الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوليمة وآداب الأكل والشرب وما يتعلق بذلك
(وهي) أي: الوليمة (اسم لطعام العرس خاصة) لا تقع على غيره؛ حكاه ابن عبد البرِّ
(1)
عن ثعلب وغيره من أئمة اللغة. وقال بعض أصحابنا وغيرهم: تقع على كل طعام لسرورٍ حادث، إلا أنَّ استعمالها في طعام العرس أكثر. وقول أهل اللغة أقوى؛ لأنهم أهل اللسان، وهم أعرف بموضوعات اللغة، وأعلم بلغات العرب؛ قاله في "الشرح" و"المبدع".
قال في "المستوعب": وليمة الشيء كمالُه وجمعُه. وسميت دعوةُ العرس وليمةً؛ لاجتماع الزوجين. يقال: أوْلم: إذا صنع وليمة.
(قال الشيخ
(2)
: وتُستحبُّ بالدخول. انتهى) وقال ابن الجوزي: بالعقد. واقتصر عليه في "الفروع"، و"المبدع"، وقدَّمه في "تجريد العناية".
قال في "الإنصاف": الأولى أن يقال: وقت الاستحباب موسَّع من عقد النكاح إلى انتهاء أيام العرس؛ لصحة الأخبار في هذا وهذا
(3)
،
(1)
التمهيد (10/ 182).
(2)
انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 346.
(3)
أخرج البخاري في الأطعمة، باب 59، حديث 5466، ومسلم في النكاح، حديث 1428، عن أنس رضي الله عنه: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب بنت جحش، قال: وكان تزوجها بالمدينة، فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار.
وأخرج البخاري في النكاح، باب 68، حديث 5170، ومسلم في النكاح، حديث 1428، عن أنس رضي الله عنه قال: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة فأرسلني فدعوت رجالًا إلى الطعام.
وأخرج البخاري في الصلاة، باب 12، حديث 371، ومسلم في النكاح، حديث =
وكمال السرور بعد الدخول.
(وجرت العادة) بجعله
(1)
الوليمة (قبله) أي: قبل الدخول (بيسير. و) الأطعمة التي يُدعَى الناس إليها إحدى عشرة: الوليمة، وتقدمت.
والثاني (شُنْدَخيَّة) ويقال: شُنْدَخ - بضم الشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة، وبالخاء المعجمة - (لطعام إملاكٍ على زوجة) مأخوذ من قولهم: فرس مُشَنْدَخ، أي: يتقدم غيره، سُمِّي بذلك؛ لأنه يتقدم الدخول.
(و) الثالث (عَذيرة وإعذار) بكسر الهمزة (لـ) ــطعام (ختان) ويقال: العُذْرة؛ بضم فسكون.
(و) الرابع (خُرْسة وخُرْس) - بضم الخاء المعجمة، وسكون الراء، وبسين مهملة، ويقال بالصاد - (لطعام ولادة؛ أي: لخلاصها وسلامتها من الطَّلْق.
و) الخامس (عقيقة: الذبحُ للمولود) وتقدمت في الأضحية
(2)
.
و) السادس (وَكيرة لبناء) قال النووي
(3)
: أي المسكن المتجدِّد.
= 1365، عن أنس رضي الله عنه: أن أم سليم جهزت صفية للنبي صلى الله عليه وسلم فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسًا، فقال: من كان عنده شيء فليجئ به، وبسط نِطعًا، فجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن، قال: وأحسبه قد ذكر السَّويق، قال: فحاسوا حيسًا، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 231): وحديث أنس في هذا الباب صريح في أنها بعد الدخول؛ لقوله فيه: "أصبح عروسًا بزينب فدعا القوم".
أما فعل الوليمة قبل الدخول فلم نقف على شيء يدل عليه، والله أعلم.
(1)
في "ذ": "بجعل".
(2)
(6/ 435).
(3)
انظر: شرح صحيح مسلم (9/ 217)، وفتح الباري (9/ 241).
انتهى. من الوكر: وهو المأوى والمُستقرّ.
(و) السابع (نقيعة) من النَّقْع: وهو الغبار، أو النَّحر، أو القتل (تصنع للقادم من سفر) ظاهره: طويلًا كان أو قصيرًا.
(و) الثامن (التحفة: طعام القادم يصنعه هو. وقال ابن القيم في "تحفة المودود) في أحكام المولود"
(1)
(هو) أي: القادم (الزائر) أي: وإن لم يكن من سفر.
(و) التاسع (حِذاق) - بكسر الحاء وتخفيف الذال المعجمة وآخره قاف - (لطعام عند حِذاق صبي) قال في "القاموس"
(2)
: يوم حذاق الصبي يوم ختمه القرآن.
(و) العاشر (وضيمة: وهي طعام المأتم.
و) الحادي عشر (مِشْداخ: المأكول في ختمة القارئ.
والعَتيرة) مقتضى كلامهم أنها ليست من أسماء الطعام، بل هي الذبيحة (تذبح أوَّلَ يوم في رجب) وتَقدَّم ذلك. في آخر الهدي والأضاحي
(3)
.
(والإخاء والتسرِّي؛ ذكرهما بعض الشافعية
(4)
) وفي "المنتهى": ولم يخصُّوها - أي: الدعوة - لإخاءٍ وتَسَرٍّ باسم. والفُرْعَة والفُرُع: ذبح أول ولد الناقة.
(والقِرى: اسم لطعام الضيفان) وليس ذلك من الدعوات.
(والمأدُبة) - بضم الدال، ويجوز فتحها - (اسم لكل دعوة بسبب أو
(1)
ص/ 127.
(2)
ص/ 873، مادة (حذق).
(3)
(6/ 457).
(4)
انظر: مغني المحتاج (3/ 245) ونهاية المحتاج (6/ 370).
غيره. والآدِب) - بوزن فاعل - (صاحب المأدبة.
فإن عمَّم الداعي فقال: يا أيها الناس، هلمُّوا إلى الطعام. أو يقول الرسول) أي: رسول الآدِبِ: (قد أُذن لي أن أدعوَ من لقيتُ، أو من شئتُ، وقد شئتُ أن تحضر
(1)
؛ فهي الجَفَلى) بفتح الجيم والفاء.
(وإن خَصَّ قومًا) بالدعوة (دون قوم، فهي النَّقَرى) بفتح النون والقاف، قال الشاعر
(2)
:
نحن في المَشتاة ندعو الجَفَلى
…
لا ترى الآدِبَ فينا يَنتقِرْ
أي: يدعو قومًا دون قوم.
(وجميعها) أي: الدعوات (جائزة) أي: مباحة؛ لأنها الأصل في الأشياء، غير مَأتَم فيُكره، وروى الحسن قال:"دُعي عثمان بن أبي العاص إلى ختانٍ، فأبى أن يُجيب، وقال: كُنَّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نُدعى إليه" رواه أحمد
(3)
.
(1)
في "ح"، و"ذ":"تحضروا".
(2)
هو طرفة بن العبد. والبيت في ديوانه ص/ 55.
(3)
(4/ 217). وأخرجه - أيضًا - الروياني في مسنده (2/ 490) حديث 1518، وأبو يعلى - كما في المطالب العالية (2/ 191) حديث 1669 - ، والطبراني في الكبير (9/ 57) حديث 8381، من طريق محمد بن إسحاق، عن عبيد الله بن طلحة بن كريز، عن الحسن، به.
وأخرجه الطبراني - أيضًا - حديث 8382، من طريق عمر بن سهل المازني، عن أبي حمزة العطار، عن الحسن، به.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 60): ورجال الأول فيهم [ابن] إسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس. ورجال الثاني فيهم أبو حمزة العطار وثقه أبو حاتم، وضعفه غيره.
وأخرجه - أيضًا - أبو يعلى - كما في المطالب العالية (2/ 191) حديث 1669 - ، عن جبارة بن المغلس، عن علي بن غراب، عن أشعث، عن الحسن، به.
وجبارة بن المغلس ضعيف - كما في التقريب (898) - وأشعث هو ابن سوار ضعيف =
(وليس منها) أي: من الدعوات (شيء واجب) وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: "أوْلِمْ ولو بشاة" - متفق عليه
(1)
- محمول على الاستحباب.
(ووليمة العرس سُنَّة مؤكَّدة) لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بها وفعلها (ولو بشيء قليل، كمُدَّين من شعير) لما روى البخاري: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أوْلَم على صفيَّة بمُدَّين من شعير"
(2)
.
(ويُسَنُّ ألَّا تنقص) الوليمة (عن شاة) ذكره جماعة من الأصحاب؛ لحديث عبد الرحمن بن عوف، وتقدَّم (والأولى الزيادة عليها) أي: على الشاة؛ لما دَلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو بشاة".
(وإن نكح) رجل (أكثرَ من واحدة في عقدٍ أو عقود، أجزأته وليمةٌ واحدة، إذا نواها عن الكلّ) لتداخل أسبابها، كما تقدَّم في العقيقة
(3)
، وكما لو نوى بركعتين: التحيةَ والسُّنة.
(والإجابة إليها) أي: الوليمة (واجبة) لحديث أبي هريرة يرفعه: "شرُّ الطعام طعام الوليمة - أي: التي تُدعى لها الأغنياء، وتُترك الفقراء؛
= كما في التقريب (528).
وأخرجه ابن عدي (3/ 516)، من طريق محمد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسن، به. وقال: وقد أجمع من تكلم في الرجال على ضعفه [أي: الحسن بن دينار] على أني لم أر له حديثًا قد جاوز الحد في الإنكار، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق.
(1)
تقدم تخريجه (11/ 185) تعليق رقم (2).
(2)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب 70، حديث 5172، عن صفية بنت شيبة رضي الله عنهما، ولفظه:"على بعض نسائه". وقال ابن حجر في الفتح (9/ 339): لم أقف علي تعيين اسمها صريحًا، وأقرب ما يفسر به: أم سلمة.
(3)
(6/ 452).
قاله في "الشرح"
(1)
- يُمْنَعُها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها، ومن لا يُجِبْ فقد عَصَى الله ورسولَهُ" رواه مسلم
(2)
. وعن ابن عمر مرفوعًا: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دُعيتم إليها" متفق عليه
(3)
(إذا عيَّنه داعٍ مسلمٌ يحرم هجره، ومكسبُه طيب، في اليوم الأول) ويأتي محترز هذه القيود.
(وهي) أي: الإجابة (حقُّ الداعي، تسقط بعفوه) عن المدعو، كسائر حقوق الآدمي.
(وقدَّم في "الترغيب": لا يلزم القاضيَ حضورُ وليمة عرس) لعلَّه: لمظنّة الحاجة إليه؛ لدفع ما هو أهم من ذلك.
(ومنع ابنُ الجوزي في "المنهاج"
(4)
من إجابة ظالم، وفاسق، ومبتدع، ومُفاخر بها، أو فيها مُبتَدِع يتكلَّم ببدعةٍ، إلا لرادٍّ عليه، وكذا إن كان فيها مُضحِكٌ بفُحْشٍ أو كَذِبٍ) لأن ذلك إقرار على معصية (وإلا) بأن لم يكن مضحك
(5)
بفحش ولا كذب (أُبيح) أن يجيب (إذا كان) يُضْحِك (قليلًا.
وإن كان المدعو مريضًا، أو ممرِّضًا) لغيره (أو مشغولًا بحفظ مال) لنفسه أو غيره (أو كان في شدّة حرٍّ، أو برد، أو) في (مطر يَبُلُّ الثياب، أو وَحْلٍ) لم تجب الإجابة؛ لأن ذلك عُذر يُبِيح ترك الجماعة، فأباح ترك
(1)
هذه الجملة التفسيرية المعترضة وهي: "أي التي تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء قاله في الشرح" ليست في "ح". وفي "ذ": "أي الذي يدعى له. . .".
(2)
في النكاح، حديث 1432 (110)، وفيه:"ومن لم يجب الدعوة". وأخرجه - أيضًا - البخاري في النكاح، باب 72، حديث 5177، بنحوه.
(3)
البخاري في النكاح، باب 74، حديث 5179، ومسلم في النكاح، حديث 1429 (103).
(4)
المنهاج لابن الجوزي لم يطبع. وانظر: مختصر منهاج القاصدين ص/ 88.
(5)
في "ح" و"ذ": "مضحكًا".
الإجابة (أو كان أجيرًا) خاصًّا (ولم يأذن له المُستأجِر، لم تجب) عليه (الإجابة) لأن منافعه مملوكة لغيره، أشبه العبد غير المأذون.
(والعبد كالحر) في وجوب الإجابة؛ لعموم ما سبق (إن أذن له سيّده) وإلا؛ لم يجب؛ لأن حق سيّده آكد (والمُكاتَب إن ضرَّ) حضوره (بكسبه، لم يلزمه الحضور، إلا أن يأذن له سيّده.
وفي "الترغيب") و"البُلغة": (إنعلم حضور الأراذل، ومَن مجالستُهم تُزْري بمثله، لم تجب إجابته) قال الشيخ تقي الدين
(1)
: لم أره لغيره من أصحابنا، قال: وقد أطلق أحمد
(2)
الوجوب، واشترط الحِلَّ وعدمَ المنكر، فأما هذا الشرط فلا أصل له، كما أن مخالطة هؤلاء في صفوف الصلاة لا تسقط الجماعة، وفي الجنازة لا تسقط الحضور، فكذلك ههنا. وهذه شُبهة الحجاج بن أرطاة
(3)
، وهو نوع من التكبر، فلا يُلْتَفت إليه، نعم؛ إن كانوا يتكلمون بكلام محرَّم، فقد اشتملت الدعوة على محرَّم، وإن كان مكروهًا، فقد اشتملت على مكروه.
(وتُكره إجابة مَنْ في ماله حلال وحرام، كأكله منه، ومعاملته، وقَبول هديته وهبته، ونحوه) كصدقته؛ جزم به في "المغني" و"الشرح". وقاله ابن عقيل في "الفصول" وغيره، وقدَّمه الأَزَجيُّ وغيره. قال في
(1)
انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 319).
(2)
مسائل ابن هانئ (2/ 135، 136) رقم 1764، 1772، ومسائل صالح (3/ 245) رقم 1740، ومسائل أبي داود ص 257، ومسائل الكوسج (9/ 4718) رقم 3379.
(3)
هو: الحجاج بن أرطاة بن ثور بن هبيرة، الإمام، العلامة، مفتي الكوفة، ولد في حياة أنس بن مالك وغيره من صغار الصحابة رضي الله عنهم، وكان من بحور العلم، تُكلم فيه لبأوٍ فيه، ولتدليسه، ولنقص قليل في حفظه، ولم يترك. سير أعلام النبلاء (7/ 68 - 69). والبأو: الكبر والفخر، انظر: القاموس المحيط ص/ 1629، مادة (بأى).
"الإنصاف": وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة. انتهى.
ويؤيده حديث: "فمن تَرَك الشُّبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعِرْضه"
(1)
.
(وقيل: يحرم) مطلقًا (كما لو كان كله حرامًا) قطع به الشيرازي في المنتخب"، و (قال الأَزَجي) في "نهايته": (وهو قياس المذهب) وقدَّمه أبو الخطَّاب في "الانتصار".
(وسُئل) أي: سأل المرُّوذي (أحمد عن الذي يُعامِل بالربا: أيؤكل عنده
(2)
؟ قال: لا
(3)
.
وفي) آداب ("الرعاية) الكبرى": (ولا يأكل مختلِطًا بحرام بلا ضرورة) وقيل: إن زاد الحرام على الثلث حرم الأكل، وإلا؛ فلا؛ قدَّمه في "الرعاية". وقيل: إن كان الحرام أكثر، حرم الأكل، وإلا؛ فلا؛ إقامةً للأكثر مقام الكل؛ قطع به ابن الجوزي في "المنهاج"
(4)
.
(و) على القول الأول (تقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقِلَّته. وإن لم يعلم أن في المال حرامًا؛ فالأصل الإباحة) فتجب الإجابة (ولا تحريم بالاحتمال) استصحابًا للأصل (وإن كان تَرْكُه) أي: الأكل (أولى) حيث لم يعلم الحِلّ (للشك.
وينبغي صَرْف الشُّبهات في الأبعد عن المنفعة، فالأقرب ما يدخل في الباطن من الطعام والشراب ونحوه) فيتحرى فيه الحلال (ثم ما وَلِي الظاهرَ من اللباس.
فإن دعاه الجَفَلى) كُرهت الإجابة (أو) دعاه (في اليوم الثالث)
(1)
تقدم تخريجه (8/ 477) تعليق رقم (1).
(2)
في "ح" و"ذ" زيادة: "أم لا".
(3)
كتاب الورع ص/ 45.
(4)
انظر: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص/ 110.
كُرهت الإجابة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الوليمة أوَّل يوم حقٌّ، والثاني معروفٌ، والثالث رياءٌ وسُمعة" رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما
(1)
(أو) دعاه
(1)
أبو داود في الأطعمة، باب 3، حديث 3745. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 137) حديث 6596، وأحمد (5/ 28، 371)، والدارمي في الأطعمة، باب 28، حديث 2071، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 234) حديث 1594، والطحاوى في شرع مشكل الآثار (8/ 23) حديث 3021، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 240، 3/ 124)، والطبراني في الكبير (5/ 272) حديث 5306، والبيهقي (7/ 260)، والمزي في تهذيب الكمال (9/ 410)، عن زهير بن عثمان الثقفي.
وحسَّن إسناده الحافظ في تغليق التعليق (4/ 422)، وقال في الإصابة (4/ 22): لا بأس به.
قال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 425): لم يصح إسناده، ولا يعرف لزهير صحبة. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 24): في إسناده نظر، يقال: إنه مرسل، وليس له غيره.
وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 137) حديث 6597، وعبد الرزاق (10/ 447) حديث 19660، وابن أبي شيبة (14/ 111)، والبغوي في شرح السنة (9/ 142 - 143) حديث 2319، عن الحسن، مرسلًا.
ورجحه ابن أبي حاتم والدارقطني. انظر: التلخيص الحبير (3/ 196).
وأما ابن ماجه فرواه في النكاح، باب 25، حديث 1915، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - بحشل في تاريخ واسط ص/ 125، والطبراني في الأوسط (3/ 2، 8/ 192) حديث 2137، 7389. قال البيهقي (7/ 261): وليس بشيء. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 337): هذا إسناد فيه عبد الملك بن حسين، وهو ضعيف. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 195): في إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي، ضعيف.
وفي الباب عن ابن مسعود رضي الله عنه، مرفوعًا: أخرجه الترمذي في النكاح باب 10، حديث 1097، والبيهقي (7/ 260).
قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث زياد بن عبد الله، وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل [البخاري] يذكر عن محمد بن عقبة =
(ذِمِّي، كُرهت الإجابة) لأن المطلوب إذلاله، وذلك ينافي إجابته.
(وتُستحبُّ) الإجابة (في اليوم الثاني) للحديث السابق.
(وإن دعته امرأة فكرجُلٍ) في وجوب الإجابة على ما تقدَّم؛ لعموم ما سبق (إلا مع خلوة مُحرَّمة) فتحرم الإجابة؛ لاشتمالها على مُحرَّم.
(وسائر الدعوات مباحة - نصًّا
(1)
-) وتقدَّم (غيرَ عقيقة، فَتُسَنُّ) وتقدَّمت في الهدي والأضاحي
(2)
(و) غير (مأتمٍ، فتكره) وتقدَّم في
= قال: قال وكيع: زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث.
وأخرجه الطبراني في الكبير (9/ 197) رقم 8967، موقوفًا.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 49): فيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
وعن أنس رضي الله عنه: أخرجه عدي (2/ 458)، والبيهقي (7/ 260 - 261).
وقال البيهقي: ليس بقوي، بكر بن خنيس تكلموا فيه.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 196): في إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 122) حديث 11331. وضعفه الحافظ في الفتح (9/ 243)، والتلخيص الحبير (3/ 196).
وعن وحشي بن حرب رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 136) حديث 362. وضعف إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 196).
وقد أشار الإمام البخاري إلى ضعف الأحاديث الواردة في التوقيت، حيث قال في كتاب النكاح من صحيحه: باب حق إجابة الوليمة والدعوة، ومن أولم سبعة أيام ونحوه، ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا ولا يومين، ثم روى (5173) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها. وقال في تاريخه - كما في الفتح (9/ 243) -: ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها، وهذا أصح.
(1)
انظر: مسائل الكوسج (9/ 4718) رقم 3379، ومسائل ابن هانئ (2/ 135) رقم 1765، والفروع (5/ 298)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 323).
(2)
(6/ 435).
الجنائز
(1)
، والمأتم بالمثناة فوق. قال في النهاية"
(2)
: المأتم في الأصل: مجتَمَع الرجال والنساء في الغمِّ والفرح، ثم خُصَّ به اجتماع النساء في الموت، وقيل: هو للشوابِّ منهن لا غير.
(و
يُكره لأهل الفضل والعلم الإسراعُ إلى الإجابة)
إلى الولائم غير الشرعية (والتسامح) أي: التساهل (فيه؛ لأن فيه بِذْلةً ودناءةً وشَرَهًا، لا سيما الحاكم) لأنه ربما كان ذريعة للتهاون به وعدم المبالاة.
(وإن حضر) المدعو إلى وليمة، أو نحوها (وهو صائم صومًا واجبًا؛ لم يفطر) لقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
(3)
؛ ولأن الفطر مُحرَّم، والأكل غير واجب، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعي أحدكُم فَلْيُجبْ، فإن كان صائمًا فلْيَدْعُ، وإن كان مُفطرًا فليَطْعَمْ" رواه أبو داود
(4)
. وفي رواية: "فلْيُصَلِّ" أي: يَدْعُ (ودعا) للخبر (وأخبرهم أنه صائم) كما فعل ابن عمر
(5)
؛ لتزول عنه التُّهمة في ترك
(1)
(4/ 239).
(2)
(1/ 421، 4/ 288).
(3)
سورة محمد، الآية:33.
(4)
في الصيام، باب 75، حديث 2460، ولفظه: فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليصل. وبهذا اللفظ أخرجه - أيضًا - مسلم، وقد تقدم تخريجه (2/ 5) تعليق رقم (5). وأما لفظ:"فليدعُ" فرواه أبو داود في الأطعمة، باب 1، حديث 3737، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وأما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فلم نقف عليه إلا ما جاء في مسند أحمد (2/ 279) بلفظ:"وإن كان صائمًا، فليصل، وليدع لهم".
(5)
أخرج الشافعي في الأم (6/ 181)، والبيهقي (7/ 263)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 252) حديث 14414: عن عبد الله بن أبي يزيد قال: دعا أبي عبد الله بن عمر، فأتاه فجلس ووضع الطعام، فمد عبد الله بن عمر يده وقال: خذوا بسم الله. وقبض عبد الله يده وقال: إني صائم.
الأكل (ثم انصرف، وإن كان مفطِرًا استُحِبَّ الأكل) لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه، وإن أحبَّ دعا وانصرف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا دُعي أحدكُم فلْيُجبْ، فإن شاء أكل، وإن شاء ترك"
(1)
قال في "الشرح": حديث صحيح.
(وإن كان) المدعو (صائمًا تطوعًا، وفي ترْكِه الأكلَ كَسْرُ قلب الداعي، استُحبَّ
(2)
أن يفطر) لأن في أكله إدخال السرور على قلب أخيه المسلم، وقد رُوي "أنَّهُ صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعةٌ، فاعتزلَ رجلٌ من القوم ناحيةً، فقال: إنِّي صائمٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وتكلَّف لكم، كُلْ يومًا، ثم صُمْ يومًا مكانه؛ إنْ شئتَ"
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم في النكاح، حديث 1430، عن جابر رضي الله عنه.
(2)
في "ذ": "استحب له".
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 152) حديث 3264، من طريق حماد بن أبي حميد، والبيهقي (4/ 279)، وأبو عبد الرحمن السلمي في آداب الصحبة ص/ 160، حديث 163، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن محمد بن المنكدر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظه:". . . أفطِر، ثم صُمْ يومًا مكانه إن شئت".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 53): فيه حماد بن أبي حميد، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات. وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/ 362): لا يصح.
وقال الحافظ في الفتح (4/ 210): إسناده حسن. وقال في التلخيص الحبير (3/ 198): ابن المنكدر لا يُعرف له سماع من أبي سعيد.
وأخرجه الطيالسي ص/ 293، حديث 2203، والدارقطني (2/ 177)، والبيهقي (7/ 263 - 264)، من طريق محمد بن أبي حميد، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
قال البيهقي: ابن أبي حميد - يقال له: محمد، ويقال: حماد - وهو ضعيف. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 198): هو مرسل؛ لأن إبراهيم تابعي، ومع إرساله فهو ضعيف؛ لأن محمد بن أبي حميد متروك. انظر: البدر المنير (8/ 27).
وأخرجه الدارقطني (2/ 177)، من حديث جابر رضي الله عنه. قال ابن حجر في =
(وإلا) بأن لم يكن في تَرْكِهِ الأكل كَسْرُ قلب الداعي (كان تمام الصوم أولى) من الفِطر، هذا معنى ما جزم به في "الرعاية الصغرى" و"الوجيز" وهو ظاهر تعليل الموفَّق والشارح.
(قال الشيخ
(1)
: وهو أعدل الأقوال، وقال: ولا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في الطعام) أي: الأكل (للمدعو، إذا امتنع) من الفطر في التطوع، أو الأكل، بأن
(2)
كان مفطرًا (فإنَّ كِلَا الأمرين جائز، وإذا ألزمه بما لا يلزمه كان من نوع المسألة المنهي عنها، ولا يحلف عليه) إن كان صائمًا ليفطر (ولا) يحلف عليه إن لم يكن صائمًا (ليأكل، ولا ينبغي للمدعو، إذا رأى أنه يترتب على امتناعه) من الأكل، أو الفطر في النفل (مفاسد؛ أن يمتنع، فإنَّ فِطْرَه جائز. انتهى.
ويحرم أخْذ طعام) من الوليمة، أو غيرها (بغير إذن صاحبه) لما فيه من الافتيات عليه (فإن عَلِمَ) الآخذ (بقرينةٍ رضَاهُ) أي: ربِّ الطعام (ففي "الترغيب": يُكره) قال في "الفروع": ويتوجَّه: يُباح، وأنه يُكره مع ظنّه رضاه (فَمَع الظن) أي: ظنّ رضاه (أَولى) لأن الظنّ دون العلم، ويأتي حكم الأكل بلا إذن.
(وإن دعاه اثنان إلى وليمتين، أجاب أسبقهما بالقول) لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن سَبَقَ أحدُهما فأجِب الذي سَبَقَ" رواه أبو داود
(3)
.
= التلخيص الحبير (3/ 198): فيه عمرو بن خليف وهو وضاع.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 346 - 347.
(2)
في "ذ": "إن".
(3)
في الأطعمة، باب 9، حديث 3756. وأخرجه - أيضًا - إسحاق بن راهويه (3/ 755) حديث 1367، وأحمد (5/ 408)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 226) حديث 2798، والبيهقي (7/ 275)، من طريق حميد بن عبد الرحمن =
(فإن استويا، أجاب أدْيَنَهما) لأن كثرة الدِّين لها أثر في التقديم، كالإمامة.
(ثم) إن استويا أجاب (أقربهما رَحِمًا) لما في تقديمه من صلة الرحم.
(ثم) إن استويا فأقربهما (جِوارًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتمع داعيان فَأجِبْ أقربَهما بابًا، فإنَّ أقربهُما بابًا أقْرَبُهما جِوارًا"
(1)
.
(ثم) مع استوائهما
(2)
(يُقرع) بينهما (ولا يجيب الثاني) حيث سبق الأوّل (إلا أن يتَّسِعَ الوقت لإجابتهما، فإن اتَّسع) الوقت (لهما؛ وَجَبا) أي: وجبت إجابتهما؛ للأخبار.
فصل
(وإن علم) المدعو (أنَّ في الدعوة منكَرًا، كالزَّمْر، والخمر، والعود، والطبل، ونحوه) كالجَنْك
(3)
والرباب (أو) علم أن فيها (آنية ذهب، أو فضّة، أو فُرُش
(4)
مُحرّمة، وأمكنه إزالة المنكَر؛ لزمه الحضور
= الحميري، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 209): رواه أبو داود بإسناد فيه مقال. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 196): إسناده ضعيف، ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة [4/ 1860، حديث 4683] من رواية حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، به.
(1)
هذا جزء من الحديث السابق.
(2)
في "ذ": "إن استويا".
(3)
الجَنْك: الطُّنبور (البُزُق): عود ذو رقبة طويلة، وهي مما عَرَّبه المُحْدَثون عن الفارسية. انظر: شفاء الغليل للخفاجي ص/ 101 - 102، والمعجم الوسيط (1/ 141) مادة (جنك).
(4)
"فرش" كذا في الأصول تبعًا للمتن! والصواب في سياق الشرح: "فرشًا".
والإنكار) لأنه يؤدي بذلك فرضين؛ إجابة أخيه المسلم، وإزالة المُنْكَر.
(وإن لم يقدِرْ) على إزالة المُنكَر (لم يحضُر) وحرمت الإجابة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدةٍ يُدار عليها الخمر" رواه أحمد من حديث عمر
(1)
، والترمذي من حديث جابر
(2)
.
(فإن لم يَعلَم) بالمُنكَر (حتى حضر وشاهده؛ أزاله وجلس) بعد ذلك، إجابة لمن دعاه (فإن لم يقدِر) على إزالته (انصرف) لما تقدّم.
وروى نافعٌ، قال: "كنتُ أسير مع عبد الله بن عمر، فسمع زَمَّارة راعٍ، فوضع إصبَعيه في أُذنيه، ثمَّ عَدَل عن الطَّريق، فلم يزل يقول: يا
(1)
(1/ 20). وأخرجه - أيضًا - أبو يعلى (1/ 216) حديث 251، والبيهقي (7/ 266)، وفي شعب الإيمان (6/ 157) حديث 7770.
قال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 411): هذا إسناد حسن، ليس فيه مجروح.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 277): رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم.
وضعَّف إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 202)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 196).
(2)
في الأدب، باب 43، حديث 2801. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 171) حديث 6741، وأحمد (3/ 339)، والدارمي في الأشربة، باب 4، حديث 2098، وأبو يعلى (3/ 435) حديث 1925، والطبراني في الأوسط (3/ 248) حديث 2531، وابن عدي (2/ 728، 3/ 964)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 183) حديث 440، والحاكم (4/ 288)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 191، حديث 275، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 12) حديث 5596، والخطيب في تاريخه (1/ 244).
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
وقال ابن حجر في الفتح (9/ 250): أخرجه النسائي وإسناده جيد، وأخرجه الترمذي من وجه آخر فيه ضعف.
نافع أتسمع؟ حتى قلتُ: لا، فأخرج إصبَعيه من أذنيه، ثمَّ رجع إلى الطَّريق، ثمَّ قال: هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع" رواه أبو داود والخلال
(1)
.
وخَرَجَ أحمدُ من وليمة فيها آنية فضة، فقال الداعي: نُحوِّلها، فأبى أن يرجع؛ نقله حنبل
(2)
.
ويُفارِق
(3)
من له جار مقيم على المُنكَر والزَّمر حيث يُباح له المقام؛ فإنَّ تلك حال حاجة؛ لما في الخروج من المنزل من الضرر؛ قاله في "الشرح".
(وإن علم) المدعو (به) أي: بالمُنكَر (ولم يَرَهُ ولم يسمعه، فله
(1)
أبو داود في الأدب، باب 52، حديث 4924 - 4926، ولم نقف عليه في مظانه من كتب الخلال المطبوعة. وأخرجه - أيضًا - ابن سعد في الطبقات (4/ 163)، وأحمد (2/ 8، 38)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/ 247) حديث 5237، وابن حبان "الإحسان"(2/ 468) حديث 693، والآجري في تحريم النرد ص/ 205، حديث 64 - 65، والطبراني في الأوسط (7/ 393) حديث 6763، وفي الصغير (1/ 12)، وتمام في فوائده (2/ 143 - 144) حديث 1375، وأبو نعيم في الحلية (6/ 129)، والبيهقي (10/ 222).
قال أبو داود: هذا حديث منكر.
وتعقبه ابن حجر الهيتمي في كف الرعاع ص/ 46، فقال: وخالف أبا داود ابنُ حبان، فخرجه في صحيحه، ووافقه الحافظ محمد بن ناصر السلامي، فإنه سئل عنه، فقال: هو حديث صحيح. وتعقبه - أيضًا - شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود (13/ 218) فقال: ولا يعلم وجه النكارة، فإن هذا الحديث رواته كلهم ثقات، وليس بمخالف لرواية أوثق الناس. انظر: نزهة الأسماع في مسألة السماع لابن رجب ص/ 46.
(2)
الفروع (5/ 305)، وانظر: مسائل صالح (2/ 345) رقم 1740، وكتاب الورع ص/ 137.
(3)
في هامش "ذ" تعليق نصُّه: "أي: هذا الحكم لما قبله. أي: فإن من له جار مقيم على المنكر لا يجب عيه أن يتحوَّل من منزله لأجل مُنكَر جاره" ا. هـ.
الجلوس والأكل، نصًّا
(1)
) لأن المُحرَّم رؤية المُنكَر، أو سماعه، ولم يوجد (وله الانصراف) فيُخيّر؛ لإسقاط الداعي حُرْمة نفسه بإيجاد المُنكَر.
(وإن شاهد ستورًا معلَّقة فيها صور حيوان، وأمكنه حطُّها، أو) أمكنه (قطع رؤوسها؛ فعل) لما فيه من إزالة المُنكَر (وجلس) إجابة للداعي (وإن لم يمكنه ذلك؛ كُرِه الجلوس، إلا أن تُزَال).
قال في "الإنصاف": والمذهب: لا يحرم. انتهى؛ لما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام، فقال: قاتلهم الله، لقد علموا أنهما ما استقسما بها قطُّ" رواه أبو داود
(2)
؛ ولأن دخول الكنائس والبِيَع غير مُحرَّم، وهي لا تخلو منها، وكون الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صُوَر لا يوجب تحريم دخوله، كما لو كان فيه كلب، ولا يحرم علينا صُحبة رُفقة فيها جرس مع أنَّ الملائكة لا تصحبهم.
ويُباح تَرْك الإجابة إذًا؛ عقوبة للفاعل؛ وزجرًا له عن فعله.
(وإن علم بها) أي: بالصورة المعلَّقة (قبل الدخول؛ كُرِه الدخول.
وإن كانت) السُّتور المصوَّرة (مبسوطة أو على وسادة؛ فلا بأس بها) لأن فيه إهانة لها؛ ولأن تحريم تعليقها إنما كان لما فيه من التعظيم والإعزاز، والتشبيه بالأصنام التي تُعبد، وذلك مفقود في البسط؛ ولقول
(1)
انظر: الفروع (5/ 305).
(2)
في المناسك، باب 92، حديث 2027، عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت، وفيه الآلهة، فأمر بها، فأخرجت، قال: فأخرج صورة إبراهيم، وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام، فقال:. . . الحديث.
وأخرجه - أيضًا - البخاري في الحج، باب 54، حديث 1601.
عائشة: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مُتكئًا على هِرَقةٍ
(1)
فيها تصاوير" رواه ابن عبد البر
(2)
؛ ولأن فيه إهانة كالبسط.
(و
يحرم تعليق ما فيه صورة حيوان،
وسَتْر الجُدُر به، وتصويره) وتقدم في ستر العورة
(3)
.
(فإن قطع) إنسان (رأس الصورة) فلا كراهة. قال ابن عباس: "الصُّورةُ الرَّأس، فإذا قُطِع فليس بصورةٍ"
(4)
(أو قطع منها) أي: الصورة (ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه، فهو كقطع الرأس، كصدرها وبطنها، أو صوَّرها بلا رأس، أو بلا صدر، أو بلا بطن، أو جعل لها رأسًا منفصلًا عن بدنها، أو) صوَّر (رأسًا بلا بدن؛ فلا كراهة) لأن ذلك لم يدخل في النهي.
(وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده؛ كالعين واليد والرجل؛ حرم) تعليق ما هي فيه، وسَتْر الجدر به، وتصويره؛ لدخوله تحت النهي (وتقدم بعض ذلك في باب ستر العورة
(5)
.
ويُكره سَتْر حيطان بستور لا صُوَرَ فيها، أو) بستور (فيها صور غير
(1)
هكذا في الأصل مضبوطة بالشكل. والهِرْقُ، بالكسر: الثوب الخلق. القاموس المحيط ص/ 1200، مادة (هرق). وفي "ذ" نمرقة، وفي هامش "ح": نسخة نمرقة، وكذا في البخاري.
(2)
في التمهيد (21/ 198) معلقًا عن وكيع، عن أسامة بن زيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها بنحوه. وأصل الحديث في البخاري، في المظالم، باب 32، حديث 2479، وفي اللباس، باب 91، حديث 5954، ومسلم في اللباس، حديث 2107.
(3)
(2/ 162).
(4)
أخرجه البيهقي (7/ 270). وأخرجه ابن أبي شيبة (8/ 508)، من قول عكرمة.
(5)
(2/ 164).
حيوان، إن كانت غير حرير، نصًّا
(1)
) لما فيه من السرف، وذلك لا يبلغ به التحريم وهو
(2)
عُذْر في تَرْكِ الإجابة إلى الدعوة. قال أحمد
(3)
: "قد خَرَجَ أبو أيُّوب، حين دعاه ابنُ عمر فرأى البيت قد سُتِر" رواه الأثرم
(4)
. وابن عمر أقرَّ على ذلك. وقال أحمد
(5)
: دُعي حذيفة، فخرج، وإنما رأى شيئًا من زي الأعاجم.
(و) محل الكراهة إن (لم تكن ضرورة، من حَرٍّ أو برد) فإن كانت فلا بأس؛ للحاجة (كالستر على الباب للحاجة) إليه. قال في "المبدع": وفي جواز خروجه لأجله وجهان.
(ويحرم سَتْرُ) الحيطان (بحرير) وتقدّم في ستر العورة
(6)
(و) يحرم (الجلوس معه) لأنه من المُنكَر، و (لا) يحرم الجلوس (مع) الستر بـ (ــغيره) أي: الحرير، وتقدَّم.
(و
لا يجوز الأكل بغير إذنٍ صريح، أو قرينة،
ولو من بيت قريبه أو صديقه، ولم يُحرزه عنه) لحديث ابن عمر مرفوعًا: "مَنْ دخل على غير
(1)
انظر: مسائل صالح (3/ 245) رقم 1740، والورع ص 139، رقم 446.
(2)
في "ح": "وهذا".
(3)
مسائل صالح (3/ 245) رقم 1740، والورع ص 139، رقم 446.
(4)
لعله رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - البخاري في النكاح، باب 76، قبل حديث 5181 معلقًا، بصيغة الجزم، ووصله مسدد - كما في المطالب العالية (3/ 12) رقم 2241 - ، وابن أبي شيبة (8/ 496 - 497)، وأحمد في الورع - كما في تغليق التعليق (4/ 424) -، والطبراني في الكبير (4/ 118) رقم 3853، والبيهقي (7/ 272).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 54 - 55): رجاله رجال الصحيح.
(5)
الورع ص/ 137، 178. ولم نقف على من رواه مسندًا.
(6)
(2/ 166).
دعوة، دخل سارقًا، وخرج مُغيرًا" رواه أبو داود مختصرًا
(1)
؛ ولأنه مال غيره، فلا يُباح أكله بغير إذنه (كأخذ الدراهم).
وقال في "الآداب الكبرى"
(2)
: يُباح الأكل من بيت القريب والصديق من مالٍ غير مُحْرَزٍ عنه، إذا علم أو ظَنَّ رضا صاحبه بذلك، نظرًا إلى العادة والعُرف، هذا هو المتوجّه، وما يذكر من كلام أحمد من الاستئذان محمول على الشَّكِّ في رضا صاحبه، أو على الورع. وتابعه المُصنِّف في "شرح المنظومة". قال في "الفروع": ظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: يجوز، واختاره شيخنا، وهو أظهر.
(و
الدعاءُ إلى الوليمة، أو تقديم الطعام إذنٌ فيه)
أي: الأكل (إذا أُكمل وضعه، ولم يُلحَظ انتظار من يأتي) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا دُعي أحدكم إلى طعام، فجاء مع الرَّسول، فذلك إذنٌ له" رواه أبو داود
(3)
. وقال عبد الله بن مسعود: "إذا دُعيت فقد أُذن لك" رواه أحمد
(1)
في الأطعمة، باب 1، حديث 3741، باللفظ الذي أورده المؤلف. وأخرجه - أيضًا - العقيلي (2/ 161)، وابن حبان في المجروحين (1/ 293)، وابن عدي (1/ 380 - 381، 3/ 968)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 314 - 315) حديث 527 - 529، والبيهقي (7/ 265)، وفي شعب الإيمان (7/ 104) حديث 9647، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 526) حديث 870، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 483 - 484).
قال أبو داود: أبان بن طارق مجهول.
وقال ابن عدي: أبان بن طارق هذا لا يُعرف إلا بهذا الحديث، وهذا الحديث معروف به، وله غير هذا الحديث لعله حديثين أو أكثر، وليس له أنكر من هذا الحديث. وضعفه الحافظ في فتح الباري (9/ 560). وانظر: نصب الراية (4/ 221).
(2)
الآداب الشرعية (3/ 157).
(3)
في الأدب، باب 140، حديث 5190. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الاستئذان، باب 14 معلقًا، وفي الأدب المفرد ص/ 390، حديث 1075 موصولًا، وأحمد =
بإسناده
(1)
.
و (لا) يكون الدعاء إلى الوليمة إذنًا (في الدخول إلا بقرينة) تدلُّ عليه (فلا يُشترط) مع الدعاء إلى الوليمة، أو تقديم الطعام (إذنٌ ثانٍ للأكل، كالخَيَّاط إذا دُعي للتفصيل، والطبيب للفَصْدِ، وغير ذلك من الصنائع) فـ (ــيكون) العُرف (إذنًا في التصرف) قال في "الغنية": لا يحتاج بعد تقديم الطعام إذنًا، إذا جرت العادة في ذلك البلد بالأكل بذلك، فيكون العُرف إذنًا.
(ولا يملك) من قُدِّم إليه طعامٌ (الطعامَ الذي قُدِّم إليه، بل يهلك على ملك صاحبه) لأنه لم يُمَلِّكه شيئًا، وإنما أباحه الأكل، ولهذا لم يملك التصرف فيه بغير إذنه (ولا يجوز للضيفان قسمه.
ولو حلف ألَّا يهبه، فأضافه؛ لم يحنث) لأنه لم يُملِّكه له، كما تقدم.
= (2/ 533)، والبيهقي (8/ 340)، كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
قال أبو داود: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئًا. وكذا قال شعبة، والدارقطني. انظر: علل ابن أبي حاتم ص/ 170، وعلل الدارقطني (11/ 209).
وقال ابن حجر في الفتح (11/ 31) - بعد نقله كلام أبي داود -: كذا قال، وقد ثبت سماعه منه في الحديث الذي سيأتي في البخاري في كتاب التوحيد [7554] من رواية سليمان التيمي عن قتادة أن أبا رافع حدثه. وللحديث متابع؛ أخرجه البخاري في الأدب المفرد [ص/ 390، حديث 1076] من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة بلفظ:"رسول الرجل إلى الرجل إذنه" ا. هـ. وهذا المتابع: أخرجه - أيضًا - أبو داود في الأدب، باب 140، حديث 5189، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 260) حديث 1588، وابن حبان "الإحسان"(13/ 128) حديث 5811، والبيهقي (8/ 340). وقال الذهبي في السير (5/ 283): بل سمع منه.
(1)
لم نقف عليه عند أحمد. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد ص/ 389، رقم 1074.
فصل (في آداب الأكل) والشرب وما يتعلق بهما
يستحبُّ غَسْل اليد
(1)
قبل الطعام) متقدمًا به ربه (و) غسلها (بعده) متأخرًا
(2)
به ربه (ولو كان) الآكل (على وضوء) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحبَّ أن يَكثر خيرُ بيته، فليتوضَّأ إذا حضر غداؤُه، وإذا رُفع" رواه ابن ماجه
(3)
.
(و) يُستحب (أن يتوضَّأ الجُنُب قبل الأكل) لحديث عائشة، وتقدَّم في الغسل
(4)
، والشُّرب مثله.
(ولا يُكره غسل يديه في الإناء الذي أكل فيه) نص عليه
(5)
.
(ويُكره) غَسْل يديه (بطعام، وهو القوت، ولو بدقيق حِمِّص وعدس وباقلاء ونحوه.
قال الشيخ
(6)
: الملح ليس بقوت، وإنما يصلح به القوت) فعليه: لا يُكره الغسل به.
(ولا بأس) بغسل اليدين (بنُخالة) لأنها ليست قوتًا (وإن دعت
(1)
في "ح"، و"ذ": ومتن الإقناع (3/ 404): "اليدين".
(2)
في "ح": "متأخرٌ".
(3)
في الأطعمة، باب 5، حديث 3260، عن أنس رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - ابن عدي (6/ 2084)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 69) حديث 5807، وقال: هذا ليس بشيء. وقال أبو زرعة - كما في العلل لابن أبي حاتم (2/ 10) -: هذا حديث منكر. وقال البوصيري في الزوائد (2/ 174): هذا إسناد ضعيف، لضعف كثير، وجبارة.
(4)
(1/ 374) تعليق رقم (3).
(5)
الفروع (5/ 299).
(6)
نقله عنه تلميذه ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 201).
الحاجة إلى استعمال القوت، مثلَ الدبغ بدقيق الشعير، والتطبب للجرب باللبن والدقيق، ونحو ذلك، رُخِّص فيه) للحاجة.
وتقدَّم في إزالة النجاسة
(1)
: يحرم استعمال مطعوم في إزالتها.
(وغسل الفم بعد الطعام مُستحبٌّ، ويُسنُّ أن يتمضمض من شرب اللَّبن) قال في "الآداب"
(2)
: ويتوجَّه أن تُستحبّ المضمضة من كل ما له دَسَم؛ لتعليله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(و) يُسنُّ (أن يَلْعَقَ أصابعه
(4)
قبل الغسل والمَسْح، أو يُلعِقَهَا
(5)
غيرهَ) لحديث كعب بن مالك: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يديه حتى يلعقها" رواه الخلال بإسناده
(6)
.
(1)
(1/ 432).
(2)
الآداب الشرعية (3/ 211).
(3)
أخرج البخاري في الوضوء، باب 52، حديث 211، وفي الأشربة، باب 12، حديث 5609، ومسلم في الحيض، حديث 358، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا فمضمض وقال: إنَّ له دسمًا.
(4)
"فائدة: وقع في حديث كعب بن عجرة عند الطبراني في الأوسط [2/ 385، حديث 1670] صفة لعق الأصابع، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها، الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام. قال شيخنا [العراقي] في شرح الترمذي: كأن السر فيه أن الوسطى أكثر تلويثًا لأنها أطول، فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها؛ ولأنها لطولها أول ما تنزل في الطعام، ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه، فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه، وكذا الإبهام، [فتح الباري (9/ 579) حديث 5459]، انتهى من حاشية العلقمي على الجامع الصغير". ش.
(5)
قال النووي في شرح مسلم (13/ 206): المُراد إلعاق غيره ممن لا يتقذَّر ذلك من زوجة وجارية وخادم وولد.
(6)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الخلال المطبوعة. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الأشربة، حديث 2032.
(ويَعرِض ربُّ الطعام الماءَ لغسلهما، ويقدِّمه بقُرْب طعامه) تذكيرًا بالسُّنة (ولا يعرض الطعام) بل يقدِّمه لهم؛ لئلا يستحيوا فلا يطلبونه.
(و
تُسَنُّ التسمية على الطعام والشراب)
لحديث عائشة مرفوعًا: "إذا أكل أحدكم، فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوَّله، فليقل: باسم الله أوَّلَهُ وآخرَه"
(1)
. والشرب مثله (ويجهر بها) أي: بالتسمية ندبًا؛ ليُنَبِّه غيره عليها (فيقول) الآكل أو الشارب: (باسم الله. قال الشيخ
(2)
: ولو زاد: الرحمن الرحيم؛ لكان حسنًا) فإنه أكمل، بخلاف الذبح؛ فإنه قد قيل: لا يناسب ذلك.
(و) يُسَنُّ (أن يأكل بيمينه ومما يليه، ويُكره تركهما) أي: ترك الأكل باليمين ومما يليه؛ لما روي عن عمر بن أبي سلمة قال: "كنتُ يتيمًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في الصَّحْفة، فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يا غلام سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ ممَّا يليك" متفق
(1)
أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب 15، حديث 3767، والترمذي في الأطعمة، باب 47، حديث 1858، وفي الشمائل ص/ 97، حديث 191، والنسائي في الكبرى (6/ 78) حديث 10112، وابن ماجه في الأطعمة، باب 7، حديث 3264، والطيالسي ص/ 219، حديث 1566، وإسحاق بن راهويه (3/ 689 - 690) حديث 1288 - 1289، وأحمد (6/ 143، 208، 246، 265)، والدارمي في الأطعمة، باب 1، حديث 2026 - 2027، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 117) حديث 1084، وابن حبان "الإحسان"(12/ 13) حديث 5214، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 227) حديث 407، والحاكم (4/ 108)، والبيهقي (7/ 276)، وفي شعب الإيمان (5/ 74) حديث 5832، والبغوي في شرح السنة (11/ 276 - 277) حديث 2826، والمزي في تهذيب الكمال (35/ 383).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد.
ووافقه الذهبي. وحسنه الحافظ - كما في الفتوحات الربانية (5/ 182) -.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 351.
عليه
(1)
.
(و) يُكره (الأكل والشُّرب بشماله، إلا من ضرورة) لحديث ابن عمر مرفوعًا: "إذا أكل أحدكم فليأكلْ بيمينه؛ فإنَّ الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله" متفق عليه
(2)
.
(وإن جَعَل بيمينه خُبزًا وبشماله شيئًا) كجبن أو خيار (يَأْتَدِم به، وجعل يأكل من هذا
(3)
) الذي جعله بشماله (كُرِهَ؛ لأنه آكلٌ بشماله؛ ولما فيه من الشَّرَه، فإن أكل أو شرب بشماله، أكل وشرب معه الشيطان) للخبر
(4)
.
(وإن نسي التسميةَ في أوله) أي: الأكل أو الشرب (قال - إذا ذكر -: باسم الله أولَه وآخرَه) لما تقدم في حديث عائشة، وظاهره: ولو بعد فراغه من الأكل.
(فإن كانوا) أي: الآكلون (جماعة؛ سَمَّوا كلُّهم) لعموم الخبر (ويُسمِّي المميز) لحديث عمر بن أبي
(1)
البخاري في الأطعمة، باب 2 - 3، حديث 5376 - 5378، ومسلم في الأشربة، حديث 2022.
(2)
لم نقف عليه في صحيح البخاري، وأخرجه مسلم في الأشربة، حديث 2020، وفيه زيادة:"وإذا شرب فليشرب بيمينه".
(3)
في متن الإقناع (3/ 405): "من هذا ومن هذا".
(4)
أخرج أحمد (6/ 77)، والطبراني في الأوسط (1/ 203) حديث 294، عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أكل بشماله أكل معه الشيطان، ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 25): رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفي إسناد أحمد رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وقد وثق، وفي الآخر ابن لهيعة، وحديثه حسن. وحسَّن إسناده الحافظ في الفتح (9/ 522).
قلنا: في سنده موسى بن سرجس، لم نجد من وثقه.
سلمة
(1)
(ويُسمَّى عمَّن لا عقل له ولا تمييز) لتعذُّرها منه، وينبغي أن يشير بها أخرسُ ونحوه، كالوضوء.
(ويحمد الله) الآكلُ والشاربُ (جهرًا، إذا فرغ) من أكله أو شربه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لَيرضى من العبد أن يأكل الأكلة، أو يشربَ الشّربة، فيَحمَدُه عليها" رواه مسلم
(2)
.
(ويقول) إذا فرغ من أكله (ما وَرَدَ، ومنه) ما روى أبو سعيد: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل، أو شرب قال: (الحمد لله الذي أطعمنا، وسقانا، وجعلنا مسلمين) " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
(3)
.
(1)
تقدم تخريجه (12/ 29) تعليق رقم (1).
(2)
في الذكر والدعاء، حديث 2734، عن أنس رضي الله عنه.
(3)
أحمد (3/ 32، 97)، وأبو داود في الأطعمة، باب 52، حديث 3850، والترمذي في الدعوات، باب 56، حديث 3457، وفي الشمائل ص/ 97، حديث 193، وابن ماجه في الأطعمة، باب 16، حديث 3283.
وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى، في عمل اليوم والليلة (6/ 79 - 80) حديث 10120 - 10121، وابن أبي شيبة (10/ 342)، وعبد بن حميد (2/ 75) حديث 905، والطبراني في الدعاء (2/ 1217) حديث 898، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 175، حديث 466، وأبو الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 372 - 375) حديث 689 - 690، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 122) حديث 6039، والبغوي في شرح السنة (11/ 278) حديث 2829.
وقد أشار البخاري في تاريخه الكبير (1/ 253)، والنسائي في الكبرى، في عمل اليوم والليلة، حديث 10120 - 10122، والمزي في تهذيب الكمال (3/ 141) إلى اضطرابه. وقال ابن حجر في التهذيب (1/ 282): فيه اضطراب. وفي الفتوحات الربانية (5/ 229) أنه قال: حديث حسن.
وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى، في عمل اليوم والليلة، باب 85، رقم 10122، وابن أبي شيبة (8/ 309 - 310، 10/ 343)، موقوفًا من قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ومنه - أيضًا - ما روى معاذُ بن أنس الجُهَني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أكل طعامًا فقال: (الحمدُ لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حَوْلٍ مِنِّي ولا قوَّةٍ) غُفر له ما تقدَّم من ذنبه" رواه ابن ماجه
(1)
.
(و
يُسن الدُّعاء لصاحب الطعام
ومنه: "أفطر عندكمُ الصَّائمون، وأكل طعامَكُمُ الأبرارُ، وصلَّتْ عليكمُ الملائكةُ") للخبر
(2)
.
(1)
في الأطعمة، باب 16، حديث 3285. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في اللباس، باب 1، حديث 4023، والترمذي في الدعوات، باب 56، حديث 3458، وأحمد (3/ 439)، وأبو يعلى (3/ 62، 67) حديث 1488، 1498، وفي المفاريد ص/ 26، حديث 6، والطبراني في الكبير (20/ 181) حديث 389، وفي الدعاء (2/ 979، 1221) حديث 396، 900، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 176، حديث 468، والحاكم (1/ 507، 4/ 192 - 193)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 181) حديث 6285، وفي الآداب ص/ 212، حديث 639، وفي الدعوات الكبير (2/ 227 - 228) حديث 456، من طريق أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، عن سهل بن معاذ، عن أبيه معاذ بن أنس رضي الله عنه به.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال الحاكم في الموضع الأول: هذا حديث صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.
وقال في الموضع الثاني: هذا حديث صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: أبو مرحوم ضعيف، وهو عبد الرحمن بن ميمون.
وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 22): سهل بن معاذ مصري ضعيف، والراوي عنه أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون مصري - أيضًا - لا يحتج به. وحسن إسناده الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 123)، وفي الخصال المكفرة ص/ 69.
(2)
أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب 53، حديث 3854، والنسائي في الكبرى (4/ 202، 6/ 81) حديث 6901 - 6902، حديث 10128 - 10130، وابن المبارك في الزهد ص/ 500، حديث 1422، وعبد الرزاق (4/ 311، 10/ 381) حديث 7907، 19425، وابن أبي شيبة (3/ 100)، وأحمد (3/ 118، 138، 201 - 202)، وعبد بن حميد (3/ 118) حديث 1232، والدارمي في الصوم، باب 51، =
(و
يُستحبُّ إذا فرغ من الأكل ألَّا يُطيل الجلوس
من غير حاجة، بل يستأذن ربَّ المنزل، وينصرف) لقوله تعالى:{فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}
(1)
.
(ويُسمِّي الشارب عند كل ابتداء، ويحمد عند كل قطع. وقد يقال مثله في أكل كل لُقمة؛ فَعَلَه أحمد
(2)
، وقال: أَكْلٌ وحَمْدٌ، خير من أكل وصمت.
(ويُكره الأكل من ذِروة الطعام) أي: أعلى الصَّحْفة (ومن وسطه، بل) يأكل (من أسفله) لما روى ابن عباس مرفوعًا: "إذا أكل أحدكم طعامًا، فلا يأكل من أعلى الصَّحْفَة، ولكن ليأكل من أسفلها، فإنَّ البركة
= حديث 1779، والبزار "كشف الأستار"(4/ 420) حديث 2007، وأبو يعلى (7/ 291 - 293) حديث 4319 - 4322، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 242) حديث 1577، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 219) حديث 390، والطبراني في الأوسط (3/ 208، 7/ 94) حديث 303، 6158، وفي الدعاء (2/ 1231 - 1233) حديث 922 - 925، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 180، حديث 483، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص/ 146، وأبو نعيم في الحلية (3/ 72)، وفي أخبار أصبهان (2/ 280)، والبيهقي (4/ 239 - 240، 7/ 287)، وفي شعب الإيمان (5/ 125) حديث 6048 - 6050، وفي الآداب ص/ 192، حديث 571، والخطيب في معرفة علوم الحديث ص/ 117 - 118، والبغوي في شرح السنة (12/ 282) حديث 3320، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 375) حديث 1811، والضياء في المختارة (5/ 157 - 158) حديث 1783 - 1784، من طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وصححه النووي في الأذكار ص/ 162، وابن الملقن في البدر المنير (8/ 29)، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 199).
(1)
سورة الأحزاب، الآية:53.
(2)
مسائل ابن هانئ (2/ 133) رقم 1751.
تنزل من أعلاها"
(1)
. وفي حديث آخر: "كُلوا من جوانبها ودَعوا ذُروتها يُبارَك فيها"
(2)
رواهما ابن ماجه.
(وكذلك الكيل) للعلّة التي أشار إليها صلى الله عليه وسلم.
(ويُكره نَفْخُ الطعام والشراب) ليبرد، قال في "المستوعب": النفخ في الطعام، والشراب، والكتاب، منهيٌّ عنه. وقال الآمدي: لا يُكره النفخُ والطعام حارّ. قال في "الإنصاف": وهو الصواب؛ إن كان ثَمَّ
(1)
ابن ماجه في الأطعمة، باب 12، حديث 3277، بلفظ:"إذا وضع الطعام فخذوا من حافته، وذروا وسطه، فإن البركة تنزل في وسطه". واللفظ الذي ذكره المؤلف؛ أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب 18، حديث 3772. وأخرجه - أيضًا - بنحوه: الترمذي في الأطعمة، باب 12، حديث 1805، والنسائي في الكبرى (4/ 175) حديث 6762، والحميدي (1/ 243) حديث 529، وأحمد (1/ 270، 300، 343، 345، 364)، والدارمي في الأطعمة، باب 16، حديث 2052، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 468) حديث 860، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 148، 149) حديث 159، 161، وابن حبان "الإحسان"(12/ 50) حديث 5245، والطبراني في الكبير (11/ 360) حديث 12290، والحاكم (4/ 116)، والبيهقي (7/ 278)، والبغوي في شرح السنة (11/ 313) حديث 2872، بألفاظ متقاربة.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
(2)
ابن ماجه في الأطعمة، باب 12، حديث 3275. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الأطعمة، باب 17، حديث 3773، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 351 - 352)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (2/ 694) حديث 942، والبيهقي (7/ 283)، وفي شعب الإيمان (5/ 79) حديث 5847، والضياء في المختارة (9/ 91) حديث 73، وابن عساكر في تاريخه (1/ 393، 27/ 140)، عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما. قال النووي في رياض الصالحين ص/ 248، حديث 745: رواه أبو داود بإسناد جيد. وقال الذهبي في المهذب (6/ 2863): إسناده صالح.
حاجة إلى الأكل حينئذ.
(و) يُكره (التنفس في إناءَيْهِما) لأنه ربما عاد إليه مِنْ فِيهِ شيء.
(وأَكْلُه حارًّا) لأنه لا بركة فيه، كما في الخبر
(1)
(إن لم تكن حاجة) إلى أكله حارًّا، فيُباح.
(و) يُكره - أيضًا - أكله (مما يلي غيره إن كان الطعام نوعًا واحدًا، فإن كان أنواعًا) أي: نوعين فأكثر، فلا بأس (أو) كان الطعام (فاكهة) فلا بأس؛ لحديث عِكْراش بن ذؤيب قال: "أُتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بجَفْنةٍ كثيرةِ الثّريد والوَدكِ، فأقبلنا نأكل، فَخَبَطَتْ يدي في نواحيها، فقال: يا عكراش، كُلْ من موضع واحدٍ، ثُمَّ أُتينا بطَبَقٍ فيه ألوانٌ من الرُّطب، فجالتْ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطّبق، وقال: يا عِكْراش، كُلْ من حيث شئت، فإنَّه
(1)
أخرج الحاكم (4/ 118)، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: أبردوا الطعام الحارّ، فإن الطعام الحار غير ذي بركة. وفي سنده محمد بن عبيد الله العرزمي. قال الحافظ في التقريب (6148): متروك.
وأخرج الطبراني في الأوسط (7/ 117) حديث 6205، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبردوا بالطعام، فإن الطعام الحار غير ذي بركة. ضعفه العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 370). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 20): فيه عبد الله بن يزيد البكري، وقد ضعفه أبو حاتم.
وأخرج أبو نعيم في الحلية (8/ 252)، وأبو بكر النقاش في فوائد العراقيين ص/ 18، عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الكيّ، ويكره الطعام الحار، ويقول: عليكم بالبارد فإنه ذو بركة، ألا وإن الحار لا بركة فيه. وفي سنده العرزمي، وقد تقدم الكلام فيه.
وأخرج مسدد في مسنده - كما في المطالب العالية (3/ 65) حديث 2421 - عن أبي يحيى مرسلًا، قال: أبردوا الطعام، فإن الحار لا بركة فيه. وهذا مع إرساله فيه قزعة بن سويد، قال الحافظ في التقريب (5581): ضعيف.
غير لونٍ واحد" رواه ابن ماجه
(1)
.
(قال الآمدي: أو كان يأكل وحده، فلا بأس) بأكله مما لا يليه؛ لأنه لا يؤذي بذلك. قلت: وكذا لو كان يأكل مع من لا يستقذره منه، بل يستشفي به، كما يشهد له تتبعه صلى الله عليه وسلم للدُّبَّاء من حوالي الصحفة في حديث أنس
(2)
.
(وكره) الإمام (أحمد
(3)
أن يتعمَّد القومَ حين وضع الطعام، فَيَفْجأهم) لقوله تعالى:{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ. . .}
(4)
الآية.
(وكذا الضَّيْفَنُ الذي يتبع الضيف من غير أن يُدعى، وهو الطُّفيلي. وفي "الشرح": لا يجوز. وإن فَجَأهم بلا تعمُّد، أكل؛ نصًّا (2)) وأطلق في "المستوعب" وغيره الكراهة، إلا مَنْ عادته السماحة.
(وكره) أحمد
(5)
(الخبزَ الكبار، وقال: ليس فيه بركة) وذكر معمر
(1)
في الأطعمة، باب 11، حديث 3274. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الأطعمة، باب 41، حديث 1848، وابن سعد (7/ 74 - 75)، وابن حبان في المجروحين (2/ 184)، والطبراني في الكبير (18/ 82 - 83) حديث 154، وفي الأوسط (7/ 75) حديث 6122، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 78 - 79) حديث 5844 - 5845، والمزي في تهذيب الكمال (19/ 118 - 119)، من طريق العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية، عن عبيد الله بن عكراش، عن أبيه، به.
قال الترمذي: حديث غريب. وقال ابن حزم في المحلى (7/ 423): عبيد الله بن عكراش بن ذؤيب ضعيف جدًّا لا يحتج به.
(2)
يأتي (12/ 46).
(3)
الورع للمروذي ص/ 77، رقم 261، والإرشاد إلى سبيل الرشاد ص/ 385.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:53.
(5)
العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى (5/ 633)، والمغني (13/ 354)، والآداب الشرعية (3/ 162).
أن أبا أسامة قدَّم لهم طعامًا، فكسر الخبز، قال أحمد: لئلا يعرفوا كم يأكلون
(1)
.
(ويُكره أن يستبذله) أي: الخبز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الخبز"
(2)
(1)
الفروع (5/ 301)، والآداب الشرعية (3/ 205).
(2)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه تمام في فوائده (1/ 329 - 330) حديث 843. وفي سنده طلحة بن زيد القرشي الرقي، قال عنه الحافظ في التقريب (3037): متروك، قال أحمد وعلي وأبو داود: كان يضع الحديث.
ب - أبو موسى رضي الله عنه: أخرجه تمام في فوائده (1/ 209) حديث 494، وابن عساكر في تاريخه (63/ 304)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 104) حديث 1314. قال الحافظ في لسان الميزان (7/ 217): موضوع.
ج - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 48)، وفيه نوح بن أبي مريم متروك الحديث. انظر: ميزان الاعتدال (4/ 279).
د - عبد الله بن أم حرام رضي الله عنهم: أخرجه البزار "كشف الأستار"(3/ 334) حديث 2877، والعقيلي (3/ 28)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 107)، وابن حبان في المجروحين (2/ 134)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 32) حديث 15، وتمام في فوائده (1/ 209) حديث 842، وأبو نعيم في الحلية (5/ 246)، وفي معرفة الصحابة (3/ 1590)، والخطيب في تاريخه (12/ 323)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 105) حديث 1316.
قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 4): أخرجه البزار والطبراني وابن قانع من حديث عبد الله بن أم حرام بإسناد ضعيف جدًّا. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 34): "رواه البزار، والطبراني، وفيه عبد الله بن عبد الرحمن الشامي ولم أعرفه، وصوابه عبد الملك بن عبد الرحمن الشامي، وهو ضعيف".
هـ - أبو سكينة: أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 335) حديث 840. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 34): "فيه خلف بن يحيى قاضي الري، وهو ضعيف، وأبو سكينة قال ابن المديني: لا صحبة له". =
(فلا يمسح يده، ولا السكين به) أي: بالخبز (ولا يضعه تحت القصعة، ولا تحت المَمْلَحة) أي: آنية الملح؛ لأنه استبذال له (بل يوضع الملح وحده على الخبز) لأنه لا استبذال فيه.
(ويُستحبُّ أن يُصَغِّر اللقمة، ويُجيدَ المضغ، ويطيل البلع) لأنه أجود هضمًا (قال الشيخ
(1)
: إلا أن يكون هناك ما هو أهم من الإطالة، واستَحبَّ بعض الأصحاب تصغيرَ الكِسَر) يعني: اللُّقَم.
(وينوي) ندبًا (بأكله وشربه التَّقوِّيَ على الطاعة) لحديث: "وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"
(2)
.
(ويبدأ الأكبرُ والأعلمُ وصاحبُ البيت) بالأكل؛ لحديث: "كَبِّرْ، كَبِّرْ"
(3)
(ويُكره لغيرهما السَّبْق إلى الأكل) لما فيه من الدناءة والشَّرَه.
= و - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن قتيبة في فضل العرب ص/ 83. وفي سنده محمد بن زياد الطحان اليشكري، قال ابن حجر في التقريب (5927): كذبوه.
ز - موسى الطائفي: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 12). وفي سنده معان أبو صالح، ذكره العقيلي في الضعفاء (4/ 257)، وقال: حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه. وموسى الطائفي لم نقف على من ترجمه، فضلًا أن يكون صحابيًّا.
ح - عائشة رضي الله عنها: أخرجه الحاكم (4/ 122)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 84) حديث 5869، وابن عساكر في تاريخه (22/ 106).
قال الحاكم: صحيح الإسناد. وأقره الذهبي. قلنا: في سنده كريمة بنت همام، ترجمتها في التهذيب (12/ 484)، ولم يذكر توثيقها عن أحد، وبشر بن المبارك ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 143) ولم نقف على من وثقه.
انظر: المقاصد الحسنة ص/ 143، حديث 153، والسلسلة الضعيفة (6/ 417) حديث 2884.
(1)
انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 359 - 360).
(2)
تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).
(3)
تقدم تخريجه (4/ 127) تعليق رقم (2).
(وإذا أكل معه ضريرٌ؛ استُحِبَّ أن يُعْلِمَه بما بين يديه) من الطعام، ليتناول ما يشتهيه
(1)
.
(ويُسَنُّ مسح الصَّحْفَة) التي يأكل فيها؛ للخبر
(2)
(وأَكْل ما تناثر منه) أو يسقط منه من اللُّقَم، بعد إزالة ما عليه من أذىً؛ للخبر
(3)
(والأكل عند حضور رَبِّ الطعام، وإذنه، والأكل بثلاث أصابع) لحديث كعب بن مالك وتقدَّم
(4)
(ويُكره بما دونها) لأنه كِبْر (و) يُكره أيضًا (بما فوقها) لأنه شَرَهٌ (ما لم تكن حاجة) قال مُهنَّا
(5)
: سألت أبا عبد الله عن الأكل بالأصابع كلها؟ فذهب إلى ثلاث أصابع، فذكر مسألة الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه كان يأكل بكَفِّه كُلّها"
(6)
، فلم يصححه،
(1)
في "ذ": "مما يشتهيه".
(2)
أخرج مسلم في الأشربة، حديث 2033، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة.
وأخرج - أيضًا - في الأشربة، حديث 2034، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: "إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان" وأمرنا أن نسلت القصعة، قال:"فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة".
(3)
أخرج مسلم في الأشربة، حديث 2033 (134)، من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فَلْيُمط ما كان بها من أذىً وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة". وانظر تخريج الحديث السابق.
(4)
تقدم تخريجه (12/ 27) تعليق رقم (6).
(5)
انظر المغني: (10/ 214)، الفروع (5/ 300).
(6)
أخرج سعيد بن منصور - كما في الفتح (9/ 578) -، وابن أبي شيبة (8/ 299)، والعقيلي (4/ 90)، من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري، عن =
ولم يَرَ إلا ثلاث أصابع.
(ولا بأس بالأكل بالملعقة) وإن كان بدعة؛ لأنها تعتريها الأحكام الخمسة. قلت: ربما يؤخذ من قول الإمام
(1)
: "أكره كُلَّ مُحْدَث"، كراهتُها.
فصل
(ويُكره القِرانُ في التَّمْر ونحوه، مما جرت العادةُ بتناوله أفرادًا) لما فيه من الشَّرَهِ.
(و) يُكره له (فِعْلُ ما يستقذرُه من غيره، من بُصاق ومُخاط وغيره، و) يُكره (أن ينفُضَ يده في القصعة) لما فيه من الاستقذار.
(و) يُكره (أن يُقَدِّم إليها) أي: القصعة (رأسَه عند وَضْعِ اللُّقْمة في فيه) لأنه ربما سقط من فمه شيء فيها فقذَّرها.
(و) يُكره (أن يغمس اللُّقْمة الدَّسِمة في الخَلِّ، أو) يغمس (الخلَّ في الدَّسم، فقد يكرَهُهُ غيرُه). قلت: فإن أحبَّه الكل فلا بأس، كما لو كان وحده.
(ولا بأس بوضع الخَلِّ، والبقول على المائدة، غيرَ الثُّوم والبصل، وما له رائحةٌ كريهةٌ) فإنه يُكره أكله نِيئًا، كما يأتي في الأطعمة.
= امرأته أم الحجاج بنت محمد بن مسلم قالت: كان أبي يأكل بكفيه، فقلت: لو أكلت بثلاث أصابع. قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها. وهو مرسل.
قال العقيلي: وقد روى ابن أخي الزهري ثلاثة أحاديث لم نجد لها أصلًا عند الطبقة الأولى، ولا الثانية، ولا الثالثة. وذكر منها هذا الحديث.
(1)
انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص 103، والآداب الشرعية (3/ 205).
(ويكون) عند المائدة (ماءٌ تُدْفع به الغُصَّةُ) خشية أن توجد.
(وينبغي أن يحوِّلَ وجهَه عند السُّعالِ والعُطاس عن الطعام، أو يُبْعِده عنه، أو يجعل على فِيه شيئًا؛ لئلا يخرج منه بُصاقٌ، فيقع في الطعام) فيُقَذِّره.
(وإن خرج من فيه شيء) من عظم أو تَفْل
(1)
أو نخامة (ليَرْمي به، صَرَف وجهه عن الطعام) لئلا يقع فيه شيء من فيه (وأخذه بيساره) فرمى به؛ لأنه مستقذَر.
(ويُكره ردُّه) أي: ما يخرج من فيه (إلى القصعة، وأن يغمس بقية اللُّقْمة التي أكل منها في المرقة، وكذا هَنْدَسَة اللقمة، وهو أن يقضم بأسنانه) لا بيده (بعضَ أطرافها، ثم يضعها في الإدْمِ) لأن ذلك مستقذَر، وتعافه النفس.
(و) يُكره لمن يأكل مع غيره (أن يتكلَّم بما يُستقذر، أو بما يضحِكُهم، أو يحزنهم) قاله الشيخ عبد القادر
(2)
.
(و) يُكره - أيضًا - (أن يأكل متكئًا، أو مضطجعًا، أو منبطحًا. وفي "الغنية" وغيرها: أو على الطريق.
و) يُكره - أيضًا - (أن يعيب الطعام، وأن يحتقره، بل إنِ اشتهاه أكله، وإلا تَرَكه) لما ورد: "أنّهُ صلى الله عليه وسلم ما عاب طعامًا قطُّ، بل إنِ اشتهاه أكَلهُ، وإلا تَرَكهُ"
(3)
(ولا بأس بمدحه) أي: الطعام، لكن يُكره لربِّ الطعام مدحه وتقويمه، كما يأتي.
(1)
في "ح" و"ذ": "ثفل" بالثاء المثلثة في أوله.
(2)
الغنية (1/ 21).
(3)
أخرجه البخاري في المناقب، باب 23، حديث 3563، وفي الأطعمة، باب 21، حديث 5409، ومسلم في الأشربة، حديث 2064، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(ويُستحبُّ) للآكل (أن يجلس على رجله اليُسرى وينصب اليمنى، أو يتربَّع) وجعله بعضهم من الاتكاء.
(قال ابن الجوزي: ولا يشرب الماء في أثناء الطعام؛ فإنه) أي: عدم الشرب في أثنائه (أجود في الطب
(1)
. وينبغي أن يقال: إلا أن يكون ثَمَّ عادة) قال في "المنتهى": وفي أثناء طعام بلا عادة. انتهى. قال بعض العلماء: إلا إذا صدق عطشه، فينبغي من جهة الطب، يقال: إنه دباغ المعدة.
(ولا يَعُبُّ الماء عبًّا) للخبر (وأن يأخذ إناء الماء بيمينه) مع القدرة (ويُسمِّي) وتقدّم
(2)
(وينظر فيه) خشية أن يكون فيه ما يكره، أو يؤذيه (ثم يشربَ منه مصًّا، مُقَطَّعًا، ثلاثًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَصُّوا الماء مصًّا، ولا تعُبُّوه عبًّا، فإنَّ الكُباد من العَبِّ"
(3)
والكُباد - بضم الكاف وبالباء الموحدة - قيل: وجع الكبد. ويعبُّ اللبن؛ لأنه طعام (ويتنفسَ) كل مرة (خارج
(1)
انظر: مختصر منهاج القاصدين ص/ 85.
(2)
(12/ 28).
(3)
أخرجه الديلمي (1/ 1/ 61) - كما في السلسلة الضعيفة (5/ 347) - عن علي رضي الله عنه. وفي سنده موسى بن إبراهيم المروزي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 199): كذبه يحيى، وقال الدارقطني وغيره: متروك.
وأخرجه ابن عدي (3/ 896)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 115) حديث 6009، وابن شاذان الأزجي في الفوائد المنتقاة (2/ 126/ 1) - كما في السلسلة الضعيفة (3/ 619) - عن أنس رضي الله عنه. وفي سنده خالد بن عبيد، قال البخاري: في حديثه نظر، وقال الحاكم: حدث عن أنس بموضوعات. انظر: ميزان الاعتدال (1/ 634).
وأخرجه عبد الرزاق (10/ 428) حديث 19594، والبيهقي (7/ 284)، وفي شعب الإيمان (5/ 115) حديث 6013، عن ابن أبي حسين. قال البيهقي: هذا مرسل. انظر: السلسلة الضعيفة (6/ 83).
الإناء، ويُكره أن يتنفس فيه) وتقدم.
(و) يُكره (أن يشرب من فِيْ السقاء) نصًّا
(1)
، لنهيه صلى الله عليه وسلم
(2)
؛ لأنه قد يخرج من داخل القِربة ما يُنغِّص الشرب، أو يؤذي الشارب (و) من (ثُلْمة الإناء، أو محاذيًا للعروة المتصلة برأس الإناء) وكذا اختناث الأسقية، وهو قَلْبُها. قال الجوهري
(3)
: خَنَث الإناء واختنثته، إذا ثنيتَه إلى خارج، فشربتَ منه، فإن كسرته إلى داخل فقد قبعته - بالقاف والباء الموحدة والعين المهملة -.
(ولا يُكره الشُّرب قائمًا، و) شُرْبه (قاعدًا أكمل.
وماء آبار ثمودَ لا يُباح شربه، ولا الطبخ به، ولا استعماله، فإن طَبَخَ منه أو عجن؛ أَكفأ القدور، وعلف العجين النواضح) جمع ناضحة أو ناضح، وهو البعير يستقي عليه أو البقر.
قلت: ولعل المراد: مطلق البهائم (ويُباح منها بئر الناقة، وتقدم في) كتاب (الطهارة
(4)
.
وديار قوم لوط مسخوطٌ عليها، فيُكره شرب مائها واستعمالُه) وكذا بئر بَرْهوت
(5)
وذَرْوان
(6)
وبئر بمقبرة، وتقدم
(7)
.
قال في "الفروع": (وظاهر كلامهم: لا يُكره أكله قائمًا) ويتوجَّه:
(1)
مسائل الكوسج (9/ 4715) رقم 3376.
(2)
أخرج البخاري في الأشربة، باب 24، حديث 5627، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب من في السقاء.
(3)
الصحاح (1/ 281)، وفيه: خنثت السقاء.
(4)
(1/ 45 - 46)
(5)
بَرْهوت: بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها. النهاية (1/ 122).
(6)
ذَرْوَان: بئر لبني زُريق بالمدينة. معجم البلدان (3/ 5).
(7)
(1/ 46 - 47).
كشرب؛ قاله شيخنا.
(وإذا شرب) لبنًا أو غيره (سُنَّ أن يناوله الأيمن) ولو صغيرًا أو مفضولًا، ويتوجَّه أن يستأذنه في مناولته الأكبر، فإن لم يأذن، ناوله له؛ للخبر
(1)
.
(وكذا غسل
(2)
يديه
(3)
) يكون للأيمن فالأيمن (ورشُّ الماورد
(4)
ونحوه) من أنواع الطيب، وكذا التجمير بالعود ونحوه.
(ويبدأ في ذلك) أي: في الشرب وغسل الأيدي ورشِّ ماء الورد ونحوه (بأفضلهم، ثم بمَنْ على اليمين) لفعله صلى الله عليه وسلم في الشرب
(5)
. وقيس الباقي.
(ويُستحب أن يَغُضَّ طَرْفه عن جليسه) لئلا يُخْجلَه (و) أن (يُؤْثِر
(1)
أخرج البخاري في المساقاة، باب 1، 10، حديث 2351، 2366، وفي المظالم، باب 12، حديث 2451، وفي الهبة، باب 22 - 23، حديث 2602، 2605، وفي الأشربة، باب 19، حديث 5620، ومسلم في الأشربة، حديث 2030، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام:"أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ " فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا. قال: فتلَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده. لفظ مسلم.
(2)
في "ذ": "وكذا في غسل".
(3)
في "ح" و"ذ": "يده" بالإفراد.
(4)
في "ذ": "لماء ورد".
(5)
أخرج البخاري في المساقاة، باب 1، حديث 2352، وفي الهبة، باب 4، حديث 2571، وفي الأشربة، باب 14، 18، حديث 5612، 5619 ومسلم في الأشربة، حديث 2029، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بلبن قد شِيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال:"الأيمن فالأيمن".
على نفسه المحتاج) لمدحه تعالى فاعل ذلك بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
(1)
.
(ويُخَلِّل أسنانَه إن عَلِقَ بها شيء) من الطعام. قال في "المستوعب": رُوي عن ابن عمر: تَرْك الخلال وَهَنُ الأسنان
(2)
؛ وذكره بعضهم مرفوعًا
(3)
. ورُوي: تخلّلوا من الطعام، فإنه ليس شيء أشدّ على المَلَك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح الطعام
(4)
. قال الأطباء:
(1)
سورة الحشر، الآية:9.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 146)، والطبراني في الكبير (12/ 206) رقم 13065. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 30): رجاله رجال الصحيح.
(3)
لم نقف على من رواه مرفوعًا، وأورده - أيضًا - ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 168).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 12)، وأحمد (5/ 416)، وعبد بن حميد (1/ 221) حديث 217، وابن حبان في المجروحين (3/ 83)، والمحاملي في الأمالي ص/ 386، حديث 445، والطبراني في الكبير (4/ 177) حديث 4061 - 4062، وابن عدي (7/ 2547)، من طريق واصل بن السائب الرقاشي، عن أبي سورة، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعًا:"حبذا المتخللون. قالوا: وما المتخللون يا رسول الله؟ قال: المتخللون بالوضوء والمتخللون من الطعام، أما تخليل الوضوء فالمضمضة والاستنشاق وبين الأصابع، وأما تخليل الطعام فمن الطعام، إنه ليس شيء أشدَّ على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما شيئًا وهو قائم يصلي". وجاء مختصرًا عند بعضهم.
قال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 307): فيه واصل بن السائب. قال البخاري والرازي: منكر الحديث، وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 235، 5/ 29 - 30): في إسناده واصل الرقاشي وهو ضعيف.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 372 مع الفيض) ورمز لحسنه، وتابعه المناوي في التيسير (1/ 493).
وهو نافع - أيضًا - لِلِّثَة ومن تغيُّر النكهة.
و (لا) يخلل أسنانه (في أثناء الطعام) بل إذا فرغ.
(ولا) يتخلل (بعُود يضرُّه) كَرُمَّان وآسٍ
(1)
، ولا بما يجهله؛ لئلا يكون من ذلك، وكذا ما يجرحه (وتقدم في باب السواك
(2)
.
ويُلقي ما أخرجه الخِلَال، ويُكره أن يبتلعه) قال الناظم: للخبر
(3)
(1)
الآس: تقدم التعريف به (11/ 406).
(2)
(1/ 151).
(3)
أخرج أبو داود في الطهارة، باب 19، حديث 35، وابن ماجه في الطهارة، باب 23، حديث 337، وأحمد (2/ 371)، والدارمي في الطهارة، باب 5، حديث 668، وفي الأطعمة، باب 43، حديث 2093، والطحاوي (1/ 121 - 122)، وفي شرح مشكل الآثار (1/ 127) حديث 138، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 275) حديث 481، والحاكم (4/ 137)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 125) حديث 6053، والبغوي في شرح السنة (12/ 118) حديث 3204، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل فما تخلل فليلفظ، ومن لاك بلسانه فليبتلع، ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج".
واختلفت أقوال النقاد في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، فقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصححه النووي في المجموع (2/ 55)، وفي شرح صحيح مسلم (3/ 126)، وابن الملقن في البدر المنير (2/ 302).
وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 87): ليس هذا بمشهور
…
ولم يحتج بهذا الإسناد أحد منهما. وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 21): وهو حديث ليس بالقوي؛ لأن إسناده ليس بالقائم، فيه مجهولان. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 35): في إسناده أبو سعد الخير الحمصي وهو الذي رواه عن أبي هريرة، قال أبو زرعة الرازي [في الجرح والتعديل 9/ 378]: لا أعرفه، فقلت: لقي أبا هريرة؟ قال: على هذا يوضع.
واضطرب قول الحافظ في الحديث، فحسَّن إسناده في الفتح (1/ 225)، وقال في التلخيص الحبير (1/ 103): ومداره على أبي سعد الحبراني الحمصي، وفيه اختلاف، وقيل: إنه صحابي، ولا يصح. والراوي عنه حصين الحبراني، وهو =
(وإن قلعه بلسانه، لم يكره ابتلاعه) كسائر ما بِفِيهِ.
(ولا يأكل مما شُرِبَ عليه الخمر) لأنَّ شراءه لذلك فاسد؛ ولأنه أثر معصية.
(ولا) يأكل (مختلطًا بحرام) لاستلزامه أكل الحرام
(1)
، وأما الأكل من مال مَن في ماله حرام، فتقدم الكلام عليه مستوفىً
(2)
.
(ولا يُلْقِم جليسه) إلا بإذن رَبِّ الطعام (ولا يفسح لغيره إلا أن يأذن ربُّ الطعام) لأنه تصرف في ماله بغير إذنه.
(وفي معنى ذلك: تقديم بعض الضيفان ما لديه، ونَقْلُه إلى البعض الآخر) فلا يفعله بلا إذن ربِّ الطعام.
(قال في "الفروع": وما جرت العادةُ به، كإطعام سائل وسِنَّور ونحوه، وتلقيم) غيره (وتقديم) بعض الضيفان إلى بعض (يحتمل كلامهم وجهين، وجوازه أظهر؛ لحديث أنس في الدُّبَّاء) قال أنس: "دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فانطلقتُ معه، فجيءَ بمَرقة فيه دُبَّاءٌ، فجعل يأكلُ من ذلك الدُّبَّاءِ ويُعجبهُ، فلمّا رأيت ذلك جعلتُ أُلقيه ولا أَطْعَمُهُ. قال أنس: فما زلتُ أُحبُّ الدُّبَّاء" رواه مسلم، والبخاري
(3)
ولم يقل: "ولا أَطْعَمُهُ" وفي لفظٍ: قال أنس: "فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَّبَّعُ الدُّبَّاء من
= مجهول، وقال أبو زرعة: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات [5/ 568] وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل [8/ 284 - 285].
(1)
زاد في "ح" و"ذ" و"متن الإقناع": "إلا لضرورةٍ".
(2)
(12/ 11 - 12).
(3)
مسلم في الأشربة، حديث 2041 (144 - 145)، والبخاري في البيوع، باب 30، حديث 2092، وفي الأطعمة، باب 4، 25، 33، 35 - 38، حديث 5379، 5420، 5433، 5435 - 5437، 5439.
حوالي الصَّحْفةِ - فلم أزَلْ أُحبُّ الدُّبَّاءَ من يومئذٍ - فجعلتُ أجمعُ الدُّبَّاء بين يديه".
(ولا يخلط طعامًا بطعام) لأنه قد يستقذره غيره.
(ولا يُكره قطع اللحم بالسكين، والنهي عنه لا يصح
(1)
) قاله أحمد
(2)
.
(وينبغي ألَّا يُبادر إلى تقطيع اللحم الذي يُقدَّم للضيفان حتى يأذنوا له في ذلك.
ولا بأس بالنِّهْد) - بكسر النون، ويقال: المناهدة - بأن يخرج كل من رفقته شيئًا من النفقة، ويدفعونه إلى من ينفق عليهم منه، ويأكلون جميعًا (وتقدم) ذلك (في) باب (ما يلزم الإمامَ والجيش
(3)
.
(1)
أخرج أبو داود في الأطعمة، باب 20، حديث 3778، وابن حبان في المجروحين (3/ 60)، وابن عدي (7/ 2518)، والبيهقي (7/ 280)، وفي شعب الإيمان (5/ 91) حديث 5898، من طريق أبي معشر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطعوا اللحم بالسكين؛ فإنه من صنيع الأعاجم، وانهسوه؛ فإنه أهنأ وأمرأ". قال أبو داود: وليس هو بالقوي. وقال النسائي في الصغرى (4/ 172) عقب حديث 2242، وفي الكبرى (2/ 96): "وأبو معشر المدني اسمه نجيح، وهو ضعيف، ومع ضعفه - أيضًا - كان قد اختلط، عنده أحاديث مناكير، وذكر منها هذا الحديث. وقال ابن حزم في المحلى (7/ 436): لا يصح؛ لأنه من رواية أبي معشر المديني، وهو ضعيف. وقال البيهقي: تفرد به أبو معشر، وليس بالقوي. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 66): هذا الحديث مما أنكر عليه، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم احتز كتف شاة، فأكل، ثم صلى، والله أعلم.
(2)
الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص/ 388، والمغني (10/ 12، 13/ 357)، والمنار المنيف ص/ 129.
(3)
(7/ 118).
وإن تصدَّق منه بعضهم، قال أحمد
(1)
: أرجو ألَّا يكون به بأس، لم يزل الناس يفعلون ذلك).
قال في "المنتهى": فلو أكل بعضهم أكثر أو تصدق فلا بأس.
قال في "الآداب"
(2)
: (وعلى هذا يتوجَّه: صدقة أحد الشريكين بما يُسامَح به عادة وعْرْفًا، وكذا المضارِب والضيف ونحو ذلك) لأنه مأذون فيه عرفًا.
قال في موضع آخر
(3)
: لكن الأدب والأولى الكَف عن ذلك؛ لما فيه من إساءة الأدب على صاحبه، والإقدام على طعامه ببعض التصرف من غير إذن صريح.
(والسُّنة أن يكون البطن أثلاثًا: ثلثًا للطعام، وثلثًا للشراب، وثلثًا للنَّفَس) لقوله صلى الله عليه وسلم: "بحَسْب ابن آدمَ لُقيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإن كان ولا بُدَّ، فثُلُثٌ لطعامه، وثُلُثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنفسه"
(4)
.
(1)
مسائل أبي داود ص/ 137، ومسائل ابن هانئ (2/ 135 - 136) رقم 1766، ومسائل الكوسج (9/ 4688) رقم 3346.
(2)
الآداب الشرعية (3/ 183).
(3)
الآداب الشرعية (3/ 170 - 171).
(4)
أخرجه الترمذي في الزهد، باب 47، حديث 2380، والنسائي في الكبرى (4/ 177 - 178) حديث 6768 - 6770، وابن ماجه في الأطعمة، باب 50، حديث 3349، وابن المبارك في الزهد ص/ 213، حديث 603، وأحمد (4/ 132)، والطبري في تهذيب الآثار (2/ 717 - 718 مسند عمر رضي الله عنه) حديث 1036 - 1037، وابن حبان "الإحسان"(2/ 449، 12/ 41) حديث 674، 5236، والطبراني في الكبير (20/ 272 - 274) حديث 644 - 646، وفي مسند الشاميين (2/ 164، 165، 296، 3/ 136) حديث 1116، 1375 - 1376، 1946، والحاكم (4/ 121، 331 - 332)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 271 - 272) حديث 1340 - 1341، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 28) حديث 5648 - 5650، وفي الآداب =
(ويجوز أكله أكثر) من ثلثه (بحيث لا يؤذيه، و) أكله كثيرًا (مع خوف أذىً وتُخْمةٍ يحرم) نقله في "الفروع" عن الشيخ تقي الدين
(1)
، بعد أن نقل عنه: يكره. وفي "المنتهى": وكُره أكله كثيرًا بحيث يؤذيه.
(ويُكره إدمان أكل اللحم) ويأتي في الأطعمة.
(و) يُكره (تقليل الطعام بحيث يضره.
وليس من السُّنة تَرْك أكل الطيبات) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}
(2)
.
(ولا بأس بالجمع بين طعامين) من غير خلط؛ لحديث عبد الله بن جعفر قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القِثاءَ بالرطب"
(3)
.
(و"من السَّرَف أن تأكل كلَّ ما اشتهيت") رواه ابن ماجه
(4)
من
= ص/ 189، حديث 564، والبغوي في شرح السنة (14/ 249) حديث 4048، عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال البغوي: حديث حسن. وحسن إسناده الحافظ في الفتح (9/ 528).
(1)
انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 351.
(2)
سورة البقرة، الآية:172.
(3)
أخرجه البخاري في الأطعمة، باب 39، 45، 47، حديث 5440، 5447، 5449، ومسلم في الأشربة، حديث 2043.
(4)
في الأطعمة، باب 51، حديث 3352. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي الدنيا في الجوع ص/ 118، حديث 181، وأبو يعلى (5/ 154) حديث 2765، وابن حبان في المجروحين (3/ 47)، وابن عدي (7/ 2508 - 2509)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 213)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 46) حديث 5721 - 5722، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 181) حديث 1401، والمزي في تهذيب الكمال (30/ 50)، من طريق نوح بن ذكوان، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه.
قال ابن عدي: غير محفوظ، وقال أبو نعيم: غريب. وقال ابن الجوزي: هذا حديث =
حديث أنس مرفوعًا. قال في "الآداب"
(1)
: وفيه ضعف.
(ومن أذهب طيِّباته في حياته الدنيا، واستمتع بها، نقصت درجاته في الآخرة) للأحاديث الصحيحة
(2)
.
(وقال) الإمام (أحمد
(3)
: يؤجر في تَرْكِ الشهوات. ومرادُه ما لم
= لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 189): هذا إسناد ضعيف؛ لأن نوح بن ذكوان متفق على تضعيفه. انظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 246)، وتنزيه الشريعة (2/ 256).
(1)
الآداب الشرعية (3/ 215).
(2)
منها ما أخرجه البخاري في الرقاق، باب 51، حديث 6547، ومسلم في الرقاق، حديث 2736، عن أسامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء.
ومنها ما أخرجه مسلم في الزهد، حديث 2979، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا.
ومنها ما أخرجه الترمذي في صفة القيامة، باب 39، حديث 2481، وأحمد (3/ 439)، والفسوي في تاريخه (1/ 339، 2/ 511)، والحارث بن أبي أمامة كما في بغية الباحث ص/ 173، حديث 542، وأبو يعلى (3/ 60، 68) حديث 1484، 1499، والطبراني في الكبير (20/ 180) حديث 386، والحاكم (4/ 183)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 48)، والبيهقي (3/ 272 - 273)، وفي شعب الإيمان (5/ 150) حديث 6148، وفي الآداب ص/ 348، حديث 733، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك اللباس تواضعًا لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها.
قال الترمذي: هذا حديث حسن، ومعنى قوله: حلل الإيمان، يعني: ما يعطى أهل الإيمان من حلل الجنة.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
(3)
كتاب الورع ص/ 100.
يخالف الشَّرْع).
قال الشيخ تقي الدين
(1)
: من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي؛ فمبتدعٌ.
(ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة) بوزن سهولة (ويأكل مع الفقراء بالإيثار، و) يأكل (مع الإخوان بالانبساط، و) يأكل (مع العلماء بالتعلُّم، ولا يتصنَّع بالانقباض) لأنه يؤذي الحاضرين معه، ويتكلّف الانبساط (ولا يُكثِرُ النظر إلى المكان الذي يُخْرَج منه الطعام) لأنه دناءة.
(ويُستحبُّ الأكل مع الزوجة والولد - ولو طفلًا - والمملوك، وأن تَكثُر الأيدي على الطعام، ولو من أهله وولده) لتكثر البركة، ولعلّه يصادف صالحًا يأكل معه، فيُغفر له بسببه.
(ويُسَنُّ أن يُجلِس غلامه معه على الطعام، وإن لم يُجلِسْه؛ أطعمه منه) ويأتي في نفقة المماليك.
(و) يُسن (لمن أكل مع الجماعة ألّا يرفع يده قبلهم حتى يكتفوا) لئلا يُخجِلهم. قال في "الآداب"
(2)
: بلا قرينة. قال الشيخ عبد القادر
(3)
: إلا أن يعلم منهم الانبساط إليه.
(ويُكره لصاحب الطعام مَدْح طعامه وتقويمه؛ لأنه دناءة).
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 467.
(2)
انظر: الآداب الشرعية (3/ 205).
(3)
الغنية للشيخ عبد القادر الجيلاني (1/ 21).
فصل
(ويُستحبُّ أن يباسط الإخوان بالحديث الطيب، والحكايات التي تليق بالحال، إذا كانوا منقبضين) ليحصل لهم الانبساط، ويطول جلوسهم.
(ويُقدِّم) ربُّ الطعام (ما حضر) عنده (من الطعام من غير تكلُّف) لمعدوم؛ للخبر الآتي (ولا يحتقره) لأنه نعمة من الله، وإن قلّ.
(وإذا كان الطعام قليلًا، والضيوف كثيرة، فالأولى ترك الدعوة) لاسيما إذا كان قليلًا جدًّا؛ لأنه ربما يوقعهم في الخوض فيه. قال بعض العلماء: وهذا محمولٌ على من كان واجدًا للزيادة فتَرَكها، أما الذي لا يجد إلا ما قدَّمه، فلا ينبغي له الترك.
(ويُسنُّ أن يخصَّ بدعوته الأتقياء والصالحين
(1)
) لتناله بركتهم؛ ولأنهم يَتَقَوَّوْنَ به على طاعة الله، بخلافه
(2)
ضدهم، فإنهم يتقوَّون به على معصيته، فيكون معينًا لهم عليها.
(وإذا طبخ مرقة، فليكثِر من مائها، ويتعاهد منه بعض جيرانه) للخبر
(3)
.
(1)
أخرج أبو داود في الأدب، باب 16، حديث 4832، والترمذي في الزهد، باب 55، حديث 2395، وأحمد (3/ 38)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".
(2)
في "ح"، و"ذ":"بخلاف".
(3)
أخرج مسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2625 (142)، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك".
(وإذا حضر الطعام، و) أقيمت (الصلاة، فقد تقدَّم آخر باب صفة الصلاة
(1)
.
ولا خير في من لا يُضيف) كما في الخبر
(2)
.
(ومن آداب إحضار الطعام تعجيلُهُ) للقادم (لا سيما إذا كان الطعام قليلًا. و) يستحبُّ (تقديم الفاكهة قبل غيرها؛ لأنه أصلحُ في باب الطب) لأنها أسرعُ هضمًا، فتنحدر على ما تحتها فتفسده.
(ويُكره أكل ما لم يَطِبْ أكله) أي: ينضَج (منها) أي: من الفاكهة؛ لأنه مضرّ.
(ولا يستأذنهم) أي: لا يستأذن ربُّ الطعام الضيوفَ (في التقديم) أي: تقديم الطعام إليهم.
(ومن التكلُّف أن يقدِّم جميع ما عنده) وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا وأتقياء أمّتي بُرَآء من التكلُّف"
(3)
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تَكلَّفوا للضَّيف فتُبغضوه،
(1)
(2/ 409 - 410).
(2)
أخرج أحمد (4/ 155)، والروياني في مسنده (1/ 156) حديث 175، وإبراهيم الحربي في إكرام الضيف ص/ 34، حديث 54، والخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 309) حديث 294، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 91) حديث 9588، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا خير فيمن لا يُضيف".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 175): رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة، وحديثه حسن. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 426 مع الفيض) ورمز لحسنه.
وأخرجه ابن عدي (4/ 1466)، والبيهقي في رواية، بلفظ:"بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف".
(3)
لم نقف على من رواه مسندًا، وذكر الديلمي في (الفردوس 1/ 76) حديث 228، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه مرفوعًا: إني بريء من التكلف، وصالحو أمتي. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 187): رواه الدارقطني في الأفراد من =
فإنه
(1)
من أبغض الضَّيفَ فقد أبغضَ الله، ومَن أبغضَ الله أبغضَهُ الله"
(2)
.
= حديث الزبير بن العوام، وقال: إسناده ضعيف.
وأخرجه ابن عساكر في تاريخه (35/ 278) من طريق سيف بن عمر عن وائل بن داود، عن البهي بن يزيد، عن الزبير بن أبي هالة مرفوعًا.
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 579): الزبير بن أبي هالة من رواية سيف بن عمر - وهو متروك الحديث، فلم أكتب ما روى، ومن روى عنه. وقال ابن حجر في الإصابة (4/ 9): لكن وقع في كثير من النسخ: عن الزبير بن العوام. وقال النووي في الفتاوى ص/ 190: ليس هذا الحديث بثابت.
وأخرج البخاري في الاعتصام، باب 3، حديث 7293، عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند عمر فقال: نهينا عن التكلف.
(1)
في "ذ": "فإن".
(2)
أخرجه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث سلمان رضي الله عنه كما في المغني عن حمل الأسفار للعراقي (2/ 12 - بهامش الإحياء) -. قال العراقي: فيه محمد بن الفرج الأزرق متكلم فيه. وأخرج ابن المبارك في الزهد ص/ 493، حديث 1404 - 1408، وأحمد (5/ 441)، والبزار (6/ 482) حديث 2514، 2515، والطبراني في الكبير (6/ 235) حديث 6083 - 6085، وفي الأوسط (6/ 435) حديث 5931، والحاكم (4/ 123)، والسهمي في تاريخ جرجان (ص 162)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 53)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 94) حديث 9598، وفي الآداب ص/ 30، حديث 84، وأبو الطاهر في جزئه (1/ 53)، وابن عساكر في تاريخه (13/ 126، 21/ 448) عن شقيق بن سلمة أبي وائل، أن سلْمان رضي الله عنه دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن يتكلف أحدنا لصاحبه، لتكلفنا لك. هذا لفظ أحمد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 179): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي، وهو ثقة.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 386)، والطبراني في الكبير (6/ 271) حديث 6187، والحاكم (4/ 123)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 56)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 94) حديث 9599 - 9601، والخطيب في تاريخه =
(قال الشيخ
(1)
: إذا دُعي إلى أكل، دخل بيته، فأكل ما يكسر نَهْمَته قبل ذهابه. انتهى.
ولا يجمع بين النوى والتمر في طبق واحد) لأنه يورث نفورًا عن أكل الباقي، وكذا أكْل الرمان، وكلُّ ما له قشر، كالقصب.
(ولا يجمعه في كفِّه، بل يضعه من فيه على ظهر كفِّه، وكذا كل ما فيه عَجَم وثُفْل) قال أبو بكر بن حماد: رأيت الإمام أحمد يأكل التمر ويأخذ النوى على ظهر إصبعيه؛ السبابة والوسطى
(2)
.
والعَجَم - بالتحريك -: النوى، وكل ما كان في جوفِ مأكولٍ، كالزبيب. الواحدة عَجَمَةٌ، مثل قصب وقصبة. قال يعقوب
(3)
: والعامة تقول: عَجْم، بالتسكين، والثُّفْل - بضم الثاء المثلثة وسكون الفاء - ما يثْفُل من كل شيء؛ قاله في "الآداب"
(4)
.
(ولا يخلط قشر البِطّيخ الذي أكله بما لم يؤكل، ولا يرمي به؛ لأنَّ في جمعه ليُطرَح كُلْفةً، وربما صدم) حالَ رميه (رأس الجليس، أو قطر منه شيء في حالة الرمي) على جليسه فآذاه.
(ولربّ الطعام أن يخصَّ بعض الضيفان بشيء طيِّب إذا لم يتأذَّ غيْرُه) لأن له أن يتصرف في ماله كيف شاء.
(ويستحب للضيف أن يُفْضِل شيئًا) من الطعام (لاسيَّما إن كان ممن
= (10/ 205)، عن عبد الرحمن بن مسعود، عن سلْمان يقول: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف. قال الذهبي في تلخيص المستدرك: سنده ليِّن.
(1)
الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 375).
(2)
الآداب الشرعية (3/ 217)، والفروع (6/ 298).
(3)
هو ابن السكيت، وكلامه المذكور في كتابه إصلاح المنطق ص/ 173.
(4)
الآداب الشرعية (3/ 216).
يُتَبَرَّك بفضلته
(1)
، أو كان ثمَّ حاجة) إلى إبقاء شيء منه.
(وفي "شرح مسلم"
(2)
: يُستحب لصاحب الطعام وأهل الطعام الأكل بعد فراغ الضيفان؛ لحديث أبي طلحة الأنصاري في "الصحيح" وفيه: "أنّهُ لم يكن له مالٌ، فذهب بالضَّيف، وقال لامرأته: هذا ضيفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: والله ما عندنا إلا قُوتُ الصِّبية، فقال: نَوِّمي صبيانك، وأطفئي السِّراج، وقدِّمي ما عندك للضَّيف، ونُوهمُهُ أنَّا نأكل، ففعلا ذلك، ونزل في ذلك قوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
(3)
(4)
.
(والأَولى: النَّظر في قرائن الحال) فإن دلّت قرينة على إبقاء شيء أبقاه، وإلا؛ مسح الإناء؛ لأنها تستغفر لِلاعقها
(5)
.
(1)
الصحيح أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يتبرك بفضلة أحد غيره. انظر ما تقدم (5/ 422). تعليق رقم (4).
(2)
(14/ 9).
(3)
سورة الحشر، الآية:9.
(4)
أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب 10، حديث 3798، وفي تفسير سورة الحشر، باب 6، حديث 4889، ومسلم في الأشربة، حديث 2054، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
أخرج البخاري في التاريخ الكبير (8/ 127)، والترمذي في الأطعمة، باب 11، حديث 1804، وابن ماجه في الأطعمة، باب 10، حديث 3271 - 3272، ونعيم بن حماد في الفتن (2/ 712) حديث 2001، وابن سعد (7/ 50 - 51)، وأحمد (5/ 76)، والدارمي في الأطعمة، باب 7، حديث 2033، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 76)، وبحشل في تاريخ واسط ص/ 47، والدولابي في الكنى والأسماء (2/ 168)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 323، 337)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 82) حديث 5860، والبغوي في شرح السنة (11/ 316)، عن نبيشة الخير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل في قصعة ثم لحسها، استغفرت له =
(ولا يُشْرَع تقبيل الخُبز ولا الجَمادات، إلا ما استثناه الشرع) كتقبيل الحجر الأسود. وتقدم فيه كلام في الحج
(1)
.
(ويُكره أن يأكل ما انتفخ من الخبز ووجهَه، ويتركَ الباقي) منه؛ لأنه كِبْر.
(ولا يقترح الزائر طعامًا بعينه، وإن خُيِّر) الزائر (بين طعامين، اختار الأيسر) منهما؛ لئلا يحمل رَبَّ الطَّعام على التكلُّفِ (إلا أن يعلم أنَّ مُضيفه يُسَرُّ باقتراحه ولا يُقصِّر) فلا بأس بالاقتراح؛ لأنه من إدخال السرور.
(وينبغي ألَّا يقصد) المدعو (بالإجابة إلى الدعوة نفسَ الأكل) لأنه سِيمة البهائم (بل ينوي به الاقتداء بالسُّنة، وإكرام أخيه المؤمن، وينوي صيانة نفسه عن مسيءٍ به الظن بالتكبّر) ليُثَاب عليه.
(ويُكره أكل الثُّوم والبصل ونحوهما) مما له رائحة كريهة نيئًا، ويأتي في الأطعمة.
(ويُستحبُّ أن يجعل ماء الأيدي في طَسْت واحد، فلا يرفعه إلى
(2)
أن يمتلئ) لئلا يكون متشبهًا بالأعاجم في زِيِّهم.
(ولا يضع الصابون في ماء الطَّسْت بعد غسل يده) لأنه يذيبه
= القصعة". قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد. وقال الدارقطني في الأفراد والغرائب - كما في الإصابة (3/ 277) -: تفرد به معلى بن راشد عن جدته أم عاصم، عن نُبيشة رجل من هُذيل.
قلنا: والمعلى بن راشد مقبول، كما في التقريب (6851). وانظر: المقاصد الحسنة (1/ 627).
(1)
(6/ 244 - 249).
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 415): "إلا".
(وظاهر كلامهم: لا يُكره غسل اليد بالطيب) فلا يُكره بالصابون المطيب.
(ومن أكل طعامًا، فليقل) استحبابًا: ("اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرًا منه") للخبر
(1)
(وإذا شرب لَبنًا قال) نَدْبًا: ("اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه") للخبر
(2)
.
(وإذا وقع الذباب) أي: البعوض (ونحوه) كالزنابير والنحل. قال الجاحظ
(3)
: اسم الذباب يقع عند العرب على الزنابير والنحل والبعوض وغيرها (في طعام أو شراب؛ سُنَّ غمسه كلّه فيه، ثم ليطرحه) لقوله صلى الله عليه وسلم:
(1)
أخرجه أبو داود في الأشربة، باب 21، حديث 3730، والترمذي في الدعوات، باب 55، حديث 3455، وفي الشمائل ص/ 104، حديث 207، والنسائي في الكبرى (6/ 79 - 80) حديث 10118 - 10119، وابن ماجه في الأطعمة، باب 35، حديث 3322، والطيالسي ص/ 355، حديث 2723، وعبد الرزاق (4/ 511) حديث 8676، والحميدي (1/ 225) حديث 482، وابن سعد (1/ 396 - 397)، وأحمد (1/ 225، 284)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 425، حديث 474، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 294) حديث 646، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 104) حديث 5957، والبغوي في شرح السنة (11/ 387) حديث 3055، وفي "الأنوار في شمائل النبي المختار"(2/ 647) حديث 1007، وعبد الغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء" ص/ 206، حديث 109، والمزي في تهذيب الكمال (21/ 297)، عن ابن عباس رضي الله عنهما ضمن قصة وفيها:"من أطعمه الله طعامًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرًا منه. ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يُجزي من الطعام والشراب إلا اللبن".
قال الترمذي: حديث حسن.
وحسَّنه - أيضًا - الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه ابن علان في الفتوحات الربانية (5/ 238).
(2)
هو الحديث السابق.
(3)
كتاب الحيوان (3/ 305).
"إذا وقع الذُّباب في شراب أحدكم - أو قال: في طعام أحدكم - فليغمسهُ كُلّه ثمَّ ليطرحهُ، فإنَّ في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً، وإنّهُ يتّقي بالدَّاء"
(1)
، وظاهره: استحباب غمسها مطلقًا، وإن كانت حيّة وأفضى ذلك إلى موتها بالغمس.
(ويغسل يديه وفَمَهُ من ثومٍ، وبَصَلٍ، وزُهُومة، ورائحة كريهة) تنظيفًا لذلك (ويتأكد عند النوم) خشية اللَّمم
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب 17، حديث 3320، وفي الطب، باب 58، حديث 5782، عن أبي هريرة رضي الله عنه. دون قوله:"وإنه يتقي بالداء" فقد أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب 49، حديث 3844، وأحمد (2/ 229 - 230، 443)، وابن خزيمة (1/ 56) حديث 105، وابن حبان "الإحسان"(4/ 53، 12/ 55) حديث 1246، 5250، والبيهقي (1/ 252)، وفي معرفة السنن والآثار (2/ 72) حديث 1799، والذهبي في السير (6/ 322).
وقال الذهبي: هذا حديث حسن الإسناد عالٍ.
(2)
أخرج البخاري في الأدب المفرد ص/ 315، حديث 1220، وأبو داود في الأطعمة، باب 54، حديث 3852، والترمذي في الأطعمة، باب 48، حديث 1860، والنسائي في الكبرى (4/ 203) حديث 6905 - 6906، وابن ماجه في الأطعمة، باب 22، حديث 3297، وابن أبي شيبة (8/ 564)، وأحمد (2/ 263، 344، 537)، والدارمي في الأطعمة، باب 27، حديث 2069، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (3/ 1066)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 961) حديث 2768، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 139، 145، 162) حديث 221، 233، 273، وابن حبان "الإحسان"(12/ 329) حديث 5521، وابن عدي (4/ 1496)، والحاكم (4/ 137)، وتمام في فوائده (1/ 103) حديث 238، وأبو نعيم في الحلية (7/ 144)، والبيهقي (7/ 276)، وفي شعب الإيمان (5/ 70) حديث 5813، 5816 - 5817، والبغوي في شرح السنة (11/ 317) حديث 2878، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام وفي يده غَمَرٌ ولم يغسله، فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي وقال البغوي: هذا حديث حسن. وقال الحافظ في الفتح =
(وفي الثريد فضل على غيره من الطعام) لحديث: "فَضْلُ الثّريد على الطّعام كفَضْل عائشة على النساء"
(1)
(وهو) أي: الثريد (أن يثرُدَ الخبز - أي: يفتَّه - ثم يَبُلَّه بمرق لحم أو غيره، وإذا ثَرَدَ غطَّاه شيئًا حتى يذهب فَوْرُه، فإنه أعظم للبركة.
ويُكره) لمن أكل مع جماعة (رَفْعُ يده قبلَهم بلا قرينة) تدلُّ على شبع الجميع، وتقدّم
(2)
.
(و) يُكره للإنسان (أن يقيم غيرَه عن الطعام قبل فراغه؛ لما فيه من قطع لَذَّتِهِ، ولا يقوم عن الطعام حتى يُرفع) الطعام.
(وإن أكل تمرًا عتيقًا ونحوه) مما يُسَوِّس (فتَّشه، وأخرج سُوسَه) لاستقذاره. قلت: وكذا نَبْق
(3)
ونحوه مما يُدَوِّدُ.
(وإطعام الخبز البهيمةَ تركُه أولى) لأنه يؤذيها (إلا لحاجة، أو كان يسيرًا.
ومن السُّنة أن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار) تتميمًا لإكرامه
= (11/ 512): وسنده صحيح على شرط مسلم.
(1)
أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 32، 46، حديث 3411، 3433، وفي فضائل الصحابة، باب 30، حديث 3769، وفي الأطعمة، باب 25، حديث 5418، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2431، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وأخرجه - أيضًا - البخاري في فضائل الصحابة، باب 30، حديث 3770، وفي الأطعمة، باب 25، 30، حديث 5419، 5428، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2446، عن أنس رضي الله عنه، ولفظهما:"فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
(2)
(12/ 51).
(3)
النَّبْقُ - بفتح النون وكسر الباء وقد تسكن -: ثمر السدر، واحدته نَبِقة ونَبْقة، وأشبه شيء به العناب قبل أن تشتد حمرته. النهاية في غريب الحديث (5/ 10).
(ويَحْسُنُ أن يأخذ بِرِكابه) أي: رِكاب ضيفه إذا ركب (ورُوي) عن ابن عباس رضي الله عنهما (مرفوعًا: "من أخذ بِركاب مَنْ لا يرجوه ولا يخافه، غُفر له"
(1)
) قاله في "الآداب"
(2)
.
(قال ابن الجوزي: وينبغي) أي: للضيف، بل لكل أحد (أن يتواضع في مجلسه، و) ينبغي (إذا حضر ألَّا يتصدَّر، وإن عيّن له صاحب البيت مكانًا لم يتعدَّه
(3)
) أي: لم يتجاوزه إلى غيره؛ لأنه إساءة أدب منه.
(والنِّثَارُ في العرس وغيره والتقاطه مكروهان؛ لأنه شِبْه النُّهبة) وقد: "نَهَى صلى الله عليه وسلم عن النُّهبى والمُثلة" رواه أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري
(4)
. (والتقاطه دناءة وإسقاط مروءة) والله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها
(5)
؛ ولأن فيه تزاحمًا وقت
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 286) حديث 10678، وفي الأوسط (2/ 12) حديث 1016، وتمام في فوائده (2/ 73) حديث 1175، وأبو نعيم في الحلية (3/ 212)، والخطيب في الجامع (1/ 187)، وفي تالي التلخيص (1/ 168).
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 209): حديث باطل. ثم قال: العجب من الخطيب كيف روى هذا، وعنده عدة أحاديث من نمطه ولا يبين سقوطها في تصانيفه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 16): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن عمر المازني، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(2)
الآداب الشرعية (3/ 227).
(3)
انظر: الآداب الشرعية (3/ 227).
(4)
أحمد (4/ 307)، والبخاري في المظالم، باب 30، حديث 2474، وفي الذبائح والصيد، باب 25، حديث 5516.
(5)
أخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق ص/ 2، حديث 6، والخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 5) حديث 2، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 269)، والطبراني في الكبير (6/ 181) حديث 5928، وفي الأوسط (3/ 449) حديث 2964، والحاكم (1/ 48)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 255، 8/ 133)، والبيهقي (10/ 191)، وفي =
الأخذ
(1)
، وقد يأخذه مَنْ غَيْرُه أحبُّ إلى صاحبه.
(ومن أخذ منه) أي: النِّثَار (شيئًا؛ ملكه، ومن حصل في حَجره منه شيء؛ فهو له) سواء قصد تملّكه بذلك، أو لم يقصده؛ لأن مالكه قصد تمليكه لمن حازه، وقد حازه مَنْ أخذه، أو حصل في حجره، فيملكه (كما لو وَثَبَتْ سمكةٌ في البحر، فوقعت في حجره) وكذا لو دخل صيدٌ دارَه أو خيمته، فأغلق عليه الباب (وليس لأحَد أخذه منه) أي: أخذ النِّثَار
= شعب الإيمان (6/ 240) حديث 8011، وفي الأسماء والصفات (1/ 143) حديث 88، وفي الآداب ص/ 137، حديث 207، وابن عساكر في تاريخه (7/ 5)، وأبو طاهر السلفي في معجم السفر ص/ 66، حديث 215، وابن نقطة في التقييد (1/ 110)، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها".
وصحح إسناده الحاكم، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار (3/ 244).
وأخرج الدولابي في الذرية الطاهرة ص/ 91، حديث 162، والطبراني في الكبير (3/ 142) حديث 2894، وابن عدي (3/ 879)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 150) حديث 1076، والخطيب في الجامع (1/ 92)، وفي تلخيص المتشابه (1/ 16)، عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 188): فيه خالد بن إلياس، ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي، وبقية رجاله ثقات.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 459) حديث 6902، وابن عساكر في تاريخه (38/ 367) عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 188): فيه من لم أعرفه.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق ص/ 20، حديث 10، والطبراني في مكارم الأخلاق ص/ 85، حديث 120، والخطابي في غريب الحديث (1/ 302) عنه بلفظ:"مكارم الأخلاق". وفي سنده مبارك بن فضالة، وهو مدلس.
(1)
في "ح" و"ذ": "وقتالًا" بدلًا من جملة "وقت الأخذ".
ممن أخذه، أو حصل في حجره.
(فإن قسم) الآخذ للنِّثَار ما أخذه أو حصل في حجره (على الحاضرين لم يُكره) له ولا لهم؛ لأن الحق له وقد أباحه لهم (وكذلك) في عدم الكراهة (إن وضعه بين أيديهم، وأذن لهم في أخذه على وجه لا يقع فيه تناهب) فيُباح؛ لعدم موجب الكراهة.
(ويُسَن إعلان) أي: إظهار (النّكاح والضرب عليه بدُفٍّ لا حَلَقَ فيه، ولا صنوجَ للنساء) لما روى محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ ما بين الحلال والحرام، الصَّوتُ والدُّفُّ في النِّكاح" رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسَّنه
(1)
. وقال أحمد
(2)
- أيضًا -: يستحب ضرب الدف والصوت في الإملاك، فقيل له: ما الصوت؟ قال: يتكلم ويتحدث ويظهر.
(ويُكره) الضرب بالدفّ (للرجال) مطلقًا؛ قاله في "الرعاية". وقال الموفّق: ضرب الدفّ مخصوص بالنساء. قال في "الفروع": وظاهر نصوصه وكلام الأصحاب: التسوية (وتقدم بعضه في كتاب النكاح
(3)
.
فلا
(4)
بأس بالغَزَل في العرس) لقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار:
أتيناكم أتيناكم
…
فحيُّونا نُحيِّيكم
لولا الذَّهب الأحمر
…
لما حلَّت بواديكم
(1)
تقدم تخريجه (11/ 184) تعليق رقم (2).
(2)
مسائل حرب ص 107، وانظر: مسائل ابن هانئ (1/ 197) رقم 978، وكتاب الروايتين والوجهين (3/ 141) وما تقدم (11/ 183).
(3)
(11/ 183 - 184).
(4)
في "ح" و"ذ": "ولا".
ولولا الحبَّة السوداء
…
ما سُرَّتْ عذاريكم
(1)
لا على ما يصنعه الناس اليوم (وضرب الدفّ في الختان، وقدوم الغائب، ونحوهما) كالولادة (كالعرس) لما فيه من السرور.
(و
تحرم كل مَلهاة سوى الدُّف،
كمزمارٍ وطنبور ورباب وجَنْكٍ وناي ومَعْزَفة وجُفانة وعود وزمَّارةِ الراعي ونحوها، سواء استُعملت لحزن أو سرور) وفي القضيب
(2)
وجهان. وفي "المغني": لا يكره إلا مع
(1)
أخرجه بهذا اللفظ: الطبراني في الأوسط (3/ 315) حديث 3265، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما فعلت فلانة؟ " - ليتيمة كانت عندها - فقلت: أهديناها إلى زوجها، قال:"فهل بعثتم معها بجارية تضرب بالدف وتغني" قالت: تقول ماذا؟ قال: "تقول:. . ." الحديث وفيه: "الحبة السمراء ما سمنت".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 289): فيه روَّاد بن الجراح، وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وفيه ضعف.
وأخرجه النسائي في الكبرى (3/ 332) حديث 5566، وأحمد (3/ 391)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 164) حديث 1432، من طريق الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة
…
الحديث بنحوه.
وأخرجه البيهقي (7/ 289)، من طريق الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عائشة رضي الله عنهما.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 289): فيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.
وأخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 21، حديث 1900، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 377) حديث 3321، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أنكحت عائشة ذات، قرابة لها من الأنصار
…
الحديث. قال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن الأجلح مختلف فيه، وأبو الزبير قال فيه ابن عيينة: يقولون: إنه لم يسمع من ابن عباس، وقال أبو حاتم: رأى ابن عباس رؤية.
وأخرجه البيهقي (7/ 289)، عن عمرة بنت عبد الرحمن، بنحوه، وقال: هذا مرسل جيد.
(2)
في حاشية الأصل ما نصه: "قال في الصحاح [1/ 203]: القضيب واحد القضبان، =
تصفيق، أو غناء، أو رقص ونحوه.
وكره أحمد
(1)
التغبير - بالغين المعجمة والباء الموحدة - ونهى عن استماعه، وقال
(1)
: بدعة ومُحدَث. ونقل أبو داود
(2)
: لا يعجبني. ونقل يوسف
(3)
: ولا تستمعه، قيل: هو بدعة؟ قال: حسبك.
قال في "القاموس"
(4)
: والمُغبِّرَة قوم يُغَبِّرون لذكر الله، أي: يُهَلِّلون ويردّدون الصوت بالقراءة وغيرها، سُمُّوا بذلك؛ لأنهم يُرغِّبون الناس في المغابرة إلى الباقية
(5)
. انتهى.
وفي "المستوعب" منع من إطلاق اسم البدعة عليه ومن تحريمة؛ لأنه شعر مُلحّن، كالحِدَاء، والحَدْو للإبل ونحوه.
ونقل إبراهيم بن عبد الله القلانسي، أن أحمد قال
(6)
عن الصوفية: لا أعلم أقوامًا أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون. قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة. قيل: فمنهم من يموت ومنهم من يُغشى عليه؟ فقال: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}
(7)
(8)
ولعل مراده سماع القرآن، وعَذَرَهم لقوة الوارد؛ قاله في "الفروع".
= وهي الأغصان". وانظر: كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع لابن حجر الهيتمي ص/ 40 وما بعدها.
(1)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص 97، 98.
(2)
مسائل أبي داود ص 281، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص 98.
(3)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص 97.
(4)
ص/ 448، مادة (غبر).
(5)
كذا في الأصول، وفي القاموس:"يرغِّبون الناس في الغابرة أي الباقية".
(6)
الآداب الشرعية (2/ 308)، والفروع (5/ 312).
(7)
سورة الزمر الآية: 47.
(8)
قال في الآداب الشرعية (2/ 308): "كذا روي في هذه الرواية! والمعروف خلاف هذا عنه".
باب عشرة النساء والقَسْم والنشوز وما يتعلق بها
(وهي) أي: العِشْرة - بكسر العين المهملة - في الأصل: الاجتماع. يقال لكل جماعة: عِشرة ومَعْشَر.
والمراد هنا: (ما يكون بين الزوجين من الأُلفة والانضمام) أي: الاجتماع.
(يلزم كل واحد منهما) أي: الزوجين (معاشرة الآخر بالمعروف، من الصُّحبة الجميلة، وكفِّ الأذى، وألَّا يمطُلَه بحقِّه مع قُدْرَته، ولا يُظهِرَ الكراهة لبذله، بل ببِشْرٍ وطلاقة وجهٍ، ولا يتبعه أذىً ولا مِنَّةً) لأن هذا من المعروف المأمور به؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(1)
وقوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(2)
، قال أبو زيد
(3)
: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيكم
(4)
. وقال ابن عباس: إني لأحبُّ أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزيَّن لي؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(5)
(6)
.
(1)
سورة النساء، الآية:19.
(2)
سورة البقرة، الآية:228.
(3)
كذا في الأصول: "أبو زيد"!، وصوابه:"ابن زيد" كما في تفسير الطبري، وهو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي.
(4)
أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 453).
(5)
سورة البقرة، الآية:228.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 272 - 273)، والطبري (2/ 453)، وابن أبي حاتم في =
(وحقُّه) أي: الزوج (عليها أعظم من حقِّها عليه) لقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
(1)
؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ، لأمرتُ النِّساء أن يَسجدْنَ لأزواجهنَّ، لما جعل الله لهم عليهنَّ من الحقِّ" رواه أبو داود
(2)
.
وقال: "إذا باتتِ المرأةُ هاجرةً
(3)
فراش زوجها، لَعَنَتْها الملائكةُ حتى تُصبح" متفق عليه
(4)
.
(ويُسنُّ) لكل منهما (تحسين الخُلُق لصاحبه، والرفق به، واحتمالُ أذاه) لقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. . .} إلى قوله: {وَالصَّاحِبِ
= تفسيره (2/ 417)، والبيهقي (7/ 295 - 296). وذكره السيوطي في الدر المنثور (1/ 661) وعزاه - أيضًا - إلى وكيع، وسفيان بن عيينة، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(1)
سورة البقرة، الآية:228.
(2)
في النكاح، باب 40، حديث 2140، عن قيس بن سعد رضي الله عنهما. وأخرجه - أيضًا - الدارمي في الصلاة، باب 159، حديث 1471، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 72) حديث 2023، والبزار (9/ 199) حديث 3747، والطبراني في الكبير (18/ 351) حديث 895، والحاكم (2/ 187)، وابن حزم في المحلى (10/ 332) والبيهقي (7/ 291).
قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 358 مع الفيض)، ورمز لصحته. وقال ابن حزم: فيه شريك بن عبد الله القاضي، وهو مدلس يدلس المنكرات عمن لا خير فيه إلى الثقات.
قلنا: لم ينفرد به، تابعه أبو بكر النخعي عند البيهقي.
وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 311): إسناده صحيح.
(3)
في "ح": "مهاجرة"، وهو موافق للفظ البخاري.
(4)
البخاري في النكاح، باب 85، حديث 5194، ومسلم في النكاح، حديث 1436، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
بِالْجَنْبِ}
(1)
قيل: هو كل واحد من الزوجين، وقال صلى الله عليه وسلم:"استوصوا بالنِّساء خيرًا؛ فإنهنَّ عَوانٍ عليكم، أخذتموهُنَّ بأمانة الله، واستحللتمْ فُروجهنَّ بكلمة الله" رواه مسلم
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المرأة خُلقتْ من ضِلَعٍ أعوج، لن تستقيم على طريقةٍ، فإن ذهبتَ تُقيمُها كسرتَها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوجٌ" متفق عليه
(3)
.
وقال: "خيارُكُمْ خيارُكُمْ لنسائه" رواه ابن ماجه
(4)
.
(1)
سورة النساء، الآية:36.
(2)
في الحج، حديث 1218، عن جابر رضي الله عنه، ولفظه:"فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله. . ." إلخ. وأما لفظ: "استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن عوانٍ عليكم" فأخرجه الترمذي في الرضاع، باب 11، حديث 1163، والنسائي في الكبرى (5/ 372) حديث 9169، وابن ماجه في النكاح، باب 3، حديث 1851، ولفظهم:"فإنما هن عوانٍ عندكم" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ومعنى قوله: "عوانٍ عندكم" يعني أسيرات في أيديكم. ولفظ: "استوصوا بالنساء خيرًا" أخرجه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه كما سيأتي.
(3)
البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 1، حديث 3331، وفي النكاح، باب 79 - 80، حديث 5184، 5186، ومسلم في الرضاع، حديث 1468، عن أبي هريرة رضي الله عنه، دون قوله:"أعوج". وأما لفظ: "ضلع أعوج" فأخرجه الحاكم (4/ 174)، والطبراني في الأوسط (1/ 93) حديث 283، عن أبي هريرة. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
(4)
في النكاح، باب 50، حديث 1978، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ولفظه:"لنسائهم". قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 345): هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وأخرجه البخاري في المناقب، باب 23، حديث 3559، وفي فضائل الصحابة، باب 27، حديث 3759، وفي الأدب، باب 38 - 39، حديث 6029، 6035، ومسلم في الفضائل، حديث 2321 بلفظ:"إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا". وقد روى هذا الحديث عدد من الصحابة بألفاظ متقاربة.
(قال ابن الجوزي
(1)
: معاشرة المرأة بالتلطف) لئلا تقع النفرة بينهما (مع إقامة هيبةٍ) لئلا تسقط حرمته عندها.
(ولا ينبغي أن يُعلمها قدر ماله، ولا يفشي
(2)
إليها سرًّا يخاف إذاعته) لأنها تفشيه.
(ولا يُكثِر من الهبة لها) فإنه متى عوَّدها شيئًا لم تصبر عنه.
(وليكن غيورًا من غير إفراط؛ لئلَّا تُرمى بالشر من أجله).
وينبغي إمساكها مع الكراهة لها؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}
(3)
، قال ابن عباس: ربما رُزق منها ولدًا، فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا
(4)
.
(وإذا تم العقد، وجب تسليم المرأة في بيت الزوج) لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم المعوض كما يُسْتَحق العوضُ
(5)
، وكالإجارة (- ما لم تشترط بيتها - إذا طلبها) لأن الحق له، فلا يجب بدون طلبه (وكانت حُرَّة يمكن الاستمتاع بها) كما يجب للمرأة تسليم الصَّداق، إذا طلبته، فإن شرطت دارها لم يكن للزوج طلبها إلى بيته؛ قاله في "شرح المنتهى". وفي "المبدع": فإن شرطته؛ لزم الوفاء به، ويجب عليها تسليم نفسها في دارها. انتهى. قلت: تقدم
(6)
أنه يُسَنُّ الوفاء به، وإنما
(1)
في كتابه السر المصون كما في الفروع (5/ 315).
(2)
في "ذ": "لا يفش".
(3)
سورة النساء، الآية:19.
(4)
أخرجه الطبري في تفسيره (4/ 313)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 905) رقم 5045.
(5)
في "ح" و"ذ": "كما تستحق المرأة تسليم العوض".
(6)
(11/ 365).
يلزم على قول الشيخ تقي الدين
(1)
، فعليه
(2)
: له طلبها، ولها الفسخ بمخالفته، واعتبار الحرية؛ لما يأتي في الأَمَة، واعتبر إمكان الاستمتاع؛ لأن التسليم إنما وجب ضرورة استيفاء
(3)
الاستمتاع الواجب، فإذا لم يمكن الاستمتاع بها؛ لم يكن واجبًا.
(ونصُّه
(4)
) أي: نص أحمد: أن التي يمكن الاستمتاع بها هي (بنت تسع سنين فأكثر) قال في رواية أبي الحارث، في الصغيرة يطلبها زوجها: فإن أتى عليها تسع دفعت إليه، ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع، وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم:"بنى بعائشة وهي بنتُ تسع سنين"
(5)
. لكن قال القاضي: ليس هذا عندي على طريقة التحديد، وإنما ذكره؛ لأن الغالب أن ابنة تسع
(6)
يتمكن عن الاستمتاع بها، فيلزم تسليم بنت تسع (ولو كانت نِضْوَة الخِلْقة) أي: مهزولة الجسم، وهو جسيم.
(لكن إن خافت على نفسها الإفضاء من عِظَمه، فلها مَنْعُهُ من جِماعها) لحديث: "لا ضرر ولا ضرار"
(7)
.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 314.
(2)
أي على كلام الشيخ تقي الدين.
(3)
في "ح": "لاستيفاء".
(4)
انظر: مسائل عبد الله (3/ 1020) رقم 1391، ومسائل الكوسج (4/ 1678) رقم 1049.
(5)
أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب 44، حديث 3894، وفي النكاح، باب 38 - 39، حديث 5133 - 5134، ومسلم في النكاح، حديث 1422، عن عائشة رضي الله عنها.
(6)
في "ح": "تسع سنين".
(7)
تقدم تخريجه (2/ 111) تعليق رقم (1).
(وعليه النفقة) لأن مَنْعها لنفسها لعذر
(1)
(ولا يثبت له) أي: للزوج (خيار الفسخ) بكونها نِضْوة الخِلْفة (ويستمتع منها كما يستمتع من الحائض) أي: بما دون الفرج.
(وإن أنكر أنَّ وطأه يؤذيها، لزمتها البينة) لعموم حديث: "البيِّنةُ على المُدَّعي"
(2)
.
(ويُقبل قول امرأة ثقة في ضيق فَرْجِها) أي: الزوجة (وعَبالة
(3)
ذَكَره، ونحوه) أي: كقروح بفرجها، كسائر عيوب النساء تحت الثياب.
(و) يجوز للمرأة الثقة أن (تنظرهما) أي: الزوجين (وقت اجتماعهما للحاجة) أي: لتشهد بما تشاهد.
(ويلزمه) أي: الزوج (تسلّمها) أي: تسلّم زوجته (إن بذلته) فتلزمه النفقة تَسَلَّمها أم لا؛ لوجود التمكين حيث كانت ممن يلزم تسليمها.
(ولا يلزم) زوجة ولا وليّها (ابتداء) أي: في ابتداء الدخول (تسليم) الزوجة (مع ما يمنع الاستمتاع) بها (بالكلية، ويرجى زواله؛ كإحرام، ومرض، وصغر، وحيض، ولو قال) الزوج: (لا أطأ) لأن كلًّا من ذلك مانع يرجى زواله، ويمنع الاستمتاع بها، أشبه ما لو طلب أن يتسلَّمها في نهار رمضان.
(ومتى امتنعت قبل المرض) من تسليم نفسها؛ (ثم حدث) المرض (فلا نفقة) لها، ولو سلّمت نفسها، لم يلزمه تسلّمها إذًا.
(وإن كان المرض) بالزوجة (غير مرجوِّ الزوال، لزم تسليمُها إذا
(1)
في "ذ": "لأن منعها نفسها منه لعذر".
(2)
تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).
(3)
العَبالة: الضخامة. المصباح المنير ص/ 533، مادة (عبل).
طلبها) الزوج (و) لزم الزوج (تسلّمها إذا بذلته) هي؛ لأنه ليس له حدٌّ ينتهي إليه لينتظر
(1)
زواله.
(وإن) طلب الزوج زوجته، و (سألت الإنظار، أُنظرت مدّة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها، كاليومين والثلاثة) لأن ذلك من حاجتها، فإذا منع منه كان تعسيرًا، فوجب إمهالها طلبًا لليسر والسهولة، والمرجع في ذلك إلى العُرف بين الناس؛ لأنه لا تقدير فيه، فرجب الرجوع فيه إلى العادة.
و (لا) تُمْهل (لعمل جَهاز) بفتح الجيم وكسرها. وفي "الغنية"
(2)
: إن استمهلتْ هي أو أهلها، استحب له إجابتهم ما يعلم به التهيؤ، من شراء جهاز وتزيُّن.
(وكذا لو سأل هو) أي: الزوج (الإنظارَ) فَيُنْظَر ما جرت به العادة؛ لما تقدم.
(وولي مَن به صغر أو جنون) من زوج أو زوجة (مثله) إذا طلب المهلة، على ما سبق من التفصيل؛ لقيامه مقامه.
(وإن كانت) الزوجة (أَمَة؛ لم يجب تسليمها إلا ليلًا، مع الإطلاق، نصًّا
(3)
، وللسيّد استخدامها نهارًا) لأنها مملوكة عُقِد على إحدى منفعتيها، فلم يجب تسليمها في غير وقتها، كما لو أجرها لخدمة النهار.
(فلو شرط) الزوج (التسليم نهارًا، أو بَذَلَهُ سيّدها، وجب تسليمها
(1)
في "ذ": "فينتظر".
(2)
(1/ 46).
(3)
المبدع (7/ 193)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 384).
ليلًا ونهارًا) لأن الزوجيّة تقتضي وجوب التسليم مع البذل ليلًا ونهارًا، وإنما منع منه في الأمَة في زمان النهار لِحَقِّ السيّد، فإذا بَذَلَهُ فقد ترك حقَّه، فعاد إلى الأصل في الزوجيّة؛ ولأن عقد الزوجيّة اقتضى لزوم نفقتها ليلًا ونهارًا، ما لم يمنع منه مانع، فإذا امتنع المانع ببذل السيّد تسليمها، وجب على الزوج قَبوله.
(وللزوج - حتى العبد - السفر بلا إذنها) أي: الزوجة، مع سيده وبدونه؛ لأنها لا ولاية لها عليه في ترك السفر، بخلاف سفرها بلا إذنه.
(و) للزوج أيضًا - ولو عبدًا - السفر (بها) أي: بزوجته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم
(1)
(إلا أن يكون السفر مخوفًا) بأن كان الطريق أو البلد الذي يريده مخوفًا، فليس له السفر بها بلا إذنها؛ لحديث:"لا ضرر ولا ضرار"
(2)
(أو شرطت بلدها) فلها شرطُها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحقَّ الشُّروط أن يُوفى به ما استحللتم به الفروج"
(3)
(أو تكون) الزوجة (أَمَة، فليس له) أي: الزوج السَّفَر بها بلا إذن السيد (ولا لسيّدها) أي: الأَمَة المزوَّجة (- ولو صُحْبَةَ الزوج - السفرُ بها بغير إذن الآخر) لما في ذلك من تفويت حقِّه عليه.
(ولو بوَّأها، أي بذل لها) أي: الأَمَة المزوَّجة (السيد مسكنًا ليأتيها
(1)
أخرج البخاري في الهبة، باب 15، حديث 2593، وفي الشهادات، باب 15، 30، حديث 2661، 2688، وفي الجهاد والسير، باب 64، حديث 2879، وفي المغازي، باب 34، حديث 4141، وفي التفسير، باب 6، حديث 4750، ومسلم في التوبة، حديث 2770، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأتيتهن خرج سهمها خرج بها معه".
(2)
تقدم تخريجه (2/ 111) تعليق رقم (1).
(3)
أخرجه البخاري في الشروط، باب 6، حديث 2721، وفي النكاح، باب 52، حديث 5151، ومسلم في النكاح، حديث 1418، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
الزوج فيه؛ لم يلزمه) أي: الزوج إتيانها فيه؛ لأن السُّكنى للزوج لا لها (وللسيّد بيعها) أي: الأمَة المزوَّجة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في شراء بريرة، وهي ذات زوج
(1)
، وكالمُؤجرة.
(وله) أي: السيّد (السفر بعبده المزوَّج، واستخدامه نهارًا) ومنعه من التكسّب؛ لتعلُّق المهر والنفقة بذمّة سيّده.
(ولو قال السيّد) لمن ادَّعى أنه زوَّجه أمَته: (بعتكها، فقال: بل زوَّجتَنيها، فسيأتي في باب: ما إذا وصل بإقراره ما يُغيِّره) مفصلًا.
(وللزوج الاستمتاع بزوجته كلَّ وقت، على أيِّ صفة كانت، إذا كان) الاستمتاع (في القُبُل، ولو) كان الاستمتاع في القُبُل (من جهة عجيزتها) لقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(2)
والتحريم مختص بالدُّبر دون ما سواه (ما لم يشغلها عن الفرائض، أو يَضُرَّ بها
(3)
) فليس له الاستمتاع بها إذًا؛ لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف، وحيث لم يشغلها عن ذلك، ولم يضرها، فله الاستمتاع
(4)
(ولو كانت على التنور، أو على ظهر قَتَب) كما رواه أحمد وغيره
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1)، و (7/ 400) تعليق رقم (3).
(2)
سورة البقرة، الآية:223.
(3)
في "ذ": "يضرها".
(4)
في "ح": "فله الاستمتاع بها".
(5)
روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - طلق بن علي رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (4/ 22 - 23)، والترمذي في الرضاع، باب 10، حديث 1160، والنسائي في الكبرى (5/ 313) حديث 8971، وابن أبي شيبة (4/ 306)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 473) حديث 4165، والطبراني في الكبير (8/ 330، 331) حديث 8235، 8240، والبيهقي (7/ 292)، والضياء في المختارة (8/ 160 - 162) حديث 170 - 174، بلفظ: "إذا الرجل دعا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التنور". قال الترمذي: حديث حسن غريب. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 270 مع الفيض)، ورمز لحسنه.
وأخرجه الطيالسي ص/ 147، حديث 1097، وابن سعد (5/ 552)، وأحمد - كما في إطراف المسند المعتلي (2/ 624) -، والطبراني في الكبير (8/ 334) حديث 8248، بلفظ:"ولو كانت على ظهر قتب". وفي إسناده أيوب بن عتبة. قال ابن حجر في التقريب (624): ضعيف.
ب - معاذ بن جبل رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (11/ 301) حديث 20596، وأحمد (4/ 381)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 175) حديث 1461، والطبراني في الكبير (20/ 52) حديث 90، والحاكم (4/ 172)، في حديث طويل، وفيه:"ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب". قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
ج - عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 4، حديث 1853، وأحمد (4/ 381)، وابن صاعد في مسند ابن أبي أوفى ص/ 96، 97، حديث 4 - 6، وابن حبان "الإحسان"(9/ 479) حديث 4171، والبيهقي (7/ 292)، في حديث طويل، وفيه:"والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه".
د - زيد بن أرقم رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 208) حديث 5116 - 5117، وفي الأوسط (7/ 255 - 256) حديث 7433، وابن عدي (4/ 1393).
قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 679): رواه الطبراني إسناد جيد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 310): رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح خلا صدقة بن عبد الله السمين، وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه البخاري وجماعة.
هـ - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطيالسي ص/ 263، حديث 1951، ومسدد في مسنده - كما في المطالب العالية (2/ 194) حديث 1677 - ، وابن أبي شيبة (4/ 303)، وعبد بن حميد (2/ 38) حديث 811، وابن حبان في المجروحين (3/ 233 - 234)، والبيهقي (7/ 292)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 231)، بلفظ: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما حق الزوج على امرأته؟ فقال: "لا تمنعه =
(وله الاستمناء بيدها، ويأتي في التعزير.
فإن زاد) الزوج (عليها في الجماع؛ صولح على شيء منه) قاله أبو حفص والقاضي (قال القاضي: لأنه غير مُقدَّر، فرجع إلى اجتهاد الإمام).
قال الشيخ تقي الدين
(1)
: فإن تنازعا؛ فينبغي أن يفرضه الحاكم، كالنفقة، وكوطئه إذا زاد. قال في "الإنصاف": ظاهر كلام أكثر الأصحاب خلاف ذلك، وأن ظاهر كلامهم ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها.
(وجعل) عبد الله (ابن الزبير لرجل أربعًا بالليل وأربعًا بالنهار
(2)
، وصالح أنس رجلًا استعدى على امرأته على ستة
(3)
.
ولا يُكره الجماع في ليلة من الليالي، ولا يوم من الأيام. وكذا السفر، والتفصيل، والخياطة، والغزل، والصناعات كلها) لا تُكره في ليلة من الليالي، ولا يوم من الأيام، حيث لا تؤدي إلى إخراج
= نفسها وإن كانت على ظهر قتب. . ." الحديث.
وفي سنده ليث بن أبي سليم، قال في التقريب (5722): صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك.
ز - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي (7/ 292)، بنحو حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفي سنده - أيضًا - ليث بن أبي سليم.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 354.
(2)
أخرجه ابن عدي (3/ 1284)، عن سهيل بن ذكوان. وقال: سهيل بن ذكوان هذا مع ما ينسب إلى الكذب ليس له كثير حديث.
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 246) رقم 701، عن محمد بن سيرين، أن أكَّارًا لأنس بن مالك كان يعمل على زرنوق، فاستعدت عليه امرأته أنسًا أنه لا يدعها ليلًا ولا نهارًا، فأصلح أنس بينهم في كل يوم وليلة على ستة.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 295): رجاله ثقات.
فرض عن وقته.
(ولا يجوز لها) أي: للمرأة (تطوُّع بصلاة ولا صوم، وهو شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تأذنُ في بيته إلا بإذنه، وما أنفقتْ من نفقةٍ بغير إذنه، فإنهُ يُردُّ إليه شطره" رواه البخاري
(1)
.
(و
يحرم وطؤها في الحيض)
لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(2)
وكذا نفاس (وتقدم) ذلك (وحكم) وطء (المستحاضة في باب الحيض
(3)
) فيحرم وطؤها من غير خوف عَنَتٍ منه أو منها.
(ويحرم) الوطء (في الدُّبُر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحيي من الحقِّ، لا تأتوا النِّساء في أعجازهن
(4)
".
(1)
في النكاح، باب 86، حديث 5195، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه:"فإنه يؤدي إليه شطره". وأخرجه - أيضًا - مسلم في الزكاة، حديث 1026، بنحوه.
(2)
سورة البقرة، الآية:222.
(3)
(1/ 469، 509).
(4)
في "ح" و"ذ": "أدبارهن"، وقال في هامش "ذ":"في نسخة: أعجازهن". قلنا: وكلا اللفظين وارد في الحديث. وهذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 321) حديث 9008 - 9009، والبزار (1/ 474) حديث 339، وأبو يعلى "المقصد العلي"(2/ 344) حديث 779، والخرائطي في مساوئ الأخلاق ص/ 210، حديث 467، والفاكهي في فوائده ص/ 459، حديث 229.
وقد جوَّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 252)، وقال الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار (1/ 583): والحديث منكر لا يصح من وجه كما صرح بذلك البخاري والبزار والنسائي، وغير واحد.
ب - خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 256، =
وعن أبي هريرة، وابن عباس مرفوعًا:"لا ينظرُ الله إلى رجلٍ جامع امرأتهُ في دُبرها"
(1)
؛ رواهما ابن ماجه.
= 257) النسائي في الكبرى (5/ 316 - 319) حديث 8982 - 8984، وابن ماجه في النكاح، باب 29، حديث 1924، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 29)، والحميدي (1/ 207) حديث 436، وابن أبي شيبة (4/ 253)، وأحمد (5/ 213 - 215)، والدارمي في الطهارة، باب 113، حديث 1148، وفي النكاح، باب 30، حديث 2219، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 116) حديث 2086، وابن الجارود (3/ 50) حديث 728، والطحاوي (3/ 43 - 44)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 430) حديث 6132، وابن حبان "الإحسان"(9/ 512) حديث 4198، 4200، والطبراني في الكبير (4/ 84، 88 - 90) حديث 3716، 3733 - 3744، والخطابي في غريب الحديث (1/ 376)، والبيهقي (7/ 196 - 198)، والبغوي في معالم التنزيل (1/ 199).
قال المزي في تهذيب الكمال (21/ 541): وفي إسناد حديثه اختلاف كبير. وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 338)، وقال: والحديث منكر لا يصح.
ج - علي بن طلق رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الرضاع، باب 12، حديث 1164، 1166، والنسائي في الكبرى (5/ 324 - 325) حديث 9023 - 9026، وأحمد (1/ 86)، والدارمي في الطهارة، باب 113، حديث 1146، وابن حبان "الإحسان"(6/ 8، 9/ 514 - 515) حديث 2237، 4199، 4201.
قال الترمذي: حديث علي بن طلق حديث حسن، وسمعت محمدًا [البخاري] يقول: لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي السُّحيمي. وكأنه رأى أن هذا رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر ما تقدم (2/ 256) تعليق رقم (2).
(1)
حديث أبي هريرة: أخرجه ابن ماجه في النكاح، باب 29، حديث 1923. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (5/ 322) حديث 9011 - 9014، وعبد الرزاق (11/ 442) حديث 20952، وأحمد (2/ 272، 344)، والدارمي في الطهارة، باب 113، حديث 1145، والطحاوي (3/ 44)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 431) حديث 6133، والطبراني في الأوسط (1/ 528) حديث 994، والبيهقي (7/ 198)، وفي شعب الإيمان (4/ 355) حديث 5376، والبغوي في =
وعن أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ أتى حائضًا، أو امرأة في دُبرها، أو أتى عرَّافًا فَصدَّقهُ، فقد كفر بما أُنزل على محمد" رواه الأثرم
(1)
.
= شرح السنة (9/ 107) حديث 2297، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 279) حديث 1667، والمزي في تهذيب الكمال (5/ 279).
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 338): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
وأخرجه أبو داود في النكاح، باب 46، حديث 2162، والنسائي في الكبرى (5/ 323) حديث 9015، وأحمد (2/ 444، 479)، وأبو يعلى (11/ 349) حديث 6462، وابن عدي (6/ 2313) بلفظ:"ملعون من أتى امرأته في دبرها". وسكت عنه أبو داود، والمنذري.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الترمذي في الرضاع، باب 12، حديث 1165، والنسائي في الكبرى (5/ 320) حديث 9001، وابن أبي شيبة (4/ 251 - 252)، والبزار (11/ 380) حديث 5212، وابن الجارود (3/ 52) حديث 729، وأبو يعلى (4/ 266) حديث 2378، والخرائطي في مساوئ الأخلاق ص/ 197، حديث 462، وابن حبان "الإحسان"(9/ 517 - 518، 10/ 266) حديث 4203 - 4204، 4418، وابن عدي في الكامل (3/ 1130)، والضياء في المختارة (13/ 43) حديث 61 - 62.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وصححه إسحاق بن راهويه - كما في مسائل الكوسج (9/ 4831) رقم 3531 - ، وابن حزم في المحلى (10/ 70)، وقال ابن دقيق العيد في الإلمام ص/ 413، حديث 1128: رجاله رجال الصحيح. وأخرجه النسائي في الكبرى (5/ 320) رقم 9002، عن ابن عباس رضي الله عنهما، موقوفًا. قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 181): وهو أصح عندهم من المرفوع.
(1)
لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الطب، باب 21، حديث 3904، والترمذي في الطهارة، باب 102، حديث 135، وفي العلل الكبير ص/ 59، حديث 76، والنسائي في الكبرى (5/ 323) حديث 9016 - 9017، وابن ماجه في الطهارة، باب 122، حديث 639، وابن أبي شيبة (4/ 252 - 253)، وأحمد (2/ 408، 476)، وإسحاق بن راهويه (1/ 423) حديث 482، والدارمي في الطهارة، باب 114، حديث 1141، وابن الجارود (1/ 104) حديث 107، والطحاوي (3/ 44 - 45)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 429) حديث 6130، =
وأما قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(1)
، فروى جابر قال:"كان اليهود يقولون: إذا جامع الرَّجل امرأته في فرجها من ورائها؛ جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} من بين يديها ومن خلفها، غير ألا يأتيها إلا في المأتى" متفق عليه
(2)
. وفي رواية: "ائتِها مقبلة ومدبرة، إذا كان ذلك في الفرج"
(3)
.
= والعقيلي في الضعفاء (1/ 318)، وابن عدي (2/ 637)، والبيهقي (7/ 198)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 164)، من طريق حكيم الأثرم، عن أبي تميمة، من أبي هريرة رضي الله عنه، به.
قال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 17): هذا حديث لا يتابع عليه - أي حكيم الأثرم - ولا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة في البصريين. وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة. وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من أتى حائضًا، فليتصدق بدينار" فلو كان إتيان الحائض كفرًا لم يؤمر بالكفارة. وضعف محمد [البخاري] هذا الحديث من قبل إسناده. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (5/ 370): قال محمد بن يحيى النيسابوري: قلت لعلي بن المديني: حكيم الأثرم من هو؟ قال: أعيانا هذا. وقال الذهبي في الكبائر ص/ 499 تحقيق مشهور سلمان: ليس إسناده بالقائم. انظر التلخيص الحبير (3/ 180)، وفيض القدير (6/ 24).
وأخرجه النسائي في الكبرى (5/ 323) رقم 9018 - 9021، وعبد الرزاق (11/ 443) رقم 20958، والهيثم بن خلف الدوري في ذم اللواط ص/ 167، 175، رقم 99 - 101، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 355) رقم 5380، عن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، موقوفًا.
(1)
سورة البقرة، الآية:223.
(2)
البخاري في التفسير، باب 39، حديث 4528، ومسلم في النكاح، حديث 1435.
(3)
أخرجه الطحاوي (3/ 41)، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه الطبري في تفسيره (2/ 397)، والطحاوي (3/ 43)، والطبراني في الكبير =
(فإن فعل) أي: وطئها في الدُّبُر (عُزِّر) إن عَلِمَ تحريمه؛ لارتكابه معصية لا حدَّ فيها، ولا كفارة.
(وإن تطاوعا) أي: الزوجان (عليه) أي: على الوطء في الدُّبُر فُرِّق بينهما.
(أو أكرهها) أي: أكره الرجل زوجته على الوطء في الدُّبُر (ونُهي) عنه (فلم يَنْتَهِ، فُرِّق بينهما.
قال الشيخ
(1)
: كما يُفرَّق بين الرجل الفاجر وبين من يفجر به) من رقيقه (انتهى.
وله التلذذ بين الأليتين من غير إيلاج) في الدبر.
وقال ابن الجوزي
(2)
في "السر المصون": كره العلماء الوطء بين الأليتين؛ لأنه يدعو إلى الوطء في الدُّبُر. وجزم به في "الفصول"، قال
(3)
في "الفروع": كذا قالا.
(وليس لها) أي: الزوجة (استدخال ذَكَره، وهو نائم) في فَرْجها (بلا إذنه) لأنه تصرف فيه بغير إذنه (ولها) أي: الزوجة (لمْسُه وتقبيله بشهوة) ولو نائمًا.
(وقال القاضي: يجوز تقبيل فَرْج المرأة قبل الجماع، ويُكره بعده) لتقذّره إذًا (وتقدم في كتاب النكاح
(4)
) وقال
= (12/ 236) حديث 12983، وفي الأوسط (4/ 173) حديث 3307، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرفوعًا.
(1)
مجموع الفتاوى (32/ 267).
(2)
انظر: الفروع (5/ 320).
(3)
في "ح": "وقال".
(4)
(11/ 172).
الشافعي
(1)
: النظر إلى فَرْج المرأة يضعف البصر، وكذا الجلوس مستدبر القبلة، وكذا النظر للقاذورات.
(ويحرم العزل عن الحُرَّة إلا بإذنها) لما رُوي عن عمر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعزَل عن الحرَّة إلا بإذنها" رواه أحمد وابن ماجه
(2)
؛ ولأن لها في الولد حقًّا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها، ومعنى العزل: أن ينزع إذا قرب الإنزال، فينزل خارجًا عن الفرج.
(و) يحرم العزل (عن الأَمَة إلا بإذن سيدها) لأن الحق في الولد له.
(و) له أن (يعزل عن سُرِّيَّته بلا إذنـ) ــها؛ لحديث أبي سعيد الخدري: "انَّا نأتي السبايا، ونحبُّ أثمانَهُنَّ؛ فما ترى في العزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اصنعوا ما بدا لكم، فما قضى الله تعالى فهو كائنٌ، وليس من كلِّ الماء يكون الولد" رواه أحمد
(3)
.
(1)
لم نقف عليه في كتب الإمام الشافعي المطبوعة، وذكره أيضًا - الأقفهسي في آداب الأكل ص 18.
(2)
أحمد (1/ 31)، وابن ماجه في النكاح، باب 30، حديث 1928.
وأخرجه - أيضًا - الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 385)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 411)، والطبراني في الأوسط (4/ 410) حديث 3691، والبيهقي (7/ 231)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 150).
قال ابن أبي حاتم: هذا من تخاليط ابن لهيعة، ومن لا يفهم يستغرب هذا، وهو عندي خطأ. وقال ابن عبد البر: في إسناده ضعف. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 339): هذا إسناد ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة. وقال الحافظ في الفتح (9/ 308): في إسناده ابن لهيعة. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 405): هذا إسناد حسن جيد. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي حاتم في العلل (1/ 412)، عن عمر رضي الله عنه موقوفًا وقال: وهذا أشبه. قلنا: في مسنده - أيضًا - ابن لهيعة.
(3)
(3/ 26، 47). وأخرجه - أيضًا - البخاري في العتق، باب 13، حديث 2542، وفي المغازي باب 32، حديث 4138، وفي التوحيد، باب 18، حديث 7409، =
(ويعزل وجوبًا عن الكل) أي: عن زوجة حرة أو أَمَةٍ، وعن سُرِّيَّة (بدار حرب) لئلا يُستعبد الولد (بلا إذن) أي: لا يحتاج بدار الحرب إلى استئذان في العزل. وتقدم في النكاح ما فيه
(1)
.
(وإذا عنَّ له أن ينزع قبل الإنزال، لا على قصد الإنزال خارج الفرج؛ لم يحرم في الكل) من زوجة أو سُرِّيَّة؛ لأنه تركٌ للوطء، كما لو تركه ابتداء.
(وله) أي: الزوج (إجبارها) أي: الزوجة (ولو) كانت (ذِمّية ومملوكة، على غُسل حيضٍ ونِفاسٍ) لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه.
(و) له (إجبار) الزوجة (المُسْلِمَة البالغة على غُسل جنابة) لأن الصلاة واجبة عليها، ولا تتمكن منها إلا بالغسل.
و (لا) يجبر الزوجة (الذمية) على غسل الجنابة (كالمُسْلِمة التي دون البلوغ) لأن الوطء لا يقف عليه؛ لإباحته بدونه، وصحح في "الإنصاف": له إجبار الذمية المكلّفة، وهو مقتضى "المنتهى".
(وله) أي: الزوج (إجبارها) أي: الزوجة (على غسل نجاسة) لأنه واجب عليها (و) له - أيضًا - إجبارها على (اجتناب محرَّم) لوجوبه عليها.
(و) له إجبارها على (أخذ شعر وظفر تعافه النفس، وإزالة وسخ) لأن ذلك يمنع كمال الاستمتاع.
(فإن احتاجت) في فعل ما ذكر (إلى شراء الماء؛ فثمنه عليه) أي: الزوج؛ لأنه لِحَقِّه.
= ومسلم في النكاح، حديث 1438 (133)، بنحوه.
(1)
(11/ 145).
(وتُمنع) الزوجة (من أكل ما له رائحة كريهة كبصل، وثوم، وكُرَّاث) لأنه يمنع كمال الاستمتاع.
قلت: وكذا تناول التتن، إذا تأذَّى به
(1)
؛ لأنه في معنى ذلك.
(و) تُمنع - أيضًا - (من تناول ما يُمْرضها) لأنه يفوِّت عليه حقَّه من الاستمتاع بها زمن المرض.
(ولا تجب النية) في غسل الذمية؛ للعذر (ولا) تجب - أيضًا - (التسمية في غُسل ذمية) كالنية. هذا أحد الوجهين، وصوَّبه في "الإنصاف" و"تصحيح الفروع"، وظاهر ما قدَّمه في "الإنصاف" في كتاب الطهارة اعتبار التسمية، وهو ظاهر كلام المُصنِّف هناك، وتقدم
(2)
. (ولا تتعبَّد) الذمية (به) أي: بغسلها للحيض أو النفاس (لو أسلمت بعده) فلا تصلي به، ولا تطوف ولا تقرأ قرآنًا ولا غير ذلك مما يتوقف علي طهارة. قال القاضي: إنما يصح في حق الآدمي؛ لأن حقه لا يُعتبر له النية، فيجب عَوده إذا أسلمت، ولم يجز أن تصلي به. انتهى. وأيضًا: فالغسل يجب بالإسلام مطلقًا على الصحيح. وتقدم
(3)
.
(وتُمنع) أي: للزوج منع الزوجة (الذمية من دخول كنيسة وبِيعة) فلا تخرج إلا بإذن الزوج.
(و) له منعها من (تناول محرَّم، و) من (شرب ما يُسْكِرها) لأنه مُحَرَّم عليها.
و (لا) تُمنع مما (دونه) أي: دون ما يُسْكِرها (نصًّا
(4)
) لاعتقادها
(1)
قلنا: بل تُمنع منه مطلقًا؛ لتحريمه. انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (22/ 178).
(2)
(1/ 194، 366).
(3)
(1/ 335).
(4)
الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 399).
حِلَّه في دينها (وكذا مُسْلِمة تعتقد إباحة يسير النبيذ) فلا يمنعها منه (وله إجبارهما على غسل أفواههما منه ومن سائر النجاسات، كما تقدم) لأنه يمنع من القُبْلة.
(ولا تُكرَه الذِّمية على الوطء في صومها، نصًّا
(1)
، ولا) على (إفساد صلاتها) بوطء أو غيره؛ لأنه يضرُّ بها (و) لا على إفساد (سَبْتِها.
ولا يشتري لها) أي: لزوجته الذمية
(2)
زُنَّارًا
(3)
(ولا) يشتري (لأَمَته الذمية زُنَّارًا) لأنه إعانة لهم على إظهار شعارهم (بل تخرج هي) لـ (ـــتشتري لنفسها، نصًّا
(4)
).
فصل
ويجب (عليه أن يبيتَ في المضجع ليلة من كل أربع) ليال (عند الحُرَّة) لما روى كعب بن سُوْر، أنه كان جالسًا عند عمر بن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيتُ رجلًا قطُّ أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائمًا، ويظلُّ نهاره صائمًا، فاستغفرَ لها وأثنى عليها، واستحيت المرأةُ وقامت راجعة، فقال: يا أمير المؤمنين هلّا أعديتَ المرأة على زوجها؟ فقال: وما ذاك؟ فقال: إنها جاءت تشكوه، إذا كان هذا حاله في العبادة، متى يتفرَّغ لها؟ فبعث عمر إلى زوجها،
(1)
أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 115 - 116) رقم 121.
(2)
في "ح"، و"ذ":"الزوجة".
(3)
تقدم التعريف به من كلام الماتن (7/ 252).
(4)
أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 431) رقم 1002.
وقال لكعب: اقض بينهما، فإنك فهمتَ من أمرهما ما لم أفهمه. قال: فإني أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن، فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة، فقال عمر: والله ما رأيُك الأول بأعجب إليَّ من الآخر، اذهب فأنت قاضٍ على البصرة - وفي لفظ: قال: نِعْمَ القاضي أنت -؛ رواه سعيد
(1)
. وهذه قضية اشتَهَرت ولم تُنكر، فكانت كالإجماع، يؤيده: قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: "إنَّ لجسدكَ عليكَ حقًّا، ولزوجِكَ عليكَ حقًّا" متفق عليه
(2)
؛ ولأنه لو لم يجب لها عليه حقّ، لَمَلَك الزوجُ تخصيص إحدى زوجاته به، كالزيادة في النفقة على قدر الواجب.
(و) عليه أن يبيت ليلة (من كل سبع عند) الزوجة (الأَمَة) لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاثُ حرائر، لهنَّ ستٌّ ولها السابعة، ومحل وجوب ما ذكر للحُرَّة والأَمَة (إن طلبتا ذلك منه) لأن الحق لهما، فلا يجب بدون الطلب.
(وله) أي: الزوج (الانفراد في البقية بنفسه أو مع سُرِّيَّته) فإن كان تحته حُرَّة وأمَة، قسم لهن ثلاث ليال من ثمان، وله الانفراد في خمس، وإن كان تحته حرَّتان وأَمَة، فلهنَّ خمس وله ثلاث، وإن كانت تحته
(1)
لم نقف عليه في القسم المطبوع من سننه. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 148 - 149) رقم 12586 - 12588، وابن سعد (7/ 92)، والمعافى بن زكريا في الجليس الصالح (2/ 277)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 275)، وابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1318). وصححه الألباني في إرواء الغليل (7/ 80).
(2)
البخاري في أبواب التهجد، باب 20، حديث 1153، وفي الصوم، باب 54 - 55، حديث 1974 - 1975، وفي النكاح، باب 89، حديث 5199، وفي الأدب، باب 84، حديث 6134، ومسلم في الصيام، حديث 1159 (182).
حُرَّتان وأمَتان، فلهنَّ ست
(1)
، وله ليلتان؛ قاله في "المبدع". وإن كانت أَمَة فلها ليلة وله ست.
(قال أحمد
(2)
: لا يبيت وحده) قال في "المبدع": قال أحمد: ما أُحبُّ أن يبيت وحده إلا أن يضطر. وقاله في سفره وحده. وعنه
(3)
: لا يعجبني.
وعن أبي هريرة مرفوعًا: "أنّه لعن راكبَ الفَلاة وحدهُ، والبائتَ وحده" رواه أحمد
(4)
. وفيه: طيِّب بن محمد، قيل: لا يكاد يُعرف، وله مناكير. وذكره ابن حبان في "الثقات"
(5)
.
(و) يجب (عليه) أي: الزوج (أن يطأها) أي: الزوجة (في كل أربعة أشهر مَرَّة) إن لم يكن عُذر؛ لأنه لو لم يكن واجبًا، لم يصر باليمين على تركه واجبًا
(6)
، كسائر ما لا يجب؛ ولأن النكاح شُرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما، وهو مفضٍ التي دفع ضرر الشهوة من المرأة، كإفضائه إلى دفعه عن الرجل، فيكون الوطء حقًّا لهما جميعًا؛ ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها في العزل، كالأَمَة، واشترط في المدة أن تكون ثلث سنة؛ لأن الله قدَّر في حق المُؤلي ذلك،
(1)
في "ح": "ست ليال".
(2)
مسائل الكوسج (9/ 4717) رقم 3378.
(3)
الفروع (5/ 321)، والمبدع (7/ 198).
(4)
(2/ 287 - 289). وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (4/ 362)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 283)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 179) حديث 4728.
قال البخاري: لا يصح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 251، 8/ 103): فيه الطيب بن محمد، وثقه ابن حبان، وضعفه العقيلي، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5)
(6/ 493).
(6)
في "ذ": "مؤليًا".
فكذا في حق غيره، وألَّا يكون عُذر، فإن كان، كمرض ونحوه؛ لم يجب عليه، من أجل عُذره.
(فإن أبى ذلك - أي: الوطء - بعد انقضاء الأربعة أشهر، أو
(1)
) أبى (البيتوتة في اليوم) أي: الزمن (المقرَّر) وهو ليلةٌ من أربع للحُرَّة، وليلةٌ من سبع للأَمَة (حتى مضت الأربعةُ أشهر بلا عُذر لأحدهما) أي: الزوجين (فُرِّق بينهما بطلبها
(2)
) كالمؤلي، وكما لو منع النفقة، وتعذَّرت عليها من قِبَلِهِ (ولو قبل الدخول؛ نص عليه
(3)
) قال أحمد في رواية ابن منصور (في رجل) تزوج امرأة ولم يدخل بها (يقول: غدًا أدخل بها، غدًا أدخل بها إلى شهر، هل يُجبر على الدخول
(4)
؟ قال: أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها، وإلا؛ فُرِّقَ بينهما) فجعله أحمد كالمُؤْلي، وقال أبو بكر بن جعفر: لم يرو مسألة ابن منصور غيره. وفيها نظر. قال في "شرح المقنع": وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرَّق بينهما لذلك، وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأنه لو ضُربت له المدة لذلك - وفُرِّق بينهما - لم يكن للإيلاء أثر، ولا خلاف في اعتباره.
(وكذا لو ظاهر، ولم يُكفِّر) فلها الفسخ بعد الأربعة أشهر، فإن لم يطأ لعذر فلا فسخ؛ لعدم وجوبه عليه إذًا.
(وقال الشيخ
(5)
: إن تعذّر الوطء لعجز) الزوج (فهو كالنفقة) إذا تعذّرت، فتَفسخ (و) الفسخ لتعذُّر الوطء (أَولى) من الفسخ لتعذُّر النفقة
(1)
في متن الإقناع: "و".
(2)
في "ذ": "بطلبهما".
(3)
مسائل الكوسج (4/ 1526) رقم 898.
(4)
في "ذ": "الدخول بها".
(5)
الاختيارات الفقهية ص/ 355.
(للفسخ بتعذّره) أي: الوطء (إجماعًا في الإيلاء) وقاله أبو يعلى الصغير؛ ذكره في "المبدع"، والفرق أنها لا تبقى بدون النفقة، بخلاف الوطء.
(ولو سافر) الزوج (عنها لعُذر وحاجة؛ سقط حقُّها من القَسْم والوطء، وإن طال سفره) للعذر (بدليل أنه لا يُفسخ نكاح المفقود، إذا تَرَك لامرأته نفقتها) أو وُجد له مال ينفق عليها منه، أو من يقرضها عليه.
(وإن لم يكن) للمسافر (عُذر مانع من الرجوع، وغاب أكثر من ستة أشهر، فطلبت قدومه؛ لزمه ذلك) لما روى أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم، قال: بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة، فمرَّ بامرأةٍ وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسودَّ جانبُه
…
وطال على أن لا خليلَ أُلاعبه
فوالله لولا خشيةُ الله والحيا
…
لحُرِّك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها، فقيل له: فلانة، زوجها غائبٌ في سبيل الله، فأرسل إليها امرأةً تكونُ معها، وبعث إلى زوجها فأقفلهُ
(1)
، ثمَّ دخل على حفصة فقال: بُنيَّةُ، كم تصبرُ المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله! مثلك يسأل مثلي عن هذا؟! فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، فقالت: خمسة أشهر، ستة أشهر، فَوَقَّتَ للنّاس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرًا، ويقيمون أربعة أشهر، ويرجعون في شهر
(2)
.
(1)
أي: "أرجعه". ش.
(2)
أبو حفص لعله العكبري؛ ولم يطبع شيء من كتبه. وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (2/ 186) رقم 2463، وعمر بن شبّة في تاريخ المدينة (2/ 759). وأخرجه ابن أبي الدنيا في العيال ص/ 110، رقم 496، وفي الإشراف ص/ 222، رقم 256، وابن الجوزي في ذم الهوى ص/ 282، وأبو محمد السَّرّاج في مصارع العشاق ص/ 146، عن السائب بن جبير مولى ابن عباس، بنحوه، به. وأخرجه البيهقي (9/ 29)، عن =
ومحل لزوم قدومه (إن لم يكن له عذر) في سفره، كطلب علم (أو كان في غزو أو حج واجبين، أو) في (طلب رزق يحتاج إليه، نصًّا
(1)
) فلا يلزمه القدوم؛ لأن صاحب العذر يُعذر من أجل عُذره (فيكتب إليه الحاكم) ليقدَمَ (فإن أبى أن يقدَمَ من غير عُذر بعد مراسلة الحاكم إليه، فسخ) الحاكم (نكاحه؛ نصًّا
(2)
) لأنه ترك حقًّا عليه تتضرَّرُ به، أشبه المؤلي.
وما ذكره من المراسلة لم يذكره في "المقنع"، ولا "الفروع"، ولا "الإنصاف"، وتبعهم في "المنتهى"، وحكاه في "الشرح" عن بعض الأصحاب. قال: ورُوي ذلك عن أحمد
(3)
، وذكره في "المبدع" بـ:"قيل".
(وإن غاب) زوج (غيبة ظاهرها السَّلامة) كتاجر، وأسير عند من ليست عادته القتل (ولم يُعلَم خبره) أي: حياته ولا موته (وتضرّرت زوجتُهُ بترك النكاح) مع وجود النفقة عليها (لم يفسخ نكاحها) لتضررها بترك الوطء؛ لأنه يمكن أن يكون له عذر.
(ويُسَن) لمن أراد وطئًا
(4)
(أن يقول عند الوطء: باسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا) لقوله تعالى: {وَقَدِّمُوا
= عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، بنحوه، وقال: هذا إسناد صحيح متصل.
وأخرجه عبدالرزاق (7/ 151 - 152) رقم 12593، عن ابن جريج، عن رجل، وبرقم 12594، عن معمر، بنحوه.
وانظر: التلخيص الحبير (3/ 219 - 220).
(1)
المبدع (7/ 199).
(2)
مسائل الكوسج (4/ 1525) رقم 897.
(3)
انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (21/ 409).
(4)
في "ح": "وطأها".
لِأَنْفُسِكُمْ}
(1)
قال عطاء: هو التسمية عند الجماع
(2)
، وروى ابن عباس:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنَّ أحدكم إذا أتى أهلَهُ قال: باسم الله، اللهمَّ جنِّبنا الشيطانَ، وجنِّب الشيطانَ ما رزقتنا، فوُلد بينهما ولدٌ، لم يضرَّه الشيطان" متفق عليه
(3)
.
(قال ابن نصر الله: وتقوله المرأة -أيضًا-) وروى ابن أبي شيبة في "مُصنَّفه"
(4)
عن ابن مسعود موقوفًا، قال:"إذا أنزل يقول: اللهمَّ لا تجعل للشيطان فيما رزقتنى نصيبًا" قال في "الإنصاف": فيُستحبُّ أن يقول ذلك عند إنزاله، ولم أره للأصحاب، وهو حسن.
(و) يسنُّ (أن يُلاعبها قبل الجماع لتَنْهض
(5)
شهوتها) فتنال من لذّة الجماع مثل ما يناله. وروى عمر بن عبدالعزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يواقِعُها إلا وقد أتاها من الشهوة مثلُ ما نالهُ، لا
(6)
يسبِقُها بالفراغ"
(7)
.
(و) يُسنُّ (أن يغطِّي رأسه عند الجماع، و) أن يُغطِّيَهَا
(8)
(عند
(1)
سورة البقرة، الآية:223.
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 399).
(3)
البخاري في الوضوء، باب 8، حديث 141، وفي بدء الخلق، باب 11، حديث 3271، 3283، وفي النكاح، باب 66، حديث 5165، وفي الدعوات، باب 54، حديث 6388، وفي التوحيد، باب 13، حديث 7396، ومسلم في النكاح، حديث 1434.
(4)
(4/ 312).
(5)
في متن الإقناع: "لينهض".
(6)
في "ح": "لئلا".
(7)
ذكره ابن قدامة -أيضًا- في المغني (10/ 232 - 233)، ولم نقف على من رواه مسندًا.
(8)
في "ح": "أن يغطيه".
الخلاء) لحديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطَّى رأسه، وإذا أتى أهله غطَّى رأسه"
(1)
.
(وألَّا يستقبل القبلة) عند الجماع؛ لأن عمرو بن حزم وعطاء
(2)
كرها ذلك؛ قاله في "الشرح".
(ويُستحبُّ للمرأة أن تتخذ خِرقة تُنَاوِلُها للزوج بعد فراغه من جماعها) ليتمسّح بها. وهو مرويٌّ عن عائشة
(3)
.
(قال أبو حفص: ينبغي ألَّا تُظهر الخِرقة بين يدي امرأة من أهل دارها. وقال الحلواني في "التبصرة": يُكره أن يَمسح ذكره بالخِرقة التي تَمسحُ بها فَرْجَها. وقال أبو الحسن بن القطان
(4)
في كتاب "أحكام
(1)
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 2295)، وأبو نعيم (2/ 182، 7/ 139)، والبيهقي (1/ 96) وقال: هذا الحديث أحد ما أُنكر على محمد بن يونس الكُديمي. وقال ابن عدي: وهذا لا أعلمه رواه غير الكديمي بهذا الإسناد، والكديمي أظهر أمرًا من أن يحتاج أن يبيَّن ضعفه. وضعَّفه -أيضًا- النووي في الخلاصة (1/ 149)، والمجموع (2/ 113)، وقال المناوي في فيض القدير (5/ 128): فيه محمد بن يونس الكديمي، متَّهم بالوضع.
(2)
لم نقف على قولهما مسندًا، وأورده ابن قدامة -أيضًا- في المغني (10/ 232).
(3)
أخرج عبدالرزاق (1/ 336) رقم 1431، وابن خزيمة (1/ 142) رقم 179 - 180، والبيهقي (2/ 411) عن عائشة رضي الله عنها قالت: يبقي للمرأة -إذا كانت عاقلة- أن تتخذ خِرقة، فإذا جامعها زوجها ناولته، فيمسح عنه، ثم تمسح عنها.
وأخرجه الذهبي في السير (9/ 283) عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. ورجع أبو حاتم الرازي في العلل لابنه (1/ 414) رقم 1245 الموقوف، وقال الدارقطني في العلل (5/ ق 57/ أ) الموقوف أصح.
(4)
"أبو الحسن بن القطان" كذا في الأصول، وفي الإنصاف (21/ 412):"أبو الحسن بن العطار في كتاب أحكام النساء"، وفي كتاب المنثور في القواعد للزركشي (2/ 39):"علاء الدين بن العطار في كتاب أحكام النساء". قلنا: هو الإمام العالم المحدث علي بن إبراهيم بن داود بن سلْمان بن سليمان، علاء الدين، أبو الحسن بن =
النساء": لا يُكره نخرها
(1)
للجماع وحال الجماع، ولا نخره. وقال) الإمام (مالك) بن أنس
(2)
: "لا بأس بالنَّخْر عند الجماع، وأراه سَفَهًا في غير ذلك، يُعاب على فاعله.
وتُكره كثرةُ الكلام حالَ الوطء) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكثروا الكلامَ عند مجامعة النساء، فإنَّ منه يكون الخَرَسُ والفأفاء" رواه أبو حفص
(3)
؛ ولأنه يُكره الكلام حال البول، وحالُ الجماع في معناه.
(ويُستحبُّ) للواطئ (ألَّا ينزعَ إذا فرغ) أي: أنزل (قبلَها حتى تَفْرُغَ، فلو خالف) ونَزَع قبلها (كُرِه) لما روى أنس مرفوعًا: "إذا جامع الرَّجلُ أهلَه، فَلْيَصْدُقْها
(4)
، ثمَّ إذا قضى حاجته، فلا يُعجِلْها حتى تقضي
= العطار -أخو الإمام الذهبي من الرضاعة- ولد سنة (654) وتفقه على الشيخ محيي الدين النووي، وحفظ التنبيه عليه، حتى أصبح يقال له: مختصر النووي، وأخذ عن جمال الدين بن مالك، وولي مشيخة دار الحديث النورية وغيرها، ذكره الذهبي في المعجم المختص، وفي معجم الشيوخ، وخرَّج له معجمًا في مجلد، توفي سنة (724) رحمه الله تعالى. الدرر الكامنة (4/ 4).
(1)
النخر: مد الصوت في الخياشم، وامرأة منِخار: تنخِر عند الجِماع كأنها مجنونة. القاموس المحيط ص / 681، مادة (نخر).
(2)
انظر: كتاب النوادر والزيادات (4/ 626).
(3)
لعله العكبري، ولم يُطبع شيء من كتبه. وأخرجه -أيضًا- ابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 74)، عن قبيصة بن ذؤيب رحمه الله، وفي سنده ضعيف ومجهول، انظر: السلسلة الضعيفة (1/ 355).
(4)
"فليقصدها" كذا في الأصول! والصواب: "فَلْيصدقها" كما في مصادر التخريج. قال في فيض القدير (1/ 325): فَلْيَصْدُقها: بفتح المثناة، وسكون المهملة، وضم الدال، من الصدق في الود والنصح، أي: فليجامعها بشدة وقوة، وحُسْن فعلِ جماعٍ، وودَادٍ ونُصْحٍ؛ ندبًا.
حاجتها" رواه أبو حفص
(1)
؛ ولأنَّ في ذلك ضررًا عليها، ومنعًا لها من قضاء شهوتها.
(ويُكره) الوطء (وهما مُتَجرِّدان) لما روى عتبة بن عبدالله
(2)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدُكم أهلَه فليستتر، ولا يتجرَّد تجرُّد العَيرَيْنِ" رواه ابن ماجه
(3)
. والعَير -بفتح العين المهملة، وسكون المثناة
(1)
لعله العكبري، ولم يُطبع شيء من كتبه. وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (6/ 194) حديث 10468، وابن أبي الدنيا في العيال (2/ 575) حديث 394، وأبو يعلى (7/ 208، 259) حديث 4200 - 4201، 4270، بنحوه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 295): فيه راوٍ لم يسمَّ، وبقية رجاله ثقات.
وله شاهد أخرجه ابن عدي (6/ 2160)، عن طلق بن علي رضي الله عنه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 326 مع الفيض) ورمز لضعفه. ووافقه المناوي في التيسير (1/ 88).
(2)
"عبدالله" كذا في الأصول! والصواب: "عَبْدٍ" كما في مصادر التخريج وكتب الرجال.
(3)
في النكاح، باب 28، حديث 1921. وأخرجه -أيضًا- ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 266)، والطبراني في الكبير (17/ 129) حديث 315.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 337): هذا إسناد ضعيف.
وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم -لا تخلو من مقال- منها:
أ - عن ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده (1/ 226) حديث 335، والبزار (5/ 118) حديث 1701، والعقيلي (4/ 266 - 267)، والشاشي في مسنده (2/ 78) حديث 593، والطبراني في الكبير (10/ 196) حديث 10443، وابن عدي (6/ 2448)، والبيهقي (7/ 193)، وفي شعب الإيمان (6/ 163) حديث 7792.
قال البزار: هذا حديث لا نعلم رواه عن أبي وائل عن عبدالله إلا مندل، وأخطأ فيه.
وقال ابن عدي: فيه مندل بن علي، قال النسائي: ضعيف.
وقال البيهقي: تفرد به مندل بن علي وليس بالقوي.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 293 - 294): فيه مندل بن علي وهو ضعيف، وقد وثق.
وقال البزار: أخطأ مندل في رفعه، والصواب أنه مرسل، وبقية رجاله رجال =
تحتُ-: حمارُ الوحش. شبَّههما به تنفيرًا عن تلك الحالة.
(و) يُكره (تحدُّثُهما به) أي: بما جرى بينهما (ولو لضَرَّتها، وحرَّمه في "الغنية"
(1)
؛ لأنه من السِّر، وإفشاءُ السِّر حرام) وروى الحسن قال:"جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء، فأقبل على الرجال، فقال: لعلَّ أحدَكم يُحدِّثُ بما يصنع بأهله إذا خلا، ثمَّ أقبل على النساء، فقال: لعلَّ إحداكنَّ تُحدِّثُ النساء بما يصنع بها زوجُها؟ قال: فقالت امرأةٌ: إنّهم يفعلون، وإنَّا لنفعل، فقال: لا تفعلوا، فإنّما مَثَلُ ذلكم كمثل شيطان لقي شيطانةً، فجامعها والناسُ ينظرون"
(2)
. وروى أبو داود عن
= الصحيح. وانظر: علل الدارقطني (5/ 109 - 110).
ب - عن عبدالله بن سرجس رضي الله عنه: أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 327) حديث 9029، وابن عدي (3/ 1078، 4/ 1393).
قال النسائي: هذا حديث منكر:
جـ - عن أبي أمامة رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 164) حديث 7683.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 294): فيه عُفير بن معدان، وهو ضعيف.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 239 مع الفيض) ورمز لحسنه. قال المناوي: فرمز المؤلف لحسنه، إنما هو لاعتضاده وتقوّيه لكثرة طرقه.
د - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 169) حديث 1448، والطبراني في الأوسط (1/ 145) حديث 178. قال البزار: إسناده ليس بالقوي. وقال أبو أحمد الحاكم -كما في ذيل ميزان الاعتدال ص/ 478 - : هذا حديث منكر. وقال الحافظ في الدراية (2/ 228): في إسناده ضعف.
هـ - عن أبي قلابة مرسلًا: أخرجه عبدالرزاق (6/ 194 - 195) حديث 10469 - 10470، وابن سعد (8/ 194)، وابن أبي شيبة (4/ 402).
(1)
ص/ 47.
(2)
لم نقف على من رواه عن الحسن مرسلًا، وقد رواه ابن السماك في فوائده ص/ 287، حديث 378، من طريق يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن عبد الملك بن =
أبي هريرة مرفوعًا مثله بمعناه
(1)
.
(ويُكره وَطؤه) لزوجته أو سُرِّيَّته (بحيث يراه غيرُ طفل لا يعقل، أو) بحيث (يسمع حِسَّهما) غيرُ طفل لا يعقل (ولو رضيا) أي: الزوجان. قال أحمد
(2)
: كانوا يكرهون الوجْس، وهو: الصوت الخفي -وهو بالجيم
= عمير، عن الحسن البصري، عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه.
ويحيى بن عقبة بن أبي العيزار متهم بالوضع والكذب. انظر: ميزان الاعتدال (4/ 397).
(1)
أبو داود في النكاح، باب 48، حديث 2174. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (4/ 391)، وأحمد (2/ 540)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 223) حديث 2752، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 572، حديث 615، والبيهقي (7/ 194)، وفي شعب الإيمان (6/ 169) حديث 7809، من طريق سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة، عن شيخ من طفاوة، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه الخرائطي في مساوئ الأخلاق ص/ 199، حديث 436، من طريق عثمان بن الهيثم، عن عوف الأعرابي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالحديث بمجموع الطريقين حسن. وله شواهد منها:
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (6/ 456 - 457)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (2/ 476) حديث 731، والطبراني في الكبير (24/ 162) حديث 414. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 294): وفيه شهر بن حوشب، وحديثه حسن، وفيه ضعف.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 170) حديث 1450. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 294 - 295): رواه البزار عن روح بن حاتم، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
وأخرجه مسلم في النكاح، حديث 1437، مختصرًا بلفظ:"إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها".
(2)
المبدع (7/ 202)، والشرح الكبير (21/ 414 - 415)، وأورد هذا القول ابن قدامة في المغني (10/ 231 - 232) وعزاه للحسن.
والسين المهملة- يقال: توجَّس: إذا تسمَّع إلى الصوت الخفي (إن كانا مَستورَي العورة، وإلا) بأن لم يكونا مستورَي العورة. (حَرُم مع رؤيتها) أي: العورة؛ لحديث: "احفظ عورتك" وتقدَّم
(1)
.
(ويُكره أن يُقبِّلها) أي: زوجته أو سُرِّيَّته (ويباشرها عند الناس) لأنه دناءة.
(وله الجمع بين) وطء (نسائه وإمائه بغُسْلٍ واحد) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طاف على نسائه في ليلةٍ بغُسلٍ واحدٍ" رواه أحمد والنسائي
(2)
؛ ولأنَّ حَدَثَ الجنابة لا يمنع الوطء، بدليل إتمام الجماع.
(ويُسنُّ أن يتوضأ لمُعاودة الوَطء) لما روى أبو سعيد مرفوعًا: "إذا أتى أحدُكم أهلَه، ثمَّ أراد أن يعود، فليتوضَّأ" رواه مسلم
(3)
، ورواه ابن خزيمة والحاكم وزاد:"فإنه أنشط للعود"
(4)
.
(والغسلُ) لمعاودة الوطء (أفضل) لحديث أبي رافع: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه جميعًا، فاغتسل عند كلِّ امرأةٍ منهنَّ غُسلًا، فقلتُ: يا رسول الله، لو جعلته غُسلًا واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيبُ وأطهرُ" رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي
(1)
تقدم تخريجه (1/ 381) تعليق رقم (2).
(2)
أحمد (3/ 99، 111، 161، 189، 225)، والنسائي في الطهارة، باب 170، حديث 263 - 264، وفي الكبرى (1/ 121) حديث 259 - 260، عن أنس رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- مسلم في الحيض، حديث 309.
وأخرجه البخاري في الغسل، باب 12، 24، حديث 286، 284، وفي النكاح، باب 4، 102، حديث 5068، 5215، بلفظ: كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وله تسع نسوة.
(3)
في الحيض، حديث 308، وتقدم (1/ 375).
(4)
تقدم تخريجه (1/ 375) تعليق رقم (3).
رافع
(1)
.
(وليس) واجبًا (عليها خدمةُ زوجِها في عَجْنٍ وخَبزٍ وطبخٍ ونحوه) ككنس الدار وملء الماء من البئر وطحن (نصًّا
(2)
) لأن المعقود عليه منفعةُ البُضع، فلا يملك غيره من منافعها (لكنَّ الأولى لها فِعْلُ ما جرت العادة بقيامها به) لأنه العادة، ولا يصلح الحال إلَّا به، ولا تنتظم المعيشة بدونه.
(وأوجب الشيخُ
(3)
المعروفَ من مِثْلها لمِثْلِهِ) وفاقًا للمالكية
(4)
. وقاله أبو بكر بن [أبي]
(5)
شيبة، وأبو إسحاق الجوزجاني، واحتجَّا بقضية علي وفاطمة: "فإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمةَ بخدمة البيت، وعليٍّ
(6)
ما كان خارجًا من البيت من عمل" رواه الجوزجاني من
(1)
أحمد (6/ 8، 9 - 10، 391)، وأبو داود في الطهارة، باب 86، حديث 219.
وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (5/ 329) حديث 9035، وابن ماجه في الطهارة، باب 102، حديث 590، وابن سعد (8/ 192 - 193)، وابن أبي شيبة (1/ 147)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 338) حديث 462، والطحاوي (1/ 129)، والروياني في مسنده (1/ 466) حديث 702، والطبراني في الكبير (1/ 326) حديث 973، والبيهقي (1/ 204، 7/ 192) قال أبو داود: وحديث أنس أصح من هذا.
قال النووي في المجموع (2/ 161): هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين.
(2)
المغني (10/ 225).
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 352.
(4)
التاج والإكليل (4/ 185)، والخرشي على مختصر خليل (4/ 186).
(5)
ما بين المعقوفين زيادة من المبدع (7/ 203) وكتب التراجم.
(6)
"وعليٍّ" كذا في الأصل مضبوطة بالشكل، وفي "ح" ومصادر التخريج:"وعلى عليٍّ".
طرق
(1)
.
(وأما خدمةُ نفسِها في ذلك) أي: في العجن والخبز، والطبخ ونحوه (فـ) ـهي (عليها) بمعنى أنها لا تلزمه (إلا أن يكون مِثلُها لا تخدِمُ نفسها) فعليه خادم لها (ويأتي في النفقات.
ولا تصح إجارتها) أي: الزوجة (لرَضاع وخدمة، إلا بإذنه) أي: الزوج؛ لأنه عقد يفوت به حقُّ من ثبت له الحق بعقد سابق، فلم يصح، كإجارة المؤجَّر، فأما مع إذن الزوج فإن الإجارة تصحّ، ويلزم العقد؛ لأن الحقَّ لهما لا يخرج عنهما (أوْ لَه) أي: إذا أجَرَت الزوجة نفسها للزوج؛ صح؛ لأنَّ عقده معها إذنٌ فيه (أو) أجرت نفسها (لعمل في ذِمَّتها) صح العقد؛ لأن ذمَّتها قابلةٌ لذلك (فإن عملته) أي: العمل الذي استؤجرت له (بنفسها، أو) عمله (مَنْ أقامتْهُ مُقامَها؛ استحقَّت الأجرة) لأنها وفَّت بالعمل.
(فإن أجَرت نفسها) أو أجرها وليُّها لصغرها مثلًا (ثم تزوَّجت؛ صَحَّ العقد) أي: عقد الإجارة (ولم يملك الزوج فسخَ الإجارَة، ولا مَنْعَها من الرضاع، حتى تنقضي المُدَّة) لأن منافعها مُلكتْ بعقد سابق على نكاحه (أشبه ما لو اشترى أمَة مستأجرة، أو دارًا مشغولَة) بما
(1)
الجوزجاني قد تقدم التعريف به (4/ 137)، ولم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وأخرجه -أَيضًا- مسدد في مسنده -كما في المطالب العالية (3/ 188) حديث 1663 - ، وأبو بكر بن أبي شيبة (10/ 165، 13/ 284 - 285)، وهناد في الزهد (2/ 386) حديث 750، وأبو نعيم في الحلية (6/ 104)، عن عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب.
قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 123): هذا إسناد مرسل ضعيف؛ لضعف أبي بكر بن عبدالله.
يطول نقله منها.
(فإذا نام الصبي) الذي استؤجرت لرضاعه (أو اشتغل؛ فللزوج الاستمتاعُ بها) لزوال المعارض لِحقِّه (وليس لوليّ الصبي منعُه) أي: الزوج، من الاستمتاع بها.
(وله) أي: الزوج (الاستمتاعُ بها) أي بزوجته المؤجرة لرضاع (ولو أضرَّ اللبنَ) لأن وطء الزوج مستحق بعقد التزويج، فلا يسقط بأمر مشكوك فيه، كما لو أذن فيه الوليّ، ولا يملك الزوج فسخ النكاح مع جهله بكونها مؤجرة.
(وله) أي: الزوج (مَنْعُها من رضاع وَلَدِها من غيره، و) له منعها -أيضًا- (من رضاع ولد غيرها) لأن اشتغالها بذلك يفوِّتُ عليه كمال الاستمتاع بها.
و (لا) يمنعها من رضاع (ولدها منه) لأنه حق لها، فلا يمنعها منه كسائر حقوقها، ومحل مَنْعه لها من رضاع ولدها من غيره، ومن رضاع ولد غيرها (إلا أن يُضطَّر) الرضيع (إليها، ويُخشى عليه) كألّا توجد مرضعةٌ سواها، أو لا يقبل ثدي غيرها، أو تكون قد شرطته عليه، فلا يمنعها منه (نصًّا
(1)
، ويأتي في نفقة الأقارب) موضّحًا.
(ولا يجوز الجمع بين زوجتيه) فأكثر (في مسكن واحد -أي: بيت واحد- بغير رضاهما؛ لأن) على كل واحدة منهما ضررًا، لما بينهن من الغيرة، واجتماعهن يثير الخصومة؛ لأن (كلَّ واحدة منهما تسمع حِسَّه إذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك. فإن رضيتا ذلك، أو) رضيتا (بنومه بينهما في
(1)
انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 202) رقم 999، والفروع (5/ 601)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 427 - 428، 24/ 431 - 432).
لِحاف واحد؛ جاز) لأن الحقَّ لهما لا يعدوهما، فلهما المُسامحة بتركه.
(وإن أسكنهما في دار واحدة، كُلُّ واحدةٍ منهما في بيت) منها (جاز؛ إذا كان) بيتُ كل واحدة منهما (سكنُ
(1)
مِثْلها) لأنه لا جمع في ذلك.
(وكذلك الجمع بين الزوجة والسُّرِّيَّة) في بيت واحد، فلا يجوز (إلا برضا الزوجة) لما تقدم.
(ويجوز نومه) أي: الرجل (مع امرأته -بلا جماع- بحضرة مَحْرَم لها) لنوم النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة في طول الوسادة، وابن عباس -لما بات عندها- في عرضها
(2)
.
(وله) أي: الزوج (منعُها) أي: الزوجة (من الخروج من منزله إلى ما لها منه بُدّ، سواء أرادت زيارة والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما، أو غير ذلك). قال أحمد
(3)
في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعةُ زوجها أوجبُ عليها من أمها، إلا أن يأذن لها.
(ويَحرُمُ عليها) أي: الزوجة (الخروجُ بلا إذنه) أي: الزوج؛ لأن حقَّ الزوج واجب، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب.
(1)
في "ح" و"ذ": "مسكن".
(2)
أخرجه البخاري في العلم، باب 41، حديث 117، وفي الوضوء، باب 5، 36، حديث 138، 183، وفي الأذان، باب 57 - 59، 161، حديث 697 - 699، 859، وفي الوتر، باب 1، حديث 992، وفي العمل في الصلاة، باب 1، حديث 1198، وفي التفسير، باب 17 - 20، حديث 4569 - 4572، وفي اللباس، باب 71، حديث 5919، وفي الأدب، باب 118، حديث 6215، وفي الدعوات، باب 10، حديث 6316، وفي التوحيد، باب 27، حديث 7452، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 763.
(3)
المغني (10/ 224).
(فإن فعلت) الزوجة أي: خرجت بلا إذنه (فلا نفقة لها إذًا) أي: ما دامت خارجة بغير إذنه؛ لعدم التمكين من الاستمتاع.
(هذا) أي: ما ذُكر من تحريم الخروج بلا إذنه، وسقوط نفقتها به (إذا قام) الزوج (بحوائجها) التي لا بد لها منها (وإلا) أي: وإن لم يقم بحوائجها (فلا بدَّ لها) من الخروج للضرورة، فلا تسقط نفقتها به.
(قال الشيخ
(1)
في من حبسته امرأته بحقِّها: إن خاف خروجها بلا إذنه؛ أسكنها حيث لا يمكنها الخروج، فإن لم يكن له من يحفظها غيرُ نفسه؛ حُبست معه) ليحفظها (يعني: إذا كان الحبس مسكن مثلها) ولم يُفضِ إلى اختلاطها بالرجال (كما يأتي في الباب.
فإن عَجَز عن حِفْظها) بالحبس (أو خِيفَ حدوث شرٍّ) بسبب حبسها معه (أُسكنت في رباط ونحوه) دفعًا للمفسدة.
(ومتى كان خروجها مَظِنَّةَ الفاحشة؛ صار حقًّا لله يجب على وليّ الأمر رعايته.
فإن مرض بعضُ محارمها) كأبويها وإخوتها (أو مات) بعض محارمها (لا غيرُه) أي: المَحْرَم (من أقاربها) كأولاد عَمِّها وعمتها، وأولاد خالها وخالتها (استُحبَّ له) أي: الزوج (أن يأذن لها في الخروج إليه) إلى
(2)
تمريضه، أو عيادته، أو شهود جنازته؛ لما في ذلك من صلة الرحم، وفي منعها من ذلك قطيعة رحم، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 201، الفروع (5/ 328).
(2)
في "ح"، و"ذ":"أي إلى".
و (لا) يُستحبُّ
(1)
أن يأذن لها في الخروج (لزيارة أبويها) مع عدم المرض؛ لعدم الحاجة إليه؛ ولئلا تعتاده.
(ولا يملك) الزوج (منعها من كلامهما.
ولا) يملك (منعهما من زيارتها) لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (إلا مع ظن حصول ضرر يعرف بقرائن الحال) بسبب زيارتهما، فله منعهما إذًا من زيارتها، دفعًا للضرر.
(ولا يلزمُها طاعةُ أبويها في فِراقه، ولا) في (زيارة ونحوه، بل طاعة زوجها أحقُّ) لوجوبها عليها، وروى ابن بطة في "أحكام النساء" عن أنس:"أنَّ رجلًا سافرَ ومنعَ زوجتَه الخروجَ، فمرضَ أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضورِ جنازته، فقال لها: اتّقي الله ولا تُخالفِي زوجَكِ، فأوْحَى الله إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي قد غفرت لها بطاعةِ زوجِها"
(2)
.
(1)
في "ذ": "ولا يستحب له".
(2)
ابن بطة تقدم التعريف به (3/ 411) تعليق رقم (4)، وكتابه أحكام النساء لم يطبع. وأخرج هذه القصة -أيضًا- عبد بن حميد (3/ 173) حديث 1367، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 160، حديث 497، والطبراني في الأوسط (8/ 315) حديث 7644، وفيها:"إن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها".
قال ابن حزم في المحلى (10/ 332): خبر ساقط. وضعف إسناده العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 57).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 313): فيه عصمة بن المتوكل، وهو ضعيف.
فصل في القسْم بين الزوجتين فأكثر
(وهو توزيع الزمان على زوجاته) إن كُنَّ ثنتين، فأكثر.
(ويلزم غير طفل أن يساوي بين زوجاته في القَسْمِ، إذا كُنَّ حرائر كلهنَّ، أو) كنَّ (إماءً كلهنَّ) لأنه إذا قسم لواحدة أكثر من غيرها كان في ذلك ميل، وقد قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(1)
وليس مع الميل معروف، وقال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَينَ النِّسَاءِ}
(2)
لأن العدل ألَّا يقع ميل البتة، وهو متعذِّر {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} على تحري ذلك وبالَغْتُم فيه {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} التي ليست ذات بَعْل ولا مطلَّقة.
وعن أبي هريرة مرفوعًا: "من كان له امرأتان، فمالَ إلى إحداهُما، جاءَ يوم القيامةِ وشِقُّهُ مائلٌ"
(3)
.
وعن عائشة: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقسِمُ بيننا، فيعدلُ، ثُمَّ يقولُ: اللهمَّ هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تَلُمْني فيما لا أملِكُ" رواهما أبو داود
(4)
.
ويكون (ليلة) و (ليلة) لأنه إن قسم ليلتين وليلتين أو أكثر من ذلك، كان في ذلك تأخير لحقِّ مَن لها الليلة الثَّانية للتي قبلها (إلا أن يرضين بالزيادة) على ليلة وليلة؛ لأن الحقَّ لا يعدوهنَّ.
(وعماد القَسْمِ الليل) لأنه يأوي فيه الإنسان إلى منزله، ويسكن إلى
(1)
سورة النساء، الآية:19.
(2)
سورة النساء، الآية:129.
(3)
تقدم تخريجه (11/ 149) تعليق رقم (3).
(4)
تقدم تخريجه (11/ 202) تعليق رقم (3).
أهله، وينام على فراشه مع زوجته عادة، والنهار للمعاش، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا. وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}
(1)
(ويخرج في نهاره في معاشه، وقضاء حقوق الناس، وما جرت العادة به، ولصلاة العشاء والفجر، ولو قبل طلوعه، كصلاة النهار).
قلت: لكن لا يعتاد الخروج قبل الأوقات إذا كان عند واحدة دون الأخرى؛ لأنه غير عدل بينهما، أما لو اتفق ذلك بعض الأحيان، أو لعارض فلا بأس.
(وحكم السبعة) للبكر (والثلاثة
(2)
) للثيب (التي يقيمها عند المزفوفة) إليه (حكم سائر القَسْم) في أنَّ عمادها الليل، وأنه يخرج بالنهار؛ لما تقدم، وللصلوات وما جرت العادة به.
(فإن تعذَّر عليه) أي: الزوج (المُقام عندها) أي: عند ذات الليلة (ليلًا، لشغل أو حبس، أو تَرَكَ ذلك) أي: المُقام عندها في ليلتها (لغير عُذر، قَضَاه لها) كسائر الواجبات.
(ويدخل النهار تبعًا للَّيْلة الماضية) لأن النهار تابع لليل، ولهذا يكون أولَ الشهر الليلُ، وقالت عائشة:"قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي"
(3)
وإنما قُبض صلى الله عليه وسلم نهارًا
(4)
.
(1)
سورة النبأ، الآيتان: 10 - 11.
(2)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 428): "الثلاث".
(3)
أخرجه البخاري في الجنائز، باب 96، حديث 1389، وفي فرض الخمس، باب 4، حديث 3100، وفي فضائل الصحابة، باب 30، حديث 3774، وفي المغازي، باب 83، حديث 4449 - 4451، وفي النكاح، باب 104، حديث 5217، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2443.
(4)
انظر: طبقات ابن سعد (2/ 273).
(وإن أحبَّ أن يجعل النهار مضافًا إلى الليل الذي يتعقبه؛ جاز) له ذلك (لأن ذلك لا يتفاوت) والغرض التعديل بينهن، وهو حاصل بذلك (إلا لمن معيشته بالليل كالحارس، فإنه يَقْسِم بالنهار؛ لأنه مَحِلُّ سَكَنه، ويكون الليل تبعًا للنهار) في حقه.
(وليس له) أي: الزوج، إذا أراد الشروع في القسْم (البُداءة بإحداهنَّ) إلا بقرعة أو رضاهن؛ لأن البداءة بها تفضيل لها، والتسوية واجبة؛ ولأنهن متساويات في الحق، ولا يمكن الجمع بينهن، فوجب المصير إلى القرعة، إن لم يرضين.
(ولا) أي: وليس للزوج (السفر بها) أي: بإحداهنَّ (أو بأكثر من واحدة) منهن (إلا بقرعة، أو رضاهن ورضاه) لما تقدم؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أرادَ سفرًا، أقرعَ بين نسائِه، فمن خرج سَهْمُها خرجَ بها معه" متفق عليه
(1)
.
(فإن) رضين ورضي بالبُداءة بواحدة، أو السفر بها؛ جاز؛ لأن الحق لا يعدوهم، وإن (رضين) بالبُداءة بإحداهن، أو السفر بها (ولم يرض) الزوج بها (وأراد خروج غيرها) للبُداءة أو السفر (أقرع) لما تقدم.
(وإذا بات) الزوج (عند إحداهن بقُرعة، أو غيرها) برضًا أو غيره (لزمه المبيت) في الليلة الآتية (عند الثانية) من الزوجات (إن كُنَّ اثنتين) ليحصل التعديل أو تدارك الظلم، ولم يحتج لإعادة القُرعة.
(فإن كنَّ) أي: الزوجات (ثلاثًا) وبدأ بإحداهن بقُرعة، أو غيرها
(1)
البخاري في الهبة، باب 15، حديث 2593، وفي الشهادات، باب 30، حديث 2688، وفي الجهاد والسير، باب 64، حديث 2879، وفي المغازي، باب 34، حديث 4141، وفي التفسير، باب 6، حديث 4750، ومسلم في التوبة، حديث 2770، عن عائشة رضي الله عنها.
(أقرع في الليلة الثانية) بين الباقيتين؛ ليحصل التعديل بينهما؛ إن لم يتراضوا.
(فإن كنَّ) أي: الزوجات (أربعًا) وبدأ بإحداهنَّ، ثم بأخرى منهنَّ (أقرع في الليلة الثالثة) بين الباقيتين؛ لما تقدم (ويصير في الليلة الرابعة إلى) الزوجة (الرابعة بغير قُرعة) لأنها حقها.
(ولو أقرع) من له أربع زوجات (في الليلة الأولى) بينهنَّ (فجعل سهمًا للأولى، وسهمًا للثانية، وسهمًا للثالثة، وسهمًا للرابعة، ثم أخرج) السهام (عليهنَّ مرةً واحدة؛ جاز) ذلك؛ لأنه مُوَفٍّ بالمقصود (وكان لكلِّ امرأة ما يخرج لها) من الليالي، عملًا بمقتضى القُرعة.
(ويَقْسِمُ) من تحته مُبعَّضة وغيرها (كمُعتَقٍ
(1)
بعضها، بالحساب) بأن يجعل لحريتها بحساب ما للحُرَّة، ولرقِّها بحساب ما للأَمة، فإن كان نصفها حرًّا فلها ثلاث ليال، وللحرة أربع؛ لأنَّا نجعل لجزئها الرقيق ليلة، فيكون لما يقابله من الحرة ليلتان ضعف ذلك، ونجعل لجزئها الحرِّ ليلتين، فيكون لما يقابله من الحرة ليلتان مثل ذلك.
(ويَقسم) الزوجُ (المريضُ والمجبوبُ والعِنِّين والخَصيُّ كالصحيح) لأن القسم للأُنس، وذلك حاصل ممن لا يطأ، وقد روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنّهُ لمّا كان في مرضه جعلَ يدور في نسائه ويقولُ: أينَ أنا غدًا؟ أينَ أنا غدًا؟ " رواه البخاري
(2)
.
(فإن شَقَّ على المريض) القَسْم (استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهنَّ) لما روت عائشة: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثَ إلى نسائهِ فاجتمعن،
(1)
في متن الإقناع (3/ 429): "لمعتق".
(2)
قطعة من حديث عائشة رضي الله عنها تقدم تخريجه (12/ 105) تعليق رقم (3).
فقال: إنِّي لا أستطيعُ أن أدورَ بينكنَّ، فإنْ رأيتُنَّ أن تأذَنَّ لي فأكون عندَ عائشةَ؛ فعلتُ، فأذِنَّ لهُ" رواه أبو داود
(1)
.
(فإن لم يأذَنَّ له) أن يقيم عند إحداهن (أقام عند إحداهنَّ بقُرعة، أو اعتزلهنّ جميعًا، إن أحب) ذلك، تعديلًا بينهن.
(ويطوف بمجنون مأمون) له زوجتان فأكثر (وليُّه، وجوبًا) لحصول الأُنس به.
(فإن خيف منه) لكونه غير مأمون (فلا قَسْمَ عليه؛ لأنه لا يحصُل منه أُنس) لهنَّ.
(ولا قَسْمَ لمجنونة يخاف منها) لما تقدم.
(وإن لم يعدل الوليّ في القَسْمِ، ثم أفاق الزوج) من جنونه (قضي للمظلومة) ما فاتها استدراكًا للظُّلامة.
(ويحرم تخصيص) بعض الزوجات (بإفاقته) لأنه جَور على الأخرى.
(وإذا أفاق) المجنون (في نوبةِ واحدة) من زوجاته (قضى يوم جنونه للأخرى) ليحصل التعديل.
(ولا يجب عليه) أي: الزوج (التسوية بينهن في وطءٍ ودواعيه) لأن ذلك طريقه الشهوة والميل، ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك.
(ولا) يجب عليه -أيضًا- التسوية بينهن (في نفقة، وشهوات،
(1)
في النكاح، باب 37، حديث 2137.
وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (2/ 232 - 233)، وإسحاق بن راهويه (3/ 726، 991)، حديث 1333، 1718، وأحمد (6/ 219)، والبيهقي (7/ 298 - 299)، وفي دلائل النبوة (7/ 213 - 214).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 31): رجال أحمد ثقات.
وكُسوة؛ إذا قام بالواجب) عليه من نفقة وكُسوة.
(وإن أمكنه ذلك) أي: التسوية بينهن في الوطء ودواعيه، وفي النفقة والكُسوة وغيرها (وفَعَلَهُ؛ كان أحسنَ وأولى) لأنه أبلغ في العدل بينهن. ورُوي:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسوِّي بين زوجاته في القُبلةِ، ويقولُ: اللهُمَّ هذا قَسْمي فيما أمْلِكُ، فلا تَلُمني فيما لا أملِكُ"
(1)
.
(ويَقْسِمُ) مَن تحته حُرة وأَمَة (لزوجته الأَمَة ليلة؛ لأنها على النصف من الحرّة، و) لزوجته (الحرّة ليلتين، وإن كانت) زوجته الحرّة (كتابية) لقول عليٍّ: "إذا تزوَّجَ الحُرَّة على الأَمَةِ، قَسمَ للأَمَةِ ليلةً وللحُرَّةِ ليلتين" رواه الدارقطني
(2)
، واحتج به أحمد
(3)
؛ ولأن الحرّة حقُّها في الإيواء أكثر، ويخالف النفقة والكُسوة؛ فإنه مقدَّر بالحاجة، وقسمُ الابتداء شُرع ليزول الاحتشامُ لكلٍّ منهما
(4)
.
(فإن عَتَقَت الأَمَة في نوبتها) فلها قسْم حرَّة (أو) عَتَقَت الأَمَة (في نوبة حرّة متقدمة قبلها، فلها قَسْمُ حرَّة) لأن النوبة أدركتها وهي حُرَّة، فتستحق قَسْمَ حُرَّة.
(1)
فقرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوي بين زوجاته في القبلة" لم نقف على من رواها مسندة، وذكرها -أيضًا- ابن قدامة في المغني (10/ 246). وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك" فقد تقدم تخريجه (11/ 202) تعليق رقم (3).
(2)
(3/ 284 - 285). وأخرجه -أيضًا- محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (3/ 259)، وعبدالرزاق (7/ 265) رقم 13090، وسعيد بن منصور (1/ 184، 186) رقم 725، 738، وابن أبي شيبة (4/ 150)، والبيهقي (7/ 175، 299)، وضعفه ابن حزم في المحلى (10/ 66)، والزيلعي في نصب الراية (3/ 176).
(3)
مسائل أبي داود ص/ 160، ومسائل حرب ص/ 63، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 248 - 249).
(4)
"وتستوي فيه الحرة والأمة على حد سواء". ش.
(وإن عَتَقَت) الأمة (في نوبة حرّة متأخِّرة) عن الأمة (أتمَّ للحُرَّة نوبتها على حكم الرق) لضرَّتها (ولا تزاد الأَمَة شيئًا، ويكون للحرّة ضعف مدة الأمة) لأنه باستيفاء الأمة مدّتها في حال الرق وجب للحرة ضعفها، بخلاف ما إذا عتقت قبل مجيء نوبتها أو قبل تمامها
(1)
، والحرية الطارئة لا تَنْقُصُ الحرة مما وجب لها، وإذا أتم للحرة نوبتها ابتدأ القَسْم متساويًا.
(والحقّ في القَسْم للأمة دون سيّدها، فلها) أي: الأمة (أن تَهَب ليلتها لزوجها، أو لبعض ضرائرها) بإذن زوجها (كالحرّة) لأن الحق لها.
(وليس لسيدها الاعتراض عليها) في ذلك (ولا أن يهبه) أي: وليس لسيد الأمة أن يهبَ حقَّها من القسم (دونها) لأن الإيواء والسكن حقٌّ لها دون سيدها. وتقدم.
(ويقسم) الزوجُ (لـ) ـزوجته (حائضٍ، ونُفُساءَ، ومريضة، ومَعيبة) بجذام أو نحوه (ولرتقاء، و) لـ (ـصغيرة يمكن وطؤها، ومن آلى) منها (أو ظاهر منها، ومُحْرِمة، وزَمِنة، ومجنونة مأمونة، نصًّا
(2)
) لأن القصد السكن والإيواء والأُنس، وحاجتهن داعية إلى ذلك، فإن خيف من المجنونة فلا قَسْم لها، وتقدم
(3)
.
(ولا قَسْم لـ) ـمطلَّقة (رجعية، صَرَّح به في "المغني" و"الشرح" والزركشي في الحضانة، وما ثَمَّ صريح يخالفه؛ ولأنها ترجع حضانتها على ولدها) من غير مُطلِّقها (وهي رجعية) فدلَّ ذلك على أنها ليست
(1)
في "ذ": "تمامه".
(2)
الفروع (5/ 329).
(3)
(12/ 108).
زوجة من كل وجه.
(ويَقْسِمُ) الزوجُ (لمن سافر بها) من زوجاته (بقُرعة إذا قدم) من سفره (ولا يحتَسِب عليها بمدة السفر) لحديث عائشة السابق
(1)
، ولم تذكر قضاء؛ ولأن المسافرة اختصت بمشقة السفر فاختصت بالقَسْم.
(وإن كان) السفر بها (بغير قُرعة، لزمه القضاء مدة غيبته) لأنه خَصَّ بعضهنَّ بمدَّة على وجهٍ تلحقه التُّهمة فيه، فلزمه القضاء، كما لو كان حاضرًا (ما لم تكن الضَّرّة رضيت بسفرها) أي: سفر ضرَّتها معه. قال في "المبدع": وينبغي أن يقضي منها ما أقام معها لمبيتٍ ونحوه.
(ويقضي) من سافر بإحدى زوجاته (مع قُرعة ما تعقَّبه السفر) أي: ما أقامه عند انتهاء مسيره في السفر (أو) ما (تخلّله) أي: السفر (من مدَّة إقامة، وإن قلَّت) لتساكنهما في ذلك، لا زمن سيره وحِلِّه وترحاله؛ لأن ذلك لا يُسمَّى سكنًا، فلا يجب قضاؤه، كما لو كانا منفردين.
(و
إذا) أراد السفر وأقرع بين نسائه،
و (خرجت القُرعة لإحداهنّ؛ لم يجب عليه السفر بها، وله تركُها والسفر وحده) لأن القُرعة لا توجب، وإنما تُعيِّن من استحق التقديم.
و (لا) يجوز له السفر (بـ) ـإحدى زوجاته (غير من خرجت لها القُرعة) لأنه جَوْر.
(وإن وهبت) من خرجت لها القُرعة (حقَّها من ذلك) أي: من السفر معه لإحدى ضراتها (جاز) لها ذلك (إذا رضي الزوج) لأن الحق لا يعدوهما.
(وإن وهبتهُ) أي: وهبتْ من خرج لها القرعة حقَّها من السفر معه
(1)
تقدم تخريجه (12/ 106)، تعليق رقم (1).
(للزوج، أو) وهبته (لـ) ـضرائرها (الجميع، أو امتنعت) من خرجت لها القُرعة (من السفر؛ سقط حقُّها) لإعراضها عنه باختيارها (إذا رضي الزوج) بما صنعته من الهبة، أو الامتناع (واستأنف القُرعة بين البواقي) من ضَرَّاتها؛ إن لم يرضين معه بواحدة (وإن أبى) ما صنعته من الهبة، أو الامتناع (فله إكراهها على السفر معه) لأنه حقٌّ له، فأُجبرت عليه كسائر حقوقه.
(والسفر الطويل والقصير سواء) فيما تقدم. قال في "المبدع": وظاهره: لا يشترط كونه مباحًا، بل يشترط كونه مرخَّصًا.
(ومتى سافر بإحداهن بقرعة إلى مكان -كالقدس مثلًا- ثم بدا له) السفر (إلى مصر) مثلًا (فله استصحابها معه) إليها؛ لأن ذلك إتمامٌ لسفره الأول، وليس ثَمَّ من لها حقٌّ معها، أشبهت المنفردة.
(وإذا سافر بزوجتين) فأكثر (بقُرعة، أوى إلى كلِّ واحدة ليلةً) بيومها (في رَحْلِها، من خيمة، أو خِرْكاه
(1)
، أو خباء شعر، فهو) أي: رَحْلُها (كبيت المقيمة) فيما ذكر.
(وإن كانتا جميعًا في رَحْلِهِ، فلا قَسْم إلا في الفراش) كما لو كانتا معه في بيت واحد برضاهما (فلا يحل) له (أن يخصَّ فراش واحدة) منهما (بالبيتوتة فيه دون فراش الأخرى) لأنه مَيْلٌ.
(ويحرم) على من تحته أكثر من زوجة (دخوله في ليلتها) أي: ليلة إحدى الزوجات (إلى غيرها) لأنه ترك الواجب عليه (إلا لضرورة، مثل أن تكون) غير ذات الليلة (منزولًا بها) أي: محتضرة، فيريد أن يحضرها (أو توصي إليه، أو ما لا بُدَّ منه) عُرفًا؛ لأن ذلك حالَ ضرورةٍ، فأُبيح به
(1)
لفظ فارسي معناه: الخيمة الكبيرة. انظر: قاموس الفارسية ص/ 217.
ترك الواجب لإمكان قضائه في وقت آخر.
(فإن لم يلبث عندها؛ لم يقضِ) شيئًا؛ لأنه لا فائدة فيه، لقلّته (وإن لبث) عندها (أو جامع؛ لزمه أن يقضي لها مثلَ ذلك من حقّ الأخرى) لأن التسوية واجبة ولا تحصُل إلا بذلك.
(وإن
(1)
قَبَّلَ) التي دخل إليها في غير ليلتها (أو باشر) ها (أو نحوه) كما لو نظر إليها بشهوة (لم يقض) ذلك لذات الليلة؛ لقول عائشة: "كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلُ عليَّ في يوم غيري، فينالُ منِّي كل شيءٍ إلا الجِماعَ"
(2)
(والعدل القضاء) لتحصل التسوية بينهن.
(وكذا يحرم دخوله نهارًا إلى غيرها إلا لحاجة) قال في "المغني" و"الشرح": كدفع نفقة، وعيادة، أو سؤال عن أمْرٍ يحتاج إلى معرفته، أو زيارتها لبعد عهده بها.
(ويجوز أن يقضي ليلة صيف عن ليلة شتاء) لأنه قضى ليلة عن ليلة.
(1)
في "ذ": "ولو".
(2)
لم نقف على من رواه بهذا اللفظ، وأخرج أبو داود في النكاح، باب 37، حديث 2135، وأحمد (6/ 107) والطبراني في الكبير (24/ 31) حديث 81، وفي الأوسط (6/ 121) حديث 5250، والدارقطني (3/ 284)، والحاكم (1/ 135، 2/ 186)، والبيهقي (7/ 74 - 75، 300، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا امرأة امرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس، حتى يُفضي إلى التي هو يومها، فيبيت عندها". هذا لفظ أحمد، وزاد الحاكم والبيهقي: فيقبل ويلمس ما دون الوقاع.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 64): في إسناده عبدالرحمن بن أبي الزناد وقد تكلم فيه غير واحد، ووثقه الإمام مالك، واستشهد به البخاري.
(و) يجوز -أيضًا- أن يقضي (أول الليل عن آخره، وعكسه) بأن يقضي ليلة شتاء عن ليلة صيف وآخر ليل عن أوله؛ لأنه قضى بقَدْرِ ما فاته. وفي "الشرح" و"المبدع": يُستحبُّ أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت؛ لأنه أبلغ في المماثلة.
(والأولى أن يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه) لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه أصون لهنَّ وأستر، حتى لا يخرجن من بيوتهن.
(فإن اتَّخذ) الزوج (لنفسه مسكنًا) غير مساكن زوجاته (يدعو إليه كلَّ واحدة منهنَّ في ليلتها ويومها، ويُخْلِيهِ من ضَرتها
(1)
؛ جاز) له ذلك؛ لأن له نَقْل زوجته حيث شاء بمسكن يليق بها.
(وله دعاء البعضِ إلى مسكنه، ويأتي البعضَ) لأن له أن يُسكِن كلَّ واحدة منهنَّ حيث شاء.
(وإن امتنعتْ مَن دعاها عن إجابته) وكان ما دعاها إليه مسكن مثلها (سقط حقُّها من القَسْم) لنشوزها.
(وإن أقام عند واحدة) من زوجاته (ودعا الباقيات إلى بيتها؛ لم تجب عليهن الإجابة) لما بينهن من الغيرة، والاجتماعُ يزيدها.
(وإن حُبس) الزوج (فاستدعى كلَّ واحدة) من زوجاته في الحَبْس (في ليلتها؛ فعليهنَّ طاعته؛ إن كان) الحبس (مسكن مثلهن) ولا مفسدة، كما لو لم يكن محبوسًا (وإلا) بأن
(2)
لم يكن الحبس مسكن مثلهن (لم يلزمهن) طاعته، كما لو دعاهن في غير الحبس إلى ما ليس مسكنًا لمِثلهن.
(1)
في "ح": "ضراتها".
(2)
في "ح" و"ذ": "وإلا أي وإن لم يكن. . .".
(فإن أطعْنه) في الإتيان إلى الحبس، سواء كان مسكن مِثلهنَّ، أو لا (لم يكن له أن يترك العدل بينهنَّ) لأنه جور (ولا استدعاء بعضهن دون بعض) لما فيه من ترك التسوية بلا عُذر (كما في غير الحبس.
فإن كانت امرأتاه في بلدين) أو كان نساؤه في بلاد (فعليه العدل بينهما) أو بينهن (بأن يمضي إلى الغائبة) عن البلد (في أيامها، أو يُقْدِمَها إليه) ليسوِّي بينهن.
(فإن امتنعت) الغائبة (من القدوم مع الإمكان؛ سقط حقُّها) من القَسْم والنفقة (لنشوزها.
وإن قَسَمَ في بلديهما؛ جعل المدة بحسب ما يمكن، كشهر وشهر، أو أكثر أو أقل، على حسب تقارب
(1)
البلدين) وبُعدِهما؛ لحديث: "إذا أمَرتُكُم بأمر فأْتُوا منه ما استطعتُم"
(2)
.
(فإن
(3)
قَسَم لإحدي زوجاته، ثم جاء ليقسم للثانية، فأغلقت الباب دونه، أو منعته من الاستمتع بها، أو قالت: لا تدخل عليَّ، أو: لا تبيت عندي، أو ادَّعت الطلاق؛ سقط حقُّها من القَسْم والنفقة) لنشوزها.
(فإن عادت إلى المطاوعة؛ استأنف القَسْم بينهما) أي: بين من كانت ناشزًا وضَرَّتها (ولم يقضِ للناشز) مبيته عند ضَرتها، لسقوط حقِّها إذ ذاك.
(فإنْ كان له أربع نسوة، فأقام عند ثلاث منهنَّ ثلاثين ليلة) عند كل
(1)
في "ذ": "تفاوت".
(2)
تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم (2).
(3)
في "ح" و"ذ": "وإن".
واحدة عشر ليال، ولم تكن الرابعة ناشزًا (لزمه أن يُقيم عند الرابعة عشرًا) ليعدل بينهن.
(فإن نشزت إحداهن) أي: الأربع (وظلم واحدة) منهن (فلم يقسم لها، وأقام عند الاثنتين ثلاثين ليلة) كل واحدة خمس عشرة (ثم أطاعته الناشز، وأراد القضاء للمظلومة؛ قسم لها ثلاثًا، وللناشز ليلة، خمسة أدوار، ليكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة) لتساوي ضرتيها (ويحصل للناشز خمس) ليال؛ لأنها واحدة من أربع، فيكون لها رُبْعُ الزمن المستقبل، وذلك خمس من عشرين، والأولى والثانية قد استوفتا مدتهما، فالخمسة عشر للمظلومة (ثم يقسم بين الجميع) على السواء.
(فإن كان له ثلاث نسوة، فَقَسَم بين اثنتين ثلاثين ليلة، وظلم الثالثة) فلم يقسم لها (ثم تزوَّج جديدة، ثم أراد أن يقضي للمظلومة) ما فاتها (فإنه يخص الجديدة بسبع) ليال (إن كانت بِكرًا، أو بثلاث إن كانت ثيبًا) لما يأتي (ثم يَقسِمُ بينها) أي: الجديدة (وبين المظلومة خمسة أدوار، للمظلومة من كل دور ثلاثًا، وواحدة للجديدة) لما تقدم في الناشز.
وكذا لو كانت وَهَبَتْهُ قَسْمَها ثم رجعت فيه، فإذا أكمل الحقَّ ابتدأ التسوية.
فصل
(وإن أراد) مَنْ تحته أكثر من امرأة (النُّقلة من بلد إلى بلد بنسائه، فأمكنه استصحاب الكلِّ في سفره؛ فعل) أي: استصحبهنَّ.
(ولا يجوز له إفرادُ إحداهُنَّ) باستصحابها معه (بغير قُرعة) لأنه مَيْلٌ (فإن فعل) بأن استصحب إحداهنَّ معه بغير قُرعة (قضى للباقيات) جميع زمن سفره وإقامته بها وحدها؛ ليسوِّي بينهنَّ.
(وإن لم يمكنه) استصحاب الكل (أو شَقَّ عليه) استصحاب الكل (وبَعَثَ بهنَّ جميعًا مع غيره ممن هو مَحْرَمٌ لهنَّ؛ جاز) له ذلك (ولا يقضي لأحدٍ) منهنَّ؛ لتساويهنَّ في انفراده عنهن.
(وإن انفرد بإحداهُنَّ بقُرعة) واستصحبها معه (فإذا وصل البلد الذي انتقل إليه، فأقامت معه فيه؛ قضى للباقيات مدَّةَ كَوْنِها معه في البلد خاصةً) لتساكنهما إذًا، لا زمن سيره وحِلِّه وترحاله؛ لأنه لا يُسَمَّى سكنًا، فلا يجب قضاؤه.
(وإن امتنعت) إحدى زوجاته (من السفر معه) بلا عُذر (أو) امتنعت (من المبيت عنده، أو سافرت بغير إذنه) لحاجتها أو غيرها (أو) سافرت (بإذنه لحاجتها؛ سقط حقُّها من قَسْمٍ ونفقة) أما الممتنعة من السفر أو المبيت معه؛ فلأنها عاصية له، فهي كالناشز. وكذا من سافرت بغير إذنه. وأما من سافرت لحاجتها؛ فلأن القَسْم للأُنس، والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذَّر ذلك بسبب من جهتها، فسقط، كما قبل الدُّخول بها، وفارق ما إذا سافرت معه؛ لأنه لم يتعذَّر ذلك.
(وإن بعثها) الزوجُ (لحاجته، أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه؛ لم يسقط حقُّها من نفقة ولا قَسْمٍ) لأنَّ تعذُّرَ استمتاعه بها بسببٍ من جهته (ويقضي لها بحسب ما أقام عند ضَرتها) ليسوِّي بينهما.
(وللمرأة أن تَهَبَ حقَّها من القَسْم في جميع الزمان، وفي بعضه، لبعض ضرائرها، بإذنه، أو) تهب حقَّها من القسم (لهنَّ) أي: لضرائرها
(كلهن، أو) تهبه (له) أي: للزوج (فيجعله لمن يشاء
(1)
منهن، ولو أبتِ الموهوبُ لها) ذلك؛ لأن الحق في ذلك للواهبة والزوج، فإذا رضيت هي والزوج؛ جاز؛ لأن الحق لا يخرج عنهما، وحق الزوج في الاستمتاع ثابت في كل وقت على كل واحدة منهن، وإنما منعته المزاحمة في حق صاحبتها، فإذا زالت المزاحمة بهبتها، ثبت حقُّه في الاستمتاع بها وإنْ كرهت، كما لو كانت منفردة، وقد ثبت أن سَوْدة وهبت يومها لعائشة:"فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لعائشةَ يومها ويومَ سودةَ" متفق عليه
(2)
.
(ولا يجوز هِبَةُ ذلك بمالٍ) لأن حقَّها في كون الزوج عندها، وليس ذلك يقابَل بمال (فإن أخذت) الواهبةُ (عليه مالًا؛ لزمها ردُّه) إلى من أخذته منه (وعليه) أي: الزوج (أن يقضي لها) زمن هبتها (لأنها تركته بشرط العوض، ولم يُسلَّم) العوض (لها) فترجع بالمعوض.
(فإن كان عوضها غيرَ المال، كإرضاء زوجها عنها أو غيره؛ جاز) لأن عائِشَة أرضَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفيَّةَ فأخذَتْ يومها، وأخبرت بذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُنكِرهُ
(3)
.
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 434): "شاء".
(2)
البخاري في النكاح، باب 98، حديث 5212، ومسلم في الرضاع، حديث 1463 عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 300) حديث 8933، وابن ماجه في النكاح، باب 48، حديث 1973، وإسحاق بن راهويه (3/ 780) حديث 1409، وأحمد (6/ 95، 145)، والطبراني في الكبير (24/ 70) حديث 2187، وفي الأوسط (3/ 289) حديث 2629، والمزي في تهذيب الكمال (35/ 199)، عن سمية البصرية، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَجَدَ على صفية بنت حُيي في شيء؛ فقالت صفية: يا عائشة، هل لك أن تُرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ولك يومي؟ =
(وقال الشيخ
(1)
: قياس المذهب جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها، من القَسْمِ وغيره. ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه) كأخذ العوض عن القَوَد، وفي الخلع.
(ثم إن كانت تلك الليلة الموهوبة) لإحدى الضرائر (تلي ليلة الموهوب لها؛ وَالى) الزوج (بينهما) أي: الليلتين فيبيتهما عند الموهوب لها (وإلا) أي: وإن لم تَلِ تلك الليلة ليلةَ الموهوب لها (لم يجز) أن يوالي بين الليلتين (إلا برضا الباقيات) لأن الموهوب لها قامت مقام الواهبة في ليلتها؛ فلم تُغيَّر عن موضعها، كما لو كانت الواهبة باقية، فإن رضين؛ جاز؛ لأن الحق لا يخرج عنهن.
(ومتى رجعت) الواهبة (في الهِبة؛ عاد حقُّها في المستقبل فقط، ولو في بعض الليل) لأنها هبة لم تُقْبَض (ولا يقضيه) أي: لا يقضي بعضًا من ليلة (إن لم يعلم) الزوج برجوعها (إلا بعد فراغ الليلة) لحصول التفريط منها.
(ولها) أي: المرأة (هِبة ذلك) أي: قَسمِها (ونفقتِها، وغيرِهما، لزوجها ليمسكها، ولها الرجوع في المستقبل) لأنها هِبة لم تُقْبَض، بخلاف ما مضى؛ لأنه قد اتَّصل به القبض.
(ولا قَسْمَ عليه في مِلك اليمين، وله الاستمتاع
= قالت: نعم، فأخذتْ خمارًا لها مصبوغًا بزعفران فرشته بالماء ليفوح ريحه، ثم قعدت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، إليك عني، إنه ليس يومك، فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالأمر، فرضي عنها.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 343): هذا إسناد ضعيف، سُمية البصرية لا تُعرف، كذا قال صاحب الميزان.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 357.
بهنَّ
(1)
وإن نقص) به (زمن زوجاته) بحيث لا يَنْقُص الحُرَّة عن ليلة من أربعة، والأمَة عن ليلة من سبع، كما تقدَّم (لكن يساوي بينهنَّ في حرمانهن، أي: الزوجات، كما إذا بات عند أمَته، أو) بات (في دُكَّانه، أو عند صديقه) أو منفردًا.
(و) له أن (يستمتع بِهنَّ كيف شاء إن شاء، كالزوجات، أو أقل، أو أكثر) بأن يطأ من شاء منهن متى شاء (وإن شاء ساوى) بينهن (وإن شاء فضَّل، وإن شاء استمتع ببعضهنَّ دون بعض) لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(2)
وقد كانَ للنبي صلى الله عليه وسلم مارِيَةُ ورَيْحانةُ، فلم يكن يَقسِمُ لهما
(3)
؛ ولأن الأمةَ لا حقَّ لها في الاستمتاع، ولذلك لا يثبت لها الخيار بكون السيد مجبوبًا أو عِنِّينًا، ولا يضرب لها مدة الإيلاء.
(ويُستحبُّ) له (التسويةُ بينهنَّ) في القَسْم؛ ليكون أطيب لنفوسهن
(4)
(و) عليه (ألَّا يعضُلَهُنَّ إن لم يُرِدِ الاستمتاعَ) بهنَّ، فلا يمنعهن من الزواج.
(وإذا احتاجت الأَمة إلى النكاح، وَجَبَ عليه) أي: السيد
(1)
زاد في متن الإقناع (3/ 435): "كيف شاء".
(2)
سورة النساء، الآية:3.
(3)
أخرج سيف بن عمر -كما في البداية والنهاية (5/ 306) - عن سعيد بن عبدالله، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم لمارية وريحانة مرة، ويتركهما مرة. ا. هـ. قلنا: وهذا إسناد ضعيف، سيف بن عمر قال عنه الحافظ في التقريب (2739): ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ، أفحش ابن حبان القول فيه.
(4)
في "ح": "لنفوسهن عليه".
(إعفافُها، إما بوطئها، أو تزويجها، أو بيعها) لأن إعفافهنَّ وصَونهنَّ عن احتمال الوقوع في المحظور
(1)
واجب.
فصل
(وإذا تزوَّج بكرًا، ولو أَمَة) ومعه غيرها، ولو حرائر (أقام عندها سبعًا) ثم دار.
(و) إذا تزوَّج (ثيّبًا، ولو أَمَة) أقام عندها (ثلاثًا) لعموم ما يأتي؛ ولأنه يُراد للأُنس، وإزالة الاحتشام، والأَمَةُ والحُرَّةُ سواء في الاحتياج إلى ذلك، فاستويا فيه، كالنفقة.
(ولا يَحْتَسِبُ عليهما بما أقام عندهما، فإذا انتهت مُدَّةٌ إقامته عند الجديدة، عاد إلى القَسْم بين زوجاته كما كان) قبل أن يتزوَّج الجديدة (ودخلت) الجديدة (بينهنَّ، فصارت آخرهنَّ نوبة) لما روى أبو قِلابة عن أنس قال: "مِن السُّنةِ إذا تزوَّجَ الرجلُ البِكرَ على الثيبِ، أقامَ عندها سبعًا، وقسمَ، وإذا تزوَّجَ الثيبَ أقامَ عندها ثلاثًا، ثمَّ قسمَ" قال أبو قلابة: "لو شئتُ لقلتُ: إنَّ أنسًا رفعهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم" متفق عليه
(2)
، ولفظه للبخاري. وخُصَّت البِكر بزيادة؛ لأن حياءها أكثر، والثلاث مُدّة معتبرة في الشرع، والسبعة؛ لأنها أيام الدنيا، وما زاد عليها يتكرر، وحينئذ ينقطع الدور.
(1)
في "ح" و"ذ": "المحظورات".
(2)
البخاري في النكاح، باب 100 - 101، حديث 5213 - 5214، ومسلم في الرضاع، حديث 1461.
(وإن أحبَّت الثيبُ أن يقيم) الزوج (عندها سبعًا؛ فعل، وقضى للبواقي) من ضَرّاتها (سبعًا سبعًا) لِمَا روت أم سلمة: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا تزوَّجها أقامَ عندها ثلاثًا، وقال: إنهُ ليس بكِ هَوانٌ على أهلِكِ، وإنْ شئْتِ سَبَّعْتُ لكِ، وإنْ سَبّعْتُ لكِ سَبَّعتُ لنسائي" رواه مسلم
(1)
. قال ابن عبدالبر
(2)
: والأحاديث المرفوعة على ذلك، وليس مع من خالف حديث مرفوع، والحُجَّة مع من أدلى بالسُّنة.
(وإن تزوَّج امرأتين، فزُفَّتا إليه في ليلة واحدة؛ كُرِهَ له ذلك، بِكْرَيْنِ كانتا أو ثيِّبين، أو بكرًا وثيِّبًا) لأنه لا يمكن الجمع بينهما في إيفاء حقِّهما، وتستضرُّ التي يؤخر حقُّها، وتستوحش (ويُقدِّم أسبقهما دخولًا، فيوفِّيها حق العقد) لأن حقَّها سابق (ثم يعود إلى الثانية، فيوفِّيها حق العقد) لأن حقَّها واجب عليه، ترك العمل به في مُدّة الأولى؛ لأنه عارضه ورجح عليه، فإذا زال المعارِضُ؛ وجبَ العمل بالمقتضي (ثم يبتدئ القَسْم) ليأتي بالواجب عليه من حقّ الدور.
(فإن أُدخِلَتا عليه معًا؛ قدَّم إحداهما بقُرعة) لأنهما استويا في سبب الاستحقاق، والقُرعة مرجِّحة عند التساوي وفي "التبصرة": يبدأ بالسابقة بالعقد، وإلا؛ أقرع.
(ويُكره أن تُزَفَّ إليه امرأة في مُدّة حقِّ) عقدِ (امرأة زُفَّتْ إليه قبلَها) لِمَا تقدم (وعليه أن يُتمِّم للأولى) حقَّ عقدها؛ لسبقها (ثم يقضي حقَّ) عقد (الثانية) لزوال المعارض.
(وإن أراد) من زُفَّت إليه امرأتان معًا
(1)
في الرضاع، حديث 1460.
(2)
التمهيد (17/ 247).
(سفرًا
(1)
) بإحدى نسائه، فأقرع بينهن (فخرجت القُرعة لإحدى الجديدتين؛ سافر بها، ودخل حقُّ العقد في قَسْم السَّفَرِ) لأنه نوع قَسْمٍ يختصُّ بها.
(فإذا قَدِمَ) من سفر
(2)
(بدأ بالأخرى، فوفَّاها حقَّ العقد) لأنه حقٌّ وجبَ لها قبل سفره لم يؤدِّه، فلزمه قضاؤه، كما لو لم يسافر بالأخرى معه.
(فإن قَدِم من سفره قبل مُضي مُدّةٍ ينقضي فيها حقُّ عقد الأولى؛ تمَّمه في الحضر، وقضى للحاضرة حقّها) لِمَا تقدّم.
(فإن خرجتِ القُرعة لغير الجديدتين، وسافر بها؛ فإذا قدم قضى للجديدتين حقَّهما واحدةً بعد واحدةٍ، يقدِّم السابقة دخولًا) إن دخلت عليه إحداهما قبل الأخرى (أو بقُرعة؛ إن دخلتا معًا) لما سبق.
(وإن سافر بجديدة وقديمةٍ بقُرعة أو رِضًا، تمَّم للجديدة حَقَّ العقد، ثم قَسَمَ بينها وبين الأخرى) على السواء.
(وإذا طلّق إحدى نسائه في ليلتها) أثم (أو) طلّق (الحارسُ) إحدى نسائه (في نهارها؛ أثم) لأنه فرَّ من حقِّها الواجب لها.
(فإن تزوَّجها بعد) ذلك (قضى لها ليلتها) لأنه قدر على إيفاء حقِّها، فلزمه، كالمُعْسِر إذا أيسر بالدَّين (ولو كان قد تزوَّج غيرها بعد طَلاقها) لأن تزوُّجَهُ بغيرها لا يُسقط حقَّها.
(وإذا كان له امرأتان، فبات عند إحداهما ليلةً، ثم تزوَّج ثالثةً) أو تجدَّد حقُّها بعَودٍ في هبة، أو رجوع عن نشوز (قبْلَ ليلةِ الثانية؛ قَدَّمَ
(1)
في "ذ": "السفر".
(2)
في "ح" و "ذ": "سفره".
المزفوفةَ بلياليها، ثم يَبيتُ ليلةً عند المظلومةِ، ثم نصفَ ليلةٍ للجديدة) لأن الليلة التي يُوفِّيها للمظلومة نصفُها من حقِّها، ونصفُها من حقّ الجديدة، فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصفُ ليلة بإزاء ما خصَّ ضرَّاتها
(1)
(ثم يبتدئُ) قال في "الإنصاف": هذا المذهب. (واختار الموفق والشارح: لا يبيت نصفها، بل ليلةً كاملةً؛ لأنه حَرَجٌ) لأنه ربما لا يجد مكانًا ينفرد فيه، أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة، أو المجيء منه.
(ولو سافر بإحدى زوجتيه، بقُرْعة) أو رضاهن (ثم تزوَّجَ في سفرِه) بـ (ـامرأة أخرى، وزُفَّت إليه) في سفره (فعليه تقديمُهَا بأيامها) لعموم ما سبق (ثم يَقْسِم) بين الجديدة وضَرَّتها كما تقدم.
ويجوز بناء الرجل بزوجته في السفر، وركوبها معه على دابة بين الجيش؛ لفعله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حُيَيٍّ
(2)
.
فصل في النُّشوز
وهو كراهة كلٍّ من الزوجين صاحبَه، وسوء عشرته، يقال: نشزت المرأة على زوجها، فهي ناشزة وناشز، ونشز عليها زوجها: جفاها
(1)
في "ح" و"ذ": "ضرتها".
(2)
أخرجه البخاري في المغازي، باب 38، حديث 4213، وفي النكاح، باب 12، 60، حديث 5085، 5159، ومسلم في النكاح، حديث 1365 (88)، من حديث أنس رضي الله عنه.
وأضرَّ بها؛ قاله في "المبدع" وغيره (وهو معصيتُها إيَّاه فيما يجب عليها) مأخوذ من النَّشْز: وهو ما ارتفع من الأرض، فكأنها ارتفعت عما فرض الله عليها من المعاشرة بالمعروف، ويقال: نشصت، بالشين المعجمة والصاد المهملة.
(وإذا ظهر منها أَمَارات النُّشُوز؛ بأن تتثاقل) إذا دعاها (أو تدافع
(1)
إذا دعاها إلى الاستمتاع، أو تجيبه مُتبرِّمة مُتكرِّهة، ويَخْتَلَّ أدبُها في حقِّه؛ وعَظَها) بأن يَذكُرَ لها ما أوجب الله عليها من الحقّ، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة، وما يسقط بذلك من النفقة والكُسوة، وما يُباح له من هجرها وضَرْبها؛ لقوله تعالى:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}
(2)
.
(فإن رجعت إلي الطاعة والأدب؛ حَرُمَ الهَجْر والضَّرْب) لزوال مُبيحه (وإن أصرَّت) على ما تقدّم (وأظهرت النُّشُوز؛ بأن عَصَتْهُ، وامتنعت من إجابته إلى الفراش، أو خرجت من بيته بغير إذنه، ونحو ذلك؛ هجرها في المضجع ما شاء) لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} . وقال ابن عباس: لا تُضاجِعْها في فِراشِكَ
(3)
. وقد هَجَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم نِساءَهُ، فلمْ يدخُلْ عَليهنّ شَهرًا؛ متفق عليه
(4)
(5)
.
(1)
في "ذ": "تتدافع".
(2)
سورة النساء، الآية:34.
(3)
أخرجه الطبري في تفسيره (5/ 63 - 64)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 942) رقم 5267.
(4)
البخاري في الصوم، باب 11، حديث 1910، وفي النكاح، باب 92، حديث 5202، ومسلم في الصيام، حديث 1085، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(5)
في هامش نسخة "ح" ما نصُّه: "حاشية الإقناع [2/ 893]: قال في الاختيارات [ص/ 354]: تهجر المرأة زوجها في المضجع لحقّ الله تعالى، بدليل قصة الذين خُلِّفوا، وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحالة؛ لأن المنع منه، كما لو امتنع من أداء =
(و) هَجَرها (في الكلام ثلاثةَ أيام، لا فوقَها) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهْجُرَ أخاهُ فوق ثلاثة أيامٍ"
(1)
والهجرُ ضد الوصل، والتهاجر التقاطع.
(فإن أصرَّتْ ولم ترتدعْ) بالهجر (فله أن يضرِبَها) لقوله تعالى: {واضْرِبُوهُنَّ}
(2)
(فيكون الضرب -بعد الهجر في الفراش وتَرْكِها من الكلام) ثلاثة أيام- (ضربًا غير مُبرِّحٍ، أي: غير شديد) لحديث عبدالله بن زمعة يرفعه: "لا يَجْلِد أحَدُكم امرأتَهُ جَلْدَ العبد، ثمَّ يُضاجعها في آخر اليوم"
(3)
(يُفرِّقه على بدنها، ويجتنب الوَجْه) تكرمةً له (و) يجتنب (البطن، والمواضع المَخُوفة) خوف القتل (و) يجتنب المواضع (المستحسَنَة) لئلا يشوهها.
ويكون الضرب (عشرة أسواط فأقل) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُجلَد أحَدٌ فوق عَشَرةِ أسواطٍ إلا في حدٍّ من حدود الله" متفق عليه
(4)
. وفي "الترغيب" وغيره: الأَولى ترك ضربها، إبقاءً للمودّة.
(وقيل): يضربها (بدِرَّةٍ، أو مِخراقٍ) وهو (منديل ملفوف، لا بسوط، ولا خشب) لأن المقصود التأديب وزجرها، فيبدأ فيه بالأسهل فالأسهل (فإن تلفت من ذلك، فلا ضمان عليه) لأنه مأذون فيه شرعًا.
= الصداق" ا. هـ.
(1)
تقدم تخريجه (10/ 494) تعليق رقم (1).
(2)
سورة النساء، الآية:34.
(3)
أخرجه البخاري في النكاح، باب 93، حديث 5204، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 2855.
(4)
البخاري في الحدود، باب 42، حديث 6848 - 6850، ومسلم في الحدود، حديث 1708، عن أبي بردة الأنصاري رضي الله عنه.
(ويُمنَع منها) أي: من هذه الأشياء (مَنْ) أي: زوج (علِمَ بمنعه حقَّها، حتى يؤدِّيه، و) حتى (يُحْسِن عِشرتها) لأنه يكون ظالمًا بطلبه حقَّه مع منعه حقَّها.
وينبغي للمرأة ألَّا تُغضب زوجَها؛ لما روى أحمد بسنده عن الحُصَين بن المِحْصَن: "أنَّ عَمَّةً له أتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ذاتُ زوج أنتِ؟ قالت: نعم. فقال: انظري أين أنتِ منهُ؟ فإنّما هو جنَّتُكِ ونارُك"
(1)
. قال في "الفروع": إسناده جيّد.
وينبغي للزوج مداراتها. ونقل ابن منصور
(2)
: حُسنُ الخُلق ألَّا تغضب ولا تَحْتَدَّ
(3)
. وحَدَّث رجل لأحمد ما قيل: العافية عشرة
(1)
أحمد (4/ 341، 6/ 419). وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (5/ 310 - 312) حديث 8962 - 8969، والحميدي في مسنده (1/ 172) حديث 355، وابن سعد في الطبقات (8/ 459)، وابن أبي شيبة (4/ 304)، وإسحاق بن راهويه (5/ 77 - 78) حديث 2182 - 2184، وابن أبي الدنيا في العيال (2/ 722) حديث 529، وفي مداراة الناس ص/ 145، حديث 174، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 134) حديث 3357، والطبراني في الكبير (25/ 183) حديث 448 - 450، وفي الأوسط (1/ 168 - 169) حديث 528، والحاكم (2/ 189)، والبيهقي (7/ 291)، وفي شعب الإيمان (6/ 417 - 418) حديث 8729 - 8731، وفي الآداب ص/ 22، حديث 58، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/ 69 - 70)، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 429)، والمزي في تهذيب الكمال (6/ 539).
قال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي، وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 672).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 306): رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال: فانظري كيف أنت له؟ ورجاله رجال الصحيح خلا حصين، وهو ثقة.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 60 مع الفيض) ورمز لحسنه.
(2)
مسائل الكوسج (9/ 4732) رقم 3393.
(3)
في "ذ": "تحقد" وأشار إلى أنه في نسخة: "تحتد".
أجزاء، تسعة منها في التغافل، فقال أحمد
(1)
: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.
(ولا يسأله أحد لِمَ ضربها؟ ولا أبوها) لما روى أبو داود عن الأشعث عن عمر أنه قال: "يَا أشْعَثُ، احفظ عنِّي شيئًا سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسْألَنَّ
(2)
رجلًا فيمَ ضرب امرأتَهُ؟ "
(3)
(ولأن فيه إبقاءً للمودّة) ولأنه قد يضربها لأجل الفراش، فإن أخبرَ بذلك استحيا، وإن أخبر بغيره كَذَبَ.
(وله تأديبها كذلك) أي: مثل التأديب على النشوز (على ترك
(1)
الفروع (5/ 339).
(2)
في "ح": "لا تسأل". ولفظ أبي داود: لا يُسأل الرجل.
(3)
أبو داود في النكاح، باب 41، حديث 2147. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (1/ 371) حديث 9168، وابن ماجه في النكاح، باب 51، حديث 1986، والطيالسي ص/ 10، 20، حديث 49، 135، وأحمد (1/ 20)، وعبد بن حميد (1/ 87) حديث 37، والبزار (1/ 356) حديث 239، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 342) حديث 2522، والحاكم (4/ 175)، والبيهقي (7/ 305)، والضياء في المختارة (1/ 188، 189) حديث 94، 95، والمزي في تهذيب الكمال (18/ 30)، كلهم من طريق داود الأودي، عن عبدالرحمن المُسْلي، عن الأشعث بن قيس، به.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 397 مع الفيض) ورمز لحسنه. وقال علي بن المديني في العلل (ص/ 229): إسناده مجهول، رواه رجل من أهل الكوفة، يقال له داود بن عبدالله الأودي، لا أعلم أحدًا روى عنه شيئًا غير زهير وأبي عوانة، وعبدالرحمن المُسْلمي -وهو عندي: أبو وبرة المُسْلي- لا أعلم رُوي عنه غير هذا.
قلنا: عبدالرحمن المُسْلي لم يرو عنه غير داود الأودي، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 602) عنه: لا يعرف إلا في حديثه عن الأشعث، عن عمر، ثم ذكر هذا الحديث.
وقال عنه الحافظ في التقريب (4079): مقبول. انظر: مسند الفاروق ص/ 181.
فرائض الله تعالى) كالصلاة والصوم الواجبين (نصًّا
(1)
) قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}
(2)
قال: "علِّموهُم وأدِّبوهم"
(3)
. وروى الخلال بإسناده عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ الله عَبْدًا أعْلَق
(4)
في بيته سوطًا يُؤدِّبُ به أهلهُ"
(5)
.
(1)
مسائل ابن هانئ (1/ 103) رقم 514.
(2)
سورة التحريم، الآية:6.
(3)
أخرجه ابن المبارك في البر والصلة ص/ 99، رقم 189، وعبدالرزاق (3/ 49) رقم 4741، وفي تفسيره (2/ 303)، وسعيد بن منصور -كما في الدر المنثور (6/ 245) - وابن أبي الدنيا في العيال (1/ 495) رقم 323، والطبري في تفسيره (28/ 165 - 166)، والحاكم (2/ 494)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 397) رقم 8648، وفي المدخل إلى السنن الكبرى ص/ 265، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (1/ 89) رقم (2). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
(4)
في "ح": "علَّق".
(5)
لعل الخلال رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- ابن عدي (4/ 1642)، من طريق عباد بن كثير، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه.
قال ابن عدي: ولعباد بن كثير غير ما ذكرت من الحديث، ومقدار ما أمليت منه عامته مما لا يتابع عليه.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 25 مع الفيض) ورمز لضعفه.
وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص/ 452، حديث 1229، وعبدالرزاق (9/ 447) حديث 17963، والبزار "كشف الأستار"(2/ 447)، حديث 2077، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 411) حديث 683 مسند عمر، والطبراني في الكبير (10/ 284 - 285) حديث 10669 - 10673، وفي الأوسط (5/ 193) حديث 4379، وابن عدي (3/ 957)، والخطيب في تاريخه (12/ 203)، وابن عساكر في تاريخه (46/ 353)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 423) بلفظ:"علِّقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 106): رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، =
فإن لم تُصَلِّ؛ فقال أحمد
(1)
: أخشى ألَّا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن.
ولا يؤدِّبها في حادثٍ متعلِّق بحق الله تعالى كسِحاقٍ
(2)
.
(فإن ادَّعى كلٌّ منهما) أي: الزوجين (ظلمَ صاحبه؛ أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يُشرف عليهما، ويكشف حالهما، كما يكشفُ عن عدالةٍ وإفلاس، من خبرةٍ باطنة، ويُلزِمُهما الإنصافَ) لأن ذلك طريقٌ إلى الإنصاف، فتعيَّن، كالحكم بالحقّ.
(ويكون الإسكانُ المذكورُ قبلَ بَعْثِ الحكمين) لأنه أسهل منه (فإن خرجا إلى الشِّقاق والعداوة، وبلغا إلى المُشاتمة، بعث الحاكم حكمين، حُرَّين، مسلمين، ذَكَرين، عَدْلين، مكلَّفين، فقيهين، عالمين بالجمع والتفريق) لأنه يفتقر إلى الرأي والنظر؛ ولأن الوكيل متى كان متعلِّقًا بنظر الحاكم؛ لم يجز أن يكون إلا عدلًا. وفي "المغني": الأولى إن كانا وكيلين لم يعتبر؛ لأن توكيل العبد جائز، بخلاف الحكم (يفعلان ما يريانِهِ من جمعٍ بينهما، أو تفريقٍ بطلاق أو خُلْع، والأولى أن يكونا من أهلهما) لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَينِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}
(3)
الآية؛ ولأنهما أشفق وأعلم بالحال، ويجوز أن يكونا من غير أهلهما؛ لأن القرابة ليست شرطًا في الحكم، ولا الوكالة.
= والبزار وقال: حيث يراه الخادم. وإسنادي الطبراني فيهما حسن. ا. هـ. انظر: السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني (3/ 431) حديث 1447.
(1)
أحكام النساء للإمام أحمد (ص 62) رقم 207، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 551) رقم 1415.
(2)
لأنه وظيفة الحاكم؛ كما في دقائق أولي النهى (5/ 332).
(3)
سورة النساء، الآية:35.
(وينبغي لهما) أي: للحكمين (أن ينويا الإصلاح، لقوله تعالى:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَينَهُمَا}
(1)
وأن يُلطِّفا) القول (و) أن (يُنْصِفا، ويُرغِّبا، ويُخَوِّفا، ولا يَخُصَّا بذلك أحدَهما دون الآخر) ليكون أقرب للتوفيق بينهما.
(وهما وكيلان عن الزوجين في ذلك، لا يُرسَلان إلا برضاهما، وتوكيلهما) لأنه حقٌّ لهما، فلم يجز لغيرهما التصرف إلا بالوكالة (فلا يَملِكان تفريقًا إلا بإذنهما، فيأذنُ الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق، أو إصلاح، وتأذن المرأة لوكيلها في الخُلع والصلح على ما يراه، ولا ينقطع نظرهما) أي: الحَكَمين (بغَيبةِ الزوجين، أو) غيبة (أحدهما) لأنهما وكيلان، والوكيل لا ينعزل بغيبة الموكل.
(وينقطع) نظرهما (بجنونهما، أو) جنون (أحدهما، ونحوه، مما يُبطل الوكالة) كسائر أنواع الوكالة.
(وإن امتنعا من التوكيل، لم يُجبرا عليه) لما تقدم (لكن لا يزال الحاكم يَبْحَثُ ويستبحث حتى يظهر له مَنِ الظالمُ فيردعه، ويستوفي منه الحقّ) إقامةً للعدل والإنصاف.
(ولا يصحّ الإبراء من الحَكَمين) لأنهما لم يوكَّلا فيه (إلا في الخلع خاصة، من وكيل المرأة فقط) فتصحُّ براءته عنها؛ لأن الخلع لا يصح إلا بعوض، فتوكيلها فيه إذنٌ في المعاوضة، ومنها الإبراء.
(وإن خافت امرأةٌ نشوزَ زوجها، وإعراضه عنها لكِبَرٍ، أو غيره) كمرض أو دمامة (فوضعت عنه بعض حقوقها، أو) وضعت عنه (كلَّها) أي: كلَّ حقوقها (تسترضيه بذلك؛ جاز) لأنه حقّها، وقد رضيت
(1)
سورة النساء، الآية:35.
بإسقاطه (وإن شاءت رجعت في ذلك في المستقبل) كالهبة التي لم تُقبض، و (لا) رجوع لها في (الماضي) كالهبة المقبوضة.
وإن شرطا ما لا ينافي نكاحًا؛ لزم، وإلا؛ فلا، كترك قَسْم أو نفقة، ولمن رضي العود (ويأتي: إذا اختلفا في النُّشوز، أو بذل التسليم، في كتاب النفقات) مفصَّلًا.
باب الخلع
يقال: خلع امرأته خَلْعًا، وخالعها مُخالعة، واختلعت هي منه فهي خالع. وأصله من خلع الثوب؛ لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها، قال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}
(1)
.
(وهو فِراق) الزوج (امرأته بعِوض يأخذه الزوجُ) من امرأته أو غيرها (بألفاظ مخصوصة) وفائدته: تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها؛ إلا برضاها.
و (إذا كرهت المرأة زوجها لخَلْقه، أو خُلُقه) أي: صورته الظاهرة أو الباطنة (أو) كرهته لـ (ـنقص دينه، أو لِكبَره، أو ضعفه، أو نحو ذلك، وخافت إثمًا بترك حقِّه، فَيُبَاحُ لها أن تُخالِعَه على عوض تفتدي به نفسَها منه) لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(2)
.
(وتُسنُّ) له (إجابتها) لحديث ابن عباس قال: "جاءت امرأةُ ثابت بن قيس إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رسول الله، ثابت بنُ قَيْسٍ؛ ما أَعيب عليه من دِينٍ ولا خُلُقٍ، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أتَرُدِّينَ عليه حديقَتَهُ؟ قالت: نعم. فأمَرَها برَدِّها، وأمرهُ بفِراقها" رواه البخاري
(3)
.
(1)
سورة البقرة، الآية:187.
(2)
سورة البقرة، الآية:229.
(3)
في الطلاق، باب 12، حديث 5273 - 5277.
(إلا أن يكون) الزوج (له إليها مَيْلٌ ومحبةٌ، فيُستحبُّ صَبْرُها، وعدم افتدائها) قال أحمد
(1)
: "ينبغي لها ألَّا تختلع منه، وأن تصبر". قال القاضي: قول أحمد: "ينبغي لها أن تصبر" على سبيل الاستحباب والاختيار، ولم يرد بهذا الكراهة؛ لأنه قد نصَّ على جوازه في غير موضع.
(وإن خالعته) المرأة (مع استقامة الحال؛ كُرِهَ) ذلك؛ لحديث ثوبان أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها الطلاقَ منْ غير ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحةُ الجنّة" رواه الخمسة إلا النسائي
(2)
؛ ولأنه عبثٌ، فيكون مكروهًا (ووقع الخُلْعُ) لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 359، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (22/ 12).
(2)
أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2226، والترمذي في الطلاق، باب 11، حديث 1187، وابن ماجه في الطلاق، باب 21، حديث 2055، وأحمد (5/ 273، 283).
وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور (1/ 330) حديث 1407، وابن أبي شيبة (5/ 272)، والدارمي في الطلاق، باب 6، حديث 2275، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في جزء فيه من أحاديث أيوب السختياني ص/ 40، حديث 12 - 13، وابن الجارود (3/ 68) حديث 748، والروياني في مسنده (1/ 411) حديث 631، والطبري في تفسيره (2/ 468)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 490) حديث 4184، والحاكم (2/ 200)، وابن حزم في المحلى (10/ 236)، والبيهقي (7/ 316).
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 38 مع الفيض) ورمز لحسنه.
وأخرجه عبدالرزاق (6/ 515) حديث 11892 - 11893، وابن أبي شيبة (5/ 271)، عن أبي قلابة، مرسلًا.
نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}
(1)
.
(وإن عَضَلها، أي: ضارَّها، بالضَّرب، والتضييق عليها، أو مَنَعَها حقوقها، من القَسْم والنَّفَقة، ونحوِ ذلك) كما لو أنقصها
(2)
شيئًا من ذلك (ظُلْمًا؛ لتفتدِيَ نفسَها؛ فالخُلْع باطل، والعِوض مردودٌ، والزوجيَّة بحالها) لقوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيتُمُوهُنَّ}
(3)
؛ ولأن ما تفتدي به نفسَها مع ذلك عوض أُكرهت على بذله بغير حق، فلم يستحق أخذه منها، للنهي عنه، والنهي يقتضي الفساد (إلا أن يكون بلفظ طلاق، أو نيته، فيقع رجعيًّا) ولم تَبِنْ منه؛ لفساد العِوض (وإلا) بأن لم يكن بلفظ الطَّلاق ولا نيَّته؛ كان (لغوًا) لفساد العوض.
(وإن فعل) الزوج (ذلك) أي: ما ذُكر من المُضارّة، بالضرب، والتضييق، والمنع من الحقوق (لا لتفديَ) منه فالخلع صحيح؛ لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض مالها، ولكن عليه إثم الظلم.
(أو فَعَله لزِناها، أو نُشُوزِها، أو تركها فرضًا) كصلاة أو صوم (فالخُلع صحيح) لقوله تعالى: {إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (1) وقيس الباقي عليها.
(و
لا يفتقر الخُلْع إلى حاكم،
نصًّا
(4)
) ورواه البُخَارِيّ
(5)
عن عمر
(1)
سورة النساء، الآية:4.
(2)
في "ذ": "نقصها".
(3)
سورة النساء، الآية:19.
(4)
مسائل الكوسج (4/ 1972) رقم 1351.
(5)
في الطلاق، باب 12 تعليقًا، قبل حديث 5273، بلفظ: أجاز عمر الخلع دون السلطان، وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها.
وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبدالرزاق (6/ 495) رقم 11810، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص/ 126، رقم 226 - 227، وسعيد بن منصور (1/ 335) رقم =
وعثمان؛ ولأنه إن قيل: إنه عقد معاوضة؛ كان كالبيع، أو قيل: إنه قَطْعُ عقد بالتراضي؛ كان كالإقالة، وكلٌّ منهما لا يفتقر إلى حاكم.
(ولا بأس به) أي: الخلع (في الحيض) إذا كان بسؤالها؛ لأنها رضيت بإدخال ضرر تطويل العِدّة على نفسها (و) لا بأس به في (الطُّهر الذي أصابها فيه؛ إذا كان بسؤالها) لما تقدّم، وكذا الطلاق بعوض (وتقدّم في) باب (الحيض
(1)
.
و
يصحُّ) الخلع (من كل زوج يصحُّ طلاقه، وأن يتوكَّل فيه،
مسلمًا كان أو ذميًّا) بالغًا، أو مميزًا يعقله، رشيدًا أو سفيهًا، حرًّا أو عبدًا؛ لأن كلَّ واحد منهم زوج يصحّ طلاقه، فصح خلعه؛ ولأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض؛ فبالعوض أولى. وظاهره: أنه لا يصحّ من غير الزوج أو وكيله.
وقال في "الاختيارات"
(2)
: والتحقيق أنه يصح ممن يصح طلاقه، بالملك، أو الوكالة، أو الولاية، كالحاكم في الشقاق، وكذا لو فعله الحاكم في الإيلاء، أو العُنَّة، أو الإعسار، وغيرها من المواضع التي
= 1423، وابن سعد (6/ 153)، وابن أبي شيبة (5/ 116)، والبيهقي (7/ 315)، موصولًا عن عبدالله بن شهاب الخولاني، قال: شهدت عمر بن الخطاب، وأتاه رجل وامرأة في خلع، فأجازه، وقال: إنما طلقك بمالك.
وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6/ 504) رقم 11850، وابن سعد (8/ 447)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 887) رقم 2506، والطبري في تفسيره (2/ 471)، وابن بشران في الأمالي -كما في تغليق التعليق (4/ 460) -، والبيهقي (7/ 315)، وابن حجر في تغليق التعليق (4/ 461)، موصولًا عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنهما في قصة طويلة بنحوه.
(1)
(1/ 469).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 361.
يملك
(1)
فيها الفرقة.
(ويقبض) الزوج (عوضه) إن كان مكلَّفًا رشيدًا (ولو) كان (مكاتَبًا، ومحجورًا عليه لفَلَس) لأهليتهِ لقبضِه.
(فإن كان) الزوج (محجورًا عليه لغير ذلك، كعبد) فإنه محجورٌ عليه لحقِّ سيّده (وصغير مميِّز، وسفيه) فإنه محجورٌ عليهما لحظِّ أنفسهما (دُفِعَ المال) المخالَع عليه من المرأة، أو غيرها (إلى سيِّد) العبد (و) إلى (وليِّ) صغير وسفيه؛ لعدم أهليتهم لقبضه؛ ولأن ما ملكه العبد بالخلع؛ فهو لسيِّده، فكان له قبضه.
(وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير، والمجنون، ولا طلاقُها) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنّما الطّلاقُ لمن أخذ بالسّاقِ"
(2)
والخلع في معناه (وكذا سيِّدُهما) أي: سيّد الصغير والمجنون، ليس له خلع زوجتهما، ولا طلاقها؛ لما تقدم.
(وليس لأب خلعُ ابنته الصغيرة) أو المجنونة، أو السفيهة، بشيء من مالهما
(3)
(ولا طلاقُها بشيء من مالها) لأنه إنما يملك التصرف بما لَها فيه الحظّ، وليس في هذا حظّ، بل فيه إسقاط حقِّها الواجب لها، والأبُ وغيره من الأولياء في ذلك سواء.
(ويصحّ الخلع مع الزوجة البالغة الرشيدة) لما تقدم من الآية والحديث.
(و) يصح الخلع (مع الأجنبي الجائز التصرف) بأن يسألَ الزوجَ أن
(1)
في "ح" و"ذ" زيادة: "الحاكم".
(2)
تقدم تخريجه (11/ 391) تعليق رقم (1).
(3)
كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ":"مالها".
يَخْلَعَ زوجته بعوض بذله له، ولو (بغير إذنها) كسائر تصرفاته.
(ويصح بَذْل العوض فيه) أي: الخلع (منهما) أي: من الزوجة والأجنبي (بأن) تقول المرأة: اخْلَعني على كذا، أو (يقول الأجنبي: اخْلَعْ زوجتك) على ألف (أو) يقول: (طلِّقها على ألف، أو بألف
(1)
، أو على سلعتي هذه، فيجيبه) الزوج (فيصحّ) الخلع (ويلزم الأجنبي وحده العوض) لأنه التزمه بالعقد، دون الزوجة.
(وإن قال) الأجنبي: اخْلَعْ زوجتك (على مهرها، أو) على (سلعتها، وأنا ضامن) صحّ (أو) قال: اخْلَعْها (على ألف في ذمتها وأنا ضامن، فيجيبه؛ صحّ) الخلع؛ لأنه باذلٌ للبدل، وذِكْرُ ما أضافه إليها بغير إذنها لغو.
(وإن لم يضمن) الأجنبي للزوج ما سأله الخلع عليه (حيث سمَّى العوضَ منها) أي: من الزوجة، قلت: أو من غيرهما
(2)
(لم يصحّ) الخلع؛ لأنه بذل مال غيرِه بغير إذنه، فلم يصح البذل، وكذا لو سألته الزوجة أن يخالعها على مال زيد، إن ضمنته؛ صح الخلع ولزمها العوض، وإلا؛ فلا.
(وإن قالت له) إحدى زوجتيه: (طلِّقني وضَرَّتي بألف، فطلقهما، وَقَع) الطلاق (بهما بائنًا، واستحقَّ الألفَ على باذلته) وحدها؛ لالتزامها له بالعقد.
(وإن طَلَّقَ) الزوج (إحداهما لم يستحقَّ شيئًا) لأنها إنما بذلت
(1)
في "ح" و"ذ": "أو بألف علي".
(2)
في "ح" و"ذ": "غيرها".
العوض في طلاقهما، ولم يوجد
(1)
.
(وإن قالت) له: (طلِّقني بألف على أن تُطلِّق ضَرَّتي، أو) قالت: طلِّقني بألف (على ألَّا تطلِّق ضرَّتي، ففعل؛ فالخُلع صحيح، والشرط والبذل لازِمان) لأنها بذلت عوضًا في طلاقها وطلاق ضَرَّتها أو عدمه، فصح، كما لو قالت: طلِّقني وضَرَّتي بألف.
(فإن لم يَفِ لها بشرطها، استحقَّ على السائلة الأقلَّ، من الألف، ومن صَداقها المُسمَّى) لأنه لم يُطَلِّق إلا بعوض، فإذا لم يُسَلَّم له، رجع إلى ما رضي بكونه عوضًا، وهو المُسمَّى؛ إن كان أقلّ من الألف، وإن كان أكثر؛ فله الألف فقط؛ لأنه رضي بكونه عوضًا عنها وعن شيء آخر، فإذا جعل
(2)
كلَّه عوضًا عنها كان أحظَّ له.
(وإن خالعته أَمَةٌ بغير إذن سيِّدها على شيء) معيَّن، أو في ذِمَّتها (لم يصحّ) الخُلع؛ لأنه تصرُّفٌ من غير أهله، إذ الرقيق بدون إذن سيّده ليس بأهل للتصرف، فلا يصحّ منه، كالمجنون.
(و) إن خالعته الأَمَة (بإذنه) أي: إذن السيّد (يصحّ) الخلع، كالبيع (ويكون العوض) الذي أذن لها في الخلع عليه (في ذِمته) أي: السيّد (كاستدانتها بإذنه) فيطالب به.
(وكذا الحكم في المُكاتَبةِ) إذا خالعت، فإن كان بغير إذن السيّد لم يصحّ؛ لأنه تبرُّع، وإن كان بإذنه صح (إلا أنه إن كان) الخلع (بإذن سيّدها، سلَّمته مما في يدها) لأنها التزمته بالعقد (وإن لم يكن في يدها)
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 128) ما نصه: "ذكره في الشرح [22/ 87] وقال فيه: وإن قالت طلقني وضرتي بألف أو على ألف علينا فطلقها وحدها طلقت، وعليها قسطها من الألف" ا. هـ.
(2)
في "ذ": "جعله".
أي: المُكاتَبَة (شيء) مما خالعت عليه بإذن سيدها (فهو في ذِمَّة سيّدها) قاله في "الشرح" وقاله في "الرعاية الصغرى" في المُكاتَبَة والمُدَبَّرة، والمأذون لها في التجارة.
(وإن خالعته المحجور عليها لسَفَهٍ، أو صغر، أو جنون؛ لم يصحّ الخلع، ولو أذن فيه الوليّ) لأنه تصرُّف في المال، وليست من أهله، ولا إذن للوليّ في التبرعات. قال في "المبدع": والأظهر الصحة مع الإذن لمصلحةٍ.
(فيقع) الطلاق (رجعيًّا إن كان بلفظ طلاق
(1)
، أو نيَّته) وكان (دون ثلاث) لأن الثلاث لا رجعة معها (وإلا) بأن لم يكن بلفظ طلاق، ولا نيته؛ كان (لغوًا) لخلوِّه عن عوض.
(و
إن تَخالعا هازِلَين بلفظ طلاق، أو نيَّته؛ صح)
الطلاق لما يأتي (وإلا) بأن تخالعا هازِلَين بغير لفظ الطلاق، ولا نيته (فلا) يصح الخلع، لخلوِّه عن العوض (كبيعٍ.
ولا يبطل إبراءُ من) خالعت زوجها على براءتها له ثم (ادَّعت سفهًا حالة الخُلْع بلا بيِّنة) تشهد بسفهها حالته؛ لأنها تدَّعي الفساد، والأصل الصحة
(2)
.
(ويصحّ) الخلع (مِن محجور عليها لفلَس) على مال في ذمتها؛ لأن لها ذمة يصح تصرُّفها فيها، وليس له مطالبتها حال حَجرها، كما لو استدانت من إنسان في ذمتها، أو باعها شيئًا بثمن في ذِمتها.
(ويكون) ما خالعت عليه دَيْنًا (في ذمتها، يؤخذ منها إذا انفكَّ عنها
(1)
في "ح": "الطلاق".
(2)
"وقياسه الزوج". ش.
الحَجْر وأيسرت) وعُلمَ منه أنها لو خالعت بمعيَّن من مالها؛ لم يصحّ؛ لِتَعَلُّق حق الغرماء به.
فصل
(والخُلْع طلاقٌ بائنٌ) لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(1)
وإنما يكون فداء إذا خرجت من قبضته وسلطانه، ولو لم يكن بائنًا لَمَلَكَ الرجعة، وكانت تحت حكمه وقبضته؛ ولأن القصد إزالة الضَّرَر عنها، فلو جازت الرجعة، لعاد الضرر.
(إلا أن يقع بلفظ الخُلْع، أو الفسخ، أو المُفَاداة، ولا ينوي به الطَّلاق، فيكون فَسْخًا لا ينقص به عدد الطلاق).
وما رُويَ عن عثمان
(2)
وعليّ
(3)
وابن
(1)
سورة البقرة، الآية:229.
(2)
أخرج مالك في الموطأ (1/ 620 رقم 1613 رواية أبي مصعب الزهري) و (2/ 517 رقم 562 رواية محمد بن الحسن)، والشافعي في الأم (5/ 114، 139)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 51، رقم 165)، وعبدالرزاق (6/ 483) رقم 11760، وسعيد بن منصور (1/ 340) رقم 1446 - 1447، وابن سعد (8/ 486)، وابن أبي شيبة (5/ 109 - 110)، والدارقطني (3/ 321)، والبيهقي (7/ 316)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 11) رقم 14588، عن جمهان أن أم بكرة الأسلمية كانت تحت عبدالله بن أسيد فاختلعت منه، فندمت وندم، فجاء عثمان فأخبره، فقال: هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئًا، فهو على ما سميت، فراجعها" قال الشافعي: لا أعرف جمهان، ولا أم بكرة بشيء يثبت به خبرهما، ولا يرده، وبقول عثمان نأخذ، وهي تطليقة. وقال الإمام أحمد في مسائل عبدالله (3/ 1052): ما أدري ما هو جمهان.
(3)
أخرج عبدالرزاق (6/ 482) رقم 11755، وسعيد بن منصور (1/ 341) رقم 1450، وابن أبي شيبة (5/ 111)، عن الشعبي أن عليًّا رضي الله عنه قال: إذا =
مسعود
(1)
من أنه طلقة بائنة بكل حال؛ ضعَّفه أحمد
(2)
، قال: ليس لنا في الباب شيء أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ
(3)
(4)
، واحتج ابن عباس بقوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(5)
ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (4) ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(6)
فذكر تطليقتين والخلعَ وتطليقةً بعدهما، فلو كان الخلع طلاقًا لكان رابعًا؛ ولأن الخلع فُرقة خَلَتْ عن صريح الطلاق ونيته،
= أخذ للطلاق ثمنًا، فهي واحدة.
(1)
أخرج عبدالرزاق (6/ 481) رقم 11753، وسعيد بن منصور (1/ 341) رقم 1451 - 1452، وابن أبي شيبة (5/ 111)، عن إبراهيم: كان ابن مسعود لا يرى طلاقًا بائنًا إلا في خلع أو إيلاء.
قال البيهقي: قال ابن المنذر: وضعف أحمد -يعني ابن حنبل- حديث عثمان، وحديث علي وابن مسعود رضي الله عنهما في إسنادهما مقال. وليس في الباب أصح من حديث ابن عباس -يريد حديث طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال ابن خزيمة -كما في التلخيص الحبير (3/ 204) -: لا يثبت عن أحد أنه طلاق.
(2)
انظر: سنن البيهقي (7/ 316)، ومسائل عبدالله (3/ 1051 - 1053) رقم 1444، ومسائل أبي داود ص/ 302.
(3)
أخرج عبدالرزاق (6/ 487) رقم 11771، وسعيد بن منصور (1/ 342) رقم 1455، وابن أبي شيبة (5/ 112)، والبيهقي (7/ 316)، عن طاوس قال: سأل إبراهيمُ بن سعد ابنَ عباس عن امرأة طلقها زوجها تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها؟ قال ابن عباس: ذكر الله عز وجل الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع بين ذلك فليس الخلع بطلاق، ينكحها.
صححه ابن حزم في المحلى (10/ 239)، وابن حجر في الفتح (9/ 396).
(4)
مسائل عبدالله (3/ 1051 - 1054) رقم 1444، 1446، 1448، ومسائل ابن هانئ (1/ 232) رقم 1125، ومسائل الكوسج (4/ 1901 - 1902، 9/ 4605 - 4606) رقم 1288، 3260.
(5)
سورة البقرة، الآية:229.
(6)
سورة البقرة، الآية:230.
فكانت فسخًا كسائر الفسوخ (ولو لم ينوِ) بهذه الألفاظ (الخلع؛ لأنها صريحة فيه) أما كون: "فسختُ" صريحًا في الخلع؛ فلأنه حقيقة فيه، وأما:"خلعتُ" فلأنه ثبت له بالعُرف، وأما:"فاديتُ" فلأنه الوارد في قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (3).
(وكناياته) أي: الخلع: (بارأتُكِ، وأبرأتُكِ، وأبَنْتُكِ) لأن الخلع أحد نوعي الفرقة، فكان له صريح وكناية، كالطلاق (فمع سؤال الخلع، وبَذْل العوض؛ يصحّ) الخلع (من غير نيَّة؛ لأن دلالة الحال، من سؤال الخلع، وبذل العوض، صارفةٌ إليه) فأغنتْ عن النية فيه، وإن لم تكن دلالة حالٍ؛ فـ (ــــلا بُدَّ في الكنايات من نية الخُلع ممن أتى بها) أي: بالكناية
(1)
(منهما) أي: من الزوجين، كالطلاق بالكناية.
(وإن توَاطَآ) أي: توافق الزوجان (على أن تَهَبَه) الزوجة (الصَّداقَ، وتبرِئَه) منه إن كان دَينًا، أو من نحو نفقة، أو قرض (على أن يطلِّقها؛ فأبرأته) منه، أو وهبته الصَّداق إن كان عينًا (ثم طلَّقها؛ كان) الطلاق (بائنًا) لدلالة الحال على إيقاع الطلاق في مقابلة البراءة، فيكون طلاقًا على عوض.
(وكذلك لو قال لها) الزوج: (أبرئيني وأنا أُطلِّقُكِ، أو إنْ أبرأْتِني
(2)
طلَّقتُكِ، ونحو ذلك من عبارات الخاصة والعامة، التي يُفهم منها أنه سأل الإبراء على أن يُطلِّقها، وأنها أبرأته على أن يطلِّقها؛ قاله الشيخ
(3)
. ويأتي نظيره في كنايات الطلاق.
(1)
في "ذ": "بالكنايات".
(2)
في "ذ": "أبرأتيني".
(3)
مجموع الفتاوى (32/ 286).
وقال أيضًا
(1)
: إن كانت أبرأتْه براءةً لا تتعلَّقُ بالطَّلاق، ثم طلَّقها بعد ذلك؛ فهو رجعيٌّ. انتهى) لخلوِّه عن العوض لفظًا ومعنًى.
(و
تصحُّ ترجمة الخُلْع بكلِّ لُغة من أهلها)
لأنها الموضوعة له في لسانهم، فأشبهت الموضوع له بالعربية.
(وإن قال) الزوج: (خالعتُ يَدَكِ) على كذا (أو) خالعتُ (رِجلكِ على كذا، فقالت: قبلتُ، فإن نوى به طلاقًا وقع) الطلاق لسرايته (وإلا) أي: وإن لم ينوِ به طلاقًا (فـ) ـهو (لغوٌ. هذا معنى كلام الأَزَجي) قال في "نهايته": يتفرع على قولنا: الخلع فسخ أو طلاق؛ مسألة ما إذا قال: خالعتُ يَدكِ أو رِجلكِ على كذا، فقبلتْ، فإن قلنا: الخلعُ فسخٌ؛ لا يصح ذلك. وإن قلنا: هو طلاق؛ صحّ. كما لو أضاف الطلاقَ إلى يدها أو رجلها.
(و
لا يقع بالمعتدَّة من الخُلْع طلاقٌ،
ولو واجهها به) المخالِع، لأنها لا تحلُّ له إلا بنكاح جديد، فلم يلحقها طلاقه، كالمطلَّقة قبل الدخول، أو التي انقضت عِدّتها؛ ولأنه لا يملك بُضْعها، فلم يلحقها طلاقه، كالأجنبية؛ ولأنه قول ابن عباس وابن الزبير
(2)
، ولا يُعرف لهما مخالفٌ في عصرهما. وما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلم:"المُختلعةُ يلحقها الطّلاقُ ما دامت في العِدَّةِ"
(3)
لا يُعرف له أصل، ولا ذكره أصحاب السُّنن.
(1)
مجموع الفتاوى (32/ 286).
(2)
أخرج الشافعي في الأم (5/ 115)، وفي مسنده (ترتيبه 3/ 42)، وابن أبي شيبة (5/ 119)، والبيهقي (7/ 317)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 13) رقم 14594، عن عطاء، عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق، لأنه طلق ما لا يملك.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 344) حديث 1467، وابن أبي شيبة (5/ 117)، عن فرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة، عن أبي عون الأعور، عن أبي الدرداء =
(وإن شرط الرجعةَ) في الخُلْع (أو) شرط (الخيارَ فيه؛ صحّ) الخُلْع؛ لأنه لا يفسد بالعوض الفاسد، فلا يفسد بالشرط الفاسد، كالنكاح (ولم يصح الشرط) لمنافاته للخُلْع (ويستحق) المخالع (المُسمَّى فيه) أي: في الخُلْع؛ لأنهما تراضيا به عوضًا، فلم يجب غيره، كما لو خلا عن الشرط.
(ولا يصحّ تعليقُه) أي: الخُلْع (على شرط، قال ابن نصر الله: كالبيع، فلو قال) لزوجته: (إن بذلتِ لي كذا فقد خلعتُكِ؛ لم يصحّ) الخُلْع، ولو بذلتْ له ما سَمَّاه، كسائر المعاوضات اللازمة.
(وإن قالت: اجعلْ أمري في يدي، وأعطيكَ عبدي هذا، ففعل) أي: جعل أمرها بيدها (وقبض العبدَ؛ ملَكَه) لأنه وفَّاها ما جعله لها في نظيره (وله التصرُّف فيه) أي: العبد (ولو قبل اختيارها) نفسها، كسائر أملاكه (ومتى شاءت تختارُ) لجعله ذلك لها (ما لم يطأْ أو يرجِعْ) فلا اختيار لها؛ لانعزالها بذلك.
(فإن رجع) عن جعل أمرها في يدها (فلها أن ترجع عليه بالعِوَض)
= رضي الله عنه مرفوعًا.
قال البيهقي (7/ 317): فرج بن فضالة ضعيف في الحديث.
وقال ابن الجوزي في التحقيق (2/ 295): موضوع لا أصل له.
وأخرجه عبدالرزاق (6/ 489) حديث 11782، وسعيد بن منصور (1/ 344) حديث 1468، عن العلاء بن عتبة، عن علي بن أبي طلحة، مرسلًا.
قال عبدالرزاق: فذكرناه للثوري فقال: سألنا عنه، فلم نجد له أصلًا.
وأخرج عبدالرزاق (6/ 489) رقم 11784، وابن أبي شيبة (5/ 118)، عن ابن مسعود رضي الله عنه -موقوفًا- قال: يجري الطلاق على المختلعة ما كانت في العدة. وأعله البيهقي بالانقطاع. انظر: السنن الكبرى (7/ 317)، ومعرفة السنن والآثار (11/ 14).
الذي بذلته في مقابلة ذلك، عبدًا كان أو غيره؛ لأنه لهم يُسَلِّم لها ما يقابله.
(ولو قال) الزوج لزوجته: (إذا جاء رأسُ الشهر فأمرُكِ بيدكِ؛ ملك إبطال هذه الصفقة) لأنه وكالة، وهي جائزة، وليست من تعليق الطلاق في شيء، إلا أن ينوي به الطلاقَ، على ما يأتي بيانه في آخر الكنايات في الطلاق.
(قال) الإمام (أحمد
(1)
: ولو جعلتْ له ألف درهم على أن يُخيِّرها) فخَيَّرها (فاختارت الزوجَ لا يردّ) الزوجُ (شيئًا) من الألف، لأنه فعل ما جاعلته عليه، فاستقرت له.
(وإن قالتْ: طلِّقني بدينار، فطلَّقها، ثم ارتدّت) عن الإسلام (لزمها الدينار) بالطلاق (ووقع الطلاق بائنًا) لأنه على عوض (ولا تؤثر الرِّدَّة) فيه لتأخرها عنه.
(فإن طلَّقها بعد ردّتها، وقبل دخوله بها؛ بانت بالرِّدّة) لما تقدّم (ولم يقع الطلاق) لأن البائن لا يلحقها طلاق.
(فإن كان) طَلَّقها بعد ردّتها، و (بعد الدخول) بها (وقف الأمر على انقضاء العِدّة، فإن أقامت على رِدّتها حتى انقضت عِدّتها؛ تبيَّنا عدم وقوع الطلاق؛ لأنها لم تكن بزوجة) حين طلَّقها.
(وإن أسلمت فيها) أي: العِدّة (وقع) الطلاق؛ لأنا تبيَّنا أنها كانت زوجة حينه.
(1)
مسائل الكوسج (4/ 1758) رقم 1135.
فصل
(ولا يصحّ) الخلع (إلا بعِوض) لأن العوض ركن فيه، فلم يصح تركه، كالثمن في البيع.
(فإن خالعها بغير عوض، لم يقع خُلْع ولا طلاق) لأن الشيء إذا لم يكن صحيحًا، لم يترتَّب عليه شيء، كالبيع الفاسد (إلا أن يكون بلفظ طَلاق، أو نيتهِ، فيقع) طلاقًا (رجعيًّا) لأنه طلاق لا عوض فيه، فكان رجعيًّا كغيره؛ ولأنه يصلح كناية عن الطلاق. فإن لم ينوِ به طلاقًا؛ لم يكن شيئًا؛ لأن الخلع إن كان فسخًا؛ فالزوج لا يملك فسخ النكاح إلا بعيبها.
وكذلك لو قال: فسختُ النكاحَ، ولم ينو به الطَّلاق؛ لم يقع شيء، بخلاف ما إذا دخله العوض؛ فإنه معاوضة، ولا يجتمع العوض والمعوّض.
(ولا يصحّ) الخلع (بمجرَّد بذل المال، وقَبوله) من غير لفظ الزوج؛ لأنه تصرُّف في البُضع بعوض، فلم يصح بدون اللفظ، كالنكاح والطلاق؛ ولأن أخْذَ المال قبضٌ لعِوَض، فلم يقم بمجرَّده مقامَ الإيجاب، كقبض أحد العوضين في البيع.
وأما حديث جميلة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَرُدِّين عليه حديقتَهُ" فقد رواه البخاري
(1)
: "اقْبَلِ الحديقةَ وطلِّقها تطليقةً" وهذا صريح في اعتبار اللفظ، وفي رواية:"فأمرَهُ ففارقَها". ومن لم يذكر الفُرقة فإنما اقتصر على بعض القصة، والزيادة من الثقة مقبولة، ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ؛ لأنه معلوم منه، وعلى هذا
(1)
في الطلاق، باب 12، حديث 5273 - 5277. وقد تقدم (12/ 131).
يحمل كلام أحمد، وغيره من الأئمة، ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظًا، ولا دلالة حال، ولا بُدَّ منه اتفاقًا (بل لا بُدَّ من الإيجاب والقَبول في المجلس) بأن يقول: خلعتُكِ -ونحوه- على كذا، فتقول: رضيتُ، أو نحوه.
(فإن قالت) لزوجها: (بِعْني عبدَكَ هذا وطلِّقني بألف، ففعل) أي: باعها العبد، وطلَّقها بالألف (صح) ذلك (وكان بيعًا وخُلعًا) لأنَّ كلًّا منهما يصح مفردًا، فصحَّا مجتمعين (ويقسَّطُ الألفُ على الصَّداق المُسمَّى، و) على (قيمة العبد، فيكون عوض الخلع ما يخص المسمَّى، أي: المهر، وعوض العبد ما يخصُّ قيمته، حتى لو ردَّته بعيبٍ رجعتْ بذلك) أي: بما يخصُّ قيمته؛ لأنه ثمنه.
(وإن وجدَتْهُ حرًّا، أو) وجدَتْهُ (مغصوبًا؛ رجعتْ به؛ لأنه عوضها) أي: ثمنها الذي بذلته عوضًا عن العبد.
(فإن كان مكانَ العبدِ شِقصٌ مشفوعٌ) وقالت له: بِعْني شقصك هذا وطلِّقني بألف، وفعل؛ صحّ، و (ثبتت فيه) أي: الشقص (الشفعة) لوجود سببها، وهو البيع الصحيح، كما لو انفرد عن الخلع، ويوزَّع الألف على الصداق المُسمَّى، وقيمة الشقص (ويأخذه الشفيع بحصّة قيمته من الألف) لأنها ثمنه.
(ولا يُستحبُّ له) أي: الزوج (أن يأخذَ منها أكثر مما أعطاها) صَدَاقًا (فإن فعل) بأن أخذ منها أكثر مما أعطاها (كُرِه) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جميلة: "ولا تزدادُ"
(1)
، (وصحّ) الخلع
(1)
أخرجه ابن ماجه في الطلاق، باب 22، حديث 2056، والطبراني في الكبير (11/ 310، 24/ 211) حديث 11834 و 541، وأبو نعيم في معرفة الصحابة =
(نصًّا
(1)
) لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(2)
، وقالت الرُّبَيِّع بنت معوِّذ:"اخْتَلَعْتُ من زوجي بما دون عِقاصِ رأسي، فأجازَ ذلك عليٌّ"
(3)
واستمرّ ولم يُنْكَر، فكان كالإجماع.
= (6/ 3286) حديث 7552، والبيهقي (7/ 313)، عن عبدالأعلى بن عبدالأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد.
صححه الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 75).
وقال البيهقي: كذا رواه عبدالأعلى بن عبدالأعلى عن سعيد بن أبي عروبة موصولًا، وأرسله غيره عنه.
ثم روى البيهقي (7/ 313 - 314)، عن عبدالوهاب بن عطاء قال: قال سعيد بن أبي عروبة: حدثنا أيوب، عن عكرمة، مرسلًا. وقال أيوب: لا أحفظ: (ولا تزدد).
وأخرجه البيهقي (7/ 314)، عن الوليد بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وخالف الوليدَ بنَ مسلم (عبدُالوهاب بن عطاء، وعبدُالله بن المبارك، وابنُ عيينة، والثوري) فرووه عن ابن جريج، عن عطاء، مرسلًا؛ أخرجه البيهقي أيضًا (7/ 314).
ورجَّح أبو حاتم الرازي -كما في العلل لابنه (1/ 426) حديث 1290 - ، والبيهقي هذا الوجه المرسل.
وأخرجه الدارقطني (3/ 255) حديث 39، والبيهقي (7/ 314)، عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، مرسلًا. ثم قال: سمعه أبو الزبير من غير واحد. قال البيهقي: وهذا أيضًا مرسل.
قال ابن حجر في الفتح (9/ 402): ورجال إسناده ثقات، وقد وقع في بعض طرقه:"سمعه أبو الزبير من غير واحد" فإن كان فيهم صحابي؛ فهو صحيح، وإلا فيعتضد بما سبق. ا هـ. (يعني حديث ابن عباس ومرسل عطاء).
(1)
الإنصاف (22/ 45)، وانظر: مسائل أبي داود ص / 179، ومسائل ابن هانئ (1/ 233) رقم 1126، ومسائل الكوسج (4/ 1971) رقم 1350.
(2)
سورة البقرة، الآية:229.
(3)
لم نقف على من رواه عن علي رضي الله عنه وقد جاء هذا عن عثمان رضي الله عنه وقد تقدم تخريجه (12/ 135) تعليق رقم (5).
(والعِوض في الخُلْع، كالعِوض في الصَّداق والبيع، إن كان مكيلًا، أو موزونًا، أو معدودًا، أو مذروعًا لم يدخل في ضمان الزوج) إلا بقبضه (ولا يملك) الزوج (التصرف فيه إلا بقبضه) وتقدم في البيع مفصَّلًا
(1)
.
(وإن تلف) عوض الخلع المكيل ونحوه (قبْلَه) أي: قبل القبض (فله) أي: الزوج (عوضُهُ) ولم ينفسخ الخلع بتلفه.
(وإن كان) عوض الخلع (غير ذلك) أي: غير مكيل، ولا موزون، ولا معدود، ولا مَذْروع (دخل في ضمانه بمجرَّد الخلع، وصحّ تصرفه فيه) قبل قبضه.
قلت: إن لم يكن معقودًا عليه بالصفةِ، أو رؤيةٍ متقدمة، كالمبيع
(2)
.
(وإن خالعها بمحَرَّمٍ، كالحُرِّ، والخمر؛ فكخُلْعٍ بلا عوض؛ إن كانا يعلمانِهِ) لأن الخُلع على ذلك مع العلم بتحريمه يدلُّ على رضا فاعله بغير شيء، لا يقال: هلّا يصح الخُلْع ويجب مهر المِثْلِ؟ لأن خروج البُضْع من ملك الزوج غيرُ متقوَّم، فإذا رضي بغير عوض، لم يكن له شيء، كما لو طَلَّقها، أو علّقه على فعل، ففعلتْهُ. وفارق النكاح، فإن دخول البُضْع في ملك الزوج متقوَّم.
(وإن كانا) أي: المتخالعان (يجهلانه) أي: يجهلان كونه محرَّمًا، بأن لم يعلما أنه حُرٌّ أو خمر (صحّ) الخُلْع (وكان له بَدَلُه) أي: مِثل المِثْلي، وقيمة المتقوّم؛ لأن الخلع معاوضة بالبُضع، فلا يفسد بفساد
(1)
(7/ 492 - 495).
(2)
في "ذ": "كالبيع".
العوض، كالنكاح.
(وإن قال: إنْ أعطيتني خمرًا، أو ميتة، فأنت طالق، فأعطته ذلك؛ طَلَقَتْ) لوجود الصفة المعلَّق عليها، ويكون الطلاق (رجعيًّا) لخلوه عن العوض (ولا شيء عليها) لأنه رضي بغير شيء، وتقدَّم نظيره في العتق
(1)
.
(وإن تخالع كافران بمحرَّم، ثم أسلما، أو) أسلم (أحدهما، قبل قبضه؛ فلا شيء له) أي: الزوج المخالِع؛ لأنه عوض ثبت في ذِمَّتها بالخُلْع، فلم يكن له غيره بعد الإسلام، وقد سقط بالإسلام، فلم يجب له شيء.
(وإن خالعها على عبدٍ، فبان حرًّا، أو مستحقًّا؛ فله قيمته عليها) إن كانت هي الباذلة له، وإلا؛ فعلى باذله (و) إن خالعها (على خَلٍّ، فبان خمرًا؛ رجع عليها بمثله خلًّا) كما تقدم (وإن كان العِوض) في الخُلْع (مِثليًّا) وبان مستحقًّا ونحوه (فله مِثله، وصَحَّ الخُلع) لما تقدم.
(وإن بان) عوض الخُلْع (مَعيبًا؛ فإن شاء أمسكه، وأخذ أرْشَه، وإن شاء ردَّه، وأخذ قيمته) إن كان متقوَّمًا (أو) أخذ (مِثله، إن كان مِثليًّا) لأنه عوض في معاوضة، فكان له ذلك، كالبيع والصداق.
وإن قال: إن أعطيتني هذا الثوب فأنتِ طالقٌ، فأعطتْهُ إيَّاه؛ طَلَقَتْ، وملَكه، والحكم فيه كما لو خالعها عليه.
(وإن خالعها على رضاع ولده المعيَّن) منها، أو من غيرها، مدَّةً معلومة؛ صَحَّ (أو) خالعها على (سُكنى دار معيَّنة، مدةً معلومة؛ صح) الخُلع، قَلَّتِ المدةُ أو كثُرت؛ لأن ذلك مما يصح المعاوضة عليه في غير
(1)
(11/ 115).
الخُلْع، ففيه أولى.
(فإن مات الولد، أو خَرِبت الدار، أو ماتت المرضعة، أو جفَّ لبنُهَا؛ رجع) المخالع (بأجرة المِثْل لباقي المدَّة، يومًا فيومًا) لأنه ثبت منجَّمًا، فلا يستحقُّه معجَّلًا، كما لو أسلم إليه في خبز يأخذه منه كلَّ يوم أرطالًا معلومة، فمات.
(وإن) خالعها على رضاع ولده و (أطلق الرضاع) فلم يقيده بمدَّة (فحَوْلان) إن كان الخُلع عقب الوضع أو قبله (أو بَقيَّتُهما) إن كان في أثنائهما، حملًا للمطلق من كلامه على المعهود في الشرع، قال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}
(1)
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا رضاعَ بعد فِصالٍ"
(2)
يعني: العامين.
(وكذا لو خالعته) الزوجة (على كفالته) أي: الولد مدَّةً معيَّنة (أو) خالعته على (نفقته مدَّةً معيَّنة، كعشرِ سنين، ونحوها) صح، ولو لم يصف النفقة، فلا يُشترط ذِكْر قَدْر الطعام وجنسه، ولا قَدْر الأدم وجنسه، كما يأتي.
(والأولى أن يذكر مدةَ الرَّضاع) من تلك المدة (و) أن يذكر (صفةَ النفقةِ، بأن يقول: تُرضِعينَه من العشرِ) سنين (حَولين، أو أقلَّ، بحسب ما يتَّفقان عليه، ويذكُرُ ما يَقتاتُه) الولد (من طعام وأُدْمٍ، فيقول: حنطة، أو غيرها، كذا وكذا قَفيزًا، و) يذكر (جنسَ الأُدْمِ.
فإن لم يذكر مدَّةَ الرضاع منها) أي: من المدة التي خالعها على كفالته، أو نفقته فيها، كالعشر سنين (ولا) ذكر (قَدْرَ الطعام والأُدْمِ؛
(1)
سورة البقرة، الآية:233.
(2)
وقد تقدم تخريجه (7/ 147) تعليق رقم (1).
صح) الخُلْع؛ لما تقدم (ويُرجع إلى العُرف والعادة) فمدَّةُ الرضاع إلى حولين، والنفقة ما يستعمله مثله.
(وللوالد أن يأخذ منها) أي: المخلوعة (ما يستحِقُّه) الولد (من مُؤْنة الولد، وما يحتاجُ إليه، فإن أحبَّ أنفقَه بعينِه، وإن أحبَّ أخَذَه لنفسِه، وأنفق على الولد غيرَه) لأنه بدلٌ ثبت له في ذمتها، فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره.
(وإن أذن لها في الإنفاق عليه) أي: الولد (جاز) لما سبق (فإن مات الولد) الذي خالعها على إرضاعه، والإنفاق عليه عشر سنين مثلًا (بعد مدة الرّضاع، فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة يومًا فيومًا، كما تقدم) موضَّحًا.
(ولو أراد الزوج أن يقيم بدل الرضيع) بأن يأتيها بطفل (آخرَ تُرضِعُه، أو تكفُلُهُ، فأبَتْ ذلك، أو أرادته هي) أي: أرادت أن يأتيها برضيع آخر ترضعه، أو تكفُلُهُ (فأبى؛ لم يُلْزَما) أي: لم يلزم المخلوعة ذلك في الأُولى، ولا المخالع في الثانية؛ لأن ما يُستوفى من اللبن أو الكفالة إنما يتقدَّر بحاجة الصبي، وحاجةُ الصبيان تختلف، ولا تنضبط، فلم يجز أن يقوم غيرُهُ مقامَه، كما لو أراد أحدهما ذلك في حياة الولد.
(وإن خالع حاملًا على نفقة حَمْلِها؛ صح) الخُلع؛ لأنها مستحقة عليه بسببٍ موجود، فصح الخُلع بها وإن لم يعلم قَدْرها، كنفقة الصبي (وسقطت) النفقة (نصًّا
(1)
) لأنها صارت مستحقَّة له.
(ولو خالعها، وأبرأتْهُ من نفقة حَمْلها، بأن جعلتْ ذلك عوضًا في
(1)
المغني (10/ 314)، وانظر: مسائل صالح (1/ 344، 3/ 144) رقم 301، 1527.
الخُلْع؛ صح) ذلك كما تقدم، وكذا لو خالعته على شيء، ثم أبرأته من نفقة حَمْلها (ولا نفقةَ لها، ولا للولد حتى تَفْطِمَه، فإذا فَطَمَتْه فلها طلَبُه بنفقتِه) لأنها قد أبرأته مما يجب لها من النفقة، فإذا فَطَمَتْه لم تكن النفقة لها، فلها طلبها منه.
(وتُعتبر الصيغة منهما) أي: المتخالعين (في ذلك كله) أي: جميع ما تقدم من صور الخُلْع (فيقول: خَلَعْتُكِ، أو فسختُ نِكاحَكِ) على كذا (أو فاديتُكِ على كذا. فتقول) هي: (قبلتُ، أو رضيتُ) ونحوه (أو تسأله هي، فتقول: اخْلعني، أو طلِّقْني على كذا. فيقول: خلعتُكِ، ونحوه) مما تقدم من الصريح والكنايات (و
(1)
يقول الأجنبي: اخْلَعْها، أو طَلِّقْها على ألفٍ عليَّ، ونحوه، فيجيبه) الزوج في المجلس. وتقدم
(2)
التنبيه على ذلك.
فصل
(ويصحُّ الخُلع بالمجهول، وبالمعدوم الذي يُنتظَرُ وجوده) لأن الطلاق معنًى يجوز تعليقه بالشرط، فجاز أن يُستحقَّ به العوضُ المجهولُ، كالوصية؛ ولأن الخُلع إسقاطٌ لحقِّه من البُضع، وليس فيه تمليك شيء، والإسقاطُ تدخله المسامحة، ولذلك جاز بغير عوض على رواية
(3)
.
(1)
في "ذ": "أو".
(2)
(12/ 147 - 148).
(3)
مسائل عبدالله (3/ 1050، 1112) رقم 1441، 1536.
(وللزوج ما جُعل له) من العوض المجهول، والمعدوم المُنتظَر وجوده.
(فإن خالعها على ما في يَدِها من الدراهم؛ صح) الخُلع (وله ما في يدها، ولو كان أقلَّ من ثلاثة دراهم، ولا يستحقُّ غيرَه) لأن ذلك من الدراهم، وهو في يدها (وإن لم يكن في يدها شيءٌ؛ فله ثلاثةُ دراهمَ، كما لو وصَّى له بدراهم) لأنه أقلُّ ما يقع على اسمُ الدراهم حقيقة.
(و) إن خالعها (على ما في بيتها من المتاع؛ فله ما فيه) أي: البيت من المتاع (قليلًا كان) المتاع (أو كثيرًا) لأنه المُخَالَع عليه (وإن لم يكن فيه متاع؛ فله أقلُّ ما يُسمَّى متاعًا) كالوصية.
(وإن خالعها على حَمْل أمَتها، أو) حَمْل (غَنَمها، أو غيره) كحَمْل بقرها (أو) على (ما تحمِلُ شجرتُها؛ فله ذلك) أي: للزوج ما حصل من حمل الأمة
(1)
، أو الغنم، أو غيره (فإن لم يحملنَ
(2)
؛ أرضته بشيءٍ، نصًّا
(3)
، والواجب) له (ما يتناوله الاسم) كالوصية.
(وكذا) لو خالعها (على ما في ضُروع ماشيتها، ونحوه) من كل مجهول، أو معدوم منتظر وجوده.
(وإن خالعها على عبد مُطلَقٍ) أي: غير معين، ولا موصوف (فله أقلُّ ما يُسمَّى عبدًا) كالوصية.
(1)
لكن قياس ما سبق في الوصية: له قيمة ولد الأمة؛ لتحريم التفريق؛ ذكره الشارح في شرحه على "المنتهى". ش.
(2)
في "ذ": "فإن لم يكن حمل".
(3)
الهداية لأبي الخطاب ص 415، والمغني (10/ 283)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (22/ 62).
(وإن قال: إن أعطيتِني
(1)
عبدًا فأنت طالقٌ؛ طَلَقتْ بأيِّ عَبْدٍ أعطته) له؛ لأن الشرط عطية عَبْدٍ، وقد وُجد. وقولُه:(يصح تمليكه) صفة لـ"عبد"، أخرج به ما لا يصح تمليكُه، كالمَرهون، والموصى بعتقِهِ، والمنذور عتقه نَذْرَ تَبرُّرٍ (ولو) كان الذي أعطته إياه (مدبَّرًا، أو معلَّقًا عِتْقُهُ بصفة) قبل وجودها.
ويكون (طلاقًا بائنًا) لأنه على عوض (وملكَ العبدَ، نصًّا
(2)
) لأنه عوضُ خروجِ البُضع عن ملكه.
(والبعير، والبقرة، والشاة، والثوب، ونحو ذلك) من المبهمات (كالعبد) فيما تقدَّم.
(فإن) قال لها: إن أعطيتني (1) عبدًا، أو ثوبًا، أو بعيرًا، أو شاة، أو بقرة فأنت طالق، فأعطته ذلك، فـ (ـبان مغصوبًا) لم تَطْلُق.
(أو) قال: إن أعطيتني عبدًا فأنت طالق، وأعطته عبدًا، فبان (العبد حرًّا، أو مكاتَبًا، أو مرهونًا؛ لم تَطْلُق) لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه.
وقوله: "أو مكاتَبًا" نقله في "الإنصاف" عن "الرِّعايتين" و "الحاوي" وغيرهم، ولعله مبنيٌّ على القول: بأن المكاتَب لا يصح نقل الملك فيه، والمذهب أنه يصح بيعه، فهو داخل في قوله:"بأي عبد يصح تمليكه" كما هو مقتضى ما قدَّمه في "الإنصاف".
(و) لو قال لزوجته: "إن أعطيتِني هذا العبدَ، أو أعطيتِني عبدًا، فأنت طالق، فأعطته إياه؛ طَلَقَتْ) لوجود الصفة (وإن خرج معيبًا؛ فلا
(1)
في "ذ": "أعطيتيني".
(2)
المغني (10/ 283)، والفروع (5/ 348)، والمبدع (7/ 235).
شيء له غيره) لأنه شَرْطٌ لوقوع الطلاق، أشبَه ما لو قال: إن ملكتُه فأنت طالق، ثم ملكه.
(وإن خرج) العبد (مغصوبًا، أو بان حرًّا، أو) خرج (بعضه) مغصوبًا، أو حرًّا (لم يقع الطلاق) لأن الإعطاء إنما يتناول ما يصح تمليكه منها، والحُرُّ، والمغصوب كلُّه أو بعضه متعذِّر تمليكه منها، فلا يكون إعطاؤها إياه صحيحًا، فلا يقع الطلاق المعلَّق به.
(و) إن خالعها (على عبيد؛ فله ثلاثة) لأنها أقلُّ ما يقع عليه اسم العبيد.
(وكل موضع علَّق طلاقَها على عطيَّتِها إيَّاه، فمتى أعطتْهُ على صفة يمكنه القبض؛ وقع الطلاق، سواءٌ قبضه منها، أو لم يقبِضه) حيث أحضرته له، وأذنته في قبضه؛ وإن لم يأخذه، إذا كان متمكّنًا من أخذه؛ لأنه إعطاءٌ عُرفًا، بدليل: أعطيتهُ فلم يأخذ، واستشكله بعض المحقّقين؛ لأنه إن حُمِل الإعطاء على الإقباض من غير تمليك، فينبغي أن تَطْلُق ولا يستحقُّ شيئًا، وإن حُمِل عليه مع التمليك، فلا يصح التمليك بمجرد فعلها.
(فإن هرب الزوج، أو غاب قبل عطيَّتها) لم يقع الطلاق.
(أو قالت: يضمنه لك زيد، أو اجعله قصاصًا بما لي عليك، أو أعطته به رهنًا، أو أحالته به؛ لم يقع الطلاق) لعدم وجود الإعطاء المعلَّق عليه.
(وإن قالت: طلِّقْني بألف، فطلَّقها؛ استحقَّ الألف) لأنها في مقابلة خروج البُضع من ملكه (وبانت) لأنها طَلَقت بعوض (وإن لم يقبض) الألف.
(وإن) قال: إنْ (أعطيتني ثوبًا صفته كذا وكذا، فأنت طالق، فأعطته ثوبًا على تلك الصفات؛ طَلَقت) لوجود الصفة (وملكه) لما تقدم.
(وإن أعطته) ثوبًا (ناقصًا) شيئًا من تلك الصفات (لم يقع الطلاق) لعدم وجود الصفة (ولم يملكه) لأنها إنما بذلته في مقابلة الطلاق، ولم يقع.
(وإن كان) الثوب (على الصفة) المشروطة (لكن به عَيْبٌ؛ وقع الطلاق) لوجود الشرط (ويتخير) المخالِعُ (بين إمساكه، ورَدِّه والرجوع بقيمته) لأن الإطلاق يقتضي السلامة؛ نقله في "الشرح" عن القاضي، ولم يتعقبه. وقال قبلَه: وإن خالعها على ثوب موصوف في الذِّمة، واستقصى صفات السَّلَم؛ صح، وعليها أن تعطيه إياه سليمًا، فإن دفعته إليه معيبًا، أو ناقصًا عن الصفات المذكورة؛ فله الخيار بين إمساكه، وردِّه والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة
(1)
.
(و) لو قال: (إن أعطيتني ثوبًا هَرَويًّا، فأنت طالق، فأعطته مَرْويًّا؛ لم تَطْلُق) لأن الصفة التي عَلَّق عليها الطلاق لم توجد (وإن أعطته هَرَويًّا طَلَقت) لوجود الصفة.
(وإن خالعته على عينه، بأن قالت) له: (اخْلعني على هذا الثوب المَرْويِّ، فبان هَرَويًّا؛ صح) الخُلع (وليس له غيره) لأن الخُلع وقع على عينه، ولأن الإشارة أقوى من التسمية.
(وإن خالعتْهُ على مَرْويٍّ في الذِّمة، فأتته بهَرَويٍّ؛ صح) أي: وقع الخُلع (وخُيِّر) المخالِع (بين ردِّه، وأخذه) ثوبًا (مرويًّا) لأنه المعقود عليه
(1)
في "ح": "الصفات".
(وبين إمساكه) لأنه من الجنس؛ ولأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد.
"تتمة": إذا تخالعا على حكم أحدهما، أو غيرهما، أو بمثل ما خالع به زيد زوجته؛ صح بالمسمَّى، وقيل: بل بمهرها، وقيل: بل بمهر مثلها؛ قاله في "المبدع".
فصل
(وطلاقٌ معلَّقٌ) بعوض (أو مُنْجَزٌ بعوض، كخُلع في الإبانة) لأن القصد إزالةُ الضرر عنها، ولو جازت رجعتها لعاد الضرر.
(فإذا قال: إن) أعطيتني ألفًا، فأنت طالق (أو إذا) أعطيتني ألفًا، فأنتِ طالق (أو متى أعطيتني ألفًا، فأنتِ طالق؛ فالشرط لازم من جهته، لا يصح إبطاله) كسائر التعاليق؛ خلافًا للشيخ تقيِّ الدين
(1)
، ووافق على شرطٍ محضٍ؛ كـ: إنْ قَدِمَ زيدٌ. (وكان) ذلك التعليق (على التراخي) لأنه علَّق الطلاق بشرط، فكان على التراخي، كسائر التعاليق، فلو نويا صنفًا منها؛ حُمِل اللفظ عليه، وإن أطلقا
(2)
؛ فعلى نقد البلد، كالبيع. فإن لم يكن؛ فعلى ما يقع عليه الاسم (أيَّ وقتٍ أعطته على صفة يُمكنه القبض، ألفًا فأكثر، وازنة إن كان شَرَطَها وَزْنيةً، وإلا فما شرَطَ) في الخلع.
(فإن اختلفا) في شرطها وَزْنية (فقولها، كما يأتي) لأن الأصل عدم الشرط.
وقوله: (بإحضار الألف؛ ولو كانت) الألف (ناقصة في العدد)
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (32/ 83، 33/ 201)، والفروع (5/ 356).
(2)
في "ح": "وإن أطلقها".
اكتفاء بتمام الوزن (وإذنِها في قبضه) بيان للإعطاء، كما تقدم.
وقوله: (طَلَقت بائنًا) جواب: "أيَّ
(1)
" (وملكَه) أي: الألف، الزوج (وإن لم يقبضه) لما تقدم
(2)
وسبق ما فيه
(3)
.
و (لا) تطلق (إن أعطته دون ذلك) أي: دون الألف؛ لعدم وجود الصفة، وكذا لو أعطته مغشوشة ينقص ما فيها من الفضة عن الألف (أو) أعطته (سبيكة تبلغ ألفًا؛ لأن السبيكة لا تُسَمَّى دراهم) فلا يقع الطلاق؛ لعدم وجود الصفة.
(وإن قال: أنت طالق بألف إن شئت؛ لم تطلق حتى تشاء بالقول) لأنه مُعَلَّق بشرط، فلا يتقدمه (فإذا شاءت ولو على التراخي؛ وقع) الطلاق (بائنًا) للعوض (ويستحقُّ الألف) لكونها في نظير خروج البُضع عن ملكه.
(وإن قالت: اخْلَعْني بألف، أو) اخْلَعْني (على ألف، أو) قالت: (طَلِّقني بألف، أو) طَلِّقْني (على ألف، أو قالت): طَلِّقني، أو اخْلَعْني (ولك ألف إن طلقتني، أو خلعتني، أو إن طلقتني فلك عليَّ ألف، ففعل على الفور، بأن قال: خلعتُكِ، أو طلقتُكِ، وإن لم يذكر الألف؛ بانت) لأن الباء للمقابلة، و "على" في معناها، وقوله:"طلقتُك، أو: خلعتُك" جواب لما استدعته منه، والسؤال كالمعاد في الجواب، فأشبَه ما لو قالت: بِعْنِي عبدَكَ بألف. فقال: بعتُكِ إياه، ولم يذكر الألف (واستحقَّ الألف) لأنه فَعَلَ ما جعلت الألفَ في مقابلته (من غالب
(1)
كذا في الأصل و "ذ"، وجاء في حاشية "ح":"صوابه: جواب إن".
(2)
جاء في حاشية "ح": "صوابه: لما سبق وتقدم ما فيه".
(3)
(12/ 156 - 158).
نقد البلد) كالبيع.
(ولها) أي: الزوجة (أن ترجع) عن جعل الألف في مقابلة الطلاق، أو الخُلْع (قبل أن يجيبَها) الزوج إلى الطلاق، أو الخُلع؛ لأن قولها ذلك إنشاءٌ على سبيل المعاوضة، فلها الرجوع قبل تمامه بالجواب، كالبيع.
وكذا قولها: إن طَلَّقتني فلك ألف؛ لأنه وإن كان بلفظ التعليق، فهو تعليق لوجوب العوض لا للطلاق، بخلاف تعليق الزوج الطلاق على عوض، فإنه لا يملك الرجوع فيه كما تقدَّم
(1)
.
(ولو قالت) لزوجها: (طَلِّقْني بألف إلى شهر) أو بعد شهر (فطلَّقَها قبلَه؛ فلا شيء له، نصًّا
(2)
) لأنه اختار إيقاع الطلاق من غير عوض، ويقع رجعيًّا. ولو أجابها بقوله: إذا جاء رأس الشهر فأنتِ طالقٌ؛ استحقَّ العوض، ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنًا؛ لأنه بعوض.
(وإن قالت): طَلِّقْني بألف (من الآن إلى شهر، فطلَّقَها قبله) أي: الشهر (استحقه) لأنه أجابها إلى سؤالها، لا إن طَلَّقها بعدَه، فلا يستحقه، ويقع رجعيًّا.
(و) إن قالت: (طَلِّقْني بألف، فقال: خلعتُكِ، ينوي به الطلاق؛ صح) الطلاق (واستحقَّ الألف) لأنه أجابها إلى ما استدعته منه؛ لأنه من كناياته (وإلا) أي: وإن لم ينوِ بالخُلع الطلاقَ (لم يصح الخُلع) لخلوِّه عن العوض (ولم يستحق شيئًا؛ لأنَّه ما أجابها إلى ما بذلت العوض فيه) أي: لأجله.
(1)
(12/ 159).
(2)
المغني (10/ 302)، والفروع (5/ 352).
(و) إن قالت له: (اخْلَعْني بألف، فقال: طلقتُكِ؛ لم يستحقَّه) أي: الألف (لأنه أوقع طلاقًا ما طَلَبَتْهُ) فلم يوجد ما بذلت العوض فيه (ووقع) الطلاق (رجعيًّا) إن كان دخل أو خلا بها، وكان دون ثلاث؛ لخلوِّه عن العوض.
(و) إن قالت: (طَلِّقْني واحدة بألف، أو) طَلِّقْني واحدة (على ألف، أو) طَلِّقْني واحدة (ولك ألفٌ، ونحوَه، فطلَّقها ثلاثًا، أو اثنتين؛ استحقَّه) أي: الألف؛ لأنه حصل لها ما طلبتهُ وزيادة.
(و) إن قالت: (طَلِّقْني واحدة بألف. فقال: أنت طالقٌ وطالقٌ وطالقٌ؛ بانت بالأولى) ولم يلحقها ما بعدها؛ لأن الأولى في مقابلة عوض، وهو الألف، فبانت بها.
(وإن ذكر الألف عقيب الثانية؛ بانت بها، و) وقعت (الأولى رجعية، ولَغَت الثالثة) لأن البائن لا يلحقها الطلاق، وإن ذكره عَقِب الثالثة؛ طَلقت ثلاثًا (وقيل: تَطْلُق ثلاثًا، وهو موافق لقواعد المذهب) لأن العطف بالواو يصيِّرُ الجُمَلَ كالواحدة.
(و) إن قالت: (طَلِّقْني ثلاثًا بألف، فطَلَّقها واحدة) أو اثنتين (لا يستحق شيئًا، ووقعت رجعية) لأنها بذلت العوض في مقابلة شيء لم يُجبها إليه، فلم يستحقَّ شيئًا.
(وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدةٌ، ففعل) أي: طَلَّقها واحدةً (استحق الألف، علمت أو لم تعلم) لأن هذه الواحدة كملت وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة وتحريم العقد، فوجب العوض، كما لو قال: أنتِ طالق ثلاثًا.
(فإن قال والحالةُ هذه) أي: والحال أنه لم يبقَ من طلاقها إلَّا
واحدة: (أنت طالقٌ طلقتين، الأُولى بألف، والثانية بغير شيء؛ وقعت الأولى، واستحقَّ الألف) لما تقدم (ولم تقع الثانية) لأنها بانت بالثلاث.
(وإن قال) والحال
(1)
هذه: أنتِ طالقٌ طلقتين (الأولى بغير شيء؛ وقعت وحدها) لأن الثلاث تمَّت بها (ولم يستحقَّ شيئًا) من الألف (لأنه لم يجعل لها عوضًا، وكملت الثلاث) طلقات.
(وإن قال) والحال هذه: أنتِ طالقٌ طلقتين (إحداهما بألف؛ لزمها الألف) وكملت الثلاث، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.
(و) إن قالت: (طَلِّقني عشرًا بألف، فَطَلَّقها واحدة، أو اثنتين؛ فلا شيء له) لأنه لم يجبها إلى ما سألته، وبذلت العوض فيه (وإن طَلَّقها ثلاثًا، استحقَّ الألف) لأنه أجابها إلى سؤالها باعتبار أنها نهاية ما يملكه مما سألته، فما زاد عليها لغو.
"تتمة": لو لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة، وقالت: طَلِّقني ثلاثًا بألف، واحدة أبينُ بها، واثنتين في نكاح آخر، فقال القاضي: الصحيح أن هذا لا يصح في التطليقتين الأخيرتين؛ لأنه سَلَفٌ في طلاق ومعاوضة عليه قبل النكاح، وهو لا يصح قبله، فكذا المعاوضة عليه، وينبني على تفريق الصفقة. فإذا قلنا: تُفَرَّقُ؛ فله ثُلُث الألف.
(وإن كان له امرأتان، إحداهما رشيدة) والأخرى غير رشيدة، بأن كانت سفيهة، أو مميزة
(2)
(فقال) لهما: (أنتما طالقتان بألف إن شئتما، فقالتا: قد شئنا؛ لزم الرشيدة نصفُ الألف) عند أبي بكر، ورجَّحه في "المغني"، وجزم به في "الوجيز"، و "المقنع"، و "التنقيح"، وعن ابن
(1)
في "ذ": "أي والحال".
(2)
أشار في حاشية "ذ" إلى أنه جاء في نسخة: "صغيرة" بدل: "مميزة".
حامد: يُقسَّطُ بقَدْرِ مهريهما، وذكره في "المغني" و "الشَّرح" ظاهر المذهب.
(وطَلَقت بائنًا) لأن مشيئتها صحيحة، وتصرّفها في مالها صحيح، فيجب عليها بقسطها من الألف (ووقع) الطلاق (بالأخرى) غير الرشيدة (رجعيًّا، ولا شيء عليها) من الألف؛ لأن لها مشيئة، ولذلك يرجع إلى مشيئة المحجور عليها في النكاح، فيقع الطلاق لوجود المشيئة، وتصرُّفها
(1)
في مالها غير نافذٍ
(2)
، فلم يلزمها شيء، فيكون رجعيًّا.
(وقوله) أي: زوجِ الرشيدتين (لرشيدتين: أنتما طالقتان بألف، فقبلت واحدة) منهما (طَلَقت بقسطها) من الألف؛ لأن العقد مع اثنين بمنزلة عقدين كالبيع.
(وإن قالتا: قد شِئنا؛ طَلَقتا بائنًا، ولزمهما العِوض بينهما) فلو قال الزوج: ما شئتما، وإنما قلتما ذلك بألسنتكما، أو قالتا: ما شئنا بقلوبنا؛ لم يقبل.
(وقول امرأتيه: طَلِّقنا بألْف، فَطَلَّق واحدة؛ بانت بقسطِها من الألف) فيُقسَّط على مهر مثلهما؛ قاله في "شرح المنتهى".
(ولو قالته إحداهما) أي: قالت له: طَلِّقنا بألف، فطَلَّق واحدةً منهما (فرجعيٌّ، ولا شيء له) سواء كانت المطلَّقة هي السائلة أو ضرَّتها؛ لأن الألف جعلت في مقابلة طلاقهما، وبطلاق واحدة منهما لم يحصل المطلوب، فلا يستحق شيئًا، كما لو قال لإنسان: بِعْني عبديك بألف. فقال: بعتُكَ أحدهما بخمسمائة.
(1)
في "ذ": "وتصرفاتها".
(2)
في "ذ": "نافذة".
(ولو قال) لزوجته: (أنت طالق وعليك ألف، أو): أنت طالق (على ألف، أو): أنت طالق (بألف، فقبلتْ في المجلس؛ بانتْ، واستحقَّه) أي: الألف؛ لأنه طلاق على عوض، وقد التزم فيه العوض، فصح، كما لو قال
(1)
ذلك بسؤالها.
(وإن لم تقبل) في المجلس (وقع) الطلاقُ (رجعيًّا) لأنه طلاق شُرط فيه العوض على من لم يلتزمه، فلغا الشرطُ، ووقع الطلاق رجعيًّا.
(وله الرجوع) عن أخذ العوض (قبل قَبولها) أي: قَبول زوجته منه ذلك، فلا تَبين (ولا ينقلب) الطلاق (بائنًا ببذلها الألف في المجلس بعد عدم قَبولها) يعني: بعد رَدّها، كما لو بذلته بعد المجلس.
(و) إن قال لزوجته: (أنت طالق ثلاثًا بألف. فقالت: قبلتُ واحدة
بألف، أو بألفين؛ وقع الثلاث) لصدورها ممن فيه أهلية لها (واستحَقَّ الألف) فقط؛ لالتزامها العوض الذي طَلَّقها عليه، كما لو كان ذلك بسؤالها.
(وإن قالت) لمن قال لها: أنت طالق ثلاثًا بألف: (قَبِلْتُ بخمسمائة) لم يقع؛ لأن الشرط لم يوجد؛ قاله في "الشرح".
(أو) قالت: (قبلتُ واحدة من الثلاث بثُلُثِ الألف؛ لم يقع) هكذا في "الشرح" و "المبدع". قال في "الشرح": لأنه لم يرضَ بانقطاع رجعته عنها إلا بالألف، وفيه نظر؛ لأن إيقاع الطلاق إليه، ولا يتوقف على قَبولها، وإنما يتوقف عليه لزوم
(2)
العوض.
(و) إن قال لزوجته: (أنت طالق طلقتين، إحداهما بألف؛ وقعت
(1)
في "ح" و "ذ": "كان".
(2)
في "ذ": "للزوم".
بها واحدة، ووقفت الأخرى على قَبولها) هذا معنى ما في "المبدع" و "الشرح"، وفيه نظر على ما تقدم.
(وإن قال الأب) لزوج ابنته: (طَلِّق ابنتي، وأنت بريءٌ من صَداقها، فطَلَّقها؛ وقع) الطلاق (رجعيًّا) لخلوِّه عن العِوض (ولم يبرأ) الزوج من المهر؛ لأنه أبرأه مما ليس له الإبراء منه، فأشبه الأجنبي (ولم يرجع) الزوج (على الأب) بشيء، وقال أحمد
(1)
: تَبِين زوجته بذلك، ولم يبرأ من مهرها، ويرجع بنظيره على الأب. وحمله القاضي وغيره على جهل الزوج بأنَّ إبراءَ الأب لا يصح، فيكون قد غَرَّه، وإلَّا فَخُلْعٌ بلا عوض؛ يقع رجعيًّا.
(ولم يضمن) الأب (له) أي: للزوج ما أبرأه منه، وهو معنى قوله: ولم يرجع على الأب.
و (إن قال الزوج) لأبي زوجته: (هي طالق إن أبرأتَني من صَدَاقها. فقال) أبوها: (قد أبرأتُكَ؛ لم يقع) الطلاق؛ لأنه معلَّق على براءته من مهرها، ولم يبرأ منه بإبراء أبيها (إلا إذا قصد الزوجُ مجرَّدَ اللفظ بالإبراء) فيقع الطلاق بوجود اللفظ، كقوله: إن أعطيتَني خمرًا فهي طالق.
(وإن قال) الزوج: (هي طالق إن بَرِئْتُ من صَدَاقها؛ لم يقع) الطلاق؛ لعدم البراءة، فلم يوجد المعلَّق عليه.
(وإن قال الأب: طلِّقها على ألف من مالها، وعليَّ الدَّرَك، فطلَّقها؛ طَلَقت بائنًا) لأنه طلاق على عوض، وهو ما لزم الأبَ من ضمان الدرك، ويلزم الأبَ، وليس له دفعها من مالها، ولا يرجع على ابنته إلا إذا أذنت وكانت رشيدة، كالأجنبي
(1)
انظر: المغني (10/ 307)، والرعاية الصغرى (2/ 170)، والمبدع (7/ 224).
(وتقدم
(1)
في كتاب الصَّداق: لو خالعتْهُ على صَدَاقها، أو بعضه، أو أبرأتْهُ منه، فليعاوَد) للاحتياج إليه.
فصل
(وإذا خالعته) الزوجة (في مرض موتها) المَخُوفِ (صح) الخُلع، سواءٌ كان هو -أيضًا- مريضًا أو لا؛ لأنَّها معاوضة، كالبيع.
(وله) ما خالعته عليه، إن كان قَدْر ميراثه منها فما دون، وإن كان بزيادة؛ فله (الأقلُّ من المُسمَّى في الخُلع، أو ميراثه منها) لأن ذلك لا تُهمه فيه، بخلاف الأكثر منهما، فإنَّ الخلع إن وقع بأكثر من الميراث، تطرَّقت إليه التهمة من قصد إيصالها إليه شيئًا من مالها بغير عوض، على وجه لم تكن قادرةً عليه، أشبَه ما لو أوصت، أو أقرَّت له. وإن وقع بأقل من الميراث، فالباقي هو أسقطَ حقه منه، فلم يستحقه، فتعين استحقاق الأقل منهما.
(وإن صحَّت من مرضها ذلك) الذي خالعته فيه (فله جميعُ ما خالعها به) كما لو خالعها في الصِّحة؛ لأنه ليس بمرض موتها.
(وإن طَلَّقها) بائنًا (في مرض موته، وأوصى لها بأكثر من ميراثها) منه (لم تستحقَّ) هي (أكثرَ من ميراثها) فللورثة منعها من ذلك؛ لأنه اتُّهِمَ في أنه قصد إيصالَ ذلك إليها، كالوصية لوارث. وعُلم منه: أنه لو وصَّى لها بميراثها فأقل؛ صح؛ لأنه لا تُهمة فيه.
(وإن خالعها) في مرض موته المخوف (وحاباها) بأن خالعها بدون
(1)
(11/ 483، 485).
ما أعطاها، أو بدون ما يمكنه أخذه منها ببذلها له (فمن رأس المال) أي: لا يحتسب ما حاباها به من الثلث؛ لأنه لو طَلَّق بغير عوض لصحَّ، فلأنْ يصحَّ بعوض أولى.
(وكل من صَحَّ أن يتصرَّف في الخُلْع لنفسه) وهو الزوج الذي يعقله (صح توكيلُه، ووكالتُه فيه) كسائر الفسوخ والعقود (من حرٍّ وعَبْدٍ، وذكرٍ وأنثى، ومسلم وكافر، ومَحْجور عليه ورشيد) ومفلس، وغيره.
(فإذا وكَّل الزوج في خلع امرأته مطلقًا) أي: من غير تقدير عوض؛ صحَّ التوكيل، كالبيع والنكاح، والمستحبُّ التقديرُ؛ لأنه أسلمُ من الغَرر، وأسهلُ على الوكيل.
(فـ) ـإن (خالعها) الوكيل (بمهرها فما زاد؛ صح) الخُلْع، ولزم المسمَّى؛ لأنه زاده خيرًا.
(وإن نَقَصَ) الوكيلُ (من المهر) مع الإطلاق (رجع) الموكِّل (على الوكيل بالنقص، وصح الخُلْع) لأنه عقد معاوضة أشبه البيع.
(ولو خالع وكيلُه بلا مال؛ كان الخُلْع لغوًا) ولو بنيَّةِ الطلاق أو لفظه؛ لأنه ليس موكَّلًا في الطلاق، بل في الخُلْع، ولا يصح إلا بعوض.
(وإن عيَّنَ) الزوج (للوكيل العوض، فنقص منه؛ لم يصح الخُلْع) عند ابن حامد، وصحَّحه غير واحد؛ لأنه خالف موكّله، أشبه ما لو وكَّله في خلع امرأةٍ
(1)
فخالع غيرها. وصحَّ عند أبي بكر؛ لأن المخالفة في قَدْرِ العوض، وهي لا تبطله، كحالة الإطلاق، فيرجع على الوكيل بالنقص، وصحَّح ابن المُنجَّا هذا القول؛ لأن الفرق ثابت بين المخالفة في نفس المعقود عليه، وبين المخالفة في تعيين العوض؛ لأنه لو وكَّله
(1)
في "ذ": "امرأته".
في بيع عبده من زيد، فباعه من غيره؛ لم يصح، ولو وكَّله في بيعه بعشرة، فباعه بأقل منها؛ صح، وضمن الوكيل النقص.
(وإن وكَّلت المرأة في ذلك) أي: في مخالعتها من زوجها (فخالع) وكيلها (بمهرها فما دونـ) ـــه إن لم تعيِّن له ما يخالع به (أو) خالع (بما عينته) له (فما دونـ) ــه (صح) الخلع، لصدوره من أهله في محلِّه (وإن زاد) وكيلها عمَّا عيَّنته، أو عن مهرها (صح) الخلع (ولزمت الوكيلَ الزيادة) لأن الزوجة رضيت بدفع العوض الذي يملك الخلع به عند الإطلاق، وبالقدر المأذون فيه مع التقدير، والزيادة لازمة للوكيل؛ لأنها عوض بَذله في الخُلع، فصح منه، ولزمه كما لو لم يكن وكيلًا.
(وإن خالف وكيلُ الزوجِ أو) وكيلُ (الزوجةِ جِنسًا) بأن وُكِّل أن يُخالع على نقد، فخالع على عَرْضٍ، أو بالعكس (أو) خالف (حُلولًا) بأن وكَّله أن يخالع بمائة حالَّة، فخالع على مائة مؤجَّلة (أو) خالف (نَقْدَ بلد
(1)
) بأن وُكِّل أن يخالع على مائة، فخالع على مائة من غير نَقْدِ البلد (لم يصح الخُلْع) للمخالفة، إلَّا وكيلها إذا خالف حلولًا، أو وكيله إذا خالف تأجيلًا
(2)
؛ لأنها زيادة تنفع ولا تضر.
(ولو كان وكيل الزوج والزوجة) في الخُلْع (واحدًا؛ فله أن يتولَّى طرفي العقد، كالنكاح) والبيع.
(وإذا تخالعا) أي: الزوجان (أو تطالقا) بأن سألته أن يطلّقها، وأجابها (تراجعا بما بينهما من حقوق النكاح، فلا يسقط شيءٌ منها) أي: من حقوق النكاح، بالخُلْع، ولا بالطلاق.
(1)
في "ذ": "نقد البلد".
(2)
في "ذ": "وأجل".
(ولو سكت عنها) حال الخُلْع أو الطلاق، فإن كان الخلع قبل الدخول فلها نصف المهر، فإن كانت قد قبضته ردَّت نصفه، وإن كانت مفوَّضة فلها المتعة؛ لأن المهر حق، فلا يسقط بلفظ الطلاق ولا الخلع (كـ) ـسائر (الديون، ولا تسقط نفقة عِدَّةِ الحامل، ولا بقيةُ ما خولع ببعضه) كسائر الفسوخ.
فصل
(وإذا قال: خالعتُكِ بألْف، فأنكرتْهُ، أو قالت: إنما خالعَكَ غيري؛ بانت) منه؛ لأنه مقرٌّ بما يوجب بينونتها (والقول قولها مع يمينها
(1)
في) نفي (العوض) لأنها منكِرة، والأصل براءتُها.
(وإن قالت: نعم) خالعتني بألف (لكن ضَمِنه غيري؛ لزمها الألف) لأنها مقرَّةٌ بالخُلْع، مدَّعية على الغير ضمانَ العوض، فلزمها العوض؛ لإقرارها، ولا تُسْمَعُ دعواها على الغير. وكذا لو قالت: نعم، لكن بعوض في ذمة غيري. فقال: بل في ذمتك.
(وعوض الخُلْع حالٌّ) لأنه الأصل، فلا يتأجَّل إلَّا بتأجيله (و) عوض الخلع (من نَقْدِ البلد) حملًا على العُرف.
(وإن اختلفا) أي: المتخالعان (في قَدْر العِوض) الذي وقع عليه الخُلْع (أو) اختلفا في (عينه، أو تأجيله، أو جنسه، أو صفته، أو هل هو) أي: عوض الخُلع (وزنيٌّ، أو عدديٌّ؛ فقولها مع يمينها) لأنه أحد نوعي الخُلع، فكان القولُ قول المرأة فيه، كالطلاق على مالٍ إذا اختلفا في
(1)
في "ذ": "بيمينها".
قَدْره؛ ولأن المرأة منكِرَةٌ للزائد في القَدْر والصِّفة، فكان القولُ قولَها، كسائر المنكرين، فإن قال: سألتني طلقة بألف. فقالت: بل ثلاثًا بألف، فطلقتني واحدة؛ بانت بإقراره، والقولُ قولُها في سقوط العوض.
(وإن علَّق) زوج
(1)
(طلاقها) بصفة (أو) عَلَّق ربُّ قِنٍّ (عتقه بصفة، ثم خالعها، أو أبانها بثلاث، أو دونها، وباعه) أي: القِنَّ (فوُجِدت الصفة، أو لم توجد، ثم عاد فتزوجها وملَكَه، فوجدت الصفة) وهي في عصمته، أو معتدة من طلاق رجعي، أو والقِنُّ في ملكه (طَلَقت) الزوجة (وعَتَق) القِنُّ؛ لأن عقد الصفة ووجودَها وُجِدا في النكاح والملك، فوقع الطلاق والعتق، كما لو لم تتخلَّله بينونة ولا بيع، لا يقال: الصفة انحلَّت بفعلها حال البينونة، أو زوال الملك ضرورة أنّ "إنْ" لا تقتضي التكرار؛ لأنها إنما تنحلُّ على وجه يحنث به؛ لأن اليمين حَلٌّ وعَقْدٌ، والعقد يفتقر إلى المِلك، فكذا الحَل، والحِنث لا يحصل بفعل الصفة حال البينونة، ولا تنحلُّ اليمين به. فإن قيل: لو طَلَقت بذلك لوقع الطلاق بشرط سابق على النكاح، ولا خلاف أنه لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، فتزوَّجها ثم دخلت، لم تطلق. قيل: الفرق أن النكاح الثاني مبنيٌّ على الأول في عدد الطلقات، وسقوط اعتبار العدة
(2)
.
(وكذا الحكم لو قال: إن بِنْتِ منِّي ثم تزوجتُكِ، فأنتِ طالقٌ، فبانتْ، ثم تزوَّجها) قاله في "الفروع".
(ويحرم الخُلع حيلة لإسقاط يمين طلاق، ولا يصح) أي: لا يقع. قال في "المغني": هذا يُفعل حيلةً على إبطال الطلاق المعلَّق، والحِيَل
(1)
في "ح": "الزوج".
(2)
"فيما إذا أبانها بدون الثلاث ثم أعادها في عدتها سقط اعتبارها". ش.
خداع لا تُحِلُّ ما حرَّمَ الله.
(قال الشيخ
(1)
): خُلع الحيلة لا يصح على الأصح (كما لا يصح نكاح المحلِّل) لأنه ليس المقصود منه الفرقة، وإنما يقصد منه بقاء المرأة مع زوجها، كما في نكاح المحلل، والعقد لا يُقصد به نقيض مقصوده.
(وقال) الشيخ
(2)
: (لو اعتقد البينونة بذلك) أي: بخُلْع الحيلة (ثم فعل ما حَلَف عليه، فكطلاق أجنبيَّة) أي: فكما
(3)
قال لمن ظَنَّها أجنبية: أنت طالق، فبانت امرأته (فتَبِينُ امرأته، على ما يأتي في آخر باب الشك في الطلاق.
(ولو خالع) حيلة (وفعل المحلوفَ عليه بعد الخُلْع) حيلة (معتقدًا أن الفعل بعد الخُلْع، لم تتناوله يمينه) لانحلالها (أو فعل المحلوفَ عليه معتقدًا زوال النكاح، ولم يكن) الأمر (كذلك) لعدم صحة الخُلْع حيلة (فهو كما لو حَلَف على شيءٍ يظنُّه، فبان بخلاف ظنِّه) فيحنث في طلاق وعتاق.
قال في "التنقيح": وغالب الناس واقع في ذلك، أي: في الخُلْع، لإسقاط يمين الطلاق.
قلت: ويُشبهه من يخلع الأخت، ثم يتزوج أختها، ثم يخلع الثانية، ويعيد الأولى، وهلم جرًّا. وهو داخل في قول الشيخ: خُلْع الحيلة لا يصح. وقولهم: والحِيل كلها غير جائزة في شيء من أمور الدين.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 359.
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (33/ 242)، الاختيارات الفقهية ص/ 369، والفروع (5/ 362).
(3)
في "ح" و"ذ": "فكما لو".
(ولو أشهد) إنسان (على نفسه بـ) ـــوقوع (طلاقِ ثلاثٍ) ليمين صدرت منه (ثم استفتى) عن يمينه (فأُفتي بأنه لا شيء عليه، لم يؤاخذ بإقراره؛ لمعرفة مستنده) في إقراره، وهو اليمين السابقة (ويقبل) قوله بـ (ــيمينه أنَّ مستنده في إقراره ذلك) أي: ما صَدَرَ منه من اليمين، واعتقاده الحنث عملًا بدلالة الحال، إذا كان (ممن يجهلُه مثلُه. انتهى) كلام الشيخ، (ويأتي في) باب (صريح الطلاق).
كتاب الطلاق
كتاب الطلاق
وأجمعوا
(1)
على جوازه؛ لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(2)
وقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(3)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطَّلاقُ لمن أخَذَ بالسَّاق"
(4)
والمعنى يدلُّ عليه؛ لأن الحال ربما فَسَد بين الزوجين، فيؤدِّي إلى ضررٍ عظيم، فبقاؤه إذًا مفسدةٌ مَحضةٌ، فَشُرع ما يُزيل النكاح؛ لتزولَ المفسدةُ الحاصلةُ منه.
(وهو) أي: الطلاق مصدرُ طَلُقت المرأة -بفتح اللام وضَمّها- أي: بانت من زوجها، فهي طالق، وطلَّقها زوجها، فهي مُطلَّقة، وأصلهُ: التخليةُ. يقال: طَلَقت الناقة: إذا سُرِّحت حيث شاءت، وحُبس فلان في السجن طَلْقًا: بغير قيد.
وشرعًا: (حَلُّ قَيْدِ النكاح أو بعضِه) أي: بعض قَيْدِ النكاح، إذا طَلَّقها طلقة رجعية.
(ويُباح) الطلاق (عند الحاجة إليه لسوء خُلُقِ المرأة، أو لسوء عشرتها، وكذا) يُباح (للتضرُّر بها من غير حصول الغرض بها) فَيُباح له دفع الضرر عن نفسه.
(ويُكره) الطلاق (من غير حاجة) إليه؛ لحديث ابن عمر: "أبغضُ
(1)
مراتب الإجماع ص/ 127، والتمهيد 15/ 57.
(2)
سورة البقرة، الآية:229.
(3)
سورة الطلاق، الآية:1.
(4)
تقدم تخريجه (11/ 391) تعليق رقم (1).
الحلال إلى الله الطّلاقُ" رواه أبو داود وابن ماجه
(1)
. قال في "المبدع": ورجاله ثقات.
(ومنه) أي: الطلاق (محرَّم، كَفِي الحيض ونحوه) كالنفاس وطهرٍ وَطئَ فيه؛ لما يأتي. (ومنه) أي: الطلاق (واجبٌ، كطلاقِ المُؤْلي بعد التربُّص) أربعة أشهر من حَلِفه (إذا لم يفئْ) أي: يطأ
(2)
، لما يأتي في بابه.
(1)
أبو داود في الطلاق، باب 3، حديث 2178، وابن ماجه في الطلاق، باب 1، حديث 2018، وأخرجه -أيضًا- أبو أمية الطرسوسي في مسند ابن عمر رضي الله عنهما ص/ 24، حديث 14 - 15، وابن حبان في المجروحين (2/ 64)، وابن عدي (4/ 1630، 6/ 2453)، والجصاص في أحكام القرآن (3/ 47)، والحاكم (2/ 214)، وتمام في فوائده (1/ 21) حديث 26، والبيهقي (7/ 322)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 149) حديث 1056، عن محارب، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وقال الذهبي: على شرط مسلم. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 218): وإسناد أبي داود صحيح لا جرم، صححه الحاكم. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 79 مع الفيض) ورمز لصحته.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح.
وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الطلاق، باب 3، حديث 2177، وابن أبي شيبة (5/ 253)، والبيهقي (7/ 322)، عن محارب، مرسلًا. ورجَّحه أبو حاتم -كما في العلل لابنه (1/ 431) حديث 1297 - . وقال الدارقطني في العلل (4/ ق 51/ أ): والمرسل أشبه. وأيده ابن عبدالهادي في المحرر ص/ 370. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 92): والمشهور فيه المرسل، وهو غريب. وقال البيهقي: وفي رواية ابن أبي شيبة -يعني محمد بن عثمان- عن عبدالله بن عمر، موصولًا، ولا أراه حفظه. انظر: البدر المنير (8/ 65)، ونصب الراية (3/ 235)، والتلخيص الحبير (3/ 205)، وفيض القدير (1/ 79).
(2)
في "ح": "أي لم يطأ".
(ويُستحبُّ) الطلاق (لتفريطها) أي: الزوجة (في حقوق الله
الواجبة، مثلَ الصلاة ونحوها، ولا يمكنه إجبارها عليها) أي: على حقوق الله.
(و) يُستحبُّ الطلاق -أيضًا- (في الحال التي تُحوج
(1)
المرأة إلى المخالعة
(2)
، من شقاق وغيره؛ ليزيل الضرر، ولكونها غير عفيفة) قال أحمد
(3)
: لا ينبغي له إمساكها، وذلك لأنَّ فيه نقصًا لدينه، ولا يأمن إفسادَها فراشَهُ، وإلحاقَها به ولدًا من غيره.
(و) يُستحبُّ الطلاق -أيضًا- (لتضرُّرها بـ) ــبقاء (النكاح) لبُغضه أو غيره.
(وعنه) أي: عن أحمد
(4)
(يجب) الطلاق (لتركها عِفَّةً، ولتفريطها في حقوق الله تعالى.
قال الشيخ
(5)
: إذا كانت تزني، لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال، بل يفارقها، وإلا؛ كان دَيُّوثًا. انتهى) وَوَرَدَ لَعْنُ الديوث
(6)
،
(1)
في متن الإقناع (3/ 457): "تخرج".
(2)
في متن الإقناع (3/ 457): "المخالفة".
(3)
المغني (10/ 324).
(4)
الكافي (4/ 426)، والفروع (5/ 363)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (22/ 132).
(5)
مجموع الفتاوى (32/ 141)، والاختيارات الفقهية ص/ 310.
(6)
لم نقف على من رواه مسندًا بلفظ: "لعن الديوث". وقد أخرج النسائي في الزكاة، باب 69، حديث 2561، وأحمد (2/ 134)، والبزار (12/ 269 - 270) حديث 6050 - 6051، وأبو يعلى (9/ 408) حديث 5556، والطبراني في الكبير (12/ 233) حديث 13180، والحاكم (1/ 72)، والبيهقي (10/ 226)، وفي شعب الإيمان (6/ 167، 192) حديث 7803، 7877، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، بلفظ: ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقّ بوالديه، والديوث، ورَجلة النساء. =
واللعنُ من علامات الكبيرة، على ما يأتي، فلهذا وجب الفراقُ، وحرمتِ العِشرة.
(ولا بأس بعَضْلها في هذه الحال، والتضييق عليها، لتفتدي منه) لقوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيتُمُوهُنَّ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
(1)
.
(والزنى لا يفسخ نكاحها) أي: الزانية، لكن يستبرئها إذا أمسكها بالعِدَّة (وتقدم في باب المُحَرَّمات في النكاح
(2)
.
وإذا ترك الزوج حقًّا لله) تعالى (فالمرأة في ذلك مِثْلُه، فـ) ــيُستحبُّ لها أن (تختلع) منه؛ لتركه حقوق الله.
(ولا يجب الطلاق إذا أمره به أبوه) فلا يلزمه طاعته في الطلاق؛ لأنه أمره بما لا يوافق الشرع.
(وإن أمرته به) أي: الطلاق (أُمُّه، فقال) الإمام (أحمد
(3)
: لا يعجبني طلاقه) لعموم حديث: "أبغضُ الحلال إلى الله
= ولفظ النسائي، والبزار في رواية: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث. وجمع الإمام أحمد بين اللفظين، فقال: ثلاث لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث.
وصحح إسناده الحاكم، والذهبي في الكبائر ص/ 251 طبع مكتبة الفرقان، وجوده المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 297).
وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (2/ 859) حديث 575، والحاكم -كما في إتحاف المهرة (8/ 343) حديث 19520 - ، والضياء في المختارة (1/ 307) حديث 198، من حديث عمر رضي الله عنه. ورجح الحاكم حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(1)
سورة النساء، الآية:19.
(2)
(11/ 349).
(3)
مسائل الكوسج (4/ 1729) رقم 1104.
الطَّلاقُ"
(1)
.
(وكذا إذا أمرته) أُمُّه (ببيع سُرِّيَّته) لم يلزمه بيعها (وليس لها) أي: الأم (ذلك) أي: أمرُهُ ببيع سُرِّيَّته، ولا طلاق امرأته؛ لما فيه من إدخال الضرر عليه.
(ويصح) الطلاق (من زوج
(2)
عاقل مختار، ولو مميَّزًا، يعقله) أي: الطلاق (ولو) كان المميز (دون عشر) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطلاق لمن أخذ بالسّاق"
(3)
، وقوله:"كلُّ الطلاق جائزٌ، إلا طلاقَ المعتوه، والمغلوب على عقله"
(4)
، وعن علي: "اكتُموا الصبيانَ
(1)
تقدم تخريجه (12/ 178)، تعليق رقم (1).
(2)
في "ح": "زوج مكلف".
(3)
تقدم تخريجه (11/ 391) تعليق رقم (1).
(4)
أخرجه الترمذي في الطلاق، باب 15، حديث 1191، وابن الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 294) حديث 1712، وفي العلل المتناهية (2/ 156) حديث 1069، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث. وقال ابن حزم في المحلى (8/ 333، 10/ 203): عطاء بن عجلان مذكور بالكذب.
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: قال يحيى: عطاء بن عجلان ليس بشيء، كذاب، كان يوضع له الحديث فيحدث به، وقال الرازي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة الاعتبار.
وقال الحافظ في الفتح (9/ 393): هو من رواية عطاء بن عجلان، وهو ضعيف جدًّا.
وقال في الدراية (2/ 69): في إسناده عطاء بن عجلان، وهو متروك.
وأخرجه ابن عدي (5/ 2003)، في ترجمة عطاء بن عجلان، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورواه البخاري في الطلاق، باب 11، قبل حديث 5269، معلقًا بصيغة الجزم، ووصله عبدالرزاق (6/ 409، 7/ 78) رقم 11414 - 11415، 12276 - 12277، =
النكاحَ"
(1)
، فيفهم منه أنَّ فائدته ألّا يطلقوا؛ ولأنه طلاقٌ من عاقلٍ صادفَ محلَّ الطلاق، فوقع، كطلاق البالغ.
ومعنى كون المميز يعقل الطلاق: أن (يعلم) المميز (أنَّ زوجته تبِينُ منه، وتحرم عليه) إذا طَلَّقها.
(ويصح توكيله) أي: المميز في الطلاق (و) يصح -أيضًا- (توكُّله فيه) لأن من صحَّ منه مباشرة شيءٍ؛ صح أن يوكِّل وأن يتوكَّل فيه.
(ويصح) الطلاق (من كتابيٍّ) ومجوسيٍّ وغيرهما من الكفار، وتقدم في أنكحة الكفار
(2)
.
(و) يصح الطلاق -أيضًا- من (سفيه) ولو بغير إذن وليِّه، ومن عبدٍ ولو بغير إذن سيده؛ لأنه لا يتعلق بالمال مقصودُهُ.
(و) يصح الطلاق -أيضًا- مِنْ (مَنْ لم تبلغه الدعوة) كسائر تصرفاته. قال في "المبدع": من لم تبلغه الدعوة، فهو غير مكلَّف، ويقع طلاقه؛ ذكره في "الانتصار"، و"عيون المسائل"، و"المفردات".
= وسعيد بن منصور (1/ 268) رقم 1113 - 1115، وابن أبي شيبة (5/ 31)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 449) رقم (764 - 766)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 244 - 245)، والبيهقي (7/ 359)، عن علي رضي الله عنه، موقوفًا. وصحح إسناده إلى علي رضي الله عنه: ابن حجر في تغليق التعليق (4/ 459)، وفي الدراية (2/ 69).
وأخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (11/ 76) رقم 14819، عن عثمان رضي الله عنه، موقوفًا، بنحوه.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 35).
وأخرجه الشافعي في الأم (7/ 173)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (11/ 77) رقم 14822، وزادا: فإن كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه.
(2)
(11/ 419).
(و) يصح الطلاق -أيضًا- من (أخرسَ تُفهَمُ إشارته، ويأتي في باب صريح الطلاق وكنايته) مفصلًا.
(وطلاقُ مرتدٍّ) بعد الدخول (موقوف، فإن) أسلم في العدة؛ تبيَّنَّا وقوعه، وإن (عُجِّلتِ الفرقة) بأن لم يُسلِم حنى انقضت العدة، أو ارتدَّ قبل الدخول (فـ) ــطلاقه (باطل) لانفساخ النكاح قبله باختلاف الدين (وتزويجه) أي: المرتد ذكرًا كان أو أنثى (باطل) وتقدم في النكاح
(1)
.
(و
تُعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه)
أي: ألّا يقصد بلفظ الطلاق غيرَ المعنى الذي وُضع له (فلا طلاق) واقعٌ (لفقيه يكرِّره، و) لا لـ (ـــحاكٍ عن نفسه أو غيره) لأنه لم يقصد معناه، بل التعليم، أو الحكاية.
(و
لا) طلاق (لمن زال عقله بسبب يُعْذَر فيه،
كالمجنون، والنائم، والمُغْمى عليه، والمُبرسَم، ومن به نشافٌ) لقوله صلى الله عليه وسلم:"رُفعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن الصَّبيِّ حتى يحتلم، وعن النَّائم حتى يَستيقظ، وعن المجنون حتى يُفيقَ"
(2)
؛ ولأن الطلاق قولٌ يُزِيلُ الملك، فاعتُبرَ له العقل، كالبيع، ولو زال عقله بضربه نفسه.
(ولا) طلاق (لمن أُكره على شرب مُسكر) فَشَربه، وطلَّق في سُكره (أو شَرِبَ ما يُزيل عقلَه، ولم يعلم أنه يُزيل العقل، أو أكل بَنْجًا ونحوه، ولو لغير حاجة) لأنه لا لذة فيه، وفرَّق الإمام أحمد
(3)
بينه وبين السكران، فألحقه بالمجنون.
(فإن ذَكر المجنونُ والمُغمى عليه بعد إفاقتهما أنهما طلَّقا؛ وقع)
(1)
(11/ 350 - 353).
(2)
تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 - 3).
(3)
المحرر (2/ 50)، ومجموع الفتاوى (33/ 104)، والإنصاف (22/ 148).
الطلاق (نصًّا
(1)
) لأنه إذا ذكر الطلاق وعلم به؛ دَلَّ ذلك على أنه كان عاقلًا حال صدوره منه، فلزمه. قال الموفق: وهذا -والله أعلم- في من جنونه بذهاب معرفته بالكلية، وبطلان حواسِّه، فأما من كان جنونه لنشافٍ أو كان مُبرسَمًا؛ فإنَّ ذلك يُسْقِط حكمَ تصرُّفه، مع أنَّ معرفته غير ذاهبة بالكلية، فلا يضرُّه ذِكْره للطلاق إن شاء الله تعالى.
(ويقع طلاق مَن زال عقلُهُ بسُكْرٍ ونحوه) كمن شرب ما يُزيل العقل عالمًا به (محرَّم) بأن يكون مختارًا عالمًا به (ولو خلط في كلامه وقراءته، أو سقط تمييزه بين الأعيان؛ فلا يَعرف متاعه من متاع غيره، أو لم يعرف السماء من الأرض، ولا الذَّكر من الأنثى.
ويؤاخذ) السكران ونحوه (بأقواله وأفعاله، وكلِّ فعل يُعتبر له العقل؛ من: قتل، وقذف، وزنًى، وسرقة، وظِهار، وإيلاء، وبيع، وشراء، ورِدَّةٍ، وإسلامٍ، ونحوه) كوقف، وعارية، وغصب، وقبض أمانة؛ لأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحدِّ بالقذف
(2)
؛ ولأنه فرَّط
(1)
المغني (10/ 346)، والفروع (5/ 364).
(2)
أخرج الطحاوي (3/ 153 - 154)، والدارقطني (3/ 157)، والحاكم (4/ 375)، والبيهقي (8/ 320)، من حديث ابن وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه فأتيته ومعه عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم وهم معه متكئون في المسجد. فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه، فقال عمر رضي الله عنه: هم هولاء عندك فاسألهم. فقال علي رضي الله عنه: نراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون. قال: فقال عمر رضي الله عنه: أبلغ صاحبك ما قال.
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 842)، والشافعي في مسنده (ترتيبه (2/ 90)، عن ثور بن زيد الديلي مختصرًا.
وانظر: التلخيص الحبير (4/ 75).
بإزالة عقله فيما يُدْخِلُ فيه ضررًا على غيره، فأُلزم حكمَ تفريطه، عقوبة له. وعنه
(1)
: أنه فيما يستقلُّ به، مثل عتقه وقتله وغيرهما؛ كالصاحي، وفيما لا يستقلُّ به، مثل بيعه ونكاحه ومعاوضاته؛ كالمجنون، قال في "المحرر": حكاها ابن حامد.
(قال جماعة من الأصحاب: لا تصح عبادة السَّكران
(2)
أربعين يومًا) للخبر
(3)
(حتى يتوب. وقاله الشيخ
(4)
. والحشيشة الخبيثة كالبَنْجِ)
(1)
المحرر (2/ 50)، والمغني (10/ 348).
(2)
في "ح" زيادة: "وقال أحمد لا تقبل صلاته" شرحًا.
(3)
أخرج النسائي في الأشربة، باب 45، حديث 5686، وفي الكبرى (3/ 230) حديث 5180، وابن ماجه في الأشربة، باب 4، حديث 3377، وأحمد (2/ 176، 189، 197)، والدارمي في الأشربة، باب 3، حديث 2091، والبزار "كشف الأستار"(3/ 357) حديث 2936، وابن خزيمة (2/ 68) حديث 939، وابن حبان "الإحسان"(12/ 180) حديث 5357، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 304) حديث 533، والحاكم (1/ 257 - 258، 4/ 145 - 146)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 8) حديث 5581، والخطيب في الرحلة في طلب الحديث ص/ 134 - 135، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر وسكر؛ لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، وإن مات دخل النار، فإن تاب، تاب الله عليه، وإن عاد فشرب، فسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن مات دخل النار، فإن تاب، تاب الله عليه، وإن عاد فشرب، فسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن مات دخل النار، فإن تاب، تاب الله عليه، وإن عاد كان حقًّا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة، قالوا: يا رسول الله، وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار" هذا لفظ ابن ماجه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 69): رجال أحمد رجال الصحيح، خلا نافع بن عاصم، وهو ثقة.
(4)
مجموع الفتاوى (34/ 206).
قدّمه الزركشي (والشيخ
(1)
يرى أن) الحشيشة الخبيثة (حكمها حكم الشراب المُسْكِر، حتى في إيجاب الحدِّ) ويُفَرّق بينهما وبين البَنْجِ بأنها تُشْتَهى وتُطلب، فهي كالخمر، بخلاف البَنْج، فالحكم عنده منوط باشتهاء النفس وطلبها، وجزم في "المنتهى" و "شرحه" بما قاله الشيخ من حيث وقوع الطلاق.
(والغضبان مكلَّفٌ في حال غضبه بما يصدر منه من كُفْرٍ، وقَتْلِ نفسٍ، وأخذ مالٍ بغير حق، وطلاق، وغير ذلك.
قال ابن رجب في "شرح) الأربعين (النواوية"
(2)
: ما يقع من الغضبان من طلاق، وعتاق، أو يمين؛ فإنه يؤاخذ به) وفي نسخة: بذلك (كلِّه بغير خلاف. واستدلَّ لذلك بأدلَّة صحيحة) منها: حديث خُوَيلة
(3)
بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت الآتي في الظهار، وفيه: غَضِبَ زوجُها فظاهر منها، فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك وقالت: إنه لم يُرِدِ الطَّلاقَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أراكِ إلا حَرُمتِ عليه" خرَّجه ابن أبي حاتِمٍ، وذكر القصة بطولها
(4)
، وفي آخرها قال: فحوَّل الله الطلاقَ، فجعله ظِهارًا.
(1)
مجموع الفتاوى (34/ 198 - 214).
(2)
جامع العلوم والحكم (1/ 375).
(3)
"خُوَيلة" بالتصغير، هذا أحد الأقوال في اسمها، والمشهور في اسمها "خَوْلة".
انظر: الإصابة (12/ 231).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره -كما في تفسير ابن كثير (4/ 320) -، وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبّة في تاريخ المدينة (2/ 392)، والطبري في تفسيره (28/ 1 - 2)، والبيهقي (7/ 384)، عن أبي العالية الرياحي. وقال: هذا مرسل، لكن له شواهد. وضعفه ابن التركماني في الجوهر النقي.
انظر ما يأتي في الظهار (12/ 468)، تعليق رقم (4).
ومنها: ما رُوي عن ابن عباس
(1)
وعائشة
(2)
وغيرهما في ذلك، وأطال، وذلك في شرح الحديث السادس عشر من الأحاديث المذكورة (وأنكر على من يقول بخلاف ذلك) لأنه مكلَّف، على ما دلَّت عليه الأخبار، لكن إن غضب حتى أُغمي أو أُغشي عليه؛ لم يقع طلاقه في تلك الحال؛ لزوال عقله، أشبه المجنون (ويأتي في الإيلاء).
فصل
(ومن أُكره على الطلاق ظُلمًا بما يؤلمُهُ، كالضرب، والخنق، وعصر الساق، والحبس، والغطِّ في الماء مع الوعيد، فَطَلَّق) تبعًا لقول مُكرِهه، (لم يقع) طلاقه؛ رواه سعيد وأبو عبيد عن
(1)
أخرج أبو داود في الطلاق، باب 9، رقم 2197، وعبدالرزاق (6/ 397) رقم 11352، والطبري في تفسيره (28/ 129)، والطحاوي (3/ 58)، والطبراني في الكبير (11/ 88 - 89) رقم 11139، والدارقطني (4/ 13، 58 - 61)، والبيهقي (7/ 331)، عن مجاهد قال: جاء رجلٌ من قريش إلى ابن عباس، فقال: يا أبا عباس، إني طلَّقت امرأتي ثلاثًا، وأنا غضبان، فقال: إنَّ أبا عباس لا يستطيع أن يحل لك ما حرم عليك، عصيت ربك، وحرمت عليك امرأتك، إنك لم تتق الله فيجعل لك مخرجًا، ثم قرأ: إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن، طاهرًا من غير جماع. لفظ الدارقطني.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 375 - 376): إسناده على شرط مسلم. وانظر: ما يأتي (12/ 202)، تعليق رقم (3).
(2)
أخرج البيهقي (10/ 48 - 49)، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل ومُزَاحة الحديث الذي لا يعقد عليه القلب، وإنما الكفارة في كل يمين حلفتها على جد من الأمر في غضب أو غيره لتفعلن أو لتتركن، فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفَّارة. وصحَّح إسناده ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 376).
عثمان
(1)
. وهو قول جماعة من الصحابة
(2)
.
قال ابن عباس في من يُلزِمه
(3)
اللصوص فطلَّق: ليس بشيء؛ ذكره البخاري
(4)
.
(1)
لم نقف على من رواه عن عثمان رضي الله عنه.
(2)
منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (1/ 271) رقم 1128 - 1129، وابن أبي شيبة (5/ 49)، وابن حزم في المحلى (10/ 202)، والبيهقي (7/ 357)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 293) رقم 1710.
وصححه ابن القيم في زاد المعاد (5/ 208).
2 -
ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه عبدالرزاق (6/ 409) رقم 11414، وابن أبي شيبة (5/ 48)، والبيهقي (7/ 357).
3 -
ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما: ذكر البخاري في النكاح، باب 11، قبل حديث 5269: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز. وأخرجه عبدالرزاق (6/ 407) رقم 11408، وسعيد بن منصور (1/ 275) رقم 1143، وابن أبي شيبة (5/ 48)، والبيهقي (7/ 358) موصولًا بنحوه.
وصحح إسناده الحافظ في الفتح (12/ 314).
4 -
ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مالك في الموطأ (2/ 587)،
وعبدالرزاق (6/ 209) رقم 11412 - 11413، وابن أبي شيبة (5/ 48)، والبيهقي (7/ 358).
5 -
ومنهم ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه مالك في الموطأ (2/ 587)، وعبدالرزاق (6/ 407 - 408) رقم 11409 - 11410، وابن أبي شيبة (5/ 48)، والبيهقي (7/ 358).
(3)
"يلزمه" كذا في الأصول ومطالب أولي النهى (5/ 325)، وفي صحيح البخاري والمبدع (7/ 254):"يُكْرِهن".
(4)
في الإكراه، قبل حديث 6940، ولفظه:"فيمن يكرهه. قال الحافظ في الفتح (12/ 314): وصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمة: "أنه سئل عن رجل أكرهه اللصوص. . .". ولم نقف عليه في مظانه من مصنفه المطبوع وانظر سنن البيهقي (7/ 358).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله وضع عن أمَّتي الخطأ والنسيانَ، وما استُكرهوا عليه" رواه ابن ماجه والدارقطني
(1)
. قال عبدالحق: إسناده متصل صحيح.
وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طلاقَ ولا عَتاقَ في غِلاقٍ"، رواه أبو داود -وهذا لفظه- وأحمد وابن ماجه
(2)
ولفظهما: "في إغلاق". قال المنذري
(3)
: هو المحفوظ. والإغلاق:
(1)
تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).
(2)
أبو داود في الطلاق، باب 8، حديث 2193، وأحمد (6/ 276)؛ وابن ماجه في الطلاق، باب 16، حديث 2046. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (1/ 171)، وابن أبي شيبة (5/ 49)، وأبو يعلى (7/ 421، 8/ 52) حديث 4444، 4570، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 126) حديث 655، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 287) حديث 500، والدارقطني (4/ 36)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 357)، كلهم من طريق ثور بن يزيد الكلاعي، عن محمد بن عبيد بن أبي صالح المكي، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها به. كلهم بلفظ: "إغلاق" إلا أبا داود فبلفظ: "غِلاق" كما قال المؤلف. وفي بعض نسخ سنن أبي داود: "إغلاق". انظر: فتح الباري (9/ 389).
واختلفت أقوال أهل العلم في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه.
فقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وتعقبه الذهبي فقال: كذا قال! ومحمد بن عبيد لم يحتج به مسلم، وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 118): في إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح المكي، وهو ضعيف.
قلنا: توبع محمد بن عبيد على روايته هذه، فأخرجه الدارقطني (4/ 36)، والبيهقي (7/ 357)، من طريق قزعة بن سويد، عن زكريا بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، عن صفية بنت شيبة، به.
لكن قزعة بن سويد قال فيه الحافظ في التقريب (5581): ضعيف.
وبمجموع هذين الطريقين حسنه الشيخ الألباني في الإرواء (7/ 114).
(3)
مختصر سنن أبي داود (3/ 118). وتكملة كلامه: "وقيل: الإغلاق هاهنا: الغضب =
الإكراه؛ لأن المكرَه مُغلَقٌ عليه في أمره، مُضيَّقٌ عليه في تصرُّفه، كما يُغلق الباب على الإنسان. وخرج بقوله:"ظلمًا"، ما لو أُكره بحقٍّ، كإكراه الحاكم المؤليَ على الطلاق بعد التربُّص إذا لم يفئ، وإكراه الحاكم رجلين زوَّجهما وليَّان ولم يُعلَمِ السابقُ منهما؛ لأنه قولٌ حُمل عليه بحقٍّ، فصح، كإسلام المرتد.
وقوله: "مع الوعيد" تَبعَ فيه الشارح وغيره. أي أنَّ الضربَ وما عُطفَ عليه، إنما يكون إكراهًا مع الوعيد؛ لأن الإكراه إنما يتحقق بالوعيد. فأما الماضي من العقوبة؛ فلا يندفع بفعل ما أُكره عليه، وإنما يُباح الفعل المكرَه عليه دفعًا لما يتوعَّد به من العقوبة فيما بعد. وظاهر "التنقيح" و"المنتهى" وغيرهما: أنَّ الوعيد ليس بشرط مع العقوبة.
(وفِعْلُ ذلك) أي: الضرب والخنق ونحوه مما تقدَّم (بولده) أي: المُطلِّق (إكراهٌ لوالده) فلا يقع طلاقه على ما تقدم، بخلاف باقي أقاربه.
(وإن هدَّده قادر) على إيقاع ما هدَّده به (بما يضرُّه ضررًا كثيرًا، كقتلٍ، وقطع طَرَفٍ، وضربٍ شديد، وحبسٍ وقيدٍ طويلين، وأخذِ مالٍ كثير، وإخراجٍ من ديار ونحوه، أو) هدَّده (بتعذيب ولده) بشيءٍ مما تقدم، أو بقتله، أو قَطْعِ طرفه.
وقوله: (بسلطان، أو تَغَلُّبٍ، كَلِصٍّ، ونحوه) كقاطع طريق -متعلق بـ "قادر"- (يغلب على ظنِّه) أي: المُطلِّق (وقوع ما هدَّده به، و) يغلب على ظنِّه (عجزُهُ عن دفعه، و) عن (الهرب منه، و) عن (الاختفاء؛ فهو) أي: التهديد بشروطه (إكراه) فلا يقع الطلاق معه
= كما ذكره أبو داود. وقيل: معناه: النهي عن إيقاع الطلاق الثلاث كله في دفعة واحدة، حتى لا يبقى منه شيء، ولكن ليطلق للسنة كما أمر.
بشرطه؛ لما تقدم.
لا يقال: لو كان الوعيد إكراهًا لكُنَّا مكرَهين على العبادات؛ فلا ثواب؛ لأن أصحابنا قالوا: يجوز أنَّا مكرَهون عليها والثواب بفضله، لا مستحقًّا عليه عندنا، ثم العبادات تُفعل للرغبة؛ ذكره في "الانتصار".
(فإن كان الضرب) الذي هُدِّد به (يسيرًا في حقِّ من لا يُبالي به؛ فليس بإكراه) لأنه ضرر يسير.
(و) إن كان الضرب يسيرًا (في ذوي المروءات، على وجهٍ يكون إخراقًا لصاحبه، وغَضًّا له وشهرة، فهو كالضَّرب الكثير؛ قاله الموفَّق والشارح) قال القاضي: الإكراه يختلف. قال ابن عقيل: وهو قول حسن.
(ولو سُحِرَ ليُطلِّق؛ كان إكراهًا؛ قاله الشيخ
(1)
) قال في "الإنصاف": وهو أعظم الإكراهات (وقال) الشيخ:
(2)
(إذا بلغ السحرُ
(3)
إلى ألا يعلم ما يقول؛ لم يقع به الطلاق. انتهى) لأنه لا قصد له إذًا.
(ولا يكون السَّبُّ، و) لا (الشَّتْم، و) لا (الإخراق) أي: الإهانة (وأخذ المال اليسير إكراهًا) لأن ضرره يسير.
(وينبغي لمن أُكره على الطلاق، وطلَّق؛ أن يتأوَّل
(4)
، فينوي بقلبه غيرَ امرأته، ونحوَ ذلك) كأن ينوي بطالقٍ: من عمل، وبثلاثٍ: ثلاثةَ أيام، خروجًا من خلاف من أوقع طلاق المُكره؛ إذا لم يتأوَّل (ويأتي) بيان صور التأويل (في باب التأويل في الحلف.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 366.
(2)
مختصر الفتاوى ص/ 544.
(3)
في "ذ": "بلغ به السحر".
(4)
في "ذ": "يتأوله".
ويُقبل قوله) أي: المُكره (في نيَّته) أي: في ما نواه؛ لأنها لا تُعلم إلا من قِبَلِهِ، وهو أدرى بها، ولقيام القرينة.
(فإن تَرك التأويلَ بلا عُذر) لم يقع طلاقه (أو أُكره على طلاقِ مُبهمةٍ) بأن أُكره ليطلِّق واحدة من نسائه (فطلَّق) واحدة (معيَّنة؛ لم يقع) طلاقه؛ لأن المبهمة التي أُكره على طلاقها تتحقق في المعيَّنة، فلا قرينة تدلُّ على اختياره.
(ولو قصد إيقاعَ الطلاق دون دفع الإكراه) وقع
(1)
؛ لأنه قَصَدَه واختاره.
(أو أُكره على طلاق امرأةٍ، فطلَّق غيرها) وقع؛ لأنه لم يُكرَه على طلاقها (أو) أُكره (على) أن يطلّق (طلقة، فطلَّق ثلاثًا، وقع) لأنه غير مُكرَه على الثلاث.
قلت: وظاهره أنه لو أُكره على أن يُطَلِّق، فطلَّق ثلاثًا، لم تقع إن لم يقصد الإيقاع، دون دفع الإكراه.
(وإن طلَّق مَنْ أُكره على طلاقها، وغيرها؛ وقع طلاق غيرها) لأنه ليس مكرهًا عليه (دونها) أي: دون طلاق المُكرَه على طلاقها؛ فلا يقع؛ لما تقدم.
(والإكراه على العتق واليمين ونحوهما) كالظِّهار (كالإكراه على الطلاق) فلا يؤاخذ بشيء من ذلك في حالٍ لا يقع الطلاق فيها على المُكره على الطلاق.
(ويقع الطلاق في النكاح المُختلَفِ في صحَّته، كالنكاح بولاية
(1)
في "ذ": "وقع الطلاق".
فاسق، أو) النكاح (بشهادة فاسقين، أو نكاح
(1)
الأخت في عِدَّة أختها) البائن (أو نكاح الشِّغار، أو) نكاح (المحلِّل، أو بلا شهود، أو بلا وليٍّ، وما أشبه ذلك) كنكاح الزانية في عِدَّتها، أو قبل توبتها، ونِكاح المُحْرِم، ولو لم يرَ المطلِّق الصحة، نصَّ على وقوعه أحمد
(2)
(كَبَعْدِ حُكْم) الحاكم (بصحته) إذا كان يراها. والحاكم إنما يكشِف خافيًا، أو ينفِّذ واقعًا؛ لأن الطلاق إزالة ملكٍ بُني على التغليب والسراية، فجاز أن ينفذ في العقد الفاسد؛ إذا لم يكن في نفوذه إسقاط حق الغير، كالعتق ينفذ في الكتابة الفاسدة بالأداء، كما ينفذ في الصحيحة. ونقل ابن القاسم: قد قام مقام الصحيح في أحكامه كلها.
(ويكون) الطلاق في النكاح الفاسد (بائنًا) فلا يستحق عوضًا سُئل عليه (ما لم يُحكم بصحته) فيكون كالصحيح المتفق عليه.
(ويجوز) الطلاق في النكاح المختلَفِ فيه (في حيض، ولا يكون) طلاق (بدعة) لأن استدامة هذا النكاح غير جائزة.
(ويثبت فيه) أي: النكاح المختلَف في صحته (النَّسبُ) إن أتت بولد (والعِدَّة) إن دخل أو خلا بها (والمهر) المُسَمَّى إن دخل بها؛ كالصحيح، ويسقط -أيضًا- به الحدُّ، ولا يستحق عوضًا سُئل عليه، ولا يصح الخُلْع، لخلوِّه عن العوض، وتقدم
(3)
.
(و
لا يقع) الطلاق (في نكاح باطل؛ إجماعًا)
كنكاح خامسة، وأخت على أختها (ولا) يقع الطلاق (في نكاح فضوليٍّ قبل إجازته، وإن
(1)
في "ذ": "بنكاح".
(2)
مسائل صالح (2/ 338) رقم 975.
(3)
(12/ 147).
نفَّذناه بها) أي: بالإجازة.
ونقل حنبل
(1)
: إن تزوَّج عبد بلا إذن سيده، جاز طلاقه، وفُرِّق بينهما.
(ويقع عتقٌ في بيع فاسد) في ظاهر كلام أحمد
(2)
وتعليله.
فصل
(ومن صحَّ طلاقه، صحَّ توكيله) فيه (و) صح (توكُّله فيه) لأن من صح تصرُّفه في شيء بنفسه مما تجوز الوكالة فيه؛ صح توكيله وتوكُّله فيه؛ ولأن الطلاق إزالةُ ملك، فجاز التوكيل والتوكّل فيه، كالعِتق.
(وإن وكَّل) الزوج (المرأة فيه) أي: الطلاق (صحَّ) توكيلها، وطلاقها لنفسها؛ لأنه يصح توكيلها في طلاق غيرها، فكذا في طلاق نفسها.
(وللوكيل أن يُطلِّق متى شاء) لأن لفظ التوكيل يقتضي ذلك؛ لكونه توكيلًا مطلقًا، أشبه التوكيل في البيع (إلا أن يَحُدَّ) الموكِّل (له) أي: للوكيل (حدًّا) كأن يقول: طَلِّقْها اليوم، أو نحوه، فلا يملكه في غيره؛ لأنه إنما تثبت له الوكالة على حسب ما يقتضيه لفظ الموكل (أو يفسخ) الموكل الوكالة (أو يطأ) الموكّل الزوجة التي وُكِّل في طلاقها، فتنفسخ الوكالة؛ لدلالة الحال على ذلك.
(ولا يطلِّق) الوكيل المطْلَق (أكثر من واحدة) لأن الأمر المطْلَق يتناول أقلَّ ما يقع عليه الاسم (إلا أن يجعلَ) الموكل (إليه) أن يطلق أكثر
(1)
المحرر (2/ 50)، والفروع (5/ 370)، والمبدع (7/ 257).
(2)
مسائل صالح (2/ 338) رقم 975.
من واحدة (بلفظه، أو بنيَّته) لأنه نوى بكلامه ما يحتمله، ويُقبل قوله في نيته؛ لأنه أعلم بها (فلو وكَّله في ثلاث، فطلَّق واحدة) وقعت؛ لدخولها في ضمن المأذون فيه (أو وكله في) طَلْقةٍ (واحدة، فطلَّقَ ثلاثًا؛ طَلَقتْ واحدة، نصًّا
(1)
) لأنه المأذون فيها، دون ما زاد عليها، وهي في ضمن الثلاث، فتقع.
(وإن خيَّره) أي: خيَّر الموكِّلُ الوكيلَ، بأن قال له: طَلِّقْ ما شئت (من ثلاثٍ، مَلَكَ اثنين فأقلَّ) لأن لفظه يقتضي ذلك؛ لأن "من" للتبعيض، وكذا لو خيَّر زوجته.
(ولا يملكُ) الوكيل (بالإطلاق) أي: مع إطلاق الوكالة (تعليقًا) للطلاق على شرط؛ لأنه لم يؤذن له فيه لفظًا ولا عرفًا.
(وإن وكَّل) الزوج (اثنين فيه) أي: الطلاق (فليس لأحدهما الانفراد فيه) لأن الموكل إنما رضي بتصرفهما جميعًا (إلا بإذن الموكِّل) لأحدهما، أو لكل منهما بالانفراد؛ لأن الحق للموكل في ذلك.
(وإن وكَّلهما في ثلاث، فطلَّق أحدُهما) أي: أحد الوكيلين (أكثر من الآخر؛ وقع ما اجتمعا عليه) لأنه مأذون لهما فيه (فلو طلَّق أحدُهما واحدة، والآخرُ أكثر) كثلاث أو ثنتين (فواحدة) أو طَلَّق أحدهما ثنتين، والآخر ثلاثًا؛ وقع ثنتان.
(ويحرم على الوكيل الطلاق وقتَ بدعة) كالموكِّل (فإن فعل) أي: طلق الوكيل زمن بدعة (وقع) الطلاق (كالموكِّل) إذا طلق زمن بدعة.
(وتُقبل دعوي الزوج) بعد إيقاع الوكيل الطلاق (أنه) كان (رجع عن الوكالة قبل إيقاع الوكيل الطلاق) عند أصحابنا؛ قاله في "المحرر"
(1)
مسائل حرب ص 205.
وغيره، وقَدَّمه في "الفروع" (وعنه
(1)
) أي الإمام في رواية أبي الحارث: (لا تُقبل إلا ببيّنة) وجزم به في "الترغيب" والأزجي في عَزْلِ الموكَّل (واختاره
(2)
الشيخ وغيره.
وقال) الشيخ
(3)
: (وكذا دعوى عتقه ورَهْنه ونحوه. انتهى) وتقدَّم في الوكالة
(4)
.
(وإن قال لامرأته: طَلِّقي نفسك. فلها ذلك، كالوكيل، ويأتي) مفصَّلًا.
(وإن قال) لزوجته: (اختاري من ثلاث ما شئت؛ لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين) لأن "من" للتبعيض، كما مَرَّ في الوكيل.
(1)
الفروع (5/ 393 - 394) والإنصاف (22/ 164).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 370.
(3)
الفروع (5/ 394).
(4)
(8/ 429 - 430).
باب سُنَّة الطلاق وبدعته
طلاق السُّنَّة: ما أذن الشارع فيه، والبدعة: ما نهى عنه، ولا خلافَ أن المُطلِّق على الصفة الأولى مطلِّقٌ للسنَّة؛ قاله ابن المنذر
(1)
، وابن عبدالبَر
(2)
.
والأصل فيه: قولهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(3)
. قال ابن مسعود
(4)
وابن عباسٍ
(5)
: "طاهرات غير جماع
(6)
". وحديثُ ابن عمر لما طلَّق امرأته وهي حائضٌ؛ فقال
(1)
الإجماع ص/ 99، رقم 394، 395، والإشراف على مذاهب العلماء (4/ 160).
(2)
التمهيد (15/ 69).
(3)
سورة الطلاق، الآية:1.
(4)
أخرجه النسائي في الطلاق، باب 2، حديث 3394 - 3395، وفي الكبرى (3/ 342) حديث 5587 - 5588، وابن ماجه في الطلاق، باب 2، حديث 2020، وعبدالرزاق (6/ 302 - 303) رقم 10927، 10929، وسعيد بن منصور (1/ 56) رقم 1057، وابن أبي شيبة (5/ 1، 3)، وصالح بن أحمد في المسائل (3/ 181) رقم 1606، والطبري في تفسيره (28/ 129)، والطبراني في الكبير (9/ 321 - 322) رقم 9610 - 9615، والدارقطني (4/ 5 - 6)، والبيهقي، (7/ 325 - 332)، وابن عبدالبر في التمهيد (15/ 77 - 78)، وذكره ابن حزم في المحلى (10/ 172 - 173) وقال: هذا في غاية الصحة عن ابن مسعود، فلم يخص طلقة من طلقتين من ثلاث.
وصحح إسناده الحافظ في الفتح (9/ 346)، والمعلمي في "الحكم المشروع في الطلاق الممنوع" ص/ 124.
(5)
أخرجه مطولًا عبدالرزاق (6/ 303، 307) رقم 10930، 10950، والطبري في تفسيره (28/ 129)، والدارقطني (4/ 5، 37)، والبيهقي (7/ 325)، وأورده ابن عبدالبر في التمهيد (15/ 54).
(6)
"طاهرات غير جماع" كذا في الأصول، وفي مصادر التخريج والمبدع (7/ 259):"طاهرًا من غير جماع".
النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرْهُ فليُراجِعْها، ثم ليُمْسِكها حتى تطْهرَ، ثم تحيضَ فتطهرَ، ثم إن شاء طلَّقها طاهِرًا قبْلَ أن يمَسَّ" وهو في "الصحيحين"
(1)
.
(السُّنة فيه) أي: الطلاق (أن يطلِّقها واحدةً) لقولِ عليٍّ؛ رواه النَّجّادُ
(2)
(في طهر لم يصبها فيه) لما تقدمَ من قول ابن مسعود، وابن عباس (ثم يدعها، فلا يُتْبِعُها طلاقًا آخر حنى تنقضيَ عدتها) لقول علي: "لا يطلقُ أحدٌ للسُّنَّةِ فيندم" رواه الأثرم
(3)
. وهذا لا يحصل إلا في حق مَنْ لم يطلق ثلاثًا؛ ولأن المقصود من الطلاق فراقُها، وفراقها حاصل بالطلاق الأول.
(إلا في طهر متعقِّبٍ لرجعةٍ
(4)
من طلاق) في (حيض؛ فبدعةٌ) في ظاهر المذهب، اختاره الأكثرُ؛ لحديث ابن عمر السابق.
(1)
البخاري في تفسير سورة الطلاق، باب 1، حديث 4908، وفي الطلاق، باب 1، حديث 5251، وباب 45، حديث 5332، ومسلم في الطلاق، حديث 1471 (1 - 4).
(2)
لعل النجاد رواه في مسنده أو سننه، ولم يُطبعا. وأخرجه -أيضًا- الأثرم كما يأتي في كلام المؤلف، وابن أبي شيبة (5/ 4)، عن ابن سيرين قال: قال علي: لو أن الناس أصابوا حدَّ الطلاق ما ندم رجل على امرأة، يطلقها واحدة، ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض.
وأورده ابن حزم في المحلى (10/ 173)، وقال: هذا منقطع عنه؛ لأن ابن سيرين لم يسمع من علي كلمة. وأخرج ابن أبي شيبة (5/ 3) -أيضًا- وأحمد بن منيع في مسنده -كما في المطالب العالية (2/ 209) -، والبيهقي (7/ 325)، والضياء في المختارة (2/ 248) رقم 625، من طريق محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه قال: ما طلق رجل طلاق السنة؛ فندم. وصحح إسناده الحافظ في المطالب العالية، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 148).
(3)
لعله في سننه ولم تطبع، وقد تقدم تخريجه آنفًا.
(4)
في "ذ": "يتعقب الرجعة".
(زاد في "الترغيب": ويلزمه وطؤها) أي: وطء مَنْ طلقها وهي حائضٌ، ثم راجعها؛ إذا طهرت واغتسلت.
(وإن طَلَّق المدخولَ بها في حيض) أو نفاس (أو طُهْرٍ أَصابها فيه، ولو) أنَّه طَلَّقها (في آخره) أي: آخر الطهر الذي أصابها فيه (ولم يَستبنْ) أي: يظهر ويتضح (حملُها؛ فهو طلاقُ بدعةٍ، مُحرَّمٌ) لمفهومِ ما تقدم.
(ويقع؛ نصًّا
(1)
) طلاقُ البدعةِ، قال ابن المنذر
(2)
، وابن عبدالبر
(3)
: لم يخالف في ذلك إلا أهلُ البدع والضلال
(4)
. انتهى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمرَ عبدالله بنَ عمر بالمراجعة
(5)
، وهي لا تكونُ إلا بعد وقوع الطَّلاق. وفي لفظٍ للدارقطني قال:"قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ لو أني طلَّقتُها ثلاثًا؟ قال: كانت تَبِينُ منك، وتكونُ معصيةً"
(6)
، وذكر في
(1)
إبطال الحيل لابن بطة ص 69، وكتاب الروايتين (3/ 144) رقم 81.
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 163).
(3)
التمهيد (15/ 58 - 59).
(4)
لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (33/ 71 - 72): وكذلك الطلاق المحرم في الحيض وبعد الوطء، هل يلزم؟ فيه قولان للعلماء، والأظهر أنه لا يلزم كما لا يلزم النكاح المحرم والبيع المحرم.
(5)
تقدم تخريجه (12/ 198) تعليق رقم (1).
(6)
الدارقطني (4/ 31)، من طريق عطاء الخراساني، عن الحسن، عن ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: فقلت: يا رسول الله، رأيت لو أني طلقتها ثلاثًا، أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا،. . . الحديث.
وأخرجه -أيضًا- البيهقي (7/ 330، 334)، من طريق عطاء الخراساني، به. وقال: هذه الزيادات التي أتي بها عن عطاء الخراساني ليست في رواية غيره، وقد تكلموا فيه، ويشبه أن يكون قوله:(وتكون معصية) راجعًا إلى إيقاع ما كان يوقعه من الطلاق الثلاث في حال الحيض.
وقال في معرفة السنن والآثار (11/ 36): فإنه [يعني عطاء الخراساني] قد أتى في هذا =
"الشرح" هذا الحديث مع غيره، وقال: كلُّها أحاديثُ صحاحٌ. وقال نافع
(1)
: وكانَ عبدُالله طلَّقها تطليقة، فَحُسِبت من طلاقه، وراجعها كما أمره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
ولأنه طلاقٌ من مكلفٍ في محلِّه، فوقع، كطلاقِ الحامل؛ ولأنَّه ليس بقُربةٍ؛ فيعتبرُ لوقوعِه موافقةُ السنة، بل هو إزالةُ عصمةٍ، وقطعُ ملك، فإيقاعهُ في زمن البدعة أولى؛ تغليظًا عليه، وعقوبةً له.
(وتُسَنُّ رجعتُها) أي: رجعة المطلَّقةِ زمن البدعة (إن كان) الطلاق (رجعيًّا، فإذا راجعها؛ وجبَ إمساكُهَا حتى تطهر، فإذا طَهُرَتْ؛ سُنَّ أن يُمسِكَها حتى تحيضَ حيضة أخرى، ثم تطهر، فإذا طَلَّقها في هذا الطُّهر قبل أن يمسَّها؛ فهو طلاقُ سُنَّةٍ) لحديث ابن عمر السابق.
(ولو عَلَّق طلاقَها بقيامها، أو) علَّقه (بقدومِ زيد، فقامت) وهي حائضٌ (أو قدم) زيد (وهي حائضٌ؛ طَلَقت للبدعةِ) لوقوع الطلاق في الحيض (ولا إثمَ) على المُطلِّق؛ لأنه لم يتعمَّد إيقاعَ الطلاق زمن البدعة.
(وإن قال: أنتِ طالق -إذا قَدِم زيد- للسُّنَّة، فقدِمَ) زيد (في زمان السُّنَّة) أي: في طُهر لم يصبها فيه (طَلَقت) لوجود الصفة (وإن قدم) زيد (في زمان البدعة؛ لم يقع) الطلاق عند قدومه؛ لأنها إذًا ليست من أهلِ السُّنَّةِ، فلم يوجد تمامُ المُعلَّقِ عليه (فإذا صارت إلى زمان السُّنة؛ وقع) الطلاقُ؛ لوجود الشرط.
= الحديث بزيادات لم يتابع عليها وهو ضعيف في الحديث، لا يقبل منه ما ينفرد به.
انظر التعليق المغني (4/ 31).
(1)
"نافع" كذا في الأصول! وصوابه: "سالم" كما في مصادر التخريج.
(2)
أخرجه مسلم في الطلاق، باب 1، حديث 1471، والدارقطني (4/ 6)، والبيهقي (7/ 324)، عن سالم بن عبدالله بن عمر، به.
(وإن قال ذلك) أي: أنت طالق عند قدوم زيد (لها) أي: لزوجته (قبل الدخول؛ طَلَقت عند قدومه، حائضًا كانت أو طاهرًا) لأنه لا سُنةَ لها ولا بدعة.
(وإن) قاله لها قبل الدخول، و (قدم) زيدٌ (بعد دخوله بها، في طُهْرٍ لم يُصبها فيه؛ طَلَقت) حين قدومه؛ لوجود الصفة؛ لأنها إذًا من أهل السُّنة
(1)
.
(وإن قدم) زيد (زمن البدعة) أي: في حيض، أو نفاس، أو طُهْرٍ وطئ فيه (لم تطلق حتى يجيء زمن السُّنة) ليوجد الشرط.
(وإن طَلَّقها) أي: طَلَّق رجل زوجتَه (ثلاثًا، بكلمة) حرمت، نصًّا
(2)
، ووَقعت، ويُروى ذلك عن عمر
(3)
، وعلي
(4)
، وابن مسعود
(5)
،
(1)
في "ح": "لأنها إذًا من السنة".
(2)
انظر: مسائل عبدالله (3/ 1110، 1148 - 1149) رقم 1532، 1581، ومسائل صالح (1/ 441) رقم 437، و (3/ 186، 252) رقم 1614، 1751، ومسائل أبي داود ص/ 173، ومسائل ابن هانئ (1/ 223) رقم 1084.
(3)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 332) رقم 11065، وسعيد بن منصور (1/ 259) رقم 1068 - 1069، وابن أبي شيبة (5/ 11 - 12)، والطحاوي (3/ 59)، والدارقطني (4/ 7 - 8)، والبيهقي (7/ 334)، وصحح إسناده الحافظ في الفتح (9/ 362).
(4)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 336) رقم 11084، وسعيد بن منصور (1/ 265) رقم 1096، وابن أبي شيبة (5/ 11، 14)، والدارقطني (4/ 21)، والبيهقي (7/ 34 - 35).
(5)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 331، 336) رقم 11064، 11084، وسعيد بن منصور (1/ 257، 261، 263 - 265) رقم 1063، 1076، 1085 - 1086، 1093، 1098، وابن أبي شيبة (5/ 12، 14، 22 - 23)، وإسحاق بن راهويه -كما في المطالب العالية (2/ 211) رقم 1716، والطحاوي (3/ 58)، والطبراني في الكبير (9/ 324) رقم 9621 - 9622، والبيهقي (7/ 332، 335). وصحح إسناده الحافظ في المطالب العالية.
وابن عباس
(1)
، وابن عمر
(2)
. وعن مالكِ بن الحارث قال: جاء رجلٌ إلى ابنِ عباس فقال: "إنَّ عمي طلق امرأته ثلاثًا، فقال: إنَّ عمَّك عصى الله، وأطاع الشيطانَ، فلم يجعل له مخرجًا"
(3)
ووجهُ ذلك قولهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ. . .} إلى قوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} ثم قال بعد ذلك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}
(4)
، ومَنْ جمع الثلاثَ لم يبقَ له أمرٌ يحدثُ، ولم يجعل الله له مخرجًا، ولا من أمرهِ يُسْرًا.
(1)
يأتي تخريجه قريبًا.
(2)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 311، 331، 333) رقم 10964، 11061 - 11063، 11071، وسعيد بن منصور (1/ 258) رقم 1066، وابن أبي شيبة (5/ 11، 14)، والدارقطني (4/ 32، 45)، والبيهقي (7/ 335، 336).
(3)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 266) رقم 10779، وسعيد بن منصور (1/ 258) رقم 1064، وابن أبي شيبة (5/ 11)، والطحاوي (3/ 57)، والبيهقي (7/ 337)، من طريق الأعمش؛ عن مالك بن الحارث، به.
وأخرجه سعيد -أيضًا- (1/ 258) رقم 1065، من طريق الأعمش، عن عمران بن الحارت السلمي، به.
وأخرجه -أيضًا- مالك في الموطأ (2/ 570 - 571)، والشافعي في الأم (5/ 138)، وعبدالرزاق (6/ 333 - 335، 396 - 397) رقم 11070 - 11073، 11078، 11346 - 11351، وابن أبي شيبة (5/ 13)، والطحاوي (3/ 57، 58)، والدارقطني (4/ 12، 14)، والبيهقي (7/ 332، 335، 337، 355)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 65 - 66) رقم 14792، والبغوي في شرح السنة (9/ 231) رقم 2360، وفي جزء أبي الجهم ص/ 47، رقم 75، من طرق مختلفة عن ابن عباس رضي الله عنهما، بنحوه.
وانظر ما تقدم (12/ 187) تعليق رقم (1).
(4)
سورة الطلاق، الآيات: 1، 2، 4.
وروى النسائيُّ بإسناده عن محمود بن لبيد قال: "أُخبرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن رجُلٍ طلَّق امرأته ثلاثَ تطليقاتٍ جميعًا، فغضبَ ثم قال: أيُلعَبُ بكتاب الله عز وجل وأنا بين أظْهُرِكُم؛ حتى قام رجلٌ فقال: يا رسول الله، ألا أقتُله؟! "
(1)
. وفي حديث ابن عمر: "قال: قلت: يا رسُول الله، أرأيتَ لو طَلقتُها ثلاثًا؟ قال: إذًا عصيتَ وبانت منك امرأتُك"
(2)
؛ ولأن ذلك تحريم للبُضع بالقول، فأشبه الظِّهار بل أولى؛ لأن الظِّهار يرتفع بالتكفير، وهذا لا سبيلَ للزوج إلى رفْعِه بحال.
ولا فرقَ في ذلك بينَ ما قبل الدخول أو بعده، رويَ ذلك عن ابنِ عباسٍ
(3)
، وأبي هريرة
(4)
،
(1)
أخرجه النسائي في الطلاق، باب 6، حديث 3401، وفي الكبرى (3/ 349) حديث 5594، وقد سقط من مطبوع الكبرى من إسناده قوله:"أخبرني مخرمة عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد".
قال ابن القيم في زاد المعاد (5/ 241): وإسناده على شرط مسلم. وقال الحافظ في بلوغ المرام ص/ 274، حديث 1106: رواته موثقون. وقال في الفتح (9/ 362): أخرجه النسائي، ورجاله ثقات، لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت له منه سماع. وقال المعلمي في "الحكم المشروع في الطلاق المجموع" ص/ 123: محمود بن لبيد ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث مرسل صحيح. انظر: غاية المرام ص/ 165. وقال ابن حزم في المحلى (10/ 168): أما خبر محمود بن لبيد فمرسل، ولا حجة في مرسل، ومخرمة لم يسمع من أبيه شيئًا.
(2)
تقدم تخريجه (12/ 195) تعليق رقم (6).
(3)
أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده -كما في المطالب العالية (16/ 425) رقم 1703، عن ابن عباس قال: التي لم يدخل بها والتي قد دخل بها في الثلاث سواء. انظر ما تقدم (12/ 198) تعليق رقم (3).
(4)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 570 - 571)، والشافعي في الأم (5/ 138)، وعبدالرزاق (6/ 333 - 334) رقم 11071 - 11072، وابن أبي شيبة (5/ 23)، والطحاوي (3/ 57)، والبيهقي (7/ 335، 355)، وفي معرفة السنن والآثار=
وابنِ عمر
(1)
، وعبدالله بنِ عمرو
(2)
، وابنِ مسعود
(3)
، وأنسٍ
(4)
، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العلم من التَّابعين والأئمةِ بعدَهم.
وأما ما روى طاوس، عن ابن عباس، قال:"كان الطلاقُ على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ وسنتينِ من خلافة عمرَ طلاقُ الثلاثِ واحدةً" رواه أبو داود
(5)
، فقد قال الأثرمُ: سألت أبا عبدِالله عن حديثِ ابن عباس، بأيِّ شيء تدفعُه؟ قال: أدفعه بروايةِ الناس عن ابن عباسٍ من وجوهٍ خلافَه، ثم ذكر عن عدةٍ عنِ ابن عباسٍ من وجوهٍ خلافَه أنَّها ثلاثٌ
(6)
.
وقيل: معنى حديثِ ابن عباس أنَّ الناسَ كانوا يُطلِّقون واحدةً على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وإلَّا؛ فلا يجوزُ أن يُخالفَ عمرُ ما كان على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر، ولا يكون لابن عباس أن يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُفتي بخلافه.
(أو) طلَّقها ثلاثًا بـ (ـكلمات، في طُهْرٍ لم يصبها فيه، أو) طَلَّقها.
= (11/ 65 - 66) رقم 14792، والبغوي في شرح السنة (9/ 231) رقم 2360، وفي جزء أبي الجهم ص/ 47، رقم 75.
(1)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 331، 333) رقم 11063، 11071، والبيهقي (7/ 335).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 570)، وابن أبي شيبة (5/ 22)، والبيهقي (7/ 335).
(3)
تقدم تخريجه (12/ 201) تعليق رقم (5).
(4)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 332) رقم 11065، وسعيد بن منصور (1/ 260) رقم 1073 - 1074، وابن أبي شيبة (5/ 22)، والطحاوي (3/ 59)، والبيهقي (7/ 334).
(5)
في الطلاق، باب 10، حديث 2199 - 2200، بلفظ: صدرًا من إمارة عمر، في الموضع الأول، وفي الثاني، بلفظ: وثلاثًا من إمارة عمر. وأخرجه -أيضًا- مسلم في الطلاق، حديث 1472، وأحمد (1/ 314).
(6)
المغني (10/ 334 - 335)، وإعلام الموقعين (3/ 46).
ثلاثًا (في أطهار قبل رجعة؛ حَرُم) ذلك (نصًّا
(1)
) لما تقدمَ (لا) إن طَلَّقها (اثنتين) فلا يَحْرم؛ لأنهما لا يَمنعان من رجعتها إذا ندم، فلم يسدَّ المخرجَ على نفسِه، لكنه فوَّت على نفسه طلقةً جعلها الله له من غير فائدة تحصلُ له بها، فكان مكروهًا، كتضييع المالِ؛ قاله في "الشرح".
(ولا بدعة فيها) أي: الثلاث (بعد رجعة أو عقد) كأن طَلَّقها طَلْقة ثم راجعها، أو عقد عليها، ثم طَلَّقها أخرى ثم راجعها، أو عقد عليها ثم طَلَّقها الثالثة.
(وإذا كانت المرأة صغيرةً، أو آيسة، أو غير مدخول بها، أو استبان حَمْلها؛ فلا سُنةَ لطلاقها، ولا بدعة في وقت ولا عدد) لأنَّ غيرَ المدخول بها لا عدة عليها، والصغيرةَ والآيسةَ عدتُها
(2)
بالأشهر، فلا تحصل الريبة، والحاملَ التي استبان حملها عدتها بوضع الحمل، فلا ريبة؛ لأن حملها قد استبان، بخلاف من لم يستبن حملها، وطَلَّقها ظنًّا أنها حائل، ثم ظهر حملها؛ ربما ندم على ذلك.
(فلو قال لإحداهنَّ) أي: لصغيرةٍ، أو آيسةٍ، أو غير مدخول بها، أو بيِّنٍ حملها:(أنت طالق للسُّنة) طَلَقت في الحال (أو قال) لها: أنت طالق (للبدعة) طَلَقت في الحال (أو قال) لها: أنت طالق (للسُّنَّةِ والبدعة، أو لا للسُّنة ولا للبدعة؛ طَلَقت في الحال) لأنَّ طلاقها لا يتَّصف بسُنَّة ولا بدعة، فيلغو وصفُه به، ويبقى الطلاق بدون الصفة، فيقع في الحال.
(1)
انظر: مسائل صالح (1/ 441) رقم 437، ومسائل أبي داود ص/ 173، ومسائل ابن
هانيء (1/ 223) رقم 1084.
(2)
في "ذ": "عدتهما".
(وإن قال) لإحداهنَّ: أنت طالق (للسُّنَّةِ طلقةً، وللبدعةِ طلقةً؛ وقع طلقتان) لما سبق (ويُديَّن) أي: يقبل منه بالإضافة إلى ما بينه وبين الله تعالى باطنًا (في غير آيسة إذا قال: أردتُ: إذا صارت من أهلِ ذلك الوصف) أي: السُّنة أو البدعة (ويُقبل) منه (حكمًا) لأنَّ لفظه يحتملهُ، بخلاف الآيسة، إذ لا يمكن فيها ذلك.
(وإن قال لها) أي: لزوجته (في الطُّهر الذي جامعها فيه: أنتِ طالقٌ للسُّنَّة، فيئستْ من المحيض، أو استبان حَمْلها؛ لم تطلق) لأنه لا سُنَّة لها ما دامت كذلك.
(وإن قال لمن لطلاقها سُنة وبدعة: أنت طالق طلقةً للسُّنَّة، وطلقةً للبدعة؛ طَلَقت طلقةً في الحال) لأنَّ حالها لا يخلو إمَّا أن تكون في زمن السُّنَّة: فتقع الطلقة المعلَّقة على السُّنَّة، أو في زمن البدعة؛ فتقع الطلقة المعلَّقة على البدعة (و) طَلَقت (طلقة) أخرى (في ضدِّ حالها
(1)
الراهنة) أي: الثانية
(2)
حين قوله لها ذلك؛ لأنَّ الطلقةَ الثانية معلقةٌ على ضد الحال التي هي عليها حالَ القول.
(و) إن قال لها: (أنت طالق للسُّنَّة) وهي (في طُهْرٍ لم يصبها فيه؛ طَلُقت في الحال) لأنَّ معنى: "للسُّنَّة" في وقتِ السُّنة وذلك وقتها.
(وإن كانت حائضًا؛ طَلَقت إذا طَهُرت) أي: انقطع حيضها (ولو لم تغتسل) لأنَّ الصفة قد وُجدت.
(وإن كانت في طُهْرٍ أصابها فيه؛ طَلُقت إذا طَهُرت من الحيضة المستقبلة) لأن ذلك هو وقت السُّنَّة في حقها، لا سُنَّة لها قبلها.
(1)
في "ح" زيادة: "التي هي عليها".
(2)
في "ذ": "الثابتة"، ولعله الصواب.
(و) إن قال لها: (أنت طالق للبدعة، وهي حائض، أو) وهي (في طهر أصابها فيه؛ طَلَقت في الحال) لأنَّ ذلك هو وقت البدعة.
(وإن كانت في طهر لم يصبها فيه) وقال لها: أنت طالق للبدعة (طَلَقت إذا أصابها أو حاضت، لكن) إن أصابها (ينزع في الحال بعد إيلاج الحشفة؛ إن كان الطلاق ثلاثًا) أو كانت طلقة مكملة لما يملكه من الطلاق؛ لبينونتها عقب ذلك. (فإن استدام) أي: لم ينزع في الحال (حُدَّ عالمٌ) بالحكم؛ لانتفاء الشبهة (وعُزِّر غيره) أي: غير العالم، وهو الجاهل والناسي، لما ناله من ذلك.
(و) إن قال لمن لها سُنَّةٌ وبدعةٌ: (أنت طالق ثلاثًا للسُّنَّة؛ تطلق الأولى في طهر لم يصبها فيه، و) تطلق (الثانية طاهرة بعد رجعة أو عقد، وكذا) تطلق (الثالثة) طاهرة بعد رجعة أو عقد؛ لأنَّ جمع الثلاث بدعةٌ؛ لما تقدم (وعنه
(1)
: تطلق ثلاثًا في طُهر لم يصبها فيه، وهو المنصوص، وصحَّحه جمع) بناءً على أنَّ جمع الثلاث من السُّنَّة.
(و)
إن قال: (أنت طالق ثلاثًا، نصفُها للسُّنَّة، ونصفها للبدعة،
أو قال: بعضهنَّ للسُّنَّة، وبعضهن للبدعةِ؛ طَلَقت طلقتين في الحال) لأنه سوَّى بين الحالين، فاقتضى الظاهر أن يكونا سواءً، فيقع في الحال طلقة ونصف، ثم يكمل النصف؛ لكون الطلاق لا يتبعض (و) تقع (الثالثة في ضِدّ حالها الراهنة) أي: الثابتة وقت تعليقه (وكذا) لو قال: (أنت طالق ثلاثًا للسُّنَّة والبدعة، وأطْلَق) فلم يقل: نصفين، ولا بعضهن للسُّنَّة وبعضهن للبدعة؛ فيقع في الحال طلقتان، والأخرى في ضدِّ حالها إذًا.
(و) إن قال: (أنت طالق طلقتان للسُّنَّة، وواحدةٌ للبدعة، أو
(1)
مسائل صالح (3/ 186، 252) رقم 1614، 1751.
عكسه) بأن قال: طلقتين
(1)
للبدعة، وواحدة للسُّنَّة (فهو) أي: طلاقه (على ما قال. فإن أطلق) في قوله: أنت طالق ثلاثًا للسُّنَّة والبدعة (ثم قال: نويتُ ذلك) أي: طلقتين للسُّنَّة، وواحدة للبدعة، أو عكسه (فإن فَسَّر نيته بما يُوقِع في الحال طلقتين؛ طَلَقت، وقُبِلَ) لأنه أقرَّ على نفسه بالأغلظ (وإن فسَّرها بما يُوقِع طلقةً واحدة) في الحال (ويؤخِّر اثنتين؛ دُيِّنَ، ويُقبل في الحكم) لأنَّ لفظه يحتمله، وهو أدرى بنيته.
(و) إن قال: (أنت طالق في كلِّ قُرْء طلقة، وهي حامل،
أو من اللائي لم يحضن؛ لم تَطْلُق حتى تحيض، فتَطْلُق في كلِّ حيضة طلقةً) لوجود الشرط. والقُرْءُ: الحيضُ. ويُطلق -أيضًا- على الطُّهر بين الحيضتين.
(وإن كانت) حين التعليق (في القُرْء) أي: الحيض (وقع بها واحدة في الحال، ويقع بها طلقتان في قرأين آخرين، في أول كل قُرْء منهما) طلقة؛ لوجود الصفة.
(و) الزوجة (غير المدخول بها تبين بـ) ـالطلقة (الأولى) فلا يلحقها ما بعدها ما دامت بائنًا (فإن تزوَّجها وقع بها طلقتان في قُرأين) إن وقعت الأولى رجعية
(2)
، وإلا؛ فإذا تزوجها وحاضت (وإن كانت آيسةً لم تطلق) لعدم وجود الشرط.
(و
يُباح خُلع وطلاق) بعوض (بسؤالها زمن بدعة)
لأنها أدخلت الضرر على نفسها (وتقدم
(3)
في باب الحيض) والنفاسُ كالحيض في
(1)
في "ذ": "طلقتان".
(2)
"بأن كان دخل بها بعد الطلاق الأول" ش.
(3)
(1/ 469).
جميع ما تقدم كما سبق هناك
(1)
.
(و) إن قال: (أنت طالق للسُّنَّة؛ إن كان الطلاق يقع عليك للسُّنَّة، وهي في زمن السُّنَّة) أي: في طُهر لم يصبها فيه (طَلَقت بوجود الصفة، وإن لم تكن في زمن السُّنَّة؛ انحلت الصفة، ولم يقع) الطلاق (بحال) ولو صارت من أهل السُّنة.
(و) إن قال: (أنت طالق للبدعة، إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة، إن كانت في زمن البدعة؛ وقع) في الحال (وإلا، لم يقع بحال) وانحلت الصفةُ، كما سبق في عكسه (وإن كانت) المقولُ لها ذلك (ممَّن لا سُنَّة لطلاقها ولا بدعة؛ لم يقع) الطلاق (في المسألتين) لعدم وجود شرطه.
(و) إن قال: (أنت طالق أحسن الطلاق، أو أجملَه، أو أقربَه، أو أعدله، أو أكمله، أو أفضله، أو أتمه، أو أسَنَّه، أو طلقة سَنِيَّة، أو) طلقة (جليلة، ونحوه) كطلقةٍ فاضلة، أو عادلة، أو كاملة؛ فذلك (كـ) ـــقوله:(أنت طالق للسُّنَّة) فإن كانت في طُهر لم يصبها فيه؛ وقع في الحال، وإلا؛ فإذا صارت كذلك.
ويصح وصف الطلاق بالسُّنَّة والحُسن والكمال ونحوه؛ لكونه في ذلك الوقت موافقًا للسُّنَّة، مطابقًا للشرع.
(و) إن قال لها: أنت طالق (أقبحَه) أي: أقبح الطلاق (أو أسْمَجَه، أو أردأه، أو أفحشَه، أو أنْتَنَه، ونحوه) كـ: أنت طالقٌ طلقة قبيحة، أو رديئة؛ فـ (ـــــكـ) ـــقوله: أنت طالق (للبدعة) فإن كانت في طُهر أصابها فيه، أو حائضًا؛ وقع في الحال، وإلا؛ فإذا صارت كذلك؛ لأنَّ الحُسن والقُبح في الأفعال إنَّما هو من جهة الشارع، فما حسَّنه الشرع فهو حسن،
(1)
(1/ 471).
وما قبَّحه
(1)
فهو قبيح. وقد أذنَ الشرعُ في الطلاق في زمن، فسُمِّي زمانَ السُّنة، ونهى عنه في زمن، فسُمِّي زمان البدعة، وإلا؛ فالطلاق في نفسه في الزمانين واحدٌ، وإنَّما حَسُن أو قَبُح بالإضافة إلى زمانِه.
(إلا أن ينويَ: أحسن أحوالك أو أقبحها أن تكوني مطلقةً؛ فيقع في الحال) لأن هذا يوجد في الحال؛ ولأنه لم يقصد بذلك الصفة؛ فيلغو؛ ويقع في الحال.
(لكن لو نوى بـ) ـقوله: أنت طالق (أحسنه) أي: أحسن الطلاق (زمن البدعة، لشَبَهه بخُلقها القبيح، أو) نوى (بأقبحه زمن السُّنة لقبح عشرتها) فإن نوى الأغلظ عليه؛ قُبِلَ مؤاخذةً له بإقراره، وإن نوى غيره (لم يُقبل) قوله (إلا بقرينة) لأنَّه خلاف الظاهر.
(و) إن قال: (أنت طالق في الحال للسُّنَّة، وهي حائضٌ، أو قال): أنت (طالق للبدعة في الحال، وهي في طُهرٍ لم يصبها فيه) تطلق في الحال، وتلغو الصفةُ.
(أو قال: أنت طالق طلقةً حسنةً قبيحةً، أو) طلقة (فاحشةً جميلة، أو) طلقة (تامَّة ناقصة؛ تطلق في الحال) لأنه وَصفَها بوصفين متضادين، فلغيا، وبقيَ مجردُ الطلاق؛ فوقع.
وإنْ قال: أنت طالق طلاق الحرج. فقال القاضي: معناه طلاق البدعة؛ لأنَّ الحرجَ الضيقُ والإثمُ. وحكى ابنُ المنذر
(2)
عن عليٍّ أنه يقعُ ثلاث؛ لأنه الذي يمنعهُ الرجوعَ إليها.
(1)
في "ذ": "وما قبحه الشرع".
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 171). وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (6/ 365) رقم 11209، وابن أبي شبية (5/ 71 - 72)، قال ابن حزم في المحلى (10/ 194): وصح عن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا قال: أنت طالق طلاق الحرج، فهي ثلاث.
باب صريح الطلاق وكناياته
لا يقع الطلاق بغير لفظٍ،
فلو نواه بقلبه من غير لفظٍ لم يقع، خلافًا لابن سيرين
(1)
والزهري
(2)
. ورُدَّ بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفُسها ما لم تعمل أو تتكلم به" متفق عليه
(3)
؛ ولأنه إزالةُ ملكٍ، فلم يحصل بمجرد النية، كالعتق.
وانقسم اللفظ إلى: صريح، وكناية؛ لأنه لإزالة ملك النكاح، فكان له صريحٌ وكنايةٌ، كالعتق، والجامعُ بينهما الإزالةُ.
(الصريحُ: ما لا يحتمل غيرَه) أي: بحَسَب الوضع العُرفي (من كل شيء) وُضِع له اللفظُ: من طلاق وعتق وظِهار وغيرها، فلفظ "الطلاق" صريح فيه؛ لأنه لا يحتمل غيره في الحقيقةِ العُرفية، وإن قَبِلَ التأويلَ،
(1)
قاله ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 175)، والحافظ في فتح الباري (9/ 394)، وأخرج عبدالرزاق (6/ 412 - 413) رقم 11432، عن معمر: سأل رجل الحسن فقال: طلقت امرأتي في نفسي فقال: أخَرجَ من فيك شيء؟ قال: لا، قال: فليس بشيء. قال: وسأل قتادة، فقال له مثل قول الحسن، قال: فسأل ابن سيرين فقال: أوليس قد علم الله الذي في نفسك؟ قال: بلى، فلا: فلا أقول فيها شيئًا.
لكن روى عنه خلاف ذلك، فقد أخرج ابن أبي شيبة (5/ 53 - 54)، عن ابن سيرين والحسن أنهما قالا: حديث النفس بالطلاق ليس بشيء، وقال ابن سيرين: لو لم يسأل كان أحبَّ إليَّ.
(2)
أورده ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 175)، وابن حزم في المحلى (10/ 199)، والحافظ في الفتح (9/ 394).
(3)
تقدم تخريجه (5/ 261) تعليق رقم (3)، و (6/ 191) تعليق رقم (2).
على ما يأتي في بابه، فاندفعَ ما أورده ابنُ قندس في "حواشيه" على "المحرر".
(والكنايةُ: ما يحتمل غيرَه، ويدلُّ على معنى الصريح.
وصريحُه: لفظُ الطلاق، وما تصرَّف منه) لأنه موضوع له على الخصوص، ثبت له عُرف الشارع والاستعمال، فلو قال: أنت طالق
(1)
، أو الطلاق، أو طلقتك أو مطلقة، فهو صريح (لا غير) أي: ليس صريحُه غيرَ لفظ الطلاق وما تصرَّف منه، كالسراح والفراق؛ ولأنهما يُستعملان في غير الطلاق كثيرًا، فلم يكونا صريحين فيه، كسائر كناياته. قال تعالى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}
(2)
وقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(3)
وليس المراد به الطلاقَ؛ إذ الآية في الرجعية، وهي إذا قاربت انقضاءَ عدتها، فإمَّا أن يُمسكها برجعة، وإمَّا أن يتركها حتى تنقضي عدتها، فالمرادُ بالتسريح في الآية قريبٌ من معناه اللغوي، وهو الإرسال.
(غير أمر، نحو: اطْلُقِي، و) غير (مضارع، نحو: أُطلقُكِ، و) غير (مطلِّقة -بكسر اللام-) اسم فاعل (فلا تطلق به) لأنه لا يدلُّ على الإيقاع.
قال الشيخُ تقي الدين في "المسودة"
(4)
، في البيوع، بعد أن ذكر ألفاظ المعقود
(5)
من الماضي
(6)
والمضارع، واسم الفاعل واسم
(1)
في "ح": و"ذ""طلاق" وأشار في حاشية "ذ" إلى أنه في نسخة "طالق".
(2)
سورة البينة، الآية:4.
(3)
سورة البقرة، الآية:229.
(4)
لم نقف عليه في مظانه من مطبوعة المسودة، وانظر: مجموع الفتاوي (29/ 11).
(5)
كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ":"العقود".
(6)
في "ذ": "بالماضي".
المفعول، وأنها لا تنعقد بالمضارع: وما كان من هذه الألفاظ محتملًا فإنه يكون كنايةً، حيث تصح الكناية، كالطلاق ونحوه. ويعتبر دلالاتُ الأحوال، وهذا البابُ عظيم المنفعة، خصوصًا في الخُلع وبابِه.
(وإذا أتى بصريح الطلاق) غير حاكٍ ونحوه (وقع، نواه أو لم ينوه) لأن سائر الصرائح لا تفتقر إلى نِيَّة، فكذا صريح الطَّلاق، فيقع (ولو) كان الآتي بالصَّريح (هازلًا أو لاعبًا) حكاه ابنُ المنذر
(1)
إجماعَ مَنْ يحفظُ عنه، وسنده ما روى أبو هريرة مرفوعًا:"ثَلاثٌ جِدهُنَّ جِدٌّ، وهزلُهُنَّ جِدٌّ: النكاحُ، والطلاقُ، والرجعَةُ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي
(2)
وقال: حسن غريب (أو) كان (مخطئًا) قياسًا على الهازل.
(وهو) أي: قوله: أنت طالق ونحوه (إنشاء) كسائر صِيغ الفسوخ والعقود (وقال الشيخ
(3)
: هذه الصِّيغُ إنشاءٌ من حيث إنها تُثبت الحكمَ وبها تمّ، وهي إخبارٌ؛ لدلالتها على المعنى الذي في النفس) وهذا المعنى الذي أشار إليه يطَّرِد في كل إنشاء وطلب.
(وإن قال: امرأتي طالق، أو) قال: (عبدي حر، أو) قال: (أمَتي حُرَّة، وأطلق النيَّة) فلم ينوِ معينًا ولا مبهمًا من زوجاته ولا عبيده ولا إمائه (طَلَقَ جميع نسائه، وعَتَق جميع عبيده وإمائه) لأنه مفرد مضاف، فيعمُّ، كما تقدَّم في العتق
(4)
.
(ولو قال) لامرأته: (كلما قلتِ لي شيئًا، ولم أقل لكِ مِثْلَه؛ فأنتِ طالق، فقالت له: أنتِ طالق -بفتح التاء أو كسرها- فلم يقله) طَلَقت؛
(1)
الإجماع ص/ 101، والإشراف (4/ 194).
(2)
تقدم تخريجه (11/ 240)، تعليق رقم (1).
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 368 - 369.
(4)
(11/ 43).
لوجود الصفة (أو قاله؛ طَلَقت) لأنه واجهها بالطلاق (ولو) قاله و (علَّقه بشرط) طلقت -أيضًا-؛ لأنه لم يقل لها مثله؛ لأن المعلَّق غيرُ المنجز. قال ابنُ الجوزي: وله التمادي إلى قبيل الموت
(1)
. انتهى.
ولو نوى في وقت كذا ونحوه تخصَّص به؛ لأن تخصيص اللفظ العام بالنية كثيرٌ؛ أشار إليه في "بدائع الفوائد"
(2)
وتبعه في "المنتهى" وغيره. ومجرد النية لا يُخْرِج لفظه عن مماثلة لفظها. قلت: وكذا لو قال: أنت طالق، ونوى من وثاق ونحوه، وإن كانت نيةُ أو سببُ اليمينِ يقتضي قولًا غير هذا عُمل به، على قياس ما يأتي في جامع الأيمان.
(وإن قال لها) أي: لمن قال لها: كلما قلتِ لي شيئًا ولم أقل لكِ مِثْلَه فأنتِ طالق، وقالت له: أنتَ طالق: (أنتَ طالق -بفتح التاء- طَلَقت) كما لو واجهها بذلك ابتداءً، للإشارة والتعيين، فسقط حكم اللفظ.
(وإن) قال لزوجته: أنتِ طالق ونحوه، و (ادَّعى أنَّه أراد بقوله: طالق: من وثاق، أو) ادَّعى أنه (أراد أن يقول: طَلَّبتُكِ، فسبق لسانه، فقالَ: طَلَّقتُكِ، أو) ادَّعى أنه (أراد أن يقول: طاهر فسبق لسانه) فقال: طالق (أو) ادَّعى أنه (أراد بقولِهِ): أنت (مطلَّقة من زوج كان قبله؛ لم تطلق فيما بينه وبينَ الله تعالى) لأنه أعلمُ بنيته (ولم يُقبل) ذلك منه (في الحكم) لأنه خلافٌ لما يقتضيه الظاهر عُرفًا، إذ تبعد إرادة ذلك.
(وكذا الحكم لو قال) لها: أنتِ طالق. وقال: (أردتُ: إن قُمتِ، فتركتُ الشرطَ، ولم أُرِد طلاقًا) أو قال: أنتِ طالق إن قمتِ. وقال:
(1)
"أي: لأنه ليس في حلفه أنه يقول لها على الفور". ش.
(2)
(3/ 189 - 190).
أردتُ: وقعدتِ -فتركتُه- ولم أُرِد طلاقًا، فَيُدَيَّنُ، ولا يُقبَلُ حكمًا (فإن صَرَّح في اللفظ بالوثاق، فقال: طلقتُكِ من وثاقي، أو من وثاق؛ لم يقع) عليه الطلاق؛ لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه، كالاستثناءِ والشرط.
(ولو قيل له) أي: للزوج: (أطلّقتَ امرأتك؟ أو) قيل له: (امرأتُكَ طالق؟ فقال: نعم) وأراد الكذبَ؛ طَلَقت؛ لأنَّ: "نعم" صريحٌ في الجواب، والجوابُ الصريح بلفظ الصريح صريح. ألا ترى أنه لو قيل له: ألفلان عليك كذا؟ فقال: نعم، كان إقرارًا.
(أو) قيل له: (ألكَ امرأةٌ؟ فقال: قد طَلَّقتُها، وأراد الكذب؛ طَلَقت) لأنه صريح، فلا يحتاج إلى نية.
(ولو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذبَ؛ لم تطلق) لأنه كناية، ومن أراد الكذب لم ينوِ الطلاقَ (ولو حَلَفَ بالله على ذلك) أي: على أنه لا امرأة له، ولم يرد به الطلاق (وإلا) بأن لم يرد به الكذبَ، بل نوى الطلاق (طَلَقت) امرأته كسائرِ الكنايات.
(ولو قيل له: أطَلَّقتَ امرأتَكَ؟ فقال: قد كان بعضُ ذلك، فإن أراد) بذلك (الإيقاعَ؛ وقعَ) كالكنايةِ (وإن قال: أردت أني علَّقت طلاقها بشرط) ولم يوجد (قُبِل) منه ذلك؛ لأن لفظه يحتمله.
(ولو قيل له) أي: للزوج: (أخَلَّيْتَها) أي: أَخَليتَ زوجتك (ونحوه) فـ (ـقال: نعم، فكِناية) لا تطلق بذلك حتى ينوي به الطلاق؛ لأن السؤالَ منطوٍ في الجواب، وهو كناية.
(وكذا: ليس لي امرأة، أو ليست لي امرأة، أو: لا امرأة لي) فهو كناية، لا يقع إلا بنية، ولو نوى أنه ليس امرأة تخدُمني، أو ليس لي
امرأة ترضيني، أو لم ينوِ شيئًا؛ لم يقع طلاقه.
(ومن أشهد) بيّنة (على نفسه بطلاق ثلاث) أي: أقرَّ أنه وقعَ عليه الطلاق الثلاث، وكان تقدمَ منه يمينٌ توَهَّم وُقوعَها عليه (ثم استفتى) عن يمينه (فأفتي بأنه لا شيءَ عليه) فيها (لم يؤاخذ بإقرارِه) بوقوع الطلاق الثلاث (لمعرفة مستنده) في إقراره بوقوع الطلاق (ويُقبل) قوله بـ (ــيمينه أن مستندَه ذلك في إقراره) إن كان (ممن يَجهلُه مثلُه؛ ذكره الشيخ
(1)
) وجزم به في "المنتهى". لكن مقتضى كلامه مع
(2)
شرحه: أن المقدَّم: يُقبل قولُه بغير يمين (وتقدَّم) ذلك (آخر باب الخلع
(3)
.
ولو قيل له: ألم تُطَلِّق امرأتَكَ؟ فقال: بلى؛ طَلَقت) لأنها جوابُ النفي (وإن قال: نعم؛ طَلَقت امرأةٌ غيرِ النحوي) لأنَّه لا يُفرق بينَهما في الجواب؛ بخلاف النحوي، فلا تطلق امرأته؛ لأن:"نعم" ليس جوابًا للنفي، ويأتي تحقيقُه في الإقرار.
(وإن لطم امرأته، أو أطعمها، أو سقاها، أو ألبسها ثوبًا، أو أخرجها من دارها، أو قبَّلها ونحوه) كما لو دفع إليها شيئًا (فقال: هذا طلاقُكِ؛ طَلَقت، فهو صريح) نصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّ ظاهرَ هذا اللفظ جعل هذا الفعل طلاقًا منه، فكأنه قال: أوقعتُ عليك طلاقًا، هذا الفعلُ من أجله؛ لأنَّ الفعل بنفسه لا يكون طلاقًا. فلا بدَّ من تقديره فيه، ليصحَّ لفظُه به، فيكونُ صريحًا فيه، يقعُ به من غير نية (فلو فسَّره بمحتمل) أي: بما يحتملُ عدم الوقوع (أو نوى أنَّ هذا سببُ طلاقك) في زمان بعد هذا
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 369.
(2)
في "ذ": "في شرحه".
(3)
(12/ 173).
(4)
مسائل الكوسج (4/ 1739) رقم 1116.
الزمان (قُبِلَ) منه ذلك (حكمًا) لأنَّ لفظَه يحتملُه، ولا مانع يمنعه.
(وإن طَلَّق) زوجته (أو ظاهر منها، ثم قال عَقِبه لضرَّتها: شَرِكْتُكِ معها، أو: أنتِ مثلها، أو: أنتِ كهي، أو: أنتِ شريكتها؛ فصريحٌ في الضرَّة، في الطلاق والظِّهار) لا يحتاجُ إلى نية؛ لأنه جعل الحكم فيهما واحدًا، إمَّا بالشركة في اللفظ
(1)
، أو بالمماثلة، وهذا لا يحتمل غير ما فُهِم منه، فكان صريحًا، كما لو أعاده عليها بلفظه. (ويأتي) حكم (الإيلاء) في بابه.
(وإن قال) لامرأته: (أنتِ طالق لا شيءَ) طَلَقت (أو): أنتِ طالق طلاقًا (ليس بشيءٍ) طَلَقت، (أو): أنتِ طالق طلاقًا (لا يلزمُكِ) طَلَقت (أو): قال لها (أنت طالقٌ، لا، أو): أنتِ (طالقٌ طلقة لا تقع عليك، أو: لا يَنقُص بها عدد الطلاق؛ طَلقت) لأن ذلك رفعٌ لجميع ما أوقعه، فلم يصح، كاستثناء الجميع، وإن كان ذلك خبرًا فهو كذب؛ لأن الشيء إذا أوقعه وقع.
(و) إن قال لها: (أنت طالقٌ أوْ لا؟ أو): أنت (طالق واحدة أو لا؟ لم يقع) طلاقه؛ لأنَّ هذا استفهام، فإذا اتصل به خرجَ عن أن يكون لفظًا لإيقاع، وتخالف المسألة قبلها؛ لأنه إيقاع لم يعارضه استفهام.
(وإن كتب صريحَ طلاقها) أي: امرأته (بما يتبيّن) أي: يظهر (وقع) الطلاق (وإن لم ينوِه) لأنَّ الكتابة حروفٌ يُفهم منها الطلاق، أشبهت النطق؛ ولأنَّ الكتابة تقوم مقام قولِ الكاتب، بدليل أنَّه صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بتبليغ الرسالة، فبلغ بالقول مرَّة وبالكتابة أخرى؛ ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون، ويتوجَّه عليه صحة الولاية بالخط؛
(1)
في "ح" و"ذ": "اللفظة".
ذكره في "الفروع". وإن كتب كناية طلاقها بما يتبين
(1)
فهو كناية على قياس ما قبله.
(وإن نوى) بكتابته طلاقَ امرأته (تجويدَ خطه، أو غَمَّ أهلِه، أو تجربة قلمه؛ لم يقع) طلاقه؛ لأنه إذا نوى تجويد خطه، أو تجربة قلمه، ونحوه؛ فقد نوى غيرَ الطلاق، ولو نوى باللفظ غير الإيقاع؛ لم يقع، فهنا أولى، وما وردَ من قوله صلى الله عليه وسلم:"عُفي لأمتي عمَّا حدَّثَت به أنفسَها ما لم تتكلمْ أو تعملْ به"
(2)
إنما يدلُّ على مؤاخذتهم بما نَوَوْه عند العمل به، وهذا لم ينوِ طلاقًا يؤاخذ به (ويُقبل) منه ذلك (حكمًا) لأن ذلك يُقبل في اللفظ الصريح على قول، فهنا أولى.
(وإن كتبه) أي: صريحَ طلاق امرأته (بشيء لا يتبين، مثل أن كتبه بإصبعه على وسادة ونحوها، أو على شيءٍ لا يثبت عليه خط، كالكتابة على الماء، أو في الهواء؛ لم يقع) طلاقه؛ لأنَّ هذه الكتابةَ بمنزلةِ الهمس بلسانه بما لا يُسمع (فلو قرأ ما كتبه، وقصد القراءةَ؛ لم يقع) طلاقُه، كلفظِ الطلاق إذا قصدَ به الحكاية ونحوها، ويقبل منه ذلك حكمًا.
(ويقع بإشارة مفهومة من أخرس فقط) لأنه يُفهم منها الطلاقُ، أشبهت الكتابة (فلو لم يفهمها) أي: الإشارة (إلا البعض؛ فكناية) بالنسبة إليه (وتأويله) أي: الأخرس (مع) الـ (ـصريح) من الإشارة (كالنطق) أي: كتأويله مع النطق فيما يقبل أو يرد، على ما تقدم تفصيله.
"تتمة": قال في "الشرح": وإن أشار الأخرس بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة؛ لأنَّ إشارته لا تكفي. انتهى. وفيه نظر إذا نواه.
(1)
في "ذ": "يبين".
(2)
تقدم تخريجه (5/ 261) تعليق رقم (3) و (6/ 191) تعليق رقم (2).
(وكتابتُه) أي: الأخرس بما يتبين
(1)
(طلاقٌ) كالناطق وأولى (فأما القادر على الكلام فلا يصحُّ طلاقه بإشارة) ولو كانت مفهومة؛ لقدرته على النطق.
(وصريحُه) أي: الطلاق (بلسان العجم: "بِهِشْتَم") بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة وفتح المثناة فوق؛ لأنَّ هذه اللفظة في لسانِهم موضوعةٌ للطلاقِ، يستعملونها فيه، فأشبهت لفظ الطلاق بالعربيةِ، ولو لم تكن هذه اللفظةُ صريحةً في لسانهم؛ لم يكن في العجمية صريحٌ للطلاق، ولا يضرُّ كونه
(2)
بمعنى خليتك؛ فإنَّ معنى: طلقتك: خليتك أيضًا، إلا أنه لما كان موضوعًا له ومستعملًا فيه كان صريحًا.
(فإذا قاله) أي: بِهِشْتَم (من يعرف معناه) من عربي أو أعجمي (وقع ما نواه) من واحدة أو أكثر (لأنه ليس له حَدّ مثل الكلام العربي) فإن أطلق فواحدة (فإن زاد: "بِسْيَار" طَلَقت ثلاثًا) لأن مؤدَّاه ذلك في لغتهم.
(وإن قاله عربي ولا يفهمه) لم يقع (أو نطق عجميٌّ بلفظ الطلاق) بالعربية (ولا يفهمه؛ لم يقع) طلاقه؛ لأنه لم يختر الطلاق؛ لعدم علمه معناه (وإن نوى موجَبه) أي: موجب هذا القولِ الذي لم يعرف معناه؛ لأنه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه، أشبه ما لو نطق بكلمة الكفر من لا يعرف معناها.
(1)
في "ذ": "يبين".
(2)
في "ذ": "كونها".
فصل
(والكنايات) في الطلاق (نوعان:
ظاهرة): وهي الألفاظ الموضوعة للبينونة؛ لأن معنى الطلاق فيها أظهر (وهي) أي: الكنايات الظاهرة (سِتَّ عشرةَ) كناية:
(أنت خَليَّةٌ) هي في الأصل الناقة تُطلق من عقالها ويخلى عنها، ويقال للمرأة: خلية، كناية عن الطلاق؛ قاله الجوهري
(1)
. وجعل أبو جعفر
(2)
مخلاة كخلية، ويفرق بينهما؛ قاله في "المبدع".
(وبريئة) بالهمز وتَرْكِه. (وبائن) أي: منفصلة. (وبتَّة) أي: مقطوعة. (وبتلة) أي: منقطعة، وسُمِّيت مريم البتول؛ لانقطاعها عن النكاح بالكلية.
(وأنت حُرَّة) لأن الحرة هي التي لا رِقَّ عليها، ولا شَكَّ أن النكاح رِقٌّ، وفي الخبر:"فاتَّقوا الله في النِّساء فإنهُنَّ عَوانٍ عنْدكم"
(3)
أي: أُسراء. والزوج ليس له على الزوجة إلا رقُّ الزوجية، فإذا أخبرَ بزوال
(1)
الصحاح (6/ 2330).
(2)
هو الشريف أبو جعفر عبدالخالق بن عيسى الهاشمي، ابن أخي صاحب الإرشاد، تفقه على القاضي أبي يعلى، وتفقه عليه ابن أبي يعلى صاحب الطبقات، وكان جيد الكلام في المناظرة، شديد القول واللسان في أصحاب البدع، والقمع لباطلهم، انتهت إليه -في وقته- الرحلة بطلب مذهب الإمام أحمد رحمه الله، صنف كتاب رؤوس المسائل، وقد حققه عبدالله بن سليمان الفاضل في رسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. توفي سنة (470 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الحنابلة (2/ 237).
(3)
تقدم تخريجه (12/ 68) تعليق رقم (2).
الرق، فهو الرق المعهود، وهو رق الزوجية.
(وأنتِ الحَرَج) بفتح الحاء والراء، يعني الحرام والإثم.
(وحبْلُكِ على غاربك) هو مقدَّم السنام، أي: أنت مرسلة مُطْلقة غير مشدودة ولا ممسكة بعقد النكاح.
(وتزوَّجي من شئت. وحللتِ للأزواج. ولا سبيل لي عليك) السبيل الطريق، ويذكر ويؤنث. (ولا سُلطان لي عليك. وأعتَقْتُك. وغطِّي شعرك. وتقنَّعي. وأمرك بيدك.
و) النوع الثاني: (خفية) لأنها أخفى في الدلالة من الأولى، وهي الألفاظ الموضوعة للطلقة الواحدة ما لم ينوِ أكثر (نحو: اخْرجي، و: اذْهبي، و: ذوقي، و: تجرَّعي، و: خَلَّيتك، و: أنت مخَلاة) أي: مطلقة، من قولهم: خلَّى سبيلي فهو مُخَلٍّ (و: أنت واحدة) أي: منفردة (و: لست لي بامرأة، و: اعتدي، و: استبرئي) من استبراء الإماء، ويأتي (و: اعتزلي) أي: كوني وحدك في جانب (و: الْحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، و: ما بقي شيء، و: أغناك الله، و: الله قد أراحك مني، و: اختاري، و: جرى القلم. وكذا لفظ: الفراق والسراح) وما تصرَّف منهما؛ غير ما تقدم استثناؤه في الصريح.
(وقال ابن عقيل: "إن الله قد طَلَّقك" كناية خفية، وكذا: فرَّق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة. وقال الشيخ
(1)
في) رجل قال لزوجته: (إن أبرأتني فأنت طالق. فقالت) له: (أبرأك الله مما تدَّعي النساء على الرجال، فظن أنه يبرأ، فطلَّق، قال: يبرأ) مما تدعي النساء على الرجال إن كانت رشيدة.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 370، ومجموع الفتاوى (32/ 352).
(فهذه المسائل الثلاث): إن الله
(1)
قد طلقك، و: فرَّق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة، و: أبرأك الله (الحكم فيها سواء، ونظير ذلك: إن الله قد باعَكَ) في إيجاب البيع (أو: قد أقالَكَ) في الإقالة (ونحو ذلك) كـ: إنَّ الله قد أجَرك، أو وهبك، والبراءة فيما تقدم صحيحة، ولو جهلت ما أبرأت منه، على ما تقدم
(2)
في الهبة من صحة البراءة من المجهول.
(والكناية -ولو ظاهرةً- لا يقع بها طلاق إلا أن ينويه) لأن الكناية لما قَصَرت رتبتها عن الصريح، وقف عملها على نية الطلاق تقويةً لها؛ ولأنها لفظ يحتمل غير معنى الطلاق، فلا يتعيَّن له بدون النية (بنيةٍ مقارنةٍ للفظ) أي: يشترط أن تكون النية مقارنة للفظ الكناية، فلو تلفَّظ بالكناية غير ناوٍ للطلاق، ثم نوى بها الطلاق بعد ذلك؛ لم يقع، كما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه، وقيل: يعتبر أن تقارن أوله، قدَّمه في "المحرر"، وقَطَع به في "شرح المنتهى"، فلو قارنت الجزء الثاني من الكناية دون الأول لم يقع الطلاق؛ لأن ما بقي لا يصلح للإيقاع بعد إتيانه بالجزء الأول من غير نِيَّة. قال في "الشرح": فإن وُجِدتْ في أوله، وعزبت عنه في سائره؛ وقع؛ خلافًا لبعض الشافعية
(3)
.
(أو يأتي) مع الكناية (بما يقوم مقام نِيَّة) الطلاق (كحال خصومةٍ، وغضبٍ، وجواب سؤالها) الطلاق (فيقع) الطلاق ممن أتى بكناية إذًا (ولو بلا نِيَّة) لأن دلالة الحال كالنية، بدليل أنها تُغَيّر حكم الأقوال والأفعال، فإنَّ من قال:"يا عفيف ابن العفيف" حال تعظيمه؛ كان
(1)
في "ح" و"ذ""أي إن لله".
(2)
(8/ 288).
(3)
مغني المحتاج (3/ 284).
مدحًا، ولو قاله حال الشتم؛ كان ذمًّا وقذفًا.
(فلو ادَّعى في هذه الأحوال) أي: حال الخصومة والغضب وسؤالها الطلاق (أنه ما أراد الطلاقَ، أو) ادَّعى (أنه أراد غيره) أي: غير الطلاق (دُيِّن) لاحتمال صدقة (ولم يُقبل في الحكم) لأنه خلاف ما دَلَّت عليه الحال.
(ويقع مع النيَّة بالكناية الظاهرة ثلاث، وإنْ نوى واحدة) رُوي ذلك عن علي
(1)
، وابن عمر
(2)
، وزيد بن ثابت
(3)
، وابن عباس
(4)
، وأبي هريرة
(5)
في وقائع مختلفة، ولا يُعرف لهم مخالف في الصحابة؛ ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق، فوقع ثلاثًا، كما لو طَلَّق ثلاثًا، وإفضاؤه إلى البينونة ظاهر، وظاهره: لا فرق بين المدخولِ بها وغيرها؛ لأن الصحابة لم يُفَرِّقوا.
(وكان) الإمام (أحمد
(6)
يكره الفُتيا في الكنايات الظاهرة، مع مَيْله أنها ثلاث) وَرَعًا.
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 252)، وعبدالرزاق (6/ 356، 359) رقم 11176، 11186، وسعيد بن منصور (1/ 387، 391) رقم 1664، 1678، وابن أبي شيبة (5/ 69)، والبيهقي (7/ 344)، وصححه أحمد كما في زاد المعاد (5/ 281).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 552)، وعبدالرزاق (6/ 357، 358) رقم 11178، 11184، وابن أبي شيبة (5/ 66، 70)، والبيهقي (7/ 344)، وصححه أحمد كما في زاد المعاد (5/ 281).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 68، 70)، والبيهقي (7/ 344).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 67)
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 67).
(6)
مسائل عبدالله (3/ 1130) رقم 1557، ومسائل أبي داود ص/ 170، ومسائل ابن هانيء (1/ 234) رقم 1133، ومسائل الكوسج (4/ 1607 - 1608، 1759) رقم 973، 1136.
(وعنه
(1)
: يقع) بالكناية الظاهرة (ما نواه؛ اختاره جماعة) منهم أبو الخطاب؛ لما روى رُكَانة: "أنه طلَّق امرأتَهُ البتة، فأخبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال
(2)
: والله ما أردتُ إلا واحِدةً، فردها إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فطلقها الثانية في زمنِ عمر، والثالثة في زمن عثمان" وفي لفظ قال:"هو على ما أردتَ" رواه أبو داود وصححه ابن ماجه
(3)
والترمذي
(4)
، وقال: سألت
(1)
انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 143).
(2)
في "ح": "فقال قل".
(3)
كذا في الأصول: "وصححه ابن ماجه"، ولعل الصواب:"وصححه وابن ماجه" فإن التصحيح جاء من أبي داود، لا من ابن ماجه. والله أعلم.
(4)
أبو داود في الطلاق، باب 14، حديث 2206 - 2208، وابن ماجه في الطلاق، باب 19، حديث 2051، والترمذي في الطلاق واللعان، باب 2، حديث 1177، وفي العلل الكبير (1/ 460 - 461). وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص/ 164، حديث 1188، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 37)، وعبدالرزاق (6/ 362) حديث 11196، وسعيد بن منصور (1/ 389) حديث 1671، وابن أبي شيبة (5/ 65)، والدارمي في الطلاق، باب 8، حديث 2277؛ وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 323) حديث 443، وأبو يعلى (3/ 107 - 108) حديث 1537 - 1538، والعقيلي (2/ 282، 3/ 254)، وابن حبان "الإحسان"(10/ 97) حديث 4274، والطبراني في الكبير (5/ 70 - 71) حديث 4612 - 4613، وابن عدي (5/ 1850 - 1851)، والدارقطني (4/ 33 - 35)، والحاكم (2/ 199 - 220)، والبيهقي (7/ 342، 10/ 43 - 44، 181)، وفي معرفة السنن والآثار (1/ 44 - 45) حديث 14697، والخطيب في تاريخه (8/ 464)، وابن عبدالبر في التمهيد (15/ 78 - 79)، والبغوي في شرح السنة (9/ 209) حديث 2353، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 639) حديث 1058، وفي التحقيق (2/ 292 - 293).
واختلف أهل العلم في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، قال الدارقطني: قال أبو داود: هذا حديث صحيح. هكذا في سنن الدارقطني، ولفظ أبي داود في سننه (2/ 657): هذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا؛ لأنهم أهل بيته، وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع، عن عكرمة، عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن عباس.
وقال الحاكم: قد صح الحديث بهذه الرواية، فإن الإمام الشافعي قد أتقنه وحفظه عن أهل بيته.
وقال ابن الجوزي في التحقيق: قال أحمد: حديث ركانة ليس بشيء.
وقال الترمذي: سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث. فقال: فيه اضطراب.
وقال العقيلي: مضطرب الإسناد. وضعَّفه عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 196)، وابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/ 311)، وابن القيم في زاد المعاد (5/ 263). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما المشار إليه: أخرجه أبو داود في الطلاق، باب 10، حديث 2196، وعبدالرزاق (6/ 390) حديث 11334، والحاكم (2/ 491)، من طريق ابن جريج، حدثني بعض بني أبي رافع -وعند الحاكم عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع- عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: طلق عبد يزيد -أبو ركانة وإخوته- أم ركانة. . . الحديث. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: محمد واهٍ والخبر خطأ، عبد يزيد لم يدرك الإسلام. وتعقبه الحافظ في إتحاف المهرة (7/ 584) بقوله: بل منكر. وأخرجه أحمد (1/ 265)، وأبو يعلى (4/ 379) حديث 2500، والبيهقي (7/ 339)، عن محمد بن إسحاق، حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثًا، قال: فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة، فارجعها إن شئت. قال: فرجعها.
قال البيهقي: هذا الإسناد لا تقوم به الحجة مع ثمانية رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما. فُتياه بخلاف ذلك، ومع رواية أولاد ركانة أن طلاق ركانة كان واحدة، وبالله التوفيق.
وجوَّد إسناده ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (33/ 67، 71، 73، 85 - 88)، وصحح إسناده ابن القيم في زاد المعاد (5/ 263)، وقال: وقد احتج أحمد بإسناده في مواضع، وقد صحح هو وغيره بهذا الإسناد بعينه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب=
محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال: فيه اضطراب؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قال لابنةِ الجَوْن: "الْحقي بأهْلك"
(1)
وهو لا يطلِّق ثلاثًا.
(فعليها) أي: على رواية أنه يقع ما نواه (إن لم ينوِ) مع الإتيان بالكناية الظاهرة بنيَّة الطلاق (عددًا، فواحدة) كما لو قال لها: أنت طالق (ويُقبل) منه (حكمًا) بيان ما نواه بالكناية الظاهرة، أو أنه لم ينوِ شيئًا بناء على الرواية الثانية؛ لأنه أدرى بنيَّته، ويقع عليه واحدة.
(ويقع ثلاث في: أنتِ طالقٌ بائنٌ، أو): أنتِ (طالق البتَّةَ، أو): أنتِ (طالق بلا رجعة) لما تقدم في الكناية الظاهرة. قال في "الشرح": ولا يحتاج إلى نِيَّة؛ لأنه وصف بها الطلاق الصريح.
(ولو قال) لزوجته: (أنت طالق واحدةً بائنةً، أو واحدةً بتَّةً؛ وقع رجعيًّا لأنه وصف الواحدة بغير وصفها، فأُلغِي.
(و: أنت طالق واحدةً ثلاثًا، أو ثلاثًا واحدةً؛ يقع ثلاثٌ.
ويقع بـ) ـالكناية (الخفيَّةِ ما نواه) من واحدة أو أكثر؛ لأن اللفظ لا دلالة له على العدد، والخفية ليست في معنى الظاهرة، فوجب اعتبار النية.
(إلا: أنتِ واحدةٌ، فيقع بها واحدةٌ؛ وإن نوى ثلاثًا) قاله القاضي والموفق، ولم يستثنها في "المنتهى" وغيره، فهي كغيرها من الكنايات الخفية؛ لأن معناها -كما تقدم-: أنت منفردة، وذلك لا ينافى أن ينوي بها أكثر من طلقة.
(فإن لم ينوِ) مَن أتى بكناية خفية (عددًا؛ وقع واحدة رجعية، إن
= على زوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئًا.
(1)
تقدم تخريجه (11/ 191) تعليق رقم (3).
كانت) المطلقةُ (مدخولًا بها، وإلا) بأن لم تكن المطلَّقة مدخولًا بها، وقعت واحدة (بائنة) لأنها إنما تقتضي الترك كما يقتضيه صريح الطلاق، من غير اقتضاء للبينونة، فوقع واحدة رجعية، كما لو أتى بصريح الطلاق.
(وما لا يدلُّ على الطلاق نحو: كُلي، واشْرَبي، واقْعُدي؛ واقْرَبي
(1)
، وبارك الله عليكِ، وأنت مليحةٌ، أو قبيحةٌ؛ لا يقع به طلاق، ولو نواه) لأنه لا يحتمل الطلاق، فلو وقع به الطلاق وقع بمجرَّد النيَّة. وفارق: ذوقي، وتجرَّعي؛ فإنه يُستعمل في المكاره؛ لقوله تعالى:{ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}
(2)
{يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}
(3)
بخلاف: كُلْ، واشرب. قال تعالى:{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}
(4)
.
(وكذا) قوله: (أنا طالق، أو: أنا منكِ طالق، أو: أنا منكِ بائن، أو حرام، أو بريء) فلا يقع به طلاق وإن نواه؛ لأنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نيّة، فلم يقع وإنْ نوى، كالأجنبي؛ ولأن الرجل مالك في النكاح، والمرأة مملوكة، فلم تقع إزالة الملك بالإضافة إلى المالك، كالعِتق، ويدلُّ له أن الرجل لا يوصف بأنه مُطَلَّق -بفتح اللام- بخلاف المرأة.
(وإن قال) لزوجته: (أنت عليَّ كظَهْرِ أُمي، أو: أنت عليَّ حرام، أو: ما أحل الله عليَّ حرام، أو: الحل عليَّ حرام) زاد في "الرعاية": أو حَرَّمتك (فهو ظِهار؛ لأنه صريح فيه) فلا يكون كناية في الطلاق، كما
(1)
في "ذ": "وقومي" وأشار في الحاشية إلى أنه في نسخة: "واقربي".
(2)
سورة آل عمران، الآية:181.
(3)
سورة إبراهيم، الآية:17.
(4)
سورة مريم، الآية:26.
لا يكون الطلاق كناية في الظهار.
(ولا يقع به طلاق ولو نواه) لأن الظِّهار تشبيه بمن تحرم على التأبيد، والطلاق يفيد تحريمًا غير مؤبَّد، ولو صَرَّح به؛ فقال -بعد قوله "أنتِ عليَّ كظهر أمي"-: أعني به الطلاقَ؛ لم يصر طلاقًا؛ لأنه لا تصلح الكناية به عنه؛ ذكره في "الشرح" و "المبدع".
(وإن قال: فراشي عليَّ حرامٌ، ونوى امرأته؛ فَظِهار) قال ابن عباس: في الحرام تحرير رَقَبة، فإن لم يجد فصيامُ شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا
(1)
(وإن نوى فراشه) الحقيقي (فَيَمِينٌ) عليه كفارته عند المخالفة؛ لما يأتي في الأيمان.
(و) إن قال: (ما أحلَّ الله عليَّ حرام، أعني به الطلاق؛ تطلُقُ) لأنه صريحٌ بلفظ الطلاق (ثلاثًا) لأن الطلاق معرَّف بالألف واللام، وهو يقتضي الاستغراق.
(وإن قال: أعني
(2)
به طلاقًا؛ فواحدة) لأنه صريحٌ في الطلاق، وليس فيه ما يقتضي الاستغراق، وليس هذا صريحًا في الظِّهار، إنما هو
(1)
أخرجه النسائي في الطلاق، باب 16، رقم 3420، وفي الكبرى (6/ 495) رقم 11609، والطبراني في الكبير (11/ 440) حديث 12246، والدارقطني (4/ 43)، والبيهقي (7/ 350 - 351)، من طريق سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي عليَّ حرامًا، فقال: كذبت، ليست عليك بحرام، ثم تلا هذه الآية:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} عليك أغلظ الكفارة: عتق رقبة. وأخرجه عبدالرزاق (8/ 441) رقم 15834، من طريق منصور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في النذر والحرام، قال: إذا لم يسم شيئًا، قال: أغلظ اليمين، فعليه رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا. وصححه ابن حزم في المحلى (8/ 24).
(2)
في "ذ": "وإن عنى".
صريحٌ في التحريم، وهو ينقسم إلى قسمين، فإذا بيَّن بلفظه إرادةَ صريح الطلاق صُرف إليه.
(و: أنت عليَّ كالميتة والدم) وفي "الفروع" و "المبدع": والخمر (يقع ما نواه من الطلاق) لأنه يصلح أن يكون كناية فيه (والظِّهار) إذا نواه، بأن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها، لأنه يُشبهه (واليمين) إن أراد بذلك ترك وطئها، وأقام ذلك مقام: والله لا وطئتك، لا تحريمها، ولا طلاقها، وفائدته: ترتب الحنث والبِرِّ، ثم ترتب الكفارة بالحنث. قال في "المبدع": وفي ذلك نَظَر من حيث إن قوله: كالميتة. ليس بصريح في اليمين؛ لأنه لو كان صريحًا لما انصرف إلى غيرها بالنية، وإذا لم يكن صريحًا؛ لم يلزمه الكفَّارة؛ لأن اليمين بالكناية لا تنعقد؛ لأن الكفارة إنما تجب لهتك القسم.
(فإن نوى) بذلك (الطلاقَ ولم ينوِ عددًا؛ وقع واحدة) لأنها اليقين (وإن لم ينوِ) بذلك (شيئًا؛ فهو ظِهار) لأن معناه: أنتِ حرام عليَّ كالميتة والدم.
(ولو قال: عليَّ الحرام، أو: يلزمني الحرام، أو: الحرام يلزمني؛ فلَغْوٌ؛ لا شيء فيه مع الإطلاق) لأنه لا يقتضي تحريم شيء مُباح بعينه.
(ومع نية) تحريم الزوجة (أو قرينة) تدلُّ على إرادة ذلك؛ فهو (ظِهار) لأنه يحتمله، وقد صَرَفه إليه بالنية، فتعيَّن له.
قال في "الفروع" في الظِّهار: ويتوجَّه الوجهان إن نوى به طلاقًا، وأن العُرف قرينة. قال في "تصحيح الفروع": الصواب أنه يكون طلاقًا بالنية؛ لأن هذه الألفاظ أولى بأن تكون كناية من قوله: اخْرجي، ونحوه. قال: والصواب أن العُرف قَرينة، والله أعلم (ويأتي في بابه) أي: باب الظِّهار.
(وإن قال: حلفتُ بالطلاق، وكَذَب) بأن لم يكن حَلَف (لم يَصرْ
حالفًا، كما لو قال: حلفتُ بالله، وكان كاذبًا، ويلزمه إقراره في الحكم) لأنه تعلَّق به حق إنسان معيَّن، أشبه ما لو أقرَّ بمال ثم قال: كذبت (ولا يلزمه) الطلاق (فيما بينه وبين الله) تعالى؛ لأنه لم يحلف، واليمين إنما تكون بالحلف.
ولو قالت زوجته: حلفتَ بالطلاق الثلاثِ؟ فقال: لم أحلف إلا بواحدة. أو قالت: عَلَّقتَ طلاقي على قُدوم زيد؟ فقال: لم أعلقه إلا على قدوم عمرو. كان القول قوله؛ لأنه أعلم بحال نفسه.
فصل
(وإذا قال لامرأته: أمرُكِ بيدكِ؛ فهو توكيل منه لها) في الطلاق؛ لأنه أذن لها فيه (ولا يتقيَّد) ذلك (بالمجلس) بل هو على التراخي؛ لقول عليٍّ
(1)
، ولم يُعرف له مخالف في الصحابة، فكان كالإجماع؛ ولأنه نوع تملك
(2)
في الطلاق، فملكه المفوض إليه في المجلس وبعده، كما لو جعله لأجنبي.
(ولها أن تُطَلِّقَ نفسها ثلاثًا) أفتى به أحمد
(3)
مرارًا، ورواه البخاري في "تاريخه" عن عثمان
(4)
، وقاله عليٌّ
(5)
،
(1)
أخرج ابن أبي شيبة (5/ 63)، عن علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها. قال: هو لها حتى تتكلم، أو جعل أمر امرأته بيد رجل، قال: هو بيده حتى يتكلم.
(2)
في "ح" و "ذ": "تمليك".
(3)
مسائل صالح (2/ 256، 3/ 106) رقم 857، 1437، ومسائل أبي داود ص/ 171، ومسائل ابن هانئ (1/ 228، 229 - 230) رقم 1104، 1114.
(4)
(3/ 285)، ولفظه: قال عثمان -في أمرك بيدك-: القضاء ما قضت، وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (6/ 518) رقم 11902، وسعيد بن منصور (1/ 376 - 377) رقم 1615 - 1616، وابن أبي شيبة (5/ 56)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 106).
(5)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 519) رقم 11910، وسعيد بن منصور (1/ 385) رقم 1656.
وابن عمر
(1)
، وابن عباس
(2)
، وفَضَالةُ
(3)
، ونصره في "الشرح"؛ لما روى أبو داود والترمذي بإسناد رجاله ثقات، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"هو ثلاثٌ"
(4)
. قال البخاري: هو موقوف على أبي هريرة؛ ولأنه
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 553)، والشافعي في الأم (7/ 254)، وعبدالرزاق (6/ 518 - 519) رقم 11905 - 11906، 11909، 11911، وسعيد بن منصور (1/ 377) رقم 1619 - 1620، وابن أبي شيبة (5/ 57)، والبيهقي (7/ 348، 10/ 182)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 51).
(2)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 521 - 522) رقم 11918 - 11920، وابن أبي شيبة (5/ 56)، والبيهقي (7/ 349).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 56).
(4)
أبو داود في الطلاق، باب 13، حديث 2204، والترمذي في الطلاق واللعان، باب 3، حديث 1178، وفي العلل ص/ 171، حديث 300. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الطلاق، باب 11، حديث 3410، وفي الكبرى (3/ 352)، حديث 5603، والعقيلي (4/ 3)، والحاكم (2/ 205 - 206)، وابن حزم في المحلى (10/ 119)، والبيهقي (7/ 349)، من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن قتادة، عن كثير مولى عبدالرحمن بن سمرة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، وسألت محمدًا [البخاري] عن هذا الحديث، فقال: حدثنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد بهذا. وإنما هو من قول أبي هريرة، ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعًا.
وقال النسائي في الكبرى: هذا حديث منكر.
وقال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح.
وقال ابن حزم: كثير مولى ابن سمرة مجهول، ولو كان مشهورًا بالثقة والحفظ لما خالفنا هذا الخبر، وقد أوقفه بعض رواته على أبي هريرة.
وقال البيهقي: كثير هذا لم يثبت من معرفته ما يوجب قبول روايته، وقول العامة بخلاف روايته والله أعلم.
وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 390، 526): وكثير هذا: هو مولى=
يقتضي العموم في جميع أمرها؛ لأنه اسم جنس مضاف، فيتناول الطلقات الثلاث.
(كقوله: طَلِّقي نفسك ما شئتِ، ولا يُقْبَلُ قوله: أردت واحدة، ولا يُديَّن) لأنه خلاف مقتضى اللفظ.
(وهو) أي: الطلاق (في يدها) على التراخي -كما سبق- (ما لم يفسخ، أو يَطأ) فلا تطلق نفسها بعد؛ لأن ذلك وكالة، فتبطل إذا فسخها بالقول، أو أتى بما يدلُّ على فَسْخِها، والوطء يدلُّ على الفسخ.
(وكذلك الحكم إن جعله) أي: أمرها (في يد غيرها) أي: الزوجة، بأن جعل أمرها بيد زيدٍ مثلًا، فله أن يطلِّقها ثلاثًا، ما لم يفسخ أو يطأ؛ لما تقدم.
(وإن قال لها: اختاري نفسكِ؛ لم يكن لها أن تُطَلِّق) نفسها (أكثر من واحدة، وتقع رجعية) حكاه أحمد
(1)
عن ابن عمر
(2)
، وابن مسعود
(3)
، وزيد بن ثابت
(4)
،
= عبدالرحمن بن سمرة، ذكر أحمد بن سعيد بن حزم المنتجالي عن الكوفي [هو العجلي في الثقات (2/ 226) رقم 1547]، أنه قال فيه: ثقة. فعلى هذا لا يكون الحديث ضعيفًا.
(1)
مسائل أبي داود ص/ 172، ومسائل ابن هانئ (1/ 228) رقم 1108، ومسائل صالح (1/ 406) رقم 388، ومسائل عبدالله (3/ 1112، 1131) رقم 1534، 1559، ومسائل حرب ص 207.
(2)
لم نقف على من أخرجه مسندًا.
(3)
أخرجه عبدالرزاق (7/ 8 - 10) رقم 11973، 11977، وسعيد بن منصور (1/ 383 - 384) رقم 1648 - 1649، وابن أبي شيبة (5/ 58)، والطبراني في الكبير (9/ 333) رقم 9653، والبيهقي (7/ 345، 346).
(4)
أخرجه عبدالرزاق (7/ 9، 12، 14) رقم 11976، 11988، 11996 - 11997، وسعيد بن منصور (1/ 378، 386) رقم 1621، 1661، وابن أبي شيبة (5/ 60 - =
وعائشة
(1)
وغيرهم
(2)
؛ ولأن: "اختاري" تفويض معيّن، فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم، وهو طَلْقة رجعية؛ لأنها بغير عوض. بخلاف:"أمرك بيدك" فإن: "أمرًا" مضاف فيتناول جميع أمرها (إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك) أي: من واحدة (سواء جعله بلفظه، بأن يقول: اختياري ما شئت، أو: اختاري الطلقات إن شئتِ، أو جعله بِنيَّته، بأن ينوي بقوله: "اختاري" عددًا) اثنين
(3)
أو ثلاثًا
(4)
(فإن نوى ثلاثًا، أو اثنتين، أو واحدة؛ فهو على ما نوى) فيرجع إلى نيته؛ لأنها كناية خفية.
(وإن نوى) الزوج (ثلاثًا، فطَلَّقتْ أقلَّ منها) أي: من ثلاث، كاثنتين، أو واحدة (وقع ما طَلَّقتْهُ) دون ما نواه؛ لأن النية لا يقع بها الطلاق، وإنما يقع بتطليقها، ولذا لو لم تُطَلِّق لم يقع شيء.
(فلو كَرَّرَ لفظَ الخيار) بأن ذكره مرَّتين أو أكثر (بأن قال: اختاري اختاري اختاري، فإن نوى إفهامَها، وليس نيته ثلاثًا، ولا اثنتين) فواحدة (أو نوى واحدة؛ فواحدة، نصًّا
(5)
) لأنها اليقين (وإن أراد ثلاثًا؛ فثلاث، نصًّا (3)) لأنها كناية خفية، فيقع ما نواه بها -كما تقدم- خصوصًا مع تكرارها ثلاثًا.
(وليس لها) أي: للمقول لها: "اختاري" (أن تُطَلِّق إلا ما داما في
= 61)، وابن حزم في المحلى (10/ 121).
(1)
لم نقف على من رواه مسندًا.
(2)
منهم عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم: أخرجه عبدالرزاق (7/ 9) 11975، 11977، وابن أبي شيبة (5/ 59 - 60)، والبيهقي (7/ 345).
(3)
في "ذ": "اثنتين".
(4)
في "ذ" زيادة: "لأنه كناية خفية فيرجع في قول مما يقع بها إلى نيته كسائر الكنايات الخفية".
(5)
المغني (10/ 393)، والمبدع (7/ 288).
المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعه) عُرفًا، رُوي ذلك عن عمر
(1)
، وعثمان (4)، وابن مسعود
(2)
، وجابر
(3)
؛ لأنه خيار تمليك؛ فكان على الفور، كخيار القَبول.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إني ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك ألَّا تعجلي حتى تستأمري أبويك"
(4)
. فإنه جعل لها الخيار على التراخي، وأما: طَلِّقي نفسك، و: أمركِ بيدكِ؛ فتوكيل، والتوكيل يعمُّ الزمان، ما لم يقيده بقيد؛ بخلاف مسألتنا.
(إلا أن يجعل إليها
(5)
أكثر من ذلك) بأن يقول لها؛ اختاري نفسكِ يومًا، أو أسبوعًا، أو شهرًا ونحوه، فتملكه إلى انقضاء ذلك.
(فإن قاما) أي: الزوجان، من المجلس بعد أن خيَّرها وقبل الطلاق؛ بَطَلَ خيارها (أو) قام (أحدهما من المجلس) بَطَلَ الخيار؛ لأن
(1)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 525) رقم 11938، وابن أبي شيبة (5/ 62)، وقال ابن حجر في الدراية (2/ 71): في إسناده ضعف.
(2)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 524) رقم 11929، وسعيد بن منصور (1/ 379 - 380) رقم 1625 - 1636، وابن أبي شيبة (5/ 62)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (11/ 57) رقم 14762 وضعفه. وقال ابن حجر في الدراية (2/ 71): أخرجه الطبراني والبيهقي من طريقه، ورجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعًا.
(3)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 525) رقم 11935، وسعيد بن منصور (1/ 379) رقم 1626، وابن أبي شيبة (5/ 62)، والطبراني في الكبير (9/ 333) رقم 9652، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (11/ 57) رقم 14763، وقال ابن حجر في الدراية (2/ 71): أخرجه عبدالرزاق بإسناد صحيح.
(4)
أخرجه البخاري في المظالم، باب 25، حديث 2468، عن عمر رضي الله عنه وفي التفسير، باب 4 - 5، حديث 4785 - 4786، ومسلم في الطلاق، حديث 1475، عن عائشة رضي الله عنها.
(5)
في "ذ": "لها".
القيام يبطل الفِكر
(1)
، فهو إعراض، بخلاف القعود (أو خرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره؛ بَطَل خيارها) للإعراض عنه.
(وإن كان أحدهما) أي: الزوجين (قائمًا، فركِبَ، أو مشى؛ بَطَل) خيارها؛ للتفرُّق.
و (لا) يبطل خيارها (إن قَعَد) من كان قائمًا منهما (أو كانت قاعدة فاتَّكأت، أو مُتَّكئة فقعدتْ) إذ لا دلالة لذلك على الإعراض، ولو طال المجلس، ما لم يتشاغلا بما يقطعه.
(وإن تشاغلت بالصلاة بَطَل) خيارها؛ للتشاغل (وإن كانت) حين خيَّرها (في صلاة فأتمتها؛ لم يبطل) خيارها؛ لأنه لا يدلُّ على إعراضها (وإنْ أضافت إليها ركعتين أخريين) بَطَلَ؛ للتشاغل (أو كانت راكبة فسارت؛ بَطَلَ) خيارها؛ للتفرق.
و (لا) يبطل خيارها (إن أكلت يسيرًا، أو قالت: باسم الله، أو سَبَّحت شيئًا يسيرًا، أو قالت: ادعوا لي شهودًا أُشهدهم على ذلك) لأنه لا إعراض منها.
(وإن جعله) أي: الخيار (لها على التراخي) بأن قال: اختاري إذا شئتِ، أو متى شئتِ، أو متى ما شئت، ونحوه (أو قال: لا تعجلي حتى تستأمري أبويكِ ونحوه، فهو على التراخي) لحديث عائشة
(2)
.
(وإن قال) لها: (اختاري اليوم وغدًا وبعد غدٍ؛ فلها ذلك، فإن ردَّته في اليوم الأول؛ بَطَل) الخيار (كله) فلا خيار لها في غد ولا ما بعده؛ لأنه خيار واحد في مدة واحدة، فإذا بَطَل أوله بَطَل فيما بعده، بخلاف ما لو
(1)
في "ذ": "الذكر" وأشار في الحاشية إلى أنه في نسخة "الفِكر".
(2)
تقدم تخريجه آنفًا.
قال لها: اختاري اليوم وبعد غد؛ فإنها إذا ردَّته في الأول لم يبطل بعد غد؛ لأنهما خياران ينفصل
(1)
أحدهما من صاحبه.
(وإن قال: اختاري نفسك اليومَ، واختاري نفسك غدًا، فردَّته في اليوم الأول؛ لم يبطل) الخيار في اليوم (الثاني) لأنهما خياران، كما دَلَّ عليه إعادة الفعل.
(ولو خيَّرها شهرًا، فاختارتْ) نفسها (ثم تزوَّجها) أو لم تخترها، لكن طَلَّقها، ثم تزوَّجها (لم يكن لها عليه خيار) لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه، كالبيع.
(وإن جعله) أي: الخيار (لها اليوم كله، أو جعل أمرها بيدها، فردته، أو رجع فيه، أو وطئها؛ بَطَل خيارها) لأنه توكيل، وقد رجع فيه.
(و
لفظة الأمر والخيار، كناية في حق الزوج، يفتقر إلى نِيَّة)
بأن ينوي بذلك تفويض الطلاق إليها، كسائر الكنايات (فلفظةُ الأمرِ كناية ظاهرة، و) لفظة (الخيار) كناية (خفيَّة، كما تقدَّم) في أول الكنايات.
(فإن نوى) الزوج (بهما) أي: بـ"أمركِ بيدكِ"، وبـ"اختاري نفسك"(الطلاق في الحال؛ وقع) الطلاق في الحال (ولم يحتج) وقوعه (إلى قَبولها) كسائر الكنايات.
(وإن لم ينوِ) إيقاعه في الحال، بل نوى تفويضه إليها (فإن قَبِلته بلفظ الكناية، نحو: اخترتُ نفسي؛ افتقر) وقوعه (إلى نيتها) لأنه كناية، أشبه ما لو أوقعه هو بكناية.
(وإن قَبِلته بلفظ الصريح، بأن قالت: طَلَّقت نفسي؛ وقع من غير نِيَّة) لعدم افتقاره إليها.
(1)
في "ذ": "منفصل".
(وإن اختلفا في نيتها) الطلاق (فقولُها) لأنها أدرى بنيتها.
(وإن اختلفا في رجوعه) بأن قال: رجعت قبل الإيقاع، قالت
(1)
: بل بعده (فقوله) لأن الأصل بقاء العصمة (كما لو اختلفا في نيَّتهِ) فإن القول قوله؛ لأنه أدرى بها.
(وإن قال) لها: (اختاري) نفسكِ (فقالت: اخترتُ، فقط، أو) قالت: (قبلتُ، فقط، ولو مع النية) لم يقع الطلاق (أو) قالت: (أخذتُ أمري، أو) قالت: (اخترتُ أمري، أو) قالت: (اخترتُ زوجي، لم يقع الطلاق) لقول عائشة: قد خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفكان طلاقًا
(2)
؟! وقالت: لما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه وبدأ بي، فقال: "إنِّي لمُخْبِرُك خبرًا، فلا عليك ألَّا تعْجَلي حتى تستأمري أبَوَيْكِ، ثم قال: إن الله تعالى قال لي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ. . .} حتى بلغ: {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}
(3)
فقلت: في
(4)
هذا أستأمرُ أبوَيَّ؟! فإني
(5)
أريد الله ورسوله والدارَ الآخرة، قالت: ثم فعل أزواجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلتُ" متفق عليه
(6)
. ولأنها مخيَّرة لم يوجد منها ما يَدلُّ على قطع النكاح، فلم يقع بها طلاق، كالمعتقة تحت عبدٍ.
(1)
في "ذ": "وقالت".
(2)
أخرجه البخاري في الطلاق، باب 5، حديث 5262 - 5263، ومسلم في الطلاق، حديث 1477.
(3)
سورة الأحزاب، الآيتان: 28 - 29.
(4)
في "ذ": "أفي"، ولفظ البخاري:"ففي أي هذا"، ولفظ مسلم:"في أي هذا".
(5)
في "ح": "ثم قلت: فإني".
(6)
تقدم تخريجه (12/ 234) تعليق رقم (4).
فلا يقع بها (حتى تقول مع النية) أي: نية الطلاق: (اخترتُ نفسي، أو): اخترتُ (أبويَّ، أو): اخترتُ (الأزواج، أو): اخترتُ (لا تدخل عليَّ، ونحوه) مما يدلُّ على معنى الطلاق.
(ويجوز أن يجعل) الزوج (أمرها بيدها بعِوض) منها، أو من غيرها، ممن يصحُّ تبرُّعه (وحكمه) أي: حكم جعل أمرها بيدها بعِوض (حكم ما) أي: حكم جعله
(1)
بـ (ــــلا عوض له، في أن له الرجوع فيما جعل لها، و) في (أنه يبطل) جعله لها ذلك (بالوطء والفسخ) لأنه وكالة، كما تقدم
(2)
.
(فإذا قالت: اجعلْ أمري بيدي وأعطيكَ عبدي هذا، فقبض العبدَ، وجعل أمرها بيدها؛ فلها أن تختار) نفسها؛ لجعله ذلك لها (ما لم يرجع، أو يطأها) لأن التوكيل لا يبطل بدخول العوض فيه، فإن رجع، أو وطئها؛ بَطَل تخييرها؛ لرجوعه عنه.
(وإن قال) لزوجته: (طَلِّقي نفسكِ؛ فهو على التَّراخي) لأنه فَوَّضه إليها، فأشبه:"أمرُكِ بيدكِ"(وهو) أي: قوله لها: "طَلِّقي نفسك"(توكيل) لها في طلاق نفسها (يبطل برجوعه) وفسخه، ووطئها، كما تقدم.
(فإن قالت: اخترتُ نفسي) أو: اخترتُ أبويَّ، أو الأزواج (وَنَوَتِ الطلاق؛ وقع) لأنه فوَّض إليها الطلاقَ؛ وقد أوقعته، أشبه ما لو أوقعته بلفظِ الصريح، (وليس لها أن تُطلِّقَ أكثر من واحدة) لأنه أقل ما يقع عليه الاسم (إلا أن يجعل إليها أكثر منها، إما بلفظه، أو نيته) لأن الطلاق
(1)
في "ح" و "ذ": "حكم جعل أمرها بيدها".
(2)
(12/ 232).
يكون واحدة وثلاثًا، فقد نوى بلفظه ما احتمله.
(ولو قال: طَلِّقي نفسكِ ثلاثًا) فقالت: طَلَّقتُ نفسي (طَلَقت ثلاثًا بِنِيَّتِها) كما لو قال الزوج: "طلقتُكِ" ونوى به ثلاثًا.
(وتملك بقوله: طلاقُكِ بيدكِ، أو: وكَّلتُكِ في الطلاق، ما تملك بقوله لها: أمرك بيدك) فتملك الثلاث؛ لأن الطلاق في الأول مفرد مضاف، فيعمّ، وفي الثاني معرَّف باللام الصالحة للاستغراق، فيعم.
(ولا يقع) الطلاق (بقولها) لزوجها: (أنتَ طالق. أو: أنتَ مِنِّي طالق، أو: طلقتُكَ) لما روى أبو عبيد والأثرم، أن رجلًا جاء إلى ابن عباس فقال: ملَّكتُ امرأتي أمرها فَطَلَّقتني ثلاثًا، فقال ابن عباس: إن الطلاقَ لكَ وليس لها علَيْكَ
(1)
. واحتج به أحمد
(2)
؛ ولأن الرجل لا يتصف بأنه مُطَلَّق -بفتح اللام- بخلاف المرأة.
(قال في "الروضة": صفة طلاقها: طَلَّقتُ نفسي، أو: أنا منكَ طالق، وإن قالت: أنا طالق؛ لم يقع.
و
حكم الوكيل الأجنبي حكمها)
أي: الزوجة (فيما تقدم) والمراد بالأجنبي غير الزوجة، ولو كان قريبًا للزوج أو الزوجة (فيقع الطلاق بإيقاعه) أي: الوكيل (الصريح) بأن يقول: هي طالق، ونحوه (أو
(1)
أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 210 - 221) بلفظ: "خطأ الله نواها، ألا طلقت نفسها ثلاثًا"، وأما الأثرم فلعله رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (6/ 521، 522) رقم 11918 - 11920؛ وسعيد بن منصور (1/ 382) رقم 1642، وابن أبي شيبة (5/ 57 - 58)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 34) رقم 1466، وابن حزم في المحلى (10/ 120، 121)، والبيهقي (7/ 349، 350).
(2)
المغني (10/ 372).
كناية
(1)
) بنية الطلاق؛ لأن وكيل كل إنسان يقوم مقامه، فيقع منه بالكناية (ولو وكَّل فيه بصريح) بأن قال له: طَلِّقْها، أو: وكَّلتُكَ أن تطلقها، ونحوه؛ لأنه حيث أتى بالكناية مع النية صَدَق عليه أنه طَلَّقها.
(ولفظ: أمر، واختيار، وطلاق، للتراخي في حق وكيل) فإذا قال له: أمر فلانة بيدك، أو: اخْتَرْ طلاقها، أو: طلِّقْها؛ ملكه على التراخي (وتقدم بعض ذلك في آخر كتاب الطلاق
(2)
.
ووجب على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تخييرُ نسائه
(3)
) وتقدم في الخصائص
(4)
، وخيَّرهن، وبدأ بعائشة، وتقدم
(5)
قريبًا.
(وإن وهبها) أي: وهب الزوج زوجته (لأهلها) بأن قال: وهبتها لأبيها، أو أخيها ونحوه (أو لأجنبي، أو) وهبها (لنفسها، فرُدت) بالبناء للمفعول، أي: رد الموهوبُ له، من أهلها، أو الأجنبي، أو هي، الهبة؛ فلغوٌ، رُوي عن ابن مسعود
(6)
؛ ولأن ذلك تمليك للبُضْع، فافتقر إِلى القَبول، كقوله: اختاري، و: أمرك بيدك.
(أو) قَبِلَ موهوب له الهبة، لكن (لم ينوِ) الزوج بالهبة (طلاقًا) فلغوٌ.
(1)
في "ح" و "ذ": "بكناية".
(2)
(12/ 194).
(3)
في حاشية الأصل و"ح" و "ذ" زيادة "وفي نسخة: أزواجه".
(4)
(11/ 189).
(5)
(12/ 237) تعليق رقم (6).
(6)
أخرجه عبدالرزاق (6/ 371) رقم 11241، وسعيد بن منصور (1/ 372) رقم 1598، وابن أبي شيبة (5/ 76)، عن مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه في الرجل يهب امرأته لأهلها، قال: إن قبلها أهلها فتطليقة يملك رجعتها، وإن لم يقبلوها فلا شيء.
(أو) قَبِلَ موهوب له، و (نواه) أي: نوى الزوج الطلاقَ (ولم ينوِه موهوب له؛ فلَغوٌ) لأنه كناية في حق كلٍّ من الواهب والموهوب له، فإن لم يقترن بنيتهما؛ لم يقع، كسائر الكنايات.
(كبيعها) أي: كما لو باع زوجته (لغيره) كأن يقول: بعتُكِ لزيد مثلًا، فلا يقع به طلاق، ولو نواه، وقَبِله زيد ونواه (نصًّا
(1)
) لأنه لا يتضمن معنى الطلاق؛ لكونه معاوضة، والطلاق مجرد إسقاط.
وذكر ابن حمدان: إن ذكر عوضًا معلومًا؛ طَلَقت مع النية والقَبول.
(وإن قُبلت) بالبناء للمفعول، أي: الهبة، بأن قَبِلها موهوب له غيرها، أو هي إن وُهِبَت لنفسها. وصفة قَبول أهلها أن يقولوا: قبلنا
(2)
؛ نص عليه
(3)
. وكذا الأجنبي
(4)
(فواحدة رجعية إذا نواها، أو أطلق نيةَ الطلاق) لأنه لفظ محتمل، فلا يُحمل على أكثر من واحدة عند الإطلاق، كقوله: اختاري. وكانت رجعية؛ لأنها طَلْقة لمن عليها عِدَّة بغير عوض قبل استيفاء العَدد، فكانت رجعيَّة، كما لو قال لها: أنت طالق (أو دلَّت دلالة الحال) على إرادة الطلاق منهما؛ فيُعمل بها؛ لقيامها مقام النية.
(وإن نوى) كلٌّ مِن واهب وموهوب له بالهبة والقَبول (ثلاثًا، أو اثنتين؛ وقع ما نواه) لأن لفظه يحتمله (كبقية الكنايات الخفية، وتُعتبر نِيَّة موهوب له) بالقَبول الطلاقَ، (كـ) ـــما تُعتبر نيَّة (واهب) بالهِبة الطلاقَ؛ لأن ذلك كناية كما تقدَّم.
(1)
مسائل عبدالله (3/ 1131) رقم 1558، ومسائل حرب ص 209.
(2)
في "ح" و"ذ": "قبلناها".
(3)
مسائل عبدالله (3/ 1131) رقم 1558، ومسائل حرب ص/ 209.
(4)
زاد في "ح" و"ذ": "أو هي" فالسياق: وكذا الأجنبي أو هي.
(ويقع أقلُّهما
(1)
إذا اختلفا في النيَّة) فإذا نوى أحدهما واحدةً، والآخر اثنتين؛ فواحدة، أو نوى أحدُهما اثنتين، والآخر ثلاثًا؛ فاثنتان.
(وإن نوى الزوجُ بالهِبة) أي بقوله: وهبتك لأهلك، أو لزيد، أو لنفسك (الطلاق في الحال) من غير توقف على قَبول (وقع) الطلاق في الحال (ولم يحتج إِلى قَبولها) كما لو أتى بكناية غيرها ناويًا بها الإيقاع.
(ومِنْ شَرْطِ وقوع الطلاق: النطق به) لما تقدم أول الباب (إلا في موضعين تقدَّما
(2)
) في الباب، أحدهما:(إذا كتب صريح طلاقها) بما يبين.
(و) الثاني: (إذا طلق الأخرس بالإشارة) المفهومة (فإن طَلَّق في قلبه؛ لم يقع، كالعتق، ولو أشار بإصبعه
(3)
) أو أصابعه الثلاث (مع) نيَّته بـ (ــقلبه) لما تقدم.
(نقل ابن هانئ
(4)
) عن أحمد: إذا طَلَّق في نفسه (لا يلزمه) أي: الطلاق (ما لم يلفظ به أو يُحَرِّك لسانه) قال في "الفروع": (فظاهره) أي: النص المذكور: (يقع، ولو لم يسمعه، بخلاف القِراءة في الصلاة) فإنها لا تجزئه حيث لم يُسْمِع نفسه.
(1)
في "ذ": "أقلها".
(2)
(12/ 217 - 218).
(3)
في "ذ": "بإصبعيه".
(4)
في مسائله (1/ 224) رقم 1086. و -أيضًا- عبد الله في مسائله (3/ 1116، 1131، 1146) رقم 1541، 1560، 1576، والكوسج في مسائله (4/ 1985) رقم 1364، وحرب في مسائله ص 160.
قال في "الفروع": ويتوجَّه: كقراءة في صلاة، يعني: أنه لا يقع طلاقه إذا حَرَّك لسانه به، إلا إذا كان بحيث يُسْمِع نفسه لولا المانع، وتقدَّم
(1)
.
ومميز ومميزة -في كل ما سبق- كبالغين.
(1)
(2/ 289).
باب ما يختلف به عدد الطلاق
يعتبر (الطلاق بالرِّجال)
رُوي ذلك عن عمر
(1)
(2)
، وعثمان
(3)
، وزيد
(3)
، وابن عباس
(4)
؛ لأن الطلاق خالِصُ حَقِّ الزوج، وهو مما يختلف بالرِّق والحرية، فكان اختلافه معتبرًا بالرجل، كعدد المنكوحات؛ ولأن الله تعالى خاطبهم بالطلاق، فكان حكمه معتبرًا بهم.
وحديث عائشة مرفوعًا: "الأمةُ تَطْليقتانِ
(5)
، وقُرْؤها حيضتانِ"
(6)
(1)
أخرج الشافعي في الأم (5/ 41، 217)، وعبدالرزاق (7/ 221) رقم 12872، وسعيد بن منصور (1/ 302، 2/ 97)، رقم 1277، 2186، وابن أبي شيبة (5/ 167)، وأبو بكر بن زياد النيسابوري في "الزيادات على كتاب المزني" ص/ 483، رقم 457، والدارقطني (3/ 308)، والبيهقي (7/ 158، 425)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 200) رقم 15264، وابن الجوزي في التحقيق (3/ 273)، عن عبدالله بن عتبة أن عمر بن الخطاب قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين. . . إلخ.
وصححه ابن الملقن في البدر المنير (8/ 221)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 233).
(2)
في "ذ" و"ح" زيادة: "وعلي" وروايته أخرجها البيهقي (7/ 370).
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 574)، وعبدالرزاق (7/ 234) رقم 12946، والبيهقي (7/ 368)، ولفظ عبدالرزاق: أن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما قالا: الطلاق للرجال، والعدة للنساء. وأثر زيد رضي الله عنه أخرجه -أَيضًا- مالك في الموطأ (2/ 574)، وسعيد بن منصور (1/ 314) رقم 1329، والطحاوي (3/ 62)، والبيهقي (7/ 369).
(4)
أخرجه عبدالرزاق (7/ 236) رقم 12950، وابن أبي شيبة (5/ 83)، والبيهقي (7/ 370)، وصحح إسناده الحافظ في الدراية (2/ 70).
(5)
"الأمةُ تطليقتان" كذا في الأصول؛ و"معونة أولي النهى"(9/ 399)، وهو اختصار للفظ الحديث المشهور: طلاقُ الأمةِ تطليقتان. . .
(6)
أخرجه البخاري في التاريخ الصغير (2/ 128)، وأبو داود في الطلاق، باب 6، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حديث 2189، والترمذي في الطلاق، باب 7، حديث 1182، وابن ماجه في الطلاق، باب 30، حديث 2080، والدارمي في الطلاق، باب 16، حديث 2299، والطحاوي (3/ 63)، والطبراني في الأوسط (7/ 383) حديث 6745، وابن عدي (6/ 2442)، والجصاص في أحكام القرآن (2/ 58)، والدارقطني (4/ 39)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 697)، والحاكم (2/ 205)، والبيهقي (7/ 370، 426)، كلهم من طريق مظاهر بن أسلم، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها.
قال البخاري: كان أبو عاصم يضعف مظاهرًا.
وقال أبو داود: هو حديث مجهول.
وقال الترمذي: حديث عائشة حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث.
ونقل الدارقطني عن أبي عاصم قوله: ليس بالبصرة حديث أنكر من حديث مظاهر هذا.
وقال الحاكم: مظاهر بن أسلم شيخ من أهل البصرة، لم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح، والحديث صحيح. ووافقه الذهبي.
وقال البيهقي: هذا حديث تفرد به مظاهر بن أسلم، وهو رجل مجهول يعرف بهذا الحديث، والصحيح: عن القاسم بن محمد أنه سئل عن عدة الأمة فقال: الناس يقولون: حيضتان.
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 645): قال أحمد: هذا حديث لا يُعرف مرفوعًا إلا من حديث مظاهر، ولا يعرف له رواية سواه، قال يحيى بن معين: مظاهر ليس بشيء مع أنه لا يعرف.
وقال ابن القيم في زاد المعاد (5/ 626): حديث ضعيف معلول.
وله شاهد أخرجه ابن ماجه في الطلاق، باب 30، حديث 2079، والطحاوي (3/ 63)، والدارقطني (4/ 38)، وابن حزم (10/ 234، 308)، والبيهقي (7/ 369)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال الدارقطني والبيهقي: تفرد به عمر بن شبيب المسلي هكذا مرفوعًا، وكان ضعيفًا. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 357) حديث 739: هذا إسناد ضعيف لضعف عطية بن سعد العوفي وعمر بن شبيب الكوفي. =
روايةُ
(1)
طاهر
(2)
بن أسلم، وهو منكَرُ الحديث؛ قاله أبو داود، مع أن الدارقطني أخرجه في "سننه" عن عائشة مرفوعًا، قال:"طلاقُ العبدِ اثنتانِ، فلا تحلُّ له حتى تنكِحَ زوجًا غيرَه"
(3)
.
(فيملك الحر) ثلاثَ طَلَقات
(4)
، وإن كان تحته أَمَةٌ (و) يملك (المعتَقُ بعضُهُ ثلاثَ طَلَقات، وإن كان تحته أمَةٌ) أما الحُر؛ فلما تقدم، وأما المبعَّض؛ فلأن قسمة الطلاق في حقِّه غيرُ ممكنة؛ لأنه لا يتبعَّض، فكَمُل في حَقِّه؛ ولأن الأصل إثبات الطلقات الثلاث في حَقِّ كل مطلِّق، وإنما خولف في حق من كَمُل فيه الرق؛ لما سبق، ففيما عداه يبقى على الأصل.
(ويملك العبد والمكاتَب ونحوُه) كالمدبَّر، والمعلَّق عتقه بصفة (اثنتين) أي: طلقتين؛ لما تقدم.
(ولو طرأ رِقه) على الطلاق (كلُحُوق ذمي بدار حَرْبٍ، فاستُرقَّ، وقد كان طَلَّق اثنتين) فلا يملك الثالثة، هذا أحد وجهين أطلقهما في "الترغيب".
وقال الموفق ومَن تابعه: يملك الثالثة؛ لأن الثِّنتين لمَّا وقعتا كانتا
= وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 574)، والطحاوي (3/ 62)، والدارقطني (4/ 38)، والبيهقي (7/ 369)، عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا، وصحَّحه الدارقطني والبيهقي.
(1)
في "ح": "رواه".
(2)
في حاشية الأصل: "رواية الشرح: مظاهر" وهو الصواب.
(3)
(4/ 39). وأخرجه -أَيضًا- البيهقي (7/ 370)، من طريق مظاهر بن أسلم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها. وقد تقدم الكلام في مظاهر في التعليق السابق.
(4)
في "ح"، و"ذ":"تطليقات".
غير محرِّمتين، فلا تنقلبان محرِّمتين بِرِقِّه. وكان الأَولى للمصنِّف أن يجعله غاية لقوله:"فيملك الحر الثلاث" كما يرشد إليه صنيع صاحب "الإنصاف"، و"المبدع".
ويملك القِنُّ ونحوه اثنتين (وإن كان تحته حُرَّة) لما تقدم.
(فلو عَلَّق) العبد ونحوه (الطلاقَ الثلاث بشرطٍ، فوُجِدَ بعد عتقه؛ طَلَقت) المعلَّق طلاقها (ثلاثًا) لملك الثلاث حين الوقوع.
(وإن عَلَّق) العبد (الثلاث بعتقه) بأن قال: إن عَتَقتُ، فأنت طالق ثلاثًا، ثم عَتَق؛ وقع ثِنْتان، و (لَغَت الثالثة) لوقوع الطلاق حال الحرية، وملك الثلاث يترتب عليها، لا مقارن لها.
(ولو عَتَق) عبد (بعد طَلْقَةٍ) بأن طلَّق زوجته طلقة، ثم عتق، وأعادها برجعة أو عقد، (ملك تمام الثلاث) لأن الطلقة لم تكن مُحرِّمة.
(ولو عتق) عبد (بعد طلقتين) لم يملك ثالثة (أو عتقا) أي: العبد وزوجته الأمة (معًا) بعد طلقتين (لم يملك ثالثة) لأنهما وقعتا مُحرِّمتين، فلم تنقلبا غير مُحرِّمتين.
(فلو عَتَق بعد طلقتين؛ لم يملك نكاحها) حتى تنكح زوجًا غيره بشروطه (ويأتي في الرجعة) لأنه طَلَّق نهاية عدده، كالحُرِّ إذا طَلَّق ثلاثًا.
(وإذا قال) الزوج: (أنت الطلاق، أو) قال: (أنت طلاق
(1)
أو) قال: (الطلاق لي لازم، أو) قال: (الطلاق يلزمني، أو) قال: (يلزمني الطلاق، أو) قال: (عليَّ الطلاق، ولو لم يذكر المرأة، ونحوَه) أي: نحو ما ذكر، كـ: عليَّ يمين بالطلاق (فصريح) لا يحتاج إِلى نيَّة (منجَزًا كان) كالأمثلة المذكورة (أو معلَّقًا بشرط) كقوله: أنت الطلاق إن دخلت
(1)
في "ذ": "طالق".
الدار، ونحوه (أو محلوفًا به) كـ: أنت الطلاق لأقومن، أو لأضربن زيدًا، فهو صريح، وهو مستعمل في عُرفهم، قال الشاعر
(1)
:
أنوَّهْتِ
(2)
بِاسْمِيَ في العالمين
…
وأفْنَيْتِ عُمْرِيَ عامًا فعاما
فأنتِ الطَّلاقُ، وأنتِ الطَّلاقُ
…
وأنتِ الطَّلاقُ ثلاثًا تَماما
ولا ينافي ذلك كونه مجازًا؛ لأنه يتعذَّر حمله على الحقيقة، ولا محل له يظهر سوى هذا المحل، فتعين فيه.
(ويقع) به (ثلاثٌ مع نيتها) كما لو نواها بـ: أنت طالق.
(ومع عدمها) أي: عدم نيَّة الثلاث، بأن نوى واحدة، أو أطلق؛ يقع (واحدة) لأن أهل العُرف لا يعتقدونه ثلاثًا، ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق، ولهذا يُنكر أحدهم أن يكون طَلَّق ثلاثًا، ولا يعتقد أنه طَلَّق إلا واحدة.
(فإن قال: الطلاق يلزمُني، ونحوَه) كـ: عليَّ الطلاق (وله أكثرُ من زوجة
(3)
، فإن كان هناك سبب أو نيَّة يقتضي تعميمًا أو تخصيصًا؛ عُمل به) أي: بالسبب، أو النية المقتضي للتعميم أو التخصيص (وإلا) أي: وإن لم يكن هناك سبب ولا نية يقتضيان ذلك (وقع بالكُلِّ) أي: كل الزوجات (واحدةٌ واحدةٌ) لعدم المخصص.
(وإذا قال) لزوجته: (أنت طالق. ونوى ثلاثًا؛ فثلاث) لأنه نوى بلفظه ما يحتمله، فوقع، كقوله: أنت طالق ثلاثًا؛ ولأن: "طالق" اسمُ فاعل، وهو يقتضي المصدرَ كما يقتضيه الفعل، والمصدر يقع على
(1)
أوردهما ابن قتيبة في عيون الأخبار (4/ 127) ونسبهما إلى أعرابي قالهما لامرأته.
(2)
في "ح": "أفوهت".
(3)
في "ذ": "واحدة".
القليل والكثير (كنيَّتِها) أي: الثلاث (بـ: أنت طالق طلاقًا
(1)
، أو): أنت (طالق الطلاق. وعنه) أي: عن أحمد
(2)
: يقع (واحدة؛ اختاره أكثر المُتقدِّمين) لأن هذا اللفظ لا يتضمَّن عددًا، ولا بينونة، فلم يقع به الثلاث؛ ولأن: أنت طالق، إخبار عن صفة هي عليها، فلم يتضمَّن العَدد، كقوله: حائض وطاهر، والأولى أصح، والفرق ظاهر؛ لأنه لا يمكن تعددهما في حقِّها في آنٍ واحدٍ، بخلاف الطلاق.
وإن قال: أنت طالق ثلاثًا
(3)
، ونوى واحدة؛ فثلاث؛ لأن اللفظ صريح في الثلاث، والنية لا تعارض الصريح؛ لأنه أقوى منها.
(ولو أوقع طَلْقةً، ثم قال: جعلتها ثلاثًا، ولم ينوِ استئنافَ طلاق بعدها؛ فواحدة) لأن الواحدة لا تنقلب ثلاثًا.
(و) إن قال: (أنت طالق واحدة، ونوى ثلاثًا؛ فواحدة) لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه، فلو وقع أكثر منها وقع بمجرَّد النية (و: أنت طالق هكذا، وأشار بأصابعه الثلاث؛ طَلَقت ثلاثًا) لأن التفسير يحصل بالإشارة، وذلك يصلح
(4)
للبيان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا"
(5)
.
(فإن قال: أردت) أنها طالق (بعدد المقبوضتين؛ قُبِلَ منه) ووقع
(1)
في "ذ": "ثلاثًا".
(2)
مسائل عبدالله (3/ 1147، 1150 - 1151) رقم 1578، 1584.
(3)
في "ح": "أنت طالق، أنت طالق" كررت مرتين.
(4)
في "ذ": "يحصل".
(5)
أخرجه البخاري، في الصوم، باب 11، 13، حديث 1908، 1913، وفي الطلاق، باب 25، حديث 5302، ومسلم في الصوم، حديث 1080، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه مسلم -أيضًا- في الصوم، حديث 1086، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
ثِنْتان؛ لأن ما يدعيه محتمل، كما لو فَسَّر المجمل بما يحتمله، وفي "الرعاية": إن أشار بالكل؛ فواحدة.
(وإن لم يقل هكذا، بل أشار فقط؛ فطَلْقة واحدة) لأن إشارته لا تكفي، وتوقف أحمد
(1)
(قال في "الرعاية": ما لم يكن له نية) فيعمل بها.
(و) إن قال لإحدى امرأتيه: (أنت طالق واحدة، بل هذه ثلاثًا؛ طَلَقت الأولى واحدة) لأنه طَلَّقها واحدة، والإضراب بعد ذلك لا يصح؛ لأنه رفع الطلاق
(2)
بعد إيقاعه (و) طَلَقت (الثانية ثلاثًا) لأنه أوقعها
(3)
بها؛ ولأن الإضراب إثبات للثاني، ونفي للأول.
(و) إن قال لها: (أنت طالق، بل هذه؛ طَلَقَتَا) لما مَرَّ.
(و
إن قال: هذه، أو هذه، وهذه طالق
؛ وقع) الطلاق (بالثالثة، وإحدى الأُوْلَيَيْن
(4)
، كـ) ـــما لو قال:(هذه، أو هذه، بل هذه طالق) لأن: "أو" لأحد الشيئين.
(وإن قال) لإحدى امرأتيه: (هذه، وهذه، أو هذه طالق؛ وقع) الطلاق (بالأولى، وإحدى الأُخريين
(5)
كـ: هذه، بل هذه أو هذه طالق. ويأتي -في باب الشك في الطلاق- له تتمة.
و) من قال لزوجته: (أنت طالق كلَّ الطلاق، أو أكثره -بـ) ـــالثاء (المثلثة- أو): أنت طالق (جميعه، أو منتهاه، أو غايته، أو): أنت طالق
(1)
الفروع (5/ 396)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (22/ 322).
(2)
في "ذ": "للطلاق".
(3)
في "ذ": "أوقعه".
(4)
في "ح" و"ذ": "وإحدى الأوليين بقرعة".
(5)
في "ح" و"ذ": "وإحدى الأخريين بقرعة".
(كعدد ألفٍ، أو): أنت طالق (بعدد الحصى، أو القطر، أو الريح، أو الرمل، أو التراب، أو الماء، ونحوه) مما يتعدد، كـ: النجوم، والجبال، والسفن، والبلاد؛ طَلَقت ثلاثًا، وإن نوى واحدة؛ لأن هذا يقتضي عددًا؛ ولأن للطلاق أقلَّ وأكثر، وأقله واحدة، وأكثره ثلاث، والماء ونحوه بتعدد
(1)
أنواعه وقطراته، أشبه الحصى.
(أو) قال: (يا مائة طالق، أو) قال: (أنت مائة طالق، ونحوه؛ طَلَقت ثلاثًا، وإن نوى واحدة) لأن ذلك لا يحتمله لفظه.
(وكذا: أنت طالق كألف، أو): أنت طالق كـ (ــمائة) يقع ثلاث (فإن نوى) بـ: أنت طالق كألف ونحوه (في صعوبتها؛ قُبِل حكمًا) لأن لفظه يحتمله (إلا في قوله): أنت طالق (كعدد ألف) أو كعدد مائة؛ فلا يُقبل قوله: إنه أراد به واحدة؛ لأن اللفظ لا يحتمله.
(و) إن قال: (أنت طالق إلى مكة، ولم ينوِ بلوغها) طَلَقت في الحال.
(أو) قال: (أنت طالق بُعْدَ مكةَ؛ طَلَقت في الحال، ويأتي) ذلك (في) باب (الطلاق في الماضي والمستقبل.
وإن قال): أنت طالق (أشدَّ الطلاق، أو أغلظه، أو أكبره -بالباء الموحدة- أو أطوله، أو أعرضه، أو ملء الدنيا، أو ملء البيت، ونحوه) كـ: المسجد (أو): أنت طالق (مثلَ الجبل، أو مثل عِظَمِ الجبل؛ فواحدةٌ رجعية، ما لم ينوِ أكثر) لأن هذا الوصف لا يقتضي عددًا، والطلقة الواحدة توصف بأنها يملأ الدنيا ذكرها، وأنها أشد الطلاق، وأعرضه، فإن نوى ثلاثًا؛ وقعت؛ لأن اللفظ صالح لأنْ يُراد به ذلك.
(1)
في "ذ": "تتعدد".
(وكذا) لو قال: أنت طالق (أقصاه) فتقع واحدة (صحّحه في "الإنصاف"، وصحَّح في "التنقيح"، و"تصحيح الفروع" أنها ثلاث، وإن نوى واحدة) وتبعهما في "المنتهى".
(و) إن قال: (أنت طالق من واحدة إلى ثلاث؛ طَلَقت اثنتين) لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها بمقتضى اللغة، وإنما يدخل إذا كانت "إلى" بمعنى "مع"، ولا نوقعه بالشك.
(و) إن قال: (أنت طالق ما بين واحدة وثلاث) وقع (واحدة) لأنها التي بينهما.
(و) إن قال: (أنت طالق طلقةً في اثنتين، ونوى طلقة مع طلقتين؛ فثلاث) لأنه يُعبَّر بِـ "في" عن "مع" كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي}
(1)
فإذا نوى ذلك بلفظه قُبِلَ منه، ووقع ما نراه.
(وإن نوى) بـ: أنتِ طالق طلقةً في اثنتين (مُوجَبَه عند الحُسَّاب؛ فَثِنتان) لأن ذلك مدلول اللفظ عندهم، وقد نواه (ولو لم يعرفه) أي: يعرف موجبه عند الحُسَّاب، قياسًا على الحاسب؛ لاشتراكهما في النية.
(وإن قال الحاسب): أردت واحدةً؛ قُبِلَ (أو) قال (غيره) أي: غير الحاسب: (أردت واحدةً؛ قُبِلَ) منه ذلك؛ لأنه
(2)
فَسَّر كلامه بما يحتمله.
(وإن لم ينوِ) -من قال ذلك- شيئًا (وقع بامرأة الحاسب ثِنتان) لأنه لفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنتين، فوجب العمل به (و) وقع (بغيرها) أي: بغير امرأة الحاسب (واحدة) لأن لفظ الإيقاع اقترن بالواحدة،
(1)
سورة الفجر، الآية:29.
(2)
في "ح": "لأنه نواه".
والاثنتان اللتان جعلهما ظرفًا لم يقترن بهما لفظ الإيقاع، فلا يقع بدون القصد له.
(و) إن قال: أنت (طالق نصفَ طلقة في نصفِ طلقة؛ طَلُقت طلقةً بكل حال) حاسبًا كان أو غيره، أراد معنى "مع" أو لا؛ لأنه لا يتبعَّض، كما يأتي.
(وإن قال) لزوجته: أنت طالق (بعدد ما طَلَّق فلان زوجته، وجهل عدده) أي: عدد ما طَلَّق فلان زوجته (فطَلْقة) لأنها اليقين، وما زاد مشكوكٌ فيه.
فصل
(وجُزءُ طلقةٍ كهيَ)
لأن الطلاق لا يتبعَّض، فذِكْرُ بعضه ذِكْرٌ لجميعه، حكاه ابن المنذر
(1)
إجماع من يحفظ عنه.
(فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة) أو ثلثها، ونحوَه؛ طَلَقت طلقة (أو) قال: أنت طالق (نصفَي طلقةٍ، أو) قال: أنت طالق (جزءًا منها) أي: من طلقة (وإن قلَّ) كما لو قال لها: أنت طالق جزءًا من ألف جزء من طلقة؛ طَلَقت طلقة؛ لأنه لا يتبعض (أو) قال لها: أنت طالق (نصف طلقتين؛ طَلَقت طلقةً) لأن نصفهما طلقة.
(وإن قال) لها: أنت طالق (نصفي طلقتين) فَثِنتان؛ لأن نصفي الشيء جميعه، فهو كما لو قال لها: أنت طالق طلقتين.
(أو) قال: أنت طالق (نصفَ ثلاث طلقات، أو ثلاثة أنصاف طلقة، أو أربعة أثلاث، أو خمسة أرباع) طلقة (ونحوَه) كـ: ستة أخماس طلقة؛
(1)
الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 196) رقم 2583.
وقع (ثِنتان) لأن ثلاثةَ الأنصافِ طلقةٌ ونصفُ طلقة، فيكمَّل النصف، فتصير ثِنتين، وهكذا تفعل بباقي الأمثلة؛ لأن الطلاق لا يتبعَّض.
(وإن قال): أنت طالق (ثلاثةَ أنصاف طلقتين؛ فثلاث) لأن نصف الطلقتين طلقة، وقد أوقعه ثلاثًا.
(و) إن قال لها: أنت طالق (نصفَ طلقة، ثُلُثَ طلقة، سُدس طلقة) فواحدة؛ لأنه لم يأتِ بأداة العطف، فدلَّ على أن هذه الأجزاء من طلقة واحدة، وأن الثاني يكون بدلًا من الأول، وأن الثالث يكون بدلًا من الثاني، والبدل هو المبدل أو بعضه. قال في "الشرح": وعلى هذا التعليل: أنت طالق طلقةً نصفَ طلقةٍ، أو طلقةً طلقةً؛ لم تطلق إلا طلقة.
وكذلك إن قال: نصفًا وثُلُثًا وسُدسًا؛ لم يقع إلا طلقة؛ لأن هذه أجزاء الطلقة، إلا أن يريد من كل طلقة جزءًا؛ فيقع ثلاث.
(أو) قال: أنت طالق (نصفَ وثُلُثَ وسُدسَ طلقةٍ؛ فواحدة) لأنه لمَّا لم يقل: نصف طلقة وثُلُث طلقة وسُدس طلقة؛ دلَّ على أن هذه الأجزاء من طلقة غير متغايرة، ومجموعها طلقة.
(وإن قال): أنت طالق (نصفَ طلقة، وثُلُث طلقة، وسُدس طلقة؛ طَلَقت ثلاثًا) لأن هذا اللفظ يُفهم منه أن كل جزء من طلقة غير التي منها الجزء الآخر، إذ لو أراد إضافتها إلى طَلْقة واحدة، لم يَحتج إلى تكرار لفظها، فلما كرَّره علمنا أنه لفائدة، ولا فائدة له سوى هذا، فحملناه عليه.
وإذا كان كل جزء من طلقة، كَمّلَتِ الثلاث.
ومن قال لزوجته: أنتِ طلقة، أو نصف طلقة، أو ثلث طلقة،
ونحوه، أو: أنتِ نصف طالق، أو ثلث طالق
(1)
، ونحوه؛ وقع بها طلقة، بناء على ما تقدم من أنَّ: أنت الطلاق، صريح.
(وإن قال لـ) ــــزوجاتٍ (أربع: أوقعتُ بينكنَّ، أو): أوقعتُ (عليكنَّ، أو بينكن -بلا: "أوقعتُ"- طلقة، أو اثنتين، أو ثلاثًا، أو أربعًا؛ وقع بكل واحدة طلقة) لأن اللفظ اقتضى قَسْم الطلقة بينهن لكل واحدة ربع، والطلقتين لكل واحدة نصف، والثلاث لكل واحدة ثلاثة أرباع، وتكمل، والأربع لكل واحدة طلقة.
(وإن أراد قسمة كل طلقة بينهنَّ؛ وقع بالاثنتين) أي: فيما إذا قال: أوقعتُ عليكن أو بينكنَّ اثنتين (على كل واحدة اثنتان) لأنه يحصُل لها بالقسم من كل منهما ربع، وتكمل (وبالثلاث) أي: فيما إذا قال: أوقعتُ عليكنَّ أو بينكنَّ ثلاثًا (والأربع) فيما إذا قال: أوقعتُ بينكنَّ، أو عليكن أربعًا (بكلِّ واحدة ثلاث، وكذا ما بعدها من الصور) لما تقدم.
(وإن قال) لأربع: (أوقعتُ بينكنَّ) أو عليكنَّ (خمسًا، أو ستًّا، أو سبعًا، أو ثمانيًا؛ وقع بكل واحدة طلقتان) وكذا لو أسقط لفظ: أوقعت؛ لأن نصيب كل واحدة من خمسٍ: طلقة وربع، ومن ستٍّ: طلقة ونصف، ومن سبعٍ: طلقة وثلاثة أرباع، ويكمل الكسر في الجميع، ومن الثمان: كل واحدة طلقتان.
(وإن أوقع) على أربع (تسعًا، فأزيَد) كـ: "أوقعتُ بينكنَّ عشرًا" فثلاث؛ لما تقدم.
(أو قال: أوقعتُ بينكنَّ طلقة وطلقة وطلقة؛ فثلاث) لأنه لما عطف، وجب قسم كل طلقة على حِدَتها (وسواء في ذلك المدخول بها،
(1)
في "ذ" زيادة: "أو سدس طالق".
وغيرها) لأن الواو لا تقتضي ترتيبًا.
(و) إن قال: (أوقعتُ بينكنَّ طلقة، فطلقة، فطلقة، أو) قال: أوقعت (طلقة، ثم طلقة، ثم طلقة، أو: أوقعت بينكن طلقة، وأوقعت بينكن طلقة، وأوقعت بينكن طلقة؛ طَلَقن) الكل (ثلاثًا، إلا التي لم يدخل بها؛ فإنها تبين بالأولى) فلا يلحقها ما بعدها.
(فإن قال) لزوجاته: (أنتن طوالق ثلاثًا، أو) قال: (طلقتُكنَّ ثلاثًا؛ طَلَقن ثلاثًا ثلاثًا) سواء المدخول بها وغيرها.
فصل
(وإن قال) لزوجته: (نصفُكِ، أو جزء منك، أو إصبعُكِ، أو يدُكِ) ولها يد (أو دمُكِ، طالق؛ طَلَقت) لأنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت، استباحه بعقد النكاح؛ فأشبه الجزء الشائع، بخلاف: زَوَّجْتُكَ نصف بنتي، أو يدها، ونحوهما؛ فإنه لا يصح النكاح.
(لكن لو قال: إصبعُكِ) طالق (أو: يدك طالق، ولا إصبع لها) في الأولى (ولا يَدَ) في الثانية؛ لم تطلق (أو قال: إن قمتِ فيمينك) مثلًا (طالق، فقامت بعد قَطْعها؛ لم تطلق) لأنه أُضيف إلى ما ليس منها، فلم يقع، وفي الأخيرة وُجِدَ الشرط ولا يمين لها، فلم يقع.
(وإن قال) لها: (شعرُكِ) طالق (أو: ظفرُكِ) طالق (أو: سِنُّكِ، أو لبنُكِ، أو منيُّكِ) طالق؛ لم تطلق؛ لأن تلك الأجزاء تنفصل عنها مع السلامة، فلا تطلق بإضافة الطلاق إليها، كالحمل، (أو) قال:(سوادُكِ، أو بياضُكِ) طالق؛ لم تطلق؛ لأنه عرض (أو) قال: (ريقُكِ، أو دمعُكِ، أو عَرَقُكِ) طالق؛ لم تطلق؛ لأن ذلك ليس جزءًا منها (أو) قال:
(روحُكِ) طالق؛ لم تطلق
(1)
؛ لأن الروح ليست عضوًا ولا شيئًا يستمتع به، أشبهت السواد والبياض (أو) قال:(حملُكِ) طالق؛ لم تطلق؛ لأنه ليس جزءًا منها (أو) قال: (سمعُكِ، أو بصرُكِ طالقٌ؛ لم تطلق) لأنه عرض، كالبياض والسواد.
(و: حياتُكِ طالق؛ تطلق) لأنه لا بقاء لها بدونها، فأشبه ما لو قال: رأسك طالق.
(و) إن قال: (أنت طالق شهرًا، أو بهذا البلد؛ صحَّ) الطلاق (وتطلق في جميع الشهور والبلدان) لأنه إذا وقع في شهر، أو بلد لم يرتفع في غيره.
(وحكمُ عتقٍ في الكلِّ) أي: كل ما تقدم مما يقع، أو لا يقع (كطلاق) فمن قال لِقِنِّه: يدكَ، أو إصبعكَ، أو حياتكَ، أو جزء منك حرٌّ؛ عَتَقَ كله. وإن قال له: شعرك، أو ظفرك، ونحوه؛ لم يعتق، وتقدم
(2)
في العتق.
فصل فيما تخالف به المدخول بها غيرها
(وإذا قال لـ) ـــــزوجة (مدخول بها) بوطء، أو خلوة عن عقد صحيح:(أنتِ طالق، أنتِ طالق، ونوى بالثانية الإيقاع) أي: إيقاع طَلْقة
(1)
"قوله (أو روحك) لأنها تزول في حال سلامة الجسد، وهي حالة النوم، كما يزول الشعر، نقله الشارح في شرح المنتهي". ا. هـ. ش ..
(2)
(11/ 23).
(أو لم ينوِ بها) أي: الثانية (إيقاعًا، ولا تأكيدًا؛ طَلَقت طلقتين) لأنه لفظٌ يقتضي الوقوع، بدليل ما لو لم يتقدَّمه مثلُه، وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد، فإذا لم توجد؛ وقع مقتضاه، كما يجب العمل بالعموم في العام، إذا لم يوجد المخصِّصُ.
(وإن نوى بالثانية التأكيد) للأولى (أو) نوى (إفهامها) واتَّصل ذلك بالأولى؛ فواحدة؛ لأنه صرف الثانية عن الإيقاع بنية التأكيد، أو الإفهام، فلم يقع بها شيء.
(أو كانت) الزوجة المقول لها: أنت طالق، أنت طالق (غير مدخول بها؛ فواحدة) ولو لم ينوِ بالثانية التأكيد؛ لأنها تبين بالأولى، فلا يلحقها ما بعدها، وكذا لو كان النكاح فاسدًا.
(ويُشترط في) اعتبار (التأكيد) والإفهام (أن يكون متصلًا، فلو قال: أنت طالق، ثم مضى زمن طويل) أي: زمن يمكنه الكلام فيه (ثم أعاد ذلك للمدخول بها؛ طَلُقت) طَلْقة (ثانية، ولم تنفعه نيَّة التأكيد) ولا الإفهام؛ لأن التأكيد تابع للكلام، فشرطه أن يكون متصلًا به، كسائر التوابع، من العطف والصفة والبدل، والإفهامُ نوعٌ من التوكيد اللفظي.
(وإن) قال لمدخولٍ بها: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، و (نوى بالثالثة تأكيد الأولى؛ لم يُقبل؛ لعدم اتصال التأكيد) فتقع الثلاث، حيث لم يقصد تأكيد الأولى بالثانية.
(وإن أكد الثانية بالثالثة؛ صح) التأكيد (وقُبِلَ) منه، فيقع ثِنتان؛ للاتصال.
(وكذا تأكيد الأولى بهما) أي: بالثانية والثالثة، فيصح ويُقبل منه؛ لعدم الفصل (أو) أكَّد الأولى (بالثانية) صَحَّ وقُبِلَ؛ للاتصال.
وإن قال: أطلقت نية التأكيد، ولم أُعَيِّن أولى ولا ثانية؛ فواحدة.
(و) إن قال: (أنتِ طالق، طالق، طالق؛ يقع واحدة) لأنه لم يُبِنْها بلفظ يقتضي المغايرة (ما لم ينوِ أكثر) من واحدة؛ فيقع ما نواه؛ لأن لفظه يحتمله.
(و) إن قال: (أنتِ طالق، وطالق، وطالق، وأكَّد الأولى بالثانية؛ لم يُقْبل؛ لأنه غاير بينها) أي: الثانية (وبين الأولى بحرف يقتضي المغايرة و) يقتضي (العطف) وهو حرف العطف (وهذا يمنع التأكيد) لأن التأكيد عين المؤكَّد، والمغايرة تمنعه (وإن أكَّد الثانية بالثالثة؛ قُبِلَ) منه (لأنها) أي: الثالثة (مثلها) أي: الثانية (في لفظها) فلا مانع من التأكيد.
(وإن قال: أنتِ طالق، فطالق، فطالق، أو: أنتِ طالق، ثم طالق، ثم طالق، فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو) إن أكَّد الأولى بالثانية لم يُقبَل للمغايرة؛ وإن أكَّد الثانية بالثالثة قُبِلَ؛ لأنها مثلها.
(وإن غاير بين الحروف) التي عطف بها (فقال: أنت طالق، وطالق، ثم طالق، أو) قال: أنت (طالق، ثم طالق، وطالق، أو) قال: أنت (طالق، وطالق، فطالق؛ لم يُقبل في شيء منها إرادة التأكيد) لا للأولى، ولا للثانية (لأن كل كلمة مغايرةٌ لما قبلها، مخالفةٌ لها في لفظها، والتأكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته.
و) إن قال: (أنتِ مطلَّقة، أنتِ مُسَرَّحة، أنت مُفَارَقة، وأكَّد الأولى بهما) أي: بالثانية والثالثة (قُبِلَ؛ لأنه لم يُغَاير بينها بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ، بل أعاد اللفظة بمعناها) وهذا يُعَدُّ تأكيدًا.
(وإن أتى) أي: عطف هذه الجمل (بالواو) أو الفاء، أو: ثم (لم يُقبل) منه إرادة التأكيد؛ لأنه يقتضي المغايرة المانعة من التأكيد،
كما تقدَّم.
(و
إن أتى بشرط، أو استثناء، أو صفة عقب جملة؛ اختَصَّ بها،
فإذا قال: أنتِ طالق، أنتِ طالق، فهاتان جملتان لا تتعلَّق إحداهما بالأخرى) لعدم الأداة التي تقتضي التشريك بينهما.
(فلو تعقَّب إحداهما بشرط) بأن قال: أنتِ طالق، أنتِ طالق إن قمتِ؛ لم يتناول الأخرى، فتقع الأولى في الحال، والثانية إذا وُجِدَ الشرط.
(أو) تعقَّب إحداهما (استثناء) كقوله: أنتِ طالق، أنتِ طالق إلا واحدة؛ لم يتناول الأخرى، فتقع الثِّنتان؛ لأنه استثناء الكل
(1)
، كما لو قال: أنتِ طالق طلقةً إلا طلقة.
(أو) تعقَّب إحداهما (بصفةٍ) كأن يقول: أنتِ طالق، أنتِ طالق قائمة (لم يتناول الأخرى) فتقع الأولى في الحال، والثانية إذا قامت.
(بخلاف معطوف مع معطوف عليه؛ فإنهما شيء واحد، ولو تعقَّبه بشرط) أو صفة (لعاد إلى الجميع) لأن حرف العطف يُصَيِّرُ الجُملتين كالواحدة، فإذا قال: أنتِ طالق، ثم طالق إنْ قدم زيدٌ؛ لم تطلق حتى يَقْدَمَ؛ فيقع طلقتان. ولو قال: أنت طالق، وطالق صائمة؛ طَلَقت بصيامها طلقتين.
(و) إن قال لمدخول بها: (أنتِ طالق فطالق، أو): أنت طالق (ثم طالق، أو): أنت طالق (بل طالق، أو): أنت (طالق طلقة، بل طلقتين
(2)
) فثِنتان؛ لأن حروف العطف تقتضي المغايرة، و"بل" من
(1)
في "ح" و"ذ": "للكل".
(2)
زاد في "ذ": "أو بل طلقة"، وفي متن الإقناع (3/ 488):"بل طلقة".
حروف العطف إذا كان بعدها مفرد، وهي هنا كذلك؛ لأن اسم الفاعل من المفردات وإن كان متحملًا للضمير، بدليل أنَّه يُعْرَب، والجُمَل لا تُعرب.
وإن قال: أنت طالق، لا بل أنت طالق؛ فواحدة؛ لأنه قد صَرَّح بنفي الأول، ثم أثبته بعد نفيه، فيكون المثبت هو المنفي بعينه.
(أو) قال: أنتِ (طالق طلقةً بعدها طلقةٌ، أو بعد طلقةٍ، أو): أنت طالق طلقة (قبل طلقةٍ، أو قبلها طلقةٌ؛ طَلَقت طلقتين) لأن ذلك صريح في الجميع، واللفظ يحتمله.
(وإن كانت) الزوجة المقول لها ذلك (غير مدخول بها؛ بانت بالأولى، ولم يلزمها
(1)
ما بعدها) لأنها إذا بانت بالأولى صارت كالأجنبية، فلا يلحقها ما بعدها (لكن لو أراد بقوله: بعدها طلقةٌ) أو بعد طلقةٍ (سأُوقِعُها) بعد ذلك (قُبِلَ) منه (حكمًا) ولم يقع إذًا سوى طلقة؛ لأن لفظه يحتمل ذلك (وإن أراد بقوله: قَبلها طلقةٌ) أو قبل طلقة (في نكاحٍ آخر) قبل هذا (أو أن زوجًا قبلي طلقها؛ قُبِلَ) منه حكمًا (إن) كان (وُجِد ذلك) لأنه أدرى بنيته، ولفظه محتمل.
(و) إن قال: (أنت طالق طلقةً معها طلقةٌ، أو): أنت طالق طلقة (مع طلقةٍ، أو): أنت (طالق وطالق؛ طَلَقت طلقتين، ولو غير مدخول بها) لأنه أوقع الطلاق بلفظ يقتضي وقوع طلقتين معًا، فوقعتا، كما لو قال: أنت طالق طلقتين.
(وإن قال): أنت طالق طلقةً (معها اثنتان؛ وقع ثلاث) وإن كانت غير مدخول بها؛ لما تقدم.
(1)
في "ذ": "ولم يلحقها".
(و) الطلاق (المعلَّق) بشرط (كـ) ــــالطلاق (المُنْجَزِ في هذا) الحكم المتقدم ذِكره (سواء قدَّم الشرط، أو أخَّره) أو أفرده (أو كرَّره، فلو قال: إن دخلتِ الدار فأنتِ طالقٌ، ثم طالق، ثم طالق) أو: إن دخلتِ الدار فأنت طالق، فطالق، فطالق (فدخلت) الدار (طَلَقت) المدخول بها (ثلاثًا، و) طَلَقت (واحدة إن كانت غيرَ مدخول بها) لأنها تبين بالأولى فلا يلحقها ما بعدها.
(و) إن قال: (إن دخلتِ الدار، فأنتِ طالقٌ طلقةً معها طلقةٌ، أو) فأنت طالق طلقة (مع طلقةٍ، فدخلتـ) ــــها (طَلَقت طلقتين، ولو) كانت (غير مدخول بها) لما تقدم.
(وإن قال لغير مدخول بها: أنت طالق، ثم طالق إن دخلت الدار، أو: إن دخلت الدار فأنت طالق، فطالق
(1)
، فدخلتـ) ــــها (طَلَقت واحدة) وبانت بها، فلا يلحقها ما بعدها.
(وإن قال: إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق، إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق، فدخلتـ) ــــها (طَلَقت مدخول بها وغيرها) أي: غير مدخول بها (اثنتين) لأن التعليق يقتضي إيقاع الطلاق بشرط الدخول، وقد كرَّر التعليق، فيتكرَّر الوقوع، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين.
(وإن قصد) بتكريره (إفهامها، أو تأكيدًا) واتصل (وقع واحدة) فقط؛ لأن ما عداها مصروف عن الإيقاع.
(وإن كرَّر الشرط مع الجزاء ثلاثًا، فقال: إن دخلتِ الدارَ فأنت طالق، إن دخلتِ الدار فأنت طالق، إن دخلتِ الدار فأنت طالق؛ طَلَقت)
(1)
زاد في "ح" و"ذ": "فطالق".
مدخول بها أو غيرها (ثلاثًا) بدخولها؛ لأن الصفة وُجِدت، فاقتضى وقوع الثلاث دفعة واحدة.
(وقال الشيخ
(1)
-في من قال: الطلاق يلزمه، وكرَّره) مرتين فأكثر (لأفعلُ كذا وكذا-: لا يقع) إذا وجد المحلوف عليه (أكثرُ من طلقة إذا لم ينوِ) أكثر. ومقتضى كلام الأصحاب: يقع بعدد ما كرَّره، ما لم ينوِ إفهامها، أو تأكيدًا، ويكون متصلًا.
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (33/ 165 - 166)، والاختيارات الفقهية ص/ 371.
باب الاستثناء في الطلاق
الاستثناء: استفعال من الثَّني، وهو الرجوع. يقال: ثنى رأس البعير، إذا عطفه إلى ورائه، فكأن المستثني رجع في قوله إلى ما قبله.
(وهو) أي: الاستثناء اصطلاحًا (إخراجُ بعضِ الجملة) أي: بعض ما يتناوله اللفظ (بـ) ـــلفظ: ("إلا" أو ما يقوم مقامها، كـ: غير، وسِوى) بوزن رِضًا، وهُدًى، وسَماء، وبناء (وليس، ولا يكون، وحاشا، وخلا، وعدا) مقرونتين بـ: ما، أو مجردتين منها (من متكلِّمٍ واحد) لما يأتي من أنه يُشترط لصحة الاستثناء نيته قبل تمام المستثنى منه، وذلك لا يصح أن يكون من متكلِّمين.
والاستثناء واقع في الكتاب، والسنة، ولسان العرب.
(يصح استثناء النصف فأقل) لأنه كلام متصل، أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول، فصح، كما لو أتى بما عدا المستثنى بدون الاستثناء، ولولا ذلك لم يصح قول سيدنا إبراهيم عليه السلام:{إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}
(1)
يريد به البراءة من غير الله عز وجل. وقال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا}
(2)
وليس الاستثناء رافعًا لواقع، وإنما هو مانع لدخول المستثنى في المستثنى منه.
(1)
سورة الزخرف، الآيتان: 26، 27.
(2)
سورة العنكبوت، الآية:14.
فيصح الاستثناء (من طَلَقاته) كـ: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدةً (ومُطَلَّقاته) كـ: نسائه طوالق إلا فلانةَ (وإقرارِه) كـ: لهُ عَليَّ عشرة إلا أربعة، ونحوه.
و (لا) يصح استثناء (ما زاد عليه) أي: النصف (نصًّا
(1)
) ونصره في "الشرح" وقوَّاه ابن حمدان. وجاز الأكثر -إن سُلِّمَ- في قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}
(2)
لأنه لم يصرِّح بالعدد. وذكر أبو يعلى الصغير: أنه استثناء بالصفة، وهو في الحقيقة تخصيص، وأنه يجوز فيه الكل، نحو: اقتل من في الدار إلا بني تميم، وهم بنو تميم، فيحرم قتلهم.
(فإذا قال: أنتِ طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا) طَلَقت ثلاثًا؛ لأن استثناء الكل رفعٌ لما أوقعه، فلم يرتفع.
(أو) قال: أنتِ طالق (ثلاثًا إلا اثنتين) طَلَقت ثلاثًا؛ لأن استثناء الأكثر كالكُلِّ؛ لأن الأكثر يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة.
(أو) قال: أنت طالق (خمسًا إلا ثلاثًا) طَلَقت ثلاثًا؛ لما تقدم.
(أو) قال: أنت طالق خمسًا (إلا واحدة، أو): أنت طالق (أربعًا إلا واحدة) طَلَقت ثلاثًا؛ لبقائها بعد الاستثناء.
(أو قال): أنت طالق (ثلاثًا إلا ربعَ طلقة) أو نصفها، أو سدسها، ونحوه (طَلَقت ثلاثًا) لأن الطلقة الناقصة تكمُل فتصير ثلاثًا، ضرورة أن الطلاق لا يُبَعَّض.
(1)
المغني (10/ 405)، والمحرر في الفقه (2/ 59)، والشرح الكبير مع الإنصاف والمقنع (22/ 372).
(2)
سورة الحجر، الآية:42.
(و) إن قال: (أنت طالق طلقتين إلا واحدة؛ يقع واحدة) لصحة استثناء النصف.
(و: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة) يقع اثنتان؛ لأنه استثنى أقل من النصف، فيصح.
(أو): أنت طالق ثلاثًا (إلا اثنتين إلا واحدة) يقع اثنتان؛ لأنه استثنى الواحدة مما قبلها، فيبقى واحدة، وهي مستثناة من الثلاث، فيصير كقوله: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة.
(أو): أنت طالق (ثلاثًا إلا واحدة إلا واحدة) يقع اثنتان؛ لأن الاستثناء الأول صحيح دون الثاني.
(أو) قال: أنت طالق ثلاثًا (إلا واحدة وإلا واحدة) يقع اثنتان؛ لما تقدم.
(أو) قال: أنت طالق (واحدة وثِنتين إلا واحدة) يقع اثنتان؛ لأنها الباقية بعد المستثنى.
(أو) قال: أنت طالق (اربعًا إلا اثنتين، يقع اثنتان) لأنه استثناء للنصف بحسب ما تكلم به.
(و): أنت طالق (ثلاثًا إلا ثلاثٌ إلا واحدة) يقع ثلاثًا؛ لأنه لما استثنى واحدة من الثلاث بقي بعدها اثنتان استثناهما من الثلاث وهما أكثر من نصفها فلم يصح الاستثناء.
(أو) قال: أنت طالق (خمسًا) إلا ثلاثًا (أو): أنت طالق (أربعًا إلا ثلاثًا) وقعت الثلاث، ولم يصح الاستثناء؛ لأنه أكثر من النصف.
(أو): أنت (طالق وطالق وطالق إلا واحدة، أو إلا طلاقًا) يقع ثلاث؛ لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه، فيكون استثناء لكله، فلا يصح.
(أو): أنت طالق (طلقتين وواحدة إلا واحدة) يقع ثلاث؛ لما ذكرنا، بخلاف ما سبق من قوله: أنت طالق واحدة وثِنتين إلا واحدة، فيقع ثِنتان (أو): أنت طالق (طلقتين ونصفًا إلا طلقة) يقع ثلاثٌ بتكميل النصف، وإلغاء الاستثناء؛ لرجوعه إلى ما يليه، فيكون استثنى أكثر من المستثنى منه، فلا يصح.
(أو) قال: أنت طالق (ثِنتين وثِنتين إلا ثِنتين) يقع ثلاث، ويلغى الاستثناء؛ لعوده إلى ما يليه.
(أو): أنتِ طالق ثِنتين وثِنتين (إلا واحدة يقع ثلاث) لأنها الباقية بعد الاستثناء (كعطفه بالفاء، أو) عطفه (بـ: "ثُم") كقوله: أنت طالق ثِنتين فثِنتين إلا ثِنتين، أو إلا واحدة، أو: أنت طالق ثِنتين، ثم ثِنتين إلا ثِنتين، أو إلا واحدة؛ فيقع بذلك ثلاث؛ لأن الكلام صار جملتين، للترتيب الحاصل بالعطف بالفاء أو ثم
(1)
، فاستثناء الاثنتين من الاثنتين استثناء للكل، واستثناء الواحدة إن عاد للرابعة فقد بقي بعدها ثلاث، وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين، كان استثناء للجميع، وهو ممنوع
(2)
.
(ولو أراد الاستثناء من المجموع في قوله): أنت (طالق وطالق وطالق إلا واحدة؛ دُيِّن) أي: قُبِلَ منه بالإضافة إلى ما بينه وبين الله تعالى؛ لأن لفظه محتمل (وقُبِلَ) منه حكمًا (فيقع اثنتان) لأنه استثناء لأقل من النصف.
(والاستثناء يرجع إلى ما تلفَّظَ به) بدليل ما تقدم، و (لا) يرجع
(1)
في "ح" و"ذ": "أو بثم".
(2)
جاء في هامش الأصل: "ولأن القاعدة في الاستثناء: أنه يرجع إلى ما يملكه".
(إلى ما يملكه) خلافًا للقاضي، وابن اللحام في "قواعده"
(1)
.
(ويُشترط فيه) أي: الاستثناء (وفي شرط) متأخِّر، كـ: أنت طالق إن دخلت الدار (ونحوه) كالصفة، نحو: أنت طالق قائمة. وكذا عطف مُغَيِّر، كقوله: أنت طالق، أو لا (اتصال معتاد لفظًا أو حكمًا) لأن الاتصال يجعل اللفظ جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها، بخلاف غير المتصل، فإنه لفظ يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع؛ لا يمكن رفعه، والاتصال لفظًا: أن يأتي به متواليًا، وحكمًا (كانقطاعه بتنفس، ونحوه) كسعال وعطاس. قال الطُّوفي: فلا يبطله الفصل اليسير عُرفًا، ولا ما عرض من سعال ونحوه، ولا طول كلام متصل بعضه ببعض.
(و) يُشترط -أيضًا- في استثناءٍ (نيته قبل تمام المستثنى منه) فقوله: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، لا يُعتدُّ بالاستثناء إلا إن نواه قبل تمام قوله: أنت طالق ثلاثًا.
(وقَطَعَ جمعٌ: و) تصح نيته (بعده) أي: بعد تمام المستثنى منه (قبل فراغه) من كلامه، بأن يأتي به ناويًا له عند تمامه قبل أن يسكت (واختاره) أي: اختار القول بصحة نيته بعد تمام المستثنى منه قبل فراغه (الشيخ، و) تلميذه (ابن القيم في "إعلام الموقعين"
(2)
، وقال الشيخ
(3)
): دَلَّ عليه كلام أحمد ومتقدمي أصحابه، وقال:(لا يَضُرُّ فَصْلٌ يسيرٌ بنية وباستثناء) قال: وفي القرآن جُمَلٌ قد فُصِل بين أبعاضها
(1)
القواعد والفوائد الأصولية ص/ 256.
(2)
(4/ 55 - 56، 78 - 79).
(3)
انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 383 - 384.
بكلام آخر، كقوله تعالى:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا. . .} إلى قوله: {هُدَى اللَّهِ}
(1)
فصل بين أبعاض الكلام المحكي عن أهل الكتاب.
وكذا حكم شرط متأخِّر، وعطف مُغَيَّر، ونحوه، كما تقدم.
(و) إذا قال: (أنت طالق ثلاثًا، واستثنى بقلبه: إلا واحدة؛ وقعت الثلاث) لأن العدد نصٌّ فيما تناوله، فلا يرتفع بالنية؛ لأن اللفظ أقوى، ولو ارتفع بالنية، لرجح المرجوح على الراجح.
(وإن قال: نسائي طوالق، واستثنى واحدة بقلبه؛ لم تطلق) لأنه لا يسقط اللفظ، وإنما استعمل العموم في الخصوص، وذلك شائع، بخلاف ما قبلها وما بعدها.
(وإن قال: نسائي الأربعَ أو الثلاثَ أو الاثنتين) بالنصب للأربع فما بعده على أنه مفعول لفعل محذوف، كـ: أعني (طوالق، واستثنى واحدة بقلبه) منهن (طَلَقت في الحكم) أي: في الظاهر. قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب، وقطع به أكثر، ولم تطلق في الباطن؛ قدَّمه في "الرعايتين"، و"الحاوي الصغير". وقيل: تطلق -أيضًا- وهو الصحيح من المذهب؛ قدَّمه في "الفروع"، وهو ظاهر ما جزم به الزركشي والخرقي. انتهى. وهذا ظاهر "المنتهى"؛ لأن العدد نصٌّ فيما يتناوله، فلا يرتفع منه شيء بمجرد النية؛ لأنها أضعف منه كما تقدم.
(وإن قالت له امرأة من نسائه: طَلِّقْني. فقال: نسائي طوالق، ولا نيَّة له) طَلَقْنَ كُلُّهنَّ؛ لأن لفظه يتناولهن (أو قالت له) امرأة من
(1)
سورة آل عمران، الآيتان: 72 - 73.
نسائه: (طَلِّقْ نساءك، فقال: نسائي طوالق؛ طَلَقْنَ كُلُّهنَّ) لأن اللفظ عام فيها، ولم يُرِدْ به غير مقتضاه، فوجب العمل بعمومه، كالصورة الأولى.
(فإن أخرج السائلةَ بنيته) بِأَنِ استثناها بقلبه (دُيِّنَ) فيما بينه وبين الله؛ لأن لفظه يحتمله (في الصورتين) أي: صورة: طَلِّقْني، وصورة: طَلِّق نساءك (ولم يُقبَلْ في الحكم فيهما) أي: في الصورتين.
أما في الصورة الأولى: فلأن طلاقها جواب سؤالها الطلاق لنفسها، فلا يصدق في الحكم في صرفه عنها؛ لأنه يُخالف الظاهرَ، وسببُ الحكم لا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص.
وأما الثانية: ففي "المبدع" و"شرح المنتهى"، وغيرهما: يُقبل منه حكمًا أنه استثناها بقلبه؛ لأن خصوص السبب يُقَدَّم على عموم اللفظ؛ ولأن السبب يدلُّ على نيَّتِهِ.
باب الطلاق في الماضي والمستقبل
أي: تقييد الطلاق بالزمن الماضي، والزمن المستقبل.
(إذا قال: أنتِ طالقٌ أمسِ، أو): أنت طالق (قَبلَ أن أتزوَّجكِ، ونوى وقوعه إذًا) أي: حين التكَلُّم (وقع) الطلاق في الحال؛ لأنه مُقِرٌّ على نفسه بما هو الأغلظ عليه.
(وإلا) أي: وإن لم ينوِ وقوعه إذًا، بأن أطلق، أو نوى إيقاعه في الماضي (لم يقع) الطلاق؛ لأنه رفعٌ للاستباحة، ولا يمكن
(1)
رفعها في الزمن الماضي، فلم يقع، كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين، فقدم اليوم.
وحكي عن أبي بكر: أنه يقع إذا قال: قبل أن أتزوَّجكِ، ولا يقع إذا قال: أنت طالقٌ أمسِ.
فعلى القول بوقوعه (فإن
(2)
قال: أردت أن زوجًا قبلي طَلَّقها، أو) قال: أردت أني (طَلَّقتُها أنا في نكاح قبل هذا، قُبِلَ منه إن كان) ذلك (قد وُجِدَ) لأن لفظه محتمل له (ما لم تكن قرينة، من غضب، أو سؤالِها الطلاق، ونحوِه) فلا يُقبل منه ذلك؛ لأنه خلاف الظاهر.
(فإن مات) بعد قوله: أنت طالقٌ أمسِ، أو قَبلَ أن أتزوَّجك (أو جُنَّ، أو خَرِس قبل العلم بمراده؛ لم تطلق) لأن العصمة متيقَّنة، فلا تزول بالشَّكِّ.
(1)
في "ح" و "ذ": "ولا يملك".
(2)
في "ذ": "إن".
(و)
إن قال: (أنتِ طالقٌ قبل قدوم زيد بشهر،
فقدم) زيد (قبل مُضِيِّه) أي: الشهر؛ لم تطلق؛ لأنه تعليقٌ للطلاق على صفة ممكنة الوجود، فوجب اعتبارها (أو) قدم (معه) أي: مع مضي الشهر (لم تطلق) لأنه لا بُدَّ من جزء يقع الطلاق فيه بعد مضي الشهر.
(ويحرم) على من قال لزوجته ذلك (وطؤها من حين عقد الصفة؛ إن كان الطلاق يُبِينها) لأن كل شهر يأتي يحتمل أن يكون شهر وقوع الطلاق فيه.
قال أبو العباس
(1)
: تأملت نصوص الإمام أحمد فوجدته يأمر باعتزال الرجل زوجته في كل يمين حلف الرجل عليها بالطلاق، وهو لا يدري أبارٌّ هو، أو حانث، حتى يتبين
(2)
أنه بارٌّ، فإن لم يعلم أنه بارٌّ؛ اعتزلها أبدًا، وإن علم أنه بارٌّ في وقت، وشك في وقت؛ اعتزلها وقت الشك، ثم ذكر فروعًا من ذلك، كما نقله عنه في "الاختيارات"، وذكرتُ بعضه في "الحاشية".
(ولها) أي: للزوجة المقول لها ذلك (النفقةُ) من حين التعليق (إلى أن يتبين وقوع الطلاق) لأن الأصل بقاء الزوجية، وهي محبوسة لأجله.
(وإن قدم) زيد (بعد شهر وجزء يسع وقوع الطلاق؛ تبيَّنا وقوعه فيه) أي: وقوع الطلاق في ذلك الجزء عقب التعليق؛ لوجود شرطه.
(و) تبينا (أن وطأه) في الشهر (مُحَرَّم) إن كان الطلاق بائنًا؛ لأنها أجنبية منه.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 372.
(2)
في "ح" و"ذ": "يستبين".
(فإن كان وطئ) بعد التعليق (لزمه المهر) بما نال من فَرْجِها (إن كان الطلاق بائنًا) وإن كان رجعيًّا فلا تحريم ولا مهر، وحصلت به رجعتها.
(وإن خالعها بعد اليمين) أي: التعليق المذكور (بيوم فأكثر) من يوم (كثرةً يقع الخلع معها قبل الطلاق، بحيث لا تكون) المخلوعة (معها) أي: مع الكثرة حين الخلع (بائنًا) وقت الخلع (وكان الطلاق) المعلَّق (بائنًا، ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين؛ صح الخلع، وبَطَلَ الطلاق) المُعلَّق؛ لأن محل وقوع الطلاق صادفها بائنًا بالخلع.
(وإن قدم) زيد (بعد شهرٍ وساعة) من حين التعليق (وقع الطلاقُ البائن) لوجود شرطه (دون الخلع) فلا يصح (وترجع بالعوض) لأنا تبيَّنَّا أنها كانت حينه بائنًا بالطلاق.
(وإن كان الطلاق) المعلَّق (رجعيًّا؛ صح الخُلْع قبل وقوع الطلاق وبعده) لأن الرجعية زوجة يصح خلعها (ما لم تنقضِ عدَّتها) فإن انقضت عدتُها؛ بانت ولم يصح الخلع؛ إن تبيَّنّا وقوعه بعدها.
قلت: إن وقع الخُلْع حيلة لإسقاط يمين الطلاق؛ لم يصح، كما تقدم
(1)
.
(وكذا الحكم لو قال: أنت طالق قبل موتي بشهر) فإن مات أحدهما قبل مضي شهر، أو معه؛ لم يقع طلاق، وإن مات بعد عقد اليمين بشهرٍ وساعةٍ؛ تبيَّنا وقوع الطلاق في تلك الساعة.
(لكن لا إرث لـ) ــمطلَّقة (بائن) في تلك الصورة (لعدم التُّهمة) بحرمانها الميراث.
(1)
(12/ 171 - 172).
(وإن مات أحدهما) أي: أحد الزوجين (بعد عقد الصِّفَة) أي: بعد تعليق المذكور (بيومين، ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصِّفَة؛ لم يرث أحدُهما الآخر) لعدم التُّهمة، كما تقدم (إلا أن يكون) الطلاق (رجعيًّا؛ فإنه لا يقطع
(1)
التوارث ما دامت) الرجعة (في العِدة) لأنها زوجة اذًا.
(وإن قدم) زيد (بعد الموت بشهر وساعة؛ وقعت الفُرقةُ بالموت) لسبقه وجود الصِّفَة (ولم يقع الطلاق) المُعلَّق.
(وإن قال: إذا مُتُّ، فأنت طالق قبله بشهر؛ لم يصح) ذلك التعليق؛ لأنه جعل الموت شرطًا لطلاقها، وهي تَبِين به، فلم يتأتَّ ذلك. بخلاف: أنتِ طالق قبل موتي بشهر، فإنه لم يجعل موته شرطًا يقع به الطلاق عليها قبل شهر، وإنما رتَّبه فوقع على ما رتَّبه.
(وإن قال: أنتِ طالق قبل موتي) طَلَقت في الحال (أو) قال: أنتِ طالق (قبل موتك) طَلَقت في الحال (أو) قال: أنتِ طالق (قبل موت زيد) طَلَقت في الحال (أو) قال: أنتِ طالق (قبل قدومه) طَلَقت في الحال (أو) قال: أنتِ طالق (قبل دخولكِ الدار؛ طَلَقت في الحال) لأن ما قبل تلك الأشياء من حين عقده الصِّفة، فكله محل للطلاق، فيقع في أوله.
قال القاضي: سواء قدم زيد، أو لم يَقْدَم، بدليل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}
(2)
ولم يوجد الطمس في
(1)
في "ذ": "يمنع".
(2)
سورة النساء، الآية:47.
المأمورين.
ولو قال لغلامه: اسْقِني قبل أن أضربك، فسقاه في الحال عُدَّ ممتثلًا، وإن لم يضربه.
(وإن قال): أنتِ طالق (قبيل موتي، أو) قال: أنتِ طالق (قُبيل قدوم زيد) أو موته، أو قُبيل دخولكِ الدار، ونحوه (لم يقع) الطلاق (في الحال، ويقع) الطلاق (في الوقت الذي يليه الموت) أو القدوم، أو الدخول؛ لأن التصغير يقتضي كون الذي يبقي جزءًا يسيرًا.
(وإن قال): أنتِ طالق (قُبَيل موت زيد وعمرو بشهر) فقال القاضي: تتعلَّق الصِّفة بأولهما موتًا، وهو المُراد بقوله:(وقع بأولهما موتًا) يعني: قبله بشهر؛ لأن اعتباره بالثاني يُفضي إلي وقوعه بعد موت الأول، واعتباره بالأول لا يُفضي إلى ذلك، فكان أولى.
(وإن قال): أنتِ طالق (بعد موتي، أو): أنتِ طالق (مع موتي، أو): أنتِ طالق (بعد موتكِ، أو): أنتِ طالق (مع موتكِ؛ لم تطلق) لأن البينونة حصلت بالموت، فلم يبق نكاح يُزيله الطلاق، والموت سبب الحكم بالبينونة، فلا يجامعه وقوع الطلاق، كما أنه لا يجامع البينونة.
(وإن قال): أنتِ طالق (يوم موتي) أو موتكِ، أو موت زيد (طَلَقت في أوله) أي: أول اليوم الذي يموت فيه؛ لأن كلَّ جزء من ذلك اليوم يصلح لوقوع الطلاق فيه، ولا مقتضى لتأخيره عن أوله، فوقع في أوله.
قلت: قياس ما قدَّمتُه
(1)
عن الشيخ تقي الدين: أنه يحرم وطؤها في كل يوم من حين التعليق؛ لأن كل يوم يحتمل أن يكون يوم الموت.
(1)
(12/ 272).
(ولو قال) لزوجتيه: (أطولكما حياة طالق؛ فبموت إحداهما يقع الطلاق) بالأخرى (إذًا) أي: عند موت إحداهما؛ لأنه بموت إحداهما يعلم أن الباقية أطولهما حياة، و (لا) يقع الطلاق المُعلَّق بذلك (وقت يمينه) أي: حال عقد الصفة، كسائر أنواع الطلاق المُعلَّق بصفة، كـ: أنتِ طالق صائمة، إنما يقع عند وجود الصِّفة، لا حال عقدها.
(وإن تزوَّج أَمَة أبيه) بشرطه (ثم قال لها: إذا مات أبي) فأنتِ طالق (أو) قال لها: (إذا اشتريتُكِ فأنت طالق، فمات أبوه، أو اشتراها؛ طَلَقت) لأن الموت أو الشراء سبب لِملكها وطلاقها، وفسخ النكاح يترتَّب على المِلك، فيوجد الطلاق في زمن المِلك السابق على الفسخ، فيثبت حكمه.
(ولو قال) لها: (إذا ملكتك فأنتِ طالق، فمات أبوه، أو اشتراها؛ لم تطلق) لأن الطلاق يقع عقب المِلك، وقد صادفها مملوكة، فلا يقع.
(فإن كانت مُدَبَّرة) أي: دَبَّرها أبوه، وقال لها الزوج: إن مات أبي فأنتِ طالق (فمات أبوه وقع الطلاق) لأن الحرية تمنع ثبوت المِلك له، فلا ينفسخ نكاحه، فيقع طلاقه (و) وقع (العتق) لأنه مُعَلَّق بالموت، وقد وُجِدَ، ويكون وقوعهما (معًا) لأن كل واحدٍ منهما مُعَلَّق بالموت، ومحل وقوع العتق (إن خرجت من الثلث) أو أجاز الورثة، حيت قلنا: هي تنفيذ، فإن كان على الأب دين يستغرق تَرِكته؛ لم تَعْتق، والأصح أن ذلك لا يمنع نقل التَّركة إلى الورثة، فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح، على ما اختاره القاضي، وقَدَّمه في "الكافي"، و"المقنع"، وجزم به في "الوجيز".
(وإن لم تخرج من الثُّلث) بل بعضها (فكذلك) ينفسخ النكاح
ولا تطلق، على ما اختاره القاضي، وقَدَّمه في "الكافي"، و "المقنع" وجزم به في "الوجيز"(لمِلك الابن جزءًا منها، أو) ملكه (كلها، فيفسخ
(1)
النكاح) فلا يقع الطلاق، وعلى ما جزم به المصنِّف -تبعًا لما اختاره القاضي في "الجامع"، والشريف، وأبو الخطاب، وقَدَّمه في "المحرر"، و"الفروع"، وهو رواية في "التبصرة"-: تَطْلق؛ لما تقدم؛ من أن الموت والطلاق سبب ملكها وطلاقها، وفسخ النكاح يترتَّب على المِلك، فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ، فيثبت حكمه.
فصل
(ويُستعمل طلاق ونحوه) كالعتق والظهار (-كما يأتي- استعمال القسم) بالله تعالى (ويُجعلُ جواب القسم جوابًا له في غير المستحيل، فإذا قال: أنت طالق لأقومنَّ، وقام؛ لم تطلق) لأنه حَلِفٌ قد بَرَّ فيه، فلم يحنث، كما لو حلف بالله تعالى (فإن لم يقم في الوقت الذي عيَّنه؛ حَنِثَ) كما لو حلف عليه بالله، فإن لم يُعيّن وقتًا بلفظه ولا نِيَّتِهِ
(2)
؛ حَنِثَ باليأس، أي: قبيل موت أحدهما.
(و) إن قال: (أنت طالق إنَّ أخاك لَعاقِلٌ، وكان أخوها عاقلًا؛ لم يحنث، وإن لم يكن) أخوها (عاقلًا؛ حَنِثَ) الزوج (كما لو قال: والله إنَّ أخاك لعاقل. وإن شك في عقله لم يقع الطلاق) لأن الأصل بقاء
(1)
في "ح" و "ذ": "فينفسخ".
(2)
في "ذ": "بلفظ ولا نية".
النكاح، فلا يزول بالشك.
(و) إن قال: (أنت طالق لا أكلت هذا الرغيفَ، فأكله
(1)
؛ حَنِثَ) وإلا؛ فلا.
(و) إن قال: (أنت طالق ما أكلته؛ لم يحنث إن كان صادقًا) وإلا؛ حَنِثَ (كما لو قال: والله ما أكلته.
و) إن قال: (أنت طالق، لولا أبوك لطلَّقتك، وكان صادقًا؛ لم تطلق) وإلا، طَلَقت، كما لو حلف عليه بالله.
(ولو قال: إن حلفت بطلاقك فأنتِ طالق، ثم قال: أنتِ طالق لأُكرمنك؛ طَلَقت في الحال) لأنه حَلِفٌ بطلاقها.
(و) إن قال: (إنْ حلفتُ بعتق عبدي، فأنتِ طالق -ثم قال: عبدي حُرٌّ لأقومنَّ؛ طَلَقت) لوجود الحَلِف بعتق عبده.
(وإن قال: إن حلفتُ بطلاق امرأتي، فعبدي حُرٌّ، ثم قال: أنت طالق لقد صمتُ أمس؛ عَتَقَ العبد) لأنه قد حلف بطلاق امرأته.
(وإن عَلَّق الطلاق على وجود فعل مستحيل عادة) أي: في العادة (أو) عَلَّقه على فعل مستحيل (في نفسه) أي: لذاته.
(فـ) ـمثالُ (الأول) أي: المُعلَّق على مستحيل عادة (كـ: أنتِ طالق إن صعدتِ السماء، أو) إن (شاء الميت، أو) إن شاءت (البهيمة، أو) إن (طِرْت، أو) إن (قَلَبْتِ الحَجر ذهبًا، أو) إن (شربتِ ماء هذا النهر كلَّه، أو) إن (حملتِ الجبل، ونحوه) كـ: أنت طالق لا صعدت السماء، أو لا شاء الميت.
(و) مثال (الثاني) أي: المُعلَّق على مستحيل في نفسه (كـ: إن
(1)
في "ذ": "فأكلته".
رددت أمس، أو جمعتِ بين الضِّدَّين) فأنت طالق (أو: إن كان الواحد أكثر من اثنين، أو) إن (شربت ماء هذا الكُوز، ولا ماء فيه) فأنت طالق (لم تطلق، كَحَلِفهِ بالله عليه) لأنه عَلَّق الطلاق بصفة لم توجد؛ ولأن ما يقصد تبعيده يعلّق على المحال، قال تعالى في حَقِّ الكفار:{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ}
(1)
وقال الشاعر
(2)
:
إذا شابَ الغرابُ أتيتُ أهلي
…
وصارَ القَارُ كاللَّبَنِ الحليبِ
أي: لا آتيهم أبدًا.
(وإن عَلَّقه) أي: الطلاق (على عدمه) أي: عدم الفعل المستحيل عادة، أو في نفسه (كـ) ـقوله:(أنت طالق لأشربنَّ ماء الكُوز، ولا ماء فيه، علم) الحالف (أن فيه ماء، أو لم يعلم) ذلك؛ طَلَقت في الحال (أو) قال: أنت طالق (إن لم أشربه) أي: ماء الكُوز (و) الحال أنه (لا ماء فيه) طَلَقت في الحال.
(أو) قال: أنت طالق (لأصعدنَّ السماء، أو: إنْ لم أصعدها، أو) قال: أنت طالق (إن) لا طلعت
(3)
الشمس (أو): أنت طالق (لا طلعت الشمس، أو) قال: أنت طالق (لأقتلن فلانًا، فإذا هو ميت) طَلَقت في الحال، سواء (علمه) ميتًا (أو لا.
(1)
سورة الأعراف، الآية:40.
(2)
هو تميم الداري رضي الله عنه، كما في الدر الفريد وبيت القصيد (1/ 330)، وانظر: الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص/ 59، رقم 90، وروضة العقلاء ص/ 158، وحلية الأولياء (7/ 289).
(3)
في "ذ": "أنت طالق إذا طلعت الشمس"، وفي "ح":"أنت طالق إن طلعت الشمس".
أو) قال: أنت طالق (لأطيرنَّ، ونحوه) كـ: أنت طالق إن لم يشأ فلان الميت (طَلَقت في الحال) لأنه عَلَّق الطلاق على نفي فعل المستحيل، وعدمه معلوم في الحال وفي المآل، فوقع الطلاق.
و (كما لو قال: أنت طالق إنْ لم أبع عبدي، فمات العبدُ) قبل بيعه، فإنه يحنث قُبَيل موته، لليأس مِن فعل المحلوف عليه.
(وعِتْق، وظِهار، وحرام، ونَذْر، ويمين بالله، كطلاق) فيما تقدَّم ذِكره.
(وإن قال) لزوجته: (أنت طالق اليوم إذا جاء غدٌ، لم تطلق في اليوم ولا في غَدِهِ
(1)
) لعدم تحقق شرطه، إذ مقتضاه: أنتِ طالق
(2)
إذا جاء غد، ولا يأتي الغد إلا بعد ذهاب اليوم، وذهابه محل الطلاق.
(و: أنت طالق ثلاثًا على مذهب السُّنة والشيعة واليهود والنصارى؛ طَلَقت ثلاثًا؛ لاستحالة الصيغة، لأنه لا مذهب لهم) أي: للشيعة واليهود والنصارى (ولقصده التأكيد.
فإن) قال: أنت طالق على مذهب السُّنة والشيعة واليهود والنصارى، و (لم يقل ثلاثًا؛ فواحدة) لعدم ما يقتضي التكرار إن لم ينوِ أكثر (ومثلُه: أنت طالق ثلاثًا على سائر المذاهب) فتقع الثلاث، و: أنت طالق على سائر المذاهب، يقع واحدة إن لم ينوِ أكثر.
(1)
في "ح" و "ذ": "غد".
(2)
في "ذ" والمبدع (7/ 315): "طالق اليوم".
فصل في الطلاق في زمن مستقبل
(إذا قال) لزوجته: (أنتِ طالق غدًا) طَلَقت في أوله عند طلوع فجره، (أو) قال: أنتِ طالق (يوم السبت) طَلَقت في أوله (أو) قال: أنتِ طالق (في رجبٍ؛ طَلَقت بأول ذلك) لأنه جعل ذلك ظرفًا للطلاق، فإذا وُجِدَ ما يكون ظرفًا طَلَقت.
(كما لو قال: إذا دخلتِ الدارَ فأنتِ طالق، فإذا دخلت أول جزء منها طَلَقت).
وحاصله: أنه إذا عَلَّق الطلاق بشهر، أو وقت، عَيَّنه؛ وقع في أوله.
(وأما
إذا قال: إن لم أقضكَ حقَّكَ في شهر رمضان،
فامرأتي طالق، لم تطلق حتى يخرج) شهر (رمضان قبل قضائه) لأنه إذا قضاه في آخره، لم توجد الصفة.
(وفي الموضعين) أي: فيما إذا قال: أنتِ طالق غدًا ونحوه، وفيما إذا قال: إن لم أقضكَ حقَّكَ في شهر رمضان. . . إلخ (لا يُمنع من وطء زوجته قبل الحنث) لبقاء الزوجية.
(و) إذا قال: (أنتِ طالق اليوم، أو) قال: أنتِ طالق (في هذا الشهر، أو) قال: أنت طالق (في) هذا (الحول؛ طَلَقت في الحال) لأن اليوم والشهر والحول ظرفٌ لإيقاع الطلاق، فوجب أن يقع إذًا.
(فإن قال: أردت) أن الطلاق إنما يقع (آخر
(1)
هذه الأوقات، أو
(1)
في "ذ": "في آخر".
في وسط الشهر، أو يوم كذا منه، أو في النهار دون الليل) أو عكسه (دُيِّن، وقُبِلَ حكمًا) لأنه يجوز أن يريد ذلك، فلا يلزمه الطلاق في غيره، وإرادته لا تخالفُ ظاهره، إذ ليس أوَّلُه أولى في ذلك من غيره.
(إلا في قوله): أنتِ طالق (غدًا، أو يوم السبت، فلا يُديَّن، ولا يُقبل حكمًا) إذا قال: أردت آخرهما، أو وسطهما، ونحوه؛ لأنه مخالف لمقتضى اللفظ، إذ مقتضاه الوقوع في كل جزء منه، ليعمّ جملته.
كما لو قال: لله عليَّ أن أصوم رجب؛ لزمه صومه جميعه، ولا يكون واقعًا في جميعه؛ إلا إذا وقع من أوله، بخلاف ما لو قال: في غدٍ، أو في يوم السبت، فإن مقتضاه الوقوع في جزء منه، وهو صادق بجميع أجزائه.
وكذلك لو قال: لله عليَّ أن أصوم في رجب، أجزأه يوم منه. أشار إليه ابن الزَّرِيرَاني في "فروقه"
(1)
نقلًا عن أبيه.
(و) إن قال: (أنتِ طالق في أوَّل رمضان، أو في غُرَّته، أو) قال: أنتِ طالق (غُرَّته، أو في رأسه، أو استقباله، أو مجيئه؛ طَلَقت بأول جزء منه، ولم يُقبل قوله: أردت آخره، أو وسطه، ونحوه، ظاهرًا ولا باطنًا) لأنه لا يحتمله.
وإن قال: أردت بالغُرَّة اليوم الثانيَ؛ قُبِلَ منه؛ لأن الثلاث الأول من الشهر تُسمَّى: غُرَرًا.
(وإن قال): أنت طالق (بانقضاء رمضان، أو، بـ (ـانسلاخه، أو) بـ (ـنفاده، أو) بـ (ـمُضيِّه؛ طَلَقت في آخر جزء منه) لأن ذلك مؤدَّى تعليقه.
(1)
المسمى: "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل"(2/ 122).
(وإن قال): أنت طالق (أول نهار رمضان، أو) قال: أنت طالق (أول يوم منه؛ طَلَقت بطلوع فَجْرِ أول يوم منه) أي: من رمضان؛ لأنه أول اليوم والنهار.
(و) إن قال: (أنت طالق إذا كان رمضان، أو): أنت طالق (إلى رمضان، أو): أنت طالق (إلى هلال رمضان، أو): أنت طالق (في هلال رمضان؛ طَلَقت وقت يستهلُّ) رمضان (إلا أن يكون أراد: من الساعة إلى الهلال، فتطلق في الحال) أي: حال التلفُّظ بذلك؛ لأن "من" لابتداء الغاية.
(وإن قال): أنتِ طالق (في مجيء ثلاثة أيام؛ طَلَقت في أول اليوم الثالث) لتحقق مجيء الثلاثة إذًا.
(و) إن قال: (أنتِ طالق اليوم، أو غدًا) طَلَقت في الحال (أَو) قال: (أنتِ طالق غدًا، أو بعد غد، طَلَقت في أسبق الوقتين) وكذا لو قال: أنت طالق في هذا الشهر، أو الآتي.
(و) إن قال: (أنتِ طالق اليوم وغدًا وبعد غدٍ، أو) قال: أنتِ طالق (في اليوم وفي غدٍ وفي بعده؛ فواحدة في الأولى) وهي قوله: أنت طالق اليوم وغدًا وبعد غدٍ؛ لأنها إذا طَلَقت اليوم، كانت طالقًا غدًا وبعد غدٍ (كقوله): أنت طالق (كل يوم، و) يقع (ثلاث في الثانية) وهي قوله: أنت طالق في اليوم وفي غدٍ وفي بعده، فتطلق في كل يوم طَلْقة؛ لأن إتيانه بـ "في" وتكرارها، يدل على تكرار الطلاق (كقوله): أنت طالق (في كل يوم.
و) إن قال: (أنت طالق اليوم إن لم أطلقكِ اليوم، أو أسقط اليوم الأول، أو) أسقط (اليوم الأخير، ولم يُطلقْها في يومه؛ وقع) الطلاق
(في آخر جزء منه) لأن خروج اليوم يفوت به طلاقها، فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان، كموت أحدهما في اليوم، لأن معنى يمينهِ: إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه، فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته طلاقها، فوقع حينئذ (ويأتي في الباب بعده إذا أسقط اليومين.
و) إن قال: "أنتِ طالق اليوم، إن لم أتزوَّج عليك اليوم؛ طَلَقت في آخره) أي: اليوم (إن لم يتزوَّج فيه) لما تقدم في التي قبلَها، وكذا: أنتِ طالق اليوم إن لم أشتر لك اليوم ثوبًا، أو نحوه.
(وإن قال لعبده: إن لم أبعْكَ اليوم فامْرأَتي طالق، فلم يبعه حتى خرج اليوم؛ طَلَقت) في آخره؛ لما سبق.
(فإن عَتَق العبد) في اليوم (أو مات) أي: العبد في اليوم أو مات (الحالف) في اليوم (أو) ماتت (المرأة في اليوم؛ طَلَقت) قُبَيل ذلك؛ لأنه قد فاته بيعه فيه.
(وإن دبَّره أو كاتبه) أو عَلَّق عتقه بصفة (لم تطلق قبل خروج اليوم؛ لجواز بيعه) لأن الكتابة ونحوها لا تمنعه.
قلت: فإن نذر عتقه نَذْرَ تَبرُّرٍ، وقلنا: لا يصح بيعه؛ حَنِثَ قُبَيله، كما تقدم.
(وإن وهبه) أي: العبد (لإنسان) ولو غير ولده (لم يقع الطلاق) قبل مُضيّ اليوم (لأنه يمكن عوده إليه) في اليوم (فيبيعه في اليوم) فلا يتحقَّق اليأس قبل مُضِيّه.
(وإن قال: إن لم أبعْ عبدي، فامْرَأتي طالق، ولم يقيده باليوم) بلفظه ولا نيّته (فكاتب العبد؛ لم يقع الطلاق) لأن المكاتَب يصح بيعه
(فإن عَتَق بالكتابة، أو غيرها) بأن أدَّى ما عليه أو أعتقه ونحوه (وقع) الطلاق قُبَيله؛ لأنه فاته بيعه.
(وإن قال لزوجاته الأربع: أيتكنّ لم أطأها الليلة فصواحباتها طوالق، ولم يطأ تلك الليلة واحدة منهنَّ؛ طَلَقْنَ ثلاثًا ثلاثًا، ويأتي في الباب بعده) موضحًا.
فصل
(وإن قال: أنتِ طالق يوم يَقْدَم زيد، أو) قال: أنتِ طالق (في اليوم الذي يَقْدَم فيه زيد، فماتت) في يوم قدومه (أو مات) الحالف في يوم قدومه (أو ماتا) أي: الزوجان (في يوم قدومه، أو لم يمت واحد منهما في ذلك اليوم؛ تبيَّن أن طلاقها وقع من أوَّل اليوم) الذي قدم فيه زيد من طلوع فجره، كما لو قال: أنتِ طالق يوم الجمعة.
(و) إن قال: (أنتِ طالق في شهر رمضان إنْ قدم زيد، فقدم) زيد (فيه) أي: في رمضان (طَلَقت من أوَّله) أي: أوَّل رمضان، فيتبيَّن أنها طلقت من غروب الشمس من آخر يوم من شعبان؛ قياسًا على التي قبلها، بخلاف ما لو قال: أنت طالق في شهر رمضان إذا قدم زيد، فإنها تطلق عقب قدومه.
(و) إن قال: (أنت طالق في غدٍ إذا قدم زيد، فماتت في قدومه؛ لم تطلق) لأن "إذا" اسم زمان مُستَقْبَلٍ، فمعناه: أنت طالق غدًا وقت قدومه.
(وإن قدم زيد والزوجان حيّان؛ طَلَقت عقب قدومه) لوجود الصفة.
(و) إن قال: (أنت طالق اليوم غدًا؛ طَلَقت اليوم واحدة) لأن مَنْ طَلَقت اليوم فهي طالق غدًا (إلا أن يريد أنها طالق اليوم طلقة، وطالق غدًا طلقة؛ فتطلق اثنتين في اليومين) على حسب ما أراده.
(فإن قال: أردت أنها تطلق في أحد اليومين؛ طَلَقت اليوم ولم تطلق غدًا) لأنه جعل الزمان كله ظرفًا للطلاق فوقع في أوله.
(وإن أراد نصف طلقة اليوم، ونصف طلقة غدًا؛ فثِنتان) لأن كل نصف يكمَّل، ضرورة عدم تبعيض الطلاق.
(وإن نوى نصف طَلْقة اليوم، وباقيها غدًا؛ طَلَقت اليوم واحدة) لأنه إذا قال: نصفها اليوم؛ كَملت، فلم يبقَ لها بقية تقع غدًا.
(و) إن قال: (أنتِ طالق إلى شهر، أو): أنتِ طالق (إلى حول؛ تطلق بمُضِيّه) رُوي عن ابن عباس
(1)
وأبي ذر
(2)
؛ ولأنه جعل ذلك غاية للطلاق، ولا غايةَ لآخره، فوجب أن يجعل غاية لأوله؛ ولأن هذا يحتمل أن يكون توقيتًا لإيقاعه، كقول الرجل: أنا خارج إلى سنة، أي: بعد السنة؛ فلم يقع الطلاق بالشك.
(إلا أن ينوي طلاقها في الحال؛ فتطلق في الحال) عملًا بنيته (كـ) ـقوله: (أنت طالق إلى مكة، ولم ينوِ بلوغها إلى مكة) فيقع في الحال، وكذا: أنت طالق بعد مكة، وتقدم
(3)
.
(و)
إن قال: (أنت طالق من اليوم إلى سنة
؛ طَلَقت في الحال، فإن قال: أردت أن عقد الصفة من اليوم، و) أن (وقوعه بعد سنة؛ لم يقع)
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 29).
(2)
أخرج ابن أبي شيبة (5/ 29)، وابن عساكر (66/ 208)، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال لغلام له: هو عتيق إلى الحول.
(3)
(12/ 246).
الطلاق (إلا بعدها) أي: السنة؛ عملًا بنيته، واللفظ يحتمله.
(وإن قال: أردتُ تكريرَ طلاقها، من حين تلفظتُ إلى سنة؛ طَلَقت في الحال ثلاثًا؛ إن كانت مدخولًا بها) وإلا؛ بانت بالأولى، ولم يلحقها ما بعدها.
(و) إن قال: (أنتِ طالق في آخر الشهر؛ تطلق في آخر جزء منه) أي: الشهر؛ لأنه آخره (وقيل): تطلق (بطلوع فجر آخر يوم) منه (اختاره الأكثر) قاله في "المبدع"، وقطع به في "المقنع" وغيره؛ لأن آخر الشهر آخر يوم منه، وإذا عُلِّقَ الطلاق على وقت؛ تعلَّق بأوَّله.
(و) إن قال: أنتِ طالق (في أول آخره؛ تطلق بطلوع فجر آخر يوم منه) لأن آخر الشهر اليوم، وأوله طلوع الفجر (ويحرم وطؤه في تاسع عشرين) لاحتمال أن يكون آخر الشهر (ذكره ابن الجوزي) في "المُذْهَب"
(1)
(والمراد: إذا كان الطلاق بائنًا) بخلاف الرجعي، فيجوز وطؤها فيه.
(و) إن قال: أنتِ طالق (في آخر أوَّلِه؛ تطلق في آخر أوَّلِ يومٍ منه) قاله في "المقنع". قال في "المبدع": على المذهب. قال في "الإنصاف": هذا أحد الوجوه. قال ابن مُنَجّا في "شرحه": هذا المذهب. قال في "المغني" و"الشرح": هذا أصح، وقدمه في "الهداية"، و"المستوعِب"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير"، وجزم به في "الوجيز". وقيل: تطلق بطلوع فجر أوّلِ يومٍ منه، وهذا المذهب.
(1)
كتاب المُذْهَب في المذهب لابن الجوزي، لم يطبع، انظر: معجم مصنفات الحنابلة (2/ 405)، ونقل الكلام المذكور يوسف بن ابن الجوزي في كتابه المَذْهب الأحمد في مذهب أحمد ص/ 97.
قال في "الفروع": طَلَقت بطلوع فجر أوّلِ يومٍ منه في الأصح؛ جزم به في "المُنَوّر" وقدَّمه في "المحرر". وقال أبو بكر -يعني في المسألتين-: تطلق بغروب شمس الخامسَ عشرَ منه. انتهى؛ لأن نصف الشهر فما دون يُسَمَّى أوَّله، فإذا شرع في النصف الثاني صَدَق أنه آخره، فيجب أن يتحقق الحنث؛ لأنه أوَّل آخره، وآخر أوَّله.
(و)
إن قال: (إذا مضى يوم فأنتِ طالق،
فإن كان) القول المذكور (نهارًا؛ وقع) الطلاق (إذا عاد النهار إلى مثل وقته) الذي تلفَّظَ فيه، من أمس ذلك النهار؛ ليكمل اليوم.
(وإن كان) قوله ذلك (ليلًا؛ فـ) ــــــإنها تطلق (بغروب شمس الغد) أي: غد تلك الليلة؛ ليتحقق مُضيّ يوم.
(و) إن قال: (إذا مضتْ سَنَةٌ فأنتِ طالق
؛ طَلَقت إذا مضى اثنا عشر شهرًا بالأهِلَّة، ويَكْمُلُ -الشهر الذي حَلَف في أثنائه- بالعدد) أي: ثلاثين يومًا، حيث كان الحَلِف في أثناء شهر، فإذا مضى أحد عشر شهرًا بالأهِلَّة، أضاف إلى ما مضى من الشهر الأول قبل حَلِفه تتمة الثلاثين يومًا. وإنما اعتبرت الأهِلَّة حيث أمكن اعتبارها؛ لأنها المواقيت التي جعلت للناس؛ بالنصِّ.
(وإن قال: إذا مضتِ السَّنة) فأنتِ طالق (أو) قال: إذا مضت (هذه السَّنة فأنت طالق؛ طَلَقت بانسلاخ ذي الحجة) لأنه لمَّا ذكرها بلام التعريف، انصرف إلى السَّنة المعروفة، وهي التي آخرها ذو الحجة.
(فإن قال: أردت بالسَّنة اثني عشر شهرًا؛ دُيِّن، وقُبِلَ) منه حكمًا؛ لأن لفظه يحتمله.
(و) إن قال: (أنت طالق في كل سَنة طَلْقة؛ طَلَقت الأولى في
الحال) لأنه جعل السَّنة ظرفًا للطلاق، فيقع إذًا (و) تطلق (الثانيةَ في أوَّل المحرم) لأن السَّنة الثانية ظرف للطلقة، فتطلق في أولها (وكذا الثالثة، إن بقيت الزوجة في عصمته) بأن استمرت الرجعية
(1)
في عدتها، أو ارتجعها في عدة الطلاق، أو جدَّد نكاحها بعد أن بانت.
(وإن بانت حتى مضت السَّنة الثالثة، ثم تزوَّجها؛ لم يقع) الطلاق.
(ولو نَكَحها في) السنة (الثانية) وقعت الطلقة عقب نكاحه (أو) نكحها في السَّنة (الثالثة؛ وقعت الطلقة عقبه) لأنه جزء من السَّنة التي جعلها ظرفًا للطلاق، ومحلًّا له، وكان سبيلُه أن يقع أوَّلَها، فمَنَع منه كونُها غيرَ محلٍّ للطلاق؛ لعدم نكاحها
(2)
حينئذ، فإذا عادت الزوجيَّة، وقع في أولها.
(فإن قال: أردتُ بالسَّنةِ اثني عشر شهرًا، قُبِلَ حكمًا) لأن لفظه يحتمله.
(وإن قال: أردتُ أن يكون أوَّلُ السنينَ المحرمَ؛ دُيِّن) لأنه محتمل (ولم يُقبل في الحكم) لأنه خلاف الظاهر.
(و) إن قال: (أنتِ طالق يوم يقدَم زيد، فقدم نهارًا مختارًا؛ حَنِثَ) لوجود الصفة (علم القادم باليمين، أو جهلها) أي: اليمين (وسواء كان القادم ممن لا يمتنع بيمينه، كالسلطان، والحاج، والأجنبي، أو) كان (ممن يمتنع باليمين من القدوم، كقرابة لهما، أو لأحدهما، أو غلام لأحدهما) أي: أحد الزوجين.
(وإن قدم) زيد (ليلًا؛ طَلَقت إن نوى به) أي: اليوم (الوقت، أو
(1)
في "ح" و"ذ": "الزوجة".
(2)
في "ح" و"ذ": "نكاحه".
لم ينوِ شيئًا) لأن اليوم يُطْلَق بمعنى الوقت، قال تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
(1)
، وقال:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}
(2)
.
(وإن قدم) زيد (نهارًا، طَلَقت في أوَّله) أي: من طلوع فجر يوم قدومه، وتقدم
(3)
.
(وإن قُدم به) أي: بزيدٍ (ميتًا أو مُكرَهًا؛ لم تطلق) لأنه لم يَقدَم؛ وإنما قُدِمَ به (ومع النية) بأن يكون الحالف مثلًا أراد بقدومه انتهاء سفره (يُحمَلُ الكلام عليها) أي: على النية، فيقع في المثال المذكور.
(وإن قال) لزوجته أو غيرها: (إن تركتِ هذا الصبي يخرج، فأنتِ طالق، فانفلت الصبي بغير اختيارها، فخرج) أي: الصبي (فإن كان) الحالف (نوى ألا يخرج) الصبي (حَنِثَ) الحالف بخروجه (وإن نوى ألا تدعه) أي: تتركه (لم يحنث؛ نصًّا
(4)
) لأنها لم تتركه (وإن لم تُعلم نيته) أي: الحالف (انصرفت يمينه إلى فعلها، فلا يحنث، إلا إذا خرج) الصبي (بتفريطها في حفظه، أو) خرج (باختيارها) لأن ذلك مقتضى لفظه، فلا يعدل عنه إلا لمعارض ولم يتحقق، لكن إن كان لليمين سبب هيجها؛ حُمِلت عليه، كما يأتي في باب جامع الأيمان.
"فائدة": قال في "بدائع الفوائد"
(5)
:
ما يقولُ الفقيهُ أيَّده اللهُ
…
وما زال عندَه إحسانُ
(1)
سورة الأنعام، الآية:141.
(2)
سورة الأنفال، الآية:16.
(3)
(12/ 285).
(4)
المغني (10/ 488)، والمبدع (7/ 326)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (22/ 435).
(5)
(3/ 243).
في فتًى علَّقَ الطلاقَ بشهرٍ
…
قبلَ ما قبلَ قبْلِهِ رمضانُ
في هذا البيت ثمانية أوجه: أحدها: هذا. والثاني: قبلَ ما قبلَ بعدِهِ. والثالث: قبلَ ما بعدَ بعدِهِ. والرابع: قبلَ ما بعدَ قبلِهِ، فهذه أربعةٌ متقابلة. الخامس: بعدَ ما قبلَ قبلِهِ. والسادس: بعدَ ما قبلَ بعدِهِ. والسابع: بعدَ ما بعدَ قبلِهِ. والثامن: بعدَ ما بعدَ بعدِهِ
(1)
.
وتلخيصها: أنك إنْ قدَّمتَ لفظة: "بعد" جاء أربعة: أحدها: أنَّ كلها "بعد"، الثاني: بعدان وقبل، الثالث: قَبلان وبعد، الرابع: بعدان بينهما "قبل"، وإنْ قدَّمت لفظة "قبل" فكذلك.
وضابط الجواب عن الأقسام: أنه إذا اتفقت الألفاظ، فإن كانت "قبل"؛ وقع الطلاق في الشهر الذي يقدُمُهُ رمضان بثلاثة شهور، فهو ذو الحجة، فكأنه قال: أنت طالق في ذي الحجة؛ لأن المعنى: أنت طالق في شهرٍ شَهْرُ رمضانَ قبلَ قبلِ قبلِهِ، فلو كان رمضانُ قبلَه، طَلَقت في شوال، ولو قال: قبلَ قبلِهِ، طَلَقت في ذي القَعدة.
وإن كانت الألفاظ كلها "بعد"؛ طَلَقت في جمادى الآخرة؛ لأن المعنى: أنت طالق في شهر يكون رمضان بعدَ بعدِ بعدِهِ، ولو قال: رمضانُ بعدَه، طَلَقت في شعبان. ولو قال: بعدَ بعدِهِ، طَلَقت في رجب.
وإن اختلفت الألفاظ، وهي ست مسائل، فضابطها: أن كل ما
(1)
كذا ورد هذا النص في الأصول، ووقع في مطبوعات بدائع الفوائد تقديم وتأخير بالأوجه، ونصّه فيها: في هذا البيت ثمانية أوجه: أحدها: هذا، والثاني:"بعد ما بعد بعده"، والثالث:"قبل ما بعد بعده"، والرابع:"بعد ما قبل قبله"، فهذه أربعة متقابلة، والخامس:"قبل ما بعد قبله"، والسادس:"بعد ما قبل بعده"، والسابع:"بعد ما بعد قبله"، والثامن:"قبل ما قبل بعده".
اجتمع فيه "قبل" و"بعد" فالْغِها، نحو: قبلَ بعدِهِ وبعدَ قبلِهِ، واعتبر الثالث.
فإذا قال: قبلَ ما بعدَ بعدِهِ، أو بعدَ ما قبل قبلِهِ، فالْغِ اللفظتين الأوليين، يصير كأنه قال أولًا: بعدَه رمضان، فيكون شعبان. وفي الثاني كأنه قال: قبلِهِ رمضان، فيكون شوّالًا.
وإن توسَّطت لفظةٌ بين متضادّين نحو: قبلَ بعدِ قبلِهِ، أو بعدَ قبلِ بعده، فالغِ اللفظتين الأوّلتين، ويكون شوَّالًا في الصورة الأولى، كأنه قال: في شهرٍ قبلَه رمضان، وشعبان في الثانية، كأنه قال: بعدَه رمضان.
وإن قال: بعدَ بعدِ قبلِهِ، أو قبلَ قبل بعدِهِ، وهما تمام الثمانية؛ طَلَقت في الأولى في شعبان، كأنه قال: بعده رمضان، وفي الثانية في شوال، كأنه قال: قبله رمضان.
باب تعليق الطلاق بالشروط
قال في "الاختيارات"
(1)
: تعليقُ الطلاق على شرط، هو إيقاع له عند ذلك الشرط، كما لو تكلَّم به عند الشرط، ولهذا قال بعضُ الفقهاء: إن التعليق يصير إيقاعًا في ثاني الحال، وقال بعضهم: إنه متهيِّئ لأن يصير إيقاعًا.
(وهي) أي: الشروط بمعنى التعاليق، إذ الشرط يُطلق على التعليق، وعلى الأداة، وعلى المعلَّق عليه، ففي كلامه استخدام ولم يتطابق المبتدأ والخبر؛ لجمود
(2)
الخبر. وفي بعض النسخ: "وهو" أي: التعليق، "وهي" أظهر (ترتيب شيء غير حاصل) حين الترتيب، وهو الطلاق والعتق ونحوه (على شيء حاصل) أي: موجودٍ (أو غير حاصل، بـ "إنْ") بكسر الهمزة وسكون النون (أو إحدى أخواتها) من أدوات الشرط الجازمة وغيرها، نحو: إنْ قام زيد فامرأته طالق، أو عبده حر، ونحوه
(3)
.
(ويصح) التعليق (مع تقدم الشرط) كـ: إنْ دخلت الدار فأنت طالق.
(و) يصح -أيضًا- مع (تأخره) أي: الشرط، كـ: أنتِ طالق إنْ
(1)
ص / 376.
(2)
في "ذ": "لعموم".
(3)
في "ح" و"ذ" زيادة، وهي:"أو إن كان قائمًا فأمر أنَّه طالق أو عبده حر ونحوه"، وهي في الأصل وقد ضرب عليها.
دخلتِ الدار، بشرط اتصاله ونيته قبل تمام "أنت طالق" وتقدم في باب الاستثناء
(1)
(كتأخُّر) جواب (القسم في قوله: أنت طالق لأفعلنَّ) فإنه يصح، فإن فعل بَرٍّ، وإلا؛ حَنِثَ بفوات ما عيَّنه بلفظه أو نيته، وإلا؛ فباليأس.
(ويصح) التعليق (بصريحه) كما تقدم.
(و) يصح -أيضًا- (بكنايته) أي: الطلاق (مع قصده) أي: قصد الطلاق، نحو: أنت خلية إنْ لم تدخلي الدار، إذا نوى بها الطلاقَ؛ وعلى ما تقدم
(2)
: أو وُجدت قرينة من غضب، أو سؤال طلاق.
(ومَنْ صَحَّ تنجيزه) للطلاق (صَحَّ تعليقه) له على شرط، إذ التعليق مع وجود الصفة تطليق، فإذا عَلَّق الطلاق على شرط وقع عند وجوده، أي: إذا استمرت الزوجية (وإنْ فصل بين الشرط وحكمه) أي: جوابه (بكلام منتَظِم، كـ: أنتِ طالق -يا زانية- إنْ قمتِ؛ لم يضرّ) ذلك الفصل، لأنه لا يُعَدُّ فصلًا عُرفًا.
(ويقطعه) أي: التعليق (سكوته، وتسبيحه، ونحوه) مما لا يكون الكلام معه متصلًا (كـ: أنتِ طالق -أستغفر الله- إنْ قمتِ، أو): أنتِ طالق (-سبحان الله- إنْ قمتِ) فيقع الطلاق منجزًا.
(و: أنت طالق مريضةٌ، رفعًا ونصبًا) أي: برفع مريضة أو نصبها (يقع) الطلاق عليها (بمرضها) لوصفها بالمرض عند الوقوع، أشبه الشرط، فكأنه قال: أنتِ طالق إذا مرضتِ، وانتصاب "مريضة" على الحال، وارتفاعها على أنها خبرُ مبتدأ محذوف، والجملة حال.
(1)
(12/ 268).
(2)
(12/ 222).
(وتعمُّ "من" و"أيُّ" المضافة إلى الشخص) أي: يعم (ضميرُهما) سواء كان (فاعلًا أو مفعولًا) فالأول نحو: مَن دَخَلَتِ الدار فهي طالق، أو: أيَّتُكن
(1)
دخلتِ الدار فهي طالق، والثاني نحو: مَنْ أقمتها منكنَّ فهي طالق، أو: أيَّتُكن أقمتها فهي طالق.
(و
لا يصح) تعليق الطلاق (إلا من زوج)
ولو مميزًا يعقله؛ لما تقدم، وكالمنجز.
(فلو قال: إن تزوجتُ فلانةً) فهي طالق؛ لم تطلق إنْ تزوجها.
(أو) قال: (إن تزوجتُ امرأةً فهي طالق؛ لم تطلق إنْ تزوَّجها؛ ولو كانت) التي عيَّنها (عتيقته) بأن قال: إن تزوجتُ عتيقتي فلانة فهي طالق، فلا تطلق إذا تزوَّجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا طلاقَ ولا عَتاقَ لابنِ آدم فيما لا يملكُ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي بإسنادٍ جيد، من حديث عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. قال الترمذي: هو حديث حسن، وهو أحسن شيء في الباب
(2)
. ورواه الدارقطني وغيره من حديث عائشة، وزاد:"وإن عيَّنها"
(3)
. وعن المِسْور مرفوعًا قال: "لا طلاقَ قبلَ نكاحٍ، ولا عتقَ قبل ملك" رواه ابن ماجه بإسناد حسن
(4)
،
(1)
"أيتكن مبتدأ مرفوع بضمة ظاهرة، وأية مضاف والكاف مضاف إليه والنون علامة جمع النسوة". ش.
(2)
أحمد (2/ 189 - 190)، وأبو داود في الطلاق، باب 7، حديث 2190، والترمذي في الطلاق، باب 6، حديث 1181، وقد تقدم تخريجه (10/ 131) تعليق رقم (1).
(3)
تقدم تخريجه (10/ 131) تعليق رقم (1) فقره "و"، دون زيادة:"وإن عيَّنها"، ولم نقف على من أخرجها.
وأخرجه الدارقطني (4/ 17)، عن معاذ رضي الله عنه، بلفظ:"لا طلاق إلا بعد نكاح، وإن سُميت المرأة بعينها". وضعفه.
(4)
في الطلاق، باب 17، حديث 2048. وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الأوسط =
قال أحمد
(1)
: هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعِدّةٍ من الصحابة
(2)
(3)
.
و (كحَلفِه: لا أفعل كذا، فلم يبقَ له زوجةٌ، ثم تزوَّج أخرى) أي: غير التي كانت حين الحَلف (وفعل ذلك) الفعل الَّذي حلف لا يفعله؛ لم تطلق التي تزوَّجها؛ لما تقدم، بخلاف ما لو حلف على شيء لا يفعله، ثم أبان زوجته، ثم عقد عليها، فتعود الصفة، ويحنث إذا فعله، وتقدم في الخلع
(4)
.
(وإن قال لأجنبية: أنت طالق إن قُمْتِ، فتزوَّجها، ثم قامت؛ لم تطلق) قال في شرح "المقنع": بغير خلاف نعلمه.
(و
إن علَّق زوجٌ طلاقًا بشرط؛ لم تطلق قبل وجوده)
أي: الشرط؛
= (8/ 17) حديث 7024: وابن عدي (7/ 2567). وحسن إسناده: البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 354)، والحافظ في التلخيص الحبير (3/ 211).
(1)
المغني (13/ 489)، وانظر: مسائل عبد الله (3/ 1103 - 1105) رقم 1522 - 1527، ومسائل صالح (1/ 248، 435 - 436، 2/ 332) رقم 189، 425، 962، ومسائل أبي داود ص / 169، ومسائل ابن هانئ (1/ 235) رقم 1135 - 1136.
(2)
في "ح" و"ذ": "أصحابه".
(3)
منهم علي رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6/ 416 - 417) رقم 11451، 11453، وسعيد بن منصور (1/ 249) رقم 1030، وحرب في مسائله ص / 112، والبيهقي (7/ 320).
ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6/ 415) رقم 11448، وسعيد بن منصور (1/ 248) رقم 1022، 1027 - 1028، وابن أبي شيبة (5/ 16)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 1105) رقم 1527، والبيهقي (7/ 320).
ومنهم عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 16)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 135)، والبيهقي (7/ 321).
(4)
(12/ 168 - 169).
لأنه زوال مِلك بُني على التغليب والسِّراية، أشبهَ العِتق.
(وليس له) أي: للمعلِّق طلاقًا بشرطٍ (إبطالُه) أي: التعليق؛ لأن إبطاله رفعٌ له، وما وقع لا يرتفع (فإذا وُجِدَت) الصفة المعلَّق عليها الطلاق، وهي المعبَّر عنها بالشرط (طَلَقت) لوجود الصفة، وإن لم توجد لم تطلق.
(فإن مات أحدهما قبل وجود الشرط) سقطت اليمين (أو استحال وجوده) أي: الشرط، كأن قال: أنتِ طالق إنْ قتلتِ زيدًا، فمات (سقطت اليمين) ولا حنث؛ لعدم وجود الصفة.
(وإن قال) بعد تعليقه الطلاق بشرط: (عجِّلتُ ما علقتهُ) لم يتعجَّل (أو) قال: (أوقعت
(1)
) أي: أوقعت ما عَلَّقته (لم يتعجَّل) لأنه حكم شرعي، فلم يملك تغييره.
(وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة) المعلَّقة (وقع بها) طَلْقة (فإذا جاء) أي: وُجِدَ (الزمن الَّذي علَّق الطلاق به، وهي زوجته) أو في عدة رجعي
(2)
(وقع بها الطلاق المعلَّق) لوجود شرطه.
(وإن قال) مَنْ علَّق الطلاق بشرط: (سبق لساني بالشرط، ولم أُرِده) أي: الشرط بمعنى التعليق (وقع) الطلاق (في الحال) لأنه أقرَّ على نفسه بما هو أغلظ، من غير تُهمة، وهو يملك إيقاعه في الحال، فلزمه.
(وإن قال: أنتِ طالق، ثم قال: أردتُ إنْ قمتِ؛ دُيِّن) لأنه أعلم بنيته (ولم يُقبل) منه ذلك (في الحكم) لأنه خلاف الظاهر.
(1)
في "ح" و"ذ": "أوقعته".
(2)
في "ح": "رجعية".
فصل
(وأدوات الشرط) أي: الألفاظ التي يؤدَّى بها معنى الشرط، أسماءً كانت أو حروفًا (المستعملة في طلاق وعتق -غالبًا- ست:"إِنْ") بكسر الهمزة، وسكون النون (و"إذا"، و"متى"، و"مَنْ") بفتح الميم وسكون النون (و"أيّ") بفتح الهمزة، وتشديد الياء (و"كلَّما"، وهي) أي: "كلما"(وحدَها للتكرار) لأنها تعم الأوقات، فهي بمعنى "كل وقت"، فإذا قلت: كلَّما قمتَ قمتُ، فهو بمعنى: كل وقت تقومُ فيه أقومُ فيه، فلذلك وجب فيها التكرار، بخلاف "متى" فإنها اسم زمان، بمعنى "أي وقت"، وبمعنى "إذا"، فلا تقتضي ما لا يقتضيانه، وكونها تُستعمل للتكرار في بعض الأحيان، لا يمنع استعمالها في غيره، مثل: إذا، وأي وقت، فإنهما يستعملان في الأمرين، قال تعالى:{وَإِذَا رَأَيتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}
(1)
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيكُمْ}
(2)
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيتَهَا}
(3)
. وكذلك: أيّ وقت، وأيّ زمان، فإنهما يستعملان للتكرار، وسائر الحروف يجازى بها، إلا أنها لما كانت تُستعمل للتكرار وغيره، لا تُحمل على التكرار إلا بدليل كذلك، وقوله:"غالبًا" إشارة إلى أن هناك أدوات تُستعمل في طلاق وعِتق، كـ"حيثما" و"مهما" و"لو"، وما أشبهها من أدوات الشرط، لكن لم يغلب استعمالها فيهما.
(1)
سورة الأنعام، الآية:68.
(2)
سورة الأنعام، الآية:54.
(3)
سورة الأعراف، الآية:203.
(وكلُّها) أي: كل الأدوات المذكورة -وهي: إن، وإذا، ومتى، ومن، وأي، وكلما (ومهما، ولو- على التراخي؛ إذا تجردت عن "لم"، أو نيَّةِ فَوْرٍ، أو قرينته) لأنها لا تقتضي وقتًا بعينه دون غيره، فهي مُطْلَقَةٌ في الزمان كله (فأما إذا نوى الفورية، أو كانت هناك قرينة تدلُّ عليها) أي: على الفورية (فإنه) أي: المُعلَّق من طلاق، أو عِتق، أو نحوه (يقع في الحال، ولو تجرَّدت) الأداة (عن "لم") حملًا على النية أو القرينة.
(فإذا اتَّصلت) هذه الأدوات (بـ"لم" صارت على الفور) لأن متى، وأيًّا، وإذا، وكلّما، تعمُّ الزمان كله، فأي زمن وُجِدت الصفة فيه؛ وجب الحكم بوقوع الطلاق، ولابُدَّ أن يلحظ في "أي" كونها مضافة إلى زمن، فإن أُضيفت إلى شخص؛ كان حكمُها حكمَ "مَنْ".
قال في "المبدع": وظاهره أن "مَنْ" للفور، يعني مع "لم" وصرَّح به في "المغني"، وفيه نظر؛ فإن "مَن" لا دلالة لها على الزمان، إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في زمان، فهي بمنزلة "إن". انتهى. وهو معنى كلام الشارح
(1)
. قال في "المبدع": وأما "كلَّما" فدلالتها على الزمن أقوى من دلالة "أي" و"متى"، فإذا صارتا للفور عند اتصالهما بـ"لم"؛ فَلأَنْ تصيرَ "كلَّما" كذلك بطريق الأولى.
(إلا "إنْ" فقط) فإنها للتراخي (نفيًا وإثباتًا مع عدم نية) فور (أو قرينة فور) لأن حرف "إِن" موضوع للشرط، لا يقتضي زمنًا ولا يدلُّ عليه، إلا من حيث الفعلُ
(2)
المعلَّق به، من ضرورته الزمان، فلا يتعلَّق
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 174) ما نصه: "في بعض النسخ زيادة: وقد يُجاب عنه بأن "من" من صيغ العموم، وعموم الأشخاص يقتضي عموم الأحوال والأزمان".
(2)
في "ح" و"ذ": "حيث إن الفعل".
بزمان معين، فإن كانت نية فَورٍ أو قرينته كانت للفور.
(وسواء أضيفت "أيّ" إلى الوقت، أو) أضيفت (إلى الشخص) كقوله: أي وقت لم تقومي، أو: أيتكن لم تقم، فهي طالق (أو "مَن" إذا اتصلت بها "لم") فإنها تكون للفور.
(فإذا قال: إنْ) قمتِ فأنت طالق (أو) قال: (إذا) قمتِ فأنت طالق (أو) قال: (متى) قمتِ فأنت طالق (أو) قال: (أيَّ وقت) قمتِ فأنت طالق (أو) قال: (كلَّما قمتِ فأنت طالق، أو) قال: (مَن) قامتْ فهي طالق (أو) قال: (أيَّتُكُنَّ قامت فهي طالق، أو) قال: (أنت طالق لو قمتِ؛ فمتى قامت طَلَقت) لأن وجود الشرط يستلزم وجود الجزاء وعدمه، إلا أن يعارض معارض.
(ولو قام الأربع في مسألة: مَن قامت) فهي طالق (أو) قام الأربع في مسألة: (أيتكن قامت) فهي طالق (طَلَقْنَ كلهنّ. وكذلك إن قال: من أقمتها) فهي طالق (أو) قال: (أيتكنَّ أقمتها) فهي طالق (ثم أقامهنَّ؛ طَلَقْنَ كلهنَّ) لما تقدم من أن "مَن" و"أي" المضافة إلى الشخص، يقتضيان عموم ضميرهما، فاعلًا أو مفعولًا (وعلى قياسه لو قال: أيَّ عبيدي ضربته) فهو حُرٌّ (أو) قال: (من ضربتُهُ من عبيدي فهو حُرٌّ، فضربهم؛ عَتَقوا) كلهم (كما لو قال: أيُّ عبيدي ضربك) فهو حر (أو: مَن ضربك من عبيدي فهو حُرٌّ، فضربوه كلهم؛ عَتَقوا) كلهم؛ لما تقدم.
(وإن تكرر القيام؛ لم يتكرَّر الطلاق) لأنها لا تقتضي تكرارًا (إلا في "كلما") فإذا قال: كلما قمتِ فأنت طالق، وقامت مرتين؛ وقع طلقتان، وثلاثًا؛ طَلَقت ثلاثًا؛ لأنها تقتضي التكرار (كما تقدم).
(وإن قال) لزوجته: (كلَّما أكلتِ رُمَّانة، فأنت طالق، وكلَّما
أكلت نصف رُمَّانة، فأنت طالق، فأكلت رُمَّانة، أي: جميع حَبِّها) دون قشرها ونحوه؛ للعُرف (طَلَقت ثلاثًا) لوجود وصف النصف مرتين، والجميع مَرَّة؛ لأن "كلَّما" تقتضي التكرار.
(ولو جعل مكان "كلَّما" أداة غيرها) من أدوات الشرط، كـ: إنْ، أو إذا، أو متى، أو مهما، وأكَلتْ رُمَّانة (فثِنتان) بصفة النصف مَرَّة، وبصفة الجميع مَرَّة، ولا تطلق بالنصف الآخر؛ لأنها لا تقتضي التكرار، واختار الشيخ تقي الدين
(1)
: تطلق واحدة.
(فإن نوى بقوله: نصفَ رُمَّانة، نصفًا منفردًا عن الرُّمَّانة المشروطة، وكانت مع الكلام قرينةٌ تقتضي ذلك؛ لم يحنث حتى تأكل ما نوى تعليق الطلاق به) فإن أكلت رُمَّانة طَلَقت واحدة، وإن أكلت نصفًا آخر طَلَقت أخرى، فإن أكلت نصفًا آخر طَلَقت ثالثة، إن كانت الأداة "كلَّما" فقط.
(وإن علَّق طلاقها على صفات ثلاثٍ، فاجتمعن) أي: الصفات (في عين واحدة، مثل أن يقول: إنْ رأيتِ رجلًا فأنت طالق، وإن رأيتِ أسود فأنت طالق، وإن رأيت فقيهًا فانت طالق، فرأتْ رجلًا أسودَ فقيهًا؛ طَلَقت ثلاثًا) لوجود الصفات الثلاث (كما لو رأت ثلاثة رجال فيهم الصفات الثلاث.
وإذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، ولم ينو وقتًا) يطلقها فيه (ولم تقم قرينة بفور، ولم يطلقها؛ لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما) إذا بقي من حياة الميت ما لا يتسع لإيقاعه؛ لأنه علَّقه على ترك طلاقها، فإذا مات أو ماتت فقد وُجِدَ الترك، ولم يقع قبل ذلك؛ لأن
(1)
مجموع الفتاوى (33/ 166).
"إِن" و"لو" مع "لم" للتراخي، فكان له تأخيره مادام وقت الإمكان، فإذا ضاق عن الفعل تعيَّن (فإن نوى وقتًا) تعلَّق به (أو قامت قرينة بفور؛ تعلَّق به) فتطلق بفواته.
(فإن كان المعلَّق طلاقًا بائنًا) ووقع في آخر جزء من حياة أحدهما (لم يرثها إذا ماتت) كما لو أبانها عند موتها (وترثه هي، نصًّا
(1)
) إن مات هو (لأنه) يقع بها الطلاق في آخر حياته، فهو كالـ (ـطلاق في مرض موته) فهو مُتَّهم بقصد حرمانها.
(ولا يُمنع) إذا عَلَّق طلاقها كذلك، وقلنا: يحنث عند موت أحدهما (مِن وطئها قبل فعل ما حلف عليه) أي: قبل الحنث؛ لأنها زوجته وإن عزم على الترك.
(وإن قال: إنْ لم أُطلِّق عَمْرَةَ، فحفصةُ طالق) ولم ينو وقتًا، ولم تقم قرينةُ فورٍ (فأي الثلاثة) وهم: الزوج، وحفصة، وعَمْرَةُ (مات أوَّلًا؛ وقع الطلاق قبل موته) أي: إذا بقي من حياته ما لا يتَّسع له؛ لأنه إن كان هو الميت فقد فات الطلاق بموته، وإن كان المحلوف عليها فقد فات طلاقها؛ فتطلق ضرتها، وإن كانت الضَّرَّة فقد فات الطلاق الذي ينحلّ به يمينه، وهو طلاق المحلوف عليها.
(وكذا لو قال: إن لم أُعْتِقْ عبدي) فامرأتي طالق (أو) قال: (إن لم أضرِبْهُ) أي: العبد (فامرأتي طالق؛ وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم) أي: الحالف، والعبد، والزوجة (موتًا) لما تقدم (وهذا مع الإطلاق) فإن نوى وقتًا، أو قامت قرينة بفور؛ تعلَّق به، وتقدم.
(1)
انظر: مسائل صالح (2/ 86) رقم 635، ومسائل الكوسج (4/ 1763) رقم 1141، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (22/ 455)، والفروع (5/ 429).
(وإن حلف: ليفعلنَّ شيئًا) كـ: لَيَدْخُلَنَ الدار، أو: ليقومن (ولم يعيِّن له وقتًا بلفظه ولا نيَّته، فهو على التراخي أيضًا) فلا يحنث إلا عند اليأس من فعله.
(وإن قال: مَنْ لم أطلقها) فهي طالق (أو) قال: (أيَّ وقت) لم أطلقك فأنت طالق (أو) قال: (متى لم) أطلقك فأنت طالق (أو) قال: (إذا لم أطلقك فأنت طالق، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه؛ طَلَقت) لأنها للفور؛ لما تقدم
(1)
(واحدة) لأن هذه الأدوات لا تقتضي التكرار، كما تقدم
(2)
.
(و) تَطلق (في: كلَّما) لم أطلقك فأنت طالق (ثلاثًا) إذا مضى زمن يسعها مرتبة؛ لأنها للتكرار (إن كانت مدخولًا بها، وإلا) أي: وإن لم تكن مدخولًا بها (فواحدةً بائنة) ولا يلحقها ما بعدها؛ لأن البائن لا يلحقها طلاق.
فصل
(وإن قال العامِّيُّ: أَنْ دخلت الدار فأنت طالق، بفتح الهمزة) وسكون النون (فهو شرط) أي: تعليق، فلا تطلق حتى تدخلها (كَنِيَّتِهِ) أي: كما لو نوى بهذا الكلام الشرط، وإن كان نحويًّا؛ لأن العامي لا يريد بذلك إلا الشرط، ولا يعرف أن مقتضاها التعليل، ولا يريده، فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريده، كما لو نطق بكلمة الطلاق أعجمي
(1)
(12/ 299).
(2)
(12/ 298).
لا يعرف معناها.
(وإن قاله) أي قال: أنت طالق أنْ دخلت الدار، بفتح الهمزة (عارف بمقتضاه -وهو التعليل- طَلَقت في الحال؛ إن كان) الدخول (وُجِدَ) لأنَّ المفتوحة في اللغة إنما هي للتعليل، فمعناه: أنت طالق لأنك دخلت الدار، أو لدخولك، قال تعالى:{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ}
(1)
وقال: {يَمُنُّونَ عَلَيكَ أَنْ أَسْلَمُوا}
(2)
وقال: {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}
(3)
(فلا تطلق إذا لم تكن دخلت) الدار (قبل ذلك؛ لأنه إنما طَلَّقها لعِلَّةٍ، فلا يثبت الطلاق بدونها) هذا قول ابن أبي موسى ومن تابعه.
ولا فرق عند الشيخ تقي الدين
(4)
بين أن يُطلِّقها لعِلَّة مذكورة في اللفظ، أو غير مذكورة، فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلاق.
قال في "إعلام الموقعين"
(5)
: وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره، ولا تقتضي قواعد الأئمة غيره، فإذا قيل له: امرأتك قد شربت مع فلان، وباتت عنده، فقال: اشهدوا عليَّ أنها طالق ثلاثًا، ثم عَلِم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة تُصَلِّي، فإن هذا الطلاق لا يقع قطعًا، وأطال فيه.
(ولذلك أفتى ابن عقيل في "فنونه" في من قيل له: زَنَتْ زوجتُكَ، فقال: هي طالق، ثم تبيَّن أنها لم تَزْنِ: أنها لا تطلق، وجعل السبب)
(1)
سورة الممتحنة، الآية:1.
(2)
سورة الحجرات، الآية:17.
(3)
سورة مريم، الآية: 90 - 91.
(4)
انظر: إعلام الموقعين (4/ 90 - 91).
(5)
(4/ 91).
الذي لأجله أوقع الطلاق (كالشرط اللفظي، وأَولى) قال في "الاختيارات"
(1)
: وهو قول عطاء بن أبي رباح
(2)
، وأطال فيه.
وقال القاضي: تطلق مطلقًا، سواء كانت دخلت أو لم تدخل. وهو ظاهر "المنتهى"، ويؤيده نص أحمد
(3)
في رواية المرُّوذي في رجل قال لامرأته: إن خرجت فأنت طالق، فاستعارت امرأة ثيابها، فلبستها، فرآها زوجها حين خرجت من الباب، فقال: قد فعلتِ! أنت طالق. قال: يقع طلاقه على امرأته. فنص على وقوع طلاقه على امرأته، مع أنه وإن قصد إنشاء الطلاق؛ فإنما أوقعه عليها لخروجها الذي منعها منه، ولم يوجد. أشار إليه ابن نصر الله في "حواشي القواعد الفقهية".
(و
إن قال: أنت طالق إذ
(4)
دخلت الدار) طَلَقت في الحال
؛ لأن معناه التعليل، لا التعليق (أو) قال: أنت طالق (ولو دخلتِ الدار؛ طَلَقت في الحال) لأن معناه: دخلت أو لم تدخلي.
(و
إن قال: إن قمتِ وأنت طالق
؛ طَلَقت في الحال، لأن الواو ليست جوابًا) للشرط (فإن نوى) به (الجزاء) قُبِلَ حكمًا (أو أراد أن يجعل طلاقها وقيامها شرطين لشيء) كعتق أو ظهار (ثم أمسك؛ قُبِلَ حكمًا) لأنه محتمل، وهو أعلم بمراده من غيره.
(وكذا الحكم لو قال: أردتُ إقامة الواو مقام الفاء) فإنه يُقبل منه
(5)
.
(1)
الاختيارات الفقهية ص / 377.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 383 - 384) رقم 11298، 11301.
(3)
القواعد الفقهية ص / 350 القاعدة الحادية والخمسون بعد المائة.
(4)
في "ذ": "إذا".
(5)
في "ح": "فإنه يقبل منه حكمًا".
(وإن قال: إنْ دخلت الدار وأنت طالق؛ فعبدي حُرٌّ؛ صح) التعليق (ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي طالق) لأن جملة: "وأنت طالق" حال من فاعل: "دخلت" والحال قَيدٌ في عاملها.
(وإن أسقط الفاءَ من جزاءٍ متأخِّرٍ؛ فشَرْطٌ، كـ: إنْ دخلتِ الدارَ أنتِ طالقٌ؛ فلا تطلق حتى تدخل) الدار؛ لأنه أتى بحرف الشرط، فدل على إرادة التعليق، وإنما حذف الفاء وهي مراده؛ لدلالة الكلام عليها، ويجوز أن يكون حذف الفاء على التقديم والتأخير، فكأنه قال: أنتِ طالق إنْ دخلت الدار، ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة، وتصحيحه؛ وجب.
(فإن قال: أردتُ الإيقاعَ في الحال؛ وَقَعَ) لأنه يُقِرُّ على نفسه بما هو أغلظ، فيؤاخذ به.
(و) إن قال: (أنتِ طالق وإنْ دخلت الدار؛ وَقَعَ) الطلاق (في الحال) لما تقدم فيما لو قال: أنت طالق ولو دخلت الدار.
(وإن قال: أردت الشرطَ؛ دُيِّنَ) لأنه أدرى بنيَّته (ولم يُقبل في الحُكم) لأنه خلاف الظاهر.
(و)
إن قال: (إنْ دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ، وإن دَخَلَتِ الأخْرَى
؛ فمتى دخلتِ الأولى طَلَقت) لوجود الشرط (سواءٌ دخَلَتِ الأخرى، أو لم تدخل) لأنه لم يجعله شرطًا لطلاقها (ولا تطلق الأخرى) بدخولها، دخلت الأولى أو لم تدخل؛ لعدم تعليق طلاقها.
(وإن قال: أردتُ جَعْلَ الثاني) أي: دخول الأخرى (شرطًا لطلاقها) أي: الأولى (أيضًا؛ طَلَقت) الأولى (بـ) ـدخول (كل واحدة منهما) طلقة؛ لوجود الشرط.
(وإن قال: أردت أن دخول الثانية شرطٌ لطلاق الثانية، فهو على ما أراده) لأن لفظه يحتمله، فتطلق كل منهما إذا دخلت.
(وإن قال: إن دخَلَتِ الدار، وإن دَخَلَتْ هذه الأخرى، فأنت طالق؛ لم تطلق) المخاطَبة (إلا بدخولهما) لأنه جعل دخولهما شرطًا للطلاق.
(و) إن قال: (أنت طالق لو قُمْتِ؛ كان ذلك شرطًا) كـ: إن قمت، لأن "لو" تُستعمل فيه، ولو لم تكن شرطًا لكانت لغوًا، والأصل اعتبار كلام المكلف.
(وإن قال: أَردتُ أن أجعل لها) أي لِـ"لو"(جوابًا) بأن قال: أردت أن أقول: أنت طالق لو قمت لأضربنَّكِ مثلًا (دُيِّنَ، وقُبِلَ) حكمًا، فلا يقع إن قامت وضربها؛ لأنه محتمل.
(و) إن ألحق شرطًا شرطًا، كما لو قال:(إن قمتِ فقعدتِ، أو) إن قمت (ثم قعدتِ، فأنت طالق، أو: إن قعدتِ إذا قمت) فأنت طالق (أو: إنْ قعدت إن قمت) فأنت طالق (أو: إن قعدتِ متى قمتِ) فأنت طالق (لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد. وكذا: أنتِ طالق إن أكلت إذا لبست، أو): أنت طالق (إن أكلتِ إن لبستِ، أو): أنت طالق (إن أكلتِ متى لبستِ؛ لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل، ويُسَمَّى) عند النحاة (اعتراضَ الشرط على الشرط) فيقتضي تقديم المتأخِّر وتأخير المتقدم؛ لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطًا للذي قبله، والشرط يتقدم المشروط، قال تعالى:{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْويَكُمْ}
(1)
.
(1)
سورة هود، الآية:34.
(و) كذا إن قال: (إن
(1)
أعطيتكِ إن وعدتُكِ إن سألتني فأنت طالق؛ لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها) لما تقدم.
(و) إن قال: (إن قمتِ وقعدتِ فأنت طالق؛ طَلَقت بوجودهما) أي: القيام والقعود (كيفما كان) سواء وقعا معًا
(2)
، أو واحد بعد واحد، تقدَّم القيام أو تأخر؛ لأن الواو لمطلق الجمع.
(وكذا: أنت طالق لا قمتِ وقعدتِ) يحنث بوجودهما كيفما كان؛ لما تقدم.
(و) إن قال: (إن قمتِ أو قعدتِ، فأنتِ طالق؛ طَلَقت بوجود أحدهما)
(3)
لأن "أو" تقتضي تعليق الجزاء على واحد، كقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}
(4)
.
(وكذا: أنتِ طالق لا قمتِ ولا قعدتِ، تطلق بوجود أحدهما) لأن إعادة "لا" دَلَّت على التعليق على أحدهما.
(و) إن قال لزوجته: (كلَّما أجنبتُ منك جنابةً، فإن اغتسلتُ من حمام، فأنت طالق؛ فأجنب) منها (ثلاثًا، واغتسل مرَّة فيه) أي: الحمام (فـ) ـطلقة (واحدة) لأن الشرط وهو الجنابةُ والغسلُ من الحمام لم يتكرر، وإنما تكرر بعضه، ويقع ثلاثًا مع فعل لا يتردد مع كل جنابة، كموت زيد وقدومه؛ لدلالة قرينة الاستحالة على أن المقصود تكرره هو الجنابة دون الموت، أو القدوم بخلاف الغسل.
(1)
في "ذ": "إذا".
(2)
في "ذ" وهامش "ح" زيادة: "حيث أمكن".
(3)
في "ح" و"ذ" زيادة: "أي القيام والقعود".
(4)
سورة البقرة، الآية:184.
فصل (في تعليقه) أي: الطلاق (بالحيض)
(إذا قال: إذا حِضْتِ، فأنتِ طالق؛ طَلَقت بأوَّل حيضٍ متيقَّن) فتطلق (حين ترى الدم) لأن الصفة وُجِدت، بدليل منعها من الصلاة والصيام.
(فإن بان) أي: ظَهَر أن (الدم ليس بحيض؛ أمَّا بأن ينقصَ عن أقل الحيض) وهو يوم وليلة (ويتصلَ الانقطاع حتى يمضيَ أقلُّ الطهر بين الحيضتين) وهو ثلاثة عشر يومًا، بخلاف ما إذا عاد الدم قبل ذلك، وأمكن جعله حيضة بالتلفيق (أو) بَان أنه ليس بحيض (لكونها بِنتَ دونِ تسع سنين؛ لم تطلق به) لأنه تبيَّنَ أن الصفة لم توجد.
(و)
إن قال: (إذا حضتِ حيضةً، فأنت طالق
؛ لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، ولو لم تغتسل) لأنها لا تحيض حيضةً إلا بذلك. قال في "المبدع": والظاهر أنه يقع سُنيًّا.
(ولا يُعتد بالحيضة التي هي فيها) حال التعليق، فلا يقع بها الطلاق؛ لأنه عَلَّقه بالمرَّة الواحدة من الحيض بحرف "إذا"، وهو اسم للزمان المستقبل، فيعتبر ابتداء الحيضة وانتهاؤها بعد التعليق.
(و) إن قال: (إذا حِضْتِ حيضةً، فأنت طالق، وإذا حِضْتِ حيضتين، فأنت طالق، فحاضت حيضةً؛ طَلَقت واحدةً) لوجود الصفة التي عَلَّق عليها الطلاق أولًا (فإذا حاضت) الحيضةَ (الثانية؛ طَلَقت) الطلقةَ (الثانية عند طُهرها) من الحيضتين لوجود الصفة الثانية؛ لأن الحيضة الأولى والثانية حيضتان.
(و) إن قال: (إذا حِضْتِ حيضةً، فأنت طالق، ثم إذا حِضْتِ حيضتين، فأنت طالق؛ لم تطلق) الطلقةَ (الثانية حتى تطهر من) الحيضة (الثالثة) لأنه رتبهما
(1)
بـ"ثم"، فاقتضى حيضتين، بعد الحيضة الأولى.
(و)
إن قال: (إذا حِضْتِ نصف حيضة، فأنتِ طالق،
فحاضت سبعة أيام) بلياليها (ونصفًا) من يوم بليلته
(2)
(وقع) الطلاق، لأنه نصف أكثر الحيض، فلا يتحقَّق مُضِيُّ نصفِ الحيضة إلا به، قال في "الكافي": بمعنى -والله أعلم- أنه مادام حيضها باقيًا، لا يحكم بوقوع طلاقها حتى يمضي نصف أكثر الحيض؛ لأن ما قبل ذلك لا يتيقن به مضيُّ نصفِ الحيضة، ولا يتحقَّق نصفها إلا بكمالها (وإن طَهُرت فيما دونها) أي: دون المدة التي هي أكثر الحيض (تبيَّنَّا وقوعه) أي: الطلاق (في نصفها) أي: نصف مدة الحيض؛ لوجود الصفة.
(و)
إن قال: (إذا طَهُرتِ فأنت طالق،
وكانت حائضًا؛ طَلَقت إذا انقطع الدم) وإن لم تغتسل؛ لوجود الطُّهر (وإن كانت طاهرًا) حين التعليق (فـ) ـلا تطلق (حتى تطهر من الحيضة المستقبلة) لأنه عَلَّقه بـ"إذا"، وهي لما يُستقبل، فلا تطلق إلا بطُهْرٍ مستقبل.
(ف
إن قالت) من عُلِّق طلاقها بحيضها: (قد حضتُ، وكذَّبها
؛ قُبِلَ قولها في نفسها) لقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}
(3)
. قيل: هو الحيض، فلولا أنَّ قولها مقبول فيه، ما حرم عليها كتمانه؛ ولأنه لا يُعرف إلا من جهتها (مع يمينها) لاحتمال صدقه.
(1)
في "ذ": "رتبها".
(2)
في "ذ": "وليلة".
(3)
سورة البقرة، الآية:228.
وقال في "المبدع": بغير يمين في ظاهر المذهب. وقال في شرح "المنتهى": من غير يمين على الأصح.
(و) حيث قُبِلَ قولها في الحيض (وقع) الطلاق المعلَّق عليه، كما لو ثبت بالبينة (كقوله: إن أضمرتِ بُغضي، فأنتِ طالق، فادَّعَتْه) أي: إضمار بغضه؛ فَيُقبل قولها فيه؛ لأنه لا يُعلم إلا من جهتها، ويقع الطلاق.
و (لا) يُقبل قولها (في دخول الدار، ونحوه) كقدوم زيد، وغيره (مما يمكن إقامة البينةِ عليه) فلا يُقبل قولها فيه إلا ببينة (ولو حَلَفت) لعموم حديث:"البَيِّنَةُ على المُدَّعي واليَمِينُ على عن أَنكَرَ"
(1)
. قال في "المنتهى": ولا في ولادة إن لم يقر بالحمل.
(وإن قال) الزوج بعد أن عَلَّق طلاقها على الحيض: (قد حضتِ، فأنكرتْهُ؛ طَلَقت) مؤاخذة له (بإقراره) لأنه قد أقرَّ على نفسه بما يوجب بطلان النكاح، فلزمه مقتضى إقراره.
(وإن قال) لإحدى زوجتيه: (إن حضتِ فأنت وضَرَّتُكِ طالقتان، فقالت: قد حِضْتُ، وكذَّبها؛ طَلَقت وحدها، ولو صَدَّقتها الضَّرَّةُ) لأن قولها مقبول في حق نفسها دون ضرتها.
(فإن أقامت) من ادَّعت الحيض (بيِّنةً بذلك) أي: بحيضها (بأن يختبرنها) أي: النساء الثقات. ولعل المراد الجنس، فيتناول الواحدة، كما يأتي في الشهادات (بإدخال قُطْنة في فَرْجها زمن دعواها الحيضَ، فإن ظهر دم) في القطنة (فهي حائض؛ طَلَقتا) لثبوت الحيض المعلَّق عليه طلاقهما.
(1)
تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).
(وإن قال) الزوجِ: (قد حِضْتِ، وأنكرته) المقولُ لها ذلك وحدها، أو مع ضَرَّتها (طلَقتا) مؤاخذة له (بإقراره) على نفسه.
(و) إن قال لزوجتيه: (إن حِضتما فأنتما طالقتان، فقالتا: قد حِضْنا، فإن صَدَّقهما؛ طَلَقتا) لأنه أقرَّ بوقوع الطلاق عليه
(1)
بتصديقه، (وإن أكذبهما
(2)
؛ لم تطلقا) أي: لم تطلق واحدة منهما؛ لأن طلاق كل واحدة منهما مُعلَّق بشرطين: حيضها، وحيض ضَرَّتها، وقول كل واحدة منهما على ضرتها غير مقبول (وإنْ أكذب إحداهما) وصَدَّق الأخرى (طَلَقت) المكذَّبة (وحدها) لأن قولها مقبول على نفسها، وقد صدَّق الزوجِ ضَرَّتها، فوُجِد الشرطان في حقها، ولم تطلق المصدَّقة؛ لأن قول ضَرَّتها غير مقبول في حَقِّها، ولم يُصَدِّقها الزوج، فلم يوجد شرط طلاقها.
(وإن قال ذلك لأربع) أي: قال لزوجاته الأربع: إن حِضتُنَّ فأنتنَّ طوالق (فقد علَّق طلاقَ كلِّ واحدة منهن على حيض الأربع، فإن قُلن) أي: الأربع: (قد حِضْنا، فصدقهنَّ؛ طَلَقن) لوجود شرط طلاقهن. (وإن كَذَّبهنَّ؛ لم تطلق واحدةٌ منهن) لعدم وجود شرط الطلاق؛ لأن قول كل واحدة منهن إنما يُعمل به في حق نفسها دون ضَرَّاتها (وإن صَدَّق واحدة) منهن (أو) صَدَّق (اثنتين) منهن (لم يطلق منهن) أي: الأربع (شيء) لما سبق (وإن صَدَّق ثلاثًا) وكذَّب واحدةً لم تطلق المُصَدَّقات؛ لأن قول المُكَذَّبة غير مقبول عليهن، و (طَلَقت المُكَذَّبة وحدها) لأن قولها مقبول في حق نفسها، وقد صَدَّق ضَرَّاتها، فوُجِد
(1)
في "ذ": "فيقع عليه".
(2)
في "ذ": "كذبهما".
الشرط في حقها.
(وإن قال لهن) أي: لزوجاته الأربع: (كلَّما حاضت إحداكن) فضرائرها طوالقُ (أو) قال: (أيتكن حاضت، فضرائرها طوالق، فقُلْنَ) أي: الأربع (قد حِضْنَا فصدَّقهن؛ طَلَقن ثلاثًا ثلاثًا) لأن كل واحدة منهن لها ثلاث ضرائر (وإن صَدَّق واحدة) وكَذَّب الثلاث (لم تطلق) المُصَدَّقة؛ لأن قول ضرائرها غير مقبول عليها (وطَلَقت ضراتها طلقة طلقة) لتصديقه إياها (وإن صدَّق اثنتين) منهنَّ، وكذَّب اثنتين (طَلَقنا) أي: المصدقتان (طلقة طلقة) لأن لكل واحدة منهما ضَرَّة مُصَدِّقة (و) طَلَقت (المكذَّبتان ثِنتين) ثِنتين؛ لأن لكل منهما ضَرَّتين مصدقتين (وإن صَدَّق ثلاثًا) وكذب واحدة (طلَقن) أي: المصدقات (ثِنتين ثِنتين) لأن كل واحدة منهن لها ضرتان مصدقتان (و) طَلَقت (المُكَذَّبة ثلاثًا لأن لها ثلاث ضرات مُصَدَّقات.
(و) إن قال لزوجتيه: (إن حِضتما حيضة
(1)
فأنتما طالقتان، طَلَقت كلُّ واحدة) منهما (بشروعها) أي: الثانية، وفي نسخةٍ: بشروعهما، وهي أصوب؛ موافقة "للتنقيح" وغيره (في الحيض) قال في "الفروع": الأشهرُ: تطلق بشروعهما. انتهى. وهو قول القاضي وغيره، وقطع به في "التنقيح"، وتبعه في "المنتهى"؛ لأن وجود حيضة واحدة منهما محال، فيلغو قوله: حيضة، ويصير كقوله: إن حِضتما فأنتما طالقتان.
والوجه الثاني: لا يطلقان إلا بحيضة من كل واحدة منهما، كأنه قال: إن حِضتما، كل واحدة منكما حيضة، فأنتما طالقتان؛ صحَّحه في "الإنصاف" وقال: قدَّمه في "المحرر"، و"الفروع" و"الرعايتين"،
(1)
في "ذ": "حيضتين".
و"الحاوي الصغير"، واختاره الشيخ الموفق، والشارح.
والوجه الثالث: يطلقان بحيضة من إحداهما؛ لأن الشيء يُضاف إلى جماعة، وقد فعله واحد منهم، فلما كان هذا الفعل لا يمكن اشتراكهما فيه لأنه واحد، كان وجوده من إحداهما كوجوده منهما.
والوجه الرابع: لا تنعقد الصيغة
(1)
، فلا تطلق واحدة منهما؛ لأنه تعليق بالمستحيل، فلا يقع، كـ: أنتما طالقتان إن صعدتما السماء. قال في "الإنصاف": وهذه المسألة مبنية على قاعدة أصولية
(2)
، وهي: ما إذا لم ينتظم الكلام إلا بارتكاب مَجاز، إما بارتكاب مجاز الزيادة، أو بارتكاب مجاز النقصان، فارتكاب مجاز النقصان أولى؛ لأن الحذف في كلام العرب أكثرُ من الزيادة؛ ذكره جماعة من الأصوليين
(3)
. انتهى.
قلت: الوجه الأشهر إنما هو مُخرَّج على ارتكاب مجاز الزيادة كما تقدم.
(وإذا قال لزوجاته الأربع: أيَّتُكن لم أطأها فضرائرها طوالقُ، وقيَّده بوقت) كاليوم أو الشهر (فمضى الوقت) المعيَّن (ولم يطأهنَّ) أي: يطأ واحدة منهنَّ (طَلَقْنَ ثلاثًا ثلاثًا) لأن كل واحدة منهنَّ لها ثلاث ضرائر لم يطأهنَّ، فتطلق بكلِّ واحدة طلقة طلقة.
(وإن وطئ ثلاثًا) منهن (وترك واحدة؛ لم تطلق المتروكة) لأنه ليس لها ضرة لم توطأ (وتطلق الموطوءات طلقة طلقة) لأن لهن ضرة لم توطأ (وإن وطئ اثنتين؛ طَلَقتا طلقتين طلقتين) لأن لهما ضرتين لم
(1)
في "ح" و"ذ": "الصفة".
(2)
القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص / 124، القاعدة السادسة والعشرون.
(3)
انظر: المسودة ص / 179، والكوكب المنير (1/ 196).
يُوْطَآ (و) طَلَقت (المتروكتان طلقة طلقة) كل واحدة بالأخرى.
(وإن وطئ واحدة) فقط (طَلَقت ثلاثًا) لأن لها ثلاث ضرات لم يُوطَأْنَ (و) طَلَقت كل واحدة من المتروكات طلقتين طلقتين) لأن كل واحدة منهن لها ضرتان لم يوطآ.
(وإن) قال للأربع: أيتكن لم أطأ فضرائرها طوالقُ، و (لم يقيده بوقت) لا بلفظه ولا بنيَّته (كان وقت الطلاق مقيَّدًا بعُمُرِهِ وعُمُرِهن، فأيتهن ماتت؛ طَلَقت كل واحدة في ضرائرها طلقة طلقة) لليأس من وطئها (وإذا ماتت أخرى؛ فكذلك) تطلق الباقيتان طلقة طلقة؛ لما سبق، وإن ماتت ثالثة؛ طَلَقت الرابعة ثلاثًا (وإن مات هو؛ طَلَقْنَ كلهن) ثلاثًا ثلاثًا (في آخر جزء من حياته) لليأس من وطئهن، ولا يرد على ذلك ما تقدم من أن "أيًّا" مع "لم" للفور؛ لأن محله حيث لا قرينة على التراخي، والقرينة هنا موجودة.
فصل
(في تعليقه) أي: الطلاق (بالحَمل) بفتح الحاء، وتقدم.
(إذا قال) لزوجته (إن كنتِ حاملًا فأنتِ طالق، فتبيَّن أنَّها كانت حاملًا زمن الحَلِف، بأن تأتي به لأقلَّ من ستة أشهر) ويعيش (وُطِئت فيها) أي: في الستة أشهر (أو لم توطأ) فيها؛ لأنها أقل مدة الحمل (أو) تأتي به (لأكثرَ منها) أي: من ستة أشهر (ولأقلَّ من أكثرَ من مدَّة الحمل) أي: لأقل من أربع سنين (إن لم تكن توطأ) بعد حَلِفه (تبيَّنَّا وقوع الطلاق من حين اليمين) لتبيُّنِ وجود الصفة.
(فلو وطئها الزوج بعد اليمين، وأتت به لستة أشهر فأكثر من وطئه الذي قبل) صوابه: بعد (اليمين، لم تطلق) لأنه يمكن أن يكون الولد عن هذا الوطء، وأن يكون من غيره، فيكون الطلاق مشكوكًا فيه، والأصل عدمه.
(و
إن قال) لزوجته: (إن لم تكوني حاملًا فأنت طالق
؛ فهي) أي: هذه المسألة (بالعكس) للمسألة قبلها (تطلق في كل موضع لا تطلق فيه في المسألة التي قبلها) بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من اليمين، أو لأكثر من ستة أشهر من وطئه بعد اليمين، على مقتضى كلامه وكلام "المنتهى"، وهو أحد وجهين في الثانية؛ لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطء. والثاني: لا تطلق فيها؛ للشك (ولا تطلق) هنا (في كل موضع تطلق فيه) في المسألة التي قبلها بأن ولدته لدون ستة أشهر وعاش، وطئ، أو لا، أو لأقل من أربع سنين ولم يطأ بعد اليمين.
(ويحرم وطؤها منذ خلف، قبل استبرائها في المسألتين) أي: في صورة الإثبات وصورة النفي، إن كان الطلاق بائنًا.
(و) يحرم -أيضًا- وطؤها (قبل زوال الرِّيبة، أو ظهور حَمْلٍ في) الصورة (الثانية) وهي ما إذا قال: إن لم تكوني حاملًا فأنتِ طالق؛ لجواز أن تحمل من الوطء الصادر بعد الحَلِف، فيظهر أن الطلاق لم يقع، وقد كان وقع، فيكون ذلك ذريعة إلى إباحة المحرَّم (إن كان الطلاق بائنًا) بخلاف الرجعي؛ خلافًا للقاضي.
(ويحصُلُ الاستبراء بحيضة موجودةٍ، أو) حيضة (مستقبلَةٍ، أو) حيضة (ماضية لم يطأ بعدها) أي: الماضية؛ لأن المقصود معرفة براءة رَحِمها، وهو يحصل بحيضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأُ حاملٌ حتى تضعَ،
ولا حائلٌ حتى تُستبرأ بحيضةٍ"
(1)
يعني: تُعلمَ براءة رحمها من الحمل بحيضة. قال أحمد
(2)
: فإن تأخر حيضها أُريت النساءَ من أهل المعرفة، فإن لم يوجد، أو خفي عليهن؛ انتُظِر عليها تسعة أشهر، غالب مدة الحمل.
(و)
إن قال لزوجته: (إذا حمَلْتِ فأنت طالق
؛ لم يقع) الطلاق (إلا بحمل متجدِّد) لأنه عَلَّق طلاقها على وجود أمر في زمن مستقبل، فلا تطلق قبله (فلا يطؤ) ها (حتى تحيض) ليعلم براءة رحمها (ثم لا يطأ في كل طُهْرٍ إلا مَرَّة) واحدة (إن كان الطلاق بائنًا لجواز أن تحمل من المرة الأولى، فيكون وطؤه في المرة الثانية في أجنبية.
(و) إن قال لامرأته: (إنْ كنتِ حاملًا بذكَرٍ، فأنتِ طالق واحدةً، وإن كنت حاملًا بأنثى، فأنت طالق اثنتين، فولدت ذكرًا وأُنثى؛ طَلَقت ثلاثًا لوجود الصفة بالذَّكَر واحدة، وبالأنثى اثنتين.
(وإن ولدت ذَكَرًا، أو) ولدت (ذَكَرين) أو ذكورًا (فطلقة) لأنه جعل الطلقة الواحدة مع وصف حملها بالذكورية، والطلقتين مع وصفه بالأنوثية، ولم توجد الأنوثية، فلم تطلق أكثر من طلقة، وإن ولدت أُنثَيَيْنِ فأكثر؛ فطلقتان.
(ولو كان مكان: "إن كنت حاملًا) بذكر فأنت طالق واحدة، وإن كنت
(3)
بأنثى فأنت طالق اثنتين": (إنْ كان حملُكِ) ذكرًا فأنت طالق واحدة، وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين (أو): إن كان (ما في بطنك)
(1)
تقدم تخريجه (1/ 479) تعليق رقم (4).
(2)
مسائل أبي طالب كما في المغني (10/ 458)، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (22/ 488).
(3)
في "ح" و"ذ": "وإن كنت حاملًا".
ذكرًا فأنت طالق واحدة، وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين (لم تطلق إذا كانت حاملًا بهما) أي: بذكر وأنثى؛ لأن حملها كله ليس بذكر ولا أنثى (ولا وصيَّة) لهما.
فإذا قال: إن كان حملك -أو ما في بطنك- ذكرًا فله كذا، وإن كان أنثى فلها كذا، وكانت حاملًا بهما فلا شيء لهما.
(ولو) قال: إن كان في بطنك ذكر، فله كذا، وإن كان فيها أنثى، فلها كذا، و (أسقط) لفظة ("ما") وكانت حاملًا بهما (طَلَقت ثلاثًا) لوجود الصفة؛ لأنه قد تبيَّن أنَّه كان في بطنها ذكر وأنثى.
(ويَستحقُّ الذَّكرُ والأنثى الوصيةَ في) المسألة (الأولى فقط) أي: دون الثَّانية (بأن يقول: إنْ كنتِ حاملًا بذَكَرٍ فله مائة، وإن كنتِ حاملًا بأنثى فلها مائتان، فولدتهما، استحقَّ كلُّ واحدٍ) منهما (وصيته).
وكذا إن قال: إن كان في بطنك ذَكَر فله مائة، وإن كان أنثى فلها مائتان، فولدتهما، استحقَّ كلٌّ منهما وصيته.
(وإن قال: إنْ كان حملُكِ) أو ما في بطنك (ذكرًا فله مائة، وإن كان أنثى فله مائتان، فولدتهما، لم يستحقَّا شيئًا من الوصية) لأن حملها وما في بطنها لم يتمحض ذكرًا ولا أنثى، وتقدم
(1)
في الوصايا.
فصل في تعليقه بالولادة
(إذا عَلَّقه على الولادة) بأن قال: إن ولدتِ، فأنتِ طالق (فألقَت ما تصير به الأَمَةُ أمَّ ولد) وهو ما تبيَّنَ فيه بعض خلق إنسان (وقع)
(1)
(10/ 243).
الطلاق؛ لأنها قد ولدت ما يُسمَّى ولدًا، كما تقدم
(1)
في باب أُمَّهات الأولاد، ولا تطلق بإلقاء عَلَقة ونحوها؛ لأنها لا تُسمَّى ولدًا، ويجوز ألا تكون ابتداء خلق إنسان، فلا يقع الطلاق بالشك.
(ويُقبل قوله في عدم الولادة) لأن الأصل عدمها، وبقاء النكاح، ولا تخفى غالبًا.
و (قال القاضي وأصحابه): يُقبل قوله في عدم الولادة (إن لم يُقِرَّ بالحمل) فإن أقرَّ به، قُبِلَ قولها فيها كالحيض، وجزم به في "المنتهى".
(قالوا) أي: القاضي وأصحابه: (وإن شَهِدَ النساء) أي: الجنس، فيكفي واحدة، على ما يأتي في الشهادات (بما قالت) أي: ادَّعته من الولادة (طَلَقت) لثبوت الولادة بشهادتهنَّ؛ لأنه لا يطَّلع عليها الرجال غالبًا، فيقع الطلاق تبعًا.
(و) إن قال: (إن ولدتِ ذكرًا، فأنتِ طالق واحدةً، وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق اثنتين، فولدتهما دفعةً واحدة) بحيث لا يسبق أحدهما الآخر (طَلقت ثلاثًا) واحدةً بولادتها للذَّكر، وثِنتين بولادتها للأنثى.
(وإن سبق أحدُهما) أي: أحد الولدين الآخر (بدون ستة أشهر؛ وقع ما عُلِّق به) أي: بالسابق منهما، فإن كان الذَّكر فواحدةٌ، وإن كان أنثى فاثنتان؛ لأنه صفة علِّق عليها الطلاق، فوقع بوجودها (وبانت بـ) ـالولد (الثاني) منهما (ولم تطلق به) لأن العِدَّة انقضت بوضعه، فصادفها الطلاق بائنًا فلم يقع، كما لو قال: إن مُتُّ فأنت طالق، و (كـ: أَنْتَ طالق مع انقضاء عدتك) أو مع موتي.
(و) وإن ولدتِ الثانيَ (لستة أشهر فأكثر) من ولادة الأول (وقد
(1)
(11/ 120).
وطئ بينهما؛ فـ) ـإنه يقع عليه (ثلاث) طلقات؛ طلقةٌ بولادة الذَّكر، وطلقتان بولادة الأنثى (لأن) الولد (الثاني حَمْلٌ مستأنف) من الوطء، فوجبت العِدَّة بالوطء بينهما، ولا يمكن ادعاء أن تحمل بولد بعد ولد؛ قاله في "الخلاف" وغيره.
(وإن) ولدتهما واحدًا بعد واحد، وليس بينهما ستة أشهر فأكثر، و (أشكل السابق) منهما (فطلقةٌ) واحدة تقع (بيقين) لاحتمال أن يكون السابق الذَّكَر (ولغا ما زاد) على الواحدة؛ لأن الأصل عدم وقوعه.
(والورع أن يلتزمهما) أي: الطلقتين؛ لاحتمال أن يكون السابق الأنثى.
(ولا فرق) فيما تقدم (بين من تلدُه حيًّا أو ميتًا) لأن الشرط ولادة ذكر أو أنثى، وقد وُجِدت؛ ولأن العِدَّة تنقضي به وتصير به الأمَة أُمّ ولد.
(وإن قال) لزوجته: (إن كان أول ما تلدين ذكرًا فأنتِ طالق واحدة، وإن كان أنثى فـ) ـأنت طالق (اثنتين، فولدتهما) أي: الذكر والأنثى (دفعة واحدة؛ لم يقع بهما شيء) لأنه لا أول فيهما، فلم توجد الصفة.
(وإن ولدتهما) أي: الذَّكَر والأنثى (دفعتين؛ طَلَقت بالأول) إن كان ذكرًا فطلقة، وإن كان أنثى فاثنتان؛ لوجود الصِّفة (وبانت بالثاني) منهما أي: انقضت عدتها به؛ لأنه تمام الحَمْل، فلا يقع ما علّق بولادته.
(وإن قال: كُلَّما ولدتِ) فأنت طالق (أو) قال: (كُلَّما ولدتِ ولدًا فأنت طالق، فولدت ثلاثة معًا؛ طَلَقت ثلاثًا) لأن الولادة تتعدَّد تعدُّد
الأولاد، وكما تُنسب الولادة إلى واحد من الثلاثة، تُنسب إلى كلِّ واحد من الآخرين
(1)
، وقد علق الطلاق بكل واحدة؛ فيقع بكل ولادة طلقة.
(وإن ولدتهم) أي: الثلاثة (متعاقبين) أي: واحدًا بعد آخر
(2)
(من حمل واحد؛ طَلَقت بالأول طلقة، و) طَلَقت (بالثاني) طلقة (أخرى) لأن "كلَّما" للتكرار (ولم تنقضِ عِدَّتها به) أي: بالثاني (لأنها) أي: العِدَّة (لا تنقضي إلَّا بوضع كل الحمل) لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(3)
(وانقضت العِدَّة بالثالث، ولم تطلق به) لأن العِدَّة انقضت بوضعه، والبائن لا يلحقها طلاق (ذكر ذلك في "المغني" و"الكافي"، وغيرهما) كـ"المنتهى"، و"شرحه" (وذكر في "الإنصاف": أن عدتها تنقضي بالثاني) من الأولاد (وهو سهوٌ) إن لم يكن
(4)
حمله على ما إذا كانت حاملًا باثنين فقط.
(و
إن قال: إنْ ولدتِ اثنين، فأنت طالق للسُّنة
؛ فطلقةٌ بطُهرها) من النفاس؛ لأن الطلاق فيه بدعة. وإن قال: كلما ولدتِ، فأنت طالق للسُّنة، فولدت اثنين فطلقة بطُهرها من النفاس (ثم) طلقة (أخرى بعد طهر
(5)
من حيضة) ذكره القاضي؛ قاله في "شرح المنتهى".
وفي كلام المصنف هنا مخالفة للقواعد ولمنقول كلامهم، فلذا حَوَّلته عن ظاهره.
(وإن) قال لزوجته: إنْ (كنتِ حاملًا بغلام، فأنت طالق واحدة،
(1)
في "ذ": "الأخيرين".
(2)
في "ذ": "واحدًا بعد واحد".
(3)
سورة الطلاق، الآية:4.
(4)
في "ح" و"ذ": "يمكن".
(5)
في "ذ": "طهرها".
وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين، فولدت غلامًا كانت حاملًا به وقت اليمين؛ تبيَّنا أنها طَلَقت واحدة حين حَلِفْه)
(1)
لأنها كانت حاملًا بغلام (وانقضت عدتها بوضعه، وإن ولدت أُنثى؛ طَلَقت بولادتها طلقتين) لوجود شرطهما (واعتدت بالقروء) أي: الحِيَض؛ لأن الطلاق يقع عقب الولادة (وإن ولدت غلامًا وجارية، وكان الغلام أوَّلهما ولادة؛ تبيَّنَا أنها طَلَقت واحدة) حين حَلِفْه؛ لأنها كانت حاملًا بغلام (وبانت) أي: انقضت عدتها (بوضع الجارية، ولم تطلق بها) كـ: أنت طالق مع انقضاء عدتك (وإن كانت الجارية وُلدت أوَّلًا؛ طَلَقت ثلاثًا، واحدةً بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية) لأن عدتها لم تنقضِ بوضعها؛ لأنها ليست كلَّ الحمل، وإنما تنقضي بوضع الغلام بعدها.
فصل في تعليقه بالطلاق
(إذا قال: إذا طَلَّقتُكِ فأنت طالق، ثم قال: أنتِ طالق؛ طَلَقت مدخول بها طلقتين) واحدة بالمنجز، والأخرى بوجود الصفة (و) تطلق (غيرها) أي: غير المدخول بها (واحدة) بالمنجز، وبانت بها، فلا يلحقها المعلَّق.
(فإن قال: عَنَيتُ) أي: قصدت ونويت (بقولي هذا) أي: إذا طلقتك فأنت طالق (أنك تكونين طالقًا بما أوقعته
(2)
عليك، ولم أُرِد
(1)
زاد في "ح": "لوجود شرطهما".
(2)
في "ذ": "أُوقِعُهُ".
إيقاعَ طلاق سوى ما باشرتُك به؛ دُيِّن) لأنه أعلم بنيته (ولم يُقبل) منه (في الحكم) لأنه خلاف الظاهر.
(وإن طَلَّقها) أي: من قال لها: إن طَلَّقتكِ فأنت طالق (بائنًا) نحو أن يطلِّقها على عِوض (لم يقع) الطلاق (المعلَّق) لأن البائن لا يلحقها الطلاق (كـ: إن خلعتُكِ فأنت طالق، ففعل) أي: فخالعها (لم تطلق به) أي: بالخلع (وتقدَّم) ذلك في الخلع وغيره
(1)
.
(و) إن قال لزوجته: (إذا طَلَّقتُكِ فأنت طالق، ثم قال) لها: (إن قمتِ) أو نحوه (فأنتِ طالق، فقامتْ، طَلَقت) مدخولٌ بها (طلقتين) واحدةٌ بالمعلَّق على القيام، وأخرى بالمعلَّق على التطليق (وكذا لو نجَّزه) أي: الطلاق (بعد التعليق) على التطليق كما تقدَّم.
وإذا وكَّل من طلَّقها فهو كمباشرته؛ لأن فعلَ الوكيل كفعلِ موكله.
وبَيَّن وجه وقوع الطلاق بالتعليق على الطلاق في المثال المذكور بقوله: (إذِ التعليق) بقيام، أو غيره (بعد وجود الصفة) المعلَّق عليها الطلاق (تطليق) وإذا كان تطليقًا وقع الطلاق المعلَّق عليه.
(ولو قال أوَّلًا) أي: ابتداءً: (إن قمتِ فأنتِ طالق، ثم قال) لها: (إن طَلَّقتكِ فأنتِ طالق، فقامت؛ طَلَقت بالقيام واحدةً) لوجود شرطها وهو القيام (ولم تطلق بتعليق الطلاق) ولو كانت مدخولًا بها؛ لأنه لم يطلقها.
(وإن) قال لزوجته: إن (قمتِ فأنتِ طالق، ثم قال: إنْ وقع عليك طلاقي فأنتِ طالق، فقامتْ؛ طَلَقت مدخولٌ بها
(1)
(7/ 404)، (12/ 144، 160).
ثنتين
(1)
) طلقة بالقيام، وطلقة بوقوع طلاقه عليها، وغيرُ المدخول بها طلقةٌ بالقيام فقط.
(و) إن قال: (كُلَّما طَلَّقتك) فأنتِ طالق (أو) قال: (كُلَّما أوقعتُ عليك طلاقي فأنتِ طالق، ثم قال: أنتِ طالق؛ فثِنتان لمدخول بها) واحدةٌ بالمنجز، وأخرى بالمعلَّق (ولغيرها) أي: غير المدخول بها طَلْقة (واحدة، وهي المنجزة) ولا تقع المعلَّقة؛ لأنها بانت، والبائن لا يلحقها طلاق (ولا تقع) بالمدخول بها طلقة (ثالثةٌ؛ لأن) الطلقة (الثَّانية لم تقع بإيقاعه بعد عقد الصفة) فلم يوجد شرطها.
(وإن قال بعدها) أي بعد يمينه: كلَّما طلقتُكِ، أو أوقعتُ عليك طلاقي فأنتِ طالق:(إن خرجتِ فأنت طالق، فخرجت؛ طَلَقت) مدخولٌ بها (بالخروج طلقة، وبالصفة) التي هي التطليق أو الإيقاع (أخرى) أي: طلقة ثانية، إِذِ التعليق بعد وجود الصفة تطليق كما مرَّ (ولم تقع) طلقةٌ (ثالثةٌ) لأن التطليق لم يوجد إلا مرة.
(و) إن قال: (كلما وقع عليك طلاقي فأنتِ طالق، ثم وقع بمباشرة، أو سبب، أو صفة عقدها بعد ذلك) التعليق (أو) عقدها (قبله، فثلاث) طلقات؛ لأن الثَّانية طلقة واقعة عليها، فتطلق بها الثالثة.
والمراد بالمباشرة: أن يُنجز الطلاق بنفسه أو وكيله
(2)
. والمراد بالسبب والصفة واحد، وهو وقوعه بوجود ما علَّق الطلاق عليه.
ومحلُّ وقوع الثلاث: (إن وقعت) الطلقة (الأولى والثانية رجعيتين) إذ البائن لا يلحقها طلاق.
(1)
في "ذ": "طلقتين".
(2)
في "ح" زيادة: "أو بسبب".
(و) إن قال: (إذا طَلَّقتُكِ فأنتِ طالق، ثم قال) لها: (إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال) لها: (أَنْتَ طالق؛ طَلَقت مدخول بها ثلاثًا) واحدةٌ بالمباشرة، واثنتان بالوقوع والإيقاع، وغير المدخول بها تبين بالطلقة التي باشرها بها.
(و) إن قال لزوجته: (كلَّما طَلَّقتُكِ طلاقًا أملك فيه رجعتَك، فأنتِ طالقٌ. ثم قال) لها بعد الدخول بها: (أنتِ طالق) ولا عِوض (طَلَقت اثنتين) طلقة بالمباشرة، وأخرى بالتعليق.
(وإن كانت الطلقة بعوض، أو) كانت (في غير مدخول بها؛ بانت بالأولى) وهي المنجزة، فلا تلحقها المعلَّقة (فإن طَلَّقها اثنتين) رجعيتين (طَلَقت الثالثة) لوجود الصفة.
(و) إن قال: (كلَّما وقع عليك طلاقي) فأنتِ طالق قبله ثلاثًا (أو) قال: (إن وقع عليك طلاقي، فأنتِ طالق قبله ثلاثًا، ثم قال: أنتِ طالق؛ طَلَقت ثلاثًا، واحدة بالمنجزة، وتتمَّتها من المعلَّق، ويلغو قولُه: قبلَه) لأنه وصف المعلَّق بصفة يستحيل وصفه بها، فإنَّه يستحيل وقوعُها بالشرط قبله، فتلغو صفتُها بالقبْلية، وصار كأنه قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثلاثًا.
وقال ابن عَقيل: تطلق بالمنجز، والتعليق باطل؛ لأنه طلاق في زمن ماض، أشبه قوله: أنتِ طالق أمس؛ ولأنه لو وقع المعلَّق لمنع وقوع المنجز، فإذا لم يقع المنجز بَطَل شرطُ المعلَّق، فاستحال وقوعُ المعلَّق، ولا استحالة في وقوع المنجز، فيقع.
(وهي) أي: هذه المسألة هي (السُّرَيجيَّة) نسبة لابن سُرَيج؛ أبي
العباس الشَّافعيّ
(1)
، أول من قال بها
(2)
، فقال
(3)
: لا تطلق أبدًا؛ لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها، وذلك يمنع وقوعها، فإثباتها يؤدي إلى نفيها، فلا تثبت؛ ولأن إيقاعها يُفضي إلى الدَّور؛ لأنها إذا وقعت، يقع قبلها ثلاثٌ، فيمتنع وقوعُها، وما أدَّى إلى الدَّور وجب قطعه من أصله، وهذا ما صحَّحه الأكثرون من الشافعية
(4)
، وحكاه بعضهم عن النص
(5)
، وقاله
(6)
الشيخ أبو حامد
(7)
شيخ العراقيين، والقَفّال
(8)
شيخ المراوزة.
(1)
هو أبو العباس أَحْمد بن عمر بن سريج القاضي، شيخ الشافعية في عصره، وعنه انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق، كان يلقب بالباز الأشهب، تُوفِّي سنة (306 هـ) رحمه الله تعالى. انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي ص / 108، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3/ 21).
(2)
"أي فيها" ش.
(3)
انظر: مغني المحتاج (3/ 324)، ونهاية المحتاج (7/ 32).
(4)
حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 357)، ومغني المحتاج (3/ 323 - 324).
(5)
أي: عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى. انظر: الأم (5/ 185)، وحاشيتي قليوبي وعميرة (3/ 357)، ومغني المحتاج (3/ 324)، ونهاية المحتاج (7/ 32).
(6)
حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 357)، ومغني المحتاج (3/ 324).
(7)
هو: أبو حامد أحمد بن محمَّد بن أَحْمد الإسفراييني شيخ طريقة العراق، تفقه على ابن المرزبان والداركي، وانتهت إليه رئاسة الدين والدنيا بغداد (ت 406 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (4/ 61)، وسير أعلام النبلاء (17/ 193).
(8)
هو: أبو بكر عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله المروزي، ويعرف بالقفَّال الصغير، تفقه على الشيخ أبي زيد المروزى والخليل بن أَحْمد القاضي، له في فقه الشافعي وغيره من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره، (ت 417 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (5/ 53)، وسير أعلام النبلاء (17/ 405).
قال في "المهمات"
(1)
: فكيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشَّافعيّ، وكلام الأكثرين، يعني الشافعية
(2)
.
(ويقع بغير مدخول بها واحدةٌ، وهي المنجزة) فتبين بها، ولا يلحقها شيء من المعلَّق.
(وإن) قال لزوجته: إن (وطئتُكِ وطئًا مباحًا) فأنتِ طالق قبله ثلاثًا (أو) قال: (إن أبَنْتُكِ) فأنت طالق قبله ثلاثًا (أو) قال: إن (فسختُ نِكاحك) فأنتِ طالق قبله ثلاثًا (أو) قال: إن (راجعتُكِ) فأنتِ طالق قبله ثلاثًا (أو) قال: إن (ظاهرتُ) منكِ فأنتِ طالق قبله ثلاثًا (أو) قال: إن (آليتُ منك) فأنتِ طالق قبله ثلاثًا (أو) قال: إنْ (لاعنتُكِ، فأنتِ طالق قبله ثلاثًا، ففعل) ما علَّق الطلاق عليه من المذكورات (طَلَقت ثلاثًا) ولغا قوله قبلَه؛ لما تقدم في السُّرَيجية. والمراد بقوله: إن أبَنتُكِ، أو فسختُ نكاحك، أي: قلت لك هذا اللفظ، فإنَّها لا تَبين به، فيقع الطلاق المعلَّق عليه. بخلاف قوله: إذا بِنْتِ، أو إذا انفسخ نكاحُكِ فأنتِ طالق قبله ثلاثًا، ثم بانت منه بخلع أَو غيره، أو فسخت نكاحها لمقتضٍ فإنَّها لا تطلق؛ لأنها إذا بانت لم يبقَ للطلاق محل يقع فيه، هذا حاصل كلامه في شرح "المنتهى".
(و) إن قال لإحدى زوجتيه: (كلَّما طَلَّقتُ ضرتَك فأنت طالق، ثم قال مثله للضَّرَّة، ثم طلق الأوَّلة؛ طَلَقت الضَّرَّة طلقةً بالصفة) لأنه طَلَّق ضرتها (و) طَلَقت (الأوَّلة ثِنتين، طلقة بالمباشرة، و) طلقة بوجود
(1)
هو: "المهمات على الروضة في الفروع" للشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن حسن الإسنوي الشَّافعيّ المتوفى سنة 772 هـ رحمه الله تعالى. كشف الظنون (2/ 1914 - 1915).
(2)
في "ح" و"ذ": "من الشافعية".
الصفة؛ لأن (وقوعَه بالضرَّة تطليقٌ؛ لأنَّه أحدث فيها طلاقًا بتعليقه طلاقًا ثانيًا) مع وجود صفته. وتقدَّم أن التعليق مع وجود الصفة تطليق (وإن طَلَّق الثانية فقط) أي: دون الأولى (طَلقَتَا طلقةً طلقةً) الضرة بالمباشرة، والأولى بالصفة، ولم يقع بالثانية طلقةٌ أخرى؛ لأن طلاق الأولى إنما وقع بالتعليق السابق على طلاق الثانية، فلم يحدث بعد تعليق طلاق الثانية تطليقها.
(ومثلُ هذه) المسألة المذكورة (قوله) أي: قول زوج حَفْصَة وعَمْرَة (إن طَلَّقتُ حفصة فَعَمْرَةٌ طالق، أو كلَّما طَلَّقتُ حَفْصَة فَعْمرةُ طالق، ثم قال: إن طَلَّقتُ عَمْرَة فَحَفْصَة طالق، أو كلَّما طَلَّقتُ عَمْرَة فَحَفْصَة طالق، فحفصة كالضرة في المسألة التي قبلها) فإن طَلَّق عَمْرَة طَلَقت طلقتين، وطَلَقت حفصة طلقة واحدة، وإن طَلَّق حفصة فقط، طَلَقتَا: حفصة بالمباشرة، وعَمْرَة بالصفة، ولم تزد كل واحدة منهما على طلقة؛ لما تقدم.
(وعكس المسألة قوله لعَمْرَة: إن طَلَّقتُكِ فحَفْصَة طالق. ثم قال لحَفْصَة: إن طَلَّقتُكِ فعَمْرَة طالق. فحفصة هنا كعَمْرَة هناك) فإن طلَّق حفصة طَلَقت طلقتين، وطَلَقت عَمْرَة طلقة، وإن طلَّق عَمْرَة طَلَقت كلُّ واحدة منهما طلقة؛ لأنها عكس التي قبلها.
(ولو علَّق ثلاثًا بتطليق يملِك) فيه (الرجعة) كما لو قال: إن طَلَّقتُك طلاقًا أملك فيه رجْعَتك فأنت طالق ثلاثًا (ثم طَلَّقـ) ـها (واحدة؛ طَلَقت ثلاثًا) إن كان دخل بها، واحدة بالمنجز، وتتمتها من المعلَّق؛ لأن امتناع الرجعة هنا لعجزه عنها، لا لعدم ملكها.
(و) إن كان ذلك (قبل الدخول؛ يقع ما نجَّزه) من الطلاق فقط،
دون المعلَّق؛ لعدم وجود الصفة، إذِ الطلاق قبل الدخول لا يملك فيه الرجعة.
(و) إن كان الطلاق (بعوض؛ لا يقع غيره) أي: غير المنجز دون المُعَلَّق؛ لما سبق.
(وإن قال لزوجاته الأربع: أيتُكنَّ وقع عليها طلاقي فضرائِرُها طوالق، ثم وقع على إحداهُن طلاقه) بمباشرة أو سبب (طلَقن) كلهن (ثلاثًا ثلاثًا) لأنه إذا وقع على إحداهن طلقة، طلقت كل واحدة من صواحبها بوقوعه عليها طلقة، وصار إذا وقع بواحدة طلقة، يقع بكل واحدة من صواحبها طلقة، وقد وقع على جميعهن، فطَلَقت كل واحدة ثلاثًا.
(وإن قال) من له أربِع زوجات: (كلَّما طَلَّقت واحدة منكن، فعبدٌ من عبيدي حرٌّ، وكلَّما طَلَّقتُ اثنتين، فعبدان حرَّان، وكلما طَلَّقت ثلاثة، فثلاثة) من عبيدي (أحرار، وكلَّما طلقت أربعًا، فأربعة) من عبيدي (أحرار، ثم طَلَّقهن) أي: الزوجات الأربع (معًا أو متفرِّقات؛ عَتَق خمسة عشر عبدًا) لأن فيهن أربعَ صفات، هنَّ أربعٌ فيعتِقُ أربعةٌ، وهنَّ أربعةُ آحادٍ فيعتق أربعةٌ أيضًا، وهنَّ اثنتان واثنتان فيعتق كذلك، وفيهنَّ ثلاث فيعتق بذلك ثلاث.
وإن شئت قلت: يعتق بالواحدة واحد، وبالثانية ثلاثة؛ لأن فيها صفتين هي واحدة، وهي مع الأولى اثنتان، ويعتق بالثالثة أربع؛ لأنها واحدة، وهي مع الأولى والثانية ثلاث، ويعتق بالرابعة سبعة؛ لأن فيها ثلاثَ صفات، هي واحدة، وهي مع الثالثة اثنتان، وهي مع الثلاث التي قبلها أربع.
قال في "المغني": وهذا أولى من الأول؛ لأن قائله لا يعتبر صفة طلاق الواحدة في غير الأولى، ولا صفة التثنية في غير الثالثة والرابعة (إلا أن تكون له نيةٌ؛ فيؤخذ
(1)
بما نوى) لأن النية مقدمة.
(ولو جعل) في التعليق المذكور (مكان "كلَّما": "إن") أو نحوها من سائر أدوات الشرط (عَتَق عشرةُ) أعبدٍ فقط؛ لعدم تكرارها بالواحدة واحد، وبالثانية اثنان، وبالثالثة ثلاثة، وبالرابعة أربعة.
(و) إن قال: (كلَّما أعتقت عبدًا من عبيدي، فامرأة من نسائي طالق، وكلَّما أعتقت اثنين فامرأتان طالقتان، ثم أعتق اثنين) من عبيده (طَلَق) نساؤه (الأربع) لأن الاثنين فيهما صفتان، هما اثنان، فيطلق اثنان
(2)
، وهما واحد وواحد، فتطلق اثنتان، وإن كان بدل "كلَّما" أداة غيرها، طلق ثلاث.
(و) إن قال: (كلَّما أعتقتُ عبدًا من عبيدي فجارية من جواريَّ حرة، وكلَّما أعتقت اثنين فجاريتان حُرَّتان، وكلَّما أعتقت ثلاثة فثلاث أحرار، وكلَّما أعتقت أربعة فأربع أحرار، فأعتق أربعة) من عبيده (عَتَقَ من جُوَارِه
(3)
خمس عشرة) جارية (بعِدَّة ما عتق من عبيده في المسألة المتقدمة) لما سبق فيها، وإن كان بدل "كلَّما" أداة غيرها فعشر.
(وإن) قال: إن (دخل الدار رجل، فعبد من عبيدي حرٌّ، وإن دخلها طويل، فعبدان) حُرَّان (وإن دخلها أَسود، فثلاثة) من عبيدي أحرار (وإن دخلها فقيه، فأربعة أحرار، فدخلها رجل فقيه طويل أسودُ،
(1)
في "ذ": "فيؤاخذ".
(2)
في "ذ": "فتطلق اثنتان".
(3)
"جواره" كذا في الأصول، والضبط من الأصل، وفي متن الإقناع (3/ 519) والشرح الكبير (22/ 520):"جواريه".
عَتَقَ عشرة) من عبيده، واحد بصفة كون الداخل رجلًا، واثنان بصفة كونه طويلًا، وثلاثة بصفة كونه أسودَ، وأربعة بصفة كونه فقيهًا.
ولو قال: كلَّما صليت ركعة فعبد حر، وكلَّما صليت ركعتين فعبدان حران، وهكذا إلى عشرة، وصلى عشرًا، عَتَق سبعة وثمانون عبدًا.
(و
إن قال) لامرأته: (إذا أتاك طلاقي فأنت طالق، ثم كتب إليها: إذا أتاك كتابي فأنت طالق، فأتاها الكتاب كاملًا
ولم يَنْمَحِ) منه (ذكر الطلاق؛ طَلَقت ثِنتين) لأنه علَّق طلاقها بصفتين، مجيء الطلاق ومجيء كتابه، وقد اجتمعتا في مجيء الكتاب.
(وإن قال: أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأوَّل؛ دُيِّن) لأنه محتمل، وهو أعلم بنيته (وقُبل في الحكم) لما سبق.
(وإن أتاها بعضُ الكتاب وفيه الطلاق، ولم يَنْمَحِ ذكرُه؛ لم تطلق) لأنه لم يأتها كتابه، بل بعضه.
قلت: ينبغي أن يقع بذلك الطلقة المعلَّقة على مجيء الطلاق؛ لأنه قد أتاها طلاقه. وإن انمحى ما فيه، أو انمحى ذكر الطلاق، أو ضاع الكتاب، لم تطلق.
(ولو كتب إليها: إذا قرأت كتابي فأنت طالق، فقُرئ عليها؛ وقع؛ إن كانت لا تحسن القراءة) لأن ذلك هو المراد بقراءتها (وإلا) بأن كانت تحسن القراءة، وقرئ عليها (فلا) تطلق؛ لأنها لم تقرأه، والأصل في اللفظ كونه للحقيقة، إلا مع التعذُّر.
(و
لا يثبت الكتاب إلا بشاهدين،
مثل كتاب القاضي إلى القاضي، وإذا شهدا عندها كفى، وإن لم يشهدا به عند الحاكم) قال
أحمد
(1)
: لا تتزوج حتى يشهد عندها شاهدَا عدل، لا حاملَ الكتاب وحده. و (لا) يكفي (إن شهدا أن هذا خطُّه) كما لا يكفي ذلك في كتاب القاضي إلى القاضي، بل لابُدَّ من قراءته عليهما، وشهادتهما بما فيه.
فصل في تعليقه بالحلف
(الحَلْف بالطلاق تعليق في الحقيقة) لأنه ترتيب للطلاق على المحلوف عليه، وذلك حقيقة التعليق كما سبق، وحقيقة الحَلِف القسم (قال أبو يعلى الصغير: ولهذا) أي: لكونه تعليقًا حقيقًة (لو حَلَف: لا حلفتُ، فعلَّق طلاقها بشرط) كـ"إن قدمَ زيدٌ فأنت طالق"(أو) علقه بـ (ـصفة) كـ: أنت طالقٌ قائمةَ (لم يحنث. انتهى) لأنه لم يحلف، بل علَّق الطلاق.
والحَلِف بالطلاق (مَجازٌ في الحَلِف؛ لمشاركته له في المعنى المشهور) أي: المتعارف من الحَلْف (وهو) أي: المعنى المتعارف من الحَلْف (الحثُّ على فعلٍ، أو المنعُ منه) أي: من فعل (أو) على (تصديق خير، أو) على (تكذيبه).
فالحَثُّ على فعل (كقوله: إن لم تدخلي الدار فأنتِ طالق، أو): أنتِ طالق (لأفعلنَّ، أو): أنتِ طالق (إن لم أفعل) كذا.
(أو) أي: ومثال المنع من شيء قوله: (إن دخلتِ الدار فأنت طالق، أو) أي: مثال تصديق الخبر: (أنت طالق لقد قدم زيدٌ، أو) أي:
(1)
مسائل حرب ص 141.
ومثال تكذيبه: أنت طالق (لم يَقْدَم، أشبه قولَه: والله) لأفعلن، أو لا أفعل، أو لقد قدم زيد، أو لم يَقدَم (ونحوه.
فأما التعليق على غير ذلك) الذي فيه حَث، أو منع، أو تصديق خبر، أو تكذيبه (كـ: أنت طالق إذا طلعت الشمس، أو قدم الحاجُّ، ونحوه) كنزول المطر (فشرطٌ لا حَلْفٌ، فلا يقع به الطلاق المُعلَّق على الحَلِف) لعدم مشاركته للحلف في المعنى المشهور (وكذا: إذا شئتِ فأنت طالق) فليس بحَلْف (فإنه تمليك، و: إذا حضْتِ فأنت طالق، فإنه طلاق بدعة، و: إذا طَهُرْتِ فأنت طالق، فإنه طلاق سنة) وليس بحَلْف.
واختار الشيخ تقي الدين
(1)
العملَ بعُرف المتكلِّم وقَصْده في مُسمَّى اليمين، وأنه موجَبُ أصولِ أحمد ونصوصِه.
(ف
إذا قال) لزوجته: (إن حلفتُ بطلاقك. فأنت طالق، ثم قال: أنت طالق إنْ قمتِ،
أو) إن (دخلتِ الدار، أو) إن (لم تدخلي، أو إن لم يكن هذا القولُ حقًّا، ونحوه) كـ: إن لم يكن هذا القولُ كذبًا (طَلَقت في الحال) لأنه حَلَفَ بطلاقها.
(وإن قال: إن حلفتُ بطلاقك) فأنتِ طالق (أو) قال: (إن كلَّمتك فأنتِ طالق، وأعاده مرةً أخرى؛ طَلَقت واحدة) لأنه حَلَفه بطلاقها وكلَّمها.
(و) إن أعاده (مرَّتين فثِنتان
(2)
) إن كان مدخولًا بها (و) إن أعاده (ثلاثًا طَلَقت مدخول بها ثلاثًا) لأن كلَّ مرة يوجد فيها شرط الطلاق، وينعقد شرط طلقة أخرى. وغيرُ المدخول بها تبين بالأولى. ويأتي
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (33/ 59 - 61).
(2)
في متن الإقناع (3/ 521): "فثنتين".
حكم انعقاد يمينه الثانية والثالثة (إلا أن يقصد) من عَلَّقه بالحَلِف (بإعادته إفهامَها، فلا تطلق سوى الأولى) يعني إن لم يقصد بها الإفهام، فإن قصد بها الإفهام لم يقع. قال في "الفروع" و"المبدع": وإن قصد بإعادته إفهامها لم يقع
(1)
؛ ذكره أصحابنا، بخلاف ما لو أعاده من علَّقه بالكلام. وأخطأ بعض أصحابنا وقال فيها كالأولى؛ ذكره في "الفنون".
(وإن قال لامرأتيه: إن حلفتُ بطلاقكما، فأنتما طالقتان، وأعاده) ثانيًا (طَلَقت كلُّ واحدةٍ منهما طَلْقة) لأن شرط طلاقهما الحَلِف. بطلاقهما، وقد وُجِدَ، وإن أعاده ثالثًا فطلقتان طلقتان، وإن أعاده أربعًا فثلاث؛ لوجود الشرط وهو الحَلِف.
(فإن كانت إحداهما غيرَ مدخول بها، فأعاده بعد وقوع الطلقة الأولى؛ لم تطلق واحدة منهما) لأن شرط طلاقهما الحَلف بطلاقهما ولم يوجد؛ لأن غير المدخول بها لا يصح
(2)
الحَلِف بطلاقها؛ لأنها بائن.
(لكن لو تزوَّجَ بعد ذلك البائنَ، ثم حلف بطلاقها؛ طَلَقت كالأخرى طلقة طلقة) لأنه صار بهذا حالفًا بطلاقهما؛ ذكره الأصحاب.
وأُورِد عليه أن طلاق كل واحدة منهما، معلَّق بشرط الحَلْف بطلاقها مع طلاق الأخرى، فكل واحد من الحَلْفين جزءُ عِلَّةٍ لطلاق كل واحدة منهما، فكما أنه لابُدَّ من الحلْف بطلاقها في زمن تكون فيه أهلًا لوقوع الطلاق، كذلك الحَلْف بطلاق ضَرَّتها؛ لأنه جزء علةٍ لطلاقِ
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 184) ما نصه: "أي في مسألة الحلف، وأما في مسألة الكلام فتطلق ولو قصد الإفهام. ا. هـ من خط ابن العماد".
(2)
في "ذ": "لا يقع".
نفسها، ومن تمام شرطه، فكيف يقع بهذه التي جدد نكاحها الطلاق، وإنما حَلَفَ بطلاق ضَرَّتها وهي بائن؟
(و) لذلك (اختار الموفق وغيرُه: لا تطلق) وأُجيب عنه بأن وجود الصفة كلها في النكاح لا حاجة إليه، ويكفي وجود آخرها فيه ليقع الطلاق عقبه، وقد أشرنا إلى ما فيه في "الحاشية"
(1)
،
(ولو جعل "كلَّما" بدل "إن") بأن قال: كلما حلفتُ بطلاقكما، فأنتما طالقتان، وأعاده، وكانت إحداهما غير مدخول بها، ثم أعاده حال بينونتها، ثم نكح البائن، وحلف بطلاقها (طلَقت كلُّ واحدة) منهما (ثلاثًا، طلقةً عقب حَلْفه ثانيًا، وطلقتين لمَّا نكح البائن وحَلَف بطلاقها) لأن اليمين الأولى لم تنحلَّ باليمين الثانية؛ لأن "كلَّما" للتكرار، واليمين الثانية باقية، فتكون اليمين الثالثة التي تكملت بحَلفه على التي جدد نكاحها شرطًا لليمين الأولى والثانية، فيقع بها طلقتان، بخلاف ما لو كان التعليق بـ"إن" أو نحوها، فإن اليمين الأولى تنحلُّ بالثانية؛ لعدم اقتضائها التكرار، فتبقى اليمين الثانية فقط، فإذا أعادها وُجد شرط الثانية فانحلَّت، وتنعقد الثالثة.
(ولو قال لزوجتيه حفصة وعَمْرَة: إن حلفت بطلاقكما، فَعَمرَةُ
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 185) ما نصه: "قال ابنُ نصر الله: ولم يتعقَّب شيخُنا -يعني ابن رجب- هذا الجواب، ويلزم منه: أنه لو قال: إن أكلتِ هذا الرغيف فأنتِ طالق، ثم أبانها، فأكلتْ بعضه، ثم أعادها إلى نكاحه، فأكلت بقيته، أنها تطلق، قال شيخنا رحمه الله تعالى: وذكر صاح بالمحرر في تعليقه على الهداية أن هذا هو المذهب، سواء قلنا: يكفي في الحنث وجود بعض الصفة أو لا. انتهى من حاشية المنتهى، وهو الذي أشار إليه الشارح. ا. هـ. من خط ابن العماد". قلنا: وحاشيه المؤلف المشار إليها اسمها "إرشاد أولي النهى لدقائق المنتهى" ولم تطبع. انظر: معجم مصنفات الحنابلة (5/ 217).
طالق. ثم أعاده؛ لم تطلق واحدة منهما) لأن هذا حَلف بطلاق عَمْرَة وحدها، فلم يوجد الحَلِف بطلاقهما.
(وإن قال بعد ذلك: أن حلفتُ بطلاقكما فحفصةُ طالق؛ طَلَقت عَمْرَة) لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما عليه.
(فإن قال بعد هذا: أن حلفت بطلاقكما فعَمْرَة طالق؛ لم تطلق واحدةٌ منهما) لأنه لم يحلف بطلاقهما، بل بطلاق عَمْرَة وحدها.
(فإن قال بعدُ
(1)
: إن حلفت بطلاقكما فحفصةُ طالق؛ طَلَقت حفصة) وحدها لوجود شرط طلاقها، وهو الحَلْف بطلاقهما، عَمْرَة أوَّلًا، وحفصة ثانيًا.
(وإن قال لـ) ـزوجتين (مدخول بهما: كلَّما حلفتُ بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان، وأعادة ثانيًا؛ طَلقت كل واحدة منهما طلقتين) لأن ذلك حَلْف بطلاق كل واحدة
(2)
، وحَلْفه بطلاق كل واحدة يقتضي طلاق الثنتين، فطَلَقتا بحَلْفه بطلاق واحدة طلقة طلقة، وبحَلْفه بطلاق الأخرى طلقة طلقة.
(وإن قال: كلَّما حلفت بطلاق واحدة منكما) أو إحداكما (فهي طالق؛ أو) قال: كلَّما حلفت بطلاق واحدة منكما أو إحداكما (فضرتُها طالق، وأعاده؛ طَلَقت كلُّ واحدة) منهما (طلقة) لأن حَلْفه بطلاق واحدة إنما اقتضى طلاقها وحدها، وما حلف بطلاقها إلا مرَّة، فتطلق واحدة.
(وإن قال لإحداهما) أي: إحدى زوجتيه: (إذا حلفتُ بطلاق
(1)
في "ح" و"ذ": "بعده".
(2)
في "ح" و"ذ" زيادة: "منهما".
ضَرَّتِك فأنت طالق، ثم قال ذلك) أي: إذا حلفت بطلاق ضرَّتك فأنت طالق (لـ) ـلزوجة (الأخرى؛ طَلَقت الأولى) لوجود شرط طلاقها، وهو الحَلْف بطلاق ضرتها (فإن أعاده للأولى؛ طَلَقت الأخرى) لأن ذلك حَلف بطلاق ضرتها، وكلَّما أعاده لامرأة طَلَقت الأخرى، إلى أن يبلغ ثلاثًا.
وإن كانت إحداهما غير مدخول بها، فطَلَقت مرَّة؛ لم تطلق الأخرى؛ لأنه ليس بحَلِف بطلاقها، لكونها بائنًا.
ولو قال: كلما حلفت بطلاقكما فإحداكما طالق، وكرره ثلاثًا أو أكثر لم يقع شيء؛ لأن هذا حَلْفٌ بطلاق واحدة، ولم يوجد الحَلْف بطلاقهما.
وإن قال لمدخول بهما: كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فإحداكما طالق، ثم قاله ثانيًا، وقعت بإحداهما طلقة وتعيَّن بقُرعة.
(و) لو قال: (إنْ حلفت بعتق عبدي فأنتِ طالق، ثم قال) لزوجته: (إن حلفتُ بطلاقكِ فعبدي حُرٌّ؛ طَلَقت) زوجته؛ لوجود شرط طلاقها، وهو الحَلِف بعتق عبده.
(ثم إن قال لعبده: إنْ حَلَفت بعتقك فامرأتي طالق؛ عَتَقَ العبد) لوجود شرط عتقه، وهو الحَلف بطلاق امرأته.
(ولو قال له) أي: لعبده (إنْ حَلَفت بطلاق امرأتي فأنت حُرٌّ، ثم قال لها) أي: لامرأته: (إن حَلَفتُ بعتق عبدي فأنتِ طالق؛ عتَقَ العبد) لوجود الشرط، وهو الحَلِف بطلاق امرأته.
(ولو قال له: إن حلفتُ بعتقكَ فأنتَ حرٌّ، ثم أعاده؛ عَتَقَ) لأنه حلف بعتقه (ويأتي في كتاب الأيمان ما يتعلَّق بالحَلْف بالله وبالطلاق).
وإذا قال: إن حلفتُ بطلاق زينب فنسائي طوالق، ثم قال: إن حلفتُ بطلاق عَمْرة فنسائي طوالق، وإن حَلَفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق؛ طَلَقت كل واحدة طلقتين
(1)
.
ولو قال: كلَّما حلفت بطلاق واحدة منكنَّ فأنتُنَّ طوالق، ثم أعاده؛ طَلَقن ثلاثًا ثلاثًا.
ولو كان مكان "كلَّما": "إن" وأعاده؛ طَلَقن واحدة واحدة. وإن قال بعد ذلك لإحداهن: إن قمت فأنت طالق؛ طَلَقت كلُّ واحدة طلقة أخرى.
وإن قال: كلَّما حَلَفتُ بطلاقكن فأنتُنَّ طوالق، ثم أعاد ذلك؛ طَلَقت كلُّ واحدة طلقة. وإن قال بعد ذلك لإحداهن: إن قمت فأنت طالق؛ لم تطلق واحدة منهنَّ، وإن قال ذلك للاثنتين الباقيتين؛ طَلَق الجميع طلقةً طلقةً.
فصل في تعليقه بالكلام
(إذا قال) لزوجته: (إن كلمتُكِ فأنتِ طالق، فتحقَّقي ذلك
(2)
، أو اعلمي ذلك. قاله متَّصلًا بيمينه؛ طَلَقت) لأنه علَّق طلاقها على كلامها، وقد وُجِد (إلا أن يريد) كلامًا (بعد انفصال كلامي هذا) فلا يقع
(1)
في "ح" زيادة: "ولو قال: كلما حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق، وإن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق، طلقت كل واحدة طلقتين".
(2)
"فتحققي ذلك" كذا في الأصول، وفي بعض نسخ متن الإقناع (3/ 522):"فتحفَّظي".
بالمتصل.
(وكذلك إن زجرها) بعد تعليق طلاقها على كلامها (فقال: تنحِّي، أو اسكتي، أو مُرِّي، ونحوه) كـ: اذهبي، أو اجلِسي (أو قال: إن قمت فأنتِ طالق؛ طَلَقت) لوجود شرطه وهو الكلام، وإن قصد به عقد اليمين في: إن قمتِ فأنت طالق (إلا أن يريد) بقوله: إن كلمتُكِ (كلامًا مُبتدأ) أي: مستأنَفًا (مثل أن ينوي محادثتها، أو الاجتماع بها، ونحوه) فلا يحنث حتى يوجد ما نواه.
(وإن سمعها) أي: سمع من قال لها: إن كلمتكِ فأنتِ طالق (تذكرُه، فقال: الكاذب عليه لعنة الله؛ حَنِثَ، نصًّا
(1)
) لأن ذلك كلام لها.
(فإن جامعها، ولم يكلِّمها؛ لم يحنث) لعدم وجود شرطه (إلا أن تكون نيَّته هجرانَها) فيحنث بالمجامعة.
(وإن قال) لزوجته: (إن بدأتُكِ بالكلام فأنتِ طالق، فقالت: إن بدأتُكَ به فعبدي حرٌّ؛ انحلَّت يمينه) لأنها كلمته، فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداءً (إلا أن ينوي أنه لا يبدؤها في مرَّةٍ أخرى) فلا تنحلُّ يمينه بذلك (وتبقى يمينها معلَّقةً) حتى يوجد ما يحلُّها، أو شرطها (فإن بدأها بكلام؛ انحلَّت يمينها، وإن بدأتْهُ هي) ابتداءً (عَتَق عبدها) لما تقدم.
(و) لو قال لزوجته: (إن كلَّمتِ فلانًا فأنتِ طالق، فكلَّمته، فلم يسمع؛ لتشاغله أو غفلته) أو خفضِ صوتها، بحيث لو رفعته لسمعها؛ حَنثَ؛ لأنها كلَّمته، وإنما لم يسمع لشغل قلبه أو غفلته.
(أو كاتبته، أو راسلته، حَنِثَ) لأن الكلام يُطلق ويُرَاد به ذلك،
(1)
المغني (10/ 462)، والمبدع (7/ 354).
بدليل صحة استثنائه منه في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}
(1)
لأن القصد بيمينه هجرانه، ولا يحصُل ذلك مع مواصلته بالكتابة والرسول.
ولو حلف ليكلمن زيدًا؛ لم يبرَّ بمكاتبته ولا مراسلته، كما يُعلم من الشرح؛ لأن ذلك ليس كلامًا حقيقة.
(كتكليمها غيرَه) أي: غير المحلوف عليها ألا تكلِّمه (وهو يسمع؛ تقصده) أي: المحلوف عليه (به) أي: بالكلام؛ فإنه يحنث؛ لأنها قصدته وأسمعته كلامها، أشبه ما لو خاطبته (إلا أن يكون) الزوج (أراد) بحَلِفه عليها (ألا تشافهه) فلا يحنث بالمكاتبة ولا بالمراسلة؛ لعدم المشافهة.
(ولو أرسلتْ) من حَلَفَ زوجُها عليها لا تُكَلِّم فلانًا (إنسانًا يسأل أهل العلم عن مسألة، أو) عن (حديث، فجاء الرسولُ) فسأل (المحلوفَ عليه؛ لم يحنث) بذلك؛ لأنَّها لم تقصده بإرسال الرسول.
(وإن أشارت إليه بيد، أو عين، أو غيرهما) كرأس، وإصبع (لم تطلق) بذلك؛ لأن الإشارة ليست بكلام عند أهل الشرع (وكذا لو كَلَّمته وهي مجنونة) لأنها لا قصد لها، والقلم مرفوع عنها.
(وإن كلَّمته وهو سكران، أو أصمُّ -بحيث يعلم أنها تكلِّمه
(2)
- أو مجنونًا يسمع كلامها، أو كلَّمته وهي سكرى؛ حَنِثَ) لأن الطلاق معلَّق على الكلام وقد وُجِدَ.
(وكذلك إن كلَّمت) المحلوفَ عليه، وكان (صبيًّا، وهو يعلم أنه
(1)
سورة الشورى، الآية:51.
(2)
في "ح": "كلمته".
مكلَّم) فيحنث الحالف؛ لوجود الكلام.
(وإن كلَّمته ميتًا، أو غائبًا، أو مُغمى عليه، أو نائمًا، أو سكران، أو مجنونًا، مصروعين؛ لم يحنث) لأنه لا عقل لهم. قال في "المبدع": وكذا إذا كانا -أي: الأصم والسكران- لا يعلم واحد منهما أنها تكلِّمه أي: فلا حنث، والمجنون إن لم يسمع كلامها؛ صرَّح به في "المغني".
(وإن سَلَّمت عليه حَنِثَ) لأنها كلَّمته.
(فإن كان أحدهما) أي: أحد الشخصين، وهما زيدٌ والمحلوف عليه ألا يكلم زيدًا مثلًا (إمامًا، و) كان (الآخر مأمومًا؛ لم يحنث) الحالف (بتسليم) الإمام المحلوف عليه ألا يكلم زيدًا من (الصلاة) لأنه للخروج من الصلاة (إلا أن ينوي) الإمام (بتسليمه) السلام (على المأمومين) وزيد فيهم؛ فيحنث؛ لأنه قصده به.
(وإن حَلَفَ: لا يقرأ كتاب فلان، فقرأه في نفسه، ولم يحرك شفتيه به؛ حَنِثَ) لأن هذا قراءة الكتب في عُرْف الناس (إلا أن ينويَ حقيقةَ القراءة) فلا يحنث قبل وجودها.
(وإن قال لامرأتيه: إن كلَّمتُمَا هذين فأنتما طالقتان، فكلَّمت كلُّ واحدة منهما واحدًا منهما؛ طَلَقا) لأن تكليمهما وُجدَ منهما.
(كما لو قال: إن ركبتما دابتيكما، أو أكلتما هذين الرغيفين، أو لبستما ثوبيكما، فأنتما طالقتان، فركبتْ كلُّ واحدةٍ منهما دابتها، وأكلتْ
(1)
كلُّ واحدة) منهما (رغيفًا، ولبستْ كلُّ واحدةٍ) منهما (ثوبها؛ طَلَقت). وقد ذكرتُ ما في ذلك في "الحاشية"
(2)
.
(1)
في "ح": "أو أكلت".
(2)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 187) ما نصه: "قوله: إن =
(وإن قال: إن كلّمتما زيدًا وكلَّمتما عَمْرًا، فأنتما طالقتان. فلا تطلقان حتى تكلِّم كلُّ واحدة منهما زيدًا وعمرًا) لإعادة العامل.
(وإن قال لعبديه: إن ركبتُما دابتيكُما، أو لبستما ثوبيكما، أو تقلدتما بسيفيكما، أو دخلتما بزوجتيكما، فأنتما حُرَّان، فمتى وُجِدَ من كل واحد) منهما (ركوبُ دابته، أو لُبسُ ثوبه، أو تقلُّد بسيفه، أو الدخول بزوجته؛ ترتب عليهما العتق؛ لأن الانفراد بهذا عُرفي، وفي بعضه) كالدخول بالزوجة (شرعي، فيتعيَّن صرفه إلى توزيع الجملة على الجملة.
وإن قال) لزوجته: (إن أمرتُكِ فخالفتني فأنتِ طالق، فنهاها) عن شيء (وخالفته) فيه (لم يحنث) ولو لم يَعرف
(1)
حقيقة الأمر والنهي؛ لأنها خالفت نهيه لا أمره (إلا أن ينوي مُطْلَقَ المخالفة) فيحنث بمخالفة النهي؛ لأنها مخالفة.
(و) لو قال: (إن نهيتُكِ وخالفتِني فأنتِ طالق. فأمرها) بشيء (وخالفته؛ لم يحنث في قياس التي قبلها، إلا أن ينوي مطلق المخالفة)
= كلمتُما زيدًا وعمرًا
…
إلخ. هذه المسألة من جملة قاعدة، وهي: إذا وجدنا جملةً ذات أعداد موزَّعةً على جملةٍ أخرى؛ فهل تتوزَّع أفرادُ الجملة الموزعة على أفراد الأخرى؛ أو كل فرد منها على مجموع الجملة الأخرى؛ حيث لا دليل على إرادة أحد التوزيعين؟ فيه خلاف، والأشهر: الثاني إذا أمكن، وصرَّح به القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب في مسألة الظِّهار من نسائه بكلمة واحدة؛ ذكر ذلك ابنُ رجب في القاعدة الثالثة عشر بعد المائة ص / 266، لكن المذهب هنا خلاف ما قاله؛ قاله في الإنصاف ملخَّصًا، ومثل المسألة المذكورة: إن ركبتُما دابتيكما، أو أكلتما هذين الرغيفين، وكذا لو قال ذلك لعبديه في العتق. انتهى من حاشية المنتهى، وهي المرادة بقوله: وقد ذكرت ما في ذلك في الحاشية. ا. هـ. من خط ابن العماد".
(1)
في "ذ": "تعرف".
لما تقدم.
(و) لو قال لامرأته: (إن كلمتُكِ فأنتِ طالق، ثمَّ قاله ثانيًا؛ طَلَقت واحدةً، وإن قاله ثالثًا؛ طَلَقت ثانيةً، وإن قاله رابعًا؛ طلَقت ثلاثًا حيث كانت مدخولًا بها؛ لأن كل مرَّة يوجد بها شرط الطلاق، وينعقد شرط طلقة أخرى، وسواء قصد إفهامَها أو لا، كما تقدَّم؛ لأنه كلامٌ وإن قصد به الإفهام، بخلاف مسألة الحَلِف السابقة.
(وتَبِين غير المدخول بها بطلقة، ولم تنعقد يمينه الثانية، ولا الثالثة) لبينونتها بشروعه في الكلام، فلم يحصُل جواب الشرط إلا وهي بائن، بخلاف مسألة الحَلِف السابقة، في: إن حلفتُ بطلاقك فأنتِ طالق، ثم أعاده، فإنها لا تبين إلا بعد انعقاد اليمين، فتنعقد بحيث إنه لو تزوَّجها بعدُ، ثم حلف بطلاقها طَلَقت؛ لوجود شرط اليمين المنعقدة في النكاح السابق.
(و) لو قال لزوجته: (إن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق، فقالت له: لا تعطِها من مالي شيئًا؛ لم يحنث) بذلك؛ لأنه نفع مُحَرَّم، فلا تتناوله يمينه.
(و)
لو قال: (أنتِ طالق إنْ كلَّمتِ زيدًا، ومحمد مع خالد،
لم تطلق حتى تكلَّم زيدًا في حال كون محمد فيها مع خالد) لأنها حال من الجملة الأولى، ومتى أمكن جعل الكلام متَّصلًا كان أولى.
(و) لو قال: (أنتِ طالق إن كلَّمتِ زيدًا وأنا غائب، أو وأنتِ راكبةٌ، أو وهو راكب، أو ومحمد ركب؛ لم تطلق حتى تكلِّمَه في تلك الحال) لأن الجملة الأخيرة حال، وهي قيدٌ في عاملها.
(و) لو قال: (إن كلمتني إلى أن يَقْدَم زيد) فأنتِ طالق (أو): إن
كلمتني (حتى يَقْدَم زيد فأنتِ طالق، فكلَّمته قبل قدومه؛ حَنِثَ).
وكذا لو قال: أنتِ طالق إن كلمتِ زيدًا إلى أن يَقْدَم فلان، فكلَّمتْهُ قبل قدومه؛ طَلَقت، وإلا؛ فلا؛ لأن الغاية رجعت إلى الكلام لا إلى الطلاق.
(فإن قال: أردتُ إن استدمتِ تكليمي من الآن إلى أن يَقدَم زيد؛ دُيِّن، وقُبل) حكمًا؛ لأن لفظه يحتمله، فعلى هذا إن قطعتِ الكلام لم يحنث، ولو أعادته؛ لعدم الاستدامة، لكن لعل المراد الاستدامة عرفًا، لا حال صلاة، أو نوم، أو نحوهما.
فصل (في تعليقه بالإذن) في الخروج أو نحوه
(إذا قال) لزوجته: (إن خرجتِ بغير إذني) فأنتِ طالق (أو): إن خرجتِ (إلا بإذني) فأنتِ طالق (أو): إن خرجتِ (حتى آذنَ لكِ فأنتِ طالق، ثم أذن لها فخرجتْ، ثم خرجتْ بغير إذنه؛ طَلَقت) لأن "خرجتِ" نكرة في سياق الشرط، وهي تقتضي العموم؛ قاله في "الاختيارات"
(1)
فقد صدق أنها خرجت بغير إذنه.
(إلا أن ينوي الإذن مرَّة) ويأذنَ لها فيه، ثم تخرج بعد؛ فلا حِنث (أو يقولَه) أي: الإذن مرة (بلفظه) بأن يقول: إن خرجتِ إلا بإذني مرَّة فأنتِ طالق، فإذا أذن فيه مرَّة لم يحنث بخروجها بعدُ بغير إذن. وأما إن قال: إن خرجتِ مرَّة بغير إذني فأنتِ طالق، ثم أذِنَ لها في الخروج، ثم
(1)
الاختيارات الفقهية ص / 386.
خرجت بغير إذنه؛ حِنثَ، كما في "المنتهى"، و"شرحه"؛ لأن الخروج الثانيَ خروجٌ غيرُ مأذون فيه، وهو محلوفٌ عليه، أشبه ما لو خرجت ابتداءً بغير إذنه.
(فإن أذن لها في الخروج كُلَّما شاءت) بأن قال لها: اخرجي كُلَّما شئت (لم تطلق) بخروجها؛ للإذن العام، فلم تخرج إلا بإذنه.
(وإن أذِنَ لها مِن حيث لا تعلم، فخرجت؛ طلَقت، نصًّا
(1)
) لأن الإذن هو الإعلام، مع أن إذن الشارع وأمره
(2)
ونواهيه لا يثبت حكمها إلا بعد العلم بها، فكذا إذن الآدمي؛ ولأنها قصدَتْ بخروجها مخالفتَه وعصيانه، أشبه ما لو لم يأذن لها في الباطن؛ لأن العبرة بالقصد لا بحقيقة الحال.
(فلو قال): إن خرجت (إلا بإذن زيد) فأنتِ طالق (فمات زيدٌ، لم يحنث إذا خرجت) خلافًا للقاضي.
(ولو) حلف لا تخرج إلا بإذنه، و (أذن لها) في الخروج (فلم تخرج حتى نهاها) عنه (ثم خرجت؛ طَلَقت) لأن هذا الخروج جرى مجرى خروجٍ ثانٍ، وهو محتاجٌ إلى إذنٍ.
(وإن قال) لزوجته: (إن خرجتِ إلى غير الحمَّام بغير إذني فأنتِ طالق، فخرجتْ إلى غير الحمَّام) بغير إذنه (طَلَقت؛ سواءٌ عدلت إلى الحمَّام أو لم تعدل) لأنها خرجت إلى غير الحمَّام بغير إذنه (وإن خرجت تريد الحمَّام وغيره) طَلَقت؛ لأنها إذا خرجت للحمَّام وغيره، فقد صَدَق عليها أنها خرجت إلى غير الحمَّام (أو خرجت إلى الحمَّام، ثم عدلتْ
(1)
المبدع (7/ 359)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (22/ 549).
(2)
في "ذ": "وأوامره" بالجمع.
إلى غيره؛ طَلَقت) لأن ظاهر هذا اليمين المنع من غير الحمَّام، فكيفما صارت إليه حَنِثَ، كما لو خالفت لفظه.
نقل الفضل بن زياد عن أحمد
(1)
أنه سئل: إذا حلف بالطلاق أنه لا يخرج من بغداد إلا لنزهة، فخرج إلى النزهة، ثم مرَّ إلى مكة؟ فقال: النزهة لا تكون إلى مكة. وظاهر هذا أنه أحنثه.
"تتمة": قال أحمد
(2)
في رجل حَلَف بالطلاق لا يأتي أرْمينيَة إلا بإذن امرأته، فقالت امرأته: اذهب حيث شئتَ. فقال
(3)
: لا، حتى تقول: إلى أرمينيَةَ. قال في "الشرح": والصحيح أنها متى أذنتْ له إذنًا عامًّا لم يحنث. قال القاضي: هذا من كلام أحمد محمولٌ على أن هذا خرج مخرَجَ الغضب والكراهة، ولو قالت هذا بطيب قلبها؛ كان إذنًا منها، وله الخروج، وإن كان بلفظٍ عامٍّ.
فصل في تعليقه بالمشيئة
(إذا قال: أنتِ طالق إن) شئتِ (أو إذا) شئتِ (أو متى) شئتِ (أو كيف) شئتِ (أو حيث) شئت (أو أنى) شئت (أو أين) شئت (أو كلما) شئتِ (أو أيَّ وقت شئتِ ونحوَه) كقوله: من شاءتْ
(4)
فهي طالق
(1)
المغني (10/ 483)، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (22/ 552).
(2)
المغني (10/ 483 - 484)، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (22/ 552)، والمبدع (7/ 360).
(3)
"أي الإمام أحمد". ش.
(4)
في "ذ": "من شاءت منكن فهي".
(لم تطلق حتى تقول: قد شئتُ) لأن ما في القلب لا يُعلم حتى يعبِّر عنه اللسان، فيتعلَّق الحكم بما ينطق به، دون ما في القلب، فإذا قالت: شئتُ؛ طَلَقت (سواءٌ شاءت فورًا، أو تراخيًا) لأنه تعليق للطلاق على شرط، أشبه سائر التعليقات؛ ولأنه إزالة ملك معلَّق على المشيئة، فكان على التراخي، كالعتق.
وسواء شاءت (راضيةً، أو كارهةً) لوجود المشيئة (وفي "التنقيح") و"الإنصاف": (ولو مكرهة، وهي سَبقةُ قلمٍ) لأن فِعل المُكره ملغىً.
(ولو شاءت بقلبها دون نُطْقِها) لم يقع؛ لما تقدم (أو قالت: قد شئتُ إن طلعت الشمس، أو: قد شئتُ؛ إن شئتَ، أو) قالت: شئتُ إن (شاء فلان. فقال: قد شئتُ؛ لم يقع) الطلاق؛ لأنه لم يوجد منها مشيئة، وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط، وليس بمشيئة. لا يقال: إذا وُجِدَ الشرط وجب أن يوجد مشروطه؛ لأن المشيئة أمرٌ خفيٌّ، فلا يصح تعليقها على شرط، ووجه الملازمة إذا صحَّ التعليق (فإن رجع) الزوج بعد التعليق المذكور (قبل مشيئتها لم يصحَّ رجوعه، كبقية التعاليق) في الطلاق والعتق وغيرهما.
(وكذا) الحكم (لو علَّقه بمشيئة غيرها) فمتى وُجِدت طَلَقت، وإن عَلَّقها الغير على شرط لم يقع، وإن رجع لم يصح رجوعه.
(وإن قيَّد المشيئة بوقت، كقوله: أنتِ طالق إن شئتِ اليوم) أو الشهر (تقيد به، فإن خرج اليومُ قبل مشيئتها؛ لم تطلق) لعدم وجود الشرط، ولا أثر لمشيئتها بعد.
(وإن علَّقه) أي: الطلاق (على مشيئة اثنين، كقوله): أنت طالق
(إن شئتِ وشاء أبوك) لم يقع حتى توجد مشيئتهما (أو) قوله: أنت طالق إن شاء (زيد وعمرو؛ لم يقع حتى توجد مشيئتهما) لأن الصفة مشيئتهما، فلا تطلق بمشيئة أحدهما؛ لعدم وجود الشرط، وكيف شاءا طَلَقت (ولو اختلفا في الفورية والتراخي) بأن شاء أحدهما فورًا، والآخر متراخيًا؛ لأن المشيئة وُجِدت منهما جميعًا.
(و) إن قال: (أنتِ طالق وعبدي حرٌّ؛ إن شاء زيد. ولا نِيَّة) له تخالف ظاهر لفظه (فشاءهما) أي: شاء زيد الطلاق والعتق (وقعا) لوجود شرطهما (وإلا) أي: وإن لم يشأهما زيد، بأن لم يشأ شيئًا، أو شاء أحدهما دون الآخر (لم يقع شيء) منهما؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد، وقد وليَهما التعليق، فيتوقفان عليه. ولا تحصل المشيئة بواحد من العتق أو الطلاق؛ لأنهما جملة واحدة، فلا تحصُل الجملة بأحد جزأيها دون الآخر.
(و) إن قال لزوجته: (أنتِ طالق إن شاء زيد، فمات) زيد (أو جُنَّ؛ لم تطلق) لأن شرط الطلاق لم يوجد.
(وإن خرِس) زيد بعد التعليق (أو كان أخرس) حين التعليق (وفُهمت إشارته؛ فكنطقه) لقيامها مقامه، وإن لم تُفهَم إشارته لم تطلق.
(ولو غاب) زيد (لم تطلق) حتى تثبت مشيئته.
(و: إن شاء، وهو سكران؛ طَلَقت) لأنه يصح عنه الطلاق، فصحت مشيئته له. قال في "المغني"، و "الشرح": والصحيح أنه لا يقع؛ لأنه زائل العقل، أشبه المجنون. ثم الفرق بين إيقاع طلاقه وبين المشيئة: أن إيقاعه عليه تَغْليظ عليه؛ لئلا تكون المعصية سببًا للتخفيف
عنه، وهنا إنما يقع الطلاق لغيره
(1)
، فلا يصح منه في حال زوال عقله.
و (لا) يقع: (إن شاء) زيد (وهو مجنون) لأنه لا حكم لكلامه.
(و: إن شاء) زيد (وهو صبي طفل) أي: دون التمييز (لم يقع) الطلاق؛ لأنه كالمجنون (وإن كان) زيد (مميزًا يعقل) المشيئة، وشاء (الطلاق؛ وقع) لصحة طلاقه إذًا.
(و) إن قال: (أنتِ طالق إلا أن يشاء زيد، فمات) زيد (أو جُنَّ؛ طَلَقت في الحال) لأنه أوقع الطلاق، وعلَّق رفعه بشرط ولم يوجد. وكذا لو أبى المشيئة (وإن خرِس) زيد (فشاء بالإشارة، وفُهمت) إشارته (فكنُطْقِهِ) لدلالتها على ما في نفسه. قلت: وكذا ينبغي كتابته (إن لم يقيِّد في التعليق بالنطق) فتتقيد به.
(و) إن قال لزوجته: (أنت طالق واحدةً إلا أن يشاء زيد ثلاثًا، أو) قال: أنتِ طالق واحدة إلا أن (تشائي ثلاثًا، أو) قال: أنت طالق (ثلاثًا إلا أن يشاء) زيد واحدة (أو): أنت طالق ثلاثًا إلا أن (تشائي واحدةً، فشاء) زيد (أو شاءت الثلاثَ) في الأولى (وقعت، أو) شاء أو شاءت (الواحدة) في الثانية (وقعت) لأن هذا هو السابق إلى الفهم من ذلك، كقوله: خُذ دِرهمًا إلا أن تريد أكثر منه (فإن لم يشأ) زيد شيئًا (أو شاء أقلَّ من ثلاث) كاثنتين، أو لم تشأ هي، أو شاءت اثنتين (فواحدةٌ في الأولى) لأن الثلاث لم يوجد شرطها. ويقع في الثانية -إذا لم يشأ، أو شاء اثنتين، أو لم تشأ هي، أو شاءت اثنتين- الثلاثُ؛ لأن شرط الواحدة لم يوجد.
(و) إن قاله لزوجته: (يا طالق) إن شاء الله؛ طَلَقت؛ قاله في
(1)
في "ح" و"ذ": "بغيره".
"الترغيب"، وقال: إنه أولى بالوقوع من قوله: أنت طالق إن شاء الله.
(أو: أنت طالق) إن يشأ الله (أو) قال: (عبدي حرٌّ إن شاء الله، أو) قال: يا طالق، أو: أنت طالق، أو: عبدي حر (إلا أن يشاء الله، أو إن لم يشأ الله، أو ما لم يشأ الله؛ طَلَقت، وعَتَق العبد.
وكذا لو قدَّم الشرط) بأن قال: إن شاء الله -أو: إن لم يشأ الله، أو: ما لم يشأ الله- فأنتِ طالق، أو عبدي حر؛ لما روى أبو حمزة
(1)
، قال: سمعت ابن عباس يقول: "إذا قال الرجل لامرأتِه: أنتِ طالقٌ إن شاءَ الله؛ فهيَ طالِقٌ" رواه أبو حفص
(2)
.
وعن ابن عمر وأبي سعيد قالا: "كُنّا معشرَ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم نرى الاستثْنَاءَ جائِزًا في كل شيء إلا في الطلاق والعتاقِ"
(3)
.
ولأنه إنشاءُ حكم في محلٍّ، فلم يرتفع بالاستثناء، كالبيع والنكاح.
(1)
"أبو حمزة" كذا في الأصل والمحلى (10/ 217) بالحاء المهملة والزاي، وفي "ذ":"أبو جمرة" بالجيم والراء المهملة. وفي الرواة عن ابن عباس: أبو حمزة -بالحاء- القصَّاب" وأبو جمرة -بالجيم- الضُّبعي. انظر: تهذيب الكمال (33/ 263، 205).
(2)
هو ابن شاهين -كما في إعلام الموقعين (4/ 62) - وقد تقدم التعريف به (2/ 318) تعليق رقم (2). ولم نقف عليه في كتبه المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد كما في المحلى (10/ 217).
(3)
لم نقف عليه في كتب الأحاديث المسندة، وذكره ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 62)، قال: قال الموقعون: قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثنا خالد بن يزيد بن أسد القسري، ثنا جميع بن عبد الحميد الجعفي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، وابن عمر رضي الله عنهم به.
قلنا: وهنا إسناد ضعيف جدًّا، عطية العوفي ضعيف، انظر تحرير تقريب التهذيب رقم 4616، والراوي عنه جميع لم نقف على ترجمته، فهو مجهول.
(و) لو قال لزوجته: (إنْ دخلتِ الدارَ فأنتِ طالق) إن شاء الله (أو) قال لأمته: إن دخلتِ الدارَ فأنتِ (حرَّة إن شاء الله، أو) قال لزوجته: (أنتِ طالق) إنْ دخلتِ الدارَ إن شاء الله (أو) قال لأمته: أنتِ (حرَّةٌ: إن دخلتِ الدارَ إن شاء الله، فدخلت) الدار (فإن نوى ردَّ المشيئةِ إلى الفعل لم يقع) الطلاق ولا العتق به؛ لأن الطلاق أو العتق هنا يمين، إذ هو تعليق على ما يمكن فعله وتركه، فإذا أضافه إلى مشيئة الله تعالى لم يقع؛ لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمينٍ فقال: إن شاءَ الله؛ فلا حنْثَ عليهِ" رواه الخمسة إلا أبا داود
(1)
.
(1)
الترمذي في الأيمان والنذور، باب 7، حديث 1531، والنسائي في الأيمان والنذور، باب 39، حديث 3837 - 3839، وفي الكبرى (3/ 140 - 141) حديث 4769 - 4771، وابن ماجه في الكفارات، باب 6، حديث 2105، وأحمد (2/ 6، 10، 48، 68، 126، 127، 153). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الأيمان والنذور، باب 11، حديث 3261 - 3262، والشافعي في السنن ص / 173، حديث 105، والحميدي (2/ 303) حديث 690، وعبد بن حميد (2/ 26) حديث 777، وابن الجارود (3/ 202) حديث 928، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5/ 178 - 179) حديث 1920، 1922 - 1923، وابن حبان "الإحسان"(10/ 182 - 183) رقم 4339 - 4340، وأبو نعيم في الحلية (6/ 79)، والحاكم (4/ 303)، والبيهقي (7/ 361، 10/ 46)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 170) حديث 19515، والخطيب في تاريخه (5/ 88).
قال الترمذي: حديث ابن عمر حديث حسن.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (8/ 253): "حديث ابن عمر رجاله رجال الصحيح، وله طرق كما ذكره صاحب الأطراف".
وأخرجه عبد الرزاق (8/ 515 - 516) رقم 16111 - 16113، 16115، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5/ 181)، والبيهقي (10/ 46 - 47)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، موقوفًا.
فمن قال لزوجته: أنت طالق لتَدْخُلِنَّ الدارَ إن شاء الله؛ لم تطلق، دخلت أو لم تدخل؛ لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه، وإن لم تدخل علمنا أن الله تعالى لم يشأه؛ لأنه لو شاءه لوُجِد، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. وكذلك إن قال: أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله.
(وإلا) أي: وإن لم ينوِ ردَّ المشيئة إلى الفعل، بأن لم ينو شيئًا، أو نوى ردَّ المشيئة إلى الطلاق أو العتاق (وقع) الطلاق أو العتاق؛ لما ذكر أوَّلًا. قال في "شرح المقنع": وإن لم تُعلم نيته؛ فالظاهر رجوعه إلى الدخول، ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق.
"غريبة": إذا قال: أنت طالق يوم أتزوجك إن شاء الله، فتزوَّجها؛ لم تطلق. وإن قال: أنتَ حرٌّ يوم أشتريك إن شاء الله، فاشتراه؛ عَتَق؛ قاله في "المبدع".
(و) إن قال: (أنتِ طالق لرضا زيد، أو) لـ (ـمشيئته؛ طَلَقت في الحال) لأن معناه: أنت طالق؛ لكونه قد شاء ذلك أو رضيه، وكقوله: هو حرٌّ لوجه الله، أو لرضا الله، وكذا لدخول الدار.
(فإن قال: أردتُ الشرطَ؛ دُيِّن) لأنه أعلم بمراده (وقُبِلَ حُكمًا) لأن ذلك يُستعمل للشرط، كـ: أنتِ طالق للسَّنَة، أو لقدوم زيد، أو لغدٍ، ونحوه، فلا تطلق حتى يوجد.
(و) لو قال: (إن رضي أبوك فأنتِ طالق، فقال) أبوها: (ما رضيتُ، ثم قال: رضيتُ؛ طَلَقت) لأنه مطلقٌ، فكان متراخيًا؛ ذكره في "الفنون" وأنَّ قومًا قالوا: ينقطع بالأول.
(ولو قال) لزوجته: (إن كان أبوك يرضى بما فَعَلْتهِ فأنت طالق،
فقال: ما رضيتُ) به (ثم قال: رضيتُ) به (طَلَقت -أيضًا-) لأنه علَّقه على رضًا مُستَقبلٍ، وقد وُجِدَ.
(بخلاف) قوله: (إن كان أبوك راضيًا) بما فعلتِه فأنت طالق، فقال: ما رضيتُ، ثم قال: رضيتُ؛ فلا تطلق (لأنه) أي: المعلَّق عليه (ماض) وهذا الذي صدر منه مستقبل، فلم يوجد المُعلَّق عليه.
(وإن قال: إن كنتِ تحبيِّن أن يعذِّبكِ الله بالنار) فأنتِ طالق (أو قال: إن كنتِ تحبينه) أي: أن يعذبك الله بالنار (بقلبكِ، فأنتِ طالق، ققالت: أنا أحبه؛ لم تطلق إن قالت: كذبتُ) لاستحالته في العادة، كقوله: إن كنت تعتقدين أن الجَمَل يدخل في خُرم الإبرة فأنتِ طالق، فقالت: أنا أعتقده، فإن عاقلًا لا يُجوِّزه، فضلًا عن اعتقاده.
(وكذا) لو قال: (إن كنتِ تبغضين الجنة أو الحياة، ونحوه) فقالت: أبغض ذلك؛ لم تطلق إن قالت: كذبتُ، فإن لم تقل: كذبتُ؛ فقال القاضي: تطلق. وقدَّمه في "الرعاية"، وجزم به في "الوجيز". وفي "الفنون": هو مذهبنا؛ لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من اللفظ، فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به، صادقة أو كاذبة، كالمشيئة.
وقال في "المقنع": الأولى ألا تطلق إذا كانت كاذبة، وقال في "المبدع": "وهو المذهب وقاله أبو ثور
(1)
؛ لأن المحبة في القلب، ولا يوجد من أحد محبةُ ذلك، وخبرها بالمحبة كاذب لا يُلتفت إليه".
(وإن قال: إن كنتِ تُحبين) زيدًا (أو): إن كنتِ (تبغضين زيدًا، فأنتِ طالق. فأخبرته به؛ طَلَقت؛ وإن كذبت)
(2)
لما تقدم.
(1)
انظر: الإشراف لابن المنذر (4/ 207 - 208).
(2)
في "ح" زيادة: "لم تطلق".
فإذا قال: أنتِ طالق إن أحببتِ، أو إن أردتِ، أو إن كرهتِ، احتمل أن يتعلق الطلاق بلسانها، كالمشيئة، واحتمل أن يتعلَّق الحكم بما في القلب من ذلك، ويكون اللسان دليلًا عليه، فعلى هذا لو أقرَّ الزوج بوجوده؛ طَلَقت، ولو أخبرت به، ثم قالت: كنت كاذبة؛ لم تطلق؛ ذكره في "الشرح".
(وتعليق عتق كطلاق فيما تقدم) من مسائل التعليق (ويصح) تعليق العتق (بالموت) وهو التدبير، بخلاف الطلاق.
(ولو قالت) امرأة لزوجها: (أريد أن تطلقني. فقال: إن كنتِ تريدين) أن أطلقكِ فأنتِ طالق (أو) قال لها: (إذا أردتِ أن أطلقكِ فأنتِ طالق. فظاهر الكلام يقتضي أنها تطلق بإرادةٍ مُستقبلةٍ، ودلالةُ الحال على أنه أراد إيقاعه؛ للإرادة التي أخبرته بها؛ قاله في "الفنون"، ونصر الثانيَ في "إعلام الموقعين"
(1)
.
ومثلُه: تكونين طالقًا، إذا دلَّت قرينةٌ - من غضبٍ، أو سؤالٍ) طلاقها (ونحوِه - على) الإيقاع في (الحال دون الاستقبال) فيقع على الثاني
(2)
دون الأوَّل.
فصل
(في مسائل) من تعليق الطلاق (متفرقة)
أي: المعلَّق عليه الطلاق فيها من أنواع مختلفة، بخلاف ما قبل.
(إذا قال) لزوجته: (أنتِ طالق إذا رأيتِ الهلال، أو عند رأسه)
(1)
لم نقف عليه في مظانه من إعلام الموقعين، وهو في بدائع الفوائد (3/ 185).
(2)
في "ح": "على القول الثاني".
أي: الهلال (تطلق بإكمال العِدَّة) ثلاثين يومًا (أو إذا رُئي) الهلال (بعد الغروب) لأن رؤيتَه في الشرع عبارةٌ عما يعلَم به دخوله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"
(1)
فانصرف لفظ الحالف إلى عُرف الشَّرع، كما لو قال: إذا صليتِ فأنت طالق، فإنه ينصرف إلى الشرعية، وفارقَ رؤيةَ زيدٍ، فإنه لم يثبت لها عُرف شرعي.
و (لا) تطلق (قَبله) أي: قبل الغروب، ولو رُئي الهلال؛ لأن هلال الشهر ما كان في أوله (إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها) فَيُديَّن، ويُقبل حكمًا؛ لأن لفظه يحتمله، فلا يقع حتى تراه هلالًا، وإن نوى العِيان لم يقع حتى يُرَى (ويُقبل) منه دعوى إرادة ذلك (حُكمًا) لأن لفظه يحتمله (وهو هلال إلى الثالثة، ثم بعدها) أي: الثالثة (يُقمِر) أي: يصير قمرًا (فإن لم تره) أي: الهلال (حتى أقمر) وقد نوى حقيقة رؤيتها؛ لم تطلق (أو عَلَّقه) أي: الطلاق (على رؤية زيدٍ) الهلال، وقد نوى حقيقة رؤيته (فلم يره حتى أقمر؛ لم تطلق) لأنه ليس بهلال.
(و)
لو قال: (إذا رأيتِ فلانًا فأنت طالق، وأطلق)
فلم يقيد رؤيته بشيء، لا لفظًا ولا نيةً (فرأته ولو ميتًا، أو) رأته (في ماء، أو زجاج شفاف؛ طَلَقت) لأنها رأته حقيقة.
و (لا) تطلق (مع نيةٍ أو قرينةٍ) تخصص الرؤية بحالٍ، إذا رأته على خلافها.
(وإن رأته مُكرَهة) لم تطلق؛ لأن فِعلَ المُكرَه لاغٍ (أو رأت خياله في ماء، أو مرآة، أو رأت صورته على حائط، أو غيره، أو جالسته وهي عمياء؛ لم تطلق) لأنها لم تره، إلا أن تكون نيته ألا تجتمع به.
(1)
تقدم تخريجه (5/ 195) تعليق رقم (3).
(وتقدم في الصيام: إذا قال: "أنت طالق ليلة القدر") في آخر صوم التطوع
(1)
.
(ولو قال: إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر، وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق، وكانا) أي: العبد والمرأة (في السوق؛ عتق العبد) لوجود شرط عتقه (ولم تطلق المرأة) لعدم وجود شرط طلاقها (لأن العبد عتق باللفظ الأول، فلم يبق له في السوق عبد) ولو عكس فقال: إن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق، وإن كانت امرأتي في السوق فعبدي حُرٌّ؛ طَلَقت امرأته، ولم يعتق عبده، وإن كان الطلاق رجعيًّا فيما يظهر؛ لأنه لم يبقَ له به امرأة بعد اللفظ الأول.
(و) إن قال لزوجاته: (من بَشَّرتني) بقدوم أخي
(2)
فهي طالق (أو قال): من (أخبرتني بقدوم زيد، فهي طالق، فأخبره به) أي: بقدوم زيد (نساؤه) كلهن معًا (أو عددٌ) اثنتان أو ثلاث (منهن معًا؛ طَلَقن) لأن "من": تقعُ على الواحد فما زاد، قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ}
(3)
وقد حصل التبشير أو الإخبار من العدد معًا، فطَلَق؛ لوجود الصفة به. قال في "المبدع": ويتوجَّهُ: تحصلُ البِشارة بالمكاتبة، وإرسال رسول بها.
(وإن أخْبَرنَهُ متفرِّقاتٍ؛ طَلَقت الأولى فقط إن كانت صادقة) لأن البشارة خبر تتغير
(4)
به بَشرةُ الوجه من سرورٍ أو غَمٍّ، وإنما تحصُل بالأول، وهي عند الإطلاق للخير، قال تعالى: {فَبَشِّرْ
(1)
(5/ 352).
(2)
في "ح"، و"ذ":"زيد"، بدل:"أخي".
(3)
سورة الزلزلة، الآية:7.
(4)
في "ح" و"ذ": "يتغير".
عِبَادِ}
(1)
فإن أُريد الشر قُيِّدت، قال تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
(2)
.
(وإلا) أي: وإن لم تكن الأولى صادقة (فأوَّلُ صادقةٍ بعدَها) تطلق؛ لحصول الغرض ببشارتها (ولا تطلق منهن كاذبة) لأن المراد من التبشير والإخبار الإعلامُ، ولا يحصُل بالكذب.
(و) إن قال: (إن لبستِ فأنت طالق) ونوى معيَّنًا؛ دُيِّن، وقُبِل حكمًا.
(أو) قال: (إن لبستِ ثوبًا فأنت طالق، ونوى) ثوبًا (معيِّنًا؛ دُيِّن، وقُبِل حكمًا) لأن لفظه يحتمله.
(و) لو قال: (إن قرِبت -بكسر الراء- دار أبيك) أو دار فلان (فأنت طالق؛ لم يقع حتى تدخلَها) أي: الدار.
(و) إن قال: إن قرُبت (بضمِّها) أي: الراء (تطلق بوقوفها تحت فِنائها، ولصوقها بجدارها) لأن مقتضاهما ذلك، كما ذكرته في حاشية "المنتَهى".
(و)
إن قال: (أول من تقوم منكنَّ فهي طالق،
أو) قال: (أول من قام من عبيدي فهو حرٌّ، فقام الكلُّ دفعةً واحدةً؛ لم يقع طلاق ولا عتق) قاله في "الشرح"، و"المبدع"؛ لأنه لا أوَّل فيهم، ومقتضى ما تقدم
(3)
في العتق: يقع بواحدة، ويخرج بقرعة.
(وإن قام واحد) من العبيد (أو واحدة) من الزوجات (ولم يقم
(1)
سورة الزمر، الآية:17.
(2)
سورة التوبة، الآية:34.
(3)
(11/ 40).
بعدهما أحد؛ فوجهان) أطلقهما في "الشرح"، و"المبدع"، وقالا: فإن قلنا: لا يقع، لم يُحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه، حتى ييأس من قيام واحدة منهنَّ، فتنحلُّ يمينه، ومقتضى ما سبق
(1)
في العتق أنه يقع.
(وإن قام اثنتان، أو ثلاث دفعةً واحدة، ثم قامت أخرى؛ وقع الطلاق بمن قام أوَّلًا) لوجود الصفة فيهن، وكذا العتق.
(وإن قال: أول من تقوم منكنَّ وحدها) فهي طالق، وقام اثنتان أو ثلاث (لم يقع) الطلاق؛ لعدم وجود الصفة؛ لأنها لم تقم وحدها.
(و
إن قال: آخر من تدخل منكنَّ الدار، فهي طالق،
فدخل بعضهن؛ لم يحكم بطلاق واحدة منهن) لاحتمال دخول غيرها بعدها (حتى يُيأسَ من دخول غيرها؛ بموته أو موتهنَّ، أو غير ذلك) كتغير الدار بما يُزيل اسمها (فيتبيَّنُ وقوعُ الطلاق بآخرهنَّ
(2)
دخولًا من حينَ دخلت) الدار. وعلى قياس ما سبق: كل من دخلت امتُنعَ عليه وطؤها حتى تدخل غيرها؛ لاحتمال أن تكون هي الأخيرةَ؛ إن كان الطلاق بائنًا (وكذا الحكم في العتق) وتقدم
(3)
في كتاب العتق.
(وإن قال: إن دخل داري أحدٌ فامرأتي طالق، فدخلها هو) أي: الحالف؛ لم يحنث (أو قال لإنسان: إن دخل دارَك أحدٌ فعبدي حرٌّ، فدخلها صاحبها) المخاطب بهذا الكلام (لم يحنث) الحالف بذلك؛ عملًا بقرينة الحال.
(وإن حلف لا يفعل شيئًا، ففعله ناسيًا أو جاهلًا؛ حَنِثَ في طلاق
(1)
(11/ 39).
(2)
في الأصل: "آخرهن" وفي "ذ": "باآخرهن".
(3)
(11/ 37 - 38).
وعتاق) لوجود شرطهما وإن لم يقصده، كـ: أنت طالق إن قدم الحاج؛ ولأنهما يتعلق بهما حق آدمي، فتعلق
(1)
الحكم مع النسيان والجهل، كالإتلاف.
و (لا) يحنث (في يمين مكفَّرة) مع النسيان والجهل؛ لأن الكفارة تجب لدفع الإثم، ولا إثم عليهما (وعنه
(2)
: لا يحنث في الجميع، بل يمينه باقية. واختاره الشيخ
(3)
، وغيره) لقوله تعالى:{وَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}
(4)
؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوزَ لأمَّتي عن الخطأ والنسيانِ، وما استُكرِهوا عليه"
(5)
؛ ولأنه غيرُ قاصدٍ للمخالفة، أشبه النائم؛ ولأنه أحدُ طرفي اليمين، فاعتُبر فيه القصد، كحالة الابتداء. قال الشيخ تقي الدين
(6)
: ويدخل في هذا من فعله متأوِّلًا، إما تقليدًا لمن أفتاه، أو مقلدًا لعالم ميت، مصيبًا كان أو مخطئًا، ويدخل في هذا: إذا خالع وفعلَ المحلوف عليه، معتقدًا أن الفعل بعد الخلع لم يتناوله يمينه، أو فعلَ المحلوف
(7)
معتقدًا زوال النكاح، ولم يكن كذلك.
(وإن فعله) أي: المحلوف عليه (مكرهًا) لم يحنث؛ لعدم إضافة الفعل إليه، بخلاف الناسي (أو) فعله (مجنونًا، أو مغمىً عليه، أو
(1)
في "ذ": "فيتعلق".
(2)
مسائل عبد الله (3/ 1326) رقم 1838، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 153).
(3)
الاختيارات الفقهية ص / 389.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:5.
(5)
تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).
(6)
الاختيارات الفقهية ص / 390.
(7)
في "ح": "المحلوف عليه".
نائمًا؛ لم يحنث) لكونه مغطىً على عقله في هذه الأحوال.
(ومن يمتنع بيمينه) أي: الحالف (ويقصد) الحالف (منعه) من المحلوف عليه (كزوجته، وولده، وغلامه، وقرابته، إذا حلف عليه؛ كَهُوَ في الجهل والنسيان والإكراه) فمن حلف على زوجته أو نحوها لا تدخل دارًا فدخلتها مكرهة؛ لم يحنث مطلقًا، وإن دخلتها جاهلة أو ناسية فعلى التفصيل السابق، فلا يحنث في غير طلاق وعتاق، وفيهما الروايتان.
(و) حلفه على هؤلاء لا يفعلن شيئًا؛ كحلفه على نفسه في (كونه يمينًا) لحصول المقصود من اليمين به، وهو المنع من ذلك الشيء، فإن لم يقصد منعه؛ بأن قال: إن قدمتْ زوجتي بلدَ كذا فهي طالق، ولم يقصد منعها؛ فهو تعليق محض يقع بقدومها كيف كان، كمن لا يمتنع بيمينه.
(وإن حلف على من لا يمتنع) بيمينه (كالسلطان، والأجنبي، والحاج؛ استوى) في وجود المحلوف عليه (العمد، والسهو، والإكراه، وغيره، أي: يحنث الحالف في ذلك) لأنه تعليق محض، فحَنِثَ بوجود المعلق عليه.
(وإن حلف على غيره ليفعلنَّه) أي: ليفعلنَّ كذا (أو) حلف على غيره (لا يفعلنَّه، فخالفه؛ حَنِثَ الحالف) لوجود الصفة، وتوكيدُ الفعل المضارع المنفي بـ"لا" قليل، ومنه قوله تعالى:{لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ}
(1)
.
(1)
سورة النمل، الآية:18.
وقال الشيخ
(1)
: لا يحنث) الحالف بمخالفة المحلوف عليه (إن قصد إكرامه، لا إلزامه به) بالمحلوف
(2)
عليه؛ لأن الإكرام قد حصل (ويأتي في كتاب الأيمان.
وإن حلف ليفعلنَّه) أي: ليفعلنَّ شيئًا (فتركه مكرهًا؛ لم يحنث) لأن الترك لا يُنسب إليه (و) إن تركه (ناسيًا) يحنث في طلاق وعتق فقط، في وَجْهٍ. قال في "تصحيح الفروع": وهو قوي. والوجه الثاني: لا يحنث فيهما، قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب، وقطع به في "التنقيح"، وتبعه في "المنتهى".
(أو) تركه (جاهلًا؛ يحنث في طلاق وعتق فقط) لما تقدم فيما لو حلف لا يفعله.
(وإن عقدها) أي: اليمين (يظن صدقَ نفسه، فبان بخلافه) أي: خلاف ظنه (فكَمَنْ حلف على مستقبَل) لا يفعله (وفعله ناسيًا؛ يحنث في طلاق وعتاق فقط) لا في يمين بالله تعالى؛ لما تقدم.
ولو حلف لا شَاركتُ فلانًا، ففسخا الشركة، وبقيت بينهما ديون مشتركة أو أعيان؛ قال أبو العباس
(3)
: أفتيتُ أنَّ اليمين تنحل بانفساخ عقد الشركة.
(وإن حلف لا يدخل على فلانٍ بيتًا، أو) حلف (لا يكلِّمه) أي: فلانًا (أو) حلف (لا يسلِّم عليه، أو) حلف (لا يفارقه حتى يَقضيَهُ حقَّه، فدخل) الحالف (بيتًا هو) أي: فلان (فيه، ولم يعلم) أنه في البيت (أو
(1)
الاختيارات الفقهية ص / 387.
(2)
في "ح": "أي: بالمحلوف".
(3)
الاختيارات الفقهية ص / 388.
سلَّم) الحالف (على قوم هو) أي: فلان المحلوف عليه (فيهم) ولم يعلم به (أو) سلَّم (عليه يظنُّه أجنبيًّا، ولم يعلم) به (أو قضاه حقَّه ففارقه، فخرج رديئًا، أو أحاله بحقِّه، ففارقه ظنًّا أنه قد برئ
(1)
؛ حَنِثَ) الحالف بذلك؛ لأنه فعل ما حلف عليه قاصدًا لفعله، فحَنثَ كما لو تعمَّده (إلا في السلام) أي: إلا إذا سلَّم على قوم هو فيهم ولم يعلم به، أو سلَّم عليه يظنه أجنبيًّا (و) إلا في (الكلام) أي: إذا حلف لا يكلِّمه فسلَّم عليه يظنُّه أجنبيًّا، أو على قوم هو فيهم ولم يعلم؛ لم يحنث؛ لأنه لم يقصده بسلامه ولا كلامه، فهو بمنزلة المستثنى منهم.
(وإن علم) الحالف أنه لا يسلِّم على فلان، أو لا يكلمه (به) أي: بفلان، بأن علم أنه في القوم (في) حال (السلام) عليهم (ولم يَنْوِه) بالسلام، أو الكلام (ولم يستثنه بقلبه؛ حَنِثَ) لأنه سلَّم عليهم وهو منهم ولم يستثنه، فصار كما لو سلَّم عليه منفردًا.
(وإن خلف) دلَّال مثلًا (لا يبيع لزيدٍ ثوبًا، فوكَّل زيد من يدفعه) أي: يدفع ثوبه (إلى من يبيعه، فدفعه الوكيل إلى الحالف، فباعه من غير علمه) أنه لزيد (فكَنَاسٍ) يحنث في طلاق وعتق فقط.
(ولو حلف) المدين: (لا تأخذ حقَّك منِّي، فأكره) المدين (على دفعه إليه) أي: إلى رب الدين المحلوف عليه لا يأخذه، فأخذ
(2)
؛ حَنِثَ (أو أخذه) أي: أخذ رب الدين دينه (منه) أي: من المدين الحالف (قهرًا؛ حَنِثَ) لوجود الأخذ المحلوف عليه اختيارًا.
(وإن أُكره صاحب الحق على أخذه) فأخذه (فكما لو حلف لا
(1)
"برئ" كذا في الأصل ومتن الإقناع (3/ 532)، وفي "ذ":"بَرَّ".
(2)
في "ح" و"ذ": "فأخذه".
يفعل شيئًا ففعله مكرهًا) فلا يحنث مطلقًا؛ لأن الفعل لا ينسب إلى المكره.
(وإن حلف لا يفعل شيئًا) ولا نيَّةَ ولا سبب ولا قرينةَ، ففعل بعضه؛ لم يحنث (أو) حلف (على من يمتنع بيمينه، كزوجة، وقرابة) من نحو ولد، وكذا غلامه (وقصد منعه) من فعل شيء (ولا نيَّةَ ولا سببَ ولا قرينةَ) تخصِّصُ الكلَّ أو البعض (ففعل) المحلوف عليه (بعضه؛ لم يحنث) الحالف. نص عليه
(1)
-في من حلف على امرأته لا تدخل بيت أختها-: لم تطلق حتى تدخُلَ كلُّها، ألا ترى أن عوف بن مالك قال:"كلِّي أو بعضي"
(2)
. لأن الكل لا يكون بعضًا؛ والبعض لا يكون كلًّا؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه وهو معتكفٌ، إلى عائشة، فترجِّلُه وهي حائضٌ
(3)
. والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد، والحائض ممنوعة عن اللُّبثِ فيه.
(فلو كان في فمها) أي: الزوجة (رُطَبةٌ) أو تُفَّاحة، أو نحوها
(1)
انظر: مسائل صالح (3/ 247 - 249) رقم 1745.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (15/ 104)، وأحمد (6/ 22، 24 - 25)، وصالح في مسائله (3/ 248)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 4) حديث 1286، وبحشل في تاريخ واسط ص / 52، والبزار (7/ 176) حديث 2742، والطبراني في الكبير (18/ 42) حديث 72، وفي مسند الشاميين (2/ 69) حديث 934، وابن منده في الإيمان (2/ 914 - 916) حديث 999 - 1000، والحاكم (4/ 422 - 423، 551 - 552)، وأبو عمرو الداني في الفتن وغوائلها (4/ 835) حديث 427، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 383)، كلهم من طرق عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أدخل كلي، أو بعضي؟ قال: ادخل كلك
…
الحديث. قال ابن منده: هذا إسناد صحيح. وقال الحاكم في الموضع الأول: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
(3)
تقدم تخريجه (5/ 367) تعليق رقم (2).
(فقال: إن أكلتِها، أو ألقيتِها، أو أمسكتِها) بكسر التاء فيهن (فأنت طالق) ولا نية ولا قرينة ولا سبب (فأكلت بعضًا وألقت الباقي) أو
(1)
أمسكته (لم يحنث) لأنها لم تأكلها، ولم تلقها، ولم تمسكها.
(فإن نوى) بقوله: لا أفعل كذا، أو على زوجته ونحوها: لا تفعل كذا: فِعْلَ (الجميع، أو) فِعْلَ (البعض، فيمينه علي ما نوى) لأن النيَّة مخصّصةٌ، وكذا لو اقتضى سببُ اليمين أحدَ الأمرين.
(وإن دلت قرينةٌ تقتضي أحدَ الأمرين) الجميع أو البعض (تعلق) الحنث (به) أي: بما دلت القرينة عليه (كمن حلف: لا شربت هذا النهر، ولا أكلت الخبز) أو اللحم (أو لا شربت الماء، وما أشبهه) كـ: لا لبست الغزل، ونحوه (مما عُلِّقَ على اسم جنسٍ، و
(2)
على اسم جمعٍ، كالمسلمين، والمشركين، والفقراء، والمساكين؛ حَنِثَ بالبعض) لأن فِعلَ الجميع ممتنعٌ، فلا تنصرف اليمين إليه. وقولُه: اسم جمع؛ أي: اسمٌ هو جمعٌ، فالإضافة بيانيةٌ؛ بدليل الأمثلة، وكذا: اسم الجمع، كـ: أولي، وأولات.
(وإن حلف: لا شربت من ماء الفرات، فشرب من مائه؛ حَنِثَ) سواء (كرَع فيه) بأن شرب منه بفمه (أو أغترف منه) بيديه
(3)
، أو بإناء.
(كما لو حلف: لا شربت من هذا البئر) فكرع منه، أو اغترف؛ لأنه شرب منه، وكذا العين.
(و) كما لو حلف: (لا أكلت من هذه الشجرة) فلقط من تحتها،
(1)
في "ح": "إذ".
(2)
في "ح" و"ذ": "أو" بدلًا من: "و".
(3)
في "ذ": "بيده" على الإفراد.
فأكل؛ حِنثَ، كما لو أكل الثمرة وهي عليها، بخلاف أكل ورقها، أو أطراف أغصانها.
(و) كما لو حلف: (لا شربت من هذه الشاة) فحلب في شيء وشرب منه، فإنه يحنث؛ لأنه شرب منها.
(و) لو حلف: (لا شربت من ماء الفرات، فشرب من نهر يأخذ منه؛ حَنِثَ) لأنه شرب من مائه.
(و) إن حلف: (لا شربت من الفرات، فشرب من نهر يأخذ منه) أي: الفرات (فوجهان) أطلقهما في "الشرح" وغيره، أحدهما: الحنث، نظرًا إلى أن القصد بالفرات ماؤه، وهذا منه. و: عدمه؛ نظرًا إلى أن ما أخذه النهر يُضاف إليه، لا إلى الفرات، ويزول بإضافته إليه عن إضافته إلى الفرات.
(وإن حلف) على شيء (ليفعلنَّه؛ لم يَبَرَّ
(1)
حتى يفعلَه جميعَه) لأن ذلك حقيقة اللفظ؛ ولأن مطلوبه تحصيل الفعل، وهو كالأمر، ولو أمَرَ الله تعالى بشيء، لم يخرج من العُهدة إلا بفعل جميعه، فكذا هنا.
(و) لو حلف (لا يدخل دارًا، فأدخلها بعضَ جسده، أو دخل طاقَ البابِ) منها؛ لم يحنث؛ لأنه لم يدخلها.
(أو) حلف: (لا يلبس ثوبًا من غزلها، فلبس ثوبًا فيه منه) لم يحنث؛ لأنه لم يلبس ثوبًا من غزلها.
(و) لو حلف (لا يشرب ماء هذا الإناء، فشرب بعضه) لم يحنث؛ لأنه لم يشربه.
(أو) حلف: (لا يبيع عبده، ولا يهبه، فباع) بعضه (أو وهب
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 533): "لم يبرأ".
بعضه؛ لم يحنث) وكذا لو باع البعض ووهب البعض؛ لأنه لم يبعه ولم يهبه.
(وإن حلف) على امرأته أو غيرها: (لا ألبس من غزلها، ولم يَقُلْ: ثوبًا، فلبس ثوبًا فيه منه) أي: من غزلها؛ حَنِثَ؛ لأنه لبس من غزلها.
(أو) حلف: (لا آكل طعامًا اشتريتِهِ) بكسر التاء للمخاطبة (فأكل طعامًا شُورِكَت) بالبناء للمفعول (في شرائه) أي: اشترته مع غيرها (حَنِثَ) إلا أن ينوي ما انفردت بشرائه.
(و) إن حلف: (لا يلبس ثوبًا اشتراه زيدٌ، أو) حلف: لا يلبس ثوبًا (نسجه) زيدٌ (أو) حلف (لا يأكل طعامًا طبخه) زيدٌ مثلًا (أو) حلف (لا يدخل دارًا له) أي: لزيد (أو) حلف (لا يلبس مما
(1)
خاطه) زيدٌ (فلبس ثوبًا نسجه هو) أي: زيدٌ (وغيره، أو) لبس ثوبًا (اشترياه) أي: زيد وغيره (أو أكل من طعام طبخاه) أي: زيد وغيره (أو دخل دارًا له ولغيره، أو لبس مما خاطاه) أي: زيد وغيره
(2)
(حَنِثَ) لأن شركة غيره معه لا تمنع نسبته وإضافته إليه؛ لأنها تكون لأدنى ملابسة. ولا يخفى ما في كلامه من اللف والنشر (إلا أن تكون له نية) بأن نوى ما انفرد به؛ فلا يحنث بما شورك فيه.
(وإن) حلف: لا يأكل شيئًا مما اشتراه زيد، و (اشترى غيرُهُ شيئًا، فخلطه بما اشتراه) زيد (فأكل) الحالف (أكثر مما اشتراه شريكه) أي: شريك زيد (حَنِثَ) وجهًا واحدًا لأنه يعلم بالضرورة أنه أكل مما اشتراه
(1)
في "ذ": "ما".
(2)
من قوله: "أو أكل من طعام طبخاه" إلى قوله: "أو مما خاطاه أي زيد وغيره" ليس في نسخة "ذ" وهو ساقط من المطبوع أيضًا.
زيد، وهو شرط الحنث.
(وإن أكل) الحالف (مثله) أي: مثل ما اشتراه شريك زيد (أو) أكل (أقل منه؛ لم يحنث) لأن الأصل عدم الحنث، ولم يتيقنه، وحكمه حكم ما لو حلف لا يأكل تمرة، فوقعت في تمرٍ، على ما يأتي. ولو قَايَلَ زيد في مأكول كان باعه، فأكل الحالف منه؛ لم يحنث؛ لأن الإقالة فسخ -كما تقدم
(1)
- لا بيع على الأصح.
(ولو اشتراه) زيد (لغيره) بولاية أو وكالة، فأكل الحالف منه؛ حَنثَ؛ لأنه أكل مما اشتراه زيد (أو باعه) أي: باع زيد ما اشتراه (حَنِثَ) الحالف (بأكل) منه؛ لأن بيعه له لم يرفع شراءه إياه، فصدق أنه أكل مما اشتراه زيد.
(والشركة) وهي بيع البعض بقسطه من الثمن (والتولية) وهي بيع المبيع برأس ماله (والسَّلم، والصلح على مال: شراءٌ) يحنث بها من حلف لا يشتري، ويحنث بالأكل مما ملكه زيد بها؛ لأنها صور من البيع، وإن اختصت بأسماء، كما تقدم.
(وإن حلف بطلاقٍ ما غصب، فثبت) الغصب (بما يثبت به المال فقط) كرجل وامرأتين، أو رجل ويمين، أو بالنكول (لم تطلق) لأن الطلاق لا يثبت بذلك، والأصل بقاء العصمة.
ولو حلف: لا يستحق عليَّ فلان شيئًا، فقامت بينة بسبب الحق، من قرض أو نحوه، دون أن يقولا: وهو عليه؛ لم يحنث؛ لإمكان صدقه بدفع ذلك أو براءته منه، ولكن يحكم عليه بما شهدا به؛ لأن الأصل بقاؤه عليه.
(1)
(7/ 506).
باب التأويل في الحلف
(وهو) أي: التأويل: (أن يريد) الحالف (بلفظِه
(1)
ما يُخالِفُ ظاهرَهُ) وتأتي أمثلته (سواء في ذلك) الحَلف بـ (ـالطلاق، والعَتاق، واليمين المُكفَّرة) كالحَلف بالله تعالى، أو بالظهار، أو النذر.
(فإن كان الحالفُ ظالمًا، كالذي يستحلفه الحاكم على حَق عنده؛ لم ينفعه تأويله) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه، ومعناه في "الشرح" (وكانت يمينه منصرفةً إلى ظاهر الذي عنى المستحلِفُ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"يمينك على ما يُصدِّقك به صاحبُك") وفي لفظ: "اليمين على نيَّة المستحلِف" رواهما مسلم من حديث أبي هريرة
(2)
.
(وإن كان) الحالف (مظلومًا، كالذي يستحلِفُه ظالمٌ على شيء لو صدَقه) أي: أخبره به على وجه الصدق (لظلمه، أو ظلم غيره، أو نال مسلمًا) قلت: أو كافرًا محترمًا (منه ضررٌ، فهنا له تأويلُه) لحديث سويد بن حنظلة قال: "خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا وائل بن حُجر، فأخذهُ عَدُو له، فتحرج القومُ أن يحلفوا، فحلَفتُ أنهُ أخي، فخُلِّي سبيلُه، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك، فقال: كنتَ أبرَّهم وأصدقهم، المسلم أخُو المسلم" رواه أبو داود
(3)
.
(1)
في "ح": "بلفظ".
(2)
مسلم في الإيمان، حديث 1653 (20 - 21).
(3)
في الأيمان والنذور، باب 8، حديث 3256. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (4/ 140)، وابن ماجه في الكفارات، باب 14، حديث 2119، وأحمد (4/ 79)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5/ 130) حديث 1874، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 290)، والطبراني في الكبير (7/ 89) حديث 6464 - 6465، =
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن في المعاريضِ مَندُوحَةً عن الكذب" رواه الترمذي
(1)
.
= وابن عدي (1/ 415)، والحاكم (4/ 299 - 300)، والبيهقي (10/ 65)، والمزي في تهذيب الكمال (12/ 247).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
(1)
لم نقف عليه في سنن الترمذي ولا في غيرها من كتبه. وأخرجه -أيضًا- ابن السني في عمل اليوم والليلة ص / 284، حديث 327، من طريق سعيد بن أوس، عن شعبة، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما مرفوعًا، به.
وسعيد بن أوس قال فيه ابن حجر في التقريب (2285): صدوق له أوهام، ورمي بالقدر:
وأخرجه ابن الأعرابي في معجمه (2/ 513) حديث 963، وابن عدي (1/ 49، 3/ 963)، وأبو الشيخ في الأمثال ص / 271، حديث 230، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 119) حديث 1011، والبيهقي (10/ 199)، من طريق داود بن الزبرقان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران، مرفوعًا، به.
قال ابن عدي: لا أعلمه رواه عن سعيد بن أبي عروبة أحد فرفعه غير داود بن الزبرقان. وقال البيهقي: تفرد برفعه داود بن الزبرقان، وروي من وجه آخر ضعيف عن علي رضي رضي الله عنه، مرفوعًا. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 472) ورمز لضعفه.
قلنا: داود بن الزبرقان قال فيه الحافظ في التقريب (1795): متروك.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 297، 305، رقم 857، 885، وابن سعد (4/ 287)، وابن أبي شيبة (8/ 535)، وهناد في الزهد (2/ 636) رقم 1378، والطبري في تهذيب الآثار (2/ 638 مسند عمر) رقم 943 - 944، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 370)، والطبراني في الكبير (18/ 106) رقم 201، والبيهقي (10/ 199)، وفي شعب الإيمان (4/ 203) رقم 4794، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 252)، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، موقوفًا.
قال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 130): رجاله رجال الصحيح. =
قال محمد بن سيرين: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف
(1)
. خَصَّ الظريف بذلك يعني به الكَيِّس الفطن، فإنه يفطن التأويل، فلا حاجة إلى الكذب.
(وكذا إن لم يكن) الحالف (ظالمًا ولا مظلومًا، ولو) كان التأويل (بلا حاجة) إليه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقًّا
(2)
، ومُزاحه أن يوهِمَ السامع بكلامه غير ما عَنَاه؛ وهو التأويل، فقال صلى الله عليه وسلم لعجوز:"لا تدخل الجنة عجوز"،
(3)
يعني أن الله يُنشئُهنَّ أبكارًا عُرُبًا أترابًا.
= وأخرجه ابن عدي (1/ 49)، عن علي رضي الله عنه، مرفوعًا. وضعفه البيهقي كما تقدم، وقال الحافظ في الفتح (10/ 594): وأخرجه ابن عدي بسند واه.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد ص / 305، رقم 884، وابن أبي شيبة (8/ 535)، وهناد في الزهد (2/ 636) رقم 1377، والطبري في تهذيب الآثار (ص / 144 - 145 مسند علي) رقم 242 - 243، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 369)، والبيهقي (10/ 199)، وفي شعب الإيمان (4/ 203) رقم 4793، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 252)، عن علي، موقوفًا. وقال العجلوني في كشف الخفاء (1/ 270): وبالجملة فالحديث حسن كما قاله العراقي.
(1)
أخرجه ابن عدي (4/ 1347)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 232)، من طريق شبيب بن شيبة، عن ابن سيرين. وشبيب هذا ضعفه الدارقطني والنسائي وغيرهما.
انظر: تهذيب الكمال (12/ 362 - 368).
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 102، حديث 265، والترمذي في البر والصلة، باب 57، حديث 1990، وأحمد (2/ 340، 360)، والطبراني في الأوسط (8/ 305) حديث 8706، والبيهقي (10/ 248)، والبغوي في شرح السنة (13/ 179) حديث 3602، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن.
(3)
أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 493) حديث 185، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 142)، والبيهقي في البعث والنشور ص / 216 - 217، من طريق ليث بن أبي سليم، والثعلبي في تفسيره (9/ 209 - 210)، من طريق ابن أبي نجيح، =
(ويُقبل) منه (في الحكم) دعوى التأويل (مع قُرب الاحتمال، و) مع (توسُّطه) لعدم مخالفته للظاهر، و (لا) تُقبل دعوى التأويل (مع بُعده) لمخالفته للظاهر، ويأتي ذلك في جامع الأيمان بأوضحَ من هنا.
(فـ) ـمن
أمثلة التأويل:
أن (ينوي باللباس الليلَ، و) ينوي (بالفراش والبساط الأرض، و) ينوي (بالأوتاد الجبالَ، و) ينوي (بالسقف والبناء السماءَ، وبالأخوَّة أخوَّةَ الإسلام، و) ينوي بقوله: (ما ذكرت فلانًا، أي: ما قطعتُ ذكره، و) ينوي بقوله: (ما رأيته؛ ما ضربت رئته، و) ينوي (بـ: نسائي طوالق، أي: نساؤه الأقارب، كبناته، وعماته، وخالاته ونحوهن، و) ينوي (بـ: جواري أحرار؛ سُفُنَه، و) ينوي بقوله: (ما كاتبتُ فلانًا، ولا عرَّفته، ولا أعلمته، ولا سألتُه حاجة، ولا أكلت له دجاجةً ولا فَرُّوجةً، ولا في بيتي فَرْش ولا حصير، ولا باريَّة. ويعني) أي: يقصد (بالمُكاتَبة) في قوله: ما كاتبت فلانًا (مكاتبة الرقيق، و) ينوي (بالتعريف) أي: في قوله: ما عَرفتُ فلانًا، ما (جعله عريفًا، و) ينوي (بالإعلام) في قوله: ما أعلمتُه (جَعلَه
(1)
أعلم الشَّفَة) أي: مشقوقها، (و) ينوي بـ (ــالحاجة) في قوله: ما سألتُه حاجةً (شجرةً صغيرةً، و) ينوي
= عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا.
وأخرجه أبو الشيخ -أيضًا-، وابن الجوزي في الوفا -كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (3/ 407) -، عن أنس رضي الله عنه، مرفوعًا.
وأخرجه الترمذي في الشمائل ص / 121 - 122، حديث 241، وعبد بن حميد -كما في تفسير ابن كثير (4/ 291)، والبيهقي في البعث والنشور ص / 217، حديث 346، والثعلبي في تفسيره (9/ 210)، عن الحسن، مرسلًا.
قال الحافظ العراقي: أخرجه الترمذي في الشمائل هكذا مرسلًا. وأسنده ابن الجوزي في الوفا من حديث أنس بسند ضعيف.
(1)
في "ذ": "جعلته".
بـ (ـالدجاجة) في قوله: ولا أكلتُ له دجاجة -بتثليث الدال- (الكُبَّة من الغزل، و) ينوي بـ (ـالفروجة) في قوله: لا أكلت له فروجة (الدُّرَّاعة
(1)
، و) ينوي بـ (ــالفَرش) في قوله: ولا في بيتي فَرْش (صغار الإبل، و) ينوي بـ (ـالحصير) في قوله
(2)
: ما في بيته حصير (الحبسُ، و) ينوي بـ (ـالباريَّة) في قوله: ما في بيته بارية (السكين التي يبُرى بها) الأقلام (و: ما أكلتُ من هذا شيئًا ولا أخذت منه، ويعني) بالمشار إليه (الباقي بعد أكله وأخذه) فلا حِنْثَ في ذلك كله حيث لم يكن ظالمًا؛ لأن لفظه يحتمل ما نواه.
فصل
(ولا يجوز التحيُّل لإسقاط حكم اليمين) كما لا يجوز التحيل لإسقاط الزكاة ونحوه، مما تقدم بأدلته.
(ولا تسقُطُ) اليمين، أي: حكمها (به) أي: بالتحيُّل على إسقاطه (وقد نصَّ) الإمام (أحمد
(3)
على مسائلَ من ذلك، وقال: من احتال بحيلة، فهو حانِثٌ.
قال ابنُ حامد وغيرُه: جُملةُ مذهبِه) أي: الإمام أحمد (أنه لا يجوز
(1)
الدُّرَّاعة: جبة مشقوقة المقدم. معجم متن اللغة (2/ 402) مادة (درع). وذكر دوزي في المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب ص / 146: بأن الدراعة مفتوحة من الجهة الأمامية أعلى القلب ومزرورة بأزرار وعُرىً.
(2)
في "ذ": "في قوله له"، بزيادة:"له".
(3)
مسائل صالح (2/ 486) رقم 1210، وإبطال الحيل ص / 119 - 121، رقم 62 - 64، وطبقات الحنابلة (1/ 120، 2/ 151).
التحيُّل في اليمين، وأنه لا يخرج منها إلا بما وَرَدَ به سمع
(1)
؛ كنسيان) على ما تقدم تفصيله (و) كـ (ــإكراه، واستثناء.
فإذا أكلا) أي: أكل رجل وزوجته (تمرًا أو نحوه، مما له نوىً) كمشمش، وخوخ (فحَلَفَ) على زوجته:(لتُخبرنِّي بعدد ما أكلتُ) بضم التاء أو كسرها (أو لتميزن نوى ما أكلت، ولم تعلم) المرأة (ذلك، فإنها تفرِد كل نواةٍ وحدها) فيما إذا حلف: لتُميزن نوى ما أكل
(2)
، إذ يتحقق بذلك تميز نوى ما أكلت (وتعد له) أي: لمن حلف عليها لتخبرنه بعدد ما أكلت (عددًا يتحقق دخول ما أكل
(3)
فيه، مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما بين مائةٍ إلى ألفٍ، فتَعُدُّ ذلك) إلى
(4)
الألف (كله) فيدخل فيه ما أكل.
(وكذلك إن قال: إن لم تُخبِريني بعدد حَبِّ هذه الرُّمَّانة) فأنتِ طالق (ولم تعلم عدَدها) أي: عدد حَبِّها، فذكرت عددًا يدخل عَدَدُ حبها فيه (فإن كان ذلك نيته) بالحلف (لم يَحنَث) لأنها فعلت ما حلف عليه (وإن نوى الإخبار بكميته) أي: بعدده (من غير نقص ولا زيادة) حَنثَ؛ لأنها لم تفعل ما حلف عليه (أو أطلق) فلم ينو شيئًا مما سبق من الأمرين (حنثَ؛ لأنه حيلة) والحيل غير جائزة لحلِّ اليمين. (وكذلك المسائل الآتية في هذا الفصل وشِبهُها.
وقد ذكروا) أي: الأصحاب (من ذلك صورًا كثيرة، وجَوَّزه جماعة من الأصحاب، والذي يُقطع به أن ذلك ليس مذهبًا لأحمد) رحمه الله؛ لأن قواعد مذهبه وأصوله تأباه.
(1)
"أي: ورد شيء من القرآن وحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام". ش.
(2)
في "ح" و"ذ": "أكلت".
(3)
في "ذ": "أكلت".
(4)
في "ذ": "أي".
(فمن ذلك: إذا حلف ليقعُدَنَّ على بارية في بيته، و) حلف (لا يدخِلُه بارية، ولم يكن فيه باريّة؛ فإنه يدخِلُ) فيه (قصبًا ينسُجه فيه، أو ينسجُ قصَبًا كان فيه) ويجلس عليها في البيت ولا يحنَثُ؛ لأنه لم يُدخِله باريّة، وإنما أدخله قصبًا؛ جزم به في "المقنع" و"الشرح" وغيرهما، وجزم في "المنتهى" وغيره بأنه يحنث بذلك.
(وإن حلف ليطبُخن قِدرًا برِطلِ ملح، ويأكلُ منه، ولا يجد طعمَ الملح؛ فإنه يسلُقُ فيه بيضًا) لأن الصفة وُجِدت؛ لأن الملح لا يدخل في البيض.
(و) إن حلف (لا يأكل بيضًا، ولا تفاحًا، و) إن
(1)
حلف (ليأكلن مما في هذا الإناء، فوجده بيضًا وتفاحًا؛ فإنه يعمل من البيض ناطِفًا) وهو نوع من الحلوى (و) يعمل (من التفاح شَرابًا) ويأكل منه بغير حِنثٍ؛ لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح.
(وإن كان على سُلَّم) وفوقه امرأة وتحته أخرى (وحلف: لا صعدت إليكِ) أيتها العليا (ولا نزلتُ إلى هذه) السفلى (ولا أقمت مكاني ساعة؛ فلتنزل العليا، ولتصعد السفلى) وتنحل يمينه؛ لأنه لم يبقَ حِنْثه ممكنًا؛ لزوال الصورة المحلوفة
(2)
عليها.
(وإن حلف: لا أقمتُ عليه) أي: السُّلَّم (ولا نزلت عنه، ولا صَعِدت فيه؛ فإنه ينتقل إلى سُلَّم آخر) فتنحل يمينه؛ لأنه إنما نزل أو صَعِد من غيره.
(وإن حلف) وهو في ماء: (لا أقمتُ في هذا الماء، ولا خرجت
(1)
في "ح" و"ذ": "أو حلف".
(2)
في "ح" و"ذ": "المحلوف".
منه، فإن كان) الماء (جاريًا؛ لم يحنث) أقام أو خرج (إذا نوى ذلك الماء بعينه) كذا في "المقنع" وغيره؛ لأن الماء المحلوف عليه جرى، وصار في غيره، ضرورة كونه جاريًا، فلم تحصُل المخالفة في المحلوف عليه، وفي "المنتهى": لا يحنث إلا بقصد أو سبب. انتهى. فعلى كلام المصنف يحنث مع الإطلاق، وعلى كلام صاحب "المنتهى" لا يحنث.
(وإن كان) الماء المحلوف
(1)
لا أقام فيه ولا خرج منه (واقفًا؛ حَنثَ، ولو حُمِلَ) منه (مكرَهًا) لأنا إن ألغينا نسبة الخروج إليه منه؛ فهو مقيم فيه، فيحنث -أيضًا- وقال في "المقنع": إن كان واقفًا حُمِلَ منه مكرهًا.
فصل
(وإن استحلَفَه ظالمٌ: ما لفلانٍ عندكَ وديعةٌ؟ وكان له) أي: لفلان (عنده) أي: الحالف "وديعةٌ؛ فإنه يعني بـ"ما": الذي) أي: الموصولة، ويَبَرُّ في يمينه؛ لأنه صادق (أو ينوي) بحَلفه ما لفلان عندي وديعة (غير الوديعة) التي عنده (أو) ينوى مكانًا (غير مكانها، أو يستثني بقلبه) بأن يقول في نفسه: غير وديعة كذا (ولم يحنَث) لأنه صادق (فإن لم يتأوَّل) في يمينه (أثِمَ) لكذبه، وحَلفه عليه متعمدًا (وهو) أي: إثم حَلفه كاذبًا (دون إثم إقراره بها) لعدم تعدِّي ضررِهِ إلى غيره؛ بخلاف الإقرار، فإنه يتعدَّى ضررُهُ لربِّ الوديعة، فتفوت عليه به (ويُكفِّر) لحِنثه؛ إن كانت اليمين مكفَّرة. (فلو لم يحلف) وضاعت الوديعة بسبب ذلك (لم يضمن)
(1)
في "ذ": "المحلوف عليه".
الوديعة (عند أبي الخطاب) وتقدَّم
(1)
الكلام على ذلك في الوديعة مفصلًا.
(ولو سَرَقت منه امرأتهُ شيئًا، فحَلَفَ) عليها (بالطلاق: لتَصدُقني) أي: لتخبرِنِّي على وجه الصدق (أسرقتِ منِّي شيئًا أم لا؟ وخافت أن صَدقته، فإنها تقول: سرقتُ منك ما سرقت منك. وتعني بـ "ما" الذي) فتكون صادقة.
(وإن حَلَف عليها) أي: على امرأته: (لا سرقتِ منِّي شيئًا، فخانته في وديعة؛ لم يحنث؛ لأن الخيانة ليست سرقة) لعدم الحِرْز (إلا أن ينوي) ذلك؛ فيحنث بها؛ لأن اللفظ صالح لأن يُراد به ذلك (أو يكون له سبب) يدلُّ على ذلك، فيعمل به، ويحنث؛ لأن السبب يقوم مقام النية، لدلالته عليها.
(وإن قال لها: أنتِ طالق إن لم أجامعْكِ اليوم، وأنتِ طالق إن اغتسلتُ منك اليوم) مع قدرته على استعمال الماء، ولا تفوته صلاة مع الجماعة (فصلَّى العصر، ثم جامعها، واغتسل بعد أن غابت الشمس) وصُلِّي معه (لم يحنث) لأنه جامع في اليوم، ولم يغتسل فيه، ولم تفته الصلاة في الجماعة (إن لم يكن أراد بقوله:"اغتسلتُ منك" المجامعةَ) فيحنَث لفعل ما حلف لا يفعله
(2)
.
(و) إن قال: (أنتِ طالق إن لم أطأكِ في رمضان نهارًا، فسافر) أي: شرع في السفر، بأن فارق بيوت قريته العامرة مريدًا السفر (مسافة القصر، ثم وطئها؛ انحلَّت يمينه) ولا إثم عليه؛ لأنه مسافر.
(1)
(9/ 426 - 427).
(2)
في "ح": "لا يفعل".
(وقال) الإمام (أحمد
(1)
: لا يعجبني لأنه
(2)
حيلة) ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره. وقال في رواية بكر بن محمد
(3)
: إِذا حلف على فعل شيء، ثم احتال بحيلة فصار إليها، فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه.
وقال القاضي: الصحيح أنها تنحلُّ به اليمين، ويُباح به الفِطر؛ لأن إرادة حَلِّ اليمين من المقاصد الصحيحة
(4)
.
(وإن اشترى خِمارين؛ وله ثلاث نسوة) أو بنات ونحوهن (فحَلَفَ: لتتخمرنَّ
(5)
كلُّ واحدة عشرين يومًا من الشهر) بأحد الخمارين (اختمرت الكبرى والوسطى بهما عشرة أيام، ثم أخذت الصغرى من الكبرى) خمارها (إلى آخر الشهر) فقد اختمرت الصغرى عشرين يوما، وتستمر الوسطى مختمرة إلى تمام عشرين فتمت لها العشرون (ثم اختمرت الكبرى بخِمار الوسطى بعد العشرين إلى آخر الشهر) فكمل لها بهذه العشر مع العشر الأولى عشرون يومًا.
(وكذا ركوبهنَّ لبغلين
(6)
ثلاثة فراسخ) و (لا يحمل كل بغلٍ أكثر من امرأة، فقال) زوجهنَّ: (أنتن طوالق إن لم تركب كل امرأةٍ منكن فرسخين) فتركب الكبرى والوسطى البغلين فرسخا، ثم تركب الصغرى
(1)
مسائل عبد الله (2/ 1043) رقم 1427.
(2)
في "ذ": "لأنها".
(3)
مسائل بكر بن محمد كما في إبطال الحيل ص / 120، رقم 63، وطبقات الحنابلة (1/ 120، 2/ 151).
(4)
في "ح": "لأن إرادة حل اليمين من المقاصد الصحيحة صحيح".
(5)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 539): "لتختمرن".
(6)
في "ذ": "لبغلهن".
بغلَ الكبرى إلى تمام الثلاث، ثم ركبت الكبرى بغلَ الوسطى بعد الفرسخين إلى تمام الثالث.
(فإن حلف ليقسمن بينهن ثلاثين قارورة) وهي في الأصل: إناء من زجاج، والمراد هنا الأعم (عشر مملوءة، وعشر فُرُغ، وعشر منصَّفة، قَلَبَ كلَّ منصَّفةٍ في مثلها) من المنصفات، فتصير المملوءة خمسة عشر؛ والفُرُغ خمسة عشر (فلكلِّ واحدة) من الثلاث (خمس مملوءة وخمس فُرُغ) وانحلَّتْ يمينه.
(فإن كان له ثلاثون شاةً، عشرٌ نَتَجت كلُّ واحدة ثلاث سَخَلات، وعشرٌ نَتَجت كل واحدة سَخْلتين، وعشرٌ نَتَجت كلُّ واحدة سَخْلة، ثم حلف بالطلاق ليقسمنَّها) أي: الشياه مع سِخالها (بينهنَّ) أي: بين نسائه الثلاث (لكلِّ واحدة ثلاثون رأسًا من غير أن يُفَرِّق بين شيء من السِّخَال وأمهاتهنّ، فإنه يُعطي إحداهنَّ العَشْر التي نتَجت كلُّ واحدة سخلتين) فقد كمل لها الثلاثون (ويقسم بين الزوجتين ما بقي بالسوية لكل واحدة) منهما (خمس مما نتاجها واحدة وخمس مما نِتاجها) بكسر النون (ثلاث.
وإن حلف: لا شربتِ هذا الماء ولا أرقتهِ ولا تركتِهِ في الإناء) بكسر التاء للمخاطبة في الأفعال الثلاثة (ولا فعل ذلك غيرُكِ، فإن طرحتْ في الإناء ثوبًا، فشَرِبَ الماءَ، ثم جفَّفته؛ لم يحنث) وكذا لو شربتْ هي أو غيرُها بعضه وأراقت الباقي أو تركته، كما تقدم
(1)
في من حلف على ممسك مأكولًا لا أكله ولا أمسكه ولا ألقاه.
(وإن حلف لَيَقْسِمَنَّ هذا الزيت نصفين، ولا يستعير كيلًا ولا ميزانًا، وهو ثمانيةُ أرطال في ظَرْفٍ، ومعه) ظرف (آخرُ يَسَعُ خمسة)
(1)
(12/ 363 - 364).
أرطال (و) ظرف (آخر يَسَعُ ثلاثة) أرطال (أخذ بظرف الثلاثة مرتين فألقاه في ظرف الخمسة، وترك الخمسة) أي: صبها (في ظرف الثمانية، وما بقي في الظرف الثلاثي) وهو رِطَل (يضعه في الخماسي، ثم ملأ الثلاثي من الثماني، وألقاه في الخماسي، فيصير فيه أربعة) أرطال (و) بقي (في الثماني أربعة) أرطال، وحصلت القسمة بلا استعارة كيل ولا ميزان.
(ولو كان) الزيت (عشرةَ أرطال) وحلف ليقسمنَّه -كما تقدم- وكان (في ظَرْفٍ، ومعه ظَرْفٌ) آخر (يسع ثلاثة) أرطال (و) ظَرْف (آخر يسع سبعة) أرطال (أخذ بظرف الثلاثة منه) أي: من الزيت (ثلاث مرات وأفرغ في ظَرْف السبعة) فيمتلئ و (يبقى في ظَرْف الثلاثة من المرة الثالثة رِطلان، ثم ألقى ما في ظَرْف السبعة في ظرْف العشرة، ثم ألقى ما في الثلاثي -وهو رَطلان- في ظرْف السبعة، ثم أخذ من ظَرْف العشرة مِلْءَ الثلاثي فألقاه في) ظَرْف (السبعة) على الرطلين (يبقى فيه خمسة) وفي ظَرْف العشرة خمسة، وحصلت القسمة بلا استعارة كيل ولا ميزان، فبَرَّ في يمينه.
(فإن قال) لزوجته: (إن ولدتِ ذكرين، أو أُنثيين، أو حيين، أو ميتين، فأنت طالق، فولدت اثنين ولم تطلق) فما جوابها؟ (فـ) ـتقول: (قد ولدت ذكرًا وأنثى حيًّا وميتًا) لأنهما ليسا ذكرين، ولا أنثيين، ولا حيين، ولا ميتين.
(فإن حلف بالطلاق: إني أُحبُّ الفتنةَ، وأكره الحقَّ، وأشهدُ بما لم تره عيني، ولا أخاف من الله ولا من رسوله، وأنا عَدْلٌ مؤمن مع ذلك، فلم يقع عليه الطلاق، فهذا رجل يحب المال والولد) وهما فتنة، قال
تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}
(1)
، (ويكره الموت) وهو حق؛ قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}
(2)
(ويشهد بالبعث والحساب
(3)
) ولم يرهما، لكن قام القاطع عليهما، قال تعالى:{وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}
(4)
وقال: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
(5)
(ولا يخاف من الله ولا من رسوله الظلمَ والجَورَ) وهو الظلم في الحكم، قال تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
(6)
وقد قام الدليل القاطع على عصمة الأنبياء عليهم السلام.
(وإن حلف أن امرأته بعثت إليه فقالت: قد حَرُمْتُ عليك، وتزوَّجت بغيرك، وأُوجِبُ عليك أن تُنْفِذَ لي نفقتي ونفقة زوجي، وتكون) المرأة (على الحق في جميع ذلك) القول (فهذه امرأة زوَّجها أبوها) أو أخوها ونحوه (من مملوكه، ثم بعث المملوك في تجارة، ومات الأب) أو الأخ. ونحوه (فإن البنت ترثه) وكذا الأخت ونحوها بشرطه (وينفسخ نكاح العبد) لإرث زوجته له أو لبعضه (وتقضي العِدَّة وتتزوَّج برجل) هو ابن عمها مثلًا (فَتُنْفِذُ إليه: ابْعَثْ إليَّ من المال الذي لي) أو لزوجي (معك فهو مالي) أو مال زوجي، وهي صادقة.
(وإن حلف أن خمسة زَنَوا بامرأة، لزم الأول) منهم (القتل، و) لزم (الثاني الرجم، و) لزم (الثالث الجلد) مائة (و) لزم (الرابع نصف الجلد)
(1)
سورة التغابن، الآية:15.
(2)
سورة آل عمران، الآية:185.
(3)
في "ح" و"ذ" زيادة: "والنشور" بين: "البعث" و"الحساب".
(4)
سورة الحج، الآية:7.
(5)
سورة البقرة، الآية:202.
(6)
سورة فصلت، الآية:46.
خمسون (والخامس لم يلزمه شيء) مما ذكر (وبَرَّ في يمينه؛ فالأول ذمي) والمرأة مسلمة، فَيُقتل لنقضه العهد (والثاني محصَن) فَرُجِم (والثالث) حُرٌّ (بكر) فيجلد مائة، ويُغَرَّب عامًا، ويأتي في بابه (والرابع عبد) يُجلد خمسين (والخامس حربي) لا يلزمه شيء من ذلك؛ لأنه غير ملتزم لأحكامنا.
(فوائد)
جمع فائدة (في المَخارج) أي: التخلُّص (من مضايق الأيمان) إن قيل تنفع الحيل منها (و) في (ما يجوز استعماله حال عَقْدِ اليمين، و) في (ما يُتَخَلَّصُ به من المأثم) أي: إثم الكذب في كلامه (و) ما يُتَخَلَّص به من (الحِنْث) في حلِفه.
(إذا أراد تخويف امرأته بالطلاق إن خرجت من دارها فقال لها: أنتِ طالق ثلاثًا إن خرجت من الدار إلا بإذني. ونوى بقلبه) بـ"طالق"(طالق من وثَاق) -بفتح الواو وكسرها- أي: قَيد (أو) طالق (من العمل الفلاني، كالخياطة، والغزل، والتطريز، ونوى بقوله: "ثلاثًا" ثلاثة أيام؛ فله نِيَّتهُ) لأن لفظه يحتمله (فإن خرجت لم تطلق فيما بينه وبين الله تعالى، روايةً واحدة
(1)
) لأنه أدرى بنيَّته (ويقع في الحكم، كما تقدَّم؛ لأن هذا الاحتمال بعيد) فإرادته مخالفة للظاهر، فلا تُقبل دعواه.
(وكذلك الحكم إذا نوى بقوله: "طالق" الطالقَ من الإبل، وهي الناقة التي يُطْلِقُها الراعي وحدها أول الإبل إلى المرعَى، ويحبس لبنها، ولا يَحلُبُها إلا عند الورْدِ) أي: وردها الماء (أو نوى بالطالق الناقةَ يُحلُّ
(1)
المحرر في الفقه (2/ 53)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (23/ 26). وانظر: الاختيارات الفقهية ص / 368.
عِقالها، وكذا إن نوى) بقوله: أنت طالق (إن خرجت ذلك اليوم) ولم تخرج (أو) نوى: (إن خرجت وعليها ثياب خَزٍّ، أو إبريسمٍ، أو غير ذلك) ولم تخرج كذلك (أو) نوى: (إن خرجت عُريانة، أو): إن خرجت (راكبة بغلًا ونحوه) كفرس، ولم تخرج كذلك (أو) نوى:(إن خرجت ليلًا، أو): إن خرجت (نهارًا؛ فله نيّته) لأن لفظه يحتمل ذلك (ومتى خرجت على غير الصفة التي نواها؛ لم يحنث) فيما بينه وبين الله، لكن لا يُقبل منه ذلك حكمًا؛ لبُعده.
(وكذا الحكم إذا قال: أنت طالق إن لبستِ، ونوى ثوبًا دون ثوب؛ فله نيَّته) ويُقبل منه حُكمًا، إذ لا بُعْدَ في ذلك، وتقدم.
(وكذلك إن كانت يمينه بعَتَاق) على نحو ما تقدم.
(وكذا إن وضع يده على ضفيرة شَعْرِها، وقال: أنتِ طالقٌ. ونوى مخاطبةَ الضفيرة، أو وضع يده على شَعْرِ عبده، وقال: أنتَ حُرٌّ. ونوى مخاطبةَ الشعر) فله نيَّته.
(أو) وضع يده على الضفيرة، وقال:(إن خرجتِ من الدار، أو: إن سرقت مني شيئًا، أو): إن (خُنْتِني في مالي، أو: إن أفشيت سري، أو غير ذلك مما يُريدُ مَنْعَها منه) ككلام زيد، فأنتِ طالق -مخاطبًا للضفيرة- (فله نيَّته) لأن لفظه يحتمل ما نواه به.
(وإن أراد ظالم أن يُحَلِّفَه بالطلاق، أو العَتَاق، ألا يفعل ما يجوز له فعله) كركوب دابته، ودخول داره (أو) أراد أن يُحلِّفه أن (يفعل ما لا يجوز له فعله) كسرقة، ولواط، أو أخذ مال الغير بغير حق (أو) أراد أن يُحَلِّفه (أنه لم يفعل كذا، لشيء لم يلزمه الإقرار به) كبيع ونحوه (فحلف، ونوى شيئًا مما ذكرنا؛ لم يحنث).
قلت: وينبغي أن يقبل منه في الحكم إرادة ذلك؛ لقيام القرينة.
(وإن قال له) الظالم: (قُلْ: زوجتي) طالق (أو) قال له: قُلْ: (كلُّ زوجةٍ لي طالق إنْ فعلتُ كذا، أو: إن كنتُ فعلتُ كذا، أو: إنْ لم أفعل كذا، فقال) ما قال له قُلْهُ (ونوى) بقوله: زوجتي طالق (زوجته العمياء) أو الجَذْماء ونحوها (أو) نوى زوجته (اليهودية) أو النصرانية (أو) نوى بقوله: كلُّ زوجة لي طالقٌ (كلَّ زوجةٍ له عمياء، أو برصاء، أو يهودية، أو نصرانية، أو عوراء، أو خرساء، أو حبشية، أو رومية، أو مكيَّة، ونحوه) كهندية، أو صينية (أو نوى) بقوله:(كلُّ امرأة) لي طالق (تزوجها بالصين، أو بالبصرة، أو بغيرها من المواضع) كبغداد، وحلب (ولم تكن له زوجة على الصفة التي نواها، وكان له زوجات على غيرها من الصفات) أو لم يكن تزوَّج بتلك المواضع (لم يحنث) لعدم وجود الصفة.
(وكذا حكم العَتَاقِ) إذا قال له: قُل: عبدي، أو: أَمَتي، أو: كلُّ عبدٍ لي، أو: كلُّ أمَة لي حرة؛ إن كنت فعلتُ كذا، أو إن فعلتُهُ، أو إن لم أكن فعلتُهُ، ونوى العبدَ الرومي، أو الزِنجي، أو الأمَةَ الهندية، أو السِّندية، وكان له عبد أو أَمَة بغير تلك الصفة؛ فلا عتق.
(وكذلك إن قال: إنْ كنتُ فعلتُ كذا) فزوجتي طالق، أو عبدي حُرٌّ، أو أَمَتي حُرَّة (ونوى: إنْ كنتُ فعلته بالصين ونحوه) كاليمن والهند وغيره (من الأماكن التي لم يفعله فيها؛ لم يحنث) لأنه صادق.
(فإنْ أحلفه مع الطلاق بصدقة جميع ما يملكه) بأن قال له: قُلْ: زوجتي طالق ومالي، أو: وكلُّ مالي صدقة إن لم أفعل كذا ونحوه (فحَلَفَ ونوى) بالطلاق شيئًا مما تقدم ونوى بالمال (جِنسًا من الأموال،
ليس في ملكه منه شيء؛ لم يحنث) لما تقدم (كأن قال: جميعُ ما أملكه. ونوى من الياقوت الأحمر، أو الزبرجد الأخضر، أو المِسك، أو العنبر، أو الكبريت الأصفر، أو نوعًا من أنواع البَهَار) كالقَرَنْفُل والدَّارَصِينيّ (أو) نوى (ما يملكه من السيوف والقِسيّ، والحطب وغير ذلك -أيَّ ذلك نوى- ولم يكن في ملكه منه شيء؛ لم يحنث) لما سبق (ولم يلزمه التصدُّق بشيء مما يملكه غيره.
وكذلك إن أحلفه عن رجل) أنه لا يعلم أين هو (أو) أحلفه عن (شيء غيره) أي: غير الرجل من الحيوان أو غيره (أنه لا يعلم أين هو، وهو يعلم أنه في دار بعينها، فحَلَفَ) أنه لا يعلم أين هو (ونوى أنه لا يعلم أين هو من الدار: في أرضها، أو في عُلْوها، أو في بعض مجالسها، أو خزائنها، أو غُرَفها، أو سطحها، وهو لا يعلم ذلك؛ لم يحنث) لأن قوله مطابق للواقع.
(وكذلك إن كان معه في الدار، فَكُبسَتْ عليه، فحلف قبل فتح الباب أن ما فلانًا هاهنا. وأشار إلى راحة كَفِّه، أو) أشار (إلى ما تحت يده؛ لم يحنث) لأنه صادق.
(فإن أحلفه) الظالم (أن يأتيه به) أي: فلان
(1)
(متى رآه، فحلف) لَيأتينَّه به متى رآه (ونوى متى رآه في داخل الكعبة، أو في الصين، أو) في (غير ذلك من المواضع التي تتعذَّر رؤيته فيها؛ فلا يحنث إذا رآه في غيرها ولم يُحْضِره) إليه؛ لأنه لم يره على الصفة التي عَيَّنها.
(وإن أحلفه) الظالم (بالمشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكَّة) بأن قال له: قُلْ: إن لم أفعل كذا، أو: إنْ كنت فعلته، أو: إن لم أفعله فعليَّ
(1)
في "ح" و"ذ": "بفلان".
المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة (فقال ذلك ونوى بقوله: "بيت الله" مسجدَ الجامع، وبقوله: "الحرام الذي بمكة" المُحْرِم الذي بمكة بحجة أو عُمرة، ثم وصله سرًّا بقوله: يلزمه إتمام حجَّة وعُمرة؛ فله نيَّته) لأن لفظه محتمل، إذ المساجد بيوت الله، والحرام يطلق على المُحْرِم، وعلى الحرم (ولا يلزمه شيء) لأن تلك ليست يمينًا تدخلها الكفارة.
(فإن ابتدأ إحلافه بالله تعالى، فقال له: قُلْ والله، فالحيلة أن يقول: هو الله الذي لا إله إلا هو، ويُدْغِم الهاءَ في الواو) أي: يخفيها ما أمكن (حتى لا يفهم مُحلِّفُه ذلك.
فإن قال له المُحَلِّف: أنا أُحَلِّفُك بما أريد) إحلافك به (وقُلْ أنت: نعم. كلما ذكرتُ أنا فصلًا ووقفتُ، فقُل أنتَ: نعم. وكتب له نُسخة اليمين بالطلاق، والعَتَاق، والمشي إلى بيت الله الحرام، وصدَقةِ جميعِ ما يملكه، فالحيلة أن ينوي بقوله: "نعم" بهيمةَ الأنعام) لا حرف الجواب (ولا يحنَثُ) بذلك؛ لأنه لا حَلِف منه إذًا.
(فإن قال) الظالم
(1)
: (اليمين التي أُحَلِّفُك بها لازمةٌ لكَ. قل: نعم، أو قال) الظالم (له) أي: لمن استحلفه: (قل: اليمين التي تُحلِّفُني بها لازمة لي، فقال، ونوي باليمين يَدَه، فله نيَّته.
وكذا إن قال له) الظالم: قل: (أيمان البيعة لازمةٌ لكَ) فقال ذلك (أو قال له: قُلْ: أيمان البيعةِ لازمةٌ لي، فقال) ذلك (ونوى بالأيمان الأيديَ التي تُبسط عند أخذ البيعة، ويُصفِّق بعضُها على بعض؛ فله نيَّته) لأن لفظه يصلح لذلك، ويأتي في كتاب الأيمان بيان أيمان البيعة.
(وكذلك إن قال) الظالم لمن يستحلفه: قل: (اليمينُ يميني والنيَّةُ
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 545): "له الظالم".
نيَّتكَ. فقال) ذلك (ونوى بيمينه يده، وبالنية البَضْعة) أي: القطعة قَدْر ما تمضغ (من اللحم، فله نيَّته) لأن لفظه صالح لذلك.
(فإن قال له: قُلْ: إن فعلتُ كذا، فامرأتي عليَّ كظهر أمي. فالحيلة) في عدم لزوم اليمين له (أن ينوي بالظهر ما يُرْكَب من الخيل والبغال وغيرها) كالحمير (فإذا نوى) بظهر أمه (ذلك لم يلزمه شيء؛ ذكره القاضي في كتاب "إبطال الحِيل". وقال: هذا من الحِيل المباحة) لأنه توصَّل به إلى مباح.
(قال) القاضي: (فإن قال له: قُلْ): إن لم أفعل كذا، أو: إن فعلته، أو: إن كنتُ فعلته -مثلًا- (فأنا مظاهِر من زوجتي. فالحيلة أن ينويَ بقوله: مظاهر: مُفاعل، من ظهر الإنسان، كأنه يقول: ظاهرتُها، فنظرتُ أينا أشدُّ ظهرًا. قال: والمظاهر -أيضًا- الذي قد لَبِس حريرةً بين دِرعين، وثوبًا بين ثوبين، فأيَّ ذلك نوى فله نيَّته) لصلاحية اللفظ له.
(فإن قال) لمن يستحلفه: (قُلْ): إن فعلت كذا، أو: إن لم أفعله، أو: إن كنت فعلته (وإلا فقَعيدة بيتي التي يجوز عليها أمري طالق، أو هي حرام. فقال، ونوى بالقَعيدة: الغِرارَةَ) فله نيَّته (وقال في "المستوعب": نسيجة) أي: منسوجة (تنسج كهيئة العَيبة
(1)
، فله نيَّته) لأن اللفظ صالح لذلك.
(فإن قال) لمن يستحلفه: (قل): إن فعلت كذا ونحوه (وإلا؛ فمالي على المساكين صدقة، فالحيلة أن ينويَ ما لِيَ
(2)
على المساكين من دَين) أو نحوه فيجعل "ما" اسمًا موصولًا بالجار والمجرور (ولا دَين)
(1)
العيبة: ما يُجعل فيه الثياب. القاموس المحيط ص / 152، مادة (عيب).
(2)
في "ح" و"ذ": "بقوله ما لي".
له (عليهم؛ فلا يلزمه شيء) لعدم وجود الصفة.
(فإن قال) له في استحلافه: (قل): إن فعلتُ كذا -مثلًا- (وإلا، فكلُّ مملوك لي حُرٌّ. فالحيلة أن ينويَ بالمملوك الدقيقَ المَلتوتَ بالزيتِ والسمن.
فإن قال) له حين استحلفه: (قُلْ): إن فعلت كذا -مثلًا- (وإلا؛ فكلُّ عبدٍ لي حُرٌّ، فالحيلة) لدفع الحنث (أن ينوي بالحر غيرَ ضِدِّ العبد، وذلك) أي: الحر الذي هو غير ضِدِّ العبد (أشياء، فالحرُّ اسم للحَيَّة الذكر، والحرُّ الفعل الجميل، والحر من الرمل الذي ما وُطِئ. فإن قال) له مريدًا
(1)
استحلافه (قل): إن فعلت كذا (وإلا؛ فكلُّ جاريةٍ لي حرة، فالجارية السفينة الجارية، والجارية الأذن، والجارية الريح، والجارية العادة التي جرت، فأيَّ ذلك نوى فله نيَّتُه) لأن اللفظ صالح له (والحُرَّة: السحابة الكثيرة المَطَرِ، و) الحرة (الكريمةُ من النُّوق) فأيهما نوى فله نيّته.
(فإن قال) مستحلفًا له: (قُلْ): إنْ لم أفعل كذا (وإلا؛ فعبيدي أحرار، فقال) ذلك (ونوى بالأحرار البقْلَ؛ فله نيّتُهُ؛ فإن الناعم من البقل يُسمَّى أحرارًا، وما خَشُن يُسمى ذكورًا.
فإن قال له: قُلْ) إن فعلت كذا (وإلا؛ فجوارِيَّ حرائر، فقال) ذلك (ونوى) بالجواري السفن الجارية، أو نوى (بالحرائر الأيام، فله نيّته؛ فإن الأيام تُسَمَّى حرائر.
فإن قال) له في استحلافه: (قُلْ): إن فعلت كذا فـ (ـكل شيء في ملكي صدقة) فقال (ونوى بالملك محجة الطريق؛ فله نيّته.
(1)
في "ذ": "مريد".
وإن قال) له ظالم: (قُلْ: جميعُ ما أملِكُه من عَقار ودار وضَيعة، فهو وقف على المساكين. فقال، ونوى بالوقف السِّوار من العاج؛ فله نيِّته.
فإن قال) لمن استحلفه: (قُلْ): إن لم أفعل
(1)
كذا (وإلا؛ فعلي الحج، فقال) ذلك (ونوى بالحج أخذ الطيب ما حول الشَّجّة من الشعر، فله نيِّته) لأنه يُسمَّى حجًّا.
(فإن قال) له إذا استحلفه: (قُلْ): إن فعلتُ كذا (وإلا؛ فأنا مُحْرِم بحَجّة أو
(2)
عُمْرة، فإن نوى بالحَجّة القُصّة من الشعر الذي حول الشَّجَّة، ونوى بالعمرة أن يبني) أي: يدخل (الرجل بامرأة في بيت أهلها؛ فله نيّته؛ لأن ذلك) الرجل (يُسمَّى معتمرًا.
فإن قال) له مستحلفًا: (قُلْ): إن لم أفعل كذا (وإلا؛ فعليَّ حِجَّة
(3)
-بكسر الحاء- ونوى شَحْمة الأذن؛ فله نيّته.
فإن قال) لمن يستحلفه: (قُلْ): إن لم أكن فعلت كذا -مثلًا- (وإلا؛ فلا قَبِلَ اللهُ منه صومًا ولا صلاة. ونوى بالصوم ذَرْقَ النعام، أو النوع من الشجر، ونوى بالصلاة بيتًا لأهل الكتاب يصلون فيه؛ فله نيَّته.
وكذا إن قال) في استحلافه له: (قل: وإلا) إن كنت فعلت كذا (فما صَلَّيتُ؛ لليهود والنصارى) فقال ذلك (ونوى بقوله: "صَلَّيت" أي: أخذتُ بصَلا الفرس، وهو ما اتَّصل بخاصرته إلى فخذيه) وتقدم
(4)
في كتاب الصلاة، أن الصلوين: عرقان أو عظمان في جانبي الذنب، ينحنيان
(1)
في "ذ": "إن فعلت".
(2)
في "ح" و"ذ": "بحجة وعمرة".
(3)
في "ذ": "الحج".
(4)
(2/ 5).
في الركوع والسجود، ومنه اشتقت الصلاة (أو نوى بـ"صليت"، أي: شويت شيئًا في النار، أو ينوي بـ"ما" النافيةَ.
وكذا إن قال: قُلْ: وإلا؛ فأنا كافر بكذا وكذا، فقال، ونوى بالكافر المستتر المتغطي، أو الساتر المغطي) ومنه قيل للزارع: كافر (فله نيّته) لأن لفظه يحتمله.
فصل في الأيمان التي يستحلف بها النساء أزواجهن
(إذا استحلفته) زوجته (ألا يتزوَّج عليها، فحلف) لها على ذلك (ونوى شيئًا مما ذكرنا) بأن نوى ألا يتزوَّج عليها يهودية، أو نصرانية، أو عمياء، أو حبشية ونحوها، أو ألا يتزوَّج عليها بالصين، أو نحوه من المواضع التي يريد التزوج
(1)
بها (فله نيّته) لأن لفظه يحتمله.
(فإن قالت له) زوجته: (قُلْ: كل امرأة أطؤها غيرك فطالق، وكل جارية أطؤها غيرك حرَّةٌ، فقال ذلك، ولم يكن له زوجةٌ غيرها، ولم تكن في ملكه جارية، ثم تزوَّج) عليها (أو اشترى جارية، ووطئها) أي: التي تزوجها أو اشتراها (لم تطلق) التي تزوَّجها (ولم تعتق) التي اشتراها؛ لأنها لم تكن حال التعليق زوجة، ولا أَمَة له.
(وإن كان له وقتَ اليمين زوجاتٌ أو جَوارٍ، فقال ذلك) أي: كلُّ امرأة أطؤها غيرك طالقٌ، وكلُّ جارية أطؤها غيرَك حرَّةٌ: (من غير نيَّة تأويلٍ؛ فأيَّ زوجة وطئَ منهنّ غيرَها طلَقت، وأيَّ جاريةٍ وطئها منهنَّ
(1)
كذا في الأصل و"ذ" وفي المخطوطة المصرية: "عدم التزوج" وهو الصواب، وعلق في هامش "ذ":"لعله: عدم التزوج".
عَتَقَت) لوجود الصفة.
(فإن نوى بقوله: كلُّ جاريةٍ أطؤها) برجلي (أو) نوى (كلُّ امرأةٍ أطؤها غيرَك برجلي؛ فله نيَّته) لأن لفظه يصلح لذلك (ولا يحنث بجماع غيرِها، زوجة كانت) التي وطئها غيرَها (أو سُرِّيَّة) أي: جارية.
(فإن أرادت امرأته) التي استحلفته (الإشهادَ عليه بهذه اليمين التي يحلف بها في جواريَه، وخاف أن يُرفع إلى الحاكم، فلا يصدقه فيما نواه، فالحيلة أن يبيع جواريَه ممن يثق به، ويُشهِد على بيعهنَّ شهودًا عدولًا، من حيثُ لا تعلمُ الزوجةُ، ثم بعد ذلك يحلف بعتق كلِّ جاريةٍ يطؤها منهنَّ، فيحلفُ وليس في ملكه شيء منهن، ويُشهِد على) نفسه (وقتَ اليمين شهود البيع، ليشهدوا له بالحالين جميعًا) وينفعه ذلك (وإن أشهد غيرهم) أي: غير شهود البيع (وأرَّخَ الوقتين) وقت البيع، ووقت اليمين (وبينهما من الفصل ما يتميز) به (كلُّ وقت منهما عن الآخر؛ كفاه ذلك) لحصول الغرض به (ثم بعد اليمين يُقابلُ مشتريَ الجواري، أو يشتريهنَّ منه، ويطؤهنَّ، ولا يحنث) بذلك؛ لأنهنَّ لم يكنَّ في ملكه حال الحَلِف (فإن رافعته) بعد ذلك (إلى الحاكم، وأقامت البيَّنةَ باليمين، وبوطئهن؛ أقام هو البيّنةَ أنه لم يكن
(1)
في ملكه شيء منهنَّ) فيُعرِّفها الحاكم أنه لا حنث عليه (ذكر ذلك صاحب "المستوعب" وغيره، وهو صحيح كلُّه متفقٌ عليه؛ إذا كان الحالف مظلومًا) وكذا ينفعه تأويله إن كان لا ظالمًا ولا مظلومًا في ظاهر كلام أحمد
(2)
وتقدَّم أوّل الباب
(3)
.
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 550): "لم يكن وقت اليمين".
(2)
مسائل أبي داود ص / 73، ومسائل مهنا كما في المغني (13/ 498).
(3)
(12/ 370).
باب الشك في الطلاق
(وهو) أي: الشك لغة: ضدُّ اليقين. واصطلاحًا: تردُّدٌ على السواء، والمراد (هنا: مُطْلَق التردُّد) سواءٌ كان على السواء، أو ترجح أحد الطرفين.
(إذا شك هل طَلَّق) زوجته (أم لا) لم تطلق (أو شك في وجود شرطه) الذي علَّق عليه (ولو كان الشرط) الذي علَّق عليه الطلاق (عدميًّا نحو): أنت طالق (لقد فعلتُ كذا، أو): أنت طالق (إن لم أفعلْهُ اليومَ، فمضى) اليوم (وشكَّ في فعله؛ لم تطلق) لأن النكاح ثابت بيقينٍ، فلا يزول بالشك. ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: "
…
فلا ينصرفْ حتى يسمعَ صوتًا، أو يجدَ ريحًا"
(1)
. فأمرَهُ بالبناء على اليقين، واطَّراحٍ الشك.
(وله) أي: الزوج الشاكّ في الطلاق (الوطْءُ) لأن الأصل الحلُّ، ومنع منه الخِرَقيُّ؛ لأنه شاكٌّ في حلِّها، كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية (لكن قال) الشيخ (الموفَّق ومن تابعه: الورعُ التزامُ الطلاق) لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمنِ اتّقى الشبهاتِ فقد استبرأ لدينهِ وعرضهِ"
(2)
.
(فإن كان) الطلاق (المشكوك فيه رجعيًّا؛ راجعها) مادامت في العِدة (إن كانت مدخولًا بها، وإلا) يكن الطلاق رجعيًّا (جدَّدَ نكاحها) بأن يعقِدَه بوليٍّ، وشاهدي عدلٍ، وصداقٍ "إن كانت غيرَ مدخول بها، أو) كانت مدخولًا بها و (قد انقضت عدَّتُها.
(1)
تقدم تخريجه (1/ 283) تعليق رقم (5).
(2)
تقدم تخريجه (8/ 477) تعليق رقم (1).
وإن شَكَّ في) وقوع (طلاقٍ ثلاثٍ؛ طَلَّقها واحدةً، وتركها حتى تنقضي عدَّتُها، فيجوز لغيره نكاحُها؛ لأنه إذا لم يطلِّقها؛ فيقينُ نكاحه باقٍ) لأنه لم يوجد ما يعارضه (فلا تحلُّ لغيره) كسائر المزوجات (انتهى). ومعناه في "المحرر"، و"المنتهى".
(فلو حلف: لا يأكلُ تمرةً، فوقعَتْ في تمرٍ) أو زبيبةً، فوقعت في زبيب ونحوها (فأكل منه واحدةً فأكثر، إلى ألا يبقى منه) أي: التمر (إلا واحدةٌ، ولم يَدْرِ: أَكَلَ المحلوفَ عليها أم لا؟ لم تطلق، ولا يتحقَّقُ حِنثه حتى يأكلَ التمرَ كلَّه) لأنه إذا بقيت منه واحدة احتمل أنها المحلوف عليها، ويقينُ النكاح ثابتٌ، فلا يزول بالشك.
(وإن حلف ليأكلنَّها) أي: التمرة، فاختلطت بتمر، واشتبهت (لم يتحقَّق بِرُّه حتى يعلم أنه أكلَها) بأن يأكل التمر كلَّه؛ لما سبق.
(و
إذا شك في عدد الطلاق)
بأن علم أنه طلَّق، ولم يَدْرِ عدَدَه (بني على اليقين. فإن لم يَدْرِ أواحدةٌ طلق أم ثلاثًا) فواحدةٌ، (أو قال: أنتِ طالق بعدد ما طلَّق فلانٌ، وجهل عدده) أي: عدد ما طلق فلان (فواحدةٌ) لأنها المتيقَّنةُ، وما زاد عليها مشكوك فيه (وله مراجعتها) مادامت في العدة، إن كان دخل بها (ويحل له وطؤها) لما تقدَّم.
(وإن قال لامرأتيه: إحداكما طالق، ينوي واحدةً) من امرأتيه (بعينها؛ طَلَقت وحدها) لأنه عَيَّنها بنيَّةٍ
(1)
، أشبه ما لو عيَّنها بلفظه. فإن قال: أردت فلانة؛ قُبِلَ؛ لأن ما قاله محتمل، ولا يُعرف إلا من جهته (فإن لم ينو) معينة (أُخرجت) المطلَّقة (بالقُرعة) روي عن علي
(2)
وابن
(1)
في "ح" و"ذ": "بنيته" وهي أظهر.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 46).
عباس
(1)
، ولا مخالف لهما في الصحابة؛ قاله في "المبدع"؛ ولأنه إزالة مِلك بُنيَ على التغليبِ والسِّراية، فيدخلُه
(2)
القرعةُ، كالعتق، وقد ثبت الأصل بقرعته صلى الله عليه وسلم بين العبيد السنة
(3)
؛ ولأن الحق لواحد غير معيَّن، فوجب تعيينه بقُرعة، كإعتاق عبيده
(4)
في مرضه، وكالسفر بإحدى نسائه، وكالمنسيَّة.
و (لا) يملك إخراجها (بتعيينه) بغير القُرعة؛ خلافًا لما ذهب إليه أكثر العلماء
(5)
؛ لما تقدم.
(ويجوز له وطء الباقي) من نسائه (بعد القُرعة) لبقاء نكاحهنَّ، و (لا) يجوز له وطء إحداهنَّ (قَبْلَها) أي: قبل القُرعة؛ لاحتمال أن تكون هي التي تقع عليها القُرعة (إن كان الطلاق بائنًا) فإن كان رجعيًّا؛ جاز، وإن وطئ الكلَّ؛ حصلت الرجعة.
(وتجب النفقة) للكلِّ (حتى يُقرع) لأنهن محبوسات لأجله، وكلُّ واحدة من حيث هي؛ الأصل بقاء نكاحها، فلا تسقط نفقتها بالشك.
(1)
لم نقف على من رواه عنه بهذا المعنى. وأورده ابن قدامة -أيضًا- في المغني (10/ 519). وأخرج البيهقي (7/ 364)، عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل له أربع نسوة، فطلق إحداهن، ولم يدر أيتهن طلق، فقال: ينالهن من الطلاق ما ينالهن من الميراث، وفُسّر بأن الميراث يكون بينهن جميعًا -يعني موقوفًا- حتى تعرف بعينها، كذلك إذا طلقها ولم يعلم أيتهن هي، فإنه يعتزلهن جميعًا إذا كان الطلاق ثلاثًا.
(2)
في "ذ": "فتدخله". وفي "ح": "فيَدخل".
(3)
تقدم تخريجه (11/ 47) تعليق رقم (1 - 2) و (11/ 48) تعليق رقم (1).
(4)
في "ح": "أحد عبيده" وهو الأظهر.
(5)
انظر حاشية ابن عابدين (3/ 291) ومواهب الجليل (4/ 87)، وحاشية الدسوقي (2/ 402)، وتحفة المحتاج (8/ 72)، ونهاية المحتاج (6/ 475).
(وإن مات) بعد قوله لزوجتيه: إحداكما طالق (ولو) كان موته (بعد موت إحداهما) أي: إحدى امرأتيه (قبل البيان) أي: بيان المطلقة، بأن لم يبيِّن أنه نوى إحداهما بعينها، ولم يكن أقرع بينهما (أقرع الورثة) بينهما، فمن قرعت لم ترث.
(وإن ماتت المرأتان، أو) ماتت (إحداهما) بعد قوله لهما: إحداكما طالق وقبل القُرعة (عيَّن المطلِّق) أي: أقرع بينهما (لأجل الإرث) فمن قرعت لم تُوْرَثْ (فإن كان نوى المطلَّقة) أي: عيَّنها بنيَّته (حلَفَ لورثة الأخرى أنه لم ينوِها، وورثها) لأنها زوجته (أو) إن ماتت إحداهما فقط؛ حلف أنه لم ينو (الحيَّةَ، ولم يرث الميتة) إن كان الطلاق بائنًا؛ لانقطاع سبب التوارث، وهي الزوجيّة.
(وإن كان ما نوى إحداهما أقرع) بينهما كما سبق.
(ولو قال لهما) أي: لامرأتيه (أو) قال (لأَمَتيه: إحداكما طالق غدًا، أو حُرَّة غدًا، فماتت إحداهما قبل الغد؛ طَلَقت الباقية) من المرأتين (وعَتَقت) الباقية من الأمَتين؛ لأنها تعيَّنت محلًّا للطلاق والعتق. قال في "المبدع": وهل تطلق إذًا، أو منذ طلق؟ فيه وجهان.
(وإن كُنَّ نساءٌ) وقال لهن: إحداكنَّ طالق غدًا، فماتت إحداهنَّ قبل الغد (أو) كنَّ (إماءً) وقال لهن: إحداكنَّ حُرَّة غدًا (فماتت إحداهنَّ قبل الغد، أو باع إحدى الإماء) قبل الغد (أقرع بين الباقي إذا جاء الغد) فمن وقعت عليها القُرعة؛ طَلَقت، أو عَتَقت؛ لما تقدم.
(وإن قال: امرأتي طالقٌ، وأمتي حُرَّةٌ، وله نساءٌ وإماءٌ، ونوى معيَّنةً) من نسائه أو إمائه (انصرف) الطلاق أو العتق (إليها) كما لو عيَّنها بلفظه (وإن نوى واحدة مبهمة) منهنَّ (أُخرجت بقرعةٍ) لما تقدم (وإن لم
ينو شيئًا؛ طَلَقن) أي: الزوجات كلهنَّ (وعَتَقن) أي: الإماء (كلهنَّ) لأن "امرأتي" و"أمتي" مفرد مضاف لمعرفة، فَيَعمُّ. وروي عن ابن عباس
(1)
، وتقدَّم ذلك
(2)
.
(وإن طلَّق واحدةً) معينةً (من نسائه، وأُنسيَها؛ أخرجت بقُرعة) لأنه بعد النسيان لا يعلم المطلقة منهنَّ، فوجب أن تُشرع القرعة فيها، وتجب النفقة حتى يقرع (وتحلُّ له الباقيات) بعد المخرجة بالقُرعة؛ لأن الأصل بقاء حِلهنَّ.
(وإن تبيَّن) له (أن المطلَّقةَ غيرُ التي خرجت عليها القُرعة؛ بأن تَذَكَّر) هو (ذلك؛ تبيَّنَ أنها كانت محرَّمةً عليه) حيث كان الطلاق بائنًا؛ لأنها صارت أجنبية بالطلاق (ويكون وقوع الطلاق من حين طلَّق) لأنّه صدر من أهله في محلِّه، ونسيانُه لا يرفعه (وتردُّ إليه التي كانت خرجتْ عليها القُرعة) لأنه ظهر أنها غير مطلَّقة، والقُرعة ليست بطلاق ولا كناية (إلا أن تكون) التي خرجتْ عليها القُرعة (قد تزوَّجت) فلا تُرَدُّ إليه، ولا يبطل نكاحها؛ لأن قوله لا يُقبل على غيره (أو) إلا أن (تكون القُرعة بحاكم) فلا تردُّ إليه؛ لأن قوله لا يُقبل إذًا.
قلت: إن أمكن إقامة البيّنة على ذلك، وشهدت أن المطلَّقة غير المُخْرَجة؛ رُدَّت إليه وإن تزوجت أو حكم بالقرعة.
فصل
(وإن قال) من له امرأتان: (هذه المطلَّقةُ، بل هذه؛ طَلَقَتَا) أي:
(1)
لم نقف على من أخرجه.
(2)
(12/ 213).
الأولى والثانية؛ لأنه أقرَّ بطلاق الأولى، فقُبِل إقراره، ثم قُبِل إقراره بطلاق الثانية، ولم يُقبل إضرابُه عن إقراره بطلاق الأولى؛ لأن الواقع لا يرتفع.
(وكذلك لو كُنَّ) أي: زوجاته (ثلاثًا، فقال: هذه) المطلقة، أو طالق، أو: طلَّقت هذه (بل هذه، بل هذه؛ طَلَقن كُلُّهن) لما سبق.
(وإن قال: هذه أو هذه) طالق (بل هذه) طَلَقت الثالثة، وإحدى الأوّلتين.
(أو قال: طلَّقتُ هذه أو هذه، وهذه؛ طَلَقت الثالثة) لجزمه بطلاقها (و) طَلَقت (إحدى الأوَلتين) لأن "أو" لأحد الشيئين، فتخرج بقرعة.
(وإن قال: طَلَّقت هذه، بل هذه، أو هذه) طَلَقت الأولى، وإحدى الأخيرتين بقُرعة.
(أو) قال: (أنتِ طالق، وهذه أو هذه، طَلَقت الأولى، وإحدى الأخيرتين) تخرج بقرعة.
(وإن قال): طَلَّقْت (هذه، أو هاتين، أُخِذَ بالبيان) لأن "أو" لأحد الشيئين (فإن قال: هي) أي: التي أرادها (الأولى؛ طَلَقت وحدها) كما لو عيَّنها بلفظه (وإن قال: ليست) التي أردتها (الأولى؛ طَلَقت الأخيرتان) لتعينهما إذًا محلًّا للوقوع.
(وليس له الوطء قبل التعيين في كل موضع يُقبلَ فيه تعيينه) كما لو اشتبهت زوجتُه بأجنبية (فإن وطئ) واحدةً أو أكثر (لم يكن تعيينًا) لغيرها.
(وإن ماتت إحداهما) أي: إحدى الزوجتين بعد وقوع الطلاق بإحداهما، لا بعينها (لم يتعيَّن الطلاق في الأخرى) بل إن كان نوى
إحداهما بيَّنها، وإلا؛ أقرع بينهما، كما تقدَّم.
(و
إن قال) زوجُ أربعٍ: (طلَّقتُ هذه وهذه، أو هذه وهذه
؛ فالظاهر أنه طَلَّق اثنتين لا يدري أيهما، الأُولَيَان أم الأخريان) إذ هو المتبادر من العبارة (كما لو قال: طلَّقتُ هاتين، أو هاتين) فيقرع.
(فإن قال: هما الأُولَيَان) تعيَّنتا (أو) قال: هما (الأخريان؛ تعيَّن فيما عيَّنه) لأنه أدرى بإرادته.
(وإن قال: لم أطلّق الأولَيَين تَعيَّن) الطلاق (في الأخريين) لأنه لم يبقَ غيرهما (أو) قال: (لم أطلق الأخريين؛ تعيَّن في الأُولَيَين) لما تقدم.
(وإن قال: إنما أشكُّ في طلاق الثانية والأخريين؛ طَلَقت الأولى) لجزمه بطلاقها (وبقي الشك في الثلاث) فيقرع بينهنَّ على ما سبق (ومتى فسَّرَ كلامَهُ بمحتمِلٍ قُبِل منه) لأنه أدرى بما أراده، فلو قال: إنما أشك في طلاق الثانية والثالثة؛ طَلَقت الأولى والأخيرة، وأقرع بين المشكوك فيهما.
فصل
(فإن مات بعضُهنَّ) أي: بعض الزوجات في الأمثلة السابقة (أو) مات (جميعهنَّ؛ أقرع بين الجميع، فمن خرجت القُرعة لها) بالطلاق (لم يرثها) إن كان بائنًا؛ لأنها أجنبية.
(وإن مات بعضُهنَّ قبله، و) مات (بعضُهنَّ بعدَه) وأقرع ورثته بينهنَّ (فخرجت القُرعة لميتة قبله؛ لم يرثها) بالزوجية؛ لانقطاعها بالطلاق البائن (وإن خرجت لميتة بعده؛ لم ترثه) لأنها كانت بائنًا حين موته
(والباقيات يرثهنَّ) إن عاش بعدهنَّ؛ لأنهنَّ زوجاته (ويرثنه) إنْ حَيِينَ بعده؛ لبقاء نكاحهنَّ.
(وإن قال بعد موتها: هذه التي طَلَّقْتُها) لم يرثها؛ لاعترافه بأنها ليست زوجته (أو قال في غير المعينة) بأن كان طَلَّق مبهمةً، ثم قال عن الميتة منهن:(هذه التي أردتها؛ لم يرثها) لاعترافه بانقطاع سبب الإرث (ويرث الباقيات) غيرها؛ لأنهنَّ زوجاته. وسواء (صَدَّقه ورثتهنَّ أو لا) فإنه أدرى بما نواه (ولا يُستحلف) على ما أراده؛ لأنه لو نَكَلَ لم يُقض عليه بنكوله في ذلك. وتقدَّم قوله: "حلف لورثة الأخرى".
(فإن مات) من طَلَّق واحدةً لا بعينها من نسائه (فقال ورثته لإحداهنَّ: هذه المطلقة، فأقرَّت) بذلك؛ حَرَمْناها ميراثه؛ لاعترافها بأنها لا ترثه (أو أقرَّ ورثتها بعد موتها) بأنها المُطَلَّقة (حَرَمْناها ميراثه) إن كانت بائنًا؛ لاعترافها بانقطاع الزوجيّة.
(وإن أنكرت) أنها المطلَّقة (أو أنكر) ذلك (ورثتها) بعد موتها (ولم تكن) للورثة (بيِّنة فقولها، أو قول ورثتها) لأنها منكِرة.
(فإن شهد اثنان من ورثته) أي: الزوج (أنَّه طلَّقها) قبل موته طلاقًا يقطع ميراثها (قُبلت شهادتهما، إذا لم يكونا ممن يتوفَّرُ عليهما ميراثُه، ولا) يتوفر (على من لا تُقبلُ شهادتُهما له، كأمِّهِما وجدَّتِهما؛ لأن ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج) غير الزوجات (وإنما يتوفَّرُ على ضرائرها) فشهادتهما لا تجرُّ لهما نفعًا، ولا تدفعُ عنهما ضررًا، فلذلك قُبلت.
(وإن ادَّعت إحدى الزوجات أنَّه طلقها طلاقًا تَبِينُ به، فأنكرها؛ فقوله) لأن الأصل عدمه (فإن مات) بعد دعواها المذكورة (لم ترثه)
مؤاخذةً لها بمقتضى اعترافها (وعليها العِدَّةُ) لأن قولَها لا يُقبل فيما عليها
(1)
.
فصل
(إذا كان له أربعُ نسوةٍ، فطلَّق إحداهنَّ) معينة (ثم نكحَ) أي: تزوج (أُخرى بعد قضاء عدَّتها) أي: المطلَّقة (ثم مات) الزوج (ولم يُعلم أيّتُهنَّ طلقها؛ فَلِلَّتي تزوَّجها رُبع ميراث النسوة) نصَّ عليه
(2)
، ولا خلاف فيه بين أهل العلم؛ لأنه لا شك فيها (ثم يُقرَعُ بين الأربع) الأُوَل؛ لإخراج المطلقة (فأيّتُهنَّ خرجت قُرعتها) بالطلاق (حُرِمت) الميراث؛ إذا لم يُتَّهم بقصد حرمانها (وورِثَ الباقيات) ثلاثة أرباع ميراث النسوة.
(وإن طلَّق) من نسائه (واحدةً لا بعينها، أو) طلَّق منهنَّ واحدةً (بعينها فأُنسيها، فانقضت عِدَّة الجميع؛ فله نكاح خامسة قبل القُرعة) لأن إحدى الأربع طَلَقت، وانقضت عدتها بيقين، والقرعة إنما هي لتمييزها، لا لوقوع الطلاق بها.
(ومتى علمناها) أي: المطلَّقة منهنَّ (بعينها، إما بتعيينه) لها بأن قال: فلانة هي التي أردتُ طلاقها (أو بقرعة) بأن لم يكن نوى إحداهن، وأقرعنا بينهن (فعدتها من حين طلَّقها) كالمعيَّنة التي لم يَنسَها و (لا) تكون عدتها (من حين عيَّنها) لأن العدة لم تجب بالتعيين، بل بالطلاق فتكون من حينه.
(وإن مات الزوج قبل التعيين؛ اعتدَدْنَ) أي: النساء التي طَلَّق
(1)
في "ح" و"ذ": "عليها ظاهرًا".
(2)
انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (23/ 56).
بعضهن ولم يعلم (بأطولِ الأجلين؛ من عدة الوفاة، أو) عدة (الطلاق) لأن كل واحدةٍ منهنَّ يُحتمل أن تكون المطلَّقة أو غيرها، فلزمها الأطول، ودخل فيه ما دونه.
(وعدة الطلاق من حين طلَّق) لما تقدم (وعدة الوفاة من حين موته. وإن كان الطلاق رجعيًّا) ومات في العدّة (فعليهنَّ عدة الوفاة) لأن الرجعية زوجة، ويأتي في العِدد.
فصل
(وإذا ادَّعت أن زوجها طلَّقها) فأنكرها؛ فقولُه؛ لأن الأصل بقاء النِّكَاح (أو ادَّعت وجودَ صفةٍ علَّق طلاقها عليها) بأن قال: إن قام زيدٌ، أو: إن لم يقم يوم كذا؛ فأنت طالق. فادعتْ أن الصفة وُجِدت، فَطَلَقت (فأنكرها؛ فقوله) لأن الأصل بقاء النِّكَاح، إلا إذا علَّق طلاقها على حيضها، فادّعته؛ فقولها. أو علَّقه على ولادتها، فادّعتها؛ فقوله -أيضًا- إن كان أقرَّ بالحمل، عند القاضي وأصحابه، كما تقدم
(1)
(فإن كان لها بيّنةٌ) بما ادّعته من طلاقه لها، أو وجود ما علَّق طلاقها عليه (قُبلت) بيِّنتها، وعُمل بها.
(ولا يُقبل فيه) أي: الطلاق (إلا رجلان عدلان) كالنِّكَاح؛ لأنه مما يطّلع عليه الرجال غالبًا، وليس مالًا، ولا يقصد به المال.
(وإن) اتفقا على أنَّه طَلَّقها، و (اختلفا في عدد الطلاق) بأن قالت: طَلَّقْتَنِي ثلاثًا، فقال: بل واحدة (فقولُه) لأنه منكِرٌ للزائد.
(فإن طلَّقها ثلاثًا، وسمعت ذلك، أو ثَبَتَ عندها بقول عدلين) أنَّه
(1)
(12/ 319).
طَلَّقها ثلاثًا (فأنكر) ذلك (لم يحلَّ لها تمكينه من نفسها) لأنها حرمت عليه حتى تنكِح زوجًا غيره، ثم يعقد هو عليها (و) يجب (عليها أن تفرَّ منه ما استطاعت، و) أن (تفتدي منه إن قدَرَت، ولا تتزيَّن له، وتهرُب) منه (ولا تقيم معه، وتختفيَ في بلدها) و (لا تخرج منها) أي: من بلدها (ولا تتزوج) غيره (حتَّى يُظْهِرَ طلاقها) لئلا يتسلَّط عليها شخصان، أحدها يظهر النِّكَاح، والآخر يبطنه (ولا تقتله قصدًا) بل تدفعه بالأسهل فالأسهل، كالصائل.
(فإن قصدت الدفع عن نفسها، فآل إلى نفسه؛ فلا إثم عليها، ولا ضمان في الباطن) عليها؛ لأنها فعلت ما هي مأمورة به (فأما في الظاهر؛ فإنها تؤخذ بحكم القتل) لأن قولها غير مقبول في وقوع الثلاث عليه لتدفعه عن نفسها (ما لم يثبت صدقها) بشهادة عدلين، فينتفي وجوب القتل في الظاهر أيضًا.
(وكذا لو ادّعى نكاح امرأةٍ كذبًا، وأقام شاهدي زورٍ، فحكم الحاكم له بالزوجية) فإنَّ حُكُم الحَاكِم لا يُزيل الشيء عن صفته الباطنة، ولا تحل له بذلك، وتدفعه بالأسهل فالأسهل، كالصائل.
(وكذا لو تزوَّجها تزويجًا باطلًا) كـ: في عِدَّتِها (فسُلِّمت إليه بذلك) التزويج؛ فلا تحل له، وتدفعه، كما تقدَّم.
(وإذا طَلَّقها ثلاثًا، فشهد عليه أربعةٌ أنَّه وطئها) بعد الطلاق الثلاث (أقيم عليه الحدُّ، نصًّا
(1)
لأنه لا نكاح، ولا شُبهة نكاحٍ، ولم يعتبروا شُبهة القولِ بأن طلاق الثلاثِ واحدةٌ، لضعف مأخذه
(2)
.
(1)
المغني (10/ 531)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (23/ 60).
(2)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 207) ما نصه: "قد يقال: =
(فإن جَحَد طلاقها) ثلاثًا، ولم تُقِم به عليه بيِّنةً (ووطئها، ثم قامت) عليه (بيِّنةٌ بطلاقه؛ فلا حدَّ عليه) لاحتمال غلَطه، أو نسيانه.
(فإن قال: وطئتُها عالمًا بأني كنت طَلَّقتها ثلاثًا؛ كان إقرارًا منه بالزنى، فَيُعتبر فيه ما يُعتبر في الإقرار بالزنى) بأن يقرَّ أربعًا، ولا يرجع حتَّى يُحدَّ، مع ما يأتي في حدِّ الزنى.
فصل
(إن طار طائرٌ، فقال) زوجُ اثنتين فأكثر: (إن كان هذا) الطائر (غُرابًا؛ ففلانةُ طالقٌ، وإن لم يكن غرابًا؛ ففلانةُ طالقٌ؛ فهي) أي: المطلقة منهما (كالمنسيَّة
(1)
) فيقرع بينهما؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة المطلَّقة منهما عينًا، فهما سواء، والقرعة طريق شرعي لإخراج المجهول، فشُرِعت القرعة كما في المبهمة.
(وإن قال) من له زوجتان، عن طائر:(إن كان غرابًا؛ ففلانة) كحفصة (طالق، وإن كان حَمَامًا؛ ففلانة) كَعَمْرة (طالق؛ لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم) أغراب أم حَمَام أم غيرهما؟ لاحتمال كون الطائر ليس غرابًا ولا حَمَامًا؛ ولأنه متيقّن الحل، وشاكّ في الحنث، فلا يزول عن يقين النكاح بالشك.
= لا نسلِّمُ هذا، خصوصًا مع قولهم في كتاب الحدود: إن من نكح بالمتعة لا يُحدُّ. فهذا أولى، كيف وقد مضى عصر الصدِّيق وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما على أنَّه واحدة، ولم يزل يفتي ويقضي به جماعات إلى يومنا، ومع قولهم: لا يعذِّب الله على مسألة قال بها مجتهدٌ، فليحفظ. ا. هـ من خط ابن العماد".
(1)
قال المؤلف في شرح المنتهى (5/ 499): "أي: كمن طلَّق معينة ثم نسيها فتميز بقرعة .... وجُهل [الطائر] أغراب أم غيره، فيقرع بينهما" قلنا: وتقدم (12/ 395).
(فإن قال) رجلٌ عن طائر: (إن كان غرابًا فأَمَتي حرَّةٌ، أو) قال: إن كان غرابًا (فامرأتي طالقٌ ثلاثًا. وقال) رجلٌ (آخر: إن لم يكن غرابًا مثله) أي: فأَمَتي حرَّةٌ، أو امرأتي طالقٌ ثلاثًا (ولم يعلَماه) أي: يعلم الحالف
(1)
الطائر غرابٌ أو غيره (لم تعتقا) أي: الأمتان (ولم تطلقا) أي: المرأتان؛ لأن الحانث منهما ليس معلومًا، ولا يحكم به في حقِّ واحدٍ منهما بعينه، بل تبقى في حقِّه أحكام النِّكَاح من النفقة والكسوة والسكنى؛ لأن كلَّ واحدة منهما يقينُ نكاحها باقٍ، ووقوع طلاقها مشكوك فيه (وحرم عليهما الوطء) لأن أحدهما حانث بيقينٍ، وامرأته محرَّمةٌ عليه، وقد أشكل، فحرم الوطء عليهما جميعًا، كما لو حَنِتَ في إحدى امرأتيه لا بعينها (إلا مع اعتقاد أحدِهما خطأ الآخر) فإنَّ من اعتقد خطأ رفيقه لا يحرم عليه وطء زوجته أو أمته، ولا يحنث فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه ممكن صدقه.
(فإن اشترى أحدُهما أمةَ الآخر؛ أقرعَ بينهما) أي: بين الأمتين، فمن خرجت لها القرعة؛ عَتَقَت (فإن وقعت القُرعة على أَمَته) التي كانت له ابتداءً (فولاؤها له) لأنه المعتق لها، والولاء لمن أعتق (وإن وقعت) القرعة (على) الأَمَة (المشتراة فولاؤها موقوف حتَّى يتصادقا على أمرٍ يتفقان عليه) لأنّ كلًّا منهما لا يدعيه إذًا (فإن أقرَّ كلُّ) واحدٍ (منهما أنَّه الحانث؛ طَلَقت زوجتاهما، وعَتَقت أَمَتاهما) مؤاخذةً لكلٍّ منهما بإقراره على نفسه (وإن أقرَّ أحدهما) بالحنث (حَنِثَ وحده) لإقراره.
(وإن ادَّعت امرأةٌ أحدِهما) عليه الحنث؛ فقوله (أو) ادَّعت (أَمَته عليه الحنث) فأنكر (فقوله) لأن الأصل عدمه.
(1)
في نسخة أشار إليها في حاشية "ذ": الحالفان.
(ولو كان عبد مشترك بين موسِرين، فقال أحدهما) عن طائر: (إن كان غرابًا؛ فنصيبي) من العبد (حرٌّ. وقال) الشريك (الآخر: إن لم يكن غرابًا؛ فنصيبي حرٌّ؛ عَتَقَ) العبد (على أحدهما) لأن أحدهما حانث قطعًا (فيُميَّزُ بالقرعة) ويغرم قيمة نصيب شريكه (والولاء له) لأنه معتِق.
(فإن قال) سيِّد عبد وأمة: (إن كان) هذا الطائر (غرابًا؛ فعبدي حرٌّ، وإن لم يكن غرابًا؛ فأَمَتي حرَّةٌ، ولم يعلَم) أغرابٌ أم غيره (عَتَقَ أحدهما) ويميز (بقرعة) لأنه لا طريق إلى العلم به إلا بها (فإن ادَّعى أحدهما، أو) ادَّعى (كلٌّ منهما) أي: من العبد والأَمَة (أنَّه الَّذي عَتَقَ) وأنكر السيد (فقول السيد مع يمينه) لأن الأصل معه.
(فإن قال) من له نساء وعبيد: (إن كان) هذا الطائر (غرابًا؛ فنساؤه طوالقُ، وإن لم يكن غرابًا؛ فعبيده أحرار، ولم يَعْلَم) ما الطائر؟ (مُنع من التصرف في المِلْكَين) يعني: من وطء الزوجات، ومن بيع العبيد ونحوه (حتَّى يتبيَّن) أمر الطائر، كما تقدَّم في من طَلَّق واحدةً من نسائه ونسيها (وعليه نفقة الجميع) من الزوجات والعبيد، إلى أن يتبيَّن الحال، أو يقرع.
(فإن لم يتبيَّن) حال الطائر (وقال: لا أعلمُ ما الطائرُ؟ أقرع بين النساء والعبيد) لأنه لا طريق إلى التمييز غيرها (فإن وقعت القرعة على الغراب؛ طَلَق النساء، ورَقَّ العبيد) أي: بقوا في الرق.
(وإن خرجت) القرعة (على العبيد؛ عَتَقوا، ولم يَطْلُقْنَ) أي: النساء؛ لعدم خروج القُرعة عليهنَّ.
(و
إن قال لامرأته و) لامرأة (أجنبيَّةٍ: إحداكما طالق)
طَلَقت امرأته
(أو قال: سلمى طالق، واسمهما
(1)
) أي: امرأته والأجنبية (سلمى) طلقت امرأته (أو قال لحماته: ابنتُك طالق، ولها بنت غيرها) أي: غير امرأته (طَلَقت امرأته) لأن الأصل اعتبار كلام المكلَّف دون إلغائه، فإذا أضافه إلى إحدى امرأتين، وإحداهما زوجة، أو إلى اسمٍ، وزوجته مسمَّاة بذلك؛ وجب صَرْفه إلى امرأته؛ لأنه لو لم يُصرَف إليها لوقع لغوًا.
(فإن قال: أردتُ الأجنبية) لم تطلُق امرأته؛ لأنه لم يُصَرِّح بطلاقها، ولا لفظ بما يقتضيه، ولا نواه، فوجب بقاء نكاحها على ما كان عليه. فإن ادَّعى ذلك (دُيِّن) لأنه يحتمل ما قاله (ولم يُقبل في الحكم) لأن غير زوجته ليست محلًّا لطلاقه (إلا بقرينة) دالَّة على إرادة الأجنبية، مثل (أن يدفع بيمينه ظلمًا، أو يتخلص بها من مكروه) فيُقبل منه في الحكم.
(وإن لم ينوِ زوجته، ولا) نوى (الأجنبية؛ طَلَقت زوجته) لأنها محلٌّ للطلاق.
(وإن نادى امرأتَهُ) هندًا (فأجابته امرأةٌ له أخرى) فقال: أنتِ طالق، يظنها المناداة؛ طَلَقت المناداة فقط.
(أو) نادى امرأتَه هندًا، وعنده امرأةٌ له أخرى (لم تجبه، وهي الحاضرة، فقال: أنت طالق، يظنُّها المناداة؛ طَلَقت المناداة فقط) لأنه قصدها بخطابه، وليست الأخرى مناداة، ولا مقصودة بالطلاق، فلم تَطلُق، كما لو أراد أن يقول: طاهرٌ، فسبق لسانه فقال: أنت طالق.
(فإن قال: علمت أنها) أي: المجيبة، أو الحاضرة التي لم تجب
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 557): "واسمها".
(غيرها) أي: غير المناداة (وأردت طلاق المناداة؛ طَلَقتا معًا) أما المناداة؛ فلأنها المقصودة بالطلاق. وأما المجيبة أو الحاضرة؛ فلأنه واجهها بالطلاق مع علمه أنها غير المناداة.
(فإن قال: أردتُ طلاقَ الثانية؛ طَلَقت وحدها) لأنه خاطبها بالطلاق، ونواها به، ولا يطلق غيرها؛ لأن لفظه غير موجَّه إليها ولا هي منويَّة.
(و
إن لقي أجنبيةً، فظنَّها امرأتَه، فقال: فلانةُ أنت طالقٌ،
فإذا هي أجنبيةٌ؛ طَلَقت امرأته، نصًّا
(1)
) لأنه قصد زوجته بصريح الطلاق (وكذا لو لم يسمِّها، بل قال) لأجنبية ظنَّها زوجته: (أنتِ طالق) طَلَقت امرأته؛ لما مرَّ.
(وإن عَلِمها أجنبيَّة) فقال: أنتِ طالق (وأراد بالطلاق زوجتَهُ؛ طَلَقت) زوجته؛ لأنه قَصَدَها بالطلاق (وإن لم يُردْها) أي: يُرِد زوجته (بالطلاق) وقد خاطب به أجنبيَّة، عالمًا أنها أجنبيَّة (لم تَطلُق) زوجته؛ لأنها لم يَقصِدها بالطلاق، ولم يخاطبها به.
(ولو لقي امرأته، فظنَّها أجنبيَّةٌ، فقال: أنتِ طالق، أو) قال: (تنحَّي يا مطلَّقةُ؛ لم تطلق امرأته) قاله أبو بكر، ونصره في "الشرح"؛ لأنه لم يُرِدها بذلك. وصحَّحه في "الاختيارات"
(2)
. ويُخرَّج على قول ابن حامد: أنها تطلق؛ قاله في "المبدع"، وجزم به في "المنتهى"، وقال في "شرحه": على الأصحِّ؛ لأنه واجهها بصريح الطلاق؛ فوقع، كما لو
(1)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 165).
(2)
ص / 387.
علِم أنها زوجته، ولا أثر لظنِّه إيَّاها أجنبيَّة؛ لأنه لا يزيدُ على عدم إرادة الطلاق.
(وكذا العتق) في جميع ما تقدَّم.
(و
إن أوقع بزوجته كلمةً، وجهلها، وشكَّ هل هي طلاق أو ظِهار؟
لم يلزمه شيء) كمنيٍّ في ثوب، لا يدري من أيهما هو؟ قال في "الفروع": ويتوجَّه مثله: من حلف يمينًا، ثم جهلها. يريد أنَّه لغوٌ. ويؤيده قول أحمد
(1)
في رجلٍ قال له: حلفت بيمين لا أدري أيَّ شيء هي. قال: ليت أنك إذا دريتَ دريتُ أنا.
وإن شكَّ هل ظاهر أو حَلَف بالله تعالى؟ لزمه بحنثٍ كفارةٌ يمين؛ لأنها اليقين. والأحوط كفارة الظهار؛ ليبرأ بيقين، والله أعلم.
(1)
مسائل أحمد بن علي الأبار، كما في طبقات الحنابلة (1/ 52)، والفروع (5/ 463)، وسير أعلام النبلاء (11/ 226).
باب الرجعة
بفتح الراء، أفصح من كسرها؛ قاله الجرهري
(1)
، وقال الأزهري
(2)
: الكسرُ أكثر.
(وهي) لغةً: المرّة من الرجوع.
وشرعًا: (إعادةُ مطلَّقةٍ غيرِ بائن إِلَى ما كانت عليه بغير عقد) والأصل فيها قبل الإجماع
(3)
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}
(4)
أي: رجعة؛ قاله الشَّافعيُّ
(5)
والعلماء
(6)
. وقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}
(7)
فخاطب الأزواج بالأمر، ولم يجعل لهن اختيارًا، و"طلَّق صلى الله عليه وسلم حفصةَ، ثمَّ راجعها" رواه أبو داود من حديث عمر
(8)
. وروى الشيخان عن ابن عمر قال: "طَلَّقتُ امرأتي
(1)
الصحاح (3/ 1216) مادة (رجع).
(2)
الزاهر فِي غريب ألفاظ الإِمام الشَّافعيّ ص / 441.
(3)
الإجماع لابن المنذر ص / 112 - 113، والإشراف على مذاهب العلماء (4/ 302)، ومراتب الإجماع ص / 132.
(4)
سورة البقرة، الآية:231.
(5)
الأم (5/ 243، 248)، وأحكام القرآن للشافعي (1/ 225).
(6)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 188)، وإعلام الموقعين (3/ 108).
(7)
سورة البقرة، الآية:231.
(8)
أبو داود فِي الطلاق، باب 38، حديث 2283. وأخرجه -أَيضًا- النسائي فِي الطلاق، باب 76، حديث 3562، وابن ماجه فِي الطلاق، باب 1، حديث 2016، وابن سعد (8/ 84)، وعبد بن حميد (1/ 96) حديث 43، والدارمي فِي الطلاق، باب 1، حديث 2269، وأبو يعلى (1/ 160) حديث 173، والطحاوي فِي شرح مشكل الآثار (12/ 24 - 25) حديث 4611 - 4612، وابن حبان "الإحسان" =
وهي حائض. فسأل عمرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: مُرْهُ فليراجعها"
(1)
.
(إذا طَلَّق الحُرُّ امرأته، ولو) كانت (أَمَة، ولو على حرة) فلا يُشترط أن يكون عادمَ الطَّول ولا خائفَ العنت؛ لأن الرجعة استدامةٌ للعقد، لا ابتداءٌ له (بعد دخوله، أو خلوته بها؛ في نكاح صحيح، أقلَّ من ثلاث) بغير عوض؛ فله رجعتها
(2)
، ما دامت في العدة (أو) طَلَّق (العبدُ واحدةً -ولو كانت زوجتُه حُرَّةً، بغيرِ عوضٍ- فله رجعتها (
(2)
) ما دامت فِي العِدة) وملخصُه: أنَّ للرجعةِ أربعةَ شروط:
الأول: أن يكون دخل أو خلا بها؛ لأن غيرَها لا عِدة عليها، فلا تمكن رجعتها.
الثاني: أن يكون النكاح صحيحًا؛ لأن مَنْ نكاحُها فاسد تَبِين بالطلاق، فلا تمكن رجعتها؛ ولأنَّ الرجعة إعادة إِلَى النكاح، فإذا لم تحل بالنكاح لعدم صحته؛ وجب ألا تحلَّ بالرجعة إليه.
الثالث: أن يُطَلِّق دون ما يملكه من عدد الطلاق، وهو الثلاث للحر، والاثنتان للعبد؛ لأنَّ مَنِ استوفى عدد طلاقه لا تحلُّ له مطلقتُه حتَّى تَنكِح زوجًا غيره، فلا تمكن رجعتها لذلك.
= (10/ 110) رقم 4275، والطبراني فِي الكبير (23/ 187) حديث 304، والحاكم (2/ 196 - 197)، والبيهقي (7/ 321 - 322)، والضياء فِي المختارة (1/ 274) حديث 164 - 165، جميعهم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير فِي مسند الفاروق (1/ 421): هذا إسناد جيد قوي ثابت.
وحسَّن إسناده الحافظ في فتح الباري (9/ 286).
(1)
تقدم تخريجه (1/ 469) تعليق رقم (1).
(2)
في "ذ": "مراجعتها".
الرابع: أن يكون الطلاقُ بغير عوض؛ لأنَّ العوض فِي الطلاق إنما جُعِل لتفدي
(1)
به المرأةُ نفسها من الزوج، ولا يحصُل ذلك مع ثبوت الرجعة.
فإذا وجدت هذه الشروط؛ كان له رجعتُها مادامت في العدة؛ للإجماع
(2)
، ودليلُه ما سبق. (ولو) كان المُطَلِّق (مريضًا، و
(3)
مسافرًا، أو مُحْرِمًا) لأنها استدامةٌ للنكاحِ لا ابتداء (وتقدم فِي محظورات الإحرام
(4)
.
ويملكها) أي: الرجعة (وليُّ مجنونٍ) لأنها حق للمجنون، يخشى فواته بانقضاء العدة، فَمَلَك استيفائه له، كبقية حقوقه.
(ولا رجعة بعد انقضاء العدة) لمفهوم قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}
(5)
.
(وتحصل الرجعة بلفظ من ألفاظها، نحو: راجعتُ امرأتي، أو: ارتجعتها، أو: رجعتها، أو: رددتها، أو: أمسكتها) و (لا) تحصل الرجعة (بـ: نكحتُها، أو: تزوجتُها) لأن هذا كناية، والرجعة استباحة بُضع مقصود، فلا تحصُل بالكناية، كالنكاح.
(وإن خاطبها) أي: المُطلَّقة بالرجعة (فـ) ـــصفتها أن (يقول: راجعتُكِ، أو: ارتجعتُك، أو: رجعتك، أو: رددتك، أو: أمسكتك. فإن زاد بعد هذه الألفاظ) الخمسة: (للمحبة، أو للإهانة) لم يقدح فِي
(1)
فِي "ذ": "لتفتدي".
(2)
الإجماع لابن المنذر ص / 112 - 113، ومراتب الإجماع ص / 132.
(3)
في "ذ": "أو مسافرًا".
(4)
(6/ 165).
(5)
سورة البقرة، الآية:228.
الرجعة (أو قال: أردت أني راجعتك لمحبتي إياك، أو إهانة لك؛ لم يقدح في الرجعة) لأنه أتى بالرجعة وبيَّن سببها.
(وإن قال: أردت أني كنت أهينك، أو أحبك، وقد رددتك بفراقي إلى ذلك) أي: للمحبة أو الإهانة (فليس برجعة) لحصول التضادّ؛ لأن الرجعة لا تُراد بالفراق.
(وإن أطلق ولم ينو شيئًا) بقوله: راجعتُك للمحبة، أو الإهانة، ونحوه (صحت) الرجعة؛ لأنه أتى بصريحها، وضم إليه ما يحتمل أن يكون سببها، وأن يكون غيره، فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك.
(وليس من شرطها) أي: الرجعة (الإشهاد) لأنها لا تفتقر إِلَى قَبول، فلم تفتقر إلى شهادة، كسائر حقوق الزوج؛ ولأن ما لا يشترط فيه الوليُّ لا يشترط فيه الإشهادُ، كالبيع (لكن يُستحب) الإشهاد عليها احتياطًا.
(فالاحتياط أن يُشْهِدَ، فيقول: اشهدا عليَّ أني
(1)
راجعت امرأتي إِلَى نكاحي أو زوجيِّني، أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي) ونحو ذلك ممَّا يؤدي معناه.
(فلو أشهد وأوصى الشهودَ بكتمانها؛ فصحيحةٌ) لعدمِ اشتراط الإشهاد. وعنه
(2)
: يجب الإشهاد عليها، فإن لم يُشهِد؛ لم تصحَّ، فإن أوصى الشهود بكتمانها لم تصح. وقال القاضي: يخرّج على الروايتين فِي التواصي بكتمان النكاح.
(1)
فِي "ح" و"ذ": "أني قد".
(2)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 168 - 169)، والجامع الصغير لأبي يعلى ص / 252، والمغني (10/ 559)، والاختيارات الفقهية ص / 392.
(و
لا تفتقر) الرجعة (إِلَى ولي، ولا صداق، ولا رضا المرأة،
ولا علمها، ولا إذن سيدها) إن كانت أَمَة؛ لأن الرجعةَ إمساكٌ للمرأة بحكم الزوجيَّة، فلا يُعتبر فيها شيء من ذلك.
(و
الرجعيّة زوجة يلحقها الطلاق والظِّهار
واللعان والإيلاء.
وابتداءُ المدة) التي تضرب للمؤلي وهي الأربعة أشهر (من حين اليمين) لا من الرجعة.
(ويرث كل منهما صاحبه إن مات) بالإجماع
(1)
.
(وإن خالعها صَحَّ خُلعه) لأنها زوجةٌ يصح طلاقها، فصح خُلعها، كما قبل الطلاق. وليس مقصود الخُلع التحريم، بل التخلُّص من ضرر الزوج، على أنا نمنع أنها مُحَرَّمة.
(ولها النفقة) وإن لم تكن حاملًا، إِلَى انقضاء عدتها.
(ولا قسْمَ لها)، أي: للرجعيّة (صَرَّح به الموفَّق، والشارح، والزركشي فِي الحضانة، ولعله مراد من أطلق) من الأصحاب: أنَّ الرجعيَّةَ زوجة.
(ويُباح لزوجها وطؤها، و) يُباح له (الخلوة) بها (و) يُباح له (السفر بها، ولها أن تتزيَّن له، وتتشرَّف) لأنها فِي حكم الزوجات، كما قبل الطلاق.
(وتحصُل الرجعة بوطئها، بلا إشهاد، نوى الرجعة به أو لم ينو) به الرجعة؛ لأنَّ الطلاق سببُ زوال الملك، وقد انعقد مع الخيار، والوطءُ من المالك يمنع زواله، كوطء البائع فِي مدة الخيار، وكما ينقطعُ به
(1)
الإجماع ص / 109، والإشراف لابن المنذر (4/ 286)، ومراتب الإجماع ص / 132.
التوكيل فِي طلاقها.
(ولا تحصُل) رجعتها (بمباشرتها، من: القُبلة، واللمس، والنظر إِلَى فَرْجها بشهوة أو غيرها، ولا بالخلوة بها، والحديث معها) لأن ذلك كله ليس فِي معنى الوطء؛ إذ الوطء يدل على ارتجاعها دلالةً ظاهرة، بخلاف ما ذكر (ولا) تحصُل الرجعة أَيضًا (بإنكار الطلاق) لما سبق.
(ولا يصح تعليقها) أي: الرجعة (بشرط، فلو قال: راجعتُكِ إنْ شئتِ، أو: إن قَدِمَ أبوكِ فقد راجعتُكِ، أو: كلَّما طلقتُكِ فقد راجعتُكِ؛ لم يصح) التعليق؛ لأن الرجعةَ استباحةُ فرجٍ مقصود، أشبهت النكاح.
(ولو قال) للرجعيّة: (كلما راجعتُكِ فقد طلقتُكِ؛ صح) التعليق (وطَلَقت) كلما راجعها.
(وإن راجعها فِي الرِّدّةِ من أحدهما) أي: أحد الزوجين (لم يصحَّ) الارتجاع، كالنكاح (وهكذا ينبغي أن يكون) الحكمُ كذلك (فيما إذا راجعها بعدَ إسلام أحدهما) فلا تصحُّ رجعتُها إذا طَلَّقها ثم أسلمت أو أسلم، ولم تكن كتابيّةً.
(فإن كانت) المطلقةُ الرجعيّة (حاملًا باثنين، فوضعت أحدَهما لم تنقض عدتُها به) حتَّى تضعَ الحمل كله.
(ولو خرج بعضُ الولد، فارتجعها قبل أن تضعَ باقيه) صحَّ؛ لأنها لم تزل فِي العِدَّة (أو) راجعها بعد وَضْعِ الأول (قبل أن تضع الثانيَ؛ صح) الارتجاع؛ لأنها فِي العِدَّة إذًا.
(و) إن لم يراجعها حتَّى وضعت الحمل كله (انقضت عِدَّتها به، وأُبيحت لغيره، ولو لم تَطهُر) أي: ينقطع نفاسها (أو تغتسل من النفاس) لأنَّ العدة قد انقضت بوضع الحمل، فبانت بذلك.
(وإن طَهُرت) الرجعيّة، ذات الأقراء، الحرة (من الحيضة الثالثة) أو الأَمَة من الثانية (ولم تغتسل
(1)
؛ فله رجعتُها) روي عن أبي بكرٍ
(2)
، وعمرَ
(3)
، وعلي
(4)
، وابن مسعود
(5)
(وظاهره: ولو فَرَّطتْ في الغسل
(1)
زاد في هامش الأصل حاشية: "أو تتيمم".
(2)
أخرج سعيد بن منصور (1/ 290) رقم 1223، وابن أبي شيبة (5/ 193)، عن مكحول أن أَبا بكر وعمر وعليًّا وابن مسعود وأبا الدرداء وعبادة بن الصامت وعبد الله بن قيس الأشعري كانوا يقولون في الرَّجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين: إنه أحق بها ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة، يرثها وترثه مادامت فِي العدة.
(3)
أخرج الشَّافعيّ في السنن المأثورة ص / 346، رقم 430، وعبد الرزاق (6/ 315 - 316) رقم 10985، 10988 - 10990، وسعيد بن منصور (1/ 289 - 290) رقم 1216 - 1218، 1223، وابن أبي شيبة (5/ 192 - 194)، والطبري فِي تفسيره (2/ 439 - 441)، والطحاوي (3/ 62)، والطبراني فِي الكبير (9/ 323) رقم 9616، 9618، والبيهقي (7/ 417)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 183) رقم 15194، عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل لها الصلاة. هذا لفظ عبد الرزاق.
(4)
أخرج الشَّافعيّ فِي الأم (5/ 179)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 56)، وعبد الرزاق (6/ 315) رقم 10983 - 10984، وسعيد بن منصور (1/ 290، 292) رقم 1219، 1223، 1233، وابن أبي شيبة (5/ 193)، والطبري فِي التفسير (2/ 441 - 442)، والطحاوي (3/ 62)، والبيهقي (7/ 417)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 183) رقم 15193، عن ابن المسيّب أن عليًّا رضي الله عنه قال فِي رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، قال: تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل لها الصلاة.
(5)
أخرجه الشَّافعيّ فِي السنن المأثورة ص / 396، رقم 430، وعبد الرزاق (6/ 315 - 316، 318) رقم 10987 - 10990، 10997، وسعيد بن منصور (1/ 290 - 292) رقم 1218، 1223، 1229 - 1230، وابن أبي شيبة (5/ 192 - 194)، والفسوي فِي المعرفة والتاريخ (2/ 720)، والطبري فِي التفسير (2/ 439 - 441)، والطحاوي (3/ 62)، والطبراني في الكبير (9/ 323) رقم 9616، 9618 - 9620، والبيهقي (7/ 417)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 183) رقم 15194. وانظر: =
سنين) لأن وطءَ الزوجة قبل الاغتسال من الحيض حرامٌ؛ لوجود أثر الحيض الذي يمنع الزوجَ الوطءَ، كما يمنعُه الحيضُ، فوجب أن يمنع ذلك ما يمنعه الحيض، ويوجب ما أوجبه الحيض، كما قبل انقطاع الدم (ولم تُبح للأزواج) قبلَ أن تغتسلَ من الحيضة الثالثة؛ لما مرَّ.
(وما عدا ذلك؛ من انقطاع نفقتِها، وعدم وقوع الطلاق بها، وانتفاء الميراث، وغير ذلك؛ فإنَّه يحصُل بانقطاعِ الدم) روايةً واحدة
(1)
؛ قاله فِي "المحرر" تبعًا للقاضي وغيرِه.
فصل
(وإذا تزوَّجت الرجعيَّةُ فِي عِدَّتها، وحملت من الزوج الثاني؛ انقطعت عِدَّةُ الأول بوطء الثاني) لا بمجرد العقد عليها؛ لأنه غير صحيح، فلا أثرَ له.
(ويملك الزوج) الأول (رجعتَها؛ فِي مدَّة الحمل، كما يملكه) أي: ارتجاعها (بعد وضعها) الحمل (ولو قبل طُهْرِها من نفاسها) لأن الرجعةَ باقية، وإنما انقطعت لعارض، كما لو وطئت فِي صلب نكاحه، لكن لا يملك وطأها قبل وضع الحمل، ولا قبل الغسل من النفاس.
(وإن أمكن أن يكون الحملُ منهما) أي: ممن طَلَّقها ومن تزوَّجها فِي عدتها. (فله) أي: الأول (أَيضًا رجعتها قبل وضعه) لأنها فِي العدة
= الاستذكار (18/ 34)، والتمهيد (11/ 267).
(1)
المحرر فِي الفقه (2/ 104)، والفروع (5/ 539 - 540)، وشرح الزركشي (5/ 543 - 544)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (23/ 97).
(ولو بان أنَّه) أي: الحمل (للثاني) فرجعتها صحيحة؛ لما سبق. وإن راجعها بعد الوضع، وبان الحمل من الثاني؛ صَحَّت رجعته، وإن بان من الأول؛ لم تصح؛ لأن العدة انقضت بوضعه.
(وإن انقضت عدتها) أي: الرجعيّة (ولم يرتجعها، أو طَلَّقها قبل الدخول) والخلوة (بانت، ولم تحل إلا بنكاح جديد) بشروطه، وتقدم.
(وتعود) إليه (على ما بقي من طلاقها؛ سواء رجعت) إليه (بعد نكاح زوجٍ غيره، أو قبله) وسواء (وطئها الثاني أو لم يطأ) ها؛ هذا قول عمر
(1)
، وعلي
(2)
، وابن مسعود
(3)
، وأبي هريرة
(4)
، وابن عمرو
(5)
(6)
،
(1)
أخرجه مالك فِي الموطأ (2/ 586)، والشافعي فِي الأم (5/ 250)، وعبد الرزاق (6/ 351 - 352) رقم 11149 - 11153، وسعيد بن منصور (1/ 356) رقم 1525 - 1527، وابن أبي شيبة (5/ 101 - 102)، والبيهقي (7/ 364 - 365)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 87) رقم 14859. وانظر: الاستذكار (18/ 146 - 147).
(2)
أخرجه البخاري فِي التاريخ الكبير (2/ 211)، وعبد الرزاق (6/ 352) رقم 11154، وسعيد بن منصور (1/ 356) رقم 1528، وابن أبي شيبة (5/ 102)، وأبو بكر بن زياد النيسابوري فِي الزيادات ص / 558، 560، رقم 583، 587، والبيهقي (7/ 365)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 89) رقم 14867.
(3)
أخرج سعيد بن منصور (1/ 358) رقم 1538، وابن أبي شيبة (5/ 103)، عن إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله يقولون: يهدم النكاحُ الثلاث، ولا يهدم الواحدةَ والثنتين.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 352) رقم 11153.
(5)
في "ذ": "وابن عمر".
(6)
أخرج ابن أبي شيبة (5/ 102)، عن عمرو بن شعيب، قال: قضى عمر، ومعاذ وزيد، وأبي، وعبد الله بن عمر أنها على ما بقي من الطلاق. وذكره ابن المنذر فِي الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 203)، والبيهقي فِي معرفة السنن والآثار (11/ 89)، وابن حزم فِي المحلى (10/ 250)، عن عبد الله بن عمرو، وقال: وصحّ -أيضًا- عن ابن عمر فِي أحد قوليه.
وعمران بن حصين
(1)
، ومعاذ
(2)
، وقاله أكثر العلماء
(3)
؛ لأن وطءَ الثاني لا يحتاج إليه إلا فِي الإحلال للأول، فلا يغير حكم الطلاق، كوطءِ السيد، وكما لو عادت إليه قبل نكاحٍ آخر.
(وإن ارتجعها) المُطَلِّق (وأشهد على المراجعة من حيثُ لا تَعْلَم، فاعتدَّت، ثم تزوَّجت مَنْ أصابها، رُدَّت إليه) أي: إلى الذي كان راجعها؛ بعد إقامته البيّنة؛ لأنَّ رجعتَه صحيحة؛ لأنها لا تفتقرُ إِلَى رضاها، فلم تفتقر إلى علمها، كطلاقها، ونكاحُ الثاني غيرُ صحيح؛ لأنه تزوَّج امرأةَ غيره، كما لو لم يكن طَلَّقها.
(ولا يطؤها) المرتجع (حتى تنقضيَ عِدَّتها) من الثاني؛ لأنها معتدَّة من غيره، أشبه ما لو وطئت فِي أصل نكاحه (ولها على الثاني المهر) بما استحلَّ من فَرْجها، فإن لم يصبها فلا مهرَ عليه.
(وإن تزوَّجها) الثاني (مع علمهما) أي: علم الثاني والمطلقة (بالرجعة، أو) تزوجها مع (علم أحدهما) بالرجعة (فالنكاح باطل) لأنها زوجة الغير، ولا شُبهة (والوطء مُحَرَّم على مَن عَلِمَ) منهما (وحكمه حكم الزاني، فِي الحَدِّ وغيره) لانتفاء الشُّبهة.
(وإن كان الثاني ما دخل بها؛ فُرِّق بينهما) لفساد النكاح (ورُدّت
(1)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 353) رقم 11156 - 11158، وسعيد بن منصور (1/ 354) رقم 1527، 1530 - 1531، وابن أبي شيبة (5/ 101)، والبيهقي (7/ 365).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 102)، وسحنون فِي المدونة (3/ 21)، وذكره ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 203)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (11/ 89).
(3)
الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 202 - 203)، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أَحْمد، وقول للشافعي. انظر: مسائل صالح (3/ 6، 21) رقم 1212، 1242، والأم (5/ 250).
إلى الأول) قال في "المبدع": بغير خلاف في المذهب (ولا شيء على الثاني) من مهر، ولا حَدَّ، لعدم موجبه.
(فإن لم تكن له) أي: المطلق (بينة برجعتها؛ لم تقبل دعواه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يُعطَى الناسُ بدعواهم
…
" الحديث
(1)
؛ ولأنَّ الأصلَ عدم الرجعة.
(وإن صَدَّقته هي وزوجها) الثاني (رُدَّت إليه) أي: الأول؛ لأن تصديقهما أبلغ من إقامة البينة (وإن صَدَّقه الزوج) الثاني (فقط؛ انفسخ نكاحه) لاعترافِه بفساده (ولم تُسلَّم إلى الأول) لأن قول الثاني لا يُقبل عليها، وإنما يُقبل في حقه (والقولُ قولُها بغير يمين) صحَّحه في "المغني"؛ لأنها لو أقرَّت لم يُقبل.
(فإن كان تصديقه) أي: الثاني للأول في رجعتها (قبل دخوله بها؛ فلها عليه نصفُ المهر) لأن الفُرقة جاءت من قِبَلِهِ بتصديقه (و) إن كان تصديقه (بعده) أي: بعد الدخول بها؛ فـ (ـلها الجميع). أي: جميعُ المهر؛ لأنه استقر بالدخول.
(وإن صدَّقته) أي: الأول في دعوى رجعتها (وحدها؛ لم يُقبل قولها في فسخ نكاح الثاني) للحديث السابق، ولا يُستحلَف الثاني -على ما اختاره القاضي- لأنه دعوى في النكاح، واختار الخرقي: بلى، فيحلف على نفي العِلمِ.
(فإن بانت منه) أي: من الثاني (بطلاق أو غيره) كفسخ لعُنَّة أو إعسار (رُدَّت إلى الأول بغير عقد) جديد؛ لأن المنعَ من ردها إنَّما كان لحق الثاني، كما لو شهدَ بحريةِ عبدٍ ثم اشتراه، فإنه يَعتِقُ عليه
(1)
تقدم تخريجه (11/ 385) تعليق رقم (1).
(ولا يلزمها للأول مهرٌ بحال) وإن صَدَّقته (كما لو ارتدت، أو أسلمت) تحت كافر (أو قتلت نفسها.
وإن مات الأول وهي في نكاح الثاني؛ فينبغي أن ترثه) أي: الأول (لإقراره بزوجيّتها، وإقرارها بذلك) أي: بزوجيّته؛ قاله الموفق ومَن تبعه، وجزم به في "المبدع".
(وإن ماتت) وهي مصدِّقة للأول لم (يرثها) الأول؛ لأنها لا تُصَدَّق في إبطال نكاح الثاني (ويرثها الزوج الثاني) لأنها زوجته ظاهرًا (فإن مات الثاني؛ لم ترثه) لاعترافها بأنها ليست زوجة له (قال الزركشي: ولا يُمكَّن) أي: الأول (مِن تَزَوُّج أختها، ولا أربع سواها) مؤاخذة له بموجب دعواه. قلت: وكذا الثاني بطريق الأولى.
(وإذا ادعت الرجعيةُ أو البائن انقضاء عدتها) بولادة أو غيرها (قُبِلَ قولها؛ إذا كان ممكنًا) لقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}
(1)
أي: من الحمل والحيض، فلولا أنَّ قولَهن مقبولٌ؛ لم يحرم عليهن كتمانه؛ ولأنه أمر تختص بمعرفته، فكان القول قولها فيه، كالنية.
(إلا أن تدعيَهُ) أي: انقضاء عدتها (الحرة بالحيض في شهر؛ فلا يُقبل إلَّا ببينة) ولو أنها امرأة واحدة، نصَّ عليه
(2)
؛ لقولُ شُريح: "إذا ادَّعت أنها حاضت ثلاث حِيض في شهرٍ، وجاءت ببينةٍ؛ فقد انقضت عدتها، وإلا؛ فهي كاذبة. فقال له علي: قالون"
(3)
ومعناه بلسانِ
(1)
سورة البقرة، الآية:228.
(2)
مسائل صالح (3/ 102 - 104) رقم 1429، 1434 ومسائل أبي داود ص / 185.
(3)
تقدم تخريجه (1/ 483) تعليق رقم (1).
الرومية: أصبت، أو أَحسنت. ولأنه يندرُ جدًّا حصولُ ذلك في شهر، فهو (كما لو ادَّعت خلاف عادةٍ منتظمة) فلا يُقبل منها إلَّا ببينةٍ.
فصل
(وأقل ما) يمكن أن (تنقضي به) أي: فيه (عدة الحرة من الأقراء) أيُّ: بها (-وهي) أي: الأقراء (الحِيَضُ- تسعة وعشرون يومًا ولحظةٌ) بناء على أنَّ أقلَّ الحيض يومٌ وليلةٌ، وأقلَّ الطهر بين الحيضتين ثلاثةَ عشر يومًا، وذلك بأن يطلقها مع آخر الطهر، ثم تحيضَ يومًا وليلة، ثم تطهرَ ثلاثةَ عشر يومًا، ثم تحيض يومًا وليلة، ثم تطهرَ ثلاثة عشر يومًا، ثم تحيضَ يومًا وليلة، ثم تطهرَ لحظةً؛ لتَعرِف بها انقضاءَ الحيض. وإن لم تكن هذه اللحظةُ من عدتها فلابدّ منها لمعرفة انقطاع الحيض. ومَنِ اعتبر الغسل فلابدّ من وقت يمكن فيه الغسل بعد الانقطاع.
(و) أقل ما تنقضي فيه عدة (الأمة) بالأقراء، وهي الحِيض (خمسةَ عشر) يومًا (ولحظة) بأن يكون طلقها في آخر طُهرِها، وحاضت يومًا وليلة، وطهرت ثلاثةَ عشر يومًا، وحاضت يومًا وليلة، واللحظة؛ ليتحقق فيها الانقطاعُ، كما تقدم.
(فإن ادعت) الحرة (انقضاءَها) أي: العدة بالحيض (في أكثرَ من شهر؛ صُدِّقَت) لما تقدم.
(و) إن ادعت انقضاءها بالحيض (في أقل من تسعةٍ وعشرين يومًا ولحظةٍ؛ لا تُسمع دعواها) لعدم الإمكان (فإن بقيت على دعواها) انقضاءها (حتَّى مرَّ عليها ما يُمكن صدقها فيه) كما لو مضى عليها أكثرُ من
شهر (نظرنا، فإن بقيت على دعواها المردودة؛ لم تُسمع) دعواها (أَيضًا) لأنها عينُ التي رُدت؛ لعدم الإمكان (وإن ادعت انقضاءها في هذه المدة كلها، أو) ادعت انقضاءها (فيما يمكن) انقضاءها (فيها؛ قُبِل قولها) لأن ذلك لا يُعلم إلَّا من جهتها، وهي مؤتمنةٌ على نفسها.
(والفاسقة) والعدل (والمريضة) والصحيحة (والمسلمة والكافرة في ذلك) المذكور، من دعوى انقضاء العدة، على التفصيل السابق (سواء) لأن ذلك متعلقٌ بها دون غيرها.
(وإن ادعت انقضاءها) أي: العدة (بوضع حمل تمام) ليس سقطًا (لم يُقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطءِ بعد العقد) لأن ذلك أقلُّ مدة الحمل، كما تقدم
(1)
.
(وإن ادَّعت أنها أسقطته) أي: أسقطت ما تنقضي به العدة (لم يُقبل) قولها (في أقل من ثمانين يوما) من حين إمكان الوطء بعد العقد؛ لأن العدة لا تنقضي إلَّا بما تَبيَّنَ فية خلق إنسانٍ، وأقلُّ مدة يتبين فيها خلق إنسانٍ أحدٌ وثمانون يومًا، كما تقدم
(2)
.
(ولا تنقضي به) أي: بما تلقيه المرأة (عِدةٌ قبل أن يصير مُضغةً) ويتبين فيه خلق إنسانٍ، كما لا تصير به أمةٌ أمَّ ولدٍ، ولا يثبتُ به حكمُ نفاسٍ، ولا وقوعُ طلاق معلَّق بولادةٍ، ونحو ذلك.
(وإن ادَّعت انقضاءها) أي: العدةِ (بالشهور؛ لم يُقبل قولها) بلا بينة (والقولُ قولُ الزوج) لأن الاختلافَ في ذلك ينبني على الاختلافِ في وقت الطلاق، والقولُ قول الزوج فيه (إلَّا أن يدَّعي) الزوجُ (انقضاءها
(1)
تقدم في عدة مواضع منها (10/ 241 - 242، 455).
(2)
(1/ 515).
ليسقط نفقتها، مثل أن يقول في مُحرَّم: طلقتُكِ في شوال) فقد انقضت عدتكِ، وسقطت نفقتُكِ (فتقول هي: بل) طلقتني (في ذي القعدة) فعِدِّتي ونفقتي باقيتان (فقولها) لأن الأصل عدم سقوط ذلك.
(فإن ادعت ذلك) أي: عدم انقضاء عدتها (ولم يكن لها نفقة) كبائن حائل (قُبِلَ قولها) لأنها مقرَّة على نفسها بما هو الأغلظ عليها.
(ولو انعكس الحال فقال) في المُحَرَّم: (طلقتُكِ في ذي القعدة) فلم تنقض عدتك (فلي رجعتُكِ، فقالت: بل) طلقتني (في شوال) فانقضت عدتي (فلا رجعة لكَ؛ فقوله) لأنه يُقبل قوله في أصل الطلاق، فَقُبِل قوله في وقته، والأصل بقاء العصمة.
(وإن ادَّعى في عدَّتها أنَّه كان راجعها أمس، أو) أنَّه كان راجعها (منذ شهر؛ قُبِل قوله) لأنه يملك رجعتها فصح إقراره بها.
(فإن ادعاه) أي: أنَّه كان راجعها أمس، أو منذ شهر (بعد انقضائها) أي: العدة (فأنكرته؛ فقولها) لأنه ادعاها في زمن لا يملكها فيه، والأصل عدمها، وحصول البينونة.
(وإن قالت: قد انقضت عدتي، فقال) بعد ذلك: قد كنتُ راجعتُكِ؛ فقولها) لما تقدم.
(وإن سبق فقال: ارتجعتُكِ، فقالت: قد انقضت عدتي قبل رجعتك، فأنكرها؛ فقوله) لأنه ادعى الرجعة قبل الحكم بانقضاء عدتها؛ ولأنه يملك الرجعة، وقد صحَّت في الظاهر، فلا يُقبل قولها في إبطالها (وإن تداعيا) ذلك (معًا؛ قُدِّم قولها) لتساقط قولهما مع التساوي، والأصل عدم الرجعة.
(و
إن اختلفا في الإصابة) قبل الطلاق
(فقال: قد) كنتُ (أصبتُكِ،
فلي رجعتُكِ، فأنكرتْه) فقولها؛ لأن الأصل عدمها (أو قالت) بعد أن طَلَّقها:(قد أصابني) أو خلا بي (فلي المهرُ كاملًا) فأنكرها (فقول المُنكِر) لأن الأصلَ عدمُها وبراءتُه (وليس له رجعتها في الموضعين) لعدم قَبول قول مدَّعى الإصابة.
(ولا تستحق فيهما) أي: الموضعين (إلَّا نصفَ المهرِ؛ إن كان اختلافهما قبل قبضه) مؤاخذة لها بإقرارها في الأول؛ ولأن الأصل براءته في الثاني (وإن كان) اختلافهما (بعده) أي: بعد قبضه (وادعى إصابتها، فأنكرت؛ لم يرجع عليها بشيء) مؤاخذة له بمقتضى دعواه الإصابة (وإن كان هو المُنكِر) للإصابة (رجعَ) عليها بنصف المهر؛ لأن الأصل عدمها كما تقدم.
(و
إن ادعى زوج الأمَةِ، بعد) انقضاء (عدتها، أنَّه كان راجعها في عدتها،
فأنكرته) الأَمَة (وصَدَّقه مولاها؛ فـ) ـالقول (قولُها، نصًّا
(1)
) لأنه لا يتضمن إبطال حقٍّ للزوج؛ لعدم قصدها
(2)
إياه.
(وإن صَدَّقته) أي: صدقت مُطَلِّقَها بعد انقضاء عِدتها أنَّه كان راجعها قبله (وكذَّبه مولاها) في ذلك (لم يُقبل إقرارُها في إبطالِ حق السيد) لأنه إقرار على غيرها، فلم يُقبل.
(فإن عَلِم) السيد (صِدْقَ الزوج) في دعواه الرجعة قبل انقضاء عدتها بعده (لم يحل له) أي: السيد (وطؤها، ولا تزويجها) لأنها زوجة الغير.
(1)
مسائل مهنا -كما في كتاب الروايتين والوجهين (2/ 166) -، والمغني (10/ 569 - 570)، وانظر: مسائل الكوسج (4/ 1726 - 1727) رقم 1102.
(2)
في "ح": "تصديقها".
(وإن علمتُ هي صِدقَ الزوجِ في) دعواه (رجعتها) وكَذَّبه السيد (فهي حرام على سيدها) وعلى من يزوِّجها له، غير المدعي للرجعة (ولا يحل لها تمكينه) أي: السيد (مِن وطئها، كما قبل طلاقها.
ولو قالت الرجعية: انقضتْ عِدَّتي. ثم) رَجعَت و (قالت: ما انقضت) عدتي (فله رجعتها) حيث لم تتزوَّج، كجَحْدِ أحدهما النكاح ثم يعترف به.
(ولو قال: أخبرتني بانقضاء عدتها، ثم راجعها، ثم أقرَّت بكذبِها في انقضائها) أي: العِدَّة (وأنكرت ما ذكر عنها) من إخبارها بانقضاء العِدَّة (وأقرَّت بأنَّ عدتها لم تنقض؛ فالرجعةُ صحيحة) لأنه لم يقرَّ بانقضاء عدتها، وإنما أخبر بخبرها عن ذلك، وقد رجعت عن خبرها؛ فقُبل رجوعُها.
فصل
(والمرأة إذا لم يَدْخُل بها) الزوجُ، ولم يَخْلُ بها (تُبِينها تطليقة) ولو بلا عوض؛ لأنه لا عِدَّة عليها (فلا رجعة عليها ولا نفقةَ لها) كالمطلقة ثلاثًا.
(فإن طلَّقها ثلاثًا، أو) طَلَّق (العبد) طلقتين (اثنتين قبل الدخول، أو بعده؛ لم تحل له حتَّى تنكح زوجًا غيره، نكاحًا صحيحًا، ممن يمكنه الجماع، ويطؤ) ها الزوج الثاني (في القُبُلِ، مع انتشارِ) لقول ابن عباس: "كان الرَّجل إذا طلَّق امرأتَه فهو أحَق برجْعتها؛ وإن طلَّقها ثلاثًا. فنسخ ذلك قولُه تعالى: {الطَّلاقُ مرَّتان
…
} إلى قوله تعالى: {فإن طَلَّقَها
فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(1)
" رواه أبو داود والنسائي
(2)
.
وعن عروة عن عائشة قالت: "كان الرجل يطلق امرأتَه ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعَها وهي في العِدَّة، وإن طلَّقها مائةَ مرَّة فأكثر. حتَّى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقُكِ فتبيني مني، ولا أوتكِ
(3)
أبدًا، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقُكِ، فكلَّما هممت
(4)
أن تنقضي عِدتُك؛ راجعتك، فذهبت المرأة فدخلت على عائشة، فأخبرتها، فسكتت حتَّى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهُ، فسكت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حتَّى نزل القرآن:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(5)
، قالت عائشة: فاستأنف النَّاس الطلاق مستقبلًا، من كان طَلَّقَ ومن لم يكن طَلَّق" رواه الترمذي
(6)
، ورواه -أَيضًا- عن عروة
(1)
سورة البقرة، الآية:230.
(2)
أبو داود في الطلاق، باب 10، 37، رقم 2195، 2282، والنسائي في الطلاق، باب 75 رقم 3556، وفي الكبرى (3/ 401) رقم 5748. وأخرجه -أَيضًا- البيهقي (7/ 337)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 39) رقم 14683.
قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 120): في إسناده علي بن الحسين بن واقد، وفيه مقال.
(3)
"أوتك" كذا في الأصل و"ذ" وفي سنن التِّرْمِذِيّ ومصادر التخريج: "آويكِ".
(4)
"هممت" كذا في الأصل و"ذ" وفي سنن الترمذي ومصادر التخريج: "همّت".
(5)
سورة البقرة، الآية:229.
(6)
في الطلاق، باب 16، حديث 1192. وأخرجه -أيضًا- الحاكم (2/ 279 - 280)، والبيهقي (7/ 333)، من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب، عن يعلى بن شبيب. وابنُ مردويه -كما في شرح الزرقاني (3/ 219)، من طريق محمَّد بن إسحاق- كلاهما عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يتكلم أحد في يعقوب بن حميد =
مرسلًا
(1)
، وذكر أنَّه أصحُّ.
ويشهد لاشتراط وطء الزوج فيه مع الانتشارِ؛ حديثُ عائشةَ قالت: "جاءت امرأة رفاعة القُرظي إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رِفاعة القُرَظي، فَطَلَقَنِي، فَبِتَّ طلاقي، فتزوجتُ بعده عبد الرَّحْمَن بن الزبِير -بكسر الموحدة من تحت- وإنما معهُ مثل هُدبةِ الثوب. فقال: أتريدينَ أن ترجعي إلي رِفاعةَ؟ لا، حتَّى يذوقي عُسَيلتهُ، ويذوق عسيلتك" رواه الجماعة
(2)
. وروت عائشة أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "العُسيلةُ: هي الجماع"
(3)
.
= بحجة.
وتعقبه الذهبي بقوله: قد ضعفه غير واحد.
(1)
في الطلاق عقب حديث 1192. وأخرجه -أَيضًا- مالك في الموطأ (2/ 588)، والشافعي في الأم (5/ 224)، وفي أحكام القرآن (1/ 223)، وفي اختلاف الحديث ص / 188، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 34)، وابن جرير في تفسيره (2/ 456)، والبيهقي (7/ 333)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 39) حديث 14680.
قال الترمذي: هذا أصح.
وقال البيهقي: هذا مرسل، وهو الصحيح؛ قاله البُخَارِيّ وغيره. وقال في المعرفة: والمرسل هو المحفوظ.
وانظر: الاستذكار (18/ 157 - 158).
(2)
تقدم تخريجه من البُخَارِيّ، ومسلم (11/ 136) تعليق رقم (2). وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب 49، حديث 2309، والتِّرمذيّ في النكاح، باب 26، حديث 1118، والنسائي في النكاح، باب 43، حديث 3283، وفي الطلاق، باب 9 - 10، 12، حديث 3407 - 3409، 3411 - 3412، وفي الكبرى (3/ 323، 351 - 353) حديث 5534، 5600 - 5602، 5604 - 5605، وابن ماجه في النكاح، باب 32، حديث 1932، وأَحمد (6/ 34، 37، 193، 226، 229).
قال التِّرْمِذِيّ: حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه أحمد (6/ 62)، وأبو يعلى (8/ 239، 290) حديث 4813، 4881، =
واعتبر كون الوطءِ في القُبُل؛ لأنَّ
الوطءَ المعتبر
في الزوجة شرعًا لا يكون في غيرِ القُبُل (ولو كان) الزوج الواطئ (خصيًّا، أو مسلولًا، أو موجوءًا) وتقدم
(1)
معنى سلِّ الخُصيتين ووجائِهما (أو) كان (مملوكًا، أو لم يبلغ هو أو هي عشرًا) من السنين (أو مجنونًا، أو نائمًا، أو مغمىً عليه، وأدخلت ذكرَه في فَرْجها، أو كانا) أي: الزوج والزوجة (مجنونين، أو وطئها فأفضاها، أو ظنها سُرِّيّته، أو أجنبية) لدخول ذلك كلِّه في عموم: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(2)
، وعمومِ:"حتَّى تذوقي عُسَيلتهُ ويذوقَ عسيلتك".
(وتعود بطلاق ثلاث) حكاه ابنُ المنذرِ
(3)
إجماعًا.
(وأدنى ما يكفي) من الوطء حتَّى تحلَّ لمطلقها ثلاثًا (تغييبُ الحشفة) في القُبُل مع الانتشار (وإن لم يُنْزِل) لأن أحكام الوطء تتعلق به.
(فإن كان) الزوج الثاني (مجبوبًا، قد بقي من ذكره قَدْرُ الحَشفة فأكثر، فأولجه) مع الانتشار في قُبُلِها (أحلَّها) لمطلقها ثلاثًا؛ لأن ذلك منه بمنزلة الحشفة من غيره (وإلا) أي: وإن لم يبقَ من ذكره قَدْرُ الحَشَفة، بل دونها (فلا) يحلها إيلاجه؛ لأنه بمنزلة إيلاج بعض الحشفة، ولا تتعلَّق به أحكام الوطء.
(ولا يحلها) أي: المطلَّقة ثلاثًا (وطءُ السيد إن كانت أَمَة) لأنه
= والدارقطني (3/ 252)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 226).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 341): فيه أبو عبد الملك المكيّ، ولم أعرفه بغير هذا الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(1)
(11/ 408).
(2)
سورة البقرة، الآية:230.
(3)
الإجماع لابن المنذر ص / 102، والإشراف على مذاهب العلماء (4/ 202).
ليس بزوج (ولا) يحلها -أيضًا- (الوطء في نِكاح فاسد) كنكاح المحلل، والشغار، والمتعة (أو) الوطء في نكاح (باطل، أو بشُبْهة) لأنه لا يُسمى نكاحًا شرعًا.
(أو) الوطء (في رِدَّته) أي: رِدَّة الزوج الثاني؛ لأنه أن لم يُسلِم في العِدَّة لم يصادف الوطء نكاحًا، وإن عاد إلى الإسلام؛ فقد وقع الوطء في نكاح غير تام؛ لانعقادِ سبب البينونة (أو) في (ردتها) لما ذكر (أو في الدُّبُر) لأن الحل متعلِّق بذوق العُسيلةِ، ولا يحصُل به.
(أو وطئها قبل إسلام الآخر) بأن عقد عليها حال كفرهما، فأسلمتْ، ثم وطئها، أو أسلم وليست كتابية، فوطئها؛ فلا تحلُّ؛ لما سبق في المرتد.
(أو في حيض، أو نفاس، أو إحرام منهما، أو) إحرام (من أحدهما، أو صوم فرض منهما، أو) صوم فرض (من أحدهما) لأنه وطءٌ حُرِّم لحَقِّ الله تعالى، فلم يحلَّها، كالوطء في النكاح الباطل.
(لا إن وطئها وهي مُحرَّمةُ الوطءِ لضيق وقتِ صلاةِ، أو) وطئها (مريضةً تتضرر بوطئه، أو) وطئها (في المسجد، أو) وهي مُحْرِمة (لقبضِ مهر) فإن الوطءَ يحلها له في هذه الصور؛ لأن الحرمةَ هنا لا لمعنىً فيها لحقّ
(1)
الله تعالى، بخلاف ما تقدم.
(وإن كانت) المطلقة ثلاثًا (أمةً، فاشتراها مطلِّقها؛ لم تحل له) حتى تنكحَ زوجًا غيره، ويطأها كما تقدم؛ لقوله تعالى:{فلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ}
(2)
.
(1)
في "ذ": "لا لمعنىً فيها بل لحق الله".
(2)
سورة البقرة، الآية:230.
(وإن كانت ذِميَّة فوطئها زوجها الذِّميُّ) في نكاح يُقرَّان عليه لو أسلما، أو ترافعا إلينا -كما أشار إليه الشيخُ تقيُّ الدين
(1)
- (أحلها لمطلِّقها المسلمِ، نصًّا
(2)
) لأنه زوجٌ.
(ولو تزوَّجها) أي: تزوَّج امرأة (وهو عبد، فلم يطلقها حتى عَتَق) فله عليها الثلاث (أو) تزوَّجها وهو عبد و (طَلَّقها واحدة، ثم عَتَق؛ فله عليها الثلاث تطليقات) اعتبارًا بحاله حينئذ (ككافر حر، طلَّق) امرأته (ثِنتين، ثم استرق، ثم تزوَّجها) فله الثالثة؛ لأن الطلقتين لم تقعا مُحَرِّمتين.
و (لا) يملك العبد تمامَ الثلاث (إن عَتَق بعد طلاقه اثنتين) لأنهما وقعتا مُحَرِّمتين، فلم يتغير حكمهما بعتقه بعدهما.
(ولو تزوجَّها وهو حُرٌّ كافرٌ، فسُبي، واستُرِقَّ) وحدَه أو معها (ثم أسلما جميعًا؛ لم يملك إلا طلاقَ العبد) اعتبارًا بحال الإيقاع (ولو طلَّقها في كُفْرِه واحدة، وراجعها، ثم سُبِيَ، واستُرِقّ؛ لم يملك إلا طَلْقة) لما تقدم.
(ولو عَلَّق) عبد (طلاقًا ثلاثًا بشرط غير عتقه، فوجد الشرط بعد عتقه) كما لو قال لها: إن دخلت الدار فأنتِ طالقٌ ثلاثًا، وعَتَقَ، ثم دخلتها (لزمته الثلاث) اعتبارًا بوقت الوقوع (وفي تعليقها) أي: الثلاث (بعتقه) بأن قال لها: إن عتقت فأنت طالق ثلاثًا، إذا عتق (تبقى له طَلْقة) قال في "المبدع": في الأصح.
(وإذا غاب عن مُطَلَّقته ثلاثًا، ثم أتتهُ، فذكرت) له (أنها نكحت مَنْ
(1)
الاختيارات الفقهية ص / 393.
(2)
أحكام أهل الملل من كتاب الجامع للخلال (1/ 249 - 251) رقم 488 - 491.
أصابها، وانقضت عدتها منه، وكان ذلك ممكنًا) بأن مضى زمنٌ يسعه (فله نكاحُها، إذا غلب على ظَنِّه صدقُها، إما بأمانتها، أو بخبرِ غيرها، ممَّن يَعرِف حالها) لأنها مؤتمنة على نفسها، وعلى ما أخبرت به عنها، ولا سبيلَ إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها، فتعيَّن الرجوعُ إلى قولها؛ كما لو أخبرت بانقضاء عدتها (إلا) أي: وإن لم يمكن ذلك، أو لم يعرف ما يغلب على ظنه صدقها (فلا) تحل له؛ لان الأصل التحريم، فوجب البقاء على الأصل، كما لو أخبره عن حالها فاسق.
(فلو أنكر الزوجُ الثاني وَطْأَها، وادَّعته) أي: الوطءَ (منه؛ فالقولُ قوله في تنصيف المهر؛ إذا لم يُقِرَّ بالخلوة بها) لأن الأصل براءتُه منه (والقولُ قولها في إباحتها للأول) لأنها مؤتمنة على نفسها.
(فإن صَدَّقه) أي: الثانيَ (الأولُ) على أنه لم يطأها) (لم يحل له) أي: الأول (نكاحُها) لأنه مقرٌّ على نفسه بتحريمها عليه (فإن عاد) الأول (فصَدَّقها) على أن الثاني وطئها (أُبيحت له) لأنه إذا عَلِم حلَّها لم تحرم بكذبه؛ ولأنه قد يعلم في المستقبل ما لم يكن علمه في الماضي.
ولو قال الأول: ما أعلمُ أنَّ الثانيَ أصابها؛ لم تحرم عليه؛ لأنَّ المعتبر في حلها له خبرٌ يغلب على ظنِّه صدقها، لا حقيقةُ العلمِ.
(وكذا لو تزوَّجت حاضرًا، وفارقها، وادَّعت إصابتهـ) ـا منه (وهو منكرها) فالقولُ قوله في تنصيف المهر، وتؤاخذ بقولها في وجوب العِدَّة عليها، وفيما يجب عليها بالوطء، وكذا لو أنكرَ أصَل النكاح، ولمُطَلِّقِها ثلاثًا نكاحُها إذا غلب على ظنه صدقُها.
(ولو جاءت) امرأةٌ (حاكمًا، وادَّعت أن زوجها طَلَّقها، وانقضت
عدتُها؛ جاز) للحاكم (تزوُّجُها، و) جاز (تزويجها
(1)
؛ إن ظنَّ صدقها، وكان الزوج مجهولًا ولم تعيّنه، وإن لم يثبت أنه طَلَّقها. قال الشيخ
(2)
: كمعاملةِ عبدٍ لم يثبت عتقهُ. وقال: ونصَّ أحمدُ
(3)
: أنه إذا كتبَ إليها أنه طَلَّقها؛ لم تتزوَّج حتى يثبت الطلاق) لاحتمالِ إنكاره.
(وكذلك لو كان للمرأة زوج -أي: معروف- فادَّعت أنه طَلَّقها، لم تتزوَّج بمجرد ذلك، باتفاق المسلمين) لأن الأصل عدم الطلاق.
بخلاف ما إذا ادَّعت أنه تزوَّجها من أصابها، وطَلَّقها ولم تعيّنه، فإنَّ النكاح لم يثبت لمعيّن، بل لمجهول، فهو كما لو قال: عندي مال لشخص، وسلَّمته إليه؛ فإنه لا يكون إقرارًا بالاتفاق، فكذلك قولُها: كان لي زوج وطلقني، وسيد وأعتقني. ولو قالت: تزوجني فلان وطلقني؛ فهو كالإقرار بالمال وادعاء الوفاء. والمذهبُ أنه لا يكون إقرارًا؛ ذكره في "الاختيارات"
(4)
. فعليه: قول المصنف: "إن كان الزوج مجهولًا"، ليىس بقيد. ولذلك قال في "المبدع " و"المنتهى" وغيرهما: لاسيما إن كان الزوج لا يعرف.
(ف
إن قالت: قد تزوجت من أصابني، ثم رجعتْ عن ذلك
قبل أن يعقد عليها) مطلِّقُها ثلاثًا (لم يجز) له (العقدُ) عليها؛ لأن الخبرَ المبيحَ للعقد قد زال، فزالت الإباحة.
(وإن كان) رجوعها (بعده) أي: بعد العقد عليها (لم يُقْبل) رجوعُها؛ لتعلُّق حقِّ الزوج بها (كما لو ادَّعى زوجيّة امرأة، فأقرَّت له
(1)
في "ذ": "جاز للحاكم (تزويجها، و) جاز (تزوّجها، إن
…
".
(2)
انظر: الاختيارات الفقهية ص / 394، والفروع (5/ 471).
(3)
مسائل حرب ص 141، وانظر: مسائل ابن هانئ (1/ 227) رقم 1100.
(4)
ص / 394.
بذلك، ثم رجعت عن الإقرارِ) له بالزوجيّة؛ فإنه لا يُقبل منها الرجوع؛ لتعلُّق حقه بها.
(وإذا طلَّقها رجعيًّا وغاب) عنها (فقضت عدَّتها، وأرادت التزوُّج، فقال لها وكيله: توقفي) عن التزوج (كيلا يكونَ راجَعَكِ؛ لم يجب عليها التوقُّف) لأن الأصل عدم الرجعة، واحتمالها لا دليل عليه.
باب الإيلاء
بالمدِّ، لغةً: الحَلِف (وهو) مصدرُ آلى يؤلي، إيلاءً وأليَّةً، ويقال: تألَّى يتألَّى. وفي الخبر: "من يتألَّ على الله يُكذِبه"
(1)
. والأليَّة: اليمين، وجمعها ألايا، كخطايا، قال كُثَيِّرٌ
(2)
:
(1)
روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - عقبة بن عامر رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (5/ 241 - 242)، وابن عساكر في تاريخه (51/ 240 - 241)، في خطبة طويلة للنبي صلى الله عليه وسلم بتبوك. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 13 - 14) وقال: هذا حديث غريب، وفيه نكارة، وفي إسناده ضعف.
ب - زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1/ 220) حديث 336، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (3/ 185)، من طريق عبد الله بن مصعب بن خالد بن زيد بن خالد الجهني، عن أبيه، عن جده، عن زيد بن خالد رضي الله عنه، في خطبة طويلة بتبوك. وجَهَّل ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 605) عبد الله بن مصعب وأباه، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 506): خطبة منكرة، وفيهم جهالة.
ج - أبو أمامة رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 229) حديث 7898 بلفظ: لا تألوا على الله، لا تألوا على الله؛ فإنه من تألَّى على الله أكذبه الله.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 208): فيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف.
د - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه أبو داود في الزهد ص / 177، رقم 170، وابن أبي شيبة (12/ 295 - 297)، وهناد في الزهد (1/ 186) رقم 497، وابن أبي عمر في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 402 - 403)، والمطالب العالية (3/ 341) رقم 3140 - ، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى ص / 426، رقم 786، وابن عساكر في تاريخه (33/ 179)، في خطبة طويلة. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 175 - 179 مع الفيض) ورمز لحسنه.
(2)
هو كثيِّر بن عبد الرحمن الخزاعي، شاعر متيم مشهور، من أهل المدينة، أكثر إقامته =
قليل الألايا حافِظٌ ليمينهِ
…
إذا صدرت منه الأليَّةُ بَرَّتِ
وكذلك "الألْوة" بسكون اللام وتثليث الهمزة.
وشرعًا: (حلِف زوجٍ) لا سيِّد (يُمكنهُ الجماع) لا عِنِّين، ومجبوب (بالله) تعالى (أو بصفةٍ من صفاته) لا بنذرٍ، أو طلاقٍ ونحوه (على ترك وطءِ امرأته، المُمكِن جماعُها) لا رَتْقاء ونحوها (ولو) كان حلِفه على ترك وطئها (قبل الدخول، في قُبُل) لا دبر (أبدًا، أو يُطْلِقُ) في حلِفه لا يطؤها (أو) يحلف لا يطؤها (أكثرَ من أربعة أشهرٍ، أو ينويها) لأربعة أشهرٍ فأقل
(1)
.
(وهو) أي: الإيلاء (محرَّمٌ في ظاهر كلامهم؛ لأنه يمينٌ على ترك واجبٍ) قاله في "الفروع".
(وكان هو والظهار طلاقًا في الجاهليَّة) قال في "الفروع": ذكره جماعةٌ
(2)
، وذكره آخرون في ظِهار المرأة من الزوج؛ ذكره أحمد
(3)
في الظِّهار عن أبي قِلابة
(4)
وقتادة
(5)
.
= بمصر، يقال له: كثير عزة، وفد على عبد الملك بن مروان، فازدرى منظره، ولما عرف أدبه رفع مجلسه، فأخص به وببني مروان، يعظمونه ويكرمونه، قال هذا البيت في رثاء عبد العزيز بن مروان بن الحكم، كما في ديوانه ص / 85. سير أعلام النبلاء (5/ 152)، والأعلام (5/ 219).
(1)
في "ذ": "أي: الأربعة أشهر فأكثر".
(2)
انظر: مصنف عبد الرزاق (6/ 441)، وسنن البيهقي (7/ 383).
(3)
المغني (11/ 68).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 441) رقم 11578، وعبد بن حميد في تفسيره -كما في الدر المنثور (6/ 240) -، والطبري في تفسيره (28/ 7)، وأبو الليث السمرقندي في تفسيره (3/ 391).
(5)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا، وذكره ابن قدامة في المغني (11/ 68). وأخرج عبد الرزاق (6/ 422) رقم 11479، عن طاوُس قال: كان طلاق أهل الجاهلية =
والأصل في الإيلاء قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
(1)
.
وكان أُبيُّ بن كعب
(2)
، وابن عباس
(3)
يقرءان: "يُقسمون
…
" الآية.
وقال ابن عباس: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} : يحلفون
(4)
؛ حكاه عنه أحمد
(5)
.
وكان أهل الجاهليَّة، إذا طلب الرجل من امرأته شيئًا، فأَبتْ أن تعطيَه، حلف ألا يقرَبها السنة ولا السنتين والثلاث
(6)
، فيدعها لا أيِّمًا ولا ذاتَ بَعْلٍ، فلما كان الإسلام جعل الله ذلك للمسلمين أربعة أشهر؛ ذكره في "المبدع".
(وله) أي: الإيلاء (أربعة شروط) تُعلَم من تعريفه السابق:
(أحدها: أن يحلف) الزوج (على ترك الوطء في القُبُل،
فإن تركه بغير يمينٍ؛ لم يكن مُؤليًا) لظاهر الآية.
= الظهار.
(1)
سورة البقرة، الآية:226.
(2)
أخرجه ابن المنذر في تفسيره -كما في الدر المنثور (1/ 270) -، وابن أبي داود في المصاحف ص / 63.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 454 - 455) رقم 11643، وسعيد بن منصور (3/ 870) رقم 375، وانظر: الدر المنثور (1/ 270).
(4)
أخرج ابن جرير في تفسيره (2/ 426)، وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 411) رقم 2170، والبيهقي (7/ 380)، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} ، وهر الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها
…
الخ.
(5)
انظر: مسائل عبد الله (3/ 1122) رقم 1547، ومسائل صالح (2/ 182) رقم 743.
(6)
في "ذ": "ولا الثلاث".
(وإن تركه) أي: ترك الزوج الوطء (مُضرًّا بها من غير عذر) لأحدهما (ضربت له مدَّته) أربعة أشهر (وحُكم له بحكمه) أي: الإيلاء؛ لأنه تاركٌ لوطئها ضررًا بها، أشبه المؤلي؛ ولأن ما لا يجب إذا لم يحلف؛ لا يجب إذا حلف على تركه، كالزيادة على الواجب، وثبوت حكم الإيلاء لمن حلف؛ لا يمنع من قياس غيره عليه إذا كان في معناه، كسائر الأحكام الثابتة بالقياس.
(وكذا حُكمُ مَن ظاهر) من زوجةٍ
(1)
(ولم يُكفِّر) لظهاره؛ فَتُضرب له مدة الإيلاء، ويثبت له حكمه؛ لما تقدَّم.
(وإن كان) تركُهُ للجماع (لعذرٍ) لأحدهما (من مرضٍ، أو غيبةٍ، أو حبسٍ؛ لم تُضرب له مدَّةٌ) لأن الوطء غيرُ واجبٍ حينئذٍ.
(وإن حلف على ترك الوطء في الدُّبُر) لم يكن مؤليًا؛ لأنه لم يترك الوطء الواجب عليه، ولا تتضرَّر المرأة بتركه؛ لأنه وطء مُحَرَّم، وقد أكَّد منع نفسه منه بيمينه (أو) حلف على ترك الوطء (دون الفرج، لم يكن مؤليًا) لأنه غير واجب عليه، ولا تتضرر المرأة بتركه.
(و
إن حلف ألا يجامعها إلا جماع سوءٍ،
يريد جماعًا ضعيفًا، لا يزيد على التقاء الختانين؛ لم يكن مؤليًا) لأن الضعيف كالقويّ في الحكم.
(فإن قال: أردت وطئًا لا يبلغ التقاء الختانين. أو أراد به الوطء في الدُّبُر، أو) أراد به الوطء (دون الفَرْج؛ فمؤلٍ) لأنه حالفٌ على ترك الوطء في القُبُل، وما لا يبلغ التقاء الختانين ليس وطئًا تترتب عليه أحكامه.
(فإن لم يكن له نية) لم يكن مؤليًا؛ لأنه مجمَلٌ، فلا يتعيَّن لكونه
(1)
في "ح" و"ذ": "زوجته".
مؤليًا به.
(أو قال: والله لا جامعتك
(1)
جماع
(2)
سُوء؛ لم يكن مؤليًا) بحال؛ لأنه لم يحلف على ترك الوطء، وإنما حلف على ترك صفته المكروهة.
فصل
(والألفاظ التي يكون بها مؤليًا ثلاثة أقسامٍ:
أحدها؛ ما هو صريح في الحكم والباطن:
كلفظه الصريح) نحو: أَنِيكُكِ
(3)
(أو قال: لا أدخلتُ) ذكري في فرجك (أو): لا (غيَّبتُ) ذكري في فرجك (أو): لا (أولجتُ ذكري) في فرجك (أو): لا أدخلتُ، أو غيبتُ، أو أولجت (حَشَفتي في فرجك، و) كقوله (للبكر خاصَّةً) دون الثيب: (لا اقتَضَضْتُك) -بالقاف والتاء المثناة فوق-، واقتضاض البكر وافتراعها -بالفاء- بمعنىً، وهو وطؤها، وإزالة بكارتها بالذكر، من قضضتُ اللؤلؤةَ، إذا ثقبْتَها (لمن يعرفُ معناه) المذكور. ومثله ما ذكره في "المستوعب"، و"الرعاية": لا أبْتَنِي بك. زاد في "الرعاية": من العربيِّ (فلا يديَّنُ) إذا أراد بذلك غير الإيلاء؛ لأنه لا يحتمل غيره (ولا يُقبل له) أي: للحالف (فيه تأويل) لما سبق.
(الثاني؛ صريح في الحكم) دون الباطن (وهو خمسة عشر لفظًا:
لا وطئتُكِ، لا جامعتُكِ، لا باضعتُك، لا باعلتُكِ، لا باشرتُكِ،
(1)
في "ذ": "أجامعك".
(2)
في "ح": "إلا جماع".
(3)
في "ذ": "لا أنيكك".
لا غَشِيتُكِ، لا أفضيتُ إليكِ، لا لمستُكِ، لا افترشتُكِ، لا اقتضضتُكِ -لمن لا يعرف معناه-، لا قَرِبْتُكِ، لا أصبتُكِ، لا أتيتُكِ، لا مَسِسْتُكِ) بكسر السين الأولى، وفتحها لغة. أي: لا وطئتُكِ (لا اغتسلتُ منكِ.
فلو قال: أردت غير الوطء؛ دُيِّن) لأن لفظه يحتمله (ولم يُقبَل في الحكم) لأنها تُستعمل في الوطء عُرفًا، وورد الكتاب والسنة ببعضها كقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}
(1)
. {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(2)
. {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}
(3)
.
وأما الوطء والجماع فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال، والباقي قياسًا عليها.
فلو قال: أردت بالوطءِ الوطءَ بالقدمِ، وبالجماع اجتماعَ الأجسامِ، وبالإصابةِ الإصابةَ باليدِ، وبالمباضعة التقاءَ بَضعة من البدن بالبَضعة منه، وبالمباشرة مسَّ المباشر، وبالمباعلة الملاعبةَ والاستمتاع دون الفرج، وبالمقاربة قربَ بدنه منها، وبالمُمَاسّةِ مسَّ بدنها، وبالإتيانِ المجيءَ، وبالاغتسالِ الاغتسال من الإنزال عن مباشرة من قُبلة أو جماع دون الفرج؛ لم يُقبل في الحكم؛ لأنه خلاف العُرف والظاهر. وفي الباطن: إن كان صادقًا فليس بمُؤلٍ.
(الثالث) من الألفاظ (ما لا يكون مُؤليًا فيها إلا بالنيَّة) وهي باقي الألفاظ (مما يحتمل الجماع) فيكون كناية (وهو ما عدا هذه الألفاظ،
(1)
سورة البقرة، الآية:222.
(2)
سورة البقرة، الآية:187.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:49.
كقوله: والله لا جمع رأسي ورأسَك مِخدَّةٌ) بكسر الميم (لا ساقَفَ رأسي رأسَكِ، لا ضاجعتُكِ، لا دخلتُ عليكِ، لا دخلتِ عليَّ، لا قَرِبتُ فراشَكِ، لا بِتُّ عندَكِ، لأسُوأنَّكِ، لأغِيظنَّكِ، لتطولنَّ غيبتي عنكِ، لا مسَّ جلدي جلدكِ، لا أويتُ معكِ، لا نمتُ عندَكِ) وحذف العاطف؛ لأن الغرض التعداد، كمن يلقي على الحاسب جُملًا، فيقول له: اكتب كذا كذا، ليرفع له حسابها.
(فهذه) الألفاظ (إن أراد بها الجِماع كان مؤليًا، وإلا؛ فلا) لأنها ليست بصريح في الجماع ولا ظاهر فيه، فافتقرت إلى النية، ككنايات الطلاق. وفي "الرعاية"، و"الفروع": أو القرينة.
(ومن هذه الألفاظ ما يفتقر إلى نيَّة الجماع والمدَّة معًا، وهو: لأسوأنَّكِ، لأغيظنَّكِ، لتطولنَّ غيبتي عنك، فلا يكون مؤليًا) بها (حتى ينوي ترك الجماع في مدةٍ تزيد على أربعة أشهر) لأنها مجملة، فلا تتعين للإيلاء إلا بذلك.
(وسائر) أي: باقي (الألفاظ يكون مؤليًا) بها (بنيَّة الجماع فقط) إلا أن ينوي أربعة أشهر فأقل.
(وإن قال): والله (لا أدخلتُ جميعَ) أو كل (ذكري في فرجك؛ لم يكن مؤليًا) لأنه يخرج مِن وطئها بتغييب الحشفة، ولا حنث (عكس): والله (لا أولجتُ حَشَفتي) في فرجك؛ لأنه لا يخرج من الفِيئة بدون ذلك.
(الشرط الثاني) من شروط الإيلاء الأربعة: (أن يحلف بالله تعالى، أو بصفة من صفاته) كـ: الرحمن، وربِّ العالمين.
ولا خلاف أن الحلْف بذلك إيلاء؛ لما تقدم عن ابن عباس، يؤيده
قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(1)
. والغفران إنما يدخل اليمين بالله تعالى.
(وسواءٌ كان) الحلْف (في) حال (الرضا أو الغضب) لعموم قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
…
} (
(1)
) الآية.
(فإن حلف) على ترك الوطء (بنذر، أو عتق، أو طلاق، أو صدقةٍ) بـ (ـمال، أو حج، أو ظِهار، أو تحريمِ مباحٍ) من أَمَة غيرها
(2)
(ونحوه؛ فليس بمؤلٍ) لأنه لم يحلف بالله تعالى، أشبه ما لو حلف بالكعبة؛ ولأن هذا تعليق بشرط، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم، ولا يجاب بجوابه، ولا ذكره أهل العربية في باب القسَم، وإنما يُسمَّى حِلْفًا تجوّزًا؛ لمشاركته القسَم في الحثِّ على الفعل، أو المنع منه.
(و) لو قال: (إن وطئتُكِ فأنتِ زانية) لم يكن مؤليًا؛ لأن تعليق القذف غير صحيح، فلا يلزمه بالوطء حدٌّ.
(أو) قال: إن وطئتُكِ (فللَّهِ عليَّ صوم أمس، أو) صوم (هذا الشهر) لم يكن مؤليًا؛ لأنه لا يصح نَذْر الماضي، وهذا الشهر يصير عند وجوب الفِيئة ماضيًا.
فلو قال: إن وطئتُكِ فللَّهِ عليَّ صوم الشهر الذي أطؤك فيه؛ فكذلك، فإذا وطئ؛ صام بقيته، وفي قضاء يوم وطئ فيه: وجهان؛ قاله في "المبدع".
(أو استثنى في اليمين بالله) بأن قال: والله لا وطئتُكِ إن شاء الله، أو إن لم يشأ الله ونحوه (لم يكن مؤليًا) للاستثناء.
(1)
سورة البقرة، الآية:226.
(2)
في "ح" و"ذ": "من أمة أو غيرها".
(وإن قال: إن وطئتُكِ، فللَّه عليَّ أن أصليَ عشرين ركعة؛ كان مؤليًا) جزم به في "الشرح". وهو مبنيٌّ على أنه ينعقد بالنذر، كما يدلُّ عليه كلام الشارح
(1)
.
(الشرط الثالث) من شروط الإيلاء الأربعة: (أن يحلف على) ترك الوطء (أكثرَ من أربعة أشهر) قاله ابن عباس
(2)
؛ لأن ألله تعالى جعل له تربص أربعة أشهر، فإذا حلف على أربعة فما دونها، فلا معنى للتربص؛ لأن مدة الإيلاء تنقضي قبل ذلك أو مع انقضائه، وتقدير التربُّص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدة يتناولها الإيلاء؛ ولأن المطالبة إنما تكون بعدها، فإذا قال: والله لا وطئتُكِ؛ كان مؤليًا؛ لأنه يقتضي التأبيد.
(أو يعلّقَه على شرط) يعني يجعل غايته شيئًا (يغلب على الظن ألا يوجد في أقلَّ منها، مثل) أن يقول: (والله لا وطئتُكِ حتى ينزلَ عيسى) ابن مريم عليهما السلام (أو) حتى (يخرجَ الدجَّال، أو) حتى تخرج (الدابَّةُ، أو غير ذلك من أشراط الساعة) الكبرى، كطلوع الشمس من مغربها (أو) قال: والله لا وطئتُكِ (ما عِشتُ) بضم التاء أو كسرها (أو): والله لا وطئتك (حتى أموتَ، أو حتى تموتي، أو) حتى (يموت ولدُكِ، أو) حتى يموت (زيدٌ، أو حتى يقْدَمَ زيد من مكة، والعادةُ أنه لا يقدَمُ في
(1)
في "ح" و"ذ": "كما يدل عليه سياق كلام الشارح".
(2)
أخرج سعيد بن منصور (2/ 27) رقم 1884، والطبراني في الكبير (11/ 127) رقم 11356، والبيهقي (7/ 381)، والخطيب في تالي التلخيص (2/ 512) رقم 311، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فوقَّت الله عز وجل أربعة أشهر فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر؛ فليس بإيلاء. وأخرجه ابن أبي شيبة (5/ 136) بلفظ: إذا آلى من امرأته شهرًا، أو شهرين أو ثلاثة ما يبلغ الحد؛ فليس بإيلاء. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 74).
أربعة أشهر) فأقل (أو) قال: والله لا وطئتُكِ (حتى) أمرض، أو حتى (تمرضي، أو يمرض زيدٌ، أو إلى قيام الساعة، أو حتى آتيَ الهندَ، أو حتى ينزل الثلج في الصيف) لأن ذلك لا يوجد في أربعة أشهر ظاهرًا، أشبه ما لو قال: والله لا وطئتُكِ في نكاحي هذا؛ ولأن حكم الغالب حكم المقطوع
(1)
في كثير من الصور، فكذا هنا.
(أو يعلقه على شرط مستحيل، كـ: والله لا وطئتُكِ حتى تصعدي السماء، أو) حتى (تقلبي الحجر ذهبًا، أو) حتى (يشيب الغراب، ونحوه) كـ: حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط؛ لأن معناه ترك وطئِها؛ لأن ما يُراد إحالةُ وجودِه يُعَلَّق على المستحيل، كقوله تعالى في الكُفَّار:{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}
(2)
.
وكقوله
(3)
:
إذا شابَ الغرابُ أتيتُ أهلي
…
وصارَ القارُ كاللَّبنِ الحليبِ
(أو) قال: والله لا وطئتُكِ (حتى تحبَلي. ولم يكن وَطِئها، أو) كان (وطئ ونيته حَبَلٌ متجدِّدٌ، أو حتى تحبَلي من غيري؛ فيكون مؤليًا) لأن حَبَلها بغير وطء يستحيل عادة، كصعود السماء.
(فإن قال: أردت بـ)"حتى" من قولي: حتى (تحبَلي) السببية، أي: لا أطؤك لتحبلي، يعني حلف على (ترك قصد الحَبَل؛ فليس بمؤلٍ) لأنه ليس بحالف على ترك الوطء، ويُقبل منه؛ لأنه محتمل.
(وإن قال: والله لا وطئتُكِ مدة، أو ليطولنَّ تركي لجماعِك؛
(1)
في "ح" و"ذ": "المقطوع به".
(2)
سورة الأعراف، الآية:40.
(3)
تقدم تخريجه (12/ 279) تعليق رقم (2).
لم يكن مؤليًا) لأن ذلك يقع على القليل والكثير، فلا يصير مؤليًا (حتى ينويَ أكثر من أربعة أشهر) ليتمحض اليمين للمدة المعتبرة.
(وإن قال): والله لا وطئتُكِ (حتى يقدَمَ زيد، أو نحوَه
(1)
، مما لا يغلب على الظَّن عدمه في أربعة أشهر) فليس بإيلاء.
(أو) قال: والله (لا وطئتُكِ في هذه البلدة، أو) لا وطئتُكِ (مخضوبة، أو محفوفة، أو منقوشة، أو حتى تصومي نفلًا، أو) حتى (تقومي، أو) حتى (يأذن زيد، فيموت) فليس بإيلاء؛ لأنه أمكنه وطؤها بغير حنث، فلم يكن مؤليًا، كما لو استثنى في يمينه.
(أو عَلَّقه على ما يُعلَمُ أنه يوجد في أقلَّ من أربعة أشهر، أو يظنُّ ذلك) أي: وجوده في أقل من أربعة أشهر (كذُبولِ بَقْلٍ، وجفاف ثوبٍ، ونزول مطر في أوانه، وقدوم حجٍّ في زمانه.
أو) عَلَّقه على فعل مباح لا مشقَّة فيه، كقوله: والله لا وطئتُكِ (حتى تدخلي الدار، أو) حتى (تلبَسي هذا الثوب، أو حتى أتنفل بصوم يوم، أو حتى أكسوَكِ، أو) حتى (أعطيَك مالًا، أو): والله (لا وطئتُكِ إلا برضاك، أو): والله (لا وطئتُكِ مكرهة، أو محزونة؛ فليس بإيلاء) لأنه يمكنه وطؤها بغير حنث.
(وإن قال): والله لا وطئتُكِ (حتى تشربي الخمر، أو) حتى (تزني، أو) حتى (تُسقطي ولدك، أو) حتى (تتركي صلاة الفرض، أو حتى أقتل زيدًا، ونحوَه) من كل فعل مُحَرَّم جعله غاية له؛ فمُؤلٍ؛ لأنه عَلَّقه بممتنع شرعًا، أشبه الممتنع حسًّا.
(أو) قال: والله لا وطئتُكِ (حتى تُسقطي صداقك، أو) حتى
(1)
في "ذ": "زيد ونحوه".
تُسقطي (دَينَكِ عني، أو حتى تكفلي ولدك، أو تهبيني دارك، أو يبيعني أبوكِ داره، ونحوه) كـ: حتى يسقط عني دينه (فـ) ـهو (مؤل) لأن أخذه لمالها، أو لمال غيرها، عن غير رضا صاحبه مُحَرَّم، أشبه الخمر
(1)
.
(و) لو قال لزوجته: (إن وطئتُكِ، فعبدي حُرٌّ عن ظهاري، وكان ظاهَرَ، فوطئ؛ عَتَق عن الظهار) لوجود شرطه (وإلا) أي: وإن لم يكن ظاهَرَ (فليس بمؤل) لأنه لم يحلف بالله تعالى، ولا بصفة من صفاته (فلو وطئ لم يعتق) لأنه إنما عَلَّق عتقه بشرط كونه عن ظهاره، فتقيد به.
(و) إن قال: (والله لا وطئتُكِ مريضة؛ فليس بمؤلٍ) لأنه يمكن أن تبرأ قبل الأربعة أشهر (إلا أن يكون بها مرضٌ لا يُرجى برؤه، أو) يكون بها مرض (لا يزول في أربعة أشهر) عادة؛ فيكون مؤليا؛ لما تقدم (فإن قاله) أي: قال: والله لا وطئتُكِ مريضة (لها وهي صحيحة، فمرضت مرضًا يمكن بُرْؤه في أربعة أشهر؛ لم يصر مؤليًا، وإن لم يُرْجَ بُرْؤه) في أربعة أشهر (فمؤلٍ) لما سبق.
(و) إن قال: والله (لا وطئتك حائضًا، أو نفساء، أو مُحْرِمة، أو صائمة فرضًا، أو لا وطئتك ليلًا؛ أو) لا وطئتك (نهارًا؛ فليس بمؤلٍ) لأنه يمكنه وطؤها بغير حنث.
(و) إن قال: والله (لا وطئتُكِ حتى تَفْطِمِي ولدي، فإن أراد وقت الفِطام) وهو تمام الحولين (وكانت مدتُه تزيد على أربعة أشهر؛ فمؤلٍ) لأنه حلف على ترك وطئها فوق أربعة أشهر (وإن أراد فعل الفطام) فليس بمؤل؛ لأنه يمكنها فطامه قبل مضيّ أربعة أشهر (أو مات الولد قبل مضيّ
(1)
في "ح" و"ذ": "أشبه شرب الخمر".
الأربعة أشهر؛ فليس بمؤل) أي: لحصول الفطام بموته (و) إن قال: (والله لا وطئتُكِ طاهرًا، أو) لا وطئتك (وطئًا مباحًا؛ فمؤل) لأنه حلف على ترك وطئها الشرعي فوق أربعة أشهر
(1)
.
(وإن قال: إن وطئتُكِ، فوالله لا وطئتُكِ، أو: إن دخلت الدار، فوالله لا وطئتُكِ؛ لم يكن مؤليًا حتى يوجد الشرط) لأن يمينه معلَّقة بشرط، فلا يكون حالفًا قبله؛ ولأنه يمكنه الوطء من غير حنث قبل وجود الشرط، ومتى أولج زائدًا على الحَشَفة ولا نية، حَنِثَ في الصورة الأولى.
(و) إن قال: (والله لا وطئتُكِ في السنة إلا مرةً أو إلا يومًا، أو): والله (لا وطئتُكِ سنة إلا يومًا) أو إلا مرة (فلا إيلاء) عليه (حتى يطأ، ويبقى منها فوق ثلثِها) أي: ثلث السنة؛ لأن يمينه مُعلَّقة بالإضافة، فقبلها لا يكون حالفًا؛ لأنه لا يلزمه بالوطء قبل الإصابة حِنْثٌ، فإذا وطئ وقد بقي من السنة فوق أربعة أشهر؛ صار مؤليًا.
(و) إن قال: (والله لا وطئتُكِ عامًا، ثم قال: والله لا وطئتُكِ عامًا؛ فإيلاءٌ واحد) لأنه لا شيء في كلامه يدلُّ على أن العام في اليمين الثانية غيره في الأولى (إلا أن ينوي) باليمين الثانية (عامًا آخر) غير الأول؛ فيكونان إيلاءين.
(و) إن قال: والله (لا وطئتُكِ عامًا، ولا وطئتُكِ نصف عام، أو): والله (لا وطئتك نصف عام، ولا وطئتك عامًا؛ فإيلاء واحد) لأنه يمين
(1)
من قوله: "أو مات الولد قبل مضي الأربعة أشهر
…
" إلى قوله: "لأنه حلف على ترك وطئها الشرعي فوق أربعة أشهر" زيادة في "ح" و"ذ".
واحدة (ودخلت المدة
(1)
القصيرة في الطويلة) لاشتمال الطويلة عليها، ولم ينوِ المغايرة (وإن نوى بإحدى المدتين غيرَ الأخرى) فهما إيلاآن، لا يَدْخل حكم أحدهما في الآخر. (أو قال): والله (لا وطئتُكِ عامًا، ولا وطئتُكِ عامًا آخر).
(أو قال): والله (لا وطئتُكِ عامًا، فإذا مضى فوالله لا وطئتُكِ عامًا؛ فهما إيلاآن، لا يدخل حكم أحدهما في الآخر) لتغايرهما (فإذا مضى حكم أحدهما؛ بقي) حكم (الآخر) لعدم ما يزيله.
(فإن قال في المُحَرَّم: والله لا وطئتُكِ هذا العام. ثم قال: والله لا وطئتُكِ عامًا، من رجب إلى تمام اثني عشر شهرًا. أو قال في المُحرَّم: والله لا وطئتُكِ عامًا. ثم قال في رجب: والله لا وطئتُكِ عامًا. فهما إيلاآن في مدتين، بعض إحداهما) أي: إحدى المدتين (داخل في) المدة (الأخرى) لأن هذا هو مقتضى لفظه.
(فإن فاء) أي: وطئ (في رجب، أو فيما بعده من بقية العام الأول؛ حَنِثَ في اليمينين) لوجود المحلوف عليه بهما (وتلزمه كفَّارةٌ واحدة) لتداخل كَفَّارة اليمين (وينقطع حكم الإيلاءين) للحنث.
(وإن فاء قبل رجب، أو بعد العام الأول؛ حَنِثَ في إحدى اليمينين) وهي الأولى في الأولى، والثانية في الثانية (فقط) فلا يحنث في الأخرى؛ لعدم وجود المحلوف عليه بها.
(وإن فاء في الموضعين؛ حَنِثَ في اليمينين) وكَفَتْهُ كفارة واحدة؛ إن لم يكن كفَّر للأولى قبل؛ لما تقدم.
(وإن حلف) بالله (على) ترك (وطئها عامًا، ثم كفَّر يمينه قبل مضي
(1)
ليس في "ذ": "المدة".
الأربعة أشهر؛ انحلَّ الإيلاء) بالتكفير (ولم يوقف) أي: تضرب له مدة الإيلاء (بعد الأربعة أشهر) لأن الإيلاء انحلَّ.
(وإن كفَّر بعدها) أي: بعد الأربعة أشهر (وقبل الوقف) أي: ضرب مدة الإيلاء له (صار كالحالف على) ترك الوطء (أكثر منها) أي: من الأربعة أشهر (إذا مضت يمينه قبل وقفه) فلا تضرب له مدة التربص؛ لأن الإيلاء قد انحل بالكفارة.
(فإن قال: والله لا وطئتُكِ أربعة أشهر، فإذا مضت فوالله لا وطئتُكِ أربعة أشهر؛ فهو حالف) علي ترك الوطء (وليس بمؤل) لأن كلَّ واحد من الزمانين لا تزيد مدته على أربعة أشهر (لكن له حكم المؤلي؛ لما بان) أي: ظهر (من قصده من الإضرار بها. قال في "الفصول": وهو الأشبه بمذهبنا؛ ولأنه لو ترك الوطء مضرًّا بها من غير يمين؛ ضُربت له مدة الإيلاء، فكذا مع اليمين وقصدِ الإضرار.
وكذلك) الحكم (في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعهما على أربعة أشهر، كثلاثة أشهر وثلاثة، أو ثلاثة وشهرين) أو شهر وأربعة.
(وإن قال: والله لا كَلَّمتُكِ، أو): والله (لا كَلَّمتُكِ سنة؛ لم يكن مؤليًا؛ لأنه يمكنه وطؤها ولا يكلمها) فليس بحالف على ترك وطئها.
فصل
(وإن قال: والله لا وطئتُكِ إن شئتِ، فشاءت ولو متراخيًا؛ فمؤل) لأنه علق الإيلاء بشرط، وقد وجد.
(و) إن قال: والله (لا وطئتُكِ إلا أن تشائي، أو) إلا أن (يشاء أبوك،
أو إلا باختيارك، أو إلا أن تختاري؛ فليس بمؤل) لأنه عَلَّقه بفعل يمكن وجوده في ثلث سنة إمكانًا غيرَ بعيدٍ، وليس بمُحَرَّم، وليس فيه مضرَّة، أشبه ما لو علقه على دخولها الدار.
(و) إن قال: والله (لا وطئتُ واحدةً منكن؛ فمؤل منهنَّ) لأن النكرة في سياق النفي تعمُّ، ولا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بالحنث، فإن طَلَّق واحدةً منهن أو ماتت؛ كان مؤليًا عن البواقي؛ لأنه تعلق بكل واحدة منفردة، فـ (ـيحنث بوطء واحدة) منهن (وتنحلُّ يمينه) لأنها يمين واحدة (إلا أن يريد واحدة) منهن (بعينها؛ فيكون مؤليًا منها وحدها) لأن اللفظ يحتمله، وهو أعلم بنيته (وإن أراد واحدة) منهن (مبهمة؛ أُخرجت بقُرعة، لا بتعيينه) كالطلاق والعتق.
(و) إن قال: والله (لا وطئتُ كل واحدة منكن؛ فمؤل من جميعهن في الحال) لأن لفظه صريح في التعميم (وتنحلُّ يمينه بوطء واحدة) منهن؛ لأنها يمين واحدة (ولا يقبل قوله: نويتُ واحدة منهن، معينة، أو مبهمة) لأن لفظةَ "كُلّ" أزالت الخصوص.
(و) إن قال: والله (لا أطؤكنَّ؛ لم يصر مؤليًا) في الحال، لأنه يمكنه وطء كل واحدة بغير حنث (حتى يطأ ثلاثًا، فيصير مؤليًا من الرابعة) لأن المنع حينئذ يصير في الرابعة محققًا، ضرورة الحنث بوطئها، وابتداء المدة حينئذ (وإن مات بعضهن، أو طلقها؛ انحلَّت يمينه، وزال) حكم (الإيلاء) لأنه يمكنه وطء الباقيات بغير حنث (فإن راجع المطلقة، أو تزوَّجها بعد بينونتها؛ عاد حكم يمينه) لكن لا يصير مؤليًا حتى يطأ ثلاثًا، فيصير مؤليا من الرابعة، كما تقدم.
(وإن آلى من واحدة) من زوجاته (ثم قال للأخرى: شَرِكتك معها)
أو: أنت شريكتها (لم يصر مؤليًا من الثانية) لأن اليمين بالله لا تصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة، والتشريك بينهما كناية، فلم تقع به اليمين، بخلاف الطلاق والظهار.
(و
يصح الإيلاء بكل لُغَةٍ،
ممن يُحسِن العربية، وممن لا يحسِنها) كالطلاق والعتق (فإن آلى بلغة لا يعرفها؛ لم يكن مؤليًا) عربية كانت أو عَجَميّة، كمن جرى على لسانه ما لا يقصده (ولو نوى موجَبَها عند أهلها) كما تقدم
(1)
في الطلاق.
(فإن اختلف الزوجان في معرفة) معنى (ذلك) اللفظ الصادر من الزوج (فقوله؛ إذا كان متكلمًا بغير لسانه) لأن الأصل إذًا عدم علمه معناه، وهو أدرى بحاله (فإن آلى) زوج (بلغته، وقال: جرى) اللفظ (على لساني من غير قصد) لمعناه (لم يُقبل في الحكم) لأنه خلاف الظاهر.
(وإن آلى من الرجعية؛ صح) إيلاؤه؛ لأنها زوجة (وابتداءُ المدَّة) التي تضرب له (من حين آلى) لا من حين الرجعة، كما قبل طلاقها.
(ولا يصح الإيلاء من) الزوجة (الرتقاء، و) لا من (القرناء) لأنه لا يمكن وطؤهما، فلا تأثير للحلف.
(الشرط الرابع) المتمم لشروط الإيلاء: (أن يكون من زوج) للآية (يمكنه الوطء) لأن الإيلاءَ: اليمينُ المانعة من الجماع، ويمين من لا يمكنه لا تمنعه، بل فعل ذلك متعذِّر منه (مسلمًا كان) المؤلي (أو كافرًا، حرًّا أو عبدًا، سليمًا أو خصيًّا، أو مريضًا يرجى برؤه) لعموم قوله تعالى:
(1)
(12/ 219).
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
…
}
(1)
الآية.
(فلا يصح إيلاء الصبي غيرِ المميز، ولا المجنون) لأنهما لا يدريان ما يصدر منهما (ولا) إيلاء (العاجز عن الوطء بجَبٍّ كامل، أو شلل) للذَّكرِ.
(ولو آلى) سليم (ثم جُبَّ) أي: قطع ذكره؛ بحيث لم يبق ما يمكن جماع به (بَطَل إيلاؤه) لأنه لا يطالب بالوطء مع عدم قدرته عليه.
(ويصح إيلاء السكران، و) إيلاء (المميز، كطلاقهما.
ولا يُشترط في صحة الإيلاء الغضبُ، ولا قصدُ الإضرار) قاله ابن مسعود
(2)
(كالطلاق) وقال ابن عباس: إنما الإيلاء في الغضب
(3)
.
(والإيلاء والظهار وسائر الأيمان في الغضب والرضا سواء) لعموم الأدلة.
(ومدة الإيلاء في الأحرار والرقيق سواء) لعموم النص؛ ولانها مدَّة ضُربتْ للوطء، أشبهت مدة العُنَّة.
(وإذا أسلم الذمي، لم ينقطع حكم إيلائه) كطلاقه وظهاره.
(و
لا حَقَّ لسيدِ الأمة في طلب الفِيئة،
و) لا في (العفو عنها، بل) الحق في ذلك (لها) لكون الاستمتاع يحصُل لها، فإن تَرَكَتِ المطالبةَ؛ لم يكن لمولاها المطالبةُ به؛ لأنه لا حَقَّ له، لا يقال: حَقُّه في الولد؛ لأنه لا يعزل عنها إلا بإذنه؛ لأنه لا يستحق على الزوج استيلادَ المرأة؛
(1)
سورة البقرة، الآية:226.
(2)
أخرج ابن أبي شيبة (5/ 141)، والعقيلي (2/ 283)، عن أبي عبيدة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: الإيلاء في الرضا والغضب.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (2/ 25) رقم 1876، والطبري في تفسيره (2/ 419).
بدليل أنه لو حلف ليعزلن عنها أو لا
(1)
يستولدها؛ لم يكن مؤليًا.
(ولو حلف) السيد (ألا يطأ أَمَته) لم يكن مؤليا؛ لما تقدم؛ ولأنه لا حق لها في الوطء.
(أو) حلف إنسان لا يطأ امرأة (أجنبية مطلقًا، أو) حلف لا يطؤها (إن تزوَّجها؛ لم يكن مؤليًا) لظاهر الآية.
(و) يصح الإيلاء من الزوجة (سواء كانت الزوجة حرة أو أمة، مُسلِمة أو كافرة، عاقلة أو مجنونة، صغيرة أو كبيرة) لعموم: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
(2)
.
(وتُطالِبُ) زوجةٌ (غيرُ مكلفة إذا كُلِّفت) لا قبل ذلك؛ لعدم صحة دعواها.
فصل
(وإذا صَحَّ الإيلاء) لاجتماع شروطه الأربعة (ضُربت له) أي: المؤلي (مدةُ أربعة أشهر، ولا يُطالب بالوطء فيهن) أي: في الأربعة أشهر؛ لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
(2)
.
(وابتداء المُدَّة من حين اليمين، ولا تفتقر إلى ضرب حكم، كمدة العِدة) لأنها ثبتت بالنص والإجماع
(3)
.
(فإذا مضت) الأربعة أشهر (ولم يطأ، ولم تُعْفِه) مَن آلى منها
(1)
في "ذ": "ولا يستولدها".
(2)
سورة البقرة، الآية:226.
(3)
الإجماع لابن المنذر ص / 105، والإشراف على مذاهب العلماء (4/ 225 - 226)، والإقناع في مسائل الإجماع (3/ 1333) رقم 2456.
(ورافعته إلى الحاكم، أمره بالفَيئة) -بكسر الفاء- مثل الصيغة؛ ذكره في "الصحاح"
(1)
.
(وهي) أي: الفِيئة (الجماع) سُمِّي جماع المؤلي فِيئة؛ لأنه رجوع إلى فعلِ ما تَرَكه بحَلفه، من الفيء، وهو الظل بعد الزوال؛ لأنه رجع من المغرب إلى المشرق.
(فإن أبى) المؤلي الفِيئة (أمره) الحاكم (بالطلاق) لقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
(2)
.
(فإن لم يُطَلِّق) المؤلي (طَلَّق الحاكم عليه، كما يأتي آخر الباب.
ولا تطلق بمجرَّد مضي المُدَّة) قال أحمد
(3)
: يوقف عن أكابر الصحابة. وقال في رواية أبي طالب: قال ذلك عمر
(4)
، وعثمان
(5)
،
(1)
(1/ 63) مادة (فيأ) وضُبطت في اللسان (1/ 125) بالفتح والكسر.
(2)
سورة البقرة، الآية: 226 - 227.
(3)
انظر: مسائل عبد الله (3/ 1119 - 1126)، ومسائل صالح (1/ 147 - 149، 2/ 180 - 183، 3/ 67 - 68) رقم 40 - 41، 743، 1355 - 1356. ومسائل ابن هانئ (1/ 231) رقم 1121 - 1122، ومسائل الكوسج (4/ 1639 - 1640، 1693، 1872) رقم 1006، 1068، 1252.
(4)
أخرجه الطبري (2/ 433، 435 - 436)، وإسماعيل القاضي كما في المحلى (10/ 46).
(5)
ذكره البخاري تعليقًا في كتاب الطلاق، باب 21، رقم 5291، بصيغة التمريض، ووصله الشافعي في الأم (5/ 265)، وعبد الرزاق (6/ 458) رقم 11664، وابن أبي شيبة (5/ 132)، والطبري في تفسيره (2/ 433)، والدارقطني (4/ 62)، والبيهقي (7/ 377)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 105) رقم 14918، وابن حجر في تغليق التعليق (4/ 466)، كلهم عن طاوس، عن عثمان =
وعلي
(1)
، وابن عمر
(2)
، وجعل يثبت حديث علي، ورواه البخاري عن ابن عمر
(3)
.
قال: ويذكر عن أبي الدرداء، وعائشة، واثنى عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
.
= قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 428): في سماع طاوس من عثمان نظر.
وأخرجه -أيضًا- الدارقطني (4/ 62)، والبيهقي (7/ 377) من وجه آخر، قال ابن حجر في الفتح: الطريقان عن عثمان يعضد أحدهما الآخر.
(1)
ذكره البخاري معلقًا في كتاب الطلاق، باب 21، رقم 5291، بصيغة التمريض، ووصله مالك في موطئه (2/ 556)، والشافعي في الأم (5/ 265)، وعبد الرزاق (6/ 457) رقم 11656 - 11657، وسعيد بن منصور (2/ 30 - 31) 1906 - 1912، وابن أبي شيبة (5/ 131)، والطبري في تفسيره (2/ 433)، والدارقطني (4/ 61)، والبيهقي (7/ 377)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 105) رقم 14916 - 14917، وابن حجر في تغليق التعليق (4/ 466)، وقال في فتح الباري (9/ 428): سنده صحيح.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 556)، والشافعي في الأم (5/ 265)، وعبد الرزاق (6/ 458) رقم 11661، وسعيد بن منصور (2/ 32) رقم 1911، الطبري في تفسيره (2/ 435)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (11/ 106) رقم 14920.
(3)
في كتاب الطلاق، باب 21، رقم 5291، معلقًا، وقد وصله مالك وغيره كما تقدم آنفا.
(4)
البخاري في كتاب الطلاق، باب 21 بعد حديث رقم 5291.
وأثر أبي الدرداء رضي الله عنه: أخرجه أيضًا عبد الرزاق (6/ 457) رقم 11658، وسعيد بن منصور (2/ 32 - 33) رقم 1917، والطبري في تفسيره (2/ 434)، والبيهقي (7/ 378)، موصولًا.
وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه -أيضًا- الشافعي في الأم (5/ 265)، وعبد الرزاق (6/ 457) رقم 11658، وسعيد بن منصور (2/ 32) رقم 1914، وابن أبي شيبة (5/ 132)، والطبري في تفسيره (2/ 434)، والبيهقي (7/ 378)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 105) رقم 14919، وابن حجر في تغليق التعليق (4/ 467)، =
وقال سليمان بن يسار: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يقفون المُؤلي؛ رواه الشافعي والدارقطني بإسناد جيد
(1)
.
وقال ابن مسعود
(2)
، وابن عباس
(3)
: إذا مضت أربعة أشهر، فهي تطليقة بائنة. وقال مكحول
(4)
، والزهري
(5)
: تطليقة رجعية. ورُدَّ بظاهر الآية، فإن الفاء للتعقيب، ثم قال:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} ولو وقع
(6)
بمضي المُدَّة، لم يحتج إلى عزمٍ عليه، وقوله:{سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقتضي أن الطلاق مسموع، ولا يكون المسموع إلا كلامًا؛ ذكره في "المبدع" ملخصا.
(فإن كان به) أي: المؤلي (عُذْرٌ في المُدَّة يمنع الوطء -ولو طارئًا-
= موصولًا.
وأثر اثني عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أخرجه -أيضًا- الدارقطني (4/ 61)، ومن طريقه البيهقي (7/ 377)، وابن حجر في تغليق التعليق (4/ 468)، موصولًا.
(1)
الشافعي في الأم (5/ 265)، والدارقطني (4/ 61 - 62). وأخرجه أيضًا: البخاري في التاريخ الكبير (2/ 166)، وسعيد بن منصور (2/ 32) رقم 1915، وابن أبي شيبة (5/ 132)، والبيهقي (7/ 376)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 105) رقم 14915.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 454 - 455) رقم 11641، 11645 - 11646، وسعيد بن منصور (2/ 27) رقم 1886، وابن أبي شيبة (5/ 128)، والطبري في تفسيره (2/ 429)، والبيهقي (7/ 379).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 454 - 456) رقم 11641، 11644، 11646، 11649، وسعيد بن منصور (2/ 28) رقم 1891 - 1892، وابن أبي شيبة (5/ 129)، والطبرى في تفسيره (2/ 429)، والبيهقي (7/ 379 - 380).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 456 - 457) رقم 11653 - 11654، وابن أبي شيبة (5/ 130).
(5)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 456) رقم 11651، وابن أبي شيبة (5/ 130).
(6)
في "ح" زيادة: "الطلاق".
بعد يمينه، كحَبْسه، وإحرامه، ونحوه؛ احتُسب عليه بمُدَّته) أي: العذر؛ لأن المانع من جهته، وقد وُجِد التمكين الذي عليها، ولذلك لو أمكنته من نفسها، وامتنع؛ وجبت لها النفقة.
(وإن كان) العذر (المانع) من وطئها (من جهتها، كصغرها، ومرضِها، وحبسِها، وصيامها واعتكافها الفَرْضين، وإحرامِها، ونِفاسِها، وغيبتها، ونُشوزِها، وجنونها، ونحوه) كالإغماء عليها (وكان) ذلك العذر (موجودًا حال الإيلاء؛ فابتداء المُدَّة من حين زواله) لأن المُدَّة تضرب لامتناعه من وطئها، والمنع هنا مِن قِبَلِها.
(وإن كان) العذر (طارئًا في أثناء المُدَّة؛ استؤنِفت) الأربعة أشهر (من وقت زواله) ولم تُبْنَ علي ما مضى؛ لقوله تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} وظاهره يقتضي أنها متوالية، فإذا قطعتها وجب استئنافها، كمُدَّة الشهرين في صوم الكفارة (إن كان قد بقي منها) أي: من المُدَّة التي حلف لا يطؤها فيها (أكثرُ من أربعة أشهر، وإلا) أي: وإن لم يكن بقي منها أكثر من أربعة أشهر، بل أربعة فأقل (سقط حكم الإيلاء) كما لو حلف على ذلك ابتداء.
(ولا تَبني على ما مضى) إذا حدث عذرٌ مما سبق (كمُدَّة الشهرين في صوم الكفارة) إذا انقطع التتابع يستأنفهما (إلا الحيض، فإنه يُحتسب عليه) أي: المؤلي (مدته
(1)
) إذا كانت حائضًا (وقت الإيلاء، ولا يقطع) الحيضُ (مُدَّتَه إن طرأ) في أثنائها؛ لأنه لو منع لم يُمكن ضرب المدة؛ لأن الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر، فيؤدِّي ذلك إلى إسقاط حكم الإيلاء.
(1)
في "ح" و"ذ": "بمدته".
(وإنْ آلى) من زوجته بعد الدخول (في الرِّدة) أي: ردته، أو رِدتها، أو رِدتهما (فابتداء المدة من حين رجوع المرتد منهما إلي الإسلام) إن كان ذلك في العِدَّة (فإن طرأت الرِّدة في أثناء المُدة؛ انقطعت
(1)
، وحرم الوطء، فإذا عاد إلى الإسلام؛ استؤنفت) المُدَّة (سواء كانت الردة منهما، أو من أحدهما.
وكذلك إن أسلم أحد الزوجين الكافرين) بعد الدخول، وكان آلى منها، فابتداء المدة من حين يُسلِم الآخر في العِدة؛ لأنه صار ممنوعا من وطئها بغير
(2)
يمين.
(وإن طَلَّقها في أثناء المُدَّة بعِوض، أو بثلاث، أو أبانها بفسخ، أو خلع، أو بانت برِدَّة، أو إسلام أحدهما، أو انقضت عِدَّةُ الرجعة
(3)
) بعد أن آلى منها في المدة (انقطعت المُدَّة) لما تقدم.
(فإن عاد فتزوَّجَها، وقد بقي من المُدة) التي حلف لا يطؤها فيها (أكثرُ من أربعة أشهر؛ عاد حُكمُه) فتضرب له المُدَّةُ.
(وإن كان الطلاق رجعيًّا، ولم تنقض العِدة) قبل مُدَّة التربص (بَنَتْ) على ما مضى قبل الطلاق؛ لأن الرجعية زوجة، فإذا تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدة الطلاق؛ وقف، فإن فاء؛ وإلا أُمِرَ بالطلاق (فإن راجعها) في العِدَّة قبل انقضاء مدة التربُّص (بَنَتْ أيضًا على ما مضى من المدة؛ لما تقدم.
(وإن آلى من زوجته الأمة، ثم اشتراها، ثم أعتقها، وتزوَّجها) عاد
(1)
في "ح": "انقضت".
(2)
في "ذ": "من غير يمين".
(3)
"الرجعة" كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (3/ 578):"الرجعية".
الإيلاء (أو كان المؤلي عبدًا، فاشترته امرأته) التي آلى منها (ثم أعتقته، ثم تزوَّجته؛ عاد الإيلاء) لأنه لم يوجد به اليمين
(1)
من حنث أو كفَّارة.
وكذا لو بانت الزوجة برِدة، أو إسلام منهما، أو من أحدهما، ثم تزوجها تزويجًا جديدا؛ عاد الإيلاء، وتستأنف المدة في جميع ذلك، سواء عادت إليه بعد زوج ثان أو قبله.
وكذا لو قال لزوجته: إنْ دخلتِ الدار فوالله لا جامعتُكِ، ثم طلقها، ونكحت غيره، ثم تزوَّجها، عاد حكم الإيلاء، فإن دخلتها في حال البينونة، ثم عاد فتزوجها، لم يثبت حكم الإيلاء في حقه؛ لأنه لا ينعقد بالحلف على الأجنبية؛ ذكره في "الشرح".
(وإن انقضت المُدَّة، وبها) أي: المرأة (عذرٌ يمنع الوطء) كحيض أو إحرام (لم تملك طلب الفيئة، ولا المطالبة بالطلاق) لأن الوطء ممتنع من جهتها؛ ولأن المطالبة مع الاستحقاق، وهي لا تستحق في هذه الأحوال (وتتأخَّر المطالبة) بالوطء أو الطلاق (إلى حين زواله) أي: العذر، إنْ لم يكن قاطعًا للمدة، كالحيض، أو كان العذر حَدَث بعد انقضاء المدةِ.
(وإن كان العذرُ به) أي: المؤلي (وهو) أي: العذر (مما يَعجز به عن الوطء، من مرض، أو حبس يُعذر فيه) بأن كان ظلمًا، أو على دين لا يمكنه أداؤه (أو غيرِه) أي: الحبس، كالإحرام (لزمه أن يفيء بلسانه في الحال، فيقول: متى قدرت جامعتك) هذا قول ابن مسعود
(2)
(1)
كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ":"لأنه لم يوجد ما تنحل به اليمين".
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 139).
وجمع
(1)
؛ لأن القصد بالفَيِئة ترك ما قصده من الإضرار، وقد ترك قَصْدَ الإضرار بما أتى به من الاعتذار، والقول مع العذر يقوم مقام فِعلِ القادر، بدليل إشهاد الشفيع على الطلب بالشُّفعة، ولا يحتاج أن يقول: ندمت؛ لأن الغرض أن يظهر رجوعه عن المُقام على اليمين.
(وإن كان محبوسًا بحق يمكنه أداؤه؛ طولب بالفِيئة؛ لأنه قادر عليها بأداء ما عليه) من الدَّيْن، فلا عُذر له (فإن لم يفعل) أي: يؤدِّ ما عليه مع قدرته عليه ليفيء (أُمِرَ بالطلاق) كغير المحبوس.
(وإن كان عاجزًا عن أدائه) أي: أداء ما حُبس عليه (أو) كأن (حُبس ظلمًا؛ أُمر) أن يأتي (بِفَيئة المعذور) فيقول: متى قَدَرت جامعتُكِ، كما سبق.
(ومتى زال عذره) أي: عذر المؤلي، من حبس أو غيره (وقدر علي الفِيئة، وطُولب بها؛ لزمه) أن يفيء (إن حَلَّ الوطءُ) بأن لم يكن بها مانع من نحو حيض؛ لأنه أخَّر حقَّها لعجزه عنه، فإذا قَدَر عليه، لزمه أن يوفيها إيَّاه كالدَّين على المعسر، إذا قَدَر عليه (فإن لم يفعل) أي: يطأ (أُمِرَ بالطلاق) كما لو لم يكن فاء بلسانه؛ لأن الفَيئة باللسان مجرَّد وعدٍ، وحقها الأصلي باقٍ، ولا مانع من فعله.
(وإن كان) المؤلي (غائبًا، لا يمكنه القدوم، لخوفٍ) بالطريق (أو نحوه؛ فاء فَيئة المعذور) لأنه معذور، فيقول: متى قَدَرت جامعتُها (وإن أمكنها القدوم، فلها أن توكِّلَ من يطالبُه بالمسير إليها، أو حملها إليه) ليوفيها حقها من الفِيئة (أو) يطالبه بـ (ـالطلاق) إن لم يفعل؛ لأنه غير
(1)
منهم: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق، والزهري، والحسن، وعطاء، وأبو قلابة، كما في مصنف عبد الرزاق (6/ 461، 463).
معذور إذًا.
(وإن كان) المؤلي (مظاهِرًا؛ لم يؤمر بالوطء) لأنه محرَّمٌ عليه قبل التكفير، فهو عاجز عنه شرعًا، أشبه المريض (ويقال له: إما أن تُكَفِّر) وتفيء (وإما أن تطلق) إزالة لضررها.
(فإن طلب الإمهال ليطلب رقبة يُعتِقُها، أو طعامًا يشتريه) ويطعمه للمساكين إن كان عاجزًا عن العتق والصوم (أمهل ثلاثة أيام) لأنها مدة قريبة، فالظهار كالمرض عند الخِرقي ومن تابعه، وكذا الاعتكاف المنذور؛ ذكره في "المبدع".
(وإن عُلم أنَّه) أي: المظاهر (قادر على التكفير في الحال، وإنما قصده المدافعة؛ لم يُمهل) لأنه إنما يُمهل للحاجة، ولا حاجة هنا.
(وإن كان فَرْضُه الصيام) لقدرته عليه، وعجزه عن العتق، وطَلَب أن يُمهل ليصوم (لم يُمهل حتَّى يصوم) شهرين متتابعين؛ لأنه كثير (بل) يؤمر أن (يُطَلِّق. وإن كان قد بقي عليه) أي: على المظاهر (من الصيام مدةٌ يسيرة) عرفًا (أُمهل فيها) كسائر المعاذير.
(وإن وطئها في الفَرْج وطئًا مُحرَّمًا، مثلَ أن يطأ) ها (في الحيض، أو النفاس، أو الإحرام، أو صيام فرض من أحدهما، أو) وطئها (مُظاهِرًا؛ فقد فاء إليها) لأن يمينه انحلَّت، فزال حكمها، وزال عنها الضرر (وعصى بذلك) لتحريمه (وانحل إيلاؤه) لأن الوطاء قد وُجد، واستوفت المرأة حقها.
و (لا) تحصُل الفِيئة (إن وطئها دون الفرج، أو في الدُّبُر) لأن الإيلاء يختص بالحلف على ترك الوطء في القُبُل، والفِيئة الرجوع عن ذلك، فلا تحصُّل بغيره، كما لو قبَّلها؛ ولأن ذلك -أيضًا- لا يزول به
ضرر المرأة.
(وإن أراد الوطء في حال الإحرام، أو) أراد الوطء في (الصيام الفرض، أو) أراد الوطء (قبل تكفيره للظِّهار، فمنعته؛ لم يسقط حقها) من طلب الفِيئة؛ لأنه وطء حرام إذًا، فلا يلزم التمكين منه (كما لو منعته في الحيض) من الوطء.
(وليس على من فاء بلسانه كفارة، ولا حنث) لأنه لم يفعل المحلوف عليه، وإنما وعد بفعله.
(وإن كان) المؤلي (مغلوبًا على عقله بجنون أو إغماء؛ لم يُطالب) بالفِيئة ولا بالطلاق (حتَّى يزول ذلك) الجنون أو الإغماء؛ لأنه لا يصلح للخطاب، ولا يصح منه الجواب
(1)
.
(وإن قال) المؤلي: (أمهلوني حتى أقضيَ صلاتي، أو) حتى (أتغدَّى، أو حتى ينهضِمَ الطعام، أو حتى أنام؛ فإني ناعس، أو حتى (أفطر من صومي، أو) حتَّى (أرجع إلى بيتي؛ أُمْهِلَ بقدر الحاجة فقط) لأن العادة تقتضيه، وزمنه يسير.
(فإن كانت الزوجة صغيرةً أو مجنونةً؛ فليس لها المطالبة) لأن قولها غير معتبر (ولا لوليِّها) لأن هذا طريقه الشهوة، فلا تدخله الولاية.
(فإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما؛ لم يُحتَسَب عليه بالمُدَّة) لأن المنع من جهتها.
(فإن كان وطؤهما ممكِنًا، فأفاقتِ المجنونةُ، وبلغت الصغيرةُ قبل انقضائها) أي: مُدَّة الحلف (فلهما المطالبة) إن تمَّت مُدَّة التربُّص؛ لأن الحق لهما ثابت، وإنما تأخَّر لعدم إمكان المطالبة (فإذا لم يبقَ له عُذر،
(1)
زاد في "ح" و"ذ": "لتصحَّ الدعوى عليه".
وطَلَبت الفِيئة، فجامَعَ، انحلَّت يمينُه) لوجود المحلوف عليه (وعليه كفَّارتُها) لعموم النص (فإن كفَّر قبل الوَطء؛ انحلَّت يمينُهُ) بالتكفير (ولم يخرُج من الفِيئة) لعدم الوطء.
(ولو عَلَّق طلاقًا ثلاثًا بوطئها) بأن قال: إنْ وطئتُك فأنتِ طالق ثلاثًا (أُمر بالطلاق، وحرم الوطء) لوقوع الثلاث بإدخال الحَشَفة، فيكون نزعه في أجنبية، والنزع جماع؛ ولأنه طلاق بدعة؛ لأنه يقع بعد الإصابة، وفيه جمع الثلاث بكلمة.
(فإن أولج؛ فعليه النزعُ حين يولجُ الحَشَفة) لأنها بانت بذلك، فصارت أجنبية (ولا حدَّ ولا مهر) إن نزع في الحال؛ لأنه تارك.
(ومتى تمَّم الإيلاج، أو لبث؛ لَحِقَهُ نسبه) أي: نسب ولد أتت به من هذا الوطء (ووجب المهر) لهذا الوطء؛ لأنه حصل منه وطء مُحَرَّم في محل غير مملوك، فأوجب المهر، كما لو أولج بعد النزع (ولا حدَّ) عليه؛ للشبهة.
(وإن نَزَع ثم أولجَ، فإن جَهِلا التحريمَ؛ فالمهرُ) عليه (والنَّسَبُ لاحِقٌّ) به (ولا حدَّ) عليهما؛ لشبهة جهل التحريم (والعكسُ بعكسه) أي: وإن لم يجهلا؛ فلا مهر حيث مَكَّنت؛ لأنها زانية مطاوعة، ولا نسب، وعليهما الحدُّ؛ لأنه إيلاج في أجنبية بلا شُبهة.
(وإن علمه) أي: التحريمَ، الواطئُ (وَحْدَه؛ لزمه المهر) بما نال من فرجها (و) لزمه (الحدُّ) لأنه زانٍ عالم (ولا نسب) يلحقه؛ لما مرَّ.
(وإن عَلِمَتْه) أي: التحريم (وَحْدَها؛ فالحدُّ عليها، والنسب لاحقٌ) بالواطئ؛ لجهله (ولا مهر) لها؛ لأنها زانية مطاوعة.
(وكذا إن تزوَّجت) المطلقة (في عدَّتها) غير مُبِينها.
(ولو علَّق طلاق غيرِ مدخول بها بوطئها، فوطِئَها؛ وقع رجعيًّا) لأنه يقع عقب الوطء فتكون مدخولًا بها.
"تتمة" لو قال لزوجته: إن وطئتُكِ فأنتِ عليَّ كظهر أمي. فقال أحمد
(1)
: لا يقرَبها حتى يُكفِّر، مع أنه لا يصير مظاهرًا قبل الوطء، ولا يصح تقديم كفَّارة الظهار قبل
(2)
؛ لأنه سببها. وقال إسحاق
(3)
: قلت لأحمد، في من قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي إن قَرِبْتُك إلى سنة، فقال أحمد: إن جاءت تطلب، فليس له أن يعضُلها بعد مضيّ الأربعة الأشهر، يقال له: إما أن تفيء، وإما أن تطلِّق، فإن وطئها؛ فقد وجب عليه كفَّارة، وإن أبى وأرادت مفارقته؛ طَلَّقها الحاكم عليه. فينبغي أن تُحمل الرواية الأولى على الوطء بعد الوطء الَّذي صار به مظاهرًا؛ لما تقدم، ولتتفق الروايتان. أشار إليه الشارح، وفيه شيء.
(وأدنى ما يكفي من ذلك) أي: من الوطء في فِيئة المؤلي، ووقوع الطلاق المعلَّق على الوطء ونحو ذلك (تغييب الحَشَفة) إن كانت (أو قدرها) من مقطوعها (في الفرج) لأن أحكام الوطء تتعلَّق به (ولو من مُكْرَهٍ، وناسٍ، وجاهل) بالزوجة التي آلى منها، بأن اشتبهت عليه بغيرها، ونحوه (ونائم إذا استدخَلت ذكره، و) من (مجنون) لوجود الوطء (ولا كفَّارة عليه فيهنَّ) لعدم الحنث من الحالف.
(وإن لم يَفِئ) المؤلي بوطء من آلى منها (وأعفته المرأة؛ سقط؛ حقُّها) لأن الحق لها، وقد أسقطته (كعفوها) عن العِينِّين (بعد) مضي (مُدَّة
(1)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 176).
(2)
كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ":"قبله".
(3)
مسائل الكوسج (4/ 1693 - 1694) رقم 1068.
العُنَّة) وهي السَّنَة.
(وإن لم تُعفِه؛ أُمر بالطلاق) إن طلبته؛ لقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(1)
فإذا امتنع من أداء الواجب، فقد امتنع من الإمساك بالمعروف، فيؤمر بالتسريح بالإحسان.
(فإن طَلَّق) المدخولَ بها (واحدة؛ فله رَجعتها) ما دامت في العِدَّة (سواء أوقعه بنفسه، أو طَلَّق الحاكم عليه) لأنه طلاق صادف مدخولًا بها من غير عدد، ولا استيفاء عدد، فكان رجعيًّا، كالطلاق في غير الإيلاء، ويفارق فُرقة العُنَّة؛ لأنها فسخ لعيب.
(فإن لم يُطَلِّقْ، ولم يطأ، أو امتنع المعذور من الفِيئة بلسانه؛ طَلَّقَ الحاكم عليه) لأنه حقٌّ تعيَّن مستحقه، فدخلته النيابة، كقضاء الدين.
ويفارق من أسلم على أكثر من أربع، فإنه يُجبر على التخيير؛ لأن المستحق من النسوة غير معين؛ ولأنها خِيَرة تشهٍّ؛ بخلاف ما هنا.
(وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق) إلا أن تطلب المرأةُ ذلك (ولا) للحاكم (أن يُطَلِّقَ عليه؛ إلا أن تطلب المرأةُ ذلك) من الحاكم؛ لأنه حقٌّ لها، فلا يستوفيه بدون طلبها (فإن طَلَّقَ) الحاكم (عليه) أي: المؤلي (واحدة، أو) أكثر (اثنتين، أو ثلاثًا، أو فَسَخَ؛ صَحَّ) ذلك؛ لأن الحاكم قائمٌ مقام الزوج، فملك ما يملكه (والخيرة في ذلك للحاكم) فيفعل ما فيه المصلحة.
قلت: تقدَّم أن إيقاع الثلاث بكلمة واحدة مُحَرَّم، فهنا أولى.
(وإن قال) الحاكم: (فَرَّقت بينكما؛ فهو فَسْخٌ) لا ينقص به عدد
(1)
سورة البقرة، الآية:229.
الطلاق، ولا تحل له إلا بعقد
(1)
جديد.
(وإن ادعى) المؤلي (أن المُدَّة) أي: مُدَّة التربص، وهي الأربعة أشهر (ما انقضت، وادَّعت) المرأة (مُضِيَّها؛ فقوله مع يمينه) لأن الأصل عدم انقضائها.
(وإن ادَّعى أنَّه وطئها، فأنكرته، وكانت ثيبًا؛ فقوله) كما لو ادَّعى الوطء في العُنَّة؛ ولأنه أمرٌ خفيٌّ لا يُعلم إلا من جهته، فَقُبِلَ فيه
(2)
، كقول المرأة في حيضها (مع يمينه) للخبر
(3)
، وكالدَّين؛ ولأن ما تدعيه المرأة محتمل، فوجب نفيه باليمين (ولا يُقضى فيه بالنُّكُول) عن اليمين (نصًّا
(4)
) لأنه ليس بمال، ولا يقصد به المال.
(وإن كانت بكرًا، واختلَفَا في الإصابة) بأن ادَّعى أنَّه وطئها، وأنكرته (وادَّعت) بـ (ــأنها عَذراء) أي: بكر (فشهدت امرأةٌ عدلٌ بثيوبَتِها؛ فقولُهُ) كما لو كانت ثيبًا (وإن شهدت) عدل (بكارتها؛ فقولها) لأنه اعتضد بالبينة، إذ لو وطئها لزالت بكارتها (فإن لم يشهد لها أحدٌ) بزوال البكارة ولا بقائها (فقوله) كما لو كانت ثيبًا.
ومن قلنا: القول قوله؛ فعليه اليمين؛ لأنه حقٌّ لآدمي يجوز بَذْله، فيستحلف فيه، كالديون، ولعموم:"واليمينُ على من أنكر"
(5)
.
(1)
في "ذ": "إلا بعد عقد جديد".
(2)
في "ح" و"ذ": "فقبل قوله فيه".
(3)
أي: البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. وقد تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).
(4)
مسائل الكوسج (4/ 1873 - 1874) رقم 1254، والكافي (4/ 546)، والمبدع (8/ 29).
(5)
تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).
كتاب الظهار
كتاب الظهار
مشتق من الظَّهْر، سُمِّي بذلك لتشبيه الزوجة بظهر الأم، وإنما خصَّ الظهر دون غيره؛ لأنه موضع الركوب، إذِ المرأة مركوبة إذا غُشيت، فقوله: أنت عليَّ كظهر امي، اي: رُكوبُكِ للنكاح حرام عليَّ كركوب أمي للنكاح، فأقام الظهر مقام المركوب؛ لأنه مركوب، وأقام الركوب مقام النكاح؛ لأن الناكح راكب. ويقال: كانت المرأة تحرم بالظهار على زوجها ولا تُباح لغيره، فنقل الشارع حكمه إلى تحريمها بالعود، ووجوب الكفارة
(1)
، وأبقى محلّه، وهو الزوجة.
(وهو مُحَرَّم) إجماعًا؛ حكاه ابن المنذر
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}
(3)
، وقول المُنكَر والزور من أكبر الكبائر؛ للخير
(4)
. ومعناه: أن الزوجة ليست كالأم في التحريم؛ لقوله
(1)
في "ذ": "فنقل الشارع حكمه إلى تحريمها ووجوب الكفارة بالعود".
(2)
لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة، ولا في غيرها من كتب الإجماع.
(3)
سورة المجادلة، الآية:2.
(4)
أخرج البخاري في الشهادات، باب 10، حديث 2654، وفي الأدب، باب 6، حديث 5976، وفي الاستئذان، باب 35، حديث 6273 - 6274، وفي استتابة المرتدين، باب 1، حديث 6919، ومسلم في الإيمان، حديث 87، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور
…
الحديث.
وأخرجه البخاري -أيضًا- في الشهادات، باب 10، حديث 2653، وفي الأدب، باب 6، حديث 5977، وفي الديات، باب 2، حديث 6871، ومسلم في الإيمان، =
تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}
(1)
، وقوله:{وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ}
(2)
؛ ولحديث أوس بن الصامت: "حين ظاهر من زوجته خُوَيلة
(3)
بنت مالك بن ثعلبة، فجاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم تشتكيه، فأنزل الله أوَّل سورة المجادلة" رواه أبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم
(4)
. وفيه أحاديث أخر تأتي.
= حديث 88، عن أنس رضي الله عنه.
(1)
سورة المجادلة، الآية:2.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:4.
(3)
المشهور في اسمها خَوْلة كما تقدم (12/ 186) تعليق رقم (3).
(4)
أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2214 - 2215، وابن حبان "الإحسان"(10/ 107) حديث 4279، من حديث خُوَيلة بنت مالك رضي الله عنها. وأخرجه -أيضًا- أحمد (6/ 110)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (2/ 399)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 53 - 54) حديث 3257 - 3258، وابن الجارود (3/ 65) حديث 746، والطبري في تفسيره (28/ 5)، والطبراني في الكبير (1/ 225، 24/ 247) حديث 616، 633 وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3310 - 3312) حديث 7601 - 7603، والبيهقي (7/ 389، 391 - 392)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1831)، والواحدي في أسباب النزول ص / 473، والمزي في تهذيب الكمال (28/ 312)، كلهم من طريق محمد بن إسحاق، عن معمر بن عبد الله بن حنظلة، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن خُوَيلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها.
قال ابن كثير في تحفة الطالب ص / 266: وإسناده صالح. وحسَّنه ابن حجر في الفتح (9/ 433). وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 464): يرويه ابن إسحاق، عن معمر بن عبد الله بن حنظلة، عن يوسف، ومعمر هذا لم يذكر بأكثر من رواية ابن إسحاق عنه، فهو مجهول الحال.
وأخرجه الحاكم (2/ 481) من حديث عائشة رضي الله عنها. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الخلع، باب 33، حديث 3460، وفي الكبرى (3/ 368) حديث 5654، وابن ماجه في الطلاق، باب 25، حديث 2063، وأحمد (6/ 46)، وأبو =
(وهو أن يُشبِّه) الزوجُ (امرأتَهُ، أو) يُشَبِّه (عضوًا منها) أي: من امرأته (بظهر مَن تَحْرُم عليه على التأبيد) كأُمّه وأخته مِن نسب أو رَضاع، أو حَماته (أو) يُشبِّه ذلك بظهر من تحرم عليه (إلى أمَدٍ) كأخت امرأته وعَمّتها وخالتها.
(أو) يُشبِّه امرأته أو عضوًا منها (بها) أي: بمن تَحْرُم عليه على التأبيد، أو إلى أمَد (ولو) كان التشبيه المذكور (بغير العربية) ممن
= يعلى (8/ 214) حديث 4780، والطبري في تفسيره (28/ 5 - 6)، والإسماعيلي في معجمه (1/ 451)، والسهمي في تاريخ جرجان ص / 389، والبيهقي (7/ 382)، والواحدي في أسباب النزول ص / 471، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 291)، كلهم من طريق الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها. وفيه: خَوّلة بنت ثعلبة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في الفتح (13/ 374): وهذا أصح ما ورد في قصة المجادلة، وتسميتها.
وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2220، وعمر بن شبّة في تاريخ المدينة (2/ 398)، والطبري في تفسيره (28/ 6)، والحاكم (2/ 481)، والبيهقي (7/ 382)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 115) حديث 14968، من طرق عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن جميلة كانت امرأة أوس بن الصامت
…
الحديث. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو داود (2219) -أيضًا- من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة -مرسلًا- أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت .. الحديث، قال الحافظ في الفتح (13/ 374): والرواية المرسلة أقوى.
وأخرجه سعيد بن منصور (2/ 13): حديث 1824، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 30)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3312) حديث 7603، والبيهقي (7/ 389 - 390)، والبغوي في شرح السنة (9/ 241) حديث 2364، عن عطاء بن يسار، أن خُوَيلة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت فتظاهر منها
…
الحديث. قال البيهقي: هذا مرسل، وهو شاهد للموصول قبله. يعني حديث خُوَيلة.
يحسنها، كالإيلاء، والطلاق (ولو اعتقد الحِلَّ) أي: حِلَّ المشبَّه بها من أمّ وأخت (كمجوسيّ) قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أختي، وهو يعتقد حِلَّ أخته، فلا أثر لاعتقاده ذلك، ويكون مظاهرًا؛ لأنه اعتقاد لا سند له، فنأمره بالكفَّارة إذا رافع إلينا، أو أسلم وقد وطئ.
(أو) يُشبِّه امرأتَهُ أو عضوًا منها (بعضوٍ منها) أي: ممن تَحْرُم عليه على التأبيد، أو إلى أَمَدٍ.
(أو) يُشبِّه امرأتَهُ أو عضوًا منها (بذكَرٍ) كأبيه، أو زيد (أو) يُشبِّه امرأتَهُ أو عضوًا منها (بعضو منه) أي: من الذَّكَر، كظهره، أو رأسه.
وأمثلة ما سبق (كـ) ـقوله لامرأته: (أنتِ كظهر أُمِّي، أو: أنتِ عليَّ كظهر) أمّي (أو): أنتِ عليَّ كـ (ـبطن) أمِّي (أو): أنتِ عليَّ كـ (ـيَدِ) أمّي (أو): أنتِ عليَّ كـ (ـرأس أمّي. أو): أنت عليَّ (كيد أختي، أو كوجه حَمَاتي، ونحوه) قال في "المبدع": الأحْماءُ في اللغة: أقارب الزوج، والأَخْتانُ: أقارب المرأة، والأصهار لكل واحد منهما. ونقل ابن فارس
(1)
أن الأحماء كالأصهار، فعلى هذا يقال: هذه حماةُ زيد، وحماة هند.
(أو يقول: ظهرُكِ) كظهر أمي، أو بطنها، ونحوه. (أو) يقول:(يدُكِ، أو رأسك، أو جلدك، أو فَرْجكِ عليَّ كظهر أمي، أو كيد أختي، أو عمّتي، أو خالتي، من نسب أو رضاع) في الكلّ.
(وإن قال): أنتِ عليَّ، أو يدكِ ونحوها عليَّ (كشعر أمِّي، أو) كـ (ـسِنِّها، أو) كـ (ـظُفُرِها) فليس بظِهار؛ لأنها ليست من الأعضاء الثابتة (أو شبَّه شيئًا من ذلك) أي: الشّعر والظُّفُر والسنّ ونحوها (من امرأته
(1)
مجمل اللغة (1/ 249 - 250، 2/ 543) مادة (حمو، صهر)، والمطلع ص / 345.
بأمِّه، أو بعضو من أعضائها) بأن قال: شعر امرأتي أو سِنها أو ظفرها عليَّ كأمي، أو كظهرها (أو قال: بروح أمِّي، أو عَرَقها، أو ريقها، أو دمعها، أو دمها) فليس بظِهار؛ لما سبق.
(أو قال: وجهي من وجهك حرام؛ فليس بظِهار) بل لغوٌ، نصَّ عليه
(1)
؛ لأنه يُستعمل كثيرًا في غير الظِّهار، ولا يُؤدِّي معناه.
(وإن قال: أنا مظاهر) فلغوٌ (أو) قال: (عليَّ الظِّهار) أو: عليَّ الحرام (أو: الحرام لي لازم؛ فلغوٌ) إلا مع نية أو قرينة (ومع نية أو قرينة) تدلُّ على الظِّهار (ظِهار) لأنه نوى الظِّهار بما يحتمله لفظه، فكان ظِهارًا، وتقدم
(2)
كلام "الفروع" و"تصحيحه": لو نوى به الطلاق.
(وكذا: أنا عليك حرام) يكون ظِهارًا مع نية أو قرينة؛ لأن تحريم نفسه عليها يقتضي تحريمَ كلِّ واحد منهما على الآخر.
(أو): أنا عليك (كظهر رجل) يكون ظِهارًا مع نية أو قرينة؛ لأن تشبيه نفسه بغيره من الرجال يلزم منه تحريمها عليه، كما تحرم على ذلك الغير، فيكون ظِهارًا، كما لو شبّهها بمن تحرم عليه، فإن لم تكن نية ولا قرينة؛ فلغوٌ.
(ويُكره أن يُسمِّيَ) أي: ينادي (الرّجل امرأته بمن تحرم عليه، كقوله لها: يا أختي، يا ابنتي، ونحوه) لما روى أبو داود "أن رجلًا قال لامرأةٍ: يا أخته
(3)
، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي أختك؟! فكَرِه ذلك ونهى عنه"
(4)
لأنه لفظ يُشبه الظِّهار (ولا يثبت به حكم الظِّهار؛ لأنه) ليس
(1)
المغني (11/ 65).
(2)
(12/ 225).
(3)
في "ذ": "قال لامرأته: يا أختي". وفي مصادر التخريج: "قال لامرأته: يا أُخيّة".
(4)
أبو داود في الطلاق، باب 16، حديث 2210. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق =
صريحًا في الظِّهار، و (ما نواه به) وكذا نداؤها له: يا أخاها ونحوه.
(وإن قال) لامرأته: (أنتِ عندي) كأمِّي، أو مثل أمِّي (أو) قال: أنتِ (منِّي) كأمِّي، أو مثل أمِّي (أو) قال: أنتِ (معي كأمِّي، أو مثل أمّي) كان مظاهرًا (أو) قال: (أنتِ عليَّ كأمِّي، كان مظاهرًا) لأنه شبَّه امرأته بأمِّه، أشبه ما لو شبَّهها بعضوٍ من أعضائها، وسواء نوى به الظِّهار، أو أطلق؛ لأنه الظاهر من اللفظ.
(وإن قال: أردت: كأمِّي في الكرامة؛ قُبِلَ حكمًا) لأنه ادَّعى بلفظه ما يحتمله، فَقُبِلَ.
(و)
إن قال: (أنتِ كظهر أُمي طالق؛ وقع الظِّهار والطلاق معًا)
لأنه أتى بصريحهما، وسواء كان الطلاق بائنًا أو رجعيًّا (و: أنتِ طالق كظهر أمِّي؛ طَلَقت) لأنه أتى بصريح الطلاق (ولم يكن ظِهارًا) جزم به في "الشرح"؛ لأنه أتى بصريح الطلاق أولًا، وجعل قوله:"كظهر أمِّي" صفةً له، فأشبه ما لو نوى به تأكيده (إلا أن ينويه) أي: الظِّهار، وجعلها في "المنتهى" كالتي قبلها.
(فإن نواه) أي: الظِّهار (وكان الطلاق بائنًا؛ فكالظهار من الأجنبية؛
= (7/ 152، 8/ 469) حديث 12595، 15930، والبيهقي (7/ 366)، من طرق عن خالد الحذاء، عن أبي تميمة الهجيمي.
قال المنذري في مختصر السنن (3/ 136): هذا مرسل.
وأخرجه أبو داود -أيضًا- في الطلاق، باب 16، حديث 2211، والبيهقي (7/ 316)، من طريق عبد السلام بن حرب، عن خالد الحذاء، عن أبي تميمة، عن رجل من قومه.
ثم قال أبو داود: ورواه عبد العزيز بن المختار، عن خالد، عن أبي عثمان، عن أبي تميمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه شعبة، عن خالد، عن رجل، عن أبي تميمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال المنذري (3/ 136): وذكر أبو داود ما يدل على اضطرابه.
لأنه أتى به) أي: بالظِّهار (بعد بينونتها بالطلاق. وإن كان) الطلاق (رجعيًّا؛ كان ظِهارًا صحيحًا) لأن الرجعية زوجة.
(و) قوله لامرأته: (أنتِ أمي، أو كأمي، أو مثل أمي، أو) قوله: (امرأتي أمي؛ ليس بظِهار) لأن هذا اللفظ ظاهرٌ في الكرامة، فتعيَّن حمله عليه عند الإطلاق؛ ولأنه ليس بصريحٍ فيه، لكونه غير اللفظ المستعمل فيه، كما لو قال: أنتِ كبيرة مثل أمي (إلا أن ينويه) أي: الظِّهار (أو يَقْرُنَ به) أي: بهذا اللفظ (ما يدلُّ على إرادته) أي: الظِّهار؛ لأن النية تُعَيِّن اللفظَ في المنويِّ، والقرينة شبيهة بها.
(وإن قال: أمِّي امرأتي، أو): أمِّي (مثل امرأتي؛ لم يكن مظاهِرًا) لأن اللفظ لا يصلح للظِّهار.
(و) قوله لامرأته: (أنتِ عليَّ كظهر أبي، أو كظهر غيره من الرجال) الأقارب، أو الأجانب (أو) قال: أنتِ عليَّ (كظهر أجنبية، أو) كظهر (أخت زوجتي، أو عمَّتها، أو خالتها ونحوه؛ ظِهار) لأنه شَبَّهها بظهر في تَحْرم عليه، أشبه ظهر الأم، وكذا إن شَبَّهها بالميتة؛ قاله في "المبدع".
(و) لو قال: (أنتِ عليَّ كظهر البهيمة) فلا ظِهار؛ لأنه ليس محلًّا للاستمتاع.
(أو) قال: (أنتِ حرام إن شاء الله؛ فلا ظِهار). وكذا لو قَدَّم الاستثناء؛ كقوله: "والله لا أفعل كذا إن شاء الله" بجامع أنها يمين مُكَفَّرة.
(و: أنتِ عليَّ حرام؛ ظِهار، ولو نوى طلاقًا) فقط، أو مع ظِهار (أو) نوى (يمينًا) لأنه تحريم أوقعه في الزوجة، فكان ظِهارًا، كتشبيهها بظهر أمّه، وحكاه إبراهيم الحربي عن
عثمان
(1)
وابن عباس
(2)
وغيرهما
(3)
.
(وإن قال ذلك) أي: أنتِ عليَّ حرام (لمُحرَّمَةٍ عليه بحيض أو نحوه) كنفاس أو إحرام (ونوى الظِّهار؛ فظِهار) لأن اللفظ يصلح له (وإن نوى أنّها مُحَرَّمةٌ عليه بذلك) أي: الحيض أو نحوه (أو أطلق) فلم ينو شيئًا (فليس بظِهار) لأنه صادق في تحريمها عليه؛ للحيض أو نحوه.
(وإن قال: الحِلُّ عليَّ حرام، أو: ما أحلّ الله لي) حرام (أو: ما أنقلبُ إليه حرام؛ فمظاهر) لتناول ذلك لتحريم الزوجة.
(وإن صَرَّحَ بتحريم المرأة، أو نواها، كقوله: ما أحَلَّ الله عليَّ حرام من أهل ومال؛ فهو آكد، وتجزئه كفَّارة الظِّهار؛ لتحريم المرأة والمال) لأنه يمين واحدة، فلا يوجب كفَّارتين، واختار ابن عقيل: يلزمه كفَّارتان، للظِّهار ولتحريم المال؛ لأنه لو انفردا وجب كذلك، فكذا إذا اجتمعا.
(و: أنتِ عليَّ كظهر أمِّي حرام) ظِهار (أو: أنتِ عليَّ حرام كظهر أمي؛ ظهار
(4)
) لأنه صريح فيه.
(1)
لم نقف عليه في مظانه من كتب إبراهيم الحربي المطبوعة، ولم نقف على من أخرجه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(2)
لم نقف عليه في مظانه من كتب إبراهيم الحربي المطبوعة، وأخرجه عبد الرزاق (6/ 404) رقم 11385، وذكره ابن حزم في المحلى (10/ 125)، وصححه.
(3)
منهم: أبو قلابة، وقتادة، أخرجه عبد الرزاق (6/ 404) رقم 11387 - 11389.
وقال ابن حزم في المحلى (10/ 125): وهو قول أبي قلابة، وسعيد بن جبير، ووهب بن منبه، وهو قول عثمان البَتي، وأحمد بن حنبل.
(4)
في "ذ" ومتن الإقناع (3/ 585): "كظهر أمي أو كأمي ظهار".
فصل
(ويَصحُّ) الظِّهارُ (من كلِّ زوج يَصحُّ طلاقُه) فكل زوج صَحَّ طلاقُه صَحَّ ظِهارُه؛ لأنه قول يختص النكاح، أشبه الطلاقَ.
(فيصحُّ ظِهارُ الصبيِّ المميز) لأنه يصح طلاقه (وقال الموفَّقُ: الأقوى عندي أنه لا يصحُّ من الصبي) ولو مميزًا (ظِهارٌ ولا إيلاءٌ) لأنه يمين مكفَّرة، فلم ينعقد في حقِّه، كاليمين؛ ولأن الكفَّارة وجبت لما فيه من قول المُنكَر والزُّور، وذلك مرفوع عن الصبي؛ لأن القلم مرفوعٌ عنه.
(ويصحُّ) الظِّهارُ (من الذِّمِّي) لأنه تجب عليه الكفَّارة إذا حَنِثَ، فوجب صحةُ ظِهاره كالمسلم، و (كجزاء صيد، ويُكَفِّر بغير صوم) إما بالعتق إن قَدَرَ، أو الإطعام؛ لأن الصوم لا يصح منه.
(ويصحُّ) الظِّهارُ (من السكران؛ بناءً على) صحة (طلاقه.
و) يصحُّ (من العبد) كالحُرِّ (ويأتي حكم تكفيره.
ويصحُّ) الظِّهارُ (ممن يُخْنَقُ في الأحيان في إفاقته، كطلاقه) في إفاقته؛ لأنه عاقل.
(ولا يصحُّ ظِهار الطفل، و) لا ظِهار (المُكْرَه، و) لا ظِهار (الزائل العقل، بجنون، أو إغماء، أو نوم، أو غيره) كشرب دواء، أو مُسْكِرٍ مكرَهًا؛ لأنه لا حكم لقولهم.
(و
يصحّ) الظِّهارُ (من كلِّ زوجةٍ،
كبيرةً كانت أو صغيرةً، حُرَّة أو أَمَةً، مسلمةً أو ذِمِّيَّة، وطؤها ممكن أو غير ممكن) لعموم الآية؛ ولأنها زوجة يصحُّ طلاقُها، فصحَّ ظِهارُها.
(فإن ظاهر) سيدٌ (من أمَته أو) من (أُمِّ ولده، أو قال لها) أي:
لأمَته، أو أُمِّ ولده:(أنتِ عليَّ حرام؛ فعليه كفَّارة يمين) كتحريم سائر ماله. وقال نافع: "حَرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جاريتَهُ، فأمره الله أن يُكَفِّرَ يمينَه"
(1)
.
(وإن قالت لزوجها: أنتَ عليَّ كظهر أبي، أو قالت: إن تزوَّجتُ فلانًا فهو عليَّ كظهر أبي؛ فليس بظِهار) للآية؛ ولأنه قول يوجب تحريم الزوجة، يملك الزوج رفعه، فاختصَّ به الرجل، كالطلاق.
(وعليها كفَّارته) أي: كفَّارة الظِّهار؛ لأن عائشة بنت طلحة قالت: "إن تزوجتُ مصعَبَ بن الزبير، فهو عليَّ كظهر أبي، فاستفتت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأفتَوْها أن تُعْتِق رقبةً وتتزوَّجه" رواه سعيد والأثرم والدارقطني
(2)
؛ ولأنها زوج أتى المُنكَر من القول والزور كالآخر؛ ولأن الظِّهار يمين مكفَّرة، فاستوى فيها المرأة والرجل؛ قاله أحمد
(3)
.
و (لا تجب) الكفَّارة (عليها حتى يطأها مطاوعةٌ) كالرجل إذا ظاهر منها (ويجب عليها تمكينُهُ قَبلَها) أي: قبل إخراج الكفارة؛ لأن ذلك حق
(1)
ذكره ابن حزم في المحلى (10/ 126) معلقًا عن الحجاج بن منهال، نا جرير بن حازم، عن نافع، به.
وأخرجه الشاشي في مسنده -كما في مسند الفاروق (2/ 614) -، والضياء المقدسي في المختارة (1/ 299) حديث 189، عن جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه، مرفوعًا.
قال ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 615): هذا إسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، وإنما اختاره الضياء في كتابه.
(2)
سعيد بن منصور (2/ 19) رقم 1848، والأثرم لعله رواه في سننه، ولم تطبع، والدارقطني (3/ 319). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 444) رقم 11596 - 11598. وذكره ابن حزم في المحلى (10/ 54).
(3)
مسائل حرب ص / 268 - 269، وانظر: مسائل عبد الله (3/ 1133) رقم 1562.
عليها، ولا يسقط يمينها، كاليمين بالله.
(وإن قال لأجنبية: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أو) قال لأجنبية: (إن تزوجتُكِ فأنتِ عليَّ كظهر أمي؛ لم يطأها إن تزوَّجها حتى يُكفِّر كفَّارة الظَّهار) لأنه إذا تزوَّجها تحقق معنى الظِّهار منها، وحيث كان كذلك امتنع وطؤها قبل التكفير. وعُلِم منه: صحة الظِّهار من الأجنبية، ورواه أحمد عن عمر
(1)
؛ لأنها يمين مكفَّرة، فصحَّ عقدها قبل النكاح، كاليمين بالله تعالى، والآية الكريمة خرجت مخرج الغالب.
والفرق بينه وبين الطلاق: أن الطلاق حَلُّ قيدِ النِّكاح، ولا يمكن حلُّه قبل عقده، والظَّهار تحريم الوطء
(2)
، فيجوز تقديمه على العقد،
(1)
لم نقف عليه مسندًا في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وأشار إليه صالح في مسائله (1/ 442، 3/ 138) رقم 438، 1512، وعبد الله في مسائله (3/ 1111) رقم 1533. وقد أخرجه موصولًا مالك في الموطأ (2/ 559)، وعبد الرزاق (6/ 435) رقم 11550 وسعيد بن منصور (1/ 252) رقم 1023، وابن أبي شيبة (5/ 19)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 136)، والبيهقي (7/ 383)، عن القاسم بن محمد، أن رجلًا جعل امرأةً عليه كظهر أمه إن تزوجها، فسأل عمر بن الخطاب فقال: إن تزوجها فلا يقربها حتى يكفِّر.
قال البيهقي: هذا منقطع، القاسم بن محمد لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقال الطحاوي: فكان هذا الحديث منقطع الإسناد غير متصل بعمر، فطلباه هل نجده عنه موصولًا؟ فوجدنا روح بن الفرج قد حدثنا، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني الليث عن يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب حدثه عن القاسم بن محمد، عن عمرو بن سليم أن رجلًا قال: يوم أنكح فلانة .. ثم ذكر هذا الحديث الذي ذكرناه عن مالك سواء. ثم ذكر الطحاوي ما يدل على لقاء عمرو بن سليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
في "ح" و"ذ": "للوطء".
كالحيض. وإنما اختص حكم الإيلاء بنسائه؛ لكونه يقصد الإضرار بهنَّ، والكفَّارة هنا وجبت لقول المُنكَر والزور، فلا يختصُّ ذلك بنسائه.
(وكذا إن قال: كلُّ النساء) عليَّ كظهر أمي (أو) قال: (كلُّ امرأة أتزوجُها عليَّ كظهر أمِّي، فإن تزوَّج نساء وأراد العود) أي: الوطء (فعليه كفَّارةٌ واحدة؛ وسواء تزوجهنَّ في عقد أو عقود) لأنها يمين واحدة، فلا توجب أكثر من كفَّارة.
(فإن قال للأجنبية
(1)
: أنتِ عليَّ كظهر أمِّي، وقال: أردتُ أنها مثلها في التحريم؛ دُيِّن) لأنه أدرى بما أراده (ولم يُقبل) منه (في الحكم) لأنه صريح في الظِّهار.
(وإن قال لها) أي: لأجنبية (أنتِ عليَّ حرام، وأراد: في كلِّ حال؛ فمُظَاهر) فلا يطؤها إذا تزوَّجها حتى يُكفِّر؛ لأن لفظة "الحرام" صريح في الظِّهار من الزوجة، فكذا الأجنبية (وإن أراد) أنها حرام (في تلك الحال) أي: حال كونها أجنبية (أو أطلق) فلم ينو شيئًا (فلا) ظِهار؛ لأنه صادق.
(ولو ظاهر من إحدى زوجتيه، ثم قال للأخرى: أشركتُكِ معها، أو: أنتِ مثلها؛ فصريحٌ في حق الثانية -أيضًا-) كالطلاق، وتقدم.
(ويصحُّ الظِّهار مُعجَّلًا) أي: منجزًا كما سبق.
(و) يصح (معلَّقًا بشرطٍ، نحو: إن دخلتِ الدار فأنتِ عليَّ كظهر أمي، أو: إن شاء زيد) فأنتِ عليَّ كظهر أمي (فمتى شاء زيد، أو دَخَلَتِ الدار، صار مظاهِرًا) لوجود شرطه.
(و) يصحُّ (مطلَقًا ومؤقَّتًا، نحو: أنتِ عليَّ كظهر أمي شهرًا، أو شهر رمضان، فإذا مضى الوقت، زال الظِّهار وحلَّت بلا كفَّارة، ولا يكون
(1)
في "ذ": "لأجنبية".
عائدًا إلا بالوطء في المُدَّة) لأن التحريم صادف ذلك الزمن دون غيره، فوجب أن ينقضي بانقضائه.
(و: أنتِ عليَّ كظهر أمي إن شاء الله) لا ينعقد ظِهاره، نصَّ عليه
(1)
؛ لأنها يمين مُكفَّرة، فصح فيها الاستثناء، كاليمين بالله.
(أو) قال: (ما أحلَّ الله عليَّ حرام إن شاء الله) لا ينعقد ظِهاره.
(أو) قال: (أنتِ عليَّ حرام إن شاء الله) لا ينعقد ظِهاره؛ لما تقدم.
(أو) قال: أنتِ عليَّ حرام ونحوه (إن شاء الله وشاء زيد، فشاء زيد) لا ينعقد ظِهاره؛ لأنه عَلَّقه على شيئين، فلا يحصل بأحدهما. (و: أنتِ إن شاء الله حرام ونحوه) كـ: أنتِ إن شاء الله عليَّ كظهر أمي (لا ينعقد ظِهاره) لما مرّ.
(و) إن قال: (أنتِ عليَّ حرام، ووالله لا واكلتكِ إن شاء الله؛ عاد الاستثناء إليهما) أي: للظِّهار واليمين بالله، فلا كفَّارة عليه فيهما؛ لأنَّ العطف صَيَّر الجملتين كالواحدة (إلا أن يريد) عوده إلى (أحَدِهما) فيختص بها؛ لأنَّ النية مخصصة.
فصل في حكم الظِّهار
(ويحرم على مظاهِر ومظاهَر منها الوطء) قبل التكفير؛ للآية؛ ولما روى عكرمة عن ابن عباس: "أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني ظاهرتُ من امرأتي فوقعتُ عليها قبل أن أُكفِّر، فقال: ما حملكَ على ذلك يرحمك الله؟ فقال: رأيت خَلْخَالها في ضوءِ القمر. فقال: لا تقربها حتى
(1)
المحرر في الفقه (2/ 90)، والمغني (11/ 70).
تفعل ما أمرك الله به" رواه أبو داود، والترمذي وحسَّنه، والنسائيُّ
(1)
،
(1)
أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2223، 2225، والترمذي في الطلاق، باب 19، حديث 1199، والنسائي في الطلاق، باب 33، حديث 3457، وفي الكبرى (3/ 367) حديث 5651.
وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الطلاق، باب 26، حديث 2065، وابن الجارود في المنتقى (3/ 67) حديث 747، والطبراني في الكبير (11/ 236) حديث 11599 - 11600، والحاكم (2/ 204)، والبيهقي (7/ 386)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 116) حديث 11972، من طرق عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعًا.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.
قال الحاكم: لم يحتج الشيخان بالحكم بن أبان، إلا أن الحكم بن أبان صدوق.
وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2221 - 2222، 2225، والنسائيُّ في الطلاق، باب 37، حديث 3458 - 3459، وفي الكبرى (3/ 367 - 368) حديث 5652 - 5653، وعبد الرزاق (6/ 430 - 431) حديث 11525 - 11526، وسعيد بن منصور (2/ 15 - 16) حديث 1825 - 1826، والبيهقي (7/ 386)، من طرق عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، مرسلًا.
وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2224، من طريق خالد عن مُحدِّث، والبيهقي (7/ 386)، عن ابن جريج عن عكرمة مرسلًا.
قال النسائي: المرسل أولى بالصواب من المسند. ورجح المرسل -أيضًا- أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (2/ 430، 434).
قال أبو بكر ابن العربي في عارضة الأحوذي (5/ 175): ليس في الظهار حديث صحيح يعول عليه. ورد عليه المنذري فقال: قد صححه الترمذي، ورجاله ثقات مشهور سماع بعضهم من بعض. انظر: نصب الراية (3/ 246)، والبدر المنير (8/ 159).
وقد روي من وجه آخر: أخرجه الحاكم (2/ 204)، والبيهقي (7/ 386)، من طريق إسماعيل بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعًا، بنحوه. =
وقال: المرسل أولى بالصواب.
(و) يحرم -أيضًا- (الاستمتاع منها بما دون الفرج قبل التكفير) لأنَّ ما حرَّم الوطء من القول حرَّم دواعيه، كالطلاق والإحرام.
(ومن مات منهما) أي: المظاهِر والمظاهَر منها (ورثه الآخر) وإن لم يُكفر، كالمؤلي منها.
(وتجب الكفَّارة) أي: تثبت في ذمته (بالعود، وهو الوطء في الفرج) لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}
(1)
فأوجب الكفَّارة عقب العود، وذلك يقتضي تعلقها به (ولا تجب قبل ذلك، إلا أنها شرطٌ لحِلِّ الوطء، فيؤمر بها من أراده؛ ليستحلَّه بها) كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حِلَّها؛ ولأن العود في القول هو فعل ضِد ما قال، كما أن العود في الهبة استرجاع ما وهب.
(وتقديم الكفَّارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها، لوجود سببها) وهو الظِّهار (كتعجيل الزكاة قبل الحَوْلِ بعد كمال النصاب) وكتقديم كفَّارة اليمين بعد الحَلِف وقبل الحنث.
(ولو مات أحدهما، أو طَلَّقها) المُظاهِر (قبل الوطء؛ فلا كفَّارة) عليه، ولو كان عزم على الوطء؛ لأنه لم يعد إلى ما قال؛ خلافًا لأبي الخطاب؛ لأن العود عنده: العزم على الوطء؛ وفاقًا لمالك
(2)
، وأنكره
= وذكره الزيلعي في نصب الراية (3/ 246) وقال: رواه البزار في مسنده وقال: لا يروى عن ابن عباس بأحسن من هذا، وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه، وروى عنه جماعة من أهل العلم.
(1)
سورة المجادلة، الآية:3.
(2)
انظر: المدونة الكبرى (3/ 65)، والتاج والإكليل (4/ 124).
أحمد
(1)
.
(فإن عاد) المُظاهِرُ بعد أن طلَّق المُظاهَرَ منها (فتزوَّجها؛ لم يطأها حتى يُكفِّر) سواء كان الطلاق ثلاثًا أو لا، وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أم لا؛ للآية، كالتي لم يطلِّقْها؛ ولأن الظِّهار يمين مكفَّرة، فلم يبطل حكمها بالطلاق، كالإيلاء.
(وإن وطئ) المظاهِرُ التي ظاهَر منها (قبل التكفير؛ أَثِمَ مكلَّفٌ) منهما، أو من أحدهما؛ لأنه عصى ربه بمخالفته أمره (واستقرَّت عليه) أي: المظاهِر (الكفَّارة، ولو مجنونًا) نص عليه
(2)
، فلا تسقط بعد ذلك، كالصلاة إذا غَفَلَ عنها في وقتها.
(وتحريمها) أي: المظاهَرِ منها (باقٍ عليه حتى يكفِّر) لظهاره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "لا تقربها حتَّى تفعل ما أمرك الله به"
(3)
. (وتجزئه كفارة واحدة) لحديث سلمة بن صخر
(4)
؛ ولأنه وُجِدَ الظِّهار
(1)
مسائل عبد الله (3/ 1132 - 1134) رقم 1562 - 1563، ومسائل صالح (3/ 242 - 243) رقم 1736، ومسائل الكوسج (4/ 1692) رقم 1067، ومسائل حرب ص / 264.
(2)
انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 239) رقم 1147، ومسائل الكوسج (4/ 1636) رقم 1002، ومسائل حرب ص / 266.
(3)
تقدم تخريجه (12/ 480)، تعليق رقم (1).
(4)
أخرج أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2213، 2217، والترمذي في الطلاق، باب 20، حديث 1200، وفي التفسير، باب 59، حديث 3299، وفي العلل الكبير ص / 175، حديث 306، وابن ماجه في الطلاق، باب 25، حديث 2062، وعبد الرزاق (6/ 431) حديث 11528، وأحمد (4/ 37، 5/ 436)، والدارميُّ في الطلاق، باب 9، حديث 2278، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (2/ 396)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 201 - 202) حديث 2185 - 2186، وابن الجارود (3/ 63 - 65) حديث 744 - 745، وابن خزيمة (4/ 73) حديث 2378، والطبراني في الكبير (7/ 42 - 44) حديث 6328 - 6331، =
والعود، فيدخل في عموم الآية.
(وإن ظاهر من امرأته الأمة، ثمَّ اشتراها) انفسخ النِّكاحُ، وحكم الظِّهار باقٍ، و (لم تحلَّ له حتى يكفِّر) للآية؛ ولأن الظِّهار لا يسقط بالطلاق المُزيل للملك والحِل، فبملك اليمين أولى.
(فإن أعتقها عن كفّارته) أي: كفارة ظِهاره منها (صَحَّ) العتق، وأجزأته حيث كانت مُسلِمة سليمة؛ لعموم الآية (فإن تزوَّجها بعد ذلك حلَّت له بلا كفارة) لأنَّ الكفَّارة قد تقدَّمت.
(فإن أعتقها في غير الكفَّارة) عن ظِهاره منها، بأن أعتقها تبرُّعًا، أو
= 6333 - 6334، والدارقطني (3/ 316 - 317)، والحاكم (2/ 203 - 204)، والبيهقي (7/ 385)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 120 - 121) حديث 11990 - 11999، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 238 - 241) حديث 185 - 187، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 297) حديث 1722، عن سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه، قال: كنت امرءًا أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئًا يُتَابَع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها. . . الحديث، في كفارة الظهار.
قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم في الموضع الأول: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال في الموضع الثاني: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في تحفة الطالب ص / 263: إسناده جيد. وقال ابن الملقن في البدر المنير (8/ 152): حديث جيد.
وأخرجه -أيضًا- الترمذي، حديث 1198، وفي العلل الكبير ص / 175، حديث 306، وابن ماجه، حديث 2064، والطبراني في المعجم الكبير (7/ 43) حديث 6332، والدارقطني (3/ 318)، والبيهقيُّ (7/ 386)، عن سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم -مختصرًا- في المظاهر يواقع قبل أن يكفر، قال: كفارة واحدة. وقال الترمذي: حسن غريب. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم.
قلنا: وانظر ما تقدم: (5/ 159) تعليق رقم (5).
عن نذرٍ، أو كفَّارةِ قَتْلٍ، أو ظِهار من امرأة له أخرى (ثمَّ تزوَّجها؛ لم تحلَّ له حتى يكفِّر) لظهاره منها؛ لبقائه، كما سبق.
(و
إن كَرَّرَ الظِّهار قبل التكفير؛ فكفَّارة واحدة،
في مجلس كان أو مجالس، نوى التأكيد والإفهام) أو الاستئناف (أو لم ينو) بأن أطلق؛ لأن ما بعد الأول قول لم يؤثِّر تحريمَ الزوجة، فلم تجب به كفارة ظهار، كاليمين بالله تعالى.
(وإن ظاهر، ثمَّ كفَّر، ثمَّ ظاهر؛ فكفَّارة ثانية) للظهار الثاني، قال في "المبدع": بغير خلاف؛ لأنه أثبت في المحل تحريمًا أشبه الأول.
(وإن ظاهر من نسائه بكلمةٍ واحدة، بأن قال: أنتُنَّ عليَّ كظهر أمِّي، فـ) ـــعليه (كفَّارة واحدة) بغير خلاف في المذهب؛ قاله في "الشرح" ورواه الأثرم
(1)
عن عمر وعلي؛ ولأنها يمين واحدة، فلم يجب بها أكثرُ من كفارة، كاليمين بالله.
(وإن كان) الظهار من نسائه (بكلمات، بأن قال لكل واحدة) منهن: (أنتِ عليَّ كظهر أمِّي؛ فلكل واحدة كفَّارة) لأنها أيمان في محالَّ مختلفةٍ، أشبه ما لو وجدت في عقود متفرقة، بخلاف الحدّ، فإنَّه عقوبة يدرأ بالشبهة.
(1)
لعله رواه في سننه، ولم تطبع.
وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 438 - 439) رقم 11566 - 11567، وسعيد بن منصور (2/ 15) رقم 1831، والدارقطني (3/ 319)، والبيهقيُّ 7/ 383 - 384)، وصححه البيهقي كما في مختصر الخلافيات (4/ 249)، وابن الملقن في البدر المنير (8/ 160).
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6/ 437) رقم 11560، بلفظ: إذا ظاهر مرارًا في مجلس واحد فكفارة واحدة، وإن ظاهر في مقاعد شتى فكفارات شتى، والأيمان كذلك.
فصل في كفَّارة الظِّهار وغيرها
مما هو في معناها، وذلك كفَّارة الوطء في نهار رمضان، وكفَّارة القتل.
فـ (ـــكفَّارة الظِّهار على الترتيب، فيجب تحرير رَقَبَةٍ، فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع؛ فإطعام ستين مسكينًا) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ. . .} الآيتين
(1)
؛ ولحديث خُوَيلة امرأة أوس بن الصامت حين ظاهر منها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"يعتق رقبةً، قالت -يعني امرأته-: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: شيخٌ كبير ما به من صيام، قال: فيُطْعِمُ ستين مسكينًا"
(2)
. وهذا في الحُرِّ، ويأتي حكم العبد.
(وكفَّارة الوطء في نهار رمضان مثلُها) فيما ذكر، وسبق ذلك.
(وكفَّارة القتل مثلُهما، لكن لا إطعام فيها) لأنه لم يُذكر في كتاب الله، ولو كان واجبًا لذكره، كالعتق والصيام.
(و
الاعتبار في الكفَّارات بحالة الوجوب)
لأنها تجب على وجه الطُّهرة، فكان الاعتبار بحال الوجوب (كالحدّ) نصّ عليه
(3)
(وإمكان الأداء مبني على زكاة) وتقدم
(4)
أنَّه ليس شرطًا لوجوبها، بل للزوم أدائها
(1)
سورة المجادلة، الآيتان: 3 - 4.
(2)
تقدم تخريجه (12/ 468) تعليق رقم (4).
(3)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 188)، والمغني (11/ 107).
(4)
(4/ 306).
(فإن وجبت) الكفَّارة (وهو موسر) بها (ثمَّ أعسر؛ لم يجزئه إلا العتق) لأنه هو الذي وجب عليه، فلا يخرج من العُهدة إلا به (وإن وجبت وهو معسِر، ثمَّ أيسر) لم يلزمه العتق (أو) وجبت (وهو عبد، ثمَّ عَتَق؛ لم يلزمه العتق) لأنه غير ما وجب عليه. لا يقال: الصوم بَدَلٌ عن العتق، فإذا وَجَدَ من يعتقه وجب الانتقال إليه، كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة أو فيها؛ للفرق بينهما، فإن الماء إذا وُجِدَ بعد التيمم بَطَلَ، بخلاف الصوم، فإن العتق لو وُجِدَ بعد فعله لم يبطل (وله) أي: للمُعْسِر إذا أيسر، والعبد إذا عَتَقَ (الانتقال إليه) أي: إلى العتق (إن شاء) لأنَّ العتق هو الأصل، فوجب أن يجزئه كسائر الأصول.
(ووقت الوجوب) في كفَّارة الظِّهار (من وقت العَوْدِ) وهو الوطء (لا) من (وقت المُظَاهَرة) لأنَّ الكفارة لا تجب حتى يعود.
(ووقته) أي: الوجوب (في اليمين) بالله (من) وقت (الحِنْثِ، لا) من (وقت اليمين) لأنها لا تجب حتى يحنث.
(و) وقتُ الوجوب (في القتل زمنُ الزُّهوق، لا زمنُ الجَرْح) لأنها لا تجب إلا بالزهوق.
(فإن شرع) من وجبت عليه كفَّارة الظِّهار، أو نحوها (في الصوم، ثمَّ قَدَرَ على العتق؛ لم يلزمه الانتقال إليه) لأنه لم يقدِر على العتق قبل تلبُّسِه بالصيام، أشبه ما لو استمرَّ العجز إلى ما بعد الفراغ؛ ولأنه وَجَدَ المبدلَ بعد الشروع في البدل، فلم يلزمه الانتقال إليه، كالمتمتع يجد الهدي بعد الشروع في صيام الأيام الثلاثة، ويفارق ما إذا وَجَدَ الماء في الصلاة، فإن قضاءها يسير.
"تنبيه" قوله: "فإن شرع. . ." إلى آخره، مبنيٌّ على رواية أن
الاعتبار بأغلظ الأحوال، كما يعلم من "المقنع" وغيره، فالأولى حذفه؛ لأنه لم يذكر الرواية التي هو مفرع عليها، أما على الأولى، فمتى وجبت وهو مُعْسِر؛ لم يلزمه العتق، شرع في الصوم أو لا، كما يعلم مما سبق.
(وله أن ينتقل إليه) أي: إلى العتق بعد الشروع في الصوم (و) له أن ينتقل (إلى الإطعام والكسوة في كفَّارة اليمين) لأنَّ ذلك هو الأصل، فوجب إجزاؤه، كسائر الأصول.
(وإن كفَّر الذِّميُّ) عن ظِهاره (بالعتق؛ لم يجزئه إلا رقبة مؤمنة) كالمسلم (فإن كانت في ملكه، أو ورثها) فأعتقها (أجزأت عنه) وحل له الوطء (وإلا فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة) لأنه لا يصح منه شراؤها؛ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
(1)
(ويتعيَّن تكفيره بالإطعام) لعجزه عن العتق والصيام (إلا أن يقول) الذِّميُّ (لمسلم: أعتقْ عبدَك) المسلمَ (عنِّي وعليَّ ثمنُهُ؛ فيصح) عتقه عنه، ويجزئه.
(وإن أسلم قبل التكفير بالإطعام، فكالعبد يعتق قبل التكفير بالصيام) لأنَّ الاعتبار بوقت الوجوب، فيجزئه الإطعام، وله أن يكفِّر بالعتق والصيام.
(وإن ظاهر وهو مسلم، ثمَّ ارتد، وصام في رِدته عن كفَّارته، لم يصح) صومه عنها، كسائر صومه.
(وإن كفَّر) المرتدُّ (بعتق أو إطعام؛ لم يجزئه، نصًّا
(2)
) لأنه محجورٌ عليه لحقِّ المسلمين، وقال القاضي: المذهب أنه موقوف.
(1)
سورة النساء، الآية:141.
(2)
الفروع (5/ 508).
فصل
(فمن مَلَكَ رَقَبةً) لزمه العتق (أو أمكنه تحصيلُها) أي: الرقبة (بما) أي: بشيء، من نَقْدٍ أو غيره (هو فاضِلٌ عن كفايتِه، وكفاية من يَمُونُه على الدوام، و) عن (غيرها) أي: غير كفايته وكفاية من يَمُونه (من حوائجِه الأصليَّة) لأنها قريبة من كفايته، ومساوية لها، بدليل تقديمها على غرماء المفلس (ورأس ماله كذلك) أي: رأس المال الذي يحتاجه لكفايته، وكفاية عياله، وحوائجه الأصلية، والكاف للتعليل، كما قيل في قوله تعالى:{كَمَا هَدَاكُمْ}
(1)
(و) عن (وفاء دَينِهِ، ولو لم يكن مطالبًا به) أي: بالدَّين؛ لأن ما استغرقته حاجة الإنسان كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل، كمن وَجَدَ ماءً يحتاجه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمّم (بثمن مِثلها) لأن ما حصل بأكثر من ثمن المِثل يجوز له الانتقال، كالمتيمِّم (لزمه العتق) إجماعًا
(2)
؛ قاله في "المبدع"(وليس له الانتقال إلى الصوم إذا كان حرًّا مسلمًا) لقدرته على الرقبة.
(ولو كان له عَبْدٌ اشتبه بعبدِ غيرِه أمكنه العِتقُ) وكذا لو اشتبهت أَمَته بأَمةِ غيره (بأن يعتق الرقبة التي في ملكه، ثم يُقْرِع بين الرقاب، فيعتق) أي: يظهر عتق (من وقعت عليه القُرعة) هذا قياس المذهب؛ قاله القاضي وغيره.
(ومن له خادمٌ يحتاج إلى خدمته، إما لكِبَرٍ، أو مَرَضٍ، أو زَمَانة،
(1)
سورة البقرة، الآية:192.
(2)
انظر: الإجماع لابن المنذر ص / 106، ومراتب الإجماع ص / 146.
أو عِظَمِ خَلْقٍ، ونحوه، مما يُعجِز عن خدمة نفسه) كهزال مفرط (أو يكون) مَن له خادم (ممن لا يخدِمُ نفسه عادة، ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته) لم يلزمه العتق.
(أو له دار يسكنها) لم يلزمه العتق بثمنها.
(أو) له (دابة يحتاج إِلَى ركوبها، أو) إِلَى (الحمل عليها، أو) له (كُتُب علم يحتاجها، أو) له (ثياب يتجمَّل بها) لم يلزمه العِتق بثمنها (إذا كان ذلك صالحًا لمِثله) لأنه في حكم العدم، كمن معه ماء يحتاج إليه لعطشٍ أو نحوه.
(أو لم يجد رقبةً إلا بزيادة عن ثمن مثلها، تُجحِف به؛ لم يلزمه العتق) لأن عليه ضررًا فِي ذلك (وإن كانت) الزيادة (لا تُجحِف به؛ لزمه) العتق، كما لو وجدها بثمن مِثلها.
(وإن وَجَدَ ثمنها -وهو محتاجٌ إليه- لم يلزمه شراؤها) لما فيه من الضرر عليه.
(وإن كان له مال يحتاجه لأكل الطَّيِّب، ولُبْسِ النَّاعم، وهو مِن أهله؛ لزمه شراؤها) أي: الرقبة (لعدم عِظَم المشقَّة).
(وإن كان له خادم يخدِمُ امرأتَه، وهو) أي: الزوج (ممن عليه إخدامها) لكون مثلها لا يخدِمُ نفسه؛ لم يلزمه العتق، كما لو احتاجه لخدمة نفسه.
(أو كان له رقيقٌ يتقوَّتُ بخَرَاجِهم، أو) له (عَقَار يحتاج إلى غَلَّتِهِ، أو عَرْضٌ للتجارةِ ولا يَستغني عن رِبْحه فِي مُؤْنته) ومُؤْنة عياله وحوائجه الأصلية (لم يَلْزمه العتقُ) لأنه غير فاضل عن حاجته.
(وإن استغنى عن شيء من ذلك، مما يُمكِنه أن يشتري به رقبةً؛
لزمه) العتق؛ لقدرته عليه بلا ضرر.
(فلو كان له خادم يُمكِنُ بيعُهُ، ويشتري به) أي: بثمنه (رقبتين يستغني بخِدمة إحداهما، ويُعتِقُ الأخرى؛ لَزِمه ذلك. وكذا لو كان له ثيابٌ فاخرةٌ تزيد على ملابس مِثْله، يمكنه بيعُها، وشراء ما يكفيه في لِباسه، و) شراء (رقبةٍ يُعتقها) فِي كفارته (أو له دار) فوق ما يحتاجها (يمكنه بيعها، وشراء ما يكفيه لسُكنى مثله، ورقبة) يعتقها بالباقي؛ لزمه؛ لأنه أمكنه العتق بلا ضرر.
(أو) له (صنعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه به شراء رقبة، ويُراعى فِي ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة؛ لزمه) العتق؛ لأنها بثمن مثلها، ولا يعد شراؤها بذلك ضررًا، وإنما الضرر في إعتاقها، وذلك لا يمنع الوجوب، كما لو كان مالكًا لها.
(ويُستثنى من ذلك: لو كانت له سُرِّيّة؛ لم يلزمه إعتاقها؛ وإن أمكنه بيعها، و) أمكنه (شراء سُرِّيّة أخرى، و) شراء (رقبة يُعتقها؛ لم يلزمه ذلك) لأن الغرض قد يتعلَّق بعينها، بخلاف الخادم.
(وإن وَجَدَ رقبةً) تُباع (بثمنِ مثلها، إلَّا أنها رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابًا من غير جنسها؛ لزمه شراؤها) مع عدم غيرها، وكون ثمنها فاضلًا عن حاجته، كما تقدم؛ لقدرته على العتق بلا ضرر.
(وإن وُهِبَتْ له رقبة) يُعْتِقها (لم يلزمه قَبولها) كما لو وُهِب له ثمنها؛ لما فيه من المنَّة عليه، بخلاف ماء التيمم؛ لعدم تموّله عادة.
(وإن كان ماله غائبًا، وأمكنه شراؤها) أي: شراء رقبة يُعتِقها (بـ) ــــثمن (نسيئة) لزمه ذلك (أو كان ماله دينًا مَرْجُوَّ الوفاء) وأمكنه شراء الرقبة نسيئة (لزمه ذلك) لأنه قادر عليها بما لا مَضرَّة فيه (فإن لم تُبَعْ
بالنسيئة؛ جاز الصومُ، ولو فِي غير كفَّارة الظِّهار) للحاجة، وكالعادم، وفي "الشرح": إذا كان يرجو الحضور قريبًا لم يجز الانتقال إِلَى الصيام؛ لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة، وإن كان بعيدًا جاز الانتقال في غير كفَّارة الظِّهار؛ لأنه لا ضرر فِي الانتظار. وهل يجوز في كفَّارة الظِّهار؟ على وجهين، أحدهما: لا يجوز؛ لوجود الأصل فِي ماله، والثاني: يجوز؛ لأنه يحرم عليه المسيس، فجاز له الانتقال للحاجة.
فصل
(ولا يجزئُ فِي جميع الكفَّارات، و) فِي (نَذْرِ العِتق المُطلَقِ؛ إلَّا) عتق (رقبةٍ مؤمنة) حكاه ابن المنذر إجماعًا
(1)
في كفَّارة القتل؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}
(2)
، وما عدا كفَّارة القتل؛ فبالقياس عليها؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:"أعْتقها فإنَّها مؤمنة" رواه مسلم
(3)
من حديث معاوية.
(سليمةٍ من العيوب المُضِرَّة بالعمل ضررًا بيِّنًا) لأن المقصود تمليك الرقبة منافعها، وتمكينها من التصرُّف لنفسها، ولا يحصُل هذا مع ما يضرُّ بالعمل ضررًا بيِّنًا (كالعمى) لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع (و) كـ (ــــقَطْع اليدين، أو إحداهما، أو) قطع (الرجلين، أو إحداهما، أو أشلِّ شيء من ذلك) أي: من اليدين، أو إحداهما، أو الرِّجلين، أو
(1)
الإجماع ص / 106، والإشراف (4/ 245).
(2)
سورة النساء، الآية:92.
(3)
فِي المساجد ومواضع الصلاة، حديث 537.
إحداهما؛ لأن اليد آلةُ البطش، والرجل آلة المشي، فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلف إحداهما، أو شللها.
(أو قطع إبهام اليد، أو قطع أنملة منه) أي: من إبهام اليد (أو) قطع (أُنملتين من غيره) أي: غير الإبهام، كالسَّبَّابة والوسطى (كقطْع الكُلِّ) أي: كل ذلك الإصبع الذي قطع أنملتاه (أو قطع سبابتها أو الوسطى) من يد (أو قطع الخِنْصَرِ والبِنْصِر من يد واحدة) لأن نفع اليد يزول بذلك.
(وقَطْعِ أنملة واحدة من غير الإبهام، ولو) كان قطع الأنملة (من الأصابع الأربع لا يمنع الإجزاء) لأن نفع اليد باقٍ لم يَزُل بذلك.
(ويجزئُ من قُطِعت خِنصِرُه) فقط (أو) قُطِعت (بِنْصِرُه) فقط (أو قُطِعت إحداهما من يدٍ، و) قُطِعت (الأخرى من اليد الأخرى) بأن قُطِعت الخِنْصِر من اليمنى والبِنْصِر من اليسرى أو بالعكس؛ لأن نفع الكفّين باقٍ.
(و) يجزئ (من قُطِعت أصابع قدمه كلها) هذا ما اختاره المصنف تبعًا لجماعة، وفي "التنقيح" وتبعه فِي "المنتهى": حكم الرِّجْلِ فِي ذلك كاليد، وقد ذكرتُ كلامَه -فِي حاشيته على "التنقيح"- في "حاشية المنتهى"
(1)
.
(1)
"وعبارته فِي حاشية المنتهى: تنبيه: تبع المصنف رحمه الله تعالى المنقح في التسوية بين اليد والرجل فيما تقدم. قال الحجاوي في الحاشية: ولم نر من قاله غيره فيما اطلعنا عليه من كلام الأصحاب، وظاهر كلامهم خلافه؛ ولأن ذلك لا يضر قطع إبهامها أو غيرها بل لو قطعت أصابع الرجل كلها، أجزأ؛ قطع به فِي الرعاية الكبرى، والمنقح فهم ما قاله من كلام الفروع: "وقيل فيهن من يد" ففهم أن المقدم أن حكم القطع من الرجل حكم القطع من اليد كما صرح به فِي الإنصاف. انتهى. وبهذا تعلم أن قوله: من يد، احترازًا عما لو كان من يد، لا عما إذا كان من رجل. انتهى بحروفه" ش.
(و) يجزئ (الأعرج يسيرًا، و) يجزئ - أيضًا - (من يُخْنَق في الأحيان.
و) تُجزئ (الرَّتْقاء، والكبيرة التي تقْدِر على العمل، والأَمَة المزوَّجة، والحُبْلى؛ وله استثناءُ حَمْلِها، والمُدَبَّر، وولد الزِّنى، والصغير؛ حيث كان محكومًا بإسلامه) تبعًا لأحد أبويه، أو لِسَابِيهِ، أو للدار.
(و) يجزئ (الأعور، والمؤجر، والمرهون، ولو كان الراهن معسرًا) وينفذ عتقه، ويتبعه المرتهن بدينه إن حل، أو قيمة العبد تجعل رهنًا مكانه إذا أيسر، وتقدم في الرهن
(1)
.
(و) يجزئ (الخصيُّ، ولو مجبوبًا، والأقرعُ، والأبخر، والأبرص، وأصمُّ غير أخرس) لأن هذه العيوب كلها لا تضرُّ بالعمل ضررًا بيّنًا.
(و) يجزئ (الجاني) لأن جنايته لا تمنع صحة عتقه، ولا تضرُّ بعمله (ولو قُتل في الجِنَاية) لأن الإجزاء حصل بمجرَّد العتق، ولا يرتفع عتقُهُ بذلك.
(و) يجزئ (الأحمقُ، وهو الذي يعمل القبيحَ والخطأ على بصيرة؛ لقلّة مبالاته بما يعقبه من المضارّ.
ويجزئ مقطوعُ الأنف، و) مقطوع (الأذنين، ومن ذهب شَمُّه) لأن ذلك لا يضرُّ بالعمل.
(ولا يجزئ مريض مأيوس من بُرئِه، كمرض السِّلِّ) بكسر السين، وتقدم؛ لأنه يندُرُ برؤه، ولا يتمكن من العمل مع بقائه.
(1)
(8/ 175 - 176).
(ولا) يجزئ - أيضًا - (النَّحيف العاجز عن العمل) لأنه كالمريض المأيوس من بُرئه (وإن كان) النحيف (يتمكَّن من العمل أجزأ، كمريض يُرْجى برُؤه، كمَن به حُمَّى ونحوه) كصُداع؛ لأن ذلك لا يمنعه من العمل.
(ولا يُجزئ جنين، وإن وُلِدَ حيًّا) لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا بعد.
(ولا) يُجزئ (زَمِن، ولا مُقعَد) لعجزهما عن العمل.
(ولا) يُجزئ (غائبٌ لا يُعْلم خبره) لأنه مشكوك في حياته، والأصل بقاء شَغل الذِّمة، ولا يبرأ بالشك. لا يقال: الأصل الحياة؛ لأنه قد علم أن الموت لا بُدَّ منه، وقد وُجِدت دلالة عليه، وهو انقطاع خبره (فإن أعتقه) أي: الغائب (ثم تبيّن أنه حيٌّ؛ أجزأ) لأنه عتق صحيح.
(ولا) يجزئ (مجنون مُطبِق) لأنه معدوم النفع، ضرورة استغراق زمنه في الجنون، وفي معناه الهَرِم؛ قاله في "الرعاية".
(ولا) يجزئ (أخرس لا تُفهم إشارته) لأن منفعته زائلة، أشبه زوال العقل (فإن فُهمت) إشارته (وفَهِمَ) أي: الأخرس (إشارةَ غيره، أجزأ) عتقه؛ لأن الإشارة تقوم مقام الكلام (ولا أخرسُ أصمُّ؛ ولو فُهِمت إشارتهُ) لأنه ناقص بفقد حاستين تنقص بفقدهما قيمته نقصًا كثيرًا.
(ولا من عُلِّق عِتْقُه بصفة، عند وجودها) كما لو قال لعبده: إن دخلتَ الدارَ فأنتَ حُرٌّ، ثم دخلها، ونوى السيد حال دخوله أنه عن كفَّارته؛ لم يُجزئه؛ لأن عتقه مستحق بسبب آخر، وهو الشرط (فإن عَلَّق عِتقَه للكفَّارة) بأن قال: إن اشتريتك فأنت حُرّ للكفَّارة، ثم اشتراه لها؛ أجزأ؛ لأن عتقه للكفارة (أو) علّق عتق عبد بصفة، كقدوم زيد، ودخول
الدار، ثم (أعتقه قبل وجود الصفة؛ أجزأ) لأنه أعتق عبده الذي يملكه عن الكفَّارة.
(ولا) يجزئ (من يَعْتِقُ عليه بالقرابة) لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}
(1)
والتحرير: فِعل العتق، ولم يحصُل هنا بتحرير منه، ولا إعتاق، فلم يكن ممتثلًا للأمر. ويفارق المشتري البائعَ من وجهين: أحدهما: أن البائع يعتقه، والمشتري لا يعتقه، وإنما يعتق بإعتاق الشارع من غير اختياره. الثاني: أن البائع لا يُسْتَحَقُّ عليه إعتاقه، بخلاف المشتري.
(ولا من اشتراه بشرط العِتق) لأنه إذا فعل ذلك، فالظاهر أن البائع نقصه من الثمن لأجل هذا الشرط، فكأنه أخذ عن العتق عوضًا.
(ولو قال له) أي: للمظاهِر، ونحوه ممن عليه كفارة (رجلٌ) أو امرأة:(أعتقْ عبدَكَ عن كفَّارتك ولك عَشَرة دنانير، ففعل) أي: أعتقه لذلك (لم تجزئه عن الكفَّارة) لاعتياضه عن العتق (وولاؤه له) لعموم حديث: "الولاء لمن أعتق"
(2)
(فإن رَدَّ) المُعتِق (العشرة بعد العتق على باذلها، ليكون العتق عن الكفَّارة؛ لم يجزئ) العتق (عنها) لأن العتق ابتداءً وقع غير مجزئ، فلم ينقلب مجزئًا برد العوض.
(وإن قصد) المُعتِق ابتداءً (العتقَ عن الكفارة وحدها، وعزم على ردّ العشَرة، أو ردّ العشَرة قبل العتق، وأعتقه عن كفارته؛ أجزأ) عتقه عن كفارته؛ لتمحضه لها.
(وإن اشترى عبدًا ينوي إعتاقَه عن كفّارته، فوجد به عيبًا لا يمنع
(1)
سورة المجادلة، الآية:3.
(2)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
الإجزاء في الكفّارة) كالعَوَر (فأخذ أرْشه، ثم أعتقه عن كفَّارته؛ أجزأه) عتقه عنها؛ لعدم المانع (وكان الأرش له) كما لو لم يعتقه (فإن أعتقه قبل العلم
(1)
، ثم ظهر على العيب، فأخذ أرشه؛ فهو) أي: الأرش (له - أيضًا -) كما لو أخذه قبل إعتاقه. وعنه
(2)
: أنه يصرف الأرش في الرقاب.
(ولا تجزئ أمُّ ولدٍ) لأن عتقها مُستحَقَّ بسبب آخر، كَرَحِمِهِ المحرم (ولا) يجزئ - أيضًا - (ولدُها الذي ولدته بعد كونها أُمّ ولد) لأنه تابع لها، وحكمه حكمها.
(ولا) يجزئ (مُكاتَبٌ قد أدَّى من كتابته شيئًا) لأنه إذا أدَّى شيئًا فقد حصل العوض عن بعضه، فلم يَجْزِ، كما لو أعتق بعض رقبة (ولا مغصوب) لعدم تمكنه من منافعه (ولا من أوصى) ربُّه قبل موته (بخدمته أبدًا) وقَبِلَ الموصى له ذلك؛ لنقصه.
(ولو أعتق عن كفَّارته عبدًا لا يجزئ) عتقه (في الكفَّارة) كأقطع (نَفَذَ عتقه) لأنه عِتق من مالك جائز التصرُّف (ولم يجزئ عنها) أي: الكفارة؛ لما تقدم
(3)
.
(ومن أعتق غيرُهُ عنه عبدًا بغير أمْرِه) في كفَّارة، أو غيرها (لم يَعْتِقْ عن المُعْتَق عنه إذا كان حيًّا) لأنه لم يحصل منه عتق، ولا أمر به مع أهليته (وولاؤُه) أي: العتيق (لمُعتِقِهِ) لحديث: "الولاء لمن أعتق"
(4)
(ولا يجزئ عن كفَّارته) أي: كفَّارة المعتَق عنه (وإن نوى) المعتِق
(1)
في "ح" و"ذ": "قبل العلم بالعيب".
(2)
المغني (13/ 523).
(3)
(12/ 491).
(4)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(ذلك) لأن العِتقَ لم يصدر ممن وجبت عليه الكفَّارة، حقيقة، ولا حكمًا.
(وكذا من كفَّرَ عنه غيرُه بالإطعام) بغير إذنه؛ فإنه لا يجزئه؛ لعدم النية ممن وجبت عليه الكفَّارة (فأما الصيام؛ فلا يصح أن ينوبَ عنه) أحد (ولو بإذنه) لأنه عبادة بدنية محضة، فلا تدخله النيابة، كالصلاة.
(وإن أعتقه عنه بأمره) بأن قال له: أعتق عبدك عني (ولو لم يجعل) الآمر (له عوضًا) عن عتقه عنه، فأعتقه عنه (صَحَّ العِتْقُ عن المُعْتَق عنه، وله ولاؤُه، وأجزأ عن كفَّارته) ويُقَدَّر أنه انتقل من ملك المأمور إلى الآمر حال العتق، وكان العتق من الآمر؛ لأن المأمور كالوكيل عنه.
(فإن كان المُعتَقُ عنه ميتًا، وكان) الميت (قد أوصى بالعتق؛ صَحَّ) العتق؛ لأن الموصى إليه كالنائب عن الموصي.
(وإن لم يوصِ) قبل موته بالعتق (فأعتق عنه أجنبيٌّ؛ لم يصح) أي: لم يَجْز عتقه؛ لأنه لا ولاية له عليه، وقد تقدم أنه يجزئ في الولاء.
(وإن أعتق عنه) أي: الميِّت (وارثُه، ولم يكن عليه) أي: الميت (واجبُ) عِتق (لم يصح) عتقه (عنه) لأنه إذًا كالأجنبي (ووقع) العتق (عن المُعتِق) الأجنبي، أو الوارث، وتقدّم في الولاء
(1)
أنه يصح ويقع عن الميِّت.
(وإن كان عليه عتق واجب؛ صَحَّ) من الوارث عتقه عنه؛ لأنه وليُّه.
(فإن كان عليه) أي: الميِّت (كفَّارة يمين، فأطعم عنه) الوارث (أو كسا) عشرة مساكين (جاز) لأنه قائم مقام الميِّت ونائب عنه.
(1)
(10/ 535).
(وإن أعتق عنه) أي: عن الميِّت في كفَّارة اليمين (ففيه وجهان) تقدم في الولاء
(1)
أنه يصح.
(ولو قال مَن عليه الكفَّارة) أي: كفَّارة اليمين لغيره: (أطْعِمْ) عن كفارتي (أوِ اكْسُ عن كفَّارتي؛ صَحَّ) ذلك كالآمر بالعتق، سواء (ضَمِن له عوضًا أو لا
(2)
) أي: أم لم يضمن له عوضًا؛ لأنه أذنه في الإخراج عنه.
(ولو ملك نصف عبدٍ، فأعتقَه عن كفَّارته وهو مُعسِرٌ، ثم اشترى باقيَه، فأعتَقَه) عن كفّارته (أجزأه)؛ لأنه أعتق رقبة كاملة في وقتين، كما لو أطعم المسكين في وقتين (فإن أعتقه) أي: أعتق العبد المشترك (كلّه عن كفَّارته وهو موسِرٌ
(3)
) بقيمة نصيب شريكه (سرى) العتق (إلى نصيب شريكه، وعَتَق، ولم يجزئه) نصيب شريكه (عن كفَّارته) لأنه لم يحصل بالمباشرة، بل بالسِّراية، كما لو أعتق نصفَ عبدٍ (وأجزأه عتق نَصيبه) أي: يحتسب له به من الكفَّارة؛ لأنه باشر عتقه (فإن أعتق نصفًا آخر؛ أجزأه، كمن أعتق نصفي عبدين، أو) أعتق (نصفي أَمَتين، أو) أعتق (نصفَ أَمةٍ ونصفَ عبدٍ) لأن الأشقاص كالأشخاص فيما لا يمنع العيب
(4)
اليسير، دليله الزكاة، إذا كان يملك نصف ثمانين شاة
(5)
، وجبت الزكاة، كما لو ملك أربعين منفردة، وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها، ولا فرق بين كون الباقي منهما حُرًّا أو رقيقًا.
(فإن كان العبد كلّه له) أي: لمن عليه الكفّارة (فأعتق جزءًا منه
(1)
(10/ 534).
(2)
في "ح": "أم لا".
(3)
في "ذ": "معسر".
(4)
في "ح": "كالعيب".
(5)
في "ح": "ثمانين مشاعًا"، وفي "ذ":"ثمانين شاة مشاعًا".
معيّنًا أو مشاعًا؛ عَتَقَ جميعه) بالسِّراية (فإن نوى به الكفّارة؛ أجزأ عنه) لأنه أعتق رقبةً كاملة الرق له، ناويًا بها الكفَّارة، فأجزأته، وظاهر "المنتهى": لا يجزئه.
(وإن نوى إعتاق الجزء الذي باشره بالإعتاق عن الكفَّارة دون بقيته؛ لم يحتسب له إلا بما نوى) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى"
(1)
.
فصل
(فمن لم يجد رقبةً) ليشتريها، أو وَجَدَها ولم يجد ثمنها فاضلًا عما تقدَّم
(2)
من حوائجه، أو وجدها لكن لا تُباع إلَّا يزيادة كثيرة تُجحف بماله، أو وَجَدها لكن احتاجها لخدمة ونحوه (فعليه صيام شهرين متتابعين) إذا قَدَرَ عليه إجماعًا
(3)
؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
(4)
، وأجمعوا
(5)
على وجوب التتابع، ومعناه: الموالاة بين صيام أيامهما
(6)
(حرًّا كان) المكفِّر (أو عبدًا) بغير خلاف نعلمه؛ قاله في "المبدع".
(فلا يجوز أن يُفطِر فيهما) أي: في الشهرين (ولا أن يصوم فيهما
(1)
تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).
(2)
(12/ 488).
(3)
مراتب الإجماع ص/ 146 - 147.
(4)
سورة المجادلة، الآية:3.
(5)
الإجماع لابن المنذر ص/ 106 - 107، رقم 434، والإشراف (4/ 249)، ومراتب الإجماع ص/ 146.
(6)
في "ح": "أيامها".
عن غير الكفّارة) لئلا يفوت التتابع (ولا تجب نيةُ التتابع، ويكفي فِعلُه) أي: التتابع؛ لأنه شرط، وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية، وإنما تجب النية، لأفعالها و (كالمتابعة بين الركعات) في الصلاة؛ فإنها فرض، ولا تُعتبر نيتها.
(وإن تخلّل صومَهما صومُ شهرِ رمضان) بأن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان؛ لم ينقطع التتابع.
(أو) تخلّله (فِطْرٌ واجبٌ، كفِطْرِ العيدين، وأيام التشريق) بأن يبتدئ مثلًا من ذي الحجة، فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق؛ لم ينقطع التتابع؛ لأنه زمن مَنَعَه الشرعُ عن صومه في الكفارة، كالليل.
(أو) تخلّله فِطْرٌ (لحيضٍ، أو نِفاس) أجمعوا
(1)
عليه في الحيض، وقيس عليه النفاس.
(أو) تخلّله فِطْرٌ لِـ (ــجنون، أو إغماء، أو مرض ولو غير مخوف) لم ينقطع التتابع؛ لأنه أفطر بسبب لا صُنع له فيه، كالحيض.
(أو) تخلّله فِطْر لـ (ــسفر يبيحان) أي: المرض والسفر (الفِطر) لم ينقطع التتابع، كالمرض المخوف.
(أو) تخلّله (فِطْرُ الحامل والمرضع، لخوفهما على أنفسهما، أو) خوفهما على (ولديهما) لم ينقطع التتابع؛ لأنه فِطْر أُبيح لعُذر من غير جهتها، أشبه المرض.
(أو) تخلّله فِطْرٌ (لإكراهٍ، أو نسيان، أو لخطأ) لحديث: "عُفِيَ لأمتي عن الخطَأ والنسيان، وما اسْتُكْرِهوا عليه"
(2)
. (لا) إن أفطر
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 107، رقم 435، والإشراف (4/ 249).
(2)
تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).
لـ (ــجهلٍ) فلا يُعذر به، ومثال الفِطر خطئًا (كمن أكل يظن أن الفجر لم يطلع، وقد كان طلع، أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت، ولم تَغِب) لم ينقطع التتابع؛ لما سبق.
(أو وطئ غيرَ المظاهَرِ منها ليلًا، ولو عمدًا). قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأن ذلك غير محرَّم عليه، ولا هو مخلٌّ بتتابع الصوم؛ كالأكل.
(أو) وطئ غيرَ المظاهَر منها (نهارًا، ناسيًا للصوم، أو لعُذرٍ يُبيح الفِطر) لم ينقطع التتابع؛ لأن الوطء لا أثر له في قطع التتابع.
(أو) وطئ غيرَ المظاهَر منها (في أثناء الإطعام، أو العتق، أو أصاب المظاهَر منها في أثناء الإطعام، أو العتق؛ لم ينقطع
(1)
التتابع) بذلك، فيبني على ما قَدَّمه من العتق، أو الإطعام، ويتمُّه.
(وإن أفطر يَظُنُّ أنه قد أتمَّ الشهرين، فبانَ بخِلافِهِ) انقطع التتابع (أو ظَنَّ أن الواجب شهرٌ واحدٌ) فأفطر (أو) أفطر (ناسيًا لوجوب التتابع، أو أفطر لغير عُذْر) انقطع التتابع؛ لقطعه إياه، ولا يُعذر بالجهل كما تقدم؛ لأن مثل ذلك لا يخفى.
(أو صام) في أثناء الشهرين (تطوُّعًا، أو قضاء) عن رمضان (أو) صام (عن نَذْر، أو كفَّارة أخرى) انقطع؛ لأنه قطعه بشيء يمكنه التحرُّز منه، أشبه ما لو أفطر من غير عُذْر.
(أو أصاب المظاهَر منها ليلًا أو نهارًا، ولو ناسيًا، أو مع عُذر يُبيح
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 236) ما نصه: "قوله: (في أثناء الإطعام أو العتق
…
لم ينقطع) مشكل؛ لأنه ليس فيهما تتابع حتى يقول: (لم ينقطع) ولو قال: (لم يضر) لكان أولى، ولسلم من الاعتراض. من خط ابن العماد".
الفِطر) كمرض وسفر (انقطع) التتابع؛ لقوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
(1)
فأمر بصيام شهرين خاليين عن وطءٍ، ولم يأتِ بهما كما أمر، فلم يجزئه، كما لو وطئها نهارًا ناسيًا.
(ويقع صومُهُ) في أثناء الشهرين (عمَّا نواه) من قضاء، أو كفَّارة، أو نَذْرٍ؛ لأنه زمن لم يتعيَّن للكفَّارة.
(وإن لَمَسَ المظاهَرَ منها، أو باشرها دونَ الفرج، على وجه يُفْطِر به) بأن أنزل (قَطَع التتابع) لفساد صومه (وإلا) بألا يكون
(2)
على وجه يُفطِر به، بأن لم ينزل (فلا) يقطع التتابع؛ لعدم فساد الصوم.
(وحيث انقطع التتابع؛ لزمه الاستئناف) ليأتي بالشهرين المتتابعين.
(فإن كان عليه نَذْرُ صومٍ غيرِ معيَّن) بأن نذَرَ صوم شهر، أو أيام مطلقة (أخَّره إلى فراغه من الكفارة) لاتساع وقته (وإن كان) النذر (معيّنًا) كأنْ نذر صوم المحرَّم (أخَّر الكفّارة عنه، أو قدَّمها عليه إن أمكن) بأن اتسع لها الوقت؛ لأنه أمكن الإتيان بكل من الواجبين؛ فلزمه.
(وإن كان) النذر (أيامًا من كل شهر، كيوم) الـ (ــخميس) ويوم الاثنين (أو أيام البيض، قدَّم الكفَّارة عليه) لوجوبها بأصل الشرع (وقضاه بعدها) قلت: ويكفّر؛ لفوات المحل، كما يأتي.
(ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر، و) أن يبتدئه (من أثنائه، فإن الشهر اسم) مشترك (لما بين الهلالين، ولثلاثين يومًا، فإن بدأ من أول شهر فصام شهرين بالأهلة؛ أجزأه، وإن كانا) أي: الشهران
(1)
سورة المجادلة، الآية:4.
(2)
في "ذ": "بأن لم يكن".
(ناقصين، أو) كان (أحدهما) ناقصًا؛ لأنه قد صام شهرين (وإن بدأ من أثناء شهر، وصام ستين يومًا) أجزأه؛ لأنه صام شهرين (أو صام شهرًا بالهلال وشهرًا بالعدد، كمن صام خمسة عشر من المحرَّم، و) صام (صفر، و) صام (خمسة عشر من ربيع) الأوّل (أجزأه، وإن كان صفر ناقصًا) لأنه قد صام شهرين.
(وإن) صام شعبان ورمضان و (نوى صوم رمضان عن الكفّارة؛ لم يجزئه عن واحد منهما) أي: عن رمضان؛ لأنه لم ينوه عنه، ولا عن الكفَّارة؛ لأن رمضان لا يسع غيره (وانقطع التتابع، حاضرًا كان أو مسافرًا) فيستأنف صوم الشهرين للتتابع. وإن سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفَّارة، وأفطر؛ لم ينقطع التتابع؛ لأنه زمن لا يُستَحَقُّ صومُه عن الكفَّارة، فلم ينقطع التتابع بفطره، كالليل.
فصل
(فإن لم يستطع الصومَ لكبرٍ، أو مرضٍ - ولو رُجيَ زوالُه - أو لخوف زيادَتِه) أي: المرض (أو تطاوُلِه، أو لشَبَقٍ؛ فلا يصبر فيه عن جماع الزوجة؛ إذا لم يقدِر على غيرها، أو لضعف عن معيشته) التي يحتاجها (لزمه إطعام ستين مسكينًا) إجماعًا
(1)
؛ للآية
(2)
، والخبر
(3)
. وعُلم منه: أنه لا يجوز الانتقال إليه لأجل السفر؛ لأنه لا يعجِزه عن الصيام، وله نهاية ينتهي إليها، وهو من أفعاله الاختيارية، بخلاف المرض.
(1)
مراتب الإجماع ص/ 147، وانظر: الاستذكار (16/ 28) رقم 24242.
(2)
سورة المجادلة، الآية:4.
(3)
انظر ما تقدم (12/ 468) تعليق رقم (4).
(مسلمًا، حرًّا أو مكاتَبًا، ذكرًا كان أو أنثى، كبيرًا كان أو صغيرًا) لأنه مسكين، فجاز إطعامه كالكبير، واعتُبر الإِسلام فيه كالزكاة (ولو لم يأكل الطعام) لأنه مسلم محتاج، أشبه الكبير (ولو مجنونًا، ويقبض لهما وليّهما) أي: وليّ الصغير والمجنون، كالزكاة.
(ويجوز دفعها إلى مُكاتَبِه) كالزكاة (وإلى) كل (من يُعطى من زكاةٍ لحاجةٍ) وهو المراد بالمسكين، ويدخل فيه الفقير، فهما صنفان في الزكاة، صنف واحد في غيرها، ويدخل فيه ابن سبيل، وغارم لنفسه، ونحوه.
(ولا يجوز دفعها) أي: الكفّارة (إلى كافر) كالزكاة.
(ولا) يجوز دفعها (إلى قِنٍّ) غير مُكاتَبٍ. وأمّ الولد، والمدبَّر، والمعلّق عتقه بصفة؛ كالقِنِّ الصرف؛ لوجوب نفقتهم على سيّدهم (ولا إلى من تلزمه) أي: المكفِّر (مُؤْنته) كزوجته، وعمودَيْ نسبه، ونحوهم؛ لأن الزكاة لا تُدفع إليهم، فكذا الكفّارة.
(ويجوز) دفعها (إلى من ظاهِرُهُ الفقر أو المَسْكَنة) لأن العلم بباطن الأمر متعذَّر أو متعسِّر (فإن بان) المدفوع إليه من الكفّارة (غنيًّا؛ أجزأه) كالزكاة، لعُسْرِ التحرز من
(1)
ذلك.
و (لا) تجزئ (إن) دفعها إليه، ثم (بان كافرًا أو قِنًّا) لأن ذلك لا يخفى غالبًا، كالزكاة.
(وإن رَدَّدَها على مسكين واحد ستين يومًا؛ لم يجزئه) لأن الله تعالى أوجب إطعام ستين مسكينًا، ولم يطعم إلا مسكينًا واحدًا (إلا ألا يجد غيره؛ فيجزئه) ترديدها عليه؛ لأنه معذور بعدم وِجدان غيره.
(1)
في "ذ" و"ح": "عن ذلك".
(وإن دفع إلى مسكين في يوم واحد من كفَّارتين؛ أجزأه) لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب؛ فأجزأ، كما لو دفع إليه ذلك في يومين، و (كما لو كان الدافع اثنين.
ولو دفع ستين مُدًّا إلى ثلاثين مسكينًا، من كفّارة واحدة، لكلّ مسكين مُدّان؛ أجزأه ثلاثون) مُدًّا (ويطعم ثلاثين آخرين) ليتم له إطعام ستين مسكينًا؛ لأنه هو الواجب، فلا يجزئه أقل منه.
(فإن دفع الستين) مُدًّا إلى ثلاثين مسكينًا (من كفَّارتين؛ أجزأه عن كل كفارة ثلاثون) ويُتَمِّمُ؛ لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب؛ فأجزأ، كما تقدم.
(والمُخْرَجُ في الكفَّارة ما يجزئ في الفِطْرَةِ) وهو: البُرّ، والشعير، ودقيقهما، وسويقهما، والتمر، والزبيب، والأَقِط (فإن كان قوتُ بلده غيرَ ذلك، كالذُّرَة، والدُّخْن، والأرز؛ لم يَجْز إخراجه) لأن الخبر
(1)
ورد بإخراج هذه الأصناف في الفطرة، فلم يَجْزِ غيرها، كما لو لم يكن قوت بلده. واختار أبو الخطاب والموفَّق وغيرهما: يجزئ؛ لقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}
(2)
.
(و
إخراجُ الحَبِّ أفضلُ)
للخروج من الخلاف، وهي حالَةُ كمالِه؛ لأنه يُدَّخر، ويتهيأ لمنافعه كلها، بخلاف غيره. ونقل ابن هانئ
(3)
: التمر والدقيق أحبُّ إليَّ مما سواهما. وفي "الترغيب": التمر أعجب إلى
(1)
تقدم تخريجه في زكاة الفطر (5/ 70) تعليق رقم (3)، ولفظه:"كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط".
(2)
سورة المائدة، الآية:89.
(3)
في مسائله (2/ 73 - 74) رقم 1489.
أحمد
(1)
. قلت: هو قياس ما تقدم في الفطرة.
(فإن أخرج دقيقًا؛ جاز، لكن يزيد على المُدِّ قدرًا يبلغ المُدَّ حبًّا، أو يخرجه) أي: الدقيق (بالوزن رَطلًا) عراقيًا (وثلثًا) لأن الحب تتفرق أجزاؤه بالطحن فيكون في مكيال الحب أكثر مما يكون في مكيال الدقيق.
(ولا يُجزِئ إخراجُ خُبْزٍ) لأنه خرج عن الكيل والادّخار، فأشبه الهريسةَ (وعنه
(2)
- واختاره جمع) منهم الخرقي، قال القاضي وأصحابه: الأولى الجواز، وفي "المغني": هذا أحسن، أي - (إجزاء الخُبْز) لقوله تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}
(3)
وهذا من أوسط ما يُطعِم أهله، وليس الادّخار مقصودًا في الكفَّارة، فإنها مقدَّرة بما يقوت المسكين في يومه، وهذا مُهيّأ للأكل المعتاد للاقتيات، وأما الهريسة فإنها خرجت عن الاقتيات المعتاد إلى حيّز الإدام
(4)
.
(ولا يجزئ من البُرِّ أقل من مُدٍّ) وقاله زيد
(5)
، وابن عباس
(6)
، وابن عمر
(7)
؛ لما روى أحمد
(8)
بسنده إلى أبي يزيد المدني قال:
(1)
مسائل صالح (3/ 17) رقم 1235، ومسائل أبي داود ص/ 85.
(2)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 189)، وانظر: مسائل أبي داود ص/ 85.
(3)
سورة المائدة، الآية:89.
(4)
في "ذ": "الأدم".
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 11)، والبيهقي (10/ 55).
(6)
أخرجه عبد الرزاق (8/ 507) رقم 16072، وابن أبي شيبة (4/ 11)، والبيهقي (10/ 55).
(7)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 479)، وعبد الرزاق (8/ 507) رقم 16073 - 16074، وابن أبي شيبة (4/ 11)، والبيهقي (10/ 56).
(8)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وذكره الموفق في المغني =
"جاءت امرأةٌ من بني بَيَاضَةَ بنصفِ وَسْقِ شعيرٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أطعمْ هذا، فإنَّ مُدَّي شعيرٍ مكان مُدِّ بُرٍّ" وعلى هذا يُحمل ما رُوي عن أبي سلمة، عن سلمة بن صخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مكيلًا
(1)
فيه خمسة عشر صاعًا، فقال:"أطعمْ ستين مسكينًا" وذلك لكُلِّ مسكينٍ مُدٌّ؛ رواه الدارقطني
(2)
وهو للترمذي
(3)
بمعناه.
(ولا) يجزئ (من التمر، والشعير، والزبيب، والأقِطِ أقلُّ من مُدَّين) لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن مُدَّيْ شعير مَكَانَ مُدِّ بُرٍّ"
(4)
وهو مرسل جيد.
(ولا من خُبْزِ البُرِّ أقلُّ من رَطلين بالعراقي) لأن الغالب أن ذلك لا يبلغ مُدًّا (ولا من خُبْزِ الشعير أقلُّ من أربعة أرطال) بالعراقي إن قلنا بإجزاء الخبز (إلا أن يَعلمَ أنه) أي: المخرَج من الخبز (مُدٌّ من البُرِّ، أو مُدَّان من الشعير) فيجزئ؛ لأنه الواجب.
(فإذا أخذ من دقيق البُرِّ ثلاثة عشر رَطلًا وثلثًا) من رَطل عراقي (أو) أخذ (من الشعير مِثْليه) ستة وعشرين وثلثي رَطل عراقية (فَخَبَزَ) ذلك (وقسم على عشرة مساكين في كفَّارة اليمين؛ أجزأ، ولو لم يبلغ خُبْزُ البُرِّ عشرين رَطلًا، ولا) بلغ (خبز الشعير أربعين رَطلًا، وكذا في سائر الكفَّارات) لأنه أخرج الواجب.
= (4/ 383، 11/ 95)، وعزاه إلى أحمد عن إسماعيل، عن أيوب، عن أبي يزيد المدني، به مرسلًا، وأخرجه - أيضًا - عبد بن حميد في تفسيره - كما في الدر المنثور (8/ 73) -، والحارث بن أبي أسامة - كما في بغية الباحث ص/ 162، رقم 503 - ، عن أبي يزيد المدني، بنحوه، مرسلًا، وذكره البيهقي (7/ 392 - 393) معلقًا.
(1)
في "ح": "مكتلًا".
(2)
(3/ 316). وتقدم تخريجه (12/ 482) تعليق رقم (4).
(3)
في تفسير القرآن، باب 58، حديث 3299.
(4)
تقدم تخريجه (12/ 506) تعليق رقم (8).
(و
يُستحبُّ إخراج أُدْمٍ مع المجزئ)
نص عليه
(1)
، خروجًا من خلاف من أوجبه.
(و
لا يجزئ إخراجُ القيمةِ)
لأن الواجب هو الإطعام، وإعطاء القيمة ليس بإطعام.
(و
يجب أن يُمَلِّكَ المِسكينَ القَدْرَ الواجبَ من الكفَّارة،
فإن غدَّى المساكينَ أو عشَّاهم، ولو بمُدٍّ فأكثرَ لكلِّ واحد؛ لم يجزئه) لأن الإعطاء هو المنقول عن الصحابة؛ ولأنه مال واجب للفقراء، أشبه الزكاة.
(وإن قدَّم لهم) أي: لستين مسكينًا (ستينَ مُدًّا، وقال): هذا (بينَكم بالسَّويَّةِ، فقَبِلُوها؛ أجزأه) ذلك، وإلا لم يجزئه ما لم يعلم أن كلًّا أخذ قَدْر حَقِّه من ذلك.
(ولا يجب التتابُعُ في إطعام) الـ (ــكفَّارة) لأنه غير مأمور به، وإنما أمر بإطعام ستين مسكينًا، فتناول الإطعام متتابعًا ومتفرِّقًا، والبدلُ لا يُعطى حكمَ المبدل
(2)
من كل وجه.
فصل
(ولا يجزئ إطعامٌ، وعِتقٌ، وصومٌ إلا بنيّة، بأن ينويَه عن الكفّارة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيَّات"
(3)
؛ ولأنه حق
(4)
على سبيل الطُّهرة، فافتقر إلى النية، كالزكاة، فينوي (مع التكفير، أو قَبْله بيسير)
(1)
الفروع (5/ 505).
(2)
في "ذ": "المبدل منه".
(3)
تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).
(4)
في "ح" و"ذ": "ولأنه حق واجب".
كالصلاة والزكاة.
(ونيَّة الصوم واجبةٌ كل ليلة) للخبر
(1)
.
(ولا يُجزئ فيهنَّ) أي: الإطعام، والعتق، والصوم (نيَّة التقرُّبِ فقط) لأنه يقع تَبرُّعًا، وعن الكفَّارة وغيرها، فلا بُدَّ من نيَّةٍ تميِّز الكفَّارة عن غيرها.
(فإن كانت عليه كفَّارة واحدة فنوى: عن كَفَّارَتيْ
(2)
؛ أجزأه) ولم يلزمه تعيين سببها، سواء علمه أو جهله؛ لأن النية تعيَّنت لها؛ ولأنه نوى عن كفَّارته، ولا مزاحم لها، فوجب تعليق النية بها.
(وإن كان عليه كفَّارات من جنسٍ واحد؛ لم يجب تعيين سببها، ولا تتداخل.
فلو كان مظاهِرًا من أربع نسائه، فأعتق عبدًا عن ظِهاره؛ أجزأه عن إحداهنَّ، وحَلَّتْ له واحدة) من نسائه (غير مُعيَّنةٍ) لأنه واجب من جنس واحد، فأجزأته نيَّة مُطْلَقة، كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان (فتخرج بقُرْعة) كما تقدم في نظائره.
(فإن كان الظِّهار من ثلاثِ نِسْوة، فأعتق عن) ظِهار (إحداهُنَّ، وصام عن) ظِهار (أخرى) لعدم ما يعتقه (ومرض، فأطعم عن) ظِهار (أخرى؛ أجزأه) لما تقدم (وحلَّ له الجميع، من غير قُرعة ولا تعيين) لأن التكفير حصل عن الثلاث، أشبه ما لو أعتق ثلاثة أعبد عن الثلاثة دفعة واحدة.
(1)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له". وقد تقدم تخريجه (5/ 236) تعليق رقم (4).
(2)
في "ذ": "كفارتين".
(وإن كانت) الكفَّارات (من أجناس، كظِهار، وقَتْلٍ، وجِماعٍ في) نهار (رمضان، ويمين؛ لم يجب تعيين السبب أيضًا) لأنها عباده واجبة، فلم تفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها، كما لو كانت من جنس (ولا تتداخل) الكفَّارات؛ لاختلاف أسبابها.
(فلو كانت عليه كفَّارة واحدة، نَسِيَ سَبَبَها؛ أجزأتْهُ كفَّارة واحدةٌ) لأن تعيين السبب ليس شرطًا، فإذا أخرج كفَّارة، وقعت عن كفَّارته، فيخرج من العُهْدة.
(وإن كانت) عليه (كفَّارتان من ظِهار) بأن قال لكلٍّ من زوجتيه: أنتِ عليَّ كظهر أمي (أو) كان عليه كفَّارتان (من ظِهار وقَتْلٍ، فقال: أعتقتُ هذا عن هذه) الزوجة (و) أعتقتُ (هذا عن هذه) الزوجة الأخرى، أو قال: أعتقتُ هذا عن كفَّارة الظِّهار، وهذا عن كفَّارة القتل؛ أجزأه.
(أو) قال: أعتقتُ (هذا عن إحدى الكفَّارتين، و) أعتقتُ (هذا عن) الكفَّارة (الأخرى، من غير تعيين) أجزأ؛ لما تقدم.
(أو أعتقهما) أي: العبدين (عن الكفَّارتين) معًا (أو) قال: (أعتقتُ كل واحد منهما) أي: من العبدين (عنهما) أي: الكفَّارتين (جميعًا؛ أجزأه) ذلك؛ لما تقدم.
(ولا يجزئ تقديم كفَّارةٍ) لظِهار أو غيره (قبل سَبَبِها) كتقديم الزكاة على ملك النصاب (فلا يُجزئ كفارة الظِّهار قبلَه) أي: قبل الظِّهار (ولا) يجزئ تقديم (كفَّارة اليمين عليها) أي: اليمن (ولا) تقديم (كفارة القتل قبل الجرح) لتقدمها على سببها.
(فلو قال لعبده: أنتَ حُرٌّ الساعة؛ إن تَظَهَّرْتُ؛ عَتَقَ، ولم يجزئه عن ظِهاره أن تَظَهَّرَ) لتقدمه عليه.
(ولو قال) لزوجته: (إن دخلتِ الدارَ، فأنتِ عليَّ كظهر أمي؛ لم يجز) ئه (التكفير قبل الدخول) لأنه لا يصير مظاهرًا قبله.
(ولو قال لعبده: (إن تَظَهَّرْتُ، فأنتَ حُرٌّ عن ظِهاري، ثم تَظَهَّر؛ عَتَقَ العبد) لوجود شرطه (ولم يجزئه عن الكفَّارة) لأن عتقه مستحق بسبب آخر، وهو الشرط؛ ولأن النية لم توجد عند عِتْقِ العبد، والنية عند التعليق لا تجزئ؛ لأنه تقديم لها على سببها.
(فإن لم يجد) المظاهِر (ما يطعمـ) ــه للمساكين (لم تسقط) عنه الكفارة (وتبقى في ذمته) وكذا كفَّارة القتل وغيرها، ما عدا كفَّارة الوطء في الحيض، وكفارة الوطء في نهار رمضان، فيسقطان بالعجز (وتقدم
(1)
في باب ما يُفسِد الصوم بعض ذلك، و) تقدم
(2)
أيضًا هناك (حكم أكله من كفاراته) كلها.
(1)
(5/ 278 - 279).
(2)
(5/ 279).
كتاب اللعان
وما يلحق من النسب
كتاب اللعان وما يلحق من النسب
(وهو) أي: اللعان مصدر لَاعَن لعانًا، إذا فعل ما ذكر، أو لعن كل واحد منهما الآخر، مشتق من اللعن؛ لأن كل واحد منهما يلعن نفسه في الخامسة.
وقال القاضي: سُمِّي به؛ لأن أحدهما لا ينفكُّ عن أن يكون كاذبًا، فتحصل اللعنة عليه، وهي الطرد والإبعاد. يقال: لعنه الله، أي: أبعده، والْتَعَنَ الرجل: إذا لعن نفسه من قِبل نفسه.
ولا يكون اللعان إلا بين اثنين، يقال: لاعَنَ امرأته لعانًا وملاعنة، وتلاعَنَا بمعنىً، ولاعَنَ الإمام بينهما، رجل لُعَنة كهُمزة، إذا كان يلعن الناس كثيرًا، ولُعْنة - بسكون العين - إذا كان يلعنه الناس.
و (شَرْعًا: شهاداتٌ مؤكَّداتٌ بأيمان من الجانبين، مقرونةٌ باللَّعْن والغضب، قائمةٌ مقام حَدِّ قَذْفٍ) إن كانت الزوجة محصنة (أو) قائمة مقام (تعزير في جانبه) إن لم تكن محصنة (و) قائمة مقام (حَدِّ زِنىً في جانبها) إذا أقرت بالزِّنى، أو حَبْسٍ إلى أن تقر أو تلاعن.
والأصل فيه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ. . .} الآيات
(1)
، نزلت سنة تسع، منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك، في عويمر العجلاني
(2)
، أو هلال بن أمية
(3)
، ويحتمل أنها نزلت فيهما، ولم يقع
(1)
سورة النور، الآيات: 6 - 10.
(2)
أخرجه البخاري، في التفسير - سورة النور - باب 1، حديث 4745، وفي الطلاق، باب 4، 29، حديث 5259، 5308، وفي الاعتصام باب 5، حديث 7304، ومسلم، في اللعان حديث 1492 عن سهل بن سعد رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه البخاري، في الشهادات، باب 21، حديث 2671، وفي التفسير - سورة =
بعدهما بالمدينة إلا في زمن عمر بن عبد العزيز، والسُّنَّة شهيرة بذلك؛ ولأن الزوج يُبتلى بقذف امرأتة لنفي العارِ، والنسبِ الفاسد، ويتعذَّرُ عليه إقامةُ البيِّنة، فجُعل اللعان بيّنة له، ولهذا لما نزلت آية اللعان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أبشرْ يا هلالُ؛ فقد جعلَ الله لكَ فرجًا ومخرجًا"
(1)
.
(إذا قذَفَ الرجلُ زوجتَه بالزِّنى، في طُهرٍ أصابها فيه، أو لا) أي: أو في طهر لم يصبها فيه (في قُبُل أو دبر - كما يأتي - ولم تُصدِّقه) فيما قَذَفها به (ولم يأتِ بالبَينة) تشهد له بما قذفها به (لزمه ما يلزم بقَذْفِ أجنبية، من حَدٍّ) إن كانت مُحْصَنة (أو تعزير) إن لم تكن كذلك (وحُكِم بفسقه، ورُدَّت شهادتُه) لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. . .} الآية
(2)
.
(فإنْ لاعَنَ) الزوج (ولو) لاعَنَ (وحده؛ سقط عنه) الحَدُّ أو التعزير، والحكمُ بفسقه، وردِّ شهادته.
(وله) أي: الزوج (إسقاطُ بعضِه) أي: الحَدِّ (أيضًا باللِّعَان) بأن يلاعن في أثناء الحَدِّ (ولو بقي منه) أي: الحدّ (سوط) واحد.
= النور - باب 2، حديث 4747، وفي الطلاق، باب 28، حديث 5307، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1)
أخرجه أبو داود في الطلاق، باب 27، حديث 2256، والطيالسي ص/ 347، حديث 2667، وأحمد (1/ 238)، وأبو يعلى (5/ 124) حديث 2740، والطبري في تفسيره (18/ 82 - 83)، وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 5233) حديث 14182، والبيهقي (7/ 394)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 205)، والواحدي في أسباب النزول (1/ 212) عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث طويل. قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 227): وفي إسناده عباد بن منصور. وقال في التقريب (3159): عباد بن منصور صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بأخرة.
(2)
سورة النور، الآية:4.
(ويَسقط) الحدّ، أو (الباقي منه - أيضًا - بتصديقها) أي: الزوجة لزوجها فيما رماها به، كالأجنبية.
(وله) أي: الزوج (إقامة البيّنة) عليها بزِناها (بعد اللِّعان، ونفيِ الولد، ويثبُتُ موجَبُهما). أي: موجب اللعان؛ من الحريم المؤبَّد، وانتفاء الولد، وموجب البينة؛ من إقامة الحَدِّ عليها.
(وصفتُهُ) أي: اللِّعان (أن يقول الزوجُ بحضرة حاكمٍ أو نائبِه، وكذا لو حَكَّما) أي: المتلاعنان (رجلًا أهلًا للحُكم، ويأتي في القضاء) لأن حكمه حكم قاضي الإمام: (أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتُ به امرأتي هذه من الزنى، مشيرًا إليها) إن كانت حاضرة.
(ولا يحتاج مع حضورها، و) مع (الإشارة إليها؛ إلى تسميتـ) ــها (و) بيان (نسبـ) ــتها (كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود) اكتفاء بالإشارة.
(وإن لم تكن حاضرة) بالمجلس (أسْماها، ونَسَبَها) بما تتميَّز به، حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها. قال في "المبدع": فلا يبعد أن يقوم وصفها بما هي مشهورة به مقام الرفع في نسبها.
ويُعِيد قوله: أشهد بالله. . . إلخ، مرة بعد أخرى (حتى يُكْمِلَ ذلك أربعَ مرات.
ولا يُشترط حضورهما) أي: المتلاعنين (معًا، بل لو كان أحدهما غائبًا عن صاحبه، مثل: أن لاعَنَ الرجل في المسجد، والمرأة على بابه، لعُذْر) كالحيض (جاز) لعموم الأدلة.
(ثم يقولَ في) المرة (الخامسة: وأنَّ لَعْنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزِّنى) ولا يُشترط - على الأصح - أن يقول:
فيما رماها به من الزنى؛ قاله في "شرح المنتهى". قال ابن هُبيرة: لا أراه يحتاج إليه؛ لأن الله تعالى أنزل ذلك وبيّنه، ولم يذكر هذا الاشتراط.
(ثم تقولَ هي: أشهدُ بالله إن زوجي هذا لَمِنَ الكاذبين، فيما رماني به من الزنى، وتشير إليه إن كان حاضرًا) بالمجلس.
(وإن كان غائبًا) عن المجلس (أسْمَتْه ونسبَتْه) كما تقدم، وتكرّرُ ذلك.
(فإذا كَملتْ أربع مرات؛ تقول في الخامسة: وأنَّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فقط، وتزيد استحبابًا: فيما رماني به من الزنى) خروجًا من خلاف من أوجبه، وإنما لم يَجب؛ لما تقدم. وإنما خُصّتْ هي في الخامسة بالغضب؛ لأن النساء يُكْثِرْن اللَّعْن كما ورد
(1)
.
ثم أخذ يبين محترزات ذلك التي تُخِلُّ بصحة اللِّعان فقال: (فإنْ نَقَص أحدهما) أي: أحد المتلاعنين (من الألفاظ) أي: الجُمَل (الخمسة شيئًا) لم يُعتدَّ به؛ لأن الله تعالى عَلَّق الحكم عليها؛ ولأنها بيّنة، فلم يجز النقص من عددها، كالشهادة، وعُلم منه: أنه لا يضرُّ نقص بعض الألفاظ حيث أتى بالجُمَل الخمسة، كما يشير إليه كلام ابن قندس في حاشية "الفروع".
(أو بدأت) المرأة (باللَّعان قبلَهُ) أي: قبل الرجل، لم يعتدّ به؛ لأنه خلاف المشروع؛ ولأن لِعانَ الرَّجل بيّنة الإثبات، ولِعانها بيّنة الإنكار، فلم يجز تقديم بيِّنة الإنكار على الإثبات.
(1)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير. . ." الحديث، وقد تقدم تخريجه (8/ 402) تعليق رقم (2).
(أو تلاعنا بغير حضرة حاكم) لم يُعتدَّ به؛ لأنه يمين في دعوى، فاعتبر فيه أمر الحاكم كسائر الدعاوى، فلو لاعَنَ السيد بين عبده وأَمَته؛ لم يصح.
(أو أبدل أحدهما لفظةَ "أشْهَد" بـ "أُقْسِم" أو "أَحْلِف" أو "أُولِي") لم يُعتدَّ به؛ لأن اللِّعان يقصد فيه التغليظ، ولفظ الشهادة أبلغ فيه.
(أو) أبدل (لفظة اللعنة بالإبعاد، أو أبدلها) أي: لفظة اللعنة (بالغضب) لم يعتدّ به.
(أو أبدلت) المرأة (لفظة الغضب بالسَّخَط، أو قدَّمت الغضبَ) فيما قبل الخامسة؛ لم يعتدّ به.
(أو أبدلته) أي: الغضب (باللَّعْنة، أو قدَّم) الرجل (اللَّعنةَ) فيما قبل الخامسة؛ لم يعتدّ به؛ لمخالفة المنصوص.
(أو أتى به) أي: اللعان (أحدُهما قبل إلقائه عليه) من الإمام أو نائبه؛ لم يعتدّ به، كما لو حلف قبل أن يحلِّفه الحاكم.
(أو علَّقه) أي: عَلَّق أحدهما اللعان (بشرط) لم يُعتدّ به؛ قاله ابن عقيل وغيره (أو لم يُوالِ) أحدهما (بين الكلمات) في اللعان (عُرْفًا) لم يُعتدَّ به.
(أو أتى به) أي: باللِّعان (بغير العربية، مَنْ يُحسِنُها) منهما؛ لم يعتدَّ به؛ لأن الشرع ورد بالعربية، فلم يصح بغيرها، كأذكار الصلاة.
(أو أتى) الزوج (به) أي: اللعان (قبل مطالبتها له بالحدّ، مع عدم ولدٍ يريد نفيه) باللِّعان (لم يعتدّ به) أي: باللعان؛ لأن اللعان شُرِعَ لدرء الحدِّ عن القاذف، فإذا لم تطالب بالحد لم يكن للِّعان فائدة.
فإن كان هناك ولدٌ؛ صح اللِّعان قبل المطالبة بالحدّ - على قول
القاضي - لنفي الولد، ونصه خلافه؛ لأن نفي الولد جاء تبعًا للِّعان، لا مقصودًا لنفسه، فإذا انتفى اللعان انتفى نفي الولد.
(وإن عَجَزا) أي: المتلاعنان (عنه بالعربية؛ لم يلزمهما تعلُّمُها، ويصحّ) إذًا (بلسانهما) لأنه موضع حاجة، وكالنكاح.
(فإن كان الحاكم يحسن لسانهما؛ أجزأ ذلك) ولاعن بينهما.
(ويُستَحب أن يحضر معه أربعة يحسنون لسانَهما) لأن الزوجة ربما أقرت بالزنى، فيشهدون على إقرارها.
(وإن كان) الحاكم (لا يُحْسِن) لسانَهما (فلا يجزئ في الترجمة إلا عدلان) قال في "المبدع": على المذهب.
(وإذا فُهمت إشارة الأخرس منهما، أو كتابته؛ صحَّ لِعانه بها) كالطلاق، ولدعاء الحاجة (وإلا) أي: وإن لم تُفهم إشارة الأخرس منهما، ولا كتابته (فلا) يصح لِعانه.
(وإذا قَذَفَ الأخرسُ ولاعَنَ) بالإشارة المفهومة، أو الكتابة (ثم أُطْلِقَ لسانُهُ، فتكلَّم، فأنكر القذفَ واللِّعانَ؛ لم يُقبلْ إنكارُهُ للقذفِ) لأنه تعلَّق به حق لغيره بحكم الظاهر (ويُقبل) إنكاره (اللِّعان فيما عليه، فيُطالب بالحَدِّ) إن كانت محصنة، وإلا؛ فالتعزير (ويلحقُهُ النَّسب، ولا تعود الزوجية) لأنها حرمت باللِّعان على التأبيد (فإن لاعَنَ) حينئذ (لسقوطِ الحَدِّ، ونفي النسب؛ فله ذلك) كما لو لم يحصل له خَرَسٌ قبلُ.
(ويصح اللِّعان ممن اعتُقِل لسانه - وأُيِسَ من نُطقه - بإشارة) مفهومة، كالأخرس الأصلي (فإن رُجِي عَوْدُ نُطْقِه، بقولِ عدلين من أطباء المسلمين، انتُظِرَ به ذلك) أي: أن ينطق، وفي "الترغيب": ثلاثة أيام
(1)
.
(1)
في حاشية الأصل و"ح" و"ذ" زيادة: "وجزم به في المنتهى".
فصل
(والسُّنة أن يتلاعنا قيامًا) لقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية: "قمْ، فاشهَدْ أربعَ شهادات"
(1)
؛ ولأنه أبلغ في الردع، فيبدأ الزوجُ فَيَلْتعِن وهو قائم، فإذا فرغ؛ قامت المرأة فالْتعنت (بمَحضرِ
(2)
جماعة) لحضور ابن عباس
(3)
، وابن عمر
(4)
، وسهل
(5)
(6)
. والصبيان إنما يحضرون تبعًا
(1)
لم نقف على من أخرجه بهذا اللفظ، وفي حديث ابن عباس المتقدم تخريجه (12/ 515) تعليق رقم (3) لدى البخاري في الطلاق، باب 28، حديث 5307، أن هلال بن أمية قذف امرأته، فجاء، فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب، ثم قامت، فشهدت. وبإسناد البخاري أخرجه أبو داود في الطلاق، باب 27، حديث 2254، والترمذي في التفسير، باب 25، حديث 3179، والبيهقي (7/ 394)، مطولًا، بلفظ: فأرسل إليهما، فجاءا، فقام هلال بن أمية فشهد
…
ثم قامت، فشهدت
…
الحديث.
(2)
في "ذ": "بحضرة".
(3)
انظر ما تقدم تخريجه (12/ 515) تعليق رقم (3)، وما أخرجه البخاري، في الطلاق، باب 31، 36، حديث 5310، 5316، وفي الحدود، باب 43، حديث 6855 - 6856، وفي التمني، باب 9، حديث 7238.
(4)
انظر ما أخرجه البخاري في تفسير سورة النور، باب 4، 27، 34 - 35، حديث 4748، 5306، 5313 - 5315، وفي الفرائض، باب 17، حديث 6748، ومسلم في اللعان، حديث 1494.
(5)
في "ح" و"ذ": "وسهل وسعد".
(6)
أخرج البخاري في الطلاق، باب 4، 29 - 30، حديث 5259، 5308 - 5309، وفي الحدود، باب 43، حديث 6854، وفي الأحكام، باب 18، حديث 7165 - 7166، ومسلم في اللعان، حديث 1492، في حديث طويل: قال سهل بن سعد الأنصاري: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ للبخاري: قال: شهدت المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة.
للرجال؛ إذِ اللعان مبني على التغليظ؛ للردع والزجر، وفِعله في الجماعة أبلغ في ذلك.
(ويُستحبُّ ألا ينقصوا عن أربعة) لأن بيّنة الزنى - الذي شرع اللعان من أجل عدم الرضا به - أربعة. قال في "المبدع": وليس بواجب، بغير خلاف نعلمه (في الأوقات والأماكن المُعظَّمة) لأن ذلك أبلغ في الردع (ففي) المكان؛ في (مكة، بين الرُّكن) الذي به الحجر الأسود (والمقام) قال في "المبدع": ولو قيل: بالحِجْر، لكان أولى؛ لأنه من البيت (وبالمدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم) مما يلي القبر الشريف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما بينَ قَبري ومنْبري روْضةٌ مِن رِياضِ الجنَّةِ"
(1)
(1)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 392)، وأحمد (3/ 64)، وأبو يعلى (2/ 496) حديث 1341، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 318) حديث 2879، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 362) حديث 290، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 92)، والخطيب في تاريخه (4/ 403)، من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وأبو بكر هو: أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، قال ابن حجر في التقريب (8041): ثقة، وروايته عن جد أبيه منقطعة.
ب - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 316) حديث 2874، والعقيلي (4/ 72)، والخطيب في تاريخه (12/ 160)، من طريق أحمد بن يحيى المسعودي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وأحمد بن يحيى المسعودي قال عنه الذهبي في المغني (1/ 62) رقم 483: ضعفه الدارقطني وغيره. وتابعه عبد الله بن نافع الصائغ، وحباب بن جبلة عند العقيلي (4/ 73). وعبد الله بن نافع قال عنه ابن حجر في التقريب (3673): ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين. وحباب بن جبلة قال عنه الذهبي في المغني (1/ 145) رقم 1273: قال الأزدي: كذاب. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه الطبراني في الكبير (12/ 227) حديث 13156، من طريق إدريس بن عيسى القطان، عن محمد بن بشر العبدي، عن عبيد الله بن عمر، عن أبي بكر بن سالم، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وإدريس بن عيسى قال الخطيب في تاريخه (7/ 12): لم يكن به بأس.
وأخرجه في الأوسط (1/ 360، 412) حديث 614، 737، من طريق يحيى بن سليم الطائفي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما. ويحيى بن سليم قال عنه الحافظ في التقريب (7613): صدوق سيئ الحفظ. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 9): رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات.
وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 315) حديث 2873، من طريق موسى بن عبد الرحمن المسروقي، عن محمد بن بشر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين، غير موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال فيه ابن حجر في التقريب (7036): ثقة.
ج - أم سلمة رضي الله عنها: أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 489) حديث 4290، عن الحارث بن مسكين، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 315) حديث 2872، عن عبد الغني بن أبي عقيل، وأبو نعيم في الحلية (7/ 248) عن الفضل بن موسى، كلهم عن ابن عيينة، عن عمار الدهني، عن أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها.
وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 489) حديث 4290، عن قتيبة، والحميدي (1/ 139) حديث 290، عن ابن عيينة، به، بلفظ: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة.
د - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (2/ 339) حديث 731، من طريق أبي أسامة، وابن نمير، والبيهقي (5/ 246) من طريق محمد بن بشر العبدي، كلهم عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري في فضل الصلاة، باب 5، حديث 1196، وفي فضائل المدينة، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= باب 12، حديث 1888، وفي الرقائق، باب 53، حديث 6588، وفي الاعتصام، باب 16، حديث 7335، من طريق يحيى بن سعيد، وأنس بن عياض، وعبد الرحمن بن مهدي، ومسلم في الحج، حديث 1391، من طريق يحيى بن سعيد، وابن نمير، وأحمد (2/ 376)، من طريق محمد بن عبيد، كلهم عن عبيد الله بن عمر، به، بلفظ: ما بين بيتي ومنبري.
هـ - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 491) حديث 4163. وفي سنده محمد بن يونس القرشي الكديمي، قال ابن حجر في التقريب (6459): ضعيف.
وأخرجه الخطيب في تاريخه (11/ 228)، وفي سنده محمد بن كثير الكوفي، قال فيه ابن حجر في التقريب (6293): ضعيف.
وأخرجه أحمد (3/ 389)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 57) حديث 1196، وأبو يعلى (3/ 319) حديث 1784، بلفظ: ما بين منبري إلى حجرتي روضة من رياض الجنة. ولفظ البزار ما بين منبري وبيتي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 8): فيه علي بن زيد، وفيه كلام، وقد وثق.
و - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أخرجه الخطيب في تاريخه (11/ 290). وأخرجه الطبراني في الكبير (1/ 147) حديث 332، بلفظ: ما بين بيتي ومصلاي. وأخرجه البزار (4/ 44) حديث 1206، بلفظ: ما بين بيتي ومنبري، أو قبري ومنبري. وفي سند الجميع إسحاق بن محمد الفروي، قال فيه ابن حجر في التقريب (385): صدوق، كُفّ، فساء حفظه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 9): رجاله ثقات.
ز - علي رضي الله عنه: أخرجه البزار (2/ 148) حديث 511، بلفظ: ما بين قبري ومنبري، أو قال: بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 6): فيه سلمة بن وردان، وهو ضعيف.
ورواه البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب 5، حديث 1195، ومسلم في الحج، حديث 1390، عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة.
فيظهر مما تقدم أن لفظ "ما بين بيتي ومنبري. . ." إلخ أصح رواية من لفظ "ما بين =
(وفي بيت المقدس عند الصخرة
(1)
، وفي سائر) أي: باقي (البلدان في جوامعها، وتقف الحائض عند باب المسجد) للعذر.
(و) في (الزمان بعد العصر) لقوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}
(2)
والمراد: صلاة العصر عند المفسرين
(3)
.
(وقال أبو الخطَّاب في موضع آخر): و (بين الأذانين) أي: بين الأذان والإقامة (لأن الدُّعاء بينهما لا يردُّ.
= قبري ومنبري. . ." إلخ.
قال القرطبي: "الرواية الصحيحة "بيتي" ويروى "قبري" وكأنه بالمعنى؛ لأنه دفن في بيت سكناه" فتح الباري (3/ 70).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (1/ 236): والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، هذا هو الثابت في الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى، فقال: قبري، وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قُبر بعد - صلوات الله وسلامه عليه - ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، لما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصًّا في محل النزاع، ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه، بأبي هو وأمي، صلوات الله عليه وسلامه.
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 348): وقد ذكر طائفة من متأخري الفقهاء، من أصحابنا وغيرهم: أن اليمين تغلظ ببيت المقدس، بالتحليف عند الصخرة، كما تغلظ في المسجد الحرام، بالتحليف بين الركن والمقام، وكما تغلظ في مسجده صلى الله عليه وسلم بالتحليف عند قبره، ولكن ليس لهذا أصل في كلام أحمد ونحوه من الأئمة، بل السنة أن تغلظ اليمين فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر، ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه، كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد ومقامات الأنبياء، ونحو ذلك. ومن فعل ذلك فهو مبتدع ضال، مخالف للشريعة.
(2)
سورة المائدة، الآية:106.
(3)
ذكره الطبري في تفسيره (7/ 109 - 110)، وابن كثير في تفسيره (3/ 212).
فإذا بلغ كلُّ واحدٍ منهما الخامسةَ؛ أمر الحاكم رجلًا، فأمسك بيده على فَمِ الرجل، و) أمر (امرأة تضع يدها على فَمِ المرأة، ثم يعظه، فيقول: اتقِ الله؛ فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهونُ من عذابِ الآخرة) لما روى ابن عباس قال: "يشهدُ أربعَ شهادات بالله إنه لمن الصادقينَ، ثمَّ أمرَ بهِ، فأُمْسِكَ على فيهِ، فوعظَهُ، وقال: ويحكَ كلُّ شيء أهونُ عليكَ من لعنة الله، ثم أرسلهُ، فقال: لعنةُ الله عليه إن كان من الكاذبينَ، ثم أمرَ بها فأمسك على فيها، فوعظها، وقال: ويلك
(1)
كلُّ شيءٍ أهونُ عليكِ من غضب الله" أخرجه الجُوزجاني
(2)
.
(وإذا قَذَفَ نساءَه - ولو بكلمة واحدة - فعليه أن يُفْرِد كلَّ واحدة) منهن (بِلِعَانٍ) لأنه قاذف لكلِّ واحدةٍ منهنَّ؛ أشبه ما لو لم يقذف غيرها؛ ولأن اللِّعان أيمان لجماعةٍ، فلا تتداخل، كالأيمان في الديون.
(فيبدأ بِلِعان التي تبدأ بالمطالبة) لترجحها بالسبق (فإن طالبن جميعًا) معًا (وتشاحَحْنَ؛ بدأ بإحداهنَّ بقُرْعة) لعدم المرجِّح غيرها (وإن
(1)
في "ذ": "ويحك".
(2)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الجوزجاني المطبوعة. وقد أخرجه - أيضًا - ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2534) حديث 14183، من طريق صالح - وهو ابن عمر - عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب 26، حديث 2255 - 2256، والنسائي في الطلاق، باب 40، حديث 3472، وفي الكبرى (3/ 374) حديث 5666، والشافعي في الأم (5/ 125)، والحميدي (1/ 239 - 240) حديث 518، والبيهقي (7/ 405)، والضياء في المختارة (13/ 56) حديث 86، من طريق سفيان بن عيينة، عن عاصم بن كليب، به، بنحوه. وليس فيه الأمر بوضع اليد على فم المرأة. وحسّن إسناده ابن الملقن في خلاصة الدر المنير (2/ 237). وقال ابن عبد الهادي في المحرر ص/ 381: إسناده لا بأس به.
لم يتشاحَحْنَ؛ بدأ بِلِعان من شاء منهنَّ.
ولو بدأ بواحدة) منهن (مع المُشاحَّة من غير قُرعة؛ صَحَّ) اللِّعان.
(وإن كانت المرأة خَفِرة) - بفتح الخاء وكسر الفاء -، وهي شديدة الحياء، ضد البَرْزة (بعث الحاكم من يُلاعِن بينهما، نائبًا عنه، ويُستحبُّ أن يبعث معه عدولًا، ليلاعنوا بينهما، وإن بعثه) أي: النائب (وحده؛ جاز) لأن الجمع غير واجب، كما يبعث من يستحلفها في الحقوق؛ ولأن الغرض يحصُل ببعث من يثق الحاكم به، فلا ضرورة إلى إحضارها، وترك عادتها، مع حصول الغرض بدونه.
فصل
(ولا يصحُّ) اللِّعان (إلا) بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون (بين زوجين، ولو قبل الدخول) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}
(1)
ثم خَصَّ الأزواج من عمومها بقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
(2)
فيبقى ما عداه على مقتضى العموم.
(ولها) أي: للزوجة إذا لاعنها قبل الدخول (نصفُ الصداق) المسمَّى لها؛ قَدَّمه في "الشرح" هنا، كطلاقه؛ لأن سبب اللِّعان قذفه الصادر منه، أشبه الخلع. وقيل: يسقط مهرها؛ لأن الفسخ عقب لعانها، فهو كفسخها لعيبه. قال في "الإنصاف" في كتاب الصداق: وهو المذهب؛ صحَّحه في "التصحيح"، و"تصحيح المحرر"، و"النظم"
(1)
سورة النور، الآية:4.
(2)
سورة النور، الآية:6.
وغيرهم، وجزم به في "الوجيز" وغيره، وقدَّمه في "الرعايتين"، و"شرح ابن رزين"، و"الحاوي الصغير"، واختاره أبو بكر. انتهى. وجزم به المصنف
(1)
في الصداق.
(عاقِلين، بالِغين) لأنه إما
(2)
يمين، أو شهادة، وكلاهما لا يصح من مجنون، ولا
(3)
غيرِ بالغ؛ إذ لا عبرة بقولهما.
(سواء كانا) أي: الزوجان (مُسلِمَين أو ذِميين، حُرَّين أو رقيقين، عدلين أو فاسقَين، أو محدودين في قذف، أو كان أحدهما) أي: الزوجين (كذلك) لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ. . .} الآيات
(4)
؛ ولأن اللِّعان يمين، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"لولا الأيمانُ لكانَ لي ولها شأنٌ"
(5)
؛ ولأنه يفتقر إلى اسم الله تعالى، ويستوي فيه الذكر والأنثى؛ ولأن الزوج يحتاج إلى نفي الولد، فشرع له اللعان طريقًا إلى نفيه، كما لو كانت ممن يُحدُّ بقذفها.
(وإذا قذف أجنبيةً؛ فعليه الحدّ لها إن كانت محصنة) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ. . .} الآية
(6)
(و) عليه (التعزير لغيرها) أي: غير المحصنة.
(وإن قَذَفها) أي: الأجنبية (ثم تزوَّجها) حُدَّ، ولم يلاعن؛ لأنه وجب في حال كونها أجنبية؛ أشبه ما لو لم يتزوجها.
(1)
عَلَّق في حاشية الأصل: "كالمنتهى"، وفي "ذ":"وجزم به المصنف كالمنتهى".
(2)
في "ذ": "لهما".
(3)
في "ذ": "ولا من".
(4)
سورة النور، الآيات: 6 - 10.
(5)
جزء من حديث ابن عباس المتقدم تخريجه (12/ 516) تعليق رقم (1).
(6)
سورة النور، الآية:4.
(أو قال لامرأته: زَنَيْتِ قبل أن أنْكِحَكِ؛ حُدَّ، ولم يلاعن، حتى ولو) كان اللِّعان (لنفي الولد) لأنه قذفها بزنىً أضافه إلى حال كونها أجنبية؛ أشبه ما لو قَذَفَها قبل أن يتزوَّجها، وفارق قذفَ الزوجة؛ لأنه محتاج إليه. وإذا تزوَّجها وهو يعلم زناها؛ فهو المُغِرُّ
(1)
، كما في نكاح حامل من الزنى.
(وإن ملك أَمَة، ثم قَذَفها؛ فلا لِعَان، ولو كانت فراشًا) لأنها ليست زوجة (ولا حَدَّ عليه) لعدم الإحصان (ويعزّر) لأنه ارتكب معصية.
(وإن قال لامرأته: أنتِ طالق يا زانية، ثلاثًا، فله أن يلاعِن) لإبانتها بعد قذفها، وكقذف الرجعية.
(وإن قال) لامرأته: (أنتِ طالق ثلاثًا يا زانية؛ حُدَّ، ولم يلاعِن؛ لأنه أبانها، ثم قذَفَها، إلا أن يكون بينهما ولد؛ فله أن يلاعن لنفيه) لأنه تعين إضافة قذفها إلى حال الزوجية؛ لاستحالة الزنى بها بعد طلاقه لها.
(وكذا لو أبانها بفسخ أو غيره، ثم قذفها بالزنى في النكاح، أو) قذفها بالزنى (في العدّة، أو في النكاح الفاسد، لاعَنَ لنفي الولد) إن كان؛ لأنه يلحقه نسبه بحكم عقد النكاح، فكان له نفيه.
(وإلا) أي: وإن لم يكن ولد (فلا) لِعَان؛ لأنه لا حاجة إلى القذف؛ لكونها أجنبية، وسائر الأجنبيات لا يلحقه ولدهن، فلا حاجة إلى قذفهن، فلو لاعنها إذًا؛ لم يسقط الحَدّ، ولم يثبت التحريم المؤبّد؛ لأنه لِعَان فاسد. وسواء اعتقد أن النكاح صحيح أم لا (ويُحدُّ - أيضًا - إن لم يُضف القذف إلى النكاح) لأنه قذف أجنبية.
(1)
كذا في النسخ الخطية و"ذ"، وفي الشرح الكبير (23/ 397):"فهو المفرط في نكاح حامل من الزنى".
(وإن قالت) المرأة: (قذفتني قبل أن تتزوَّجني، وقال) الرجل: (بل بعده) أي: بعد أن تزوجتك؛ فقوله (أو قالت): قذفتني (بعد ما بِنْتُ منك، وقال: بل قبلَه؛ فقوله) لأن القول قوله في أصل القذف، فكذا في وقته.
وإن قالت أجنبية: قذفتني، قال: كنتِ زوجتي حينئذ، فأنكرت الزوجية؛ فالقول قولها؛ لأن الأصل عدمها.
(وإذا اشترى زوجتَه الأَمةَ، ثم أقرَّ بوطئها، ثم أتت بولد لستة أشهر؛ كان لاحقًا به) لأنها صارت فراشًا له، وقد أمكن لحاق الولد، فلحق (إلا أن يدعي الاستبراء) بعد الوطء (فينتفي عنه) الولد (لأنه مُلْحَق به بالوطء في الملك، دون النكاح) وقد انقطع حكم الوطء بالملك بالاستبراء.
(وإن لم يكن أقرَّ بوطئها، أو
(1)
أقرَّ به) أي: بالوطء (وأتت به لدون ستة أشهر منذ وطئ) بعد الملك (كان ملحَقًا) به (بالنكاح؛ إن أمكن ذلك) بأن ولدته لستة أشهر فأكثر منذ نَكَحَها (وله نفيه باللِّعان) لأنه ملحَقٌ به بالنكاح.
(وهل يُثْبِتُ هذا اللعانُ التحريمَ المؤبدَ؟ على وجهين) ظاهر كلامهم: أنه يُثبته؛ لأنه لِعَان صحيح.
(وإن قَذَفَ زوجتَهُ الرجعية) في عِدَّتها (صحَّ لِعَانها) لأنها زوجة (ولو لم يكن بينهما ولد.
وكل موضع قلنا: لا لِعَان فيه؛ فالنسب لاحقٌ به) أي: بالزوج؛ لعدم ما ينتفي به.
(1)
في "ذ": "و".
(ويجبُ بالقذفِ موجَبُه، من حَدٍّ، أو تعزير) لعموم: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}
(1)
(إلا أن يكون القاذف صبيًّا، أو مجنونًا؛ فلا ضَرْبَ فيه) لحديث: "رُفِعَ القَلَمُ"
(2)
(ولا لِعَان) لعدم الاعتداد بقولهما.
(وإن قَذَف زوجتَهُ الصغيرةَ التي لا يُجامَعُ مثلُها، أو) قذف زوجتَهُ (المجنونةَ حال جنونها؛ عُزِّر) لأن القذف لا ينحطُّ عن درجة السَّبِّ، وهو يوجبه، فكذا هنا (ولا لِعَان بينهما) لأنه يمين، فلا يصحُّ من غير مكلَّف، كسائر الأيمان (حتى ولو أراد نفي ولد المجنونة. ويكون) ولدها (لاحقًا به) لعدم اللِّعان (ولا يحتاج في التعزير إلى مطالبة) من وليها أو غيره، فيقيمه الحاكم بلا طلب إذا رآه؛ لأنه مشروع للتأديب.
(وإن كانت) الزوجة (الصغيرةُ) المقذوفةُ (يوطأ مثلُها، كابنة تسع فصاعدًا؛ فعليه الحدُّ) كسائر المحصنات (وليس لوليّها المطالبة به، ولا بالتعزير) لأنه يُراد للتشفّي، فلا تدخله الولاية، كالقصاص (ولا لها) المطالبة (حتى تبلغ) ليعتبر قولها (ثم إن شاء الزوج) بعد طلبها (أسقط الحدَّ باللِّعان) كما لو قذفها إذًا.
(وإن قذف المجنونةَ، وأضافه إلى حال إفاقتها، أو قذفها وهي عاقلةٌ، ثم جُنَّتْ؛ فليس لوليّها المطالبة) بالحدِّ؛ لأن طريقه التشفّي (فإذا أفاقت) المجنونة (فلها المطالبة بالحدِّ، وللزوج إسقاطه باللِّعان.
وإن قَذَفَها الزوج وهو طفل؛ لم يُحَدَّ) لحديث: "رُفعَ القَلَمُ عَن ثَلاثٍ
(3)
"
(2)
.
(1)
سورة النور، الآية:4.
(2)
تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2).
(3)
في "ح" و"ذ": "عن ثلاثة".
(وإن أتت امرأته بولد، لم يلحقه نسبُه إن كان له دون عشر سنين؛ لعدم إمكان إلحاقه به
(1)
؛ لأنه لا يمكن بلوغه (وإن كان مجنونًا؛ فلا حكم لقذفه) كسائر كلامه.
(وإن أتت امرأته بولد؛ فنسبه لاحقٌ به) لعموم حديث: "الوَلَدُ للفِرَاش"
(2)
(فإذا عَقَلَ) المجنون (فله نفيه) باللعان، كما لو قذفها إذًا.
(و
إن ادَّعى) الزوج (أنه كان ذاهب العقل حين قَذْفِه، فأنكرتْ،
ولا بينة، ولم يكن له حالٌ عُلِمَ فيها زوالُ عقله؛ فالقول قولها مع يمينها) لأن الأصل السلامة، ولا قرينة تُرجِّح قوله (وإن عُرف جنونهُ، ولم تُعرَف له حالُ إفاقة؛ فقوله مع يمينه) عملًا بالظاهر (وإن عُرف له الحالان) أي: حال إفاقة، وجنون، وادَّعى أنه قذفها في جنونه (فـ) ــفي أيهما يُقبل قوله؟ (وجهان) قال في "المبدع": قُبِلَ قولها في الأصح.
فصل
الشرط الثاني: (القذفُ الذي يترتَّبُ عليه الحَدُّ أو اللِّعان
(3)
) بـ (ــأن يقذفها بالزنى، في القُبُل أو الدُّبُر)
لأن كلًّا قذفٌ يجب به الحدّ (فيقول: زنيتِ، أو: يا زانية، أو: رأيتُكِ تزنين. وسواء في ذلك الأعمى والبصير) لعموم الآية، وعمومُ اللفظ يُقدَّم على خصوص السبب.
(فإن قال: وُطِئْتِ بشُبْهة، أو): وُطئتِ (مكرهةً، أو): وُطئتِ
(1)
في "ذ": "لحاقه به".
(2)
تقدم تخريجه (11/ 315) تعليق رقم (2).
(3)
عَلَّق في حاشية الأصل: "صوابه: أو التعزير". وفي "ذ" زيادة "صوابه: التعزير".
(نائمة، أو): وُطئتِ (مع إغماء، أو جنون، أو: وُطئتِ بشبهة، والولد من الواطئ؛ فلا لِعان) بينهما؛ لأنه لم يقذفها بما بوجب الحد (ولو كان بينهما ولد) فلا يلاعن لنفيه (ويلحقه نسبه) لحديث: "الوَلَدُ للفِرَاش"
(1)
.
(ولو قال: وَطِئَكِ فلانٌ بشبهة، وكنتِ) أنتِ (عالمة؛ فله أن يلاعن، وينفيَ الولد؛ اختاره الموفَّق وغيره) قال في "الإنصاف": وهو الصواب. انتهى. وعند القاضي: لا خلاف أنه لا يلاعن.
(وإن قال لامرأته التي في حباله: لم تَزْني) ولكن ليس هذا الولد مني (أو) قال لها: (لم أقْذِفْكِ، ولكن ليس هذا الولد مني؛ فهو ولده في الحكم) لأن الولد للفراش، وفي فراشه (ولا حدّ عليه) لأنه لم يقذفها بالزنى.
(وإن قاله) أي: ليس هذا الولد مِنِّي، لامرأته (بعد أن أبانها، أو قاله لسُرِّيَّتِه، فشهدتْ بيّنةٌ - وتكفي امرأةٌ مَرْضيَّةٌ - أنه وُلِد على فراشه؛ لَحِقَه نسبُه) إذ "الولد للفراش".
(وإن قال) عن ولدٍ بيدها: (ما ولدْتِه، وإنما التقطْتِه، أو استعرْتِه. فقالت: بل هو ولدي منك؛ لم يُقبل قولها) عليه؛ لأن الولادة يمكن إقامة البيّنة عليها، والأصل عدمها (ولا يلحقْه نسبُه؛ إلا ببيّنة، وتكفي امرأة مرضية تشهد بولادتها له، فإذا ثَبتَت ولادتها) له (لَحِقَهُ نسبه) لأنها فراشه، والولد للفراش.
(وكذلك لا تُقبل دعواها الولادةَ؛ إذا علَّق طلاقَها بها) لإمكان إقامة البيّنة بها، وتقدَّم أنها تُقبل إذا أقرَّ بالحمل، عند القاضي وأصحابه، وجزم به في "المنتهى" في فصل تعليقه بالحمل والولادة.
(ولا) تُقبل (دعوى الأَمَة لها) أي: للولادة (لتصير أمَّ ولد) لأنها
(1)
تقدم تخريجه (11/ 315) تعليق رقم (2).
خلاف الأصل (ويُقبل قولُها فيه) أي: في أنها ولدت (لتنقضي عِدَّتها به) لأنها أمينة على نفسها في ذلك.
(و
إن ولدت توأمين، فأقرَّ بأحدهما، ونفى الآخر، أو سكت)
عنه فلم يقر به، ولم ينفِهِ (لَحِقَه نسبهما) حيث كان بينهما دون ستة أشهر؛ لأنه حمل واحد، فلا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره؛ لأن النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه، ولذلك يثبت بمجرَّد الإمكان، فلذلك لم يحكم بنفي ما أقر به تبعًا للذي نفاه، بل حكم بثبوت نسب من نفاه تبعًا لمن أقرَّ به.
(وإن كان قَذَفَ أمهما، فطالبته بالحَدِّ؛ فله إسقاطه باللِّعان) لأن اللِّعان تارة يُراد لنفي الولد، وتارة لإسقاط الحَدِّ، فإذا تعذَّر نفي الولد لما سبق، بقي اللِّعان لإسقاط الحَدِّ.
(والأخوان المنْفِيَّان) باللِّعان (أخوان لأم فقط، لا يتوارثان بأُخُوَّة أُبُوَّة) لأن الأبوّة انقطعت باللِّعان.
(وإن أتت) زوجة (بولد، فنفاه) زوجُها (ولاعن لنفيه، ثم ولدت آخر لأقلَّ من ستة أشهر؛ لم ينتفِ الثاني باللِّعان الأول) لأنه كان حملًا، ولا يصح نفيه قبل ولادته، كما يأتي (ويحتاج في نفيه إلى لِعان ثان، فإن أقرّ) الزوج (بـ) ــالولد (الثاني - أو سكت عن نفيه - لحقاه؛ لأنهما توأمان، لكون ما بينهما أقل من ستة أشهر) فهما حمل واحد.
(وإن أتت بـ) ـــالولد (الثاني بعد ستة أشهر؛ فليسا توأمين، وله نفيه باللعان) لأنه حمل مستقل لم يقر به.
(وإن استَلْحَقه) أي: الولد الثانيَ (أو ترك نفيَه؛ لَحِقه) نَسَبُهُ (ولو كانت قد بانت باللِّعان؛ لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول.
وإن لاعنها في وضع الأول، فأتت بولد، ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر؛ لم يلحقه) نسب (الثاني) لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملًا واحدًا، فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية، وانقضاء العدة، وكونها حملت به وهي أجنبية.
(وإن مات الولد، أو مات واحد من توأمين، أو ماتا؛ فله أن يُلاعن لنفي النسب) لأن الميت يُنسب إليه، فيقال: ابن فلان، ويلزمه تجهيزُه وتكفينُه.
فصل
الشرط الثالث: أن تُكذِّبه الزوجةُ، ويستمر ذلك إلى انقضاء اللِّعان
(فإن صَدَّقته الزوجةُ فيما رماها به) من الزنى (مرةً، أو مرارًا، أو سكتت، أو عَفَتْ عنه، أو ثَبَت زناها بأربعة سواه، أو قَذَف خَرْساءَ، أو ناطقةً فخَرِسَتْ) ولم تُفهم إشارتها (أو) قذف (صمَّاءَ؛ لَحِقَه النسبُ) لأن الولد للفراش، وإنما ينتفي عنه باللِّعان، ولم يوجد شرطه (ولا حَدّ) لتصديقها إياه، أو عدم الطلب (ولا لِعان) لأنه كالبيّنة، إنما يقام مع الإنكار.
(وإن كان إقرارها دون الأربع مرات) فلا حَدَّ عليها (أو) كان إقرارُها (أربع مرات، ثم رجعت؛ فلا حَدَّ عليها) لأن الرجوع عن الإقرار بالحَدِّ مقبول.
(وإن كان تصديقها قبل لِعانه، فلا لِعان بينهما) للحَدِّ؛ لتصديقها إياه، ولا لنفي النسب؛ لأن نفي الولد إنما يكون بلِعَانهما معًا، وقد تعذَّر منهما.
(وإن كان) تصديقها (بعدَه) أي: بعدَ لِعانه (لم تلاعِنْ هي) لإقرارها.
(وإن مات أحدُهما) أي: الزوجين (قبل اللِّعان، أو في أثناء لِعان أحدهما، أو) مات أحدهما (قبل لِعانها؛ ورثه صاحبه) لأن الفُرقة لا تحصُل إلا بكمال اللِّعان (ولَحِقَ الزوجَ نَسَبُ الولد) لأن النكاح إنما يقطعه اللِّعانُ؛ كالطلاق (ولا لِعَان) لأن شرطه مطالبة الزوجة، وقد تعذَّر ذلك بالموت.
(لكن إن كانت قد طالبت في حياتها، فإنَّ أولياءَها يقومون في الطلب به) أي: بحَدِّ القذف (مَقامها) لأنه يورث عنها إذًا (فإن طولب به) أي: بالحَدِّ (فله إسقاطه باللِّعان) كما لو كانت حيّة.
(وإذا قَذَف امرأته وله بيّنة بزناها؛ فهو مخيَّرٌ بين لِعانها، وإقامة البينة) عليها بالزنى؛ لأنهما سببان، ويحصُل بكلٍّ منهما ما لا يحصُل بالآخر، فيحصُل باللِّعان نفي النسب الباطل، وبالبينةِ الحدُّ عليها.
(وإن قال) القاذفُ: (لي بيّنة غائبة أقيمها؛ أُمْهِلَ اليومين أو الثلاثةَ) ليحضرها؛ لأن ذلك قريب (فإن أتى بالبيّنة) وشهدت؛ فلا حَدَّ. فإن أقام رجلين بتصديقها له؛ ثَبَت التصديق، فلا حَدَّ عليه، ولا عليها؛ لأنه لا يثبت زناها إلا بالإقرار أربعًا (وإلا) أي: وإن لم يأتِ بها، أو لم تكمل (حُدَّ) للقذف (إلا أن يلاعن؛ إن كان) القاذف (زوجًا) فيسقط عنه الحَدّ بلِعَانه.
(فإن قال) الزوج: (قذفْتُها وهي صغيرة، فقالت: بل) قذفتني وأنا (كبيرة. وأقام كلُّ واحدٍ منهما بيّنةً بما قال؛ فهما قَذْفان) موجب أحدهما: الحدُّ، والآخر: التعزير؛ لإمكان تعدُّد القَذْف.
(وكذلك إن اختلفا في الكُفْر) بأن قال: قذفتُها وهي كافرة. قالت: بل مسلِمة (أو) اختلفا في (الرِّقِّ) بأن قال: قذفتُها وهي رقيقة، فقالت: بل حُرَّة (أو) اختلفا في (الوقت) بأن قال: قذفتُها يومَ الخميس، فقالت: بل يوم الجمعة. فإذا أقاما بيِّنتين بذلك؛ فهما قذفان (إلا أن يكونا مُؤَرَّختَيْن تأْريخًا واحدًا؛ فيسقطان، في أحد الوجهين) وهو الصحيح، على ما يأتي في تعارض البيّنتين، وكذا لو اتفقا على أنه قذف واحد (وفي) الوجه (الآخر: يُقْرَعُ بينهما.
فإن شَهِدا أنَّه قَذَفَ فلانة، وقَذَفَهُما؛ لم تُقبل شهادتهما) عليه (لاعترافهما بعداوته) لادعائهما أنه قذفهما.
(وإن أبرءاه) عن القذف (وزالت العداوة، ثم شَهِدا عليه بذلك) أي: بقذف زوجته (لم تُقبل) شهادتهما عليه (بعد ردّها) للتهمة.
(وإن ادّعيا أنه قَذَفهما
(1)
، ثم زالت العداوة، ثم شَهِدا عليه بقذف زوجته؛ قُبِلَتْ) شهادتهما؛ لأنهما لم يُرَدّا في هذه الشهادة.
(ولو شهدا أنه قَذَفَ امرأته، ثم ادَّعيا أنه قذفهما، فإن أضافا دعواهما إلى ما قبل شهادتهما؛ بَطَلت) شهادتهما؛ لاعترافهما بالعداوة حينها (وإن لم يضيفاها، وكان ذلك) أي: دعواهما قَذْفهما
(2)
(قَبْلَ الحكم بشهادتهما؛ لم يحكم بها) أي: بشهادتهما؛ للتهمة، و (لا) يمنع الحكم إن كانت دعواهما (بعده) أي: بعد حكم الحاكم؛ لأنه قد تم، فلا يتغير بما حدث عن العداوة.
(وإن شَهِدا أنه قَذَف امرأتَهُ، وأُمَّهما
(3)
؛ لم تُقبَل) شهادتُهما؛ لأنها
(1)
في متن الإقناع (3/ 607): "قذفها".
(2)
في "ذ": "قذفها".
(3)
في "ح": "وأمها".
لا تتبعض، فإذا رُدّت لأمهما لزم رَدُّها لامرأته.
(وإن شَهِدا على أبيهما أنه قذف ضَرَّةَ أُمِّهما؛ قُبِلَتْ) شهادتُهما؛ لأنها شهادة على أبيهما.
(وإن شَهِدا) على أبيهما (بطلاق الضَّرَّة؛ فوجهان) أصحّهما: تُقْبَل، كما يأتي في مواضع
(1)
الشهادة؛ لأنها شهادة على الأب.
(ولو شَهِد شاهدٌ أنه أقرَّ بالعربية أنه قَذَفها، وشهد) شاهد (آخر أنه أقر بذلك بالعجمية؛ ثَبَتتِ الشهادة) لأن الاختلاف في العَجميّة والعربية عائد على الإقرار دون القذف، ويجوز أن يكون القذف واحدًا، والإقرار به في مرتين.
(وكذا لو شَهِد أحدُهما أنه أقرَّ يوم الخميس بقذفها، وشهد الآخرُ أنه أقرَّ بذلك يومَ الجمعة) ثَبَتَت شهادتُهما؛ لما سبق.
(وإن شَهِد أحدُهما أنه قَذَفها بالعربية و) شَهِد (الآخر) أنه قَذَفها (بالعجمية، أو شَهِد أحدُهما أنه قَذَفها يومَ الخميس، و) شهد (الآخر) أنه قذفها (يومَ الجُمُعة؛ لم يثبت) أحدُ القذفين؛ لعدم كمال نصابه.
(وإن لاعن) الزوجُ (ونَكَلتِ) الزوجة (عن اللِّعان؛ فلا حَدَّ عليها) لأن زِناها لم يثبت؛ لأن الحَدَّ يُدرأ بالشُّبهة (وحُبِست حتى تُقِرَّ أربعًا أو تُلاعِنَ) لقوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ. . .} الآية
(2)
، فإذا لم تشهد، وجب ألا يدرأ عنها العذاب. ولا يسقط النسب إلا بالْتِعانهما جميعًا؛ لأن الفراش قائم، و"الولد للفراش".
(ولا يُعْرَض) بالبناء للمفعول، أي: لا يُتَعَرَّض (للزوج) بحدّ، ولا
(1)
كذا في الأصل، وفي "ح" و "ذ":"موانع".
(2)
سورة النور، الآية:8.
مطالبة بِلِعان (حتى تُطالبَه) زوجته المقذوفة بذلك؛ لأنه حَقٌّ لها، فلا يُقام بغير طَلَبِها، كسائر الحقوق، فإن عَفَتْ عن الحق، أو لم تُطالِب؛ لم تَجُزْ مطالبته بنفيه، ولا حدَّ ولا لِعان.
(فإن أراد اللِّعان من غير طَلَبها، فإن كان بينهما ولد يُريد نَفْيَهُ؛ فله ذلك) قاله القاضي وصاحب "المقنع" وغيرهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لاعن
(1)
هلال بن أمية وزوجته
(2)
، ولم تكن طالبته؛ ولأنه محتاج إلى نفيه؛ ولأن نفي النسب الباطل حقٌّ له، فلا يسقط برضاها به، كما لو طالبت باللِّعان، ورضيت بالولد.
وقال في "المحرر" وتبعه الزركشي: لا يُشرع مع وجود الولد - على أكثر نصوص الإمام أحمد
(3)
-؛ لأنه أحد موجبي القذف، فلا يُشرع مع عدم المطالبة كالحدّ، وقَدَّمه في "النظم"، و"الرعايتين" و"الحاوي"، و"الفروع".
(وإلا فلا) أي: وإن لم يكن هناك ولدٌ يريد نَفْيَهُ؛ لم يكن له أن يُلاعن، بغير خلاف نعلمه؛ لعدم الحاجة إليه.
فصل
(وإذا تَمَّ اللِّعان بينهما؛ ثَبَتَ) له (أربعة أحكام:
أحدها: سقوط الحَدّ عنه) أي: عن الزوج (إن كانت) زوجته (مُحصَنة، أو التعزيرِ إن لم تكن) الزوجة (مُحصَنة) لقول هلال بن أمية:
(1)
زاد في حاشية "ذ": "لعله: بين".
(2)
تقدم تخريجه (12/ 515) تعليق رقم (3)، و (12/ 516) تعليق رقم (1).
(3)
المحرر (2/ 100)، والإنصاف (23/ 431).
"والله لا يعذبُني الله عليها، كما لم يجلدني عليها"
(1)
؛ ولأن شهادته أُقيمت مقام بيّنته، وهي تُسقط الحدَّ، فكذا لِعانه.
(فإن نَكَل عن اللِّعان، أو) نَكَل (عن تمامه؛ فعليه الحدّ) لقذفه إيَّاها إن كانت مُحصَنة، وإلا فالتعزير، كما لو لم يكن زوجًا.
(وإن ضُرِب بعضَه) أي: بعضَ الحَدِّ (فقال: أنا أُلاعِن؛ سُمِع ذلك منه) وتقدّم
(2)
.
(ولو نَكَلتِ المرأة عن الملاعنة، ثم بَذَلَتْها؛ سُمِعت أيضًا) كالرجل.
(فإن قذفها برجل بعينه) بأن قال: زنى بكِ فلان (سقط الحَدُّ عنه لهما) أي: للمرأة، ومن قذفها به (بِلِعانه، ذكَرَ الرجلَ في لِعانه أو لم يذكره) فيه؛ لأن هلال بن أمية قَذَف زوجته بشَرِيك بن سحماء
(3)
، ولم يحده النبي صلى الله عليه وسلم لشريك، ولا عزّره له؛ ولأن اللعان بيّنته
(4)
في أحد الطرفين، فكان بيّنته
(4)
في الآخر، كالشهادة.
(وإن لم يُلاعن) الزوج (فلكلِّ) واحد (منهما) أي: من المرأة، والرجل الذي قذفها به (المطالبةُ) بالحدّ (وأيهما طالب؛ حُدَّ له وحدَه) دون من لم يطالب، كما لو قذف رجلًا بالزنى بامرأة معيّنة.
(وإن قذف امرأته، و) امرأةً (أجنبية) غيرَ زوجته (أو) قذف زوجته، ورجلًا (أجنبيًّا بكلمتين؛ فعليه حدّان) لكل منهما حدّ (فيخرج من حدّ الأجنبية) أو الأجنبي (بالبيّنة) أو التصديق فقط (و) يخرج (من حَدّ الزوجة
(1)
تقدم تخريجه (12/ 516) تعليق رقم (1).
(2)
(12/ 516).
(3)
تقدم تخريجه (12/ 515) تعليق رقم (3).
(4)
في "ح" و"ذ": "بينة".
بها) أي: بالبينة، وكذا بالتصديق (أو باللِّعان.
وكذا) إن قذفهما (بكلمةٍ واحدةٍ:، إلا أنه إذا لم يُلاعِن، ولم يُقِمْ بيّنة) ولا تصديق (فحدٌّ واحد) لأن القذف واحد.
(وإن قال لزوجته: با زانيةُ بنتَ الزانية، فقد قَذَفهما) أي: زوجته، وأمّها (بكلمتين) فعليه لهما حَدَّان (فإن حُدَّ لإحداهما؛ لم يُحَدَّ للأخرى حتى يبرأ جِلْدُه من حَدِّ الأولى) لأن الغرض زجره، لا هلاكه.
الحكم (الثاني: الفُرقة بينهما،
ولو لم يفرِّقِ الحاكم) بينهما، لقول ابن عمر
(1)
: "المُتَلاعِنَانِ يُفَرَّقُ بينَهُما، قال: لا يجتمعان أبدًا" رواه سعيد
(2)
؛ ولأنه معنىً يقتضي التحريم المؤبد، فلم يقف على حكم
(3)
، كالرضاع؛ ولأنها لو وقفت على تفريق الحاكم؛ لفات ترك التفريق إذا لم يرضيا به، كالتفريق للعيب والإعسار، وتفريقه صلى الله عليه وسلم بينهما، بمعنى إعلامهما بحصول الفُرقة (فلا يقع الطلاق) بعد تمام تلاعنهما؛ لأنها بانت، فلا يلحقها طلاقُهُ، كالمختلعة وأولى.
(وله) أي: الحاكم، أي: يلزمه (أن يُفَرِّق بينهما) كما في "الرعاية"(من غير استئذانهما، ويكون تفريقه) أي: الحاكم بين المتلاعنين (بمعنى
(1)
"ابن عمر" كذا في الأصول الخطية!، والصواب "عمر" كما في المغني (11/ 145) ومصادر التخريج.
(2)
سنن سعيد بن منصور (1/ 363) رقم 1561. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 112) رقم 12433، والبيهقي (7/ 410)، عن إبراهيم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأخرج الدارقطني (3/ 276)، ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 302) حديث 1738، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدًا.
وقال الحافظ في الدراية (2/ 76): إسناده لا بأس به.
(3)
في "ح" و"ذ": "على حكم حاكم".
إعلامه) لهما (حصولَ الفُرقة) بنفس التلاعن؛ لأنها لا تتوقف على تفريقه.
الحكم (الثالث: التحريم المؤبَّد)
لقول سهل بن سعد: "مضت السُّنةُ في المتلاعنين، أن يُفرَّق بينهما. لا يجتمعان أبدًا" رواه الجوزجاني، وأبو داود
(1)
. ورجاله ثقات؛ قاله في "المبدع". وروى الدارقطني ذلك عن علي
(2)
؛ ولأنه تحريم لا يرتفع قبل الجلد والتكذيب، فلم يرتفع بهما، كتحريم الرَّضاع.
(فلا تحل) الملاعنة (له) أي: للمُلاعِن (ولو أكذب نفسه، وإن لاعنها أَمَة، ثم اشتراها؛ لم تَحِل له) لأنه تحريم مؤبّد، كالرَّضاع؛ ولأن المُطلِّق ثلاثًا إذا اشترى مطلقته، لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، فهنا أولى؛ لأن هذا التحريم مؤبد.
الحكم (الرابع: انتفاء الولد عنه) لما روى سهل بن سعد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بينهما"
(3)
ولا يدعي ولدها، وفي حديث ابن عباس
(1)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الجوزجاني المطبوعة، وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب 27، حديث 2250، ولفظه: ثم لا يجتمعان أبدًا. وأخرجه - أيضًا - البيهقي (7/ 410)، من طريق عياض بن عبد الله، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد. قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 322): في إسناده عياض بن عبد الله، قال في التقريب [5313]: فيه لينٌ، ولكنه قد أخرج له مسلم.
(2)
(3/ 276 - 277). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 112 - 113) رقم 12436، والبيهقي (7/ 410).
(3)
أخرجه أبو داود في الطلاق، باب 27، حديث 2251، وابن أبي شيبة (4/ 351، 14/ 172)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 155)، والطبراني في الكبير (6/ 118 - 119) حديث 5687، 5691، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، به.
وأخرجه البخاري في الحدود، باب 43، حديث 6854، وفي الأحكام باب 18، =
"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين هلال وامرأته ففرق بينهما، وقضى ألا يُدعَى ولدها لأب ولا يُرمَى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها؛ فعليه الحد" رواه أحمد وأبو داود
(1)
. (إذا ذَكَره في اللِّعان في كلِّ مرّة) من الخمس (صريحًا) بأن يقول: لفد زنت وما هذا ولدي (أو تضمُّنًا؛ بأن يقول إذا قَذَفها بزنىً في طُهر لم يصبها فيه، وادعى أنه اعتزلها حتى ولدت: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما ادعيت عليها، أو فيما رميتها به من الزنى، ونحوه) مما يؤدي هذا المعنى، فينتفي.
(فإن لم يذكره) أي: الولد في اللعان لا صريحًا ولا تضمُّنًا (لم ينتفِ) احتياطًا للنسب (إلا أن يعيد اللعانَ ويذكر نفيه) صريحًا، أو تضمنًا، كما تقدم (ولو نفى أولادًا؛ كفاه لِعان واحد) يُصَرِّح فيه بهم، أو يذكرهم فيه تضمّنًا، كما تقدم (ولا ينتفي) الولد (عنه) أي: عن المُلاعِن (إلا أن ينفيَه باللِّعان التامّ، وهو أن يوجد اللِّعان بينهما جميعًا، فلا ينتفي
= حديث 7165، من طريق سفيان بن عيينة، به، بلفظ: قال: شهدت المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة سنة، وفرّق بينهما.
قال أبو داود: لم يتابع ابن عيينة أحدٌ على أنه فرَّق بين المتلاعنين.
وأخرجه البخاري في تفسير سورة النور، باب 2، حديث 4746، من طريق فليح، عن الزهري، به، بلفط: ففارقها، فكانت سنةً أن يفرق بين المتلاعنين.
وأخرجه في الطلاق، باب 4، 28، حديث 5259، 5308 - 5309، من طريق مالك، وابن جريج، وفي الاعتصام، باب 5، حديث 7304، عن ابن أبي ذئب، ومسلم في اللعان، حديث 1492، من طريق مالك، ويونس، وابن جريج، كلهم عن الزهري، به، بلفط: قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد مسلم في رواية: ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاكم التفريق بين كل متلاعنين.
(1)
جزء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم تخريجه (12/ 516) تعليق رقم (1).
بِلِعان الزوج وحده) حتى تُلاعن هي.
(و
إن نفى) الزوج (الحَمْل في الْتِعانه؛ لم ينتفِ)
قال
(1)
في رواية الجماعة: لعلّهُ يكونُ ريحًا (فإذا وضعته؛ أعاد اللِّعان؛ لنفيه) لأنه قد تحقّق وجوده.
فصل
(ومِن شَرْطِ نفي الولد) باللعان (أن ينفيه حالة علمه بولادته، من غير تأخير، إذا لم يكن عذر) لأن تأخيره دليل إقراره به.
(قال أبو بكر: لا يتقدَّرُ ذلك بثلاث، بل هو على ما جرت به العادةُ، فإن كان ليلًا؛ فحتى تُصبح وينتشر الناس، وإن كان جائعًا أو ظمآن؛ فحتى يأكل أو يشرب، أو ينام إن كان ناعسًا، أو يلبس ثيابه، ويُسْرِج دابته ويركب، ويُصَلِّي إن حضرتِ الصلاةُ، ويُحْرِزَ مالَهُ إن كان) ماله (غير مُحْرَز، وأشباه هذا من أشغالِهِ) لأن ذلك لا يدل على إعراضه عنه؛ لجريان العادة بتقديمه (فإن أخَّره) أي: نفيه (بعد هذا) التأخير الذي جرت به العادةُ (لم يكن له نفيُهُ) لأن ذلك دليل إعراضه عن نفيه.
(ومن شرطه) أي: نفي الولد (ألا يوجد منه) إقرار بالولد، ولا (دليل على الإقرار به، فإن أقرَّ به، أو بتوأمه، أو نفاه وسكت عن توأمه، أو هُنِّئَ به فسكتَ) أو هُنِّئَ به (فأمَّن على الدعاء، أو قال: أحسن الله جزاءك، أو: بارك) الله (عليك، أو: رزقك الله مثله) لحقه نسبه، وامتنع نفيه؛ لأن الدليل على الإقرار به بمنزلة الإقرار به، والسكوت دالّ على
(1)
مسائل حرب ص/ 273، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 195).
الرضا في البكر، فهنا أولى (أو أخَّر نفيه مع إمكانه؛ لحقه نسبه، وامتنع نفيه) لأن ذلك كله دليل على الإقرار به.
(وإن قال: أخَّرْتُ نفيَه رجاءَ موته؛ لم يُعذر بذلك) لأن الموت قريب غير متيقن، فتعليق النفي عليه، تعليق على أمر موهوم.
(وإن قال: لم أعلم بولادته، وأمكن صدقُه؛ بأن يكون في محلّة أخرى؛ قُبِل قولُه مع يمينه) لأنه محتمل، ولم
(1)
يسقط نفيه (وإن لم يُمكِن) صدقه في دعواه عدم العلم به (مثل أن يكون معها في الدار؛ لم يُقبل) قوله؛ لأنه خلاف الظاهر.
(وإن قال: علمتُ ولادته، ولم أعلم أن لي نفيه، أو: علمتُ ذلك) أي: أن لي نفيه (ولم أعلم أنه على الفور، وكان) الزوج (ممن يخفى عليه ذلك، كعامة الناس، أو من هو حديثُ عهدٍ بإسلامٍ، أو مِن أهل البادية؛ قُبِلَ منه) ذلك؛ لأنه ممكن (وإن كان فقيهًا؛ لم يُقبل منه) ذلك؛ لأنه لا يخفى عليه مثله.
(وإن أخَّره) أي: نفيه (لحبس، أو مرض، أو غَيْبة، أو اشتغال) عنه (بحفظ مال يخاف) عليه منه (ضيعته، أو) اشتغل عنه (بملازمة غريم يخاف فوته، أو) اشتغل عنه (بشيء يمنعه ذلك؛ لم يسقط نفيه) لأن ذلك لا دليل فيه على إعراضه، وهذا مقتضى كلامه في "المقنع".
وقال في "المبدع": فإن كانت مدّة ذلك قصيرة؛ لم يبطل نفيه؛ لأنه بمنزلة من علم ليلًا، فأخره إلى الصبح
(2)
، وإن كانت طويلة، وأمكنه التنفيذ إلى حاكمٍ ليبعث إليه من يستوفي عليه اللعان والنفي، فلم
(1)
في "ذ": "ولا يسقط".
(2)
في "ذ": "إلى أن يصبح".
يفعل؛ سقط نفيه، وإن لم يمكنه، أشهد على نفسه أنه نافٍ لولد امرأته، فإن لم يفعل؛ بَطَل خياره؛ لأنه إذا لم يقدر على نفيه، قام الإشهادُ مقامه، ومعناه في "الشرح".
(وإن قال): أخَّرت نفيه لأني (لم أصدِّق المُخْبِر به) أي: بأنه وُلِدَ (وكان) المُخْبِر (مشهورَ العدالة، أو كان الخبر مستفيضًا، لم يُقبل قوله) لأنه خلاف الظاهر؛ ولأنه مقصِّر (وإلا) أي: وإن لم يكن المخبِرُ مشهورَ العدالة، وكان الخبر غير مستفيض (قُبِلَ) قوله؛ لأنه محتمل.
(وإن علم) أنها ولدت (وهو غائب، فأمكنه السير، فاشتغل به؛ لم يبطل خيارُه) لعدم ما يدل على إعراضه
(1)
. قلت: لكن قياس ما تقدم في الشُّفعة: لا بُدَّ من الإشهاد؛ لأن السير لا يتعين لذلك.
(وإن أقام) الغائب بعد علمه بولادته (من غير حاجة؛ بَطَل) خياره؛ لأن ذلك دليل رضاه به.
(ومتى أكذب) النافي (نفسه بعد نفيه) للولد (و) بعد (اللعان؛ لحقه نسبه، حيًّا كان) الولد (أو ميتًا، غنيًّا كان) الولد (أو فقيرًا) لأن اللعان يمين، أو بيّنة، فإذا أقرَّ بما يخالفها؛ أُخذ بإقراره، وسقط حكمها خصوصًا، والنسب يحتاط لثبوته (ويتوارثان) لأن الإرث تابع للنسب، وقد ثَبَت، فتبعه الإرث (ولزمه الحدُّ؛ إن كانت) المقذوفة (محصنة، وإلا) أي: وإن لم تكن محصنة؛ لزمه (التعزير) لإقراره بكذب نفسه في قذفها، ولِعَانها.
(فإن رجع عن إكذاب نفسه، وقال: لي بينة أقيمها بزناها، أو أراد إسقاط الحَدِّ باللِّعان؛ لم يُسمعا) أي: لا بيّنته، ولا لِعانه؛ لأن البيّنة
(1)
في "ح" و"ذ": "على إعراضه عنه".
واللِّعان لتحقق ما قاله، وقد أقرَّ بكذب نفسه، فلا يُقبل منه خلافه.
(وإن ادَّعت أنه قَذَفها، فأنكر) قَذْفَهُ لها (فأقامت به) أي: بقذفها (بيّنةً، فقال: صدقتِ البيّنة، وليس ذلك قذفًا؛ لأن القذف الرمي بالزنى كذبًا، وأنا صادق فيما رميتها به) فلست قاذفًا (لم يكن) قوله (ذلك إكذابًا لنفسه) لأنه محتمل (وله إسقاط الحَدِّ باللعان) أو البينة.
(فإن قال) زوجها جوابًا لدعواها عليه أنه قذفها بالزنى: (ما زَنَتْ، ولا رميتها بالزنى. فقامت البيّنة عليه بقذفها) بالزنى (لزمه الحدّ) إن كانت محصنة؛ لثبوت موجبه، وإلا فالتعزير (ولم تُسمع بيّنته) بأنها زنت (ولا لِعانه) لأن ذلك يكذب قوله: ما زنت.
(ولو أنفقت الملاعنة على الولد، ثم استَلْحَقه الملاعِن؛ رجعت) الملاعنة (عليه بالنفقة) لأنها إنما أنفقت عليه تظنه أنه لا أب له؛ قاله الموفق. واقتصر عليه في "الإنصاف" (ويأتي في النفقات.
ولا يلحقه) أي: الملاعن (نسبه) أي: المنفي بِلِعان (باستلحاق ورثته له بعد موته) أي: الملاعن (و) بعد تمام (لِعَانه) نص عليه
(1)
؛ لأنهم يحملون على غيرهم نسبًا قد نفاه عنه، فلم يُقبل منهم (ولو نفى من لم يَنْتَفِ) كمن أقرّ به قبل ذلك، أو وجد منه ما يدل على الإقرار به (وقال: إنه مِن زنىً؛ حُدّ إن لم يلاعن) لأنه قذف زوجته، فكان له إسقاط الحَدِّ باللِّعان، كما لو لم يكن ولد.
(1)
الفروع (5/ 516 - 517)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (23/ 464).
فصل فيما يلحق من النسب
(من ولدت امرأتُهُ مَنْ) أي: ولدًا فأكثر (أمكن كونُه منه) أي: كون الولد من الزوج (ولو مع غيبته) أي: الزوج. قال في "الفروع": ولو مع غيبته عشرين سنة؛ قاله في "المغني" في مسألة القافة، وعليه نصوص أحمد
(1)
. ولعلّ المراد: ويخفى سيره، وإلا فالخلاف على ما يأتي، وتابعه في "المبدع" (ولا ينقطع الإمكان عنه) أي: عن الاجتماع (بالحيض) قاله في "الترغيب"(بأن تلده بعد ستة أشهر، منذ أمكن اجتماعه بها، أو) ولدت (لأقلَّ من أربع سنين منذ أبانها) ولم تخبر بانقضاء عدتها بالقروء (وهو ممن يُوْلَد لمِثْله، كابن عشر) سنين (لَحِقَه نسبُهُ، ما لم ينْفِه باللِّعان) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولَدُ للفراش"
(2)
، وقدرناه بعشر سنين فما زاد، لقوله صلى الله عليه وسلم:"واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع"
(3)
، فأمره بالتفريق دليل على إمكان الوطء الذي هو سبب الولادة؛ ولأن تمام عشر سنين زمن يمكن فيه البلوغ، فيلحق به الولد، كالبالغ. وقد رُوي: أن عمرو بن العاص وابنه، لم يكن بينهما إلا اثنا عشر عامًا
(4)
.
(1)
الفروع (5/ 518).
(2)
تقدم تخريجه (11/ 315) تعليق رقم (2).
(3)
تقدم تخريجه (2/ 18) تعليق رقم (1).
(4)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 5)، وابن عساكر في تاريخه (31/ 242، 249)، عن الشعبي.
(ومع هذا) أي: مع لحوق النسب بابن عشر فأكثر (فلا يَكمل به) أي: بإلحاق النسب به (مَهْرٌ) إذا لم يثبت الدخول، أو الخلوة؛ لأن الأصل براءة ذمته، فلا نثبته عليه بدون ثبوت سببه الموجب به.
(ولا تثبت به) أي: بإلحاق النسب (عِدّة، ولا رجعة) لأن السبب الموجب لهما غير ثابت (ولا يُحْكَم ببلوغه) أي: ابن عشر فأكثر (إن شُكَّ فيه) أي: في بلوغه؛ لأن الحكم بالبلوغ يستدعي يقينًا؛ لترتُّب الأحكام عليه، من التكاليف، ووجوب الغرامات، فلا يحكم به مع الشك، وإنما ألحقنا الولد به احتياطًا؛ حفظًا للنسب.
(وإن أتت به) أي: بولد (لِدُون ستة أشهر منذ تزوَّجها، وعاش) الولد؛ لم يلحقه نسبه؛ لأنها مدّة لا يُمكن أن تحمل وتلد فيها، فعُلِم أنها كانت حاملًا به قبل تزوجها.
(وإلا) أي: إن ولدته لدون ستة أشهر، منذ أمكن اجتماعه بها، ولم يعش (لَحِقَه بالإمكان) أي: إن أمكن كونه منه، كابن عشر فأكثر (كما) لو ولدته (بعدها) أي: بعد ستة أشهر، منذ أمكن اجتماعه بها، وعاش، وكان ممن يولد لمِثْله، كما سبق.
(أو) ولدته (لأكثرَ من أربعِ سنينَ منذ أبانها) لم يلحقه؛ لأنا علمنا أنها حملت به بعد النكاح
(1)
(أو أخبرت) المطلقة البائن (بانقضاء عدتها بالقُروءِ، ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر) منذ أقرت (لم يلحق الزوجَ) نسبُه؛ لأنها أتت به بعد الحكم بانقضاء عدّتها، في وقت يمكن ألا يكون منه، فلم يلحقه، كما لو انقضت عدّتها بالحمل، وإنما يُعتبر الإمكان مع
(1)
"بعد النكاح" كذا في الأصول، وفي معونة أولي النُّهى (10/ 85) ومطالب أولي النُّهى (5/ 548):"بعد بينونتها".
بقاء الزوجية أو العِدَّة، وأما بعدهما، فلا يكتفى بالإمكان للحاقه؛ وذلك لأن الفراش سبب، ومع وجود السبب يكتفى بإمكان الحكم، فإذا انتفى السبب، انتفى الحكم لانتفائه.
(فأما إن طلَّقها) ولو بائنًا (فاعْتَدَّتْ بالأقراء، ثم ولدت قبل مُضِيِّ ستة أشهر من آخِرِ أقرائها؛ لَحِقه) نسب الولد (ولزم ألا يكون الدم حيضًا) لعلمنا أنها كانت حاملًا في زمن رؤية الدم، والحامل لا تحيض.
(وإن فارقها حاملًا فولدت) ولدًا أو أكثر (ثم وَلَدت) ولدًا (آخر قبل مُضِيّ ستة أشهر؛ لَحِقه) نسب الثاني كالأول؛ لأنهما حمل واحد (وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر؛ لم يلحقه) نسب الثاني (وانتفى عنه من غير لِعان) لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملًا واحدًا، وبينهما مدة الحمل، فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية، وانقضاء العِدَّة، وكونها أجنبية كسائر الأجنبيات.
(وإن) تزوَّج امرأة، و (عُلِمَ أنه لم يجتمع بها؛ كالذي يتزوجها بحضرة الحاكم أو غيره، ويطلقُها في المجلس، أو يموت قبل غيبته عنهم) أي: عن أهل المجلس؛ لم يلحقه؛ للعلم حسًّا ونظرًا؛ لأنه ليس منه (أو يتزوّجها، وبينهما) أي: الزوجين (مسافة) بعيدة (لا يصل إليها في المدّة التي ولدت فيها) كشرْقيّ يتزوج بغرْبيّة، ثم تلد لنحو ستة أشهر، فإن الوقت لا يسع مدة الولادة وقدومه ووطأه بعده (لم يلحقه) النسب. والمراد: وعاش، وإلا لحقه بالإمكان؛ ذكر في "الفروع".
(وإن أمكن وصوله) أي: الزوج إلى الزوجة (في المدة) التي مضت بين العقد والولادة (لحقه) النسب؛ لما سبق. وفي "التعليق"، و"الوسيلة"، و"الانتصار": ولو أمكن، ولا يخفى السير، كأمير، وتاجر
كبير، ومثَّل في "عيون المسائل" بالسلطان والحكم. ونقل ابن منصور
(1)
: إن علم أنه لا يصل مثلُه، لم يُقضَ بالفراش، وهي مثله.
(وإن كان الزوج صبيًّا له دون عشر سنين) لم يلحقه نسبه؛ لأنه لم يُعهَد بلوغ قبلها (أو) كان الزوج (مقطوعَ الذَّكَر والأنْثَيَيْن، أو) مقطوع (الأنثيين فقط) أي: مع بقاء الذكر (لم يلحقه نسبه) لأن الولد لا يوجد إلا من منيٍّ، ومن قُطِعَت خُصيتاه؛ لا منيَّ له؛ لأنه لا ينزل إلا ماءً رقيقًا لا يُخْلق منه الولد، ولا وُجِدَ ذلك، ولا اعتبار بإيلاجٍ لا يُخلق عنه الولد، كما لو أولج الصغير.
(ويلحق) الولد (مقطوعَ الذكر فقط) لأنه يمكن أن يساحق، فينزل ما يخلف منه الولد، ولهذا ألحقنا ولد الأمة بسيدها إذا اعترف بوطئها دون الفرج.
(و) يلحق (العِنِّينَ) لإمكان إنزاله ما يُخلق منه الولد.
فصل
(وإن طَلَّقها طلاقًا رجعيًّا، فولدت لأكثرَ من أربع سنينَ منذ طَلَّقها، وقبل نصف سنة منذ أخبرت بفراغ العدة) إن كانت أخبرت بها (أو) ولدت لأكثر من أربع سنين منذ طَلَّقها؛ إن (لم تخبر) بانقضائها؛ لحقه نسبه
(2)
.
(أو) ولدت (لأقلَّ من أربع سنين منذ انقضت عدتها؛ لحقه نسبُهُ) لأنها في حكم الزوجات، أشبه ما قبل الطلاق.
(1)
مسائل الكوسج (4/ 1957) رقم 1331.
(2)
في هامش الأصل: "بأن أخبرت بانقضاء عدتها بعد ثلاث سنين وسبعة أشهر".
(وإن أخبرت) امرأة (بموت زوجها، فاعتدَّت) للوفاة (ثم تزوَّجت) وولدت (لَحِقَ بالثاني ما ولدتْهُ لنصف سنة فأكثر) لأنه وُلِدَ على فراشه، لا ما ولدته لدون ذلك وعاش؛ لأنه ليس منه يقينًا.
(وإن وطئ رجلٌ امرأةً لا زوج لها بشُبْهة، فأتت بولد؛ لحقه نسبُهُ) للشبهة. (وقال) الإمام (أحمد
(1)
: كل من درأْتُ عنه الحدَّ؛ ألحقتُ به الولد.
ولو تزوج رجلان أختين) أو غيرهما (فزُفَّت كل واحدة منهما إلى زوجِ الأخْرى غلطًا، فوطئها وحملت منه؛ لَحِق الولد بالواطئ) للشبهة و (لا) يلحق (بالزوج) للعلم بأنه ليس منه.
(وإن وُطِئَتِ امرأته أو أَمته بشبهة، في طُهر لم يصبها فيه، فاعتزلها حتى أتت بولد لستة أشهر من حين الوطء؛ لحق) الولد (الواطئَ) للعلم بأنه منه (وانتفى عن الزوج من غير لِعان) للعلم بأنه ليس منه.
(وإن أنكر الواطئُ الوطءَ، فالقول قولُه بغير يمين) لأن الأصل عدمه (ويلحق نسبُ الولد بالزوج) لأن الولد للفراش.
(وإن أتت) الموطوءة بشُبْهة (به) أي: بالولد (لدون ستة أشهر من حين الوطء) أي: وطء الشبهة (لحق) الولد (الزوجَ) للعلم بأنه ليس من وطء الشبهة.
(وإن اشتركا) أي: الزوج والواطئ بالشُّبهة (في وطئها في طُهر) واحد (فأتت بولد يمكن أن يكون منهما؛ لحق) الولد (الزوجَ؛ لأن الولد للفراش) سواء ادعياه، أو أحدهما
(2)
، أو لا.
(1)
مسائل الكوسج (4/ 1891) رقم 1272.
(2)
في الأصل: "إحداهما" والمثبت من "ح" و"ذ".
(وإن ادعى الزوجُ أنه من الواطئ، فقال بعضُ أصحابنا) قال في "الإنصاف" هنا: منهم صاحب "المستوعب": (يُعرَض على القافَةِ معهما، فيلحق بمن ألحقته به منهما) لاحتمال أن يكون من كل منهما (فإن ألحقته بالواطئ؛ لَحِقه، ولم يملك نفيه عن نفسه) لتعذُّر اللِّعان منه؛ لفقد الزوجية (وانتفى عن الزوج بغير لِعَان) لأن إلحاق القافة كالحكم.
(وإن ألحقته) القافة (بالزوج، لَحِقَ) به (ولم يملك نفيَهُ باللعان
(1)
) لأنه نقضٌ لقول القائف.
(وإن ألحقَتْه) القافةُ (بهما؛ لحق بهما) لإمكانه، كما تقدم (ولم يملك الواطئُ نفيَه عن نفسه. وهل يملك الزوج نفيه باللعان؟ على روايتين
(2)
) أطلقهما في "المغني" وغيره.
قلت: مقتضى كلامهم: لا يملكه؛ لعدم القذف، فلا يمكن اللِّعان، وأيضًا: إلحاق القائف كالحكم، فلا يرفعه بِلِعانه.
(فإن لم يوجد قافة، أو اشتبه عليهم؛ لحق الزوجَ) لأن الولد للفراش.
(وإن أتت امرأتُهُ بولد، فادّعى أنه من زوج) كان (قبله، وكانت تزوَّجت بعد انقضاء العِدَّة، أو بعد أربع سنين منذ بانت من الأول، لم يلحق) الولد (بالأول) لما سبق.
(وإن وضعته لأقل من ستة أشهر منذ تزوّجها الثاني؛ لم يلحق) الولد أيضًا (به) حيث عاش؛ لعدم الإمكان (وينتفي) نسب الولد (عنهما)
(1)
في "ذ": "ولم يملك الواطئ نفيًا للعان".
(2)
المغني (11/ 173).
أي: عن الأول والثاني.
(وإن كان) وَضْعُها له (لأكثر من ستة أشهر) منذ أمكن اجتماعه بها (فهو) أي: الولد (ولده) أي: الثاني؛ لأنها فراشه، وأمكن كونه منه، فلحقه
(1)
.
(وإن كان) وضعها للولد (لأكثرَ من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني، ولأقلَّ من أربع سنين من طلاق الأول، ولم يعلم انقضاء العِدَّة) عُرض على القافة معهما؛ لإمكان أن يكون من كل منهما (ولَحِقَ بمن ألحقتْهُ القافةُ) به منهما (فإن ألحقته بالأول؛ انتفى عن الزوج بغير لِعان) لما مَرَّ (وإن ألحقته بالزوج؛ انتفي عن الأوّل، وليس للزوج نفيه) باللعان، كما سبق.
(وتُعتبر عدالة القائف، وذكوريته، وكثرة إصابته)، و (لا) تُعتبر (حريته) كالشاهد (ويكفي) قائف (واحد) لأنه ينفذ ما يقوله، فهو كالحاكم.
(ولا يبطل قولُها) أي: القافة (بقول) قافة (أخرى، ولا بإلحاقها غيره) كما لا يبطل حكم الحاكم بحكم غيره، ولا بإبطاله (وتقدم
(2)
في اللقيط بعضه) موضحًا.
فصل
(ومن اعترف بوطء أَمَته في الفرج، أو دونه) أي: دون الفرج، صارت فراشًا له (لأنه قد يُجامِع) في غير الفرج (فيسبق الماءُ إلى الفرج،
(1)
في "ذ": "لحقه".
(2)
(9/ 550، 552).
فـ) ــإذا (ولدت) ولدًا (لستة أشهر) فأكثر (لَحِقه نسبُهُ؛ وإن ادعى العزلَ، أو عدمَ الإنزال) لحديث عائشة في ابن زمعة
(1)
.
ولقول عمر: "لا تأتيني وليدةٌ يَعترفُ سيِّدها أنهُ ألمَّ بها، إلا ألحقتُ به ولَدها، فأنزلوا
(2)
بعد ذلك أو اتركوا" رواه الشافعي عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر
(3)
.
وقياسًا على النكاح. وفارق الملك النكاح بأنه لا يتعلق به تحريم المصاهرة، وينعقد في محل يحرم الوطءُ فيه، كالمجوسية، وذوات محارمه.
وإن وطئها في الدُّبُر؛ لم تصر فراشًا في الأشهر؛ لأنه ليس بمنصوص عليه، ولا في معناه.
(إلا أن يدّعيَ الاستبراء) لأنه دليل على براءة الرحم، والقول قوله في حصوله؛ لأنه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه إلا بعسر ومشقة (ويحلف عليه) لأن الاستبراء غير مختص به، أشبه سائر الحقوق (فينتفي) الولد عن السيّد (بذلك) أي: بولادتها له لستة أشهر فأكثر بعد استبرائه إياها؛ لأن الأصل عدمه، وليست فراشًا له.
(فإن ادعى الاستبراء، فأتت بولدين) ليس بينهما ستة أشهر فأكثر
(1)
تقدم تخريجه (11/ 315) تعليق رقم (2).
(2)
"فانزلوا" كذا في الأصل و"ذ"، وفي مصادر التخريج:"فاعزلوا".
(3)
الشافعي في الأم (7/ 229) وفي مسنده (ترتيبه 2/ 30 - 31). وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (2/ 742 - 743)، وعبد الرزاق (7/ 132) رقم 12521 - 12522، والطحاوي (3/ 114)، والبيهقي (7/ 1413)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 175 - 176) رقم 5165، من طرق عن عمر رضي الله عنه. وصحح إسناده الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 429). وأخرجه سعيد بن منصور (2/ 66) رقم 2062 - 2064 بنحوه.
(فأقرَّ بأحدهما، ونفى) عنه (الآخر؛ لحقاه) لأنهما حمل واحد، فإذا استلحق بعضه، لحقه باقيه بالضرورة.
(وإن أعتقها، أو باعها، ونحوه) كما لو وَهَبَها، أو جعلها عوضًا في أُجرة، أو نِكاح (بعد اعترافه بوطئها، فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العتق، أو البيع) ونحوه (لَحِق به) لأنها حملت به وهي فراش؛ لأن أقل مدّة الحمل ستة أشهر (وتصير أمَّ ولد له) لكونها حملت منه في ملكه (والبيع باطل) لأنها صارت أم ولد.
(وكذلك إن لم يستبرئها، فأتتْ به لأكثر من ستة أشهر، وادعى المشتري أنه من البائع؛ فهو ولد البائع) لأنه وُجِد منه سببه، وهو الوطء، ولم يوجد ما يعارضه، ولا ما يمنعه، فتعيّن إحالة الحكم عليه (سواء ادعاه البائع، أو لم يدَّعِه) لأن الموجب لإلحاقه أنها لو أتت به في ملكه في تلك المدّة؛ لَلَحِقَ به، وانتقال الملك عنه لم يتجدد به شيء.
(وإن ادعاه المشتري لنفسه) وكان البيع قبل استبرائها، وولدت لأكثرَ من ستة أشهر من بيعٍ، أُرِيَ القافة (أو ادعى كل واحد منهما أنه) أي: الولد (للآخر) بأن ادعى البائع أنه للمشتري، وادعى المشتري أنه للبائع (والمشتري مُقِرٌّ بالوطء؛ أُرِيَ القافةَ) لأن نظرها طريق شرعي إلى معرفة النسب عند الاحتمال؛ لما تقدّم.
(وإن استُبْرِئَت) الأمَة المبيعة (ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر؛ لم يلحقه) أي: البائع (نسبهُ) لأن الاستبراء يدلُّ على براءتها من الحمل، وقد أمكن أن يكون من غيره؛ لوجود مدّة الحمل بعد الاستبراء مع قيام الدليل، فلو أتت به لأقلّ من ستة أشهر؛ فالاستبراء غير صحيح.
(وكذا إن لم تُسْتَبرأ) الأمة المبيعة، وأتت بالولد لأكثر من ستة
أشهر (ولم يُقِرّ المشتري للبائع به) فلا يلحقه نسبه؛ لأنه ولد أمة المشتري، فلا تُقبل دعوى غيره له، إلا بإقرار من المشتري.
(وإن ادعاه) أي: ادعى البائعُ الولدَ أنه منه (بعد ذلك) أي: بعد أن ولدته لستة أشهر (وصدَّقه المشتري؛ لَحِقه) أي: البائعَ (نسبُه، وبَطَلَ البيع) لأنها أم ولد (فإن لم يكن البائع أقرَّ بوطئها قبل بيعها؛ لم يلحقه الولد بحال، سواء ولدته لستة أشهر، أو لأقل) منها؛ لأنه يحتمل أن يكون من غيره.
(وإن اتفقا) أي: البائع والمشتري (على أنه ولدُ البائعِ؛ فهو ولده) لأن الحق لهما، يثبت باتفاقهما (وبَطَلَ البيع) لأنها أمُّ ولدٍ.
(وإن ادعاه البائع) أنه ولده (ولم يصدقه المشتري؛ فهو عبدٌ للمشتري) ولا يُقبل قول البائع في الإيلاد؛ لأن الملك انتقل إلى المشتري في الظاهر، فلا يُقبل قول البائع فيما يبطل حقه (كما لو باع عبدًا، ثم أقر أنه كان أعتقه. والقول قول المشتري مع يمينه) لاحتمال صدق البائع. وهل يلحق البائع نسبه مع كونه عبدًا للمشتري؛ لأنه يجوز أن يكون ابنًا لأحدهما، مملوكًا للآخر، أو لا؛ لأن فيه ضررًا على المشتري، فإنه لو أعتقه كان أبوه أحق بميراثه؟ وجهان.
(ويُلْحَق الولدُ بوطء الشبهة) وتقدم
(1)
.
(و) يلحق (في كل نكاح فاسد فيه شُبهة) كالنكاح المختلف في صحته، فيكون (كنكاحٍ صحيح) في لحوق النسب؛ حيث أتت به لستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها.
و (لا) يكون (كملك) الـ (ــيمين) بحيث يتوقف لحوق النسب فيه
(1)
(12/ 552).
على الإقرار بالوطء.
(و
لا أثر لشبهه)
أي: شبهه
(1)
كما في "المنتهى" بأن أشبه ولدُ زوجته أو سُرِّيَّته رجلًا غير زوجها أو سيِّدها (مع فراش) لحديث: "الولد للفراشِ"
(2)
.
(و
إن وطئ المجنون من لا ملك له عليها، ولا شُبهة ملك؛ لم يلحقه نسبه)
لأنه لا يستند إلى مِلك، ولا اعتقاد إباحة، وعليه مهر المثل إن أكرهها على الوطء؛ لأن الضمان يستوي فيه المكلف وغيره.
وتبعية نسبٍ لأبٍ
(3)
إجماعًا
(4)
؛ ما لم ينتفِ؛ كابن ملاعنة.
وتبعية ملك أو حرية لأم، إلا مع شرط أو غرور.
وتبعية دِين لخيرهما.
وتبعية نجاسة وحُرمة أكلٍ لأخبثهما.
(1)
في "ح" و"ذ": "شبه".
(2)
تقدم تخريجه (11/ 315) تعليق رقم (2).
(3)
في "ذ": "وتبعة نسب الأب".
(4)
مراتب الإجماع ص/ 95، الإقناع 3/ 1368 - 1370.