عبيد الله تحرف في الأوسط إلى محمد بن عبد الملك. ولهذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 286): رواه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن عبد الملك، عن أبي الزبير، فإن كان هو الواسطي الكبير فهو ثقة، وإلا فلم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

ص: 276

(و) السابع: (رُشد) لما تقدم عن ابن عباس (وهو) أي: الرشد هنا (معرفة الكُفؤ، ومصالح النكاح، وليس هو حفظ المال، فإن

(1)

رُشْدَ كلِّ مقام بحسبه؛ قاله الشيخ

(2)

) وهو معنى ما اشترطه في "الواضح" من كونه عالمًا بالمصالح، لا شيخًا كبيرًا جاهلًا بالمصلحة. وقاله القاضي وابن عقيل وغيرهما.

(ويقدِّم) الوليُّ (أصلحَ الخاطبين) لِمَوْلِيَّتِهِ؛ لأنه أحظُّ لها (وفي "النوادر": ينبغي أن يختار لِمَوْلِيَّتِهِ شابًّا حسن الصورة) لأن المرأة يعجبها من الرجل ما يعجبه منها.

(فإن كان الأقرب ليس أهلًا) للولاية (كالطفل) يعني: من لم يبلغ (والعبد، والكافر، والفاسق) ظاهر الفسق (والمجنون المطبَق، والشيخ إذا أفند) أي: ضعف في العقل والتصرف. قال في "القاموس"

(3)

: الفَنَدُ بالتحريك: إنكار العقل، لهرم أو مرض، والخطأ في القول والرأي، والكذب كالإفناد. ولا تقل: عجوز مُفنَّدة؛ لأنها لم تكن ذات رأي أبدًا. (أو عضَلَ الأقربُ؛ زوَّج الأبعدُ) يعني: من يلي الأقرب من الأولياء؛ لأن الولاية لا تثبت للأقرب مع اتصافه بما تقدم، فوجوده كعدمه، ولتعذُّر التزويج من جهة الأقرب بالعَضْلِ؛ جعِل كالعدم، كما لو جُنَّ.

فإن عَضَلَ الأبعدُ أيضًا؛ زوَّجها الحاكمُ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ مَن لا ولي لها"

(4)

.

(1)

في "ذ": "لأن".

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 296.

(3)

ص/ 392، مادة (فند).

(4)

تقدم تخريجه (11/ 260)، تعليق رقم (3).

ص: 277

(والعَضْلُ: منعها) أن تتزوج (كفؤًا

(1)

إذا طلبت ذلك، ورغب كلٌّ منهما في صاحبه) بما صح مهرًا (ولو) كان (بدون مهر مثلها) يقال: داءٌ عُضَال: إذا أعيا الطبيب دواؤه، وامتنع عليه.

(قال الشيخ

(2)

: ومن صُور العَضْل) المُسقِط لولايته (إذا امتنع الخُطَّاب لشدَّة الولي. انتهى) لكن الظاهر أنه لا حُرمة على الولي هنا؛ لأنه ليس له فعل في ذلك.

(ويُفسَّق) الولي (بالعضْل إن تكرر منه) لأنه صغيرة، وفيه ما أشرنا إليه في "الحاشية".

(وإن غاب) الولي (غَيْبةً منقطعةً، ولم يوكِّل) من يزوِّج (زوَّج) الولي (الأبعدُ) دون السلطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "السلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ لها"

(3)

. وهذه لها ولي (ما لم تكن أمَة) غاب سيدها (فيزوجها الحاكم) لأن له نظرًا في مال الغائب (ويأتي في نفقة المماليك) بأتم من هذا.

(وهي) أي: الغيبة المنقطعة (ما لا تُقطع الا بكلفة ومشقة) نص عليه في رواية عبد الله

(4)

. قال الموفق: وهذا أقرب إلى الصواب، فإن التحديد بابُه التوقيف، ولا توقيف (وتكون) الغيبة المنقطعة (فوق مسافة القصر) لأن من دون ذلك في حكم الحاضر.

(وإن كان الأقرب أسيرًا، أو محبوسًا في مسافة قريبة لا تمكن مراجعته، أو تتعذر) أي: تتعسر مراجعته، فزوَّج الأبعد؛ صح؛ لأنه صار كالبعيد.

(1)

في "ذ": "بكفؤ".

(2)

انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 185 - 186).

(3)

تقدم تخريجه (11/ 260) تعليق رقم (3).

(4)

مسائل عبد الله (3/ 1018) رقم 1390.

ص: 278

(أو كان) الأقرب (غائبًا لا يُعلَم) محلُّه (أقريبٌ هو؛ أم بعيد) فزوَّج الأبعد؛ صح (أو علم

(1)

أنه) أي: الأقرب (قريب) المسافة (ولم يُعلم مكانه) فزوَّج الأبعد؛ صح؛ لتعذر مراجعته.

(أو كان) الأقرب (مجهولًا لا يُعلم أنه عصبة) للمرأة (فزوَّج الأبعد) الذي يليه (صح) التزويج استصحابًا للأصل (ثم إن عُلِم العصبةُ) بعد العقد، وكان غير معلوم حينه، لم يُعَدِ العقد (و) إن (زال المانع) بعد العقد، بأن بلغ الصغير، أو عقل المجنون، ونحوه (لم يُعَد العقد).

وكذا إن قام بالأقرب مانع، أو كان غير أهل، ثم زال وعاد أهلًا، ولم يعلم ذلك حين العقد، فزوَّج الأبعدُ؛ لم يُعَدِ العقد.

(وكذا لو زُوجت بنتُ ملاعَنَةٍ) بعد أن نفاها أبوها باللعان (ثم استلحقها أب) لم يُعَد العقد، استصحابًا للأصل في ذلك كله. قال الشيخ تقي الدين في "المسودة"

(2)

: قد يقال: حكم تزويجها حكم سائر الأحكام المتعلقة بالنسب تلك المدة، من العقل، والإرث، وغير ذلك.

(ولا يلي كافرٌ نكاحَ مسلمةٍ، ولو بِنتَه) لأنه لا يرثها (إلا إذا أسلمت أمُّ ولده، ومكاتَبتُهُ، ومُدبَّرتُهُ؛ فيليه) أي: يلي نكاحها (ويباشره) كما يؤجرها؛ لأنه تصرف في ملكه، لكنه في المُكاتَبة والمُدبَّرة مبني على أنه لا يُجبر على بيعهما أو نحوه. والمذهب أنهما لا يبقيان بملكه، لصحة بيعهما، بخلاف أم الولد. ولذلك اقتصر في "المنتهى" وغيره على أم الولد.

(ويلي كتابيٌّ نكاح مَوليَّته الكتابية) فيزوجها (من مسلم وذمي،

(1)

في "ح": "وإن علم".

(2)

لم نقف عليه في المطبوع من المسودة.

ص: 279

ويباشره) لأنه وليٌّ مناسب لها، فجاز له العقد عليها ومباشرته (ويشترط فيه شروط المسلم) من البلوغ، والعقل، والذكورة، والعدالة في دينه، والرشد، وغيرهما مما تقدم

(1)

.

(ولا يلي مسلمٌ نكاحَ كافرةٍ) كما لا يرثها (إلا سيد أمَة) مسلم يزوّج أمَته الكافرة؛ لما تقدم

(2)

(أو ولي سيدتها) أي: سيدة الأمَة الكافرة على ما تقدم تفصيله؛ لأنها مال، فأشبه نكاحها إجارتها (أو يكون المسلم سلطانًا، فله تزويج ذمية لا وليَّ لها) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "السلطان وليُّ من لا ولي لها"

(3)

.

(وإذا زوَّج الأبعد من غير عذرٍ للأقرب) لم يصح النكاح، ولو أجازه الأقرب؛ لأن الأبعد لا ولاية له مع الأقرب، أشبه ما لو زوَّجها أجنبي (أو زوَّج أجنبي) ولو حاكمًا مع وجود وليٍّ (لم يصح) النكاح (ولو أجازه الولي) لفقد شرطه، وهو الولي.

(ولو تزوَّج الأجنبي لغيره بغير إذنه، أو زوَّج الولي مَوْلِيَّتَهُ التي يُعتبر إذنها) كأخته (بغير إذنها) لم يصح (أو تزوَّج العبد بغير إذن سيده؛ لم يصح؛ ولو أجازوا) بعد العقد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوَّج العبدُ بغير إذن سيده فهو عَاهِرٌ"

(4)

وفي لفظ: "فنكاحهُ

(1)

(11/ 274) وما بعده.

(2)

(11/ 274).

(3)

تقدم تخريجه (11/ 260) تعليق رقم (3).

(4)

أخرجه أبو داود في النكاح، باب 17، حديث 2078، والترمذي في النكاح، باب 20، حديث 1111، 1112، والطيالسي ص/ 234، حديث 1675، وعبد الرزاق (7/ 243) حديث 12979، وابن أبي شيبة (4/ 261)، وأحمد (3/ 300، 377، 382)، والدارمي في النكاح، باب 40، حديث 2239، وابن الجارود (3/ 31) حديث 686، وأبو يعلى (4/ 5، 177) حديث 2000، 2256، والطحاوي في شرح =

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مشكل الآثار (7/ 134، 136) حديث 2705 - 2709، والطبراني في الأوسط (5/ 401) حديث 4795، وابن عدي (2/ 27، 3/ 925)، والحاكم (2/ 194)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 333)، والبيهقي (7/ 127)، وفي السنن الصغير (3/ 28) حديث 2403، من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

قال الترمذي: حديث حسن. وقال مرة: حسن صحيح.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وقال ابن دقيق العيد في الإلمام ص/ 399، رقم 1081: في إسناده ابن عقيل ومن يحتج به يصححه.

وأخرجه الترمذي في العلل الكبير ص/ 159، حديث 269، وابن ماجه في النكاح، باب 43، حديث 1959، عن أزهر بن مروان، عن عبد الوارث بن سعيد، عن القاسم بن عبد الواحد، عن ابن عقيل، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قال الترمذي في سننه (3/ 419): ولا يصح، والصحيح عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر.

وقال في العلل: سألت محمدًا [البخاري] عن هذا الحديث: فقال: عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر أصح. وحسنة البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 114). وأخرجه أبو داود في النكاح، باب 17، حديث 2079، والبيهقي (7/ 127)، من طريق أبي قتيبة، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ: إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل، وقال أبو داود: هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 43، حديث 1960، والطرسوسي في مسند ابن عمر ص/ 48، حديث 93، والدارمي في النكاح، باب 40، حديث 2240، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 136) حديث 2710، من طريق مندل، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ: أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه، فهو زانٍ.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 114): هذا إسناد فيه مندل بن علي، وهو ضعيف. وكذا قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 165)، وقال أحمد: هذا حديث منكر. وصوَّب الدارقطني وقفه على ابن عمر. انظر: نصب الراية (3/ 204). =

ص: 281

باطِلٌ"

(1)

؛ ولأنه نكاحٌ لم تثبت أحكامه، من الطلاق والخلع والتوارث، فلم ينعقد، كنكاح المعتدة (وهو نكاح الفضولي، فإن وطئ) الزوج (فيه، فلا حدَّ) عليه؛ لأنه نكاح مختلفٌ فيه، والحدود تُدرأ بالشبهات

(2)

.

فصل

(ووكيل كلِّ واحد من هؤلاء الأولياء) مُجبِرًا كان أو غيره (يقوم مقامه، وإن كان) الولي (حاضرًا) لأنه عقد معاوضة، فجاز التوكيل فيه كالبيع، وقياسًا على توكيل الزوج؛ لأنه رُوي:"أنه صلى الله عليه وسلم وكَّل أبا رافعٍ في تزويجه ميمونة"

(3)

"ووكَّل عمرو بن أمية الضمري في تزويجه أم حبيبة"

(4)

.

= والموقوف أخرجه عبد الرزاق (7/ 243) رقم 12981، 12982، وسعيد بن منصور (1/ 789) رقم 789، وابن أبي شيبة (4/ 261)، والبيهقي (7/ 127) عن نافع، عن ابن عمر: أنه وجد عبدًا له تزوج بغير إذنه، ففرق بينهما، وأبطل صداقه، وضربه حدًّا.

وصححه ابن حزم في المحلى (9/ 497).

وأخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 2557) في ترجمة الوازع بن نافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: عامة ما يرويه عن شيوخه بالأسانيد التي يرويها غير محفوظة.

(1)

أخرجه أبو داود في النكاح، باب 17، حديث 2079، والبيهقي (7/ 127) وقد تقدم الكلام عليه في التعليق السابق.

(2)

زاد في "ح" و"ذ": (تتمة: إذا ادعت امرأة أنها خلية، وأن لا ولي لها زوجت؛ ذكره الشيخ تقي الدين) ا. هـ. وكانت هذه التتمة في الأصل ثم ضرب عليها. وقد تقدمت المسألة مع توثيقها (11/ 270) تعليق رقم (4).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 161) تعليق رقم (4).

(4)

تقدم تخريجه (8/ 413) تعليق رقم (2).

ص: 282

(والوليُّ ليس بوكيل للمرأة) لأنه لم تثبت ولايته من جهتها (ولو كان) الوليُّ (وكيلًا) عنها (لتمكنت من عزله) كسائر الوكلاء

(1)

، وإنما إذنها - حيث اعتبر - شرطٌ لصحة تصرفه، فأشبه ولاية الحاكم عليها.

وحيث تقرر أنه ليس وكيلًا عنها (فله توكيل) من يوجب نكاحها (بغير إذنها، وقبل إذنها له) أي: لوليها في تزويجها، وإن لم تكن مجبرةً.

(ولا يفتقر) توكيله (إلى حضور شاهدين) لأنه إذنٌ من الولي في التزويج، فلا يفتقر إلى إذن المرأة، ولا الإشهاد عليه، كإذن الحاكم.

(ويثبت له) أي: للوكيل (ما يثبت لموكِّله، حتى في الإجبار) لأنه نائبه، وكذا الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج.

(لكن لا بدَّ من إذن) امرأة (غير مجبرة لوكيل) وليها أن يزوجها (فلا يكفي إذنها لوليها بالتزويج) من غير مراجعة وكيلٍ لها، وإذنها له بعد توكيله

(2)

.

(ولا) يكفي إذنها لوليها (بالتوكيل من غير مراجعة الوكيل لها، وإذنها له بعد توكيله فيما يظهر) قاله في "التنقيح"، وجزم به في "المنتهى"؛ لأن قبل أن يوكله الوليُّ أجنبيٌّ، وبعد توكيل

(3)

؛ وليٌّ.

قلت: فيؤخذ منه لو أذنت للأبعد أن يزوجها مع أهلية الأقرب، ثم انتقلت الولاية للأبعد، فلا بدَّ من مراجعته لها بعد انتقال الولاية إليه.

(ولو وَكَّلَ وليٌّ) غيرُ مجبر في نكاح مَوْلِيَّتِهِ (ثم أذنت) المرأة

(1)

في "ح" زيادة: "دائمًا".

(2)

في "ذ": "توكيلها".

(3)

في "ح" و"ذ": "توكيله".

ص: 283

(للوكيل) أن يزوجها (صح) ذلك (ولو لم تأذن للولي) أن يزوجها، أو أن يوكل؛ لأنه ليس وكيلًا عنها (وهو في كلامهم) قاله في "التنقيح"، وجزم به في "المنتهى" وغيره.

(ويشترط في وكيل وليٍّ ما يشترط في الولي؛ من العدالة وغيرها) كالرشد والذكورة، والبلوغ، والعقل، واتحاد الدين؛ لأنها ولايةٌ، فلا يصح أن يباشرها غير أهلها؛ ولأنه لما لم يملك تزويج موليته؛ فَلأن لا يملك تزويج مَوْلِيَّة غيره بالتوكيل أولى.

(ولا يشترط في وكيل الزوج عدالته) فيصح توكيل فاسق في قَبوله؛ لأن الفاسق يصح قَبوله النكاح لنفسه، فصح لغيره

(1)

، وكذا لو وكَّل مسلمٌ نصرانيًا في قَبول نكاح نصرانية؛ لصحة قبوله

(2)

ذلك لنفسه.

(ويصح توكيله) أي: الولي في إيجاب النكاح توكيلًا (مطلقًا) وإذنها لوليها في العقد مطلقًا (كقول المرأة لوليها): زوِّج من شئت أو من ترضاه (أو

(3)

) قول (الولي لوكيله: زوِّجْ من شئت. أو: من ترضاه).

رُوي "أن رجلًا من العرب ترك ابنته عند عمر وقال: إذا وجدت كفؤًا فزوِّجه، ولو بشراك نعله، فزوَّجها عثمان بن عفان، فهي أم عمرو بن عثمان"

(4)

واشتهر ذلك فلم ينكر، وكالتوكيل في البيع ونحوه.

(ويتقيَّد الولي) إذا أذنت له أن يزوجها وأطلقت بالكفء (و) يتقيد (وكيله المطلق بالكفؤ) ظاهره: وإن لم يشترط، وقال في "الترغيب": إن

(1)

في "ذ": "فصح قبوله لغيره".

(2)

في "ذ": "قبول".

(3)

في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 326): "و".

(4)

أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب كما في الإصابة (2/ 105 - 106)، وأخرجه ابن شبّة في تاريخ المدينة (3/ 982 - 984).

ص: 284

اشترط. واقتصر عليه في "المبدع" وغيره، ولعل ما ذكره المصنف أولى؛ لأن الإطلاق يحمل على ما لا نقيصة فيه.

(وليس للوكيل) أن يتزوجها لنفسه، كالوكيل في البيع؛ لا يبيع لنفسه.

(ولا للولي) إذا أذنت له المرأة أن يزوجها، وأطلقت (أن يتزوجها لنفسه) لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره؛ قطع به في "الشرح" و"المبدع" في آخر تولي طرفي العقد.

وقال في "الإنصاف": وأما من ولايته بالشرع؛ كالولي والحاكم وأمينه، فله أن يزوج نفسه، ولو قلنا: ليس لهم أن يشتروا من المال؛ ذكره القاضي في "خلافه" وألحق الوصي بذلك.

قال في "القواعد الفقهية والأصولية"

(1)

: وفيه نظر، فإن الوصي يشبه الوكيل، لتصرفه بالإذن، قال: وسواء في ذلك اليتيمة وغيرها؛ صَرَّح به القاضي في ذلك، وذلك حيث يكون لها إذنٌ معتبر.

(ويجوز) للوكيل المطلق، وللولي - إذا أذنت له أن يزوجها وأطلقت - أن يزوجها (لولده) ووالده، وأخيه، ونحوهم، إذا كان كفؤًا؛ لتناول اللفظ لهم، وهذا بخلاف الوكيل في البيع ونحوه، فإنه لا يبيع لمن ترد شهادته له؛ لأنه متهمٌ؛ لأن الثمن ركنٌ في البيع، بخلاف الصداق.

(و) يصح توكيله (مقيدًا، كـ: زوِّجْ فلانًا بعينه) فلا يزوج من غيره؛ لقصور ولايته.

(ويشترط) لصحة النكاح (قولُ وليٍّ) لوكيل زوج (أو قولُ وكيلِهِ)

(1)

القواعد الفقهية لابن رجب ص/ 133، القاعدة السبعون، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص/ 209.

ص: 285

أي: الولي (لوكيل زوجٍ: زوَّجتُ فلانة) بنت فلانٍ، وينسِبُها (فلانًا) ابن فلان، وينسِبُه، ولم يُنبَّه على ذلك هنا؛ للعلم به مما سبق، من اشتراط تعيين الزوجين.

(أو) قوله: (زوَّجتُ موكِّلك فلانًا) ابن فلان (فلانة) بنت فلان.

(ولا يقول) الولي ولا وكيلُه لوكيل الزوج: (زوجتُها منك) ولا أنكحتُكَها.

(و) يُشترط أن (يقول وكيل زوج: قَبِلتُهُ لفلان) بن فلان، وينسِبُه (أو:) قَبِلتُهُ (لموكلي فلان) بن فلان، فإن لم يقل كذلك لم يصح، بخلاف البيع ونحوه.

(ووصيُّ كل واحدٍ من الأولياء في النكاح بمنزلته) لقيامه مقامه (فتُستفاد ولاية النكاح بالوصية إذا نصَّ له على التزويج، مُجبِرًا كان الوليُّ كأب أو غير مُجبِرٍ، كأخ) لغير أم، وكذلك

(1)

عم وابنه؛ لأنها ولاية ثابتة للولي، فجازت وصيته بها، كولاية المال؛ ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته، ويكون نائبه قائمًا مقامه، فجاز أن يستنيب فيها بعد موته.

(قال ابن عقيل: صفة الإيصاء أن يقول الأب لمن اختاره: وصَّيتُ إليك بنكاح بناتي، أو: جعلتُكَ وصيًّا في نكاح بناتي، كما يقول في المال: وصَّيتُ إليك بالنظر في أموال أولادي، فيقوم الوصيُّ مقامه) أي: مقام المُوصي (مقدمًا) الوصي (على من يُقدَّم

(2)

عليه المُوصي.

فإن كان الوليُّ له الإجبار) كأبي البِكر (فذلك) الإجبار (لوصيه، فيُجبِرُ) وصيُّ الأب (من يجبره) الأب (من ذكر وأنثى) لقيامه مقام الأب.

(1)

في "ذ": "وكذا".

(2)

في "ح": "تقدم".

ص: 286

(وإن كان) الولي ليس مجبِرًا، كأبي ثيِّبٍ تمَّ لها تسع سنين، وأخيها، وعمها، ونحوه، ممن (يحتاج إلى إذنها؛ فوصيُّه كذلك) يحتاج إلى إذنها، كوكيله.

(ولا خيار لمن زوَّجه) الوصي ذكرًا كان أو أنثى (إذا بلغ) لأن الوصيَّ قام مقام المُوصي، فلم يثبت في تزويجه خيارٌ، كالوكيل (وأما الوصيُّ في المال فيملك تزويج أمَةِ من يملك النظرَ في ماله، نصًّا

(1)

) لأنها من جملة المال الذي ينظر فيه، وتقدم.

(وكذا) إذا أوصى

(2)

إليه بالنظر في أمر أولاده الصغار، لم يملك تزويج أحدهم.

و (من لم تثبت له الولاية؛ كالعبد، والفاسق، والصبي المميز؛ لا يصح أن يوكله الولي في تزويج موليته) لأنه إذا لم يصح منه إنكاح موليته؛ فموليَّة غيره أولى.

(فإن وكَّله) أي: العبد، أو الفاسق، أو الصبي (الزوج في قَبوله النكاح) صح؛ لأن الفاسق ونحوه يصح قَبوله النكاح لنفسه، فصح لغيره وتقدم

(3)

(4)

.

(أو وكَّله الأب) أي: وكَّل عبدًا أو فاسقًا أو صبيًا مميزًا (في قَبوله) أي: النكاح (لابنه الصغير) أو لمن تحت حَجْرِه (صح) التوكيل؛ لما تقدم.

(1)

انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 80 - 81).

(2)

في "ذ": "وصى".

(3)

(11/ 284).

(4)

في الأصل زيادة ضُرب عليها، وهي ملحقة بهامش "ح" و"ذ" وهي:"وكذا مسلم يوكل نصرانيًّا في قبول نكاح كتابية؛ لصحة قبول ذلك لنفسه" ا. هـ.

ص: 287

فصل

(وإذا استوى وليَّان فأكثر) لامرأةٍ (في الدرجة) كإخوة لها، كلهم لأبوين، أو لأبٍ، أو أعمام كذلك، أو بني إخوة كذلك (فإن أذنت لواحدٍ منهم) بعينه (تعيَّن، ولم يصح نكاح غيره) ممن لم تأذنه؛ لعدم الإذن.

(فإن أذنت لهم) أي: لكل واحدٍ منهم أن يزوجها (صح التزويج من كل

(1)

واحد منهم) لأن سبب الولاية موجود في كل واحد منهم.

(والأَولى تقديم أفضلهم) أي: المستوين (علمًا ودينًا، ثم) إن استووا في العلم والدين، قدم (أسنهم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "لما قُدِّم إليه مُحَيِّصةُ وحُوَيِّصَةُ وعبد الرحمن بن سهلٍ، وكان أصغرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كَبِّرْ كبِّرْ - أي: قدم الأكبر - فتقدم حويصةُ"

(2)

؛ ولأنه أحوط للعقد في اجتماع شروطه، والنظر في الحظ.

(فإن تشاحُّوا) أي: الأولياء المستوون في الدرجة (أُقرع بينهم) لأنهم تساووا في الحق وتعذَّر الجمع (فإن سبق غيرُ من قَرَع) أي: من خرجت له القرعة (فزوَّج) وقد أذنت لهم (صح) التزويج؛ لأنه تزويجٌ صدر من ولي كامل الولاية، بإذن موليَّته، فصح منه، كما لو انفرد بالولاية؛ ولأن القرعة إنما شُرعت لإزالة المُشَاحّة.

(وإذا زوَّج الوليان) المستويان في الدرجة (اثنين، وعُلم السابق) منهما (فالنكاح له) وعقد الثاني باطلٌ؛ لحديث سَمُرَة وعقبة مرفوعًا: "أيُّما امرأة زوَّجها وليَّان فهي للأول" رواه أبو داود

(3)

؛ ولأن الأول خلا

(1)

في "ح": "صح التزويج لكل منهم".

(2)

تقدم تخريجه (4/ 127) تعليق رقم (2).

(3)

في النكاح، باب 22، حديث 2088. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في النكاح، باب =

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 19، حديث 1110، والنسائي في البيوع، باب 96، حديث 4696، وفي الكبرى (3/ 286، 4/ 57) حديث 5397، 5398، 6278، والطيالسي ص/ 122، حديث 903، وابن أبي شيبة (4/ 139)، وأحمد (5/ 8، 11، 12، 18، 22)، والدارمي في النكاح، باب 15، حديث 2200، وابن الجارود (2/ 197) حديث 622، والروياني في مسنده (2/ 46، 50) حديث 800، 810، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 28) حديث 2، والطبراني في الكبير (7/ 202 - 203) حديث 6839 - 6843، وفي مسند الشاميين (4/ 31) حديث 2651، والحاكم (2/ 35، 174، 175)، والبيهقي (7/ 139 - 140)، والبغوي في شرح السنة (9/ 56) حديث 2272، من طرق عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: هكذا رواية الجماعة، وهو المحفوظ.

وأخرجه الشافعي في الأم (5/ 16)، وعبد الرزاق (6/ 232) حديث 10628، 10629، 10635، وابن أبي شيبة (4/ 139)، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 274) حديث 511، والطبراني في الكبير (17/ 348 - 349) حديث 959 - 961، والبيهقي (7/ 139 - 140)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 70) حديث 13698، من طرق عن قتادة، عن الحسن، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 57) حديث 6279، عن سمرة وعقبة جميعًا رضي الله عنهما.

وأخرجه الدارمي في النكاح، باب 15، حديث 2199، والبيهقي (7/ 141)، عن عقبة بن عامر أو سمرة بن جندب على الشك فيهما.

وقد رجح غير واحد من الأئمة رواية من رواه عن سمرة رضي الله عنه، قال أبو حاتم وأبو زرعة - كما في العلل لابن أبي حاتم (2/ 84) طبعة مكتبة الرشد -: عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح. وقال البيهقي (7/ 141): والصحيح رواية من رواه عن سمرة بن جندب. وقال في معرفة السنن والآثار (10/ 70): والصحيح رواية همام، وهشام، وحماد بن سلمة وغيرهم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه أشعث عن الحسن، عن سمرة. =

ص: 289

عن مبطلٍ، والثاني تزوَّج زوجة غيره، فكان باطلًا، كما لو علم.

(فإن دخل بها الثاني، وهو لا يعلم أنها ذات زوج، فُرِّق بينهما) لبطلان نكاحه (فإن كان وَطِئها، وهو لا يعلم؛ فهو وطء شُبهة، يجب لها به مهر المِثل، وتُردُّ للأول) لأنها زوجته (ولا تحلُّ له) أي: للأول (حتى تنقضي عدتها) من وطء الثاني؛ لتُعلَم براءة رَحِمها منه (ولا يُرد الصداق الذي يؤخذ من الداخل بها) وهو الثاني (على) الزوج الأول (الذي دُفعت

(1)

إليه) لأنه لا يملك التصرف في بُضعها، فلا يملك عوضه، بخلاف منفعة العين المؤجرة، فإنها ملك للمستأجر يتصرف فيها، فعوضها له.

(ولا يحتاج النكاح الثاني إلى فسخ؛ لأنه باطل، ولا يجب لها المهر إلا بالوطء، دون مجرد الدخول) أي: الخلوة من غير وطء (و) دون (الوطء دون الفَرج) كالمفاخذة؛ لأنه نكاحٌ باطلٌ، لا حكم له.

(وإن وقعا) أي: النكاحان (معًا) أي: في وقت واحد (بطلا) أي: فهما باطلان من أصلهما، ولا يحتاجان إلى فسخ؛ لأنه لا يمكن

(2)

تصحيحهما

(3)

، ولا مرجِّح لأحدهما على الآخر (ولا مَهْرَ لها على واحد

= وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 175): قال علي بن المديني والبيهقي: الصحيح رواية من روى عن سمرة.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 165): وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، فإن رجاله ثقات، لكن اختلف فيه على الحسن، ورواه الشافعي وأحمد والنسائي من طريق قتادة أيضًا عن الحسن عن عقبة بن عامر. قال الترمذي: الحسن عن سمرة في هذا أصح. وقال ابن المديني: لم يسمع الحسن من عقبة شيئًا.

(1)

في "ذ": "زُفَّت".

(2)

في "ح" ونسخة أشار إليها في حاشية "ذ": "لا يملك".

(3)

في "ح": "صحتهما".

ص: 290

منهما، ولا يرثانها، ولا ترثهما) لأن العقد الباطل وجوده كعدمه.

(وإن جُهِل السابق) منهما (مثل أن جُهل السبق) بأن جهل هل وقعا معًا، أو مرتين (أو عُلِم عَيْنُ السَّابق) من العقدين (ثم جُهل) أي: نسي (أو عُلِم السَّبْقُ) كما لو علم أن أحدهما قبل الزوال، والآخر بعده (وجُهِل السَّابق) منهما (فسخهما حاكمٌ) لأن أحدهما صحيحٌ، ولا طريق للعلم به (ولها نصف المهر يقترعان عليه) فمن خرجت عليه القرعة غَرِمه؛ لأن عقد أحدهما صحيحٌ، وقد انفسخ نكاحه من غير جهة الزوجة، قبل الدخول، فوجب عليه نصف المهر (وكذا لو طلَّقاها) وجب على أحدهما نصف المهر بقُرعة. وإذا عقد عليها أحدهما بعد ذلك، فلا ينبغي أن ينقص عَدد طلاقه بهذه الطلقة؛ لأنا لم نتحقق أنَّ عقده هو الصحيح حتى يقع طلاقه؛ ذكر معناه الشيخ تقي الدين

(1)

.

(وإن أقرَّت لأحدهما بالسَّبْق) أي: بأن نكاحه سابق (لم يُقبل) إقرارها على الآخر (نصًّا

(2)

) لأن الخصم غيرها، وهو العاقد الثاني، فلم يُقبل قولها عليه، وإن ادَّعى عليها العلم بالسابق، لم يلزمها يمين؛ لأن من لا يُقبل إقراره لا يُستحلف في إنكاره، ويأتي في القضاء.

(وإن ماتت) المرأة (قبل الفَسْخ والطَّلاق؛ فلأحدهما نِصفُ ميراثها بقُرعة) أي: يقترعان عليه، فيأخذه من خرجت له القُرعة (من غير يمين) قال الشيخ تقي الدين

(3)

: إنه المذهب. قال: وكيف يحلف من قال: لا أعرف الحال.

(1)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 298.

(2)

انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (20/ 221)، والفروع (5/ 185).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 298 - 299.

ص: 291

(وإن مات الزوجان) قبل الفسخ والطلاق (فإن كانت أقرَّت بسبق أحدهما؛ فلا ميراث لها من الآخر) لاعترافها ببطلان نكاحه (وهي تدَّعي ميراثها ممن أقرَّت له بالسبق، فإن) كان (ادَّعى ذلك) أي: السبق (أيضًا دُفع إليها ميراثها منه) لاتفاقهما على صحة النكاح (وإن لم يكن ادَّعى ذلك) أي: السبق قبل موته (وأنكر الورثة) كونه السابق (فالقول قولهم مع أيمانهم) أنهم لا يعلمون أنه السابق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "واليمين على من أنكر"

(1)

(فإن نكلوا قُضي عليهم) بالنكول (وإن لم تكن أقرَّت بالسبق؛ فلها ميراثها من أحدهما بقُرعة) فيقرع بين الرجلين، فمن خرجت عليه القرعة؛ فلها إرثها منه. نقل حنبل عن أحمد في رجل له ثلاث بنات، زوَّج إحداهن من رجل، ثم مات الأب، ولم يعلم أيتهن زوَّج: يُقرع، فأيَّتهن أصابتها القُرعة فهي زوجته، وإن مات الزوج فهي التي ترثه

(2)

. (ولو ادَّعى كل واحد منهما السبق، فأقرَّت به لأحدهما) فلا أثر له كما سبق (ثم) إذا (فُرِّق بينهما) بأن فسخ الحاكم نكاحهما، أو طَلَّقاها (وجب المهر) بعد الدخول، وقبله نصفه (على المُقَرِّ له) لاعترافه به لها، وتصديقها له عليه.

(وإن ماتا؛ ورثت المقَرَّ له) لأنه مقتضى إقرارهما (دون صاحبه) لأنها تدَّعي بطلان نكاحه لتأخره.

(وإن ماتت) من أقرَّت لأحدهما بالسبق، وصَدَّقها (قَبْلَهما؛ احتمل أن يرثها المُقَرُّ له) كما ترثه (واحتمل ألَّا يُقبل إقرارها له) كما لم تقبله في نفسها (أطلقهما في "المغني" و"الشرح".

(1)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

(2)

انظر: المغني (9/ 434).

ص: 292

وإن لم تُقِرَّ لأحدهما) بالسبق (إلا بعد موته؛ فكما لو أقرَّت له في حياته) على ما تقدم (وليس لورثة واحدٍ منهما الإنكار لاستحقاقها) لأنه ظلم لها.

(وإن لم تُقِرَّ لواحد منهما) بالسبق (أُقرع بينهما، وكان لها ميراثها ممن تقع لها القرعة عليه) قياسًا على القُرعة في العتق والطلاق وغيرهما.

(وإن كان أحدهما قد أصابها) أي: وَطئها (وكان هو المُقَرَّ له) بالسبق، فلها المُسمَّى.

(أو) وطئها من ادَّعى السبق، و (كانت لم تُقِرَّ لواحدٍ منهما؛ فلها المُسمَّى) في عقده (لأنه مُقِرٌّ لها به، وهي لا تدَّعي سواه) فتأخذه (وإن كانت مُقِرَّة للآخر) بالسبق (فهي تدَّعي مهر المثل) بوطئه إياها مع كونها غير زوجة له، (وهو يُقِرّ

(1)

لها بالمُسمَّى) لدعواه الزوجية.

(فإن استويا) أي: مهر المِثْل والمُسمَّى، فلا كلام.

(أو اصطلحا) أي: الواطئُ والموطوءة على قليل أو كثير (فلا كلام) لأن الحق لا يعدوهما.

(وإن كان مهر المِثْل) الذي تدَّعيه الموطوءة (أكثر) من المُسمَّى (حلف) الواطئ (على الزائد وسقط) لأن الأصل براءته منه (وإن كان المُسمَّى لها) في العقد (أكثر) من مهر المِثل الذي تدعيه (فهو مقرٌّ لها بالزيادة، وهي تنكرها، فلا تستحقها) أي: لا تستحق المطالبة بها؛ لإلغاء إقراره بإنكارها.

(وإن زوَّج السيدُ عبْدَه الصغير من أمَته) صغيرةً كانت أو كبيرةً، صح أن يتولى طرفي العقد بلا نزاع؛ لأنه عقدٌ بحكم الملك،

(1)

في "ذ": "مقر".

ص: 293

لا بحكم الإذن.

(أو) زوَّج عبده الصغير من (بنته) بإذنها، صح أن يتولى طرفي العقد.

وإن زوَّجه ابنته الصغيرة؛ لم يجز؛ لأنه لا يجوز له تزويجها ممن لا يكافئها، وعنه

(1)

: يجوز؛ قاله في "الشرح".

(أو زوَّج) شخصٌ (ابنه) الصغير، أو المجنون، أو السفيه (بنت أخيه) صح أن يتولى طرفي العقد.

(أو زوَّج وصيٌّ في نكاحٍ صغيرًا) تحت حَجْره (بصغيرة تحت حَجْره، ونحوه) كحاكمٍ يزوج من لا ولي له، بمن لا ولي لها (صح أن يتولى طرفي العقد.

وكذلك وليُّ المرأة العاقلة) إذا كانت تحل له (مثلُ ابنِ العم) لأبوين، أو لأب (والمولى) المعتِق وعصبته المتعصب بنفسه (والحاكم) وأمينه (إذا أذنت له في نكاحها) فإنه يصح أن يتولَّى طرفي العقد؛ لما روى البخاري قال: "قال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم ابنة قارض

(2)

: أتجعلين أمرك إليَّ؟ قالت: نعم، قال: قد تزوجتك"

(3)

. ولأنه يملك الإيجاب والقَبول، فجاز أن يتولاهما، كما لو زوَّج أمَته عبدَه الصغير؛

(1)

المغني (9/ 377).

(2)

"قارض" كذا في الأصول! وصوابه: "قارظ" كما في صحيح البخاري، والطبقات لابن سعد.

(3)

البخاري في النكاح، باب 37، قبل حديث 5131 معلقًا، ووصله ابن سعد في الطبقات (8/ 472) قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن ذئب، عن سعيد بن خالد، وقارظ بن شيبة أن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف: إنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت

فذكره.

ص: 294

ولأنه عقدٌ وُجد فيه الإيجاب من وليٍّ ثابت الولاية، والقَبول من زوجٍ هو أهلٌ للقبول، فصح، كما لو وُجِد من رجلين.

(أو وكَّل الزوجُ الوليَّ) في قَبول نكاح مخطوبته؛ صح أن يتولَّى الولي طرفي العقد (أو) وكَّل (الوليُّ الزوجَ) في إيجاب النكاح لنفسه، صح أن يتولَّى طرفي العقد.

(أو وكّلا) أي: الولي والزوج رجلًا (واحدًا) في العقد؛ صح أن يتولَّى طرفي العقد (ونحوه) كما لو أذن السيدُ لعبده الكبير أن يتزوَّج أمَته، صح أن يتولَّى طرفي العقد، وكذا البيع والإجارة ونحوها

(1)

.

(ويكفي) في عقد النكاح ممن يتولى طرفيه: (زوَّجت فلانًا) وينسِبُه (فلانةً) وينسِبُها من غير أن يقول: وقبلت له نكاحها.

(أو) يقول: (تزوَّجتها إن كان هو الزوج) من غير أن يقول: قبلتُ نكاحها لنفسي؛ لحديث عبد الرحمن بن عوف السابق؛ ولأن إيجابه يتضمن القَبول.

(أو) يقول: تزوَّجتها لموكلي فلان أو لفلان، وينسبه إن كان (وكيله) أي: وكيل الزوج من غير أن يقول: وقبلت له نكاحها.

(إلا بنتَ عَمِّه، وعتيقَتَهُ المجنونتين) فلا يكفيه تولِّي طرفي العقد، إذا أراد أن يتزوجهما (فَيُشترط) لصحة النكاح إذًا (ولي غيره، أو حاكم) لأن الولي إنما جعل للنظر للمولى عليه، والاحتياط له، فلا يجوز له التصرف لنفسه فيما هو مولىً عليه؛ لمكان التهمة، كالوكيل في البيع لا يبيعه لنفسه.

(1)

في "ذ": "ونحوهما".

ص: 295

فصل

(وإذا قال لأَمَته القِنِّ، أو المدبَّرةِ، أو المُكاتَبة، أو أم ولده، أو المعلَّق عتقها على صفة) قبل وجودها (التي تحل) أي: يحل نكاحها (له إذًا) لو كانت حرة؛ ليدخل فيه الكتابية، واحترازًا عن المجوسية والوثنية والمُحْرِمة، وكذا لو كان معه أربع نسوة، وقال لأمَته ما يأتي، فلا يكون نكاحًا؛ لأنه حينئذ لا يحل له نكاحها؛ لأنها خامسة، وقولهم:"لو كانت حرة" لِدَفْع اعتبار عدم الطَّوْل، وخوف العَنَت المعتبر في نكاح الأَمَة مع ما تقدم:(أعتقتُكِ، وجعلتُ عتقَكِ صَداقَكِ، أو) قال: (جعلتُ عِتق أَمَتي صَداقَها، أو) قال: (صَداق أَمَتي عتقَها، أو) قال: (قد أعتقتُها، وجعلتُ عتقَها صَداقها، أو) قال: (أعتقتُها على أن عتقَها صَداقها، أو) قال: (أعتقتُكِ على أن أتزوَّجَك، وعتقُكِ صَداقك) أو قال: أعتقتُك على أن أتزوجك، وعتقي صداقك (صح) العتق والنكاح في هذه الصور كلها، وإن لم يقل: وتزوجتك، أو تزوجتها؛ لأن قوله:"وجعلت عتقها صداقها" ونحوه يتضمن ذلك.

والأصل في ذلك: ما روى أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أعتق صفية، وجعل عِتْقَها صَدَاقَهَا" رواه أحمد والنسائي وأبو داود الترمذي

(1)

(1)

أحمد (3/ 99، 165، 170، 181، 186، 203، 239، 242، 280، 291)، والنسائي في النكاح، باب 64، حديث 3342، 3343، وأبو داود في النكاح، باب 6، حديث 2054، والترمذي في النكاح، باب 23، حديث 1115.

وأخرجه - أيضًا - البخاري في الصلاة، باب 12، حديث 371، وفي صلاة الخوف، باب 6، حديث 947، وفي المغازي، باب 38، حديث 4200، 4201، وفي النكاح، باب 13، 68، حديث 5086، 5169، ومسلم في النكاح، حديث 1365 =

ص: 296

وصححه. وروى الأثرم بإسناده عن صفية قالت: أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل عتْقي صداقي"

(1)

وبإسناده عن علي أنه كان يقول: "إذا أعتقَ الرجلُ أمَّ ولدِه، فجعل عتقها صداقها، فلا بأس بذلك"

(2)

وفعله أنس بن مالك

(3)

؛ ولأن العتق يجب تقديمه على النكاح ليصح، وقد شرطه صداقًا، فتتوقف صحة العتق على صحة النكاح؛ ليكون العتق صداقًا فيه، وقد ثبت العتق، فيصح النكاح.

ومحل الصحة (إن كان) الكلام (متصلًا، نصًّا

(4)

) فلو قال: أعتقتُك، وسكت سكوتًا يمكنه الكلام فيه، أو تكلم بكلام أجنبي، ثم قال: وجعلتُ عتقَكِ صداقَكِ؛ لم يصح النكاح؛ لأنها صارت بالعتق حرة، فيحتاج أن يتزوجها برضاها، بصداق جديد.

ومحل الصحة - أيضًا - إن كان (بحضرة شاهدين) نصًّا

(5)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نِكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدين"

(6)

ذكره أحمد في رواية ابنه

= (85).

(1)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (24/ 73) حديث 194، وفي الأوسط (5/ 500، 9/ 228) حديث 4950، 8497، وابن عدي (7/ 2573).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 282): رجاله ثقات.

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 270) رقم 13114، وابن أبي شيبة، في كتاب الرد على أبي حنيفة (14/ 185)، وأخرجه في النكاح (4/ 56) من فِعْل علي رضي الله عنه: أنه أعتق أم ولده، وجعل عتقها مهرها.

(3)

لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره - أيضًا - ابن القيم في زاد المعاد (5/ 156).

(4)

مسائل أبي داود ص/ 161.

(5)

مسائل أبي داود ص/ 161، ومسائل ابن هانئ (1/ 199) رقم 988، والعقيدة للإمام أحمد برواية الخلال ص/ 65.

(6)

تقدم تخريجه (11/ 275) تعليق رقم (3) و (11/ 276) تعليق رقم (2).

ص: 297

عبد الله

(1)

.

(فإن طلَّقها سيدُها) الذي أعتقها، وجعل عتقها صداقها (قبل الدخول؛ رجع عليها) سيدها (بنصف قيمتها وقت الإعتاق) لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها، وقد فرض لها نفسها، ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله، فرجع بنصف قيمة ما أُعتق منها؛ لأنه صداقها (فإن) كانت قادرة؛ أُجبرت على الإعطاء، وإن (لم تكن قادرة؛ أُجبرت على الاستسعاء، نصًّا

(2)

) كما تقدم في المفلس

(3)

، وكذا كل من لَزِمه دَين مستقر.

(وإن ارتدَّت) مَن أعتقها سيدها، وجعل عتقها صداقها قبل الدخول (أو فعلتْ ما يُفسخ به نكاحها، مثل أن أرضعتْ له زوجةً صغيرة، ونحو ذلك) كما لو استدخلت ذَكَر أبيه أو ابنه (قبل الدخول؛ فعليها قيمة نفسها) لوجوب عود الصداق إذًا للزوج، وقد أصدقها نفسها، ولا سبيل إلى الرجوع في الرق، كما تقدم، فرجع بقيمتها.

(ويصح جعل صداق مَن بعضُها حر) وبعضها رقيق له (عِتْق ذلك البعض) إذا أذنت له، وأذن له معتق البقية، على قياس ما تقدم، وكان متصلًا بحضرة شاهدين، ككاملة الرق.

(وإن قال) السيد لأَمَته: (زوَّجتُكِ لزيد، وجعلتُ عتقَكِ صَداقك) وقَبِل زيد؛ صح (أو قال): زوَّجتُكِ لزيد و (صداقُكِ عتقُكِ، أو) قال: (أعتقتُكِ وزوَّجتك له) أي: لزيد (على ألف، وقَبِل زيد) النكاح (فيهما؛

(1)

لم نقف عليه في مسائل عبد الله المطبوعة.

(2)

المغني (9/ 245).

(3)

(8/ 368).

ص: 298

صح) العتق والنكاح، إذا كان متصلًا بحضرة شاهدين.

(كما لو قال) لأَمَته: (أعتقتُك، وأكريتك منه) أي: من زيد مثلًا (بألف) وقَبِل زيد؛ لأنه بمنزلة استثناء الخدمة، مثل أن يقول: أعتقتك على خدمة سنة. ولو قال: وهبتك هذه الجارية، وزوجتها من فلان، أو: وهبتكها، وأكريتها من فلان، أو: بعتُكها وزوجتُها أو: أكريتُها من فلان؛ فقياس المذهب صحته؛ لأنه في معنى الاستثناء للمنفعة.

وحاصله: أنا نجوِّز العتق والوقف والهبة والبيع مع استثناء منفعة الخدمة، وقد جوزنا أن يكون الإعتاق والإنكاح في زمن واحد، وجعلنا ذلك بمنزلة الإنكاح قبل الإعتاق؛ لأنها حين الإعتاق لم تخرج عن ملكه؛ ذكره في "الاختيارات"

(1)

.

(ولو أعتقها) سيدها (بسؤالها على أن تَنكحه، أو قال) لها من غير سؤالها: (أعتقتُك على أن تَنكِحيني، ويكون عتقُك صداقك، أو) قال: أعتقتك (على أن تنكحيني، فقط) دون أن يقول: ويكون عتقك صداقك (وقَبِلتْ؛ صح) العتق (و) إذا تزوَّجها (يصير العتق صداقًا) لها، وإن كان تقدم العتق، كما لو قارنه، و (كما لو دفع إليها) لو كانت حرة (مالًا ثم تزوجها عليه، ولم يلزمها أن تتزوجه) لأن العتق وقع سلفًا في النكاح، فلم يلزمها، كما لو أسلف حرة ألفًا على أن يتزوجها (ثم إن تزوجته لم يكن له عليها شيء) لأنه أزال ملكه عنها بشرط عوض، وقد سلم له، فلم يكن له غيره (وإلا) أي: وإن لم تتزوَّجه (لزمها قيمة نفسها) لأنه أزال ملكه عنها بشرط عوض لم يُسلَّم له، فاستحق الرجوع ببدله. قال في "الشرح": فإن بذلت له نفسها ليتزوجها، فامتنع لم يُجبر، وكانت له

(1)

ص/ 301.

ص: 299

القيمة؛ لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها، لم يُجبر هو على قَبولها.

(ولو قال: أعتقتُكِ، وزوِّجيني نفسَكِ؛ عَتَقت) لتنجيز عتقها (ولم يلزمها أنْ تتزوجه، ولا شيء عليها) من قيمة نفسها إذا لم تتزوجه؛ لأنه ألزمها بما لا يلزمها، ولم تلتزمه.

(ولا بأس أن يعتق الرجل أَمَته، ثم يتزوجها، سواء أعتقها لله سبحانه، أو) أعتقها (ليتزوجها) إذ لا محظور فيه، وقال صلى الله عليه وسلم:"مَن كانتْ عنده جاريةٌ، فعلّمها وأحسن تعليمها، أو أحسن إليها، ثم أعتقها، وتزوَّجها فله أجران" متفق عليه

(1)

.

(وإذا قال) مكلَّف رشيد لآخر: (أعتقْ عبدك على أن أزوجك ابنتي، فأعتقه؛ لم يلزمه) أي: القائل (أن يزوجه ابنته) لأنه وعدٌ لا يلزم

(2)

الوفاء به (وعليه) أي: القائل (له) أي: المعتِق (قيمة العبد) لأنه غرَّه (كما لو قال: أعتقْ عبدك عَنِّي، وعليَّ ثمنه) فأعتقه؛ لزمه ثمنه، وتقدم

(3)

(أو) قال له: (طلِّقْ زوجتك على ألف، ففعل، أو: ألقِ متاعك في البحر، وعليَّ ثمنه) فألقاه؛ فعليه ثمنه، بخلاف ما لو قال: أعتق عبدك عني، أو ألق متاعك في البحر، ففعل؛ فلا شيء عليه؛ لأنه لم يلتزم له عوضه.

(1)

البخاري في العلم، باب 31، حديث 97، وفي العتق، باب 14، 16، حديث 2544، 2547، وفي الجهاد والسير، باب 145، حديث 3011، وفي أحاديث الأنبياء، باب 48، حديث 3446، وفي النكاح، باب 12، حديث 5083، ومسلم في الإيمان، حديث 154، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

(2)

في "ح": "لا يلزمه".

(3)

(10/ 535).

ص: 300

فصل

الشرط (الرابع: الشهادة) على النكاح (احتياطًا للنسب، خوف الإنكار، فلا ينعقد النكاح إلا بشاهدين) روي عن عمر

(1)

وعلي

(2)

، وهو قول ابن عباس

(3)

(4)

؛ لما تقدم.

ولما روت عائشة مرفوعًا: "لا بُدَّ في النكاح من حضور أربعةٍ: الوليُّ، والزوجُ، والشاهدان

(5)

" رواه الدارقطني

(6)

.

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البغايا اللواتي يُنكِحنَ أنفسهنَّ بغير بينة" رواه الترمذي

(7)

.

(1)

أخرج البيهقي (7/ 126)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 57) رقم 13642، عن الحسن وسعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. وصحح إسناده. وأخرج ابن أبي شيبة (4/ 130)، عن طاوس، عن عمر رضي الله عنه قال: لا نكاح إلا بولي، ولا نكاح إلا بشهود.

(2)

أخرج البيهقي (7/ 111)، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: لا نكاح إلا بولي، ولا نكاح إلا بشهود.

(3)

زاد في "ذ" و"ح": "رواه الدارقطني".

(4)

تقدم تخريجه (11/ 275) تعليق رقم (1).

(5)

في "ذ": "والشاهدين" على البدل.

(6)

(3/ 224). وأخرجه - أيضًا - ابن الجوزي في التحقيق (2/ 256 - 257) حديث 1688. وفيه أبو الخصيب نافع بن ميسرة، قال عنه الدارقطني وابن الجوزي: مجهول. وانظر: التلخيص الحبير (3/ 163).

(7)

في النكاح، باب 15، حديث 1103. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (12/ 141) حديث 12827، والبيهقي (7/ 125)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 268) حديث 1726، والضياء في المختارة (9/ 523) حديث 505، من طريق عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به. =

ص: 301

ولأنه عقد يتعلق به حقُّ غير المتعاقدين، وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه؛ لئلا يجحد أبوه فيضيع نسبه، بخلاف غيره من العقود.

وما روي عن أحمد

(1)

من "أنهُ صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوَّجها"

(2)

من غير شهود؛ فمن خصائصه، كما سبق

(3)

.

(مُسْلِمَيْن) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نِكاح إلا بولي، وشاهدي عدل" رواه الخلال

(4)

.

= وأخرجه - أيضًا - الترمذي رقم 1104 من طريق غندر محمد بن جعفر، وابن أبي شيبة (4/ 135) من طريق يزيد بن هارون، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، موقوفًا. قال الترمذي: وهو أصح. وقال: هذا حديث غير محفوظ، لا نعلم أحدًا رفعه، إلا ما روي عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة مرفوعًا، وروي عن عبد الأعلى، عن سعيد هذا الحديث موقوفًا. والصحيح ما روي عن ابن عباس قوله:"لا نكاح إلا ببينة". هكذا روى أصحاب قتادة، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس:"لا نكاح إلا ببينة". وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفًا. وقال البيهقي (7/ 126): والصواب موقوف.

وخالفهما ابن الجوزي فقال: عبد الأعلى ثقة، والرفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، وقد يرفع الراوي الحديث، وقد يقفه. انظر ما تقدم (11/ 275) تكملة تعليق رقم (6).

(1)

الكافي (4/ 238).

(2)

تقدم تخريجه (11/ 296) تعليق رقم (1)، (11/ 297) تعليق رقم (1).

(3)

(11/ 195).

(4)

لم نقف عليه في كتب الخلال المطبوعة. وروي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: وقد تقدم تخريجه (11/ 275) تعليق رقم (3).

ب - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: وقد تقدم تخريجه (11/ 276) تعليق رقم (2).

ج - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (3/ 225)، والبيهقي (7/ 125). وفي سنده عبد الله بن محرر، قال الفلاس وأبو حاتم والنسائي =

ص: 302

(عدلين) للخبر.

(ذَكَرَيْن) لما روى أبو عبيد في "الأموال" عن الزهري أنه قال: "مضت السُّنَّة ألَّا تجوز شهادةُ النساءِ في الحدودِ، ولا في النكاح، ولا في الطلاق"

(1)

.

(بالغين، عاقلين) لأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الشهادة.

(سَميعين) لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به.

(ناطقين) لأن الأخرس لا يتمكن من أداء الشهادة.

= والدارقطني: متروك الحديث.

د - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن عدي (2/ 521 - 522)، والدارقطني (3/ 225)، وفي سنده ثابت بن زهير، قال ابن عدي: وكل أحاديثه تخالف الثقات في أسانيدها ومتونها.

هـ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي (6/ 2356)، والبيهقي (7/ 125). وفي سنده مغيرة بن موسى، قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث.

و - عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن حبان (9/ 386) حديث 4075، والدارقطني (3/ 225، 226)، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص/ 166، وابن حزم في المحلى (9/ 465)، والبيهقي (7/ 124، 125)، كلهم من طرق، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.

قال ابن حبان: ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر. وقال ابن حزم: لا يصح في هذا الباب شيء غير هذا السند - يعني ذكر شاهدي عدل - وفي هذا كفاية لصحته. انظر ما تقدم (11/ 260) تعليق رقم (3).

ز - عمر رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه البيهقي (7/ 126) وقال: هذا إسناد صحيح، وقد تقدم تخريجه قريبًا (11/ 301) تعليق رقم (1).

(1)

لم نقف عليه في كتاب الأموال لأبي عبيد. وأخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج ص/ 164، وابن أبي شيبة (10/ 58)، عن الحجاج بن أرطاة، عن الزهري، به.

وضعفه ابن حزم في المحلى (9/ 403). انظر التلخيص الحبير (4/ 207).

ص: 303

(ولو كانا عبدين) كسائر الشهادات (أو) كانا (ضريرين، إذا تيقَّنا الصوت تيقنًا لا شك فيه) كالشهادة بالاستفاضة (أو) كانا (عدوَّي الزوجين، أو) عدوَّي (أحدهما، أو) عدوَّي (الولي) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "وشاهدي عدل"

(1)

؛ ولأنه ينعقد بهما غير هذا النكاح، فانعقد هو أيضًا بهما، كسائر العقود.

و (لا) ينعقد النكاح (بمُتَّهم لرَحِمٍ، كابني الزوجين، أو ابني أحدهما ونحوه) كأبويهما، وابن أحدهما، وأبي الآخر؛ للتهمة.

(ولا) ينعقد النكاح أيضًا (بأصَمَّين، أو أخرسين، أو) بشاهدين (أحدهما كذلك) أي: أصم، أو أخرس؛ لما تقدم.

(ولا يبطل النكاح بالنواصي بكتمانه) لأنه لا يكون مع الشهادة عليه مكتومًا (فإن كتمه) أي: النكاح (الزوجان والولي والشهود قصدًا؛ صح العقد، وكره) كِتمانهم له؛ لأن السنة إعلان النكاح.

(ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين) ولا بشهادة مسلم وذمي؛ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}

(2)

(ولو كانت الزوجة ذمية) كتابية، أبواها كتابيان.

(ولو أقرَّ رجل وامرأة أنهما نكحا بوليٍّ، وشاهدي عدل؛ قُبِل منهما) لأنه لا منازع لهما فيه (وثبت النكاح بإقرارهما) لعدم المخاصمة

(3)

فيه.

(وتكفي العدالة ظاهرًا فقط) في الشاهدين بالنكاح، بألَّا يظهر

(1)

تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

سورة الطلاق، الآية:2.

(3)

في "ذ" و"ح": "المخاصم".

ص: 304

فسقهما؛ لأن الغرض من الشهادة إعلان النكاح، ولهذا يثبت بالتسامع، فإذا حضر من يشتهر بحضوره كفى؛ ولأن النكاح يقع بين عامة الناس في مواضع لا تُعرف فيها حقيقة العدالة، فاعتبار ذلك يشق.

(فلو بانا) أي الشاهدان بالنكاح بعده (فاسقين؛ فالعقد صحيح) ولا يُنقَض. وكذا لو بان الولي فاسقًا؛ لأن الشرط العدالة ظاهرًا، وهو ألَّا يكون ظاهر الفسق، وقد تحقق ذلك.

(ولو تاب) الشاهد (في مجلس العقد؛ فكمستور) العدالة (قاله في "الترغيب") فيكفي، وكذا لو تاب الولي في المجلس. قلت: بل يكتفى بذلك حيث اعتُبرت العدالة مطلقًا؛ لأن إصلاح العمل ليس شرطًا فيها كما يأتي.

‌الشرط (الخامس: الخلو من الموانع)

الآتية في باب المحرمات (بألّا يكون بهما) أي: بالزوجين (أو بأحدهما ما يمنع التزويج؛ من نسب، أو سبب) كرضاع، ومصاهرة (أو اختلاف دِيْنٍ) بأن يكون مسلمًا وهي مجوسية، ونحوه مما يأتي (أو كونها في عِدَّة، ونحو ذلك) كأن يكون أحدهما مُحرمًا.

(والكفاءة في زوجٍ شرط للزوم النكاح، لا لصحته) هذا المذهب عند أكثر المتأخرين. قال في "المقنع" و"الشرح": وهي أصح، وهذ قول أكثر أهل العلم

(1)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: "أمَرَ فاطمة بنتَ قيس أن تنكحَ أسامة بن زيد مولاه، فنَكحها بأمره" متفق عليه

(2)

.

(1)

انظر: مراتب الإجماع ص/ 116.

(2)

لم نقف عليه في صحيح البخاري. وأخرجه مسلم في الطلاق، حديث 1480، عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.

ص: 305

وروت عائشة: "أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنَّى سالمًا، وأنْكَحَهُ ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو مولىً لامرأة من الأنصار" رواه البخاري وأبو داود والنسائي

(1)

.

وعن أبي

(2)

حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، عن أمه قالت:"رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال" رواه الدارقطني

(3)

. (فـ) ــعلى هذا (يصح النكاح فَقْدِها) أي: فَقْدِ الكفاءة (فهي حق للمرأة، والأولياء كلهم) القريب والبعيد (حتى من يحدث منهم) بعد العقد، لتساويهم في لحوق العار بفَقْدِ الكفاءة.

(فلو زُوِّجت امرأة بغير كفؤ فَلِمَنْ لم يرضَ) بالنكاح (الفسخ، من المرأة، والأولياء جميعهم) بيان لمن لم يرضَ (فورًا، وتراخيًا) لأنه خيار لنقص في المعقود عليه، أشبه خيار العيب (ويملكه الأبعد) من الأولياء (مع رضا الأقرب) منهم به (و) مع رضا (الزوجة) دفعًا لما يلحقه من لحوق العار.

(فلو زوَّج الأب) بنته (بغير كفؤ، برضاها، فللإخوة الفسخ،

(1)

البخاري في المغازي، باب 12، حديث 4000، وفي النكاح، باب 16، حديث 5088، وأبو داود في النكاح، باب 10، حديث 2061، والنسائي في النكاح، باب 8، حديث 3223، 3224، وفي الكبرى (3/ 266 - 268، 298) حديث 5331 - 5334، 5449.

(2)

في "ح": "ابن"، وكلاهما (أي: أبي حنظلة، وابن حنظلة) خطأ، والصواب:"حنظلة" كما في سنن الدارقطني، وسنن البيهقي، وكتب التراجم.

(3)

(3/ 301 - 302). وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (9/ 403)، والبيهقي (7/ 137).

قال ابن معين في تاريخه (3/ 123): هذا باطل، ما كانت أخت عبد الرحمن بن عوف قط تحت بلال.

ص: 306

نصًّا

(1)

) لأن العار في تزويج من ليس بكفؤ عليهم أجمعين (ولو زالت الكفاءة بعد العقد؛ فلها) أي: الزوجة (الفسخ فقط) دون أوليائها، كعتقها تحت عَبْدٍ؛ ولأن حق الأولياء في ابتداء العقد؛ لا في استدامته.

(والكفاءة) لغة: المماثلة والمساواة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"المسلمون تتكافأ دماؤهم"

(2)

أي: تتساوى، فيكون دم الوضيع منهم كدم الرفيع.

(1)

الهداية لأبي الخطاب (1/ 308)، وانظر المغني (9/ 390).

(2)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وغيرهم، منهم:

أ - عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 159، حديث 2751، وابن ماجه في الديات، باب 31، حديث 2685، والطيالسي ص/ 299، حديث 2258، وابن أبي شيبة (9/ 432)، وأحمد (2/ 180، 192، 215)، وابن الجارود (3/ 85، 330) حديث 771، 1073، والبيهقي (8/ 28، 29)، والبغوي في شرح السنة (10/ 172) حديث 2532. وفي بعض الروايات:"المؤمنون".

وحسَّن إسناده ابن عبد الهادي في التنقيح - كما في نصب الراية (4/ 335) - والحافظ في الفتح (12/ 261).

ب - علي رضي الله عنه: أخرجه النسائي في القسامة، باب 9، 13، حديث 4749، 4759، 4760، وأحمد (1/ 119)، وابنه عبد الله في زوائد المسند (1/ 122)، وأبو يعلى (1/ 424) حديث 562، من طريق أبي حسان، عن علي رضي الله عنه، بلفظ:"المؤمنون" وهو منقطع، أبو حسان لم يسمع من علي؛ كما قال أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، انظر المراسيل لابن أبي حاتم ص/ 216.

وأخرجه أبو داود في الديات، باب 11، حديث 4530، والنسائي في القسامة، باب 9، حديث 4748، وأحمد (1/ 122)، والبزار (2/ 290) حديث 713، 714، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 550) حديث 605، 606، وأبو يعلى (1/ 282، 462) حديث 338، 628، والطحاوي (3/ 192)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 123) حديث 5889، والحاكم (2/ 141)، والبيهقي (8/ 29، 193)، والبغوي في شرح السنة (10/ 172) حديث 2531، من طريق الحسن، عن قيس بن عباد، عن علي رضي الله عنه، في حديث طويل. قال ابن عبد الهادي - كما في نصب الراية (4/ 335) -: سنده صحيح، وقال في المحرر ص/ 391: رجاله =

ص: 307

وهي هنا (معتبرة في خمسة أشياء:

(الدِّين، فلا يكون الفاجر ولا الفاسق كفؤًا لعفيفةٍ عدلٍ) لأنه مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته، فلا يكون كفؤًا لعدل،

= رجال الصحيح. وقال الحافظ في الفتح (12/ 261): حسن.

ج - عائشة رضي الله عنها: أخرجه أبو يعلى (8/ 197) حديث 4757، والدارقطني (3/ 131)، والبيهقي (8/ 29 - 30)، بلفظ:"المؤمنون".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 292 - 293): رجاله رجال الصحيح غير مالك بن أبي الرجال، وقد وثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد.

د - معقل بن يسار رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الديات، باب 31، حديث 2684، والطبراني في الكبير (20/ 206) حديث 471.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 292): فيه عبد السلام بن أبي الجنوب، وهو ضعيف.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 135): هذا إسناد ضعيف، عبد السلام ضعفه ابن المديني، وأبو حاتم.

هـ - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه في الديات، باب 31، حديث 2683.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 134): إسناده ضعيف.

و - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 247) حديث 6474. قلنا: شيخ الطبراني محمد بن عيسى بن شيبة، ترجمه المزي في تهذيب الكمال (26/ 253) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الحافظ في التقريب (6247): مقبول.

ز - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن حبان "الإحسان"(13/ 340) حديث 5996، ضمن حديث طويل.

ح - الحسن البصري رحمه الله. مرسلًا: أخرجه عبد الرزاق (10/ 99) حديث 18506، وابن أبي شيبة (9/ 432).

ط - عمرو بن شعيب رحمه الله، مرسلًا: أخرجه عبد الرزاق (5/ 226) حديث 9445.

ص: 308

ويؤيده قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}

(1)

.

(الثاني: المنصب، وهو النسب، فلا يكون العَجَمي - وهو مَن ليس من العرب - كفؤًا لعربية) لقول عمر: "لأمْنَعَنَّ فروجَ ذوات الأحْسَابِ

(2)

إلّا مِنَ الأَكْفَاءِ" رواه الخلال والدارقطني

(3)

؛ ولأن العرب يعتدّون الكفاءة في النسب، ويأنفون من نكاح الموالي، ويرون ذلك نقصًا وعارًا، ويؤيده حديث:"إن الله اصطفى كِنَانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"

(4)

؛ ولأن العرب فَضَلتِ الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم.

(الثالث: الحرية، فلا يكون العبدُ، ولا المبعَّض كفؤًا لحرة، ولو) كانت (عتيقة) لأنه منقوص بالرق، ممنوع من التصرف في كسبه، غير مالك له؛ ولأن ملك السيد لرقبته يشبه ملك البهيمة، فلا يساوي الحرة لذلك، والعتيق كلُّه كفؤٌ للحرة.

(الرابع: الصناعة، فلا يكون صاحب صناعة دنيئة - كالحجَّام، والحائك، والكسَّاح

(5)

، والزبَّال، والنَّفَّاط

(6)

- كُفؤًا لبنت

(1)

سورة السجدة، الآية:18.

(2)

في "ذ": "لأمنعن أن تزوج ذوات الأحساب".

(3)

لم نقف عليه في كتب الخلال المطبوعة، وأخرجه الدارقطني (3/ 298). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 152) رقم 10324، وابن أبي شيبة (4/ 418)، وابن أبي الدنيا في العيال ص/ 39، رقم 118، والبيهقي (7/ 133)، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، به.

(4)

أخرجه مسلم في الفضائل، حديث 2276، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنهما.

(5)

كسحْتُ البيت كسْحًا: كنستُه، ثم استُعير لتنقية البئر والنهر وغيره، فقيل: كسحته إذا نقَّيته. المصباح المنير ص/ 731، مات (كسح).

(6)

النَّفَّاط: رامي النفط. المصباح المنير ص/ 618، مادة (نفط).

ص: 309

من

(1)

هو صاحب صناعة جليلة؛ كالتاجر، والبزاز) أي: الذي يتجر في البز، وهو القماش (والتَّانِئ صاحب العقار، ونحو ذلك) لأن ذلك نقص في عُرف الناس، فأشبه نقص النسب، ورُوي في حديثٍ:"العرب بعضهم لبعض أَكْفَاء، إلا حائكًا أو حجَّامًا"

(2)

. قيل لأحمد: كيف تأخذ به وأنت تضعِّفه. قال: العمل عليه

(3)

. يعني: أنه موافق لأهل العرف.

(الخامس: اليسار بمالٍ، بحسب ما يجب لها، من المهر، والنفقة) و (قال ابن عقيل: بحيث لا تتغير عليها عادتها عند أبيها في بيته، فلا يكون المعسر كفؤًا لموسرة) لأن على الموسرة ضررًا في إعسار زوجها؛

(1)

في "ح": "كفؤًا لمن هو".

(2)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه أبو العباس الأصم في حديثه ص/ 120، حديث 196، وابن حبان في المجروحين (2/ 124)، وابن عدي (5/ 1749، 1852)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 130)، والبيهقي (7/ 134 - 135)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 269) حديث 1728، 1729، وفي العلل المتناهية (2/ 617 - 618) حديث 1017 - 1019، من طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما. وضعفه جدًّا غير واحد. قال أبو حاتم في العلل لابنه (1/ 412): هذا كذب لا أصل له. وقال أيضًا (1/ 420): باطل. وقال في موضع آخر (1/ 423): هذا حديث منكر. وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 165): حديث منكر موضوع. وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: هذا الحديث لا يصح. انظر: بيان الوهم والإيهام (2/ 493)، ونصب الراية (3/ 197)، والتلخيص الحبير (3/ 164).

ب - معاذ بن جبل رضي الله عنه: أخرجه البزار (7/ 121) حديث 2677، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 275): فيه سليمان بن أبي الجون، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الحافظ في الفتح (9/ 133)، وفي الدراية (2/ 63).

ج - عائشة رضي الله عنها: أخرجه البيهقي (7/ 135) وضعفه.

(3)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 92)، والمغني (9/ 395).

ص: 310

لإخلاله بنفقتها، ومؤنة أولاده، ولهذا ملكت الفسخَ بإعساره بالنفقة، ولأن ذلك نقصًا

(1)

في عرف الناس، يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب.

"فائدة": ولد الزنى، قد قيل: إنه كفؤٌ لذات نسب، وعن أحمد

(2)

أنه ذُكر له أنه يَنْكح وينكح إليه، فكأنه لم يحب ذلك؛ لأن المرأة تتضرر به، هي وأولياؤها، ويتعدَّى ذلك إلى ولدها، وليس هو كفؤًا للعربية بغير إشكال فيه؛ لأنه أدنى حالًا من الموالي؛ قاله في "الشرح".

(وليس مولى القوم كفؤًا لهم) نقل الميموني

(3)

: مولى القوم من أنفسهم في الصدقة، ولم يكن عنده هذا هكذا في التزويج، ونقل مُهَنَّا

(4)

أنه كفؤ لهم؛ ذكرهما في "الخلاف".

(ويحرم) على ولي المرأة (تزويجها بغير كفؤ بغير رضاها) لأنه إضرار بها، وإدخال للعار عليها (ويفسق به) أي: بتزويجها بغير كفؤ بلا رضاها (الولي) قلت: إن تعمَّده (ويسقط خيارها) أي: المرأة إذا زُوِّجت بغير كفؤ (بما يدل) منها (على الرضا، من قول أو فعل) بأن مكَّنته من نفسها، عالمة به (وأما الأولياء، فلا يثبت رضاهم إلا بالقول) بأن يقولوا: أسقطنا الكفاءة، أو رضينا به غير كفؤ، ونحوه، وأما سكوتهم فليس برضًا.

(ولا تُعتبر هذه الصفات) وهي الدِّين والمنصب والحرية والصناعة غير الزَّرِيَّة واليسار (في المرأة) لأن الولد يشرف بشرف أبيه؛ لا بشرف

(1)

كذا في الأصل و"ح"، وفي "ذ":"نقص" وهو الصواب.

(2)

مسائل حرب ص/ 77.

(3)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 95).

(4)

المرجع السابق، والفروع (5/ 190).

ص: 311

أُمِّه (فليست الكفاءة شرطًا في حقها للرجل) وقد تزوج صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حُيي

(1)

، وتسرَّى بالإماء

(2)

.

(والعرب من قرشي وغيره، بعضهم لبعض أكْفَاء) لأن الأسود بن المقداد

(3)

الكندي تزوج ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب

(4)

، وزوَّج أبو بكر أخته الأشعث بن قيس الكندي

(5)

، وزوَّج عليٌّ ابنتَه أمَّ كلثوم عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنهم

(6)

.

(1)

تقدم تخريجه (11/ 296، 297) تعليق رقم (1، 1).

(2)

قال ابن الجوزي في صفة الصفوة (1/ 147) عند ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم: مارية القبطية بعث بها إليه المقوقس. ريحانة بنت زيد، ويقال: إنه تزوجها. وقال الزهري: استسرها، ثم أعتقها، فلحقت بأهلها. وقال أبو عبيدة: كان له أربع: مارية وريحانة وأخرى جميلة أصابها في السبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش. وانظر: طبقات ابن سعد (8/ 214)، وشرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية (3/ 271).

(3)

كذا في الأصول: "الأسود بن المقداد"! والصواب: "المقداد بن الأسود" كما في كتب الحديث، وليس في الصحابة من يسمى:"الأسود بن المقداد".

(4)

أخرج البخاري في النكاح، باب 15، حديث 5089، ومسلم في الحج، حديث 1207، عن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: لعلك أردت الحج. قالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني، وكانت تحت المقداد بن الأسود.

(5)

أخرجه الطبراني (1/ 237) رقم 649.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 415): رجاله رجال الصحيح غير عبد المؤمن بن علي؛ وهو ثقة.

(6)

أخرج البخاري في الجهاد والسير، باب 66، رقم 2881، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطًا بين نساء من نساء المدينة، فبقي مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين! أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك، يريدون أم كلثوم بنت علي، فقال عمر: أم سليط أحق.

وأخرج النسائي في الجنائز، باب 75، رقم 1977، وعبد الرزاق (3/ 465) رقم =

ص: 312

(وسائر الناس) أي باقيهم بعد العرب (بعضهم لبعض أكْفَاء) لظاهر الخبر السابق

(1)

.

= 6337، وابن الجارود (2/ 140) رقم 545، والدارقطني (2/ 79 - 80)، والبيهقي (4/ 33)، من طريق ابن جريج، عن نافع، أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعًا

، وفيه: ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب امرأة عمر بن الخطاب.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 146): إسناده صحيح.

(1)

هو ما تقدم (11/ 310) تعليق رقم (2).

ص: 313

‌باب المُحرَّمات في النكاح

وهُنَّ ضربان:

ضرب (يَحْرُم على الأبد) وهُنَّ أقسام:

الأول: بالنسب، وهُنَّ سبع:

(الأم، والجدة من كل جهة) أي: سواء كانت من جهة الأب، أو الأم (وإن عَلَتْ) لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}

(1)

. وأمهاتك: كل من انتسبتَ إليها بولادة، سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة، وهي التي ولدتك، أو مجازًا، وهي التي وَلَدتْ مَنْ ولَدَك وإن عَلَتْ، وارثة كانت أو غير وارثة. ذكر أبو هريرة هاجر أم إسماعيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تلك أمُّكُم يا بني ماءِ السماءِ"

(2)

، وفي الدعاء المأثور:"اللهم صَلِّ على أبينا آدم وأُمِّنَا حَوَّاء"

(3)

.

(والبنت من حلالٍ) زوجة أو سُرِّيّة (أو) من (حرام) كزنىً (أو) من (شُبهةٍ، أو منفية بِلِعَان) لدخولهن في عموم لفظ: {وَبَنَاتُكُمْ} (1)؛ ولأن ابنته من الزنى خُلقت من مائه، فحرمت عليه، كتحريم الزانية على ولدها

(1)

سورة النساء، الآية:23.

(2)

أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 8، رقم 3358، وفي النكاح باب 12، رقم 5084، ومسلم في الفضائل، رقم 2371، من قول أبي هريرة رضي الله عنه، ولم نقف على من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي معنى هذه النسبة "ماء السماء" أقوال انظرها في فتح الباري (6/ 394).

(3)

لم نقف على هذا الدعاء في الأدعية النبوية، وقد ذكر ابن مفلح في المقصد الأرشد (2/ 254) أن علي بن محمد بن بشار كان يقوله في دعائه.

ص: 314

من الزنى. والمنفية بِلِعان لا يسقط احتمال كونها خُلقت من مائه (ويكفي في التحريم أن يَعلم أنها بنته ظاهرًا، وإن كان النسب لغيره) قال الشيخ تقي الدين

(1)

: ظاهر كلام الإمام أحمد أن الشبه يكفي في ذلك؛ لأنه قال: أليس أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سودَة أن تحْتَجِبَ من ابن أمَةِ زَمْعَةَ، وقال:"الولد للفراش" وقال: "إنَّما حجبها للشَّبَهِ الذي رأى بِعَيْنه"

(2)

.

(وبنات الأولاد، ذكورًا كانوا) أي: الأولاد (أو إناثًا، وإن سَفَلْن) وارثات أو غير وارثات؛ لقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ}

(3)

.

(والأخت من كل جهة) أي: سواء كانت شقيقة، أو لأب، أو لأم؛ لقوله تعالى:{وَأَخَوَاتُكُمْ}

(3)

.

(وبنات كل أخ و) بنات كل (أخت) وبنات ابنيهما (وإن سَفَلْن، وبنات ابنتيهما كذلك) أي: وإن سَفَلن؛ لقوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}

(3)

.

(والعمَّات) من كل جهة، وإن علون (والخالات من كل جهة، وإن علون) لقوله سبحانه: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ}

(3)

.

و (لا) تحرم (بناتهن) أي: بنات العمات وبنات الخالات.

(و) تحرم (عمَّة أبيه) وعمة جده وإن علا؛ لأنها عمته.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 304.

(2)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 3، 100، حديث 2053، 2218، وفي الخصومات، باب 6، حديث 2421، وفي العتق، باب 8، حديث 2533، وفي الوصايا، باب 4، حديث 2745، وفي المغازي، باب 53، حديث 4303، وفي الفرائض، باب 18، 28، حديث 6749، 6765، وفي الحدود، باب 23، حديث 6817، وفي الأحكام، باب 29، حديث 7182، ومسلم في الرضاع، حديث 1457، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

سورة النساء، الآية:23.

ص: 315

(و) تحرم (عمَّة أمِّه) وعمَّة جَدَّته وإن عَلَتْ؛ لأنها عَمَّتُهُ.

(و) تحرم (عمَّة العمِّ لأب؛ لأنها عمَّة أبيه).

و (لا) تحرم (عمَّة العَمِّ لأمٍّ؛ لأنها أجنبية) منه.

(وتحرم خالة العمة لأم) لأنها خالة الأب

(1)

.

و (لا) تحرم (خالة العَمَّة لأب؛ لأنها أجنبية) منه.

(وتحرم عَمَّة الخالة لأب؛ لأنها عَمَّة الأم، ولا تحرم عمَّة الخالة لأم؛ لأنها أجنبية) فتحرم كل نسيبة

(2)

سوى بنت عَمٍّ، وبنت عمَّة، وبنت خال، وبنت خالة.

القسم الثاني ما أشار إليه بقوله: (وتحرم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقط) دون بناتهنَّ، وأمهاتهنَّ (على غيره، ولو مَنْ فارقها) في الحياة (وهُنَّ أزواجه دنيا وأُخرى) وتقدم

(3)

.

(و) القسم الثالث ذكره بقوله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فكل امرأة حرمت بالنسب، حرم مثلها بالرضاع؛ لما روى ابن عباس:"أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أريدَ على ابنةِ حمزة، فقال: إنها لا تَحِلُّ لي، إنها ابنةُ أخي من الرَّضاعَةِ؛ فإنهُ يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُم مِنَ الرَّحِمِ" وفي لفظ: "مِنَ النَّسَب" متفق عليه

(4)

. وعن علي مرفوعًا: "إنَّ الله حرَّم من الرضاع ما حرَّم من النسب" رواه أحمد، والترمذي

(5)

وصححه. (ولو)

(1)

يعني: "خالة الأب لأم".

(2)

في "ذ": "نَسَبِيّة".

(3)

(11/ 204 - 205).

(4)

البخاري في الشهادات، باب 7، حديث 2645، وفي النكاح باب 20، حديث 5100، ومسلم في الرضاع، حديث 1447.

(5)

أحمد (1/ 131 - 132)، والترمذي في الرضاع، باب 1، حديث 1146. =

ص: 316

كان الرضاع (بلَبَنٍ غصبه، فأرضع به طفلًا) أو أكره امرأة على إرضاع طفل؛ لأن سبب التحريم لا يُشترط كونه مباحًا، بدليل أن الزنى يثبت به تحريم المصاهرة.

(قال ابن البناء، وابن حمدان، وصاحب "الوجيز": إلا أمَّ أخيه، وأختَ ابنه - يعنون

(1)

- فلا تَحْرُمان بالرضاع، وفيها) أربع (صور، ولهذا قيل: إلا المرضعة وبنتها على أبي المُرْتضع وأخيه من النسب، و) إلا (عكسه) أي: أم المُرْتضع وأخته من النسب لا يَحْرُمان على أبي المرتضع ولا ابنه الذي هو أخو المرتضع في الرضاع (والحكم) الذي هو الإباحة في المسائل الأربعة

(2)

(صحيح، ويأتي في الرضاع، لكن الأظهر) وقال في "التنقيح" وغيره: "لكن الصواب"(عدم الاستثناء؛ لأن إباحتهن لكونهن في مقابلة من يحرم بالمصاهرة، لا في مقابلة من يحرم من النسب، والشارع إنما حَرَّم من الرضاع ما يحرم عن النسب، لا ما يحرم بالمصاهرة).

= وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (3/ 296) حديث 5438، والشافعي في الأم (5/ 24)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 20)، وعبد الرزاق (7/ 475) حديث 13946، وسعيد بن منصور (1/ 230) حديث 948، وابن سعد (1/ 110، 3/ 11، 8/ 159)، والبزار (2/ 158) حديث 524، 525، ومحمد بن نصر المروزي في السنة ص/ 81، حديث 288، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (11/ 247) حديث 15415، والضياء في المختارة (2/ 100) حديث 475.

قال الترمذي: حسن صحيح.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 226 مع الفيض) ورمز لصحته.

(1)

"أي: يقصدون". ش.

(2)

في "ح" و"ذ": "الأربع".

ص: 317

فصل

القسم الرابع: المحرمات بالمصاهرة:

(ويحرم بالمصاهرة أربع) على التأبيد (ثلاث بمجرد العقد، وهُنَّ:

أمهات نسائه) وإن علون من نسب، ومثلهن من رضاع، فيحرمن بمجرد العقد؛ لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}

(1)

، والمعقود عليها من نسائه، قال ابن عباس:"أبْهِمُوا ما أبهمَ القرآن"

(2)

. أيْ: عَمِّمُوا حكمها في كل حالٍ، ولا تُفَصِّلوا بين المدْخُولِ بها وغيرها.

(وحلائلُ آبائه، وهُنَّ: كل من تزوجها أبوه، أو جده لأبيه، أو لأمِّه، من نسبٍ، أو رضاع، وإن عَلا، فارقها أو مات عنها) وحلائِلُهم: زوجاتهم، سُمِّيت امرأة الرجل حليلة؛ لأنها تحل إزار زوجها، وهي محللة له

(3)

؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}

(4)

.

(وحلائل أبنائه، وهُنَّ: كل من تزوجها أحَدٌ من بَنِيه، أو) من (بني أولاده، وإن نزلوا، من أولاد البنبن أو البنات، من نسب أو رَضاع) لقوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}

(5)

مع ما تقدم من قوله

(1)

سورة النساء، الآية:23.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (1/ 228) رقم 937، وابن أبي شيبة (4/ 2/ 173)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 911)، رقم 5086، والبيهقي (7/ 160) بنحوه. وقوى إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 166). ويشهد له ما أخرجه مالك في الموطأ (2/ 533)، والبيهقي (7/ 160)، عن زيد بن ثابت قال: الأم مبهمة ليس فيها شرط، إنما الشرط في الربائب.

(3)

انظر: تفسير البغوي (1/ 412)، والقرطبي (5/ 113).

(4)

سورة النساء، الآية:22.

(5)

سورة النساء، الآية:23.

ص: 318

- صلى الله عليه وسلم: "يَحْرمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ"

(1)

، وقوله تعالى:{الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} للاحتراز عمن يتبناه وليس منه (وتُباح بناتهما) أي: بنات حلائل الآباء والأبناء، وأمهاتهن؛ لدخولهن في قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(2)

.

(والرابعة: الربائب، ولو كُنَّ في غير حِجْره) لأن التربية لا تأثير لها في التحريم، وأما قوله تعالى:{اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}

(3)

فإنه لم يخرج مخرج الشرط، وإنما وصفها بذلك تعريفًا لها بغالب أحوالها، وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه.

(وهُنَّ) أي: الربائب المُحَرَّمات (بنات نسائهِ اللاتي دخل بهنَّ) صفة للنساء (دون) النساء (اللاتي لم يدخل بهن) فلا تحرم بناتهن؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (1).

(فإن مِتْنَ) أي: نساؤه (قبل الدخول) أي: الوطء، لم تحرم بناتهن (أو أبانَهُنَّ) الزوج (بعد الخلوة، وقبل الوطء، لم تحرم البنات) لأن الخلوة لا تُسمَّى دخولًا (فلا يُحَرِّم الربيبة إلا الوطء) دون العقد، والخلوة، والمباشرة دون الفرج؛ للآية السابقة (قال الشارح: والدخول بها وطؤها، كنَّى عنه بالدخول.

وتحرم بنت رَبيْبِهِ، نصًّا

(4)

. و) تحرم (بنت رَبيْبَتِه) وسواء في ذلك القريبات والبعيدات؛ لدخولهن في الربائب.

(وتباح زوجة رَبيبِه) إن أبانها، وخلت من الموانع لزوج أُمّه.

(1)

تقدم تخريجه (11/ 316) تعليق رقم (4، 5).

(2)

سورة النساء، الآية:24.

(3)

سورة النساء، الآية:23.

(4)

مسائل صالح (2/ 29) رقم 569.

ص: 319

(وتُباح

(1)

أخت أخيه لأُمه) لأخيه من أبيه (و) تباح له (بنت زوج أُمّه، و) يباح له (زوجة زوج أُمه، و) تُباح له (حماة ولده، و) حماة (والده، وبنتاهما) أي: بنتا حماة ولده وحماة والده؛ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(2)

.

(فلو كان لرجل ابن، أو بنت من غير زوجته، وُلِد له) أي: الابن، أو ولدت البنت (قبل تزويجه بها، أو بعده، ولو) أنه ولد له (بعد فراقها، ولها) أي: زوجته (بنت، أو ابن من غيره، ولدتها) أي: البنت، أو ولدته (قبل تزويجه بها، أو بعده، وبعد وَطْئِها أو فراقها ولدته من آخر؛ جاز تزويج أحدهما من الآخر) للآية السابقة.

(ويُباح لها) أي: للأنثى (ابن زوجة ابنها، و) يُباح لها (ابن زوج بنتها، و) يباح لها (ابن زوج أُمها، و) يُباح لها (زوج زوجة ابنها، و) يباح لها (زوج زوجة أبيها) لأن الأصل في الفروج الحِلُّ بالعقد، إلا ما ورد الشرع بتحريمه.

(ويثبت تحريم المُصاهرة: بوطءٍ حلالٍ) إجماعًا

(3)

(و) بوطء (حرام) كزنىً (و) بوطء (شُبهه، ولو) كان الوطء (في دُبُرٍ) لأن الوطء يُسمَّى نِكاحًا كما تقدم

(4)

أول كتاب النكاح، فدخل في عموم قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}

(5)

الآية ونظائرها. وفي الآية أيضًا

(1)

زاد في "ذ": "له" شرحًا.

(2)

سورة النساء، الآية:24.

(3)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 93، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1208 - 1210).

(4)

(11/ 137 - 138).

(5)

سورة النساء، الآية:22.

ص: 320

قرينة تصرفه إلى الوطء، وهي قوله تعالى:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}

(1)

، وهذا التغليظ إنما يكون في الوطء؛ ولأن ما تعلَّق من التحريم بالوطء المباح تعلَّق بالمحظور، كوطء الحائض. وطاهر كلامه كالخرقي: أن وطء الشُّبهة ليس بحلال ولا حرام، وصَرَّح القاضي في "تعليقه": أنه حرام؛ ذكره في "الإنصاف".

(ولا يثبت) التحريم بالوطء (إن كانت) الموطوءة (ميتةً، أو صغيرةً لا يوطأ مثلها) لأنه ليس بسبب للبعضيَّة، أشبه النظر.

(ولا) يثبت تحريم المصاهرة (بمباشرتها، و) لا بـ (ــنظره إلى فَرْجها، أو) نظر

(2)

إلى (غيره، ولا بخلوة) ولو (لشهوة) لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}

(3)

يريد بالدخول: الوطء.

(وكذا لو فعلت هي ذلك) أي: ما ذكر من المباشرة، والنظر إلى الفرج أو غيره، والخلوة لشهوة (برجل) لم تحرم بنتها عليه؛ لأنه لم يدخل بأُمها.

(أو استدخلت) المرأة (ماءه) أي: منيه، بقطنة أو نحوها، فلا تحرم بنتها عليه؛ لعدم الدخول بالأم.

وكذا لا تحرم هي على أبيه، ولا على ابنه إن لم يكن عقد عليها؛ لأنه لا عقد ولا وطء؛ نقله في "الإنصاف" عن "التعليق" واقتصر عليه، وهو مقتضى كلام "التنقيح" و"المنتهى" هنا.

وقال في "الرعاية": ولو استدخلت منيّ زوج، أو أجنبي

(1)

سورة النساء، الآية:22.

(2)

في "د": "أو بنظره".

(3)

سورة النساء، الآية:23.

ص: 321

بشهوة

(1)

، ثبت النَّسبُ، والعِدَّة، والمُصاهرة. وتبعه في "المنتهى" في الصداق.

(ويحرم باللواط - لا بدواعيه) من قبلة ونحوها (ولا بمساحقة النساء - ما يحرم بوطء المرأة، فمن تلَوَّط بغلام) غير بالغ، يطيق الجماع (أو) بـ (ــبالغ، حَرُمَ على كل واحد منهما) أي: اللائط والملوط به (أمّ الآخر، وابنته، نصًّا

(2)

) لأنه وطء في فرج، فنشر الحرمة، كوطء المرأة، وقال في "شرح المقنع": الصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة؛ فإنَّ هؤلاء غير منصوص عليهنَّ في التحريم، فيدخلن في عموم قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(3)

؛ ولأنهنَّ غير منصوص عليهنَّ، ولا هُنَّ في معنى المنصوص عليه، فوجب ألَّا يثبت حكم التحريم فيهن، فإن المنصوص عليه في هذا: حلائل الأبناء، ومَنْ نكحهنَّ الآباءُ، وأمهات النساء، وبناتهن، وليس هؤلاء منهنَّ، ولا في معناهن.

(وتحرم أخته من الزنى، وبنت ابنه) من الزنى (وبنت بنته) من الزنى وإن نزلت (وبنت أخيه) من الزنى (وبنت أخته من الزنى) وكذا عمته وخالته من الزنى، وكذا حليلة الأب، والابن من الزنى؛ لدخولهن في العمومات السابقة.

القسم الخامس: المُحَرَّمةُ باللعان، وذكرها بقوله:(وتحرمُ الملاعَنة على الملاعِن على التأبيد) لما روى سهل بن سعد، قال:"مَضَت السُّنَّةُ في المُتلاعِنَيْن أن يُفَرَّقَ بينهما، ثم لا يجتمعا أبدًا" رواه

(1)

أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "لشبهة".

(2)

مسائل الكوسج (4/ 1908) رقم 1293، وانظر: المغني (9/ 529)، والمحرر (2/ 19).

(3)

سورة النساء، الآية:24.

ص: 322

الجوزجاني

(1)

(ولو أكذب) الملاعن (نفسه) لأنه تحريم لا يرتفع قبل الجلد والتكذيب، فلم يرتفع بهما (أو كان اللعان بعد البينونة) لنفي الولد (أو) كان اللعان (في نكاح فاسد) لنفي الولد؛ لعموم ما سبق.

(و‌

‌إذا قتل رجلٌ رجلًا ليتزوج امرأته، لم تحلَّ له أبدًا

؛ قاله الشيخ

(2)

، عقوبةً له) بنقيض قصده المُحَرَّم، كحرمان القاتل الميراث.

(وقال) الشيخ

(3)

(في رجل خَبَّبَ) أي: خدع (امرأة على زوجها) حتى طلقها: (يعاقب عقوبة بليغة) لارتكابه تلك المعصية (ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك

(4)

وأحمد وغيرهما، ويجب التفريق بينهما) عقوبة له، كمنع القاتل الميراث.

(وإذا فسخ الحاكم نكاحًا؛ لِعُنَّة أو عيب يوجب) أي: يقتضي (الفسخ) كجنون وجذام ونحوهما (لم تحرم) المفسوخ نكاحها على المفسوخ عليه (على التأبيد) بل تباح له بالعقد عليها؛ لقوله تعالى:

(1)

لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وأخرجه - أيضًا - البيهقي (7/ 410). وأصل الحديث أخرجه البخاري في الصلاة، باب 44، حديث 423، وفي تفسير سورة النور، باب 1، 2، حديث 4745، 4746، وفى الطلاق، باب 4، 29، 30، حديث 5259، 5308، 5309، وفي الحدود، باب 43، حديث 6854، وفي الأحكام، باب 18، حديث 7165، وفي الاعتصام، باب 5، حديث 7304، ومسلم في اللعان، حديث 1492.

وأخرجه البخاري في التفسير، باب 4، حديث 4748، وفي الطلاق، باب 27، 32، 33، 34، حديث 5306، 5311 - 5315، وفي الفرائض، باب 17، حديث 6748، ومسلم في اللعان، حديث 1493، 1494، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

الفتاوى الكبرى (4/ 540).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 313.

(4)

حاشية الدسوقي (2/ 219)، وبلغة السالك (2/ 345).

ص: 323

{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(1)

.

‌فصل

الضرب الثاني: المُحَرَّمات إلى أمدٍ، وهُنَّ نوعان:

أحدهما: لأجل الجمع،

وهو المشار إليه بقوله: (ويحرم الجمع بين الأختين) من نسب أو رضاع، حُرَّتين كانتا أو أمَتين، أو حُرَّة وأَمَة، قبل الدخول أو بعده؛ لقوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}

(2)

.

(و) يحرم الجمع أيضًا (بين المرأة وعمتها، أو) بين المرأة و (خالتها، ولو رضيتا، وسواء كانت العمة والخالة حقيقة أو مجازًا، كعمات آبائها وخالاتهم) أي: خالات الآباء وإن علوا (وعَمَّات أُمَّهاتها وخالاتهن، وإن علت درجتُهن، من نسب أو رضاع) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول به

(3)

. وليس فيه بحمد الله اختلاف، إلا أن لبعض

(4)

أهل البدع ممن لا تُعد مخالفته خلافًا - وهو الرافضة والخوارج

(5)

- لم يحرموا ذلك، ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجمعوا بين المرأة وعمَّتِها، ولا بينَ المرأةِ وخالتِها" متفق عليه

(6)

. وفي رواية أبي

(1)

سورة النساء، الآية:24.

(2)

سورة النساء، الآية:23.

(3)

الأشراف على مذاهب العلماء (4/ 98)، وانظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 95.

(4)

كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ":"بعض" بدون لام الجر.

(5)

انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 163)، وشرح مسلم للنووي (9/ 191)، وتفسير القرطبي (5/ 130 - 131)، وفتح الباري (9/ 161).

(6)

البخاري في النكاح، باب 27، حديث 5109، ومسلم في النكاح، حديث 1408.

ص: 324

داود: "لا تُنكَحُ المرأةُ على عمَّتِها، ولا العمَّةُ على بنت أخيها، ولا المرأةُ على خالتِها، ولا الخالةُ على بنتِ أخْتِها، لا تُنْكَحُ الكُبرى على الصُّغرى، ولا الصُّغرى على الكبرى"

(1)

؛ ولأن العلة في تحريم الجمع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب، وإفضاء ذلك إلى قطيعة الرَّحِم المُحَرَّم، فإن احتجوا بعموم قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(2)

خصَّصناه بما رُوي من الحديث الصحيح.

(و) يحرم الجمع أيضًا (بين خالتين بأن ينكح كلُّ واحدٍ منهما) أي:

(1)

أبو داود في النكاح، باب 13، حديث 2065.

وأخرجه - أيضًا - البخاري في النكاح، باب 27، إثر حديث 5108، تعليقًا، ووصله الترمذي في النكاح، باب 31، حديث 1126، وعبد الرزاق (6/ 262) حديث 10758، وسعيد بن منصور (1/ 166) حديث 652، وابن أبي شيبة (4/ 246)، وإسحاق بن راهويه (1/ 201) حديث 155، 156، وأحمد (2/ 426)، والدارمي في النكاح، باب 8، حديث 2184، وابن الجارود (3/ 25) حديث 685، وأبو يعلى (11/ 516) حديث 6641، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 205) حديث 5951، وابن حبان "الإحسان"(9/ 427) حديث 4118، والبيهقي (7/ 166)، وابن عبد البر في الاستذكار (16/ 169)، وابن حجر في تغليق التعليق (6/ 262) حديث 10758.

قال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الشافعي في الأم (5/ 5): ولم يروَ من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي هريرة.

وقال البيهقي: وإنما اتفقا - يعني: البخاري ومسلمًا - ومن قبلهما ومن بعدهما من أئمة الحديث على إثبات حديث أبي هريرة في هذا الباب فقط كما قال الشافعي رحمه الله.

وقال الحافظ في الفتح (9/ 161): والحديث محفوظ من أوجه عن أبي هريرة.

(2)

سورة النساء، الآية:24.

ص: 325

من رجلين (ابنةَ الآخر، فيولد لكل واحد منهما بنت) فكلٌّ من البنتين خالة الأخرى

(1)

؛ لأنها أخت أمها لأبيها.

(و) يحرم الجمع أيضًا (بين عمَّتين بأن ينكح كلُّ واحدٍ منهما أمَّ الآخر، فيولد لكلِّ واحد منهما بنتٌ) فكلٌّ من البنتين عمَّة الأخرى

(1)

؛ لأنها أخت أبيها لأمه.

(أو) أي: ويحرم الجمع بين (عمَّةٍ وخالة، بأن ينكح) الرجل (امرأةً، وينكح ابنُهُ أُمَّها، فيولد لكل واحد منهما بنتٌ) فبنت الابن خالة ابنة الأب، وبنت الأب عمة بنت الابن.

(و) يحرم الجمع (بين كلِّ امرأتين لو كانت إحداهُما ذكرًا والأخرى أُنثى حرم نكاحُه) أي: الذكر لها؛ لقرابة أو رضاع؛ لأن المعنى الذي حُرِّم الجمع من أجله إفضاؤه إلى قطيعة الرحم القريبة؛ لما في الطباع من التنافر والغيرة بين الضرائر، وألحق بالقرابة الرضاع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"يَحرُمُ من الرَّضاع ما يحرمُ من النسب"

(2)

.

(فإن كان) الجمع بين الأختين ونحوهما (في عقد واحد) بطل في حقهما، (أو) كان الجمع بينهما (في عقدين معًا) أي: في وقت واحد؛ بطلا (أو تزوج خمسًا) فأكثر (في عقد واحد، بطل في الجميع) لأنه لا يمكن تصحيحه في الكل، ولا مزية لواحدة على غيرها، فيبطل في الجميع، بمعنى أنه لم ينعقد.

(وإن تزوَّجَهما) أي: الأختين أو نحوهما (في عقدين) واحدة بعد الأخرى، بطل الثاني؛ لأن الجمع حصل به (أو وقع) العقد على إحدى

(1)

في "ذ": "للأخرى".

(2)

تقدم تخريجه (11/ 316) تعليق رقم (4، 5).

ص: 326

الأختين ونحوهما (في عدة الأخرى، بائنًا كانت أو رجعية، بطل الثاني) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يَجمعْ مَاءَهُ في رَحِم أخْتَين"

(1)

؛ ولأن البائن محبوسة عن النكاح لحقه، فأشبهت الرجعية (و) العقد (الأول صحيح) لأنه لا جمع فيه.

(فإن) تزوج أختين ونحوهما في عقدين مرتبين، و (لم تُعْلَم أولاهُما، فعليه فرقتُهما بطلاقهما، أو بفسخ الحاكم نكاحَهما، دخل بهما، أو) دخل (بواحدة منهما، أو لم يدخل بواحدة) منهما؛ لأن إحداهما محرَّمة عليه، ونكاحها باطل، ولا يعرف المحللة له، ونكاح إحداهما صحيح، ولا يتيقن بينونتها منه إلا بذلك، فوجب، كما لو زوَّج الوليان، ولم يُعلم

(2)

السابق من العقدين.

(فإن كان) مَن عَقَدَ على أختين ونحوهما في عقدين مرتبين وجُهل السابق (لم يدخل بهما) وطلقهما، أو فَسَخَ الحاكم نكاحهما (فعليه لإحداهما نصف المهر) لأن نكاح واحدة منهما صحيح، وقد فارقها قبل الدخول (يقترعان عليه) فتأخذه من خرجت لها القُرعة (وله أن يعقد على إحداهما في الحال بعد فراق الأخرى) قبل الدخول بها؛ لأنه لا عدة،

(1)

أورده ابن الجوزى في التحقيق (2/ 273) بلفظ: "ملعون من جمع ماءه في رحم أختين". ولم يعزه.

قال ابن عبد الهادي - كما في التلخيص الحبير (3/ 166) -: لم أجد له سندًا بعد أن فتشت عليه في كتب كثيرة.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 166): لا أصل له.

وفي الباب عن أم حبيبة عند البخاري في النكاح، باب 26، حديث 5107، ومسلم في الرضاع، حديث 1449، أنها قالت: قلت يا رسول الله، انكحْ أختي بنت أبي سفيان

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ذلك لا يحلُّ لي. . .".

(2)

في "ح": "ولم يعلم من السابق".

ص: 327

وسواء فعل ذلك بقُرعة أو لا.

(وإن كان دخل بإحداهما) دون الأخرى ثم طلَّقهما، أو فسخ الحاكم نكاحهما (أُقرع بينهما، فإن وقعت القرعةُ لغير المصابة، فلها نصف المهر) لأنها زوجة فارقها قبل الدخول (وللمصابة مَهْرُ المِثل) بما استحلَّ من فَرْجها.

(وإن وقعتِ) القُرعة (للمصابة، فلا شيء للأخرى، وللمصابة المُسمَّى جميعه) لتقرره بالدخول.

(وله نكاح من شاء منهما، فإن نكح المصابةَ، فله ذلك في الحال) لأنها معتدة منه من وطء يلحق فيه النسب، أشبه المبانة منه من نكاح صحيح.

(وإن أراد نكاح الأخرى) التي لم يصبها (لم يجز) له نكاحها (حتى تنقضي عدة المصابة) لئلا بجمع ماءَه في رحم نحو أختين.

(وإن كان دخل بهما، وأصابهما، فلإحداهما المُسمَّى، وللأخرى مهر المِثل، يقرع بينهما) لتتميز من تأخذ المُسمَّى، ممن تأخذ مهر المِثل، إن تفاوتا.

(وليس له نكاح واحدة منهما حتى تنقضي عِدَّة الأخرى) لما تقدم.

(وإن ولدت منه إحداهما) لَحِقَهُ النسب (أو) ولدت منه (كلتاهما، فالنسب لاحقٌ به) لأنه إما من نكاح؛ أو شُبهة نكاح.

(ولا يحرم الجمع بين أخت رجل من أبيه وأخته من أُمه، ولو في عقد واحد) لأنه لو كانت إحداهما ذكرًا، حلت له الأخرى، فإن ولد لهما ولد، فالرجل عمه وخاله.

(ولا) يحرم الجمع أيضًا (بين من كانت زوجة رجل) وبانت منه

ص: 328

بموت أو طلاق ونحوه (و) بين (ابنته من غيرها) لأنه - وإن حرمت إحداهما على الأخرى - لو قدرناها ذكرًا، لم يكن تحريمها إلا من أجل المصاهرة؛ لأنه لا قرابة بينهما.

(ويُكره) للرجل أن يجمع (بين بنتي عَمَّيه، أو) بنتي (عمَّتيه، أو بنتي خاليه، أو بنتي خالتيه، أو) يجمع بين (بنت عَمِّه وبنت عَمَّته، أو) يجمع بين بنت خاله وبنت خالته) لما روى أبو حفص، عن عيسى بن طلحة قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ تُزوَّج المرأةُ على ذي قرابَتِها؛ مخَافةَ القطيعةِ"

(1)

أي: لإفضائه إلى قطيعة الرحم، كما تقدم

(2)

، لكن لم يحرم؛ لقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}

(3)

؛ ولبعد القرابة، ولذلك لم يحرم نكاحها، وكانت الأجنبية أولى كما تقدم.

(ولو كان لرجلين بنتان، لكل رجل بنت، ووطئا أَمَة) لهما أو امرأة بشُبهة في طُهرٍ واحد (فأتتْ بولدٍ، وأُلحِقَ ولدُها بهما، فتزوَّج رجُل بالأَمَة وبالبنتين) أو بهما وبالمرأة (فقد تزوج أمَّ رجل وأختيه) والنكاح صحيح؛ لما تقدم في من تزوج مبانةَ شخصٍ وبنته.

(1)

أبو حفص هو العكبري، وقد سبق التعريف به (5/ 383) تعليق رقم (2)، ولم يطبع شيء من كتبه، وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المراسيل ص/ 182، حديث 208، وعبد الرزاق (6/ 263) حديث 10767، وابن أبي شيبة (4/ 248) عن عيسى بن طلحة. قال الحافظ في الفتح (9/ 155): مرسل. وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس (5/ 22) حديث 7329 عن طلحة مرفوعًا، وأورده ابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 213) وقال: فيه سهل بن عمار العتكي [أي: متفق على تكذيبه كما نص في المقدمة (1/ 18)].

وذكره الفَتَّني في تذكرة الموضوعات ص/ 127 وقال: فيه سهل، كذبه الحاكم.

(2)

(11/ 325).

(3)

سورة النساء، الآية:24.

ص: 329

(وإن اشترى أختَ امرأته، أو) اشترى (عمَّتها، أو) اشترى (خالتها) من نسبٍ أو رضاع (صَحَّ) الشراء؛ لأن الملك يُراد للاستمتاع وغيره؛ ولذلك صح شراء أخته من الرضاع (ولم يحل له وطؤها) أي: التي ملكها (حتى يطلق امرأته) أو يخلعها، أو ينفسخ نكاحه لمقتض؛ ولذلك قال في "المنتهى": حتى يفارق زوجته (وتنقضي عدتها) لئلا يجمع ماءه في رحم أختين ونحوهما، وذلك حرام؛ لما تقدم

(1)

.

(ودواعي الوطء مثله) أي: مثل الوطء، فتحرم؛ صححه في "الإنصاف"؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد.

ويجوز الجمع بينهما في الخلوة.

(وإن اشترى جاريةً ووطِئها، حَلَّ له شراء أُمِّها وأختها وعمَّتها وخالتها، كما يحلُّ له شِرَاء المعتدة والمزوَّجة) والمجوسية والمُحرَّمة لنحو رضاع.

(وإن اشترى من يحرم الجمع بينهما) من الأختين

(2)

(في عقد واحد، صح) العقد، قال في "الشرح": ولا نعلم خلافًا في ذلك.

(وله وطء إحداهما) أيتهما شاء؛ لأن الأخرى لم تصر فراشًا، كما لو كان في ملكه إحداهما وحدها (وليس له الجمع بينهما في الوطء) لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر، فلا يَجمَعْ ماءَهُ في رَحِمِ أُختين"

(3)

.

(وأما الجمع) بين الأختين ونحوهما (في الاستمتاع بمقدمات

(1)

(11/ 327).

(2)

في "ذ": "كالأختين".

(3)

تقدم تخريجه (11/ 327) تعليق رقم (1).

ص: 330

الوطء؛ فَيُكره، ولا يَحرم؛ قاله ابن عقيل) وقال القاضي: يحرم كالوطء. وقاله ابن رجب بحثًا في القاعدة السادسة والثلاثين بعد المائة

(1)

، وصححه في "الإنصاف" كما جزم به المصنف آنفًا. ولو حُمِلَ كلام ابن عقيل على ما قبل وطء إحداهما، لم يعارض كلام القاضي وغيره.

(فإن وطئ) مَن ملك أختين ونحوهما (إحداهما، فليس له وطء الأخرى) لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}

(2)

فإنه يتناول العقد والوطء جميعًا، كسائر المذكورات في الآية، يحرم وطؤهن، والعقد عليهن؛ ولأنها امرأة صارت فراشًا، فحرمت أختها، كالزوجة.

ويستمر التحريم (حتى يُحَرِّمَ الموطوءة على نفسه، بعتق، أو تزويج بعد استبرائها، أو إزالة ملكه، ولو ببيع ونحوه) كهبة (للحاجة) إلى التفريق؛ لأنه يحرم الجمع في النكاح، ويحرم التفريق، فلا بُدَّ من تقدُّم أحدهما، وكلام الصحابة والفقهاء بعمومه يقتضي هذا (قاله الشيخ

(3)

وابن رجب

(4)

) وجزم بمعناه في "المنتهى".

(و) حتى (يعلم) بعد البيع ونحوه (أنها ليست بحامل) قال ابن عقيل: ولا يكفي في إباحتها مجرد إزالة الملك، حتى تنقضي حيضة الاستبراء، فتكون الحيضة كالعِدَّة.

قال أبو العباس

(5)

: هذا القيد في كلام أحمد وعامة الأصحاب،

(1)

القواعد الفقهية ص/ 327.

(2)

سورة النساء، الآية:23.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 307.

(4)

القواعد الفقهية، القاعدة التاسعة بعد المائة ص/ 260.

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 306 - 307.

ص: 331

وليس هو في كلام علي

(1)

وابن عمر

(2)

، مع أن عليًّا لا يُجَوِّز وطء الأخت في عِدَّة أختها.

(ولا يكفي) لإباحة وطء الأخرى (استبراؤها) أي: الموطوءة (بدون زوال) الـ (ــملك) لأنه لا يؤمن عوده إليها، فيكون جامعًا بينهما.

(ولا) يكفي أيضًا (تحريمها) أي: الموطوءة بأن يقول: هي حرام عليه؛ لأن هذا يمين مكفَّرة ولو كان يحرمها، إلا أنه لعارض، متى شاء أزاله بالكفارة؛ ولأنه كالحيض والإحرام (ولا زوال ملك) عن الموطوءة (بدون استبرائـ) ـها؛ لأن الاستبراء كالعِدَّة (ولا) يكفي أيضًا (كتابتها) لأنه بسبيل من استباحتها بما لا يقف على غيرهما (ولا) يكفي أيضًا (رهنها) لأن مَنْعه من وطئها؛ لحقِّ المُرتَهِن لا لتحريمها؛ ولذلك يجوز له وطؤها بإذن المُرتَهِن؛ ولأنه بقدر على فَكِّها متى شاء (ولا) يكفي أيضًا (بيعها بشرط خيار) له؛ لأنه يقدر على استرجاعها متى شاء بفسخ البيع.

(ومثله) أي: مثل البيع بشرط خيار له في عدم الاكتفاء به (هبتُها) أي: الموطوءة (لمن يملك استرجاعها منه، كهبتِها لولده) قال في "الوجيز": فإن وطئ إحداهما، لم تحل له الأخرى حتى يُحرِّم الموطوءة

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (4/ 168)، والبيهقي (7/ 164)، عن علي: أنه سئل عن رجل له أمتان أختان، وطئ إحداهما، ثم أراد أن يطأ الأخرى؟ قال: لا، حتى يخرجها من ملكه.

(2)

أخرج عبد الرزاق (7/ 194) رقم 12746، وسعيد بن منصور (1/ 401) رقم 1727، وابن أبي شيبة (4/ 169 - 170)، والبيهقي (7/ 165): أن ابن عمر سئل عن الأمة يطؤها سيدها، ثم يريد أن يطأ أختها؟ قال: لا، حتى يخرجها من ملكه.

وأخرج سعيد بن منصور (1/ 401) رقم 1729، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 848) رقم 2349، والبيهقي (7/ 165)، عن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنهما أنه كانت له مملوكتان أختان فوطئ إحداهما، ثم أراد أن يطأ الأخرى، فأخرجها من ملكه.

ص: 332

بما لا يمكن أن يرفعه وحده. وجزم به ابن عبدوس في "تذكرته".

ويكفي في تحريم الموطوءة إخراجُ الملك في بعضها، كبيعٍ، أو هبة جزء منها؛ لأن ذلك يُحرِّمها، كبيع كلها، فإن: أخرج الملك لازمًا، ثم عرض له المبيح للفسخ، مثل أن يبيعها بسلعة، ثم تبين أنها كانت معيبة، أو يفلس المشتري بالثمن، أو يظهر في العوض تدليس، أو يكون مغبونًا، فالذي يجب أن يقال في هذه المواضع: أنه يُباح وَطء الأخت بكلِّ حال، على عموم كلام الصحابة

(1)

، والفقهاء؛ أحمد

(2)

وغيره

(3)

؛ قاله في "الاختيارات"

(4)

.

(فلو خالف) مشتري الأختين ونحوهما (ووطئَهما واحدةً بعد واحدةٍ فوطْءُ الثانية محرَّمٌ) لأنه الذي حصل به جمع مائِهِ في رَحِمهما (لا حَدَّ فيه) لشُبهة الملك (ولزمه أن يمسك عنهما، حتى يُحرِّمَ إحداهما، ويستبرِئَها) لأن الثانية صارت فراشًا له، يلحقه نسب ولدها، فحرمت عليه أختها أو نحوها، كما لو وطئها ابتداء.

واستدلال مَن قال: الأولى باقية على الحِلّ بحديث: "إنَّ الحرام لا يُحرِّم الحلال"

(5)

لا يصح؛ لأن الخبر ليس بصحيح؛ قاله في "الشرح"

(1)

في المطبوع من الاختيارات: "الأصحاب" وتقدم ذكر ذلك آنفًا.

(2)

انظر: مسائل صالح (1/ 196 - 197) رقم 117 - 119، ومسائل عبد الله (3/ 1071) رقم 1480، ومسائل أبي داود ص/ 167، ومسائل ابن هانئ (1/ 211) رقم 1037، ومسائل حرب ص/ 51، ومسائل الكوسج (1/ 434) رقم 1131.

(3)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 264)، والمنتقى للباجي (3/ 326)، والأم (5/ 3 - 4).

(4)

ص/ 307.

(5)

الحديث روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: =

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أ - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 63، حديث 2015، والدارقطني (3/ 268)، والبيهقي (7/ 168)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 114) حديث 13872، والخطيب في تاريخه (7/ 182)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 275) حديث 1639.

قال ابن الجوزي: فيه عبد الله بن عمر وهو أخو عبيد الله. قال ابن حبان: فحش خطؤه، فاستحق الترك. وفيه إسحاق الفروي. قال يحيى: ليس بشيء؛ كذاب. وقال البخاري: تركوه. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 350): هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن عمر العمري.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 447 مع الفيض) ورمز لضعفه.

ب - عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 99)، والطبراني في الأوسط (5/ 404، 8/ 109) حديث 4800، 7220، وابن عدي (5/ 1808)، والدارقطني (3/ 268)، والبيهقي (7/ 169)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 275) حديث 1647، 1648، وفي العلل المتناهية (2/ 625) حديث 1031.

وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي الزهري؛ قال ابن حبان في المجروحين (2/ 99): كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به.

وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير.

وقال البيهقي: تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، وهو ضعيف؛ قاله يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث.

وأعله ابن الجوزي - أيضًا - بعثمان هذا.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 275): قال أبي: هذا حديث باطل.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 156): فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك. وحديث ابن عمر إسناده أصلح.

جـ - علي رضي الله عنه موقوفًا: ذكره البخاري في النكاح، باب 24، عقب حديث 5105، قال: وقال الزهري: قال علي: لا تحرم. وهذا مرسل. ا. هـ. ووصله البيهقي (7/ 168)، من طريق يحيى بن أيوب، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن علي رضي الله عنه، موقوفًا.

قال البيهقي: والصحيح عن ابن شهاب الزهري، عن علي رضي الله عنه، مرسلًا =

ص: 334

و"شرح المنتهى". ويَرِدُ عليه: إذا وطئ الأولى وطئًا مُحرَّمًا - كفي حيض أو إحرام أو صوم فرض - فإن أختها تحرم عليه بذلك.

(فإن عادت) التي أخرجها عن ملكه (إلى ملكه، ولو) كان عودها إليه (قبل وطء الباقية، لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى) لما تقدم.

(قال ابن نصر الله: هذا إن لم يجب استبراء) كما لو كان زوجها، فطلَّقها الزوج قبل الدخول، فَيَكُفُّ عنها وعن الأخرى، حتى يُحَرِّمَ واحدةً منهما.

(فإن وجب) الاستبراء؛ بأن باعها، أو وهبها، ثم عادت إليه (لم يلزمه تَرْك أختها) أو نحوها (فيه) أي: في زمن الاستبراء؛ لأنها مُحرَّمة عليه زمنه بما لا يقدر على رفعه

(1)

. قال في "المبدع" و"التنقيح": (وهو حسن). وقال الشيخ تقي الدين في "المسودة"

(2)

: وقد نص

(3)

على أنها إذا رجعت إليه بعد خروجها عن ملكه لا تحل له إحداهما مع تعين الاستبراء، قال: لكن قال القاضي حسين: القياس يقتضي الاكتفاء بالاستبراء.

(وإن وطئ أمَته، ثم تزوَّج أختها) أو عمَّتها، أو خالتها ونحوها (لم يصح) النكاح؛ لأن عقد النكاح تصير به المرأة فراشًا، فلم يجز أن يرد على فراش الأخت، كالوطء؛ ولأن وطء مملوكته معنى يُحَرِّم

= موقوفًا عنه.

وقال الحافظ في فتح الباري (9/ 157): وقوله: وهذا مرسل، أي: منقطع.

(1)

في "ذ": "دفعه"، وأشار في الحاشية إلى أنه جاء في نسخة:"رفعه".

(2)

لم نقف عليه في المطبوع من المسودة.

(3)

المغني (9/ 540).

ص: 335

أختها؛ لعلَّة الجمع، فَمَنَعَ صحة النكاح، كالزوجية، ويفارق ذلك صحة شراء أختها، فإن الشراء يكون للوطء وغيره، بخلاف النكاح.

(فإن حَرُمت عليه) سُرِّيَّته بإخراج عن ملكه - كما تقدم - (ثم تزوَّج الأخت) أو نحوها (بعد استبرائها؛ صح) النكاح؛ لزوال كونها فراشًا له.

(فإن رجعت إليه الأمَة، فالزوجية بحالها) لأنها أقوى، قال الموفَّق والشارح:(وحِلُّها) أي: من حيث الزوجية (باقٍ) لقوَّة الزوجية (ولم يطأ واحدةً منهما حتى تَحْرُمَ عليه الأخرى) كما تقدم. وهذا لا يُنافي قوله: "وحِلُّها باق"؛ لأن التحريم العارض لا يرفع الزوجية، فلا يرفع أثرها، كالزوجة الحائض. ومقتضى كلام ابن نصر الله فيما سبق أنه يطأ الزوجة هنا، حتى تستبرأ الأمَة إن لزمها استبراء.

(وإن أعتق سُرِّيَّته، ثم تزوَّج أختها) أو عمَّتها ونحوها (قبل فراغ مدة استبرائها؛ لم يصح) النكاح (أيضًا) لأنه يجمع به ماءه في رحم أختين ونحوهما، وكما لو تزوجها في عدة أختها.

(وله) أي: لمعتق سُرِّيَّته زمن استبرائها (نِكاح أربع سواها) أي: سوى أخت سُرِّيَّته، كما لو لم يعتقها.

(وإن اشترى) رجلٌ (أُختين: مسلِمةً ومجوسيةً) أو وثنيةً، أو محرَّمةً عليه، لنحو رضاع (فله وَطءُ المسلِمةِ) التي لا مانع بها، بخلاف الأخرى.

(وإن وطئ) من يطأ مثله (امرأةً بشُبهة، أو) بـ (ــزنىً؛ لم يجز) له (في العدة) أي: عدة موطوءته بشُبهة أو زنىً (أن يتزوَّج أختها) أو عمَّتها ونحوها (ولا) أن (يطأها) أي: أخت موطوءته (إن كانت) أُختها (زوجةً)

ص: 336

له (نصًّا

(1)

) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لمن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخر أنْ يجمعَ ماءَهُ في رَحِم أُخْتينِ"

(2)

.

(ولا) يجوز لمن وطئ امرأةً بشُبهة أو زنىً أن (يعقد على رابعة) ما دامت في العدة.

(و) إذا

(3)

كان متزوجًا بأربع ووطئ امرأة بشُبهة أو زنىً، فإنه (لا) يجوز له أن (يطأها) أي: الرابعة من نسائه.

فإذا وطئ ثلاثًا منهنَّ، وجب عليه الإمساك عن الرابعة حتى تنقضي عدة الموطوءة بشُبهة أو زنىً؛ لئلا يجمع ماءه في أكثر من أربع نسوة.

(ولا يُمنع) حُرٌّ (من نكاح أمَةٍ في عدة حُرَّة بائن بشرطَيه) وهما: أن يكون عادم الطَّوْل، خائف العَنَت، ويأتي توضيحه؛ لأن المنع من نكاح الأخت في عدة أختها، ومن نكاح خامسة في العدة؛ لئلا يكون جامعًا لمائه في رحم أختين أو أكثر من أربع، لا لكونها زوجة، كما يعلم مما تقدم.

والمنع من نكاح الأمَة إنما هو مع عدم الحاجة إليه، والحاجة لا تندفع بالبائن، بل الزوجة التي لا تعفّه لا تمنعه من نكاح الأمَة، كما يأتي (وتقدم لو اشتبهت أُخْتُهُ بأجنبيةٍ) أو أجنبيات (في آخر كتاب الطهارة

(4)

) عند الكلام على اشتباه المياه المباحة بالمحرَّمة أو النجسة.

(1)

مسائل الكوسج (1/ 371، 512) رقم 932، 1355، وانظر ما تقدم (11/ 333) تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (11/ 327) تعليق (1).

(3)

في "ذ": "ولا إذا".

(4)

(1/ 85).

ص: 337

(ويحرمُ نِكاحُ موطوءةٍ بشُبهةٍ في العِدَّة) كمعتدَّة من فراق زوج (إلا على واطئ) لها بالشُّبهة، فله العقد عليها في عِدتها (إن لم تكن لزمتها عِدَّة من غيره) لأن المنع من نكاح المعتدَّة؛ لكونه يُفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وهو مأمون في هذه الصورة، فإن النسب كما يلحق في النكاح؛ يلحقه

(1)

في وطء الشُّبهة، أشبه ما لو نكح معتدته من طلاق.

(و‌

‌ليس للحُرِّ أن يجمع بين أكثر من أربع) زوجات

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سَلَمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسِكْ أربعًا، وفارِقْ سائرَهُنَّ"

(2)

، وقال نوفل بن معاوية: "أسلمتُ وتحتي خمسُ نسوةٍ،

(1)

في "ذ": "يلحق".

(2)

الشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 16). وأخرجه - أيضًا - في الأم (4/ 265، 5/ 163)، والترمذي في النكاح، باب 32، حديث 1128، وابن ماجه في النكاح، باب 40، حديث 1953، وابن أبي شيبة (4/ 317)، وأحمد (2/ 13، 24، 44، 83)، وأبو يعلى (9/ 325) حديث 5437، والطحاوي (3/ 252)، وابن الأعرابى في معجمه (1/ 378) حديث 722، وابن حبان "الإحسان"(9/ 463 - 466) حديث 5156 - 5158، والدارقطني (3/ 269)، والحاكم (2/ 192، 193)، وابن حزم في المحلى (9/ 441)، والبيهقي (7/ 181، 182)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 135) حديث 13951، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 55)، والبغوي في شرح السنة (9/ 89) حديث 2288، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 219) حديث 161، 162، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 276) حديث 1651، كلهم من طرق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

وأخرجه عبد الرزاق (7/ 162) حديث 12621، ومن طريقه أبو داود في المراسيل ص/ 197، حديث 234، والدارقطني (3/ 270)، والبيهقي (7/ 182)، عن معمر، عن الزهري، مرسلًا. وتابع ابنُ عيينة عبدَ الرزاق عن معمر، عن ابن شهاب، مرسلًا: عند الطحاوي (3/ 253). وتابع معمرًا مالك في الموطأ (2/ 586) ومن طريقه أخرجه الشافعي في الأم (4/ 265)، وسعيد بن منصور (2/ 23) حديث 1868، =

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والطحاوي (3/ 253)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 400)، والدارقطني (3/ 270)، والبيهقي (7/ 182)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 136) حديث 13957، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 218) حديث 160، عن الزهري؛ مرسلًا.

وأخرجه البخاري في التاريخ الصغير (1/ 297 - 298)، والطحاوي (3/ 253)، والبيهقي (7/ 182)، من طريق عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن أبي سويد؛ مرسلًا.

وأخرجه البخاري - أيضًا - في التاريخ الصغير (1/ 298)، والدارقطني (3/ 270)، والبيهقي (7/ 182)، من طريق يونس بن يزيد، عن الزهري، عن محمد بن سويد؛ مرسلًا.

وبسبب هذا الاختلاف الكبير على الزهري اختلف الأئمة في تصحيح هذا الحديث؛ قال الترمذي في العلل الكبير ص/ 164: سألت محمدًا [أي: البخاري] عن حديث معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فقال: هو حديث غير محفوظ، إنما روى هذا معمر بالعراق، وقد روي عن معمر، عن الزهري هذا الحديث مرسلًا، وروى شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري، قال: حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم، قال محمد [أي: البخاري]: وهذا أصح.

ونقل البيهقي في سننه (7/ 182) عن الإمام مسلم قال: أهل اليمن أعرف بحديث معمر من غيرهم، فإنه حَدَّثَ بهذا الحديث عن الزهري، عن سالم، عن أبيه بالبصرة، وقد تفرد بروايته عنه البصريون، فإن حدث به ثقة من غير أهل البصرة صار الحديث حديثًا، وإلا فالإرسال أولى.

وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه (1/ 328): سُئل يحيى بن معين عن حديث ابن علية، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم، وعنده عشر نسوة، فقال: خطأ، إنما كان معمر أخطأ فيه.

وصححه جماعة من الأئمة النقاد، منهم:

أ - الحاكم، قال: والذي يؤدى إليه اجتهادي أن معمر بن راشد حَدَّث به على الوجهين، أرسله مرة ووصله مرة، والدليل عليه: أن الذين وصلوه عنه من أهل البصرة، فقد أرسلوه - أيضًا - والوصل أولى من الإرسال، فإن الزيادة من الثقة =

ص: 339

فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "فارِقْ واحدةً منهنَّ" رواهما الشافعي في "مسنده"

(1)

.

وإذا مُنِعَ من استدامة زيادة على أربع، فالابتداء أولى، وقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ

= مقبولة. والله أعلم.

ب - ابن حزم: قال: فإن قيل: فإن معمرًا أخطأ في هذا الحديث خطأً فاسدًا فأسنده، قلنا: معمر ثقة مأمون، فمن ادعى عليه أنه أخطأ، فعليه البرهان بذلك، ولا سبيل له إليه.

ج - البيهقي، قال - بعد نقله كلام مسلم في الحديث -:"فقد رويناه عن غير أهل البصرة، عن معمر كذلك موصولًا. والله تعالى أعلم. وقد روي من وجه آخر عن نافع وسالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما".

د - ابن القطان، قال في بيان الوهم والإيهام (3/ 500): والمتحصل من هذا هو أن حديث الزهري عن سالم، عن أبيه، من رواية معمر في قصة غيلان صحيح، ولم يعتلّ عليه مَن ضعّفه بأكثر من الاختلاف على الزهري، فاعلم ذلك.

ومال ابن حجر إلى تضعيفه. انظر: التلخيص الحبير (3/ 168 - 169).

وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا من طريق آخر: أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 406) حديث 1701، والدارقطني (3/ 271 - 272)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 245)، والبيهقي (7/ 183)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 137) حديث 13963، من طريق سيف بن عبيد الله، عن سرّار بن مجشِّر، عن أيوب، عن نافع وسالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، بنحوه.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أيوب إلا سرّار، تفرد به سيف. وقال البيهقي: قال أبو علي [النيسابوري]رحمه الله: تفرد به سرار بن مجشر، وهو بصري ثقة. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 168): في إسناده مقال. وانظر ما يأتي (11/ 431) تعليق رقم (1).

(1)

(ترتيبه 2/ 16). وأخرجه - أيضًا - في الأم (4/ 265، 5/ 45، 163، 7/ 361)، والبيهقي (7/ 184)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 137) حديث 13967، والبغوي في شرح السنة (9/ 90) حديث 2289.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 194): رواه الشافعي والبيهقي بإسناد غير قوي.

ص: 340

وَرُبَاعَ}

(1)

أُريد به التخيير بين اثنتين، وثلاث، وأربع، كما قال سبحانه وتعالى:{أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}

(2)

ولم يُرِد أن لكلٍّ تسعةَ أجنحة، ولو أراد ذلك لقال: تسعةً

(3)

، ولم يكن للتطويل معنىً، ومَن قال غير ذلك، فقد جهل اللغة العربية.

(ولا للمرأة أن تتزوج أكثرَ من رَجُلٍ) لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ}

(4)

.

(وله) أي: الرجل (التسرِّي بما شاء من الإماء، ولو) كُنَّ (كتابيات، من غير حَصْر) لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(5)

؛ ولأن القسم بينهن غير واجب، فلم ينحصرن في عدد.

(وكان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوَّج بأي عددٍ شاء) ومات عن تسع، وتقدم

(6)

(ونُسِخَ تحريمُ المنع) من التزوُّج عليهن بقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ}

(7)

الآية.

(ولا للعبد أن يتزوَّج أكثر من اثنتين) لقول عمر

(8)

(1)

سورة النساء، الآية:3.

(2)

سورة فاطر، الآية:1.

(3)

في "ذ": "تسعة أجنحة".

(4)

سورة النساء، الآية:24.

(5)

سورة النساء، الآية:3.

(6)

(11/ 193).

(7)

سورة الأحزاب، الآية:51.

(8)

أخرج الشافعي في الأم (5/ 41، 217)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 57)، وعبد الرزاق (7/ 221، 274) رقم 12872، 13134، وسعيد بن منصور (1/ 302، 2/ 97) رقم 1277، 2186، والدارقطني (3/ 308)، والبيهقي (7/ 158، 368، 425)، =

ص: 341

وعلي

(1)

وعبد الرحمن بن عوف

(2)

رضي الله عنهم. وقد روى ليث بن أبي سليم، عن الحكم بن قتيبة

(3)

أنه قال: "أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ العبدَ لا يَنْكِحُ أكثرَ من ثْنتين"

(4)

. ويقويه ما روى الإمام أحمد بإسناده عن محمد بن سيرين: "أنَّ عمرَ سأل الناس: كم يتزوَّج العبدُ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: اثنتينِ، وطلاقُه اثنتينِ"

(5)

، وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم، فلم يُنكر

(6)

، وهذا يخص عموم الآية، مع أن فيها ما يدلُّ على إرادة الأحرار، وهو قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ

= وفي معرفة السنن والآثار (10/ 93) رقم 13790، والبغوي في شرح السنة (9/ 60) رقم 2275، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 273)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ينكح العبد امرأتين.

(1)

روى عبد الرزاق (7/ 274) رقم 13133، وابن أبي شيبة (4/ 144)، والبيهقي (7/ 158)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 93) رقم 13793، عن علي رضي الله عنه أنه قال: ينكح العبد اثنتين.

(2)

انظر تعليق رقم (5) في هذه الصفحة.

(3)

كذا في الأصول: "الحكم بن قتيبة"، وليس ثمة راوٍ بهذا الاسم. والصواب:"الحكم بن عتبة" كما في كتب التراجم.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 145)، وابن حزم في المحلى (9/ 444)، والبيهقي (7/ 158). وعند ابن حزم:"عطاء" بدل: "الحكم".

(5)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وأخرج عبد الرزاق (7/ 274) رقم 13135، عن ابن سيرين: أن عمر بن الخطاب سأل الناس، كم يحل للعبد أن ينكح؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: اثنتين، فصمت عمر كأنه رضي بذلك وأحبه. وأخرجه سعيد بن منصور (1/ 197) رقم 786، وابن أبي شيبة (4/ 144)، والبيهقي (7/ 158)، عن محمد بن سيرين قال: قال عمر رضي الله عنه على المنبر: أتدرون كم ينكح العبد؟ فقام إليه رجل، فقال: أنا، قال: كم؟ قال: اثنتين.

(6)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 97.

ص: 342

أَيْمَانُكُمْ}

(1)

؛ ولأن النكاح مبني على التفضيل؛ ولهذا فارق النبي صلى الله عليه وسلم فيه أُمَّته.

(وليس له) أي: العبد (التَّسرِّي) ولو أذنه سيده؛ لأنه لا يملك (ويأتي في نفقة المماليك).

ولمن نصفه حُرٌّ فأكثر) من نصفه (نكاح ثلاث) نسوة (نصًّا

(2)

)

(3)

، فإن ملك بجزئه الحر جارية، فملكه تام، وله الوطء بغير إذن سيده؛ لقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(4)

؛ ذكره في "الكافي".

وفي "الفنون": قال فقيهٌ: شهوة المرأة فوق شهوة الرجل بتسعة أجزاء. فقال حنبليٌّ: لو كان هذا، ما كان له أن يتزوج بأربع وينكح من الإماء ما شاء، ولا تزيد امرأة على رجل، ولها من القسم الربع، وحاشى حكمته أن يُضيّق

(5)

على الأحوج؟

وذكر ابن عبد البر

(6)

عن أبي هريرة - وبعضهم يرفعه -: "فُضِّلَت المرأةُ على الرجل بتسعة وتسعين جزءًا من اللذة - أو قال: من الشهوة - لكن الله ألقى عليهنَّ الحياء"

(7)

.

(1)

سورة النساء، الآية:3.

(2)

المحرر (2/ 21)، والرعاية الصغرى (2/ 136)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 329).

(3)

ثنتين بنصفه الحر وواحدة بنصفه الرقيق، فإن كان دون نصفه حر، فله نكاح ثنتين فقط. ش.

(4)

سورة النساء، الآية:3.

(5)

في "ذ": "تضيق".

(6)

بهجة المجالس وأنس المُجالس (2/ 45).

(7)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6/ 145) حديث 7737، مرفوعًا.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 440 مع الفيض) ورمز لضعفه، وقال =

ص: 343

(ومن طَلَّق واحدة من نهاية جَمْعِهِ) بأن طَلَّق الحر واحدة من أربع، أو العبد واحدة من ثنتين، أو المبعَّض واحدة من ثلاث (لم يجز له أن يتزوَّج أخرى حتى تنقضي عدتها، ولو كان الطلاق بائنًا) لأن المعتدة في حكم الزوجة؛ لأن العدة أثر النكاح، فكأنه باق، فلو جاز له أن يتزوج غيرها، لكان جامعًا بين أكثر ممن يُباح له.

(وإن ماتت) واحدة من نهاية جَمْعِهِ (جاز) له أن يتزوَّج بَدَلها (في الحال؛ نصًّا

(1)

) لأنه لم يبقَ لنكاحها أثر.

(فلو) طَلَّق واحدة من نهاية جَمْعِهِ، ثم (قال: أخبرتني بانقضاء عدتها، في مدة يجوز) أي: يمكن (انقضاؤها فيها، فكذَّبته) لم يُقبل قولها عليه في عدم جواز نِكاحه غيرها؛ لأنه لا حَقَّ لها في هذه الدعوى، وإنما الحقُّ في ذلك لله تعالى؛ ولأنها مُتَّهمة في ذلك بإرادة منعه نكاح غيرها، إذا تقرَّر ذلك (فله نِكاح أختها، و) له نكاح (بدلها) وإن كانت من نهاية جَمْعِهِ (في الظاهر).

= المناوي: "فيه أبو داود مولى أبي مكمل قال في الميزان [4/ 521]: قال البخاري: منكر الحديث، ثم ساق له هذا الخبر". وأورده الفَتَّنيّ في تذكرة الموضوعات ص/ 130.

وله شاهد أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 237 - 238) حديث 7378، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل ما بين لذة المرأة ولذة الرجل كأثر المخيط في الطين، إلا أن الله يسترهنَّ بالحياء".

قال ابن القيم في روضة المحبين ص/ 95: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده مظلم لا يحتج بمثله. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 293): فيه أحمد بن علي بن شوذب. لم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 430 مع الفيض) ورمز لحسنه.

(1)

الفروع (5/ 204).

ص: 344

قلت: وأما في الباطن: فليس له ذلك إن كان كاذبًا، أو لم يغلب على ظنه انقضاء عدتها.

(ولا تسقط السُّكنى والنفقة) عنه بدعواه إخبارها بانقضاء عدتها مع إنكارها؛ لحديث: "ولكن اليمين على مَنْ أنكر"

(1)

.

(و) لا يسقط أيضًا (نسب الولد) إذا أتت به المطلَّقة لفوق أربع سنين، ما لم يثبت إقرارها بانقضاء عدتها بالقروء، ثم تأتي به لأكثر من ستة أشهر بعدها؛ لأن إقرار المُطلِّق لا يُقبل عليها.

(وتسقُطُ الرجعة) أي: لو كان الطلاق رجعيًا، وقال: أخبرتني بانقضاء عدتها، فأنكرته، فأراد رجعتها، لم يملك ذلك؛ مؤاخذةً له بمقتضى إقراره.

فصل

(في) بيان النوع الثاني من المُحَرَّمات

(2)

، وهنّ (المُحَرَّمات لعارض يزول:

تَحرُم عليه زوجةُ غيره) لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(3)

.

(و) تَحرُم - أيضًا - عليه (المُعتدَّةُ) من غيره؛ لقوله: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}

(4)

.

(و) تحرم - أيضًا - (المُستبرَأةُ منه) أي: من غيره؛ لأن تزوّجها زمن

(1)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

(2)

في "ح" و"ذ" زيادة: "إلى أمد".

(3)

سورة النساء، الآية:24.

(4)

سورة البقرة، الآية:235.

ص: 345

استبرائها يُفضي إلى اختلاط المياه، واشتباه الأنساب، وسواء في ذلك المُعتَّدة والمُستبرَأة (من وَطْءٍ مباح، أو مُحَرَّم) كشبهة وزنىً (أو من غير وَطْءٍ) كالمتوفَّي عنها زوجها قبل الدخول؛ لعموم ما تقدم.

(و) كذا (المُرتابة بعد العِدَّة بالحَمْل) لا يصح نكاحها لغيره حتى تزول الريبة، ويأتي في العِدد.

(وتحرم الزانية - إذا عُلِم زناها - على الزاني وغيره، حتى تتوب، وتنقضي عدتها) لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}

(1)

وهو خبر معناه النهي؛ ولمفهوم قوله تعالى: {والْمُحْصَّنَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ}

(2)

وهن العفائف؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: "لا يحلُّ لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءَهُ زرعَ غيره" يعني إتيان الحبالى؛ رواه أبو داود، والترمذي وحسَّنه

(3)

.

(فإن كانت) الزانية (حاملًا منه) أي: من الزنى (لم يحل نكاحها

(1)

سورة النور، الآية:3.

(2)

سورة المائدة، الآية:5.

(3)

أبو داود في النكاح، باب 45، حديث 2158، 2159، والترمذي في النكاح، باب 34، حديث 1131. وأخرجه - أيضًا - أبو إسحاق الفزاري في السير ص/ 242، حديث 408، وابن سعد (2/ 114)، وابن أبي شيبة (14/ 465)، وأحمد (4/ 108 - 109)، وابن الجارود (3/ 53) حديث 731، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 217)، وابن حبان "الإحسان" (11/ 186) حديث 4850، والطبراني في الكبير (5/ 26 - 27، 5/ 27 - 28) حديث 4482، 4483، 4488، 4489، وفي الأوسط (4/ 136) حديث 3228، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1063) حديث 2695، والبيهقي (7/ 449، 9/ 62، 124)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 142)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 274)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 240). قال الترمذي: هذا حديث حسن. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 211 مع الفيض) ورمز لحسنه.

ص: 346

قبل الوضع) لما سبق.

(وتوبتها) أي: الزانية (أن تُراود عليه) أي: الزنى (فتمتنع) منه؛ لِمَا رُويَ: "أنه قيل لعمرَ: كيف تُعرف توبتُها؟ قال: يريدها على ذلك، فإن طاوعتْه فلم تتُبْ، وإنْ أبَتْ فقد تابت"

(1)

، فصار أحمد

(2)

إلى قول عمر اتباعًا له. قال في "الاختيارات"

(3)

: وعلى هذا: كل من أراد مخالطة إنسان امتحنه، حتى يعرف بِرَّه أو فجوره أو توبته، ويسأل عن ذلك من يعرفه.

(وقيل: توبتها) أي: الزانية (كتوبة غيرها) ندم، وإقلاع، وعزم على ألّا تعود (من غير مراودة؛ اختاره الموفَّق وغيره) وقال: لا ينبغي امتحانها بطلب الزنى منها بحال، وقدَّمه في "الفروع".

(فإذا تابت) من الزنى، وانقضت عدتها (حَلَّ نِكاحها للزاني وغيره) عند أكثر أهل العلم، منهم أبو بكر

(4)

، وعمر

(5)

،

(1)

لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره الموفق في المغني (9/ 564)، من قول ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

مسائل ابن هانئ (1/ 203) رقم 1003.

(3)

ص/ 310.

(4)

أخرج عبد الرزاق (7/ 204) رقم 12795، من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن رجل زنى بامرأة، ثم يريد أن يتزوجها، فقال: ما من توبة أفضل من أن يتزوجها، خرجا من سفاح إلى نكاح.

وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 204) رقم 12796، وابن حزم في المحلى (9/ 476)، والبيهقي (8/ 223) بنحوه.

(5)

أخرج عبد الرزاق (7/ 203) رقم 12793، وسعيد بن منصور (1/ 216) رقم 885، وابن أبي شيبة (4/ 248)، والبيهقي (7/ 155): أن رجلًا تزوج امرأة ولها ابنة من غيره، وله ابن من غيرها، ففجر الغلام بالجارية، فظهر بها حبل، فلما قدم عمر رضي الله عنه مكة، رفع ذلك إليه، فسألهما فاعترفا، فجلدهما عمر الحد، وحرص أن =

ص: 347

وابنه

(1)

، وابن عباس

(2)

، وجابر

(3)

.

وروي عن ابن مسعود

(4)

، والبراء بن عازب

(5)

، وعائشة

(6)

أنها لا

= يجمع بينهما، فأبى الغلام.

(1)

أخرج عبد الرزاق (7/ 205) رقم 12797، عن نافع: أن غلامًا زنى بجارية لابن عمر رضي الله عنهما، قال: فضربهما ابن عمر الحد، وزوَّجها إياه، وأعتق الغلام الذي ولدت.

وأخرج البخاري في الكنى ص/ 4 تعليقًا، وابن أبي شيبة (4/ 249)، وحرب في مسائله ص/ 57، عن ابن عمر قال: أوله سفاح وآخره نكاح، وأوله حرام وآخره حلال.

(2)

أخرج عبد الرزاق (7/ 202) رقم 12785 - 12791، وسعيد بن منصور (1/ 216 - 217) رقم 886 - 893، وابن أبي شيبة (4/ 248، 250)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 357) رقم 373، والدارقطني (3/ 268)، والبيهقي (7/ 155)، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يقول في الرجل يزني بالمرأة ثم يريد نكاحها: أول أمرها سفاح، وآخره نكاح.

(3)

أخرج عبد الرزاق (7/ 202) رقم 12786، وابن أبي شيبة (4/ 249)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: لا بأس بذلك، أول أمرها زنىً حرام، وآخره حلال.

(4)

أخرج عبد الرزاق (7/ 205، 206) رقم 12798، 12802، وسعيد بن منصور (1/ 217) رقم 896، وابن أبي شيبة (4/ 251)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 316) رقم 169، والطبراني في الكبير (9/ 336) رقم 9670، 9673، 9674، والبيهقي (7/ 156): أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ قال: هما زانيان ما اجتمعا. وفي رواية لعبد الرزاق والطبراني: فقيل لابن مسعود: أفرأيت إن تابا؟ فقال: هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات، فلم يزل ابن مسعود يرددها حتى قلت: إنه لا يرى به بأسًا.

(5)

أخرج سعيد بن منصور (1/ 218) رقم 898، وابن أبي شيبة (4/ 251)، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: هما زانيان ما اجتمعا.

(6)

روى عبد الرزاق (7/ 206) رقم 12801، 12802، وسعيد بن منصور (1/ 218) رقم 897، 899، وابن أبي شيبة (4/ 251)، والبيهقي (7/ 156 - 157)، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لا نرى إلا زانيان ما اجتمعا.

ص: 348

تَحِلُّ للزَّانِي بحَال، فيحتمل أنهم أرادوا بذلك ما قَبْل التوبة، أو قبل استبرائها، فيكون كقولنا.

(ولا تشترط

(1)

) لصحة نكاحها (توبة الزاني بها، إذا نكحها) أي: إذا أراد أن ينكح الزانية، كالزاني بغيرها.

(وإن زنت امرأة) قبل الدخول أو بعده؛ لم ينفسخ النكاح (أو) زنى (رجل قبل الدخول) بزوجته (أو بعده؛ لم ينفسخ النكاح) بالزنى، لأنه معصية لا تُخْرِجُ عن الإسلام، أشبه السرقة، لكن لا يطؤها حتى تَعتدَّ، إذا كانت هي الزانية، ويأتي.

واستحبَّ أحمدُ للزوج مفارقة امرأته إذا زنت، وقال: لا أرى أن يُمسِكَ مثل هذه؛ لأنه لا يأمن أن تُفسِد فراشه، وتُلْحِقَ به ولدًا ليس منه

(2)

.

وإن زنى بأخت زوجته، لم يطأ زوجته حتى تنقضي عدة أختها، وإن زنى بأم زوجته أو بنتها، انفسخ النكاح.

(ولا يطأ الرجل أمَته، إذا عَلِمَ منها فُجورًا) أي: زنىً، حتى تتوب، ويستبرئها؛ خشية أن تُلْحِقَ به ولدًا ليس منه، قال ابن مسعود: أكره أن أطأ أمَتي وقد بغت

(3)

.

(وتحرم مطلَّقته ثلاثًا) بكلمة أو كلمات (حتى تنكِحَ زوجًا غيره) نكاحًا صحيحًا، ويطؤها؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ

(1)

في "ح" و"ذ": "يشترط" بالياء.

(2)

مسائل حرب ص/ 57، والمغني (9/ 565).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 208) رقم 12814، وسعيد بن منصور (2/ 61) رقم 2039، والطبراني في الكبير (9/ 337) رقم 9675، بلفظ:"أكره أن يطأ الرجل أمته بغيًا"، ولفظ سعيد:"كان يكره للرجل أن يطأ أمته إذا فجرت".

ص: 349

حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}

(1)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة لما أن أرادت أن ترجع إليه بعد أن طلقها ثلاثًا، وتزوجت بعبد الرحمن بن الزُّبَير:"لا، حتى تذوقي عُسَيْلتَهُ"

(2)

(ويأتي في الرجعة بأبسط من هذا.

وتحرم المُحرِمة حتى تَحِلَّ) لحديث مسلم: "لا يَنكِحُ المُحرِمُ ولا يُنكِح، ولا يَخطب"

(3)

، (وتقدم

(4)

في محظورات الإحرام) بأوسع من هذا.

‌(ولا يَحِلُّ لمسلمة نكاحُ كافرٍ

بحال) حتى يُسلِم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}

(5)

وقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}

(6)

.

(ولا) يحل (لمسلمٍ - ولو) كان (عبدًا - نكاح كافرة) لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}

(7)

، ولقوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}

(8)

(إلا حرائر نساء أهل الكتاب، ولو) كُنَّ (حَربيات)

(1)

سورة البقرة، الآية:230.

(2)

أخرجه البخاري في الشهادات، باب 3، حديث 2639، وفي الطلاق، باب 4، 7، 37، حديث 5260، 5261، 5265، 5317، وفي اللباس، باب 6، 23، حديث 5792، 5825، وفي الأدب، باب 68، حديث 6084، ومسلم في النكاح، حديث 1433، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

مسلم في النكاح، حديث 1409، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(4)

(6/ 160 - 165).

(5)

سورة البقرة، الآية:221.

(6)

سورة الممتحنة، الآية:10.

(7)

سورة البقرة، الآية:221.

(8)

سورة الممتحنة، الآية:10.

ص: 350

لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}

(1)

.

ولا يَحِلّ لمسلم - ولو عبدًا - نكاح أمَة كتابية؛ لقوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}

(2)

؛ ولئلا يؤدِّي إلى استرقاق الكافر ولدها المسلم.

(والأَولى ألَّا يتزوَّج من نسائهم. وقال الشيخ

(3)

: يُكره) أي: مع وجود الحرائر المسلمات.

قال في "الاختيارات"

(4)

:

(5)

وقاله القاضي وأكثر العلماء؛ لقول عمر للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: "طلِّقوهنَّ"

(6)

. و (كـ) ــأكل (ذبائحهم بلا حاجة) تدعو إليه.

(ومُنع النبي صلى الله عليه وسلم من نكاح كتابية، و) مُنع - أيضًا - (من نكاح أمَة مطلقًا) أي: مسلمة كانت أو كتابية، وتقدم

(7)

في الخصائص موضحًا.

(وأهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل) لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}

(8)

(كاليهود، والسامرة) فرقة من اليهود (والنصارى ومن وافقهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم.

فأما المتمسِّك من الكفار بِصُحُفِ إبراهيم وشِيث، وزبور داود،

(1)

سورة المائدة، الآية:5.

(2)

سورة النساء، الآية:25.

(3)

الاختيارات الفقهية: ص/ 313.

(4)

الاختيارات الفقهية: ص/ 313.

(5)

في "ذ" زيادة: "ولو عبدًا". وهذه الزيادة ليست في الاختيارات.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (6/ 78، 79، 7/ 176، 177، 178) رقم 10057، 10059، 12668، 12670، 12672، 12676، وسعيد بن منصور (1/ 182، 183) رقم 716، 718، وابن أبي شيبة:(4/ 158)، والبيهقي (7/ 172).

(7)

(11/ 191).

(8)

سورة الأنعام، الآية:156.

ص: 351

فليسوا بأهل كتاب) للآية السابقة؛ ولأن تلك الكتب ليست بشرائع، إنما هي مواعظ وأمثال، فـ (ـــلا تحِلّ مناكحتهم ولا ذبائحهم كالمجوس وأهل الأوثان، وكمن أحد أبويها غير كتابي، ولو اختارت دين أهل الكتاب) لأنها لم تتمحض كتابية؛ ولأنها متولدة بين من يحل وبين من لا يحل، فلم تحل كالسِّمْع

(1)

، والبغل.

وعُلِم منه: أنه لو كان أبواها غير كتابيين، واختارت دين أهل الكتاب؛ لم تحلَّ لمسلم. قال في "الإنصاف" و"المبدع": وهو المذهب. وقدَّمه في "الفروع". وقيل: تحل اعتبارًا بنفسها؛ اختاره الشيخ تقي الدين

(2)

، وقطع به المُصنِّف في أواخر أحكام الذمة

(3)

.

(و) يحِلُّ (لكتابي نِكاح مجوسيَّة، و) يحِل للكتابي - أيضًا - (وطؤها) أي: المجوسية (بملك يمين) كالمسلم ينكح الكتابية، ويطؤها بملك اليمين.

(ولا) يحِلُّ (لمجوسي) نِكاح (كتابية؛ نصًّا

(4)

) لأنها أشرف منه، فإن مَلَكها، فله وطؤها على الصحيح؛ قَدَّمه في "الرعايتين"؛ قاله في "الإنصاف".

(وتحِلُّ نساءُ بني تغلبَ، ومَن في معناهُنَّ مِن نصارى العرب، و) من (يهودِهم) لأنهنَّ كتابيات، فيدخلن في عموم الآية.

(1)

السِّمْعُ: سَبُعٌ مركب، وهو: ولد الذئب من الضبع، تاج العروس (21/ 233) مادة (سمع).

(2)

الاختيارات الفقهية: ص/ 468 - 469.

(3)

(7/ 285).

(4)

انظر: أحكام أهل الملل للخلال (2/ 475) رقم 1161 - 1162.

ص: 352

(والدُّروزُ، والنُّصَيْريَّة، والتيامنة

(1)

) فرق بجبل الشوف وكسروان، لهم أحوال شنيعة، وظهرت لهم شوكة أزالها الله تعالى (لا تحل ذبائحهم، ولا) يحل (نكاح نسائهم، ولا أن يُنكِحهم المسلمُ وليَّته) قلت: حكمهم كالمرتدّين

(2)

.

(والمرتدّة يحرم نكاحها على أيِّ دين كانت) عليه، وإن تدينت بدين أهل الكتاب؛ لأنها لا تُقرّ على دينها.

(ولا يحل لحرٍّ مسلم - ولو) كان (خصيًّا أو مجبوبًا، إذا كان له شهوة يخاف معها مواقعة المحظور بالمباشرة - نكاحُ أمَة مسلمة، إلا أن يخاف) الحُرُّ (عَنَتَ العزوبة، إما لحاجة متعة، وإما لحاجة خدمة، لكبر أو سقم ونحوهما، نصًّا

(3)

، ولا يجد طَوْلًا لنكاح حُرّةٍ، ولو) كانت (كتابية، بألّا يكون معه مال حاضر يكفي لنكاحها، ولا يقدر على ثمن أمَة ولو كتابية؛ فتحل) له الأمة إذًا؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}

(4)

هذا إن لم تجب نفقته على غيره، فإن وجبت، لم يجز له أن يتزوج أمَة؛ لأن المنفق يتحمل ذلك عنه فيُعِفُّه بحرّة.

(1)

التيامنة: نسبة إلى وادي التيم، وهم فرقة من الدروز، وقد تقدم التعريف بهم (9/ 498) تعليق رقم (2)، وانظر: تاريخ البُصْرَوِيّ ص/ 206.

(2)

في حاشية نسخة "ذ": "فيه نظر؛ لأن إسلامهم لا يصح، بخلاف المرتدين، فيحمل كلامه على من تكررت ردته" اهـ. يعني من أسلم ثم التحق بإحدى هذه الفرق، لا من نشأ عليها، فإنه كافر أصلي.

(3)

انظر: مسائل صالح (2/ 213) رقم 1675، 1676، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 102).

(4)

سورة النساء: الآية: 25.

ص: 353

وإن قدر على ثمن أمَة، لم يتزوَّج أمَة؛ قاله كثير من الأصحاب منهم القاضي في "المجرد"، وابن عقيل، وأبو الخطاب في "الهداية"، والمجد في "المحرّر"، وصاحب "المذهب"، و"مسبوك الذهب"، و"المستوعب"، و"الخلاصة"، و"النظم"، و"الشرح"، و"الحاوي الصغير"، و"الوجيز" وغيرهم، واختاره ابن عبدوس في "تذكرته". قال في "الرعاية": وهو أظهر، وظاهر كلام الخرقي عدم اشتراطه، وهو ظاهر إطلاق القاضي في "تعليقه"، وطائفة من الأصحاب، وقَدَّمه في "الرعايتين" و"الفروع"، وجزم به في "المنور"؛ قاله في "الإنصاف"، وقدَّم الثاني في "التنقيح"، وقطع به في "المنتهى"، وهو ظاهر الآية.

(والصبر عنها) أي: عن نِكاح الأمة (مع ذلك) أي: مع وجود ما تقدم اعتباره (خير وأفضل) لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ}

(1)

.

(وله) أي: للحر (فِعلُ ذلك) أي: تزوج الأَمَة بالشرطين المذكورين (مع صغر زوجته الحرّة، أو) مع (غيبتها، أو) مع (مرضها) بحيث تعجز به عن الخدمة؛ لأن الحرة التي لا تعفّه كالعدم (أو كان له مال ولكن لم يُزَوَّج) حرّة (لقصور نسبه) فله نكاح الأَمة؛ لأنه غير مستطيع الطَّوْل إلى حرّة

(2)

(أو له مال غائب) فله أن يتزوَّج الأَمة (بشرطه) وهو خوف العنت؛ لأنه غير مستطيع الطَّوْل لنكاح الحرّة.

(فإن وَجَدَ من يُقرِضه) ما يتزوَّج به حرّة؛ لم يلزمه؛ لأن المقرض يطالبه به في الحال (أو رضيت الحرّة بتأخير صداقها) لم يلزمه؛ لأنها

(1)

سورة النساء، الآية:25.

(2)

في "ذ": "إلى نكاح حرة".

ص: 354

تطالبه

(1)

(أو) رضيت الحرّة (بدون مهر مِثلها، أو) رضيت بـ (ـــتفويض بُضْعها) لم يلزمه؛ لأن لها طلب فرضه (أو بذل له باذل أن يزنه) أي: الصداق (عنه، أو أن يهبه) له؛ لم يلزمه؛ لما فيه من المِنّة (أو لم يجد من يُزَوِّجه إلا بأكثر من مهر المِثْل بزيادة تُجحِف بماله؛ لم يلزمه) أن يتزوج الحرّة، وجاز له أن يتزوج الأمَة حيث خاف العنت؛ لأنه لم يستطع طَوْلًا لنكاح حرّة بلا ضرر عليه.

(والقول قوله في خشية العَنَت، و) في (عدم الطَّوْل) لأنه أدرى بحال نفسه (حتى لو كان في يده مال، فادَّعى أنه وديعة، أو) أنه (مضاربة؛ قُبِلَ قوله) لأنه ممكن. قلت: بلا يمين؛ لعدم الخصم.

(ونكاح مَنْ بعضها حرٌّ) مع وجود الشرطين (أولى من) نكاح (أَمَة) لأن استرقاق بعض الولد أخف من استرقاق كلّه.

(ومتى تزوَّج أمَة، ثم ذكر أنه كان موسرًا) لنكاح حرّة (حال النكاح، أو) ذكر أنه (لم يكن يخشى العَنَت؛ فُرِّق بينهما) لاعترافه بفساد نكاحه.

(فإن كان) إقراره بذلك (قبل الدخول، وصدَّقه السيّد؛ فلا مهر) لاتفاقهما علي بطلان النكاح.

(وإن أكذبه) السيّد في ذكره أنه كان موسرًا، أو لم يخشَ العنت (فله) أي: السيّد (نصفه) أي: المهر؛ لأن إقراره غير مقبول على السيّد في إسقاطه.

(وإن كان) إقراره بذلك (بعد الدخول، فعليه المُسمّى جميعه) بما استحلَّ من فَرْجها.

(1)

في "ح" و"ذ": "تطالبه به".

ص: 355

فإن كان مهر المِثْل أكثر من المُسمّى؛ لزمه؛ لإقراره به، وإن كان المُسمّى أكثر؛ وجب للسيّد

(1)

.

(وإذا تزوّج الأمة وفيه الشرطان) بأن كان عادم الطَّوْل، خائف العنت (ثم أيسر، أو نكح حرّة، أو زال خوف العَنَت، أو نحوه) كما لو تزوجها لغيبة زوجته فحضرت، أو لصغرها فكبرت، أو لمرضها فعوفيت (لم يبطل نكاحها) أي: الأمة؛ لأن استدامة النكاح تخالف ابتداءه، بدليل أن العِدَّة والرِّدَّة يمنعان ابتداءه دون استدامته؛ ولما رُوي عن عليّ أنه قال:"إذا تزوَّج الحُرّة على الأمةِ، قَسَمَ للحُرّةِ ليلتين، وللأمةِ ليلةً"

(2)

.

(وإن تزوج) الحُرُّ (حرَّة فلم تُعِفَّه، ولم يجد طَوْلًا لحرّة أخرى؛ جاز له نِكاح أَمة) لعموم قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}

(3)

الآية. قال أحمد: إذا لم يصبر كيف يصنع؟!

(4)

.

(ولو جمع بينهما) أي: بين حرَّة لا تعفّه، وأَمة بشرطه (في عقد واحد) صحّ، كما لو كانا في عقدين.

(وكذا لو تزوَّج أَمة، فلم تعفَّه؛ ساغ له نكاح ثانية، ثم) إن لم

(1)

في الأصل زيادة ضرب عليها، وهي:"إلا أن يصدقه فيما قال، فيكون له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد" ا. هـ، وهي في "ح" و"ذ" وعليها علامة التصحيح "صح"، والله أعلم.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 264 - 265) رقم 13087، 13090، وسعيد بن منصور (1/ 184، 186) رقم 725، 738، وابن أبي شيبة (4/ 150)، والدارقطني (3/ 285)، والبيهقي (7/ 175).

وضعَّفه ابن حزم في المحلى (10/ 66)، والزيلعي في نصب الراية (3/ 176).

(3)

سورة النساء، الآية:25.

(4)

المغني (9/ 559).

ص: 356

تُعِفَّاه؛ ساغ له نكاح (ثالثة، ثم) إن لم يُعفِفْنَه ساغ له نكاح (رابعة، ولو في عقد واحد، إذا علم أنه لا يعفّه إلا ذلك) لما سبق.

(وكتابي حُرّ في ذلك) أي: في تزوّج الأَمة (كمسلم) فلا يحل له نكاح الأمة إلا بالشرطين.

(وولد الجميع) من مسلم أو كتابي (منهنَّ) أي: الإماء (رقيق للسيِّد) تبعًا لأُمِّه (إلا أن يشترط الزوج على مالكها حريته) أي: الولد (فيكون) ولده (حرًّا؛ قاله في "الروضة"، وابن القيم

(1)

) لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمونَ على شروطهم، إلا شرطًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالًا"

(2)

؛ ولقول عمر: "مقاطعُ الحقوق عند الشروط"

(3)

؛ ولأن هذا لا يمنع المقصود من النكاح، فكان لازمًا، كشرط سيّدها زيادة في مهرها.

"تنبيه": في قوله في "شرح المنتهى": "على مالكها" إيماء إلى أن ناظر الوقف ووليّ اليتيم ونحوه ليس للزوج اشتراط حرية الولد عليه؛ لأنه ليس بمالك، وإنما يتصرف للغير بما فيه حظ، وليس ذلك من مقتضى العقد، فلا أثر لاشتراطه.

(ولعبد) نكاح أمَة (و) لـ (ـــمُدبَّر) نكاح أمَة (و) لـ (ـــمُكاتَبٍ) نكاح أمَة (و) لـ (ـــمُعْتَقٍ بعضه نكاح أمَة، ولو فُقِدَ فيه الشرطان، ولو على حرَّة) لأنها تساويه.

(1)

إعلام الموقعين (4/ 10).

(2)

روى عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه وقد تقدم تخريجه (7/ 107) تعليق رقم (3) فقرة "ب".

(3)

أخرجه البخاري تعليقًا في الشروط، باب 6، قبل حديث 2721، وفي النكاح، باب 52، قبل حديث 5151، وقد روي موصولًا بأتم من هذا، انظر ما يأتي (11/ 364) تعليق رقم (2).

ص: 357

(وإن جمع) العبد أو المُدَبَّرُ ونحوه (بينهما) أي: بين حُرَّة وأمَة (في عقد واحد؛ صحَّ) العقد فيهما، كما لو عقد عليهما في عقدين.

(وليس له) أي: للعبد (نكاح سيّدته) المالكة له، أو لبعضه؛ لأن أحكام النكاح والملك تتناقض، إذ ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها، وأن يكون بحكمها، ونكاحه إياها يقتضي عكس ذلك؛ ولما روى الأثرم، بإسناده عن جابر قال: "جاءت امرأةٌ إلى عمرَ بن الخطاب، ونحن بالجابية، وقد نكحَتْ عبدَها، فانتهرها عمرُ، وهَمَّ أن يَرجمَها، وقال: لا يحلُّ لكِ

(1)

"

(2)

.

(ولا) يصحّ من العبد أن يتزوَّج (أمَّ سيّده، أو) أم (سيِّدته) لما سيأتي من أنه إذا ملك ولد أحد الزوجين الآخر انفسخ النكاح.

(ولا للحُر

(3)

أن يتزوج أمَته) لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقًا، من القَسْم والمبيت وغيرهما، وذلك يمنعه ملك اليمين، فلا يصح مع وجود ما ينافيه؛ ولأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة، وإباحة البُضْع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه.

(ولا) للحُرِّ أن يتزوَّج (أمَة مكاتَبه) أو أمَة مكاتَبته (ولا أمَة ولده من النسب) لأن له فيها شُبهة ملك (دون الرضاع) فله أن يتزوَّج أمَة ولده من

(1)

"لك" كذا في الأصل و"ذ". وفي نسخة أشار إليها في حاشية "ذ": "ذلك"، والعبارة في مصادر التخريج:"لا يحل لكِ مسلم بعده".

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 209) رقم 12817، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (9/ 481) وصححه.

وقد روى عنه رضي الله عنه من طرق أخرى بنحوه، أخرجه عبد الرزاق (7/ 209 - 210) رقم 12818 - 12820، وسعيد بن منصور (1/ 181، 182) رقم 712 - 714، وابن حزم في المحلى (11/ 248)، والبيهقي (7/ 127).

(3)

في "ذ": "لحر".

ص: 358

الرضاع بشرطه، كالأجنبي (ولو كان ملك كل واحد من الثلاثة) وهم الحرّ ومكاتَبه وولده (بعضًا من الأمة) فإنه يمنع صحة النكاح، كملك كلّها.

(ولا لحُرَّة نكاح عبد ولدها) لما تقدَّم (ولها) أي: للأم (ذلك) أي: نكاح عبد ولدعا (مع رقّها.

وللعبد نكاح أمَة ولده) لأن الرق قطع التوارث بين الأمَة أو العبد وولده، فهو كالأجنبي منهما.

(ويصحّ) للعبد أو الحرّ بشرطه (نكاح أمَة من بيت المال، مع أن فيه شُبهة تُسْقِط الحدّ، لكن لا تجعل الأمَة أُمّ ولد؛ ذكره في "الفنون") لأن للإمام التصرف في بيت المال بما يرى أنه مصلحة؛ ولأن حق الزوج في بيت المال لم يتعيّن في المنكوحة.

(وللابن نكاح أمَة أبيه) لأنه ليس له شُبهة التملّك من مال أبيه، بخلاف الأب.

(وكذلك سائر) أي: باقي (القرابات) فللحُرِّ أن ينكح أمَة أخيه، أو عمِّه، وأمَة جدِّه

(1)

؛ لأنه ليس له التملُّك عليهم.

(وإن ملك حُرٌّ) زوجته؛ انفسخ النكاح؛ لأن ملك اليمين أقوى من النكاح، فيزيله (أو) ملك (وَلَدُهُ الحُرُّ) زوجته؛ انفسخ النكاح؛ لأن ملكه كملك أصله في إسقاط الحدّ، فكان كملكه في إزالة النكاح (أو) ملك (مكاتَبُهُ زوجتَهُ بميراث أو غيره؛ انفسخ نكاحُها) لما تقدم.

وكذا لو ملك) الزوج، أو وَلَدُه الحرّ، أو مُكاتَبُهُ (بعضَها) أي: بعض الزوجة. قلت: والمُكاتَبة في ذلك كالمُكاتَب.

(ويحرم وطؤها هنا) أي: إذا ملك بعضها؛ لعدم تمام الملك،

(1)

في "ح": "أو أمة جده".

ص: 359

وكذا إذا ملكها ولده الحرّ، أو مُكاتَبه؛ يحرم وطؤها.

(وكذا لو ملكت زوجةٌ) زوجَها (أو) ملك (وَلَدُها) الحرُّ زوجَها (أو) ملك (مُكاتَبُها زوجَها، أو) ملك أحدهم (بعضه) انفسخ النكاح؛ لما سبق.

(ومن جمع بين مُحلَّلة ومُحرَّمة) كأيِّم ومزوَّجة نكحهما (في عقد واحد؛ صحَّ) النكاح (في من تحل) وهي الأيِّم؛ لأنها محل قابل للنكاح، أضيف إليها عقد صادر من أهله، لم يجتمع معها فيه مثلها، فصحَّ، كما لو انفردت به.

وفارق العقد على نحو الأختين

(1)

؛ لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى، وههنا قد تعيَّنت التي بطل النكاح فيها، وللتي صح نكاحها من المُسمَّى لهما بقسط مهر مِثْلها منه.

(ولو تزوَّج أمًّا وبنتًا في عقد واحد؛ بطل) النكاح (في الأمّ فقط) وصح في البنت؛ لأنه عقد تضمن

(2)

عقدين، يمكن تصحيح أحدهما دون الآخر، فصح فيما يصح، وبطل فيما يبطل؛ لأنا لو فرضنا أن العقد على الأم سبق وبطل، ثم عقد على البنت؛ صح نكاحُ البنت، ولو فرضنا أن العقد على البنت سبق وبطل، ثم عقد على الأم؛ لم يصح، فإذا وقعا معًا، فنكاحُ البنت أبطل نِكاحَ الأم؛ لأنها تصير أُمَّ زوجته، ونكاحُ الأم لا يُبطِل نكاحَ البنت؛ لأنها تصير ربيبته من زوجة لم يدخل بها؛ فلذلك صح نكاحُ البنت، وبطل نكاحُ الأم.

(ومن حَرُم نكاحُها حَرُم وطؤُها بملك اليمين، كالمجوسية) لأن النكاح إذا حَرُم لكونه طريقًا إلى الوطء، فلأن يحرم الوطء نفسه أولى

(1)

في "ذ": "أختين".

(2)

في "ذ": "يضمن".

ص: 360

(إلا إماء أهل الكتاب) فيحرم نكاحهن، ولا يحرم وطؤهن بملك اليمين؛ لدخولهن في قوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(1)

. ولأن نكاح الإماء من أهل الكتاب إنما حُرِّم من أجل إرقاق الولد، وإبقائه مع كافرة، وهذا معدوم بوطئهنَّ بملك اليمين.

(وكلُّ من حرَّمها النكاح من أُمَّهات النساء، وبناتهنَّ، وحلائل الآباء، و) حلائل (الأبناء، حرَّمها الوطء في ملك اليمين، و) وطء (الشُّبهة والزنى؛ لأن الوطء آكد في التحريم من العقد) بدليل أنه يُحَرِّم الربيبة ولا يُحَرِّمها العقد. فلو تزوج رجل امرأة، وتزوج أبوه بنتها أو أمَّها، فزُفَّت امرأة كل منهما إلى الآخر، فوطئها، فإنَّ وطء الأول

(2)

يوجب عليه مهر مثلها، وينفسخ به نكاحها من زوجها؛ لأنها صارت بالوطء حليلة أبيه أو ابنه، ويسقط به مهر الموطوءة عن زوجها؛ لمجيء الفسخ من قبلها، بتمكينها من وطئها، ومطاوعتها عليه، وينفسخ نكاح الواطئ أيضًا؛ لأن امرأته صارت أمًّا لموطوءته

(3)

أو ابنتها، ولها نصف المُسمَّى.

وأما وطء الثاني فيوجب مهر المِثْل للموطوءة، فإن أشكل الأوّل، انفسخ النكاحان، ولكل واحدة منهما مهر مثلها على واطئها، ولا رجوع لأحدهما على الآخر، ويجب لكل واحدة منهما على زوجها نصف المُسمَّى، ولا يسقط بالشكّ.

(فلو وطئ ابنه) أَمَةً (أو) وطئ (أبوه أَمَةً بملك اليمين) أو بشُبهة، أو زنىً (حرم عليه نكاحها و) حرم عليه (وطؤها إن ملكها) وكذا أمها

(1)

سورة النساء، الآية:3.

(2)

في "ذ": "الأولى".

(3)

في "ذ": "أم الموطوءة".

ص: 361

وبنتها تحرم على الواطئ كذلك، لا على أبيه أو ابنه.

(ولا يحل نكاح خنثى مُشكِل حتى يتبيَّن أمرُه) لاشتباه المباح والمحظور في حقِّه.

"تتمة": قال الخرقي: إذا قال: أنا رجل، لم يُمنع من نكاح النساء، وإن قال: أنا امرأة، لم تنكح

(1)

إلا رجلًا، فإن تزوَّج امرأة، ثم قال: أنا امرأة، انفسخ نكاحه؛ لإقراره ببطلانه، ولزمه نصف المهر إن كان قبل الدخول، أو جميعه إن كان بعده، ولا يحلُّ له بعد ذلك أن ينكح؛ لأنه أقرَّ بقوله: أنا رجل، بتحريم الرجال، وأقرَّ بقوله: أنا امرأة، بتحريم النساء.

وإن تزوَّج رجلًا ثم قال: أنا رجل، لم يُقبل قوله في فسخ نكاحه؛ لأنه حق عليه، فإذا زال نكاحه فلا مهر له؛ لأنه يقرُّ أنه لا يستحقه، سواء دخل به أو لم يدخل، ويحرم النكاح بعد ذلك كما

(2)

ذكرنا؛ قاله في "الشرح".

(قال الشيخ

(3)

: و‌

‌لا يحرم في الجنة زيادة العَدد، و) لا (الجمع بين المحارم وغيرِه)

لأنها ليست دار تكليف.

(1)

في "ح" و"ذ": "ينكح".

(2)

في "ح" و"ذ": "لما".

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 314.

ص: 362

‌باب الشروط في النكاح

أي: ما يشترطه أحدُ الزوجين في العقد على الآخر، مما له فيه غرض.

(ومحلُّ المعتَبر منها) أي: من الشروط (صُلْبُ العقد) كأن يقول: زوَّجتك بنتي فلانة بشرط كذا، ونحوه، ويقبل الزوج على ذلك.

(وكذا لو اتَّفقا) أي: الزوجان (عليه) أي: الشرط (قبلَه) أي: العقد (قاله الشيخ

(1)

وغيره) قال الزركشي: هو ظاهر إطلاق الخرقي، وأبي الخطَّاب، وأبي محمد، وغيرهم.

(وقال) الشيخ

(2)

: (وعلى هذا جراب أحمد في مسائل الحِيَلِ؛ لأنَّ الأمر بالوفاء بالشروط، والعقود، والعهود يتناول ذلك تناولًا واحدًا. وقال في "فتاويه"

(3)

: إنَّه ظاهر المذهب، و) ظاهر (منصوص أحمد، و) ظاهر (قول قدماء أصحابه، ومحقِّقي المتأخِّرين. قال في "الإنصاف": وهو الصَّواب الذي لا شكَّ فيه) وقَطَعَ به في "المُنتهى". وظاهر هذا أو صريحه: أنَّ ذلك لا يختصُّ النكاح، بل العقود كلها في ذلك سواء.

(ولا يلزم الشرطُ بعد العقد ولزومِه) لفوات محلّه، لكن يأتي في آخر النشوز: أنَّ اشتراط الحَكَمين ما لا ينافي النكاح لازم، إلَّا أن يقال: نُزِّلت هذه الحالة منزلة العقد، قطعًا للشقاق والمنازعة.

(1)

مجموع الفتاوى (32/ 166)، والاختيارات الفقهية ص/ 314.

(2)

مجموع الفتاوى (32/ 167).

(3)

مجموع الفتاوى (32/ 166).

ص: 363

(وهي) أي: الشروط في النكاح (قسمان):

أحدهما (صحيح، وهو نوعان:

أحدهما: ما يقتضيه العقد) بأن يكون هو مقتضى العقد (كتسليم الزَّوجة إليه) أي: إلى الزَّوج (وتمكينه من الاستمتاع بها) وتسليمها المهر، وتمكينها من الانتفاع به (فوجوده كعدمه) لأنَّ العقد يقتضي ذلك.

(الثاني: شرط ما تَنتفع به المرأة) مما لا يُنافي العقد (كزيادة معلومة في مهرها) أو في نفقتها الواجبة، أشار إليه في "الاختيارات"

(1)

(أو) اشتراط كون مهرها من (نقدٍ معيَّن، أو) تشترط عليه أن (لا ينقلها من دارها، أو بلدها، أو) أن (لا يسافر بها، أو) أن (لا يفرِّق بينها وبين أبويها، أو) ألَّا يفرِّق بينها وبين (أولادها، أو على أن تُرضع ولدها الصغير، أو) شرطت أن (لا يتزوَّج عليها، ولا يتسرَّى، أو شرط لها طلاقَ ضرَّتها، أو) شرط لها (بيع أمَته، فهذا) النوع (صحيح، لازم للزَّوج، بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه) لما روى الأثرم إسناده: "أنَّ رجلًا تزوَّج امرأةً وشَرَطَ لها دَارَها، ثم أراد نَقْلها، فخَاصَموهُ إلى عمر، فقال: لها شَرْطُها، فقال الرَّجل: إذًا يُطَلِّقْنَنَا! فقال عمر: مَقاطِعُ الحُقوقِ عند الشُّروطِ"

(2)

؛ ولأنه شرط لها منفعة مقصودة لا تمنع المقصود من

(1)

ص/ 316.

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 227) رقم 10608، وسعيد بن منصور (1/ 169) رقم 662، 663، وابن أبي شيبة (4/ 199)، وابن حزم في المحلى (9/ 517)، والبيهقي (7/ 249)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 168)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 408 - 409). وانظر ما تقدم (11/ 357) تعليق رقم (3).

ص: 364

النكاح، فكان لازمًا، كما لو اشترطت كون المهر من غير نقد البلد.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل"

(1)

أي: ليس في حكم الله وشرعه، وهذا مشروع، وقد ذكرنا ما دلَّ على مشروعيته، وعلى من نفى ذلك الدليل.

وقولهم: إنَّ هذا يحرِّم الحلال، ليس كذلك، وإنما يثبت للمرأة - إذا لم يف به - خيارُ الفسخِ.

وقولهم: إنَّه ليس من مصلحة العقد؛ ممنوع؛ فإنَّه من مصلحة المرأة، وما كان من مصلحة العاقد، كان من مصلحة العقد، كاشتراط الرهن في البيع.

(ولا يجب الوفاء به) أي: بالشرط الصحيح (بل يُسنُّ) الوفاء به؛ لأنَّه لو وجب الوفاءُ لأجبر الزَّوج عليه، ولم يُجبره عمر، بل قال:"لها شرطها". (فإن لم يفعل) أي: يَفِ الزوجُ لها بشرطها (فلها الفسخ) لما تقدَّم عن عمر؛ ولأنَّه شرطٌ لازمٌ في عقد، فثبت حق الفسخ بترك الوفاء به؛ كالرَّهن والضمين في البيع، وحيث قلنا: تفسخ، فبفعله ما شرط ألّا يفعله (لا بعزمه) عليه، خلافًا للقاضي؛ لأنَّ العزم على الشيء ليس كفعله (وهو) أي: الفسخ - إذًا - (على التَّراخي) لأنَّه خيار ثبت

(2)

لدفع الضَّرر، فكان على التَّراخي؛ تحصيلًا لمقصودها، كخيار العيب والقصاص.

فـ (ـــلا يَسقط) الخيار (إلا بما يدلُّ على الرِّضا) منها (من قول، أو تمكينٍ منها مع العلم) بفعله ما شرطت ألَّا يفعله، فإن لم تعلم بعدم الوفاء ومكَّنته؛ لم يسقط خيارها؛ لأنَّ موجَبه لم يثبت، فلا يكون له أثر،

(1)

تقدم تخريجه (7/ 400) تعليق رقم (3).

(2)

في "ذ": "يثبت".

ص: 365

كالمسقِط لشفعته قبل البيع.

وإذا شرطت عليه ألَّا يتزوَّج، أو لا يتسرَّى عليها، ففعل ذلك، ثمَّ قَبْلَ أن تفسخ طلَّق أو باع؛ قال في "الاختيارات"

(1)

: قياس المذهب أنَّها لا تملك الفسخ.

(ولا تلزم هذه الشروط إلَّا في النِّكاح الذي شُرطت فيه، فإنْ بانت) المشترطة (منه، ثم تزوجها ثانيًا؛ لم تَعُد) الشروط؛ لأنَّ زوال العقد زوالٌ لما هو مرتبط به.

(وقال الشيخ

(2)

: لو خَدَعها) أي: خدع من شرط ألا يُسافِر بها (فسافر بها، ثم كرهته، لم يكن له أن يُكرهها) على السفر (بعد ذلك. انتهى. هذا إذا لم تُسْقِط حقَّها) من الشَّرط (فإن أسقطته؛ سقط) قال في "الإنصاف": الصَّواب أنها إذا أسقطت حقَّها يسقط مطلقًا.

(ولو شرط لها ألّا يُخْرِجَها من منزل أبويها، فمات الأب) أو الأم (بطل الشَّرط) لأن المنزل صار لأحدهما بعد أن كان لهما، فاستحال إخراجها من منزل أبويها، فبطل الشرط.

(ولو تعذَّر سُكنى المنزل) الذي اشترطت سكناه (بخراب وغيره، سكن بها) الزوج (حيث أراد، وسقط حقُّها من الفسخ) لأنَّ الشَّرط عارض وقد زال، فرجعنا إلى الأصل، والسَّكَن محضُ حقّه.

(وقال الشيخ

(3)

في من شرط لها أن يُسْكِنَها بمنزل أبيه، فسكنت، ثم طلبت سُكنى منفردةً، وهو عاجز: لا

(4)

يلزمه ما عجز عنه) بل لو كان

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 315.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 314.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 315.

(4)

في "ذ": "فلا"، وفي الاختيارات:"لم".

ص: 366

قادرًا، فليس لها - عند مالكٍ

(1)

وأحدِ القولين في مذهب أحمد وغيره - غير ما شرط لها (انتهى) قال في "الفروع": كذا قال، ومراده: صحَّة الشَّرط في الجملة، بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه، لا أنه يلزمها؛ لأنه شَرْطٌ لحقها لمصلحتها، لا لحقه لمصلحته حنى يلزم في حقِّها، ولهذا لو سلَّمت نفسها مَنْ شرطت دارها فيها أو في داره؛ لزم. انتهى. أي: لزمه تسلمها، ولهذا قال في "المنتهى": ومن شرطت سكناها مع أبيه ثم أرادتها منفردة، فلها ذلك.

(ولو شرطت عليه نفقة ولدها) من غيره (وكسوته مدة معيَّنة؛ صح) الشَّرط، وكانت من المهر، فظاهره: إن لم يعيِّن المدة لم يصح؛ للجهالة.

فصل

(القسم الثاني) من الشروط في النكاح (فاسد، وهو نوعان:

أحدهما: ما يُبطِلُ النكاحَ، وهو أربعةُ أشياء:

أحدها: نِكاح الشِّغار) بكسر الشين، قيل: سُمِّي به لقُبْحه، تشبيهًا برفع الكلب رجلَه ليبول. وقيل: هو الرَّفع، كأنَّ كل واحد رَفَع رجله للآخر عما يريد. وقيل: هو البعد، كأنه بَعُدَ عن طريق الحق. وقال الشيخ تقي الدين

(2)

: الأظهر أنه من الخلو، يقال: شَغَرَ المكان إذا خلا، ومكان شاغر، أي: خالٍ، وشَغَرَ الكلب إذا رفع رجله؛ لأنه أخلى ذلك

(1)

انظر: التاج والإكليل (4/ 186).

(2)

انظر: المبدع (7/ 83).

ص: 367

المكان من رجله. وقد فسَّره الإمام

(1)

بأنه فرْج بفرْج، فالفروج كما لا تُورث ولا توهب، فلئلا تعاوض ببُضْعٍ أَولى.

(وهو: أن يزوِّجه وليَّته، على أن يزوجه الآخر وليَّته، ولا مهر بينهما، أي: سكتا عنه، أو شرطا نفيه، ولو لم يقل: وبُضع كل واحدة منهما مهر الأخرى، وكذا لو جعلا بُضع كلَّ واحدة ودراهم معلومة مهرًا للأخرى) ولا تختلف الرواية عن أحمد

(2)

: أنَّ نكاح الشِّغار فاسد. قال: ورُوي عن عمر

(3)

، وزيد بن ثابت

(4)

: أنهما فرَّقا فيه، أي: بين المتناكحين؛ لما روى ابن عمر: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشِّغار. والشِّغار أن يُزوِّج الرَّجلُ ابنته، على أن يزوِّجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق" متفق عليه

(5)

. وروى أبو هريرة مثله، أخرجه مسلم

(6)

.

وروى عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا جَلَب ولا جَنَبَ ولا شِغَارَ في الإسلام" رواه الأثرم

(7)

؛ ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفًا في الآخر، فلم يصح، كما لو قال: بعني ثوبك عن

(8)

أن أبيعك ثوبي. وليس فساده من قِبَل التسمية، بل من جهة أنه وَافَقَه على شرط فاسد؛ ولأنَّه شرط تمليك البُضْع لغير الزوج، فإنَّه جعل تزويجه

(1)

انظر: المبدع (7/ 83).

(2)

مسائل عبد الله (3/ 1026) رقم 1401، ومسائل صالح (1/ 470) رقم 492.

(3)

لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره الموفق - أيضًا - في المغني (10/ 42).

(4)

لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره الموفق - أيضًا - في المغني (10/ 42).

(5)

البخاري في النكاح، باب 58، حديث 5112، وفي الحيل، باب 4، حديث 6960، ومسلم في النكاح، حديث 1415.

(6)

في النكاح، حديث 1416.

(7)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وتقدم تخريجه (9/ 172) تعليق رقم (3).

(8)

في "ح" و"ذ": "على".

ص: 368

إياها مهرًا للأخرى، فكأنه ملَّكه إياها بشرطِ انتزاعها منه.

(فإن سمَّوا) لكل واحدة منهما (مهرًا، كأن يقول: زوَّجتك ابنتي على أن تزوِّجني ابنتك، ومهر كل واحدة مائة، أو) قال أحدهما: (ومهر ابنتي مائة، ومهر ابنتك خمسون، أو أقل) منها (أو أكثر؛ صحَّ) العقد عليهما (بالمُسمَّى، نصًّا

(1)

)، قال في "المجرد"، و"الفصول" في المثال المذكور: المنصوص عن أحمد: أنَّ النِّكاح صحيح، وقال الخرقي: باطل. قالا: والصَّحيح الأول؛ لأنه لم يحصل في هذا العقد تشريك، وإنَّما حصل فيه شرط، فبطل الشرط، وصح العقد. قال الشيخ تقي الدين

(2)

: وفيه مخالفة للأصول من أربعة وجوه، وذكرتها في "الحاشية"

(3)

. ومحلُّ الصحة (إن كان) المسمَّى لكلِّ واحدة منهما (مستقلًّا) عن بُضْعِ الأخرى، فإن جعل المسمَّى دراهم وبُضْع الأخرى، لم يصح، كما تقدم.

(1)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 106).

(2)

لم نقف عليه، وانظر التعليق الآتي.

(3)

قال في حاشية الأصل:

أحدها: أن فيه تقدم القبول في النكاح الأول على الإيجاب، وهو غير جائز عندنا، إلا أن يقال: إنما جوَّزه هنا؛ لكون الإيجاب قد تقدم في أحد العقدين، فصار كل واحد منهما مُنْكِحًا ناكِحًا، وقد يجوز ضمنًا ما لا يجوز ابتداء.

الثاني: أن الثاني إذا أجابه فقال: قبلت هذا على هذا، ونحوه، فقد انعقد النكاح بغير لفظ الإنكاح والتزويج، إلا أن يقال: قول الثاني: قبلت، يتضمن معناهما.

الثالث: أن قوله: على أن تزوجني، مضارع متصل بـ "أن"، وذلك يقتضي تخليصه للاستقبال، فيكون معناه: على أن تزوجني بعد هذا ابنتك، ومثل هذه الصيغة لا تصح قبولًا متقدمًا عند من يجوِّز تقدم القبول علي الإيجاب، إلا أن يقال: الاستقبال فيه لتراخي إجابة الثاني، المتضمنة لإيجابه، وهو متضمن قبول الأول.

الرابع: أن هذا مثل بيعتين في بيعة.

ص: 369

ومحلُّ الصِّحة أيضًا إن كان (غير قليل؛ حيلة

(1)

) سواء كان مهر المثل أو أقل، فإن كان قليلًا، حيلة؛ لم يصحَّ، لما تقدم في بطلان الحيل على مُحَرَّم. وظاهره: إن كان كثيرًا؛ صحَّ؛ ولو حيلة. وعبارة "المنتهى" - تبعًا "للتنقيح" - تقتضي فساده، واعترَضَه المصنِّف في "حاشية التنقيح" كما أوضحته في حاشية "المنتهى".

(ولو سُمِّي) المهر (لإحداهما، ولم يُسمَّ للأخرى؛ صحَّ نكاح من سُمِّي لها) لأنَّ في نِكاح المُسمَّى لها تسمية وشرطًا، فأشبه ما لو سُمِّيَ لكل واحدة منهما مهر.

"فائدة": لو قال: زوَّجتك جاريتي هذه، على أن تزوِّجني ابنتك، وتكون رقبتها صداقًا لابنتك؛ لم يصحَّ تزويج الجارية في قياس المذهب؛ لأنه لم يجعل لها صداقًا سوى تزويج ابنته.

وإذا زوَّجه ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقًا لها؛ صحَّ؛ لأنَّ الجارية تصلح أن تكون صداقًا.

وإن زوَّج عبده امرأة، وجعل رقبته صداقًا لها؛ لم يصحَّ الصَّداق؛ لأنَّ ملك المرأة زوجها يمنع صحَّة النكاح، فيفسد الصداق، ويصحُّ النكاح، ويجب مهر المِثْل؛ قاله في "الشرح".

(الثاني: نِكاح المحلِّل) سُمِّي محلِّلًا لقصده الحِل في موضع لا يحصل فيه الحل (بأن يتزوَّجها) أي: المطلقة ثلاثًا (بشرط أنَّه متى أحلَّها للأوَّل؛ طلَّقها، أو) يتزوَّجها بشرط أنَّه متى أحلَّها للأوَّل؛ فـ (ــلا نِكاح بينهما، أو اتَّفقا عليه) أي: على أنَّه متى أحلَّها للأوَّل؛ طلَّقها، أو لا نِكاح بينهما (قبله) أي: قبل العقد، ولم يرجع عن نيته عند العقد (أو

(1)

في متن الإقناع (3/ 350): "ولا حيلة".

ص: 370

نوى) المحلِّل (ذلك) أي: أنَّه متى أحلَّها للأوَّل طلَّقها (ولم يرجع عن نيَّتِه عند العقد، وهو) أي: النكاح في الصُّوَر المذكورة (حرام غير صحيح) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن اللهُ المُحَلِّلَ والمُحَلَّل له" رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح

(1)

، والعمل عليه عند أهل

(1)

أبو داود في النكاح باب 16، حديث 2076، 2077، وابن ماجه في النكاح، باب 33، حديث 1935، والترمذي في النكاح، باب 28، حديث 1119. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 269، 8/ 316) حدث 10791، 10792، 15352، وسعيد بن منصور (2/ 54) حديث 2008، وأحمد (1/ 88، 93، 107) وأبو يعلى (1/ 323، 395) حديث 402، 516، وابن عدي (1/ 370)، والبيهقي (7/ 207، 208)، وفي شعب الإيمان (4/ 391) حديث 5508، والخطيب في تاريخه (7/ 424)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 159) حديث 1073، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه. وعند بعضهم: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الترمذي: حديث علي رضي الله عنه معلول

ليس إسناده بالقائم.

وقال ابن الجوزي بعد نقله كلام الترمذي هذا: قد روي هذا المعنى من طرق صحاح عن ابن مسعود، وغيره.

وما نقله المؤلف عن الترمذي: "حديث حسن صحيح. . ." إلخ فقد قاله عقب حديث ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي. وللحديث شواهد كثيرة، منها:

أ - عن ابن مسعود رضي الله عنه ويأتي (11/ 373) التعليق رقم (1).

ب - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في العلل الكبير ص/ 161، حديث 273، وابن أبي شيبة (4/ 296)، وأحمد (2/ 323)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 167) حديث 1442، وابن الجارود (3/ 24) حديث 684، والبيهقي (7/ 208)، قال الترمذي: سألت محمدًا [البخاري] عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن. وجوَّد إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الدليل على بطلان التحليل ص/ 396. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 267): فيه عثمان بن محمد الأخنسي، وثَّقه ابن معين وابن حبان، وقال ابن المديني: له عن أبي هريرة أحاديث مناكير.

ج - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه الترمذي في النكاح: باب 28، =

ص: 371

العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر

(1)

، وابنه

(2)

، وعثمان

(3)

، وهو قول الفقهاء من التابعين

(4)

". ورُوي ذلك عن علي

(5)

، وابن عباس

(6)

.

= حديث 1119، وابن عدي (1/ 370) وضعَّفه الترمذي.

د - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ويأتي (11/ 373) تعليق رقم (2).

هـ - عن ابن عمر رضي الله عنهما ويأتي (11/ 374) تعليق رقم (1)، (2).

و - عن ابن عباس رضي الله عنهما ويأتي (11/ 374) تعليق رقم (4).

(1)

أخرج عبد الرزاق (6/ 265) رقم 10777، وسعيد بن منصور (2/ 51) رقم 1992 - 1993، وابن أبي شيبة (4/ 294)، وحرب بن إسماعل الكرماني في مسائله ص/ 87، وابن حزم في المحلى (11/ 249)، والبيهقي (7/ 208)، عن قبيصة بن جابر، قال: قال عمر رضي الله عنه: لا أوتى بمحلِّل ولا بمحلَّلة إلا رجمتهما.

(2)

أخرج عبد الرزق (6/ 265) رقم 10776، وسعيد بن منصور (2/ 52) رقم 1997، وابن أبي شيبة (4/ 294)، وحرب في مسائله ص/ 86، والبيهقي (7/ 208): سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن تحليل المرأة لزوجها، فقال: ذلك السفاح. انظر ما يأتي (11/ 374) تعليق رقم (1).

(3)

أخرج البيهقي (7/ 208)، عن سليمان بن يسار: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه رفع إليه أمر رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها، ففرق بينهما، وقال: لا ترجع إليه إلا بنكاح رغبة غير دلسة.

(4)

منهم: قتادة والحسن البصري، انظر: مصنف عبد الرزاق (6/ 226، 267) رقم 10781، 10785، وعن سعيد بن منصور (2/ 52) رقم 1995. والزهري، انظر: السنن الكبرى (7/ 209). وإبراهيم النخعي وبكر بن عبد الله المزني، انظر: سنن سعيد بن منصور (2/ 52) رقم 1994، 1996، 1998.

(5)

أخرج عبد الرزاق (6/ 271) رقم 10803، عن أبي رافع قال: سئل عثمان بن عفان وزيد بن ثابت - وعلي بن أبي طالب شاهد - عن الأمة هل يحلها سيدها لزوجها إذا كان لا يريد التحليل؟ قالا: نعم. فكره علي قولهما، وقام غضبانًا.

(6)

أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 33، رقم 1934.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 340): هذا إسناد ضعيف؛ لضعف زمعة بن صالح الجندي

والحديث رواه النسائي، والترمذي من حديث ابن مسعود، =

ص: 372

وقال ابن مسعود: "المُحَلِّل والمُحَلَّل له ملعونان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم"

(1)

.

وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبرُكُم بالتَّيْس المُسْتعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو المُحَلِّلُ، لَعَن الله المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له"

(2)

.

= وقال: حسن صحيح.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 170): في إسناده زمعة بن صالح، وهو ضعيف.

(1)

أخرجه الترمذي في النكاح، باب 27، حديث 1120، والنسائي في الطلاق، باب 13، حديث 3416، وفي الكبرى (3/ 325) حديث 3356، وعبد الرزاق (6/ 269، 8/ 315) حديث 10793، 15350، وابن أبي شيبة (4/ 295)، وأحمد (1/ 448، 450 - 451، 462)، والدارمي في النكاح، باب 53، حديث 2263، وأبو يعلى (8/ 468، 9/ 237) حديث 5054، 5350، والشاشي في مسنده (2/ 286) حديث 862، والطبراني في الكبير (10/ 38) حديث 9878، والبيهقي (7/ 208)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 180) حديث 14116، والخطيب في تاريخه (2/ 225)، والبغوي في شرح السنة (9/ 100) حديث 2293، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 278) حديث 1658.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وصححه ابن دقيق العيد في الاقتراح ص/ 375 على شرط البخاري. وحسنه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 760)، وانظر (4/ 442).

(2)

ابن ماجه في النكاح، باب 33، حديث 1936. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (17/ 299) حديث 825، والدارقطني (3/ 251)، والحاكم (2/ 198 - 199)، والبيهقي (7/ 208)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 158) حديث 1072، من طريق الليث بن سعد، عن أبي مصعب مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وحسن إسناده عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 157)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 504). =

ص: 373

وعن نافع عن ابن عمر: "أنَّ رجلًا قال له: تزوَّجتُها أُحِلُّها لِزَوجِها، لم يأمرْني ولم يعلم، قال: لا، إلّا نكاح رغبة، إنْ أعجبَتك أمسكتها، وإنْ كَرهتها فارقتها، وإن كنَّا نَعدُّه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحًا"

(1)

. وقال: "لا يزالا زانيين وإنْ مكثا عشرين سنة"

(2)

إذا عَلِم أنَّه يريد أن يُحلّها. وهذا قول عثمان

(3)

.

وجاء رجل إلى ابن عبّاس فقال: "إنَّ عمِّي طَلَّقَ امرأته ثلاثًا، أيُحِلُّها له رجلٌ؟ قال: مَنْ يُخادعِ الله يَخدَعْهُ"

(4)

.

(ولا يحصل به) أي: بنكاح المحلِّل (الإحصانُ، ولا الإباحة للزَّوج الأوَّل) المطلِّق ثلاثًا؛ لفساده (ويلحق فيه النسبُ) للشُّبهة بالاختلاف فيه.

(فلو شُرط عليه قبل العقد، أن يُحلَّها لمُطَلِّقها) ثلاثًا، وأجاب

= وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الدليل على بطلان التحليل ص/ 397. وقال ابن حجر في الدراية (2/ 73): رواته موثقون.

وأعله الإمام البخاري وأبو زرعة بعدم سماع الليث من مشرح. انظر: علل الترمذي الكبير ص/ 162، وعلل ابن أبي حاتم (1/ 411).

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 340): هذا إسناد مختلف فيه من أجل أبي مصعب. وانظر: التلخيص الحبير (3/ 170).

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 136، 10/ 42) حديث 6242، 9098، والحاكم (2/ 199)، والبيهقي (7/ 208). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وانظر ما تقدم (11/ 372) تعليق رقم (2).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (6/ 266) رقم 10778.

(3)

تقدم تخريجه (11/ 372) تعليق رقم (3).

(4)

أخرجه عبد الرزاق (6/ 266) رقم 10779، وسعيد بن منصور (1/ 258) رقم 1065، وابن أبي شيبة (5/ 11)، والطحاوي (3/ 57)، والبيهقي (7/ 337).

ص: 374

لذلك (ثم نوى عند العقد غير ما شرطوا عليه، وأنه نكاح رغبة؛ صحَّ؛ قاله الموفَّق وغيرُه) وعلى هذا يُحمل حديث ذي الرقعتين، وهو ما روى أبو حفص بإسناده، عن محمد بن سيرين قال:"قدم مكةَ رجلٌ، ومعه إخوة له صغار، وعليه إزارٌ، من بين يديه رُقْعةٌ، ومن خلفه رُقْعةٌ، فسأل عمرَ، فلم يُعْطه شيئًا، فبينما هو كذلك، إذ نَزَغَ الشيطانُ بين رجل من قريش وبين امرأته فطلَّقها ثلاثًا، فقال: هل لكِ أن تُعطي ذا الرقْعَتين شيئًا ويُحِلُّكِ لي؟ قالت: نعم إنْ شئْتَ، فأخبروه بذلك، قال: نعم، فتزوَّجها، فدخل بها، فلمَّا أصبحتْ، أدخلتْ إخْوَته الدَّار، فجاء القُرشيُّ يحومُ حول الدَّار، وقال: يا ويله غلب على امرأته، فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، غُلبتُ على امرأتي. قال: من غلبَك؟ قال: ذو الرُّقْعَتين. قال: أرسلوا إليه، فلما جاءه الرَّسولُ، قالت له المرأة: كيف موضِعُك من قومك؟ قال: ليس بموضعي بأس. قالت: إنَّ أمير المؤمنين يقول لك: طلِّق امرأتَك، فقل: لا والله لا أطلِّقُها؛ فإنّه لا يُكرِهُك، فألْبسته حُلَّة، فلمّا رآه عمرُ من بعيد، قال: الحمد لله الذي رزق ذا الرُّقعتين، فدخل عليه، فقال: أتُطلِّق امرأتَك؟ قال: لا والله لا أُطلِّقها، قال عمر: لو طلَّقتها لأوجعت رأسكَ بالسّوْط"

(1)

. ورواه أيضًا سعيد

(2)

بسنده بنحوٍ من هذا، وقال:"مِنْ أهلِ المدينةِ".

(والقول قوله) أي: الثاني (في نيَّته) إذا إدَّعى أنَّه رجع عن شرط

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (5/ 80 - 81)، وعبد الرزاق (6/ 267) رقم 10786 - 10788، وسعيد بن منصور (2/ 52) رقم 1999، وحرب في مسائله ص/ 87، والبيهقي (7/ 209)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 182) رقم 14124، مختصرًا ومطولًا.

(2)

(2/ 52) رقم 1999.

ص: 375

التحليل، وقصد أنَّه نكاح رغبة؛ لأنه أعلم بما نواه.

قال في "الاختيارات"

(1)

: وإن ادَّعاه بعد المفارقة، ففيه نظر، وينبغي ألّا يُقبل قوله؛ لأنَّ الظاهر خلافه. ولو صَدّقت الزَّوجة أنَّ النِّكاح الثاني كان فاسدًا، فلا تَحل للأوَّل؛ لاعترافها بالتَّحريم عليه.

(ولو زوَّج) المطلِّقُ ثلاثًا (عبده بمطلقته ثلاثًا، ثم وهبها) المطلِّقُ (العبدَ أو) وهبها (بعضَه) أي: بعض العبد (لينفسخ نكاحها) بملكِها زوجَها أو بعْضَه (لم يصحَّ النكاح، نصًّا

(2)

) قال: فهذا نهى عنه عمر

(3)

، ويؤدَّبان جميعًا. وعلَّل أحمد

(4)

فساده بشيئين: أحدهما: أنّه شبيه بالمحلِّل، وهو معنى قوله (وهو) أي: المطلِّق (كمحلِّل، نيَّته كنيَّة الزَّوج) لأنَّه إنما زوَّجها إياه لِيُحلَّها له. والثاني: كونه ليس بكفؤ لها.

(ولو دفعت) مطلَّقة ثلاثًا (مالًا هبة لمن تَثِقُ به، ليشتري مملوكًا، فاشتراه، وزوَّجه بها، ثم وَهَبَهُ لها، انفسخ النكاح، ولم يكن هناك تحليل مشروط، ولا منويٌّ ممن تؤثِّر نيته وشرطه وهو الزوج، ولا أثر لنية الزوجة والولي) لأنَّه لا فرقة بيدهما (قاله في "إعلام الموقعين"

(5)

، وقال: صرَّح أصحابنا بأنَّ ذلك يحلُّها، وذكر كلامه في "المغني" فيها.

قال في "المحرر"

(6)

، و"الفروع"، وغيرهما: ومن لا فرقة بيده، لا أثر لنيَّته) و (قال المنقّح: الأظهر عدم الإحلال) قال في "المنتهى":

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 317 - 318.

(2)

انظر: المغني (10/ 54)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 413).

(3)

تقدم تخريجه (11/ 309) تعليق رقم (3).

(4)

المغني (10/ 54)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (20/ 412).

(5)

(4/ 38).

(6)

في "ح": "المجرد".

ص: 376

والأصحُّ قول "المنقح"، انتهى. وهو قياس التي قبلها، قال في "الواضح": نيتها كنيَّته، وقال في "الروضة": نكاح المحلِّل باطل؛ إذا اتَّفقا. فإن اعتقدت ذلك باطنًا ولم تظهر

(1)

، صحَّ في الحكم، وبطل فيما بينها وبين الله سبحانه.

(وفي "الفنون" في من طَلَّق زوجته الأَمَة ثلاثًا، ثم اشتراها لتأسُّفه على طلاقها: حِلُّها بعيد في مذهبنا؛ لأنه) أي: الحل (يقف على زوج وإصابة، ومتى زوَّجها مع ما ظهر من تأسُّفه عليها، لم يكن قصده بالنكاح إلا التحليل، والقصد عندنا يؤثِّر في النكاح، بدليل ما ذكره أصحابنا: إذا تزوَّج الغريب بنيَّة طلاقها - إذا خرج من البلد - لم يصحَّ، ومَن عزم على تزويجه بالمطلَّقة

(2)

ثلاثًا، ووعدها سرًّا، كان أشدَّ تحريمًا من التَّصريح بخِطبة المعتدة إجماعًا، لا سيَّما ينفق

(3)

عليها ويعطيها ما تُحلَّل به؛ ذكره الشيخ

(4)

) وهو واضح.

(الثالث: نكاح المتعة) سُمِّي بذلك لأنَّه يتزوَّجها ليتمتَّع بها إلى أمدٍ (وهو أن يتزوَّجها إلى مدة) معلومة أو مجهولة (مثل أن يقول) الولي: (زوَّجتك ابنتي شهرًا أو سنة، أو) زوجتكها (إلى انقضاء الموسم، أو) إلى (قدوم الحاجِّ، وشِبْهِهِ، معلومة كانت المدَّةُ أو مجهولةً، أو يقول هو) أي: المتزوِّج: (أمتعيني نفسَكِ، فتقول: أمتعتُكَ نفسي، لا بوليٍّ ولا شاهدين) لما روى الربيع بن سبرة أنه قال: "أشهدُ على أبي أنّه حدّث أنَّ

(1)

في "ح": "تظهره".

(2)

في "ذ": "بمطلقته".

(3)

في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (2/ 231) ما نصه: "أي الزوج الأول".

(4)

مجموع الفتاوى (32/ 8).

ص: 377

رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه فِي حِجّة الوداع"

(1)

، وفي لفظ:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّم مُتْعة النِّساء" رواه أبو داود

(2)

، وفي لفظ رواه ابن ماجه:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيُّها الناس، إني كُنْتُ أذِنْتُ لكم في الاستمتاع، ألا وإنَّ الله حرمها إلى يوم القيامة"

(3)

. وروى سبرة قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكّة، ثمَّ لم نخرج حتى نهانا عنها" رواه مسلم

(4)

.

وروى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس "قام خطيبًا فقال: إنَّ المُتْعَة كالميتةِ والدَّم ولحمِ الخنزيرِ"

(5)

. قال الشافعي

(6)

: لا أعلم شيئًا أحلَّه الله، ثم حرمه، ثم أحلَّه، ثم حرمه؛ إلا المُتْعة.

(وإن نوى) الزوج (بقلبه) أنه نكاح مُتعة من غير تلفُّظ بشرط (فكالشرط، نصًّا

(7)

، خلافًا للموفَّق) نقل أبو داود

(7)

فيها: هو شبيه

(1)

أخرجه أبو داود في النكاح، باب 14، حديث 2072، ولفظه:"نهى عنها"، والبيهقي (7/ 204)، وابن عبد البر في التمهيد (10/ 104)، وأصله في صحيح مسلم كما يأتي.

(2)

في النكاح، باب 14، حديث 2073. وأخرجه مسلم - أيضًا - في النكاح، حديث 1406 (24 - 25) بلفظ: "نهى عن نكاح المتعة".

(3)

ابن ماجه في النكاح، باب 44، حديث 1962. وأخرجه - أيضًا - مسلم في النكاح، حديث 1406 (21).

(4)

في النكاح، حديث 1406 (22).

(5)

أبو بكر هو غلام الخلال، وقد تقدم التعريف به (1/ 219). ولعله رواه في كتابه الشافي، ولم يطبع. وأخرجه - أيضًا - الفاكهي في أخبار مكة (3/ 12)، والبيهقي (7/ 205)، دون قوله:"قام خطيبًا".

(6)

مغني المحتاج (3/ 142)، وإعانة الطالبين (4/ 145).

(7)

مسائل أبي داود ص/ 164.

ص: 378

بالمتعة، لا حتى يتزوجها على أنها امرأته ما حَيِيَتْ.

(وإن شرط) الزوج (في النِّكاح طلاقها في وقتٍ، ولو مجهولًا، فهو كالمتعة) فلا يصح؛ لما تقدم.

(وإن لم يدخل بها في عقد المُتعة، وفيما حكمنا به أنه) كـ (ــمتعة، فُرِّق بينهما) فيفسخ الحاكم النكاح إن لم يطلِّق الزوج؛ لأنه مختلف فيه (ولا شيء عليه) من مهر ولا مُتعة؛ لفساد العقد، فوجوده كعدمه.

(وإن دخل بها) أي: بمن نَكَحَها نكاح مُتعة (فعليه مهر المِثْل، وإن كان فيه مُسَمًّى) قال أبو إسحاق بن شاقْلا

(1)

: إنَّ الأئمة - بعد الفسخ - جعلوها في حَيِّز السفاح، لا في حَيِّز النكاح. انتهى. لكن ذكر المصنف كغيره من الأصحاب أواخر الصداق أن النكاح الفاسد يجب فيه بالدخول المُسمَّى كالصحيح، ولم يُفرِّقوا بين نِكاح المتعة وغيره.

(ولا يثبت به) أي: بنكاح المتعة (إحصان، ولا إباحة للزوج الأول) يعني لمن طَلَّقها ثلاثًا؛ لأنه فاسد، فلا يترتَّب عليه أثره (ولا يتوارثان، ولا تُسمَّى زوجة) لما سبق.

(ومن تعاطاه عالمًا) تحريمه (عُزِّر) لارتكابه معصية لا حدَّ فيها، ولا كفَّارة.

(ويلحق فيه النسب، إذا وطئ يعتقده نكاحًا) قلت: أو لم يعتقده نكاحًا؛ لأن له شُبهة العقد (ويَرِث ولدَه ويرثه) ولدُهُ، للحوق النسب.

(ومثله) أي: مثل نِكاح المتعة فيما ذكر (إذا تزوَّجها بغير وَلي ولا

(1)

هو إبراهيم بن أحمد بن عمر بن شاقلا، أبو إسحاق البزار، شيخ الحنابلة، وتلميذ أبي بكر عبد العزيز، وكان صاحب حلقة للفتيا والأشغال بجامع المنصور، توفي سنة (369) رحمه الله. انظر: طبقات الحنابلة (2/ 128)، وشذرات الذهب (3/ 68).

ص: 379

شهود، واعتقده نكاحًا جائزًا) قلت: أو لم يعتقده كذلك (فإنَّ الوطء فيه وَطْءُ شُبهة، يلحق

(1)

الولدُ فيه) لشُبهة العقد.

(ويستحقان العقوبة) أي: التعزير (على مثل هذا العقد) لتعاطيهما عقدًا فاسدًا.

(الرابع: إذا شرط نفيَ الحِل في نكاح) بأن تزوَّجها على ألّا تحل له، فلا يصح النكاح؛ لاشتراط ما ينافيه (أو عَلَّق ابتداءه) أي: النكاح (على شرط) مستقبل (غير مشيئة الله؛ كقوله: زوَّجتُك) ابنتي أو نحوها (إذا جاء رأس الشهر، أو) إذا (رَضِيَتْ أمُّها، أو) إذا (رضي فلان، أو:) زوجتُكها على (ألّا يَكره فلانٌ، فَسَدَ العقد) لأنه عقد معاوضة، فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل، كالبيع؛ ولأن ذلك وقف للنكاح على شرط، ولا يجوز وقفه على شرط.

ويصح: زوجتُ وقبلت إن شاء الله، وتعليقه على شرطٍ ماض أو حاضر (وتقدَّم ذِكْر بعض الشروط في أركان النكاح.

ويصح النكاح إلى الممات) بأن يقول: زوجتُك إلى الممات، فيقبل؛ فيصح، ولا أثر لهذا التوقيت؛ لأنه مقتضى العقد.

(النوع الثاني) من الشروط الفاسدة:

(إذا شرطا) أي: الزوجان (أو) شرط (أحدهما الخيار في النكاح) كقوله: زوجتُك بشرط الخيار أبدًا، أو مدة، ولو مجهولة (أو) شَرَطا، أو أحدُهُما الخيارَ (في المهر) بطل الشرط وصح العقد؛ لما يأتي.

وهل يصح الصداق ويبطل شرط الخيار فيه، أو يصح ويثبت فيه الخيار، أو يبطل الصداق؟ فيه ثلاثة أوجه؛ أطلقها في "الشرح".

(1)

في "ذ": "يلحقه".

ص: 380

(أو) شَرَطا، أو أحدُهما (عدم الوطء، أو) شرطت (إن جاء بالمهر في وقت كذا، وإلا؛ فلا نِكاح بينهما، أو شرط) الزوج (عدم المهر، أو) عدم (النفقة، أو) شرط (قَسْمَه لها أقلَّ من ضرَّتها، أو أكثر) منها (أو) شرط (إن أصدقها؛ رجع عليها) بما أصدقه لها، أو ببعضه (أو تشترط

(1)

أن يعزل عنها، أو) شرطت أن (لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو) شرطت أن (لا تُسلِّم نفسها إليه، أو) شرطت ألا تُسلِّم نفسها إليه (إلا بعد مدة معيَّنة، أو) شرطت (أن يسافر بها إذا أرادت انتقالًا، أو) شرطت (أن يسكن بها حيث شاءت، أو) حيث (شاء أبوها، أو) حيث شاء (غيره) من قريب أو أجنبي (أو) شرطت (أن تستدعيه إلى الجماع وقت حاجتها، أو) وقت (إرادتها، أو شرط لها النهار دون الليل، أو) شرط (أن تنفق عليه، أو) أن (تعطيه شيئًا، ونحوه) كأن شرطت عليه أن ينفق عليها كل يوم عشرة دراهم مثلًا (بطل الشرط) لأنه يُنافي مقتضى العقد، ويتضمَّن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شُفعته قبل البيع (وصح العقد) لأن هذه الشروط تعود إلى معنىً زائد في العقد، لا يُشترط ذِكره ولا يضرُّ الجهل به، فلم يبطله، كما لو شرط فيه صداقًا مُحرَّما؛ ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد، كالعتق.

(وإن طَلَّق بشرط خيار؛ وقع) طلاقه، ولَغَا شرطه كالنكاح، وأَولى.

(1)

في "ذ": "يشترط"، وفي "ح":"تشرط".

ص: 381

فصل

(فإن تزوَّجها) أي: تزوَّج رجل امرأة (على أنها مُسلِمة، فبانت كتابية) أو قال الولي: زوجتُكَ هذه المُسلِمة، فبانت كافرة (أو تزوَّجها يظنُّها مُسلِمة، ولم تُعْرَف بتقدُّم كُفْرٍ، فبانت كافرة) كتابية (فله الخيار في فسخ النكاح) لأنه شَرَط صفةً مقصودة، فبانت بخلافها، فأشبه ما لو شرطها حُرَّة، فبانت أَمَة (وبالعكس) بأن شَرَطها، أو ظَنَّها كافرة، فبانت مُسلِمة (لا خيار له) لأن ذلك زيادة خير فيها.

(وإن شرطها أمةً، فبانت حُرَّة) فلا خيار له (أو) شرطها (ذات نَسَبٍ، فبانت أشرف، أو) شرطها (على صفة دنيَّة، فبانت أعلى منها) كما لو شرطها شوهاء، فبانت حسناء، أو قصيرة، فبانت طويلة، أو سوداء، فبانت بيضاء (فلا خيار له) لأن ذلك زيادة خير فيها.

(وإن شرطها بكرًا) فبانت ثيبًا، فله الخيار (أو) شرطها (جميلة، أو نسيبة) أي: ذات نسب، فبانت بخلافه، فله الخيار (أو) شرطها (بيضاء، أو طويلة، أو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها النكاح، كالعمى والخرس والصمم والشلل ونحوه) كالعرج والعور (فبانت) الزوجة (بخلافه) أي: بخلاف ما شرطه (فله الخيار نصًّا

(1)

) لأنه شَرَطَ وَصْفًا مقصودًا، فبانت بخلافه (كما لو شرط الحرية) فبانت أَمَة.

(ويرجع) الزوج (بالمهر إن قَبَضَتْه) قلت: لعل المراد: إن استقرَّ، بأن دخل، أو خلا بها، كما يأتي في الأَمَة (على الغارِّ) له منها، أو من وليِّها، أو وكيله؛ للغرور (وإلا) بأن فسخ قبل ما يقرره (سقط) لأنه فسخ

(1)

الفروع (5/ 210)، والمبدع (7/ 91).

ص: 382

قبل الدخول لسبب

(1)

من جهتها.

(ولا يصح فسخٌ في خيار الشرط إلا بحكم حاكم) لأنه مختلف فيه (غيرَ ما يأتي في الباب بعده) أي: بعد ما ذكر مِن أنَّ مَن شرطت حرية زوجها، فبان عبدًا، فلها الفسخ بلا حاكم، كما لو عتقت تحته.

(وإن تزوَّج الحرُّ امرأة يظنُّها حرةَ الأصل) فبانت أَمَة (أول شَرَطها حرَّةً، فبانت أَمَة، وكان) الحر (ممن لا يجوز له نكاح الإماء) بأن يكون غير عادم الطَّوْل، خائف العَنَت؛ فالنكاح غير صحيح، ولا مهر قبل الدخول (أو كان) الحر (ممن يجوز له ذلك) أي: نكاح الإماء؛ لكونه عادم الطَوْل، خائف العَنَت (واختار الفسخ) فله ذلك؛ لأنه عقد غُرَّ فيه أحد الزوجين بحرية الآخر

(2)

، فثبت فيه الخيار، كالآخر.

ثم إن فسخ (وكان ذلك قبل الدخول) بها (فلا مهر) لها

(3)

؛ لحصول الفرقة من قبلها.

(وإن كان) الزوج (دخل بها) ثم فسخ (فلها المُسَمَّى) لتقرره بالدخول (وولده منها حُرٌّ) لأنه اعتقد حريتها، فكان ولده حرًّا؛ لاعتقاده ما يقتضي حريته (ويفديه) الزوج (بقيمته يوم ولادته) قضى بذلك عمر

(4)

،

(1)

في "ذ": "بسبب".

(2)

في "ذ" بعد: "الآخر" زيادة: "وكان له ذلك".

(3)

"لها" ليست في "ذ".

(4)

أخرج مالك في الموطأ (2/ 741)، ومن طريقه الشافعي في الأم (7/ 231)، والبيهقي (7/ 219)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 192) رقم 14164: أنه بلغه أن عمر، أو عثمان، قضى أحدهما في امرأة غرت رجلًا بنفسها، وذكرت أنها حرة، فتزوجها، فولدت له أولادًا، فقضى أن يفدي ولده بمثلهم.

وأخرج أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 343)، وسعيد بن منصور - كما في المحلى (8/ 138) -، وابن أبي شيبة (6/ 288)، من طريق سليمان بن يسار: أن أمةً أتت =

ص: 383

وعلي

(1)

، وابن عباس

(2)

؛ لأنه محكوم بحريته عند الوضع، فوجب أن يضمنه حينئذ؛ لأنه وقت فوات رِقِّه؛ ولأن الزيادة بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمَة، فلم يضمنها، كما بعد الخصومة (إن ولدته حيًّا لوقت يعيش لمثله، سواء عاش أو مات بعد ذلك) أي: بعد أن ولدته، بخلاف ما إذا ولدته ميتًا، أو حيًّا لدون ستة أشهر؛ لأنه في حكم الميت، ولا قيمة له.

(ويرجع) الزوج (بذلك) أي: بالفداء (و) يرجع (بالمهر) يعني إذا لم يختر إمضاء النكاح حيث يكون له الإمضاء (على من غرَّه، سواء كان الغارُّ واحدًا أو أكثر، كما يأتي قريبًا) قضى به عمر

(3)

، وعلي

(4)

، وابن عباس

(5)

، وكذلك إن غرم الزوج أجرة خدمتها له، فله الرجوع بها على الغارّ.

(وإن كان) حين تزوج بالمرأة (ظَنَّها عتيقة) فبانت أَمَة (فلا خيار له) لأن الأصل عدم العتق، فكأنه دخل على بصيرة.

= قومًا، فغرتهم، وزعمت أنها حرة، فتزوجها رجل، فولدت منه أولادًا، فوجدوها أمة، فقضى عمر بقيمة أولادها، في كل مغرور غرة.

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (6/ 140)، عن طريق عامر، عن علي في رجل اشترى جارية فولدت منه أولادًا، ثم أقام الرجل البينة أنها له، قال: ترد عليه، ويقوّم عليه ولدها، فيغرم الذي باعه بما عزَّ وهان.

(2)

لم نقف على من أخرجه مسندًا.

(3)

أخرجه مالك (2/ 256)، وعبد الرزاق (6/ 244) رقم 10679، والبيهقي (7/ 219)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 187) رقم 14145.

(4)

أخرجه البيهقي (7/ 219)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 192) رقم 14163.

(5)

لم نقف على من أخرجه مسندًا، وقال البيهقي (7/ 219)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 192): قال الشافعي في القديم: قضى عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم في المغرور: يرجع بالمهر على من غره.

ص: 384

(والحكم في المدبَّرة، وأمِّ الولد، والمعلَّقِ عتقُها بصفة) قبل وجودها (كالأمَة القِنِّ.

وولد أُمِّ الولد يُقَوَّم كأنه عبد) ويغرم أبوه قيمته يوم ولادته.

(وكذلك ولد المعتَق بعضُها) يكون حرًّا إذا غُرَّ بها (ويفدي) الزوج (من ولدها بقَدْر ما فيه من الرِّق) وباقيه حرٌّ، لا فداء فيه.

(وكذلك المكاتَبة) إذا غُرَّ بها (ويفديه) أي: ولدها (أبوه) المَغرور بها (ومهرها وقيمة ولدها لها) لأن ذلك من كَسْبِها (إلا أن يكون الغرور منها، فلا شيء لها) لأنه لا فائدة في أن يجب لها، ثم يرجع به عليها.

(ويثبت كونها أمَة ببيِّنة فقط، لا بمجرَّد الدعوى) لحديث: "لو يُعْطى النَّاسُ بِدَعْواهم"

(1)

.

(ولا) يثبت كونها أَمَة - أيضًا - (بإقرارها) بذلك؛ لأنه إقرار على غيرها، فلم يُقبل.

(وإن حملت المغرور بها، فضربها ضاربٌ، فألقتْ جنينًا ميتًا، فعلى الضارب غُرَّة) لأنه جنى على جنين حُر (يرثها ورثتُه) أي: ورثة الجنين، كأنه وُلِدَ حيًّا، ومات عنها (وإن كان الضارب أباه) فعليه غُرَّة، و (لم يرثه) لأنه قاتل (ولا يجب فداء هذا الولد للسيد) لأنه وُلِدَ ميتًا، ولا قيمة له.

(ويُفرَّق بينهما) أي: بين الأَمَة ومن غُرَّ بها (إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء) بأن كان حرًّا فاقد الشرطين أو أحدهما (وإن كان ممن يجوز له نكاح) الإماء (فله الخيار) كما تقدم (فإن رضي بالمُقام معها،

(1)

أخرجه البخاري في تفسير سورة آل عمران، باب 3، حديث 4552، ومسلم في الأقضية، حديث 1711، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 385

فما) حملت به، و (ولدت بعد الرضا؛ فرقيق) لمالك الأَمَة، تبعًا لأُمِّه؛ لأن ولد الأَمَة من نمائها، ونماؤها لمالكها، وقد انتفى الغرور

(1)

المقتضي للحرية.

(وإن كان المغرور) بالأمة (عبدًا، فولده) منها (أحرار) لأنه وطئها معتقدًا حرية أولادها، فأشبه الحر (يفديهم) أي: يفدي العبد أولاده من الأَمَة التي غُرَّ بها بقيمتهم يوم الولادة (إذا عتق؛ لتعلُّقه) أي: الفداء (بذمَّته) لأنه فوَّت رِقَّهم باعتقاده الحرية، ولا مال له في الحال، فتعلَّق الفِداء بذمته. ويفارق الجناية والاستدانة؛ لأنهم إنما عتقوا من طريق الحكم من غير جناية منه، ولا أخذ عوض.

(ويرجع) العبد (به) أي: بالفداء (على من غَرَّه) قال في "الكافي" و"الشرح": ولا يرجع به حتى يغرمه؛ لأنه لا يرجع بشيء لم يَفُتْ عليه (كأمره) أي: كما لو أمر إنسان (عبدًا بإتلاف مال غيره) مُغِرًّا له (بأنه) أي: المال (له) أي: للآمر (فلم يكن) المال له، وأغرمه مالكه قيمته، فإنه يرجع على الآمر (ويرجع) العبد (عليه) أي: على الغارّ (بالمهر المُسمَّى أيضًا) لما تقدم في الحر.

(وشَرْطُ رجُوعِهِ) أي: المغرور، حرًّا كان أو عبدًا (على الغارِّ) له (أن يكون) الغارُّ (قد شَرَط له أنها حُرَّة، ولو لم يقارن الشرطُ العقدَ) بأن تقدم عليه (حتى مع إيهامه حُرِّيَّتها) بأن عَلِمَ رِقَّها وكتمه (قاله في "المغني" و"الشرح") قال في "المنتهى": والغارُّ مَن عَلِمَ رِقَّها ولم يبيِّنه. وفي نسخ: (نصًّا

(2)

) لكن سيأتي كلام الشارح: لا يكون غارًّا إلا

(1)

في "ذ": "الغرر".

(2)

انظر: مسائل عبد الله (3/ 1048) رقم 1439، ومسائل صالح (2/ 116) رقم 678، =

ص: 386

بالاشتراط، أو الإخبار بحريتها، أو إيهامه ذلك بقرائن تغلب على ظنِّه حريتها، فينكحها على ذلك، ويرغب فيها، ويصدقها صداق الحرائر.

(ولمستحقِّ الفداء) والمهر (مطالبةُ الغارِّ ابتداء) أي: من غير أن يطالب الزوج؛ لاستقرار الضمان عليه.

(فإن كان الغارُّ) هو (السيد، ولم تعتق بذلك) أي: ولم يكن التغرير بلفظ تثبتُ به الحرية (فلا شيء له على الزوج) لعدم الفائدة في أنه يجب له ما يرجع به عليه.

(وإن كان) الغارُّ (الأَمَة) غير المُكاتَبة (تعلَّق) الواجب (برقبتها) فيغرم الزوج المهر وقيمة الأولاد للسيد، ويتعلَّق ذلك برقبتها، فيخيَّر سيدها بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به عليها، أو يسلمها، فإن اختار فداءها بقيمتها، سقط قَدْر ذلك عن الزوج، فإنه لا فائدة في أن نوجبه عليه ثم نردّه إليه، وإن اختار تسليمها، سلّمها، وأخذ ما وجب له.

(وإن كان) الغارُّ (أجنبيًّا، رجع) الزوج بما غرمه (عليه) لما تقدم.

(وإن كان الغُرور منها) أي: الأَمَة (ومن وكيلها، فالضمان بينهما نصفان) كالشريكين في الجناية، ويتعلَّق

(1)

ما وجب عليها برقبتها، كما تقدم.

(وإن تزوجت حرَّةٌ) رجلًا على أنه حُرٌّ (أو) تزوجت (أمَةٌ رجلًا على أنه حُرٌّ، أو) تزوجت الحرة أو الأَمَة (تظنُّه حرًّا، فبان عبدًا؛ فلها الخيار بين الفسخ والإمضاء، نصًّا

(2)

) أما الحرة، فلأنها إذا ملكت الفسخ

= ومسائل حرب ص/ 98، والمغني (9/ 444 - 445).

(1)

في "ذ": "وتعلق".

(2)

مسائل ابن هانئ (1/ 219) رقم 1067.

ص: 387

للحرية الطارئة، فللسابقة أولى. وأما الأمَة، فلأنها مغرورة بحرية من ليس بحُرٍّ، أشبهت الحرة والعبد المغرور. وعُلِم منه صحة النكاح؛ لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحة العقد، كما لو تزوَّج أمَة على أنها حُرَّة، وهذا إذا كملت شروط النكاح، وكان بإذن سيده.

(فإن اختارت الحُرَّة الإمضاء، فلأوليائها الاعتراض عليها؛ لعدم الكفاءة، وإن اختارت الفسخ، فلها ذلك من غير حاكم، كما لو كانت) عتقت (تحت عبد.

وإن غرَّها بنسب، فبان دونه، وكان ذلك مُخِلًّا بالكفاءة) بأن غرَّها بأنه عربي، فبان عجميًّا (فلها الخيار) لعدم الكفاءة (وإن لم يُخِلَّ) ذلك (بها) أي: الكفاءة (فلا خيار) لها؛ لأن ذلك ليس بمعتبر في صحة النكاح (أشبه ما لو شرطت

(1)

فقيهًا، فبان بخلافه.

وإن شرطت) المرأة (صفةً غيرَ ذلك) المذكور من الحرية والنسب (مما لا يعتبر في الكفاءة، كالجَمَال ونحوه، فبان أقلَّ منها، فلا خيار لها) لما تقدم.

(وكل موضع حُكِمَ فيه بفساد العقد، فَفُرِّق بينهما قبل الدخول، فلا مهر، و) إن فرّق بينهما (بعده، فلها مهر المِثْل) بما استحلّ من فرجها، لكن يأتي في آخر الصداق: أن لها المُسمَّى، وهو المذهب كما في "الإنصاف".

(وكل موضع فُسِخَ فيه النكاح مع صحّته، قبل الدخول، فلا مهر) لها؛ لحصول الفسخ منها، أو بسبب من جهتها.

(و) إن فسخ (بعده) أي: بعد الدخول أو الخلوة ونحوها، مما

(1)

في "ح" و"ذ": "شرطته".

ص: 388

يقرِّره (يجب المُسمَّى) في العقد؛ لتقرُّره؛ ولأنه فسخ طرأ على نكاح

(1)

، فأشبه الطلاق.

فصل

(وإن عَتَقَت الأمَةُ كلُّها وزوجها حرٌّ) فلا خيار لها.

(أو) عَتَقت كلُّها و (بعضه) حرّ (فلا خيار لها) لقول ابن عمر

(2)

وابن عباس

(3)

؛ ولأنها كافأت زوجها في الكمال، فلم يثبت لها خيار، كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم، وأما خبر الأسود عن عائشة:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خيّرَ بَريرةَ، وكان زوجُها حُرًّا" رواه النسائي

(4)

؛ فقد روى عنها

(1)

في "ذ": "على نكاح صحيح".

(2)

أخرج عبد الرزاق (7/ 254) رقم 13027، من طريق عبد الله وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إذا أعتقت عند حر، فلا خيار لها. وأخرجه البيهقي (7/ 222)، من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا تخير إذا أعتقت إلا أن يكون زوجها عبدًا.

(3)

أخرج ابن أبي شيبة (4/ 210)، عن ابن المسيب، وسليم بن يسار، والحسن، وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا خيار لها على الحر.

(4)

في الطلاق، باب 30، حديث 3450، وفي البيوع، باب 78، حديث 4656، وفي الكبرى (2/ 59، 3/ 364، 4/ 46) حديث 2396، 5643، 6238.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الطلاق، باب 20، حديث 2235، والترمذي في الرضاع، باب 7، حديث 1155، وابن ماجه في الطلاق، باب 29، حديث 2074، وسعيد بن منصور (1/ 298) حديث 1259، وابن سعد (8/ 260 - 261)، وابن أبي شيبة (4/ 211)، وإسحاق بن راهويه (3/ 874) حديث 1542، وأحمد (6/ 42، 170، 175، 186)، وأبو يعلى (8/ 17) حديث 4520، والطحاوي (3/ 82)، وفي شرح مشكل الآثار (11/ 187) حديث 4374، والبيهقي (7/ 223، 10/ 338 - 339). =

ص: 389

القاسم بن محمد وعروة: "أنَّ زوج بَريرةَ كان عبدًا أسود لبَني المغيرة، يقال له: مُغِيثٌ" رواه البخاري

(1)

وغيره، وهما أخصُّ بها من الأسود؛ لأنهما ابن أخيها وابن أختها. قال أحمد

(2)

: هذا ابن عباس

(3)

وعائشة

(4)

قالا في زوج بريرة: "إنّهُ عَبْد" روايةُ علماء المدينة وعملهم

(5)

، وإذا روى أهل المدينة حديثًا، وعملوا به؛ فهو أصح شيء، وإنما يصحّ أنه حرّ عن الأسود وحده

(6)

.

(وإن كان) زوج الأَمَة التي عتقت كلُّها (عبدًا، فلها فسخ النكاح بنفسها، بلا حاكم) لأنه فسخٌ مُجمَعٌ عليه

(7)

، غير مجتهد فيه، فلم يفتقر إلى حكم حاكم، كالردّ بالعيب في البيع، بخلاف خيار العيب في النكاح.

= قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وأخرجه البخاري في الفرائض، باب 20، حديث 6754، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، بنحوه، وفي آخره: قال الأسود: وكان زوجها حرًّا.

قال البخاري: قول الأسود منقطع. وقول ابن عباس: "رأيته عبدًا" أصح.

وقال البيهقي (7/ 223): وقوله: "كان زوجها حرًّا" من قول الأسود. لا من قول عائشة رضي الله عنها. ثم برهن عليه. انظر للمزيد من التفصيل: فتح الباري (9/ 410).

(1)

لم نقف في صحيح البخاري على رواية القاسم بن محمد، وعروة، عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه مسلم في العتق، حديث 1504 (9، 11، 13).

(2)

مسائل ابن هانئ (1/ 221) رقم 1077.

(3)

أخرجه البخاري في الطلاق، باب 15، 16، حديث 5280 - 5283.

(4)

أخرجه مسلم في العتق، حديث 1504 (11، 13).

(5)

في "ح": "وعملهم به".

(6)

انظر: فتح الباري (9/ 407).

(7)

مراتب الإجماع ص/ 123.

ص: 390

(فإذا قالت: اخترتُ نفسي، أو) قالت: (فسختُ النكاح؛ انفسخ) وكذا لو قالت: اخترتُ فراقه (ولو قالت: طلَّقتُ نفسي، ونوت المفارقة، كان) ذلك (كنايةً عن الفسخ) لأنه يؤدي معنى الفسخ، فصلح كونه كناية عنه، كالكناية بالفسخ عن الطلاق، ولا يكون فسخها لنكاحها طلاقًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"الطَّلاق لمن أخذ بالسَّاق"

(1)

؛ ولأنها فرقة من قِبَلِ الزوجة، وكانت فسخًا، كما لو اختلف دينهما.

(وهو) أي: خيار الفسخ منها (على التراخي) كخيار العيب.

(فإن عَتَق) زوجها (قبل فَسْخِها) بَطَل خيارها؛ لأن الخيار لدفع الضرر بالرقِّ، وقد زال بالعتق، فسقط الخيار، كالمبيع إذا زال عيبه

(1)

أخرجه ابن ماجه في الطلاق، باب 31، حديث 2081، والطبراني في الكبير (11/ 300) حديث 11800، والدارقطني (4/ 37)، والبيهقي (7/ 360)، من طرق عن موسى بن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعًا.

وضعفه البيهقي، وابن حجر في الدراية (1/ 199)، والتلخيص الحبير (3/ 219)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 358).

وأخرجه الدارقطني (4/ 37)، والبيهقي (7/ 360)، من طريق موسى بن داود، عن ابن لهيعة، عن موسى بن أيوب، عن عكرمة، مرسلًا، وهذا مع إرساله فيه ابن لهيعة. وأخرجه ابن عدي (6/ 2040)، والدارقطني (4/ 37 - 38)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 157) حديث 1071، من طريق الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك رضي الله عنه.

قال ابن عدي: الفضل بن مختار عامة حديثه لا يتابع عليه.

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 334): رواه الطبراني وفيه الفضل بن المختار، وهو ضعيف.

وقال ابن حجر في الدراية (2/ 199) إسناده ضعيف. وانظر: إرواء الغليل (7/ 109).

ص: 391

سريعًا.

(أو رضيت) العتيقة (بالمُقام معه) رقيقًا، وفي نسخة:"بعده" أي: بعد العتق، فلا خيار لها؛ لأن الحق لها، وقد أسقطته.

(أو أمكَنَتْهُ من وطئها، أو) من (مباشرتها، أو) من (تقبيلها طائعة، أو قبَّلته هي، ونحوه مما يدلُّ على الرضا؛ بَطَلَ خيارها) لما روى أبو داود: "أنَّ بريرة عَتَقَتْ وهي عند مُغيثٍ، عبدٍ لآل أبي محمد، فخَيّرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال لها: إن قَرِبَكِ فلا خيار لك"

(1)

.

(فإن ادَّعت الجهل بالعتق، وهو مما يجوز) أي: يمكن (جهله، أو) ادَّعت (الجهل بملك الفسخ، لم تُسمع) دعواها (وبطل خيارها، نصًّا

(2)

) لعموم ما سبق.

(ويجوز للزوج الإقدام على وطئها، إذا كانت غير عالمة) بالعتق، ولا يمنع منه؛ لأنه حقّه، ولم يوجد ما يسقطه.

(ولو بذل الزوج لها) أي: العتيقة (عِوَضًا على أن تختاره) أي: الزوج (جاز) ذلك

(3)

(نصًّا

(4)

) قال ابن رجب

(5)

: وهو راجع إلى صحّة إسقاط الخيار بعوض

(6)

، وصَرَّح الأصحاب بجوازه في خيار البيع.

(1)

أبو داود في الطلاق، باب 21، حديث 2236، ومن طريقه البيهقي (7/ 225)، وفيهما:"عبد لآل أبي أحمد" بدل: "عبد لآل أبي محمد".

(2)

مسائل الكوسج (4/ 1784) رقم 1161، والفروع (5/ 226).

(3)

في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 60) ما نصه: "أي: بذل العوض، فإن اختارته صح، ولم يكن لها الخيار بعد، ويجوز له أن يطالبه بما بذله. اهـ. من خط ابن العماد".

(4)

انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 131).

(5)

القواعد الفقهية لابن رجب، القاعدة التاسعة والخمسون، ص/ 110.

(6)

في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 60) ما نصه: "أي: فيصح =

ص: 392

(ولو شرط مُعتقها عليها دوام النكاح تحت حُرٍّ) إن قلنا: لها الفسخ إذا عتقت تحته (أو) شرط عليها معتقها دوام النكاح تحت (عبد، إذا أعتقها، فرضيت) بالشرط (لزمها ذلك) وليس لها الفسخ إذًا، كأنه استثنى منفعة بُضعها للزوج، والعتقُ بشرطٍ جائزٌ.

(فإن كانت) من عتقت تحت عبد (صغيرة) دون تسع (أو مجنونة، فلا خيار لها في الحال) لأنه لا حكم لقولهما (ولها الخيار إذا بلغت تسعًا، وعقَلَتْ) لكونها صارت على صفة؛ لكلامها حكم، وكذا لو كان بزوجها عيب يوجب الفسخ (ما لم يطأ الزوج قبل ذلك) أي: قبل اختيارها الفسخ، فيسقط، كالكبيرة؛ لانقضاء مدّة الخيار (ولا يُمنع زوجها من وطئها) كما لا يمنع من وطء الكبيرة قبل علمها.

(وليس لوليها) أي: الصغيرة أو المجنونة (الاختيار عنها) لأن طريق ذلك الشهوة، فلا يدخل تحت الولاية، كالقصاص.

(فإن طُلِّقت) من عَتَقَت تحت عبد (قبل أن تختار) الفسخ (وقع الطلاق) لصدوره من أهله في محله، كما لو لم تعتق (وبطل خيارها إن كان) الطلاق (بائنًا) لفوات محله (وإن كان) الطلاق (رجعيًّا) فلها الخيار.

(أو عتقت المعتدَّة الرجعية، فلها الخيار) ما دامت في العِدَّة؛ لأن نكاحها باقٍ يمكن فسخه، ولها في الفسخ فائدة، فإنها لا تأمن رجعته إذا لم تفسخ، بخلاف البائن.

(فإن رضيت) الرجعية (بالمقام؛ بَطَلَ خيارها) لأنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ، فصح اختيار المقام، كصلب النكاح، وإن لم تختر

= الإسقاط، ويسقط العِوض. اهـ. من خط ابن العماد".

ص: 393

شيئًا لم يسقط خيارها؛ لأنه على التراخي، وسكوتها لا يدلُّ على رضاها.

(وإن فسخت) الرجعية (في العِدَّة، بَنَتْ على ما مضى منها) أي: من العِدَّة؛ لأن الفسخ لا ينافي عِدَّة الطلاق ولا يقطعها، فهو كما لو طلَّقها طلقة أخرى (تمام عِدَّة حرَّة) لأنها عتقت في عدتها وهي رجعية.

(فإن) لم تفسخ و (راجعها؛ فلها الفسخ) لأنه على التراخي كما تقدم

(1)

.

(فإن فسخت، ثم عاد فتزوَّجها، بقيت معه بطلقة واحدة) لأن عدد الطلاق يُعتبر بالزوج، كما يأتي، وهو رقيق، وقد طلَّق واحدة فبقيت له أخرى.

(وإن تزوَّجها بعد أن عتق، رجعت معه على طلقتين) كسائر الأحرار.

(ومتى اختارت) العتيقة (الفرقة بعد الدخول، فالمهر للسيد) لأنه وجب بالعقد، وهي ملكه حالته، كما لو لم تفسخ

(2)

.

(وإن كان) الفسخ (قبله) أي: قبل الدخول (فلا مهر) لأن الفرقة أتت من قبل الزوجة، فسقط بذلك مهرها، كما لو أرضعت زوجة له صغرى.

(وإن أعتق أحد الشريكين) نصيبه من الأمَة (وهو) أي: المُعتِق (معسر؛ فلا خيار لها) لأنها لم تعتق كلها، فلم تَفُتِ المكافأة.

(ولو زوَّج مُدَبَّرة له لا يملك غيرها - وقيمتُها مائة - بِعَبْدٍ على مائتين

(1)

(11/ 391).

(2)

في "ح": "يفسخ".

ص: 394

مهرًا، ثم مات السيّد، عَتَقَت، ولا فسخ) لها (قبل الدُّخول؛ لئلا يسقطَ المهر) على المذهب (أو يتنصَّف) على مقابل المذهب (فلا تخرج من الثلث، فيرِقُّ بعضها فيمتنع الفسخ) لأن ما أدَّى وجوده إلى رفعه يرتفع من أصله (فهذه مستثناة من كلام من أطلق) من الأصحاب أنَّ من عتقت تحت رقيق كله، لها الفسخ، ويُعَايا بها

(1)

.

(وإن أُعتق الزوجان معًا، فلا خيار لها) لعدم فوات المكافأة.

(وإن عَتَق

(2)

العبد وتحته أَمَة، فلا خيار له؛ لأن الكفاءة تُعتبر فيه لا فيها، فلو تزوَّج) رجل (امرأة مُطْلقًا) أي: من غير شرط حرية ولا رِق (فبانت أَمَة، فلا خيار له) لما سبق.

(ولو تزوَّجت رجلًا مُطْلقًا) أي: من غير شرط حرية أو عدمها (فبان عبدًا، فلها الخيار) لما سبق (فكذلك في الاستدامة) فإذا عتق العبد، وتحته أمة لا خيار له، وإذا عتقت تحت عبد، فلها الخيار على ما سبق تفصيله.

(ويُستحبُّ لمن له عبد وأَمَة متزوِّجان، فأراد عتقهما، البَداءة بالرجل؛ لئلَّا يثبتَ لها عليه خيار) فتفسخ نكاحه؛ لما روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن عائشة: "أنّه كان لها غلامٌ وجاريةٌ وتَزوَّجا، فقالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي أريدُ أنْ أعتِقَهُما، فقال لها: ابدئي بالرَّجل قبل المرأة"

(3)

، وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك، وقالت للرجل:

(1)

في "ذ" زيادة: "فيقال: أمة عتقت كلها تحت رقيق كله ولم تملك الفسخ" ا. هـ.

(2)

في "ذ": "أعتق".

(3)

أبو داود في الطلاق، باب 22، حديث 2237، وأما الأثرم فلعله رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الطلاق، باب 28، حديث 3446، وفي الكبرى (3/ 363) حديث 5639، وابن ماجه في العتق، باب 10، حديث 2532، =

ص: 395

إني بدأت بعتقك؛ لئلا يكون لها عليك خيار

(1)

.

ولمالك زوجين بيعهما وبيع أحدهما، ولا فرقة بذلك.

ومن عتقت وزادها زوجها في مهرها، فالزيادة لها دون سيّدها، سواء كان زوجها حرًّا أو عبدًا، عتق معها أو لم يعتق. وعلى قياس ذلك: لو زوَّجها سيّدها ثم باعها، فزادها زوجها في مهرها، فالزيادة للثاني؛ قاله في "الشرح".

= وإسحاق بن راهويه (2/ 411) حديث 967، وأبو يعلى (8/ 196) حديث 4756، والعقيلي في الضعفاء (3/ 120)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 190) حديث 7375، وابن حبان "الإحسان"(10/ 149) حديث 4311، وابن عدي (4/ 1635)، والدارقطني (3/ 288)، والحاكم (2/ 206)، والبيهقي (7/ 222)، من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها.

قال العقيلي: لا يُعرف إلا به. أي: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال المنذري (3/ 149): في إسناده عبيد الله بن عبد الرحمن بن مَوْهب، وقد ضعَّفه يحيى بن معين. وقال مرة ثقة. وقال النسائي: ليس بذاك القوي.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 255) رقم 13037، وابن أبي شيبة (4/ 210 - 211).

ص: 396

‌باب العيوب في النكاح

أي: بيان ما يثبت به الخيار من العيوب، وما لا يثبت به خيار.

و‌

‌أقسام العيوب المُثْبِتة للخيار

ثلاثة:

أحدها: ما يختصُّ بالرجل، وقد ذكره بقوله:(إذا وجدت) المرأة (زوجها مجبوبًا، أي: مقطوع الذَّكر) كلّه أو بعضه، بحيث (لم يبقَ منه ما يطأ به، أو) وجدت زوجها (أشلَّ) الذكر (فلها الفسخ في الحال) ويُروى ثبوت الخيار لكل من الزوجين - إذا وجد بالآخر عيبًا في الجملة - عن عمر

(1)

، وابنه

(2)

، وابن عبّاس

(3)

.

(1)

أخرج مالك في الموطأ (2/ 526)، والشافعي في الأم (5/ 84)، وعبد الرزاق (6/ 244) رقم 10679، وسعيد بن منصور (1/ 203) رقم 818، 819، وابن أبي شيبة (4/ 175)، والدارقطني (3/ 266 - 267)، والبيهقي (7/ 135، 214، 215، 219)، والبغوي في شرح السنة (9/ 112) رقم 2300، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون، أو جذام، أو برص، فمسها، فلها صداقها كاملًا، وذلك لزوجها غرم على وليها.

قال ابن القيم في زاد المعاد (5/ 93): وردُّ هذا بأن ابن المسيب لم يسمع من عمر من باب الهذيان البارد المخالف لإجماع أهل الحديث قاطبة. ثم فصَّل الكلام فيه فارجع إليه.

وقال ابن حجر في بلوغ المرام (2/ 79): رجاله ثقات.

وقال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 747): وذكر مالك أن ابن المسيب ولد بنحو ثلاث سنين مضت من خلافة عمر، وأنكر سماعه منه، وقال ابن معين: لم يثبت سماعه منه.

(2)

لم نقف على من أخرجه عنه مسندًا.

(3)

أخرج الدارقطني (3/ 267)، والبيهقي (7/ 215)، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن =

ص: 397

وعن عليّ: لا تُرَدُّ الحُرَّة بعيب

(1)

. وعن ابن مسعود: لا يُفسخ النكاح بعيب

(2)

.

ولنا: أن المرأة أحد العوضين في النكاح، فجاز ردُّها بعيب، كالصَّداق، والرجل أحد الزوجين، فثَبَت له الخيار بالعيب في الآخر، كالمرأة؛ ولأن الجَبَّ والرَّتَق ونحوهما يمنع المقصود بعقد النكاح، وهو الوطء، بخلاف العمى والزَّمَانة ونحوهما، وأما الجُذام والبَرَص والجنون، فتوجِب نَفْرةً تمنع قربانه بالكلية، ويخاف منه التَّعدِّي إلى

= زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أربع لا تجوز في بيع ولا نكاح: المجنونة، والمجذومة، والبرصاء، والعفلاء.

وأخرجه الشافعي في الأم (5/ 84)، وعبد الرزاق (6/ 243) رقم 10674، 10675، وسعيد بن منصور (1/ 204)، رقم 825، 828، وابن أبي شيبة (4/ 175)، والبيهقي (7/ 251)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 187) رقم 14146، من طرق عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد أبي الشعثاء، مقطوعًا.

(1)

لم نقف على من رواه عن علي رضي الله عنه بهذا اللفظ، وإنما روي هذا اللفظ عن إبراهيم النخعي؛ أخرجه سعيد بن منصور (1/ 205) رقم 830.

وأما الوارد عن علي رضي الله عنه: فأخرج الشافعي في الأم (7/ 171)، وعبد الرزاق (6/ 243) رقم 10677، 10678، وسعيد بن منصور (1/ 203) رقم 820، 821، والدارقطني (3/ 267)، والبيهقي (7/ 215)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 189) رقم 14151، عن الشعبي، عن علي قال: أيما رجل نكح امرأة وبها برص، أو جنون، أو جذام، أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك وإن شاء طلق، فإن مسَّها، فلها المهر بما استحل من فرجها. ولفظ الدارقطني: أيما رجل تزوج امرأة مجنونة، أو جذماء، أو بها برص، أو بها قرن، فهي امرأته، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق. وبنحوه رواه مسدد - كما في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 39) رقم 3131، والمطالب العالية (2/ 156) رقم 1585 - ، عن الحسن، عن علي رضي الله عنه. وقال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 176)، بلفظ: لا ترد الحرة من عيب.

ص: 398

نفسه ونسله، والمجنون يخاف منه الجناية، فصارت كالمانع الحسي.

(فإن) جُبَّ بعض ذكره و (أمكن وطؤه بالباقي، فادَّعاه) أي: إمكان وطئه بالباقي من ذكره (فأنكرته

(1)

، قُبل قولها مع يمينها) لأنه يضعف بالقطع، والأصل عدم الوطء.

(وإن بان) الزوج (عِنِّينًا) أي: عاجزًا عن الوطء، وربما اشتهاه ولا يمكنه، من "عَنَّ الشيءُ" إذا اعترض؛ لأن ذكره يعِنُّ إذا أراد إيلاجه، أي: يعترض (لا يمكنه الوطء، بإقراره) متعلق بـ "بَان"(أو ببَيِّنة على إقراره) أنه عِنِّين. قال في "المبدع": فإن كان للمُدَّعي بيّنة من أهل الخبرة والثقة؛ عُمل بها (أو بنُكوله) عن اليمين (- كما يأتي - أُجِّلَ سنة هلالية، ولو عبدًا، منذ ترافعه إلى الحاكم، فيضرب) الحاكم (له المدّة، ولا يَضْرِبُها غيرُه) أي: غيرُ الحاكم؛ لما روي "أنَّ عمرَ أجَّلَ العِنِّين سنةً"

(2)

، وروى ذلك الدارقطني عن ابن مسعود

(3)

، والمُغيرة بن

(1)

في "ذ": "وأنكرته".

(2)

أخرجه عبد الرزاق (6/ 253) رقم 10720 - 10722، وابن أبي شيبة (4/ 206، 208، 5/ 172)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 1066) رقم 1471، وابن المقرئ في المعجم ص/ 119، رقم 329، والدارقطني (3/ 305)، والبيهقي (7/ 226).

وذكره ابن حجر في بلوغ المرام (2/ 79) وقال: رجاله ثقات. وضعفه ابن حزم في المحلى (10/ 60) وأعله بالانقطاع بين سعيد وعمر، وقد أجاب عنه ابن القيم كما تقدم (11/ 397) تعليق رقم (1).

(3)

الدارقطني (3/ 305 - 306). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 254) رقم 10723، وابن أبي شيبة (4/ 206)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 1064) رقم 1468، والطبراني في الكبير (9/ 342 - 343) رقم 9704 - 9706، والبيهقي (7/ 226).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 301): رجاله رجال الصحيح، خلا حصين بن قبيصة، وهو ثقة.

ص: 399

شعبة

(1)

، ورُوي أيضًا عن عثمان

(2)

، ولا مخالف لهم

(3)

. ورواه أبو حفص عن علي

(4)

؛ ولأنه عيب يمنع الوطء، فأثبت الخيار، كالجَبِّ في الرَّجُلِ، والرَّتَقِ في المرأة.

وأما ما رُوي "أنَّ امرأةً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنَّ رِفاعة طلَّقني فَبتَّ طلاقي، فتزوَّجْتُ بعبد الرحمن بن الزُّبَير، وأنَّ ما لَهُ مثلُ هُدْبة الثوب، فقال: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا؛ حتى تذوقي عُسَيلتَه ويذوقَ عُسيلَتَك"

(5)

ولم يَضربْ له مدَّةً، فقال ابن عبد البر

(6)

: قد صح أنَّ ذلك كان بعد طلاقه

(7)

، فلا معنى لضرب المدَّة.

(1)

الدارقطني (3/ 306). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 254) رقم 10724، وابن أبي شيبة (4/ 206)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 1065) رقم 1469، والبيهقي (7/ 226).

(2)

لم نقف على من رواه عنه مسندًا. وقال ابن حزم في المحلى (10/ 58): روينا عن عثمان بن عفان أنه أمره بفراقها دون توقيف ولا تأجيل، وهو منقطع.

(3)

انظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1230).

(4)

أبو حفص هو العكبرى، وقد سبقت ترجمته (5/ 383) تعليق رقم (2)، ولم يطبع شيء من كتبه، وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 254) رقم 10725، وابن أبي شيبة (4/ 206)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 1066) رقم 1470، والبيهقي (7/ 227). وضعَّفه ابن حزم في المحلى (10/ 61)، والحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 77).

(5)

أخرجه البخاري في الشهادات، باب 3، حديث 2639، وفي الطلاق، باب 4، 7، 37، حديث 5260، 5265، 5317، وفي اللباس، باب 6، 23، حديث 5792، 5825، وفي الأدب، باب 68، حديث 6084، ومسلم في النكاح، حديث 1433، عن عائشة رضي الله عنها.

(6)

انظر: الاستذكار (16/ 153).

(7)

أخرجه البخاري في الطلاق باب 4، 7، حديث 5261، 5265، ومسلم في النكاح، حديث 1433 (114، 115).

ص: 400

(ولا تُعتبر عُنَّته إلا بعد بلوغه) لاحتمال أن يكون عجزه لصغره، لا خِلْقة (ولا يُحتسب عليه منها) أي: السَّنة (ما اعتزلته) المرأة له بنشوزٍ أو غيره؛ لأنَّ المانع منها، وإنما تُضرب له السَّنة؛ لأنه قول من سُمِّي من الصحابة؛ ولأن هذا العجز قد يكون لِعُنَّة وقد يكون لمرض، فضرب له سنةً لِتَمُرَّ به الفصول الأربعة، فإن كان من يُبْسٍ زال في فصل الرطوبة، وإن كان من رطوبة زال في فصل اليُبس، وإن كان من برودة زال في فصل الحرارة، وإن كان من احتراقِ مزاج زال في فصل الاعتدال، فإذا مضت الفصول الأربعة ولم يزل، علمنا أنه خِلْقة.

(ولو عزل) الزوج (نفسه) عنها (أو سافر) لحاجة، أو غيرها (حُسب عليه) ذلك من المدَّة؛ لأنه من قِبَله، وكالمُولي (فإن وطئ) الزوج (فيها) أي: في السنة، فليس بعِنِّنين (وإلا) بأن مضت، ولم يطأها فيها (فلها الفسخ) أي: فسخ نكاحها منه؛ لما سبق.

(وإن جُبَّ) أي: قُطع ذكره (قبل الحول، ولو) كان الجَبُّ (بفعلِها، فلها الخيار من وقتها) لأنه لا فائدة إذًا للتأجيل، والفسخُ إذًا للجَبِّ لا للعُنَّة.

(فإن قال) الزوج: (قد عَلِمتْ أني عِنِّينٌ قبل أن أنكحها، فإن أقرَّت) بذلك (أو ثبت) علمها به (ببيّنةٍ، فلا يؤجَّل، وهي امرأته) ولا فسخ لها؛ لدخولها على بصيرة.

(وإن عَلِمتْ أنه عِنِّين بعد الدخول، فسكتت عن المطالبة، ثم طالبت بعد، فلها ذلك) لأنه على التراخي (ويؤجَّل سنة من يوم تُرافِعُه) لا من العقد ولا من الدخول.

(وإن قالت في وقت من الأوقات: رضيتُ به عِنِّينًا، لم يكن لها

ص: 401

المطالبة بعد) ذلك بالفسخ؛ لإسقاطها حقها منه.

(وإن لم يعترف) بأنه عِنِّين (ولم تكن بينة) تشهد باعترافه، أو بعُنَّته، إن أمكن (ولم يدَّع وطئًا، حلف) على ذلك لقطع دعواها، وإنما كان القول قوله؛ لأن الأصل في الرجل السلامة (فإن نكل) عن اليمين (أجِّل) سنة؛ لما يأتي في القضاء بالنكول.

(فإن اعترفت) المرأة (أنه وطئها مرة في القُبُل، ولو) كان الوطء (في مرضٍ يضرها فيه الوطء، أو في حيض ونحوه) كنفاس (أو في إحرام، أو وهي صائمة - وظاهره: ولو في الردّة - بطل كونه عِنِّينًا) لزوال عُنَّته بالوطء (فإن وطئها في الدبر) لم تزل العُنة، لأنه ليس محلًا للوطء، فأشبه الوطء فيما دون الفرج، ولذلك لا يتعلق به إحصان، ولا إحلال لمطلِّقها ثلاثًا (أو) وطئها (في نكاح سابق، أو وطئ غيرها، لم تزل العُنَّة؛ لأنها قد تطرأ) ولأن حكم كل امرأة يعتبر بنفسها، والفسخ لزوال الضرر الحاصل بعجزه عن وطئها، وهو لا يزول بوطء غيرها.

(وإن ادَّعى) زوج (وطء بِكْرٍ، فشهد بعُذرتها) بضم العين، أي: بكارتها (امرأة ثقة، أُجِّل) سنة، كما لو كانت ثيِّبًا (والأحوط شهادة امرأتين) ثقتين (وإن لم يشهد بها) أي: البكارة (أحد؛ فالقول قوله) لأن الأصل السلامة (وعليها اليمين إن قال) الزوج: (أزَلْتُهَا) أي: البكارة (وعادت) لاحتمال صدقه، لكنه خلاف الظاهر، فلذلك كان القول قولها بيمينها.

(وإن شهدت) امرأة ثقة (بزوالها) أي: البكارة بعد دعواه الوطء (لم يؤجَّل) أي: لم يثبت له حكم العِنِّين في تأجيله سنة؛ لبيان كذبها بثبوت زوال بكارتها (وعليه اليمين، إن قالت) المرأة: (زالت) البكارة

ص: 402

(بغيره) أي: بغير وطئه؛ لاحتمال صدقها.

(وكذا إن أقرَّ بعُنَّته، وأُجِّل) السنة (وادَّعى وطْأَها في المدَّة) فقولها إن كانت بكرًا، وشهدت ثقة ببقاء بكارتها، عملًا بالظاهر.

(وإن كانت ثيِّبًا، وادَّعى وطْأَها بعد ثبوت عُنَّته، وأنكرَتْه؛ فـ) ــالقول (قولها) لأن الأصل عدم الوطء، وقد انضم إليه وجود ما يقتضي الفسخ، وهو ثبوت العُنَّة.

(وإن ادعى الوطء ابتداءً مع إنكار العُنَّة، وأنكرَتْه) أي: الوطء (فقوله مع يمينه) إن كانت ثيِّبًا؛ لأن الأصل السلامة (فإن نكل) عن اليمين (قُضي عليه بنكوله.

ويكفي في زوال العُنَّة تغييب الحَشَفة، أو قدرِها من مقطوع) الحشفة (مع انتشارٍ

(1)

) ليكون ما يجزئ من المقطوع مثل ما يجزئ من الصحيح.

وكذا يسقط حقُّ امرأةِ مَن جُبَّ بعضُ ذَكَره بتغييب قَدْرِ الحشفة، مع الانتشار.

(وإن ادَّعت زوجة مجنون عُنَّته، ضُربت له المدَّة) عند ابن عقيل، وصَوَّبَه في "الإنصاف"، وعند القاضي: لا تُضرب. ووجه الأول: أنَّ مشروعية ملك الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن الوطء، وذلك يستوي فيه المجنون والعاقل. قال في "المنتهى": ومجنونٌ ثبتت عُنَّته كعاقل في ضرب المدَّة (ويكون القول قولها هنا في عدم الوطء، ولو كانت ثيِّبًا) لأن قول المجنون لا حكم له.

(وإن عُلم أنَّ عجزَه) أي: الزوج (عن الوطء لعارض، من صِغَرٍ أو

(1)

في "ح": "انتشاره".

ص: 403

مرض مرجوِّ الزوال، لم تضربْ له مدَّة) لأنه ليس بعِنِّينٍ، وعارِضُه مرجوُّ الزوال.

(وإن كان) عجزه عن الوطء (لكِبَرٍ أو مرض لا يُرجى زواله، ضُربت له المدَّة) كالخِلْقي؛ لأن عارضه لا يُرجى زواله.

(وكل موضع حكمنا بوطئه فيه، بطل حكم عُنته، فإن كان) الحكم بوطئه (في ابتداء الأمر) عند الترافع (لم تُضرب له مدَّة) لأنه لا عُنَّة مع الوطء (وإن كان) الحكم بوطئه (بعد ضربها، انقطعت) عُنَّتهُ؛ لأنه يمكن زوالها (وإن كان) الحكم بوطئه (بعد انقضائها، لم يثبت لها خيار) الفسخ، لزوال موجبه، كما لو زال عيب المبيع سريعًا.

(وكلّ موضع حكمنا بعدم الوطء فيه، حكمنا بعُنَّته، كما لو أقرَّ بها) أي: بالعُنَّة؛ لأن عدم الوطء علامتها.

‌فصل

القسم الثاني من العيوب: ما يشترك فيه الرجال والنساء،

وقد أشار إليه بقوله:

(ويثبت الخيار في فسخ النكاح بجُذام، أو بَرَص، أو جنون، ولو أفاق) أحيانًا؛ لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله (فإن اختلفا في بياضٍ بجسده، هل هو بَهَقٌ أو بَرَص؟ أو) اختلفا (في علامات الجُذام، من ذهاب شعر الحاجبين، هل هو جذام؟ فإن كانت للمُدّعي بيّنةٌ من أهل الثقة والخبرة تشهد بما قال؛ ثبت قوله، وإلا) بأن لم يكن له بيّنة بذلك (حلف المُنْكِرُ) لحديث: "البَيِّنةُ على المُدَّعي واليمينُ على مَنْ

ص: 404

أنكر"

(1)

(والقول قوله) أي: المُنْكِر حيث لا بيِّنة بيمينه؛ لما سبق.

(وإن اختلفا في عيوب النساء) تحت الثياب (أُريَت النساءَ الثقات) لأن الحاجة تندفع بذلك (ويُقبل قول امرأة واحدة، عدل) فيكتفى بشهادتها بذلك؛ لأنه محل حاجة، والأحوط اثنتان، كما يأتي في الشهادات.

(وإن شهدت) امرأة عدل (بما قال الزوج) من العيب في امرأته؛ عُمل بشهادتها (وإلا؛ فالقول قول المرأة) في عدم العيب؛ لأن الأصل السلامة.

قلت: وفي معنى ذلك: لو ادَّعى الزوج بعد الوطء أنه وجد الزوجة ثيبًا، وقالت: بل كنت بكرًا، فالظاهر أن القول قولها؛ لأن الأصل السلامة، بخلاف ما تقدم في البيع

(2)

إذا اختلف البائع والمشتري في ذلك؛ لأن الأصل براءة المشتري من الثمن.

(وإن زال العقل بمرض، فهو إغماء لا يثبت به خيار) لأنه لا تطول مدّته، ولا تثبت الولاية به.

(فإن زال المرض، ودام به الإغماء؛ فهو كالجنون) يثبت به الخيار؛ قاله في "الشرح". وعبارة الزركشي و"المبدع": فهو جنون (يثبت به الخيار).

القسم الثالث من العيوب: ما يختصُّ بالنساء، وهو المشار إليه بقوله:

(ويثبت) خيار الفسخ للزوج (بالرَّتَق) بفتح الراء والتاء (وهو كون

(1)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

(2)

(7/ 338).

ص: 405

الفرج مسدودًا ملتصقًا لا مسلك للذَّكَر فيه) بأصل الخِلْقة.

(و) يثبت خيار الفسخ للزوج (بالقَرْن والعَفَل؛ وهو لحمٌ يحدث فيه، يسدُّه) فعلى هذا: القرن والعفل في العيوب واحد، وهو قول القاضي وظاهر الخرقي (وقيل: القَرْن عظم أو غُدَّة تمنع ولوج الذَّكَر) قائِلُه صاحب "المُطلع"

(1)

والزركشي (وقيل: العَفَل رُغوةٌ تمنع لذة الوطء) قائِلُه أبو حفص (وقيل: شيء يخرج من الفرج شبيه بالأُدْرَةِ

(2)

التي للرّجال في الخُصية) قائله صاحب "المُطلع"

(3)

والزركشي. ولا تعارض بين هذه الأقوال؛ لإمكان أن يكون مشتركًا بين هذه الأمور، فلذلك قال (وعلى كل الأقوال يثبت به الخيار) لأنه يمنع الرطء المقصود من النكاح.

(و) يثبت الخيار للرجل أيضًا (بانخراق ما بين السبيلين) أي: القبل والدبر من المرأة (و) بانخراق (ما بين مخرج بولٍ ومنيٍّ) وهو الفتق؛ لأنه يمنع لذة الوطء وفائدته.

(و) يثبت الخيار لكلٍّ من الزوجين (ببَخَرِ فَمِ) الآخر، فهو من العيوب المشتركة. قال في "الفروع": قال بعض أصحابنا: يستعمل للبَخَر السواك، ويأخذ في كل يوم ورق

(4)

آس

(5)

مع زبيب منزوع العجم

(1)

ص/ 323.

(2)

الأدرة: انتفاخ الخصية. المصباح المنير (1/ 9) مادة (أدر).

(3)

ص/ 324.

(4)

في "ذ": "ورقة" بالإفراد.

(5)

الآس: شجر يُشم، ورقها عطر، وهو ضرب من الرياحين، وهو كثير بأرض العرب، ينبت في السهل والجبل وخضرته دائمة، ويسمو حتى يكون شجرًا عظامًا، واحدته آسة. لسان العرب (6/ 18) مادة: أوس. وقد تقدم في (1/ 152) و (6/ 138).

ص: 406

بقَدْر الجوزة، واستعمال الكَرَفْس

(1)

، ومضغ النعناع جيد فيه. قال بعضهم: والدواء القوي لعلاجه: أن يتغرغر بالصَّبِر كل ثلاثة أيام، على الريق ووسط النهار وعند النوم، ويتمضمض بالخَرْدل

(2)

بعد ثلاثة أيام أُخَر، يفعل ذلك في كلِّ ما يتغير فمه إلى أن يبرأ، وإمساك الذهب في الفم يزيل البخر.

(و) يثبت الخيار للرجل ببَخَر (فَرْجِ) المرأة: وهو نَتْنٌ في الفرج، يثور بالوطء.

(و) يثبت الخيار لكلٍّ منهما (باستطلاق بول، و) استطلاق (نَجْوٍ) أي: غائط.

(و) يثبت الخيار للرجل (بقروحٍ سيَّالة في فرج) المرأة.

(و) يثبت الخيار لكلٍّ منهما (بباسور، وناصور) وهما داءان بالمقعدة. فالباسور، منه ما هو ناتئ كالعدس، أو الحمص، أو العنب، أو التوت، ومنه ما هو غائر داخل المقعدة، وكلٌّ من ذلك إما سائل أو غير سائل، والناصور: قروح غائرة تحدث في المقعدة يسيل منها صديد، وينقسم إلى نافذة وغير نافذة، وعلامة النافذة أن يخرج الريح والنَّجْو بلا إرادة، وإذا أُدخل في الناصور ميلًا، وأدخل الإصبع في المقعدة، فإن التقيا فالناصور نافذ.

(1)

بفتح الكاف والراء؛ هو بَقْلٌ عظيم المنافع، مُدرٌّ، محللٌ للرياح والنُّفَخ، منقٍّ للكبد والمثانة، مفتح سددها، مقوٍّ للباءة، لاسيما بزره مدقوقًا بالسكر والسمن، عجيب إذا شرب ثلاثة أيام، ويضر بالأجنة والحبالى والمصروعين، وينفع من البخر. القاموس المحيط ص/ 735، مادة (كرفس). وانظر: زاد المعاد (4/ 370)، وتنقيح الجامع لمفردات الأدوية ص/ 309.

(2)

هو حبُّ شجر مُسخِّن ملطِّف جاذب قالع للبلغم ملين هاضم. انظر: القاموس المحيط ص/ 1282، مادة (خردل).

ص: 407

(و) يثبت للمرأة خيار الفسخ بـ (ــخصاء) الرجل (وهو قطع الخُصيتين.

و) يثبت لها الخيار أيضًا بـ (ــسَلٍّ

(1)

، وهو سَلُّهما) أي: الخُصيتين.

(و) يثبت لها الخيار أيضًا بـ (ــوِجاء) بكسر الواو والمد (وهو رضُّهما) أي: رضُّ الخُصيتين. قال في "المُطلع"

(2)

: هو رضُّ عرق البيضتين حتى ينفسخ فيكون شبيهًا بالخصاء. انتهى. وإنما ثبت لها الخيار بذلك؛ لأنَّ فيه نقصًا بمنع الوطء أو يضعفه، وقد روى أبو عُبيد بإسناده

(3)

عن سليمان بن يسار: "أنَّ ابن سَنَدٍ

(4)

تزوَّج امرأةً، وهو خَصيٌّ، فقال له عمر: أعْلَمْتَها؟ قال: لا. قال: أعْلمها، ثمَّ خَيِّرها".

(و) يثبت الخيار لكل منهما بـ (ــكونه) أي: أحد الزوجين (خُنثى غيرَ مشكِل، وأما) الخنثى (المشكِل فلا يصح نكاحه) حتى يتضح، كما تقدم

(5)

. فيفسخ النكاح بكل واحد من العيوب السابقة؛ لأن منها ما يخشى تعدِّي أذاه، ومنها ما فيه نُفْرة ونقص، ومنها ما تتعدَّى نجاسته.

(و) يثبت الفسخ (بوجدان أحدهما بالآخر عيبًا، به غيره

(6)

، أو مثله) كأن يجد الأجذمُ المرأةَ بَرْصاء، أو جذماء؛ لوجود سببه، كما لو

(1)

السَّلُّ: انتزاعك الشيء وإخراجه في رفق. القاموس المحيط ص/ 1312، مادة (سلل).

(2)

ص/ 324 - 325. وفيه: "حتى ينفضخ" بدل: "ينفسخ".

(3)

لم نقف عليه عند أبي عبيد، وأخرجه - أيضًا - سحنون في المدونة (4/ 199) والبيهقي في معرفة السنن والآثار (10/ 190 - 191) وابن أبي شيبة (4/ 405 - 406)، من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، أن عمر بن الخطاب رفع إليه خصي

فذكره.

(4)

كذا في الأصول: "ابن سندٍ". والصواب: "ابن سندر" كما في مصادر التخريج.

(5)

(11/ 362).

(6)

في "ح" و"ذ"، ومتن الإقناع (3/ 362):"به عيب غيره".

ص: 408

غُرَّ عبدٌ بأَمَة؛ ولأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه.

(إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء، فلا ينبغي أن يثبت لهما خيار؛ قاله الموفَّق والشارح) وصاحب "المُبدع"؛ لامتناع الاستمتاع بعيب نفسه، واختار في "الفصول": إن لم يطأ لبطونها

(1)

فكرتقاء.

(و) يثبت الخيار أيضًا (بحدوثه) أي: العيب (بعد العقد، ولو بعد الدخول؛ قاله الشيخ) في "شرح المحرر"

(2)

(وتعليلهم) بأنه عيب أثبتَ الخيار مقارنًا، فأثبتَه طارئًا، كالإعسار والرق (يدل عليه) أي: على ما قاله الشيخ من ثبوت الخيار ولو بعد الدخول (وهنا) أي: إذا كان الفسخ بعد الدخول لعيب طرأ بعده (لا يرجع) الزوج (بالمهر على أحد؛ لأنه لم يحصُل غَرَر) لأنه لا يعلم الغيب إلا الله.

(ويثبت) للزوج خيار الفسخ (باستحاضة.

و) يثبت الخيار لها بـ (ــقرَع في رأس، وله ريح منكرة) لما فيه من النفرة.

(فإن كان) أحد الزوجين الذي لا عيب به (عالمًا بالعيب) في الآخر (وقت العقد) فلا خيار له (أو علم) بالعيب (بعده) أي: بعد العقد (ورضي به) فلا خيار له. قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأنه قد رضي به، كمشتري المعيب (أو وُجد منه دِلالة على الرضا) بالعيب (من وطءٍ، أو تمكين) من وطء (مع العلم بالعيب، فلا خيار له) لما تقدم

(1)

كذا في الأصل، وفي "ذ":"لطونها"! والصواب: "لنضوتها" كما في الفروع (5/ 237)، وقال ابن قندس في حاشيته على الفروع (8/ 290 طبعة التركي): لنضوتها، أي: لهزالها، والنضو الدابة التي أهزلتها الأسفار، وأذهبت لحمها. ا. هـ. من النهاية [5/ 71].

(2)

انظر: مختصر الفتاوى للبعلي ص/ 431.

ص: 409

(و) إن اختلفا في العلم بالعيب؛ فـ (ــالقول قوله) أي: قول منكر العلم (مع يمينه في عدم علمه) بالعيب؛ لأنه الأصل.

(فإن رَضِيَ بعيب) كما لو رضيها رتْقاء مثلًا (ثم حَدَث عيب آخر من غير جنسه) بأن حدث للرتقاء جُذام (فله الخيار) للعيب الحادث؛ لأنه لم يرض به.

(فإن ظَنَّ العيبَ الذي رضي به يسيرًا، فبان كثيرًا، كمن ظَنَّ البَرَص في قليل من جسده

(1)

، فبان في كثير منه، أو زاد) العيب (بعد العقد، فلا خيار له) لأنه من جنس ما رضي به، ورضاه به رضًا بما يحدث منه.

(وإذا

(2)

كان الزوج صغيرًا) ولو دون عشر (وبه جُنون أو جُذام أو بَرَص، فلها الفسخ في الحال) لوجود سببه (ولا يُنتَظَر وقت إمكان الوطء، وعلى قياسه: الزوجة إذا كانت صغيرة أو مجنونة، أو عَفْلاء أو قرْناء) قاله الشيخ تقي الدين

(3)

أي: فله الفسخ في الحال، ولا ينتظر وقت إمكان الوطء؛ لأن الأصل بقاؤه بحاله.

فصل

(وخيار العيوب والشروط على التراخي) لأنه لدفع ضرر مُتحقّق، فكان على التراخي، كخيار القصاص، فـ (ــلا يسقط إلا أن توجد منه)

(1)

في "ح": "جسدها" وهو الأنسب للسياق.

(2)

في "ذ"، ومتن الإقناع (3/ 363):"وإن".

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 318.

ص: 410

أي: ممن له الخيار (دلالة على الرضا من قولٍ) كقوله: أسقطت الفسخ ونحوه

(1)

(أو وطء) إذا كان الخيار للزوج؛ لأنه يدل على رغبته فيها (أو تمكين) من وطء إن كان الخيار لها؛ لأنه دليل رغبتها فيه (مع العلم بالعيب) وتقدم معناه (أو يأتي بصريح الرضا) كقوله: رضيتُ بالعيب.

(فإن ادَّعى الجهلَ بالخيار، ومثله يجهله) كعامِّيٍّ لا يخالط الفقهاء كثيرًا (فالأظهر ثبوت الفسخ؛ قاله الشيخ

(2)

) عملًا بالظاهر. وقال في "المنتهى": ولو جهل الحكم، أي يسقط خياره بما يدلُّ على الرضا، ولو جهل الحكم.

(و) خيار الفسخ (في العُنَّة لا يسقط بغير قول) امرأة العِنِّين: أسقطتُ حقّي من الفسخ، أو: رضيت به عِنِّينًا ونحوه، لا بتمكينها من الوطء؛ لأنه واجبٌ عليها، لتعلم أزالتْ عُنَّته أم لا.

(ومتى زال العيب) قبل الفسخ (فلا فسخ) لزوال سببه، كالمبيع يزول عيبه.

(ولو فَسَختْ بعيب) كبياض

(3)

ببدنه ظنته بَرَصًا (فبان أن لا عيب؛ بطل) أي: تبيَّنَّا بطلان (الفسخ) إذ الحكم يدور مع العِلَّة وجودًا وعدمًا (واستمر النكاح) لعدم ما يقتضي فسخه.

(ولا فسخ بغير العيوب المذكورة، كعوَر، وعَرَج، وعمىً، وخرس، وطَرَش، وقطع يد أو رجل، وكل عيب يَنْفِرُ الزوج الآخرُ منه، خلافًا لابن القيم

(4)

) قال: إنه أولى من البيع. والفرق أنَّ المقصود من

(1)

زاد في "ح" و"ذ": "رضيت".

(2)

مختصر الفتاوى للبعلي ص/ 423.

(3)

في "ح": "لبياض".

(4)

زاد المعاد (5/ 183).

ص: 411

النكاح الوطء، وهذه لا تمنعه، والحرّة لا تُقَلَّب كما تُقَلَّب الأَمَة، والزوج قد رضيها مطلقًا، وهو لم يشترط صفةً فبانت دونها.

وقال أبو البقاء

(1)

: الشيخوخة في أحدهما عيب.

(فإن شرط الزوج نفي ذلك) أي: العور والعرج ونحوه، فبانت بخلافه؛ فله الخيار.

(أو شرطها بكرًا، أو جميلة، ونحوه) بأن شرطها نسيبة (فبانت بخلافه؛ فله الخيار) لشرطه (وكذا لو شرطته) حرًّا (أو ظنته حرًّا، فبان عبدًا، وتقدَّم

(2)

في الباب قبله) بأوسع من هذا.

(ولو بان) أحدهما (عقيمًا) فلا خيار للآخر (أو كان) الزوج (يطأ ولا ينزل، فلا خيار لها؛ لأن حقّها في الوطء، لا في الإنزال.

ولا يصح فسخٌ في خيار العيب، وخيار الشرط، إلا بحكم حاكم) لأنه فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فيه؛ فافتقر إليه، كالفسخ للعُنَّة، والإعسار بالنفقة، إلا الحرة إذا غُرَّت بعبد، ومن عتقت كلها تحت رقيق كله، فتفسخ بلا حاكم، وتقدم

(3)

(فيفسخه) أي: النكاح (الحاكم أو يردّه) أي: الفسخ (إلى من له الخيار) فيفسخه.

(ويصحّ) الفسخ من المرأة حيث ملكته (في غيبة زوج) كما تقدم

(4)

(1)

هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله العُكْبَريُّ البغدادي، المقرئ الفقيه المفسر اللغوي الضرير أبو البقاء، له تصانيف كثيرة منها:"شرح الهداية" وهو من الكتب التي اعتمد عليها المرداوي في الإنصاف. توفي سنة 616 هـ رحمه الله تعالى. ترجم له ابن رجب ترجمة ضافية في الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 109).

(2)

(11/ 387).

(3)

(11/ 390).

(4)

(7/ 422).

ص: 412

في الخيار (والأولى) الفسخ (مع حضوره) أي: الزوج خروجًا من خلاف من منعه في غيبته.

(والفسخُ لا يَنْقُصُ عَدَدَ الطلاقِ) لأنه ليس بطلاق.

(وله) أي: للزوج (رجعتها) يعني إعادتها (بنكاح جديد) بولي وشاهدي عدل (وتكون عنده على طلاق ثلاث) حيث لم يسبق له طلاق (وكذا سائر الفُسوخ) كالفسخ لإعساره بالصداق، أو النفقة، وفسخ الحاكم على المولي بشرطه (إلا فُرقةَ اللعان) فإن الملاعَنة تحرم على الملاعِن أبدًا، كما تقدم

(1)

.

(فإن فُسِخ) النكاح (قبل الدخول؛ فلا مهر) ولا متعة، سواء كان الفسخ من الرجل أو المرأة؛ لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها، وإن كان منه فإنما فسخ لعيب بها، دلَّسته بالإخفاء، فصار الفسخ كأنه منها، لا يقال: هلّا جعل فسخها لعيبه؛ كأنه منه؛ لحصوله بتدليسه؟! لأن العوض من الزوج في مقابلة منافعها، فإذا اختارت الفسخ مع سلامة ما عُقد عليه، رجع العوض إلى العاقد منها، وليس من جهتها عوضٌ في مقابلة منافع الزوج، وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر يلحقها، لا لأجل تعذُّرِ ما استحقت عليه في مقابلته عوضًا، فافترقا.

(و) إن فُسِخ (بعده) أي: بعد الدخول (أو بعد خلوة) فـ (ــلها المُسمَّى) لأنه نكاح صحيح، وُجِدَ بأركانه وشروطه، فترتب عليه أحكام الصحة؛ ولأن المهر يجب بالعقد، ويستقرّ بالخلوة، فلا يسقط بحادث بعده، وكما لو طرأ العيب.

(ويرجع) الزوج (به) أي: بالمهر (على من غرَّه؛ من امرأة عاقلة،

(1)

(11/ 322).

ص: 413

وولي، ووكيل) رواه مالك عن عمر

(1)

، وكما لو غُرَّ بحرية أَمَة. قال أحمد

(2)

: كنت أذهب إلى قول علي

(3)

فَهِبْتُه، فَمِلْتُ إلى قول عمر. فـ (ــأيُّهم انفرد بالغرر؛ ضمن) وحده؛ لانفراده بالسبب الموجب.

(وشرط أبو عبد الله) محمد فخر الدين بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن عبد الله (بن تيمية) الحراني

(4)

الواعظ الفقيه (بلوغها) أي: المرأة إن كان التغرير منها (وقت العقد، ليُوجد تغريرٌ محرّم) وقال ابن عقيل: إنما تكون المرأة غارَّة إذا كانت تعلم، وأما الطفلة والمجنونة فلا، فاعتبر القصد دون الفعل المحرم، وهر مقتضى قوله في "التنقيح" و"المنتهى": زوجة عاقلة.

(ولا سُكنى لها) أي: للمفسوخ نكاحها (ولا نفقة، إلا أن تكون حاملًا) فتجب النفقة للحمل، كالبائن.

(وإن وجد الغرور من المرأة والولي، فالضمان على الولي) لأنه المباشر للعقد (و) إن وجد الغرور (منها ومن الوكيل) فـ (ــبينهما نصفان) قاله الموفّق. وقد أشرت إلى ما فيه في "الحاشية".

(وإن أنكر الولي) علمه بالعيب (ولو كان ممن له رؤيتها) كأبيها وأخيها؛ فقوله؛ لأن الأصل عدم علمه به.

(1)

تقدم تخريجه (11/ 397) تعليق رقم (1).

(2)

المغني (10/ 64)، والجامع الصغير لأبي يعلى ص/ 230.

(3)

تقدم تخريجه (11/ 398) تعليق رقم (1).

(4)

هو شيخ حران وخطيبها، ولد سنة 542 بحران، وقرأ القرآن على والده وله عشر سنين، له تصانيف كثيرة منها: التفسير الكبير، والترغيب، والتلخيص، وشرح الهداية، ولم تطبع، وبلغة الساغب، وقد طبع، توفي سنة 622 هـ رحمه الله تعالى. انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 151 - 162)، وسير أعلام النبلاء (22/ 288 - 290).

ص: 414

(أو) ادَّعى (الوكيل عدم العلم بالعيب، ولا بينة) تشهد عليه بإقراره بعلمه بالعيب (قُبل قوله مع يمينه) أنه لا يعلم العيب؛ لأنه الأصل.

(وإن ادَّعت) امرأة بها عيب وزُوِّجت (عدمَ العلم بعيب نفسها، واحتُمل ذلك، فحكمها حكم الولي؛ قاله الزركشي) لأن الأصل عدم علمها، فإن لم يحتمل ذلك؛ فقوله (ومثلها) أي: مثل هذه المسألة، وهي ما إذا غرَّ الزوج في تزويجه معيبة (في الرجوع على الغارِّ: لو زُوِّج امرأة، فأدخلوا عليه غيرها) أي: غير زوجته فوطئها، فعليه مهر مثلها؛ للشُّبهة، ويرجع به على من غرَّه بإدخالها عليه (ويلحقه الولد) إن أتت به؛ للشبهة (وتُجَهَّز) إليه (زوجته بالمهر الأول، نصًّا

(1)

. وتقدم نحوه في باب أركان النكاح

(2)

.

وإن طلَّقها) أي: طلَّق المَعيبة (قبل الدخول) والخلوة (ثم علم أنه كان بها عيب) يقتضي الفسخ (فعليه نصف الصداق، لا يرجع به) على أحد؛ لأنه قد رضي بالتزامه بطلاقها، فلم يكن له أن يرجع به على أحد.

(وإن مات) الزوج قبل علمه بعيبها (أو ماتت قبل العلم به، أو بعده وقبل الفسخ، فلها الصداق كاملًا) لتقرّره بالموت (ولا يرجع به على أحد) لأن سبب الرجوع الفسخ، ولم يوجد.

فصل

(وليس لوليّ صغيرة أو صغير، و) لا لوليّ (مجنونة ومجنون، و) لا لـ (ــسيّد أَمَة؛ تزويجهم معيبًا يُرَدُّ به) في النكاح؛ لأنه ناظر لهم بما فيه

(1)

المغني (9/ 481)، والفروع (5/ 239 - 240).

(2)

(11/ 244 - 245).

ص: 415

الحظ والمصلحة، ولا حظَّ لهم في هذا العقد.

(فلو خالف وفعل) بأن زوَّجهم معيبًا يرد به (لم يصحَّ) النكاح (فيهن مع علمه) لأنه عَقَدَ لهم عقدًا لا يجوز عقده، كما لو باع عقارَ محجورِه لغير مصلحته.

(وإلا) أي: وإن لم يعلم الوليُّ عيبَه (صحَّ) النكاحُ، كما لو اشترى لهم معيبًا لا يعلم عيبه (ويجب عليه الفسخ إذا علم؛ قاله في "المغني"، و"الشرح"، و"شرح ابن مُنَجَّا"، والزركشي في "شرح الوجيز" وغيرهم) لأنه أحظُّ لهم فوجب عليه فعله (خلافًا لما في "التنقيح") وتبعه في "المنتهى"، قالا: وله الفسخ. واللام للإباحة، وهو مقتضى عبارة "المبدع". وقد يُجاب عنه بأنه في مقابلة من يقول: لا يفسخ، وينتظر البلوغ أو الإفاقة، فلا يُنافي الوجوب، ونظيره في كلامهم، ومنه ما في "الفروع" في الوقف في بيع الناظر له.

(ولا لوليِّ كبيرة تزويجُها بمعيبٍ بغير رضاها؛ لأنها تملكُ الفسخَ إذا علمتْ به) أي: العيب (بعد العقد) فالامتناع أولى (فإن اختارتْ) كبيرةٌ (نكاحَ مجبوب، أو) نكاحَ (عِنِّين؛ لم يملك وليُّها الذي يعقد نكاحها مَنْعَها) لأن الحقّ في الوطء لها، والضرر مختصٌّ بها. وقال أحمد

(1)

: ما يعجبني أن يزوجها بعنِّينٍ وإن رضيت الساعة، تكره إذا دخلت عليه؛ لأن من شأنهن النكاح، ويُعجبهنَّ من ذلك ما يعجبنا.

(وإن اختارت نكاحَ مجنونٍ، أو مجذوم، أو أبرص، فله منعُها) لأن فيه ضررًا دائمًا، وعارًا عليها وعلى أهلها، كمنعها من التزوج بغير كفؤ.

(1)

المغني (10/ 67).

ص: 416

(وإن علمت) بـ (ـــالعيب) الذي تملك به الفسخ (بعد العقد، أو حدث به) أي: بالزوج العيب بعد العقد (لم يملك الوليّ إجبارها على الفسخ؛ لأنَّ حقَّه في ابتداء النكاح، لا في دوامه) لأنها لو دعت وليّها أن يزوِّجها بعبد لم يلزمه إجابتها، ولو عتقت تحت عبد لم يملك إجبارها على الفسخ.

ص: 417

‌باب نكاح الكفار وما يتعلق به

(حكمُهُ حكمُ نكاحِ المسلمين) لأن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالةَ الْحَطَبِ}

(1)

، وقال:{امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ}

(2)

، وقال صلى الله عليه وسلم:"وُلِدْتُ من نكاحٍ لا من سِفاحٍ"

(3)

(فيما يجب به) من مهر، وقَسْم،

(1)

سورة المسد، الآية:4.

(2)

سورة التحريم، الآية 11.

(3)

روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - علي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي عمر العدني في مسنده - كما في المطالب العالية (4/ 360) حديث 4206 - ، والآجري في الشريعة (3/ 1417) حديث 957، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص/ 470، والطبراني في الأوسط (5/ 366) حديث 4725، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 361، وأبو نعيم في دلائل النبوة (1/ 57) حديث 14، وابن عساكر في تاريخه (3/ 402) كلهم من طريق محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الذهبي في تاريخ الإسلام ص/ 41 - السيرة النبوية: هو منقطع إن صح عن جعفر بن محمد، ولكن معناه صحيح. وقال ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 278): هذا غريب من هذا الوجه، ولا يكاد يصح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 214): فيه محمد بن جعفر صحح له الحاكم في المستدرك، وقد تُكلم فيه، وبقية رجاله ثقات. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 176): وفي إسناده نظر. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 437 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وأخرجه عبد الرزاق (7/ 303) حديث 13273، وفي تفسيره (2/ 291)، وابن سعد (1/ 60)، وابن أبي شيبة (11/ 431)، والطبري في تفسيره (11/ 76)، والآجري في الشريعة (3/ 1418) حديث 958، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 361، =

ص: 418

ونحوهما مما يأتي (و) في (تحريم المحرَّمات) السابق تفصيلهن؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما تقدم

(1)

في مواضع.

(و) في (وقوع الطلاق) والخُلع؛ لأنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح، فوقع، كطلاق المسلم (و) في صحة (الظِّهار) فإذا ظاهر كافر من زوجته، ثم أسلما وقد وطئها، فعليه كفَّارة الظِّهار (و) في صحة (الإيلاء) فإذا آلى الكافر من زوجته، فحكمُهُ كالمسلم على ما يأتي تفصيله؛ لتناول عموم آية الظِّهار والإيلاء لهم. وفي (وجوب المهر والقَسْم) لما تقدم. (و) في (الإباحة للزوج الأول) إذا كان طلقها ثلاثًا، وكان الثاني وطئها؛

= والبيهقي (7/ 190)، وفي شعب الإيمان (2/ 140) حديث 1396، من طرق عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، مرسلًا. قال ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 278): هذا مرسل جيد. وانظر: إرواء الغليل (6/ 331).

ب - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن سعد (1/ 61)، والطبراني في الكبير (10/ 329) حديث 10812، والبيهقي (7/ 190)، وابن عساكر في تاريخه (3/ 400). وضعفه الذهبي في تاريخ الإسلام ص/ 41 - السيرة النبوية، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 176)، وفي الدراية (2/ 65). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 214): رواه الطبراني عن المديني، عن أبي الحويرث، ولم أعرف المديني ولا شيخه، وبقية رجاله وثقوا. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 437 مع الفيض) ورمز لحسنه.

ج - عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن سعد (1/ 61)، وابن عساكر في تاريخه (3/ 401). وفي سنده الواقدي، قال ابن عبد الهادي في التنقيح - كما في نصب الراية (3/ 213) -: الواقدي متكلم فيه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 437 مع الفيض) ورمز لحسنه.

د - أنس رضي الله عنه: أخرجه الحكم في معرفة علوم الحديث ص/ 170، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 174). وضعفه ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 272)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 176).

(1)

(2/ 11، 165، 7/ 373).

ص: 419

لدخوله في عموم قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ}

(1)

. (و) في (الإحصان) إذا وطئها، وهما حرَّان مكلَّفان كما يأتي تفصيله في الحدود. (وغير ذلك) كوجوب النفقة والكسوة، ولزوم ما يلزم من الشرط

(2)

والفسخ، لنحو عُنَّة أو إعسار بواجب نفقة.

(فإذا طلَّق الكافر) امرأته الكافرة (ثلاثًا، ثم تزوَّجها قبل زوجٍ وإصابة، ثم أسلما؛ لم يُقَرَّا عليه) لأنها مُطَلَّقتُه ثلاثًا لم يصبها زوج غيره.

(وإن طلَّق) الكافر امرأته (أقلَّ من ثلاث، ثم) أعادها و (أسلما، فهي عنده على ما بقي من طلاقها) سواء أعادها قبل أن تنكح غيره أو بعده، كما يأتي في المُسلِم.

(وإن نكحها) أي: الكافرةَ، الزوجُ (الثاني، وأصابها، حلَّت لمُطَلِّقها ثلاثًا، سواء كان المطلِّق مسلمًا أو كافرًا) لما تقدم.

(و‌

‌إن ظاهر الذِّميُّ من امرأته، ثم أسلما، فعليه كفَّارة الظِّهار)

بالوطء فيه؛ لما تقدم. والظاهر أن الذمَّة

(3)

ليست قيدًا

(4)

.

(ونُقِرُّهم) أي: الكفار (على فاسد نكاحهم، وإن خالف أنكحة المسلمين، إذا اعتقدوه في دينهم) نكاحًا (ولم يرتفعوا إلينا) لقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا}

(5)

، فدلَّ على أنهم يُخلَّونَ وأحكامهم، إذا لم يجيئوا إلينا؛ ولأنه

(1)

سورة البقرة، الآية:230.

(2)

في "ح"، و"ذ":"الشروط".

(3)

في "ح": "الذميّة".

(4)

"كما يدل عليه أول كلامه". ش.

(5)

سورة المائدة، الآية:42.

ص: 420

- صلى الله عليه وسلم أخذ الجِزية من مجوس هجر

(1)

، ولم يعترض عليهم في أنكحتهم، مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم. وما لا يعتقدون حِلَّه ليس من دينهم، فلا يُقرّون عليه، كالربا والسرقة.

(فإن أتونا قبل عقده) أي: النكاح (عقدناه على حكمنا) بولي وشهود وإيجاب وقَبول؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}

(2)

.

(وإن أتونا مسلمين أو غير مسلمين بعده) أي: العقد (لم نتعرَّض لكيفية عقدهم) لأنه أسلم خَلْقٌ كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فأقرَّهم على أنكحتهم، ولم يكشف عن كيفيتها، فأولى إذا ارتفعوا إلينا من غير إسلام.

(ولا تُعتبر له) أي: لنكاحهم الذي يعقدونه

(3)

لأنفسهم (شروطُ أنكحة المسلمين؛ من الولي والشهود، وصفة الإيجاب والقَبول، وأشباه ذلك) مما تقدم؛ لما سبق.

(لكن لا نقرُّهم على نِكاحٍ مُحَرَّمٍ في الحال) أي: حال الترافع إلينا، مسلمين أو لا (كالمحرَّمات بالنسب) كأن كانت تحته أخته، أو بنتها، أو بنت أخيه (أو السبب) كأن تكون تحته أم زوجته، أو زوجة أبيه أو ابنه، أو أخته من رضاع، أو بنت موطوءته، ولو بشبهة أو زنىً (وكالمعتدَّة) من غيره، ولم تفرغ عِدَّتها (و) كـ (ــالمرتدة) لأنها لا تُقَرُّ على ردَّتها (و) كـ (ــالمجوسية) إذا أسلم زوجها لا يُقَرُّ على نكاحها (و) كـ (ـــالحُبْلَى

(1)

أخرجه البخاري في الجزية والموادعة، باب 1، حديث 3156 - 3157، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

(2)

سورة المائدة، الآية:42.

(3)

في "ح" و"ذ": "يعتقدونه".

ص: 421

من الزنى) إذا ترافعا إلينا قبل أن تلد، أو أسلما أو أحدهما قبل ذلك (و) كـ (ـــالمطلقة ثلاثًا) فلا يُقَرُّ على نكاحها إذا أسلم أو أسلمت، أو ترافعا إلينا.

(أو) كان النكاح (شرط الخيار فيه متى شاء، أو) شرط فيه الخيار (إلى مدَّة هما فيها) حيث قلنا بفساده من المسلم، كما نبَّه عليه القاضي، وابن عقيل، وأبو عبد الله بن تيمية، وصاحب "التنقيح"؛ لأنهما يعتقدان أنه لا يدوم بينهما. والمذهب: أن النكاح صحيح والشرط فاسد، كما تقدم

(1)

. وعبارته كـ "المنتهى" موهمة، وسبقهما الشارح وغيره إليها.

(ونحوه) كما لو تزوَّجها إلى مدَّة، وهو نكاح المتعة، فإذا أسلما لم يُقرَّا عليه؛ لأنهما يعتقدان أنه لا يدوم بينهما (بل نُفَرِّق بينهم.

فإن كان) التفريق بينهم (قبل الدخول فلا مهر) لها؛ لأنه لا أثر للعقد إذًا (و) إن فرق بينهما (بعده) أي: بعد الدخول (فلها مهر المِثْلِ) لشُبهة العقد والاعتقاد.

(وإن كانت المرأة تُباح إذًا) أي: حال الترافع، أو الإسلام (كعقده) عليها (في عِدَّة) ولم يترافعا، أو يُسْلِما حتى (فرغت) العِدَّة (أو) عقده (بلا ولي، أو بلا شهود وصيغة) أي: إيجاب وقَبول (أو تزوَّجها على أخت) لها، و (ماتت) أختها (بعد عقده وقبل الإسلام والترافع، أُقِرَّا) قال ابن عبد البر

(2)

: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معًا في حالة واحدة، أنَّ لهما المقام على نكاحهما، ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع.

(وإن قهر حربيٌّ حربيةً فوطئها، أو طاوعته واعتقداه نكاحًا؛ أُقرَّا)

(1)

(11/ 380 - 381).

(2)

التمهيد (12/ 23).

ص: 422

عليه إذا أسلما؛ لأن المصحح له اعتقاده الحِلَّ، وهو موجود هنا، كالنكاح بلا وليّ (وإن لم يعتقداه نكاحًا؛ لم يُقَرَّا عليه؛ لأنه ليس من أنكحتهم.

وكذا ذِمِّي) يعني: قهر حربيةً واعتقداه نكاحًا؛ أُقِرَّا عليه، أو طاوعته على الوطء واعتقداه نكاحًا؛ أُقِرَّا عليه. وأما قَهْرُ الذمية فلا يتأتَّى؛ لعصمتها.

قال الشيخ تقي الدين

(1)

: إن قهر ذميٌّ ذميةً لم يُقرَّ مطلقًا، وهو ظاهر كلام جماعة، وصرَّح به في "الترغيب"، وجزم به في "البُلغة"، وظاهر كلام الموفّق والشارح أنهم كأهل الحرب. قال في "الإنصاف": وهو الصواب. ويمكن حمله على ما أشرْتُ إليه أوَّلًا، فلا تعارض.

(ومتى كان المهر صحيحًا) استقرَّ (أو) كان المهر (فاسدًا) كخمر أو خنزير (وقبضتْهُ؛ استقرَّ) لأنه لا يتعرَّض لما فعلوه. ويؤكّده قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}

(2)

؛ ولأن التعرض للمقبوض بإبطاله يشق؛ لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام؛ ولأن في التعريض إليهم تنفيرًا لهم عن الإسلام، فعفي عنه كما عفي عما تركوه من الفرائض.

(وإن كان) المهر (صحيحًا، ولم تقبِضْه؛ أخذَتْهُ) لوجوبه بالعقد.

(وإن لم تقبض) المهرَ (الفاسدَ) فلها مهر المِثْلِ؛ لأنه يجب في التسمية الفاسدة إذا كانت الزوجة مسلمة، فكذا الكافرة؛ ولأن الخمر لا قيمة له في الإسلام، فوجه مهر المِثْل.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (32/ 175).

(2)

سورة البقرة، الآية:275.

ص: 423

(أو لم يُسَمِّ لها مهرًا؛ فلها مهر المِثْل) لأنه نكاح خلا عن تسمية، فوجب لها مهر المِثْل كالمسلمة.

(ولو أسلما، والمهرُ خمرٌ قد قبضَتْه، فانقَلبَ) الخمرُ (خلًّا، وطلَّق قبل الدخول، رجع بنصفِه) أي: نصف الخل؛ لأنه عين الصداق المعقود عليه.

(ولو تلف الخَلُّ، ثم طلَّق) قبل الدخول (رجع بمثل نصفه) لأنه مِثْلي.

(وإن قبضت الزوجةُ بعضَ الحرام) كالخمر إذا قبضت منه بعضه قبل الإسلام أو الترافع إلينا؛ استقر ما قبضته؛ لما تقدم، و (وَجَب) لها (حِصَّة ما بقي من مهر المِثْلِ) لاستقرار ما قبضته، وإلغاء ما لم تقبضه.

(وتُعتبر الحصَّة فيما يدخله كَيْل) بالكيل (أو) يدخله (وزن) بالوزن (أو) يدخله (عَدٌّ به) أو ذَرْعٌ بالذرع؛ لأن العُرْف فيه كذلك، ولا قيمة له في الإسلام ليُعتبر بها، فلو أصدقها عشرة خنازير، فقبضت منها خمسة، وجب لها قسط ما بقي، وهو نصف مهر المِثْلِ؛ لأنه لا قيمة لها، فاستوى كبيرها وصغيرها.

فصل

(وإذا أسلم الزوجان معًا، بأن تلفَّظا بالإسلام دَفْعَةً واحدةً) قال الشيخ تقي الدين

(1)

: يدخل في المعيَّة لو شرع الثاني قبل أن يفرغ الأول، فهما على نكاحهما؛ لأنه لم يوجد منهما اختلاف دِين.

(1)

لم نقف عليه في كتبه المطبوعة، وانظر: الإنصاف (8/ 210).

ص: 424

(أو أسلم زوج كتابيّة) أبواها كتابيان (فهما على نكاحهما) لأن نكاح الكتابية يجوز ابتداؤه، فالاستمرار أولى (سواء كان) ذلك (قبل الدخول، أو بعده) وسواء كان زوج الكتابية كتابيًّا أو غيره.

(وإن أسلمت كتابية تحت كتابي) أو غير كتابي (أو) أسلم (أحد الزوجين غيرُ الكتابيين) كالمجوسيين والوثنيين (قبل الدخول؛ انفسخ النكاح) لقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} إلى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}

(1)

؛ إذ لا يجوز لكافر نِكاح مسلمة. قال ابن المنذر

(2)

: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، ولأن دينهما اختلف، فلم يجز استمراره، كابتدائه، وتعجَّلت الفرقة (ولا يكون) هذا الفسخ (طلاقًا) كما تقدم

(3)

في الفسخ للعيب، وكالرِّدة؛ فلو أسلم الآخر، ثم أعادها، فهي معه على طلاق ثلاث.

(وإن سبقته) بالإسلام قبل الدخول (فلا مهر) لها؛ لأن الفُرقة من جهتها، أشبه ما لو ارتدَّت.

(وإن سبقها) بالإسلام قبل الدُّخول (فلها نصفه) لأن الفُرقة حصلت من جهته، أشبه ما لو طلَّقها.

(وإن قالت: سبقني) وفي نسخ: "سبقتني" بالإسلام فلي نصف المهر (قال: بل أنتِ سبقتِ) بالإسلام فلا شيء لك (فـ)، ـــالقول (قولُها) لأنها تدَّعي استحقاق شيء أوجبه العقد، وهو يدَّعي سقوطه، فلم يُقبل قوله؛ لأن الأصل عدمه.

(1)

سورة الممتحنة، الآية:10.

(2)

الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 210 - 211).

(3)

(11/ 413).

ص: 425

(وإن قالا) أي: الزوجان: (سبق أحدُنا، ولا نعلم عينه؛ فلها - أيضًا - نصفه) لأن الأصل عدم سقوطه.

(وإن قال الرجل: أسلمنا معًا، فنحن على النكاح، وأنكرَتْهُ) فقالت: بل سبق أحدنا بالإسلام (فـ) ـــالقول (قولُها) لأن الظاهر معها، إذ يبعد اتفاق الإسلام منهما دَفْعَةً واحدة

(1)

.

(وإن أسلم أحدهما) أي: أحد الزوجين (بعد الدخول، وقف الأمر على فراغ العِدَّة، فإن أسلم الآخر فيها؛ بقي النكاح) لما روى ابن شبرمة

(2)

قال: "كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسْلِمُ الرَّجل قبل المرأة، والمرأة قبله، فأيهما أسلم قبل انقضاء العِدَّة فهي امرأتُهُ، وإن أسلم بعد العِدَّة فلا نكاح بينهما"

(3)

.

ورُوي: "أنَّ بنتَ الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أُميةَ، فأسلمتْ، ثمَّ أسلم صفوانُ، فلم يُفرِّق النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهما". قال ابن شهاب: "وكان بينهما نحوٌ من شهر" رواه

(1)

زاد في الأصل هنا جملة ثم ضُرِب عليها، وهي:"وإن قالا: سبق أحدنا ولا نعلم عينه فلها نصف المهر؛ لأن الأصل بقاؤه في ذمته، والمسقط مشكوك فيه" ا. هـ.

(2)

هو عبد الله بن شُبرمة بن الطفيل الكوفي القاضي، من الطبقة الخامسة، مات سنة 140 رحمه الله تعالى. انظر: تقريب التهذيب ص/ 249.

(3)

لم نقف على من رواه مسندًا. وقال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 28): قال ابن شبرمة في النصراني تُسلِم امرأته قبل الدخول: يفرَّق بينهما، ولا صداق لها، ولو كانت المرأة مجوسية وأسلم الزوج قبل الدخول، ثم لم تسلم المرأة حتى انقضت عدتها، فلها نصف الصداق، وإن أسلمت قبل أن تنقضي عدتها، فهما على نكاحهما. وأخرج عبد الرزاق (7/ 173) رقم 12651، عن عمر بن عبد العزيز قال: إذا أسلم وهي في العدة فهو أحق بها. قال الثوري: وقاله ابن شبرمة أيضًا.

ص: 426

مالك

(1)

. قال ابن عبد البَرِّ: شُهْرة هذا الحديث أقوى من إسناده.

وقال ابن شهاب: "أسْلَمَتْ أمُّ حكيم، وهرب زوجها عكرمةُ إلى اليمن، فارتحلتْ إليه، ودَعَتْهُ إلى الإسلام، فأسلم وقَدِمَ فبايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم فبَقيا على نكاحهما" قال الزهري: "ولمْ يَبلُغْنا أنَّ امرأةً هاجرتْ وزوجها مُقيمٌ بدار الكفر إلا فَرَّقَتْ هجرتها بينها وبين زوجها، إلا أنْ يَقْدَمَ زوجها مهاجرًا قبل انقضاء عِدَّتها" روى ذلك مالك

(2)

.

(وإلا) أي: وإن لم يُسلم الآخر في العدة (تبيَّنَّا فسخه منذ أسلم الأول) لأن سبب الفرقة اختلاف الدِّين، فوجب أن تُحسب الفرقة منه، كالطلاق.

(ولو وطئ) في العِدَّة (مع الوقف) أي: وقف النكاح على انقضاء عدة المتخلِّف (ولم يُسلم الآخر) في العِدَّة (فلها مهر المِثْل) لأنَّا تبيَّنَّا أنه وطئ في غير ملك. قال في "الشرح" و"المبدع": ويؤدَّب. (وإن أسلم) الآخر في العِدَّة بعد الوطء (فلا) مهر لذلك الوطء؛ لأنه وطئها في نكاحه.

(ولها نفقة العدّة إن أسلمت قبله) لأنها محبوسة بسببه، فكان لها النفقة؛ لكونه متمكِّنًا من تلافي نِكاحها كالرجعية، وسواء أسلم في

(1)

في الموطأ (2/ 543 - 544)، ومن طريقه الشافعي في الأم (7/ 218)، والبيهقي (7/ 186 - 187)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 141 - 142) حديث 13984.

وأخرجه عبد الرزاق (7/ 169) حديث 12646، عن معمر، عن الزهري. قال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 19): هنا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير، وعالمهم، وكذلك الشعبي، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله.

(2)

في الموطأ (2/ 544)، ومن طريقه البيهقي (7/ 187). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 169 - 170) رقم 12646، عن معمر، عن الزهري.

ص: 427

عِدَّتها أم لا، و (لا) نفقة لها للعدّة إن أسلمت (بعده) لأنه لا سبيل له إلى تلافي نكاحها، فأشبهت البائن. وكذا لو أسلم ولم تُسلِم هي.

(وإن اختلفا في السابق) منهما بأن ادَّعت سَبْقه لِتَجب لها نفقة العدّة، فأنكرها؛ فقولها؛ لأن الأصل وجوب النفقة، وهو يدَّعي سقوطها (أو جُهل الأمر) فلم يعلم أيهما السابق (فقولها) يعني: فتجب لها النفقة؛ لأن الأصل وجوبها، فلا تسقط بالشك.

(وإن قال) الرجل لزوجته: (أسلمتِ بعد شهرين من إسلامي، فلا نفقة لك فيهما، فقالت): بل أسلمتُ (بعد شهر) فلي نفقة الشهر الآخر (فـ) ـــالقول (قوله) لأن الأصل براءته مما تدعيه عليه، واستصحابًا للأصل.

(ولو اتفقا على أنها أسلمت بعده، وقالت: أسلمتُ في العِدّة، وقال: بل) أسلمتِ (بعدها؛ فـ) ـــالقول (قوله) لأن الأصل عدم إسلامها في العِدّة (وانفسخ النكاح) مؤاخذةً له بإقراره.

(وإن قال) الرجل

(1)

لزوجته - وقد أسلمتْ قبله، ثم أسلم -:(أسلمتُ في عِدَّتك، فالنكاح باقٍ، وقالت: بل) أسلمتَ (بعد انقضائها) فانفسخ النكاح (فـ) ـــالقول (قوله) لأن الأصل بقاء النكاح.

(ويجب المُسمَّى بالدخول مطلقًا) أي: سواء كانت هي التي أسلمت أو هو الذي أسلم؛ لأنه استقرَّ بالدخول، فلم يسقط بشيء، وتقدم حكم ما إذا كان صحيحًا أو فاسدًا (وسواء فيما ذكرنا، اتفقت الداران، أو اختلفتا) أي: فلا فرق بين كونهما في دار الإسلام أو الحرب، أو أحدهما بدار الإسلام والآخر بدار الحرب؛ لأن أبا سفيان

(1)

في "ذ": "رجل" بالتنكير.

ص: 428

أسلم بمَرِّ الظَّهْرَان، وامرأته بمكة لم تسلم، وهي حينئذ دار حرب

(1)

؛ ولأن أُمَّ حكيم أسلمت بمكة، وزوجها عكرمة قد هرب إلى اليمن، ثم أسلم المتخلّف

(2)

. وأُقِرُّوا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار. فلو تزوج مسلم مقيم بدار الإسلام كتابية بدار الحرب، صح نكاحه؛ لأنه يُباح نكاحها إذا كانت بدار الإسلام، فأُبيح نكاحها في دار الحرب، كالمسلِمة.

فصل

(وإن ارتدَّا) أي: الزوجان (معًا) فلم يسبق أحدُهما الآخر قبل الدخول؛ انفسخ النكاحُ؛ لأنَّ الارتداد اختلاف دين وقع قبل الإصابة، فوجب انفساخ النكاح، كما لو أسلمت تحت كافر (أو) ارتدَّ (أحدُهما قبل الدُّخول؛ انفسخ النكاحُ) لقوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} إلى قوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}

(3)

؛ ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة، فأوجب فسخ النكاح، كما لو أسلمت تحت كافر.

(ويسقط المهر برِدَّتها) لأن الفسخ من قِبَلِها (و) يسقط المهر - أيضًا - (برِدَّتهما معًا) لأن الفرقة من جهتهما (ويتنصَّف) الصداق (بِرِدَّته) وحده؛ لأن الفرقة من جهته، أشبه ما لو طلَّقها قبل الدخول.

(وإن كانت) الرِّدَّة (بعد الدخول، وقفت الفُرقة على انقضاء العِدَّة)

(1)

أخرج قصة إسلام أبي سفيان: البخاري في المغازي، باب 49، حديث 4280.

(2)

تقدم تخريجه (11/ 427) تعليق رقم (2).

(3)

سورة الممتحنة، الآية:10.

ص: 429

فإن عاد المرتدّ للإسلام قبل انقضائها؛ فالنكاح بحاله، وإلا؛ تبيَّنَّا فسخه من الرِّدَّة، كإسلام أحد الزوجين، بخلاف الرضاع؛ فإنه يحرِّمها على التأبيد، فلا فائدة في تأخير الفسخ حتى تنقضي العِدَّة.

(ويُمنع) الزوج (من وطئها) إذا ارتدَّا، أو أحدهما بعد الدخول؛ لأنه اشتبهت حالة الحظر بحالة الإباحة، فَغُلِّبَ الحظرُ احتياطًا.

(وتسقط نفقتها برِدَّتها) لأنه لا سبيل له إلى تلافي نكاحها، فلم يكن لها نفقة، كما بعد العِدّة.

و (لا) تسقط نفقتها (بردَّته) لأنه يمكنه تلافي نكاحها بإسلامه، فهو كزوج الرجعية (ولا) تسقط نفقتها - أيضًا - (برِدَّتهما معًا) لأن المانع لم يمحض

(1)

من جهتها.

(وإن) ارتدَّ أحدُهما بعد الدُّخول، أو هما، ووقف الأمر إلى انقضاء العِدَّة، فـ (ـــوطئها مع الوقف؛ أُدِّب) لفعله معصية لا حَدَّ فيها ولا كفَّارة (ووجب لها مَهْر المِثْل لهذا الوطء إن ثبتا على الرِّدّة) إن كانت منهما (أو ثبت المرتدُّ منهما) على رِدَّته (حتى انقضت العِدَّة) لأنَّا تبيَّنَّا أنَّ النكاح انفسخ منذ الرِّدّة، وأنَّ الوطء في أجنبية، لكن له شبهة تَدْرأُ الحد، فوجب لها مهر المِثْلِ بما استحلَّ من فَرْجها.

(ويسقط) مَهْر الوطء حال الوقف (إن أسلما) قبل انقضائها (أو) أسلم (المُرتدّ) منهما (قبل انقضائها) أي: العِدَّة؛ لأنَّا تبيَّنَّا أنه وطءٌ في زوجة

(2)

(ويجب لها المُسمَّى) لأنه وجب بالعقد، واستقر بالدخول، فلم يسقط بَعْدُ، سواء كانت الرِّدَّة منه، أو منها، أو منهما، فتطالب به (إن لم

(1)

في "ذ": "يتمحض".

(2)

في "ح" و"ذ": "زوجته".

ص: 430

تكن قبضَتْه) لاستقراره، وإن طلَّقها حال الوقف، فإن أسلما أو المرتدُّ في العِدَّة؛ وقع الطلاق، وإلا؛ فلا.

(وإن انتقلا) أي: الزوجان الكافران (أو) انتقل (أحدُهما إلى دين لا يُقَرُّ عليه) كاليهودي يتنصَّر، أو النصراني يتهوَّد؛ فكالرِّدَّة.

(أو تمجَّس أحدُ الزوجين الكتابيَّين، فكالرِّدَّة) فينفسخ النكاح قبل الدخول، ويتوقف بعده على انقضاء العدة؛ لأنه انتقالٌ إلى دينٍ باطل قد أُقِرَّ ببطلانه، فلم يُقَرَّ عليه، كالمرتدِّ.

وكذا حكم كتابية تحت مسلم إذا تمجَّست، أو نحوه.

فصل

(وإن أسلم حُرٌّ وتحته أكثر من أربع، فأسلمن معه) أو في العِدَّة إن كان بعد الدخول بهنَّ (أو) لم يُسْلِمن، و (كُنَّ كتابيات، أمسك أربعًا) منهن، وليس له إمساكهنَّ كلهنَّ؛ لما روى قيس بن الحارث قال:"أسْلَمْتُ وتحتي ثَمان نسوة، فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرتُ له ذلك، فقال: اخْتَرْ منهنَّ أربعًا" رواه أحمد وأبو داود

(1)

. وروى محمد بن سويد

(1)

لم نقف على رواية أحمد في مظانه من كتبه المطبوعة، وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب 25، حديث 2241، 2242. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في النكاح، باب 40، حديث 1952، وعبد الرزاق (7/ 162) حديث 12624، وابن سعد (6/ 60)، وابن أبي شيبة (4/ 318)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 292، 5/ 207) حديث 1054، 2737، وأبو يعلى (12/ 290) حديث 6872، والنحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 144) حديث 310، وابن قانع في معجم الصحابة (5/ 353)، والطبراني في الأوسط (5/ 35) حديث 4059، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين =

ص: 431

الثقفي: "أنَّ غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فأسْلَمْنَ معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهنَّ أربعًا" رواه الترمذي، ورواه مالك في موطئه عن الزهري مرسلًا

(1)

(ولو كان مُحْرِمًا) لأن الاختيار استدامةٌ للنكاح، وتعيين للمنكوحة، فصح من المُحْرِم، كالرجعة، بخلاف ابتداء النكاح.

وله الاختيار (ولو من ميِّتات) لأن الاعتبار في الاختيار بحال

= بأصبهان (2/ 414) حديث 327، والإسماعيلي في معجم الشيوخ (1/ 446)، والدارقطني (3/ 270، 271)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 57)، والمزي في تهذيب الكمال (24/ 7).

وأخرجه ابن قانع (1/ 175)، عن الربيع بن الحارث بن قيس، مرسلًا.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الطلاق، باب 25، حديث 2241، وسعيد بن منصور (2/ 22) حديث 1863، 1865، والطحاوي (3/ 255)، والعقيلي (1/ 299)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 175)، والطبراني في الكبير (18/ 359) حديث 922، 923، والبيهقي (7/ 149)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 56، 57)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (16/ 19)، عن الحارث بن قيس رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 262)، عن قيس بن عبد الله بن الحارث، مرسلًا.

وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (2/ 22) حديث 1864، والطحاوي (3/ 255)، وابن قانع (1/ 175)، والدارقطني (3/ 271)، عن بعض ولد الحارث بن قيس، مرسلًا.

وقال البخاري: ورواه حميضة بن الشمردل، عن الحارث بن قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح إسناده. وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 451) بعد ذكره رواية أبي داود: وهذا الإسناد حسن، وهذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (12/ 58): الأحاديث المروية في هذا الباب كلها معلولة، وليست أسانيدها بالقوية، ولكن لم يرو شيء يخالفها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأصول تعضدها، والقول بها، والمصير إليها أولى.

(1)

تقدم تخريجه (11/ 338) تعليق رقم (2).

ص: 432

ثبوته، وهو وقت الإسلام، وقد كُنَّ أحياء وقته.

(وفارق سائرهنَّ) أي: باقيهن (إن كان) الزوج (مكلَّفًا، سواء تزوجهن في عقد أو عقود، وسواء كان مَن أمسك منهن أولَ مَن عقد عليهن، أو آخرَهن) لعموم ما سبق.

(وإلا) أي: وإن لم يكن مكلَّفًا، بأن كان صغيرًا، أو مجنونًا، ولو كان جنونه بعد إسلامه (وُقِفَ الأمر حتى يُكلَّف، وليس لوليِّه الاختيار) له؛ لأن ذلك يرجع إلى الشهوة، فلا تدخله الولاية.

(وعليه) أي: على من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة - ولو غير مكلَّف - (النفقة) لجميعهن (إلى أن يختار) منهن أربعًا؛ لأنهن محبوسات لأجله، وهُنَّ في حكم الزوجات.

(وإن مات الزوج لم يقم وارثه مقامه) في الاختيار. ويأتي حكم العِدَّة والإرث.

(وإن أسلم البعض) من الزوجات (وليس البواقي كتابيات؛ مَلَك إمساكًا وفسخًا في مسلمة خاصة) إن زادت المسلمات على أربع، وليس له أن يختار واحدة ممن لم يُسْلمنَ؛ لعدم حِلِّها له.

(وله) أي: لمن أسلم، وتحته أكثر من أربع، فأسلم بعضهن، وبقي البعض (تعجيل إمساكٍ مطلقًا، و) له (تأخيره حتى تنقضي عِدَّة البقية، أو يُسْلِمن) فمن أسلم وتحته ثمان نسوة، فأسلم منهنَّ خمس، فله اختيار أربع منهنَّ، وله تأخير الاختيار إلى أن يُسلِم البواقي، أو تنقضي عِدَّتهنَّ.

(وصفة الاختيار: اخترتُ نكاح هؤلاء، أو: اخترتُ هؤلاء، أو: أمسكتهن، أو: اخترتُ حبسهن، أو): اخترتُ (إمساكهن، أو): اخترتُ

ص: 433

(نكاحهن، أو: أمسكتُ نكاحهن، أو: ثَبَّتُّ نكاحهن، أو: ثَبَّتُّهنَّ، أو: أمسكتُ هؤلاء، أو: تركتُ هؤلاء، أو: اخترتُ هذه للفسخ، أو): اخترتها (للإمساك ونحوه) كـ: أبقيتُ هذه، وباعدت هذه.

(وإن قال لما

(1)

زاد على الأربع: فسختُ نكاحهن، كان اختيارًا للأربع) لدلالته عليه.

(فإن قال: سرَّحتُ هؤلاء، أو: فارقتهنَّ؛ لم يكن طلاقًا لهنَّ) إلا أن ينويه؛ لأنه كناية (ولا اختيارًا لغيرهن) لأنه ليس صريحًا فيه (إلا أن ينويه) فيعمل بما نواه؛ لأن لفظه يحتمله، والنية مُعيِّنة للمقصود.

(والمهر لمن انفسخ نكاحُها بالاختيار، إن كان دخل بها) لأنه استقرَّ بالدخول، فلم يسقط (وإلا) بأن لم يدخل بها (فلا مهر لها) لأن النكاح ارتفع من أصله؛ لأنه ممنوع من ابتدائه واستدامته، فوجوده كعدمه.

(ولا يصح تعليق الفُرقة) بشرط (ولا) يصح تعليق (الاختيار بشرط) فلا يصح: كلَّما أسلمتْ واحدة؛ فقد اخترتُهَا، أو: كل من دخلت دار فلان؛ فقد فارقتُها، ونحوه؛ لأن الشرط قد يوجد في من يحبُّها، فيفضي إلى تنفيره

(2)

، ولذلك لم تدخل القرعة فيه، فإن علَّق الفسخ بشرط، وأراد به الطلاق، ففيه وجهان؛ أطلقهما في "الشرح" وغيره.

(ولا) يصح (فسخُ نكاح مُسلِمة لم يتقدَّمها) أي: لم يتقدَّم فسخَ نكاحِها (إسلام أربع).

قال في "المحرر": ولو اختار أوَّلًا فسخ نكاح مُسلِمة، صحَّ إن

(1)

في "ذ": "لمن".

(2)

في "ح": "تغيره".

ص: 434

تقدَّمه إسلام أربع سواها، وإلا؛ لم يصحَّ بحال.

وقال في "المغني": وإن اختار أقلَّ من أربع، أو اختار تَرْك الجميع، أمر بطلاق أربع أو تمام أربع؛ لأن الأربع زوجات لا يَبِنَّ منه إلا بطلاق، أو ما يقوم مقامه.

(وعِدَّةُ ذواتِ الفسخِ مندُ اختارَ) لأن البينونة حصلت به (وفُرقتُهن فَسْخٌ) لا ينقص به عدد طلاقهنَّ لو عقد عليهن بَعْدُ (وعِدَّتهن كعِدَّة المطلَّقات) لأنهن مفارَقات حال الحياة.

(وإن ماتت إحدى المختارات، أو بانت منه، وانقضت عِدَّتها، فله أن ينكح واحدة من المُفارَقات) لأن تحريمها كان لعارض، وقد زال (وتكون عنده على طلاق ثلاث) يعني: أنَّ الفسخ لا يحتسب من عدد الطلاق؛ لأنه ليس طلاقًا.

(وإن لم يختر) من نسائه ما للفسخ، وما للإمساك (أُجبِرَ) على الاختيار (بحبسٍ، ثم تعزير) لأن الاختيار حقٌّ عليه، فألزم بالخروج منه إن امتنع؛ كسائر الحقوق.

(وليس للحاكم أن يختار عنه) كما يُطلِّق على المُؤلي؛ لأن الحق هنا لغير معيَّن (ولهن النفقة حتى يختار) لأنهن محبوسات لأجله، وتقدم

(1)

.

(فإن طلَّق واحدة) منهنَّ فقد اختارها؛ لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة (أو وَطِئها، فقد اختارها) لأنه لا يجوز إلا في ملك، كوطء الجارية التي اشتراها بشرط الخيار له.

(وإن وطئ الكلَّ؛ تعيَّن) الأربع (الأُوَلُ له) أي: للإمساك، وما

(1)

(11/ 433).

ص: 435

عداهُنَّ تعين للترك.

(وإن ظاهَرَ) من واحدة (أو آلى منها، أو قَذَفَها؛ لم يكن اختيارًا) لها؛ لأن هذه كما تدلُّ على التصرف في المنكوحة، تدلُّ على اختيار تَرْكِها، فيتعارض الاختيار وعدمه، فلا يثبت واحد منهما.

(فإن طلَّق الكلَّ ثلاثًا، أُخْرجَ بالقرعة أربعٌ منهنَّ، وكُنَّ المختارات، ووقع الطلاق بهنَّ) لأنه لا يملك

(1)

الطلاق على أكثر من أربع، فإذا أوقع الطلاق على الجميع، أخرج الأربع المطلقات بالقرعة، كما لو طَلَّقَ أربعًا منهن لا بعينهن (وله نكاح البواقي بعد انقضاء عِدَّة الأربع) فلو كُنَّ ثمانيًا، فكلما انقضت عِدَّة واحدة من المطلقات، فله نكاح واحدة من المُفارَقات.

(وإن مات) قبل الاختيار (فعلى الجميع أطول الأمرين: من عِدَّةِ وفاة، أو ثلاثة قروء إن كُنَّ ممَّن يَحِضْنَ) لتنقضي العِدَّة بيقين؛ لأن كلَّ واحدة منهنَّ يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة، وعِدَّة المختارة عِدَّة الوفاة، وعِدَّة المُفارَقة ثلاثة قروء، فأوجبنا أطولهما (وعِدَّة حاملٍ بوضعه) لأنه لا تختلف عِدَّتها (و) عِدَّة (صغيرة وآيسة بعِدَّة وفاة) لأنها أطول من ثلاثة أشهر.

(والميراث لأربع) منهنَّ (بقُرعة) لأن الميراث بالزوجية، ولا زوجية فيما زاد على الأربع.

(وإن اخترْنَ جميعُهنَّ الصُّلح) وكن مكلَّفات رشيدات (جاز كيف ما اصطلحن) لأن الحقَّ لا يعدوهن.

(ومن هاجر إلينا) من الزوجين (بذمَّة مؤبدَّة، أو أسلما) أي:

(1)

في "ح": "لا يمكن".

ص: 436

الزوجان (أو أسلم أحدُهما، والآخر بدار الحرب، لم ينفسخ النكاح) باختلاف الدار؛ لِمَا تقدم

(1)

، وأما اختلاف الدِّين فقد مضى تفصيله

(2)

.

(وإن أسلمت امرأة ولها زوجان أو أكثر) من زوجين (تزوجاها في عقد واحد؛ لم يكن لها أن تختار أحدَهم، ولو أسلموا معًا) قال في "الإنصاف": ذكره القاضي محلَّ وفاقٍ (وإن كان) تزويجهم بها (في عقودٍ، فالأول صحيح، وما بعده باطل.

وإن أسلم وتحته أُختان، أو تحته

(3)

امرأة وعمَّتها، أو) امرأة و (خالتها) ونحوه (اختار منهما واحدة إن كانتا كتابيَّتين، أو) كانتا (غيرَهما) كمجوسيَّتين (وأسلمنا معه، أو) أسلمنا (بعده في العِدَّة، إن كانت عِدَّة) بأن كان دخل بهما؛ لما روى الضحَّاك بن فيروز، عن أبيه قال:"أسْلَمْتُ وعندي امرأتان أُختان، فأمرني النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أُطلِّقَ إحداهما" رواه الخمسة

(4)

. وفي لفظ للترمذي: "اخْترْ

(1)

(11/ 428 - 429).

(2)

(11/ 424 - 429)

(3)

"تحته" سقطت من "ذ" ومتن الإقناع (3/ 372).

(4)

أبو داود في الطلاق، باب 25، حديث 2243، والترمذي في النكاح، باب 33، حديث 1129، 1130، وابن ماجه في النكاح، باب 39، حديث 1951، وأحمد (4/ 232)، ولم نقف عليه في سنن النسائي لا في الصغرى، ولا في الكبرى. وذكره المجد في المنتقى (2/ 462) حديث 2714، وقال: رواه الخمسة إلا النسائي.

وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (3/ 248)، والشافعي في الأم (5/ 164)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 311) حديث 2847، والطحاوي (3/ 255)، والعقيلي (2/ 44)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 327)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 462) حديث 4155، والطبراني في الكبير (18/ 328 - 329) حديث 843، 845، والدارقطني (3/ 273 - 274)، والبيهقي (7/ 184)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 138) حديث 13971، وابن عبد البر في =

ص: 437

أيهما

(1)

شئت"؛ ولأن المبقاة امرأة يجوز له ابتداء نكاحها، فجاز له استدامته كغيرها؛ ولأن أنكحة الكفار صحيحة، وإنما حُرِّمَ الجمع، وقد أزاله، كما لو طلَّق قبل الإسلام إحداهما، ولا مهر لغير المختارة إن لم يكن دخل بها؛ لأنه نكاح لا يُقَرُّ عليه في الإسلام، أشبه تزوُّج المجوسي أخته.

(وإن كانتا) أي: اللتان تحت مَنْ أسلم (أُمًّا وبنتًا) وأسلمتا معه، أو في العِدَّة (فسد نكاح الأم) لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}

(2)

وهذه أمُّ زوجته، فتدخل في عموم الآية؛ ولأنه لو تزوج البنت وحدها، ثم طَلَّقها، حرمت عليه أمُّها إذا أسلم، فإذا لم يطلقها، وتمسَّك بنكاحها، فمن باب أولى، ويبقى نكاح البنت إن لم يكن دخل بأُمِّها.

(وإن كان دخل بهما) أي: بالأمِّ والبنت؛ فسد نكاحهما، أما الأمُّ

= التمهيد (12/ 62)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 277) حديث 1653، والمزي في تهذيب الكمال (13/ 278).

قال البخاري: في إسناده نظر. وقال - أيضًا - (4/ 333): لا يعرف سماع بعضهم [أي رواته] من بعض.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 494): وعندي أنه ضعيف.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح.

وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في النكاح، باب 39، حديث 1950، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 16)، وعبد الرزاق (7/ 164) حديث 12627، وابن أبي شيبة (4/ 317)، والطبراني في الكبير (18/ 328) حديث 844، والدارقطني (3/ 273)، والبيهقي (7/ 184 - 185)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 138) حديث 13969، عن أبي خراش، عن الديلمي. وضعَّفه البيهقي.

(1)

كذا في الأصول: "أيهما"، وفي سنن الترمذي:"أيتهما".

(2)

سورة النساء، الآية:23.

ص: 438

فلما تقدم، وأما البنت؛ فلأنها ربيبة دخل بأمها.

(أو) كان دخل (بالأم) وحدها (فسد نكاحهما) لما تقدم، وكذا لو أسلمت إحداهما وحدها.

(وإن اختار إحدى الأختين ونحوَهما) كالمرأة وعمَّتها أو خالتها (لم يطأها) أي: المختارة (حتى تنقضي عِدَّة أختها) ونحوها، لئلا يجمع ماءه في رحم نحو أختين.

(وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع) فلا يجمع ماءه في أكثر من رحم أربع.

(فإن كُنَّ ثمانيًا، واختار أربعًا، وفارق الباقيات، لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عِدَّة المفارَقات، أو يَمُتْنَ) يعني كلما انقضت عِدَّة واحدة من المفارَقات فله وطء واحدة من المختارات.

(وإن كُنَّ خمسًا، ففارق إحداهن) وأمسك أربعًا (فله وطء ثلاث من المختارات، ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عِدَّة المفارَقة.

وإن كُنَّ ستًّا ففارق اثنتين، فله وطء اثنتين من المختارات) وإذا انقضت عدة إحدى المفارَقتين، فله وطء ثالثة من المختارات.

(وإن كُنَّ سبعًا ففارق ثلاثًا، فله وطء واحدة فقط من المختارات.

وكلما انقضت عِدَّة واحدة من المفارَقات، فله وطء واحدة من المختارات.

وإن أسلم) الزوج (قبلهنَّ) أي: قبل إسلام مَنْ تحته، وهُنَّ أكثر من أربع (ثم طلَّقهن قبل انقضاء عِدَّتهن، ثم أسلمن بعدها، تبيَّنَّا أنَّ طلاقه لم يقع بهنَّ) لأنهن قد بِنَّ بمجرد إسلامه، فلا يلحقهنَّ طلاقه (وله نكاح أربع منهن) في الحال.

ص: 439

(وإن كان وطئهن) حال الوقف (تبيَّنَّا أنه وطئ غير نسائه) فيؤدَّب، ويجب لهنَّ مهر المِثْل، حيث لم يُسْلِمْنَ حتى انقضت عِدَّتهن.

(وإن آلى منهنَّ، أو ظاهر، أو قذفـ) ـهنَّ بعد إسلامه، ولم يُسلمن حتى انقضت العِدَّة (تبيَّنَّا أنَّ ذلك في غير زوجة، وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية) لأنهنَّ قد بِنَّ عنه بمجرَّد إسلامه في هذه الحال

(1)

.

وإن أسلم، ثم طلَّق الجميع قبل إسلامهنَّ، ثم أسْلَمْنَ في العِدَّة، أُمر أن يختار أربعًا منهنَّ، فإذا اختارهن؛ تبيَّنَّا أنَّ طلاقه وقع بهنَّ؛ لأنهن زوجات، ويعتددن من حين طلاقه، وبان البواقي باختياره لغيرهن، ولا يقع بهن

(2)

طلاقه، وله نكاح أربع منهنَّ إذا انقضت عِدَّة المطلَّقات؛ لأن هؤلاء غير مطلَّقات، والفرق بين هذه وبين ما إذا طلقهنَّ بعد إسلامهنَّ: أنَّ طلاقهنَّ قبل إسلامهنَّ في زمن ليس له الاختيار فيه، فإذا أسْلَمْنَ تجدَّد له الاختيار حينئذ، وبعد إسلامهنَّ طلقهنَّ وله الاختيار، ويصحّ

(3)

طلاقه اختيارًا، وقد أوقعه في الجميع، وليس بعضهنَّ أولى من بعض، فصرنا إلى القُرعة، لتساوي الحقوق.

(فإن أسلم بعضهنَّ في العدة؛ تبيَّنَّا أنها زوجة، فوقع طلاقه بها، وكان وطؤه لها) أي: وطؤها بعد الطلاق، (وطئًا لمطلَّقته) فإن كان الطلاق رجعيًّا؛ كان رجعة، وإن كان بائنًا؛ فوطؤه

(4)

شُبهة، يجب لها به مهر المِثْل.

(وإن كانت المطلَّقة غيرَها) أي: غير الموطوءة (فَوَطْؤُه لها وطءٌ

(1)

في "ذ": "الحالة".

(2)

في "ح": "لهن".

(3)

في "ح": "ويصلح".

(4)

في "ح" و"ذ": "فوطء".

ص: 440

لامرأته) لا شيء عليه به (وكذلك إن كان وَطْؤُه لها قبل طلاقها) فهو وطء لامرأته، لا شيء به عليه.

(وإن) أسلم قبلهنَّ، ثم (طلَّق الجميع) قبل إسلامهنَّ (فأسلم أربع منهنَّ، أو) أسلم (أقلُّ) من أربع (في عِدَّتهنَّ، ولم يُسلِم البواقي؛ تعيَّنت الزوجية في المسلمات) لأنهن لم يتجاوزن أربعًا (ووقع الطلاق بهنَّ) لأنهنَّ محلٌّ له (فإن أسلم البواقي) بعد عِدَّتهن (فله أن يتزوَّج منهنَّ) إلى أربع؛ لأنهن لم يُطَلَّقْنَ منه.

فصل

(وإن أسلم حُرٌّ وتحته إماء) أكثر من أربع أو أقل (فأسلمنَ معه، أو) أسلمن (في العِدَّة) إن كان دخل بهنَّ (وكان في حال اجتماعهم على الإسلام، ممن يحلُّ له نكاح الإماء) بأن كان عادِمَ الطَّوْل، خائفَ العَنَت (اختار منهنَّ بواحدة، إن كانت تُعِفُّه، وإلا) بأن لم تُعفّه الواحدة (اختار من يُعِفُّه) من اثنتين (إلى أربع) لأنها نهاية الجمع.

(وإلا) أي: وإن لم يكن ممن يُباح له نكاح الإماء حال اجتماع إسلامهم (فسد نكاحهنَّ) ولم يكن له أن يختار؛ لأنه لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الإسلام، فلم يملك اختيارها، كالمعتدَّة.

وإن لم يُسْلِمن إلا بعد العِدَّة؛ انفسخ نكاحهن، وإن كُنَّ كتابيات.

(وإن أسلم) الزوج (وهو موسِر) أو غير خائف العنت (فلم يُسْلِمْنَ) أي: الإماء (حتى أعسر) أو خاف العَنَت (فله الاختيار منهنَّ) من يُعِفُّه؛ لأن شرائط النكاح إنما تُعتبر في وقت الاختيار، وهو حال اجتماعهم في الإسلام.

ص: 441

(وإن أسلم وهو مُعسِر) خائف العَنَت (فلم يُسْلِمْنَ حتى أيسر) أو زال خوف العَنَت (لم يكن له الاختيار منهنَّ) اعتبارًا بحال اجتماعهم في الإسلام، كما تقدم.

(وإن أسلم بعضهنَّ وهو موسِر، و) أسلم (بعضهنَّ وهو معسِر) خائف العَنَت (فله الاختيار ممن اجتمع إسلامه وإسلامهنَّ وهو معسِر) خائف العَنَت؛ لأنهن اجتمعنَ معه في حالٍ يجوز فيه ابتداء نكاحهن.

(وإن) أسلم، ثم (أسلمت إحداهنَّ بعده، ثم عَتَقَت، ثم أسلم البواقي، فله الاختيار منهن بشرطه) وهو أن يكون حال اجتماع إسلامهم عادم الطَّوْل، خائف العَنَت؛ لأن العبرة بحال الاختيار، كما تقدم، وحالة اجتماعه معها في الإسلام كانت أَمَة، فلم تتميز على البواقي.

(وإن) أسلم، ثم (عتَقَتْ، ثم أسلمت، ثم أسلمنَ) أي: البواقي من الإماء، تعيَّنت الأولى إن كانت تُعِفُّه.

(أو) أسلم، ثم (عَتَقَتْ، ثم أسلمنَ، ثم أسلمت) تعيَّنت مَنْ عَتَقَت، إن كانت تُعِفُّه.

(أو عَتَقَت بين إسلامها وإسلامه) كأن أسلمت، ثم عَتَقَت، ثم أسلم (تعيَّنت الأولى) وهي العتيقة (إن كانت تُعِفُّه) لأنه مالكٌ لعصمة حرّة تُعِفُّه وقتَ اجتماع إسلامها وإسلامه، فلم تُبَحْ له الإماء.

(وإلا) أي: وإن لم تُعِفَّه العتيقة إذًا (اختار من البواقي معها من تُعِفُّه) من واحدة، أو ثنتين، أو ثلاث؛ لوجود الحاجة، حيث كان عادم الطَّوْل.

(وإن أسلم) حُرٌّ (وتحته حُرَّة وإماء، فأسلمت الحُرَّة في عِدّتها، قبلهنَّ) أي: الإماء (أو بعدهنَّ؛ انفسخ نكاحهنَّ، وتعيَّنت الحرة إن كانت

ص: 442

تُعِفُّه) لأنه قادر على الحرة التي تُعِفُّه، فلا يختار عليها أَمَة (هذا) الحكم (إذا لم يعْتقن ثم يُسْلمنَ في العِدَّة، فإن أُعتقنَ ثم أسلمنَ في العدة؛ فحكمهن كالحرائر) فله أن يختار منهن أربعًا، وإن عتقْن أو بعضهنَّ بعد إسلامه وإسلامهن؛ لم يؤثر؛ لأن الاعتبار في ثبوت الاختيار بحال اجتماعهم في الإسلام.

وإن أسلمت الحرة معه دون الإماء، ثبت نكاحها به، وانقطعت عصمتهن، وابتداء عدتهن منذ أسلم.

وإن أسلم الإماء دون الحُرَّة، ولم تُسلم الحرة حتى انقضت عِدَّتُها، بانت باختلاف الدين، وله أن يختار من الإماء بشرطه؛ لأنه لم يقدر على الحرة، وليس له أن يختار من الإماء قبل انقضاء عِدَّة الحرة؛ لأنَّا لا نعلم عدم إسلامها في عدتها.

وإن طَلَّق الحرة ثلاثًا في عدتها، ثم لم تُسْلِم في عدتها؛ لم يقع الطلاق؛ لأنَّا تبيَّنَّا أنَّ النكاح انفسخ باختلاف الدِّين، وإن أسلمت في عدتها؛ تبيَّنَّا وقوع الطلاق.

(وإن أسلم عبدٌ وتحته إماء، فأسلمنَ معه، أو) أسلمنَ (في العدة) بعد الدخول (ثم عتق أو لا) أي: أو لم يعتق (اختار) العبد من الإماء (ثنتين) لأنه حال اجتماعهم على الإسلام كان عبدًا يجوز له الاختيار من الإماء، والثنتان نهاية جمعه.

(فإن أسلم) العبد (وعَتَق، ثم أسلمنَ) في العدة؛ اختار ما يُعِفُّه إلى أربع بشرطه.

(أو أسلمن، ثم عَتَق، ثم أسلم؛ اختار ما يُعِفُّه إلى أربع بشرطه) وهو أن يكون عادم الطَّوْل، خائف العَنَت؛ لأنه في حال اجتماعهم في

ص: 443

الإسلام كان حرًّا، فيشترط في حقه ما يشترط في حق الحر، ويثبت له ما يثبت للحر.

(ولو كان تحته) أي: العبد (أحرار فأسلم، وأسلمن معه) أو في العدة بعد الدخول بهن؛ اختار منهن ثنتين، و (لم يكن للحُرَّة) التي يُمسكها (خيارُ الفسخِ) لأنهن رضين به عبدًا كافرًا، فعبدًا مسلمًا أَولى.

ص: 444

كتاب الصداق

ص: 445

‌كتاب الصداق

بفتح الصاد وكسرها، ويقال: صَدُقة، بفتح الصاد وضم الدال، وصُدْقة وصَدْقة، بسكون الدال فيهما مع ضم الصاد وفتحها، وله أسماء: الصداق، والصدقة، والمهر، والنِّحْلة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والعَقْر، والحِباء، وقد نُظِمَت منها ثمانيةٌ في بيت، وهو قوله

(1)

:

صَدَاقٌ ومَهْرٌ نِحْلةٌ وفَريضة

حِباء وأجْر ثم عَقْرٌ عَلائق

يقال: أصدقتُ المرأةَ ومهرتها، ولا يقال: أمهرتها؛ قاله في "المغني"، و"الشرح"، و"النهاية".

وهو مشروع بالكتاب، والسنة، والإجماع

(2)

، وستقف على أدلة مشروعيته.

(وهو) أي: الصداق (العوض في النكاح) سواء سُمِّي في العقد، أو فرض بعده، بتراضيهما، أو الحكم (ونحوه) أي: نحو النكاح، كوطء الشبهة، والزنى بأَمَة أو مُكرَهة.

(ويُسَنُّ تخفيفه) أي: الصداق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أعظم النِّكاح بركةً أيسرُهُ مَؤُونَة" رواه أحمد

(3)

، وفيه ضعف. وقال عمر: "لا تَغْلوا في

(1)

القائل هو ابن أبي الفتح البعلي وهو في كتابه المطلع ص/ 326.

(2)

مراتب الإجماع ص/ 123 - 124، والتمهيد (2/ 186، 21/ 111، 117، 173).

(3)

(6/ 82، 145). وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (5/ 403) حديث 9274، والطيالسي ص/ 202 حديث 1427، وابن أبي شيبة (4/ 189)، وإسحاق بن راهويه (2/ 394) حديث 946، وابن أبي عمر العدني، وأحمد بن منيع - كما في إتحاف =

ص: 447

صَداق النِّساء، فإنَّها لو كانت مَكْرُمة في الدُّنيا، أو تقوى في الآخرة، كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي

(1)

= الخيرة المهرة (4/ 27) حديث 3109 - وأبو الشيخ في الأمثال ص/ 62، حديث 65، والحاكم (2/ 187)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 186، 6/ 256)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 105) حديث 123، والبيهقي (7/ 235)، وفي شعب الإيمان (5/ 254) حديث 6566، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/ 304، 305، 306)، عن عائشة رضي الله عنها.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (2/ 52): إسناده جيد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 255): رواه أحمد والبزار، وفيه ابن سخبرة يقال: اسمه عيسى بن ميمون، وهو متروك.

قلنا: ابن سخبرة وثَّقه ابن معين، وأبو داود. قال ابن الجنيد في سؤالاته ص/ 303، رقم 125، والدوري في تاريخ ابن معين (2/ 465) رقم 3950: سمعت ابن معين يقول: عيسى بن ميمون الذي يحدث عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة، يقال له: ابن تليدان، وهو من آل أبي قحافة، ليس به بأس، وهو الذي يحدث عنه حماد بن سلمة، قال: حدثني ابن سخبرة، هو هذا. وقال أبو داود - كما في سؤالات الآجري (1/ 441) -: وأبو عيسى بن تليد روى عنه حماد بن سلمة، يقال له: ابن سخبرة، وهو ثقة.

وقال الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/ 305) - بعد ذكره كلام ابن معين -: وما يبعد عندي هذا القول؛ لأن ابن سخبرة، وعيسى بن ميمون، وابن تليدان رووا جميعًا عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق حديثًا واحدًا.

وفي الباب عن عقبة بن عامر سيأتي (11/ 508) تعليق رقم (1).

(1)

أبو داود في النكاح، باب 27، رقم 2106، والنسائي في النكاح، باب 66، رقم 3349، وفي الكبرى (3/ 314) رقم 5511، والترمذي في النكاح، باب 22، رقم 1114. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في النكاح، باب 17، رقم 1887، والطيالسي ص/ 12، رقم 65، وعبد الرزاق (6/ 175، 176) رقم 10399 - 10401، والحميدي (1/ 13) رقم 23، وسعيد بن منصور (1/ 151، 152، 2/ 227) رقم 595 - 598، 2547، وابن سعد (8/ 161)، وابن أبي شيبة (4/ 187 - 188)، =

ص: 448

وصححه.

(و) تُسَنُّ (تسميته في العقد) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يزوِّج ويتزوج، ولم يكن يُخْلِ ذلك من صداق، مع أنه صلى الله عليه وسلم له أن يتزوَّج بلا مهر، وقال للذي زوَّجه الموهوبة:"هل من شيء تُصْدِقُها؟ " قال: لا، قال:"الْتَمِسْ ولو خاتمًا من حديد"

(1)

؛ ولأنه أقطع للنزاع.

(ويُسَنُّ أن يكون من أربعمائة درهم إلى خمسمائة) درهم، أي: ألّا يزيد على ذلك؛ لما روى مسلم من حديث عائشة: "أنَّ صداق النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أزواجه خمسمائة درهمٍ"

(2)

.

(وإن زاد) الصداق على ذلك (فلا بأس) لما روت أم حبيبة: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّجها وهي بأرض الحبشة، زوَّجها النَّجاشيُّ، وأمهرها أربعة آلاف، وجهَّزها من عنده، وبعث بها مع شُرَحْبيل ابن حَسَنة، فلم يبعث إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيء" رواه أحمد والنسائي

(3)

، ولو كره ذلك لأنكره.

= وأحمد (1/ 40، 41، 48)، والدارمي في النكاح، باب 18، حديث 2206، والبزار (1/ 453) رقم 321، وابن حبان "الإحسان"(10/ 480) رقم 4620، والطبراني في الكبير (1/ 340، 4/ 359) رقم 574، 3610، وابن عدي (5/ 1882)، والحاكم (2/ 175 - 176)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 138)، والبيهقي (7/ 233، 234) والضياء في المختارة (1/ 410 - 413) رقم 291، 293، 295، والمزي في تهذيب الكمال (24/ 79 - 81).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وسكت عليه الذهبي.

وانظر: علل الدارقطني (2/ 232 - 239).

(1)

تقدم تخريجه (11/ 140) تعليق رقم (1).

(2)

مسلم في النكاح، حديث 1426.

(3)

تقدم تخريجه (8/ 413) تعليق رقم (2).

ص: 449

(ويُكره تَرْك التسمية فيه؛ قاله في "التبصرة") لأنه قد يؤدِّي إلى التنازع في فرضه.

(ويُستحبُّ ألا ينقص عن عشرة دراهم) خروجًا من خلاف من قدَّر أقله بذلك

(1)

(وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوَّج بلا مَهْرٍ) لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

(وكل ما صح ثمنًا أو أجرة، صَحَّ مهرًا، وإن قَلَّ) لحديث جابر مرفوعًا: "لو أنَّ رجلًا أعطى امرأة صَداقًا ملءَ يده طعامًا، كانت له حلالًا" رواه أبو داود بمعناه

(2)

.

(1)

وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، انظر: المبسوط (5/ 80)، وتبيين الحقائق (2/ 137).

(2)

في النكاح، باب 30، حديث 2110، ولفظه: من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرًا، فقد استحل. وأخرجه - أيضًا - بنحوه أحمد (3/ 355)، والعقيلي (2/ 205)، والدارقطني (1/ 243)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 393، 394، حديث 507، 508، والبيهقي (7/ 238)، والخطيب في تاريخه (6/ 365)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 28) حديث 1670. وفي سنده صالح بن مسلم بن رومان، وقيل: موسى بن مسلم بن رومان، قال ابن حجر في التقريب (7060): ضعيف. وانظر: تهذيب التهذيب (10/ 372). وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 146): هذا يروى موقوفًا، ولا يعوَّل على من أسنده. وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (7/ 238) هذا الخبر منكر.

وأخرجه العقيلي (2/ 205) - أيضًا - عن جابر رضي الله عنه موقوفًا، وفي سنده - أيضًا - صالح بن مسلم بن رومان، وهو ضعيف كما تقدم آنفًا.

وحديث جابر هذا: أخرجه مسلم في النكاح، حديث 1405 (16)، بلفظ: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر، في شأن عمرو بن حريث.

قال البيهقي (7/ 237): وقد مضت الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حرَّم نكاح المتعة بعد الرخصة، والنسخ إنما ورد بإبطال الأجل، لا قدر ما كانوا عليه ينكحون من =

ص: 450

وروى عامر بن ربيعة: "أنَّ امرأةً من فَزارة تزوَّجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرَضيتِ من مالِكِ ونفسكِ بنعلين؟ قالت: نعم، فأجازه" رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه

(1)

.

ثم بيَّن ما صح ثمنًا، أو أجرة بقوله: (من عينٍ، ودَيْن، ومعجَّل،

= الصداق.

(1)

أحمد (3/ 445 - 446)، وابن ماجه في النكاح، باب 17، حديث 1888، والترمذي في النكاح، باب 21، حديث 1113. وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 156، حديث 1143، وابن أبي شيبة (4/ 186 - 187)، والبزار (9/ 270) حديث 3815، وأبو يعلى (13/ 151، 155) حديث 7194، 7197، والعقيلي (3/ 340 - 341)، وابن عدي (5/ 1868)، والبيهقي (7/ 238 - 239)، والخطيب في الموضح (1/ 426 - 427)، والبغوي في شرح السنة (9/ 120)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 280) حديث 1668، والضياء في المختارة (8/ 184 - 186) حديث 207 - 210، من طريق عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، به.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 282 - 283): سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله، فقال: منكر الحديث، يقال: إنه ليس له حديث يعتمد عليه. قلت: ما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، أن رجلًا تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم. وهو منكر.

وقال البيهقي: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب تكلموا فيه، ومع ضعفه روى عنه الأئمة.

وقال ابن الجوزي: فيه عاصم بن عبيد الله قال يحيى بن معين: ضعيف لا يُحتج بحديث، وقال ابن حبان [المجروحين 2/ 127]: فاحش الخطأ فَتُرك.

وله شاهد أخرجه ابن عدي (2/ 460) في ترجمة بكر بن عبد الله بن شرود، عن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج امرأة على نعلين، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه. وقال ابن عدي: ولبكر غير ما ذكرت من الروايات مما لا يتابعه الثقات عليه، وكلها غير محفوظة، ما ذكرتها، وما لم أذكرها.

ص: 451

ومؤجَّل، ومنفعة معلومة؛ كرعاية غنمها مدّة) معلومة (وخياطة ثوبها، وردِّ آبقها من موضع معيَّن) ومنافع الحر والعبد سواء؛ لقوله تعالى حكاية عن شُعيب

(1)

مع موسى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَينِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}

(2)

؛ ولأنَّ منفعة الحرِّ يجوز أخذ العوض عنها في الإجارة، فجازت صداقًا، كمنفعة العبد. ومن قال: ليست مالًا فممنوع

(3)

؛ لأنه تجوز المعاوضة بها وعنها، ثم إن لم تكن مالًا؛ فقد أُجريت مجرى المال.

(فإن طَلَّقها قبل الدُّخول وقبل استيفاء المنفعة؛ فعليه نصف أجرة ذلك) النفع الذي جعله صداقًا لها.

(وإن كانت) المنفعة التي جعلها صداقًا لها (مجهولة، كرَدِّ آبقها أين كان، وخدمتها فيما شاءت شهرًا؛ لم يصح) ذلك صداقًا؛ لأنه عوض

(1)

ما ورد أن صاحب موسى في قصة ماء مدين هو النبي شعيب، لم يصح، أخرج الطبراني في الكبير (7/ 55) حديث 6364، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 278) حديث 328، عن سلمة بن سعد بن صُريم أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: مرحبًا بقوم شُعيب وأختان موسى.

قال الهيثمي في المجمع (10/ 51): فيه من لم أعرفهم. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 449): في إسناده مجاهيل.

وأخرج ابن جرير (20/ 62) عن الحسن قال: يقولون: شعيب صاحب موسى.

وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (3/ 384) عن مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيبًا هو الذي قص عليه موسى عليه السلام القصص.

قال ابن جرير الطبري: وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بالخبر، ولا خبر بذلك تجب حجته. وقال ابن كثير: وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره [أي: شُعيب] في قصة موسى لم يصح إسناده.

(2)

سورة القصص، الآية:27.

(3)

في "ح" و"ذ": "ممنوع".

ص: 452

في عقد معاوضة، فلم يصح مجهولًا؛ كالثمن في البيع، والأجرة في الإجارة.

(وإن تزوَّجها على منافعه) المعلومة (أو) على (منافع حُرٍّ غيره المعلومة؛ مدَّة معلومة؛ صح) بدليل قِصة موسى، وقياسًا على منفعة العبد.

(ويصح) أن يتزوَّجها (على عملٍ معلوم) كخياطة ثوب معيَّن (منه ومن غيره) فإن تلف الثوب قبل خياطته، فعليه أجرة المِثْلِ، كما لو أصدقها تعليم عبدها صناعة، فمات قبل ذلك. وإن عجز عن خياطته مع بقائه، لمرض ونحوه، فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه، وإن طَلَّقها قبل خياطته وقبل الدخول، فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه، وإلا؛ فنصف الأجرة، إلا أن يَبْذُلَ خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقينًا؛ ذكره في "الشرح".

(و) يصح - أيضًا - أن يتزوَّجها على (دَيْن سَلَم أو غيره، وعلى غير مقدور له، كآبق ومغتصب يُحصِّلهما، ومبيع اشتراه ولم يقبضه، نصًّا

(1)

، ولو مكيلًا ونحوه) كموزون ومعدود ومذروع؛ لأن الصَّدَاق ليس رُكنًا في النكاح، فاغتفر الجهل اليسير، والغرر الذي يُرجى زواله؛ ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع (وعليه) أي: على الزوج (تحصيله) أي: المبيع قبل قبضه ونحوه (فإن تعذَّر) عليه تحصيله (فـ) ــعليه (قيمته) لمحل الحاجة، وإن كان مثليًا، فلها مثله عند تعذّره؛ لأن المِثْل أقرب إليه.

(و) يصح أن يتزوجها (على أن يشتري لها عبدَ زيد) لأنه مال معلوم

(1)

المحرر في الفقه (2/ 31)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 93).

ص: 453

(أو) أن يتزوجها (على أن يعتق أباها) أو عتقِ قِنٍّ له من ذكر أو أنثى؛ لأن بذل العوض في مقابلته جائز (فإن تعذَّر شراؤه، أو طلب) ربّه (به أكثر من قيمته، فلها قيمته) لأنه عوض تعذَّر تسليمه، فرجع إلى قيمته، كما لو كان بيده فاستُحِقَّ (فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه، لم يلزمها قَبوله) لأنه يُفوِّت عليها الغرض في عتقه.

(وكل موضع لا تصح فيه التسمية، أو خلا العقد عن ذِكْره - حتى في التفويض، ويأتي - يجب مهر المِثْل بالعقد) لأن المرأة لا تُسَلَّم إلا ببدل، ولم يُسَلَّم البدل، وتعذَّر رَدّ العوض، فوجب بدله، كما لو باعه سلعة بخمر، فتلفت عند المشتري.

(وإن أصدقها تعليمَ أبواب فقه، أو) تعليم أبواب (حديث، أو) تعليم (شيء من شعر مباح، أو أدب، أو صنعة، أو كتابة، أو ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه، وهو معيَّن؛ صح) لأنه يصح أخذ الأجرة على تعليمه، فجاز أن يكون صداقًا، كمنافع الدار (حتى ولو كان لا يحفظه، ويتعلّمه ثم يعلِّمها) لأنه بذلك يخرج من عهدة ما وجب عليه.

(وإن تعلَّمَتْه) أي: تعلَّمت ما أصدقها تعليمه (من غيره) لزمته أُجرة التعليم (أو تعذَّر عليه تعليمها) بأن أصدقها تعليم الخياطة فتعذَّر (لزمته أُجرة التعليم) لأنه لما تعذَّر الوفاء بالواجب، وجب الرجوع إلى بَدَله.

(وإن علَّمها) ما أصدقها تعليمه (ثم أُنسيَتْها) أي: الصَّنعة التي علَّمها إياها (فلا شيء عليه) لأنه قد وفَّاها.

(وإن لقَّنها الجميعَ، وكلما لقَّنها شيئًا أُنسيَتْه، لم يعتدَّ بذلك تعليمًا) لأن العُرف لا يَعدُّه تعليمًا.

(وإن ادَّعى الزوج أنه علَّمها، وادَّعت أنَّ غيره علَّمها؛ فالقول

ص: 454

قولها) لأن الأصل عدمه.

(وإن جاءته بغيرها ليعلِّمه

(1)

ما كان يريد يعلِّمها) لم يلزمه؛ لأن المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها، كما لو استأجرته لخياطة ثوب فأتته بغيره؛ ولأن المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافًا كثيرًا (أو أتاها بغيره يعلِّمها، لم يلزمها قَبوله) لأن المعلمين يختلفون في التعليم، وقد يكون لها غرض في التعلّم منه؛ لكونه زوجها.

(وإن طلَّقها قبل الدُّخول وقبل تعليمها؛ فعليه نصفُ الأجرة) أي: نصفُ أجرةِ مثلِ تعليم ما أصدقها تَعْلِيمَه؛ لأنها قد صارت أجنبية منه، فلا يؤمن في تعليمها الفتنة.

(و) عليه بطلاقها قبل التعليم، و (بعدَ الدخول؛ كُلُّها) أي: كل الأجرة؛ لاستقرار ما أصدقها بالدخول.

(وإن كان) طَلَّقها قبل الدخول (بعد تعليمها، رجع عليها بنصف الأجرة) لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق، والرجوع بنصف التعليم متعذِّر، فوجب الرجوع إلى بدله، وهو نصف الأجرة.

(ولو حصلت الفرقة من جهتها) قبل الدخول وبعد التعليم (رجع عليها بالأجرة كاملة) لتعذُّر الرجوع بالتعليم.

(وإن أصدقها تعليمَ شيء معيَّن من القرآن؛ لم يصحّ) الإصداقُ؛ لأن الفروج لا تُستباح إلا بالمال؛ لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}

(2)

{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}

(3)

والطَّوْل المال؛ ولأن تعليم القرآن

(1)

كذا في الأصل وفي نسخة أشار إليها في حاشية "ذ": "ليعلمها" وهو الأنسب للسياق.

(2)

سورة النساء، الآية:24.

(3)

سورة النساء، الآية:25.

ص: 455

قُربة، ولا يصح أن تكون صداقًا، كالصَّوم. وحديث الموهوبة

(1)

قيل: معناه: زوجتكها لأنك من أهل القرآن، كما زوَّج أبا طلحة على إسلامه، فروى ابن عبد البَرِّ بإسناده:"أنَّ أبا طلحة أتى أمَّ سُليم يخطبها قبل أن يُسْلِم، فقالت: أتزوَّجك وأنت تعبد خشبةً نَحَتَها عبد بني فلان؟! إنْ أسلمتَ تزوَّجتُ بك. قال: فأسلم أبو طلحة، فتزوَّجها على إسلامه"

(2)

، وليس في الحديث الصحيح ذِكْر التعليم، ويحتمل أن يكون خاصًّا بذلك الرجل، ويؤيده: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج غلامًا على سورة من القرآن، ثم قال:"لا تكون بعدك مهرًا" رواه سعيد والنجاد

(3)

.

(وإن أصدقها تعليم التوراة، أو الإنجيل، أو شيء منهما؛ لم يصح، ولو كانت) المرأة (كتابية، أو) كان (المُصْدِقُ كتابيًّا؛ لأنه) أي: المذكور من التوراة، أو الإنجيل (منسوخٌ مبدَّل مُحَرَّم، فهو كما لو أصدقها مُحَرَّمًا) ولها مهر المِثْل.

(1)

تقدم تخريجه (11/ 140) تعليق رقم (1).

(2)

ابن عبد البر في التمهيد (21/ 119). وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (3/ 285 - 286) حديث 5395، وابن أبي شيبة (4/ 407)، والبزار "كشف الأستار"(3/ 246) حديث 2670، والحاكم (2/ 179)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 60)، والبيهقي (7/ 132)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 267) حديث 1723، عن أنس رضي الله عنه.

قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 261): رجاله رجال الصحيح.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (1/ 164) حديث 642، عن أبي النعمان الأزدي قال: زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن ثم قال: لا تكون لأحد بعدك مهرًا. ولعل النجّاد رواه في مسنده أو سننه، ولم نقف عليهما. وضعَّفه ابن حزم في المحلَّى (9/ 499)، وقال ابن حجر في فتح الباري (9/ 212): هذا مع إرساله فيه من لا يُعرف.

ص: 456

(وإذا تزوَّج نساءً بمهر واحد) صح، وقسم بينهن على قَدْرِ مهور مثلهن (أو خالعهنَّ بعِوض واحد؛ صح) لأن العوض في الجملة معلوم، فلم تؤثِّر جهالة تفصيله، كشراء أربعة أعْبُدٍ بعوض واحد (ويقسم بينهنَّ على قَدْرِ مهور مِثْلِهنَّ) لأن الصفقة إذا وقعت على شيئين مختلفي القيمة، وجب تقسيط العوض بينهما بالقيمة، كما لو باع شِقْصًا وسيفًا.

(ولو) تزوجهنَّ، أو خالعهنَّ على عوض واحد، و (قال: بينهنَّ. فعلى عددهن) لأنه أضاف إليهن إضافة واحدة، فكان بينهن بالسوية.

(فإن تزوَّج امرأتين بصداق واحد، ونكاحُ إحداهما فاسد، لكونها مُحَرَّمة عليه؛ فلمن صحَّ نكاحُها حصتُها من المُسمَّى) كما لو صح النكاحان.

(وإن جمع بين نكاح وبيع، فقال: زوَّجتُك ابنتي، وبعتُك داري هذه، بألف؛ صح) كل من النكاح والبيع (ويُقَسَّط الألف على قَدْرِ مَهْرِ مثلها وقيمة الدار) وتقدم في البيع

(1)

.

(وإن قال: زوَّجتُك ابنتي، واشتريتُ منك عبدك هذا، بألف، فقال: بعتُك وقبلت النكاح؛ صح، ويقسَّط الألفُ على قَدْرِ قيمة العبد ومهر مِثْلها) كالتي قبلها.

(فإن قال: زوَّجتُكَ) ابنتي أو نحوها (ولك هذا الألف بألفين؛ لم يصح؛ لأنه كَمُدِّ عجوة) ودرهم بمُدِّ عجوة ودرهم؛ لأنه بيع ربوي بجنسه، ومع أحدهما من غير جنسه. وانظر هل يبطل النكاح، أو التسمية فيصح ولها مهر المِثل؟

(1)

(7/ 369).

ص: 457

فصل

(ويُشترط أن يكون الصداق معلومًا، كالثمن) لأن الصَّداق عوض في عقد معاوضة، فأشبه الثمن؛ ولأن غير المعلوم مجهول، لا يصح عوضًا في البيع، فلم تصح تسميته، كالمُحَرَّم.

(فإن أصدقها دارًا غير معينة) لم يصح (أو) أصدقها (دابة) مبهمة (أو) أصدقها (عبدًا مطلقًا) بأن لم يعيِّنه، ولم يصفه، ولم يقل: من عبيدي؛ لم يصح (أو) أصدقها (شيئًا معدومًا، كـ) ــأن يتزوجها (على ما يثمر شجره

(1)

ونحوه) كالذي يكتسبه عبده (أو) أصدقها (مجهولًا، كمتاع بيته، وما يحكم به أحد الزوجين، أو) ما يحكم به (زيد، أو) أصدقها (ما لا منفعة فيه) كالحشرات (أو) أصدقها (ما لا يقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، وما لا يُتَمَوَّل عادة، كقشرة جوزة، وحبة حنطة؛ لم يصح) الإصداق؛ للجهالة، أو الغرر

(2)

، أو عدم التموّل.

(ويجب أن يكون له) أي: الصداق (نصفٌ يتموَّل عادة، ويُبذل العوض في مثله عُرفًا) هذا معنى كلام الخرقي، وتبعه ابن عقيل في "الفصول"، والموفّق، والشارح؛ لأن الطلاق يعوّض فيه قبل الدخول، فلا يبقى للمرأة

(3)

إلا نصفه، فيجب أن يبقى لها مال تنتفع به. قال

(1)

في "ح": "من شجرة".

(2)

في "ح": "والغرر".

(3)

في "ذ": "للمرأة فيه".

ص: 458

الزركشي: وليس في كلام أحمد هذا الشرط، وكذا أكثر أصحابه، حتى بالغ ابن عقيل في ضمن كلام له، فجَوَّز الصداق بالحبة والثمرة التي ينبذ

(1)

مثلها، ولا يعرف ذلك. انتهى. وما ذكره الزركشي عن أكثر الأصحاب هو ظاهر ما قدَّمه المصنف أولَ الكتاب من قوله:"وإن قلّ".

(والمراد) بوجوب أن يكون له نصفٌ يُتَموَّل (نصف القيمة، لا نصف عين الصداق، فإنه قد يُصدِقُها ما لا ينقسم، كعبد.

ولو نكحها على أن يحجّ بها؛ لم تصحّ التسمية) لأن الحملان مجهول لا يوقف له على حد.

(ولا يضر جهلٌ يسير، ولا غرر يُرجى زواله، كما تقدّم

(2)

في الباب) من صحة تسمية الآبق، والمغصوب، ودين السَّلَم، والمبيع قبل قبضه ولو مكيلًا، ونحوه.

(وإن أصدقها عبدًا من عبيده) صح، (أو) أصدقها (دابة من دوابه) يعني: فرسًا من خيله، أو بغلًا من بغاله، أو حمارًا من حميره؛ صح، (أو) أصدقها (قميصًا من قُمصانه ونحوه) كخاتم من خواتمه (صَحَّ) ذلك (لأن الجهالة فيه يسيرة، ولها أحدهم) يخرج (بقُرْعة، نصًّا) نقله مُهنّا

(3)

؛ لأنه إذا صح أن يكون صداقها، استحقَّت واحدًا غير معين، فوجبت القُرعة؛ لتميزه، كما لو أعتق أحد عبيده.

(وإن أصدقها عبدًا موصوفًا) بذمته (صحَّ) لأنه يجوز أن يكون عوضًا في البيع، والصفةُ منزَّلةٌ منزلة التعيين، فجاز أن يكون صداقًا.

(1)

في "ح": "ينبذل".

(2)

(11/ 453).

(3)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 128).

ص: 459

(فإن جاءها بقيمته، أو أصدقها عبدًا وسطًا، ثم جاءها بقيمته، أو خالعته على ذلك، فجاءته بقيمته، لم يلزمهما قَبوله) لأن العبد استحق بعقد معاوضة، فلم يلزمها

(1)

أخذ قيمته، كالمُسلَم فيه، وكما لو كان معينًا

(2)

.

"تنبيه" قال في "الشرح": الوسط من العبيد: السِّندي؛ لأن الأعلى: التركي، والرومي، والأسفل: الزنجي والحبشي، والوسط: السِّندي والمنصوري.

(وإن أصدقها عِتْقَ أَمَته؛ صحّ) لأن لها فيه فائدة ونفعًا؛ لما يحصل لها من ثواب العتق.

(وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى، أو أن يجعل إليها طلاق ضَرَّتها إلى سنة) مثلًا (لم يصحّ) لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}

(3)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل المرأة طلاق أختها"

(4)

، وعن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحلُّ لرجلٍ أنْ يَنكح امرأة بطلاق أخرى"

(5)

و (كما لو أصدقها خمرًا، ولها مهر مِثْلها) لفساد التسمية.

(وإن تزوَّجها على ألف، إن كان أبوها حيًّا، وألفين إن كان) أبوها (ميتًا؛ لم يصحّ) لأنه ليس له في موت أبيها غَرَضٌ صحيح، وربما كانت

(1)

في "ح" و"ذ": "يلزم".

(2)

في "ح": "معيبًا".

(3)

سورة النساء، الآية:24.

(4)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 58، حديث 2140، وفي الشروط، باب 8، 11، حديث 2723، 2727، وفي النكاح، باب 54، حديث 5152، وفي القدر، باب 4، حديث 6601، ومسلم في النكاح، حديث 1413، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

أخرجه أحمد (2/ 176 - 177). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 63): فيه ابن لهيعة، وهو لين، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ص: 460

حالة الأب غير معلومة، فيكون مجهولًا.

(وإن تزوَّجها على ألف، إن لم تكن له زوجة) أو سُرِّيَّة (أو إن لم يخرجها من دارها، أو بلدها، و) على (ألفين إن كان له زوجة) أو سُرِّيَّة (أو إن أخرجها) من دارها أو بلدها (صحّ) لأن خلو المرأة من ضَرَّة أو سُرِّيَّة تغايرها، وتضيق عليها من أكبر أغراضها المقصودة، وكذا إبقاؤها في دارها أو بلدها بين أهلها وفي وطنها، ولذلك خفّف صداقها لتحصيل غرضها، وتغليه عند فواته.

(وإذا قال) العبد (لسيّدته: أعتقيني على أن أتزوّجك، فأعتقته) عتق، ولم يلزمه شيء.

(أو قالت) له ابتداء: (أعتقتك على أن تتزوَّج بي؛ عتَق، ولم يلزمه شيء) لأنها اشترطت عليه شرطًا هو حق له، فلم يلزمه، كما لو شرطت عليه أن تَهبَهُ دنانير فيقبلها؛ ولأن النكاح من الرجل لا عوض له، بخلاف نكاح المرأة.

ومن قال لآخر: أعتق عبدك عَنِّي على أن أزوجك ابنتي، فأعتقه على ذلك، لزمته قيمته بعتقه، ولا يلزم القائل أن يزوِّجه ابنته، كـ: أعتق عبدك على أن أبيعك عبدي.

(وإذا فرض) أي: سمى (الصداق) في العقد (وأطلق) فلم يقيد بحلول ولا تأجيل (صحّ، ويكون) الصداق (حالًّا) لأن الأصل عدم الأجل.

(وإن فرضه) مؤجَّلًا (أو) فرض (بعضه مؤجَّلًا إلى وقت معلوم، أو إلى أوقات، كل جزء منه إلى وقت معلوم؛ صحّ) ذلك؛ لأنه عقد معاوضة، فجاز ذلك فيه كالثمن (وهو إلى أجله) سواء فارقها أو أبقاها،

ص: 461

كسائر الحقوق المؤجّلة.

(وإن أجَّله) أي: الصّداق (أو) أجَّل (بعضه، ولم يذكر محل الأجل؛ صحّ، نصًّا

(1)

، ومحلُّه الفرقة البائنة، فلا يحل مهر

(2)

الرجعية إلا بانقضاء عِدّتها) قال أحمد (1): إذا تزوَّج على العاجل والآجل، لا يحل

(3)

إلا بموت أو فرقة. لأن كل لفظ مطلق يُحمل على العُرف، والعُرف في الصَّداق ترك المطالبة به إلى حين الفُرقة بالموت أو البينونة، فيُحمل عليه، فيصير حينئذٍ معلومًا بذلك. فإن جعل أجله مدة مجهولة، كقدوم زيد؛ لم يصح التأجيل؛ لجهالته، وإنما صحّ المطلق؛ لأن أجَله الفرقة بحكم العادة، وقد صَرَفَ هنا عن العادة ذِكرُ الأجل، ولم يبينه، فبقي مجهولًا. قال في "الشرح": فيحتمل أن تبطل التسمية، ويحتمل أن يبطل التأجيل، ويحلّ. انتهى.

قلت: الثاني هو قياس ما تقدم في ثمن المبيع.

فصل

(وإن تزوَّجها على خمرٍ، أو خنزير، أو مال مغصوب؛ صحّ النكاح) لأنه لو كان عوضه

(4)

صحيحًا كان صحيحًا، فوجب أن يصح - وإنْ كان عوضه فاسدًا - كما لو كان مجهولًا؛ ولأنه عقد لا يبطل بجهالة

(1)

المغني (10/ 115)، والكافي (4/ 337)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 126 - 127).

(2)

في "ح" و"ذ": بفرقة" بدلًا من: "مهر".

(3)

أي: "الآجل" كما في المغني (10/ 115)، والكافي (4/ 337).

(4)

في "ح": "عوضًا".

ص: 462

العوض، فلا يفسد بتحريمه، كالخلع؛ ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه، ولو عدم كان النكاح صحيحًا، فكذا إذا فسد

(1)

.

(ولها مَهْر مثلها) لأن فساد العوض يقتضي رَدّ عوضه، وقد فات ذلك؛ لصحة النكاح، فيجب رَدَّ قيمته، وهو مهر المِثْل؛ ولأن ما يضمن بالعقد الفاسد، اعتُبرت قيمته بالغة ما بلغت، كالمبيع، كمن اشترى شيئًا بثمن فاسد، فقبض المبيع وتلف في يده.

(وإن تزوَّجها على عبد بعينه، تظنُّه مملوكًا له، فخرج حرًّا) فلها قيمته (أو) خرج (مغصوبًا، فلها قيمته يوم العقد) لأن العقد وقع على التسمية، فكان لها قيمته؛ ولأنها رضيت بما سُمِّي لها، وتسليمه ممتنع، لكونه غير قابل لجعله صداقًا، فوجب الانتقال إلى قيمته يوم العقد؛ لأنها بَدَل، ولا تستحق مهر المِثْل لعدم رضاها به، وإن أصدقها مِثليًّا، فخرج مغصوبًا، فلها مِثله.

(وإن وجدت به) أي: بما أصدقها (عيبًا، فلها الخيار بين إمساكه وأخذ أرشه، أو ردِّه وأخذ قيمته) إن كان متقوَّمًا (أو مثله إن كان مِثليًّا، كمبيع) لأنه عوض في عقد معاوضة، فخُيِّرت فيه، كمبيع، وكذا عوض الخلع المعين، فإن تعيَّب - أيضًا - عندها، خُيِّرت بين أخذ أرْشه، وردِّه وردِّ أرْش عيبه، كالمبيع.

وإن تزوَّجها على نحو شاةٍ، فوجدتها مُصَرَّاة، فلها ردُّها، وتردُّ معها صاعًا من تمر على قياس البيع، وسائر فروع الرد بالعيب والتدليس تثبت هنا؛ لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع. هذا معنى كلامه في "الشرح".

(وكذا إن تزوَّجها على عبدٍ معيَّن، وشرط فيه صفات، فبان ناقصًا

(1)

في "ذ": "كان فاسدًا".

ص: 463

صفةً شرَطَتْها) فلها الخيار بين إمساكه مع أرْشِ فَقْدِ الصفة، وبين ردِّه والطلب بقيمته، وإن كان في الذمة، ولم يكن بالصفات، فلها بدله فقط.

(و) إن تزوَّجها (على جَرَّةِ خلٍّ، فخرجت خمرًا، أو) خرج الخلُّ (مغصوبًا، فلها مثله خلًّا) لأنها رضيت به خلًّا، وقد تعذَّر تسليمه، فوجب مثله.

(و) إن تزوَّجها (على هذا الخمر، وأشار إلى خلٍّ، أو) على (عبد فلان هذا، وأشار إلى عبده، صحَّت التسمية، ولها المُشار إليه) لأن التعيين أقوى من التسمية، فقُدِّم عليها (كما لو قال: بِعْتُكِ هذا الأسود، وأشار إلى أبيض. أو) بِعْتُكِ (هذا الطويل، وأشار إلى قصير) فإنه يصح البيع في المشار إليه؛ لقوة التعيين.

(و) إن تزوَّجها (على عبدين، فخرج أحدهما حرًّا، فلها قيمة الحر، وتأخذ الرقيق) وكذا لو خرج أحدهما مغصوبًا؛ لِمَا تقدم.

(و) إن تزوَّجها (على عبدٍ، فبان نصفه حرًّا أو مستحقًّا، أو) تزوَّجها (على ألف ذراع، فبانت تسعمائة، خُيِّرت بين أخذه وقيمة الفائت، وبين ردِّه وأخذ قيمة الكل) لأن الشركة عيب.

(وإن) تزوَّجها (على عصير، فَبَان خمرًا، فلها مِثْل العصير) لأنه مِثْلي، والمِثْل أقرب إليه من القيمة (فإن كان) المِثْل (معدومًا، فقيمته) يوم إعوازه، كبدل قَرْضٍ تعذَّر مثلُه.

ص: 464

فصل

(ولأبي المرأة) الحرة (أن يشترط شيئًا من صداقها لنفسه، بل) يصح (ولو) اشترط (الكُلَّ) أي: كل الصداق؛ لأن شعيبًا

(1)

زوّج موسى عليهما السلام ابنته على رعاية غنمه، وذلك اشتراط لنفسه؛ ولأن للوالد الأخذ من مال ولده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أنت ومالك لأبيك"

(2)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنَّ أولادكم من كسبكم" رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه

(3)

، فإذا شرط شيئًا لنفسه من مهر ابنته؛ صح (إذا كان ممن يصحّ تملّكه) على ما تقدم

(4)

تفصيله في الهِبَة (ويكون ذلك أخْذًا من مالها) فتعتبر له شروطه.

(فإذا تزوّجها على ألف لها، وألف لأبيها؛ صحّ) ذلك (وكانا) أي: الألفان، وفي نسخة:"وكان"(جميعًا مهرها، وعلى أن الكُلَّ له، يصح أيضًا) لِمَا تقدم (وكان) الكل (مهرها، ولا يملكه الأب إلا بالقبض مع النية) لتملكه، كسائر مالها.

(وشَرْطه ألَّا يُجْحِفَ بمال البنت؛ قاله في "المجرّد" وابن عقيل، والموفق والشارح) قال في "المبدع": وضَعَّفه

(5)

الشيخ تقي الدين

(6)

؛

(1)

انظر ما تقدم (11/ 452) تعليق رقم (1).

(2)

تقدم تخريجه (5/ 61) تعليق رقم (1).

(3)

تقدم تخريجه (10/ 158) تعليق رقم (7).

(4)

(10/ 160 - 162).

(5)

في "ذ": "ومنعه". وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة: "وضعفه".

(6)

انظر: مختصر الفتاوى المصرية للبعلي ص/ 434.

ص: 465

لأنه لا يتصور الإجحاف؛ لعدم ملكها، فظاهر كلام أحمد

(1)

والقاضي في "تعليقه"، وأبي الخطاب: أنه لا يشترط.

(فإن طلَّقها) الزوج (قبل الدخول بعد قبضه) أي: قبض الأب ما شرطه من صداق ابنته بِنيَّة التملُّك (رجع) الزوج (عليها في الأولى) وهي ما إذا تزوجها على ألف لها، وألف لأبيها (بألف) لأنه نصف الصداق (و) يرجع (في الثانية بقدر نصفه) أي: نصف ما جعله

(2)

الأب صداقًا لها، وشرطه لنفسه، وقبضه بِنيَّة التملُّك.

(ولا شيء على الأب فيما أخذه) من نصف أو كُلّ (إن قبضه بنيَّة التملُّك) لأنه أخذه من مال ابنته، فلا رجوع عليه بشيء منه، كسائر مالها.

(و) إن طلَّقها الزوج (قبل القبض) للصداق المُسمَّى، سقط عن الزوج نصف المُسمَّى، ويبقى النصف للزوجة، و (يأخذ) الأب (من) النصف (الباقي) لها (ما شاء بشرطه) السابق في باب الهبة

(3)

.

(وإن فعل ذلك) أي: ما ذُكر من اشتراط الصَّداق، أو بعضه له (غيرُ الأبِ) كالجدّ والأخ، وكذا أب لا يصح تملكه (صحَّت التسمية) ولغا الشرط (والكل لها) لأن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها، فيكون صداقًا لها، كما لو جعله لها، وليس للغير أن يأخذ شيئًا بغير إذن، فيقع الاشتراط لغوًا.

(و‌

‌للأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها، وإن كرهت،

(1)

انظر مسائل حرب ص/ 74، ومسائل الكوسج (4/ 1526 - 1527) رقم 899.

(2)

في "ذ": "ما شرطه".

(3)

(10/ 160 - 162).

ص: 466

كبيرة كانت أو صغيرة) لأن عمر خَطَبَ الناس فقال: "لا تُغالوا في صَداق النِّساء، فما أصدق النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقيَّةً"

(1)

. وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يُنكَر، فكان اتفاقًا منهم على أنَّ له أن يزوِّج بذلك، وإن كان دون صداق مثلها؛ ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض، وإنما المقصود السكن والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها

(2)

ويصونها، والظاهر من الأب مع تمام شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعاني المقصودة، فلا يمنع منه، بخلاف عقود المعاوضات، فإنَّ المقصود منها العوض. لا يقال: كيف يملك الأب تزويج الثيب الكبيرة بدون صداق مثلها؟ لأن الأشهر أنه يتصور بأن تأذن في أصل النكاح، دون قدر المهر؛ قاله في "المبدع".

(وليس لها) أي: الزوجة (إلا ما وقع عليه العقد) فلا يلزم أحدًا تتمة مهر المثل، إن زوَّجها الأب بدونه. وقيل: يتممه الأب، كبيعه مالها بدون ثمنه، لسلطان يظن به حفظ الباقي؛ ذكره في "الانتصار".

(وإن فعل ذلك) أي: زَوَّجها بدون صَداق مثلها (غيرُ الأبِ بإذنها؛ صحَّ، ولم يكن لغيره) أي: غير العاقد من الأولياء (الاعتراض، إذا كانت) الآذنة (رشيدة) لأن الحق لها، فإذا رضيت بإسقاطه سقط، كبيع سلعتها.

(وإن فعله) أي: زَوَّجها

(3)

بدون مهر مِثْلها (بغير إذنها، وجب مهر

(1)

تقدم تخريجه (11/ 448) تعليق رقم (1).

(2)

في "ذ": "يكفيها".

(3)

في "ح": "زَوَّج".

ص: 467

المِثْل) لأنه قيمة بُضْعها، وليس للوليّ نقصها منه، والنكاح صحيح لا يؤثِّر فيه فساد التسمية وعدمها (ويكمله) أي: يكمل مهر المِثْل (زوجٌ) لأنه المستوفي لبدله، وهو البُضع (ويكون الوليّ ضامنًا) لأنه مُفرِّط، كما لو باع مالها بدون ثمن مثله.

(وإن زوَّج) الأب (ابنه الصغير بمهر المِثْل أو أكثر؛ صح) لأن تصرف الأب ملحوظ فيه المصلحة، فكما يصح أن يزوج ابنته بدون مهر المِثْل للمصلحة، فكذا يصح هنا تحصيلًا لها (ولَزِم) الصداقُ (ذمةَ الابن) لأن العقد له، فكان بدله عليه، كثمن المبيع. ونقل ابن هانئ:"مع رضاه"

(1)

.

(وإن كان) الابن (معسرًا) فلا يضمنه الأب، كثمن مبيعه (إلا أن يضمنه أبوه) فيلزمه بالضمان (كثمن مبيعه.

وإن تزوَّج امرأة، فضمن أبوه أو غيره نفقتها عشر سنين) مثلًا (صحّ) الضمان (موسرًا كان الابن

(2)

أو معسرًا) لأن ضمان ما يؤول إلى الوجوب صحيح، وهذا منه. ولو قيل له: ابنك فقير، من أين يؤخذ الصداق؟ فقال: عندي - ولم يزد على ذلك -؛ لزمه.

(وإن دفع الأب الصداق عن ابنه الصغير أو الكبير، ثم طَلَّق الابن قبل الدخول، فنصف الصداق) الراجع (للابن دون الأب، وكذا لو ارتدَّت) الزوجة (قبل الدخول، فرجع) الصداق (جميعه) فهو للابن دون الأب، ولو قبل بلوغ؛ لأن الابن هو المباشر للطلاق الذي هو سبب استحقاق الرجوع بنصف الصَّداق، فكان ذلك لمتعاطي السبب دون

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 214) رقم 1045.

(2)

في "ذ": "الأب".

ص: 468

غيره؛ ولأنه بانفساخ العقد عاد إليه عوضه.

(وليس للأب الرجوع فيه) أي: فيما عاد إلى الابن بالطلاق أو الرِّدّة ونحوهما من الصداق (بمعنى الرجوع في الهبة؛ لأن الابن مَلَكَه من غير أبيه) لأنه ملكه من الزوجة، وله تملكه من حيث إنه يتملَّك من مال ولده ما شاء بشرطه، وما تقدَّم من أن الراجع للابن، قال ابن نصر الله: محله ما لم يكن زوَّجه لوجوب الإعفاف عليه، فإنه يكون للأب.

(وللأب قبض صداق ابنته المحجور عليها) لصغر، أو سَفَهٍ، أو جنون؛ لأنه يلي مالها، فكان له قبضه، كثمن مبيعها.

و (لا) يقبض صداق (الكبيرة الرشيدة - ولو بكرًا - إلا بإذنها

(1)

) لأنها المتصرفة في مالها، فاعتبر إذنها في قبضه، كثمن مبيعها، فلا يبرأ الزوج، وإذا غرم رجع على الأب.

فصل

(وإن تزوَّج عبد بإذن سيّده، صحّ) نكاحه؛ لأن الحجر عليه لِحَقِّ سيده، فإذا أسقط حقه، سقط بغير خلاف (وله نكاح أَمَة؛ ولو أمكنه) نكاح (حرَّة) لأنها تساويه.

(و) إذا نكح بإذن سيده (تعلَّق صداقٌ، ونفقة، وكسوة، ومسكن بذِمَّة السيِّد، نصًّا

(2)

) نقله الجماعة؛ لأنه حق تعلَّق بالعبد برضا سيده، فتعلَّق بذمته كالدين، فيجب الصداق، والنفقة، والكسوة، والمسكن على السيد، وإن لم يكن للعبد كَسْب، وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب

(1)

زاد في متن الإقناع (3/ 380) بعد هذا الموضع: "وتأتي تتمته في الباب".

(2)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 87)، ومسائل حرب ص/ 97.

ص: 469

العبد، وللسيد استخدامه، ومنعه من الاكتساب.

(ولا ينكح) العبد (مع الإذن المطلق) من سيده، بأن قال له: تزوج، ونحوه، ولم يقيد بواحدة ولا أكثر (إلا) امرأة (واحدة) نصًّا

(1)

؛ لأن ما زاد غير مأذون فيه نطقًا ولا عُرفًا.

(وزيادته) أي: العبد (على مهر المِثْل) بغير إذن سيده (في رقبته) لأنها وَجَبت بفعله، أشبهت جنايته.

(وإن طلَّق) العبد زوجته (رجعيًّا، فله ارتجاعها بغير إذن سيّده) لأن ذلك استدامة للنكاح، لا ابتداء له.

و (لا) يملك العبد (إعادة) المطلقة (البائن إلا بإذن سيّده) لأن إعادة البائن لا تكون إلا بعقد جديد.

(وإن تزوَّج) العبد (بغير إذنه) أي: إذن سيده، لم يصح النكاح، وهو قول عثمان

(2)

وابن عمر

(3)

؛ لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما عبدٍ تزوَّج بغير إذن سيِّده، فهو عاهرٌ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه

(4)

، وإسناده جيد، لكن في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه كلام؛ ولأنه نكاح فُقِدَ شرطه، فكان باطلًا، كما لو تزوَّج بغير شهود.

(1)

المغني (9/ 475).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 243، 262) رقم 12984، 13074، وابن أبي شيبة (4/ 259)، وصالح ابن الإمام أحمد في مسائله (1/ 476، 478) رقم 508، 509.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 243) رقم 12980 - 12982، وسعيد بن منصور (1/ 197) رقم 789، وابن أبي شيبة (4/ 261)، والبيهقي (7/ 127). وأخرجه ابن حزم في المحلى (9/ 467) معلقًا، وصححه.

(4)

تقدم تخريجه (11/ 280) تعليق رقم (4).

ص: 470

(أو أذن) السيد (له في التزويج بمعيَّنة) فنكح غيرها (أو) أذن له أن يتزوَّج (من بلدٍ معيَّنٍ، أو من جنس معيَّن، فنكح غير ذلك، لم يصح النكاح) لعدم الإذن فيه.

(ويجب بوطئها في رقبته مهر مثلها) كسائر الأنكحة الفاسدة.

و (لا) يجب شيء (بمجرَّد الدخول والخلوة) من غير وطء، كسائر الأنكحة الفاسدة، وحيث تعلَّق المهر برقبته (يفديه السيد بالأقل، من قيمته أو المهر الواجب) لأن الوطء أُجري مجرى الجناية.

(وإن أذِن له في تزويج صحيح، أو أطلق) بأن أذِن له أن يتزوَّج، ولم يقل صحيحًا ولا فاسدًا (فنكح نكاحًا فاسدًا، فكَـ) ــنِكاح (غير مأذون فيه) لأن الصحيح لا يتناول الفاسد، والمطلقُ إنما يُحمل على الصحيح.

(وإن أذِن) السيد (له فهي نكاحٍ فاسدٍ، وحصلت إصابة، فالمهر على السيد) كإذنه له في الجناية.

(وإن زوَّجه) سيده (أمَته، وجب) للسيد (مهر المِثْل) في ذِمَّة العبد (ويتبع به بعد عتقه، نصًّا

(1)

) لأن النكاح إتلاف بُضْعٍ يختص به العبد، فلزمه في ذمته، وظاهره: سواء كان فيه تسمية أو لا.

(وإن زوَّجه) أي: زَوَّج السيّدُ عبدَه (حُرَّة، ثم باعه) السيد (لها بثمن في الذِّمَّة؛ صحّ) البيع (وانفسخ النكاح) لأنها ملكت زوجها (ولها) أي: الزوجة (على سيده المهر إن كان) البيع (بعد الدخول) لاستقراره بالدخول.

(فإن كان المهر وثمنه) الذي باعه به لها (من جنس) واحد (تقاصَّا بشرطه. وتقدمت المقاصَّة) وشروطها (في

(1)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 133).

ص: 471

السَّلَم

(1)

.

وإن كان الشراء) من الزوجة لزوجها العبد (قبل الدخول، سقط نصف الصَّداق) ورجع السيد بنصفه، ولم يسقط الصَّداق؛ لأن الفرقة لم تتمحَّض من قبلها.

(وإن باعها) أي: باع السيّدُ زوجةَ عبدِه الحرّة (إياه بالصَّداق؛ صحّ) البيع (قبل الدخول وبعده) لأن الصَّداق مال يصح جعله ثمنًا لغير هذا العبد، فصح أن يكون ثمنًا له، كغيره من الأموال (وانفسخ النكاح) لأن زوجته صارت مالكة له (ويرجع سيده عليها بنصفه) أي: المهر (إن كان) البيع (قبل الدخول) لما تقدم.

(ولو جعل السيِّدُ العبدَ مهرها، بطل العقد، كمن زوَّج ابنه على رقبة من يعتق على الابن لو ملكه) كأخيه لأمِّه (إذ نُقَدِّرُه

(2)

) أي: الملك في المهر (له) أي: للابن (قبلها) أي: قبل أن يصير للزوجة، وإذا دخل في ملكه عَتَق عليه، فلا يثبت الملك، بخلاف إصداق الخمر؛ لأنه لو ثبت لم ينفسخ، وقال ابن نصر الله: لا يلزم من ثبوت ملك الابن له وعتقه عليه بطلان العقد، إنما يلزم من ذلك بطلان الصَّداق، وأوضحه كما أشرنا إليه في "حاشية المنتهى".

فصل

(وتملك الزوجة الصَّداق المُسمَّى بالعقد) حالًّا كان أو مؤجَّلًا؛

(1)

(8/ 125).

(2)

في متن الإقناع (3/ 382): "تعذُّره".

ص: 472

لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعطيتَها إزارَكَ جلستَ ولا إزارَ لك"

(1)

فيدل على أن الصَّداق كله للمرأة، ولا يبقى للرجل فيه شيء؛ ولأنه عقد يملك به العوض، فتملك به المعوَّض كاملًا، كالبيع، وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد، ألا ترى أنها لو ارتدَّت سقط جميعه، وإن كانت ملكت نصفه.

(فإن كان) الصَّداق (معيَّنًا، كالعبد، والدار، والماشية، فلها التصرُّف فيه) لأنه ملكها، فكان لها ذلك كسائر أملاكها.

(ونماؤه المتصل والمنفصل لها، وزكاته ونقصه وضمانه عليها، سواء قبضته، أو لم تقبضه) لأن ذلك كله من توابع الملك.

(فإن زكَّتْه، ثم طُلِّقت قبل الدخول، كان ضمان الزكاة كله عليها) لأنها قد ملكته أشبه ما ملكته

(2)

بالبيع (إلا أن يمنعها) الزوج (قبضَه) أي: الصَّداق المعيَّن (فيكون ضمانه عليه؛ لأنه بمنزلة الغاصب) وإن زاد فالزيادة لها، وإن نقص فالنقص عليه، وهو بالخيار بين أخذ نصفه ناقصًا، وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض؛ لأنه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها، وإن نقص فالنقص عليه؛ إلا أن تكون الزيادة لتغيُّر الأسعار.

(إلا أن يتلف) أي: الصَّداق المعيَّن (بفعلها، فيكون ذلك) أي: إتلافه (قبضًا منها، ويسقط عنه ضمانه) كالمبيع المعيَّن يتلفه المشتري.

(وإن كان) الصَّداق (غير معيَّن: كَقَفِيزٍ من صُبْرةٍ، مَلَكَتْه) بالعقد؛ لما تقدم (ولم يدخل في ضمانها) إلا بقبضه (ولم تملك التصرُّف فيه إلا

(1)

تقدم تخريجه (11/ 140) تعليق رقم (1).

(2)

في "ذ": "ما لو ملكته".

ص: 473

بقبضه، كمبيع) أي: كما لو كان ذلك مبيعًا.

وحَوْلُ غير المعيَّن من التعيين، بخلاف المعيَّن، فَحَوْله من العقد، وتقدم في الزكاة

(1)

.

(وكل موضع قلنا: هو من ضمان الزوج؛ إذا تلف؛ لم يبطل الصَّداق بِتَلَفه) بل يضمنه بمثله، أو قيمته.

(وإن قبضت) المرأة (صَدَاقها، ثم طلَّقها) الزوج (قبل الدخول، رجع بنصف عينه إن كان باقيًا) بحاله؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآية

(2)

(ولو) كان الباقي بحاله من الصَّداق (النصف فقط، ولو) كان النصف (مُشاعًا) فيرجع به.

(ويدخل في ملكه قهرًا

(3)

، ولو لم يَخْتَرْه) أي: يختر تملكه (كالميراث) للآية السابقة؛ لأن قوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} يدل عليه؛ لأن التقدير: فنصف ما فرضتم لكم أو لهنَّ، وذلك يقتضي كينونة النصف له أو لها بمجرد الطلاق؛ ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض، فلم يفتقر إلى اختياره، كالإرث (فما حصل من نمائه) أي: الصداق (كله بعد دخول نصفه في ملكه) أي: الزوج (فهو بينهما) أي: الزوجين (نصفين) لأن النماء تابع للأصل.

(فإن كانت) المرأة (تصرَّفت في الصَّداق ببيع، أو هبة مقبوضة، أو عِتْقٍ، أو رَهْنٍ، أو كتابة، مَنَع) ذلك (الرجوعَ في نصفه) لأنه تصرف ينقل

(1)

(4/ 320).

(2)

سورة البقرة، الآية:237.

(3)

في "ذ" زيادة: "بالطلاق".

ص: 474

الملك، أو يمنع المالك من التصرف، فمنع الرجوع؛ ولأن الكتابة تُرَاد للعتق المزيل للملك، وهي عقد لازم، فأُجريت مجرى الرهن.

(ويثبت حقُّه) أي: الزوج حيث امتنع رجوعه (في القيمة، إن لم يكن) الصَّداق (مثليًّا) فيأخذ نصف قيمة المتقوم، أو نصف المثل من المثل

(1)

.

(ولا تمنع الوصية والشركة والمضاربة) والإيداع والإعارة (والتدبير) من الرجوع، فوجود هذا التصرُّف كعدمِهِ؛ لأنه تصرُّفٌ لم ينقل الملك، ولم يمنع المالك من التصرف، فلا يمنع من له الرجوع على المالك الرجوع على من الصداق بيده، وهو العامل ونحوه.

(وإن تصرَّفت) المرأة في الصَّداق (بإجارة أو تزويج رقيق) لم يمنع ذلك الرجوع، كما تقدم، و (خُيِّر الزوج بين الرجوع في نصفه ناقصًا، وبين الرجوع في نصف قيمته) لأنه نقص حصل في الصَّداق بغير جناية عليه (فإن رجع) الزوج (في نصف المُسْتَأجَر، صَبَرَ حتى تنقضي الإجارة) ولا ينتزعه من المستأجِر؛ لأن الإجارة عقد لازم، فليس للزوج إبطالها.

(ولو طلَّقها) أي: طلَّق الزوجة قبل الدخول بها (على أنَّ المهر كلَّه لها، لم يصحّ الشرط) لمخالفته للكتاب.

(وإن طلَّق) قبل الدخول بلا شرط (ثم عفا) عن نصف الصَّداق (صحّ) عفوه، ويأتي مفصَّلًا؛ لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي

(1)

هكذا في الأصل، وفي "ح":"أو نصف قيمة المثل من المثلي" وهو الأقرب. وفي "ذ": "أو نصف قيمة المثل في المثلي".

ص: 475

بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}

(1)

.

(وإن زاد الصَّداق زيادة منفصلة) كالولد والثمرة، ثم طلَّق الزوج قبل الدخول (رجع في نصف الأصل) لأنه قد أمكن الرجوع فيه من غير ضرر على أحد، فوجب أن يثبت حكمه (والزيادة لها) لأنها نماء ملكها (ولو كانت الزيادة) المنفصلة (ولد أَمَة) لأنه لا تفريق فيه؛ لبقاء ملك الزوجة على النصف.

(وإن كانت الزيادة متَّصلة، كطلع نَخْل، وثمر شجر) لم يُجَزَّ

(2)

(وحَرْث أرض) وسِمَن، وتعلُّم صنعة (فهي) أي: الزيادة (لها) أي: للزوجة (أيضًا) أي: كالمنفصلة؛ لأنها نماء ملكها، ويفارق نماء المبيع المعيب؛ لأن سبب الفسخ العيب، وهو سابق على الزيادة، وسبب تنصيف الصداق الطلاق، وهو حادث بعدها.

(فإن كانت) الزوجة (غيرَ محجور عليها، خُيِّرت بين دفع نصفه زائدًا، وبين دفع نصف قيمته يوم العقد إن كان متميزًا) لأنها

(3)

إن اختارت دفع نصف قيمته، كان لها ذلك؛ لأنه لا يلزمها دفع نصف الأصل؛ لاشتماله على الزيادة التي لا يمكن فصلها عنه، وحينئذ تعيَّنت القيمة كالإتلاف، وإنما اعتبرت قيمة المتميز يوم العقد؛ لأنه يدخل في ضمانها بمجرد العقد، فاعتبرت صفته وقته.

(و) الصداق (غير المتميز) كعبد من عبيده، إذا دفعه لها وزاد زيادة متصلة، ثم طلَّق، واختارت دفع نصف قيمته (له قيمة نصفه يوم الفرقة،

(1)

سورة البقرة، الآية:237.

(2)

في "ذ": "يجذ" بالذال المعجمة.

(3)

زاد في "ح"، و"ذ" بعد قوله:"لأنها"[إن اختارت دفع نصف الأصل زائدًا كان ذلك إسقاطًا لحقِّها من الزيادة و].

ص: 476

على أدنى صفة، من وقت العقد إلى وقت قبضه) لأنه لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه، فما نقص قبل ذلك غير مضمون عليها.

(و) الزوجة (المحجور عليها) إذا زاد الصداق، ثم تنصّف (لا تعطيه

(1)

) يعني: لا يعطيه وليُّها (إلا نصف القيمة) لأنه لا يصح تبرُّعها.

ثم إن كان الصَّداق متميزًا أخذ نصف القيمة يوم العقد، وإن كان غير متميز أخذ نصف القيمة على أدنى صفة، من عقد إلى قبض.

(وإن كان) الصَّداق (ناقصًا بغير جناية عليه) كأن نقص بمرض، أو نسيان صنعة، ثم طلَّق قبل الدخول (خُيِّر زوجٌ غيرُ محجور عليه بين أخذه ناقصًا، ولا شيء له غيره) لأنه إذا اختار أخذ نصفه، فقد أسقط حقَّه (وبين أخذ نصف قيمته) لأن قَبوله ناقصًا ضرر عليه، وهو منفي شرعًا، وتُعتبر القيمة (يوم العقد إن كان) الصَّداق (متميزًا) لأنه مضمون بالعقد (وغيرُه) أي: هو المتميز، تُعتبر قيمته (يوم الفرقة، على أدنى صفاته، من يوم العقد إلى يوم القبض) لأنه لا يدخل في ضمانها قبل القبض، والمحجور عليه لا يأخذ وليُّه إلا نصف القيمة.

(وإن كان نقصه) أي: الصداق (بجناية جانٍ عليه) كما لو كان عبدًا، ففقأ إنسانٌ عينَه (فله) أي: للزوج (مع ذلك) أي: مع أخذ نصف العبد (نصف الأرْش) لأنه بدل ما فات منه.

(وإن زاد) الصَّداق (من وجهٍ، ونقص من وجه) آخر (كعبد صغير كَبِرَ، ومَصُوغٍ كسرتْه وأعادته صياغة أخرى، وحَمْل الأَمَة، ومثل أن يتعلَّم) العبد (صنعةً، وينسى أخرى، أو هَزل، وتعلم) صنعة (فلكلٍّ منهما الخيار) فيخيَّر الزوج بين أخذ نصفه ناقصًا، وبين أخذ نصف القيمة،

(1)

في "ح" و"ذ": "لا يعطيه".

ص: 477

وتخيَّر الزوجة بين أخذ نصفه زائدًا، وبين دفع نصف قيمته.

(ولا أثر لمصوغ كسرته وأعادته كما كان، أو أَمَة سَمِنَتْ ثم هزلت ثم سمنت، ولا لارتفاق سوق) لأنه وجده بصفته، فكأنه لم يتغيَّر.

(وحَمْلُ البهيمة زيادة، ما لم يُفسد اللحم) بخلاف حَمْل الأَمَة، فإنه نقص؛ لأن قيمتها تنقص به (وزرع وغرس) وبناء (نقص للأرض) بخلاف حرثها.

(ولو أصدقها صيدًا، ثم طلَّق) قبل الدخول (وهو مُحرِم؛ دخل) نصفه في (ملكه ضرورة، كإرث، فله إمساكه) بيده الحكمية، لا المشاهدة.

(وإن كان) الصداق (ثوبًا، فصبغتْهُ، أو أرضًا، فَبَنَتْها، فَبَذَل الزوجُ قيمة زيادته ليملكه؛ فله ذلك) لأنه يزيل بذلك ضرر الشركة عنه، كالشفيع والمؤجر والمعير إذا بذل قيمة ما بالأرض من البناء، وتملّكه (فلو بذلت المرأة النصف) من الصداق (بزيادته، لزمه) أي: الزوج (قبوله) لأنها زادته شيئًا ينفعه ولا يضره.

قلت: قد سبق في الغصب

(1)

: لو

(2)

غَصَبَ خشبًا، وسمَّره الغاصب بمساميره، ثم وهبها لمالك الخشب، لم يلزمه قَبولها، للمنَّة. فَلْيُحرر الفرق بين البناء والمسامير. ولذلك

(3)

لو بذلت له نصف الأرض مزروعة بنصف زرعها، لم يلزمه القبول؛ قدّمه في "المغني"، و"الشرح"، و"شرح ابن رزين" وغيرهم، وصحَّحه في "تصحيح الفروع".

(1)

(9/ 264).

(2)

في "ح" و"ذ": "فيمن".

(3)

في "ح": "وكذلك".

ص: 478

(وإن كان) الصداق وقت الطلاق قبل الدخول (تالفًا، أو مستحقًّا بدين) كما إذا أفلست المرأة، وحجر الحاكم عليها، فإنه يرجع في نصف القيمة، ويشارك الغرماء به؛ قاله الزركشي في شرح قطعة "الوجيز"، وبعضه في "شرح المنتهى"، وقال ابن منجا: معنى استحقاقه بدين: أن يكون رهنًا عليه، ولا يدخل في ذلك ما إذا أفلست، واستحق الغرماء مالها، فإنَّ ذلك لا يمنع الزوج من الرجوع فيه إذا كان باقيًا بعينه؛ ذكره في "المغني"، و"الكافي"؛ نقله ابن نصر الله عنه، وجزم به المصنف في الحجر

(1)

، لكن مسألة الرهن تقدَّمت في كلام المصنف هنا، فالأولى حمل كلامه هنا على أن يكون الصداق قِنًّا، فيستدين دينًا يتعلَّق برقبته.

(أو) استحق بـ (ـــشفعة) بأن كان شقصًا مشفوعًا، وطالب الشفيع بالشفعة، إن قلنا: تثبت فيما أخذ صداقًا، منع ذلك رجوع الزوج في عينه و (رجع في المِثْل

(2)

بنصف مثله، وفي غيره) وهو المتقوم (بنصف قيمته) لتعذُّر الرجوع في عينه؛ لتعلُّق حقِّ الغير به، وتُعتبر القيمة (يوم العقد إن كان متميزًا، وغير المتميز) تُعتبر قيمته (يوم الفُرقة على أدنى صفاته، من يوم العقد إلى يوم القبض) لما تقدم.

(ولو طَلَّق) الزوج (قبل أخذ الشفيع) بالشفعة (إن قلنا: تثبت الشفعة فيما أُخذ صداقًا) وهو مرجوح (قُدِّم الشفيع) لسبق حقه؛ لأنه يثبت بالعقد، وحق الزوج إنما يثبت بالطلاق.

(وإن نقص الصَّداق) في يدها بعد الطلاق؛ ضمنته (أو تَلِفَ) الصَّداق (في يدها بعد الطلاق قبل المطالبة أو بعدها؛ ضمنته) سواء كان

(1)

(8/ 343).

(2)

في "ح": "المِثلي".

ص: 479

متميزًا أو لا، وسواء منعته قبضه أو لا؛ لأنه وجب له نصف الصداق، فلم يدخل في ضمانه إلا بالقبض، وإذا لم يدخل في ضمانه كان مضمونًا عليها، فتضمن نقصه وتلفه.

(وإن قبضت) الزوجة (المسمّى في الذِّمَّة) كما لو أصدقها عبدًا موصوفًا بذمته، ثم أقبضها إياه (فهو كالمُعيَّن) بالعقد في جميع ما ذُكر؛ لأنه استحق بالقبض عينًا، فصار كما لو عيَّنه بالعقد (إلا أنه لا يُرْجَعُ) بالبناء للمفعول، أي: لا تَرْجع هي أو وليُّها على زوج (بنمائه)

(1)

قبل قبض

(2)

؛ لأنها لا تملكه إلا بالقبض (ويُعتبر في تقويمه صفته يوم قبضه) لأنه الوقت الذي ملكته فيه (ويجب ردُّه) أي: رد نصفه، إن طلّقها قبل الدخول مع بقائه (بعينه) كالمعيَّن.

(و‌

‌الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح)

لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وَليُّ العُقدة الزَّوج" رواه الدارقطني

(3)

عن ابن لَهِيعَة، ورواه - أيضًا - بإسناد جيد عن

(1)

في الأصل جملة ضرب عليها، ولكنها أثبتت في حاشية "ذ"، وهي:"إذا طلق قبل الدخول؛ لأنه حدث في ملكها، وتقدم أن نماء المعين أيضًا لها ولا يرجع به؛ فلا معنى للاستثناء، ولذلك أسقطه في "المنتهى" وغيره" اهـ.

(2)

في "ح": "قبضه".

(3)

(3/ 279). وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (7/ 188) حديث 6355، وقال: لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده إلا ابن لهيعة. وقال البيهقي (7/ 252): هذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 193): وابن لهيعة قد تقدم أنه لم يسمع من عمرو، وقد قال الطبراني: إنه تفرد به. وأخرجه الطبري في تفسيره (2/ 548) من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، مرسلًا. =

ص: 480

عليّ

(1)

، ورواه بإسناد حسن عن جُبَير بن مُطعِم

(2)

، [و]

(3)

عن ابن عباس

(4)

؛ ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج، فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه، وليس إلى الوليّ

(5)

منه شيء؛ ولأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}

(6)

، والعفو الذي هو أقرب للتقوى عفو الزوج عن حقّه، وأما عفو وليّ المرأة عن مالها، فليس هو أقرب للتقوى؛ ولأن المهر مال للزوجة، فلا يملك الوليّ إسقاطه، كغيره من أموالها وحقوقها، ولا يمنع ذلك العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب، كقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}

(7)

.

(فإذا طلَّق) الزوج (قبل الدخول) والخلوة، وسائر ما يُقَرِّرُ الصَّداق (فأيّهما) أي: الزوجين (عفا لصاحبه عمَّا وجب له من المهر، وهو جائز الأمر في ماله) بأن كان مكلّفًا رشيدًا (برئ منه صاحبه، سواء كان المعفوُّ عنه عينًا أو دينًا) لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ

= وذكره البيهقي (7/ 251) وقال: هذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتجٌّ به.

(1)

(3/ 278 - 279). وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (4/ 281)، والطبري في تفسيره (2/ 545)، والبيهقي (7/ 251).

(2)

الدارقطني (3/ 279). وأخرجه - أيضًا - الطبري في تفسيره (2/ 546)، والبيهقي (7/ 251).

(3)

ما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق.

(4)

الدارقطني (3/ 280). وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (4/ 381)، والطبري في تفسيره (2/ 544، 546)، والبيهقي (7/ 251).

(5)

في "ح" و"ذ": "للولي".

(6)

سورة البقرة، الآية:237.

(7)

سورة يونس، الآية:22.

ص: 481

النِّكَاحِ}

(1)

(فإن كان) المعفو عنه (دينًا، سقط بلفظ الهبة والتمليك والإسقاط والإبراء والعفو والصدقة والترك، ولا يفتقر) إسقاطه (إلى قَبول) كسائر الديون، وتقدم ذلك كلّه في الهبة

(2)

.

(وإن كان) المعفو عنه (عينًا في يد أحدهما، فعفا الذي هو في يده؛ فهو هبة، يصح بلفظ العفو والهبة والتمليك

(3)

، ولا يصح بلفظ الإبراء والإسقاط) لأن الأعيان لا تقبل ذلك أصالة.

(ويفتقر) لزوم العفو عن العين ممن هو

(4)

بيده (إلى القبض فيما يُشترط القبض فيه) لأن ذلك هبة حقيقية، ولا يلزم إلا بالقبض، والقبض في كل شيء بحسبه كما تقدم في قبض المبيع

(5)

، فقبض ما لا ينقل بالتخلية. ولو أسقط فيما يشترط القبض فيه لكان مناسبًا؛ لما سبق. ويوهم كلامه: أنَّ من الهبة فيما بيد الواهب ما يلزم بلا قبض، وليس كذلك.

(وإن عفا غيرُ الذي هو في يده) زوجًا كان أو زوجة (صح العفو بهذه الألفاظ) من الهبة والتمليك والإسقاط والإبراء والعفو والصدقة والترك (كلّها) وتقدم التنبيه على ما فيه في الهبة

(6)

، وتلزم بمجرَّد الهبة، فلا يفتقر إلى مضي زمن يتأتى فيه القبض.

(ولا يملك الأب العفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة، إذا طُلِّقت،

(1)

سورة البقرة: الآية: 237.

(2)

انظر (10/ 129 - 130).

(3)

في "ح" و"ذ": "التملك".

(4)

في "ح" و"ذ": "هي".

(5)

(7/ 500 - 504).

(6)

(10/ 129).

ص: 482

ولو قبل الدخول) كثمن مبيعها.

(ولا) يملك الأب - أيضًا - العفو عن شيء من مهر ابنته (الكبيرة) إذا طُلِّقت، ولو قبل الدخول؛ لأنه لا ولاية له عليها.

(ولا) يملك (غيره) أي: الأب (من الأولياء) كالجد، والأخ، والعم، العفوَ عن شيء من مهر مَوْلِيَّتِهِ، ولو طُلِّقت قبل الدخول؛ لأنه لا ولاية لهم في المال.

(ولو بانت امرأة الصغير، أو السفيه، أو المجنون على وجه يُسقط صداقها عنهم، مثل أن تفعل امرأته) أي: امرأة الصغير، أو السفيه، أو المجنون (ما يفسخ نكاحها، برضاعةٍ، أو رِدّة، أو) وجد ما يُسقط به (نصفه) أي: الصداق (كطلاق من السفيه) أو من صغير يعقله (أو رضاع من أجنبية لمن ينفسخ نكاحها برضاعه) كما لو دَبَّ الزوج الصغير، فارتضع من أم زوجته، أو أختها، أو نحوها (أو نحو ذلك) كما لو وطئ أم زوجته، فانفسخ نكاح بنتها، وعاد إليه نصف الصداق (لم يكن لوليِّهم العفو عن شيء من الصداق) لما تقدم.

فصل

(وإذا أبرأته من صداقها، أو وهبته له، ثم طلَّقها قبل الدخول؛ رجع) الزوج (عليها بنصفه) لأن عَوْد نصف الصداق إلى الزوج بالطلاق، وهو غير الجهة المستحق بها الصداق أوَّلًا، فهو كما لو أبرأ إنسانٌ إنسانًا من دين عليه، ثم استحق عليه مثل ما أبرأه منه بوجه آخر، فلا يتساقطان بذلك.

ص: 483

(وإن أبرأته من نصفه) أي: الصداق (أو وهبته) أي: نصف الصداق (له، ثم طلَّقها) الزوج (قبل الدخول؛ رجع في النصف الباقي) لأنه وجد نصف ما أصدقها بعينه، فأشبه ما لو لم تهبه له.

(ولو اشترى) إنسان (عبدًا بمائة، ثم أبرأه البائع من الثمن، أو قبضه، ثم وهبه إياه، ثم وجد المشتري به) أي: العبد (عيبًا؛ فله ردُّ المبيع، والمطالبة بالثمن) لما تقدم (أو أخذ أرْش العبب مع إمساكه) أي: المعيب؛ كالصداق فيما تقدم.

(وإن

(1)

وهب المشتري العبد للبائع، ثم أفلس المشتري، والثمنُ في ذمته، ضرب البائع بالثمن مع الغرماء) لأنه لم يعد إلى البائع شيء

(2)

من الثمن.

(ولو كاتب) إنسان (عبدًا، ثم أسقط عنه مال الكتابة، برئ) المُكاتَب (وعَتَق) لأنه لم يبق عليه شيء من الكتابة (قال الموفّق وغيره): و (لم يرجع المُكاتَب على سيّده بما كان عليه من الإيتاء) وهو ربع مال الكتابة؛ لأن الإسقاط عنه يقوم مقام الإيتاء.

(وكذلك لو أسقط) السيّد (عن المُكاتَب القدرَ الذي يلزمه إيتاؤه إياه) وهو الربع (واستوفى) السيّد (الباقي) من مال الكتابة، فلا رجوع للمُكاتَب عليه، وتقدم في الكتابة

(3)

.

(ولو قضى المهرَ أجنبيٌّ) عن الزوج (متبرِّعًا، ثم سقط) الصَّداق لرِدَّتها ونحوها قبل دخول (أو تنصَّف) الصَّداق بنحو طلاقه قبل دخول

(1)

في "ح" و"ذ": "فإن".

(2)

في "ذ": "منه شيء".

(3)

(10/ 105).

ص: 484

(فالراجع) من المهر (للزوج) لأن الأجنبي وَهَبَ ذلك للزوج بقضائه عنه، فإذا عاد إليه الاستحقاق بغير الجهة المستحقَّة أوَّلًا؛ كان للزوج، كما لو أدَّاه من ماله.

(ولو خالعها) الزوج (بنصف صَدَاقها قبل الدُّخول؛ صحّ) ذلك (وصار الصَّداق كله له؛ نصفه) له (بالطلاق) يعني: الخلع

(1)

، (ونصفه) له (بالخلع) أي: عوضًا له.

(وإن خالعها) قبل الدخول (على مثل نصف الصَّداق في ذِمَّتها) وكانت لم تقبض الصَّداق منه (صح) ذلك (وسقط) عنه (جميع الصَّداق؛ نصفه بالطلاق، ونصفه بالمُقاصَّة) حيث وجدت شروطها.

(ولو قالت) المرأة (له) أي: لزوجها قبل الدخول وقبل قبض الصَّداق: (اخلعني بما يُسَلَّم لي من صداقي، أو): اخلعني (على أنْ لا تَبِعةَ عليك في المهر، ففعل) أي: خلعها على ذلك (صح) الخلع؛ لأنه بمعنى سؤالها الخُلع على نصف الصَّداق (وبرئ) الزوج (من جميعه) نصفه بالخُلع ونصفه بجعله عوضًا له فيه.

(وإن خالعها) قبل الدخول (بمثل جميع الصَّداق في ذِمَّتها، أو) خالعها (بصداقها كلّه؛ صحّ) الخلع؛ لصدوره من أهله في محله (ويرجع عليها بنصفه) وسقط عنه الصداق؛ لما تقدم.

(وإن ابرأت

(2)

مفوَّضة المهر) وهي التي تزوَّجها على ما شاءت، أو شاء زيد، ونحوه من المهر؛ صح (أو) أبرأت مفوضة (البُضع) وهي من زُوِّجت بغير صداق من المهر؛ صح (أو) أبرأت (من سُمِّي لها مهر فاسد؛

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة "قبل الدخول".

(2)

في "ذ": "أبرأته".

ص: 485

كالخمر والمجهول من المهر؛ صحّ) الإبراء (قبل الدُّخول وبعده) لانعقاد سبب وجوبه، وهو عقد النكاح، كالعفو عن القصاص بعد الجرح وقبل الزهوق.

(فإن طلَّقها) أي: طلق الزوج المفوَّضة، أو من سُمِّي لها مهر فاسد بعد البراءة و (قبل الدخول؛ رجع) المُطَلِّقُ (عليها بنصف مهر المِثْل) لأنه الذي وجب بالعقد، فهو كما لو أبرأته من المُسمَّى ثم طلَّقها

(1)

. وهذا احتمال ذكره في "الشرح"، وقال في "المنتهى": لها المتعة. قال في "شرحه": في الأصح، وهو مقتضى الآية.

(فإن كانت البراءة) من المفوضة ومن سُمِّي لها مهر فاسد (من نصفه، ثم طلَّقها قبل الدخول؛ رجع عليها بنصف مهر المِثْل الباقي) بعد النصف الساقط بالبراءة، وهو مبني على ما سبق (ولا مُتعة لها) في أحد الوجهين؛ قطع به ابن رزين في "شرحه"، وقدَّمه في "المغني" و"الشرح". والوجه الثاني: لا تسقط، وصحّحه الناظم، وقدَّمه في "المحرر"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير"، وقطع به في "المنتهى"، وقال في "شرحه": في الأصحّ؛ لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ}

(2)

فأوجب لها المتعة بالطلاق، وهي إنما وهبته مهر المِثْل، فلا تدخل المتعة فيه، ولا يصح إسقاطها قبل الفرقة؛ لأنه إسقاط ما لا يجب، كمن أسقط الشفعة قبل البيع.

(وإن ارتدَّت مَن وهبت زوجها الصداق) قبل الدخول؛ رجع عليها بِكُلِّه (أو) ارتدَّت من (أبرأته منه قبل الدخول؛ رجع) الزوج (عليها

(1)

في "ذ" زيادة: "وعفا".

(2)

سورة البقرة، الآية:236.

ص: 486

بجميعه) أي: الصداق؛ لعوده إليه بذلك، وكما يرجع عليها بنصفه لو تنصَّف.

(ولا يبرأ الزوج من الصداق) معينًا كان، أو موصوفًا في الذمة (إلا بتسليمه إليها، أو إلى وكيلها

(1)

، إذا كانت) بالغة (رشيدة، ولو بكرًا) كثمن مبيعها.

(ولا يبرأ) الزوج (بالتسليم إلى أبيها، ولا إلى غيره) من الأولياء أو غيرهم (فإن فعل) بأن سلَّم الزوج الصداق لأبيها أو غيره (وأنكرت) الزوجة (وصوله) أي: المهر (إليها؛ حلَّفها الزوج) إن أحبّ ذلك (ورجعت عليه) لأن الأصل عدم وصوله إليها (ورجع) الزوج (على أبيها) أو غيره بما دفعه له؛ لعدم براءته بدفعه إليه.

(وإن كانت) الزوجة (غير رشيدة سلَّمه إلى وليِّها في مالها، من أبيها، أو وصيِّه، أو الحاكم، أو من أقامه الحاكم) قيِّمًا عليها، كثمن مبيعها، وسائر ديونها.

فصل

(وكل فُرقة جاءت من قِبَل الزوج قبل الدخول، كطلاقه وخُلعه، ولو بسؤالها، و) كـ (ــإسلامه) إن لم تكن كتابية (ورِدَّته، أو) جاءت (من) قبل (أجنبي، كرضاع) بأن أرضعت أختُه الزوجةَ مثلًا (ونحوه) بأن وطئ أبوه أو ابنه الزوجةَ (تُنَصِّفُ المهر) المُسمَّى؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}

(2)

الآية ثبت في الطلاق، والباقي قياسًا

(1)

في "ح": "وليها".

(2)

سورة البقرة، الآية:237.

ص: 487

عليه؛ لأنه في معناه؛ وإنما تنصَّف بالخُلع؛ لأن المُغلَّب فيه جانب الزوج، بدليل أنَّ بذْل عِوضه يصح منها ومن غيرها، فصار الزوج كالمنفرد به، والفرقة من قِبَلِ الأجنبي لا جناية فيها من المرأة ليسقط صداقها، ويرجع الزوج بما غرمه على الفاعل؛ لأنه قرَّره عليه.

(وتجب بها) أي: بالفُرقة إذا كانت من قِبَل الزوج أو أجنبي، كما تقدم (المُتعة لغير من سُمِّي لها) مهر صحيح؛ كالمفوَّضة، ومَن سُمِّي لها مهر فاسد؛ لقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ}

(1)

والباقي بالقياس على الطلاق.

(وكذا تعليق طلاقها على فِعْلها) فإذا فعلته، وقع وتنصَّف الصداق؛ لأن السبب وُجِدَ من الزوج، وهو الطلاق، وإنما هي حقَّقت شرطه، والحكم إنما يُضاف إلى صاحب السبب.

(و) كذا (توكيلها) أي: توكيل الرجل زوجته قبل الدخول (فيه) أي: في طلاقها (ففعلته) فيتنصَّف الصَّداق؛ لأنها نائبة عنه. وإن طلَّق الحاكم على الزوج في الإيلاء، فهو كطلاقه؛ لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عنه عند امتناعه منه.

(وقال الشيخ

(2)

: لو علَّق طلاقها على صفةٍ مِنْ فِعْلها الذي لها منه بُدٌّ) كدخولها دار أجنبي (وفعلته) قبل الدخول (فلا مَهْرَ لها، وقوَّاه ابن رجب) بما يأتي في مسألة تخييرها في نفسها، إذا اختارت الفرقة قبل

(1)

سورة البقرة، الآية:236.

(2)

انظر: القواعد الفقهية لابن رجب ص/ 359، القاعدة السادسة والخمسون بعد المائة، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 220).

ص: 488

الدخول، فإنه لا مهر لها على المنصوص

(1)

، لكن إنما تتم المشابهة إذا كان بسؤالها، كما يأتي.

(ولو أقرَّ الزوج بنسب) زوجته بأن قال: هي أختي من النسب (أو) أقرَّ بـ (ـــرضاع) كقوله: هي أختي من الرضاع (أو) أقرَّ بـ (ــغير ذلك من المفسدات) كتحريمها عليه لمصاهرة

(2)

(قُبِلَ) إقراره (منه في انفساخ النكاح) لأنه أقرَّ بحقٍّ عليه، فأُوخِذَ به (دون سقوط النصف) أي: نصف الصداق، فلا يُقبل إقراره به عليها؛ لأنه إقرار على الغير (فإن صدَّقَتْه) الزوجة على ما أقرَّ به من المفسد؛ سقط (أو ثبت) المفسد (ببينة؛ سقط) أي: تبيَّنَّا عدم وجوب لفساد العقد، فوجوده كعدمه.

(ولو وطئ) الزوج (أمَّ زوجته، أو) وطئ (ابنتها بشُبهة، أو زنىً، انفسخ النكاح) كما تقدم (ولها) أي: الزوجة (نصف الصَّداق) إن كان قبل الدخول؛ لمجيء الفُرقة عن قبله، وأما الموطوءة بشُبهة أو زنىً، فيأتي حكمها في الصَّداق.

(وكل فُرقة جاءت من قِبَلها) أي: الزوجة (قبل الدخول؛ كإسلامها) تحت كافر (وردَّتها، و

(3)

إرضاعها مَن ينفسخ نكاحُها برضاعه) كما لو أرضعت زوجة له صغرى (وارتضاعها وهي صغيرة) من أمِّه أو أخته ونحوها (وفسخها لعيبه) أي: الزوج، ككونه مجبوبًا أو مجذومًا ونحوه (و

(4)

) فسخها (لإعساره بمهرٍ أو نفقة أو غيرهما، أو

(1)

انظر: القواعد الفقهية لابن رجب ص/ 359، القاعدة السادسة والخمسون بعد المائة.

(2)

في "ح": "بالمصاهرة".

(3)

في "ذ": "أو".

(4)

في "ح": "أو".

ص: 489

لعتقها تحت عبد، وفسخه لعيبها، أو) فسخه (لفقد صفة شَرَطها فيها) كأن شرطها بكرًا فبانت ثيبًا، وفسخ قبل الدخول (فإنه يسقط به مهرها، و) يسقط به أيضًا (متعتها إن كانت مفوَّضة) أو لم يُسمَّ

(1)

لها مهر فاسد؛ لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه، فسقط البدَل كله، كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه.

(وكذا فسخها بشرط صحيح شُرط عليه حالةَ العقد) كأن تزوَّجها بشرط ألّا يتزوَّج عليها، أو لا يتسرَّى، أو لا يخرجها من دارها (فلم يفِ به) فلا مهر لها ولا مُتعة؛ لما تقدم.

(وفُرقة اللعان تُسقط كلَّ المهر) لأن الفسخ من قِبلها؛ لأنه إنما يحصل عند تمام لِعانها.

(ويتنصَّف) الصَّداق (بشراء زوج لزوجته) وإن البيع الموجب للفسخ تم بالزوج والسيد، أشبه الخلع (ولو) كان شراء زوجته (من مستحقِّ مهرها) وهو مالك رقبتها ونفعها؛ لما تقدم.

(و) يتنصف أيضًا (بشرائها) أي: الزوجة الحرّة (له) أي: لزوجها الرقيق؛ لأن البيع الموجب للفسخ تم بالمرأة والسيد، أشبه الخلع.

(ولو جعل لها الخيار بسؤالها) بأن سألته أن يجعل لها الخيار، فجعله لها (فاختارت نفسها) قبل الدخول (فلا مهر لها، نصًّا

(2)

) لأن الفرقة تمت بفعلها، وهي المستحقة للصداق، فَسَقَطَ

(3)

، كما لو باشرت إسقاطه، وكذا مفارَقات من أسلم قبل الدخول على أكثر من أربع، وتقدم.

(1)

في "ح" و"ذ": "أو سُمّي" وهو ظاهر السياق.

(2)

مسائل الكوسج (4/ 1785) رقم 1162.

(3)

في "ذ": "فيسقط".

ص: 490

(وإن كان) جَعْلُه الخيارَ إليها (بغير سؤالها؛ لم يسقط) الصداق باختيارها نفسها قبل الدخول، بل يتنصَّف؛ لأنها نائبة عنه، ففعلها كفعله.

فصل

(ويُقَرِّر الصَّداقَ المُسمَّى) ومهر المِثْل

(1)

(كاملًا - حُرَّةً كانت الزوجة، أو أَمَة - موتٌ، وقَتْلٌ، كالدخول) لما روى معقل بن سنان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قضى في بَرْوعَ بنت واشقٍ - وكان زوجها مات ولم يدخل بها، ولم يفرضْ لها صَداقًا - فجعل لها مَهْرَ نسائها، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ" رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي

(2)

، وقال:

(1)

في "ح": "وهو المهر".

(2)

أبو داود في النكاح، باب 30، حديث 2114 - 2116، والنسائي في النكاح، باب 68، حديث 3354 - 3358، وفي الطلاق، باب 57، حديث 3524، وفي الكبرى (3/ 316 - 317) حديث 5515 - 5521، وفي الطلاق، باب 57، حديث 5718، وابن ماجه في النكاح، باب 18، حديث 1891، والترمذي في النكاح، باب 43، حديث 1145.

وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 79، حديث 1273، وعبد الرزاق (6/ 294، 479، 480) حديث 10898، 10899، 11743، 11745، وسعيد بن منصور (1/ 225) حديث 929، 930، وابن أبي شيبة (4/ 300 - 302)، وأحمد (1/ 431، 447، 3/ 480، 4/ 279 - 280)، والدارمي في النكاح، باب 47، حديث 2252، وابن أبي خيثمة في تاريخه (3/ 121، 123) حديث 4075، 4085، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 10) حديث 1296، 1297، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/ 280)، وابن الجارود (3/ 46) حديث 718، والدولابي في الكنى (1/ 37)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 407 - 411) حديث 4098 - 4101، والطبراني في الكبير (20/ 231 - 232) حديث 542 - 545، وفي الأوسط (1/ 67 - 68) =

ص: 491

حديث حسن صحيح. ولأنه عقد عُمُر، فبموت أحدهما ينتهي، فيستقر به العوض، كانتهاء الإجارة، ومتى استقر لم يسقط منه شيء بانفساخ النكاح ولا غيره (حتى ولو قتل أحدُهما) أي: الزوجين (الآخرَ، أو قتل) أحدهما (نَفْسَهُ) لأن النكاح قد بلغ غايته، فقام ذلك مقام استيفاء المنفعة.

(و) يُقرِّره - أيضًا - (وطؤها في فَرْجٍ، ولو دُبُرًا) أو في غير خلوة؛ لأنه قد وجد استيفاء المقصود، فاستقرَّ العوض.

(و) يُقرِّره - أيضًا - (طلاقٌ في مرض موت) الزوج المخوف (قبل دخوله) بها، يعني: أنَّ الزوج إذا مرض مرض الموت المخوف، وطلَّق زوجته فرارًا، ثم مات؛ تقرَّر عليه الصَّداق كاملًا بالموت؛ لوجوب عِدَّة الوفاة عليها في هذه الحالة، فوجب كمال المهر ما لم تتزوج أو ترتدّ، وعبارته توهم خلاف المراد، وصوابها ما قلته كما في "المنتهى" وغيره.

(و) يُقرِّرهُ - أيضًا - (خلوة) الزوج (بها) أي: بزوجته، رُوي ذلك

= و (5/ 436) حديث 2128، 2129، 4854، والحاكم (2/ 180، 181)، والبيهقي (7/ 245، 246).

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وقال في موضع آخر: فصار الحديث صحيحًا على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده البيهقي في السنن الكبرى، وفي الخلافيات (4/ 175 مختصره)، والنووي في تهذيب الأسماء والصفات (1/ 105)، وابن دقيق العيد في الاقتراح ص/ 430، وابن الملقن في البدر المنير (7/ 680).

وتردَّد الشافعي في تصحيح هذا الحديث بسبب الاختلاف في تسمية راوي قصة بروع بنت واشق، ذكره الحاكم في مستدركه (2/ 181)، والبيهقي في سننه، وأجاب عنه جوابًا شافيًا. وانظر: التلخيص الحبير (3/ 191 - 192).

ص: 492

عن الخلفاء الراشدين، وزيد

(1)

، وابن عمر

(2)

، روى أحمد والأثرم بإسنادهما عن زرارة ابن أبي أوفى

(3)

قال: "قضى الخلفاء الرَّاشدون المَهْديُّون: أنَّ من أغلق بابًا، أو أرخى سترًا، فقد أوجبَ المهر، ووَجبت العِدَّةُ"

(4)

.

ورواه - أيضًا - عن الأحنف، عن ابن عمر وعليّ

(5)

.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 528)، والبيهقي (7/ 255).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 235 - 236). وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (3/ 306)، والبيهقي (7/ 255).

(3)

كذا في الأصول: "زرارة بن أبي أوفى"! والصواب: "زرارة بن أوفى" كما في مصادر التخريج وكتب التراجم. انظر: تهذيب الكمال (9/ 339).

(4)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، والأثرم لعله رواه في سننه، ولم تطبع.

وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 288) رقم 10875، وأبو عبيد في كتاب النكاح - كما في المحلى (9/ 482) -، وسعيد بن منصور (1/ 192) رقم 762، وابن أبي شيبة (4/ 235)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 111)، والبيهقي (7/ 255 - 256)، وقال: هذا مرسل، زرارة لم يدركهم.

(5)

كذا في الأصول "عن الأحنف عن ابن عمر وعلي"، والذي في مصادر التخريج: عن الأحنف عن عمر وعلي. ولم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة.

وأخرجه عبد الرزاق (6/ 285) رقم 10863، وأبو عبيد في كتاب النكاح - كما في المحلى (9/ 483) -، وابن أبي شيبة (4/ 234 - 235)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 109)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 1027) رقم 1403، والدارقطني (3/ 307)، والبيهقي (7/ 255).

وأثر عمر أخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (2/ 528)، وعبد الرزاق (6/ 287 - 288) رقم 10868 - 10872، 10874، وسعيد بن منصور (1/ 191) رقم 757 - 760، وابن أبي شيبة (4/ 234)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 1028) رقم 1404، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 100)، والدارقطني (3/ 307)، =

ص: 493

وهذه قضايا اشتهرت، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان كالإجماع؛ ولأن التسليم المستحق وُجد من جهتها، فيستقر به البدل، كما لو وطئها، أو كما لو أجَّرت دارها وسلَّمتها، أو باعتها.

وأما قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}

(1)

فيحتمل أنه كَنّى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة؛ بدليل ما ذكرنا.

وأما قوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}

(2)

فقد حُكِي عن الفرَّاء

(3)

أنه قال: "الإفضاء: الخلوة، دَخَل بها أو لم يدخل"؛ لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو الخالي، فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض.

ويُشترط للخلوة المقرِّرة أن تكون (عن بالغٍ ومميز، ولو) كان كافرًا وأعمى، نصًّا

(4)

) ذكرًا كان أو أنثى، عاقلًا أو مجنونًا، وسواء كان الزوجان مسلمين أو كافرين، أو الزوج مسلمًا والزوجة كتابية (ولو كان) الزوج (الخالي) بزوجته (أعمى، أو نائمًا مع علمه) بأنها عنده (إن لم تمنعه) الزوجة من وطئها، فإن منعته منه لم يتقرَّر الصَّداق؛ لأنه لم

= والبيهقي (7/ 255)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 284) رقم 1682.

وأثر علي أخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 290) رقم 10884، وسعيد بن منصور (1/ 191) رقم 761، وابن أبي شيبة (3/ 234 - 235)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 110)، والدارقطني (3/ 306 - 307)، والبيهقي (7/ 255)، وابن الجوزي في التحقيق (3/ 285) رقم 1683.

قال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 433): وهذه طرق يشد بعضها بعضًا.

(1)

سورة البقرة، الآية:236.

(2)

سورة النساء، الآية:21.

(3)

معاني القرآن (1/ 259).

(4)

انظر: الفروع (5/ 271 - 272).

ص: 494

يحصل التمكين، وإنما تكون الخلوة مقرِّرة (إن كان) الزوج (ممن يطأ مثله) وهو ابن عشر، وقد خلا (بمن يوطأ مثلها) فإن كن دون عشر، أو كانت دون تسع؛ لم يتقرَّر؛ لعدم التمكن من الوطء.

(ولا تُقبل دعواه) أي: دعوى الزوج بعد أن خلا بزوجته (عدم علمه بها، ولو كان أعمى؛ نصًّا

(1)

، إن لم تصدقه) على ذلك (لأن العادة أنه لا يخفى عليه ذلك، فقُدِّمت العادة هنا على الأصل.

قال الشيخ

(2)

: فكذا دعوى إنفاقه) على زوجة، مقيمٌ معها (فإنَّ العادة هناك) أي: في الإنفاق (أقوى. انتهى) لكن المعروف في المذهب أن القول قولها في عدم الإنفاق؛ لأنه الأصل.

(و) إذا اختلفا في الوطء في الخلوة، فإنه (يُقبل قول مُدَّعي الوطء في الخلوة) عملًا بالظاهر، وظاهره سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، وفيه شيء مما تقدم

(3)

في العيوب.

(وتُقرِّره الخلوة المذكورة ولو لم يطأ، ولو كان بهما) أي: الزوجين مانع

(4)

(أو) كان (بأحدهما مانع حسِّيٌّ، كجَبٍّ ورَتَقٍ ونضاوة) أي: هزال (أو) مانع (شرعي؛ كإحرام وحيض) ونفاس (وصوم) ولو كانت في نهار رمضان، فإنها تُقرِّر المهر كاملًا إذا كانت بشروطها؛ لأن الخلوة نفسها مقرِّرة للمهر؛ لعموم ما تقدم.

(وحكم الخلوة حكم الوطء في تكميل المهر ووجوب العِدَّة) لما تقدم (و) كذا في (تحريم أختها) إذا طلَّقها حتى تنقضي عِدَّتها (و) في

(1)

الفروع (5/ 272)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 227).

(2)

الفروع (5/ 272).

(3)

(11/ 402 - 403).

(4)

في "ذ" زيادة: "حسي".

ص: 495

تحريم (أربعٍ سواها، إذا طَلَّقها حتى تنقضي عِدَّتُها، و) في (ثبوت الرجعة عليها في عِدّتها، و) في وجوب (نفقة العِدّة) لأن ذلك فرع وجوب العدة (و) في (ثبوت النسب) إذا خلا بها، ثم طلَّقها وأتت بولد، ولو فوق أربع سنين، ولم تكن أقرَّت بانقضاء عِدَّتها بالقروء؛ لأنها رجعية فهي في حكم الزوجات.

(لا) أي: ليس حكم الخلوة حكم الوطء (في الإحصان) فلا يصير أحدهما محصنًا بالخلوة (و) لا في (الإباحة لمطلِّقها ثلاثًا) فلا تحل له بالخلوة؛ لحديث: "حتى تذوقي عُسَيلته"

(1)

.

(ولا يجب بها الغسل) إذ لا التقاء للختانين فيها (ولا) يجب بها (الكفَّارة) إذا خلا بها في الحيض أو الإحرام.

(ولا يخرج بها) العِنِّين (من العُنَّة، ولا تحصل بها الفيئة

(2)

) من المؤلي (ولا تفسد بها العبادات، ولا تحرم بها الربيبة) لأن هذه الأحكام منوطة بالوطء ولم يوجد.

(ويُقَرِّرُهُ) أي: الصداقَ كاملًا (لَمْسٌ) للزوجة (ونَظَرٌ إلى فَرْجِها، بشهوة فيهما) أي: في اللمس والنظر للفرج (وتقبيلها، ولو بحضرة الناس) لأن ذلك نوع استمتاع، فأوجب المهر كالوطء؛ ولأنه نال منها شيئًا لا يُباح لغيره؛ ولمفهوم قوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}

(3)

الآية، وحقيقة المَسّ

(4)

التقاء البشرتين.

(1)

تقدم تخريجه (11/ 138) تعليق رقم (2).

(2)

فاء المؤلي من امرأته: كفّر عن يمينه، ورجع إليها. القاموس المحيط ص/ 61، مادة (فيأ).

(3)

سورة البقرة، الآية:237.

(4)

في "ذ": "اللمس".

ص: 496

و (لا) يُقرِّرُ الصداقَ (النظرُ

(1)

إليها) دون فَرْجها؛ لأنه ليس منصوصًا عليه، ولا في معنى المنصوص عليه (ولا) يُقَرِّرُهُ أيضًا (تحمُّلها ماءَ الزوج) أي: مَنيَّه من غير خلوة منه بها ولا وطء؛ لأنه لا استمتاع منه بها فيه.

(ويثبت به) أي: بتحملها ماءه (النسب) فإذا تحمَّلت بمائه، وأتت بولد لستة أشهر فأكثر، لحقه نسبهُ؛ لما يأتي.

(وهدية زوج ليست من المهر، نصًّا

(2)

، فما) أهداه الزوج من هدية (قَبْلَ العقد - إن وعدوه بالعقد، ولم يَفُو - رجع بها؛ قاله الشيخ

(3)

) لأنه بذلها في نظير النكاح، ولم يسلم له، وعُلم منه: أنه إن امتنع هو، لا رجوعَ له، كالمجاعَل إذا لم يفِ بالعمل.

(وقال) الشيخ (فيما إذا اتفقوا) أي: الخاطب مع المرأة ووليها (على النكاح من غير عقد، فأعطى) الخاطب (أباها لأجل ذلك شيئًا) من غير الصَّداق (فماتت قبل العقد: ليس له استرجاع ما أعطاهم

(4)

. انتهى) لأن عدم التمام ليس من جهتهم، وعلى قياس ذلك: لو مات الخاطب، لا رجوع لورثته.

(وما قُبض بسبب النكاح) كالذي يسمّونه المِئكلة

(5)

(فَكَمَهْرٍ) أي:

(1)

في "ذ": "ولا يتقرر الصداق بالنظر".

(2)

مسائل ابن هانئ (1/ 213) رقم 1040.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 334.

(4)

مجموع الفتاوى (32/ 198).

(5)

"المِئكلة" كذا في الأصل، وفي "ذ":"المأكلة" وأشار في هامش "ذ" إلى أنه في نسخة: "المؤكلة". قال ابن مالك في إكمال الإعلام بتثليث الكلام (2/ 575): المأكلة: ما أبيح أكله، والمِئْكلة: الصَّحْفَة، والمُؤْكلة: المُطْعَمة.

ص: 497

حكمه حكم المهر فيما يُسقطه، أو يُنصِّفه، أو يُقرِّره، ويكون ذلك لها، ولا يملك الولي منه شيئًا، إلا أن تهبه له بشرطه، إلا الأب فله أن يأخذ بالشرط، وبلا شرط من مالها ما شاء بشرطه، وتقدم

(1)

.

(وما كُتب فيه المهر؛ لها، ولو طُلِّقت؛ قاله الشيخ

(2)

) لأن العادة أخذها له.

(ولو فسخ) النكاح (في فُرقة قهرية، كـ) ــالفسخ (لفقد كفاءة قبل الدخول؛ رُدَّ إليه) أي: الزوج (الكل) أي: كل الصَّداق وما دفعه (ولو هدية، نصًّا

(3)

) حكاه الأثرم؛ لدلالة الحال على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال؛ مَلَكَ الرجوعَ، كالهبة بشرط الثواب.

قلت: قياس ذلك: لو وهبته هي شيئًا قبل الدخول، ثم طلّق ونحوه

(4)

(وكذا) يُرد إليه الكل ولو هدية (في فرقة اختيارية مُسقِطة للمهر) لما تقدم.

(وتثبت الهدية) للزوجة (مع فسخ) للنكاح (مقرِّر له) أي: الصَّداق (أو لنصفه) فلا رجوع له في الهدية إذًا؛ لأن زوال العقد ليس من قِبَلها.

(وإن كانت العطية لغير العاقدين بسبب العقد، كأُجرة الدَّلّال ونحوها) كأجرة الكيَّالِ والوزَّانِ (فقال ابن عقيل) في "النظريات": (إن فُسخ بيعٌ بإقالة ونحوها، مما يقف على تراض) من العاقدين (لم يرُدَّه)

(1)

(11/ 465 - 466).

(2)

الفروع (5/ 268).

(3)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 334.

(4)

في هامش نسخة "ح" حاشية نصها: "نقل يعقوب: لا ينبغي للخاطب إن خطب لقوم أن يقبل لهم هدية. واختار الشيخ التحريم، ورخص فيه بعض المتأخرين، جعله من باب الجعالة". ا. هـ.

ص: 498

أي: لم يردَّ الدَّلّال ما أخذه (وإلا) أي: وإن لم يقف الفسخ على تراضيهما، كالفسخ لعيب ونحوه (ردَّه) أي: ردّ الدَّلَّال ما أخذه؛ لأن البيع وقع مترددًا بين اللزوم وعدمه.

(وقياسه) أي: قياس البيع (نكاحٌ فُسِخَ لفقد كفاءة) الزوج (أو عيب) في أحدهما (فيردُّه) أي: يرد الخاطب ما أخذه، و (لا) يردُّه إن انفسخ النكاح (لرِدَّة، ورضاع، ومُخالعة) وذلك حكاية لكلامه بمعناه، كما يدلُّ عليه كلام "الإنصاف".

فصل

(وإن اختلف الزوجان، أو) اختلف (ورثتهما) أو أحدهما وورثة الآخر، أو وليّ الزوج والزوجة (أو الزوج، ووليّ غير مُكلَّفة، في قَدْر الصَّداق، أو) في (عينه، أو) في (صفته، أو) في (جنسه، أو ما يستقر به) من وطء أو خلوة ونحوهما (فقولُ زَوْجٍ) بيمينه (أو وارثه بيمينه) وكذا وليُّه (ولو لم يكن) ما ادَّعاه الزوج، أو وليه، أو وارثه (مهرَ مِثْلٍ) لأنه منكِرٌ لما يُدعى عليه، فدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"ولكنَّ اليمين على المُدَّعى عليه"

(1)

.

وصورة الاختلاف في قَدْره أن يقول: الصَّداق مائة، فتقول: بل مائة وخمسون. وفي عينه أن يقول: أصدقتكِ هذا العبد، فتقول: بل هذه الأَمَة. وفي صفته أن يقول: أصدقتُكِ عبدًا زنجيًّا، فتقول: روميًّا. وفي جنسه أن يقول: أصدقتُكِ مائة من الدراهم، فتقول: من الدنانير. وفيما يقرِّره أن تقول: دخل، أو خلا بي، فينكرها.

(1)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

ص: 499

(1)

) إن اختلفا، أو ورثتهما، أو أحدهما ووليّ الآخر، أو وارثه (في تسميته) بأن قال: لم نُسمِّ مهرًا، وقالت: سُمِّي لي مهر المِثْل (فـ) ــالقول (قوله) أي: الزوج (بيمينه) في إحدى الروايتين

(2)

؛ لأنه يدَّعي ما يوافق الأصل. قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب. والرواية الثانية

(3)

: القول قولها في تسمية مهر المِثْل؛ قدّمه في "الرعايتين"، و"الحاوي الصغير"، وجزم به في "المنتهى"، ولم يذكر المسألة في "التنقيح" (ولها مهر مِثْل

(3)

) على كلتا الروايتين، إن وجد ما يقرّره.

(فإن طلَّق ولم يدخل بها؛ فلها المُتعة) بناء على ما ذكره من أن القول قوله في عدم التسمية، فهي مُفوَّضة، وعلى الرواية الأخرى: لها نصف مهر المِثْل؛ لأنه المُسمّى لها، لقبول قولها فيه.

(ومن حلف على فعل نفسه) من الزوجين والوليّ (حلف على البَتِّ) لأنه الأصل في اليمين (و) من حلف (على فعل غيره) كالورثة، حلف (على نفي العلم) لا على البَتِّ.

(وإن أنكر) الزوج (أن يكون لها) أي: الزوجة (عليه صداق؛ فالقول قولها قبل الدخول وبعده، فيما يوافق مهر مثلها، سواء ادَّعى أنه وفَّاها) الصداق (أو) ادعى أنها (أبرأته منه، أو قال: لا تستحق عليَّ شيئًا) لأنه قد تحقق موجبه، والأصل عدم براءته منه.

(وإن دفع) الزوج (إليها ألفًا، أو) دفع إليها

(1)

في "ح": "أو".

(2)

الكافي (4/ 364)، والفروع (5/ 278)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 243).

(3)

في "ح": "المثل".

ص: 500

(عَرْضًا

(1)

، فقال: دفعته صداقًا، وقالت: هبة؛ فـ) ــالقول (قوله مع يمينه) لأنه أعلم بنيَّته، ومثله النفقة والكسوة (لكن إن كان) ما دفعه (من غير جنس الواجب) عليه (فلها ردُّه، ومطالبته بصداقها) الواجب؛ لأنه لا يُقبل قوله في المعاوضة بلا بينة.

(وإن اختلفا في قَبْضِ المَهْرِ) قبل الدخول أو بعده (فقولها) بيمينها؛ لحديث: "واليمين على من أنكر"

(2)

.

(وإذا كرَّر العقدَ على صداقين سِرٍّ وعلانية

(3)

) بأن عَقَدَ سرًّا على صداق، وعلانية على صداق آخر (أُخذ بالزائد) سواء كان صداق السر أو العلانية؛ للحوق الزيادة بالصَّداق بعد العقد، على ما يأتي.

(وإن قال) الزوج: (هو عقد) واحد (أسررْتُه ثم أظهرته) فلا يلزمني إلا مهر واحد (وقالت) الزوجة: (بل عقدان بينهما فُرقة؛ فـ) ــالقول (قولها) بيمينها؛ لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح، يفيد حكمًا كالأول.

(ولها المهر في العقد الثاني؛ إن كان دخل بها، ونصفُه) أي: المهر (في العقد الأول؛ إن ادَّعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول) لأن الأصل عدم لزومه له.

(وإن أصرَّ على الإنكار) أي: إنكار جريان عقدين بينهما فرقة (سُئلت، فإن ادَّعت أنه دخل بها في النكاح الأول، ثم طلَّقها طلاقًا بائنًا، ثم نكحها نكاحًا ثانيًا، حلفت على ذلك، واستحقَّت) ما ادَّعته، وإن أقرَّت بها يسقط نصف المهر أو جميعه؛ لزمها ما أقرَّت به.

(1)

أشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة: "عِوَضًا".

(2)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

(3)

في "ح": "سرٍّ أو علانية".

ص: 501

(ولو اتفقا قبل العقد على مَهْرٍ، وعقداه بأكثر منه؛ أُخذ بما عقد به) لأنها تسمية صحيحة في عقد صحيح، فوجبت، كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها، و (كعقده) أي: النكاح (هَزْلًا، وتلجئة) بخلاف البيع.

(ويستحب أن تفيَ بما وعدت به، وشرطته) من أنها لا تأخذ إلا مهر السر، لكيلا يحصل منها غرور؛ ولحديث:"المؤمنون على شروطهم"

(1)

.

(ولو وقع مثل ذلك في البيع) بأن اتفقا على ثمن، وعقداه بأكثر تجمُّلًا (فالثمن ما اتفقا عليه) دون ما عقدا به؛ لأن البيع لا ينعقد هَزْلًا وتلجئة، بخلاف النكاح.

(والزيادة على الصَّداق بعد العقد تلحق به) لقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيمَا تَرَاضَيتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}

(2)

؛ ولأن ما بعد العقد زمن لفرض المهر، فكان حالة للزيادة كحالة العقد، وبهذا فارق البيع والإجارة.

(و) معنى لحوق الزيادة: أنه يثبت لها حكم المُسمَّى في العقد فيكون (حكمها حكم الأصل المعقود عليه، فيما يقرِّره) كله (وينصِّفه) ولا تفتقر إلى شروط الهبة (و) لكن إنما (تُمْلَكُ الزيادة من حينها) لا من حيث العقد؛ لأن الملك لا يجوز تقدّمه على سببه ولا وجوده في حال عدمه، وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينه (وزيادة مهر أَمَةٍ بعد عتقها؛ لها، نصًّا

(3)

) نقله مُهنَّا؛ لما تقدم.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 107) تعليق رقم (3).

(2)

سورة النساء، الآية:24.

(3)

كتاب الروايتين والوجهين (2/ 131).

ص: 502

‌فصل في المفوضة

بكسر الواو وفتحها؛ فالكسر على نسبة التفويض إلى المرأة، على أنها فاعلة، والفتح على نسبته إلى وليِّها.

(وهو) أي: التفويض لغة: الإهمال، كأنَّ المهر أُهمل حيث لم يُسَمَّ.

قال الشاعر

(1)

:

لا يصلح الناسُ فوضى لا سَرَاةَ لهم

ولا سَرَاةَ، إذا جُهَّالهم سادوا

واصطلاحًا (على ضربين: تفويض البُضْع) وهو الذي ينصرف الإطلاق إليه (وهو أن يزوِّجه الأب ابنته المُجْبَرة بغير صَداق، أو تأذن المرأة لوليها أن يزوِّجها بغير صداق، سواء سكت عن الصداق، أو شرط نَفْيه) فيصح العقد، ويجب لها مهر المِثْل؛ لقوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}

(2)

؛ ولقضائه صلى الله عليه وسلم في بَرْوَعَ بنتِ واشق كما تقدّم من حديث معقل بن سِنَان

(3)

؛ ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع، دون الصَّداق، فصح من غير ذكره

(4)

. ولا فرق في ذلك بين أن يقول: زوَّجتك بغير مهر، أو يزيد: لا في الحال ولا في المآل؛ لأن معناهما واحد.

(1)

هو الأفوه الأودي. والبيت في ديوانه المطبوع ضمن "الطرائف الأدبية" ص/ 10.

(2)

سورة البقرة، الآية:236.

(3)

تقدم تخريجه (11/ 491) تعليق رقم (2).

(4)

في "ح": "فصح من غيره".

ص: 503

(و) الضرب (الثاني: تفويض المهر، وهو أن يتزوجها على ما شاءت، أو) على ما (شاء) الزوج، أو الوليّ (أو) على ما (شاء أجنبي) أي: غير الزوجين (أو يقول) الوليّ: زوجتكها (على ما شئنا، أو) على (حكمنا، ونحوه) كـ: على حكمك، أو حكم زيد (فالنكاح صحيح) في جميع هذه الصور.

(ويجب مهر المِثْل) لأنها لم تأذن في تزويجها إلا على صداق، لكنه مجهول، فسقط لجهالته، ووجب مهر المِثْل (بالعقد) في الضربين؛ لأنها تملك المطالبة به، فكان واجبًا كالمُسمَّى؛ ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت.

(فلو فوَّض مهر أَمَتِهِ، ثم أعتقها أو باعها، ثم فرض لها المهر، كان) المهر (لمعتقها أو بائعها؛ لأن المهر وجب بالعقد) وهي (في ملكه) قبل العتق أو البيع.

(ولو فوَّضت المرأة) بُضْع (نفسها) بأن أذنت لوليها أن يزوِّجها بلا مهر (ثم طالبت بفرض مَهْرها بعد تغيُّر مهر مثلها، أو) بعد (دخوله بها؛ لوجب مهر مثلها حالة العقد) لأنه وقت الوجوب (ولها المطالبة بفَرْضِهِ هنا، وفي كل موضع فسدت فيه التسمية) قبل الدخول وبعده، فإن امتنع أُجبر عليه؛ لأن النكاح لا يخلو من المهر، فكان لها المطالبة ببيان قَدْره.

(فإن تراضيا) أي: الزوجان المكلَّفان الرشيدان (على فرضه) أي: المهر (جاز) ما اتفقا عليه (وصار حكمه حكم المُسمَّى) في العقد (قليلًا كان أو كثيرًا، سواء كانا عالمين مهر المِثْل، أو لا) أي: أو جاهلين به؛ لأنه إن فرض لها كثيرًا؛ فقد بذل لها من ماله فرق ما يلزمه، وإن فرض لها يسيرًا؛ فقد رضيت بدون ما يجب لها.

ص: 504

(وإلا) أي: وإن لم يتراضيا على شيء (فَرَضه) أي: مهر المِثْل (الحاكم

(1)

، بقَدْرِ مهر المِثْل) لأن الزيادة عليه ميل على الزوج، والنقص عنه ميل على الزوجة، ولا يحل الميل؛ ولأنه إنما يفرض بدل البُضْع، فيقدَّر بقدره، كسلعة أُتلفت يقوِّمها بما يقول أهل الخبرة (وصار) ما قدَّره الحاكم عن المهر، أو تراضيا عليه (كالمُسمَّى) في العقد (يتنصَّف بالطلاق قبل الدخول، ولا تجب المُتعة معه) لعموم قوله تعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}

(2)

.

(فإذا فرضه) الحاكم (لزمهما) أي: الزوجين (فرضه، كحكمه) أي: كما لو قال: حكمت به، سواء رضيا فرضه

(3)

أو لا، إذ فرضه له حكم به. قال في "الفروع":(فدلَّ على أن ثبوت سبب المطالبة) وهو هنا فرض الحاكم، فإنَّ مجرد فرضه سبب لمطالبتها؛ قاله ابن نصر الله في "حواشيه" (- كتقديره) أي: الحاكم (أجرة المِثْل والنفقة

(4)

، ونحوه) أي: نحو تقدير ما ذكر، كتقدير كسوة، أو مسكن مثْلٍ، أو جُعْلٍ - (حكمٌ) قال ابن نصر الله: أي: متضمن للحكم، وليس بحكم صريح (فلا يغيِّره حاكم آخر، ما لم يتغير السبب) كيَساره وإعساره في النفقة والكسوة، فإنَّ الحاكم يغيِّره ويفرضه ثانيًا باعتبار الحال، وليس ذلك نقضًا للحكم السابق.

(وإن فرض لها) أي: للمُفوّضة ونحوها (غير الزوج والحاكم مهرَ

(1)

في "ح" و"ذ": "حاكم".

(2)

سورة البقرة، الآية:237.

(3)

في "ح" و"ذ": "بفرضه".

(4)

في "ح": "أو النفقة".

ص: 505

مثلها فَرَضِيته

(1)

؛ لم يصح فَرْضُه) لأنه ليس بزوج ولا حاكم.

(وإن مات أحدهما) أي: أحد الزوجين (قبل الإصابة، وقبل الفرض) منهما، أو من الحاكم (ورثه صاحبه) لأن ترك تسمية الصداق لم يقدح في صحة النكاح (وكان لها) أي: المُفوّضة (مهر نسائها) أي: مِثْل مهر من تساويها منهن؛ لحديث معقِل بن سِنَان السابق

(2)

.

(فإن فارقها) أي: فارق المُفوّضة زوجها (قبل الدخول، بطلاق، أو غيره) مما يُنصِّف الصداق (لم يكن لها إلا المتعة) لقوله

(3)

تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}

(4)

والأمر يقتضي الوجوب، ولا يعارضه قوله تعالى:{حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}

(4)

؛ لأن أداء الواجب من الإحسان.

(وهي) أي: المتعة (معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره، على الموسع قَدَره، وعلى المُقْتِر قَدَره) للآية السابقة.

(فأعلاها) أي: المتعة (خادم، إذا كان موسرًا، وأدناها - إذا كان فقيرًا - كسوةٌ تجزئها في صلاتها) وهي درع وخمار أو نحو ذلك؛ لقول ابن عباس: "أعلى المُتعة خادمٌ، ثم دون ذلك النَّفقة، ثمَّ دون ذلك الكسوة"

(5)

وقيدت بما يجزئها في صلاتها؛ لأنَّ ذلك أقل الكسوة.

(1)

في "ح": "فريضة".

(2)

تقدم تخريجه (11/ 491) تعليق رقم (2).

(3)

في "ذ": "لعموم قوله تعالى".

(4)

سورة البقرة، الآية:236.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 156 - 157)، والطبري في تفسيره (2/ 530)، وعندهما الثالث:"النفقة"، وعند الطبري بدل "النفقة""الورق".

ص: 506

(فإن دخل) الزوج (بها) أي: بالمفوضة (قبل الفرض؛ استقرَّ) به (مهر المِثْل) لأن الدخول يوجب استقرار المسمى، فكذا مهر المِثْل؛ لاشتراكهما في المعنى الموجب للاستقرار (فإن طلَّقها) أي: المفوضة (بعد ذلك) أي: بعد الدخول بها (لم تجب المتعة) بل مهر المِثْل؛ لما تقدم، وكالدخول سائر ما يقرر الصَّداق؛ لأن كلَّ من وجب لها المهر أو نصفه، لم تجب لها المتعة، سواء كانت ممن سُمِّي لها صداق أو لا؛ ولأنها وجب لها مهر المِثْل، فلم تجب لها المتعة؛ لأنها كالبدل مع

(1)

مهر المِثْل.

(والمتعة تجب على كل زوج، حرٍّ وعبد، مسلم وذمي، لكل زوجة مفوّضة) بُضْع

(2)

أو مهر (حُرَّة، أو أَمَة مسلمة، أو ذمية، طُلِّقت قبل الدخول، وقبل أن يُفرض لها مهر) لما تقدم من الآية؛ ولأن ما يجب من الفرض يستوي فيه المسلم والكافر، والحر والعبد.

وإن وهب الزوج للمفوّضة شيئًا، ثم طلّقها قبل فرض الصَّداق، فلها المتعة، نصًّا

(3)

؛ لأن المتعة إنما تجب بالطلاق، فلا يصح قضاؤها قبله؛ ولأنها واجبة، فلا تنقضي بالهبة، كالمُسمَّى.

(وتُستحبُّ) المتعة (لكلِّ مُطلَّقة غيرها) أي: غير المُفوّضة التي لم يفرض لها؛ لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}

(4)

الآية. ولم تجب؛ لأنه تعالى قسم المطلقات قسمين، وأوجب المتعة لغير المفروض لهن، ونصف المُسمّى للمفروض لهن، وذلك يدلُّ على

(1)

في "ح" و"ذ": "عن مهر المثل"، وهو أقرب للصواب.

(2)

في "ذ": "لبُضع".

(3)

مسائل أبي داود ص/ 166.

(4)

سورة البقرة، الآية:241.

ص: 507

اختصاص كل قسم بحكمه.

ولا متعة للمتوفَّى عنها؛ لأن النص لم يتناولها، وإنما تناول المطلقات.

(ومتعة الأَمَة لسيدها، كمهرها) لأنها بدلٌ عن نصفه، كما مَرَّ.

(وتسقط المتعة في كل موضع يسقط فيه كل المهر) كَرِدَّتها، ورضاعها من ينفسخ به نكاحها، ونحوه؛ لأنها أُقيمت مقام نصف المُسمّى، فسقطت في كل موضع يسقط فيه.

(وتجب) المتعة للمُفوّضة (في كل موضع يتنصف فيه المُسمّى) كَرِدَّته، قياسًا على الطلاق.

(ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئًا، مُفوّضة كانت أو مُسمّىً لها) لحديث عقبة بن عامر في الذي زوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل بها، ولم يعطها شيئًا

(1)

. وعن ابن عباس وابن عمر: "لا يدخلْ بها حتى يُعطيها شيئًا"

(2)

؛ للخبر

(3)

، وجوابه بأنه محمول على الاستحباب.

(1)

أخرجه أبو داود في النكاح، باب 30، حديث 2117، وابن حبان "الإحسان"(9/ 381) رقم 4072، والحاكم (2/ 181 - 182)، والبيهقي (7/ 232)، في حديث طويل وفيه: خير الصداق أيسره.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(2)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6/ 183) رقم 10431.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 199)، وابن حزم في المحلى (9/ 488)، والبيهقي (7/ 253).

(3)

أخرج النسائي في النكاح، باب 76، حديث 3375، وفي الكبرى (3/ 333) حديث 5568، والبزار (2/ 110) حديث 461، والطبراني في الكبير (1/ 106) حديث 175، والبيهقي (7/ 252)، والضياء في المختارة (2/ 231، 11/ 284) حديث 610، 280، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عليًّا قال: تزوجت فاطمة رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله، ابْنِ بي، قال: أعطها شيئًا، قلت: ما عندي من شيء، =

ص: 508

(ويُستحبُّ إعطاؤها شيئًا قبل الدخول) بها؛ لما تقدم.

(وإن سمَّى لها صداقًا فاسدًا) كالخمر والمجهول (وطلَّقها قبل الدخول) ونحوه مما يُقرِّر الصداق (وجب عليه) لها (نصف مهر المِثْل) قال في "الإنصاف": وهو المذهب. قال في "تصحيح الفروع": وهو الصحيح؛ اختاره الشيرازي والشيخ الموفّق

(1)

والشارح وغيرهم، وقطع به الخرقي، وابن رزين في "شرحه"، وتبعهم المصنف في "الحاشية"(واختار القاضي وأصحابه والمجد وغيرهم) كصاحب "الرعايتين"، و"النظم": تجب (المتعة) دون نصف مهر المِثْل، وهو مفهوم ما قطع به في "التنقيح"، وتبعه في "المنتهى"؛ لأن التسمية الفاسدة كعدمها، فأشبهت المُفوّضة.

= قال: فأين درعك الحُطَميَّة؟ قلت: هي عندي، قال: فأعطها إياه.

وأخرجه أبو داود في النكاح، باب 36، حديث 2125 - 2127، والنسائي في النكاح، باب 76، حديث 3376، وفي الكبرى (3/ 332) حديث 5567، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (2/ 388)، والبزار (2/ 110) حديث 462، وأبو يعلى (4/ 328) حديث 2439، وابن حبان "الإحسان"(15/ 396) حديث 9645، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 161)، والضياء في المختارة (11/ 284) حديث 281، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: لما تزوج علي فاطمة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطها شيئًا، قال: ما عندي شيء، قال: أين درعك الحطمية؟

قال ابن عبد الهادي في المحرر ص/ 360: إسناده صحيح.

وأخرجه ابن سعد (8/ 20، 21، 23)، وابن أبي شيبة (4/ 199)، عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي حين زوَّجه فاطمة: أعطها درعك الحطمية، مرسلًا.

قال الحافظ في الإصابة (13/ 72): هذا مرسل صحيح الإسناد.

(1)

في "ذ": "والشيخ تقي الدين والموفق".

ص: 509

فصل

(ومهر المِثْل معتبرٌ بمن يساويها، من جميع أقاربها، من جهة أبيها، وأمها؛ كأختها، وعمَّتها، وبنت أخيها، وبنت عمِّها، وأمِّها، وخالتها، وغيرهن، القربى فالقربى) لما في حديث ابن مسعود: "لها مهر نسائها"

(1)

؛ ولأن مطلق القرابة له أثر في الجملة.

(وتُعتبر المساواة في المال، والجمال، والعقل، والأدب، والسن، والبكارة والثيوبة، والبلد، وصراحة نسبها، وكل ما يختلف لأجله الصداق) لأن مهر المِثْل بدل متلف، فاعتبرت الصفات المقصودة، القربى فالقربى منهن، لمزية القرب

(2)

.

(فإن لم يوجد) في نسائها (إلا دونها؛ زيدت بقَدْر فضيلتها) لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة في المهر.

(وإن لم يوجد) في نسائها (إلا فوقها؛ نقصت بقَدْر فضيلتها

(3)

) كأرْش العيب بقَدْر نقص المبيع؛ ولأن له أثرًا في تنقيص المهر، فوجب أن يترتب بحسبه.

(وإن كان عادتهم التخفيف) في المهر (على عشيرتهم، دون غيرهم؛ اعتبر ذلك) لأن العادة لها أثر في المقدار، فكذا في التخفيف، وإن كان عادتهم تسمية مهر كثير، لا يستوفونه قط؛ فوجوده كعدمه، قاله الشيخ تقي الدين

(4)

. لا يقال: مهر المِثْل بدل متلف، فوجب ألَّا يختلف

(1)

تقدم تخريجه (11/ 491) تعليق رقم (2).

(2)

في "ذ": "بقدر فضيلتها".

(3)

في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 395): "نقصها" وهو الصواب.

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 342.

ص: 510

كسائر المتلفات؛ لأن النكاح يخالف سائر المتلفات، باعتبار أن المقصود منه أعيان الزوجين، بخلاف بقية المتلفات؛ فإن المقصود منها المالية خاصة، فلذلك لم تختلف باختلاف العوائد.

(وإن كان عادتهم التأجيل؛ فُرض مؤجلًا) لأنه مهر نسائها (وإلا) بأن لم يكن عادتهم التأجيل؛ فُرض (حالًّا) لأنه بدل متلف، فوجب أن يكون حالًّا، كَقِيَم المتلفات.

(وإن لم يكن لها أقارب؛ اعتبر شبهها بنساء بلدها) لأن ذلك له أثر في الجملة (فإن عُدِمْنَ) أي: نساء بلدها، بأن لم يكن فيهن من يشبهها (فبأقرب النساء شَبَهًا بها، من أقرب البلاد إليها) لأنه لما تعذَّر الأقارب اعتبر أقرب النساء شبهًا بها من غيرهن، كما اعتبر قرابتها البعيد

(1)

، إذا لم يوجد قريب.

(فإن اختلفت عادتهن) في الحلول والتأجيل (أو) اختلفت (مهورهن) قلّة وكثرة (أُخذ بالوسط) منها؛ لأنه العدل (الحالّ) من نقد البلد، فإن تعدد فمن غالبه؛ لأنه بدل متلف، فأشبه قِيَم المتلفات.

فصل

(وإذا افترقا في النكاح الفاسد، قبل الدخول، بطلاق، أو موت، أو غيرهما) كاختلاف دِيْن، ورضاع (فلا مَهْر فيه) لأن المهر يجب بالعقد، والعقد فاسد، فوجوده كعدمه، كالبيع الفاسد.

(وإن دخل) بها في النكاح الفاسد (أو خلا بها) فيه (استقر

(1)

في "ح" و"ذ": "البعيدة".

ص: 511

المُسمَّى) لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة: "ولها الذي أعطاها، بما أصاب منها" رواه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال بإسنادهما

(1)

، والخلوة كالوطء؛ ولأن النكاح مع فساده ينعقد، ويترتَّب عليه أكثر أحكام الصحيح، من وقوع الطلاق، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، ونحو ذلك، فلذلك لزم المُسمَّى فيه، كالصحيح (بخلاف البيع الفاسد، إذا تلف) المبيع (فإنه يُضمن) ضمان المتلف (بقيمته) أو مثله (لا) ضمان عقد (بثمنه) ذكر معناه في "الإنصاف".

قلت: قد يُشكِل عليه ما يأتي في الطلاق، من أن العتق يقع في البيع الفاسد، كالطلاق في النكاح الفاسد، إلا أن يقال: هذا حكم من أحكام البيع، وأكثرها منتفٍ، بخلاف النكاح.

(ولا يصح تزويج مَنْ نكاحُها فاسد قبل طلاق أو فسخ، فإن أبى الزوج الطلاق؛ فسخه) أي: النكاح الفاسد (حاكم) لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتيج في التفريق إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه؛ ولأن تزويجها من غير فرقة يُفضي إلى تسليط زوجين عليها، كل واحد يعتقد صحةَ نكاحِهِ، وفسادَ نكاحِ الآخر، ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين، قال في "الشرح": فعلى هذا متى تزوَّجت بآخر قبل التفريق؛ لم يصح النكاح الثاني، ولم يجز تزويجها لثالثٍ، حتى يطلِّق الأوَّلان، أو يفسخ نكاحهما.

(ويجب مهر المِثْلِ للموطوءة بشُبهة) كمن وطئ امرأة ليست

(1)

أورده الموفق في المغني (9/ 352) وقال: قال القاضي: حدثناه أبو بكر البرقاني، وأبو محمد الخلال بإسناديهما. وكتاباهما لم يُطبعا، وأخرجه - أيضًا - أبو نعيم (6/ 88)، وابن عساكر في تاريخه (22/ 371 - 372) وانظر (11/ 260) تعليق رقم (3).

ص: 512

زوجة له ولا مملوكة، يظنها زوجته أو مملوكته، قال في "الشرح" و"المبدع": بغير خلاف علمناه، كبدل متلف.

(و) يجب مهر المِثْل - أيضًا - (لمُكرَهة على زنىً) وطئها (في قُبُل، ولو كانت من محارمه) كأخته وعمته من نسب أو رضاع، كبدل متلف (أو) كانت الموطوءة بزنىً (ميتة) فيجب مهر المثل، ويورث عنها. قال في "الفروع": ولو وطئ ميتة لزمه مهر المِثْل في ظاهر كلامهم، وهو متَّجه، ثم نقل عن القاضي: أنه لا مهر (ولو) كان الوطء بشبهة، أو زنىً مع إكراه (من مجنون) لأنه إتلاف، ولا يلحقه النسب في الزنى، ويأتي.

(ويتعدَّد المهر بتعدُّد الشُّبهة، مثل أن تشتبه) الموطوءة (بزوجته، ثم يتبيَّن) له (الحال، ويعرف أنها ليست زوجته، ثم تشتبه

(1)

عليه مرة أخرى، أو تشتبه الموطوءة عليه بزوجته) فاطمة (ثم تشتبه بزوجته الأخرى، أو تشتبه، ونحو ذلك) وتقدَّم

(2)

في الكتابة: يتعدَّد بوطئه مكاتبته، إن استوفت مهر الوطء الأول، وإلا؛ فلا، وقاله في "المغني" و"النهاية".

(ويتعدَّد) - أيضًا - المهر (بـ) ــتعدد (وطء الزنى، إذا كانت مُكرَهة) كل مرَّة؛ لأنه إتلاف، فيتعدد بتعدد سببه.

(أو) أي: وكذا يتعدَّد بتعدد وطء الزنى إذا كانت (أَمَة) ولو كانت (مُطاوِعة بغير إذن سيّدها) لأن الحق في المهر للسيّد، فلا يسقط بمطاوعتها.

و (لا) يتعدَّد المهر (بتعدد وطء) في (شُبهة) واحدة (مثل أن

(1)

بعدها في "ح": "الموطوءة".

(2)

(11/ 90).

ص: 513

اشتبهت) الموطوءة (عليه بزوجته، ودامت تلك الشُّبهة حتى وطئ مِرارًا) فعليه مهر واحد؛ لأن ذلك بمنزلة إتلاف واحد.

(ولا) يتعدَّد المهر - أيضًا - (بتعدُّده) أي: الوطء (في نكاح فاسد) لدخولها على أن تستحق مهرًا واحدًا.

(ولا مهر بوطئها) أي: المشتبهة والمزني بها (في دُبُر، ولا في اللواط بالذكر) لأنه غير مضمون على أحد؛ لأن الشرع لم يرد ببدله، ولا هو إتلاف لشيء، فأشبه القبلة، والوطء دون الفرج.

(ولا) مهر للمزني بها (المطاوعة على الزنى) لأنه إتلاف للبُضْع برضا مالكه (كما لو أذنت له في قطع يدها؛ فقطعها، إلا الأَمَة) المزنيَّ بها، فلا يسقط مهرها بطواعيتها؛ لأنه لسيّدها، والمبعَّضة يسقط منه ما يقابل حريتها، والباقي لسيّدها.

(وإذا وطئ في نكاح باطل بالإجماع؛ كنِكَاح زوجة الغير، أو) نكاح (المعتدَّة) قلت: من غير زنىً، وإلا؛ فهو مختلَف فيه (وهو عالم بالحال) أي: بأنها زوجة الغير أو معتدته (و) عالم بـ (ــتحريم الوطء، وهي مطاوعة عالمة) بالحال (فلا مهر) لها إن كانت حرّة (لأنَه زنىً يوجب الحدّ، وهي مطاوعة عليه. وإن جهلت تحريم ذلك، أو) جهلت (كونها في عِدَّة؛ فلها مهر المِثْلِ) بما نال من فَرْجها (كالموطوءة بشُبهة.

ولا يجب أرْش بكارة مع وجوب المهر، لـ) ــالحرة (الموطوءة بِشُبهة، أو زنىً) لأنه وَطءٌ ضُمِن بالمهر، فلا يجب معه أرش كسائر الوطء؛ ولأن الأرْش يدخل في مهر المِثْل، فلا يجب مرة أخرى، وهذا بخلاف الأَمَة، وتقدم

(1)

في الغصب.

(1)

(9/ 266).

ص: 514

(ومن طَلَّق امرأته قبل الدُّخول) والخلوة (طَلْقة، وظنَّ أنها لا تَبِيْنُ بها، فوطئها؛ لزمه مهر المِثْل) بالوطء؛ لأنه وطء شُبهة (و) لزمه - أيضًا - (نصف المُسمَّى) بالطلاق قبل الدخول؛ لما تقدم.

فصل

(وإن دفع أجنبية) أي: غير زوجته، أو أَمَته (فأذهب عُذرتها) بضم العين أي: بكارتها، أو (فعل ذلك بإصبعه، أو غيرها؛ فعليه أرْش بكارتها) لا مهر مثلها؛ لأنه لم يطأها، وهو إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير عوضه، فرجع فيه

(1)

إلى أرشه، كسائر المتلفات (وهو) أي: أرْش البَكارة (ما بين مهر البكر والثيب) قاله في "الشرح" و"المبدع". وكلامهما أوَّلًا صريح في أنه حكومة، قالا: لأنه إتلافُ جزء لم يَرِد الشرع بتقدير ديته، فرجع فيها إلى الحكومة، كسائر ما لم يُقَدَّر، وهو صريح كلامه في "شرح المنتهى" في الجنايات، ومقتضى كلام المصنف وغيره هناك.

(وإن فعل ذلك) أي: أذْهَبَ العُذْرة بغير وطء (الزوجُ، ثم طلَّق قبل الدخول، لم يكن لها عليه إلا نصف المُسمَّى) مهرًا؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}

(2)

وهذه مُطلَّقة قبل المَسيس والخلوة، فلم يكن لها سوى نصف الصَّداق

(3)

؛ ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد، فلا يضمنه

(1)

في "ذ": "فرجع فيه إلى الحكومة".

(2)

سورة البقرة، الآية:237.

(3)

في "ح" و"ذ": "نصف الصداق المسمى".

ص: 515

بغيره، كما لو أتلف عُذْرة أمَته.

(وللمرأة منع نفسها قبل الدُّخول، حتى تقبض مهرها الحالَّ كلَّه، أو الحالَّ منه) حكاه ابن المنذر إجماعًا

(1)

؛ ولأن المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء، فإذا تعذر استيفاء المهر عليها، لم يمكنها استرجاع عوضها، بخلاف البيع، ولا فرق في ذلك بين المُسمّى لها والمُفوَّضة.

(ولها) أي: للمرأة (المطالبة به) أي: بحالِّ مهرها (ولو لم تصلح للاستمتاع) لصغر أو نحوه؛ لأنه وجب بالعقد.

(فإن وطئها) الزوج (مُكرَهة) قبل دفع الحالِّ من صداقها (لم يسقط به حقُّها من الامتناع) فلها بعد ذلك منع نفسها حتى تقبض الحالَّ منه؛ لما تقدم؛ لأن وَطْأها مُكرَهة كعدمه.

(وحيث قلنا: لها منع نفسها، فلها السفر بغير إذنه) لأنه امتناع بحق، فلم يثبت للزوج عليها حق الحبس، فصارت كمن لا زَوْجَ لها، وبقاء درهم منه كبقاء جميعه، كسائر الديون.

(ولها) زمنَ مَنْعِ نفسها لقبض حالِّ صداقها (النفقةُ إن صلحت للاستمتاع) ولو كان معسرًا بالصداق؛ لأن الحبس من قبله؛ علل به أحمد

(2)

. قال الموفّق، وكذا صاحب "المنتهى": إنما لها النفقة في الحضر دون السفر؛ لأنه لو بذل لها الصداق وهي غائبة، لم يمكنه تسلّمها

(3)

، وبدليل أنها لو سافرت بإذنه، فلا نفقة لها.

(فإن كانت) المرأة (محبوسة، أو) كان (لها عُذر يمنع التسليم،

(1)

الإجماع لابن المنذر ص/ 91.

(2)

انظر: مسائل عبد الله (3/ 1020) رقم 1391، ومسائل حرب ص/ 99.

(3)

في "ذ": "تسليمها".

ص: 516

وجب تسليم الصَّداق) كمهر الصغيرة؛ ولوجوبه بالعقد، بخلاف النفقة.

(وإن كان) الصَّداق (مُؤجَّلًا، لم تملك منع نفسها) حتى تقبضه؛ لأنها لا تملك الطلب به (ولو حَلَّ قبل الدخول) فليس لها منع نفسها؛ لأن التسليم قد وجب عليها، فاستقرَّ قبل قبضه، فلم يكن لها أن تمتنع منه.

(وإن قبضته) أي: الصداق (وسَلَّمت نفسها، ثم بان) الصَّداق (معيبًا؛ كان لها مَنْع نفسها) حتى تقبض بدله أو أرْشه؛ لأنها إنما سَلَّمت نفسها ظنًّا منها أنْ

(1)

قَبَضَت صداقها، فتبيَّن عدمه.

(ولو أبى كلٌّ من الزوجين التسليمَ الواجب) عليه (أُجبر زوج) على تسليم الصداق (ثم) تجبر (زوجة) على تسليم نفسها؛ لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولًا خطر إتلاف البُضْع، والامتناع من بذل الصَّداق، ولا يمكن الرجوع في البُضع.

(وإن بادر أحدهما) أي: أحد الزوجين (به) أي: بتسليم ما وجب عليه للآخر (أُجبر الآخر) لأنه لم يبقَ له حجّة في التأخير.

(وإن بادر هو فسلَّم الصَّداق، فله طلب التمكين) منها (فإن أبت) التمكين (بلا عُذر، فله استرجاعه) أي: الصَّداق؛ لعدم تسليمها المعقود عليه، مع عدم العُذر.

(وإن تبرَّعت بتسليم نفسها، ثم أرادت الامتناع بعد دخول أو خلوة؛ لم تملكه) لأن التسليم استقرَّ به العوض برضا المسلِّم (فإن امتنعت) بعد أن سلَّمت نفسها (فلا نفقة لها) لأنها ناشز.

(وإن أعسر) الزوج (بالمهر الحالِّ قبل الدخول أو بعده، فَلِحُرَّةٍ

(1)

في "ح" و"ذ": "أنها".

ص: 517

مكلَّفة الفسخ) لأنه تعذَّر عليها الوصول إلى العوض، أشبه ما لو أفلس المشتري (فلو رضيت بالمقام معه مع عسرته) امتنع الفسخ (أو تزوجته عالمة بعُسرته؛ امتنع الفسخ) لرضاها به.

(ولها) أي: للتي رضيت بالمقام مع العسرة، أو تزوجته عالمة بها (مَنْعُ نفسها) حتى تقبض مهرها الحالّ؛ لأنه لم يثبت له عليها حقّ الحبس (ويأتي في النفقات.

والخِيَرة لسيّد الأَمَة) إذا أعسر زوجها؛ لأن الحقّ لسيّدها؛ لأنه مالك نفعها، والصداق عوض منفعتها، فهو ملكه دونها.

و (لا) خِيَرة (لوليّ) زوجة (صغيرة ومجنونة) لأن الحقّ لها في الصداق دون وليّها، وقد ترضى بتأخيره.

(ولا يصح الفسخ في ذلك كلّه إلا بحكم جاكم) لأنه فسخ مختلَف فيه، كالفسخ للعُنَّة والإعسار بالنفقة، ولأنه يُفضي إلى أن يكون للمرأة زوجان، كلٌّ يعتقد حِلَّها له، وتحريمها على الآخر. والقياس على المعتقة غير صحيح؛ لأنه متفق عليه، وهذا مختلَفٌ فيه.

ص: 518