الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العدد
(واحدها عِدَّة) بكسر العين فيهما، قال ابن فارس والجوهري
(1)
: عِدَّة المرأة: أيام أقرائها، والمرأة معتدة.
(وهي) أي: العِدَّة شرعًا (التربُّصُ المحدودُ شرعًا) يعني: مدّة معلومة تتربَّصُ فيها المرأة، لتعرف براءة رَحِمِها، وذلك يحصُل بوضع حَمْلٍ، أو مُضِيِّ أقراء، أو أشهر، على ما يأتي تفصيله.
والأصل فيها: الإجماع
(2)
، ودليله: الكتاب والسُّنة، ويأتي مفصَّلًا في مواضعه.
والمعنى يشهد له؛ لأن رَحِمَ المرأة رُبَّما كان مشغولًا بماء شخص، وتمييز الإنسان مطلوب في نظر الشارع، والعِدَّة طريق إليه.
و
العِدَّة أربعة أقسام:
معنىً محض، وتعبُّد محض، ويجتمع الأمران والمعنى أغلب، ويجتمع الأمران والتعبد أغلب.
فالأول: عِدَّة الحامل.
والثاني: عِدَّة المتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها.
والثالث: عِدَّة الموطوءة التي يمكن حَبَلها ممن يولد لمثله، سواء كانت ذات أقراء أو أشهر، فإن معنى براءة الرحم أغلب من التعبد بالعَددِ المعتبر لغلبة ظَنِّ البراءة.
والرابع: كما في عِدَّة الوفاة للمدخول بها التي يمكن حَمْلها، وتمضي أقراؤها في أثناء الشهور، فإن العَدد الخاص أغلب من براءة
(1)
المجمل لابن فارس (3/ 612)، والصحاح للجوهري (1/ 503).
(2)
انظر: المغني (11/ 194).
الرَّحِم بمُضِيّ تلك الأقراء.
(كلُّ امرأة فارقها زوجُها في حياته قبل المَسيس والخلوة، فلا عِدَّة عليها) إجماعًا؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ. . .} الآية
(1)
؛ ولأن العِدّة إنما وجبت في الأصل لبراءة الرَّحِم. والمَسيس: اللمسُ باليد، ثم استُعير للجماع؛ لأنه مستلزم له.
(وإن خلا) الزوج (بها وهي مطاوِعَةٌ، ولو لم يَمَسَّها) مع علمه بها (ولو) كانت الخلوة (في نكاحٍ فاسد، فعليها العِدَّة، سواء كان بهما) أي: الزوجين مانع (أو) كان (بأحدهما مانع من الوطء) حِسّيّ أو شرعيٌّ (كإحرام، وصيام، وحيض، ونِفاس، ومرض، وجَبٍّ، وعُنَّة، ورَتْق، وظِهار، وإيلاء، واعتكاف، أو لم يكن) مانع؛ لما روى أحمد، والأثرم، عن زُرارة بن أبي أوفى
(2)
، قال: قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابًا، أو أرخى سِتْرًا، فقد وجب المهر، ووجبت العِدَّة
(3)
. ورُوي أيضًا عن ابن عمر
(4)
، وزيد بن ثابت
(5)
، وهذه قضايا اشتهرت ولم تُنكر، فكانت كالإجماع. وضعّف أحمد ما رُوي خلافه
(6)
؛ ولأنه عقدٌ على
(1)
سورة الأحزاب، الآية:39.
(2)
"زُرارة بن أبي أوفى" كذا في الأصول! وصوابه: "زُرارة بن أوفى" كما في مصادر التخريج.
(3)
تقدم تخريجه (11/ 493) تعليق رقم (4).
(4)
تقدم تخريجه (11/ 493) تعليق رقم (2).
(5)
تقدم تخريجه (11/ 493) تعليق رقم (1).
(6)
وهو ما أخرجه الشافعي في الأم (5/ 215)، وعبد الرزاق (6/ 290) رقم 10882، وسعيد بن منصور (1/ 194) رقم 772، وابن أبي شيبة (4/ 236)، والبيهقي (7/ 254)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 197) رقم 15252، من طريق ليث، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا طلق قبل أن يدخل فلها نصف =
المنافع، فالتمكين منه يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام، كعقد الإجارة، والآية مخصوصة بما ذكرناه، والحكم مُعلَّقٌ على الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون حقيقتها، فلم يؤثِّر.
ولو اختلى بها واختلفا في المسيس، قُبِل قول يدَّعي الوطء احتياطًا للأبضاع؛ ولأنه أقرب إلى حال الخلوة؛ ذكره في "المبدع".
(إلا ألا يعلم) الزوج (بها) في الخلوة (كأعمى وطفل) فلا عِدّة عليها؛ لأن المظنة لا تتحقق.
(ومن لا يولد لمِثْله لصغره) كابن دون عشرٍ (أو كانت لا يوطأ مثلُها لصغرها) كبنت دون تسع، فلا عِدّة
(1)
.
(أو) خلا بها (غير مطاوِعَة وفارقها في حياته، فلا عِدّة عليها، ولا يكمل صَدَاقها) لعدم تحقُّق المظنة مع ظهور عدم المسيس.
(ولا تجب) العِدّة (بالخلوة بلا وطء في نكاح مُجمَعٍ على بطلانه) كالخامسة والمعتدة، سواء (فارقها) حيًّا (أو مات عنها) لأن وجود صورة ذلك العقد كعدمه.
(وإن وَطِئها) في النكاح المُجْمَع على بطلانه (ثم مات أو فارقها، اعتدت لِوطئِه بثلاثة قروء منذ وَطئَها) لأن ذلك العقد كعدمه (كالمَزْنيّ بها من غير عقد.
= الصداق وإن كان قد خلا بها.
قال أحمد في مسائل ابن هانئ (1/ 215) رقم 1051: يرويه ليث وليس بالقوي.
وأخرج ابن أبي شيبة (4/ 236)، عن الشعبي، عن ابن مسعود أنه قال: لها نصف الصداق وإن جلس بين رجليها.
قال ابن المنذر كما في المغني (10/ 154): حديث ابن مسعود منقطع.
(1)
في "ح": "فلا عدة عليها".
ولا) تجب العِدَّة (بتحمُّلِها ماءَ الرجل) قال ابن حمدان: إن كان ماءَ زوجها؛ اعتدَّت، وإلا؛ فلا. وقال في "المبدع" - في ما يلحق من النسب -: إذا تحمَّلتْ ماء زوجها، لَحِقه نسب مَن ولدته منه، وفي العِدَّة والمهر وجهان، فإن كان حرامًا، أو ماءَ مَنْ ظنَّتْه زوجَها؛ فلا نسب ولا مهر ولا عِدَّة في الأصح فيها، وقال في "المنتهى" في كتاب الصداق: ويثبت به نسب، وعِدّة، ومصاهرة، ولو من أجنبي.
(ولا) تجب العِدَّة (بالقُبْلة، واللَّمْس من غير خَلْوة) لأن العِدَّة في الأصل إنما وجبت لبراءة الرَّحِم، وهي مُتيقَّنة.
(وتجب) العِدَّة (على) الزوجة (الذِّمية من) زوجها (الذِّمي، و) من زوجها (المسلم) لعموم الأدلة؛ ولأنهم مخاطَبون بفروع الإسلام (ولو لم تكن) العِدَّة (من دينهم) أي: الذِّميين، أي: مشروعة فيه؛ لما تقدم (وعِدَّتها كعِدَّة المسلمة) على ما يأتي تفصيله؛ للعموم.
(وتجب) العِدَّة (على من وُطئت، مطاوعةً كانت أو مُكرَهة، إلا أن يكون الواطئ لا يولد لمثله، لصغره) كابن دون عشر، فلا عِدَّة عليها لوطئه (وهو مذهب المالكية
(1)
) لأن العِدَّة تُراد للعِلم ببراءة الرَّحِم من الحمل، فإذا كان الواطئ لا يُولد لمثله، فالبراءة متيقَّنة، فلا فائدة في العِدَّة.
(والمعتدات ستٌّ) أي: ستة أضْرُبٍ تأتي مفصَّلة، ولم يجعل الآيسات من المحيض ضربًا، واللائي لم يحضن ضربًا؛ لاستواء عدتهما:
(إحداهن: أولات الأحمال، أجلهنَّ أن يضعنَ حملهنَّ، حرائرَ كُنَّ
(1)
انظر: مواهب الجليل (4/ 141)، والشرح الصغير (3/ 517).
أو إماءً، مسلِمات أو كافرات، من فُرقة الحياة أو الممات) لعموم قوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(1)
قال في "المبدع": وآية الحمل متأخِّرة عن آية الأشْهُر. قال ابن مسعود: من شاء باهَلْتُهُ أو لاعنْتُهُ أن الآية التي في سورة النساء القُصْرَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(1)
نزلت بعد آية البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ. . .} الآية
(2)
(3)
، والخاصّ مقدَّم على العامّ.
(ولا تنقضي عِدَّتها إلا بوضع كلِّ الحَمْل) لقوله تعالى: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(1)
، فإذا وضعتهُ؛ انقضت عِدَّتها (ولو لم تطهر وتغتسل من نِفاسها) للعِلم ببراءة الرَّحِم بالوضع (لكن إن تزوَّجت في مُدَّة النِّفاس؛ حرم وطؤها حتى تطهر) قياسًا على الحيض.
(فلو ظهر بعضُ الولد؛ فهي في عِدَّة حتى ينفصل باقيه؛ إن كان) الحمل (واحدًا، وإن كان) الحمل (أكثر) من واحد (فـ) ــهي في عِدَّة (حتى ينفصل باقي الأخير) لقوله تعالى: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(1)
، وقبل وَضْعِ كل الأخير لم تضع حملها، بل
(1)
سورة الطلاق، الآية:4.
(2)
سورة البقرة، الآية:234.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 471) رقم 11714 - 11716. وأخرجه أبو داود في الطلاق، باب 47، حديث 2307، والنسائي في الطلاق، باب 56، رقم 3522 - 3523، وابن ماجه في الطلاق، باب 7، حديث 2030، وسعيد بن منصور (1/ 354) رقم 1512 - 1514، والبيهقي (7/ 430) مختصرًا. وأخرجه البخاري في تفسير سورة البقرة، باب 41، رقم 4532، وفي تفسير سورة الطلاق، باب 2، رقم 4910، بلفظ، قال ابن مسعود: أتجعلون عليها ولا تجعلون لها الرخصة، أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى.
بعضه
(1)
.
(فإن وضعت ولدًا، وشكَّت في وجود ثان، لم تنقضِ عِدَّتها حتى تزول الرِّيبة، ويُتَيقن أنه لم يبقَ معها حَمْل) وفي نسخٍ: ولد؛ ليحصُل العلم ببراءة الرَّحِم.
(و
الحمل الذي تنقضي به العِدَّة
ما تصير به الأَمَة أمَّ ولد، وهو ما تَبيَّن فيه شيء من خَلْق الإنسان؛ كرأس ورِجْل) فتنقضي به العِدَّة إجماعًا؛ حكاه ابن المنذر
(2)
؛ لأنه عُلم أنه حملٌ فيدخل في عموم النص.
(فإن وضعت مُضْغَة لا يتبين فيها شيء من ذلك) أي: من خلق الإنسان (فذكر ثقاتٌ من النساء أنه مبدَأُ خلقِ آدميٍّ؛ لم تنقضِ به العِدَّة) لأنه لم يصر ولدًا، أشبه العَلَقة.
(وكذا لو ألقت نُطفة، أو دمًا، أو عَلَقة) فلا يتعلَّق به شيء من الأحكام؛ لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة.
(لكن لو وضعت مُضْغة لم يتبيَّن) أي: يظهر (فيها الخَلْق، فشهدت ثقاتٌ من القوابل أن فيها صورةً خفية بأن بها أنها خِلْقةُ آدميٍّ؛ انقضت به العِدّة) لأنه حمل، فيدخل في عموم النص.
(وإن أتت بولد لا يلحقه) أي: الزوج (نسبه، كامرأةِ صغيرٍ لا يولد لمِثْله، و) امرأة (خصيٍّ مجبوب) أو خصي غير مجبوب كما سبق (ومُطلَّقةٍ عقب عقد) بأن طَلَّقها بالمجلس، وكذا لو مات (ومن أتت به لدون ستة
(1)
"وظاهره: ولو مات ببطنها، لعموم الآية. قلت: ولا نفقة لها حيث تجب للحامل؛ لما يأتي أن النفقة للحمل، والميت ليس محلًّا لوجودها". ش.
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء (5/ 352) رقم 3281.
أشهر منذ عَقَد عليها وعاش، أو بعد أربع سنين منذ مات، أو) منذ (بانت منه، أو) منذ (انقضاء عِدَّتها إن كانت رجعيّة؛ لم تنقضِ عِدَّتها به) لأنه حمل ليس منه يقينًا، فلم تعتدَّ بوضعه، كما لو بعد موته (وتعتدُّ بعْدَه عِدَّةَ وفاة) إن كانت متوفًّى عنها (أو عدَّةَ فراق) إن كان فارقها في الحياة (حيث وجبت) عِدَّة الفراق، على ما تقدم تفصيله.
(وأقل مدَّةِ الحمل ستةُ أشهر) وفاقًا
(1)
؛ لما روى الأثرم والبيهقي عن أبي الأسود: أنه رُفِعَ إلى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر، فهمَّ عمر برجمها، فقال له عليّ: ليس لك ذلك، قال الله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}
(2)
وقال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}
(3)
فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرًا، لا رَجْم عليها، فخلَّى عمرُ سبيلها
(4)
.
وقال ابن عباس كذلك؛ رواه البيهقي
(5)
.
(1)
انظر: المبسوط (2/ 141)، وبدائع الصنائع (3/ 211)، والأم (6/ 198)، ونهاية المحتاج (7/ 26)، وحاشية العدوي (2/ 149)، وبلغة السالك (2/ 468).
(2)
سورة البقرة، الآية:233.
(3)
سورة الأحقاف، الآية:15.
(4)
لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع، وأخرجه البيهقي (7/ 442)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 228) رقم 15354، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن عمر رضي الله عنه.
وأخرجه عبد الرزاق (7/ 350) رقم 13444، وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 428) رقم 2264، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه. وأخرجه سعيد بن منصور (2/ 69) رقم 2074، عن الحسن، عن عمر رضي الله عنه.
(5)
(7/ 442، 462). وأخرجه - أيضًا -: عبد الرزاق (7/ 351 - 352) رقم 13446 - 13449، وسعيد بن منصور (2/ 69) رقم 2075، وعمر بن شبّة في تاريخ المدينة (3/ 977)، والطبري في تفسيره (2/ 491)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار =
وذكر ابن قتيبة في "المعارف"
(1)
: أن عبد الملك بن مروان وُلِد لستة أشهر.
(وغالبُها) أي: مدة الحمل (تسعةُ أشهر)؛ لأن غالب النساء كذلك يحمِلْن، وهذا أمر معروفٌ بين الناس.
(وأكثرُها أربعُ سنينَ)؛ لأن ما لا نَصَّ فيه يُرجع فيه إلى الوجود، وقد وُجِد أربع سنين
(2)
، فروى الدارقطنيُّ عن الوليد بن مسلم: قلت
= (7/ 291 - 292)، وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 428) رقم 2265، والحاكم (2/ 280) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده - أيضًا - ابن الملقن في البدر المنير (8/ 132)، والحافظ في التلخيص الحبير (3/ 219)، وفي الفتح (9/ 505).
(1)
ص/ 595، وفيه: عبد الله بن مروان، وهو خطأ، انظر: تلقيح فهوم أهل الأثر ص/ 450، وتاريخ الإسلام (6/ 142).
(2)
قال ابن حزم في المحلى (10/ 316): لا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر، ولا أقل من ستة أشهر؛ لقول الله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فمن ادعى أن حملًا وفصالًا يكون في أكثر من ثلاثين شهرًا فقد قال الباطل والمحال، وردَّ كلام الله عز وجل جهارًا.
ثم ذكر أقوالًا وأخبارًا في أكثر مدة الحمل وضعَّفها كلها، ثم قال: وكل هذه الأخبار مكذوبة، راجعة إلى من لا يصدق ولا يعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا، وممن رُوي عنه مثل قولنا عمر بن الخطاب كما روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب: أيما رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم قعدت، فلتجلس تسعة أشهر حتى يستبين حملها، فإن لم يتبين حملها في تسعة أشهر؛ فلتعتد بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر؛ عدة التي قد قعدت عن المحيض. فهذا عمر لا يرى الحمل أكثر من تسعة أشهر. ا. هـ.
قلنا: وما وجد من الزيادة على المدة المعتادة يُعرف عند الأطباء بـ "الحمل الكاذب" قال الدكتور محمد علي البار في "خلق الإنسان بين الطب والقرآن" ص/ 453: والحمل =
لمالك بن أنس عن حديث عائشة قالت: "لا تزيدُ المرأةُ في حملها على سنتين" فقال: سبحانَ الله، من يقولُ هذا؟ هذهِ جارتنا امرأةُ محمّد بن عجلان امرأة صِدْقٍ، وزوجا صِدْق، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة
(1)
.
وقال الشافعي
(2)
: بقي محمد بن عجلانَ في بطنِ أمهِ أربعَ سنين.
وقال أحمد
(3)
: نساءُ بني عجلان تحملُ أربع سنين.
(وأقلُّ ما يتبيَّن به) خَلْق (الولد: أحدٌ وثمانون يومًا) لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أحدكُم يُجمعُ خلقُهُ في بطنِ أمه أربعين يومًا نُطفةً، ثم يكون علقةً مثل ذلكَ، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلكَ. . ." الحديث
(4)
.
= الكاذب حالة تصيب النساء اللاتي يبحثن عن الإنجاب دون أن يُنجبن، فتنتفخ البطن بالغازات وتتوقف العادة الشهرية، وتعتقد المرأة اعتقادًا جازمًا بأنها حامل، رغم تأكيد جميع الفحوصات المخبرية والفحوصات الطبية بأنها غير حامل، وقد يحدث لإحدى هؤلاء الواهمات بالحمل الكاذب الذي تتصور أنه بقي في بطنها سنينًا، قد يحدث أنها تحمل فعلًا، فتضع طفلًا طبيعيًا في فترة حمله، ولكنها نتيجة وهمها وإيهامها من حولها من قبل، تتصور أنها قد حملته لمدة ثلاث أو أربع سنوات.
(1)
سنن الدارقطني (3/ 322). وأخرجه - أيضًا - البيهقي (7/ 443)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 229) رقم 15356.
وقول عائشة: "لا تزيد المرأة في حملها. . .": أخرجه سعيد بن منصور (2/ 70) رقم 2077، والدارقطني (3/ 321 - 322)، والبيهقي (7/ 443)، عن جميلة بنت سعد، عن عائشة رضي الله عنها، وجميلة لا تعرف. انظر: المحلى (10/ 316)، وتحفة المودود لابن القيم ص/ 439.
(2)
لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وأورده ابن قدامة في المغني (11/ 233).
(3)
انظر: مسائل أبي داود ص 186.
(4)
أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب 6، حديث 3208، وفي أحاديث الأنبياء، باب =
ولا شكَّ أن العِدَّة لا تنقضي بما دون المضغة، فوجب أن يكون بعد الثمانين، فأما بعد أربعة أشهر فليس فيه إشكال. وذكر المجد في "شرحه": أن غالب ما يتبين فيه خَلْقُه ثلاثةُ أشهر.
فصل
(الثانية) من المعتدات: (المتوفَّى عنها زوجُها، ولو) كان (طفلًا، أو) كانت (طفلة لا يولد لمثلِهما، ولو قبل الدخول) والخلوة (فتعتدُّ إنْ لم تكن حاملًا منه أربعةَ أشهر وعشرَ ليالٍ بعشرة أيام إن كانت حُرة) قال في "المبدع": بالإجماع
(1)
، يعني في الجملة، وسنده: الآيةُ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحلُّ لامرأةٍ تُؤمن بالله واليومِ الآخر أن تُحِدَّ على ميّتٍ فوقَ ثلاثٍ إلا على زَوجٍ أربَعَةَ أشْهُرٍ وعَشرًا"
(2)
، والعرب تُغلِّب حكم التأنيث في العدد خاصة على المذكر
(3)
، تطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها؛ لقوله تعالى لزكريا:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَويًّا}
(4)
يريد بأيامها؛ لقوله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}
(5)
.
= 1، حديث 3332، وفي القدر، باب 1، حديث 6594، وفي التوحيد، باب 28، حديث 7454، ومسلم في القدر، حديث 2643، دون قوله:"نطفة"، وهي عند أبي عوانة في مستخرجه، انظر: الفتح (11/ 479).
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 108، رقم 442.
(2)
تقدم تخريجه (4/ 282) تعليق رقم (1).
(3)
عبارة المصنف في شرح المنتهى (1/ 527): والعرب تغلب التأنيث في العدد خاصة؛ لسبق الليالي. وانظر: المطلع ص 47، 152، والفروع (3/ 212).
(4)
سورة مريم، الآية:10.
(5)
سورة آل عمران، الآية:41.
(وإن كانت) المتوفى عنها (أَمَة) فعدتها (نصفها) أي: شهران وخمسة أيام بلياليها؛ لأن الصحابة أجمعوا على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة
(1)
؛ قاله في "المبدع".
(وإن كانت) المتوفَّى عنها (حاملًا من غيره) أي: من غير زوجها (اعتدت للزوج) عدّة وفاة (بعد وضع الحمل) وتقدم
(2)
.
(و)
عدة (معتَقٍ بعضُها بالحساب
من عدة حرة وأَمَة، ويُجبَرُ الكسر) فمَن نصفها حر ونصفها رقيق، تعتد بثلاثة أشهر وثمانية أيام بلياليها.
(وإن مات زوج الرجعيّة في عدّتها، استأنفت عدة وفاةٍ من حين موته) لأنها زوجة، فتدخل في عموم قوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ. . .} الآية
(3)
(وسقطت عِدةُ الطلاق) لأنها تعتدُّ للوفاة، فلا يجتمع معها غيرها إجماعًا؛ حكاه ابن المنذر
(4)
.
(و
إذا قُتِل المرتدّ في عِدّة امرأته، استأنفت عدة وفاةٍ)
لأنه كان يمكنه تلافي النكاح بعوده إلى الإسلام، فأشبهت الرجعيّة.
(و
لو أسلمت امرأةُ كافرٍ، ثم مات قبل انقضاء العِدّة، انتقلت إلى عِدَّةِ وفاةٍ
في قياس التي قبلها) قاله الشيخ تقي الدين
(5)
، واقتصر عليه في "الإنصاف".
(وإن طلَّقها في الصحّة بائنًا، ثم مات في عدّتها، لم تنتقل عنها) بل تبني على عدة الطلاق مطلقًا، ولا تعتدّ للوفاة؛ للآية؛ ولأنها أجنبية منه
(1)
انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 110.
(2)
(13/ 12 - 13).
(3)
سورة البقرة، الآية:234.
(4)
الإجماع ص/ 109.
(5)
لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وانظر: الإنصاف (24/ 31).
في غير نكاحه وميراثه، فلم تعتدّ لوفاته، كما لو انقضت عِدَّتُها.
(وإن كان الطلاق) البائن (في مرض موته) المَخوف، ومات في العدّة (اعتدت أطول الأجلين، من عدة طلاق وعدة وفاة) لأنها وارثة؛ فيجب عليها أن تعتدّ للوفاة، ومطلَّقة، فيجب عليها أن تعتدّ للطلاق، فيجب
(1)
أن تعتدّ بأطولهما، ضرورة أنها لا تخرج عن العهدة يقينًا إلا بذلك (إلا أن تكون) البائن في المرض (لا ترثه، كالأمة، أو الحرة يطلِّقُها العبد، أو الذمية) الكتابية (يطلِّقُها المسلم، أو تكون هي سألته الطلاق، أو) سألته (الخلع، أو فعلت ما يفسخ نكاحها) من نحو رضاع زوجة صغرى (فتعتدّ للطلاق لا غير) لأنها ليست وارثة، أشبهت المبانة في الصحة.
(وإن كانت المطلَّقة) البائن (مبهمة، أو) كانت (معيَّنة، ثم أُنْسِيَها، ثم مات؛ اعتدت كلُّ واحدة الأطولَ منهما) لأن كلَّ واحدة يحتمل أنها المطلَّقة وأنها المتوفَّى عنها، فلا تخرج عن العُهدة يقينًا إلا بذلك، لكن ابتداء القُرْءِ من حين طلَّق، وابتداء عدة الوفاة من حين مات. وكذا لو كان المطلَّقات ثلاثًا من أربع (ما لم تكن حاملًا) فتنقضي عدتها بوضع الحمل على كل حال.
(وإن مات المريضُ المطلِّق في مرضه بعد انقضاء عدتها بالحيض، أو بالشهور، أو بوضع الحمل، أو كان طلاقه قبل الدخول، فليس عليها عدةٌ لموته) لأنها ليست زوجة ولا في حكمها (ولا يُعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة) في قول عامة الفقهاء؛ لظاهر الآية.
(وإن ارتابت المتوفَّى عنها) أو غيرها عن المعتدات (لظهور أمارات
(1)
في "ح": "فيجب عليها".
الحمل، من: الحركة، وانتفاخ البطن، وانقطاع الحيض، ونزول اللبن من ثديها، وغير ذلك، قبل أن تنكح، ولو بعد فراغ شهور العدة؛ لم تَزَل في عدة حتى تزول الرِّيبة) فإن بان حملًا، انقضت عدتها بوضعه، فإن زالت وبان أنه ليس بحمل؛ تيقَّنَّا أن عدّتها انقضتْ بالشهور.
(وإن تزوَّجت قبل ذلك) أي: قبل زوال الرِّيبة (لم يصح النكاح، ولو تبين عدم الحمل) لأنها تزوَّجت وهي في حكم المعتدات (وإن كان) ظهور الرِّيبة (بعد) العقد عليها، و (الدخول) بها (لم يفسد نكاحها) لأنه وُجِد بعد انقضاء العدة ظاهرًا، والحمل مع الريبة مشكوك فيه، فلا يزول ما حكمنا بصحته (ولم يحل وطؤها حتى تزول الرِّيبة) لشكنا في حل وطئها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر، فلا يحلُّ له أن يسقيَ ماءَهُ زرعَ غيرِه"
(1)
. (وإن كان) ظهور الرِّيبة (قبله) أي: قبل الدخول (وبعد العقد، لم يفسد أيضًا) لما تقدم (إلا أن نأتي بولد، والمراد: ويعيش لدون ستة أشهر منذ نكحها، فيفسد) أي: يتبين بطلان العقد؛ لأنها معتدة (فيهما) أي: في صورتَيْ ما إذا كان ظهور الريبة بعد الدخول وقبله
(2)
.
(وإن مات عن امرأة نكاحُها فاسدٌ، كالنكاح المختلَفِ فيه) كـ: بلا وليٍّ (فعليها عِدّة وفاة) لأنه نكاح يلحق فيه النسب، فوجبت به العدة كالصحيح.
وإن فارقها في الحياة بعد الإصابة أو الخلوة؛ اعتدت بثلاثة قُروء
(1)
تقدم تخريجه (11/ 346) تعليق رقم (3). ويزاد على ما تقدم: وقال البزار: إسناده حسن. وحسنه الحافظ في الفتح (6/ 256).
(2)
زاد في "ح": "وإن كان بعد فراغ شهور العدة وقبل النكاح لم يصح أن يعقد عليها".
أو أشهر. والنكاح المجمع على بطلانه وجوده كعدمه، وتقدم
(1)
.
فصل
(الثالثة) من المعتدات: (ذات القُروء المفارَقَةُ في الحياة بعد الدخول بها) أو الخلوة (بطلاق، أو خُلع، أو لِعان، أو رَضاع، أو فَسْخٍ بعيب، أو إعسار، أو إعتاق) تحت عبد (أو اختلاف دِين، أو غيره، فعدتُها ثلاثة قُروء إن كانت حُرّة أو بعضُها) لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}
(2)
، وغير المطلّقة بالقياس عليها؛ ولأن عِدّة الأمة بالقُروء قُرْءان، فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قُرءًا ثالثًا؛ لأنه لا يتبعَّض.
(و) عِدّتها (قُرْءان إن كانت أمة) رُوي عن عمر
(3)
، وعليّ
(4)
، وابن عمر
(5)
، ولا يُعرف لهم مخالف في الصحابة، وكالحدّ، وكان القياس
(1)
(13/ 9).
(2)
سورة البقرة، الآية:228.
(3)
انظر ما تقدم (12/ 244) تعليق رقم (1).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 166)، والبيهقي (7/ 425)، قال: عدة الأمة حيضتان، فإن لم تكن تحيض فشهر ونصف.
(5)
أخرج مالك في الموطأ (2/ 574)، وعبد الرزاق (7/ 238) رقم 12959، وابن أبي شيبة (5/ 167)، والطحاوي (3/ 62)، والدارقطني (4/ 38 - 39)، والبيهقي (7/ 369، 426)، وابن عبد البر في الاستذكار (18/ 33) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: إذا طلق امرأته تطليقتين، فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، حرة كانت أو أمة، وعدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان.
قال الدارقطني والبيهقي: هو الصحيح. وانظر: التلخيص الحبير (3/ 213).
وأخرجه ابن ماجه في الطلاق، باب 30، حديث 2079، والطحاوي (3/ 64)، والدارقطني (4/ 38)، والبيهقي (7/ 369)، من طريق عمر بن شبيب، عن عبد الله بن =
يقتضي أن تكون حيضة ونصفًا، كما أن حدّها على النصف من الحرّة، إلا أن الحيض لا يتبعَّض، فوجب تكميله كالطلقة، والمُدَبَّرةُ، والمكاتَبةُ، وأمُّ الولد كالأمة.
(و
القُرء الحيض)
لقول عمر
(1)
، وعلي
(2)
، وابن عباس
(3)
، ورُوي عن أبي بكر
(4)
، وعثمان
(5)
، وأبي موسى (4)، وعبادة (4)، وأبي الدرداء (8). قال أحمد
(6)
في رواية الأثرم: كنت أقول: إنه الأطهار، ثم
= عيسى، عن عطية، عن ابن عمر مرفوعًا.
قال الدارقطني (4/ 39): منكر غير ثابت من وجهين، أحدهما: أن عطية ضعيف.
والوجه الآخر: أن عمر بن شبيب ضعيف الحديث لا يحتج بروايته.
وقال البيهقي: ليس بصحيح.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 357): هذا إسناد ضعيف لضعف عطية وعمر بن شبيب.
(1)
انظر ما تقدم (12/ 414) تعليق رقم (3).
(2)
انظر ما تقدم (12/ 414) تعليق رقم (4).
(3)
أخرج الطبري في تفسيره (2/ 439)، والبيهقي (7/ 417 - 418)، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" قال: ثلاث حيض.
(4)
انظر ما تقدم (12/ 414) تعليق رقم (2). وانظر: معرفة السنن والآثار للبيهقي (11/ 183) رقم 15192، والتمهيد لابن عبد البر (15/ 91).
(5)
أخرج عبد الرزاق (6/ 315) رقم 10987، والبيهقي (7/ 417)، عن أبي عبيدة، قال: أرسل عثمان رضي الله عنه إلى أبي رضي الله عنه يسأله عن رجل طلق امرأته، ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة، قال: إني أرى أنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل لها الصلاة. قال: لا أعلم عثمان رضي الله عنه إلا أخذ بذلك.
(6)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى (2/ 208 - 209)، والتمهيد (15/ 93)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/ 542)، وزاد المعاد (5/ 532 - 533).
رجعت لقول الأكابر؛ ولأنه لم يُعهد في لسان الشارع استعماله بمعنى الطهر في موضع، واستعمل بمعنى الحيض في غير حديث.
(و
لا يُعتد بالحيضة التي طلَّقها فيها)
حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها؛ لظاهر الآية. ورواه البيهقي
(1)
بإسناد رجاله ثقات عن ابن عمر.
(وإن قال الزوج: وقع الطلاق في الحيض، أو في أوَّله، وقالت: بل) وقع (في الطُّهر الذي قبله) أي: الحيض (أو قال) الزوج: (انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطُّهر، فوقع في أول الحيض، وقالت: بل بقي منه) أي: الطُّهر (بقية، فالقول قولها) لأنها مؤتمنة على نفسها في الحيض، وفي انقضاء العِدّة؛ قاله في "الشرح". وقال في "الفروع" و"المنتهى"، وغيرهما: القول قوله: إنه لم يطلق إلا بعد حيض، أو ولادة، أو في وقت كذا.
(وإذا انقطع دَمُها من الحيضة الثالثة، لم تحلَّ للأزواج حتى تغتسل، وإن فَرَّطت في الاغتسال مدّة طويلة) قال أحمد
(2)
: رُوي عن ابن عباس أنه كان يقول: إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه
(3)
، وهو أصح في النظر. قيل له: فلم لا تقول به؟ قال: ذلك يقول به عمر
(1)
(7/ 418)، من طريق يحيى بن معين [في تاريخه (4/ 297 - 298) رقم 4487] عن عبد الوهاب الثقفي، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (5/ 5).
قال يحيى بن معين: هذا غريب، ليس يحدث به إلا عبد الوهاب الثقفي. انظر: التلخيص الحبير (3/ 238).
(2)
انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/ 542).
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 291) رقم 1227، بلفظ: إذا حاضت المطلقة الثالثة، فقد برئت منه إلا أنها لا تزوج حتى تطهر.
وعليّ وابن مسعود
(1)
، فأنا أتهيب أن أخالفهم. يعني اعتبار الغسل. ويُرشِّحُه أن الظاهر إنما تركوه عن توقيف ممن له البيان، وروي عن أبي بكر، وعثمان، وأبي موسى، وعبادة، وأبي الدرداء
(2)
.
(وتنقطع بقية الأحكام) من قطع الإرث، والطلاق، واللِّعان، والنفقة (بانقطاعه) أي: دم الثالثة (وتقدم في الرجعة
(3)
).
فصل
(الرابعة) من المعتدات: (المفارَقة في الحياة، ولم تَحِض لإياس أو صغر، فعِدّتها ثلاثة أشهر) لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}
(4)
.
(وإن كانت أَمَة، ولو أم ولد) أو مُدَبَّرة، أو مكاتَبة؛ فعدتها (شهران) احتج بقول عمر؛ رواه الأثرم
(5)
؛ ولأن كل شهرٍ مقامُ قُرء، وعدتها بالأقراء قرءان، فكذا بدلهما شهران.
(و) عدة (من بعضُها حرٌّ بالحساب) من عدة حرة وأمة، فتزيد على الشهرين من الثالث بقدر حريتها، فمَن نصفُها حر ونصفُها رقيق، تعتد بشهرين ونصف، ومَن ثلثاها حر، تعتد بشهرين وعشرين يومًا وهكذا.
وذكر أبو بكر - وقدَّمه في "الترغيب" -: أن عدَّتها كَحُرَّة، على الروايات.
(1)
تقدم تخريجه (12/ 414) تعليق رقم (3 - 5).
(2)
تقدم تخريجه (13/ 21) تعليق رقم (4، 5).
(3)
(12/ 415).
(4)
سورة الطلاق، الآية:4.
(5)
لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع، انظر ما تقدم (12/ 244) تعليق رقم (1).
(والابتداء) أي: ابتداء العِدَّة (من حينَ وَقَعَ الطلاق، سواء كان) وقوعه (في الليل أو النهار، أو في أثنائهما، من ذلك الوقت إلى مثله، فإن كان الطلاق في أول الشهر، اعتبر ثلاثة أشهر بالأهلة) لظاهر النص (وإن كان في أثنائه) أي: الشهر (اعتدت بقيته وشهرين بالأهلة) كاملين كانا، أو ناقصين (ومن) الشهر (الثالث تمامَ ثلاثين يومًا تكملة) ما اعتدته من (الأول) لما تقدم أن الشهر يُطلق على ما بين الهلالين مطلقًا، وعلى ثلاثين يومًا.
(وحد الإياس خمسون سنة) لقول عائشة: لن ترى في بطنها ولدًا بعد خمسين سنة
(1)
.
(واختار الشيخ: لا حدَّ لأكثر سِنِّه
(2)
) أي: الإياس.
وذكر الزبير بن بكار في كتاب "النسب"
(3)
: أن هندًا بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حُسين
(4)
بن حسن بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة
(5)
. وقال: يقال: إنها لم تلد بعد خمسين سنة إلا عربية، ولا تلد بعد الستين إلا قرشيّة.
(وإن حاضت الصغيرة في عِدَّتها ولو قبل انقضائها بلحظة؛ ابْتَدَأتْها) أي: العِدّة (بالقُروء) لأن الشهورَ بدل عنها، فإذا وُجِد المبدل
(1)
تقدم ذكر هذا الأثر في (1/ 479) وعزاه المؤلف هناك إلى أبي إسحاق الشالنجي، وللشالنجي "المسائل" عن الإمام أحمد، وكتاب "اللباب على ترتيب الفقهاء" ولم يطبعا، ولم نجد هذا الأثر عند غيره. والله أعلم.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 45.
(3)
لم نقف عليه في المطبوع منه.
(4)
كذا في الأصول: "حُسين"! وصوابه: "حَسن" كما في تاريخ ابن عساكر (17/ 282)، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص/ 46.
(5)
أخرجه ابن عساكر في تاريخه (17/ 283 - 284).
بَطَلَ حكم البدل، كالتيمم مع الماء (وإن كان) حيض الصغيرة (بعد انقضائها) أي: العِدَّة (بالشهور ولو) كانت البعدية (بلحظة؛ لم يلزمها استئنافها) أي: العِدَّة بالقروء؛ لأنه حدث بعد انقضاء العِدَّة، أشبه ما لو حدث بعد طول الفصل.
(و
إن يئست ذات القروء في عِدَّتها؛ ابتدأت عِدَّة آيسة)
أي: ابتدأت بثلاثة أشهر؛ لأن العِدَّة لا تُلَفَّق من جنسين، وقد تعذّر الحيض، فتنتقل إلى الأشهر؛ لأنها عَجَزت عن الأصل، وكالتيمم.
(فإن بان بها حملٌ من الزوج؛ سقط حكم ما مضى، وتبيّن أن ما رأته من الدم لم يكن حيضًا) لأن الحامل لا تحيض، وتعتدُّ بوضع الحمل.
(وإن عَتَقت الأَمَة الرجعية في عدتها؛ بَنَتْ على عدة حُرَّة) لأن الحرية وُجِدت وهي زوجة، فوجب أن تعتدَّ عدة الحرة، كما لو عتقت قبل الطلاق.
(وإن كانت) الأمة (بائنًا) وعَتَقت (بَنَتْ على عِدَّة أَمة) لأن الحرية لم توجد وهي زوجة، فوجب أن تبنى على عِدَّة أَمةٍ، كما لو انقضت العدة.
(وإن عَتَقت) الأمة (تحت عبد فاختارت نفسها؛ اعتدت عِدَّة حُرَّة) لأنها بانت من زوجها وهي حرة. وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمرَ بريرةَ بذلكَ"
(1)
.
(1)
لم نقف على من رواه عن الحسن مسندًا. وقد أخرج ابن ماجه في الطلاق، باب 29، حديث 2077، من طريق إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 357): هذا إسناد صحيح، رجاله موثقون.
وقال الحافظ في الفتح (9/ 405): على شرط الشيخين، بل هو في أعلى درجات =
وإن طلَّقها رجعيًّا، فأعتقها سيّدها؛ بَنَت على عِدَّة حرّة، سواء فسخت أو أقامت على النكاح.
فصل
(الخامسة) من المعتدات: (من ارتفع حيضُها ولو بعد حيضة أو حيضتين، لا تدري ما رَفَعَهُ) أي: سببه (اعتدت سنة) منذ انقطع بعد
= الصحة. وقال ابن عبد الهادي في المحرر (1098): رواته ثقات، وقد أعلّ.
وأخرجه إسحاق بن راهويه (2/ 247) حديث 749، عن أبي عامر العقدي، والبزار "كشف الأستار"(2/ 201) حديث 1518، عن أسيد بن زيد، عن أبي معشر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بريرة حين أعتقت أن تعتد عدة الحرة.
قال الحافظ في الفتح (9/ 405): وهو شاهد قوي؛ لأن أبا معشر، وإن كان فيه ضعف لكن يصلح في المتابعات.
وأخرجه أبو يعلى (8/ 319) حديث 4921، والدارقطني (3/ 294)، والبيهقي (7/ 451)، من طريق محمد بن بكار، عن أبي معشر، به، بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عدة بريرة حين فارقها زوجها عدة المطلقة.
وأخرجه الدارقطني (3/ 294)، والبيهقي (7/ 451)، من طريق حبان بن هلال، عن همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ: جعل عليها عدة الحرة.
وأعلّه الدارقطني بقوله: "قال أبو بكر [ابن زياد النيسابوري]: جوَّد حبان في قوله: عدة الحرة؛ لأن عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم روياه، فقالا: وأمرها أن تعتد، ولم يذكرا عدة الحرة".
وتعقبه البيهقي بقوله: وكذلك قاله هدبة عن همام، فأمرها أن تعتد عدة حرة.
ورواية عفان المشار إليها: أخرجها أبو داود في الطلاق، باب 19، حديث 2232، وابن أبي شيبة (10/ 182)، وأحمد (1/ 181)، والطحاوي (3/ 82)، وتابعه محمد بن سنان عند البيهقي (7/ 221)، عن همام، عن قتادة، به.
ومال ابن القيم إلى ترجيح هذه الرواية، انظر: تهذيب السنن (3/ 147).
الطلاق، فإن كان انقطاعه قبل الطلاق فمنه (تسعة أشهر للحمل) لأنها غالب مدّته؛ لتعلم براءتها من الحمل (وثلاثة للعِدّة) رواه الشافعي بإسناد جيد من حديث سعيد بن المسيب عن عمر
(1)
. قال الشافعي: هذا قضاءُ عُمَرَ بينَ المُهاجرين والأنصار، لا يُنْكرُه مُنْكِرٌ عَلِمْناهُ. ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها، وهذا تحصل به براءة الرحم، فاكتفي به، وإنما اعتبرنا مضيّ سنة من الانقطاع ولو بعد حيضة أو حيضتين (لأنها لا تُبنى عِدّةٌ على عِدّة أخرى.
وإن كانت) من ارتفع حيضها ولم تدْرِ ما رفعه (أَمَة، فبأحد عشر شهرًا) تسعة للحمل وشهران للعِدَّة.
(فإن عاد الحيض إلى الحرّة أو الأَمَة قبل انقضاء عِدّتها ولو في آخرها) أي: آخر العدة (لزمها الانتقال إليه) لأنه الأصل (وإن عاد) الحيض (بعد مضيّها) أي: العِدّة (ولو قبل نكاحها؛ لم تنتقل) إلى الاعتداد بالحيض، كما لو عاد بعد النكاح (فإن كان عادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها؛ لم تنقض عِدَّتها إلا بثلاث حيض وإن طالت) لأنها من ذوات الأقراء.
(1)
الشافعي في الأم (5/ 213)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 58)، بلفظ:"أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعتها حيضة فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل فذلك، وإلا اعتدت بعد التسعة ثلاثة أشهر ثم حلت".
وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (2/ 582)، وعبد الرزاق (6/ 339) رقم 11095، وابن أبي شيبة (5/ 209)، والبيهقي (7/ 419 - 420)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 191) رقم 15220. وصححه ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 434)، وابن الملقن في البدر المنير (8/ 224)، وأعله ابن حزم في المحلى (10/ 271) بالانقطاع بين سعيد بن المسبب، وعمر رضي الله عنه. وانظر: الاستذكار (18/ 94)، والإشراف (4/ 284).
(وعدة الجارية التي أدركت ولم تحض) ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ. . .} الآية
(1)
؛ ولأن الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها، وفارق من ارتفع حيضُها، فإنها من ذوات القُروء.
(و) عِدّة (المستحاضة الناسية) لعادتها ولا تمييز لها ثلاثة أشهر.
(و) عدة (المستحاضة المبتدأة ثلاثة أشهر) إن كانت حرّة (والأَمَة شهران) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حَمْنة بنت جَحْش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة
(2)
، فجعل لها حيضة من كل شهر، بدليل أنها تترك فيها الصلاة ونحوها.
(وإن كانت لها عادة أو تمييز؛ عَمِلت به) كما تعمل به في الصلاة والصوم (فإن كانت عادتها سبعة أيام من أول كل شهر، فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أوّل) الشهر (الثالث؛ فقد انقضت عدَّتُها) لمضيّ ثلاث حِيَض بحسب عادتها.
(وإن علمت) المستحاضة (أن لها حيضةً في كل شهرٍ، أو) كل (شهرين ونحوه، ونسيت وقتها) أي: وقت الحيضة (فعدتها ثلاثة أمثال ذلك) الوقت التي لها فيه الحيضة؛ لتحقق مضيّ ثلاث حيضات بحسب العادة.
(وإن عرَفت ما رفعه) أي: الحيض (من مرض، أو رَضاع، أو نفاس؛ فلا تَزَال) إذا طلقت ونحوه (في عدّة حتى يعود الحيض فتعتدَّ به) لما روى الشافعي عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه أخبره: "أنَّ حَبّانَ بن مُنقذ طلّقَ امرأتَهُ، وهو صحيحٌ وهي
(1)
سورة الطلاق: الآية: 4.
(2)
تقدم تخريجه (1/ 339) تعليق رقم (1).
مرضعةٌ، فمكثتْ سبعةَ أشهرٍ لا تحيضُ يمنعُهَا الرَّضاعُ، ثمَّ مرضَ حبّانُ، فقيلَ له: إنْ مُتَّ وَرِثَتْكَ، فجاءَ إلى عثمانَ، وأخبرَهُ بشأن امرأته، وعندهُ عليٌّ وزيدٌ، فقال لهما عثمانُ: ما تريانِ؟ فقالا: نرى أنها ترثُهُ إنْ ماتَ ويرِثها إن ماتت، فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض، وليست من اللائي لم يحضن، ثم هي على عِدّة حيضها ما كان من قليل وكثير، فرجع حَبَّانُ إلى أهله فانتزع البنتَ منها، فلما فقدت الرَّضاع حاضت حيضة ثم أخرى، ثم مات حَبَّان قبل أن تحيض الثالثة، فاعتدت عِدّة الوفاة وورِثته"
(1)
. ورواه البيهقي بطريق آخر، وليس فيه ذِكْرُ زيد.
(أو) حتى (تبلغ سنَّ الآيسةِ، فتعتدَّ عِدّتها) لأنها آيسة أشبهت سائر الآيسات (وعنه
(2)
: تنتظر زواله) أي: الرافع للحيض من مرض ونحوه (ثم إن حاضت اعتدَّتْ به، وإلا اعتدَّتْ بسَنَةٍ) وهو ظاهر "عيون المسائل" و"الكافي".
فصل
(السادسة) من المعتدات: (امرأة المفقود) حرةً كانت أو أَمَة (الذي انقطع خبرُهُ لغَيْبةٍ ظاهرُها الهلاكُ، كالذي يُفقَدُ من بين أهله) ليلًا أو
(1)
الشافعي في الأم (5/ 212)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 58)، ومن طريقه البيهقي (7/ 419)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 189) رقم 15213، بلفظ:"فمكثت سبعة عشر شهرًا".
وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 572)، وعبد الرزاق (6/ 341) رقم 11102، وسعيد بن منصور (1/ 307) رقم 1305، وابن أبي شيبة (5/ 210)، والبيهقي (7/ 419)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 189) رقم 15212، من طريق يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، بنحوه، دون ذكر زيد.
(2)
انظر: مسائل حرب ص 233.
نهارًا (أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع، أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجةً ويرجع، فلا يظهر له خبرٌ، أو يُفقَدُ في مفَازَة) مهلكة كدَرْب الحجاز (أو) يُفقَد (بين الصَّفَّين إذا قُتل قوم، أو مَن غَرِق مركبه ونحو ذلك، فإنها) أي: زوجته (تتربَّص أربع سنين، ولو كانت أَمَة، ثم تعتدّ للوفاة) الحرة (أربعة أشهر وعشرًا، والأمة شهران وخمسة أيام).
قال الأثْرَمُ: قلت لأبي عبد الله: تذهب إلى حديث عمر، وهو "أن رجلًا فُقِد، فجاءتِ امرأتُه إلى عمر، فذكرتْ ذلك له، فقال: تربَّصي أربع سنين، ففعلتْ، ثم أتته، فقال: تربَّصي أربعة أشهر وعشرًا، ففعلت، ثم أتته فقال: أين وليُّ هذا الرجل؟ فجاؤوا به، فقال: طلِّقها، ففعل، فقال عمر: تزوجي من شئت" رواه الأثرم والجُوزْجاني والدارقطني
(1)
. قال أحمد
(2)
: هو أحسنها، يُروى عن عمر من ثمانية وجوه. ثم قال: زعموا أنَّ عمر رجع عن هذا، هؤلاء الكذابين. وقال: من ترك هذا أيُّ شيء يقول؟ هو عن خمسة من الصحابة؛ عمر،
(1)
لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. ولم نقف عليه في مظانه من كتب الجوزجاني المطبوعة، وأخرجه الدارقطني (3/ 311).
وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (2/ 575)، والشافعي في الأم (7/ 236)، وعبد الرزاق (7/ 86 - 88) رقم 12320 - 12323، وسعيد بن منصور (1/ 407 - 408) رقم 1752 - 1755، وابن أبي شيبة (4/ 237)، وعبد الله في مسائله (3/ 1068)، والبيهقي (7/ 445 - 446)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 234) رقم 15374، من طرق عن عمر رضي الله عنه، وصححه ابن حزم في المحلى (10/ 134)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 14)، وابن الملقن في البدر المنير (8/ 228)، وابن حجر في الفتح (9/ 431).
(2)
انظر: المغني (11/ 248).
وعثمان
(1)
، وعلي
(2)
، وابن عباس
(3)
، وابن الزبير
(4)
.
(و) قال (في التنقيح): الأمة (كحُرّة. وهو سهو) إذ الأمة إنما تساوي الحرة في التربّص فقط، لا في العِدّة بَعدَهُ.
(ولا يفتقر الأمر إلى حاكم ليحكم بضرب المدَّة وعِدة الوفاة
(1)
أخرج عبد الرزاق (7/ 85) رقم 12317، وابن أبي شيبة (4/ 237)، وعبد الله في مسائله (3/ 1070)، والبيهقي (7/ 445)، عن ابن المسيب أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قضيا في المفقود أن امرأته تتربص أربع سنين، وأربعة أشهر وعشرًا بعد ذلك، ثم تزوج، فإن جاء زوجها الأول خيّر بين الصداق وبين امرأته. صححه ابن حزم في المحلى (10/ 136)، وابن حجر في الفتح (9/ 431).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (7/ 88) رقم 12325، وابن أبي شيبة (4/ 239 - 240)، والبيهقي (7/ 447)، عن أبي المليح، عن سهيمة بنت عمير الشيبانية في قصة طويلة. وأخرج ابن حزم في المحلى (10/ 137)، معلقًا عن خلاس بن عمرو، أن علي بن أبي طالب قال: امرأة المفقود تعتد أربع سنين، ثم يطلقها الولي، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، فإذا جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق. قال ابن حزم: هذا صحيح عن علي. وقال البيهقي (7/ 445): رواية خلاس عن علي ضعيفة، ورواية أبي المليح عن علي مرسلة، والمشهور عن علي رضي الله عنه خلاف هذا.
قلنا: هو ما أخرجه عبد الرزاق (7/ 90) رقم 12330 - 12332، وسعيد بن منصور (1/ 409) رقم 1757 - 1758، وابن أبي شيبة (4/ 236)، والبيهقي (7/ 444)، عن علي رضي الله عنه قال في امرأة المفقود: هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق.
(3)
أخرج سعيد بن منصور (1/ 409)، والبيهقي (7/ 445)، عن جابر بن زيد أنه شهد ابن عباس وابن عمرو رضي الله عنهم تذاكرا امرأة المفقود فقالا: تربص بنفسها أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة. صححه ابن حزم في المحلى (10/ 134، 140)، وابن حجر في الفتح (9/ 431).
(4)
أخرج ابن أبي شيبة (4/ 240)، عن القاسم بن محمد يقول: قضى فينا ابن الزبير في مولاة لهم كان زوجها قد نعي، فزوجت، ثم جاء زوجها، فقضى أن زوجها الأول بخير: إن شاء امرأته، وإن شاء صداقه.
والفُرقة) لأنها مدة تُعتبر لإباحة النكاج، فلم تفتقر إلى الحاكم، كمُدَّةِ مَن ارتفعَ حيضُها ولم تَدْرِ ما رفَعَهُ، فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خبرُهُ.
(ولا) يفتقر الأَمر (إلى طلاق وليِّ زوجها بعد اعتدادها) وهو قول ابن عمر
(1)
، وابن عباس
(1)
، وهو القياس (فلو مضت المُدّة والعِدَّة؛ تزوَّجت) عن غير طلاق وليٍّ ولا حاكم.
(وإذا حكم الحاكم بالفرقة، أو فرغت المُدّة؛ نَفَذَ الحكمُ) بالفرقة (في الظاهر) لأنَّ عمر لما حكم بالفُرقة، نَفَذَ ظاهرًا؛ ولو لم ينفذ لما كان في حكمه فائدة (دون الباطن) لأنَّ حكم الحاكم لا يغيّر الشيء عن صفته في الباطن (فلو طلَّق الأوَّلُ، صحّ طلاقُهُ؛ لبقاء نكاحه) بدليل تخييره في أخذها لو رجع (وكذا لو ظاهر منها، ونحوه) كما لو آلى أو قذفها.
(ولو تزوّجت امرأته) أي: المفقود (قبل) مُضيِّ (الزمان المعتبر) للتربُّص والعِدَّة (ثم تبيَّن أنه كان ميِّتًا، أو أنه) كان (طلَّقها قبل ذلك بمدة تنقضي فيها العِدَّة؛ لم يصحّ النكاح) لأنها ممنوعة منه؛ أشبهت المزوَّجة.
(وإذا تربصّت) الأربع سنين (واعتدَّت) للوفاة (ثم تزوَّجت، ثم قَدِم زوجُها الأول قبل وطء الثاني؛ رُدَّتْ إليه) أي: إلى الأول؛ لأنَّا تبيَّنَّا حياته؛ أشبه ما لو شهدت بينة بموته فكان حيًّا (ولا صداق على الثاني) لبطلان نكاحه؛ لأنه صادف امرأة ذات زوج، وتعود إلى الأول بالعقد الأول.
(وإن كان) عَوْدُ الأول (بعده) أي: بعد دخول الثاني بها (خُيِّر الأول بين أخذها) منه، فتكون امرأته (بالعقد الأول، ولو لم يطلق الثاني؛
(1)
تقدم تخريجه آنفًا (13/ 31) تعليق رقم (3).
نصًّا
(1)
) لأن نكاحه كان باطلًا في الباطن (ويطأ) الأول (بعد عِدّته) أي: عدة الثاني (وبين تركها مع الثاني) لقول عمر
(2)
وعثمان
(3)
وعلي
(4)
، وقضى به ابن الزبير
(5)
، ولم يُعرف لهم مخالف، فكان كالإجماع، وإذا لم يخترها الأول، كانت مع الثاني (من غير تجديد عقد) في الأشهر؛ قاله في الرِّعاية"؛ لأن الصحابة لم يُنقل عنهم تجديدُ عقدٍ (واختار الموفَّقُ التجديدَ. انتهى) وهو القياس. قال المنقِّح: قلت: الأصح بعقد. انتهى؛ لأنا تبيَّنَّا بطلان عقده بمجيء الأول، ويحتمله قول الصحابة. انتهى. وعلى ذلك فيحتاج إلى طلاق الأول، كما في "الرعاية"، ثم إلى انقضاء العدة ثم يجدد العقد.
(ويأخذ الأولُ) إذا تركها للثاني (قَدْرَ الصداقِ الذي أعطاها هو) أي: الأول (من الثاني) لقضاء عثمان
(6)
وعليّ؛
(7)
ولأن الثاني أتلف المعوَّض، فرجع عليه بالعوض، كشهود الطلاق إذا رجعوا، فعلى ذلك إن لم يكن دفع الصداق، لم يرجع عليها بشيء، وإلا رجع في قَدْر ما أقبض منه.
(ويرجع الثاني على الزوجة بما أخذ منه) لأنه غرِمه بسببها.
(وإن رجع الأولُ بعد موتها؛ لم يَرِثْها) لأنها زوجة الثاني ظاهرًا (وإن رجع) الأول (بعد موت الثاني؛ وَرِثَتْهُ) لأنها زوجته ظاهرًا
(1)
انظر: المغني (11/ 253)، والفروع (5/ 547).
(2)
تقدم تخريجه (13/ 30، 31) تعليق رقم (1، 1).
(3)
تقدم تخريجه (13/ 31) تعليق رقم (1).
(4)
تقدم تخريجه (13/ 31) تعليق رقم (2).
(5)
تقدم تخريجه (13/ 31) تعليق رقم (4).
(6)
تقدم تخريجه (13/ 31) تعليق رقم (1).
(7)
تقدم تخريجه (13/ 31) تعليق رقم (2).
(واعتدَّتْ، ورجعت إلى الأول) لعدم المعارض له. قال الشيخ تقي الدين
(1)
: هي زوجة الثاني ظاهرًا وباطنًا، وتَرِثه؛ ذكره أصحابنا. وهل تَرِثُ الأول؟ قال أبو جعفر: تَرِثُه. وخالفه غيرُه. ومتى ظهر الأول، فالفُرقة ونكاح الثاني موقوفان، فإن أخذها بَطَل نكاح الثاني حينئذ، وإن أمضى؛ ثبت نكاح الثاني. انتهى.
قلت: وهذا مبنيٌّ على الأول، وأمَّا على ما اختاره الموفَّق من تجديد العقد إذا تركها الأول، فلا ينبغي أن ترث من الثاني ولا أن يرث منها؛ بطلان نكاحه بظهور حياة الأول.
(وأما مَن) أي: المفقود الذي (انقطع خبرُهُ لغَيْبة ظاهرها السلامة؛ كسفر التاجر في غير مهلكة، وإباقِ العبدِ، و) السفر لـ (ــطلب العلم والسياحة، والأسر) عند من ليس عادته القتل (وسفر الفُرْجَة ونحوه، فإنَّ امرأته تتربَّص تمام تسعين سنة من يوم وُلِدَ) لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها فإن فُقِدَ ابن تسعين، اجتهد الحاكم؛ ذكره في "الترغيب"؛ نقله عنه في "المبدع"(ثم تعتدُّ عِدَّة الوفاة) لأنه قد حكم بموته (ثم تحِلُّ) للأزواج (وتقدم في باب ميراث المفقود
(2)
.
وإن كانت غيبتُه) أي: الزوج (غيرَ منقطعة) بأن كانت بحيث (يُعرَفُ خبرُه ويأتي كتابهُ، فليس لامرأته أن تتزوَّج إلا أن يتعذَّر الإنفاقُ عليها من ماله، فلها الفسخُ) بإذن الحاكم؛ لتعذُّر الإنفاق عليها بالاستدانة وغيرها، كما يأتي في النفقات، فإن كان الزوج رقيقًا فنفقة زوجته على سيّده، فيُعتبر تعذُّر الإنفاق منه.
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 404.
(2)
(10/ 460 - 461).
و (لا) تفسخ (بتعذُّر الوطء إذا لم يقصد بغيبته الإضرارَ بتركه، فإن قَصَدَه؛ فلها الفسخُ به إذا كان سفرُه أكثر من أربعة أشهر).
قلت: مقتضى ما سبق: إذا غاب فوق نصف سنة في غير غزو أو حج واجبين، أو طلب رزق يحتاحه، وطلبت قدومه ولم يَقدَم؛ فلها الفسخ وإن لم يقصد المضارَّة. وأما قصد المضارَّة؛ فتفسخ إذا مضت الأربعة أشهر وطلبت الفيئة وأَبى، على ما تقدم في الإيلاء
(1)
.
(ومن ظهر موتُهُ باستفاضة؛ كَأَنْ تظاهرت الأخبارُ بموته، أو) شهدت به (بيِّنةٌ، فاعتدت زوجتُه للوفاة، أُبيح لها أن تتزوَّج) للحكم بموته (ف
إن عاد زوجُها بعد ذلك، فكمفقودٍ)
إن كان قبل الدخول، ردّت إلى الأول، وإن كان بعده، فإنه (يُخيَّر زوجُها) الأول (بين أخذِها) من الثاني (و) بين (تَرْكها) للثاني (وله الصداق) الذي أعطاها هو، يأخذه من الثاني، ويرجع به الثاني عليها (وله) أي: للزوج القادم (تضمين البيّنة) التي شهدت بموته (ما تَلِفَ من ماله) لتسبُّبها في إتلافه (وله تضمينُ مُتْلِفه) لمباشرته الإتلاف (وتضمَنُ البينةُ مَهْرَ الثاني) لأنها تسببت في غُرمه.
(وإن اختارت امرأةُ المفقودِ المُقَامَ والصبرَ حتى يتبيَّن أمره؛ فلها النفقةُ من ماله ما دام حيًّا) لقيام موجِبها، وهو الزوجية (فإن تبيَّن أنه) كان (مات أو فارقها؛ رُجِع) بالبناء للمفعول، أي: رَجع الورثة فيما إذا مات، أو رجَع هو فيما إذا فارق (عليها بما بعد ذلك من النفقة) لانقطاع الزوجية.
(وإن ضرب لها) أي: لامرأة المفقود (حاكمٌ مدّة التربُّص، فلها فيها النفقة) لأنه لم يحكم بموته بعد، و (لا) نفقة لها (في العِدّة) لأنه
(1)
(12/ 458 - 459).
حكم بموته بعد مدة التربُّص، فصارت معتدَّة للوفاة.
والوجه الثاني: لها النفقة؛ قاله القاضي، وهو نص أحمد
(1)
؛ لأن النفقة لا تسقط إلا بيقين الموت، ولم يوجد ههنا. وكذا ذكر صاحب "المغني"، و"الشرح " وزاد: أنَّ نفقتها لا تسقط بعد العِدَّة - أيضًا -؛ لأنها باقية على نكاحه ما لم تتزوَّج، أو يُفَرِّقُ الحاكمُ بينهما.
(وإن تزوَّجت) امرأةُ المفقود؛ سقطت نفقتُها (أو فرَّق الحاكمُ بينهما؛ سقطت) النفقة؛ لانقطاع الزوجيّة ظاهرًا (فإن قَدِم الزوج بعد ذلك ورُدَّتْ إليه؛ عادت نفقتها من حين الرد) كالنَّاشِزِ إذا عادت للطاعة.
(وإذا تزوَّج امرأةً لها ولد من غيره، وليس للولد وَلدٌ ولا وَلَدُ ابنٍ ولا أبٌ ولا جدٌّ، وهي غير آيسَةٍ، فمات) ولدها (اعتزلها الزوجُ وجوبًا حتى تحيض) حيضة نصًّا
(2)
(أو يَتبيَّن حَمْلُها) رُوي عن عليّ
(3)
، وابنه الحسن
(4)
، ونحوُه عن عمر
(5)
، والحسين بن علي
(6)
، والصَّعب بن
(1)
مسائل صالح (2/ 334) رقم (967).
(2)
انظر: المغني (11/ 246)، والشرح الكبير (24/ 97).
(3)
أخرج ابن أبي شيبة (5/ 171)، عن خلاس، عن علي رضي الله عنه في الرجل يتزوج الأمة ولها ولد من غيره، فيموت، قال: لا يقربها حتى يتبين له ما في بطنها، أو تحيض حيضة.
(4)
أخرج عبد الرزاق (6/ 219) رقم 10578، وسعيد بن منصور (2/ 41) رقم 1955 - 1956، وابن أبي شيبة (5/ 171)، من طرق عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال لرجل من بني هاشم تزوج امرأة ولها ابن من غيره، فمات ابنها ذلك، فأمره ألا يقربها حتى تحيض، أو حتى يعلم أنه ليس بها حمل.
(5)
أخرج ابن أبي شيبة (5/ 171)، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمر رضي الله عنه قال: لا يقربها حتى ينظر أنها حبلى أو لا.
(6)
أثر الحسين والصعب ذكرهما - أيضًا - ابن المنذر في الإشراف (4/ 323)، ولم نقف على من رواه منهما مسندًا.
جَثَّامة
(1)
(لأن حَمْلَها يرثُه) أي: يرث ولدَها؛ لأنه أخوه لأمه، وليس مَن يحجُبه (فإن لم يفعل) أي: الزوج، بأن لم يعتزلها (وأتت بولد قبل ستة أشهر) وعاش (ورِث) من ولد أُمه؛ لأنا تبيَّنَّا أنه كان موجودًا حين موته (وإن أتت به بعدها) أي: بعد ستة أشهر (من حين وَطِئَها) الزوج (بعد موت الولد؛ لم يرث) الحمل؛ لاحتمال حدوثه بالوطء.
(ومن طلَّقها زوجُها) وهو غائب (أو مات عنها) زوجُها (وهو غائب عنها، فعدَّتُها من يوم مات أو طلّق) رُوي عن ابن عمر
(2)
، وابن عباس
(3)
، وابن مسعود
(4)
؛ رواه عنهم البيهقي. كما لو كان حاضرًا؛ ولأن القصد غير معتبر في العِدَّة؛ بدليل الصغيرة والمجنونة، وكما لو كانت حاملًا، فوضعت غير عالمة بفرقته (وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة) لأن الإحداد الواجب ليس بشرط في العِدَّة؛ لظاهر النصوص.
(وإن أقرَّ الزوجُ أنه طلَّقها من مدَّة تزيد على العِدَّة، إن كان فاسقًا أو مجهول الحال؛ لم يُقبَل قوله في انقضاء العِدّة التي فيها حقّ لله) قاله في
(1)
انظر التعليق السابق.
(2)
البيهقي (7/ 425). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 327) رقم 11041 - 11042، وسعيد بن منصور (1/ 286) رقم 1197، وابن أبي شيبة (5/ 199)، من طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها منذ يوم طلقت، وتوفي عنها زوجها.
(3)
البيهقي (7/ 425). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 327) رقم 11043، وابن أبي شيبة (5/ 196)، عن جابر بن زيد وعكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تعتد من يوم طلقها، أو مات عنها.
(4)
البيهقي (7/ 425). وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (1/ 296 - 297) رقم 1195، 1207، من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: عدة المطلقة من حين تطلق، والمتوفى عنها زوجها من حين يتوفى.
"الاختيارات"
(1)
(وإن كان عدلًا غير مُتَّهم، مثلَ أن كان غائبًا، فلما حضر أخبرها أنه طلَّق من كذا وكذا) قُبِلَ قوله؛ لعدم التُّهمة، قال في "الاختيارات"
(2)
: إنه المشهور عن أحمد (فتعتدُّ من حينِ الطلاق، كما لو قامت به بينة.
وعِدَّة موطوءة بشُبهة) كمطلَّقة؛ ذكره في "الانتصار" إجماعًا؛ لأن الوطء في ذلك من شغل الرحم، ولحوق النسب، كالوطء في النكاح الصحيح (أو) أي: وعِدّة موطوءة بـ (ــزنىً كمُطلَّقة) لأنه وطء يقتضي شغل الرحم، كوطء الشبهة؛ ولأنه لو لم تجب العِدّة، لاختلط ماء الواطئ والزوج، فلم يُعلم لمن الولد منهما (إلا أمة غير مزوَّجة، فـ) ــتُستبرأ (بحيضة) لأن المقصود العلم ببراءة الرحم من الحمل، وذلك حاصل بالحيضة؛ كما لو أراد سيّدها بيعها بعد وطئها.
(وإن وُطئت زوجتُه) بشبهة أو زنىً (أو) وُطئت (سُرِّيَّتُهُ بشُبهة أو زنىً؛ حَرُمت) أي: حَرُم وطؤها (حتى تعتدَّ الزوجة) حُرَّة كانت أو أمة (وتُستبرأَ السُّرِّيَّة) خشية اشتباه الأنساب واختلاط المياه (وله) أي: الزوج أو السيّد (الاستمتاع منهما) أي: من الزوجة والسُّرِّيَّة (بما دون الفرج) كقُبْلة ولمس لشهوة؛ لأن التحريم لعارض كالحيض.
فصل
(وإن وُطِئت معتدَّةٌ بشُبهة أو نكاحٍ فاسدٍ؛ فُرِّق بينهما) لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه (وأتمت عدّة الأول) لأن سببها سابق على الوطء
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 403.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 404.
المذكور (ولا يُحتسبُ منها) أي: العدَّة (مدَّةُ مُقامِها) أي: الموطوءة (عند الواطئ الثاني) بعد الوطء، بل ابتداؤها من التفريق بينهما (وله) أي: المُطلِّق (رجعةُ رجعية في مدة تتمَّة عدته) كما لو لم توطأ، وتقدم
(1)
في الرجعة (ثم استأنفت العِدّة من الواطئ) لأن العدّتين من رَجُلين لا يتداخلان، كالدينين
(2)
.
(وإن كانت بائنًا فأصابها المُطَلِّق) في عِدَّتها (عمدًا، فكذلك) أي: تُتِمُّ العِدَّة الأولى، ثم تعتدُّ من الوطء؛ لأنه وطء مُحَرَّم لا يلحق فيه النسب؛ ولأن العدة الأولى عِدَّةُ طلاق، والثانية عِدَّة زنىً، فلم تدخل إحداهما في الأخرى؛ لاختلاف سببهما، كالكفَّارات.
(وإن أصابها) مُبينُها في عِدَّتها (بشُبْهة؛ أستأنفت العِدَّة للوطء) لأن الوطء قَطَع العِدَّة الأولى، وهو موجب للاعتداد؛ للاحتياج إلى العلم ببراءة الرحم من الحمل (ودخلت فيها بقية) العِدَّة (الأولى) لأن الوطء لشُبهة
(3)
يلحق فيه النسب، فدخلت بقية الأولى في العِدَّة الثانية.
(وإن وُطِئت امرأة) مزوَّجة (بشُبهة، ثم طَلَّقها زوجها رجعيًّا؛ اعتدت له) أي: للطلاق (أولًا) لقوته (ثم اعتدت للشبهة) ولا تتداخل العدة مع اختلاف الواطئين، كما تقدم.
(وكل معتدَّة من غير النكاح الصحيح، كالزانية والموطوءة بشُبْهة أو في نكاح فاسد، قياسُ المذهب تحريمها
(4)
على الواطئ وغيره في العِدَّة؛ قاله الشارح. وقال الموفق: والأولى حِلُّ نكاحها لمن هي معتدَّة
(1)
(12/ 415 - 416).
(2)
في "ح" و"ذ": "الديتين".
(3)
في "ذ": "بشُبْهة".
(4)
في "ذ": "تحريمهما".
منه أن كان يلحقه نسب ولدها) كالموطوءة بشُبهة، أو نكاح فاسد؛ لأن العِدَّة لحفظ مائه وصيانة نسبه، ولا يُصان ماؤه المحترم عن مائه المحترم، ولا يُحفظ نسبه عنه، كالمطلقة البائن (وإلا) أي: وإن لم يلحقه نسب ولدها، كالمزني بها (فلا) تَحِلُّ له في عِدَّتها (وتقدم في المُحَرَّمات في النكاح
(1)
): تحل له المعتدَّة منه إذا كان يلحقه نسب ولدها (إن لم يلزمها عِدّة من غيره) فإن لزمتها عدة من غيره؛ فلا، حتى تنقضي
(2)
.
(وإن تزوجت) امرأة (في عِدَّتها، فنكاحها باطل) لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}
(3)
؛ ولأن العِدَّة إنما اعتُبرت لمعرفة براءة الرحم؛ لئلا يُفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب (ويجب أن يُفَرَّق بينهما) لأنهما أجنبيان.
(وتسقط نفقة الرجعية وسكناها عن الزوج الأول لنشوزها، ولم تنقطع عِدّتها حتى يطأ الثاني) لأن العقد باطل، لا تصير به المرأة فراشًا، وسواء علم بالتحريم أو جهله، فإذا دخل بها انقطعت العِدّة؛ لأنها حينئذ صارت فراشًا له (ثم إذا فارقها؛ بنت على عِدّتها من الأول) لأن حَقَّه أسبق؛ ولأن عدّته وجبت عن وطء في نكاح صحيح (واستأنفت العِدَّة) بعد ذلك (من الثاني) ولا تتداخل العِدّة؛ رواه مالك، والشافعي، والبيهقي، بإسناد جيد عن عمر
(4)
(1)
(11/ 346).
(2)
في "ذ": "حتى تنقضي عدتها".
(3)
سورة البقرة، الآية:235.
(4)
مالك في الموطأ (2/ 536)، والشافعي في الأم (5/ 233)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 56 - 57)، والبيهقي (7/ 441)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 224) رقم =
وعلي
(1)
، ولا نعرف لهما مخالفًا في الصحابة؛ قاله في "المبدع"؛ ولأنهما حقان مقصودان لآدميين، كالدَّيْنَيْنِ.
(وإن أتت بولد من أحدهما) عينًا (انقضت عِدَّتها به) أي: بوضعه (منه) أي: ممن لحق به الولد (ثم اعتدَّتْ للآخر) بثلاثة أقراء، ويكون الولد للأول عينًا؛ إذا ولدته لدون ستة أشهر وعاش من وطء الثاني،
= 15345، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، أن طليحة الأسدية كانت تحت رُشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما، ثم قال عمر رضي الله عنه: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبًا من الخطّاب. وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبدًا.
وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 210) رقم 10539 - 10542، وسعيد بن منصور (1/ 178) رقم 698، وابن أبي شيبة (5/ 169 - 170) بنحوه مطولًا ومختصرًا.
(1)
لم نقف عليه في الموطأ لمالك، وأخرجه الشافعي في الأم (5/ 233)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 57)، والبيهقي (7/ 441)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 226) رقم 15349، عن زاذان أبي عمر، عن علي رضي الله عنه أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما، ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر.
وأخرجه - أيضًا - الشافعي في الأم (5/ 233)، والبيهقي (7/ 441)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 226) رقم 15350، وعبد الرزاق (6/ 208) رقم 10352، عن عطاء، عن علي رضي الله عنه بنحوه، وزادوا: فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار، إن شاءت نكحت، وإن شاءت فلا. وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 320)، عن مسروق، عن علي بنحوه، وزاد: ولها الصداق بما استحل من فرجها، ثم إن شاء خطبها بعد ذلك. وأخرجه (5/ 170)، عن الشعبي قال: قال علي: يفرق بينها وبين زوجها، وتكمل عدتها الأولى، وتعتد من هذا عدة جديدة، ويجعل لها الصداق بما استحل من فرجها، ويصيران كلاهما خاطبين.
ويكون للثاني عينًا إذا ولدته لفوق ستة أشهر من وطئه، ولفوق أربع سنين من إبانة الأول لها.
(وإن أمكن أن يكون) الولد (منهما) بأن أتت به لفوق ستة أشهر من وطء الثاني، ولدون أربع سنين من بينونة الأول (أُرِيَ) الولدُ (القافةَ معهما) أي: مع الواطئين (فأُلْحِقَ) الولدُ (بمن ألحقوه به منهما) لأن قولها في ذلك حجّة (وانقضت عِدَّتُها به) أي: الولد (منه) أي: ممن أُلحِق به؛ لأن عدّة الشخص تنقضي بوضع حمله، وقد وُجِد (واعتدّت للآخَرِ) لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان والعِدّة من غيره.
(وإن ألحقَتْه) القافة (بهما) أي: الواطئين (لحق بهما، وانقضت عِدّتها به منهما) لأن الولد محكومٌ به لهما، فتكون قد وضعت حملها منهما.
(وإن نفته) القافةُ (عنهما) أي: الواطئين (أو أشكل عليها، أو لم يوجد قافة ونحوه) كما لو اختلف قائفان (اعتدَّت بعد وضعه بثلاثة قُروء) لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني، وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول؛ ليسقط الفرض بيقين. وعُلم مما سبق أنها إذا ولدت لدون ستة أشهر من وطء الثاني، ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول، لم يلحق بواحد منهما، ولا تنقضي عِدَّتها به منه؛ لأنا نعلم أنه من وطء آخر (وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العِدَّتين) وهو قول علي
(1)
، ورُوي عن عمر: أنه رجع إليه؛ رواه
(1)
أخرج عبد الرزاق (6/ 209) رقم 10534، عن إبراهيم قال: قال علي رضي الله عنه: يتزوجها إن شاء إذا انقضت عدتها، ولها مهرها. وأخرج سعيد بن منصور (1/ 178) رقم 699، ومن طريقه البيهقي (7/ 441)، عن الشعبي أن عليًّا رضي الله عنه فرق بينهما وجعل لها الصداق بما استحل من فرجها، وقال: إذا انقضت عدتها إن شاءت =
البيهقي
(1)
بإسناد جيد. وكما لو زنى بها، وآيات الإباحة عامة. وقال الشافعي
(2)
: له نكاحها بعد قضاء عدة الأول؛ لأن العدة إنما شُرعت لحفظ النسب وصيانة للماء، والنسب لاحقٌ به، أشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عِدَّتها. قال في "المغني": وهذا قولٌ حسنٌ موافق للنظر.
(وإن وطئ رجلان امرأةً بشُبهة أو زنىً، فعليها عدّتان لهما) لقول عمر
(3)
وعلي
(4)
؛ ولأنهما حقَّان مقصودان لآدميين، فلم يتداخلا
(5)
، كالدَّيْنين. واختار ابن حمدان: إذا زنيَ بها تكفيها عِدّة، وجزم بمعناه في "المنتهى". قال في "التنقيح": وهو أظهر. قال في "شرح المنتهى": في الأصح؛ لعدم لحوق النسب فيه، فيبقى القصد العلم ببراءة الرحم، وعلى هذا عدتها من آخر وطء، والأول قدَّمه في "المبدع" و"التنقيح" وهو مقتضى "المقنع".
(وإذا تزوَّج معتدةً) من غيره (وهما) أي: العاقد والمعقود عليها (عالمان بالعِدّة) قلت: ولم تكن من زنىً (و) عالمان (بتحريم النكاح فيها) أي: العدة (ووطئها فيها) أي: العدة (فهما زانيان، عليهما حد الزنى، ولا مهر لها) لأنها زانية مطاوعة، ولا نظر لشُبهة العقد؛ لأنه باطل مجمَعٌ على بطلانه، فلا أثر له، بخلاف المعتدَّة من زنىً، فإن نكاحها فاسد،
= تزوجه، فعلت. وانظر ما تقدم (13/ 36) تعليق رقم (3).
(1)
السنن الكبرى (7/ 442)، ومعرفة السنن والآثار (11/ 226) رقم 15348. وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (1/ 177) رقم 697.
(2)
انظر: الأم (5/ 233).
(3)
تقدم تخريجه (13/ 40) تعليق رقم (4).
(4)
تقدم تخريجه (13/ 41) تعليق رقم (1).
(5)
في "ذ": "فلا يتداخلان".
والوطء فيه حكمه حكم وطء الشُّبهة؛ للاختلاف في وجوبها، ومحل سقوط مهرها (إن لم تكن أَمَة) فإن كانت أَمَة لم يسقط؛ لأنه لسيِّدها، فلا يسقط بمطاوعتها (ولا يلحقه النسب) لأنه من زنىً.
(وإن كانا) أي: الناكح والمنكوحة (جاهلين بالعِدَّة، أو) جاهلي (التحريم؛ ثَبَت النسب، وانتفى الحدّ، ووجب المهر) لأنه وطء من شُبهة.
(وإن عَلِم هو دونها؛ فعليه الحدّ) للزنى (و) عليه (المهر) بما نال من فَرْجها (ولا يَلْحقه النسبُ) لأنه زانٍ (وإن علمت هي دونه؛ فعليها الحدّ، ولا مهر لها) إن كانت حرة؛ لأنها زانية مطاوعة (ويلحقه النسب) لأنه وطء شُبهة.
فصل
(وإن طلَّقها) الزوج (واحدةً) رجعيّة (فلم تنقض عِدّتها حتى طلَّقها ثانية؛ بَنَت على ما مضى من العِدّة) لأنهما طلاقان لم يتخلّلهما وطء ولا رجعة، أشبها الطلقتين في وقت واحد.
(وإن راجعها، ثم طَلَّقها بعد دخوله بها أو قبله؛ استأنفت العِدَّة) لأنه طلاق في نكاح صحيح وطئ فيه، كما لو لم يتقدَّمه طلاق (كفسخها) للنكاح (بعد الرجعة بعتقٍ) تحت عبد (أو غيره) أي: غير العتق، كفسخها لعُنّة، أو إعسار؛ لأن موجب الفسخ في العدة موجب الطلاق، فكان حكمه كحكمه.
وإن وطئها في عِدَّتها؛ حصلت به الرجعة كما تقدم
(1)
، فهذا طَلَّقها استأنفت.
(1)
(12/ 412).
(وإن طَلَّقها بائنًا، ثم نكحها في عِدَّتها، ثم طَلَّقها فيها قبل دخوله بها، بَنَت على ما مضى) لأنه طلاق من نكاح لا دخول فيه، فلا يوجب عِدَّة، كما لو لم يتقدَّمه نكاح.
فصل
(ويلزم الإحداد) وهو المنع، إذِ المرأة تمنع نفسها مما كانت تتهيأ به لزوجها من تطيُّب وتزيُّن، يقال: أحدَّت المرأة إحدادًا فهي مُحِدَّة، وحدَّت تَحُدُّ - بالضم والكسر - فهي حادّة
(1)
، وسُمِّي الحديد حديدًا للامتناع به، أو لامتناعه على من يحاوله (في العِدَّة كلَّ متوفًّى عنها فقط في نكاح صحيح) لحديث أم عطية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُحِدُّ المرأةُ فوقَ ثلاثٍ إلا على زوجٍ، فإنَّها تُحِدُّ عليهِ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ولا تلبَسُ ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عَصْبٍ، ولا تكتحلُ ولا تَمَسُّ طيبًا" متفق عليه
(2)
. والعَصْب - بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين -: نوع من البُرُود
(3)
يُصبغ غزلُه ثم يُنسج؛ قاله القاضي. وقال في "الشرح": الصحيح أنه نبت يُصبغ به الثياب.
(ويُباح) الإحداد (لبائن) كالمطلَّقة ثلاثًا والمُخْتَلِعة،
(1)
الذي في المعاجم: يقال للمرأة: حادٌّ. بغير هاء. انظر: الزاهر للأزهري ص/ 462، والمطلع ص/ 348.
(2)
البخاري في الحيض، باب 12، حديث 313، وفي الجنائز، باب 31، حديث 1279، وفي الطلاق، باب 47 - 49، حديث 5340 - 5343، ومسلم في الطلاق حديث (66).
(3)
زاد في "ذ": "فيها بياض وسواد".
بالإجماع
(1)
؛ ذكره في "المبدع". لكن لا يُسنُّ؛ قاله في "الرعاية"، ولا يجب؛ لظاهر الأحاديث؛ ولأن الإحداد في عِدّة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته، فأما البائن فإنه فارقها باختياره وقطع نكاحها، فلا معنى لتكليفها الحزن عليه؛ ولأن المتوفَّى عنها لو أتت بولد؛ لَحِق الزوجَ، وليس له من ينفيه، فاحتيط عليها بالإحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه، بخلاف المطلَّقة البائن، وكالرجعية.
(ويحرم) الإحداد (فوق ثلاث على ميت غير زوج) للخبر
(2)
.
(و
لا يجب) الإحداد على متوفًّى عنها (في نكاح فاسد)
لأنه ليس بزوج. وفي "الجامع": المنصوصُ: يلزم الإحداد في نكاح فاسد.
(والمسلمة، والذمِّيَّة، والمكلَّفة، وغيرُها، فيه) أي: الإحداد (سواء) لعموم الأدلّة، وغير المكلّفة يُجنِّبها وليها ما يجب على المكلَّفة تجنّبه.
(وهو) أي: الإحداد (اجتناب ما يدعو إلى جماعها، ويرغِّبُ في النظر إليها ويُحسِّنُها؛ من زينة) أي: ما يتزين به (وطيب) للأخبار الصحيحة
(3)
؛ ولأنه يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة (ولو) كان الطيبُ (في دُهْنٍ كدُهْنِ ورد، و) دُهْن (بنفسج، و) دُهْن (ياسمين، و) دُهْن (بانٍ وغيرها) كدُهْن زنبق؛ لأنه طيب.
(1)
انظر: الإجماع لابن المنذر (1/ 327).
(2)
أي لحديث أم عطية رضي الله عنها المتقدم.
(3)
منها حديث أم عطية رضي الله عنها المتقدم آنفًا. ومنها حديث أم سلمة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل" وسيأتي (13/ 48) تعليق رقم (5).
(لكن لها أن تجعل في فَرْجها طيبًا، إذا اغتسلت من الحيض) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أُمِّ عطية: "ولا تَمَسّ طيبًا إلا عند أدنى طُهرِها إذا طهُرتْ من حيضها بنَبْذَةٍ منْ قُسْطٍ أو أظْفَار" متفق عليه
(1)
.
(ولا بأس بدُهْنٍ غير مُطيَّب كزيت وشَيرَج) بفتح الشين (وسمن) لأنه ليس بطيب (و) لا بأس بـ (ــصَبِر في غير وجه) لأنها إنما مُنعت منه في الوجه؛ لأنه يصفّره فَيُشبه الخضاب.
(ويحرم) على المُتوفَّى عنها (أن تختضِبَ) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أُمِّ سلمة: "ولا تَخْتَضِبْ
(2)
"؛ ولأنه يدعو إلى الجِماع، أشبه الحلي، بل أولى.
(وأن تُحَمِّر وجهها، وأن تُبَيِّضَه بإسْفِيذَاج العرائس) يُعمل من الرّصاص، إذا دُهن به الوجه يربو ويبرُق (وأن تجعل عليه) أي: الوجه (صَبِرًا) بكسر الباء (يُصَفِّره) فيشبه الخضاب، قال في "الفروع": فيتوجّه: واليدين.
(وأن تَنْقُش وجهها ويديها، وأن تخضِبَ
(3)
وجهها، وما أشبه ذلك مما يُحَسِّنها) ويدعو إلى جماعها.
(وأن تكتحل بإثمد ولو كانت سوداء) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية: "ولا تَكْتَحِلْ"(1)؛ ولأنه أبلغ في الزينة (إلا إذا احتاجت) للإثمد (للتداوي، فتكتحل) به (ليلًا وتمسحه نهارًا) قَدَّمه في "المبدع" وغيره.
(1)
تقدم تخريجه (13/ 45) تعليق رقم (2).
(2)
تقدم تخريجه (13/ 46) تعليق رقم (3)، وسيأتي (13/ 48) تعليق رقم (5).
(3)
"تخضب" كذا في الأصل! وفي "ذ" ومتن الإقناع (4/ 17): "تحُفّ" وهو الأقرب للصواب، وحفَّت المرأةُ وجهَهَا أزالت عنه الشعرَ بالموسى. تاج العروس (23/ 148) مادة (حفّ).
(ويُباح) لها اكتحال (بتُوتيا
(1)
، وعَنْزَرُوت
(2)
، ونحوهما) لأنه لا زينة فيه (كتنظيفِ وتقليمِ أظفار، ونتف إبط، وحَلْق شعر مندوب أخذُه) كعانة (واغتسال بسدر، وامتشاط، ودخول حمام) لأنه ليس منصوصًا عليه ولا في معنى المنصوص.
(ويحرم عليها الثياب المُصَبَّغَةُ للتحسين، كالمُعصفَر، والمُزعفَر، والأحمرِ، والأزرقِ والأخضرِ الصافيين، والأصفر، والمُطَرَّزِ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عَصْب"
(3)
وفي حديث أم سلمة: "ولا تلبس المُعصفر منَ الثِّيابِ ولا المُمَشَّق
(4)
"
(5)
.
(1)
التوتياء: حجر رقيق أبيض وأصفر وأخضر وأحمر، ينفع من وجع العين. المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 54 - 55.
(2)
العنزروت: هو الأنزروت بالفارسية، وهو صمغ شجرة تنبت في بلاد فارس، يقطع الرطوبات السائلة إلى العين. المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 10.
(3)
تقدم تخريجه (13/ 45) تعليق رقم (2).
(4)
الممشَّق: المصبوغ بالمشق، وهو طين أحمر يُصبغ به. غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 360).
(5)
أخرجه أبو داود في الطلاق، باب 46، حديث 2304، والنسائي في الطلاق، باب 64، حديث 3537، وفي الكبرى (3/ 395) حديث 5729، وأحمد (6/ 302)، وابن الجارود (3/ 83) حديث 767، وأبو يعلى (12/ 443) حديث 7012، وابن حبان "الإحسان"(10/ 144) حديث 4306، والطبراني في الأوسط (7/ 362) حديث 7732، والبيهقي (7/ 440)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 223) حديث 15341، وفي السنن الصغير (3/ 165) حديث 2819، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 364)، من طريق إبراهيم بن طهمان عن بديل، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، عن أم سلمة، مرفوعًا. وجود إسناده ابن الملقن في البدر المنير (8/ 237)، وقال ابن حزم في المحلى (10/ 277): في هذا الخبر ذكر الحلي، ولا يصح؛ لأن إبراهيم بن طهمان ضعيف، وتعقبه ابن حجر في =
(و) يحرم عليها (الحلي كله، حتى الخاتَم والحَلْقة) سواء كان من ذهب أو فضة؛ لعموم النهي.
(وما صُبغ غزلُه ثم نسج، فكمصبوغ بعد نسجه) إذْ لا دخل لذلك في التحسين وعدمه.
(ولا يحرم الأبيض وإن كان حسنًا، ولو) كان الأبيض (حريرًا) لأن حُسْنه من أصل خِلْقته، فلا يلزم تغييره. قال في "المبدع": وظاهره: ولو كان معدًّا للزينة، وفيه وجه (ولا الملوّن لدفع الوسخ، كالكُحلي، والأسود، والأخضر المُشْبَع) لأن الصبغ لدفع الوسخ لا يُحسّنه
(1)
؛ لأنه ليس بزينة.
(ولا) يحرم عليها (نِقاب وبُرْقُع) خلافًا للخرقي؛ لأنه ليس في معنى المنصوص عليه، وقياس المعتدَّة بالمُحْرِمة مردود بأن المُحرِمة يحرم عليها لبس القفازين، ويُباح لها سائر الثياب، ولا كذلك المعتدة.
(ويجوز لها) في عِدّة الوفاة (التزيّن في الفُرُش، والبُسُط، والسُّتور، وأثاث البيت؛ لأن الإحداد في البدن، لا في الفُرُش ونحوها) لأنه غير منصوص عليه فيها.
= التلخيص الحبير (3/ 238) كما يأتي في آخر التعليق.
وأخرجه عبد الرزاق (7/ 43) رقم 12114، والطبراني في الكبير (23/ 357) رقم 838، والبيهقي (7/ 440)، عن معمر، عن بديل، عن الحسن بن مسلم، عن صفية، عن أم سلمة، موقوفًا. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 238): المرفوع رواية إبراهيم بن طهمان عن بديل، وإبراهيم ثقة من رجال الصحيحين، فلا يلتفت إلى تضعيف أبي محمد بن حزم له، وإن من ضعفه إنما ضعفه من قبل الإرجاء، كما جزم بذلك الدارقطني. وقد قيل: إنه رجع عنه.
(1)
في "ذ": "لا لحسنه".
فصل
(وتجب عِدّة الوفاة في المنزل الذي وَجَبت) العِدّة (فيه، وهو) المنزل (الذي مات زوجُها وهي ساكنة فيه) رُوي عن عمر
(1)
وابنه
(2)
وابن مسعود
(3)
وأم سلمة
(4)
وغيرهم
(5)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفُرَيعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد: "امْكثي في بيتِكِ حتى يبلُغَ الكِتابُ أجلَهُ. فاعتدَّتْ فيه أربعة أشهرٍ وعشرًا، فلما كان عثمانُ أرسلَ إليَّ فسألني عن ذلك،
(1)
أخرج الطحاوي (3/ 79)، أن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت قالا في المتوفى عنها زوجها، وبها فاقة شديدة، فلم يرخصا لها أن تخرج من بيتها إلا في بياض النهار، وتصيب من طعامهم، ثم ترجع إلى بيتها فتبيت فيه.
وأخرج مالك في الموطأ (2/ 591)، وعبد الرزاق (7/ 33) رقم 12071 - 12072، وسعيد بن منصور (1/ 317) رقم 1343 - 1344، وابن أبي شيبة (5/ 183)، والطحاوي (3/ 79 - 80). والبيهقي (7/ 435) عن ابن المسيب قال: رد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نساء حاجات أو معتمرات - توفي أزواجهن - من ظهر الكوفة. وفي رواية لابن أبي شيبة (5/ 187): كان عمر وعبد الله يقولان: لا تنتقل.
(2)
أخرج مالك في الموطأ (2/ 592)، والشافعي في الأم (5/ 235)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 53 - 55)، وعبد الرزاق (7/ 31) رقم 12061، وسعيد بن منصور (1/ 324) رقم 1371، وابن أبي شيبة (5/ 178 - 179)، والطبري في تفسيره (2/ 513)، والطحاوي (3/ 80 - 81)، والبيهقي (7/ 435 - 437)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 211، 218)، رقم 15305، 15330 وابن عبد البر في الاستذكار (18/ 57، 182)، قال: لا تبيت المتوفى عنها ولا المبتوتة إلا في بيتها.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (7/ 32) رقم 12068، وسعيد بن منصور (1/ 316 - 317، 323) رقم 1341 - 1342، 1368، وابن أبي شيبة (5/ 177، 185 - 187)، والبيهقي (7/ 436)، بلفظ: يجتمعن في النهار ويبتن في بيوتهن.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (7/ 33) رقم 12070، والطحاوي (3/ 80)، والبيهقي (7/ 436)، بلفظ: بيتي في بيتك طرفي النهار.
(5)
منهم عثمان رضي الله عنه كما يأتي في حديث فريعة بنت مالك رضي الله عنهما.
فأخبرتُه، فاتّبعه وقضى به" رواه مالك، وأحمد، وأبو داود، وصححه الترمذي
(1)
.
(1)
مالك في الموطأ (2/ 591)، وأحمد (6/ 370)، وأبو داود في الطلاق، باب 44، حديث 2300، والترمذي في الطلاق، باب 23، حديث 1204. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الطلاق، باب 60، 62، حديث 3528 - 3530، 3532، وفي الكبرى (3/ 393 - 394) حديث 5722 - 5724، 5726، وابن ماجه في الطلاق، باب 8، حديث 2031، والشافعي في الأم (5/ 227)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 53 - 54)، وفي الرسالة ص/ 438، حديث 1214، والطيالسي ص/ 231، حديث 1664، وعبد الرزاق (7/ 33 - 35) رقم 12073 - 12076، وسعيد بن منصور (1/ 322) حديث 1365، وابن سعد (8/ 367 - 368)، وابن أبي شيبة (5/ 184 - 185)، والدارمي في الطلاق، باب 14، حديث 2287، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 110 - 112) حديث 3328 - 3331، وابن الجارود (3/ 77) حديث 759، والطبري في تفسيره (2/ 515)، والطحاوي (3/ 77 - 78)، وفي شرح مشكل الآثار (9/ 273 - 280) حديث 3638 - 3654، وابن حبان "الإحسان" (1/ 128 - 130) رقم 4292 - 4293، والطبراني في الكبير (24/ 439 - 445) حديث 1074 - 1084، والحاكم (2/ 208)، والبيهقي (7/ 434 - 435)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 27 - 30)، والبغوي في شرح السنة (9/ 300) حديث 2386، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 235)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 564)، من طريق سعد بن إسحاق، عن زينب بنت كعب بن عجرة، من فريعة بنت مالك رضي الله عنهما.
قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وأعله ابن حزم في المحلى (10/ 302) بزينب بنت كعب، وزعم أنها مجهولة الحال، وفي (3/ 273، 4/ 138، 10/ 302) بسعد بن إسحاق، وزعم أنه غير مشهور بالعدالة، ومرة أنه غير مشهور الحال. وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 394 - 395) بقوله: الحديث صحيح، فإن سعد بن إسحاق ثقة، وممن وثقه النسائي، وزينب كذلك ثقة، وفي تصحيح الترمذي إياه توثيقها وتوثيق سعد بن إسحاق، ولا يضر الثقة ألا يروي عنه إلا واحد. والله أعلم.
وانظر: نصب الراية (3/ 263 - 264)، والتلخيص الحبير (3/ 239 - 240).
(سواء كان) المنزل (لزوجها، أو) كان (بإجارة، أو عارية إذا تطوَّع الورثة بإسكانها فيه، أو) تطوَّع به (السلطان، أو) تطوَّع به (أجنبي) لعموم ما سبق.
(وإن انتقلت) المعتدَّة (إلى غيره) أي: غير المنزل الذي وجبت فيه
(1)
(لزمها العود إليه) لتقضي عدتها به؛ لما تقدم.
(إلا أن تدعو الضرورة إلى خروجها منه، بأن يحوّلها مالك) المنزل منه (أو تخشى على نفسها من هدم، أو غرق
(2)
، أو عدو، أو غير ذلك، كخروجها لِحقّ) عليها (أو) لكونها (لا تجد ما تكتري به) فتنتقل لأنها حالة عذر (أو لا تجد) ما تكتري به (إلا من مالها) لأن الواجب عليها السُّكنى لا تحصيل المسكن (وفي "المغني" وغيره: أو يطلب منها فوق أُجرته، فتسقط السُّكنى، وتسكن حيث شاءت) لأن الواجب سقط. بخلاف نقل الزكاة؛ لأن القصد نفع الأقرب، ولو اتفق الوارث والمرأة على نقلها لم يجز؛ لأن السكنى هنا حق لله تعالى، بخلاف سكنى النكاح.
(ولا سُكنى لها) أي: المتوفَّى عنها (ولا نفقة في مال الميت، ولا على الورثة إذا لم تكن حاملًا) لأن ذلك يجب للتمكين والاستمتاع وقد فات. ويأتي في النفقات.
(ولهم) أي: الورثة (إخراجها لأذاها) لهم بالسبّ أو غيره وطول لسانها؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
(ولا تخرج) المعتدَّة من مسكن وجبت فيه (ليلًا ولو لحاجة) لما
(1)
في "ح" و"ذ": "وجبت فيه العدة".
(2)
في "ح": "من حرق أو غرق".
روى مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحدَّثْنَ عند إحداكُنَّ، حتى إذا أردتُنَّ النومَ فلْتأتِ كل واحدةٍ إلى بيتها"
(1)
؛ ولأن الليل مظنة الفساد (بل) تخرج ليلًا (لضرورة) كانهدام المنزل.
(ولها) أي: المعتدة (الخروج نهارًا لحوائجها) من بيع وشراء ونحوهما (فقط) فلا تخرج لغير حاجة، وتخرج لحاجتها (ولو وجدت من يقضيها لها) لا لحوائج غيرها.
(وليس لها المبيت في غير بيتها) لخبر مجاهد (فلو تركت الاعتدادَ) وفي نسخ: الإحداد (في المنزل، أو لم تحدّ؛ عصت) لمخالفتها الأوامر (وتمَّت العِدَّة بمضيّ الزمان) كيف كانت، كالصغيرة.
(والأَمَة كالحرة في الإحداد والاعتداد في منزلها) لعموم الخبر (إلا أنَّ سكناها في العِدَّة كسكناها في حياة زوجها، للسيد إمساكها نهارًا) للخدمة (ويُرْسِلها ليلًا) لتبيت بمسكن الزوج (فإنْ أرسلها ليلًا ونهارًا، اعتدت زمانها كله في المنزل) الذي مات زوجها به؛ لإسقاط السيد حقه، فزال المعارض.
(والبدوية كالحضرية) في لزوم الموضع الذي مات زوجها وهي به (فإن انتقلت الحِلَّة
(2)
انتقلت معهم) للضرورة.
(وإن انتقل غيرُ أهلِ المرأة، لزمها المُقام مع أهلها) لعدم الحاجة
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 235)، وعبد الرزاق (7/ 36) رقم 12077، والبيهقي (7/ 436)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 218) حديث 15329.
قال ابن حزم في المحلى (10/ 302): أما حديث مجاهد فمنقطع لا حجة فيه.
وانظر: التلخيص الحبير (3/ 240).
(2)
الحِلَّة: القوم النازلون، وتطلق الحلة على البيوت مجازًا تسمية للمَحلِّ باسم الحالِّ، وهي مئة بيت فما فوقها. المصباح المنير (1/ 148) مادة (حلل).
إلى انتقالها.
(وإن انتقل أهلُها انتقلت معهم) للحاجة (إلا أن يبقى من الحِلَّة من لا تخاف على نفسها معهم، فتُخَيَّر بين الإقامة) لتعتدّ بمحلِّ زوجها (و) بين (الرحيل) معهم.
(وإن هرب أهلُها فخافت) على نفسها (هربت معهم) للحاجة (فإن أمنت، أقامت لقضاء العِدَّة في منزلها) لعدم الحاجة إلى الانتقال.
(وإن مات صاحبُ السفينة، وامرأتُهُ فيها) أي: السفينة (ولها مسكن في البَرِّ، فكمسافرة في البَرِّ) على ما يأتي تفصيله (وإن لم يكن لها مسكن سواها) أي: السفينة (وكان لها فيها بيت يمكنها السُّكنى فيه بحيث لا تجتمع مع الرجال، وأمكنها المُقام فيه) أي: في مسكنها بالسفينة (بحيث تأمن على نفسها، ومعها مَحْرَمها، لزمها أن تعتدَّ به) لأنه كالمنزل الذي مات زوجها وهي به.
(وإن كانت) السفينة (ضيقة، وليس معها مَحْرمٌ، أو لا يمكنها الإقامة فيها إلا بحيث تختلط مع الرجال؛ لزمها الانتقال عنها إلى غيرها) لتعذُّر الإقامة بها عليها.
(وإذا أذن للمرأة زوجُها في النُّقلة من بلد إلى بلد، أو) في النُّقلة (من دار إلى دار، فمات) الزوج (قبل خروجها من الدار أو البلد قبل نقل متاعها من الدار أو بعده، لزمها الاعتداد في الدار) لأنها مقيمةٌ بعد، والاعتداد في منزل الزوج واجب.
(وإن مات) الزوج (بعد انتقالها إلى) الدار (الثانية، اعتدَّتْ فيها) لأنها منزلها التي مات زوجها وهي فيها.
(وكذلك إن مات) الزوج (بعد وصولها إلى البلد الآخر) فإنها تعتدُّ
بها؛ لأنها محلُّ إقامتها.
(وإن مات) الزوج (وهي بين الدَّارين أو البلدين، خُيِّرتْ بينهما) لتساويهما؛ ولأن في وجوب الرجوع مشقة.
(وإن سافر) الزوجُ (بها) أي: بزوجته (لغير النُّقْلة، فمات) الزوج (في الطريق قريبًا، وهي دون مسافة القصر؛ لزمها العود) لأنها في حكم الإقامة.
(وإن كان) بُعْدُها (فوقَها) أي: فوق مسافة القصر (خُيِّرتْ بين البلدين) لتساويهما، وكل موضع يلزمها السفر فهو مشروط بوجود مَحْرَم يُسافر معها؛ للخبر
(1)
.
(وإذا مضت) المعتدَّة (إلى مَقصِدِها، فلها الإقامة حتَّى تقضي ما خرجت إليه، وتنقضي حاجتها من تجارة أو غيرها) دفعًا للحَرَج والمشقَّة.
(وإن كان خروجها لنزهة أو زيارة، ولم يكن) الزوج قبل موته (قدَّر لها مدةً؛ أقامت ثلاثًا) أي: ثلاث ليال بأيامها؛ لأنها مدة الضيافة.
(وإن كان) قبل موته (قدَّر لها مدةً، فلها إقامتُها) استصحابًا للإذن (فإذا مضت مدتُها) التي قَدَّرها لها، أو الثلاث إذا لم يكن قَدَّر لها مدَّة (أو قضت حاجتَها) إذا كان السفر لحاجة (ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره) كعدم مَحْرَم إذا كانت مسافة قصر (أتمتِ العِدَّة في مكانها) للعذر.
(وإن أمكنها الرجوع لكن لا يمكنها الرجوع إلى منزلها حتى تنقضي) العدة؛ لكون السفر يستوعب ما بقي منها (لزمتها الإقامة في مكانها) حتى تنقضي عِدَّتها.
(1)
وهو حديث: "لا تسافر امرأة إلا ذي محرم". وقد تقدم تخريجه (6/ 52) تعليق رقم (3 - 6).
(وإن كانت تصل) إلى منزلها (وقد بقي منها) أي: العِدَّة (شيء؛ لزمها العودُ لتأتي به في مكانها.
وإن أذِنَ لها) زوجُها (في الحج، أو كانت) حجتها (حجةَ الإسلام، فأحرمت به، ثم مات) زوجُها (فخشيت فوات الحج) إن قعدت (مضت في سفرها) لأنهما عبادتان استوتا في الوجوب وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما، كما لو سبقت العِدَّة؛ ولأن الحج آكد؛ لأنه أحدُ أركان الإسلام، والمشقَّة بتفويته تعظم، فوجب تقديمه.
(وإن لم تخشَ) فوات الحج (وهي في بلدها، أو قريبة) منها أي: دون مسافة القصر، و (يمكنها العود؛ أقامت لتقضيَ العدَّة في منزلها) لأنه أمكنها الجمع بين الحقين من غير ضرر بالرجوع، فلم يجز إسقاط أحدهما؛ ولأنها في حكم المقيمة (وإلا) أي: وإن لم تكن في بلدها ولا قريبة منه، أو لم يمكنها العود (مضت في سفرها) لأن في الرجوع عليها حرجًا ومشقة، وهو منتفٍ شرعًا.
(ولو كان عليها حَجَّة الإسلام، فمات) زوجُها (لزمتها العِدَّة في منزلها وإن فاتها الحج) لأن العِدَّة في المنزل تفوت ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به بعدها.
(وإن أحرمت قبل موته أو بعده، وأمكن الجمع بينهما بأن تأتي بالعِدَّة في منزلها وتحج، لزمها العود ولو تباعدت) لأنه أمكنها الجمع بين الواجبين من غير ضرر، وقيَّده في "شرح المنتهى" بما إذا كان قبل مسافة القصر، لكن ما ذكره المصنف ظاهر "المنتهى" وغيره.
(وإن لم يمكن) الجمع (قدَّمتْ مع البُعْدِ الحجَّ) لأنه وجب بالإحرام، وفي منعها من تمام سفرها ضرر عليها بتضييع الزمان والنفقة
ومنع أداء الواجب، فلا يجب الرجوع لذلك (ومع القُرْب) بأن كانت دون مسافة قصر، قَدَّمت (العدَّةَ) لأنها في حكم المقيمة (كما لو لم تكن أحرمت) وتتحلَّل بفوت الحج بعمرة إن أمكنها السفر، وحكمها في القضاء حكم من فاته الحج، وإن لم يمكنها السفر فهي كالمُحْصَر؛ ذكره في "الشرح".
(ومتى كان عليها في الرجوع خوفٌ أو ضرر، فلها المضيُّ في سفرها كالبعيدة) للحرج والمشقَّة (ومتى رجعت وقد بقي عليها شيء منها) أي: العِدَّة (أتت به في منزل زوجها) لأنه الواجب وقد زال المزاحم.
فصل
(وتعتدُّ بائنٌ حيثُ شاءت من بلدها في مكانٍ مأمون)
ولا يجب عليها العِدَّة في منزله؛ لما روت فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها بشيء فسخطته. فقال: والله ما لكِ علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: "ليسَ لكِ عليه نفقةً ولا سُكنى، وأمرها أن تعتدّ عند أمِّ شريكٍ، ثم قال: تلكَ امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعْتدِّي في بيت أمِّ كُلثُومٍ
(1)
" متفق عليه
(2)
. وإنكار عمر
(3)
(1)
كذا في الأصول، والصواب:"ابن أم مكتوم" كما في صحيح مسلم.
(2)
مسلم في الطلاق، حديث 1480، ولم يخرجه البخاري.
(3)
أخرج مسلم في الطلاق، رقم 1480 (46)، عن عمر رضي الله عنه قال:"لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة. . .".
وعائشة
(1)
ذلك يُجاب عنه
(2)
.
والمستحب إقرارها بمسكنها؛ لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ. . .} الآية
(3)
.
(ولا تسافرُ) قبل انقضاء عِدَّتها؛ لما فيه من التبرُّج والتعرُّض للريبة (ولا تبيت إلا في منزلها) أي: المكان المأمون الذي شاءته (وجوبًا) لما تقدم.
(فلو كانت دارُ المطلِّقِ متَّسِعة لهما، وأمكنها السُّكنى في موضع منفرد كالحُجْرة، وعُلْوِ الدار، وبينهما باب مغلَق، وسكن الزوج في الباقي؛ جازَ) لأنه لا محذور فيه (كما لو كانتا حُجرتين متجاورتين.
(وإن لم يكن بينهما بابٌ مغلَقٌ، ولها موضع تستتر فيه بحيث لا يراها) مُبِيْنُها (ومعها مَحْرَمٌ تتحفَّظ به؛ جاز أيضًا) فإن لم يكن معها مَحْرَم؛ لم يجز إذًا.
(ولو غاب من لزمته السُّكنى لها) أي: لزوجته، أو مطلَّقته
(1)
أخرج البخاري في الطلاق، باب 41 - 42، رقم 5323 - 5328، ومسلم في الطلاق، رقم 1481، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما لفاطمة، ألا تتقي الله؛ يعني في قولها: لا سكنى ولا نفقة.
(2)
أما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد أنكر أحمدُ بن حنبل والدارقطني هذا القول عن عمر، قالا: ولكنه قال: لا نُجيز في ديننا قولَ امرأة. وهذا مُجمَع على خلافه، وقد أخذنا بخبر فُريعة وهي امرأة، وبرواية عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام
…
وأما قول عائشة فهو تأويل منها رضي الله عنها، وفاطمة صاحبةُ القصة وهي أعرف بنفسها وبحالها، وقد أنكرتْ على من أنكر عليها، وردتْ على من ردَّ عليها، أو تأوَّله بخلاف ظاهره، فيجب تقديم قولها، لمعرفتها بنفسها، وموافقتها ظاهرَ الخبر. انظر: المغني (11/ 300 - 302)، والعلل للدارقطني (2/ 140)، وفتح الباري (9/ 477 - 481).
(3)
سورة الطلاق، الآية:1.
الرجعيّة، أو البائن الحامل، ونحوها (أو مَنَعَها منها) أي: من السُّكنى الواجبة عليه (اكتراه الحاكم من ماله) إن وجدَ له مالًا (أو اقترض عليه) ما تسكن به إن لم يجد له مالًا؛ لقيامه مقام الغائب والممتنع (أو فرض) الحاكم (أجرته) أي: أجرة ما وجب على الغائب من المسكن لتأخذ منه - إذا حضر - نظير ما فرضه.
(وإنِ اكترته) أي: اكترت - من وجبت لها السُّكنى - مسكنًا (بإذنه) أي: إذن من وجبت عليه (أو) بـ (بإذن حاكم، أو) اكترته (بدونهما؛ للعجز عن إذنه) أي: إذن أحدهما (رجعت) عليه بنظير ما اكترت به، كما لو قام بذلك أجنبي بنية الرجوع (ومع القدرة) على استئذان الحاكم (إن نوت الرجوعَ رجعتْ) كمن قام عن غيره بواجب.
(ولو سكنتْ مِلْكَها) مع غيبة من وجبت عليه السُّكنى، أو امتناعه (فلها أجرته) لأنه يجب عليه إسكانها، فوجبت عليه أجرته.
(ولو سكنته) مع حضوره وسكوته (أو اكترت مع حضوره وسكوته؛ فلا أُجرة لها) لأنه ليس بممتنع ولا غائب ولا آذِنٍ، كما لو أنفق على نفسه من لزمت غيره نفقته في مثل هذه الحالة.
(و
ليس له الخلوة مع امرأته البائن)
لأنها أجنبية منه (إلا) إذا خلا بالبائن (مع زوجته، أو أَمَته، أو مَحْرَم أحدهما) أي: المُبِين أو المبانة كأن خلا بها مع أُمه أو أُمها.
(وإن أراد) المُبِين (إسكانَ البائن في منزله أو غيره مما يصلح لها، تحصينًا لفراشه، ولا محذور فيه؛ لزمها ذلك) لأن الحق له فيه، وضرره عليه، فكان إلى اختياره، كسائر الحقوق (ولو لم تلزمه نفقة، كمعتدَّة
(1)
(1)
في "ح": "ولم يلزمه نفقة لمعتدة".
لشُبْهة، أو نكاح فاسد، أو مُستبرَأة بعتقٍ) فيلزمهن السُّكنى إذا طلبها الواطئ والسيد، مع أنه لا يلزمهما إسكانهن.
(وحكم الرجعية في العِدَّة حكم المتوفَّى عنها في لزوم المنزل) لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}
(1)
وسواء أذِنَ لها الزوجُ في الخروج أو لم يأذن؛ لأن ذلك من حقوق العِدَّة، وهي حَقٌّ لله تعالى، فلا يملك الزوج إسقاط شيء من حقوقها، كما لا يملك إسقاطها.
(1)
سورة الطلاق، الآية:1.
باب الاستبراء
بالمدِّ: طلب براءة الرحم، كالاستعطاء طلب الإعطاء، وخُصَّ بالأَمَة للعِلم ببراءة رحمها من الحمل، والحرة وإن شاركت الأمة في ذلك، فهي مفارِقة لها في التكرار، فلذلك يُستعمل فيها لفظ العِدَّة.
(وهو) تربُّص فيه (قصدُ عِلْمِ براءةِ رحمِ مِلْكِ يمينٍ) من قِنٍّ، ومُكاتَبة، وأم ولد، ومدبَّرة (حدوثًا) أي: عند حدوث الملك بشراء، أو هبة، أو إرث، أو وصية، أو نحوها (أو زوالًا) أي: عند إرادة زوال الملك ببيع، أو هبة، أو عتق، أو زوال استمتاعه، كما لو أراد تزويجها. وقوله:(من حمل غالبًا) متعلِّق بـ: براءة، وعلم منه أنه قد يكون تعبّدًا (بأحد ما يُستبرَأ به) من وضع الحمل، أو حيضة، أو شهر، أو عشرة، وتأتي مفصَّلة آخر الباب.
و
يجب الاستبراء في ثلاثة مواضع:
أحدها: (إذا ملك - ولو طفلًا - أَمَة ببيع، أو هبة، أو إرث، أو سبي، أو وصية، أو غنيمة، أو غير ذلك) بأن أخذها عوضًا في إجارة، أو جعالة، أو خلع، أو صلح (لم يحلّ له وطؤها، ولا الاستمتاع بها بقُبْلة، و) لا بـ (ــنظر لشهوة، ولا بما دون فَرْجٍ، بكرًا كانت أو ثيبًا، صغيرة يوطأ مثلها أو كبيرة، ممن تحمل أو ممن لا تحمل؛ حتى يستبرئها) لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُوطَأ حاملٌ حتى تضعَ، ولا غيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حتّى تحيضَ" رواه أحمد وأبو داود والبيهقي
(1)
بإسناد جيد، وفيه:
(1)
تقدم تخريجه (1/ 479) تعليق رقم (4).
شَرِيك القاضي.
وعن رويفع بن ثابت مرفوعًا: "منْ كان يؤمنُ بالله واليوم الآخرِ، فلا يسقي ماءَه ولدَ غيْرِه" رواه أحمد والترمذي وأبو داود
(1)
وإسناده حسن؛ قاله في "المبدع". وقال أحمد
(2)
: بلغني أن العذراء تحمل. ولأن عدمه يُفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب.
(وسواءٌ مَلَكها من صغير أو كبير، أو رجل أو امرأة، أو مجبوب، أو) كان مَلَكها (عن رجل قد استبرأها) البيع (ثم لم يطأها) فليس للمشتري وطؤها حتى يستبرئها؛ لعموم ما سبق؛ ولأن الحكم منوط بالمظنة؛ ولأنه يجب للملك المتجدد، وذلك موجود في كل واحد منها؛ ولأنه يجوز أن تكون حاملًا من غير البائع، فوجب استبراؤها كالمسبيّة من امرأة.
(وإن اشترى غيرَ مزوَّجةٍ فأعتقها قبل استبرائها، لم يصح تزوّجه بها قبلَه) أي: قبل الاستبراء؛ لأن النكاح يُراد للوطء، وهو حرام، ويُروى أن الرشيد اشترى جارية، فأفتاه أبو يوسف أن يعتقها ويزوَّجها ويطأها
(3)
. قال الإمام أحمد: ما أعظمَ هذا، أبطلوا الكتابَ والسنَّة، فإن كانتْ حاملًا كيفَ يصنعُ؟ وهذا لا يدري أهيَ حاملٌ أمْ لا، ما أسْمَجَ هذا
(4)
!
(ولغيره) أي: غير المشتري (نكاحُها قبل الاستبراء مع الرِّقِّ والعِتق إن كان البائع ما وطئ، أو وطئ ثم استبرأ) لأنها ليست فراشًا، فلم تتوقف من ذلك، والفرق بين المشتري وغيره أن المشتري لا يحل له
(1)
تقدم تخريجه (11/ 346) تعليق رقم (3).
(2)
مسائل حرب ص 224.
(3)
أخرج هذه القصة الخطيب البغدادي في تاريخه (14/ 249 - 251).
(4)
انظر: المغني (11/ 272)، والمبدع (8/ 150).
وطؤها بملك اليمين، فكذا النكاح؛ لأنه يُتَّخذ حيلة لإبطال الاستبراء، والحِيَل كلها خداع باطلة.
(ولا يجب استبراء الصغيرة التي لا يُوطأ مِثلُها) لأن سبب الإباحة متحقِّقٌ، وليس على تحريمها دليل، فإنه لا نصَّ فيه، ولا هو في معنى المنصوص، ولا يُراد لبراءة الرحم، ولا يوجد الشغل في حقها.
(ولا) يجب الاستبراء (بملكِ أنثى من أنثى) لأن المرأة لا استبراء عليها بتجدُّد ملكها.
(وإن اشترى زوجته) حلت بغير استبراء؛ لأنها فراشه (أو عَجَزتْ مكاتبتُه) وعادت للرق؛ حلت بغير استبراء؛ لأنه لم يَزُل ملكه.
(أو فكَّ أَمَته من الرهن) حلت بغير استبراء بلا خلاف.
(أو أسلمت أَمَته المجوسية، أو المرتدَّة، أو الوثنية التي حاضت عنده، أو كان هو المرتدَّ فأسلم) حلت بغير استبراء؛ لأن الملك لم يتجدَّد بالإسلام، ولا أصاب واحدةً منهن وطءُ غيرِه، فلم يلزمه استبراء، أشبه ما لو أحلت المُحْرِمة من إمائه.
(أو اشترى مكاتَبُهُ ذواتِ محارِمه
(1)
) أي: المكاتب (فحِضْنَ عنده، ثم عَجَز) المكاتَب، حللن للسيد بغير استبراء؛ لأنه يصير حكمهن حكم المُكاتَب؛ إن رقَّ رققن وإن عَتَق عتقن، و"المُكاتَب عبدٌ ما بقي عليه درهم"
(2)
.
(أو زوَّج السيدُ أَمَتَه، ثم طُلِّقتْ قبل الدخول) حَلَّت للسيد بغير استبراء؛ لأنه لم يتجدَّد له ملك ولم يصبها الزوج.
(1)
في "ذ": "من ذوات محارمه".
(2)
تقدم تخريجه (10/ 520) تعليق رقم (1).
(أو اشترى عبدُه التاجرُ أمةً فاستبرأها) العبد (ثم أخذها سيده، حَلَّت) لسيده (بغير استبراء) لأن ملكه ثابت على ما في يد عبده.
(لكن يُستحبُّ) الاستبراء (فيـ) ــما إذا ملك (الزوجةَ؛ ليعلم هل حملت في زمن الملك أو غيره) وهو النكاح، وإذا تبيَّن حملُها فله وطؤها؛ لزوال الاشتباه، ومتى ولدت لستة أشهر فأكثر من ملك؛ فأمُّ ولدٍ؛ ولو أنكر الولدَ بعد أن يقِرَّ بوطئها.
(وإن كان ما اشتراه المكاتَب غير ذوات محارِمه أن حاضت عنده) أي: المكاتَب (وأخذها السيد لعجزه؛ لزمه الاستبراء) لأنه ليس للسيد ملك على ما في يد مكاتبه؛ ولأنه تجدَّد له ملك.
(وإن وطئ المشتري الجاريةَ) التي يلزمه استبراؤها (وهي حاملٌ حَمْلًا كان موجودًا حين البيع من غير البائع، انقضى استبراؤها بوضعه) كما لو لم يطأها، وإن كان الحمل من البائع، فالبيع باطل؛ لأنها أُمُّ ولدٍ.
(قال) الإمام (أحمد
(1)
: ولا يُلْحَق) الولد (بالمشتري، ولا يبيعه، ولكن يعتقه؛ لأنه قد شَرِك فيه؛ لأن الماء يزيد في الولد. انتهى.
ويحرم وطء مستبرأةٍ) من غيره (زمن استبرائها) لما تقدم (فإن فعل) أي: وطئ المستبرأةَ (لم ينقطع) الاستبراءُ (به) أي: بالوطء؛ لأنه حَقٌّ عليه، فلا يسقط بعدوانه (وتبني على ما مضى) من الاستبراء.
(فإن حملت قبل الحيضة؛ استبرأتْ بوضعه) لأنها ذات حَمْلٍ.
(وإن أحبلها فيها وقد مَلَكَها حائضًا؛ فكذلك) أي: استبرأت بوضعه؛ لأن الحيضة التي ملكها فيها لا يحتسب لها بها.
(و) إن أحبلها (في حيضة ابتدأتها عنده؛ تحِلُّ في الحال؛ لجعل ما
(1)
مسائل صالح (3/ 196) رقم 1640.
مضى) من الدم قبل الحمل (حيضة) فيحصُل بها الاستبراء.
(وإن وُجِدَ استبراء مشترٍ ونحوِه) كمُتَّهِب (في يد بائع ونحوه) كواهب بأن باعها أو وهبها، ثم حاضت في يده قبل تسليمها (أو) حاضت في (يد وكيله) أي: وكيل المشتري ونحوه (بعد الشراء) ونحوه (وقبل القبض؛ أجزأ) الاستبراء؛ لأن الملك انتقل إليه قبل القبض، فقد حصل الاستبراء في ملكه.
(و
لا يكون استبراء إلا بعد ملك المشتري لجميع الأَمَة،
فلو ملك بعضها، ثم ملك باقيها؛ لم يُحْتَسَب الاستبراءُ إلا من حينَ مَلَكَ باقيَها) لأنه وقت حصولها كلها في ملكه.
(وإن باع أَمته أو وَهَبها ونحوَه) بأن صالح بها، أو أصدقها، أو خالع عليها (ثم عادت إليه بفسخ) لخيار، أو عيب، أو إقالة (أو غيره) أي: غير الفسخ، كما لو عادت إليه ببيع أو هبة ونحوها (حيث انتقل الملك؛ وجب استبراؤها ولو قبل القبض) لأنه تجديد ملك، سواء كان المشتري لها ونحوه رجلًا أو امرأة (إن افترقا) أي: البائع والمشتري أو نحوهما (وإلا) أي: وإن لم يفترقا (فلا يجب) الاستبراء
(1)
(وتقدّم في الإقالة
(2)
) وهذا وجه، وتقدَّم هناك ما فيه. وقال في "شرح المنتهى": ولو قبل تفرّقهما عن المجلس على الأصح، يعني يجب الاستبراء.
(ويكفي استبراءٌ زَمَنَ خيارٍ لمشترٍ) لانتقال الملك إليه بمجرَّد البيع.
(وإن اشترى أَمَةً مزوَّجةً، فطلَّقها الزوجُ قبل الدخول؛ وجب
(1)
في "ح" و"ذ" زيادة: "لأنه لا فائدة فيه مع يقين البراءة".
(2)
(7/ 508).
استبراؤها) نصَّ عليه
(1)
. وقال: هذه حيلة وضعها أهل الرأي، لا بُدَّ من استبرائها؛ لأنه تجديد ملك، وكما لو لم تكن زوجة؛ ولأن إسقاطه هنا ذريعة إلى إسقاطه في حَقِّ من أراد إسقاطه، بأن يزوّجها عند بيعها، ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع، والحِيَلُ حرامٌ، وكذا لو اشترى مطلَّقة قبل الدخول.
(وإن طلَّقها) أي: الأمة (بعده) أي: بعد الدخول (أو مات) زوجها قبل الدخول أو بعده (أو ملكها) المشتري ونحوه (معتدةً) من وفاة، أو طلاق أو غيرهما (أو زوّج أَمَته ثم بعد الدخول، أو أُعتِقتْ في العِدَّة؛ لم يجب استبراءٌ اكتفاءً بالعِدَّة) لأن براءتها تعلم بها.
(وإن كانت الأَمَة لرجُلين، فوطِئاها، ثم باعاها لرجل آخر؛ أجزأه استبراءٌ واحد) لأنه تُعلم به براءة رحمها (وإن أعتقاها؛ لزمها استبراءان) لأن الاستبراء هنا كالعِدَّة، يتعدَّد بتعدُّد الواطئ بشُبهة، والوطء قد وُجِد من اثنين، بخلاف مسألة المشتري، فإنه معلَّلٌ بتجديد الملك، والملك واحد.
فصل
الموضع الثاني من المواضع التي يجب فيها الاستبراء ما أشار إليه بقوله: (وإن وَطِئ أَمَته، ثم أراد تزويجَها أو بيعَها؛ لم يَجُز) له ذلك (حتى يستبرِئها) أما إذا أراد تزويجَها؛ فلأنّ الزوج لا يلزمه استبراء، فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وأما إذا أراد بيعَها؛ فلأن
(1)
مسائل أبي داود ص/ 168.
عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيعَ جاريةٍ له كان يطؤها قبل استبرائها
(1)
؛ ولأنه يجب على المشتري لحفظ مائه، فكذلك البائع.
(فلو خالف وفعل) بأن زوَّجها، أو باعها قبل استبرائها (صح البيعُ) لأن الأصل عدم الحمل (دون النكاح) فلا يصح قبل الاستبراء كالمعتدَّة، والفرق بين البيع والنكاح: أن النكاح لا يُراد إلا للاستمتاع، فلا يجوز إلا في من تحلّ له، ولهذا لا يصح تزويج معتدَّة ولا مرتدّة ونحوها، والبيع يُراد لغير ذلك، فصح قبل الاستبراء، ولهذا صَحَّ في هذه المُحَرَّمات، ووجب الاستبراء على المشتري.
(وإن لم يطأ) البائعُ الأمةَ، لم يلزمه استبراؤها إذا أراد بيعَها أو نكاحَها؛ لعدم موجبه.
(أو كانت آيسةً، لم يلزمه استبراؤها إذا أراد بيعَها) عند الموفَّق والشارح، قال في "المبدع": الأولى أنه لا يجب في الآيسة؛ لأن عِلَّة الوجوب احتمال الحمل، وهو بعيد، والأصل عدمه. انتهى. لكن أكثر الأصحاب لم يُفَرِّقوا بين الآيسةِ وغيرها (لكن يُستحبُّ) استبراء الآيسة على القول بعدم وجوبه، خروجًا من الخلاف.
(و
إذا اشترى جارية، فظهر بها حملٌ، لم تَخْلُ من خمسة أحوال:
أحدها: أن يكون البائع أقرَّ بوطئها عند البيع أو قبلَه، وأتتْ بولدٍ لدون ستة أشهر، أو يكون البائع ادَّعاه) أي: الولد (وصَدَّقه المشتري، فهو) أي: الولد (ابن للبائع، وتصيرُ أمَّ ولدٍ له، والبيعُ باطلٌ) لأنها أمُّ ولد.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 228، 378 - 379)، والبيهقي (10/ 263)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 368) رقم 20325.
(الثاني: أن يكون أحدهما) أي: البائع أو المشترى (استبرأ) الجارية (ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من حينَ وطئها المشتري، فالولد له) أي: لاحِقٌ بالمشتري (والجارية أمُّ ولدٍ له) أي: للمشتري؛ للحوق الحمل به.
(الثالث: أتت به لأكثرَ من ستَّة أشهرٍ بعد استبراءِ أحدِهما لها، ولأقلَّ من ستةِ أشهرٍ منذ وطئها المشتري، فلا يلحق) الولدُ (بواحد منهما، ويكون) الولد (ملكًا للمشتري، ولا يملك فسخَ البيع) لأن الحمل تجدَّد في ملكه ظاهرًا.
(فإن ادَّعاه) أي: الولد (كلُّ واحد منهما) أنه ولده (فهو للمشتري) حيث أتت به لستة أشهر فأكثر منذ وطئ، عملًا بالظاهر؛ لأنها فراشه.
(وإن ادّعاه البائع وحدَه، فصدَّقه المشتري) أن الولد له (لَحِقه) نسبُه؛ لأن الحق لا يعدوهما، وقد تصادقا عليه (وكان البيع باطلًا) لأنها أُمّ ولد.
(وإن أكذَبَهُ) المشتري في دعواه الولد (فالقولُ قولُ المشتري في ملك الولد) عملًا بظاهر اليد.
(الرابع: أن تأتي به بعد ستةِ أشهرٍ منذُ وطئها المشتري وقبل استبرائها، فنسبُهُ لاحقٌ به) أي: بالمشتري؛ لأنها فراشه.
(فإن ادَّعاه البائعُ، فأقرَّ له المشتري؛ لَحِقه) لتصادقهما عليه (وبَطَل البيع) لكونها أُمّ ولدٍ (وإن أكذبه) المشتري (فالقول قول المشتري) لكونها فراشًا له.
(وإن ادَّعى كلُّ واحد منهما أنه من الآخر) بأن قال المشتري: هو للبائع، وقال البائع: هو للمشتري (عُرِض على القافة، فأُلحِقَ بمَن
ألحقوه به منهما، وإن ألحقوه بهما؛ لَحِق بهما) كما تقدم في اللقيط
(1)
(وينبغي أن يَبْطُلَ البيعُ) لأنها أمّ ولدٍ للبائع (وتكون الجارية أمَّ ولد للبائع) لأن علوقها كان قبل البيع.
(الخامس: أتت به لأقلَّ من ستةِ أشهرٍ منذ باعها، ولم يكن) البائع (أقرَّ بوطئها؛ فالبيع صحيح) في الظاهر؛ لعدم لحوق الولد بالبائع (والولد مملوك للمشتري، فإن ادَّعاه البائع، فالحكم كما ذكرنا في الثالث.
و) الموضع الثالث من المواضع التي يجب فيها الاستبراء (إذا أعتق أُمّ ولده، أو) أعتق (أَمَته التي كان يصيبها قبل استبرائها، أو مات عنها؛ لزمها استبراءُ نفسِها) لأنها موطوءة وطئًا له حُرمة، فلزمها استعلام براءة رحمها، كالموطوءة بشُبهة.
(لكن لو أراد أن يتزوَّجها) أي: معتوقته، فلا استبراء؛ لأنها فراشه.
(أو استبرأ) ها (بعد وطئه، ثم أعتقها، أو باعها، فأعتقها مُشترٍ قبل وطئِها) فلا استبراء اكتفاء بالاستبراء قبل البيع.
(أو كانت) أُمّ الولد أو السُّرِّيَّة (مزوّجة أو معتدَّة، أو) كانت (فرغت عِدَّتها من زوجها، فأعتقها) سيدُها؛ فلا استبراء؛ لأنها ليست فراشًا لسيدها؛ فلا يجب عليها الاستبراء له.
(أو أراد) مشتري أمةٍ - استبرأها بائعها قبل بيعها، أو كان لا يطؤها - (تزويجَها) من غيره (قبل وطئه؛ فلا استبراء) للعلم ببراءة رحمها بالاستبراء السابق للبيع.
(1)
(9/ 546 - 547).
(وإن أبانها) أي: طَلَّق الأمةَ زوجُها طلاقًا بائنًا (قبل الدخول أو بعده، أو مات) زوجها (فاعتدت، ثم مات سيدها؛ فلا استبراء) عليها (إن لم يطأ) ها سيدها؛ لزوال فراش السيد بتزويجه لها، كمن لم يطأها أصلًا.
(وإن باع) أمةً (ولم يستبرئـ) ــها (فأعتقها المشتري قبل وطء واستبراءٍ؛ استَبْرأتْ) إن أعتقها عقب الشَرْيِ (أو تمَّمتْ ما وُجِد عند مشتر) من استبراء إن عَتَقت في أثنائه؛ لتعلم براءة رَحِمها.
(وإذا زوّج) سيدٌ (أُمَّ وَلَدِه، ثم مات؛ عَتَقتْ) بموته (ولم يلزمها استبراءٌ) لأنها ليست فراشًا للسيد (وإن بانت) أُمّ الولد، أو السُّرِّيّة (من الزوج قبل الدخول بطلاق، أو موت زوجها، أو) بانت (بطلاقه بعد الدخول، فأتمت عِدَّتها، ثم مات سيدها، فعليها الاستبراء) لأنها عادت إلى فراشه، وقال أبو بكر: لا يلزمها استبراء؛ إلا أن يَرُدَّها السيد إلى نفسه.
(وإن مات زوجُها) أي: أُمّ الولد (وسيِّدُها، ولم يُعْلَمِ السابقُ منهما) موتًا، أو عُلِم ثم نُسي (و) كان (بين موتهما أقلُّ من شهرين وخمسةِ أيام؛ لزمها بعد موت الآخِرِ منهما عدةُ الحرةِ من الوفاة فقط) لأن السيد إن كان مات أولًا، فقد مات وهي زوجة، وإن كان مات آخرًا، فقد مات وهي معتدَّة، ولا استبراء عليها على التقديرين، وقول المصنف:"بعد موت الآخِرِ" معناه: أن عِدَّة الوفاة يجب أن يكون ابتداؤها بعد موت الآخِرِ موتًا؛ لأنها لا تعلم خروجها من عُهدة العدة بيقين إلا بذلك؛ لاحتمال أن الزوج هو الذي مات آخرًا.
(وإن كان بينهما) أي: بين موت الزوج والسيد (أكثرُ من ذلك)
أي: من شهرين وخمسة أيام (أو جُهِلَتِ المدَّةُ) التي بين موتهما (لزمها بعد موت الآخِرِ منهما الأطولُ من عِدَّة الحرةِ لِوَفَاةٍ أو استبراء) لأنه يحتمل أن الزوج مات آخرًا، فعليها عِدَّة الحرة، ويحتمل أن السيد مات آخرًا، فعليها الاستبراء بحيضة، فوجب الجمع بينهما؛ ليسقط الفرض بيقين. قال ابن عبد البر
(1)
: على هذا جميع القائلين بأن عِدَّة أُمِّ الولدِ من سيدها حيضة، ومن زوجها شهران وخمسة أيام. انتهى. وهذا واضح على قول الموفَّق ومتابعيه
(2)
. أما على القول بأنه إذا مات سيدها ولو بعد العدة قبل الوطء لا استبراء؛ فلا، كما نَبَّهتُ عليه في "حاشية المنتهى"
(3)
(ولا تَرِثُ الزوجَ) لأنه الأصل، فلا ترث مع الشك، والعدة وجبت استظهارًا لا ضرر فيه على غيرها، بخلاف الإرث.
(وإن ادَّعت أَمَةٌ موروثةٌ تحريمَها على وارث بوَطءِ مورّثه
(4)
) كأبيه وابنه (أو) ادعت (مشتراةٌ أن لها زوجًا؛ صُدِّقت) لأن ذلك لا يُعرف إلا من جهتها.
(وإن أعتق أمَّ ولدِه، أو) أعتق (أمةً كان يُصيبها ممن تحِلُّ له إصابتُها، فله أن يتزوَّجَها في الحال من غير استبراءٍ) لأنها فراشه، كإعادة بائن بغير ثلاث في عدتها.
(1)
التمهيد (20/ 34).
(2)
"وهو أن تجدد الفراش كتجدد الملك في إيجاب الاستبراء وهو خلاف الصحيح" اهـ. عثمان [النجدي في حاشيته على المنتهى (4/ 422 - 423)]. ش.
(3)
"قال في حاشية المنتهى: لكن قد تقدم أنه إذا مات سيدها بعد انقضاء عدتها لا استبراء إن لم يطأ، لأنها ليست فراشًا له، فيحمل ما هنا على ما إذا شك في وطئه، أما إذا تحققت عدم وطئه فلا. انتهى بحروفه". ش.
(4)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 27): "موروثه".
(و
إن اشترك رجلان في وطء أَمَةٍ؛ لزمها استبراءان)
إن لم تكن مزوّجة؛ لأن الاستبراء منهما حقان مقصودان لآدميين، فلم يدخل أحدهما في الآخر، كالعِدّتين، والمزوّجة تعتدُّ كما تقدم
(1)
، ومقتضى كلامه كـ "المقنع" و"المبدع" و"التنقيح": لا فرق في ذلك بين وطء الشُّبهة والزنى، وعلى كلامه في "المنتهى": يكفي في الزنى استبراء واحد.
فصل
(ويحصُل استبراءُ حاملٍ بوضع الحمل كلِّه) للآية والخبر والمعنى (وبحيضةٍ) إن لم تكن حاملًا (لا ببَقِيَّتِها) إذا ملكها حائضًا (لمن تحيض) ولو كانت تبطئ حيضتها أكثر من شهر؛ لما في لفظٍ من ألفاظ الخبر: "حتى تستبرأ بحيضة"
(2)
(وبمضيِّ شهر لآيسةٍ وصغيرةٍ وبالغٍ لم تَحِضْ) لأن الشهر أُقِيم مقامَ الحيضة في عِدّة الحرة والأمة.
(وتُصَدَّقُ في الحيض) فإذا قالت: حضت؛ جاز له وطؤها (فلو أنكرته) أي: الحيض (فقال) السيد: (أخبَرَتْني به) أي: الحيض (صُدِّق) عليها؛ لأنه الظاهر.
(وإن ارتفع حيضُها لا تدري ما رفعه؛ فبعشرة أشهر، تسعة
(1)
(13/ 65 - 66).
(2)
جزء من حديث رويفع بن ثابت المتقدم تخريجه (11/ 346) تعليق رقم (3)، وهذا الجزء من الحديث أخرجه أبو داود في النكاح، باب 45، حديث 2159، والبيهقي (7/ 449)، وقال أبو داود: الحيضة ليست بمحفوظة. قال البيهقي: يعني في حديث رويفع. وانظر: التلخيص الحبير (1/ 172).
للحمل، وشهر للاستبراء) بدل الحيضة.
(وإن عرفت) من ارتفع حيضها (ما رَفَعَه، انتظرتْه حتى يجيءَ فتستبرئَ به، أو تصيرَ من الآيسات فتستبرئَ استبراءَهُنَّ) بشهر على ما تقدم
(1)
في المعتدة
(2)
، فإن ارتابت المستبرأة بنفسها، فهي كالحرة إذا ارتابت في العدة أو بعدها، على ما تقدم
(1)
في العِدد
(2)
.
(1)
(13/ 28 - 29).
(2)
في "ذ": "العدة".
كتاب الرضاع
كتاب الرضاع
بفتح الراء وكسرها (وهو) مصدر رَضَع الثدي، إذا مَصَّه - بفتح الضاد وكسرها - قال ابن الأعرابي: الكسر أفصح. وله سبع مصادر. وقال المُطَرِّزي
(1)
في "شرحه": امرأة مرضع إذا كانت تُرضِع ولدها ساعة بعد ساعة، وامرأة مرضِعة إذا كان ثديها في فيْ ولدها. قال ثعلب: ويدلُّ عليه قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}
(2)
وقيل: المرضعة الأم، والمرضع: التي معها صبي تُرْضِعه؛ والولد: رضيع وراضع
(3)
.
و (شرعًا: مصُّ لبن) أي: مصُّ من له دون حولين لبنًا (أو شربُه ونحوه) كالسَّعُوط والوَجُور
(4)
وأكله بعد أن جُبِّن (ثاب) أي: اجتمع (من حمْل، من ثدي امرأة) متعلق بـ "مص" وتأتي مفاهيم ذلك.
(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)
قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين أريد على ابنة حمزة، فقال: "إنّها لا تَحِلُّ لي، إنّها لابْنَةُ أخي مِن الرَّضاعة،
(1)
هو أبو عمر، محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المعروف بالمطرز، ويقال: المطرِّزي، الباوَرْدي الزاهد، غلام ثعلب، أحد أئمة اللغة المشاهير المكثرين، توفي سنة (345 هـ) رحمه الله تعالى، من كتبه: كتاب فائت الفصيح، والياقوتة في غريب القرآن، وهما مطبوعان، وشرحه المشار إليه هو:"شرح فصيح ثعلب" ولم يطبع. انظر: وفيات الأعيان (4/ 329)، وخزانة الأدب (8/ 236).
(2)
سورة الحج، الآية:2.
(3)
انظر: المبدع (8/ 160)، والمطلع ص/ 350.
(4)
سيأتي تعريف المصنف للسعوط والوجور (13/ 87).
ويَحْرُمُ مِن الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِن النَّسَبِ" متفق عليه من حديث ابن عباس
(1)
. وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرَّضَاعُ يُحَرِّمُ مَا يحرم مِنَ الولادَةِ" متفق عليه
(2)
.
(ولا يثبت) بالرضاع (بقية أحكام النسب، من النفقة، والإرث، والعتق) إذا ملك رحمه المُحَرَّم بالرضاع (وردِّ الشهادة) لأصله وفرعه من الرضاع (وغيرِ ذلك) كالعقل، وولاية النكاح، والمال (لأن النسب أقوى) من الرضاع، فلا يساويه إلا فيما ورد النصُّ به، وهو التحريم وما يتفرَّع عليه من المحرمية والخلوة.
(وإذا حملت امرأةٌ من رَجُلٍ يثبتُ نَسَبُ وَلَدِها منه) بأن تكون زوجتَه أو أَمَته أو موطوءته بشُبْهةٍ - والجملة صفة لـ "رجل" - (فثاب لها لبن) عطف على "حملت"، وكذا (فأرضعت به - ولو مُكرَهة - طفلًا رَضاعًا مُحرِّمًا) بأن يكون خمسَ رضعات في الحولين - ويأتي - (صار) الطفل (ولدًا لهما) أي: للرجل والمرأة - والجملة جواب الشرط، وهو "إذا" - (في تحريم النكاح) لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
(3)
؛ وللخبر السابق (و) في (إباحة النظر، و) إباحة (الخلوة، و) في (ثبوت المحرمية) لأن ذلك فرع على
(4)
التحريم بسبب مباح.
(1)
البخاري في الشهادات، باب 7، حديث 2645، وفي النكاح، باب 20، حديث 5100، ومسلم في الرضاع، حديث 1447.
(2)
البخاري في الشهادات، باب 7، حديث 2646، وفي الخمس، باب 4، حديث 3105، وفي النكاح، باب 20، حديث 5099، ومسلم في الرضاع، حديث 1444.
(3)
سورة النساء، الآية:23.
(4)
في "ذ": "عن".
(و) صار (أولادُه) أي: الطفل (من البنين والبنات وإن سَفَلوا، أولادَ ولدِهما) لأنهم أولاد الطفل، وهو ولدهما.
(وصارا) أي: المرضعة وصاحبُ اللبن (أبويه) لأنه ولدهما (وآباؤهما أجداده وجداته) لأنه ولد ولدِهما (وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته) لأنه ولد أختهم (وإخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته) لأنه ولد أخيهم.
(وجميعُ أولاد المرضِعَة الذين ارتضَع معهم) الطفل (والحادِثين قبلَه و) الحادثين (بعدَه من زوجِها ومن غيرِه، وجميعُ أولادِ الرجل الذي انتسب الحمل إليه من المرضعة ومن غيرها إخوَةَ المرتَضِع وأخواتِه، وأولادُ أولادِهما أولادَ إخوته وأخواتِه وإن نزلت درجتهم) كالنسب.
وفي "الروضة": لا بأس بتزويجه أخواته الحادثات قبله. قال ابن نصر الله: وهذا خلاف الإجماع، قال في "الإنصاف": ولم نَرَه لغيره، ولعله سهو. انتهى.
وإنما ثبتت
(1)
أبوَّةُ الواطئ للطفل وفروعها، إذا كان يلحقه نسب الحمل؛ لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من مائه وماء المرأة، فنشر التحريم إليهما. ونشر الحُرمة إلى الرجل وأقاربه، وهو الذي يُسَمَّى "لبنَ الفحل" لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة - لما سألته عن أفلح حين قال لها: أتَحْتَجِبينَ مِنِّي وأنا عَمُّكِ! فَقَالَتْ: كَيْفَ ذَلكَ؟ فقال: أرْضَعَتْكِ امْرأةُ أخي بلبن أخي - فقال: "صَدَقَ أفْلَحُ ائْذني لَه" متفق عليه
(2)
. ولفظه للبخاري.
(1)
في "ذ": "تثبت".
(2)
البخاري في الشهادات، باب 7، حديث 2644، وفي التفسير، باب 9، حديث 4796، وفي النكاح، باب 22، 117، حديث 5103، 5239، وفي الأدب، باب 93، حديث 6156، ومسلم في الرضاع، حديث 1445، عن عائشة رضي الله عنها.
وسُئل ابن عباس عن رجل له جاريتان، فأرضعت إحداهما جارية والأخرى غلامًا: أيحل للغلام أن يتزوج الجارية؟ فقال: "لا، اللَّقاحُ وَاحِدٌ" رواه مالك والترمذي
(1)
، وقال: هذا تفسير "لبن الفحل".
(وتُنْشَر حرمة الرَّضاع من المرتَضِع إلى أولاده، وأولادِ أولادِه وإن سَفَلوا، فيصيرون أولادًا لهما) لأن الرَّضاع كالنسب، والتحريم في النسب يشمل ولد الولد وإن سَفَل، فكذا الرضاع.
(ولا تنشر الحُرمة إلى من في درجته) أي: المرتضع (من إخوته وأخواته) لأنها لا تنتشر في النسب، فكذا في الرضاع.
(ولا) تنتشر - أيضًا - (إلى من هو أعلى منه) أي: المرتضع (من آبائه، وأمهاته، وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته) لأنَّ الحُرمة إذا لم تنتشر إلى مَن هو في الدرجة، فلئلا تنتشر إلى من هو أعلى منه بطريق الأولى.
(فتحِلُّ مُرضِعَة لأبي مُرتَضِع و) لـ (ــأخيه و) لـ (ــعمه و) لـ (ــخاله من نسب).
ويحِلُّ لأبيه) أي: المرتضع (من نسب أن يتزوَّج أخته من الرضاعة) لأنه لا رَضاع بينهما ولا نسب.
(وتحِلّ أمُّ مرتضع وأختُه، وعمَّتُه، وخالتُه من النسب لأبيه وأخيه
(1)
مالك في الموطأ (2/ 602)، والترمذي في الرضاع، باب 2، حديث 1149. وأخرجه - أيضًا - الشافعي في الأم (5/ 24)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 24)، وعبد الرزاق (7/ 473) رقم 13942، وسعيد بن منصور (1/ 234) رقم 966، وابن أبي شيبة (4/ 347)، والدارقطني (4/ 178)، والبيهقي (7/ 453)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 249) رقم 15421.
من رضاع) قال أحمد
(1)
: لا بأس أن يتزوَّج الرجل أخت أخيه من الرضاع، ليس بينهما رضاع ولا نسب.
(وإن أرضعت) امرأة (بلبنِ ولدِها من الزنى، أو) بلبنِ ولدِها (المنفيّ بِلِعَان، طفلًا) رَضاعًا مُحَرِّمًا (صار ولدًا لها) لأنّه رَضَعَ من لبنها حقيقة (وحرم على الزاني والملاعن تحريم مصاهرة) لأنه ولد موطوءته، والوطء الحرام كالحلال في تحريم الربيبة (ولم تثبت حرمة الرضاع في حقهما) أي: الزاني والملاعن؛ لأن من شرط ثبوت حرمة الرضاع بين المرتَضِع والرجل الذي ثابَ اللبن بوطئه: أن ينسب الحمل إلى الواطئ، فأما ولد الزنى ونحوه فلا (كالنسب) وقال أبو بكر: تثبت.
(وإن أرضعت) امرأة (بلبن اثنين وطئاها بشُبهة، وثبتت أبوّتهما للمولود، فالمرتضع ابنهما) لأن المرتضع في كل موضع تبع للمناسب، فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله.
(أو) ثَبَتَ (أبوّة أحدهما، فهو) أي الرضيع (ابنه) لما سبق، سواء (ثبت ذلك بالقَافة أو بغيرها. وإن نفته القافةُ عنهما، أو أشكل عليهم، أو لم يوجد قافة؛ ثبت التحريم بالرضاع في حَقِّهما) تغليبًا للخطر، كما لو اختلطت أخته بأجنبيات.
(وإن انتفى عنهما بأن تأتي به لدون ستة أشهر من وطئِهما، أو) أتت به (لأكثر من أربع سنين من وَطْءِ الآخِرِ، انتفى المرتضِعُ عنهما) لأنَّه تابع للمناسب كما تقدم.
(فإن كان المرتَضِع) حينئذ (جاريةً، حرمت عليهما تحريمَ مصاهرةٍ، وتحرم أولادُها عليهما) أي: الواطئَين (أيضًا، لأنها ابنة
(1)
مسائل عبد الله (3/ 1046) رقم 1435.
موطوءَتِهما، فهي ربيبة لهما) والربيبة من الرضاع كالنسب.
(وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم، كَلَبَنِ البِكْر) التي لم تحمل (لم ينشر الحرمة، نصًّا
(1)
) لأنه نادر، لم تجر العادة به لتغذية الأطفال، أشبه لبن الرجل والبهيمة، وقال جماعة: لأنه ليس بلبن حقيقة، بل رطوبة متولدة؛ لأنَّ اللبن ما أنشر
(2)
العظم وأنبت اللحم، وهذا ليس كذلك.
(و
لا ينشُرُ الحُرمةَ غيرُ لبنِ المرأةِ،
فلو ارتضع طفلان من بهيمة) لم تُنْشَر الحُرمة ولم يصيرا أخوين، لأن تحريم الأخوّة فرع على تحريم الأمومة، ولا يثبت تحريم الأمومة بهذا الرضاع، فالأخوّة أولى؛ ولأنه لم يخلق لغذاء المولود الآدمي، أشبه العظام.
(أو) ارتضع طفلان من لبن (رجل) فكذلك؛ لما ذكرنا.
(أو) ارتضعا من لبنِ (خنثى مشكِل؛ لم ينشر الحرمة) لأنه لم يثبت كونه امرأة، فلا يثبت التحريم مع الشك.
فصل
(ولا تثبت الحُرمةُ بالرضاع إلا بشروط:
أحدها: أن يرتَضِع في العامين، ولو كان قد فُطِم قبلَه) أي: قبل ذلك الرَّضاع؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
(1)
انظر: الهداية لأبي الخطاب (2/ 65)، والفروع (5/ 570).
(2)
"أنشر" بالراء المهملة، أحيا، ومنه قيل: أنشر الرضاعُ العظمَ وأنبت اللحمَ؛ كأنه أحياه، و"أنشز" بالزاي المعجمة، بمعناه. المصباح المنير ص/ 831، مادة (نشر).
كَامِلَيْنِ}
(1)
.
ولحديث عائشة "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخلَ عليها وعندها رجلٌ قاعِدٌ، فسألها عنه، فقالت: هو أخي مِنَ الرَّضاعة، فقال: انْظُرْنَ مَنْ إخْوَانكنَّ؟ فإنّما الرَّضاعَةُ مِن المَجَاعَةِ" متفق عليه
(2)
.
وعن أم سلمة مرفوعًا: "لا يَحْرُمُ مِن الرَّضَاعِ إلا مَا فَتَقَ الأمْعَاءَ وكَانَ قَبْلَ الفِطَامِ" رواه الترمذي وصححه
(3)
.
وعن ابن عباس مرفوعًا: "لا يُحَرِّم مِن الرَّضاعِ إلا ما كان في الحَوْلَيْنِ" رواه ابن عديّ وغيرُه
(4)
.
(1)
سورة البقرة، الآية:233.
(2)
البخاري في الشهادات، باب 7، حديث 2647، وفي النكاح، باب 21، حديث 5102، ومسلم في النكاح، حديث 1455.
(3)
في الرضاع، باب 5، حديث 1152. وأخرجه - أيضًا - النسائي في "الكبرى" (3/ 301) حديث 5465، وابن حبان "الإحسان" (10/ 37) حديث 4224، والطبراني في الأوسط (8/ 256) حديث 7513، والخطيب في تاريخه (7/ 55)، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة رضي الله عنهما مرفوعًا.
وأخرجه إسحاق بن راهويه (4/ 119، 175) رقم 1887، 1962، موقوفًا على أم سلمة رضي الله عنهما. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال ابن حزم في المحلى (10/ 21): هذا خبر منقطع؛ لأن فاطمة بنت المنذر لم تسمع من أم سلمة
…
ووافقه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 184)، وابن القيم في زاد المعاد (5/ 585)، ورد عليه ابن الملقن في البدر المنير (8/ 274) وأثبت إمكان سماع فاطمة من أم سلمة رضي الله عنهما.
(4)
ابن عدي (7/ 2562)، والدارقطني (4/ 174)، والبيهقي (7/ 462)، وابن الجوزي في "التحقيق"(2/ 305).
وأخرجه عبد الرزاق (7/ 465) رقم 13903، وسعيد بن منصور (1/ 243) رقم 980، والبيهقي (7/ 462)، عن ابن عباس موقوفًا. وصححه الزيلعي في نصب الراية (3/ 219)، وابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 239). وقال ابن حجر في "الدراية" =
(فلو ارتَضَع) الطفلُ (بعدَهما) أي: الحولين (بلحظة ولو قبل فطامه، أو ارتَضَع الخامسةَ كلَّها بعدهما) أي: الحولين (بلحظة؛ لم يثبت) التحريم؛ لأن شرطه - وهو كونُه في الحولين - لم يوجد، وعُلم منه أنه لو شرع في الخامسة، فحال الحول قبلَ كمالها، اكتُفي بما وُجِد منها في الحولين، كما لو انفصل عما بعده.
وأما حديث عائشة: أن سهلة بنتَ سهيلِ بن عمرو جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن سالمًا مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يبلغُ الرِّجالُ، وعَلِمَ ما يعلَمُ الرجالُ، فقال:"أرضعيهِ تَحْرُمي عليهِ" رواه مسلم
(1)
، فهو خاص به دون سائر الناس، جَمْعًا بين الأدلَّة.
الشرط
(الثاني: أن يصل اللبنُ إلى جوفه من حَلْقِهِ،
فإن وصل) اللبن (إلى فَمِه، ثم مَجَّهُ) أي: ألقاه (أو احتقن به، أو وصل إلى جوفٍ لا يُغَذِّي؛ كالذَّكَر، والمَثَانَة؛ لم يَنْشُرِ الحُرْمَةَ) لأنَّ هذا ليس برضاع، ولا يحصُل به التغذِّي، فلم ينشر الحُرمة، كما لو وصل من جُرح.
الشرط (الثالث: أن يَرْتَضِع خمسَ رَضَعَاتٍ فصاعدًا) وهو قول
= (2/ 68): إن الهيثم بن جميل تفرد برفعه عن ابن عيينة، وإن أصحاب ابن عيينة وقفوه، وهو الصواب.
وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (2/ 602)، وعبد الرزاق (7/ 464 - 465) رقم 13901 - 13902، وسعيد بن منصور (1/ 243) رقم 972، وابن أبي شيبة (4/ 290)، والطبري في التفسير (2/ 492 - 493)، والدارقطني (4/ 173 - 174)، والبيهقي (7/ 462)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 306)، من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا بنحوه. وصحح إسناد الدارقطني الحافظ في إتحاف المهرة (7/ 384).
(1)
في الرضاع، حديث 1453 (28).
عائشة
(1)
وابن مسعود
(2)
وابن الزُّبير
(3)
وغيرِهم
(4)
؛ لما روت عائشة قالت: "كانَ فيما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ: عشْر رَضَعَاتٍ معلوماتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسخنَ بخمسِ رَضَعات مَعلُومَاتٍ، فَتوفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك" رواه مسلم
(5)
.
وروى مالك عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن سهلةَ بنت سُهيل:"أرْضِعي سالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ"
(6)
.
(1)
أخرج عبد الرزاق (7/ 466، 468) رقم 13912 - 13913، 13921، والبيهقي (7/ 456، 458)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا يحرم دون خمس رضعات معلومات.
(2)
لم نقف على من رواه عنه بهذا المعنى، والمروي منه خلاف ذلك، فقد أخرج عبد الرزاق (7/ 469) رقم 13924، والبيهقي (7/ 458)، عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما قالا في الرضاع: يحرم قليله وكثيره.
وأخرج سعيد بن منصور (1/ 239) رقم 987، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا رضاع بعد الحولين إنما الرضاع ما أنبت اللحم، وأنشز العظم.
(3)
أخرج عبد الرزاق (7/ 467 - 468) رقم 13919 - 13920، وسعيد بن منصور (1/ 234، 239) رقم 968، 984، وابن أبي شيبة (4/ 285)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 493)، والبيهقي (7/ 458 - 459) عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: لا تحرم الرضعة والرضعتان ولا المصة ولا المصتان، وزاد ابن أبي شيبة: ولا الثلاث.
(4)
منهم أبو هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه عبد الرزاق (7/ 466) رقم 13910، وسعيد بن منصور (1/ 237) رقم 978، والبيهقي (7/ 456).
وابن عباس رضي الله عنهما؛ أخرجه عبد الرزاق (7/ 468) رقم 13921، والبيهقي (7/ 458).
(5)
في الرضاع، حديث 1452.
(6)
مالك في الموطأ (2/ 605)، ومن طريقه الشافعي في الأم (5/ 27)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 22)، وعبد الرزاق (7/ 459) حديث 13886، وأحمد (6/ 255)، وابن حبان "الإحسان"(10/ 27) حديث 4215، والبيهقي (7/ 456)، وفي معرفة السنن =
(ويُشترط أن تكون) الخمس (مُتفرِّقات) لتتحقَّق (فمتى امتصَّ) الطفل (ثم تركه) أي: الرَّضاعَ (شِبَعًا، أو) تركه (لِتَنَفُّس، أو) تركه (لِمَلَّةٍ، أو) تركه (لانتقاله من ثديٍ إلى) ثدي (غيره، أو) لانتقاله (من امرأة إلى) امرأة (غيرِها، أو قُطع عليه) الرَّضاع، بأن أُخرج الثديُ من فمه (فهي رضعة) لأن المرجع فيها إلى العُرف؛ لأن الشرع ورد بها مطلقًا، ولم يَحُدَّها بزمن ولا مقدار، فدلَّ على أنه رَدَّهُم إلى العُرف، فإذا ارتضع، ثم قطع باختياره، أو قُطع عليه، فهي رضعة (فمتى عاد) ارتضع
= والآثار (11/ 262) حديث 15472، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 250 - 251) في حديث طويل.
وأخرجه - أيضًا - أبو داود في النكاح، باب 10، حديث 2061، عبد الرزاق (7/ 460) حديث 13887، وإسحاق بن راهويه (2/ 201) حديث 705 - 706، وأحمد (6/ 201، 271)، وابن الجارود (3/ 33) حديث 690، والطبراني في الكبير (24/ 291) حديث 741، والحاكم (2/ 163 - 164)، كلهم من طرق، عن الزهري، به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.
وأخرجه - أيضًا - أحمد (6/ 269) من طريق محمد بن إسحاق، عن الزهري، به.
وفيه: "فأرضعيه عشر رضعات" وهذه الرواية شاذة لمخالفتها لرواية الجماعة عن الزهري.
وأخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 22)، ومن طريقه البيهقي (7/ 456)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 262) حديث 15472، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالمًا خمس رضعات، فتحرم بهن، دون ذكر عائشة رضي الله عنها.
قال الدارقطني في العلل (5/ ق 118 - 119): والصحيح عن عائشة رضي الله عنها متصلًا.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 250): هذا حديث يدخل في المسند للقاء عروة عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وللقائه سهلة بنت سهيل.
(ولو قريبًا، فهي رضعة أخرى) لأن العَودَ ارتضاع، والشارع لم يحد الرضعة بزمان، فوجب أن يكون القريب كالبعيد، فكان رضعة أخرى كالأولى.
(وسَعُوطٌ في أنفٍ ووَجُورٌ في فمٍ كرضاع) لأنه يحصُل به ما يحصُل بالرَّضاع من الغذاء.
والسَّعوطُ: أن يُصبَّ اللبن في أنفه من إناء أو غيره، فيدخلَ حلقه. والوَجُور: أن يُصبَّ في حلقه من غير الثَّدي.
(وكذا جُبْنٌ عُمِلَ منه) لأنه واصل من الحلق يحصُل به إنبات اللحم.
(ويُحرِّم من ذلك) المذكور في الوَجورِ والسَّعوطِ والجُبْنِ المعمول منه (خمس) لأنه فرعٌ عن الرَّضاع، فيأخذُ حكمَه (فإن ارتضع دونَها) أي الخمسِ (وكمَّلها) أي: الخمسَ (سَعوطًا أو وَجورًا، أو أُسعط وأُوجر وكَمَّل الخمس برضاع؛ ثبت التَّحريم) لوجود الخمس.
(ولو حُلب لبنٌ في إناءٍ دَفعة واحدة أو دَفعات، ثم سُقِي لطفل في خمسة أوقات، فهي خمس رضعات) اعتبارًا بشرب الطفل له.
(وإن حُلب في إناء خمسُ حلبات في خمسة أوقات ثم سُقيَ) للطِّفل (دَفعة واحدة كان رَضعة واحدة) اعتبارًا بشُربه له، فإن سقاه جُرعة بعد أخرى متتابعة؛ فرضعةٌ في ظاهر قول الخِرَقي؛ لأن المعتَبر في الرضعة العرف، وهم لا يعدُّون هذا رضَعات، ويحتمل أن يخرَّج على ما إذا قُطع عليه الرضاع.
(ويُحَرِّمُ لبنُ الميِّتة إذا حُلِب أو ارتُضِع من ثديها بعد موتها) لأنه يُنبت اللحم، قال في "الشرح" و"المبدع": ونجاسته لا تؤثِّر، كما لو
حُلب في إناء نَجِس، يعني إن قلنا: ينجُس الآدميُّ بالموت.
و (كما لو حُلب في حياتِها، ثم شَرِبه) الطفل (بعد موتها. ولو حَلف لا يَشْرَبُ من لبنِ امرأةٍ، فشرب منه وهي ميِّتة؛ حَنِث) لأنَّه شرب من لبنها.
(ويُحرِّمُ اللَّبن المشوب) وهو المخلوط بغيره من طعام أو شراب أو غيرهما؛ لأن ما تعلَّق الحكم به لم يفرَّق بين خالصه ومشوبه، كالنجاسة في الماء، والنجاسة الخالصة.
و (كـ) ــاللَّبن (المخيض) وفي نسخ: "كالمحض" أي: الخالص (إن كانت صفاتُه) أي: المشوب (باقيةً) وهي: اللَّون والطعم والريح، فلو صبَّه في ماء كثيرٍ لم يتغير به لم يثبت التحريم؛ لأن هذا ليس بمشوب، ولا يحصُل به التغذِّي ولا إنباتُ اللَّحم ولا إنشاز العظام (وسواء خُلط بطعام أو شراب أو غيرهما.
فإن حُلب اللبن من نسوة وسُقي لطفل، فهو كما لو ارتَضَع من كلِّ واحدة منهن) لاختلاط لَبَنِهنَّ.
فصل
(وإذا تزوَّج) امرأةً (كبيرةً ذاتَ لبن من غيره) زوجًا كان أو غيرَه (ولم يدخل) الثاني (بها و) تزوَّج بـ (ــثلاث صغائر) دون الحولين (فأرضعت الكبيرةُ إحداهن؛ حَرُمَت الكبيرة أبدًا) لأنها صارت من أُمهات نسائه (وبقي نكاح الصغيرة) لأنها ربيبةٌ لم يدخل بأُمِّها، وَفَارَقَ ما لو ابتدأ العقد عليهما؛ لأنَّ الدَّوام أقوى من الابتداء.
(وإن أرضعت) الكبيرةُ (اثنتين) من الصغائر (منفردتين أو معًا؛ انفسخ نكاحهما) لأنهما صارتا أختين واجتمعتا في الزوجيّة.
(وإن أرضعت الثلاثَ متفرِّقات؛ انفسخ نكاحُ الأوَّلَتين) لأنهما صارتا أختين في نكاحه (دون الثالثة) فيثبت نكاحها؛ لأنه لم يُصادف إخوتَها جمعًا في النكاح.
(وإن أرضعت إحداهنَّ منفردةً، ثم) أرضعت (اثنتين معًا، انفسخ نكاحهنَّ) لأنهنَّ صِرن أخوات في نكاحه (وله نكاح إحدى الثلاث) الصغائر؛ لأن تحريمهنَّ تحريمُ جَمع؛ لأنهن ربائبُ لم يدخل بأمِّهن (وإن كان دخل بالأم حَرُمَ الكلُّ أبدًا) لأنهن ربائبُ دخل بأمِّهن.
(و
لو أرضعت الثلاثَ أجنبيةٌ
في حالة واحدة بأنْ حَلَبَتْه في ثلاث أوَانٍ وأوْجَرَتْهُنَّ في حالة واحدة، أو أرضعت اثنتين معًا وأوْجَرَت الثالثة في حالة واحدة) أو أوجرت اثنتين وأرضعت الثالثة في حالة واحدة (حَرُم عليه نكاح الكبيرة أبدًا) لأنها من أُمهات نسائه (وانفسخ نكاح الثلاث) لأنهن صِرْنَ أخواتٍ في النكاح.
(وإن أرضعت) الأجنبيةُ (اثنتين) من الصغائر منفردتين أو معًا؛ (انفسخ نكاحهما) لأنهما صارتا أختين في نكاحه.
(وإن أرضعت) الأجنبية (إحداهنَّ منفردةً ثم اثنتين معًا، انفسخ نكاح الجميع) لما سبق (وله نكاح إحدى الثلاث) لأنَّ تحريمهن لأجل الجمع.
(وكل امرأة تَحْرُم عليه ابنتها - كأمه وجدَّته وأخته وابْنتِه وربيبته - إذا أرضعت طفلة؛ حَرَّمَتْها عليه) لأنها تصير ابنتَها من الرضاع، فإذا كانت المرضعةُ أمَّه فالمرتَضِعةُ أختُه، وإن كانت المرضِعةُ جدتَه فالمرتضعة
عمتُه أو خالتُه، وإن كانت المرضعة أختَه، فالمرتَضِعَةُ ابنةُ أختِه.
(وكلُّ رجلٍ تحرم ابنتُه - كأخيه وأبيه وابنه - إذا أرضعت امرأتُه بِلَبَنِهِ طفلةً؛ حرَّمَتْها عليه) لأنها تصير ابنتَه، فإن كانت المرضعةُ امرأةَ أخيه، فالمرتضعة ابنةُ أخيه، وإن كانت امرأةَ أبيه، فالمرتضعة أختُه (وفُسِخَ) أي: انفسخ (نكاحُها منه فيهما) أي: في الصورتين السابقتين (إن كانت زوجتَه) لتحريمها عليه على التأبيد.
(وإن أرضعتها) أي: الطفلة، زوجةً كانت أو غيرَها (امرأةُ أحد هؤلاء بلبن غيره) أي: غيرِ زوجها (لم تَحْرُم عليه) أي: على من تحرم عليه بنتُ زوجها (لأنها صارت ربيبةَ زوجها) فلا تحرم على أبيه ولا على ابنه ونحوِهما.
(وإن أرضعتها) أي: الطفلة (من لا تَحْرُم بنتُها، كعمَّته وخالته؛ لَمْ تحرِّمها عليه) لأنها بنت عمَّته أو خالته، وكذا لو أرضعتها زوجة عمِّه أو زوجة خاله بلبنه.
(ولو تزوَّج) طفلٌ طفلةً هي (بنت عمِّه، فأرضعت جدَّتُهما أحدَهما صغيرًا) دون الحولين (انفسخ النكاح؛ لأنها إن أرضعت الزوجَ صار عمَّ زوجته) لأنه أخو أبيها من الرضاع (وإن أرضعت الزوجةَ صارت عمَّتَه) لأنها أخت أبيه من الرضاع (وإن أرضعتهما) الجدَّةُ (جميعًا صار) الزوج (عمَّها) أي: عمَّ زوجته (وصارت عمَّتَه) وانفسخ النكاح.
(وإن تزوَّج بنتَ عمَّتِه، فأرضعت جدَّتُهما أحدَهما صغيرًا) في الحولين (انفسخ النكاح؛ لأنها إن أرضعت الزوج صار خالها) لأنه أخو أمها من الرضاعة (وإن أرضعت الزوجة صارت) الزوجة (عمَّتَه) لأنها أختُ أبيه من الرضاع.
(وإن تزوج بنتَ خاله، فأرضعت جدَّتُهما الزوجَ؛ صار) الزوج (عمَّ زوجته) لأنه أخو أبيها من الرضاعة (وإن أرضعتها صارت خالتَه) لكونها أختَ أمه من الرضاع.
(وإن تزوَّج ابنة خالته، فأرضعت الزوجَ؛ صار خال زوجته) لأنه أخو أمها من الرضاعة (وإن أرضعتها؛ صارت) الزوجةُ (خالةَ زوجها) لأنها أختُ أمه من الرضاع.
فصل
(وكلُّ من أفسد نكاحَ امرأةٍ برَضاع قبل الدخول، فإن الزوج يَرجِعُ عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها) لأنه قرَّره عليه بعد أن كان عُرْضة للسقوط، كشهود الطلاق إذا رجعوا. وإنما لزم الزوجَ نصفُ مهر الصغيرة؛ لأن نكاحها انفسخ قبل الدخول بها من غير جهتها، والفسخ من أجنبي كطلاق الزوج في وجوب الصداق عليه.
(وإن أفسدت) طفلة (نكاحَ نفسِها قبل الدخول؛ سقط مهرها) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأن الفسخ بسببٍ من جهتها، كما لو ارتدَّت.
(وإن كان) إفسادها لنكاحِ نفسِها (بعدَه) أي: بعد الدخول (لم يسقط، ويجب) صداقها إذًا (على زوجها) لأنه استقرَّ بالدخول، وكما لو ارتدَّت.
(وإن أفسده) أي: نكاحها (غيرُها بعد الدخول؛ وَجَبَ لها مهرُها) المُسمَّى على الزوج؛ لأنه استقرَّ عليه بالدخول (ويرجع به) الزوج على
المفسِد؛ نصَّ عليه في رواية ابن القاسم
(1)
؛ لأن المرأة تستحقُّ المهرَ كله على زوجها، فيرجع بما لزمه، كنصف المهر في غير المدخول بها (ولها) أي: لمن أفسد غيرُها نكاحَها قبل الدخول أو بعده (الأخدُ من المُفسِد، نصًّا
(2)
) وتقدم
(3)
نظيره في الرجوع على الغارّ.
(فإذا أرضعت امرأتُه الكبرى الصغرى فانفسخ نكاحهما) بأن كان بعد الدخول بالكبرى (فعليه نصف مهر الصغرى) لأن نكاحها انفسخ بغير سبب من جهتها، وذلك يوجب نصف المهر على الزوج، كما تقدم (يرجع به) الزوج (على الكبرى) لأنها التي تسببت في انفساخ نكاحه، فإن كانت أَمَة ففي رقبتها؛ لأن ذلك من جنايتها (وعليه مهر الكبرى المُسمَّى) لها (ولا يرجع عليها بشيء إذا كان أدّاء إليها) لأنه استقر عليه بالدخول بها (وإن كان) الزوج (لم يدخل بها) أي: الكبرى (فلا مهرَ لها) أي: للكبرى؛ لأنها التي أفسدت نكاحَ نفسِها (ونكاح الصغرى بحاله) لأنها ربيبة لم يدخل بأُمها.
(وإن دَبَّتْ الصغرى إلى الكبرى، وهي) أي: الكبرى (نائمة، أو مُغْمىً عليها، أو مجنونة، فارتضعت) الصغرى (منها؛ انفسخ نكاحُ الكبرى) لأنها أُمُّ زوجته (ويرجع على الصغرى بنصف مهر الكبرى قبل الدخول) لأنها تسببت إلى فسخ نكاحها الموجب لتقرير نصف المُسَمَّى، وأتلفت على الزوج البُضع، أشبه ما لو أتلفت عليه مبيعها (ونكاح الصغرى ثابت) لأنها ربيبة لم يدخل بأُمِّها.
(1)
انظر: المغني (11/ 332)، والفروع (5/ 574).
(2)
انظر: الفروع (5/ 574).
(3)
(11/ 386).
(فإن كان دخل بالكبرى؛ حَرُمَتا) على التأبيد، أما الكبرى؛ فلأنها من أُمَّهات نسائه، وأما الصغرى؛ فلأنها ربيبة دخل بأمها (ولا مهرَ للصُّغرى) لأنها التي أفسدت نكاح نفسها (وعليه مهر الكبرى) لأنه استقرَّ بدخوله بها (يرجع به على الصغيرة) لأنها تسببت في فسخِ نكاحِها، وإتلاف البُضع عليها.
(وإن ارتضعت الصغيرةُ منها رضعتين وهي نائمة، ثم انتبهت الكبيرةُ فأتمَّت لها ثلاث رضعات) فقد حصل الفساد بفعلهما (فعليه مهرُ الكبيرة) لاستقراره بالدخول (وثلاثة أعشار مهر الصغيرة) ويسقط عُشْران في مقابلة ما ارتضعته منها وهي نائمة (ويرجع به) أي: بما يغرمه للصغيرة (على الكبيرة) لما تقدم.
(وإن لم يكن دخل بالكبيرة فعليه خُمس مهرها) ويسقط الباقي في نظير فِعْلها بعد انتباهها (يرجع به على الصغيرة) لكونها تسببت بدبيبها.
(وإن أرضعت بنتُ الزوجة الكبيرة) الزوجةَ (الصغيرة؛ فالحكم في التحريم والفسخ كما لو أرضعتها الكبيرة) فإن كان دخل بالكبيرة، انفسخ نكاحهما، وحَرُمتا أبدًا، وإلا حَرُمت الكبرى، وانفسخ نكاحها وحدها (و) كذا الحكم في (الرجوع على المرضعة التي أفسدت النكاح) فيرجع عليها بما يغرمه لهما أو لإحداهما؛ لتسببها في غرمه، وتفويتها البُضع عليه.
(وإن أرضعتها) أي: زوجته الصغيرة (أمُّ) زوجته (الكبيرة؛ انفسخ نكاحُهما معًا) لأنهما أختان اجتمعتا في النكاح (فإن كان لم يدخل بالكبيرة، فله أن يَنكِح من شاء منهما) لأن التحريم لأجل الجمع (ويرجع
على المرضعة بنصف صداقِهما
(1)
) الذي غرمه؛ لتسببها (وإن كان دخل بالكبيرة، فله نكاحها) في الحال؛ لأن الماء ماؤه (وليس له نكاحُ الصغيرة حتى تنقضي عِدَّةُ الكبيرة؛ لأنها قد صارت أُختَها، فلا يَنكِحُها في عِدَّتها) لأن زمن العدة كالزوجيّة، كما سبق في النكاح
(2)
.
(وكذلك الحكم إن أرضعتها جَدَّةُ الكبيرةِ؛ لأنها تصيرُ عَمَّةَ الكبيرة) إن كانت الجدة لأب (أو) تصير (خالَتَها) إن كانت جدة لأم (والجمع بينَهما) أي: بين المرأة وعَمَّتها، أو خالتها من الرضاع (مُحَرَّم) كالنسب.
(وكذلك إن أرضعتها أختُها) أي: أخت الكبيرة (أو زوجة أخيها بلبنِهِ، أو أرضعتها بنتُ أخيها، أو بنت أختها) لأنها صارت بنت أخت الكبيرة، أو بنت أخيها، أو بنت بنت أخيها، أو بنت بنت أختها، والجمع بينهما مُحَرَّم.
(ولا تحريم في شيء من هذا على التأبيد؛ لأنه تحريم جَمْعٍ، إلا إذا أرضعَتْها بنتُ الكبيرةِ وقد دخل بأُمِّها) فيحرم على الأبد كلٌّ منهما، أما الكبرى؛ فلأنها من أمهات نسائه، وأما الصغيرة؛ فلأنها بنت ربيبة دخل بأمها.
(وإذا كان لرجل خمسُ أمهاتِ أولادٍ، لهُنَّ لبنٌ منه، فأرضَعْنَ امرأةً له صُغرى، كلُّ واحدة منهن رضعةً؛ صار) سيّدهُنّ (أبًا لها) لأنها ارتضعت من لبنه خمس رضعات، كما لو أرضعتها واحدة منهن (وحرمت عليه) على التأبيد؛ لأنها بنته، و (لا) تحرم عليه (أمهات
(1)
في "ح": "صداقها".
(2)
(11/ 328).
الأولاد؛ لعدم ثبوت الأمومة) فلا يثبت تحريمهن.
(وإن أرضعن) أي: أمهات أولاده الخمس، بلبنه (طفلًا كذلك) أي: كل واحدة منهن أرضعته رضعة (صار المولى) صاحب اللبن (أبًا له) لأنه ارتضع من لبنه خمس رَضَعات (وحرمت عليه) أي: الطفل (المرضعات؛ لأنه ربيبهن، وهنَّ موطوءات أبيه) فيتناولهن قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(1)
.
(ولو كان له) أي: لرجل (خَمسُ بناتٍ، أو خَمسُ بناتِ زوجتِهِ
(2)
، فأرضعنَ) أي: بناته، أو بنات زوجته (أمرأةً له صُغرى) في الحولين (رضعةً رضعةً؛ فلا أمومة) لأن إحداهن لم ترضعه
(3)
خمسًا (ولا يصيرُ الكبيرُ) أبو البنات (و) لا (الكبيرة) أم المرضعات (جدًّا ولا جدة) لأن الجدودة فرع الأمومة، ولم تثبت (ولا) تصير (إخوة المرضعات أخوالًا، ولا أخواتهن خالات) لأن الخؤولة فرع الأمومة، ولم تثبت.
(ولو كَمَلَ لطفلٍ خمس رَضَعات من أُمِّ رَجُلٍ وأخته وابنته وزوجته وزوجة أبيه، من كل واحدة رضعة؛ فكذلك؛ أي: لا تحريم) لعدم ثبوت الأمومة لواحدة منهن.
(وإذا كان لامرأة لبنٌ من زوجٍ، فأرضعت به طفلًا ثلاثَ رَضَعات، فانقطع لبنُها، ثم تزوَّجت بآخر فصار لها منه لبنٌ، فأرضعت منه الطفلَ) الذي أرضعته أوّلًا في الحولين (رضعتين؛ صارتْ أمًّا له) لأنه كمل له خمس رضعات من لبنها (ولم يصر واحدٌ من الزوجين أبًا له) لأنه
(1)
سورة النساء، الآية:22.
(2)
في "ذ": "زوجة".
(3)
في "ذ": "ترضعها".
لم يكمل له خمس رضعات من لبن أحدهما (ويحرُمُ) الطفل (عليهما إن كان أنثى؛ لكونه ربيبًا لهما) قد دخلا بأمه (لا لكونه ولدهما.
وإذا كان له ثلاث نسوةٍ لَهُنَّ لبنٌ منه، فأرضعن امرأة له صغرى، كلُّ واحدة منهن رضعتين؛ لم تحرُم المُرضعاتُ) لعدم ثبوت الأمومة (وحَرُمت الصُّغرى) على الأبد؛ لأنها بنته (وتثبت الأبوّةُ) لأنه كمل لها خمس رضعات من لبنه، و (لا) تثبت (الأمومة) لواحدة من الثلاث
(1)
؛ لأنها لم ترضعها خمسًا (وعليه نصف مهرها) أي: الصغرى؛ لأن الفسخ من غير جهتها (يرجع) الزوج (به عليهنَّ) أي: المرضعات؛ لتسببهن في استقراره عليه (على قَدْر رضاعتهنَّ) المحرمة (وعلى الأولى) التي أرضعت أولًا (خُمس المهر، وعلى الثانية خُمسه، وعلى الثالثة عُشره) لأن التحريم حصل عنها برضعة واحدة، وقد اشتركن في الإتلاف، فكان على كل واحدة بقَدْر ما أتلفت.
(ولو كان لامرأته ثلاثُ بناتٍ من غيره، فأرضعن ثلاثَ نسوةٍ له صغارًا) فأرضعت (كلُّ واحدة) من بنات الزوجة (واحدةً) من زوجاته الصغار (إرضاعًا كاملًا) أي: خمس رضعات (ولم يدخل بالكبرى؛ حرمت عليه؛ لأنها من جدات النساء، ولم ينفسخ نكاح الصغار؛ لأنهن لسن أخوات، إنما هن بنات خالات) ولا يحرم الجمع بين بنات الخالات، ولا يحرمن بكونهن ربائب (لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها) أو جدتها، ولم يحصُل (ولا ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أوّلًا) لما ذكرنا.
(وإن كان دخل بالأم، حَرُم الصغائر) أبدًا (أيضًا) لأنهن ربائب
(1)
في "ذ": "الثلاثة".
دخل بجدتهنَّ.
(وإن أرضعن) أي: بنات زوجته (واحدة) من زوجاته الصغار، أرضعتها (كلُّ واحدة منهن) رضعتين (اثنتين، حرمت الكبرى) صحَّحه في "المبدع" وغيره؛ لأنها صارت جدة، بكون الصغيرة قد كمل لها خمس رضعات من بناتها (وقيل: لا تحرم) الكبيرة (اختاره الموفَّق، والشارح، وصححه في "الإنصاف") لأن كونها جدة فرع على كون ابنتها أُمًّا، ولم تثبت الأمومة، فما هو فرع عليها أولى، وهو الموافق لما جزم به فيما إذا أرْضَعَها
(1)
خمسُ بناتِ زوجته على ما تقدم قريبًا.
فصل
(وإذا طَلَّق كبيرةً مدخولًا بها، فأرضعت صغيرةً بلبنه) خمس رضعات (صارت) الرضيعة (بنتًا له) لارتضاعها من لبنه (وإن أرضعتها بلبن غيره، صارت ربيبة) له؛ لأنها بنت زوجته (وحَرُمتا) أي: المرضعة والرضيعة، أما المرضعة؛ فلأنها من أُمهات نسائه، وأما الرضيعة؛ فلأنها ربيبة دخل بأمها (ويرجع على الكبيرة بنصف مهر الصغيرة) لأنها تسببت في استقراره عليه.
(وإن كان) زوج الصغيرة (ما دخل بالكبيرة؛ بقي نكاحُ الصغيرة) لأنها ربيبة لم يدخل بأمها.
(وإن طَلَّق صغيرةً، فأرضعتها امرأةٌ له؛ حرمت المرضِعةُ) لأنها صارت من أُمهات نسائه (فإن كان لم يدخل بها) أي: الكبيرة (فلا مهر
(1)
في "ذ": "أرضعتها".
لها) لمجيء الفُرقة مِن قِبَلِها (وله نكاح الصغيرة) لأنها ربيبة غير مدخول بأمها (وإن كان دخل بها) أي: الكبيرة (فلها مهرها) المُسمَّى؛ لاستقراره بالدخول (وحَرُمتا) أي: الكبيرة والصغيرة (عليه) لأن الكبيرة من أُمهات نسائه، والرضيعة ربيبة مدخولٌ بأمها.
(وإن طَلَّقهما) أي: الكبيرة والصغيرة (جميعًا، فالحكم في التحريم على ما مضى) تفصيله.
(ولو تزوَّج) رجلٌ امرأةً (كبيرةً، و) تزوَّج (آخرُ) طفلة (صغيرةً، ثم طلَّقاهما، ونكح كلُّ واحدٍ منهما زوجةَ الآخر، ثم أرضعت الكبيرةُ الصغيرةَ، حرمت الكبيرة عليهما) لأنها صارت من أُمهات نسائهما (وإن كان زوج الصغيرة دَخَلَ بالكبيرة حرمت عليه الصغيرة) لأنها ربيبة مدخول بأمها.
(وكل من قلنا بتحريمها) فيما ذكر (فالمراد على التأبيد، وهو مقرون بفسخ نكاحها) إن كانت زوجة؛ لأن التحريم الطارئ كالمقارن.
فصل
(وإذا طَلَّق امرأته ولها منه لبن، فتزوَّجت بصبي) دون الحولين (فأرضعته بلبنه) خمس رضعات (انفسخ نكاحها) من الصبي (وحرمت عليه) أبدًا؛ لأنها صارت أُمه (و) حرمت أيضًا (على الأول أبدًا) لأنها صارت من حلائل أبنائه؛ لأن الصبي صار ابنًا للمطلّق؛ لأنه رَضَع من لبنه رَضَاعًا مُحرِّمًا وهي زوجته.
(ولو تزوَّجت الصبي أوّلًا، ثم فسخت نكاحها لمقتض)
(1)
كعيب، أو فقد نفقة، أو إعسار بمقدم صداق (ثم تزوَّجت كبيرًا، فصار لها منه لبن، فأرضعت به الصبي، حرمت عليهما أبدًا) على الكبير؛ لأنها صارت من حلائل أبنائه، وعلى الصغير؛ لأنها صارت أمه (قال في "المستوعب": وهي مسألة عجيبة؛ لأنه تحريم طرأ لرَضاع أجنبي.
قال) في "المستوعب": (وكذلك لو زوَّج أَمَته بعبدٍ له يرضع، ثم أعتقها) سيدها (فاختارت فراقه) أي: فسخت نكاحه لعتقها تحت عبد (ثم تزوَّجت بمن أولدها، فأرضعت بلبن هذا الولد زوجَها الأول بعد عتقه) أو قبله (حرمت عليهما جميعًا) أما الأول؛ فلأنها صارت أُمّه، وأما صاحب اللبن؛ فلأنها صارت من حلائل أبنائه.
(ولو زوَّج رجلٌ أمَّ ولده، أو أَمَته بصبيٍّ مملوكٍ، فأرضعته بلبن سيدها؛ حرمت عليهما) أما المملوك؛ فلأنها صارت أُمّه، وأما السيد؛ فلأنها من حلائل أبنائه (ولا يُتصوَّر هذا) أي: تزويج أم الولد أو الأمة لصبي (إن كان الصبي حرًّا؛ لأن من شرط نكاح الحرِّ الأمةَ خوفَ العنت، ولا يوجد ذلك) أي: خوف العنت (في الطفل) وفيه تلويح بالرد على صاحب "الرعاية"، ورُدَّ بأنه غيرُ مسلَّمٍ؛ لأن الشرط: خوف عنت العزوبة لحاجة متعة أو خدمة، والطفل قد يحتاج للخدمة فيتصور، كما في "المنتهى" وغيره (فإن تزوَّج بها) الطفل لغير حاجة خدمة (كان النكاح فاسدًا، وإن أرضعته لم تحرم على سيدها) لأنها ليست من حلائل أبنائه؛ لفساد النكاح، وإن تزوَّجها لحاجة خدمة صح النكاح، وإن أرضعته حرمت عليهما.
(1)
في هامش "ح": "المقتض للفسخ".
فصل
(متى كان مُفسِدُ النكاحِ جماعة، وُزِّعَ المهر على رَضَعاتِهنَّ
المُحرِّمة) لأنه إتلاف اشتركن فيه، فكان على كل واحدة بقدر ما أتلفت، و (لا) يوزع (على) عدد (رؤوسهن) كما لو أتلفن مالًا وتفاوتن فيه.
(فلو سقى خمسٌ زوجةً صغيرة من لبن أُمِّ الزوجِ خمسَ مرات انفسخ نكاحُها) لأنها صارت أخته من الرضاع (ولزمهنَّ نصف مهرها بينهن) بحسب ما سقينها؛ لتسببهن في استقراره عليه.
(فإن سقتها واحدةٌ شَرْبتين، و) سقتها (أخرى ثلاثًا، فعلى الأولى خُمس المهر، وعلى الثانية خُمس) المهر (وعُشْر) هـ.
(وإن سقتها واحدةٌ شربتين، وسقاها ثلاثٌ) أُخَرُ (ثلاثَ شَرَبات، فعلى الأولى الخُمس، وعلى كل واحدة من الثلاث عُشْر.
وإن كان له ثلاث نسوةٍ كبارٌ، وواحدةٌ صغيرة، فأرضعت كل واحدة من الثلاث) الكبار (الصغيرةَ أربعَ رَضَعات، ثم حَلَبْنَ في إناء وسقينه للصغيرة؛ حَرُمَ الكبارُ) لأنهن من أمهات نسائه (فإن لم يكن دخل بهنَّ؛ فنكاح الصغيرة ثابتٌ، وعليه لكلِّ واحدةٍ ثلث صَداقها، يرجعُ به على ضَرَّتَيْها) لتسببهن في استقرار ذلك عليه، ويسقط السدس الباقي من النصف في نظير فعلها؛ لأن كل واحدة منهما ثالثة لضَرَّتيها، مشارِكة لهما (لأن إفسادَ نكاحِها حصل بفعلِها وفعلِهما.
وإن كان قد دخل بإحدى الكِبار؛ حَرُمت الصغيرةُ أيضًا) لأنها ربيبة زوجة دخل بها (ولها) أي: الصغيرة (نصفُ صَداقها، يرجع به عليهنَّ
أثلاثًا) لأنهن تسببن في فساد نكاحها (وللتي دخل بها المهر كاملًا) لاستقراره بالدخول.
(وإن حَلَبن في إناء، فسقته إحداهن الصغيرةَ خَمسَ مرات، كان عليه صَداقُ ضرتيها) يعني: نصفه (يرجع به عليها) أي: الساقية (إن كان قبل الدخول؛ لأنها أفسدت نكاحَهما) بسقيها اللبن للصغيرة (ويسقط مهرُها إن لم يكن دخل بها) أي: بالتي سقت؛ لأن الفرقة من قِبَلها (وإن كان دخل بها، فلها مهرها لا يرجع به على أحد) لأنه تقرر بالدخول.
(وإن كانت كل واحدة من الكبار، أرضعت الصغيرةَ خَمسَ رَضَعات؛ حرم الثلاث) لأنهن من أمهات نسائه (فإن كان لم يدخل بهنَّ، فلا مهر لهن عليه) لأن الفرقة من جهتهن (وإن كان دخل بهنَّ، فعليه لكل واحدة مهرها، لا يرجع به على أحد) لتقرره بالدخول، وكل واحدة هي التي أفسدت نكاح نفسها دون غيرها من الكبار (وتحرم الصغيرة) لأنها ربيبة قد دخل بأمها (ويرجع بما لزمه من صداقها) وهو نصفه (على المرضعة الأولى) لأنها التي أفسدته.
فصل
(وإذا أرضعت زوجتُه الأَمةُ امرأتَه الصغيرة) رَضاعًا محرِّمًا (فحرّمتها عليه) بأن كان دخل بالأمة (كان ما لزمه من صَداق الصغيرة) وهو نصفه (له في رقبة الأمة) لأن ذلك من جنايتها.
(وإن أرضعتها) أي: زوجته الصغيرة (أمُّ ولده؛ حرمتا
(1)
أبدًا) أما
(1)
في "ذ": "حرمتا عليه".
الزوجة؛ فلأنها صارت بنته أو ربيبته، وأما أُمّ الولد؛ فلأنها من أُمَّهات نسائه، وعليه نصف مهر الصغيرة (ولا غرامة عليها) أي: على أُمِّ الولد؛ لأنها أفسدت على سيدها، ولا يجب له عليها غُرْم (ويرجع على مكاتبته) إن كانت هي المفسدة لنكاح الزوجة الصغيرة؛ لأنه يلزمها أرْش جنايتها.
(وإن أرضعت أمُّ ولده امرأةَ ابنه بلبنه) رَضاعًا مُحَرِّمًا (فسخت نكاحها، وحرَّمَتْها عليه أبدًا؛ لأنها صارت أخته) من الرَّضاعة.
(وإن أرضعت) أمُّ ولده (زوجةَ أبيه بلبنه؛ حرَّمتْها عليه) وانفسخ نكاحها (لأنها صارت بنتَ ابنه، ويرجع الأب على ابنه بأقل الأمرين مما غرمه لزوجته) وهو نصف صداقها المُسمَّى، أو المتعة إن لم يُسمِّ لها (أو قيمتِها؛ لأن ذلك من جناية أُمِّ ولده) وجنايتها تضمن كذلك. وعُلم منه أنه لا رجوع للابن على أبيه في المسألة قبلها، إذ ليس له طَلَبُهُ بالدَّين ونحوه.
(وإن أرضعت) أمُّ ولده (واحدةً منهما) أي: من زوجتي ابنه وأبيه (بغير لبن سيدها؛ لم تحرِّمها) عليه، ولم ينفسخ نكاحها (لأن كل واحدة منهما صارت بنتَ أمِّ ولده) وهي غير محرَّمة عليه.
فصل
(وإذا شك في الرضاع، أو) شك في (عدده) بأن شك هل أرضعته أو لا؟ أو هل أرضعته خَمسًا، أو دونها؟ (بنى على اليقين؛ لأن الأصل عدم الرضاع في المسألة الأولى) وهي ما إذا شك في الرضاع (و) الأصل (عدم وجود الرضاع المحرِّم في) المسألة (الثانية) وهي ما إذا شك في
عدده (لكن تكون) التي لو ثَبَت رضاعها خمسًا حرمت (من الشُّبهات؛ تركها أَولى؛ قاله الشيخ
(1)
) لحديث: "من اتقى الشُّبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه"
(2)
.
"تتمة": قال في "المبدع" آخر الفصل الثاني من هذا الباب: وإن شكَّت المرضعة في الرضاع، أو كماله في الحولين ولا بيِّنة؛ فلا تحريم.
(وإن شهد به) أي: الرضاع (امرأةٌ واحدة مَرضيَّة، على فعلها) بأن شهدت أنها أرضعته خمسًا في الحولين (أو) شهدت امرأة مرضيَّة على (فعل غيرها) بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسًا في الحولين (أو) شهد بذلك (رجل واحد؛ ثَبَت) الرضاع (بذلك، ولا يمين) على المشهود له ولا على الشاهدة؛ لما روى عقبة بن الحارث قال: تزوَّجتُ أمَّ يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمةٌ سوداءُ، فقالت: قد أرضعتكما، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له، فقال:"وكيفَ وقد زعمتْ؟! " فنهاهُ عنها. وفي رواية: "دَعْها عنكَ" رواه البخاري
(3)
.
وقال الزهري: فُرِّق بين أهلِ أبياتٍ في زمنِ عثمان بشهادةِ امرأةٍ واحدةٍ
(4)
.
ولأن هذه شهادةٌ على عورة، فَتُقبل فيها شهادة النساء منفردات، كالولادة، ولأنه معنىً يُقبل فيه قول النساء المنفردات، فَيُقبل فيه شهادة
(1)
مجموع الفتاوى (34/ 52).
(2)
تقدم تخريجه (8/ 477) تعليق رقم (1).
(3)
في العلم، باب 26، حديث 88، وفي البيوع، باب 3، حديث 2052، وفي الشهادات، باب 4، 13 - 14، حديث 2640، 2659 - 2660، وفي النكاح، باب 23، حديث 5104.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (7/ 482) رقم 13969.
المرأة، ويؤيّده ما روى محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أمه
(1)
، عن ابن عمر قال: سُئِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما يجوزُ في الرضاعِ من الشهودِ؟ فقال: "رَجُلٌ أو امرأةٌ" رواه أحمد
(2)
. وقال البيهقي: إسناده ضعيف، وقد اختُلِف في متنه.
والمُتبرِّعة وغيرها سواء، وغير المرضيَّة لا تُقبل. وقال ابن حمدان: إن الظئر إذا قالت: أشهد أني أرضعتهما؛ لم تُقبل، وإن قالت: أشهد أنهما ارتضعا مِنِّي؛ قُبِل.
(وإذا تزوَّج امرأةً، ثم قال قبل الدخول: هي أختي من الرضاع؛ انفسخ النكاح) وحرمت عليه؛ لأنه أقرَّ بما يتضمَّن تحريمها عليه، كما لو أقرَّ بالطلاق، أو أن أَمَته أختُه من النسب.
(1)
كذا في الأصول: "عن أمه" وفي مسند أحمد وغيره من الكتب المخرجة للحديث: "عن أبيه".
(2)
(2/ 109). وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (4/ 195 - 196، 14/ 176)، وابن عدي (6/ 2244)، والبيهقي (7/ 464)، من طريق محمد بن عثيم، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به. ووقع في مطبوع البيهقي: عن أبي عبيد، بدل: عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -، وهو خطأ مطبعي.
وعند ابن عدي وفي رواية لابن أبي شيبة: "رجل وامرأة".
وأخرجه - أيضًا - الإمام أحمد (2/ 35)، وعبد الرزاق (7/ 484، 8/ 335) حديث 13982، 15437، من طريق شيخ من أهل نجران، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، به. بلفظ: رجل وامرأة، وفي رواية لعبد الرزاق: رجل أو امرأة.
قال البيهقي: هذا إسناد ضعيف لا تقوم بمثله الحجة، محمد بن عثيم يرمى بالكذب، وابن البيلماني ضعيف وقد اختلف عليه في متنه، فقيل هكذا:"رجل أو امرأة"، وقيل:"رجل وامرأة"، وقيل:"رجل وامرأتان". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 201): رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، وهو ضعيف.
(فإن صدَّقته) أنها أخته من الرضاع (أو ثَبَت) ذلك (ببينة؛ فلا مهر لها) لأنه نكاح باطل من أصله، لا تستحقُّ فيه مهرًا (وإن كَذَّبته) ولم يثبت ما قاله بالبينة (فلها نِصفُ المهر) لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاطِ حُقُوقِها، وقد جاءت الفُرقة من جهته.
(وإن قاله) أي: هي أختي من الرضاع (بعدَ الدخول؛ انفسخ النكاحُ، ولها المهر) بكل حال؛ لأنه استقرَّ بالدخول (ما لم تُقِرَّ أنها طاوعته عالمةً بالتحريم) لأنها زانية مطاوعة.
(فإن رجع عن ذلك) أي: قوله: هي أختي من الرضاع (وأكذَبَ نفسَه؛ لم يُقبل في الحكم) ولو قال: أخطأت؛ لأنه رجوع عن إقرار بحق لآدمي، فلم يُقبل، كما لو أقرَّ لها بمال، ثم رجع عنه (وأما فيما بينه وبين الله، فإن عَلِم كَذِبَ نفسه؛ فالنكاح بحاله) لأن الإقرار بالباطل لا يزيل الشيء عن صفته.
(وإن شكَّ) الزوج (في ذلك) أي: في كونها أخته من الرضاع (لم يَزُل عن اليقين بالشك) لأن الأصل الحل.
(وإن قال: هي عَمَّتي) من الرضاع (أو) قال: هي (خالتي) من الرضاع (أو) قال: هي (ابنةُ أخي، أو ابنة أختي، أو أمي من الرضاع، وأمكن صدقُه، فهي
(1)
كما لو قال: هي أختي) من الرضاع على ما سبق تفصيله بلا فرق.
(وإن لم يمكن صدقه) في قوله: هي أمي (مثلَ أن يقول لمن هي مثله) في السن: هذه أمّي
(2)
(أو) يقول لمن هي (أصغر منه) سنًّا: (هذه
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 41): "فهو".
(2)
في "ح" و"ذ" زيادة: "أو ابنتي".
أمي، أو) يقول (لأكبر منه): هذه ابنتي (أو) يقول (لمثله: هذه ابنتي) من الرضاع (لم تحرم عليه) لتحقق كذبه (كما لو قال: أرضعتني وإياها حَوَّاء، أو قال) عن زوجته: (هذه حوَّاء) قال ابن المُنَجَّا: ولا بُدَّ أن يلحظ أن الزوج لو قال ذلك وهي في سن لا يولد مثلها لمثله، وإن كان أصغر كان كما لو قال ذلك وهي في سنه؛ لتحقق ما ذكر فيه.
(والحكم في الإقرار بقرابة من النسب تُحَرِّمها) أي: الزوجة (عليه) أي: على المُقِرِّ بأن يقر أن زوجته أخته من النسب، أو عمته أو خالته كذلك، أو أمه أو بنته وأمكن ذلك (كالحكم في الإقرار بالرضاع) بجامع أنه أقرَّ على نفسه بما ينفسخ به نكاحه.
(وإن ادَّعى أن زوجته أخته من الرضاع، فأنكرته، فشهدت بذلك أمُّه أو ابنته أو أبوه؛ لم تقبل شهادتهم) للمانع، وهو قرابة الولادة (وإن شَهِدَ بذلك) أي: بكونها أخته من الرضاع (أمُّها أو ابنتُها أو أبوها؛ قُبلت) شهادتهم؛ لأنها عليها، لا لها.
(وإن ادعت ذلك) أي: أنها أخته من الرضاع (المرأةُ، وأنكرها الزوج، فشهدت لها أمها أو ابنتها أو أبوها؛ لم تُقبل) الشهادة؛ لقرابة الولادة.
(وإن شهدت لها أم الزوج أو ابنته أو أبوه؛ قُبِل) منهم ما شهدوا به؛ لأنها شهادة عليه لا له.
(وفي "الترغيب"، و"البُلغة": لو شهد به) أي: الرضاع (أبوها؛ لم يُقبل، بل) يُقبل إن شَهِد به (أبوه) قال في "الإنصاف": (يعني بلا دعوى. وقاله في "الرعايتين") بأن شَهِدَ بذلك حِسبة، ولم تتقدَّم شهادته دعوى من الزوج ولا من الزوجة. ووجه ذلك: أن النكاح حَقٌّ للزوج، فشهادة أبيها بالرضاع تقطعه، فتكون شهادة لابنته؛ فلم تُقبل. وشهادةُ
أبيه شهادة عليه، فَقُبِلت. هذا ما ظهر لي.
(وإن كانت الزوجة هي التي قالت: هو أخي من الرضاع، فأكذبها، ولم تأتِ بالبينة) قال في "الرعاية": وحلف (فهي زوجته في الحكم) لأنه لا يُقبل قولها في فسخ النكاح؛ لأنه حَقٌّ عليها.
(فإن كان) قولها ذلك (قبل الدخول؛ فلا مهرَ) لأنها تقرّ بأنها لا تستحقُّه (وإن كانت قبضته، لم يكن للزوج أخذه) منها، ولا طلبها به؛ لأنه يُقِرُّ بأنه حَقٌّ لها.
(وإن كان) قولها ذلك (بعد الدخول، فإن أقرَّت أنها كانت عالمة بأنها أخته، وبتحريمها عليه، وطاوعته في الوطء؛ فلا مهر لها) لإقرارها بأنها زانية مطاوعة.
(وإن أنكرت شيئًا من ذلك؛ فلها المهر) لأنه وَطْءُ شُبهةٍ (وهي زوجته في الحكم) لأن قولها غير مقبول عليه.
(وأما فيما بينها وبين الله، فإن علمت صحة ما أقرَّت به؛ لم يَحِلّ لها مساكنته، ولا تمكينه من وطئها) ولا من دواعيه؛ لأنها محرَّمة عليه (وعليها أن تفتدي وتفرَّ منه، كما قلنا في التي علمت أن زوجها طَلَّقها ثلاثًا، وتقدم
(1)
) قاله في "الشرح" و"المبدع"، و"الإنصاف".
(وينبغي أن يكون الواجبُ لها من المهر بعد الدخول أقلَّ المهرين، من المُسمَّى أو مهرِ المِثل) لأنه إن كان المُسَمَّى أقلَّ، لم يُقبل قولها في وجوب الزائد عليه، وإن كان مهر المثل الأقل، فالزائد عنه لا تستحقه؛ لاعترافها ببطلان العقد.
(وإن كان إقرارها بأخوّته قبل النكاح؛ لم يجز لها نِكاحه) لاعترافها
(1)
(12/ 400 - 401).
بتحريمه (ولا يُقبل رجوعها عن إقرارها في ظاهر الحكم.
وكذلك الرجل إنْ أقرَّ أن هذه أخته ونحوه)
كعمَّته، أو خالته، أو بنت أخيه، أو أخته (قَبْلَ النكاح، وأمكن صدقه، لا يحل له أن يتزوج بها بعد ذلك في ظاهر الحكم) مؤاخذة له بإقراره.
(و
لو ادعت أَمَةٌ أخوّة السيد بعد وطء
؛ لم يُقبل) قولها مطلقًا؛ لأن تمكينها دليل كذبها.
(و) إن ادعت الأَمَة أخوّة سيدها (قبلَه) أي: قبل الوطء (يُقبل) قولها (في تحريم الوطء) احتياطًا، و (لا) يُقبل قولها (في ثبوت العتق) لعدم تَحَقُّقِ موجبه، والأصل عدمه.
(وإذا تزوَّج امرأةً لها لبنٌ من زوج قبله) أو من سيد، أو اشترى أمة لها لبن من زوج أبانها، فوطئها (فحملت منه ولم تلد، ولم يَزِدْ لبنُها، أو لم تحمل، فهو) أي: اللبن (للأول) لأن اللبن كان له، والأصل بقاؤه.
(وإن زاد) اللبنُ بعد الحمل (زيادةً في أوانها) فاللبن لهما (فإن أرضعت به طفلًا صار ابنًا لهما) كما لو كان الولد منهما؛ لأن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنه منه، وبقاء لبن الأول يقتضي كون أصله منه، فوجب أن يُضاف إليهما.
(وإن لم يَزِد) اللبنُ بالحمل (أو زاد قبل أوانه، أو لم تحمل وزاد بالوطء؛ فـ) ــاللبن (للأول) لما تقدم.
(وإن انقطع لبنُ الأول، ثم ثاب بحملها من الثاني؛ فهو لهما) لأن اللبن كان للأول، فلما عاد بحدوث الحمل، فالظاهر أن لبن الأول ثاب بسبب الحمل من الثاني، فكان مضافًا إليهما، كما لو لم ينقطع.
(ومتى ولدت فاللبنُ للثاني وحده) إذا زاد؛ لأن زيادته بعد الولادة
تدلُّ على أنه لحاجة المولود، فتمتنع المشاركة فيه.
(إلا إذا لم يزد) اللبن (أو
(1)
لم ينقص من الأول حتى ولدت، فهو) أي: اللبن (لهما) لأن اللبن الأول أُضيف إلى الولد الأول، واستمراره على حاله أوجب بقاءه عليه، وحاجة الولد الثاني إلى اللبن أوجبت اشتراكهما فيه، كالعين إذا لم يدفع المستحقُّ الثاني صاحبَ اليد عنها يبقى استحقاقه لها.
(و
إن ادَّعى أحدُ الزوجين على الآخر أنه أقرَّ أنه أخو صاحبه من الرضاع، فأنكر) المُدّعى عليه
الإقرار (لم يُقبل في ذلك شهادة النساء المنفردات؛ لأنها شهادة على الإقرار) وهو مما يطَّلع عليه الرجال غالبًا، فلا بُدَّ فيه من رجلين، كالنكاح والقذف.
(ويُكره لبن الفاجرة والمُشْرِكة) لقول عمر
(2)
وابنه
(3)
(والذِّمية) كالمشركة (والحمقاء) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَزَوَّجوا الحمقاءَ، فإنَّ صحبتها بلاءٌ، وفي ولدها ضياعٌ، ولا تسترضعوها فإنَّ لبنها يغيِّر الطباعَ"
(4)
.
(1)
في "ذ": "و".
(2)
أخرج عبد الرزاق (7/ 476) رقم 13953، وسعيد بن منصور (2/ 123) رقم 2299، والبيهقي (7/ 464)، عنه رضي الله عنه أنه قال: إن اللبن يشبَّه عليه.
(3)
أخرج البيهقي (7/ 464)، عنه رضي الله عنه أنه قال: اللبن يشبه عليه.
قال ابن الأثير في النهاية (2/ 442): إن المرضعة إذا أرضعت غلامًا فإنه ينزع إلى أخلاقها فيشبهها، ولذلك يُختار للرضاع العاقلة الحسنة الأخلاق الصحيحة الجسم. ومنه حديث عمر: اللبن يشبَّه عليه.
(4)
الجملة الأولى: "لا تزوجوا الحمقاء. . ." أخرجها الديلمي في مسند الفردوس (5/ 23) حديث 7333، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا.
قال الفتني في تذكرة الموضوعات ص/ 127: فيه لاحق بن الحسين، كذاب أفاك. =
(والزنجية، وسيئة الخُلُق) فإنهما في معنى الحمقاء (والجَذْماء، والبَرْصاء) خشية وصول أثر ذلك إلى الرضيع، وفي "المجرد":(والبهيمة) لأنه يكون في بَلَدِ
(1)
البهيمة (وفي "الترغيب": وعمياءَ، فإنه يقال: الرضاع يُغيِّرُ الطِّباع) ويؤيده ما سبق في الحديث، بل يكاد أن يكون ذلك محسوسًا.
(ويُستحبُّ أن يعطي) الموسرُ (الظِّئرَ) المتبرِّعةَ، كما قَيَّده بعضهم (عند الفِطام عبدًا أو أَمة) مكافأة لها، فإن كانت أَمة استُحبّ له عتقها (وتقدم في الإجارة
(2)
.
و
ليس للزوجة أن تُرْضِع غير ولدها إلا بإذن الزوج
؛ قاله
(3)
الشيخ) لما فيه من تفويت حَقِّه عليه.
= والجملة الثانية: "ولا تسترضعوها. . ." أخرجها البزار "كشف الأستار"(2/ 169) حديث 1446، والطبراني في الصغير (1/ 100) حديث 137، عن عائشة رضي الله عنها بلفظ:"لا تسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يورث".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 262): إسنادهما ضعيف.
وأخرجها الطبراني في الأوسط (1/ 78) حديث 65، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:"نهى عن رضاع الحمقاء".
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 262): فيه عباد بن عبد الصمد، وهو ضعيف.
(1)
"بَلَد" كذا في الأصول والمبدع (8/ 184)، قال في تاج العروس (7/ 447): بَلُدَ ككَرُم بَلادةً، وبَلِدَ مثل فَرِحَ بَلَدًا فهو بَلِيدٌ: إذا لم يَكُن ذَكيًّا.
(2)
(9/ 43 - 44).
(3)
انظر: مختصر فتاوى ابن تيمية ص/ 452.
كتاب النفقات
كتاب النفقات
(وهي: جمع نَفَقَةٍ) وتُجمع على: نِفاق، كثمرة وثمار (وهي) في الأصل: الدراهم ونحوها من الأموال.
وشرعًا: (كفاية من يَمُونه خبزًا وأدمًا وكِسوة) بضم الكاف وكسرها؛ قاله في "الحاشية"(ومسكنًا وتوابِعَها) أي: توابع الخبز والأدم والكسوة والمسكن، كثمن الماء، والمشط، والسترة، ودهن المصباح، والغطاء، والوِطاء، ونحوها. وأصلها: الإخراج من النَّافِقاء، وهو: موضع يجعله الضب
(1)
في مؤخر الجُحْر رقيقًا، يعدُّه للخروج، إذا أُتي من بابه رفعه برأسه وخرج. ومنه سُمِّي:"النفاق"؛ لأنه خروج من الإيمان، أو خروج الإيمان من القلب، فسمي الخروج نفقة لذلك.
وهي أصناف: نفقة الزوجات، وهي المقصودة هنا، ونفقة الأقارب والمماليك، وتأتي.
(ويلزم ذلك) المذكورُ، وهو الكفاية من: الخبز، والأدم، والكسوة، وتوابعها (الزوجَ لزوجته) إجماعًا
(2)
؛ لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ. . .} الآية
(3)
. ومعنى: {قُدِرَ} : ضُيِّق. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله في النساءِ، فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستَحللتُم فرُوجهنَّ بكلمة الله، ولهنَّ عليكم نفقتُهنَّ
(4)
وكسوتُهنَّ بالمعروف" رواه
(1)
كذا في الأصل، وفي "ح" و"ذ":"اليربوع" وهو الصواب. انظر: تهذيب اللغة (9/ 192).
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 140).
(3)
سورة الطلاق الآية: 7.
(4)
في صحيح مسلم: "رزقهن".
مسلم
(1)
؛ ولأنها محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب، فوجبت نفقتها عليه كالعبد مع سيده (ولو) كانت الزوجة (ذمية) تحت مسلم أو ذمي؛ لعموم ما سبق (بـ) ــحسب (ما يصلح لمثلها) مع مثله (بالمعروف) لخبر مسلم السابق.
(وهي) أي: النفقة (مقدَّرَة بالكفاية) فيجب لها كفايتها مما ذكر؛ لحديث هند: "خُذي ما يكفيك وولدَكِ بالمعروف"
(2)
فتختلف باختلاف من تجب له في قَدْرها؛ للحديث. فأمرها بأخذ ما يكفيها من غير تقدير. والكفاية لا تختلف باليسار والإعسار، وإنما اعتبرهما الشرع في الجنس لا القدر.
(وتختلف) النفقة (باختلاف حال الزوجين) يسارًا وإعسارًا؛ لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}
(3)
(فيعتبر ذلك الحاكم بحالهما عند التنازع) لا وقت العقد، وإنما اعتبره بحالهما؛ جمعًا بين الأدلة، ورعاية لكلٍّ من الجانبين، فكان أولى. وقال القاضي: الواجب رَطلان من خبز في كل يوم في حق الموسِر والمعسر؛ اعتبارًا بالكفَّارات.
وإنما يختلفان في صفته وجَودته (فيفرض) الحاكم (للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد) الخاص (ودُهنه وأُدمه الذي جرت عادة أمثالها بأكله، من الأُرْز واللبن وغيرهما
(4)
، مما لا تكرهه عُرفًا) لأنه صلى الله عليه وسلم
(1)
في الحج، حديث 1218، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2)
تقدم تخريجه (10/ 165) تعليق رقم (2).
(3)
سورة الطلاق الآية: 7.
(4)
زاد في "ذ": "وما يُطبخ به اللحم".
جعل ذلك بالمعروف؛ وليس من المعروف إطعام الموسرة خبز المعسرة؛ ولأن الله تعالى فرَّق بين الموسر والمعسر في الإنفاق، ولم يبين ما فيه
(1)
التفريق، فوجب الرجوع إلى العُرف، وأهل العُرف يتعارفون فيما بينهم أن جنس نفقة الموسرين أعلى من جنس نفقة المعسِرين، ويعدُّون المنفقَ من الموسرين من جنس نفقة المعسرين بخيلًا (وإن تبرَّمت
(2)
بأُدْم، نقلها إلى أُدْم غيره) لأنه من المعروف.
(و) يفرض لها (لحمًا، عادةَ الموسرين بذلك الموضع. و) يفرض لها (حطبًا وملحًا؛ لطبخه) لأنها لا تستغني عنه.
(وقَدْر اللحم: رَطلٌ عراقي) وتقدم بيانه في أول المياه
(3)
، وهذه طريقة، وما قَدَّمه أولى أنه مقدَّر بالكفاية (لكن يخالف في أُدْمانه) قاله في "الفروع". قال في "المبدع": ولعله مرادهم. (قال في "الوجيز" وغيره: كل جمعة مرَّتين) جزم به في "الهداية"، و"المذهب"، و"مسبوك الذهب"، و"المستوعب"، و"الخلاصة"، و"الهادي" وغيرهم. وقدَّمه في "الرعايتين" و"الحاوي الصغير"، و"تجريد العناية".
(و) يفرض الحاكم لها من الكسوة (ما يلبس مثلها من حرير وخزّ) وهو: ما سُدي بإبريسم وأُلْحِم بغيره (وجيد كتان وقطن، وأقلّه قميص وسراويل ووقاية، وهي: ما تضعه فوق المِقْنَعة
(4)
- وتسمى: الطَّرْحة - ومقنعة، ومداس، وجُبَّة للشتاء) لأن ذلك أقل ما تقع به الكفاية؛ لأن الشخص لا بدَّ له من شيء يواري جسده وهو القميص، ومن شيء يستر
(1)
في "ذ": "ما فيه من".
(2)
"تبرمت أي تكرهت". ش.
(3)
(1/ 75).
(4)
المقنعة: ما تُقَنِّع به المرأة رأسها. القاموس المحيط ص/ 978، مادة (قنع).
عورته وهو السراويل، ومن شيء على رأسه وهو الوقاية ومن شيء في رجله وهو المداس، ومن شيء يدفئه وهو جُبَّة للشتاء، ومن شيء ينام عليه، وقد أشار إليه بقوله:(وللنوم فراش ولحاف ومِخدة) بكسر الميم (مَحْشوٌّ ذلك بالقطن المنزوع الحَبِّ، إذا كان عُرف البلد) لأنه المعروف (ومِلْحفة للحاف) لأنه معتاد (وإزار) تنام فيه إذا كانت العادة جارية بالنوم فيه، كأرض الحجاز ونحوها (وللجلوس زِلِّيٌّ - وهو: بساط من صوف، وهو الطَّنْفَسَة - ورفيع الحُصر) لأن ذلك مما لا غنى عنه.
(وتُزَاد من عدد الثياب ما جرت العادة بلُبْسِه مما لا غنى عنه) لأن الواجب دفع الحاجة الغالبة (دون ما للتجمُّلِ والزينة.
و) يفرض (للمُعسِرة تحت المُعسِر من أدنى خبز البلد كخُشْكار) ضد الناعم (بأُدْمه الملائم له عُرفًا، كالباقلاء، والخل، والبقل، والكامَخ
(1)
، وما جرت به عادة أمثالها
(2)
) لأنها إحدى الزوجين، فوجب اعتبار حالها، كالموسرة (ودُهنِه ولحمه عادة، وفي "الوجيز" وغيره) كـ "الرعاية" (في اللحم: كل شهر مَرَّة.
و) يفرض لها (ما يَلْبَسُ مثلها، أو ينام فيه من غليظ القطن والكتان، وللنوم فراش بصوف، وكساء أو عَباءة) بفتح العين والمد (للغطاء، وللجلوس بارِيَّة
(3)
أو خَيْش
(4)
) على قدر عادتها وعادة أمثالها.
(و) يفرض (للمتوسِّطة تحت المتوسّط، والموسِرة مع المعسر،
(1)
الكامخ: ما يؤتدم به، معربٌ. المعرّب للجواليقي ص/ 298.
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 46): "أمثالهما".
(3)
البارية: الحصير المنسوج. القاموس المحيط ص/ 452، مادة (بور).
(4)
الخيش: ثياب في نسجها رقة، وخيوطها غلاظ من مُشاقة الكتان. القاموس المحيط ص/ 765، مادة (خيش).
والمعسرة مع الموسر، الوسط من ذلك عُرفًا) لأن إيجاب نفقة الموسر على المُعسِر، وإنفاق المُعسِر نفقة الموسر ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه، فكان اللائق بحقّهما هو المتوسط.
قال في "المبدع": الموسر: من يَقْدِر على النفقة بماله أو كسبه، وعكسه: المعسر، وقيل: هو الذي لا شيء له، والمتوسط: من يَقْدِر على بعض النفقة بماله أو كسبه. قال ابن حمدان: ومسكين الزكاة معسر، ومَنْ فوقه متوسط، وإلا فهو موسر.
(وعليه نفقة البدوية من غالب قوت البادية بالناحية التي ينزلونها.
ويجب) للزوجة (ما تحتاج إلبه من الدُّهن للسِّراج أول الليل، أو غيره) أي: كله بحسب عادة بلدهما (على اختلاف أنواعه في بلدانه) فيجب لها (السمن في موضع، والزيت في آخر، والشَّحم في آخر، والشَّيْرَج في آخر) بحسب العُرف و (لا) بجب دُهن المصباح (لأهل الخيام والبادية) لعدم تعارفهم له.
(و
لا يجب لها إزار للخروج،
وهو المِلْحفة، ومثله الخُفُّ ونحوه) كالرَّان
(1)
(لأنه لم يُبْنَ أمرها على الخروج) ولأنها ممنوعة من الخروج لحقّ الزوج، فلا يجب عليه مؤْنة ما هي ممنوعة منه لأجله.
(و
لا بُدَّ من ماعون الدار)
لأنه لا غِنَى لها عنه (ويكتفى بخزف) - وهو: آنية الطين قبل أن يُطبخ، وهو الصلصال، فإذا شُوِيَ فهو الفَخَّار؛ ذكره في "الحاشية" - (وخشب، والعَدْلُ ما يليق بهما) أي: بالزوجين من الآنية.
(1)
الران: كالخف إلا أنه لا قدم له، وهو أطول من الخف. القاموس المحيط ص/ 1552، مادة (رين).
(و
حكم المُكاتَب والعبد) في النفقة (كالمعسر)
لأنهما ليسا بأحسن حالًا عنه (ومَنْ نصفه حرٌّ إن كان موسرًا، فكمتوسطين، وإن كان معسرًا، فكمعسرين) والواجب عليه نصف نفقته ونصف نفقة زوجته، وباقيهما على سيده.
(ولا يجب في النفقة الحَبُّ) بل الكفاية من الخبز؛ لأنه المتعارف، وكنفقة العبيد؛ ولأن الحَبَّ يحتاج إلى كلفة ومُؤْنة (فلو طَلَبتْ مكانَ الخبز حبًّا أو دراهم أو دقيقًا أو غير ذلك) لم يلزمه بذله (أو) طَلَبتْ (مكانَ الكسوة دراهم، أو غيرها) من العروض (لم يلزمه بذله) لأن ذلك معاوضة، فلا يُجبر عليها.
(و) كذا (لا يلزمها قَبوله بغير رضاها لو بذله) الزوج أي: ما ذكر بدَل الخبز أو الكسوة؛ لما مَرَّ (وإن تراضيا) أي: الزوجان (على ذلك) أي: أخذ العوض (جاز) لأن الحق لا يعدوهما (بخلاف الطعام) في الكفَّارة؛ فإنه حق لله تعالى (وليس هو معاوضة حقيقة) لأن الشارع لم يُعَيِّن الواجب بأكثر من الكفاية، فبأي شيء حصلت كان هو الواجب، وإنما صِرْنا إلى إيجاب الخبز عند الاختلاف؛ لأنه المتعارَف، فرجح بذلك.
(و) إذا تراضيا على العوض في النفقة، أو الكسوة، أو فيهما، فـ (ــلكلٍّ منهما الرجوع عنه بعد التراضي في المستقبل) لعدم استقراره.
(ولا يملك الحاكم فرض غير الواجب كدراهم مثلًا) إلا باتفاقهما، ولا يجبر من امتنع منهما، قال في "الهدي"
(1)
: وأما فرض الدراهم فلا أصل له في كتاب ولا سُنَّة، ولا نَصَّ عليه أحد من الأئمة؛ لأنها معاوضة
(1)
زاد المعاد (5/ 510).
بغير الرضا عن غير مستقر. قال في "الفروع": وهذا متَّجه مع عدم الشقاق وعدم الحاجة، فأما مع الشقاق والحاجة - كالغائب مثلًا - فيتوجَّه الفرض؛ للحاجة إليه على ما لا يخفى (ولا يعتاض عن الماضي) من واجب النفقة (برِبَويّ) لأنه ربًا.
(و) يجب (عليه) أي: الزوج (مُؤْنة نظافتها من الدُّهن) لرأسها (والسِّدْر) وأُشنان (والصابون، وثمن ماء شرب ووضوء وغسل من حيض ونفاس، وجنابة ونجاسة، وغسل ثياب، وكذا المشط وأجرة القَيِّمة ونحوه، وتبييض الدَّسْتِ
(1)
وقت الحاجة) إليه؛ لأن ذلك يراد للتنظيف، كتنظيف الدار المؤجرة.
(ولا يجب عليه) أي: الزوج (الأدوية وأجرة الطبيب والحجَّام والفاصِد) والكَحَّال؛ لأن ذلك يُراد لإصلاح الجسم، كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار.
(وكذا ثمن الطيب والحِنَّاء والخِضَاب، ونحوه) كالإسْفِيذاج
(2)
؛ لأن ذلك من الزينة، فلم يجب عليه، كشراء الحلي (إلا أن يريد منها التزيُّن به) لأنه هو المريد لذلك (أو قطع رائحة كريهة منها) أي: يلزمه ما يراد لقطع رائحة كريهة منها، كما ذكره في "المغني" و"الشرح" و"الترغيب"(ويلزمها ترك حِنَّاء وزينة نهاها عنه) ذكره الشيخ تقي الدين
(3)
.
(1)
الدست: إناء كبير يحول باليد وينقل، ودست الغسيل: مِرْكن تغسل فيه الثياب. المعجم الوسيط (1/ 282) مادة (دست)، وتكملة المعاجم العربية (4/ 351) مادة (دست).
(2)
الإسفيذاج تقدم تعريفه في كلام المؤلف (13/ 48).
(3)
انظر: الفروع (5/ 579).
(وإذا احتاجت) الزوجة (إلى من يخدِمُها؛ لكون مثلها لا تخدِمُ نفسها، أو لمرضها ولا خادم لها؛ لزِمه لها خادم) لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(1)
؛ ولأنه مما يحتاج إليه على الدوام، أشبه النفقة (حرٌّ أو عبدٌ، إما بشراء أو كراء أو عارية) لأن المقصود الخدمة، كما لو أسكنها دارًا بالأجرة أو عارية. والخادم واحدُ الخدم، يقع على الذَّكر والأنثى؛ لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، كحائض وعاتق؛ ذكره في "الحاشية".
(ولا يلزمه) أي: الزوج (أن يُمَلِّكَها إياه) أي: الخادم؛ لأن الواجب عليه الإخدام لا التمليك، فإن مَلَّكها إياه فقد زادها خيرًا.
(ولا إخدام) عليه (لرقيقةٍ، ولو كانت جميلة) لأنها ليست كالزوجة (فإن طلبت) الزوجة (منه أجر خادمها فوافقها؛ جاز) لأن الحق لا يعدوهما (وإن أبى) الزوج ذلك (وقال: أنا آتيك بخادم سواه؛ فله ذلك إذا أتى بمن يصلح لها) لأنه الواجب عليه، ولا يُجبر على المعاوضة.
(و
لا يكون الخادم إلا ممن يجوز له النظر إليها)
أي: إلى الزوجة (إما امرأة، أو ذو رَحِم محرم) لأن الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله، فلا يسلم من النظر (فإن كان الخادمُ مِلْكَها، كان تعيينه إليهما) أي: إلى الزوجين. فإذا رضيت بخدمته ونفقته على الزوج ورضي بذلك جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما (وإن كان) الخادم (مِلكَه أو استأجره أو استعاره، فتعيينه إليه) لأن أجرته عليه، فيكون تعيينه إليه
(2)
.
(ويجوز أن تكون) الخادم (كتابية) لأنها يجوز لها النظر للمسلمة،
(1)
سورة النساء، الآية:19.
(2)
في "ذ": "فتكون نفقة عليه، وتعيينه إليه".
كما تقدَّم
(1)
(ويلزمها) أي: الزوجة (قَبولها) أي: الكتابية؛ لأنها تصلح للخدمة.
(وله تبديل خادم ألِفَتها) الزوجة؛ لأن التعيين إليه (ولا يلزم) الزوج (أجرة من يوضِّئُ) زوجة (مريضة) بخلاف رقيقه المريض الذي لا يمكنه الوضوء بنفسه.
(وتلزمه نفقة الخادم وكسوتُه بقدر نفقة الفقيرين) لأنه معسِر، وحاله حال المعسِرين (إلا في النَّظافة، فلا يجب عليه لها) أي: الخادم (ما يعود بنظافتها، ولا مُشطٌ ودهن وسِدْرٌ لرأسها) لأن ذلك يُراد للزينة والتنظيف، وهذا غير مُراد من الخادم (فإن احتاجت) الخادم (إلى خُفّ ومِلحَفة لحاجة الخروج؛ لزمه) ذلك؛ لدعاء الحاجة إليه (إلا إذا كانت) الخادم (بأجرة أو) كانت (عارية، فـ) ـــنفقتها وما تحتاج إليه (على مؤجر ومُعير) لأن المكريَ ليس له إلا الأجرة، والمُعير لا تسقط عنه نفقة مِلكه بإعارته.
(ولا يلزمه) أي: الزوج (أكثرُ من نفقة خادم واحد) لأن المستحقَّ خدمتُها في نفسها، وذلك يحصل بالواحد، وما زاد إنما هو للتجمّل أو نحوه، وليس بواجب عليه.
(فإن قالت) لزوجها: (أنا أخدِمُ نفسي، وآخذ ما يلزمُك لخادمي؛ لم يلزمه) ذلك؛ لأن الأجرة عليه، فتعيين الخادم إليه.
(وإن قال) الزوج: (أنا أخدِمُك) بنفسي (لم يلزمها قَبوله) لأنها تحتشمه، وفيه غَضاضة عليها؛ لكون زوجها خادمًا لها.
(1)
(11/ 165).
(ولو أرادت من لا إخدام لها
(1)
أن تتخذ خادمًا وتنفِق عليه من مالها، فليس لها ذلك إلا بإذن الزوج) لها فيه، ويلزمه مؤنِسة لحاجة.
فصل
(و) تجب (عليه نفقة المطلَّقة الرجعية، وكسوتُها، ومسكنُها، كالزوجة) فيما تقدم (سواء) لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(2)
؛ ولأنها زوجة يلحقها طلاقُه وظِهارُه، أشبه ما قبل الطلاق (إلا فيما يعود بنظافتها) لأنها غير مُعَدَّة للاستمتاع.
(فأما البائن بفسخ أو طلاق، فإن كانت حاملًا، فلها النفقة) لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(3)
(تأخذها كل يوم قبل الوضع) للآية (ولها السُّكنى) لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
(3)
(و) لها (الكِسوة) لدخولها في النفقة؛ ولأن الحمل ولده، والإنفاق عليه دونها متعذِّر، فوجب، كما وجبت أجرة الرَّضاع.
(وإن لم تكن) البائن (حاملًا، فلا شيء لها) لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "ليس لك نفقةٌ" رواه البخاري، ومسلم
(4)
وزاد: "ولا سُكنى". وفي لفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على
(1)
في "ح": "من لا خادم لها".
(2)
سورة البقرة، الآية:228.
(3)
سورة الطلاق، الآية:6.
(4)
أخرجه مسلم في الطلاق، حديث 1480، وعزاه المزي في تحفة الأشراف (12/ 463) إلى مسلم فقط، ولم نقف عليه في مظانه من صحيح البخاري.
زوجِها ما كانت له عليها الرجعة، فإن لم يكن له الرجعة، فلا نفقة ولا سُكنى" رواه أحمد والحميدي
(1)
، وقول عمر
(2)
بوجوب السكنى لها خالفه علي
(3)
وابن عباس
(4)
وجابر
(5)
.
(1)
أحمد (6/ 373، 415)، والحميدي (1/ 176) حديث 363. وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (1/ 321) حديث 1358، والدارقطني (4/ 23)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 861)، والبيهقي (7/ 473)، كلهم من طريق مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عنها. وأخرجه النسائي في الطلاق، باب 7، حديث 3403، وابن سعد (8/ 275)، والطبراني في الكبير (24/ 382) حديث 948، من طريق سعيد بن يزيد الأحمسي، والدارقطني (4/ 22 - 23) من طريق جابر الجعفي، والبيهقي (7/ 473 - 474) من طريق فراس بن يحيى، كلهم - الثلاثة - عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، به.
صححه ابن القيم في زاد المعاد (5/ 525 - 526).
وقال البيهقي: وأما قوله: إنما السكنى والنفقة لمن كانت عليه رجعة، فليس بمعروف في هذا الحديث، ولم يرد من وَجْهٍ يثبت مثله. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 474): هكذا أورده الدارقطني وغيره، ولكن قد تبين أن هذه الزيادة التي هي:"إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة" إنما زادها مجالد وحده من الجماعة التي روته عن الشعبي، وقد أورد مسلم الحديث دونها. وقال الحافظ في الفتح (9/ 480): وأما ما أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن فاطمة في آخر حديثها مرفوعًا: إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة، فهو في أكثر الروايات موقوف عليها. وقد بين الخطيب في المدرج أن مجالد بن سعيد تفرد برفعه، وهو ضعيف، ومن أدخله في رواية غير رواية مجالد عن الشعبي، فقد أدرجه، وهو كما قال، وقد تابع بعض الرواة عن الشعبي في رفعه مجالدًا، لكنه أضعف منه.
(2)
أخرجه مسلم في الطلاق، حديث 1480 (46).
(3)
أخرج عبد الرزاق (7/ 25) رقم 12030، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا رضي الله عنه قال في المبتوتة: لا نفقة لها، ولا سكنى.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 321 - 322) رقم 1363، والبيهقي (7/ 475).
(5)
أخرج البيهقي (7/ 475)، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: نفقة المطلقة ما لم تحرم، فإذا حرمت، فمتاع بالمعروف.
(فإن لم ينفق عليها يظنها حائلًا، ثم تبين أنها حامل، فعليه نفقة ما مضى) لأنّا تبيَّنَّا استحقاقها له، فرجعت به عليه، كالدَّين (سواء قلنا: النفقة للحمل، أو لها من أجله، في ظاهر كلامهم) وقال ابن حمدان: إن قلنا النفقة لها؛ وجبت، وإلا؛ فلا (وعكسها) بأن أنفق عليها يظنُّها حاملًا، فبانت حائلًا (يرجع عليها) لأنّا تبيّنَّا عدم استحقاقها، أشبه ما لو قضاها دَينًا، ثم تبين براءته منه.
(وإن ادَّعت) بائن (أنها حامل، أنفق عليها) مُبِينها (ثلاثة أشهر) من ابتداء زمن ذكرت أنها حملت منه (إلا أن تظهر براءتها قبل ذلك) أي: قبل مضيّ الثلاثة أشهر (بحيض أو غيره، فيقطع النفقة) عنها؛ لتبيّن عدم الحمل (فإن مضت) الثلاثة أشهر (ولم يَبِنْ) حملها (رجع عليها) بنظير ما أنفق (سواء دفع إليها بحكم حاكم، أو بغيره، شَرَط أنها نفقة، أو لم يشرط) ذلك؛ لأن الحمل يتبين بعد ثلاثة أشهر، وقرينة الحال دالّة أنه إنما دفع إليها على وجه النفقة.
(و
إن ادَّعت الرجعيّةُ الحملَ، فأنفق عليها أكثر من مدَّة عِدّتها،
رجع عليها بالزيادة) لتبيّن عدم استحقاقها لها (ويُرجَعُ في) قدر (مدة العِدَّة إليها) لأن ذلك لا يعلم إلا من جهتها.
(ولا يرجع بالنفقة في النكاح الفاسد
(1)
إذا تبين فساده، سواء كانت النفقة قبل مفارقتها أو بعدها) لأنه إن كان عالمًا بعدم الوجوب، فهو متطوّع بالإنفاق، وإن لم يكن عالمًا، فهو مُفرِّط، فلم يرجع بشيء (كما لو أنفق على أجنبية) بلا إذنها؛ لأنه متبرِّعٌ.
(وتجب) النفقة على المُبِين (للحمل لا لها) أي: البائن (من أجله)
(1)
"وقياسه البيع الفاسد؛ قاله شيخنا". ش.
أي: الحمل؛ لأنها تجب بوجود الحمل وتسقط عند انقضائه (وتستحقّ) البائن (قبضها) أي: النفقة (والتصرُّف فيها) ولذلك صَحَّت مخالعتها عليها، كما تقدم.
(ف
تجب) النفقة (على زوج لـ) ـــزوجة (ناشز حامل، ولمُلاعِنَةٍ حامل)
لأن النفقة للحمل وهو ولده (ولو نفاه؛ لعدم صِحّة نفيه) ما دام حملًا (فإن نفاه بعد وَضْعه، فلا نفقةَ في المستقبل) لانقطاع نسبه عنه (فإن استلحقه) المُلاعِن بعد نفيه لَحِقه نسبه، و (رجعت عليه الأم مما أنفقتْهُ، وبأجرة المسكن والرضاع، سواء قلنا: النفقة للحمل، أو لها من أجله) لأنّا تبيّنَّا أنها كانت مستحقة عليه، فوجب عليه أداؤها كما لو كان عليه دين لم يعلمه ثم علمه.
(وتجب) النفقة (لحامل من وطء شُبهة، أو نكاح فاسد على الواطئ) لأنه لاحِق به والنفقة له.
(و) تجب النفقة (لمِلك يمين على السيد، ولو أعتقها) وهي حامل؛ لأنه ولده.
(و) تجب
نفقة الحامل من زوج ميت
(على وارثِ زوجٍ ميت) للقرابة إذا لم يكن للحمل مال (و) تجب (من مال حملٍ موسرٍ، فتسقط عن أبيه) وعن وارثه؛ لأن الموسِر لا تجب نفقته على غيره.
(وإن تلفت) النفقة بيد حامل من المذكورات (من غير تفريط) منها (وجب) على من قلنا: عليه نفقة حملها (بَدَلُها) لأن ذلك حكم نفقة الأقارب.
(ولا تجب) نفقة الحمل (على زوجٍ رقيق، ولا مُعسر، ولا غائب) لأنها نفقة قريب (فلا تثبت في الذِّمة، كنفقة الأقارب.
وتسقط بمضيّ الزمان) كنفقة الأقارب (ما لم تَسْتَدِنْ بإذن حاكم، أو تنفق بنية الرجوع، إذا امتنع من الإنفاق من وجب عليه) الإنفاق على الحمل؛ لكونها قامت عنه بواجب.
(ولا تجب) نفقة الحمل (على مَن لا يلحقه نَسَبُ الحمل، كزانٍ) لعدم القرابة.
(ولا) تجب نفقة الحمل (على وارثِ) الحمل (مع عُسْرِ زوجٍ) لاحِق به الحمل؛ لحجبهم به. قلت: إلا أن يكون الوارث من عمودَيِ النسب، فتجب عليه مع يساره، كما يأتي نظيره في نفقة الأقارب.
(و
لا تجب فِطْرَةٌ حاملٍ مُطَلَّقة)
وإن قلنا: تجب نفقتها؛ لأن النفقة للحمل، وفِطرته غير واجبة، بل تستحبُّ.
(و
لا يصح جَعْلُ نفقة الحامل عوضًا في الخُلْع
؛ لأن النفقة ليست لها) بل للحمل، فلا تعاوض بها. هذا معنى كلام الشيرازي. وقال القاضي والأكثرون: يصح على الروايتين. وجزم به المُصنِّفُ في الخلع
(1)
؛ لأنها في حكم المالِكة لها؛ لأنها التي تقبضها وتستحقها، وتتصرَّف فيها، فإنها في مدة الحمل هي الآكلة
(2)
لها، وبعد الولادة هي أجرة رَضاعها إياه، وهي الآخذة لها.
(ولو وُطئت الرجعيّة بشُبهة أو) وُطئت بـ (ـــنكاح فاسد، ثم بان بها حمل يمكن أن يكون من الزوج و) من (الواطئ) بنكاح فاسد (فعليهما) أي: الزوج والواطئ الآخَر (النفقةُ حتى تضع، و) عليهما النفقة (بعد الوضع حتى ينكشف الأبُ منهما) ويتميز (ومتى ثَبَت نَسبُهُ) أي: الحمل
(1)
(12/ 153).
(2)
في "ذ": "المالكة".
(من أحدهما) أي: من الزوج أو الواطئ بشُبهة أو بنكاح فاسد (رجع عليه الآخرُ) الذي لم يلحق به (بما أنفق) عليه؛ لأنه أدَّى عنه شيئًا هو واجب عليه، بناءً على أنه واجب على الدافع، فرجع عليه به؛ لأنه قام عنه بواجب.
"تتمة": قال في "المبدع": فإنْ وُطِئت زوجتُه، فحملت، فالنفقة على الواطئ إن وجبت للحمل، ولها على الأصح إن كانت مُكرَهة أو نائمة، وإن كانت مطاوِعة تظنُّه زوجها؛ فلا.
(ولا نفقة من التَّرِكة لمتوفًّى عنها زوجُها، ولو) كانت (حاملًا) لأن النفقة للزوجة تجب للتمكين من الاستمتاع وقد فات (ونفقة الحمل من نصيبه) فينفق عليها من نصيبه، كما نقله الكحَّال
(1)
في حمل أُمِّ الولد
(2)
. واستشكله المجد بأن الحمل إنما يرث بشرط خروجه حيًّا ويوقف نصيبه، فكيف يتصرف فيه قبل تحقق الشرط؟ ويُجاب: بأن هذا النص يشهد لثبوت مِلكه من حين موت موروثه
(3)
، وإنما خروجه حيًّا يتبين به ذلك، فإذا حكمنا له بالمِلك ظاهرًا، جاز التصرُّف فيه بالنفقة الواجبة عليه وعلى من تلزمه نفقته، لا سيما والنفقة على أمه يعود نفعها إليه، كما يُتصرَّف في مال المفقود.
(ولا) نفقة (لأمِّ ولدٍ حامل، وينفق) عليها (من مال حَمْلها،
(1)
هو محمد بن يحيى الكحّال، أبو جعفر البغدادي، المتطبب، كان من كبار أصحاب الإمام أحمد، وعنده عنه مسائل كثيرة حسان، وكان الإمام أحمد يقدمه ويكرمه، طبقات الحنابلة (1/ 328).
(2)
القواعد الفقهية ص/ 192، والفروع (5/ 451).
(3)
في "ح" و"ذ": "مورثه".
نصًّا
(1)
) كما تقدم
(2)
، وفيه ما سبق.
(ولا سُكنى لهما) أي: للمتوفَّى عنها
(3)
ولو حاملًا، وأُمّ الولد الحامل (ولا كسوة) لما تقدم في النفقة
(2)
.
وفي "المغني" في المتوفَّى عنها: إن مات وهي في مسكنه، قدِّمت به، ويُستدل له بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ. . .} الآية
(4)
نسخ بعض المدة، وبقي باقيها على الوجوب، ولو لم تجب السُّكنى لفُريعة
(5)
لم يكن لها أن تسكن إلا بإذنهم. وجوابه: أن الآية منسوخة، وقصة فُريعة قضية في عين.
(ولا تجب النفقة في النكاح الفاسد) لأن وجود العقد كعدمه (لغير حامل) فإن كانت حاملًا، فالنفقة للحمل.
(ولا) تجب النفقة (لـ) ـــزوجة (ناشز غير حامل) لأن النفقة في نظير تمكينها من الاستمتاع، والناشز غير ممكّنة.
(فإن كان لها) أي: الناشز (ولد، أعطاها نفقةَ ولدها إن كانت هي الحاضنة له أو المرضعة) له؛ لأن نفقته ليست في نظير التمكين بل للقرابة، وهي موجودة مع نشوز أمه (ويعطيها - أيضًا - أجرة رَضاعها إن طالبت بها) وإن كانت في حِباله؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
(6)
.
(1)
انظر: القواعد الفقهية ص/ 192، والفروع (5/ 451).
(2)
(13/ 127).
(3)
في "ذ": "للمتوفَّى عنها زوجها".
(4)
سورة البقرة، الآية: 240 وتتمتها: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيرَ إِخْرَاجٍ} .
(5)
تقدم تخريج حديثها (13/ 51) تعليق رقم (1).
(6)
سورة الطلاق، الآية:6.
والناشز: العاصية لزوجها (فمن امتنعت من فراشه، أو) من (الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو خرجت) من منزله بغير إذنه (أو سافرت، أو انتقلت من منزله بغير إذنه، أو أَبَت السفر معه، إذا لم تشترط بلدها، فهي ناشز) وتقدم بيانه.
فصل
(ويلزَمُه) أي: الزوج (دَفْعُ القُوت) أي: الخبز والأُدم (إلى الزوجة) لا بَدَلُهُ، ولا حَبٌّ إن لم يتراضيا عليه (في صدر كلِّ نهارٍ، وذلك إذا طلعت الشمس) لأنه أول وقت الحاجة (فإن اتفقا) أي: الزوجان (على تأخيره) أي: القوت عن طلوع الشمس (أو) على (تعجيله لمدَّة قليلةٍ أو كثيرة؛ جاز) لأن الحقَّ لهما لا يخرج عنهما، كالدين، وتملكه بقبضه؛ قاله في "الترغيب" (واختار الشيخ
(1)
: لا يلزمه تمليك؛ بل يُنفِقُ ويكسو بحسب العادة. انتهى.
ولو أكلت) الزوجة (مع زوجها عادة؛ سقطت نفقتُها) عملًا بالعُرف.
(وكذا إن كساها) الزوج (بدون إذنها، و) بدون (إذن وليِّها) إن كانت سفيهة، أو مجنونة، أو صغيرة يوطأ مثلها، عملًا بالعادة (ونوى أن يعتدَّ بها) أي: بالنفقة، أو الكسوة، فإن لم ينوِ؛ لم يعتدَّ بها؛ ذكره في "الرعاية" وهو ظاهر كلامه في "المغني". وقال في "الإنصاف": إن لم يتبرَّع سقطت عنه مطلقًا على الصحيح من المذهب؛ صحَّحه في
(1)
الاختيارات الفقهية ص/ 409.
"الفروع" وقطع به المصنِّف فيما يأتي قريبًا.
(وإن رضيت) الزوجة (بالحَبِّ لزمه أجرةُ طَحْنِهِ وخَبْزِه) لأنه من مُؤْنته، وكذا ينبغي أن يُقال في نفقة القريب.
(ف
إن طلب أحدهما دفع القيمة عن النفقة أو الكسوة؛ لم يلزم الآخرَ)
إجابتُه؛ لأنها معاوضة (وتقدم) ذلك (أول الباب
(1)
.
ويلزمه) أي: الزوج (كسوتُها في كل عام مرةً) لأنه العادة (ويلزم الدفع) للكسوة (في أوله) أي: العام (لأنه أولُ وقتِ الوجوب) وقال الحلواني، وابنه، وابن حمدان: في أول الصيف كسوة، وفي أول الشتاء كسوة، ولعله مراد "الواضح" بقوله: كل نصف سنة.
(وتملكها) أي: الكسوة بالقبض (مع نفقة) أي: وتملك النفقة - أيضًا - (بالقبض) كما يملك ربُّ الدَّين دينه بقبضه.
(وغطاء ووِطاء ونحوهما) كستارة (ككسوة) فيجب كل عام، وتملكه بقبضه، واختار ابن نصر الله أنه كماعون الدار بحسب الحاجة.
(ولا تملك) الزوجةُ (المسكنَ، وأوعية الطعام، والماعون، والمشط، ونحو ذلك، لأنه إمتاع؛ قاله في "الرعاية".
وإن أكلت) الزوجة (معه) أي: الزوج (عادة، أو كساها بلا إذن) منها، أو من وليِّها (ولم يتبرَّع؛ سقطت) كما تقدم. (و) إن اختلفا في نية التبرُّع فـ (ــالقول قوله في ذلك) أي: أنه لم ينوِ التبرُّع؛ لأن الأصل عدمه، وهو أدرى بنيته.
(وإذا قبضتها) أي: النفقة، أو الكسوة (فسُرقت، أو تلفت، أو بَليت؛ لم يلزمه عوضُها) لأنها قبضت حقَّها، فلم يلزمه غيره، كالدَّين إذا
(1)
(13/ 118).
وفَّاها إياه ثم ضاع منها.
لكن لو بليت في الوقت الذي يبلى فيه مثلها؛ لزمه بدلها؛ لأن ذلك من تمام كسوتها، وإن لم يمضِ زمن تَبلى فيه عادة - وإنما بليت قبله لكثرة خروجها ودخولها - فلا، أشبه ما لو أتلفتها.
وإن مضى زمنٌ يَبلى فيه مثلها بالاستعمال ولم تبْلَ فوجهان:
أحدهما: لا يلزمه بدلها؛ لأنها غير محتاجة للكسوة.
والثاني: بلى؛ لأن الاعتبار بمضيّ الزمان دون حقيقة الحاجة؛ ذكره في "المبدع".
(وإذا انقضت السنة وهي) أي: الكسوة (صحيحة، فعليه كسوة السَّنة الأخرى) لأن الاعتبار بمضيّ الزمان دون بقائها، بدليل ما لو تلفت.
(وإن مات) الزوج قبل مضيّ السنة (أو ماتت، أو بانت قبل مضي السنة) رجع بقسطه (أو تسلَّفت) أي: تعجَّلت (النفقة أو الكسوة، فحصل ذلك) أي: مات، أو ماتت، أو بانت (قبل مضيّها) أي: مضيّ المدة التي تسلَّفتْ نفقتها، أو كسوتها (رجع بقسطه) لتبيّن عدم وجوبه عليه.
(لكن لا يرجع) من عجَّل نفقةً ثم سقطت (ببقية يوم الفُرقة إلا على ناشز) لأنه يمكنها ألا تعطيه شيئًا، بأن ترجع إلى الطاعة. قال في "شرح المنتهى": والأظهر أنه إن أعادها
(1)
في ذلك اليوم لم تلزمه ثانيًا.
(وإذا قبضت) الزوجة (النفقةَ) أو الكسوةَ (فلها التصرُّفُ فيها على وجه لا يضرّ بها، ولا يَنْهَكُ) - بفتح الهاء - أي: يجهد (بدنَها) لأنها ملكتها بالقبض (فيجوز لها بيعُها، وهبتُها، والصدقةُ بها، وغير ذلك،
(1)
في "ح" و"ذ" زيادة: "أي غير ناشز".
فإن عاد) التصرف (عليها بضررٍ في بدنها، أو نقص في استمتاعها؛ لم تملكه) لأنه يفوت حقّه بذلك (وإذا دفع إليها الكسوةَ، فأرادت بيعَها، أو الصدقة بها، وكان ذلك يضرّ بها، أو يُخِلُّ بتجمّلها بها، أو) يخلّ (بسترها
(1)
؛ لم تملك ذلك) لما فيه من تفويت حق الزوج أو حق الله.
(ولو أهدى لها كسوة لم تَسقُطْ كسوتُها) كما لو أهدى المدين لربِّ الدَّين شيئًا لم يسقط دَينُه به.
(ولو أُهدي لها طعامٌ فأكَلَتْهُ، وبقِيَ قوتُها إلى الغَدِ لم يسقط قُوتُها فيه) أي: في الغد؛ لأن الاعتبار بمضيّ الزمان لا بحقيقة الحاجة، كما تقدم، بخلاف نفقة القريب؛ لأنها إمتاع بحسب الحاجة.
(وإن غاب) الزوج (مدةً ولم يُنفِقْ، فعليه نفقةُ ما مضى، سواء تَرَكها) أي: النفقة (لعُذْرٍ أو غيره، فَرَضَها حاكمٌ، أو لم يفرضْها) حاكم؛ لما روى الشافعي بسنده عن ابن عمر: "أنَّ عمرَ كتب إلى أمراءِ الأجنادِ في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن يُنْفِقُوا أو يُطَلِّقُوا، فإن طَلَّقوا بعثوا بنفقة ما مضى" ورواه البيهقي
(2)
(1)
في "ذ": "بسترتها".
(2)
الشافعي في الأم (5/ 91، 107، 7/ 121)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 65)، والبيهقي (7/ 469)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 284) رقم 15528.
وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 93 - 94) رقم 12346 - 12347، وابن أبي شيبة (5/ 214)، وصالح بن أحمد في مسائله (3/ 117) رقم 1466، وابن المنذر في الأوسط - كما في البدر المنير (8/ 315) -، وابن حزم في المحلى (9/ 510، 10/ 89). وذكره الحافظ ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 243) وجوّد إسناده، ونقل عن أبي حاتم الرازي تصحيحه للحديث. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 257): رواه الشافعي في مسنده بإسناد صحيح على شرطه. وحسن إسناده الحافظ في بلوغ المرام رقم 1148.
أيضًا
(1)
.
قال ابن المنذر
(2)
: هذه نفقة وجبت بالكتاب، والسنة، والإجماع، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها. والكسوة والسكنى كالنفقة؛ ذكره في "الرعاية الكبرى".
(وإذا أنفقت) الزوجة (في غيبته من ماله، فبان) الزوج (ميتًا؛ رجع عليها الوارث) بما أنفقته منذ مات؛ لأن وجوب النفقة ارتفع بموت الزوج، فلا تستحق ما قبضته من النفقة بعد موته؛ قال أبو العباس
(3)
: وعلى قياسه: كلُّ من أُبيح له شيء وزالت الإباحة بفعل الله أو بفعل المبيح، كالمُعير إذا مات أو رجع، والمانح، وأهل الموقوف عليه.
(وإن فارقها) الزوج بائنًا (في غيبته فأنفقت ماله؛ رجع) الزوج (عليها بما بعد الفُرقة) البائنة؛ لما سبق (وتقدم
(4)
معناه في العِدَدِ في امرأة المفقود إذا أنفقت) من ماله ثم ظهر أنه كان مات أو طلق. انتهى.
فصل
(وإذا بذلت) الزوجة (تسليمَ نفسِها البذلَ التامَّ) بألا تسلِّم في مكان دون آخر، أو بلد دون آخر، بل بذلت نفسها حيث شاء، مما يليق بها (وهي ممن يوطأ مثلها) كذا أطلقه المصنف هنا تبعًا للخرقي، وأبي الخطاب، وابن عقيل، والموفق، والشيرازي. وأناط القاضي ذلك بابنة
(1)
في "ح" و"ذ" زيادة: "قال ابن المنذر: هو ثابت بن عمر، ولأنه حق لها وجب عليه بحكم العوض، فرجعت به عليه كالدين".
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء (4/ 143).
(3)
الاختيارات الفقهية ص/ 410.
(4)
(13/ 35).
تسع سنين، وتبعه في "المحرر" و"الوجيز"، وهو مقتضى نصِّ أحمد في رواية صالح
(1)
وعبد الله
(2)
، وسئل: متى تؤخذ من الرجل نفقة الصغيرة؟ فقال: إذا كان مثلها يوطأ كبنت تسع سنين. ويمكن حمل الإطلاق على هذا؛ لقول عائشة: "إذا بلغت الجاريةُ تسعًا فهي امرأةٌ"
(3)
.
(أو بذله) أي: التسليم (وليُّها، أو تَسلَّم من يلزمه تسلُّمها) وهي التي يوطأ مثلها (لزمته النفقةُ والكسوةُ، كبيرًا كان الزوج أو صغيرًا) وسواء كان (يمكنه الوطء أو لا يُمكنه، كالعِنِّين، والمجبوب، والمريض) لأن النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع، وقد أمكنته من ذلك، كالمؤجِر إذا سلَّم المؤجرة أو بذله.
وعُلم منه: أن النفقة لا تجب بالعقد ولو تساكنا طويلًا - ويأتي - ما لم تبذل أو تسلم؛ فتجب (حتى ولو تعذَّر وطؤها لمرضـ) ـها (أو حيض، أو نفاس، أو رَتْق، أو قَرْن، أو لكونها نِضْوة الخَلْق) أي: هزيلة (أو حدث بها شيء من ذلك) أي: المرض، أو الحيض، أو النفاس، أو الرَّتق ونحوه (عنده) أي: الزوج؛ لأن الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها.
ولو بذلت الصحيحة الاستمتاع بما دون الفرج لم تجب نفقتها (لكن لو امتنعت من التسليم) وهي صحيحة (ثم حَدَثَ لها مرض فبذلته) أي: التسليم (فلا نفقة) لها ما دامت مريضة، عقوبة عليها بمنعها نفسها في حالة يتمكن من الاستمتاع بها فيها وبذلها
(4)
في ضدها.
(1)
مسائل صالح (2/ 146 - 148) رقم 713.
(2)
مسائل عبد الله (3/ 1020) رقم 1391.
(3)
تقدم تخريجه (1/ 478) تعليق رقم (2).
(4)
في "ذ": "وبذلتها".
(وتقدّم أول عشرة النساء
(1)
: إذا ادَّعت عَبالة ذَكَره) وعِظَمَه، أي: أنه يجوز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما؛ لأنه موضع حاجة، وكذا لو ادَّعت أن عليها ضررًا في وطئه، لضيق فرجها، أو قروح به، قُبِلَ بامرأة ثقة.
(فإن كان الزوج صغيرًا) فالنفقة عليه كالكبير؛ لأن الاستمتاع بها ممكن، وإنما تعذَّر بسبب من جهة الزوج، أشبه الكبير إذا هرب، و (أُجبِر وليُّه على نفقتها من مال الصبي) لأنها عليه، والولي ينوب عنه في أداء الواجبات، كالزكاة، وكذا السفيه والمجنون.
(وإن كانت) الزوجة (صغيرةً لا يُمْكِنُ وطؤها، وزوجها طفلٌ أو بالغ، لم تجب نفقتها ولو مع تسليم نفسها) أو تسليم وليِّها لها؛ لأنها ليست محلًّا للاستمتاع بها، فلا أثر لتسليمها.
قلت: لو زوَّج الوليُّ الصغيرة التي لا يوطأ مثلها، وأراد تسليمها مضارَّة لإسقاط حق الحضانة؛ لم يملك ذلك، كما لو أراد السفر بقصد المضارّة، على ما يأتي في الحضانة.
(وإن بذلت) زوجةٌ، أو بذل وَليُّها (تسليمَ نفسها، والزوجُ غائب، لم يُفرض لها) النفقة (حتى يُرَاسله حاكمُ الشرع) لأنها بذلت في حالٍ لا يمكنه التسلّم فيه (فيكتب) القاضي (إلى حاكم البلد الذي هو) أي: الزوج (فيه ليستدعيه ويُعْلمه ذلك) أي: أن زوجته بذلت تسليم نفسها (فإن سار) الزوج (إليها، أو وكَّل من يتسلمها) له ممن يحلّ له ذلك، كمَحْرَمها (فوصل فتسلَّمها هو) أي: الزوج (أو نائبه؛ وجبت النفقة) حينئذ؛ لأن البذل قبل ذلك وجودُه كعدمه.
(1)
(12/ 71).
(فإن لم يفعل) الزوج؛ أي: لم يحضر أو يوكِّل من يتسلمها (فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي كان يُمْكِن) الزوج أو نائبه فيه (الوصول إليها وتسلّمها) لأنه امتنع من تسلّمها مع إمكانه، وبذلها له، فلزمته نفقتها، كما لو كان حاضرًا.
(وإن غاب) الزوج (بعد تمكينها) من نفسها (فالنفقة واجبة عليه في غيبته) سواء تسلمها أو لا، إذ المانع منه.
(وإن منعت) الزوجةُ (تسليمَ نفسها) فلا نفقة لها (أو مَنَعَها) أي: الزوجة (أهلُها) من أن تسلّم نفسها؛ فلا نفقة لها (أو تساكتا) أي: الزوجان (بعد العقد، فلم تبذل) الزوجةُ نفسَها (ولم يطلب) الزوجُ زوجتَه (فلا نفقة لها، وإن طال مقامها على ذلك) لأن البذل شرط لوجوب النفقة ولم يوجد.
(وإن بذلت) نفسها (تسليمًا غير تام، كتسليمها في منزلها دون غيره) من المنازل (أو) تسليمها (في المنزل الفلاني دون غيره، أو) تسليمها (في بلدها) أو بلد كذا (دون غيره؛ لم تستحقّ شيئًا إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد) لأن هذا التسليم كعدمه.
(وإن منعت نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحالَّ؛ فلها ذلك) لأن تسليمها قبل تسليم صداقها يُفضي إلى تسليم منفعتها المعقود عليها بالوطء ثم لا تُسلَّم صداقها، فلا يُمكنها الرجوع فيما استوفي منها، بخلاف المبيع إذا تسلّمه المشتري ثم أعسر بثمنه فإنه يمكنه الرجوع فيه. (ووجبت نفقتها) لأنها فعلت ما لها أن تفعله، ولو منعت نفسها لمرض لم يكن لها نفقة، والفرق بينهما: أن امتناعها لقبض صداقها امتناعٌ من جهة الزوج، فهو يشبه تعذُّر الاستمتاع لصِغَرِ الزوج، بخلاف الامتناع
لمَرَضها؛ لأنه امتناع من جهتها، فهو يُشبه تعذُّر الاستمتاع لصغرها.
(وليس لها مَنْعُ نفسها بعد الدخول حتى تقبضه) أي: حالَّ الصداق، كما لو سلّم المبيعَ ثم أراد منعه منه (ولا) لها أن تمنع نفسها (قبلَه) أي: قبل الدخول (حتى تقبض) الصداق (المؤجَّل) لأن قبضه ليس بمستحقّ، فيكون منعها منعًا للتسليم الموجب للنفقة، فلم تجب حتى (ولو حلَّ قبل الدخول) ليس لها منع نفسها؛ لأنها أدخلت الضررَ على نفسها حيث رضيتْ بتأخيره.
(فإن فعلت) أي: منعتْ نفسها حيث قلنا: ليس لها منعها (فلا نفقة لها) لعدم التمكين بلا عُذر من قِبَلِه.
(وإن سلَّم) الزوجةَ (الأَمَةَ) لزوجها (سيِّدُها ليلًا ونهارًا؛ فكَحُرَّةٍ في وجوب النفقة) على زوجها
(1)
(ولو أبى الزوجُ) لأن سيدها مَكَّن منها، فأشبهت الحرة (وتقدم معناه في عشرة النساء
(2)
.
وإن كانت) الأَمَة المزوّجة (عنده) أي: الزوج (ليلًا فقط، فعليه نفقة الليل من العَشاء وتوابعه، كالوطاء
(3)
، والغطاء، ودهن المصباح ونحوه) كإزار النوم (ونفقةُ النهار على سيدها) لأنها مملوكته، فلم تجب نفقتها على غيره في هذا الزمن، بخلاف نفقة الليل؛ لأنه وُجِد في حَقِّه التمكين ليلًا، فوجبت نفقته عليه.
(ولو سَلَّمها السيدُ) للزوج (نهارًا فقط؛ لم يكن له ذلك) لعدم حصول الغرض؛ إذ النهار محلُّ المعاش، والليل محلّ السكن. قلت:
(1)
في "ح" و"ذ": "على زوجها الحر".
(2)
(12/ 71).
(3)
الوطاء، ككِتاب وسَحاب: خلافُ الغطاء. القاموس المحيط ص/ 70، مادة (وطئ).
إلا مَنْ معيشته بليل، كأن يكون حارسًا.
(وعلى المكاتَب نفقة زوجته) حُرَّة كانت أو أَمَة؛ لأنه يملك كسْبه، أشبه الحر.
(ونفقة امرأة العبد القِنِّ) أو المُدبَّر (على سيده) لأنه أذن في النكاح المفضي إلى إيجابها، كما لو أذنه في الاستدانة (فإن كان بعضه) أي: الزوج (حرًّا، فعليه من نفقتها) أي: الزوجة (بقَدْر ما فيه من الحرية، وباقيها على سيده) كنفقته.
فصل
(وإذا نَشَزت المرأة) فلا نفقة لها؛ لأنها في مقابلة التمكين وقد زال، بخلاف المهر، فإنه وجب بالعقد (أو سافرت) بغير إذنه؛ فلا نفقةَ لها؛ لأنها ناشز (أو انتقلت من منزله) بغير إذنه؛ فلا نفقة لها؛ لنشوزها (وإن) أي: ولو (كان) خروجها من منزله (في غَيبته بغير إذنه) فلا نفقة؛ لما تقدم (أو تطوَّعت بحج، أو) تطوعت بـ (ــصوم منعتْهُ فيه نفسَها، أو أحرمت بحجٍّ منذور في الذمة) فلا نفقة لها؛ لأنها في معنى المسافِرة؛ ولما فيه من تفويت الاستمتاع الواجب للزوج.
فإن أحرمت بإذنه، فقال القاضي: لها النفقة. والصحيح: أنها كالمسافِرَة؛ لأنها بإحرامها مانعة له من التمكين؛ قاله في "المبدع".
(أو لم تُمكّنه من الوطء، أو مَكَّنته منه) أي: الوطء (دون بقية الاستمتاع) كالقُبلة والمباشرة (أو لم تَبِتْ معه في فراشه) فلا نفقة لها؛ لأنها لم تُسلِّم نفسَها التسليم التام (أو لزمتها عِدّة من غيره) بأن وُطئت بشبهة إن طاوعت - لا إن كانت مُكرَهة أو نائمة - (فلا نفقةَ لها) لأنها ناشز.
(وسواء فيه) أي: فيما تقدم ذِكْره (البالغةُ، والمراهقةُ، والعاقلةُ، والمجنونةُ، قَدَرَ الزوجُ على ردها إلى الطاعة أم لا) لأن النفقة في مقابلة التمكين، فحيث لم يوجد سقطت.
(فإن أطاعت الناشزُ في غيبته) أي: الزوج (لم تَعُدْ نفقتُها حتى يعود التسليمُ بحضوره) أي: الزوج (أو حضور وكيلِه) إذ لا يتصور التسليم في غيبتها (فإن لم يحضر) الزوج ولا وكيله (ورُوسِلَ) أي: راسله الحاكم، بأن كتب إلى قاضي بلده، يُعلمه بطاعتها (فَعَلِم بذلك، ومضى زمنٌ يَقدَم في مثله؛ لزمته) النفقة، كما تقدم
(1)
في مَن بذلت نفسها ابتداء.
(وله) أي: الزوج (تفطيرها في صوم التطوع، ووطؤها فيه) لأن حقه واجب، وهو مقدَّم على التطوع (فإن امتنعت) الصائمة تطوّعًا من تمكين زوجها عن وطئها (فناشز) لا نفقة لها؛ لمعصيتها إياه فيما وجب عليها.
(وبمجرَّد إسلام مرتدة) في غيبته بعد الدخول في العِدَّة، تعود نفقتها.
(و) بمجرَّد إسلام (متخلفة عن الإسلام في غيبته) أي: الزوج (لزمته النفقة) لأن الردة وتخلّفها عن الإسلام أسقط النفقة؛ لحصول الفرقة بهما
(2)
، كسقوطها بالطلاق، فإذا رجعت عن ذلك؛ عاد النكاح إلى حاله، فعادت النفقة.
بخلاف الناشز، فإن سقوط نفقتها بخروجها عن يده، أو منعها له من التمكين المستحق عليها، ولا يعود ذلك إلا بعودها إلى يده،
(1)
(13/ 135 - 136).
(2)
في "ذ": "بينهما".
وتمكنه
(1)
منها، ولا يحصُل ذلك في غيبته، ولذلك لو بذلت تسليم نفسها قبل دخوله بها وهو غائب؛ لم تستحق النفقة بمجرد البذل.
(وتُشطر) النفقة (لناشز ليلًا فقط) بأن تطيعه نهارًا وتمنعه ليلًا (أو) ناشز (نهارًا فقط) بأن تطيعه ليلًا وتمتنع منه نهارًا، أي: تعطى نصف النفقة في الصورتين، و (لا) تعطى من النفقة (بقدر الأزمنة) لعسر التقدير بالأزمنة (وتُشطَرُ لها) النفقة - أيضًا - إذا نَشَزت (بعضَ يوم) أو بعض ليلة، كما في "المنتهى"؛ لما تقدم.
(ولو صامت لكفَّارة) بلا إذنه؛ فلا نفقة لها (أو) صامت لـ (ــنذر، أو قضاء رمضان، ووقتُه مُتَّسع فيهما) أي: في النذر وقضاء رمضان (بلا إذنه) فلا نفقة لها؛ لأنها منعت نفسها عنه بسبب لا من جهته (أو سافرت لتغريبٍ) بأن زنت، فَغُرِّبت (أو حُبِست ولو ظلمًا؛ فلا نفقة لها) زمن لتغريبها، أو حبسها؛ لفوات التمكين المقابل للنفقة (وله) أي: الزوج (البيتوتة معها في حَبْسها) لأن حقه ثابت في البيتوتة معها، فلا يسقط بحبسها.
(وإن حبسته) أي: الزوج (على صَدَاقها أو غيره من حقوقها وهو معسِرٌ، كانت ظالمة له، مانعة له من التمكين منها، فلا نفقة لها مدة حَبْسه) لأن المانع من جهتها.
(وإن كان) الزوج (قادرًا على أدائه) أي: أداء ما حبسته عليه من حقوقها (فمنعه بعد الطلب، فلها النفقة مدة حبسه إذا كانت باذلة للتمكين؛ قاله الشيخ
(2)
) لأن المنع منه لا منها.
(1)
في "ح": "وتمكينه".
(2)
مجموع الفتاوى (34/ 97).
(وإن سافرت) الزوجة (بإذنه) أي: الزوج (في حاجته) فلها النفقة؛ لأنها سافرت في شُغله ومُرَاده (أو أحرمت بحَجَّة الإسلامِ أو عُمرته) فلها النفقة، أو أحرمت بمكتوبة في وقتها، فلها النفقة؛ لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع، فكان كصيام رمضان، وكذا سُنن المكتوبة، لأنها تابعة لها
(1)
(أو طَرَدها) الزوج (وأخرجها من منزله، فلها النفقةُ) لوجود التمكين منها، وإنما المانع منه، ومحلّ وجوب النفقة فيما إذا أحرمت بحَجَّة الإسلام أو عُمرته (إن أحرمتْ في الوقت) أي: أشهر الحج (من الميقات) فإن قدَّمت الإحرام على الميقات، أو قبل الوقت، فكالمُحْرِمة بتطوُّع، فتسقط نفقتُها مدَّة التقديم.
(وإن سافرت) الزوجةُ (في حاجة نفسِها ولو لنُزْهة، أو تجارة، أو زيارة) رَحِمٍ، أو غيره (أو حج تطوُّع) أو عمرة تطوُّع (ولو بإذنه؛ فلا نفقة لها) لأنها فَوَّتت التمكين لأجل نفسها (إلا أن يكون مسافرًا معها، متمكِّنًا من استمتاعها؛ فلا تسقط) نفقتُها؛ لأنها في قبضته. قال في "المبدع": والصحيح أنه لا نفقة لها هنا - يعني إذا سافرت لحاجتها - بحال، وعزى الأول للقاضي.
(وإن أحرمت) الزوجة (بمنذور معيَّنٍ في وقته، أو صامَتْ نذرًا معيَّنًا في وقته، ولو كان النذر بإذنه، أو كان نذرها قبل النكاح) وصامَتْهُ (في وقته؛ فلا نفقة لها) لأنها فوَّتت على زوجها حقّه من الاستمتاع باختيارها؛ ولأن النذر صدر من جهتها، بخلاف حَجَّة الإسلام، فإنها واجبة بأصل الشرع.
(وإن اختلفا) أي: الزوجان (في نشوزها بعد الاعتراف بالتسليم،
(1)
في "ح": "متعلقة بها". وفي الهامش: "وفي نسخة: تابعة لها".
أو) اختلفا في (الإنفاق عليها، أو) في (تسليم النفقة إليها) فـ) ــالقول (قولها) لأن الأصل عدم ذلك، واختار الشيخ تقي الدين
(1)
وابن القيم
(2)
، في النفقة، قول من يشهدُ له العُرف؛ لأنه تعارض الأصل والظاهر، والغالب أنها تكون راضية، وإنما تطالبه عند الشقاق.
(وإن ادعت) الزوجة (يسارَه) أي: الزوج (ليفرض) الحاكم (لها نفقةَ الموسرين، أو قالت) لزوجها: (كنتَ موسِرًا) فيلزمك لما مضى نفقة الموسرين (فأنكر) الزوجُ اليسارَ (فإن عُرِفَ له مال؛ فقولها) لأن الأصل بقاؤه (وإلا) أي: وإن لم يُعرف له مال، ولم يكن أقرَّ بالملاءة (فقوله) لأنه منكِرٌ، والأصل عدمُه.
(وإن اختلفا) أي: الزوجان (في بذل
(3)
التسليم) بأن ادعت أنها بذلت التسليم، وأنكر؛ فقوله؛ لأن الأصل عدمه (أو) اختلفا في (وقته) بأن قالت: بذلتُ التسليم من سَنَة، فقال: بل من شهر؛ فقوله (أو) اختلفا (في فرض الحاكم النفقة، أو) اختلفا (في وقتها، فقال) الزوج: (فَرَضَها) الحاكم (منذ شهر، وقالت) الزوجة: (بل منذ عام؛ فقوله) لأنه منكِرٌ للزائد، والأصل براءته منه.
(وكلُّ من قلنا: القول قوله، فلخَصْمِه عليه اليمين) لاحتمال صدق خصمه.
(وإن دفع) الزوج (إليها) أي: الزوجة (نفقة وكسوة، أو بعث بذلك إليها، فقالت) للزوج: (إنما فعَلْتَه تبرُّعًا وهبة، فقال) الزوج: (بل وفاء
(1)
مجموع الفتاوى (34/ 83).
(2)
إعلام الموقعين (284 - 285).
(3)
في "ذ": "بذله".
للواجب) عليَّ (فقوله) لأن الاختلاف في نيته، وهو أدرى بها (كما لو قضى دينه واختلف هو وغريمه في نيته) فإن القول قول المدين.
(وإن دفع) الزوج (إليها شيئًا زائدًا عن
(1)
الكسوة، مثل مَصاغ وقلائد، وما أشبه ذلك، على وجه التمليك؛ فقد ملكتْه) بقبضه كسائر الهبات (وليس له إذا طَلَّقها أن يطالبها به) للزوم الهبة بالقبض.
(وإن كان) الزوج (قد أعطاها) ذلك (لتتجمَّل به، كما يُركِبُها دابته، ويُخدِمُها غلامَه، ونحو ذلك، لا على وجه التمليك المعيَّن؛ فهو باقٍ على مِلكه) لأنه لم يخرج عنه بشيء يقتضيه (فله أن يرجع فيه متى شاء، سواء طلَّقها، أو لم يطلِّقها) لأنه ملكه.
(وإن طلَّقها) الزوج (وكانت حاملًا، فوضعت، فقال: طَلَّقتُكِ حاملًا، فانقضت عدَّتك بوضع الحمل، وانقضت نفقتُكِ، و) انقضت (رجعتُكِ، فقالت: بل) طَلَّقتني (بعد الوضع، فلي النفقةُ، ولك الرجعةُ، فـ) ــالقول (قولها) في بقاء النفقة استصحابًا
(2)
(وعليها العِدَّة) مؤاخذةً لها بإقرارها (ولا رجعة له) عليها؛ لإقراره بسقوطها.
(وإن رجع) المطلِّق (فَصَدَّقها) أنه طَلَّقها بعد الوضع (فله الرجعة) ما دامت في العِدَّة.
(ولو قال) الزوج: (طَلَّقتُكِ بعد الوضع، فلي الرجعةُ، ولك النفقةُ، فقالت: بل) طَلَّقْتني (وأنا حامل) فلا رجعة لك، ولا نفقة لي فـ) ــالقول (قولها) في سقوط النفقة؛ لاعترافها على نفسها. قال في "المنتهى" في العِدد: ويُقبل قول زوج أنه لم يُطَلِّق إلا بعد حيض أو ولادة
(1)
في "ح" و"ذ": "على".
(2)
في "ح" و"ذ" زيادة: "للأصل".
أو وقت كذا (فإن عاد) الزوج (فصدَّقها سقطت رجعتُه) لاعترافه بانقضاء عِدَّتها بالوضع المتأخِّر عن الطلاق (ووجبت لها النفقة) لاعترافه ببقائها
(1)
في العِدَّة (هذا) أي: قَبول قوله فيما سبق (في الحكم الظاهر، و) أما (فيما بينه وبين الله تعالى، فيَبني على ما يَعْلَمُ من حقيقة الأمر، دون ما قاله) فإن الحكم لا يزيل الشيء عن صفته الباطنة.
فصل
(وإن أعسر الزوجُ بنفقتها) الواجبة (أو) أعسر الزوج (ببعضها) أي: بعض النفقة، بأن أعسر (عن نفقة المُعسِر) فلها الفسخ، و (لا) تفسخ إذا أعسر (بما زاد عنها) أي: عن نفقة المعسر؛ لأن الزيادة تسقط بإعساره (أو أعسر) الزوج (بالكسوة أو ببعضها، أو) أعسر (بالسكنى، أو) أعسر بـ (ــالمهر بشرطه) السابق - (وتقدم
(2)
) في آخر الصداق - (خُيِّرت على التراخي بين الفسخ من غير إنظار) أي: تأجيل ثلاثًا، خلافًا لابن البناء (وبين المُقام) معه على النكاح. وهذا قول عمر، وعلي، وأبي هريرة
(3)
؛ لقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(4)
وليس الإمساك مع ترك الإنفاق إمساكًا بمعروف، فتعين التسريح. وقال صلى الله عليه وسلم:"امرأتُك تقولُ: أطعمني وإلا فارِقْني" رواه أحمد والدارقطني والبيهقي بإسناد
(1)
"هذا التعليل واضح فيما إذا لم يصدقها، وأما إذا صدقها فقياس ما تقدم في المسألة قبلها، أنه لا نفقة لها؛ لأنه بتصديقه لها انقضت عدتها بالوضع فتسقط النفقة". ش.
(2)
(11/ 517 - 518).
(3)
لم نقف على من رواه عنهم مسندًا.
(4)
سورة البقرة، الآية:229.
صحيح
(1)
، ورواه الشيخان من قول أبي هريرة
(2)
. وروى الشافعي وسعيد، عن سفيان، عن أبي الزناد، قال:"سألتُ سعيدَ بنِ المسيبِ عن الرجل لا يجدُ ما ينفقُ على امرأته؟ قال: يُفرَّق بينَهما. قال أبو الزِّناد لسعيدٍ: سُنَّة؟ قال سَعيدٌ: سُنَّة"
(3)
.
ولأن هذا أولى بالفسخِ من العجز بالوطء، وكان على التراخي؛ لأنه كخيار العيب.
(1)
أحمد (2/ 527)، والدارقطني (3/ 295 - 297)، والبيهقي (7/ 470).
وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (5/ 385) حديث 9211، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الصدقة ما كان منها عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، فقيل: مَن أعول يا رسول الله؟ قال: امرأتك ممن تعول، تقول: أطعمني وإلا فارقني، وجاريتك تقول: أطعمني واستعملني، وولدك يقول: إلى من تتركني.
قال الحافظ في الفتح (9/ 501): وهو وهم. وصَوَّب الموقوف. وقال في بلوغ المرام حديث 1146: رواه الدارقطني، وإسناده حسن.
(2)
أخرجه البخاري في النفقات، باب 2، حديث 5355، ولم نقف عليه في صحيح مسلم.
(3)
الشافعي في الأم (5/ 107)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 65)، وسعيد بن منصور (2/ 58) رقم 2022. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 96) رقم 12357، وابن أبي شيبة (5/ 213)، والبيهقي (7/ 469)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 283) رقم 15524، وابن عبد البر في الاستذكار (18/ 167) رقم 27372. وقال الشافعي: والذي يشبه قول سعيد بن المسيب سنة، أن يكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 254 - 255): رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح.
وقال الحافظ في بلوغ المرام حديث 1147: وهذا مرسل قوي.
وقال الصنعاني في سبل السلام (3/ 290): ومراسيل سعيد معمول بها، لما عرف من أنه لا يرسل إلا عن ثقة.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 384): وهو مرسل قوي.
(و) إذا اختارت المُقام فلها (تمكينه، وتكون النفقة - أي: نفقة الفقير - والكسوة والمسكن، دَيْنًا في ذِمَّته ما لم تمنع نفسها) لأن ذلك واجب على الزوج، فإذا رضيت بتأخير حَقِّها، فهو في ذِمَّته، كما لو رضيت بتأخير مهرها (ولها المُقام) على النكاح (ومنعُه من نفسها، فلا يلزمها تمكينه) من الوطء (ولا الإقامة في منزله، وعليه ألا يحبسها، بل يدعها تكتسب ولو كانت موسرة) لأنه لم يُسلِّم إليها عوض الاستمتاع.
(فإن اختارت المُقام) ثم اختارت الفسخ، فلها ذلك (أو رضيت بِعُسرته) ثم اختارت الفسخ، فلها ذلك (أو تزوَّجته عالمةً به) أي: بأنه مُعسِر - وفي نسخ: "بها" أي: بعسرته بالنفقة - ثم اختارت الفسخ، فلها ذلك (أو) تزوجته معسِرًا، و
(1)
(شَرَطَ ألا ينفق عليها، أو أسقطت النفقة المستقبَلة، ثم بدا لها الفسخ، فلها ذلك) لأن النفقة يتجدَّد وجوبها كل يوم، فيتجدَّد لها الفسخ كذلك، ولا يصح إسقاط نفقتها فيما لا يجب لها، كالشفيع يُسْقِطُ شُفعته قبل البيع، وكما لو أسقطت المهر أو النفقة قبل النكاح.
(ومن لم يجد إلا قوتَ يومٍ بيوم، فليس بمعسِرٍ بالنفقة؛ لأن ذلك هو الواجب عليه) وهو قادر عليه.
(وإن كان) الزوج (يجد في أول النهار ما يُغَدِّيها، و) يجد (في آخره ما يُعَشِّيها، فلا خيار لها) لأنه لا ضرر عليها، والكفاية موجودة.
(وإن كان) الزوج (صانعًا، يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقَدْرِ
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 59): "أو".
كفايتها في الأسبوع) فلا فسخ لها؛ لحصول الكفاية من غير ضرر يلحقها.
(أو تعذَّر عليه) أي: الزوج (الكسب في بعض زمانه) في أيام يسيرة (أو تعذَّر) عليه (البيع) فلا فسخ؛ لأنه يمكنه الاقتراض.
(أو مرض مرضًا يُرجى برؤه في أيام يسيرة، أو عَجَز عن الاقتراض أيامًا يسيرة) فلا فسخ لها؛ لأن ذلك يزول عن قريب، ولا يكاد يَسْلَمُ منه كثير من الناس.
(أو اقترض ما يُنفقه عليها) فلا فسخ لها؛ لأنه لا ضرر عليها.
(أو تبرَّع له إنسان بما يُنفقه) عليها، بأن ملكه له، ثم أنفقه هو عليها (فلا فسخ) لأن المنة عليه لا عليها.
(وإن كان المرض يطول) وتعذَّر معه الإنفاق، فلها الفسخ (أو كان) الزوج (لا يجد من النفقة إلا يومًا دون يوم، فلها الفسخ) لما يلحقُها من الضرر الغالب بذلك؛ لأن البدن لا يقوم بدون كفايته.
(وإذا أعسر بنفقتها، فبذلها غيره؛ لم تُجبر) على قَبولها من غيره، لما يلحقها من المِنَّة (إلا
(1)
إن مَلَّكَها الزوجَ) ثم دفعها الزوجُ لها (أو دفعها) إليها (وكيله) فإنها تُجبر على القَبول منه؛ لأن المِنَّة إذًا على الزوج دونها.
(وكذا من أراد قضاء دَيْنٍ عن غيره، فلم يقبل ربُّه) أي: الدَّين، فلا يُجبر على القَبول من المتبرع. وإن تبرَّع به للمدين، ثم دفعه المدين أو وكيله لربِّ الدين؛ أُجبر (وتقدَّم في السَّلَم
(2)
.
(1)
في متن الإقناع (4/ 59): "لا".
(2)
(8/ 111).
وإن أتاها) الزوج (بنفقةٍ حرام، لم يلزمها قَبولها) بل لم يجز لها تناولها (وتقدم) ذلك (في المُكاتَب
(1)
.
ويُجبر قادر على التكسُّب) ليؤدِّي ما وجب عليه من نفقة زوجته.
(وإن أعسر) الزوج (بنفقة الخادم) فلا فسخ؛ لأنه يمكنها
(2)
الصبر عنها (أو) أعسر بـ (ــالنفقة الماضية) فلا فسخ، كالصَّداق إذا أعسر به بعد الدخول (أو) أعسر بـ (ــالنفقة الموسر، أو المتوسط، أو) أعسر بـ (ــالأُدم؛ فلا فسخ) لأن ذلك يمكنها الصبر عنه (وتبقى النفقة) أي: نفقة الخادم، والنفقة الماضية (و) يبقى (الأُدم) دينًا (في ذمته) لأنها نفقة تجب على سبيل العِوض، فتثبت في الذِّمة، كالنفقة الواجبة للمرأة
(3)
، وهذا فيما عدا الزائد على نفقة المعسِر، فإن ذلك يسقط بالإعسار؛ قاله في "المبدع" ولعله على قول القاضي، كما يدلُّ عليه كلامه بعد، وأما على ما قَدَّمه الموفَّق وغيره، وجزم به في "المنتهى" فلا.
(ومن كان له دَيْن يتمكَّن من استيفائه) والإنفاق منه (فَكَمُوسِر) ليس لزوجته الفسخ؛ لأنه قادر على الإنفاق (وإن لم يتمكَّن) من استيفاء دينه لجحد أو مَطْل ونحوهما (فَكَمُعْسرٍ) لزوجته الفسخ على ما تقدم.
(وإن كان له) أي: الزوج (عليها) أي: الزوجة (دَيْن، فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان النفقة، فله ذلك إن كانت موسِرة) بالدين؛ لوجوبه عليها إذًا (وإلا) أي: وإن لم تكن موسرة (فلا) يحتسب عليها بدينه من نفقتها؛ لأن قضاء الدين إنما يكون بما فضل عن الكفاية.
(1)
(11/ 75).
(2)
"أي: الزوجة". ش.
(3)
في "ح" و"ذ" بعدها زيادة: "قوتًا".
(وإن أعسر زوج الأَمَة، فرضيت، أو زوج الصغير، أو) زوج (المجنونة، لم يكن لوليهنَّ الفسخ) لأن النفقة حقٌّ لهنَّ، فلم يملك الوليُّ الفسخ، كالفسخ للعيب. وقال القاضي: لسيدها الفسخ. فإن أنفق عليها سيدها محتسِبًا بالرجوع، رجع على الزوج، رضيت أو كرهت.
فصل
(وإن منع زوجٌ موسِرٌ، أو) منع (سيدُه إن كان) الزوج (عبدًا، نفقة أو كسوة، أو بعضهما، وقَدَرَتْ له على مال، ولو من غير جنس الواجب؛ أخذت) الزوجة (منه) أي: من مال زوجها، أو مال سيده (كفايتها، وكفاية ولدها الصغير، عُرفًا، ونحوه) كالولد المجنون، والخادم (بالمعروف بغير إذنه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة - حين قالت له: إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، وليس يُعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي -:"خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروفِ" متفق عليه من حديث عائشة، واللفظ للبخاري
(1)
.
فإنَّ ظاهر الحديث دَلَّ على أنه كان يعطيها بعضَ الكفاية، ولا يتمها لها، فرخَّص النبي صلى الله عليه وسلم لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه، فإنه موضع حاجة، فإن النفقة لا غِنى عنها، ولا قوام إلا بها، ولأنها تتجدَّد بتجدُّد الزمان شيئًا فشيئًا، فتشق المرافعة بها إلى الحاكم، والمطالبة بها في كلِّ يوم، وحديث:"أدِّ الأمانةَ. . ." إلخ
(2)
مخصوص بحديث هند؛ لأنه خاص بالنفقة.
(1)
تقدم تخريجه (10/ 65) تعليق رقم (2).
(2)
تقدم تخريجه (7/ 205) تعليق رقم (1).
(وإن لم تَقْدِرْ) على أخذ كفايتها وكفاية ولدها، من ماله (أجبره الحاكم) إذا رفعت أمرها إليه، على كفايتها وكفاية ولدها ونحوه بالمعروف؛ لأن ذلك واجب عليه.
(فإن أبى) الزوج ذلك (حَبَسَه) لأن الحاكم وُضِعَ لفصل الخصومات، والحبس طريق إلى الفصل، فتعيَّن فعله.
(فإن صَبَرَ) الزوج (على الحبس، وقَدَرَ الحاكم على ماله؛ أنفق منه) عليها وعلى من وجبت له النفقة؛ لأنها حقٌّ واجب عليه، فإذا امتنع من أدائه، وجب الدفع إلى مستحقِّه من مال خصمه، كالدَّين بل أولى؛ لأنها آكد من الدين، بدليل جواز الأخذ بغير إذن المالك.
(فإن لم يقدِر) الحاكم (له على مال يأخده، أو لم يقدِر) الحاكم (على النفقة من مال الغائب، ولم يجد) الحاكم (إلا عُروضًا أو عقارًا؛ باعه وأنفق منه، فيدفع) الحاكم (إليها نفقة يوم بيوم) كالنقدين
(1)
.
(فإن تعذر ذلك) الإنفاق عليها، بأن لم يكن نقدٌ ولا عرضٌ ولا عقارٌ (فلها الفسخ) لتعذُّر الإنفاق عليها من ماله، كحال الإعسار، بل هذا أولى بالفسخ.
ولو فسخ الحاكمُ نكاحَ الزوجة، لفَقْدِ مال - لزوجها
(2)
الغائب - ينفق منه، ثم تبيَّن له مال؛ قال ابن نصر الله في حواشي "القواعد الفقهية": الظاهر صحة الفسخ وعدم نقضه؛ لأن نفقتها إنما تتعلَّق بما يقدر عليه من مال زوجها، وأما ما كان غائبًا عنها لا عِلم لها به، فلا تُكَلَّف الصبر لاحتماله، ولا تشبه مسألة المتيمم إذا نسي الماء في
(1)
"أي: كما يدفع من النقدين لو كان في ماله". ش.
(2)
في "ذ": "زوجها".
رَحْلِهِ؛ لأن الماء في قبضته ويده، ونسيانه لا يخلو من تقصير وتفريط، بخلاف هذه. قال: ولم أجد في المسألة نقلًا.
(ونفقة الزوجات والأقارب والرَّقيق والبهائم، إذا امتنع مَن وجبت عليه النفقة) قلت: أو تعذَّر استئذانه، كما تقدم في الرهن
(1)
(فأنفق عليها غيرُه بنية الرجوع؛ فله الرجوع) لأنه قام عنه بواجب، أشبه قضاءَ الدَّين (ويأتي) ذلك (في الباب بعدَه) وحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه؛ قاله في "المبدع".
(وإن كان الزوجُ غائبًا، ولم يترك لها) أي: الزوجة (نفقة، ولم يُقْدَر على مال له، ولا على استدانة عليه، ولا) على (الأخذ من وكيله، إن كان له وكيل؛ كتب الحاكمُ إليه) لم أجد الكتابةَ إليه في كلامهم، بل الكتب المشهورة لم يذكروها، وعمل قضاتنا على عدم الكتابة، وكذا إفتاء مشايخنا (فإن لم يُعلَم خبرُه) قلت: أو علم، إذ لم نَرَ في كلامهم هذا القيد (وتعذَّرت النفقة، كما تقدم) بالاستدانة، وعدم الوصول إلى شيء من ماله (فلها الفسخ) لأنها لم تقدر على الوصول إلى نفقتها، أشبه ما لو ثبت إعساره. وعُلم منه: أنه إذا ترك لها نفقة، أو قدرت له على مال، أو على الاستدانة عليه، أنه لا فسخ لها؛ لأن الإنفاق عليها من جهته غير متعذِّر.
(ولا يصح الفسخُ في ذلك كلِّه إلا بحكم حاكم) لأنه فسخٌ مختلَفٌ فيه، فافتقر إلى الحكم، كالفسخ للعُنّة (فيفسخ) الحاكم (بطلبها) لأنه لحقِّها، فلا يستوفيه إلا بطلبها (أو تفسخ) هي (بأمره) أي: الحاكم.
(1)
(8/ 183).
(وفَسْخُ الحاكم تفريقٌ لا رجعةَ فيه) قلت: وكذا فَسْخُها بأمره، كالفسخ للعُنّة.
(ومن ترك الإنفاقَ الواجب لامرأته - لعُذْر أو غيره - مدَّة، لم تسقط) النفقة، كالدَّين (ولو لم يفرِضْها حاكم، وكانت) النفقة (دينًا في ذمته) وتقدم
(1)
.
(و
يصح ضمان النفقة،
ما وجب منها وما يجب في المستقبل) كضمان السوق (وتقدَّم في الضمان
(2)
والصداق
(3)
).
"تتمة": قال ابن الزاغوني: إذا ثبت عند الحاكم صِحَّة النكاح ومبلغ المهر، فإن علم مكانه كتب: إن سَلَّمتَ إليها حقّها وإلا بعتُ عليكَ بقَدْره. فإن أبى، أو لم يعلم بمكانه، باع بقَدْر نصفه؛ لجواز طلاقه قبل الدخول.
(1)
(13/ 146).
(2)
(8/ 241).
(3)
(11/ 468).
باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم
والمراد بالأقارب: من يرثه بفرض أو تعصيب كما يأتي، فيدخل فيهم العتيقُ.
(تجب عليه نفقةُ والديه، وإن عَلَوا) لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
(1)
، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما؛ ولقوله تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}
(2)
، ومن المعروف القيامُ بكفايتهما عند حاجتهما؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أطيبَ ما أكلتُم من كَسْبِكُم، وإنَّ أولادكم من كَسْبِكُم" رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه
(3)
.
وقال ابن المنذر
(4)
: أجمع أهل العلم أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال، واجبةٌ في مال الولد.
(و) تجب عليه - أيضًا - نفقةُ (ولده، وإن سَفَل) لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(5)
؛ ولأن الإنسان يجب عليه أن ينفق على نفسه وزوجته، فكذا على بعضه وأصله (أو بعضُها) أي: لو وجد والداه أو ولدُه بعضَ النفقة، وعَجَزوا عن إتمامها، وجب عليه إكمالها؛ لما سبق (حتى ذوي الأرحام منهم) أي: من والديه
(1)
سورة الإسراء، الآية:23.
(2)
سورة لقمان، الآية:15.
(3)
تقدم تخريجه (10/ 158) تعليق رقم (7).
(4)
الإشراف (4/ 148) رقم 2477.
(5)
سورة البقرة، الآية:233.
وإن عَلَوا، وَولدِه وإن سفلوا (ولو حجبه معسِرٌ) كجد موسر مع أب معسر، وكابن معسر وابن ابن موسر، فتجب النفقة على الموسر في المثالين، ولا أثر لكونه محجوبًا؛ لأن بينهما قرابةً قويةً توجب العتق ورد الشهادة، فأشبه القريب.
وتجب النفقة لمن ذكر (بالمعروف) أي: بحسب ما يليق بهم (من حلال) لا من حرام، كما تقدم
(1)
في الزوجة (إذا كانوا) أي: الأصول والفروع (فقراءَ) فإن كانوا أغنياء، لم تجب عليه نفقتهم.
(وله) أي: المنفق (ما يُنْفِقُ عليهم فاضلًا عن نفسه وامرأته ورقيقه يومَه وليلَتَه، و) عن (كسوتهم وسكناهم من ماله وأجرة مِلكه ونحوه) كتجارته (أو) من (كسبه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسكَ ثمَّ بمن تعول"
(2)
ولأنها مواساة، فلم تجب على المحتاج، كالبِرّ.
و (لا) يجب الإنفاق على من ذُكر (من أصل البضاعة) التي يتَّجِر بها يعني: رأس ماله (و) لا من (ثمن الملك وآلة العمل) لحصول الضرر بذلك، لفوات ما يتحصَّل منه قوتُهُ وقوتُ زوجته ونحوها.
(ويُجْبَر قادرٌ على التكسُّبِ) من عَمودَي نسبه، ولا تجب نفقته إذن؛ لأن كسبه الذي يستغني به كالمال.
(ويلزمه) أيضًا (نفقة كلِّ من يرثه بفرض، أو تعصيب ممن سواهم) أي: سوى عَمودَي النسب (سواء ورثه الآخر) كأخيه (أو لا، كعمَّته وعتيقه وبنت أخيه ونحوه) كبنت عَمّه؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ
(1)
(13/ 148).
(2)
تقدم تخريجه (5/ 55) تعليق رقم (1).
مِثْلُ ذَلِكَ}
(1)
أوجب النفقة على الأب، ثم عطف الوارث عليه، وذلك يقتضي الاشتراك في الوجوب (فأما ذوو الأرحام) وهم: من ليس بذي فرض ولا عصبة (من غير عَمودَي النسب؛ فلا نفقة لهم ولا عليهم) لعدم النص فيهم؛ ولأن قرابتهم ضعيفة، وإنما يأخذون ماله، فهم كسائر المسلمين في أن المال يُصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث، بدليل تقديم الرد عليهم، واختار الشيخ تقي الدين
(2)
الوجوبَ؛ لأنه من صِلَةِ الرَّحِم وهو عام.
(ويتلخَّص لوجوب الإنفاق) على القريب (ثلاثةُ شروط:
أحدها: أن يكون المنفَق عليهم فقراءَ، لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم) والكسوة والسكنى كالنفقة. وشرطه الحرية، فمتى كان أحدهما رقيقًا، فلا نفقة (فإن كانوا) أي: المنفَق عليهم (موسرين بمال أو كسب يكفيهم؛ فلا نفقةَ لهم) لِفَقْدِ شَرْطه، فإن لم يكفِهم ذلك؛ وجب إكمالها، وتقدم.
(الثاني: أن يكون لمن تجبُ عليه النفقةُ ما يُنْفِقُ عليهم) منه (فاضِلًا عن نفقة نفسِه) وزوجته وقِنّه، كما سبق (إما من ماله، وإما من كَسْبِه، فمَن لا يفضل عنه شيءٌ، لا يجب عليه شيءٌ) لأنها وجبت مواساة، وليس من أهلها إذن.
(الثالث: أن يكون المنفِقُ وارثًا) للمنفَق عليه بفرض أو تعصيب (إن كان من غير عَمودَي النسب) أما عمودا النسب فتجب، ولو من ذوي
(1)
سورة البقرة، الآية:233.
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 413.
الأرحام أو حجبه معسر
(1)
.
قال في "الاختيارات"
(2)
: وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبيه المعسر، وزوجة أبيه، وعلى إخوته الصغار.
(و
إذا كان للفقير - ولو حملًا - وُرّاثٌ
(3)
غيرُ أبٍ، فنفقتُه عليهم على قَدْرِ إرثهم منه)
لأن الله تعالى رتَّب النفقةَ على الإرث، فيجب أن يُرَتَّب المقدار عليه (فأمٌّ وجدٌّ) لأبٍ (على الأم الثلثُ، والباقي على الجد) لأنهما يرثانه كذلك (وجدَّة وأخ) لغير أم، أي: شقيق أو لأب (على الجدة السدس، والباقي على الأخ) كإرثهما له (وأمٌّ وبنت) النفقة (بينهما أرباعًا) كما يرثانه فرضًا وردًّا (وابن وبنت) النفقة (بينهما أثلاثًا) لما سبق.
(فإن كان أحدهم) أي: الورَّاث (موسِرًا، لزمه بقَدْرِ إرثه من غير زيادة) لأن الموسر منهما إنما يجب عليه مع يسار الآخر ذلك القدر، فلا يتحمل عن غيره إذا لم يجد الغير ما يجب عليه (ما لم يكن من عَمودَيِ النسب) فتجب النفقة كلها على الموسر؛ لقوة القرابة، بدليل عدم اشتراط الإرث.
(وعلى هذا المعنى) السابق (حسابُ النفقات) يعني: أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث، فكما أن للجدة السدس من الميراث، كذلك عليها السدس من النفقة.
(1)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 314) ما نصه: "فائدة مهمة وقعت: قاصران وقاصرتان، ليس لهم إلا أمٌّ معسِرة وعمٌّ موسِر، لا شيء على العمِّ لأنه لو مات واحدٌ منهم لم يرثه العمُّ لحجْبِه بإخوته الباقين، ويُقاس عليها ما أشبهها. اهـ. من خط ابن العماد".
(2)
ص/ 409.
(3)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 64): "وارث".
ولو اجتمع بنت وأخت لغير أم، أو بنت وأخ، أو ثلاث أخوات مفترقات
(1)
، فالنفقة بينهم على قَدْر الميراث، في ذلك، سواء كان ردٌّ أو عَوْلٌ
(2)
أو لا، ولو اجتمع أمُّ أمٍّ وأمُّ أبٍ، فهما سواء في النفقة؛ لاستوائهما في الميراث.
(إلا أن يكون له) أي: المنفَق عليه (أبٌ فينفرد بالنفقة) لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
(3)
وقوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ}
(4)
بالمعروف.
(وأمُّ أمٍّ وأبو أمٍّ، الكلُّ على أُمِّ الأمِّ) لأنها وارثة، بخلاف أبي الأم.
(ومن له ابن فقير وأخ موسر، فلا نفقة له عليهما) أما الابن، فلعسرته، وأما الأخ، فلعدم ميراثه.
(ومن له أم فقيرة وجدَّة موسِرة، فالنفقة على الجدة) الموسِرة وإن كانت محجوبة؛ لقوة القرابة.
(وكذا أبٌ فقير وجَدٌّ موسِر) النفقة على الجد (وأبوان وجَدٌّ والأب معسر؛ على الأم) الموسرة (ثلث النفقة) لأنها ترث الثلث (والباقي على الجَدِّ) لأنه يرثه
(5)
لولا الأب (وإن كان معهم زوجة، فكذلك) لأنه لا مدخل لها في وجوب النفقة، بل نفقتها تابعة لنفقته.
(وأبوان وأخوان وجدٌّ والأب معسر، فلا شيء على الأخوين؛ لأنهما محجوبان وليسا من عَمودَي النسب، ويكون على الأم الثلث) من
(1)
في "ذ": "متفرقات".
(2)
في "ذ": "ردًّا أو عولًا" وكلاهما صحيح.
(3)
سورة الطلاق، الآية:6.
(4)
سورة البقرة، الآية:233.
(5)
في "ح" و"ذ": "لأنه يرثه كذلك".
النفقة. قياس القاعدة السابقة: السدس فقط، كالإرث، لحجب الأخوين لها الثلث
(1)
، وإن كانا محجوبين بالأب (والباقي على الجد) كما لو لم يكن أخوان (وإن لم يكن في المسألة جَدٌّ، فالنفقة كلها على الأم) وحدها دون الأب، لعسرته، ودون الإخوة، لحجبهم.
(و
تجب نفقة من لا حِرْفَةَ له ولو كان صحيحًا مُكلَّفًا،
ولو) كان (من غير الوالدين) لقوله صلى الله عليه وسلم لهند: "خُذي ما يكفيك وولدكِ بالمعروفِ"
(2)
ولم يستثنِ منهم بالغًا ولا صحيحًا؛ ولأنه فقيرٌ يستحق النفقةَ على قريبه، أشبه الزَّمِن. فإن كان له حِرْفة؛ لم تجب نفقته، قال في "المبدع": بغير خلاف؛ لأن الحِرْفة تُعينه، ونفقة القريب لا تجب إلا مع الفقر، ولا بُدَّ أن تكون الحِرْفة يحصُل بها غناه، وإلا وجب الإكمال.
(ويلزمه) أي: المنفق (خِدمةُ قريبٍ) وجبت نفقته فيخدمه (بنفسِه أو غيره لحاجة) إلى الخدمة (كزوجة) لأنه من تمام الكفاية.
(ويبدأ) من لم يفضل منه ما يكفي جميع من تجب نفقتهم (بالإنفاق على نفسه) لحديث: "ابدأ بنفسِكَ"
(3)
.
(فإن فضل) عنه (نفقةُ واحدٍ فأكثرَ؛ بدأ بامرأته) لأنها واجبة على سبيل المعاوضة، فقُدِّمت على المواساة، ولذلك وجبت مع اليسار والإعسار (ثم برقيقه) لأن نفقته تجب مع اليسار والإعسار (ثم بالأقرب فالأقرب) لحديث طارق المحاربي:"ابدأ بمن تعولُ؛ أُمكَ وأباكَ وأختكَ وأخاكَ، ثم أدناكَ أدناكَ"
(4)
أي: الأدنى فالأدنى؛ ولأن النفقة صِلَة وبِر،
(1)
في "ح" و"ذ": "عن الثلث".
(2)
تقدم تخريجه (10/ 165) تعليق رقم (2).
(3)
تقدم تخريجه (5/ 55) تعليق رقم (1).
(4)
أخرجه النسائي في الزكاة، باب 51، حديث 2531، وفي الكبرى (2/ 33) حديث =
ومن قَرُب أولى بالبِرِّ ممن بَعُدَ.
(ثم) يبدأ بـ (ــالعصبة) مع الاستواء في الدرجة، كأخوين لأم، أحدهما ابن عم (ثم التساوي) لعدم المرجِّح.
(وإن فضل عنه ما لا يكفي واحدًا؛ لزمه بذله) لمن وجبت نفقته؛ لحديث: "إذا أمرتُكم بأمر فأْتوا منهُ ما استطعتُم"
(1)
.
(فإن كان له أبوان قَدَّم الأبَ) على الأم لفضيلته، وانفراده بالولاية، واستحقاق الأخذ من ماله (فإن كان معهما) أي: الأبوين (ابن؛ قَدَّمه عليهما) لوجوب نفقته بالنص. نقل أبو طالب
(2)
: الابن أحق بالنفقة منها، وهي أحق بالبِر.
(وقال القاضي - فيما إذا اجتمع الأبوان والابن -: إن كان الابن
= 2311، وابن المبارك في الزهد (1/ 410) حديث 1164، وابن أبي شيبة في مسنده (2/ 322) حديث 822، ولوين المصيصي في حديثه ص/ 50، حديث 26، وابن حبان "الإحسان"(8/ 130، 14/ 517) حديث 3341، 6562، والدارقطني (3/ 44 - 45)، والحاكم (2/ 611 - 612)، والبيهقي (6/ 20 - 21)، وفي دلائل النبوة (5/ 380 - 381)، والضياء في الأحاديث المختارة (8/ 126، 130) رقم 141، 144، من طريق يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق المحاربي.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال العظيم آبادي في التعليق المغني: رواته كلهم ثقات.
وأخرجه الطبراني في الكبير (8/ 314 - 315) حديث 8175، من طريق أبي جناب، عن جامع بن شداد، عن طارق بن عبد الله في حديث طويل. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 23) وقال: فيه أبو جناب الكلبي وهو مدلس وقد وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(1)
تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم (2).
(2)
الفروع (5/ 598).
صغيرًا، أو مجنونًا؛ قُدِّم) لأن نفقته وجبت بالنص مع أنه عاجز (وإن كان الابن كبيرًا والأب زَمِنًا؛ فهو) أي: الأب (أحقُّ) لأن حُرمته آكد، وحاجته أشدّ.
(وفي "المستوعب": يقدَّمُ الأحوج ممن تقدَّمَ في هذه المسائل) لشدة حاجته.
(وإن كان أبٌ وجدٌّ، أو ابنٌ وابنُ ابنٍ، قُدِّم الأبُ والابنُ) لأنه أقرب (ويُقدَّمُ جَدٌّ على أخ) لأنه
(1)
له مزية الولادة والأبوة (وأبٌ على ابنِ ابنٍ) لقُربه؛ ولأنه لا يسقط إرثه بحال (و) يقدَّمُ (أبو أب على أبي أمٍّ) لامتيازه بالعصوبة (و) الجد أبو الأم (مع أبي أبي أب يستويان) لأن أبا الأم امتاز بالقُرب، وأبا أبي الأب امتاز بالعصوبة، فتساويا لذلك.
(وظاهر كلامهم) قال في "الفروع": وظاهر كلام أصحابنا (يأخذ من وجبت له النفقة بغير إذن
(2)
) أي: إذن من وجبت عليه (إذا امتنع من الإنفاق، كزوجة) نقل
(3)
ابناه
(4)
والجماعة: يأخذ من مال والده بلا إذنه بالمعروف إذا احتاج، ولا يتصدَّق (وتقدَّمَ
(5)
في الباب قبلَه.
ولا تجب نفقة) لقريب (مع اختلاف دين) أي: إذا كان دين القريبين مختلفًا، فلا نفقة لأحدهما على الآخر؛ لأنه لا توارث بينهما ولا ولاية، أشبه ما لو كان أحدهما رقيقًا (إلا بالوَلاء) لثبوت إرثه من عتيقه مع اختلاف الدين (أو بإلحاق القافة به) فتجب النفقة مع اختلاف الدين؛
(1)
في "ذ": "لأن".
(2)
في "ذ": "إذنه".
(3)
انظر: مسائل صالح (1/ 479) رقم 490، ومسائل عبد الله (3/ 1307) رقم 1818.
(4)
"أي: عبد الله، وصالح". ش.
(5)
(13/ 149).
ذكره في "الوجيز"، و"الرعاية"، وقال في "الإنصاف": ولا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدِّين، هذا المذهب مطلقًا، وقطع به كثيرٌ منهم.
(ومن ترك الإنفاق الواجب مدة، لم يلزمه عوضُه) أطلقه الأكثر، وجزم به في "الفصول"؛ لأن نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة، وإحياء النفس، وقد حصل ذلك في الماضي بدونها. وذكر جماعة:(إلا إن فَرَضَها حاكمٌ) لأنها تأكَّدت بفرضه، كنفقة الزوجة (أو استدان بإذنه) قال في "المحرر": وأما نفقة أقاربه، فلا تلزمه لما مضى وإن فرضت، إلا أن يستدين عليه بإذن الحاكم.
(لكن لو غاب زوج فاستدانت لها ولأولادها الصغار؛ رجعت) بما استدانته؛ نقله أحمد بن هاشم
(1)
. قلت: وكذا لو كان أولادها مجانين، أو وجبت نفقتهم لعجزهم عن التكسُّب، على ما تقدم.
(ولو امتنع زوجٌ أو قريبٌ من نفقة واجبة، بأن تُطْلَب منه) النفقة (فيمتنع) فقام بها غيرُه (رجع عليه منفِقٌ بنية الرجوع) لأنه قام عنه بواجب، كقضاء دينه، وتقدم.
(ويلزمه نفقةُ زوجةِ من تلزمهُ مؤنتُه) لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا به.
(و) يجب - أيضًا - على من وجبت عليه النفقة لقريبه (إعفافُ من وجبت له نفقةٌ، من أب وإن علا، و) من (ابن وإن نزل، وغيرهم) كأخ وعم (إذا احتاج إلى النكاح بزوجة حُرَّة أو سُرِّيَّةٍ تُعِفُّه، أو يدفع) المنفِقُ
(1)
أحمد بن هاشم بن الحكم بن مروان الأنطاكي، ذكره أبو بكر الخلال فقال: شيخ جليل متيقظ، رفيع القدر، سمعنا منه حديثًا كثيرًا، ونقل عن أحمد مسائلَ حسانًا، سمعناها في سنة سبعين أو إحدى وسبعين. طبقات الحنابلة (1/ 82)، وانظر: الفروع (5/ 584).
(إليه مالًا يتزوج به حرة، أو يشتري به أمة) لأن ذلك مما تدعو حاجته إليه، ويستضر بفقده، فلزم على من تلزمه نفقته، ولا يشبه ذلك الحلوى، فإنه لا يستضر بتركها (والتخيير) فيما ذكر (للمَلزوم بذلك) لأنه المخاطب به، فكانت الخيرة إليه فيه، فيقدم تعيينه على تعيين المعفوف.
(وليس له أن يزوِّجه قبيحةً، ولا أن يُمَلِّكه إياها) أي: أَمَة قبيحة؛ لعدم حصول الإعفاف بها (ولا) يزوجه ولا يُمَلِّكه (كبيرةً لا استمتاع فيها) لعدم حصول المقصود بها (ولا أن يزوِّجه أَمَة) لما فيه من الضرر عليه باسترقاق أولاده.
(ولا يملك) القريب (استرجاعَ ما دفع إليه من جارية، ولا عوض ما زوَّجه به إذا أيسر) لأنه واجب عليه، كالنفقة لا يرجع بها بعدُ.
(ويقدَّمُ تعيينُ قريبٍ إذا استوى المهر) على تعيين زوج؛ لما سبق (ويُصَدَّق) المنفَق عليه إذا ادعى (أنه تائِقٌ، بلا يمين) لأنه الظاهر بمقتضى الجِبلَّة.
(وإن ماتت) التي أعفَّه بها، من زوجة أو أمة (أعفَّه ثانيًا) لأنه لا صُنع له في ذلك (لا إن طَلَّقَ لغير عُذر، أو أعتق) السُّرِّيَّة مجانًا، بأن لم يجعل عتقها صَدَاقها، فلا يلزمه إعفافه ثانيًا؛ لأنه الذي فوَّت على نفسه.
(وإن اجتمع جَدَّان، ولم يملك) ولد ولدهما (إلا إعفافَ أحدهما، قدَّم الأقرب) كالنفقة (إلا أن يكون أحدهما من جهة الأب، فيقدَّم وإن بَعُدَ على الذي من جهة الأم) لامتيازه بالعصوبة، ولم يظهر لي تحقيق الفرق بين النفقة والإعفاف
(1)
.
(1)
"قد يفرق بينهما بأن النفقة لا قوام للبدن بدونها، بخلاف الإعفاف فإن البدن له القوام =
(ويلزمه إعفاف أُمِّه كأبيه، إذا طلبت ذلك، وخَطَبَها كُفُؤٌ) قال القاضي: ولو سُلِّم فالأب آكد؛ لأنه لا يُتصور؛ لأن الإعفاف لها بالتزويج، ونفقتها على الزوج
(1)
. قال في "الفروع": ويتوجَّه: تلزمه نفقته إن تعذَّر تزويج بدونها، وهو ظاهر القول الأول.
(و
الواجب في نفقة القريب: قَدْرُ الكفاية،
من الخُبز والأُدْم والكسوة والمسكن بقدر العادة) لأن الحاجة إنما تندفع بذلك (كما ذكرنا في الزوجة.
ويجب على المعتِق نفقةُ عتيقه) لأنه يرثه، فدخل في عموم قوله تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
(2)
؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدْناك أدناك، ومولاكَ الذي يلي ذاك، حقًّا واجبًا، ورَحِمًا موصولًا" رواه أبو داود
(3)
.
(فإن مات مولاه، فالنفقة على الوارث من عصباته على ما ذُكِر في) باب (الولاء
(4)
) لما سبق من أن النفقة تتبع الإرث.
(ويجب عليه) أي: المولى (نفقةُ أولادِ مُعتَقَتِهِ إذا كان أبوهم عبدًا)
= بدون ذلك. انتهى". ش.
(1)
"قد يتصور؛ لأن النفقة لا تجب على الزوج إلا بعد العقد والتمكين، وقبل ذلك يكون الإعفاف واجبًا على الابن، فيكون إعفافها واجبًا عليه. انتهى". ش.
(2)
سورة البقرة، الآية:233.
(3)
في الأدب، باب 129، حديث 5140. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد ص/ 29، رقم 47، وفي التاريخ الكبير (7/ 230)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 103، 3/ 63)، والطبراني في الكبير (22/ 310) حديث 786، والبيهقي (4/ 179)، عن كليب بن منفعة، عن جده. قال الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 388): رجال إسناد أبي داود لا بأس بهم.
(4)
(10/ 539).
لأن ولاءهم حينئذ لمولى أمهم، فهو الوارث لهم، فنفقتهم عليه (فإن أُعتِقَ أبوهم) أي: أعتقه سيده (فانجرَّ الولاء إلى معتقه) كما مَرَّ في الولاء (صار ولاؤهم لمعتِق أبيهم، ونفقتهم) عند عدم أبيهم (عليه) لأنه مولاهم الوارث لهم.
(وليس على العتيق نفقة معتِقه؛ لأنه لا يرثه. وإن كان كلُّ واحدٍ منهما مولى الآخر) وتقدم تصويره في الولاء
(1)
(فعلى كلِّ واحد منهما نفقة الآخر) من حيث كونه عتيقًا، لا من حيث كونه معتِقًا، كما يرثه كذلك.
(وليس على العبد نفقةُ ولده، حُرَّة كانت الزوجة أو أَمَة) لأن أولاد الحرة أحرار، ولا يلزمه نفقة قريبه الحر؛ لما يأتي، وأولاد الأَمَة عبيدُ سيدها، فنفقتهم عليه (ولا نفقة أقاربه الأحرار) لأنه لا يملك، وإن ملك فهو ضعيف لا يحتمل المواساة، كالزكاة.
(ونفقة أولاد المكاتَب الأحرار و) نفقة (أقاربه لا تجب عليه) لأن ملكه ضعيف لا يَحتملُ المواساة، وحاجته إلى فَكِّ رقبته أشد (ويجب عليه نفقة ولدِه من أمَته) لأنه تابع له، وكسبه له.
(وإن كانت زوجته) أي: المُكاتَب (حُرَّةً، فنفقةُ أولادها عليها) إذا كانت موسرة وانفردت؛ لأنها الوارثة لهم دونه (فإن كان لهم أقارب أحرار، كجد وأخ مع الأم، أنفق كلُّ واحدٍ منهم بحسب ميراثه.
والمُكاتَب كالمعدوم بالنسبة إلى النفقة) والإرث والحجب.
(وإن كانت) الزوجة (مكاتَبة فسيأتي) في نفقة المماليك الكلام على نفقتهم.
(1)
(10/ 547).
(فإن أراد المكاتَب التبرُّع بالنفقة على ولده من أَمَةٍ) لغير سيده (أو) من (مكاتَبة لغير سيده، أو) من (حُرَّة، فليس له ذلك) لأنه محجور عليه لحقِّ سيده، فلا يتبرَّع بغير إذنه (وإن كان) ولد المكاتَب (من أَمَة لسيده؛ جاز) للمُكاتَب التبرُّع بنفقته؛ لأن نفقته على سيده، فلم يتبرَّع لأجنبي و (لا) يتبرَّع بنفقة ولده (من مكاتَبة لسيده) لأن نفقة ولدها عليها، فتبرُّعُهُ بنفقته تبرُّعٌ لغير سيده، وهو ممنوع منه لحقِّه.
فصل
(وتجب نفقة ظِئْر) أي: مرضعة (الصغير) ذكرًا كان أو أنثى (في ماله) إن كان، كنفقة الكبير (فإن لم يكن له) أي: الصغير (مال، فعلى من تلزمه نفقته) من أب أو غيره؛ لأن نفقة ظئر الصغير كنفقة الكبير، ويختصُّ وجوبها بالأب وحده؛ إن كان؛ لقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. . .} الآية
(1)
.
(ولا يلزمه) نفقة الظِئر (لما فوق الحولَين) لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}
(1)
.
(ولا يُفْطَم قَبلَهما) للآية (إلا بإذن أبويه) فيجوز (إلا أن ينضَرَّ) الصغير، فلا، ولو رضيا؛ لحديث:"لا ضررَ ولا ضرارَ"
(2)
وفي "الرعاية" هنا: يحرمُ رضاعُهُ بعدَهما ولو رضيا. وظاهر "عيون المسائل"
(1)
سورة البقرة، الآية:233.
(2)
تقدم تخريجه (2/ 111) تعليق رقم (1).
إباحته مطلقًا؛ قاله في "المبدع". وقال في "تحفة المودود في أحكام المولود"
(1)
: ويجوز أن تستمرَّ الأم على رضاعة بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثره.
(وللأبِ مَنْعُ امرأتِه من خِدمة ولدها منه) لأنه يفوِّتُ عليه حقّه من الاستمتاع بها ويقذّرها، ولا يُنافي ذلك أنها أحق بحضانته، إذ لا يلزم منه مباشرة الخدمة بنفسها، بل تخدمه خادمها ونحوها عندها.
و (لا) يمنع الأبُ أمَّ الرضيع (من رضاعه، إذا طلبت ذلك. وإن طلبت أجرة مثلها، ووجد) الأب (من يتبرَّع) له (برضاعه، فهي) أي: الأم (أحقُّ، سواء كانت في حِبال الزوج أو مطلَّقة) لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ. . .} الآية
(2)
. وهو خبر يُراد به الأمر، وهو عام في كلِّ والدة؛ ولقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
(3)
؛ ولأنها أشفق وأحق بالحضانة، ولبنها أمرَأ.
(فإن طلبت أكثرَ من أُجرةِ مثلِها ولو بيسيرٍ، لم تكن أحقَّ به) مع من يتبرَّع به، أو يُرْضِع بأجرة المثل؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}
(3)
(إلا ألا يوجدَ من يُرْضِعُه إلا بمثل تلك الزيادة) فتكون الأم أحق من الأجنبية؛ لشفقتها.
(ولو كانت) أمُّ الرضيع (مع زوج آخر، وطلبت رَضاعه بأُجرة مثلِها، ووَجد من يتبرَّع برضاعه؛ فأمه أحقُّ) برضاعه (إذا رضي الزوج الثاني) بذلك؛ للآية، وقد رضي الزوجُ بإسقاط حقّه، فأشبهت غير
(1)
ص/ 143.
(2)
سورة البقرة، الآية:233.
(3)
سورة الطلاق، الآية:6.
المزوّجة.
(وإذا أرضعت الزوجةُ ولَدَها وهي في حِبال والده، فاحتاجت إلى زيادةِ نفقةٍ؛ لزمه) ذلك، إذ كفايتها واجبة عليه بحق الزوجية، ولرضاع ولده.
(و
للسيد إجبارُ أمِّ ولده على رضاعه)
أي: ولدها (مجَّانًا) لأنها ملكه ومنافعها له، كالقِن (فإن عتقت على السيد) بإعتاق أو تعليق (فحكم رضاع ولدها منه حكم المطلَّقة البائن) لأنها ملكت أمر نفسها بالعتق، فلها طلبُ أجرة المثل، والامتناعُ من رضاعه.
(و
إن امتنعت الأم) الحرة (من رَضاع ولدها
؛ لم تُجبر) ولو كانت في حِبال الزوج؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}
(1)
وإذا اختلفا، فقد تَعَاسرا، وقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}
(2)
محمولٌ على حال الإنفاق، وعدم التعاسر (إلا أن يضطَر) الصغير (إليها، أو يُخشى عليه) بألا توجد مرضعةٌ سواها، أو لا يَقبل الصغيرُ الارتضاع من غيرها، فيجب عليها إرضاعه؛ لأنه حالُ ضرورة وحفظ النفس، كما لو لم يكن له أحدٌ غيرَها (لكن يجب عليها أن تسقيه اللِّبَأَ
(3)
) لتضرره بعدمه، بل يقال: لا يعيش إلا به.
(وللزوج مَنْعُ امرأته من رضاع ولد غيرها، ومن رضاع ولدها من غيره من حين العقد) لأن عقد النكاح يقتضي تمليك
(4)
الزوج من الاستمتاع في كل الزمان، سوى أوقات الصلوات، فالرضاع يفوِّتُ عليه
(1)
سورة الطلاق، الآية:6.
(2)
سورة البقرة، الآية:233.
(3)
اللبأُ: أوّل اللبن. القاموس المحيط ص/ 65، مادة (لبأ).
(4)
في "ذ": "تمكين".
الاستمتاع في بعض الأوقات، فكان له منعُها منه، كالخروج من منزله (إلا أن يُضطَرَّ إليها، بألا يوجد من يُرضِعه غيرها، أو لا يقبل الارتضاع من غيرها، فيجب التمكين من إرضاعه) لأنه حالُ ضرورةٍ وحفظٍ، فقُدِّم على حق الزوج، كتقديم المُضطَرِّ على المالك، إذا لم يكن به مثلُ ضرورته (أو تكون) المرأة (قد شرطته) أي: الرضاع (عليه) أي: على الزوج عند العقد، فلا يمنعها منه (نصًّا
(1)
) لحديث: "المؤمنون على شروطهم"
(2)
.
(و
إن أجرت) المرأة (نفسَها للرضاع، ثم تزوَّجت،
لم يملك الزوج فسخ الإجارة، ولا منعها من الرضاع حتى تمضي المدة) لأن منافعها مُلِكَت بعقد سابق (أشبه ما لو اشترى أمةً مستأجرة، وتقدم) ذلك (في عِشرة النساء
(3)
) فإن نام الصبي أو اشتغل؛ فللزوج الاستمتاع.
وإن أجرت المزوَّجَةُ نفسَها للرضاع بإذن زوجها؛ صح، ولزم العقد. وبغير إذنه؛ لم يصح؛ لتضمنه تفويتَ حق زوجها، وتقدم
(4)
.
فصل
(ويلزم السيدَ نفقةُ رقيقه قَدْر كفايتهم بالمعروف، ولو مع اختلاف الدين، ولو) كان رقيقه (آبقًا، أو نشزت الأمة، أو عمي، أو زَمِنَ، أو
(1)
انظر: الفروع (5/ 601).
(2)
تقدم تخريجه (7/ 107) تعليق رقم (3).
(3)
(12/ 99).
(4)
(13/ 110).
مرض، أو انقطع كسبه).
وتكون النفقة (من غالب قوت البلد، وأُدْم مثله، و) يلزمه (كسوتهم من غالب الكسوة لأمثال العبيد في ذلك البلد الذي هو به، و) يلزمه (غطاء، ووطاء، ومسكن، وماعون) لرقيقه؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "للمملوكِ طعامُهُ وكسوتُهُ بالمعروفِ، ولا يُكلّفُ من العملِ ما لا يطيقُ" رواه الشافعي، والبيهقي بإسناد جيد
(1)
. واتفقوا على وجوب ذلك على السيد؛ لأنه أخصُّ الناس به، فوجبت نفقته عليه. وهي واجبة بالمِلك؛ فلذلك وجبت للآبق، والناشز، والزَّمِن، وغيرهم.
(وإن ماتوا؛ فعليه تكفينهم وتجهيزهم ودفنهم) كما تجب عليه نفقتهم حال الحياة.
(ويُسنُّ) لسيد الرقيق (أن يُلْبِسه مما يلبس، و) أن (يُطعِمَه مما يَطْعَم، فإن وليَه) أي: ولي الرقيق الطعام (فـ) ــإن سيده يجلسه يأكل (معه، أو) يُطْعِمه (منه) لحديث أبي هريرة يرفعه: "إذا ولي أحدكم خادمه طعامَهُ، حرَّهُ ودُخَانَهُ، فَلْيَدْعُهُ ولْيُجْلِسه معه، فإن أبى، فَلْيُروِّغْ له اللقمةَ واللقمتين" رواه البخاري
(2)
. ومعنى الترويغ: غمسُها في المَرَق
(1)
الشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 66)، والبيهقي (8/ 6 - 8)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 306) حديث 15613. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الأيمان، حديث 1662، دون قوله: "بالمعروف".
(2)
في العتق، باب 18، حديث 2557، وفي الأطعمة، باب 55، حديث 5460. ولفظه:"إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنه ولي حرَّه وعلاجه". وأخرجه - أيضًا - مسلم في الأيمان حديث 1663، بنحوه. وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف فرواه الشافعي في الأم (5/ 101)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 65)، والبيهقي (8/ 8)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 307 - 308) حديث 15619، وأوله:"إذا كفى" قال الحافظ في التلخيص =
والدَّسَم، ودفعها إليه؛ ولأن الحاضرَ تتوق نفسُه إلى ذلك.
(ولا يأكل) الرقيق (بلا إذنه) أي: السيد؛ لما فيه من الافتيات عليه، لكن أن منعه ما وجب له، فله أخذ قَدْره بالمعروف، كما تقدم
(1)
في الزوجة والقريب.
(ويُستحبُّ أن يسوِّيَ بين عبيده) في الكسوة والإطعام (و) بين (إمائه في الكسوة والإطعام) لأنه أطيب لنفوسهم، وأقرب للعدل (ولا بأس بزيادَةِ مَن هِي) من الإماء (للاستمتاع في الكسوة) لدعاء المصلحة إليه.
(ويلزمه) أي: السيد (نفقةُ ولد أمته الرقيق) لأنه رقيقه تَبَعًا لأمّه (دون زوجها) أي: الأمة، فلا يلزمه نفقة ولده الرقيق؛ لأنه ليس تابعًا له بل لأُمّه.
(ويلزمُ الحرةَ نفقةُ ولدها من عبد) وطئها بزوجية أو شبهة؛ لأنه يتبعها في الحُرِّية، وهذا إن لم يكن له وارث غيرها، وإلا فعلى قدر الإرث، كما تقدم
(2)
.
(ويلزم المكاتَبةَ نفقةُ ولدها، ولو كان أبوه مكاتَبًا) لأنه يتبع أمه لا أباه (وكسبُه) أي: ولد المكاتَبة (لها) لتبعيته لها.
(وينفق) السيد (على من بعضُه حُرّ بقَدْرِ رِقِّه، وبقيَّتُها) أي: النفقة (عليه) أي: المبعض إن كان موسرًا، وإلا فعلى من أعتق البعض أو وارثه، كما تقدم
(3)
. (وله) أي: المبعّض (وطءُ أَمَةٍ ملكَها بجزئه الحرِّ بلا إذن) سيده؛ لان ملكه عليها تام، ولا يتزوَّج إلا بإذنه.
= الحبير (4/ 13): إسناده صحيح.
(1)
(13/ 149).
(2)
(13/ 164).
(3)
(13/ 163).
(ويلزمُ السيدَ تزويجُهم) أي: الأرقاء (إذا طلبوه) كالنفقة، ذكورًا كانوا أو إناثًا؛ لقوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}
(1)
والأمر يقتضي الوجوب؛ ولأنه يُخاف من ترك إعفافه الوقوعُ في المحظور. ولا يجوز تزويج العبد إلا باختياره إذا كان كبيرًا (إلا أمة يستمتع بها، ولو مكاتبة شَرَطَ وَطْأها) لأن المقصود قضاء الحاجة، وإزالة ضرر الشهوة، وإن شاء زوَّجها إذا طلبت ذلك.
(فإن أبى) السيد ما وجب عليه من تزويجهم (أُجبِر) عليه، كسائر الحقوق الواجبة عليه (وتُصدَّقُ الأمة أنه ما يطؤها) لتعذُّر إقامةِ البينة عليه؛ ولأن الأصل عدمه.
(وإن زوَّجها) أي: السيد (بمن عيبه غيرُ الرقِّ، فلها الفسخُ) للعيب؛ لعموم ما سبق.
(وإذا كان للعبد زوجة، فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلًا) لأن العادة ذلك.
(ومن غاب عن أُمِّ ولده، زُوِّجت لحاجة نفقة) لدعاء الحاجة إلى ذلك (قال في "الرعاية": زوَّجها الحاكم، وحفظ مهرها للسيد) لأنه يلي مال الغائب، كما يأتي في القضاء
(2)
. وفي "الانتصار": يزوّجها من يلي مالَه؛ أومأ إليه في رواية بكر
(3)
.
(وكذا) تزوَّجُ أم ولد (لحاجة وطء) لدعاء الحاجة إليه، كالنفقة.
(1)
سورة النور، الآية:32.
(2)
في "ح": "في باب القضاء".
(3)
هو أبو أحمد، بكر بن محمد، النسائي الأصل، البغدادي المنشأ، من قدماء أصحاب الإمام أحمد، قال أبو بكر الخلال: كان أبو عبد الله يُقدِّمه ويُكرِمه، وعنده مسائلُ كثيرة سمعها من أبي عبد الله. طبقات الحنابلة (1/ 119)، وانظر: المبدع: (8/ 224).
(وأما الأمة) غير أُمّ الولد (فقال القاضي: إذا غاب سيدها غيبة منقطعة) وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، كما تقدم
(1)
(فطلبت التزويج؛ زوَّجها الحاكم. وتقدم في أركان النكاح
(1)
) لولايته على الغائب. وقال أبو الخطاب: يزوِّجها من يلي ماله. ومشى عليه هنا في "المنتهى".
(ويحرم) على السيد (أن يُكَلِّفهم) أي: الأرقاء (من العمل ما لا يُطِيقون وهو ما يشقُّ عليه) أي: الرقيق (مشقة كثيرة) بحيث يقرب من العجز عنه (فإن كلَّفه) مشقًّا (أعانه) عليه؛ لحديث أبي ذر: "ولا تكلفوهم ما يغلِبُهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" رواه البخاري
(2)
؛ ولأنه مما يشق عليه.
(ولا يجوز تكليف الأَمَة بالرعي؛ لأن السفر مظنَّةُ الطمع، لبُعْدِها عمَّن يذبُّ عنها) وقد ذكر صاحبُ "المحرر" عن نَقْلِ أسماءَ
(3)
(4)
النوى على رأسها للزبير من نحو ثُلثي فرسخ من المدينة
(5)
: أنه حُجَّة في سفر المرأة السفرَ القصير بغير مَحْرم، ورَعْيُ جاريةِ الحَكَمِ
(6)
في معناه
(1)
(11/ 278).
(2)
في الإيمان، باب 22، حديث 30، وفي العتق، باب 15، حديث 2545، وفي الأدب، باب 44، حديث 6050. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الأيمان، حديث 1661.
(3)
"بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما". ش.
(4)
في "ح" و"ذ" زيادة: "بنت أبي بكر زوجة الزبير بن العوام".
(5)
أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب 19، حديث 3151، وفي النكاح، باب 107، حديث 5224، ومسلم في السلام، باب 14، حديث 2182، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
(6)
كذا في الأصول! والصواب: "معاوية بن الحكم"؛ أخرجه مسلم في المساجد =
وأَولى. وقال غيره: يجوز ذلك قولًا واحدًا؛ لأنه ليس بسفر شرعًا ولا عُرفًا، ولا يُتأهَّب له أُهبة؛ قاله في "المبدع".
(ويجب) على سيد الأرقاء (أن يُرِيحهم وقت قيلولةٍ، ونومٍ، وصلاةٍ مفروضة) لأن العادة جارية بذلك.
(و) يجب (أن يُركبهم عُقبة) بوزن غُرفة (عند الحاجة) إذا سافر بهم؛ لئلا يُكلِّفهم ما لا يُطيقون، ومعناه: يُركِبهم تارة، ويمشيهم أخرى.
(ويُستحبُّ مداواتهم إذا مرضوا) قطع به في "التنقيح"، وغيره: وقال في "الإنصاف": قلت: المذهب أن ترك الدواء أفضل، على ما تقدَّم
(1)
في أول كتاب الجنائز، انتهى. وقال ابن شهاب في كفن الزوجة: العبد لا مال له، فالسيد أحق بنفقته ومؤنته، ولهذا: النفقة المختصة بالمرض تلزمه من الدواء وأجرة الطبيب، بخلاف الزوجة.
(ويجب ختان من لم يكن مختونًا منهم) لعموم ما سبق من أدلة الختان
(2)
، ومحله عند البلوغ، ما لم يَخَفْ على نفسه.
(وإباقُ العبدِ كبيرةٌ) للتوعُّد عليه
(3)
(ويحرم إفساده على سيده، وإفساد المرأة على زوجها) لأنه من السعي بالفساد. ومحل كون إباق العبد مُحَرَّمًا، إذا لم تكن ضرورة، ولهذا (قال الشيخ
(4)
في مسلم
= ومواضع الصلاة، حديث 537.
(1)
(4/ 7).
(2)
(1/ 178).
(3)
أخرج مسلم في الإيمان، حديث 69، عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة.
(4)
لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وانظر: الفروع (5/ 604).
نحس
(1)
في بلاد التتار أبى بيع عبده و) أبى (عتقه، ويأمرُه بترك المأمور، وفعل المنهي عنه: فهروبه
(2)
إلى بلاد الإسلام واجب) لإقامة دينه، كما تجب الهجرة على من عجز عن إظهار دينه بين كفارٍ، أو أهل بدع مضلة (فإنه لا حرمة لهذا) النحس: الآمر بترك المأمور وفعل المنهي (ولو كان في طاعة المسلمين. و
العبد إذا هاجر من أرض الحرب
(3)
، فهو حر)
إذا حصل بدارنا
(4)
، حتى لو سبى سيدَهُ لكان له، وتقدم في الجهاد
(5)
.
(وقال) الشيخ
(6)
: (ولو لم تُلائم أخلاقُ العبد أخلاقَ سيده؛ لزمه إخراجُه عن مِلكه، ولا يعذِّبُ خلقَ الله) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذِّبوا عباد الله"
(7)
.
(1)
"نحس" كذا في الأصول، وفي الفروع (5/ 604):"بجيش".
(2)
في "ح" و"ذ": "فهربه".
(3)
في "ذ" زيادة: "مسلمًا".
(4)
في "ذ" زيادة: "أو لحق بجيش المسلمين".
(5)
(7/ 77).
(6)
لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وانظر: الفروع (5/ 604).
(7)
جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم تخريجه (13/ 169) تعليق رقم (1)، وهذا الجزء أخرجه ابن حبان "الإحسان"(10/ 152) حديث 4313.
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 361) حديث 1500، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي سنده أبو بكر بن أبي مريم: وهو ضعيف، كما في التقريب (803). وأبو مجاشع الأزدي: لا يُعرف، كما في ميزان الاعتدال (4/ 569).
وأخرجه أبو داود في الأدب، باب 133، حديث 5157، 5161، وأحمد (5/ 168، 173)، والبزار (9/ 357) حديث 3923، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1/ 348) حديث 358، والبيهقي (8/ 7)، عن أبي ذر رضي الله عنه بلفظ: ولا تعذبوا خلق الله. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 219): إسناده صحيح.
(ويحرم أن تسترضع
(1)
الأمة لغير ولدها) لأن فيه إضرارًا بولدها، للنقص من كفايته، وصَرْف اللبن المخلوق له إلى غيره مع حاجته إليه كنقص الكبير عن كفايته (إلا) أن يكون فضل عنه شيء (بعد ريِّه) لأنه ملكه، وقد استغنى عنه الولد، فكان له استيفاؤه (كما لو مات ولدها، وبقي لبنها.
ولا يجوز له) أي: السيد (إجارتُها) أي: الأمة المزوَّجة (بلا إذن زوج في مدَّةِ حقِّه) لاشتغالها عنه برضاع وحضانة (ويجوز) إيجارها (في مدة حقِّ السيد) لأن له استيفاء حقّه بنفسه ونائبه (ما لم يضرّ بها) أي: الأَمَة، فلا يجوز؛ لما فيه من الضرر المنهي عنه.
(وتجوز المخارَجَةُ باتفاقهما) إذا كان ما جعل على العبدِ (بقَدْر كسب العبد فأقلَّ، بعد نفقته) لما روي أن أبا طيبةَ حَجَم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأعطاه أجره، وأمر مَواليه أن يُخفِّفوا عنه من خراجه
(2)
. وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خَراجًا
(3)
، وروي أن الزبير
(4)
كان له ألفُ مملوك، على كل واحد منهم درهم كل يوم.
(وإلا) أي: وإن لم يكن للعبد كَسْب، أو وضع عليه أكثر من كسبه (لم يجز) لأنه تكليف له بما لا يُطِيقه.
(1)
في متن الإقناع (4/ 71): "يسترضع".
(2)
أخرجه البخاري في البيوع، باب 39، 95، حديث 2102، 2210، وفي الإجارة، باب 17، حديث 2277، وفي الطب، باب 13، حديث 5696، ومسلم في المساقاة، حديث 1577.
(3)
منهم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. انظر: طبقات ابن سعد (3/ 345).
(4)
أخرج أبو نعيم في الحلية (1/ 90)، والبيهقي (8/ 9)، وابن عساكر في تاريخه (18/ 399، 400، 62/ 327) عن مغيث بن سمي، قال: كان للزبير بن العوام رضي الله عنه ألف مملوك يؤدي إليه الخراج، فلا يدخل بيته من خراجهم شيئًا.
(ولا يُجبر) على المخارَجة (مَن أباها) من السيد أو العبد؛ لأنها عقد بينهما، فلا يُجبر عليه، كالكتابة.
(ومعناها) أي: المخارجة (أن يَضْرِب) السيدُ (عليه) أي: العبد (خراجًا معلومًا يؤدِّيه إلى سيده كل يوم، وما فَضَل للعبد) قال في "الترغيب"، وغيره: (ويؤخذ من المَعْنى
(1)
: لعبدٍ مُخَارَجٍ هديَّةُ طعامٍ، وإعارة متاع، وعملُ دعوة) قال في "الفروع": وظاهر هذا أنه كعبد مأذون له في التصرُّف. وجزم بمعناه في "المبدع"، قالا: وظاهر كلام جماعة: لا يملك ذلك، وإنما فائدة المخارَجة تركُ العمل بعد الضريبة (وفي "الهدي"
(2)
: للعبد التصرُّف بما زاد على خراجه) قال في "الفروع": كذا قال.
(وللسيد تأديبهم) أي: الأرقاء (باللوم والضَّرْب، كولد وزوجة) ناشز (والأحاديث الصحيحة تدلُّ على جواز الزيادة) في الرقيق على الزوجة، منها ما رواه أحمد، وأبو داود عن لَقيط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "وألا
(3)
تضرب ظعينتك ضرب أَمَتك"
(4)
. ولأحمد، والبخاري:
(1)
"المعنى" بالعين المهملة، كذا في الأصل و"ح" وجميع الأصول الخطية لمتن الإقناع (4/ 71)، وفي "ذ":"المغني" بالغين المعجمة!.
(2)
زاد المعاد (4/ 58).
(3)
في "ح" و"ذ": "ولا تضرب" وهو الموافق للرواية.
(4)
أحمد (4/ 33)، وأبو داود في الطهارة، باب 55، حديث 142. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد ص/ 67، حديث 166، والطيالسي ص/ 191، حديث 1341، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 32 - 33)، وعبد الرزاق (1/ 26) حديث 80، وابن حبان "الإحسان" (3/ 332) حديث 1054، والطبراني في الكبير (19/ 215) حديث 479، والحاكم (1/ 148)، والبيهقي (7/ 303)، وفي معرفة السنن والآثار (1/ 284) حديث 657، والبغوي في شرح السنة (1/ 15) حديث =
"لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبدِ، ثمَّ لعلهُ يجامعُها، أو يضاجعها من آخر اليوم"
(1)
. ولابن ماجه
(2)
بدل "العبد": "الأَمة". فهذه تدل على أن ضرب الرقيق أشدُّ من ضرب المرأة.
(ويُسنُّ) للسيد (العفوُ عنه أولًا) أي: قبل التأديب (ويكون) العفو (مرة أو مرتين، نصًّا
(3)
) نقل حرب: لا يضرب إلا في ذنبٍ بعدَ عفوه مرةً أو مرتين.
(ولا يضربه شديدًا، ولا يضربه إلا في ذنب عظيم، نصًّا
(3)
) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنَت أمةُ أحدِكم فَلْيَحُدَّها
(4)
"
(5)
.
(ويقيده بقيد إذا خاف عليه) الإباق (ويؤدَّبُ على فرائضه) أي: فرائض لله تعالى من الصلاة والصوم (و) يؤدّبه السيد (على ما إذا كَلَّفه ما يُطيق فامتنع) من امتثاله.
(وليس له لَطْمه في وجهه) لحديث ابن عمر مرفوعًا: "من لَطَم غلامه فكفَّارته عتقه" رواه مسلم
(6)
(ولا خِصاؤه، ولا التمثيلُ به) بجدع
= 213. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(1)
أحمد (4/ 17)، والبخاري في النكاح، باب 93، حديث 2504، عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الجنة، حديث 2855، بنحوه.
(2)
في النكاح، باب 51، حديث 1983.
(3)
انظر: الفروع (5/ 606).
(4)
في "ذ": "فليجلدها".
(5)
أخرجه أبو داود في الحدود، باب 33، حديث 4470، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاري في البيوع، باب 66، 110، حديث 2152، 2234، وفي الحدود، باب 36، حديث 6839، ومسلم في الحدود، حديث 1703، بلفظ: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرِّب عليها.
(6)
في الأيمان، حديث 1657.
أنف أو نحوه، ويعتق بذلك؛ لما تقدم في العتق
(1)
.
(ولا يشتم) السيدُ (أبويه الكافرين؛ لا يعوِّدُ لسانه الخنا والردى) الخنا - بفتح الخاء المعجمة، وتخفيف النون - الفحش في القول، وقد خَنِيَ عليه من باب صدي، وأخنى عليه في منطقه، أي: أفحش (و"لا يدخل الجنة سيئ المَلَكة") رواه الترمذي، وابن ماجه، عن أبي بكر مرفوعًا
(2)
(وهو الذي يُسيء إلى مماليكه.
(1)
(11/ 19).
(2)
الترمذي في البر والصلة، باب 29، حديث 1946، وابن ماجه في الأدب، باب 10، حديث 3691. وأخرجه - أيضًا - أحمد (1/ 4، 7، 12)، وابن عاصم في الزهد (1/ 136) حديث 272، المروزي في مسند أبي بكر ص/ 138، حديث 97، وأبو يعلى (1/ 94، 95) حديث 93 - 95، وابن عدي (4/ 76، 6/ 27)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 375، 376، 7/ 431) حديث 8577، 8579، 10862، والخطيب في الموضح (2/ 477)، وابن عساكر في تاريخه (14/ 265)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 750) حديث 1254، كلهم من طريق فرقد السبخي، عن مرة الطيب، عن أبي بكر رضي الله عنه مرفوعًا.
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم أيوب السختياني وغير واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه.
قلنا: لم ينفرد به فرقد السبخي، بل تابعه عامر الشعبي: أخرجه المروزي في مسند أبي بكر ص/ 169، حديث 102، والطبراني في الأوسط (10/ 146) حيث 9308، والإسماعيلي في معجم الشيوخ (1/ 463)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 164)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 376) حديث 8580، والخطيب في تاريخه (1/ 403) من طريق جابر الجعفي، عن عامر الشعبي، عن مرة، به.
وأخرجه أبو يعلى (1/ 96) حديث 96، من طريق شيبان النحوي، عن عامر الشعبي، به. كما تابعه - أيضًا - أسلم الكوفي، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، عن أبي بكر رضي الله عنه به: أخرجه البزار (1/ 105، 197) حديث 43، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (2/ 361) حديث 217.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 641) حديث 2817: رواه أحمد وأبو =
قال ابن الجوزي في كتابه "السر المصون": معاشرةُ الولد باللطف والتأديب والتعليم، وإذا احتيج إلى ضربه ضُرِب) يعني: غير مبرح.
(ويُحمَلُ) الولد (على أحسن الأخلاق، ويجنَّبُ سيئَها) ليعتاد ذلك، وينشأ عليه (فإذا كبِر) الولد (فالحذر منه، ولا يُطْلِعه على كل الأسرار، ومن الغلط ترك تزويجه إذا بلغ؛ فإنك تدري ما هو فيه بما كنت فيه، فصُنْهُ عن الزلل عاجلًا، خصوصًا البنات) فإن عارهن عظيم (وإياك أن تزوَّجَ البنتَ بشيخٍ، أو شخص مكروه) فربما حملهن ذلك على ما لا ينبغي (وأما المملوك فلا ينبغي أن تسكن إليه بحال، بل كُنْ منه على حَذَرٍ، ولا تُدخِل الدار منهم مراهقًا ولا خادمًا، فإنهم رجال مع النساء، ونساء مع الرجال، وربما امتدت عين امرأة إلى غلام مُحْتَقَرٍ. انتهى) وكذا خدمة أحرار.
(وإن بعثه) أي: الرقيق (سيدُه لحاجة، فوجد مسجدًا يُصلَّى فيه، قضى حاجته، ثم صَلَّى) فيجمع بين حَقِّ الله وحَقِّ مواليه، وهو ممن يؤتى أجره مرتين إذًا
(1)
(وإن صَلَّى) أولًا ثم قضى حاجته (فلا بأس) لحصول الغرض. وإذا خاف فوات الحاجة بالصلاة، فله تأخيرها ويقضي حاجته؛ لأن الصلاة يدخلها القضاء.
= يعلى بإسناد حسن.
(1)
أخرج البخاري في العلم، باب 31، حديث 97، وفي العتق، باب 16، حديث 2547، 2551، وفي الجهاد والسير، باب 145، حديث 3011، وفي أحاديث الأنبياء، باب 48، حديث 3446، وفي النكاح، باب 12، حديث 5083، ومسلم في الإيمان، حديث 154، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم والعبد المملوك إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت عنده أَمه يطؤها، فأدَّبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران.
(ومتى امتنع السيدُ من الواجب عليه من نفقة، أو كسوة، أو تزويج، فطلب العبدُ) أو الأمةُ (البيعَ؛ لزمه بيعه، سواءٌ كان امتناعُ السيدِ لعجزه عنه، أو مع قُدرته عليه) لأن بقاء ملكه عليه إذن عليه إضرار به، وإزالة الضرر واجبة، وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاريتُك تقول: أطعمني واستعملني [وولدك يقول]
(1)
: إلى من تتركني" رواه أحمد، والدارقطني بإسناد صحيح
(2)
. ورواه البخاري من قول أبي هريرة
(3)
.
(ولا يلزمه بيعه بطلبه مع القيام بما يجب له) لأن الملك للسيد، فلا يُجبر على إزالته من غير ضرر، كطلاق زوجته إذن.
(ولا يتسرَّى عبد ولو بإذن سيده؛ لأنه لا يملك) والوطء لا يكون إلا في نكاح أو ملك يمين؛ للنص.
(وقيل: بلى
(4)
) يتسرى (بإذنه؛ نصَّ عليه في رواية الجماعة
(5)
، واختاره كثير من المحققين) قاله في "التنقيح"، وقال في "المبدع": هو قول قدماء الأصحاب. وقال في "الإنصاف": وهي طريقة الخِرَقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى، وابن شاقلا؛ نقله عنه في "الواضح"، ورجَّحها المصنف في "المغني"، والشارح. قال في "القواعد الفقهية"
(6)
: "وهي أصح؛ فإن نصوص أحمد لا تختلف في إباحة التسرِّي له". وصحَّحه
(1)
ما بين معقوفين زيادة من مصادر التخريج.
(2)
تقدم تخريجه (13/ 145) تعليق رقم (1).
(3)
تقدم تخريجه (13/ 145) تعليق رقم (2).
(4)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 73): "بل".
(5)
مسائل أبي داود ص/ 168، وانظر: القواعد الفقهية ص/ 388 - 389 القاعدة الستون بعد المائة.
(6)
ص/ 420 في المسألة السابعة من المسائل الملحقة بالقواعد.
الناظم، وقدَّمه الزركشي ونَصَره (وصحَّحه في "الإنصاف" وجعله المذهب) فيه نظر، إنما جعل المذهب؛ لأنه مبني على ملكه.
(فـ) ــعلى القول الثاني (إذا قال له السيد: تسرَّاها
(1)
، أو أذنتُ لك في وطئها، أو ما دَلَّ عليه) أي: على الإذن التسري (أُبيح له على هذا القول) وبه قال ابن عمر
(2)
، وابن عباس
(3)
، وغير واحد من التابعين: عطاء
(4)
، ومجاهد
(5)
، وأهل المدينة؛ ولأنه يملك النكاح بإذنه، فملك التسرّي، كالحُرِّ (وعليه) أي: على هذا القول (يجوز) أن يأذن له (في) التسرّي بـ (ــأكثر من واحدة) كالنكاح.
قال في "الشرح"، و"المبدع": فإن أذن له فيه، وأطلق؛ تسرَّى بواحدة فقط، كالتزويج، وإن أذن له في أكثر من واحدة، فله التسرِّي بما شاء؛ نصَّ عليه
(6)
؛ لأن من جاز له التسرِّي، جاز بغير حصر، كالحر.
(1)
"تسرَّاها" كذا في الأصول، وله وجه، واللغة العالية:"تسرَّها".
(2)
أخرج عبد الرزاق (7/ 214 - 215) رقم 12836، 12845، وسعيد بن منصور (2/ 72) رقم 2084، 2089، وابن أبي شيبة (4/ 174)، والبيهقي (7/ 152) عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يرى لمملوكه سراري، لا يعيب ذلك عليهم.
(3)
أخرج عبد الرزاق (7/ 214 - 215) رقم 12843 - 12844، وسعيد بن منصور (2/ 73) رقم 2086 - 2087، والبيهقي (7/ 152)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أذن لغلام له أن يتسرى، فاشترى ثلاث جوارٍ.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (7/ 213) رقم 12835.
(5)
لم نقف على من رواه مسندًا عن مجاهد.
وأخرج عبد الرزاق (7/ 214) رقم 12838، وسعيد (2/ 72 - 73) رقم 2085، 2088، وابن أبي شيبة (4/ 174)، عن الشعبي والحسن قالا: يتسرر العبد ما شاء.
وأخرج ابن أبي شيبة (4/ 174)، عن عمر بن عبد العزيز وإبراهيم قالا: لا بأس أن يتسرى العبد.
(6)
انظر: القواعد الفقهية ص/ 389 القاعدة الستون بعد المائة.
(ولم يملك السيدُ الرجوعَ بعد التسرِّي) من العبد بإذنه (نصًّا
(1)
) أي: نصَّ عليه في رواية محمد بن ماهان، وإبراهيم بن هانئ، كالنكاح؛ لأنه ملَّكه بُضْعًا أُبيح له وطؤه، كما لو زوَّجه.
فصل في نفقة البهائم
(ويلزمه) أي: المالك (إطعامُ بهائمه ولو عَطِبَت، و) يلزمه (سقيها، حتى تنتهي إلى أول شبعها وريّها دون غايتهما) لحديث ابن عمر مرفوعًا قال: "عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّة حبستها حتى ماتت جوعًا، لا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خَشاش الأرض" متفق عليه
(2)
.
(ويلزمه) أي: مالك البهيمة (القيامُ بها، والإنفاقُ عليها، وإقامةُ من يرعاها، ونحوه) لأن بقاءها بغير ذلك تعذيب لها.
(ويحرم أن يحمِّلها ما لا تُطيق) حمله؛ لأن الشارع منع تكليف العبد ما لا يُطيق، والبهيمة في معناه؛ ولأن فيه تعذيبًا للحيوان الذي له حُرمة في نفسه، وإضرارًا به.
(و) يحرم (أن يحلب من لبنها ما يضرّ بولدها) لأن كفايته واجبة على مالكه، أشبه ولد الأمة (ويُسنّ للحالب أن يقصَّ أظفارَه؛ لئلا يجرح الضَّرع.
(1)
انظر: المغني (9/ 477).
(2)
البخاري في المساقاة، باب 9، حديث 2365، وفي بدء الخلق، باب 16، حديث 3318، وفي الأنبياء، باب 54، حديث 3482، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2242.
وجيفتُها له) أي: المالك (ونَقْلها عليه) قاله أبو يعلى الصغير (فيلزمه أن ينقلها إلى مكان يدفع فيه ضرَرَها عن الناس) لأن نفعها كان له، فغرمها عليه.
(ويحرم وَسْم) في الوجه (وضَرْب في الوجه) لأنه صلى الله عليه وسلم لعن من وَسَم أو ضَرَب الوجه، ونهى عنه
(1)
(إلا لمداواة) للحاجة.
(و) تحريم ضَرْب الوجه (في الآدمي أشد) لأنه أعظم حُرمة.
ويجوز وَسْم البهيمة في غير الوجه لغرض صحيح.
(ويُكره خصي غيرِ غنم وديوكٍ) وقال في "المنتهى": ويُكره خصاء. قال في "الفروع": وكره أحمد
(2)
خصاء غنم وغيرها إلا خوف غضاضة. وقال: لا يعجبني أن يخصي شيئًا.
(ويحرم) الخصاء (في الآدميين لغير قصاص، ولو رقيقًا) وتقدم
(3)
.
(و
يُكره تعليق جرس، ووتر، وجزُّ معْرَفَةٍ
(4)
، وناصيةٍ، وذنبٍ)
للخبر
(5)
.
(1)
أخرج مسلم في اللباس والزينة، حديث 2116 (106)، عن جابر رضي الله عنه قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه".
وأخرج - أيضًا - حديث 2117 (107)، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه حمار قد وُسم في وجهه فقال:"لعن الله الذي وسمه".
(2)
انظر: مسائل حرب ص/ 324، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص/ 307.
(3)
(13/ 177).
(4)
المعرفة، بالفتح: منبت عرف الفرس من الناحية إلى المِنْسَج، وقيل: هو اللحم الذي ينبت عليه العرف. لسان العرب (9/ 241) مادة (عرف).
(5)
أخرج البخاري في الجهاد والسير، باب 139، حديث 3005، ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2115 (105)، عن أبي بشر الأنصاري مرفوعًا: "لا يبقينَّ في رقبة =
(و
يحرم لَعْن الدَّابة)
لما روى أحمد ومسلم عن عمران: "أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ، فلعنت امرأةٌ ناقةً، فقال: خذوا ما عليها ودعوها مكانها ملعونة، فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما تعرَّض لها أحدٌ"
(1)
، ولهما من حديث أبي برزة:"لا تصاحبنا ناقةٌ عليها لعنة"
(2)
(قال) الإمام (أحمد
(3)
: قال الصالحون: لا تُقبل شهادته) أي: شهادة لاعِن الدابة.
(وإن امتنع) مالك البهيمة (من الإنفاق عليها، أُجبر على ذلك) لأنه واجب عليه، كما يُجبر على سائر الواجبات (فإن أبى) الإنفاق عليها (أو عجز) عنه (أُجبر على بيعٍ، أو إجارةٍ، أو ذبحِ مأكول) لأن بقاءها في يده بترك الإنفاق عليها ظلم، والظلم تجب إزالته.
(فإن أبى) فِعْل أحدِها (فَعَلَ الحاكم الأصلح) عن هذه الأمور الثلاثة (أو اقترض عليه) وأنفق عليها، كما لو امتنع من أداء الدين.
= بعير قلادة من وترٍ - أو قلادة - إلا قُطعت" قال مالك: أرى ذلك من العين.
وأخرج مسلم في اللباس والزينة، حديث 2113، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا تصحب الملائكة رُفقة فيها كلب ولا جرس.
وأخرج أبو داود في الجهاد، باب 43، حديث 2542، وأحمد (4/ 183، 184)، وأبو عوانة في مسنده (5/ 18، 19)، والطبراني في الكبير (17/ 130)، حديث 319، 320، وفي مسند الشاميين (1/ 263، 268) حديث 455، 467، والبيهقي (6/ 331)، عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقصوا نواصي الخيل، ولا معارفها، ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير. قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 224): رواه أبو داود، وفي إسناده رجل مجهول.
(1)
أحمد (4/ 431)، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2595، بلفظ:"ودعوها، فإنها ملعونة".
(2)
أحمد (4/ 420 - 423)، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2596، من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.
(3)
انظر: المغني (14/ 152).
(و
يجوز الانتفاع بها في غير ما خُلِقت له،
كـ) ــالانتفاع بـ (ـــبقر للحمل أو الركوب، وإبل وحُمُر لحَرْثٍ ونحوه) لأن مقتضى الملك جواز الانتفاع به فيما يمكن، وهذا ممكن، كالذي خُلِقَ له وجرت به عادة بعض الناس، ولهذا يجوز أكل الخيل، واستعمال اللؤلؤ في الأدوية، وإن لم يكن المقصود منهما ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجلٌ يسرق بقرةً أراد أن يركَبها، قالت: إني لم أُخلَقْ لذلك، إنما خُلِقتُ للحَرْث" متفق عليه
(1)
، أي. إنه معْظم النفع، ولا يلزم منه منع غيره.
(ولا يجوز قَتْلها) أي: البهيمة (ولا ذبحها؛ للإراحة) لأنها مال ما دامت حية، وذبحها إتلاف لها، وقد نهي عن إتلاف المال، و (كالآدمي المتألّم بالأمراض الصعبة) أو المصلوب بنحو حديد؛ لأنه معصوم ما دام حيًّا.
(و) يجب (على مقتني الكلب المباح) - وهو كلب صيد وماشية وزرع - (أن يطعمه) ويسقيه (أو يرسله) لأن عدم ذلك تعذيب له.
(و
لا يحل حَبْس شيء من البهائم؛ لتهلك جوعًا)
أو عطشًا؛ لأنه تعذيب، ولو غير معصوم؛ لحديث:"إذا قتلتم، فأحسنوا القِتْلةَ"
(2)
.
(ويحسن قِتْلَة ما يُباح قتلُه) للخبر
(3)
.
(1)
البخاري في المزارعة، باب 4، حديث 2324، وفي أحاديث الأنبياء، باب 54، حديث 3471، وفي فضائل الصحابة، باب 5، حديث 3663، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2388، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، حديث 1955، عن شداد بن أوس رضي الله عنهما.
(3)
من عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس فواسق يُقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحُدَيَّا. وقد تقدم =
(ويُباح تجفيف دود القز بالشمس إذا استكمل) كما هو المعتاد (وتدخين الزنابير) دفعًا لأذاها بالأسهل (فإن لم يندفع ضررُها إلا بإحراقها؛ جاز) إحراقُها؛ خَرَّجه المصنف في "شرحه" على "منظومة الآداب" على القول في النمل والقمل وغيرهما إذا لم يندفع ضرره إلا بالحرق؛ جاز بلا كراهة، على ما اختاره الناظم، وقال: أنه سأل عنه الشيخ شمس الدين شارح "المقنع" فقال: ما هو ببعيد.
أما إذا اندفع ضررها بدون الحرق، فقال الناظم: يُكره، وظاهر كلام بعض الأصحاب: التحريم، وقطع به النووي
(1)
، حتى في القملة؛ للخبر
(2)
.
(ولا تجب عمارةُ الملك الطِّلق) بكسر الطاء، أي: المختص به، وأما المشترك فقد تقدم
(3)
الكلام عليه في حكم الجوار (إذا كان) الملك الطِّلق (مما لا روح فيه كالعقار) من دور وبساتين ونحوها. (ونحوه) أي: نحو العقار كالأواني؛ لأنه لا حُرْمة له في نفسه (بل تُستحبّ) نفقته على العقار ونحوه؛ لئلا يضيع.
(وإن كان) الملك (لمحجورٍ عليه) لصغر أو سفه أو جنون (وجب على وليه عمارة داره) لأنه يجب عليه فعل الأحظ (و) يجب على وليّه أيضًا (حفظ ثمره وزرعه بالسقي وغيره) لأن إضاعته لماله حرام، وفي تَرْكه ذلك إضاعة.
= تخريجه (6/ 155) تعليق رقم (3).
(1)
شرح مسلم (14/ 239).
(2)
هو حديث: "لا يعذب بالنار إلا رب النار"، وقد تقدم تخريجه (7/ 50) تعليق رقم (4).
(3)
(8/ 319 - 321).
باب الحضانة
- بفتح الحاء - مصدر: حضنت الصغير حضانة، أي: تحمّلت مؤنته وتربيته. والحاضنة: التي تربي الطفل، سُميت به؛ لأنها تضم الطفل إلى حضنها.
(وهي) أي: الحَضَانة: (حِفْظُ صغيرٍ ومجنون، ومعتوه - وهو المُختلُّ العقل - عما يضرُّهم، وتربيتهم بعمل مصالحهم، كغسل رأس الطفل، و) غسل (بدنه، و) غسل (ثيابه، و) كـ (ـــدَهْنه وتكحيله وربطه في المهد، وتحريكه لينام ونحوه) أي: نحو ما ذكر مما يتعلَّق بمصالحه.
(وهي) أي: حضانة مَنْ ذكر (واجبة) لأنه يهلك بتركها، فوجب حفظه عن الهلاك (كـ) ـــما يجب (الإنفاق عليه) وإنجاؤه من المهالك.
(ومستحقُّها: رجلٌ عَصَبَةٌ) كالأب والجد والأخ لغير أم، والعم كذلك (وامرأة وارثة) كالأم والجدة والأخت (أو مُدْلية بوارث كالخالة، وبنات الأخوات، أو مُدْلية بعصبة كبنات الإخوة و) بنات (الأعمام، وذوي رَحِم) هو مرفوع، عطف على:"رجل عَصَبة" وجرّه للمجاورة، على ما فيه (غير من تقدم) كالعم لأم والجد لأم والأخ لأم (وحاكم.
فإذا افترق الزوجان، ولهما طفل، أو معتوه، أو مجنون، ذكر أو أنثى، فأحقُّ الناس بحضانته أُمه - كما قبل الفراق - مع أهليتها وحضورها وقَبولها).
قال في "المبدع": لا نعلم فيه خلافًا؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن امرأةً قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني
له وعاءً، وثديي له سقاءً، وحَجْري له حِواءً، وإن أباه طلَّقني وأراد أن ينتزعَه مني، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أنتِ أحقُّ به ما لم تَنْكِحي" رواه أحمد وأبو داود
(1)
ولفظه له؛ ولـ "قضاء أبي بكرٍ على عمرَ بعاصم بن عمرَ لأمه وقال: ريحُها وشمُّها ولُطْفها
(2)
خيرٌ له منكَ" رواه سعيد في "سننه"
(3)
؛ ولأن الأب لا يتولى الحضانة بنفسه، وإنما يدفعه إلى من يقوم به.
والمراد بأهليتها: أن تكون حُرَّة عاقلة عدلًا في الظاهر، فتُقدَّم
(1)
أحمد (2/ 182)، وأبو داود في الطلاق، باب 35، حديث 2276. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 153 - 154) حديث 12596 - 12597 - 12601، وأبو عروبة الحراني في جزء من حديثه ص/ 36، حديث 13، والدارقطني (3/ 304 - 305)، والحاكم (2/ 207)، والبيهقي (8/ 4 - 5).
وصحح إسناده الحاكم (2/ 207)، ووافقه الذهبي، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (8/ 317)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 323) وقال: رجاله ثقات.
وقال ابن القيم في زاد المعاد (5/ 389): هو حديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب، ولم يجدوا بُدًّا من الاحتجاج به، ومدار الحديث عليه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا، وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم
…
وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، فبطل قول من قال: إنه منقطع، وقد احتج به البخاري خارج صحيحه.
(2)
في "ذ": "لفظها" وكتب في الهامش: وفي نسخة: "ولطفها"، وكتب في هامش الأصل و"ح": وفي نسخة: "ولفظها"، والمثبت هو الموافق لما في سنن سعيد بن منصور.
(3)
(2/ 115) رقم 2272. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 154) رقم 12600، وابن أبي شيبة (5/ 236)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 106) عقب رقم 3093. وأخرجه - أيضًا - سعيد (2/ 115 - 116) رقم 2269 - 2271، 2273، ومالك في الموطأ (2/ 767)، وعبد الرزاق (7/ 153 - 154) رقم 12598، 12600 - 12602، وابن أبي شيبة (5/ 237 - 238)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 106)، والبيهقي (8/ 5)، والبغوي في شرح السنة (9/ 333) رقم 2400، بنحوه.
(ولو بأجرة مثلها) مع متبرّعة (كرضاع، فهي) أي: الأم (أحق) بحضانته (من أبيه) للحديث.
(ولأن أباه لا يتولَّى الحَضَانة بنفسه، وإنما يدفعه إلى امرأته، وأُمّه أَولى من امرأة أبيه) لشفقتها.
(ولو امتنعت) الأم من حضانته (لم تُجبر) عليها؛ لأنها غير واجبة عليها.
(ثم أُمهاتها) القربى فالقربى؛ لأن ولادتهن متحققة، فهن في معنى الأم، والأقرب أكمل شفقة من الأبعد.
(ثم أب) لأنه أقرب من غيره، وليس لغيره كمال شفقته، فرجح بها.
(ثم أُمهاته) لأنهن يُدْلِين بمَن هو أحقّ، وقُدِّمن على الجد؛ لأن الأنوثة مع التساوي توجب الرجحان، دليله الأم مع الأب.
(ثم جد) أبو الأب؛ لأنه أب أو بمنزلته.
(ثم أمهاته) لأنهن يُدْلِين بمن هو أحق، وقُدِّمن على الأخوات مع إدلائهن بالأب؛ لما فيهن من وصف الولادة وكون الطفل بعضًا منهن، وذلك مفقود في الأخوات.
ثم جد الأب، ثم أمهاته، ثم جد الجد، ثم أمهاته (وهلم جرًّا.
ثم) الأخوات؛ لأنهن يُشاركن في النسب، وتُقدَّم منهن (أخت لأبوين) لقوة قرابتها.
(وتُقدَّم أخت من أُمٍّ على أخت من أب) لأن الأم مُقَدَّمة على الأب، فَقُدِّم من يُدْلي بالأم على من يُدْلي به.
(و) تُقدَّم (خالة على عمة) لأن الخالة تُدْلي بالأم؛ ولأن الشارع
قَدَّم خالة ابنة حمزة على عمَّتها صفية؛ لأن صفية لم تطلب، وجعفر طلب نائبًا عن خالتها
(1)
، فقضى الشارع بها لها في غيبتها.
(و) تُقدَّم (خالةُ أمٍّ على خالة أب) كالأخوات.
(و) تُقدَّم (خالات أب على عمَّاته) أي: الأب؛ لأن خالاته يُدْلين بأمه، وعَمَّاته يُدْلين بأبيه، والأم أحق منه.
(و) يُقدَّم (من يُدْلي من عمات وخالات بأم) فقط (على من يُدْلي بأب) وحده؛ لأن الأم مُقَدَّمة على الأب، فَقُدِّم من يُدْلي بها، ومن يُدْلي بالأبوين منهما مُقدَّم على من يُدْلي بأحدهما.
(وتحريره) أي: الأحق بالحضانة أن نقول: الأحق بالحضانة (أم، ثم أمهاتها القربى فالقربى، ثم أب، ثم أمهاته كذلك) القربى فالقربى (ثم جد، ثم أمهاته كذلك) القربى فالقربى.
ويُقدَّم - أيضًا - من الأجداد الأقرب فالأقرب (ثم أخت لأبوين، ثم) أخت (لأم، ثم) أخت (لأب، ثم خالة لأبوين، ثم) خالة (لأم، ثم) خالة (لأب، ثم عمَّات كذلك) أي: تُقدَّم مَنْ لأبوين ثم لأم، ثم لأب (ثم خالات أمه) كذلك (ثم خالات أبيه
(2)
، ثم عمَّات أبيه) كذلك (ثم بنات إخوته، و) بنات (أخواته) كذلك (ثم بنات أعمامه، و) بنات (عماته) كذلك (ثم بنات أعمام أبيه وبنات عمَّات أبيه كذلك على التفصيل المتقدِّم) تُقدَّم من لأبوين، ثم من لأم، ثم لأب
(3)
(وتقدمت حضانة
(1)
أخرجه البخاري في الصلح، باب 6، حديث 2699، وفي المغازي، باب 43، حديث 4251، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما.
(2)
في "ح" و"ذ" زيادة: "ثم عمات أمه".
(3)
في "ذ": "ثم من لأب".
لقيط) وأن الأحق بها واجدُه في باب اللقيط
(1)
.
(ثم) بعدَ مَنْ تقدَّم، الحضانةُ (لباقي العصبة، الأقرب فالأقرب) لأن لهم ولاية وتعصيبًا بالقرابة، فتثبت لهم الحضانة كالأب.
(فإن كانت أنثى فـ) ـالحضانة عليها لعصبة (من محارِمها ولو برضاع ونحوه) كمصاهرة، بأن تكون ربيبة له دخل بأمها (فلا حضانة عليها لابن العم ونحوه) كابن عم الأب إذا لم يكن محرمًا برضاع ونحوه (لأنه ليس من مَحارِمها.
وفي "المغني" وغيره) كـ "الشرح" و "النظم": (إذا بلغت سبعًا لم تُسَلَّم إليه) أي: إلى ابن العم غير المحرم (وقبلها) أي: السبع (له) أي: ابن العم (الحضانة عليها) لأنه لا حكم لعورتها، وليست محلًّا للشهوة (وهو قوي) وقطع به في "المنتهى"، وهو معنى ما تقدم في الحج من قولهم: وحيث اعتبر فلمن لعورتها حكم
(2)
. فإن لم يكن لبنت سبع سوى ابن عمها ونحوه ممن ليس مَحْرَمًا لها؛ سلَّمها إلى ثقة يختارها، أو إلى مَحْرمه.
وكذا أم تزوَّجت وليس لولدها غيرها.
(وإن اجتمع أخ وأخت، أو عمّ وعمة، أو ابن أخ وبنت أخ، أو ابن أخت وبنت أخت؛ قُدِّمت الأنثى على من في درجتها من الذكور
(3)
) لأن
(1)
(9/ 531).
(2)
(6/ 53).
(3)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 327) ما نصه: "قوله: (قدمت الأنثى على من في درجتها من الذكور) مفهومه: أنه لو اجتمع أخ شقيق وبنت أخ شقيق أو لأب أنه يُقدَّم عليها، وليس كذلك، بل هي مقدمة على الترتيب السابق، وعلى ما صرَّح به الشيخ منصور في شرح المنتهى [5/ 965] فراجعه. ا، هـ. من خط =
الأنوثة مع التساوي توجب الرجحان كما تَقَدَّمَ. (كما تُقَدَّمُ الأم على الأب، وأم الأب على أبي الأب.
ثم) تكون الحضانة (لذوي الأرحام رجالًا ونساء غير من تقدم) لأن لهم رَحِمًا وقَرابة يرثون بها عند عدم مَن هو أَولى منهم، أشبهوا البعيد من العصبة (فَيُقدَّم أبو أمٍّ، ثم أمهاته) لأن أبا الأم يُدْلي إليها بالأبوة والأخ يُدْلي
(1)
بالبنوّة، والأب يُقدَّم على الابن في الولاية فيقدَّم في الحضانة؛ لأنها ولاية.
(ثم أخ من أم) لأنه يرث بالفرض ويسقط ذوي الأرحام (ثم خال، ثم حاكم، فيسلّمه إلى من يحضنه من المسلمين) ممن فيه أهلية وشفقة.
(ولو استؤجرت) امرأة (للرضاع والحضانة؛ لزماها) بالعقد.
(وإن استؤجرت للرضاع وأطلق) العقد (لزمتها الحضانة تبعًا) للرضاع؛ قدَّمه في "الرعاية الكبرى"، وقيل: لا يلزمها سوى الرضاع؛ وقدَّمه ابن رزين في "شرحه".
(و) إن استؤجرت (للحضانة وأطلق) العقد (لم يلزمها الرضاع) قال في "تصحيح الفروع": والصواب الرجوع في ذلك إلى العُرف والعادة، فَيُعمل بهما (وتقدَّم في الإجارة
(2)
. وإن امتنعت الأم أو غيرها من الحضانة، أو كانت غير أهل
(3)
؛ انتقلتْ إلى من بعدها) كما لو لم تكن.
(ومن أسقط حقَّه منها) أي: الحضانة (سقط) لإعراضه عنه (وله العود) في حقه (متى شاء) لأنه يتجدَّد بتجدُّد الزمان، كالنفقة.
= ابن العماد".
(1)
في "ذ": "يدلي إليها".
(2)
(9/ 45).
(3)
في "ذ": "غير أهل لها".
فصل
(ولا حضانة لرقيق) لعجزه عنها بخدمة سيده (ولا) حضانة أيضًا (لمن بعضُه حر، ولو كان بينه وبين سيده مُهَايأة) لأنه لا يملك نفعه الذي تحصل به الكفالة، وقال في "الهدي"
(1)
: لا دليل على اشتراط الحرية.
(فإن كان بعض الطفل) المحضون وكذا المجنون والمعتوه (رقيقًا، فـ) ـالحضانة (لسيده وقريبه بمُهَايأة؛ لأن حضانة الطفل الرقيق لسيده) والحر لقريبه (والأَولى لسيده أن يُقِرّه مع أمه) أو نحوها؛ لأنها أشفق.
(ولا) حضانة -أيضًا- (لفاسق) لأنه لا يوفي الحضانة حقَّها.
(ولا) حضانة -أيضًا- (لكافرٍ على مسلمٍ) بل ضرره أعظم؛ لأنه يفتنه عن دينه، ويُخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر وتربيته عليه، وفي ذلك كله ضرر.
(ولا) حضانة (لمجنون ولو غير مطبق، ولا لمعتوه ولا لطفل) لأنهم يحتاجون لمن يحضنهم.
(ولا) حضانة -أيضًا- لـ (ـعاجز عنها كأعمى ونحوه) كزَمِن؛ لعدم حصول المقصود به (قال الشيخ
(2)
: وضَعْف البصر يمنع من كمال ما يحتاج إليه المحضون من المصالح. انتهى.
وإذا كان بالأم برص أو جُذام، سقط حقُّها من الحضانة) كما أفتى
(1)
زاد المعاد (5/ 412).
(2)
الاختيارات الفقهية ص / 415.
به المجد ابن تيمية (وصَرَّح بذلك العلائي الشافعي في "قواعده"
(1)
، وقال: لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها. انتهى).
قال في "الإنصاف": وقاله غير واحد، وهو واضح في كل عيب متعدٍّ، أو
(2)
ضرره إلى غيره، وإلا فخلاف لنا. (ويأتى في التعزير أن: الجَذْمى ممنوعون من مخالطة الأصحاء) فمَنْعُهم من حضانتهم أولى.
(ولا لامرأةٍ مزوّجة لأجنبيٍّ من الطفل) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنتِ أحقُّ به ما لم تَنْكِحي"
(3)
؛ ولأنها تشتغل عن الحضانة بحق الزوج، فتسقط حضانتها (من حين العقد) لأنها
(4)
بالعقد مَلَك منافعها، واستحق زوجها منعها من الحضانة، فسقطت حضانتها (ولو رضي الزوج؛ لئلا يكون) المحضون (في حضانة أجنبي.
فإن كان الزوج ليس أجنبيًّا كجدِّه) أي: المحضون (وقريبه، فلها الحضانة) لأن الزوح القريب يشاركها في القرابة والشفقة عليه، أشبه الأم لو
(5)
كانت مزوجة بالأب.
(ولو اتفقا) أي: أبو المحضون وأمه (على أن يكون) الولد (في حضانتها، وهي) أي: الأم (مزوّجة، ورضي زوجها؛ جاز) ذلك (ولم يكن لازمًا) لأن الحق لا يعدوهم، وأيهم أراد الرجوع فله ذلك.
(ولو تنازع عَمَّان ونحوهما
(6)
) كأخوين وابني أخ وابني عم
(1)
المسماة: المجموع المذهب في قواعد المذهب (2/ 461 - 462).
(2)
"أو" ليست في "ذ".
(3)
تقدم تخريجه (13/ 188) تعليق رقم (1).
(4)
في "ذ": "لأنه".
(5)
في "ذ": "إذا".
(6)
في "ح" و"ذ": "ونحوهما به فيها".
(وأحدهما متزوّج بالأم أو الخالة، فهو أحق) بالحضانة؛ لأنه يليها بمن له قرابة وشفقة.
(فإن زالت الموانع، كأن عَتَق الرقيق، وأسلم الكافر، وعدل الفاسق -ولو ظاهرًا- وعقل المجنون، وطَلَقت الزوجة -ولو رجعيًّا و) لو (لم تنقضِ العدة- رجعوا إلى حَقّهم) من الحضانة؛ لأن سببها قائم، وإنما امتنعت لمانع، فإذا زال المانع، عاد الحق بالسبب السابق الملازم.
(ونظير هذه المسألة: لو وقف على أولاده، وشرط أن من تزوّج من البنات لا حقَّ لها، فتزوّجت) واحدة منهن أو أكثر (ثم طلقت؛ عاد إليها حقُّها) لزوال المانع (ومثله: لو وقف على زوجته ما دامت عازبة، فإن تزوَّجت، فلا حقَّ لها) لفوات شرطه (فإن طلقت، وكان قد أراد بِرَّها) ما دامت عازبة (رجع) إليها (حقُّها، كالوقف) على بناته على أن من تزوّج منهنّ فلا حقَّ لها. (وإن أراد صلتها ما دامت حافظة لحُرمة فراشه؛ فلا حقَّ لها) لأنها قد أزالت ذلك بتزويجها
(1)
.
وهذا إذا عُلمت إرادته واضحٌ، فإن لم يُعلم ما أراد، فقال ابن نصر الله: يحتمل وجهين، للاحتمالين. وفي "الإنصاف": قلت: يرجع في ذلك إلى حال الزوج عند الوقف، فإن دَلَّت قرينةٌ على أحدهما؛ عُمل به، وإلا؛ فلا شيء لها.
(ولا تثبت الحضانة على البالغ الرشيد العاقل) لأنه استقلَّ بنفسه، وقدر على إصلاح أموره بنفسه، فوجب انفكاك الحَجْر عنه (وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه) لأنه لم تثبت الولاية عليه لأحد.
(1)
في "ذ": "بتزوجها".
(فإن كان رجلًا، فله الانفراد بنفسه، إلا أن يكون أمرد يُخَاف عليه الفتنة، فيمنع من مفارقتهما) دفعًا للمفسدة (ويُستحبُّ) للولد (ألا ينفرد عنهما ولا يقطع بِرَّه عنهما) لحديث: "مَنْ أبَرُّ؟. . ."
(1)
.
(وإن كانت جارية، فليس لها الانفراد) بنفسها (ولأبيها وأوليائها -عند عدمه- مَنْعُها منه) أي: من الانفراد؛ لأنه لا يؤمن عليها أن تُخدع.
(و) يجب (على عصبة المرأة مَنْعُها من المُحَرَّمات) بل كلُّ من قدر على ذلك وجب عليه؛ لأنه نهى عن مُنكَر (فإن لم تمتنع إلا بالحبس؛ حبسوها. وإن احتاجت إلى القيد؛ قَيَّدوها. وما ينبغي للولد أن يضرب أُمّه) لأنه قطيعة لها، ولكن ينهى ويداريها.
(ولا يجوز لهم) أي: لعصبات المرأة أُمًّا كانت أو غيرها (مقاطعتها بحيث تتمكن من السوء؛ بل) ينهونها (بحسب قُدْرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة كَسَوها) يُقدَّم بذلك من وجبت عليه نفقتها، على ما تقدم في النفقات
(2)
.
(وليس لهم إقامة الحَدِّ عليها) لأن إقامته تختص بالحاكم والسيد.
(ومتى أراد أحد الأبوين النُّقْلة إلى بلد مسافة قصر فأكثر، آمنٍ هو) أي: البلد (والطريق؛ ليسكنه، فالأب أحق بالحضانة) سواء كان المقيم هو الأب أو المنتقل؛ لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير وحفظ نسبه، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع. (قال في "الهدي"
(3)
: هذا كله ما لم يُرِد) المنتقل (بالنُّقْلة مضارَّة الآخر) أي:
(1)
تقدم تخريجه (5/ 60) تعليق رقم (1).
(2)
(13/ 156).
(3)
زاد المعاد (5/ 414).
ما لم يُرِد الأب بالانتقال مضارَّة الأم (وانتزاعَ الولد) منها (فإن أراد ذلك، لم يُجَب إليه) بل يعمل ما فيه مصلحة الولد. (انتهى).
قال في "المبدع": وهو مراد الأصحاب. قال في "الإنصاف": أما صورة المضارَّة فلا شَكَّ فيها، وأنه لا يوافق على ذلك.
(وإن كان البلد) المنتقل إليه (قريبًا) أي: دون مسافة القصر (للسكنى؛ فأمٌّ أحق) لأنها أتمُّ شفقة، والسفر القريب كَلَا سفر.
(وإن كان) السفر (بعيدًا) لحاجة ثم يعود (ولو لحجٍّ، أو) كان السفر (قريبًا لحاجة ثم يعود، أو) كان السفر (بعيدًا للسُّكنى لكنه مَخوف هو أو الطريق؛ فمقيم) منهما (أولى) لأن في المسافرة بالطفل إضرارًا به مع عدم الحاجة إليه.
(فإن اختلفا) أي: الأب والأم (فقل الأب: سفري للإقامة، وقالت الأم: بل) سفرك (لحاجة وتعود؛ فقوله مع يمينه) لأنه أدرى بمقصوده.
(وإن انتقلا) أي: الأبوان (جميعًا إلى بلد واحد فالأم باقية على حضانتها) لعدم ما يُسقطها.
(وإن أخذه الأب؛ لافتراق البلدين ثم اجتمعا) أي: الأبوان (عادت إلى الأم حضانتها) لزوال المانع.
فصل
(وإذا بلغ الغلام سبعَ سنين عاقلًا، واتفق أبواه أن يكون عند أحدهما؛ جاز) لأن الحق في حضانته إليهما لا يعدوهما.
(وإن تنازعا) أي: الأبوان (فيه) أي: في حضانته (خيَّره الحاكم
بينهما، فكان مع من اختار منهما) أي: من أبويه، قضى به عمر، رواه سعيد
(1)
. وعلي، رواه الشافعي، والبيهقي
(2)
. وروى أبو هريرة قال: "جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنَّ زوجي يريدُ أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ونفعني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به" رواه الشافعي، وأحمد، والترمذي وصححه
(3)
، ورجاله ثقات؛ ولأنه إذا مال إلى أحد أبويه، دَلَّ على أنه أرفق به، وأشفق عليه.
وقُيّد بالسبع؛ لأنها أولُ حالٍ أمرَ الشرع فيها بمخاطبته بالصلاة،
(1)
(2/ 117) رقم 2277 - 2278. وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (7/ 156) رقم 12605 - 12606، 12608، وابن أبي شيبة (5/ 236)، والبيهقي (8/ 4).
(2)
الشافعي في الأم (5/ 92)، والبيهقي (8/ 4)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 302) رقم 15601. وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (7/ 156) رقم 12609، وسعيد بن منصور (2/ 117) وقم 2279، وابن أبي شيبة (5/ 239).
(3)
الشافعي في الأم (5/ 92)، وأحمد (2/ 246 - 247)، والترمذي في الأحكام، باب 21، حديث 1357. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الطلاق، باب 35، حديث 2277، والنسائي في الطلاق، باب 52، حديث 3496، وابن ماجه في الأحكام، باب 22، حديث 2351، وعبدالرزاق (7/ 157) حديث 12611 - 12612، والحميدي (2/ 464) حديث 1083، والدارمي في الطلاق، باب 16، حديث 2298، وأبو يعلى (10/ 512) حديث 6131، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 97 - 99) حديث 3085 - 3086، 3088، وابن حبان "موارد الظمآن" ص/ 291، حديث 1200، والحاكم (4/ 97)، والبيهقي (8/ 3)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 301) حديث 15599، والبغوي في شرح السنة (9/ 331) حديث 2399.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 208).
بخلاف الأم، فإنها قُدِّمت في حال الصغر؛ لحاجته إلى حمله، ومباشرة خدمته؛ لأنها أعرف بذلك.
(قال ابن عقيل: مع السلامة من فسادٍ، فأما إن عُلم أنه يختار أحدَهما ليمكّنه من فساد، ويَكره الآخرَ للأدب؛ لم يعمل بمقتضى شهوته. انتهى) لأن ذلك إضاعة له.
(ولا يُخَيّر) الغلام بين أبويه (قبل سبع) لما سبق.
(فإن اختار) الغلام (أباه، كان عنده ليلًا ونهارًا، ولا يُمنع من زيارة أمه) لما فيه من الإغراء بالعقوق، وقطيعة الرحم (وإن مرض) الغلام (كانت) أمه (أحقَّ بتمريضه في بيتها) لأنه صار بالمرض كالصغير في الحاجة.
(وإن اختار) الغلام (أُمه، كان عندها ليلًا) لأنه وقت السكن، وانحياز الرجال إلى المنازل (و) يكون (عند أبيه نهارًا؛ ليعلّمه الصناعة والكتابة ويؤدّبه) لأن ذلك هو القصد في حظ
(1)
الولد.
(فإن عاد) الغلام (فاختار الآخر؛ نُقِل إليه، وإن عاد فاختار الأول؛ رُدَّ إليه، هكذا أبدًا) لأن هذا اختيار تشهٍّ، وقد يشتهي أحدهما في وقت دون آخر، فأتبع ما يشتهيه.
(فإن لم يختر أحدهما، أو اختارهما) أي: الأبوين (أُقرع) بينهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر (ثم إن اختار غيرَ من قُدِّم بالقرعة؛ رُدَّ إليه) كما لو اختاره ابتداء.
(و
لا يُخَيّر) الغلام (إذا كان أحد أبويه ليس من أهل الحضانة)
لأن غير الأهل وجوده كعدمه (وتعيّن أن يكون) الغلام (عند الآخر) الذي هو
(1)
في "ذ": "حفظ".
أهل للحضانة، كما قبل السبع.
(وإن اختار) ابنُ سبع (أباه، ثم زال عقلُه؛ رُدَّ إِلى الأم) لحاجته إلى من يتعاهده، كالصغير (وبطل اختيارُه) لأنه لا حكم لكلامه.
(و
الجارية إذا بلغت سبعَ سنين فأكثر؛ فعند أبيها
إلى البلوغ) وجوبًا (وبعدَه) أي: البلوغ تكون (عنده) أي: الأب (أيضًا إلى الزِّفاف) بوزن كتاب
(1)
(ولو تبرَّعت الأم بحضانتها) لأن الغرض من الحضانة الحفظ، والأب أحفظ لها، وإنما تُخطب منه، فوجب أن تكون تحت نظره؛ ليؤمن عليها من دخول النساء؛ لكونها مُعَرَّضة للآفات، لا يؤمن عليها الانخداع لغرتها؛ ولأنها إذا بلغت السبعَ، قاربت الصلاحية للتزويج، وقد تزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت سبع
(2)
، ولا يُصار إلى تخييرها؛ لأن الشرع لم يرد به فيها.
(ويمنعها) الأب (من الانفراد، وكذلك من يقوم مقامه) لأنها لا تؤمن على نفسها (وإذا كانت عند الأم أو الأب، فإنها تكون عنده ليلًا ونهارًا، فإن تأديبها وتخريجها في جوف البيت) من تعليمها الغَزْل والطبخ وغيرهما، ولا حاجة بها إلى الإخراج منه، بخلاف الغلام.
(ولا يمنع أحدهما) أي: الأبوين (من زيارتها عند الآخر) لأن فيه حملًا على قطيعة الرحم (من غير أن يخلو الزوجُ بأمها، ولا يُطيل) المُقام؛ لأن الأم صارت بالبينونة أجنبية منه (والورع إذا زارت) امرأة (ابنتها، تحرِّي أوقات خروج أبيها إلى معاشه؛ لئلا يسمع كلامها)
(1)
في "ح"، و "ذ" زيادة:"وجوبًا".
(2)
أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب 44، حديث 3894 - 3896، وفي النكاح، باب 38 - 39، 59، حديث 5133 - 5134، 5158، ومسلم في النكاح، حديث 1422.
والكلام ليس بعورة، لكن يحرم تلذذ بسماعه.
(وإن مرضت) البنتُ (فالأم أحقُّ بتمريضها في بيت الأم
(1)
) لحاجتها إلى ذلك (وتُمنع) الأم (من الخلوة بها) أي: البنت (إن كانت البنت مزوَّجة إذا خيف منها) الفتنة بينها وبين زوجها، والإضرار به (وكذلك الغلام) تُمنع أمه من الخلوة به، إذا خيف إفساده.
(وإن مرض أحدُ الأبوين والولد عند الآخر، لم يُمنع الولد -ذكرًا كان أو أنثى- من عيادته) لئلا يكون إغراء بقطيعة الرحم (و) لا يُمنع من (تكرر ذلك) فيعيد مرة بعد مرة (ولا) يمنع أيضًا (من حضوره عند موته، و) لا من (تولي جَهازه) لأن ذلك من الصلة والبِرِّ (وأما في حال الصحة، فالغلام يزور أُمّه) على العادة (والأم تزور ابنتها) كما تقدَّم؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، والبنتُ أحقُّ بالستر والصيانة؛ لأنها مُخَدَّرَة، بخلاف أُمّها (والغلامُ يزور أُمَّه على ما جرت العادة
(2)
، كاليوم في الأسبوع.
وإن مات الولد حضرته أُمُّه) لتعاهد
(3)
بَل حَلْقِهِ ونحوه؛ لأنها أرفق أهله (وتتولى) من ولدها إذا احتضر (ما تتولاه حال الحياة، فتشهده في حال نزعه، وتشُدُّ لَحْييه، وتوجّهه) إلى القبلة (وتُشْرِفُ على من يتولَّى غسلَه وتجهيزه) لأن ذلك كله من البِر والصلة (ولا تُمنع من جميع ذلك إذا طلبته، فإن أرادت الحضور بما ينافي الشرع، من تخريق ثوب، ولَطْم خَدٍّ، ونوح؛ مُنعت) منه، كما تُمنع لو كانت في حبال زوجها؛ لأن ذلك محرَّم، كما تقدم في الجنائز
(4)
. (فإن امتنعت) من ذلك (وإلَّا حُجبت عنه
(1)
"الأم" كذا في الأصل ومتن الإقناع (4/ 82)، وفي "ذ":"الأب".
(2)
في "ح" و"ذ": "على ما جرت به العادة".
(3)
في "ح": "لتتعاهد".
(4)
(4/ 289 - 291).
إلى أن تترك المُنكَر) فيجب نهيها وكفُّها عنه بما يزال به المنكَر، ولا ينبغي لين القول للنساء في ذلك.
(و
إن استوى اثنان فأكثر في حضانة مَن له دون سبع سنين،
كالأختين) شقيقتين، أو لأم، أو لأب (والأخوين) كذلك (ونحوهما) كالعمَّين (قُدِّم أحدهما بقُرعة) لعدم المرجِّح (فإذا بلغ) المحضون (سبعًا، ولو) كان (أنثى، كان عند من شاء منهم) لأنه لا مزيَّة للبعض، ولا يمكن الجمع.
(و
سائر العصبات، الأقرب فالأقرب منهم، كأب عند عدمه،
أو عدم أهليته) لقيامه مقام الأب، فيكون بمنزلته (في التخيير) بينه وبين الأم إذا بلغ الغلام سبعًا (والإقامة والنُّقلة) إذا أراد أحدهما سفرًا، على ما تقدم تفصيله (إذا كان) العصبة (مَحْرَمًا للجارية، كما تقدم) ولو برضاع أو مصاهرة.
(وسائر النساء المستحقَّات لها) أي: للحضانة، كالجدة والعمة والخالة (كأم في ذلك) أي: في التخيير والإقامة والنقلة.
(ولا يُقَرُّ الطفل) ذكرًا كان أو أنثى (بيد من لا يصونه، و) لا (يصلحه) لأن وجود من لا يصونه ويصلحه كعدمه، فتُنقل عنه إلى من يليه.
(والمعتوه ولو أنثى) يكون (عند أمه ولو بعدَ البلوغ) لحاجته إلى من يخدمه ويقوم بأمره، والنساء أعرف بذلك.
"تتمة": قال في "المبدع": لم أقف في
الخنثى المُشْكِل بعد البلوغ
على نقل، والذي ينبغي أن يكون كالبنت البِكْر، حتى يجيء في جواز استقلاله وانفراده عن أبويه الخلاف.
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات
(وهي: جمع جناية، وهي) لغة: التعدي على بدن أو مال.
وشرعًا: (التعدي على الأبدان بما يوجب قِصاصًا، أو غيرَه) أي: مالًا أو كفَّارة. وسَمَّوا الجناية على الأموال: غصبًا، ونهبًا، وسرقة، وخيانة، وإتلافًا.
(قتْلُ الآدمي بغير حقٍّ) بألا يكون مرتدًّا، أو زانيًا محصنًا، أو قاتلًا لمكافئه، أو حربيًّا (ذنبٌ كبيرٌ، وفاعلُه فاسق) لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا. . .} الآية
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ دمُ امرئٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله؛ وأنِّي رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزَّاني، والنفس بالنفس، والتَّارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه
(2)
.
(وأمرُه) أي: القاتل (إلى الله تعالى، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غَفَر له) لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
(3)
.
(وتوبته مقبولة) لعموم الأدلة، وقاله أكثر أهل العلم، وخالف ابنُ عباس
(4)
؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا. . .} الآية (1)، وهي من آخر
(1)
سورة النساء، الآية:93.
(2)
تقدم تخريجه (7/ 66) تعليق رقم (2).
(3)
سورة النساء، الآية:48.
(4)
أخرجه البخاري في تفسير سورة الفرقان، باب 2، رقم 4764، ومسلم في التفسير، رقم 3023 (20).
ما نزل، لم ينسخها شيء
(1)
. وحجة الأكثر: {إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
(2)
فهو تحت المشيئة، والآية الأولى محمولة على مَنْ قَتَله مستحلًّا ولم يتب، أو على أنَّ هذا جزاؤه إن جازاه، وله العفو إن شاء. لا يُقال: لفظ الآية لفظ الخبر، والأخبار لا يدخلها النسخ؛ لأنا نقول بدخولها
(3)
التخصيص، والتأويل.
(ولا يسقطُ حقُّ المقتولِ في الآخرة بمجرَّد التوبة) كسائر حقوقه (قال الشيخ
(4)
: فعلى هذا: يأخذ المقتولُ من حسنات القاتلِ بقَدْر مظلَمتِهِ) بكسر اللام وفتحها.
(فإن اقتُصَّ) للمقتول (من القاتل، أو عُفِي عنه) أي: عفا وليُّه عن القِصاص (فهل يطالبه المقتولُ في الآخرة؟ على وجهين):
أحدهما: يطالبه، ويؤيده ما (قال القاضي عياض
(5)
-في حديث صاحب النِّسْعَة، وهو حديث صحيح مشهور) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما تريد أن تبوء بإثمك وإثم صاحبك"
(6)
-: (في هذا الحديث أن قتل القِصاص لا يُكفِّر ذنب القاتل بالكلية، وإن كفَّر ما بينه وبين الله تعالى، كما جاء في الحديث الآخر
(7)
، فهو) أي: قتل القِصاص (كفَّارة له) أي:
(1)
انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (2/ 227)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي ص/ 289.
(2)
سورة النساء، الآية:48.
(3)
في "ذ": "يدخلها".
(4)
مجموع الفتاوى (16/ 26، 24/ 173).
(5)
إكمال المعلم (5/ 488).
(6)
أخرجه مسلم في الديات، حديث 1680 (32)، عن وائل بن حجر رضي الله عنه، ولفظه:"أما تريد أن يبوء بإثمك، وإثم صاحبك؟ ".
(7)
أخرج البخاري في الإيمان، باب 11، حديث 18، وفي مواضع أخرى، ومسلم في =
لحقّ الله (ويبقى حقّ المقتول) فله الطلب به.
قال في "النهاية" في باب النون مع السين: النِّسعة بالكسر، سَيْرٌ مضفور، يجعل زمامًا للبعير وغيره، وقد تُنْسَج عريضة تجعل على صدر البعير
(1)
(ويأتي في باب المرتد له تتمة) وتوضيح.
(والقتل) وهو فِعْل ما يكون سببًا لزهوق النفس، وهو مفارقة الروح البدن (ثلاثة أضرب):
أحدها: (عمد يختصّ القِصاص به) دون قسيميه.
(و) الثاني: (شبه عمد.
و) الثالث: (خطأ).
وهذا تقسيم أكثر أهل العلم، وأنكر مالك شِبْهَ العَمْدِ وقال: ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ
(2)
. وجعل شِبْهَ العَمْدِ من قسم العمد، وحُكي
(3)
عنه مثل قول الجماعة، وهو الصواب؛ لما روى عبدالله بن عمرو بن العاص، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"ألا إن دِية الخطأ شِبه العمد ما كان بالسَّوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها" رواه أبو داود
(4)
. وهذا نصٌّ في ثبوت شِبه العمد.
= الحدود، حديث 1709، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم، فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعُوقِبَ به، فهو كفارة له. . . الحديث. هذا لفظ مسلم.
(1)
النهاية في غريب الحديث (5/ 48).
(2)
المدونة (6/ 306).
(3)
الذخيرة (12/ 280 - 281)، والمنتقى شرح الموطأ (7/ 100).
(4)
أبو داود في الديات، باب 19، 26، حديث 4547 - 4548، 4588 - 4589.
وأخرجه -أيضًا- النسائي في القسامة، باب 33 - 34، حديث 4807، وابن ماجه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في الديات، باب 5، حديث 2627، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 22، والمروزي في السنة ص/ 67، حديث 237، وابن الجارود (3/ 89) حديث 773، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 468) حديث 4948، وابن حبان "الإحسان"(13/ 364) حديث 6011، والبيهقي (8/ 68)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 93) حديث 15984، والخطيب في الموضح (2/ 307)، كلهم من طرق عن خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، به.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 393)، والنسائي في القسامة، باب 33 - 34، حديث 4808، 4810 - 4812، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 108)، وعبدالرزاق (9/ 282) رقم 17213، وأحمد (3/ 410)، والمروزي في السنة ص/ 67، حديث 238، والطحاوي (3/ 185)، وفي شرح مشكل الآثار (12/ 465، 469) حديث 4945، 4949 - 4950، والدارقطني (3/ 103، 105)، وابن حزم في المحلى (10/ 382)، والبيهقي (8/ 45)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 93) حديث 15982، والخطيب في الموضح (2/ 307)، من طرق عن خالد الحذاء، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعند البعض يعقوب بدل عقبة، وهما واحد. انظر: السنن الكبرى للبيهقي (8/ 69)، والموضح، وتهذيب التهذيب (3/ 121) لابن حجر، والحديث صححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 409 - 410). وقال ابن حزم في المحلى (10/ 381): عقبة بن أوس مجهول لا يدرى من هو.
قلنا: قال ابن حجر في التقريب (4665): عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال فيه: يعقوب. . . صدوق.
وأخرجه النسائي في القسامة، باب 32 - 33، حديث 4805، وابن ماجه في الديات، باب 5، حديث 2627، وأحمد (2/ 164، 166)، والدارمي في الديات، باب 22، حديث 2388، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 567) حديث 1242، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 467) حديث 4946 - 4947، والدارقطني (3/ 104)، والبيهقي (8/ 44)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 312) حديث 1769، من طريق أيوب، عن القاسم بن ربيعة، عن عبدالله بن عمرو.
قال عبدالحق في الأحكام الوسطى (4/ 54): لا يصح للقاسم سماع من عبدالله بن =
وقَسَمه الموفق في "المقنع" إلى أربعة أقسام، فزاد: ما أُجري مجرى الخطأ، وهو أن ينقلب النائم على شخص فيقتله، ومن يقتل بسبب كحفر بئر مُحَرَّم ونحوه، وهذه الصور عند أكثر أهل العلم من قسم الخطأ.
(ويُشترط في القتل العمد القصدُ) فإن لم يقصد القتل فلا قِصاص؛ لحديث: "عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
(1)
.
(فـ) ـالقتل (العمد: أن يقتله) قصدًا (بما يغلب على الظَّنِّ موته) أي: المقتول (به، عالمًا بكونه) أي: المقتول (آدميًّا معصومًا) فلا قِصاص بما لا يقتل غالبًا؛ لأن حصول القتل بما لا يغلب على الظن موته به يكون اتفاقًا لسبب أوجب الموت غيره، وإلا لما تخلف الموت عنه في غير تلك الحال على الأكثر، وكذا لا قِصاص إن لم يقصد، أو قصد غير معصوم.
(وهو) أي:
قَتْل العمد الموجب للقِصاص (تسعةُ أقسام)
للاستقراء (أحدها: أن يجرحه بمحدَّد له مَوْر) بفتح الميم وسكون الواو (أي: دخول وتردد في البدن، يقطع الجلدَ واللحمَ، كسكِّين، وسيف، وسنان، وقَدُوم، أو يغرزَه بمِسلة) بكسر الميم (أو ما في معناه) أي: المحدد المذكور (مما يحدد ويجرح، من حديد، ونُحاس، ورصاص، وذهب، وفضة، وزجاج، وحَجَر، وخشب، وقصب، وعظم، جُرْحًا ولو صغيرًا، كشَرْط حجَّام، فمات) المجروح (ولو طالت عِلَّته منه، ولا عِلَّة به غيره)
= عمرو. وقال ابن حزم في المحلى (10/ 381): هذا خبر مدلس سقط منه بين القاسم بن ربيعة، وبين عبدالله بن عمرو رجل، ثم بين أنه عقبة بن أوس، وقد تقدم الكلام عليه آنفًا.
(1)
تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).
أي: الجرح، ولو كان في غير مقتل كالأطراف؛ لأن المحدَّد لا يُعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به، بدليل ما لو قطع شحمة أذنه أو أنملته فمات؛ ولأن العمد لا يختلف مع اتحاد الآلة والفعل بسرعة الإفضاء وإبطائه؛ ولأن في البدن مقاتل خفية، وهذا له سراية ومَور، فأشبه الجرح الكبير (ولو لم يداوه) أي: الجرح (قادر عليه) أي: الدواء؛ لأنه ليس بواجب، بل ولا مستحب، فتركه ليس بقاتل (أو يغرزه) الجاني (بإبرةٍ أو شَوْكة ونحوِها) من كلِّ محدَّد صغير (في مقتلٍ، كالعين، والفؤاد) وهو: القلب (والخاصرة، والصُّدْغ، وأصل الأذن، والخُصيتين، فمات) في الحال (أو) جرحه بإبرة ونحوها (في غير مقتل كالألْية والفخذ، فمات في الحال، أو) لم يمت في الحال، لكن (بقي ضَمِنًا) بفتح الضاد وكسر الميم، أي: متألمًا (حتى مات) ففي ذلك كله القَوَد؛ لأن الظاهر أنه مات بفعل الجاني.
(وإن قطع) أي: أبان سِلْعَةً
(1)
خطِرة من أجنبي مكلَّف، بغير إذنه، فمات، فعليه القود (أو بَطَّ) أي: شرط (سلعة خطِرة) ليخرج ما فيها
(2)
(من أجنبيٍّ مكلَّف، بغير إذنه، فمات؛ فعليه القود) لأنه جَرَحه بغير إذنه جرحًا لا يجوز له، فكان عليه القود، حيث تعمد
(3)
، كغيره، فإن كان بإذنه فلا ضمان، لكن إن جنت يده، أو كان غير حاذق؛ ضمنه بديته.
(وإن فعله حاكم من صغير أو مجنون) لمصلحة؛ فلا شيء عليه.
(أو) فعله (وليهما) أي: ولي الصغير والمجنون (لمصلحة؛
(1)
السِّلْعَةُ: زيادة تحدث في الجسد كالغدة، تتحرك إذا حركت، وقد تكون من حمصة إلى بطيخة. الصحاح (3/ 1231) مادة (سلع).
(2)
في "ذ": "ماءها" بدلًا من "ما فيها".
(3)
في "ذ": "وحيث تعمده".
فلا شيء عليه) سواء كان الولي أبًا أو وصيه؛ لأنه محسن بذلك، كما لو ختنه فمات.
القسم (الثاني: أن يَضْرِبَهُ بمُثَقَّل) كبير (فوق عمود الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها، فيه رِقَّة ورشاقة، لا) بمثَقَّل (كهو) أي: كعمود الفُسطاط، وهو الخشبة التي يقوم عليها بيت الشَّعر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم "لما سُئل عن المرأة التي ضربت جارتَها بعمود فُسْطَاطٍ فقتلتها وجنينَها، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغُرَّة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها"
(1)
والعاقلة لا تحمل العمد، فدلَّ على أن القتل بعمود الفُسطاط ليس بعمد، وأنَّ العمد يكون بما فوقه (وأما العمود الذي تتخذه الترك وغيرهم لخيامهم، فالقتل به عمد؛ لأنه يقتل غالبًا.
أو يضربه بما يغلب على الظن موته به، كاللُّتِّ) بضم اللام وتشديد المثناة فوق (نوع من السلاح، والدَّبُّوس، وعقب الفأس، والكُوذين -الخشبة الثقيلة التي يَدُق بها الدقاقُ الثيابَ-، والسِّندان.
أو) يضربه بـ (ـحجر كبير، أو يُلْقىَ حائطًا، أو سقفًا، أو صخرة، أو خشبة عظيمة، أو يُلقيَه من شاهق، أو يُكرِّرَ الضربَ) عليه (بخشبة صغيرة، أو حجر صغير) لأن ذلك كله مما يَقتلُ غالبًا.
(أو يضربه به) أي: بما ذكر من الخشبة الصغيرة أو الحجر الصغير (مرَّة) في مقتل ونحوه (أو يلكُزَه بيده في مقتلٍ، أو في حال ضَعْفِ قُوَّةٍ من مرض، أو صغر، أو كبر، أو حَرٍّ مُفرِط، أو برد شديد، ونحوه، فمات؛ فعليه القود) لأن ذلك الفعل يقتل غالبًا (وإن ادَّعى جهل المرض في ذلك كله؛ لم يُقبل) وكذا إن قال: لم أقصد قتله؛ لم يُصَدَّق؛
(1)
أخرجه مسلم في القسامة، حديث 1682، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
لأن الظاهر خلافه.
(وإن لم يكن كذلك) أي: وإن لم يكن الضرب بما ذكر من الخشبة الصغيرة، أو الحجر الصغير، أو اللَّكز باليد، في مقتل، ولا في حال ضَعْفِ قوةٍ ونحوه مما ذكر (ففيه الدية؛ لأنه عمد الخطأ) لكونه لا يقتل غالبًا إذًا.
(إلا أن يصغر جدًّا، كالضربة بالقلم أو الإصبع في غير مقتل ونحوه، أو مَسَّهُ بالكبير ولم يضربه) به (فلا قود فيه ولا دية) لأن ذلك الفعل لا يتسبب عنه قتل.
القسم (الثالث: أن يجمع بينه وبين أسدٍ أو نَمِرٍ بضيق، كزُبية ونحوها، وزبية الأسد) بضم الزاي: (حفرة تُحفر له، شبهُ البئر) قال في "الحاشية": الزُّبية: حفرة في موضع عال، يصاد فيها الأسد وغيره (فيفعلَ به) الأسد ونحوه (ما يقتل مثلُه؛ فعليه القود) لأنه إذا تعمَّد الإلقاء، فقد تعمَّد قتله بما يقتل غالبًا.
(وإن فعل به) الأسد أو نحوه (فعلًا لو فعله الآدمي لم يكن عمدًا؛ فلا قود) لأن السبُع صار آلة للآدمي، فكان فعله كفعله.
(وإن ألقاه مكتوفًا بحضرة سبُع فقتله، أو) ألقاه (بمضيق بحضرة حيَّة فنهشته، أو ألسعه عقربًا من القواتل فقتلتْهُ؛ فعليه القود) لأن هذا يقتل غالبًا، فكان عمدًا محضًا.
(وإن أنهشه) بالمعجمة والمهملة سواء، وقيل بالمهملة: الأخذ بأطراف الأسنان، وبالمعجمة: بالأضراس (كلبًا أو سبعًا) المراد به هنا: الحيوان المفترس (أو حية من القواتل، وهو) أي: ذلك الفعل (يقتل غالبًا؛ فعمد) يُقاد به؛ لأنه يقتل غالبًا.
(وإن كان) ما ذكر من إنهاش الكلب أو السبع أو الحيَّة (لا يقتل غالبًا، كثعبان الحجاز، أو سبع صغير) أو كلب صغير (أو كَتَّفه وألقاه في أرضٍ غير مَسبعة) بفتح الميم أي: كثيرة السباع (فأكله سبع أو نهشته حية، فمات؛ فشبه عمد) فيضمنه بالدية على عاقلته، والكفَّارة في ماله؛ لأنه فَعَلَ فِعلًا تلف به، وهو لا يقتل مثله غالبًا.
(وكذلك إن ألقاه مشدودًا في موضع لم يُعهَدْ وصول زيادة الماء إليه، أو تحتمل زيادةَ الماءِ وعَدَمَها فيها
(1)
) فوصلت إليه الزيادة ومات
(2)
؛ فشِبْه عمدٍ؛ لما سبق.
(وإن كان يعلم زيادةَ الماء في ذلك الوقت) وألقاه مشدودًا (فمات به؛ فهو عمدٌ) لأنه يقتل غالبًا.
القسم (الرابع: ألقاه في ماء يُغْرِقه، أو نار لا يمكنه التخلُّص منهما) أي: من الماء والنار (إما لكثرتهما، أو لعجزه عن التخلُّص؛ لمرضٍ أو ضَعْفٍ أو صِغَرٍ، أو كان مربوطًا، أو مَنَعَه الخروجَ كونُه في حُفرة لا يقدر على الصُّعود منها ونحو هذا، فماتَ) فعمدٌ؛ لأن الموت حصل بعد فعل يغلب على الظن إسنادُ القتل إليه، فوجب كونه عمدًا.
(أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارًا وسدَّ المنافذ) التي للبيت (حتى اشتدَّ الدخان وضاق به النفس، أو دفنه حيًّا، أو ألقاه في بئر ذات نَفَس
(3)
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 88): "فيه".
(2)
في "ذ": "ومات بها".
(3)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 335) ما نصه: "قوله: ذات نَفَس، أي: ذات رائحة لا يَحْيَا معها الإنسان إذا نزل إليها، وذلك أنَّ بعض الآبار من طول مكث الماء فيها ربما أحدث فيها زهومة كريهة فتُسمَّى حينئذٍ: ذات نفَس. ا هـ. من خط ابن العماد".
عالمًا بذلك، فمات؛ فعمْدٌ) لأن ذلك يقتل مثله غالبًا.
(وإن ألقاه في ماء يسير يَقدر على التخلُّص منه، فلبث فيه اختيارًا حتى مات؛ فهدْر) لأنه مهلك لنفسه.
(وإن كان) ألقاه (في نار يمكنه التخلُّص منها، فلم يخرج حتى مات؛ فلا قود) لأنه يمكنه التخلُّص، أشبه ما لو ألقاه في ماء يسير (ويَضمنُه بالدية) لأنه جانٍ بالإلقاء المُفضي إلى الهلاك، وهذا أحد وجهين، قال في "تصحيح الفروع": وهو الصَّوابُ. والوجه الثاني: لا شيء عليه، وهو ظاهرُ كلامه في "المحرَّر"، وقدَّمه في "الرعايتين"، و "الحاوي الصغير"، و "شرح ابن رزين". انتهى، وجَزَم به في "المنتهى". (وإنما تُعلم قُدرته) أي: المُلقَى في الماء، أو النار (على التخلُّص بقوله: أنا قادر على التخلُّص، أو نحو هذا).
القسم (الخامس: خَنَقَه بحبل، أو غيره) وهو نوعان: أحدهما: أن يخنقه في عنقه، ثم يعلِّقه في نحو خشبة فيموت، فهو عمد، سواء مات في الحال، أو بقي زمنًا؛ لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين
(1)
، الثاني: أن يخنقه وهو على الأرض.
(أو سَدَّ فَمَه وأنفه، أو عصر خُصيَتَيه حتى مات) أي: عصرهما عصرًا يقتله غالبًا، فمات (في مدة يموت في مثلها غالبًا؛ فعمدٌ) لأنه يقتل غالبًا، وظاهر ما سبق: أنه يُعتبر سدُّ الفم والأنف جميعًا؛ لأن الحياة في الغالب لا تفوت إلا بسدِّهما
(2)
.
(1)
في "ذ": "والمفسدين في الأرض".
(2)
"لكن في الكافي: لو وضع يده على فيه مدة يموت في مثلها غالبًا؛ ففيه القود، ولو غمه أو دفنه حيًّا فكذلك؛ نقله يوسف صاحب المنتهى". ش.
(وإن كان) سَدُّ الفم والأنف، أو عصر الخُصيتين (في مدة لا يموت) مثلُه (فيها غالبًا، فشِبْه عمدٍ، إلا أن يكون صغيرًا
(1)
إلى الغاية، بحيث لا يُتوهم الموت فيه، فمات؛ فهدْر) لأنه لم يقتله.
(ومتى خنقه وتركه متألمًا حتى مات؛ ففيه القود) لأنه قتله بما يقتل غالبًا.
(وإن تنفَّس) المخنوق (وصَحَّ) بعد الخنق (ثم مات؛ فلا ضمان) على الخانق؛ لأنه لم يقتله، أشبه ما لو برئ الجرح ثم مات.
القسم (السادس: حَبَسه، ومَنَعَه الطعامَ والشرابَ، أو أحدَهما) أي: الطعام وحده أو الشراب (أو) منعه (الدّفاءَ في الشتاء ولياليه الباردة -قاله ابن عقيل- حتى مات جوعًا، أو عطشًا، أو بردًا، في مدة يموت في مثلها غالبًا، بشرط أن يتعذَّر عليه الطلب؛ فعمدٌ) لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عند ذلك، فإذا تعمَّده الإنسان، فقد تعمَّد القتل.
(فإن لم يتعذَّر) عليه الطلب، وتركه حتى مات (فهدرٌ) لأنه المهلك لنفسه (كتَرْكِه شدَّ موضع فِصادةٍ.
والمدة التي يموت فيها غالبًا تختلف باختلاف الناس والزمان والأحوال، فإذا عطَّشه في الحَرِّ؛ مات في الزمان القليل، وعكسُه في البرد. وإن كان) حبسه مع منعه الطعام والشراب (في مدة لا يموت فيها غالبًا، فـ) ـهو (عمدُ الخطأ. وإن شَكَكْنا فيها) أي: في المدة، هل يموت فيها غالبًا أو لا (لم يجب القودُ) لعدم تحقق موجبه.
القسم (السابع: سقاه سَمًّا لا يعلمُ) المقتول (به، أو خَلَطَه بطعامٍ ثم أطعمه إياه، أو خَلَطَه بطعامِ آكِله، فأكله وهو لا يعلم) به (فماتَ،
(1)
في "ح" و "ذ": "يسيرًا".
فعليه القودُ إن كان) ذلك السَّم (مثلُه يقتل غالبًا) لما رُوي "أنَّ يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها النبي صلى الله عليه وسلم وبَشِيرُ بنُ العَلاءِ
(1)
، فلما مات بشير، أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت، فأمر بقتلها" رواه أبو داود
(2)
.
(وإن علم آكلُه) أي: السَّم (به، وهو بالغ عاقل، فلا ضمان) كما لو قدَّم إليه سكينًا، فقتل بها نفسه.
(وإن كان) الآكلُ (غيرَ مكلَّف، بأن كان صغيرًا، أو مجنونًا؛ ضمِنـ) ـه واضع السَّم؛ لأن الصبي والمجنون لا عبرة بفعلهما.
(وإن خَلَطه) أي: السَّم (بطعام نَفسِه، فأكله إنسان بغير إذنه،
(1)
كذا في الأصول: بشير بن العلاء، والصواب: بشر بن البراء، كما في سنن أبي داود وغيرها. انظر: الإصابة (1/ 247).
(2)
في الديات، باب 6، حديث 4511 - 4512. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد في الطبقات (1/ 172، 2/ 200)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 26)، والبيهقي (8/ 46)، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات، حديث 133، عن محمد بن عمرو الليثي، عن أبي سلمة مرسلًا.
وأخرجه الطبراني في الكبير (2/ 34) حديث 1202، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 27)، والبيهقي (8/ 46)، من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.
وأخرجه الدارقطني (3/ 120 - 121)، ومن طريقه البيهقي (8/ 46 - 47)، من طريق ابن أبي فديك، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عن جده، مرفوعًا.
وأصل الحديث في الصحيحين: البخاري في الهبة، باب 28، حديث 2617، ومسلم في الهبة، حديث 2190، عن أنس رضي الله عنه، وفيه: أنه عفا عنها.
قال البيهقي (8/ 47): اختلفت الروايات في قتلها، ورواية أنس بن مالك أصحها، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم في الابتداء لم يعاقبها حين لم يمت أحد من أصحابه مما أكل، فلما مات بشر بن البراء، أمر بقتلها، فأدَّى كل واحد من الرواة ما شهد، والله أعلم.
فلا ضمان عليه) لأنه لم يقتله، وإنما هو قتل نفسه، أشبه ما لو حفر في داره بئرًا ليقع فيها اللص، إذا دخل يسرق منها، وسواء دخل بإذنه أو بغيره، حيث لم يأذنه في الأكل.
(فإن ادَّعى القاتلُ بالسَّم عدم علمه أنه قاتل؛ لم يُقبل) منه؛ لأن السَّم يقتل غالبًا (كما لو جَرَحه، وقال: لم أعلم أنه يموت.
وإن كان) ما سقاه له (سَمًّا لا يقتل غالبًا) فقتله (فشِبْه عمد) لأنه قصد الجناية بما لا يقتل غالبًا.
(وإن اختُلف) في السَّم المسقي له (هل يقتل غالبًا أو لا؟ وثَمَّ بينة) لأحدهما (عُمل بها) إذا كانت من ذوي الخبرة به.
(وإن قالت) البينة: إن ذلك السَّم (يقتل النِّضْوَ الضعيف دون القوي، أو غير ذلك؛ عُمل على حسب ذلك) لأنه ممكن.
(فإن لم يكن مع أحدهما بينةٌ؛ فالقول قول الساقي) لأنه منكِرٌ
(1)
.
القسم (الثامن: أن يقتله بسحرٍ يقتل غالبًا،
فهو عمدٌ) إذا كان الساحر يعلم ذلك، أشبه ما لو قتله بمحدَّد (وإن قال) الساحرُ: (لم
(2)
أعلمه قاتلًا؛ لم يُقبل قوله) لأنه خلاف الظاهر (فهو) أي: السحر (كسَمٍّ حكمًا) أي: في حكمه السابق.
(وإذا وجب قتله) أي: الساحر (بالسحر، وقُتِل) به (كان قتلُه به حدًّا) قاله ابن البناء، وصحَّحه في "الإنصاف"، ومقتضي ما قدَّمه المصنِّف كغيره في الحدود: أنه يُقتَل قصاصًا؛ لتقديم حقِّ الآدمي (وتجب دِيةُ المقتول في تَرِكته) أي: الساحر، كما لو مات أو قتل بغير
(1)
في "ذ": "منكر القتل".
(2)
في "ذ": "لا".
المسحور.
(والمِعْيَان: الذي يقتُلُ بعينه -قال ابن نصر الله في "حواشي الفروع":- ينبغي أن يُلحَق بالساحر الذي يقتُل بسحرِه غالبًا، فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها، ويفعله باختياره؛ وجب به القصاصُ) لأنه فعل به ما يقتل غالبًا.
(وإن فعل ذلك بغير قَصْدِ الجناية، فيتوجَّه أنه خطأ يجب فيه ما يجب في القتل الخطأ، وكذا ما أتلفه بعينه، يتوجَّه فيه القول بضمانه، إلا أن يقع بغير قصده، فيتوجَّه عدم الضمان. انتهى، ويأتي في التعزير).
وقال ابن القيم في "شرح منازل السائرين"
(1)
: إن كان ذلك بغير اختياره، بل غلب على نفسه، لم يُقتصَّ منه، وعليه الدية، وإن عمد ذلك، وقَدَرَ على رَدِّه، وعَلِم أنه يقتل به، ساغ للوليّ أن يقتله بمثل ما قَتَل به، فيعينه إن شاء، كما أعان هو المقتول، وأما قتله قصاصًا بالسيف، فلا؛ لأنه غير مماثل للجناية. قال: وسألتُ شيخنا عن القتل بالحال هل يوجب القصاص؟ فقال: للوليّ أن يقتله بالحال، كما قتل به. وفَرَّق ابنُ القيم في المشهد الثاني من المشاهد بين العائن والساحر من وجهين.
والعين: نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع، يحصُل للمنظور منه ضرر، قال بعضهم: وإنما يحصل ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، ونظير ذلك: أن الحائض تضع يدها في إناء اللبن يفسد، ولو وضعته بعد طُهرها لم يفسد، وأن الصحيح ينظر في عين الأرمد فيرمد، ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب؛ قاله
(1)
مدارج السالكين (1/ 402).
الحافظ ابن حجر
(1)
.
القسم (التاسع: أن يشهد اثنان فأكثرُ على شخص بقتلٍ عمدٍ، أو رِدَّة حيث امتنعت التوبة، أو) يشهد (أربعة فأكثر بزنى مُحصَنٍ، ونحوِ ذلك مما يوجب القتل، فقُتل بشهادتهم، ثم رجعوا واعترفوا بتعمُّد القتل، فعليهم القِصاصُ) لما روى القاسم بن عبدالرحمن "أن رجلين شهدا عند علي
(2)
أنه سرق فقطعه، ثم رجعا عن شهادتهما، فقال عَليٌّ: لو أعلم أنكما تَعَمَّدتما لقطعت أيديكما"
(3)
؛ ولأنهما توصَّلا إلى قتله بسبب يقتل غالبًا، أشبه المسكر
(4)
. وقوله: "حيث امتنعت التوبة" بأن شهدا أنه سبَّ الله أو رسولَهُ ونحو ذلك، بخلاف ما تُقبَل فيه التوبة، إذ يمكنه دفعهما بالتوبة.
(وكذلك الحاكم، إذا حكم على شخص بالقتل عالمًا بذلك) أي: بكذب البينة (متعمِّدًا، فَقُتِل، واعترف) الحاكم بذلك (فعليه القِصاص) لأنه في معنى الشهود، فكان الحاصل بسببه عمدًا، كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين.
(ولو أن الوليَّ الذي باشر قَتْلَه أقرَّ بعلمِه بكَذِب الشُّهود، وتعمُّدِ
(1)
فتح الباري (10/ 200).
(2)
في "ح" زيادة: "على رجل".
(3)
أخرجه عبدالرزاق (10/ 88) رقم 18460، وتتمته: وأغرمهما دية يده. وأخرجه البخاري -تعليقًا- في الديات، باب 21، وأخرجه عبدالرزاق (10/ 88) رقم 18461، والدارقطني (3/ 182)، والبيهقي (8/ 41، 10/ 251)، عن الشعبي موصولًا، بنحوه. وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 408)، عن خلاس، عن علي رضي الله عنه، بنحوه. وصحح إسناده ابن الملقن في البدر المنير (8/ 396) والحافظ في التلخيص الحبير (4/ 19).
(4)
في "ذ": "المكره".
قتله، فعليه القِصاصُ وحدَه) لأنه باشر القتل عمدًا بغير حق (فإن أقرَّ الشاهدان والوليُّ والحاكمُ جميعًا بذلك) أي: بالكذب والتعمُّد لقتله (فعلى الوليِّ المباشرِ) للقتل (القِصاصُ وحده -أيضًا-) لأنه باشر القتلَ عمدًا عدوانًا، قال في "الشرح": ينبغي ألا يجب على غيره شيء؛ لأنهم متسببون، والمباشر يُبْطِلُ حكمها، كالدافع مع الحافر.
(وإن كان الوليُّ لم يباشِر) القتل (وإنما باشر وكيلُه، فإن كان الوكيل عالمًا؛ فعليه القِصاص وحدَه) لأنه المباشِر (وإلا) أي: وإن لم يكن الوكيل عالمًا (فعلى الوليِّ) القصاص، كما لو باشره (فيختصُّ مباشرٌ عالمٌ بالقَوَد، ثم وليٌّ) عالم (ثم بيِّنة وحاكمٌ، ومتى لزمت الديةُ الحاكمَ والبينةَ، فهي بينهم سواء، على الحاكم مثلُ واحد منهم) لأن الجميع متسببون (ولو رجع الولي والبيِّنة، ضمنه الولي وحده) لمباشرته القتل.
(ولو قال بعضهم: عَمَدْنا قتلَه، وقال بعضُهم: أخطأنا -يريد كلُّ قائل نفسه دون البعض الآخر؛ قاله ابن قُندس في "حاشية الفروع"-، أو قال واحد: عَمَدْتُ قتله، وقال الآخر: أخطأت؛ فلا قود على المتعمِّد) لأن القتل لم يتمحَّض موجبًا (وعليه) أي: المتعمِّد (حِصَّته من الدِّية المغلَّظة) مؤاخذةً له بإقراره (وعلى المخطئ حِصَّته من الدية المخفَّفة.
ولو قال كلُّ واحدٍ منهم: تعمَّدتُ وأخطأ شريكي، أو قال واحد: عمَدنا جميعًا، وقال الآخر: عمدتُ وأخطأ صاحبي، أو قال واحد: عمدتُ ولا أدري ما فعل صاحبي؛ فعليهما القود) لاعتراف كلٍّ منهما بالقتل عمدًا عدوانًا.
(ولو قال واحد: عمدنا) حال كونه (مخبرًا عنه وعمن معه، وقال الآخر: أخطأنا. مخبرًا عنه وعمن معه؛ لزم المُقِرَّ بالعمد القَوَدُ) مؤاخذةً
له بإقراره (و) لزم (الآخر نصف الدية مخففة إذا كانا اثنين) فإن كانوا ثلاثة فأكثر، فقال واحدٌ منهم: عمدنا، وقال آخر: أخطأنا؛ فلا قَوَد، وعلى من قال: عمدنا حصتُه من الدية المغلَّظة، والآخر حِصَّته من الدية المخفَّفة، ولو قالوا: عمدنا الإشهاد دون القتل؛ فالدية.
(وإن قالا: أخطأنا، فعليهم
(1)
الدِّية مخفَّفة.
ولو حفر في بيته بئرًا، وسَتَره ليقع فيه أحدٌ، فوقع) فيها أحد (فمات، فإن كان) الواقع (دخل بإذنه؛ قُتل به) لتسببه في قتله (لا إن دخل بلا إذنه، أو كانت مكشوفة بحيث يراها الداخل، أو لم يقصده) أي: القتل، فلا يُقتل به، ويأتي بأوضح من هذا في الديات.
(ولو جعل في حَلْقِ زيدٍ خُراطةً) أي: حبلًا ونحوه (وشدَّها في شيء عال، وتَرَك تحتَه حجرًا، فأزاله آخرُ عمدًا، فماتَ، قُتِل مزيلُه دون رابطه) كالحافر مع الدافع.
(وإن جَهِل) المُزيلُ (الخُراطةَ فلا قود) عليه؛ لأنه لم يتعمَّد القتل (وعلى قاتله في ماله الدية) جزم بمعناه في "المنتهى" وغيره. وفيه نظر؛ لأنه إن كان عمدًا، أوجب القود، وإن كان خطأً أو شبه عمد، فالدية على العاقلة.
(ولو شَدَّ على ظهره قِرْبةً منفوخةً وألقاه في البحر، وهو لا يُحسن السباحةَ، فجاء آخرُ وخَرَق القِربةَ، فخرج الهواء، فغرق، فالقاتل هو الثاني) لأنه المباشر، والأول متسبب.
(واختار الشيخ
(2)
، أن الدَّالَّ) على المقتول ليُقتل ظلمًا (يلزمه
(1)
في "ذ": "فعليهما".
(2)
مجموع الفتاوى (34/ 156 - 157).
القود إن تعمَّد) وعلم الحال، ولعل مراده إذا تعذَّر تضمين المباشر، وإلا، فهو الأصل (وإلا) أي: وإن لم يتعمد الدالُّ (فـ) ــعليه (الدية.
و) اختار الشيخ
(1)
أيضًا (أنَّ الآمر) بالقتل بغير حق (لا يرث) من المقتول شيئًا؛ لأن له تسببًا في القتل.
فصل
(وشِبه العمد، ويُسمَّى: خطأَ العمدِ، وعمدَ الخطإ) لاجتماعهما فيه (أن يقصد الجناية إما لقصد العدوان عليه، أو) قصد (التأديب له، فيسرف فيه بما لا يقتل غالبًا ولم يجرحه بها، فَيَقْتل، قَصَدَ قتله أو لم يقصده) سُمِّي بذلك؛ لأنه قصَد الفعلَ وأخطأ في القتل.
(نحو أن يضربه بسوط أو عصًا، أو حجر صغير، أو يَلْكِزَه بيده، أو يُلقيه في ماء قليل، أو يسحره بما لا يقتل غالبًا، أو بسائر ما لا يقتل غالبًا، أو يصيح بصبي
(2)
أو معتوه وهما على سطح أو نحوه) من الأمكنة المرتفعة (فيسقطان) فيموتان (أو يغتفل عاقلًا فيصيح به، فيسقط فيموت، أو يذهب عقله، فـ) ــهذا كله لا قود فيه؛ لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا قال:"عَقْلُ شبهِ العمد مغلَّظٌ مثلُ عَقْلِ العمدِ، ولا يُقتلُ صاحبُه" رواه أحمد وأبو داود
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوي (34/ 159).
(2)
في "ذ": "بصغير".
(3)
أحمد (2/ 183، 185 - 186، 217، 224)، وأبو داود في الديات، باب 20، حديث 4565. وأخرجه -أيضًا- الدارقطني (3/ 95)، والبيهقي (8/ 70)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 96) حديث 15998، وابن الجوزي في التحقيق =
وعن عبدالله بن عمرو مرفوعًا: "ألا إن في قتل الخطأ شبهِ العمد قتيل السوط والعصا: فيه مائةٌ من الإبل، منها أربعونَ في بطونها أولادها" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
(1)
، ولهم من حديث ابن عمر مثله
(2)
، ورواهما النسائي والدارقطني مسندًا ومرسلًا.
وهذا القسم ثبت بالسُّنة، والقسمان الآخران ثبتا بالكتاب.
و (فيه الكفَّارة إذا مات) المجني عليه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ
= (2/ 317).
قال ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق (3/ 276): في إسناد الحديث محمد بن راشد، وثَّقه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وقال ابن عدي: إذا حدَّث عنه ثقة فحديثه مستقيم. قلنا: تابعه محمد بن إسحاق عند أحمد (2/ 217).
(1)
تقدم تخريجه (13/ 207) تعليق رقم (4).
(2)
أحمد (2/ 11، 36)، وأبو داود في الديات، باب 19، حديث 4549، وابن ماجه في الديات، باب 5، حديث 2628. ورواه -أيضًا- النسائي في القسامة، باب 33، حديث 4807، 4813، وفي الكبرى (4/ 233) حديث 7002، والشافعي في الأم (6/ 91)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 108)، وعبدالرزاق (9/ 281) رقم 17212، والحميدي (2/ 307) حديث 702، وابن أبي شيبة (9/ 129 - 130)، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 32، وأبو يعلى (10/ 42) حديث 5675، والدارقطني (3/ 105)، وابن حزم في المحلى (10/ 382)، والبيهقي (8/ 44، 68)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 48 - 49) حديث 15819 - 15820، وفي دلائل النبوة (5/ 85)، والبغوي في شرح السنة (10/ 186) حديث 2536، كلهم من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر. قال البيهقي (8/ 68): علي بن زيد كان يخلِّط فيه، فالحديث حديث خالد الحذَّاء، يعني حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، وقد تقدم تخريجه (13/ 207) تعليق رقم (4).
وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 410): فأما من رواية عبدالله بن عمر فلا يكون صحيحًا لضعف علي بن زبد بن جدعان.
وأخرجه مرسلًا: النسائي في القسامة، باب 32، حديث 4806، وفي الكبرى (4/ 233) حديث 7003، عن طريق حميد الطويل، عن القاسم بن ربيعة، به.
مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}
(1)
والخطأ موجود في هذه الصور (والدية على العاقلة) لحديث أبي هريرة قال: "اقتتلت امرأتانِ من هُذيلٍ، فرمتْ إحداهُما الأخرى بحجرٍ فقتَلَتْها وما في بطنها، فقضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبدٌ أو وليدةٌ، وقضى بدِيَة المرأة على عاقلَتها" متفق عليه
(2)
.
(وإن صاح بمكلَّفٍ أو مكلَّفة فسقطا) فماتا، أو ذهب عقلُهما (فلا شيء عليه) إذا لم يغتفلهما؛ لأنه لم يَجنِ عليهما.
(و
إمساك الحية محرَّم وجناية)
لأنه ألقى
(3)
بالنفس إلى الهلاك، وقال تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
(4)
.
(فلو قتلت) الحيةُ (ممسكَها من مُدَّعي المشيخة ونحوه، فـ) ـهو (قاتل نفسه) لأنه فعل بها ما يقتل غالبًا.
(و) إمساك
(5)
الحية (مع ظَنِّ أنها لا تقتُلُ؛ فشِبه عمدٍ، بمنزلة من أكل حتى بَشِمَ
(6)
، فإنه لم يقصد قتلَ نفسه).
قلت: ونظير ذلك كل ما يقتل غالبًا، من المشي في الهواء على الحبال، والجري في المواضع البعيدة مما يفعله أرباب البطالة والشطارة، ويحرم -أيضًا- إعانتهم على ذلك، وإقرارهم عليه.
(1)
سورة النساء، الآية:92.
(2)
البخاري في الطب، باب 46، حديث 5758 - 5759، وفي الفرائض، باب 11، حديث 6740، وفي الديات، باب 25 - 26، حديث 6904، 6910، ومسلم في القسامة، حديث 1681، وانظر ما يأتي (13/ 443) تعليق رقم (1).
(3)
في "ذ": "لأنه إلقاء".
(4)
سورة البقرة، الآية:195.
(5)
في "ذ": "وأما إمساك".
(6)
البَشَم: التُّخَمَة. القاموس المحيط ص/ 1396، مادة (بشم).
فصل
(والخطأ) ضربان:
ضَرْب في الفعل (كرمي صيدٍ، أو غرضٍ، أو شخصٍ ولو معصومًا، أو بهيمة ولو محترمة، فيصيب آدميًّا معصومًا لم يقصده) فهو خطأ، قدَّمه في "المغني" وهو مقتضى كلامه في "المحرر" وغيره، وقيل: إذا رمي معصومًا، أو بهيمة محترمة، فأصاب آدميًّا معصومًا لم يقصده؛ فهو عمد. قال في "الإنصاف": وهو منصوص الإمام أحمد
(1)
؛ قاله القاضي في روايته
(2)
، وهو ظاهر كلام الخرقي. ا هـ، وهو مفهوم "المنتهى"(أو ينقلبُ عليه نائمٌ ونحوه) كمغمًى عليه (فعليه الكفَّارة، والديةُ على العاقلة) لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً. . .} الآية
(3)
.
الضرب الثاني: خطأ في القصد، وهو نوعان:
أحدهما: أن يرمي ما يظنُّه صيدًا أو هدفًا، أو مباح الدم، فيصيب آدميًّا لم يقصده.
الثاني: ما ذكره بقوله: (وإن قَتَل في دار الحرب من يظنُّه حربيًّا، فيتبين مسلمًا، أو يرمي إلى صف الكفَّار، فيصيب مسلمًا) لم يقصده (أو يتترَّس الكفارُ بمسلم ويخاف علي المسلمين إن لم يرمِهم، فيرميهم، فيقتل المسلمَ، فهذا فيه الكفَّارة) روي عن ابن عباس
(4)
؛ لقوله تعالى:
(1)
انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 257).
(2)
في "ذ": "روايتيه".
(3)
سورة النساء، الآية:92.
(4)
أخرج ابن أبي شيبة (9/ 444)، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 64، رقم 239، والطبري في تفسيره (5/ 207)، واين أبي حاتم في تفسيره (3/ 1033) رقم 5797، =
{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}
(1)
(بلا دِية) للآية المذكورة، فإنه لم يذكر دِية في هذا القسم، وذكرها في اللذين قبله وبعده.
(قال الشيخ
(2)
: هذا في المسلم الذي هو بين الكفَّار معذورٌ كالأسير، والمسلم الذي لا يمكنُه الهجرةُ والخروجُ من صَفِّهم، فأما الذي يقف في صفِّ قتالهم باختياره، فلا يُضمن بحال) لأنه الذي عرَّض نفسه للتلف بلا عُذر.
(وإن قُتل بسببٍ كالذي يحفر بئرًا، أو ينصب حجرًا، أو سكينًا، ونحوه، تعديًا ولم يقصد جناية، فيؤول إلى إتلاف إنسان، فسبيله سبيل الخطأ)، لأنه يشارك الخطأ في الإتلاف، وإنما لم يُجعل خطأً، لعَدَمِ القصدِ في الجملة. هذا كلام الموفَّق ومن تابعه، وعند الأكثر: هو من الخطأ، وهو مقتضى كلامه أولًا حيث جعل القتل ثلاثة أقسام.
قال في "المحرر": والقتل بالسبب مُلحَقٌ بالخطأ إذا لم يقصد به الجناية (فإن قصد جناية؛ فشِبه عمدٍ محرَّم) وقد يقوى فيلحق بالعمد كما
= 5800، والطبراني في الأوسط (9/ 81) رقم 8170، والحاكم (2/ 307 - 308)، والبيهقي (8/ 131)، عن ابن عباس في قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} قال: كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيكون فيهم، وهم مشركون، فيصيبه المسلمون خطأً في سريَّة أو غزاة، فيعتق الذي يصيبه رقبةً. . .
صححه الحاكم (2/ 308). ووافقه الذهبي.
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 7 - 8) وقال: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
(1)
سورة النساء، الآية:92.
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (19/ 220).
ذكرنا في الإكراه والشهادة.
(وعمد الصبيِّ والمجنون خطأ لا قِصاص فيه) لأنه عقوبة، وغير المكلَّف ليس من أهلها.
(والدِّيَةُ على العاقلة حيث وجبت) في الخطأ (والكفَّارة في ماله) في الخطأ وما أجري مجراه.
(ولو قال) القاتل: (كنتُ حالَ الفعل
(1)
صغيرًا أو مجنونًا، وأمكن) صدقه (صُدِّق بيمينه) لأنه منكِرٌ، والأصل عدم الموجب، وإن لم يمكن صدقه، بأن لم يعهد له حال جنون ونحوه؛ لم يُصَدَّق، وإن قال: أنا الآن صغير، واحتمل؛ صُدِّقَ ولا يمين (ويأتي في الباب بعده).
فصل
(وتُقتَلُ الجماعةُ بالواحد إذا كان فِعلُ كلِّ واحد منهم صالحًا للقتل به) لو انفرد؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصُ حَيَاةٌ}
(2)
؛ لأنه إذا علم أنه متي قَتَل قُتِل به؛ انكَفَّ به، فلو لم يشرع القِصاص في الجماعة بالواحد، لَبَطَلَتِ الحكمة في مشروعية القِصاص.
ولإجماع الصحابة، فروى سعيد بن المسيب:"أن عمر قتل سبعةً من أهل صنعاءَ قتلوا رجلًا"
(3)
وعن
(1)
في "ذ": "القتل".
(2)
سورة البقرة، الآية:179.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 871)، والشافعي في الأم (6/ 22)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 100 - 101)، وعبدالرزاق (9/ 476) رقم 18075، وابن أبي شيبة (9/ 347)، والدارقطني (3/ 202)، والبيهقي (8/ 40 - 41)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 44) رقم 15806، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 312) رقم 1766. =
علي
(1)
وابن عباس
(2)
معناه، ولم يُعرف لهم في عصرهم مخالف، فكان كالإجماع
(3)
؛ ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد، فوجبت على الجماعة، كحد القذف.
والفرق بين قتل الجماعة والدِّيَةِ: أن الدم لا يتبعَّض، بخلاف الدِّيَةِ.
(وإلا) أي: وإن لم يصلح فعل كل واحد من الجماعة للقتل، كما لو ضَرَبه كلُّ واحد منهم بحجر صغير فمات (فلا) قِصاص عليهم؛ لأنه لم يحصُل من واحد منهم ما يوجب القود (ما لم يتواطؤوا على ذلك) الفعل؛ ليقتلوه به؛ فعليهم القِصاص؛ لئلا يُتَّخذ ذريعة إلى دَرْءِ الِقصاص.
(وإن عَفَا عنهم) أي: عن القاتلين (الوليُّ؛ سقط القود) للعفو (ووجبت دِيَةٌ واحدة) لأن القتل واحد، فلا يجب أكثر من دِيَةٍ، كما لو قتلوه خطأً (ويأتي حكم الاشتراك في) قطع (الطرفِ في) باب (ما يوجب القصاص فيما دون النفس.
وإن جَرَحه واحد جرحًا، و) جرحه الـ (ـــآخر مائة) ومات (فهما سواء في القِصاص والدِّيَةِ) لأن اعتبار التساوي يُفضي إلى سقوط القِصاص على المشتركين؛ إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه،
= وأخرج البخاري في الديات، باب 21، رقم 6896، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن غلامًا قتل غِيلَة، فقال عمر: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم.
(1)
أخرجه عبدالرزاق (9/ 476 - 477) رقم 18077 - 18078، وابن أبي شيبة (9/ 348).
(2)
أخرجه عبدالرزاق (9/ 479) رقم 18082، بلفظ: لو أن مائة قتلوا رجلًا، قُتِلُوا به.
(3)
المغني (11/ 490).
ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم؛ لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفي باحتمال وجوده، بل الجهل بوجوده كالعِلم بعدمه في انتفاء الحكم؛ ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت به دون المائة.
وكذا لو أوضحه أحدهما، وشجَّه الآخر آمَّة، أو جرحه أحدهما جائفة والآخر غير جائفة.
(فإن قطع واحدٌ يدَه، و) قطع (آخرُ رِجلَه، وأوضحه ثالث فمات، فللولي قتل جميعهم) لاشتراكهم في القتل.
(و) له (العفو عنهم إلى الدِّيَةِ) فيأخذ (من كل واحد
(1)
ثلثها، وله أن يعفو عن واحد) منهم (فيأخذ منه ثلث الدِّيَةِ ويقتل الآخرين، وله أن يعفو عن اثنين) منهما (فيأخذ منهما
(2)
ثلثيها) أي: الدِّيَة (ويقتل الثالث) كما لو انفرد كل واحد منهم بالقتل.
(وإن برئت جراحة أحدهم، ومات) المجروح (من الجرحين الآخرين، فله) أي: الولي (أن يقتصّ من الذي برئ جرحه بمثل جرحه) كما لو لم يَشْرَكْهُ أحد (ويقتل الآخرين) لانفرادهما بالقتل (أو يأخذ منهما دية كاملة) لما تقدم (أو يقتل أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية.
وله أن يعفو عن الذي برئ جرحه، ويأخذ منه دِية جرحه) ثم يفعل مع الآخرين كما تقدم.
(و
إن ادَّعى الموضِحُ أن جرحه برئ قبل موته،
وكذَّبه شريكاه، فإن صَدَّقه الوليُّ، ثَبَتَ حكم البرء بالنسبة إليه) أي: إلى الولي؛ مؤاخذة
(1)
في "ذ": "واحد منهم".
(2)
علَّق في هامش "ذ": "صوابه: منهم".
له بإقراره (فلا يملك قتلَه ولا مطالبته بثلث الدية) لاعترافه أنه لا يستحق ذلك عليه.
(وله) أي: الولي (أن يقتصَّ منه مُوضِحةً، أو يأخذ منه أرْشَها) خمسًا من الإبل.
(ولم يُقبل قوله) أي: الموضِح، ولا الولي المصدِّق له (في حق شريكيه) لأنه إقرار على غيره.
(فإن اختار الوليُّ القِصاصَ، فله قتلهما) كما لو لم يدّع ذلك (وإن اختار) الولي (الدِّية، لم يلزمهما أكثر من ثلثيها) كما لو لم يدّع البرء.
(وإن كذَّبه الوليُّ) في دعواه أن جرحه برئ (حَلَف) الولي؛ لأنه منكر (وله) أي الولى (الاقتصاصُ منه أو مطالبته بثلث الدية، ولم يكن له مطالبة شريكيه بأكثر من ثلثيها) أي: الدية.
(وإن شهد له شريكاه ببُرْئها، لَزِمهما الدِّيةُ كاملةً) لأن ذلك موجب شهادتهما، فيؤاخذان به (للوليِّ أخذُها) أي: الدية (منهما، إن صَدَّقهما، وإن لم يُصدِّقهما أو عفا إلى الدِّية، لم يكن له) أي: الولي (أكثرُ من ثُلُثيها) لاعترافه أنه لا يستحق عليهما سوى ذلك. و"أو" بمعنى الواو (وتُقبل شهادتهما) لشريكهما في الجناية؛ لأنها لا تدفع عنهما ضررًا ولا تجلب نفعًا (إنْ كانا قد تابا وعدلا) وإلا فشهادة غير مقبولة
(1)
(فيسقط القِصاصُ) عن المشهود له في النفس؛ لعدم سراية جرحه (ولا يلزمه أكثر من موضحة).
قلت: ويتعيَّن أرشها دون القِصاص مع تكذيب الولي؛ لاعترافه بعدم استحقاقها.
(1)
في "ح" و"ذ": "وإلا فشهادة الفاسق غير مقبولة".
(وإن قطع واحدٌ يديه
(1)
من الكوع، و) قطع (آخر من المرفق فمات، فهما قاتلان) أي: فهما سواء في القِصاص أو الدية (ما لم يبرأ الأولُ) لأنهما قَطْعان، فإذا مات بعدهما، وجب عليهما القِصاص كما لو كانا في يدين.
(فإن برئ) الأول قبل قطع الثاني (فـ) ـالقاتل (الثاني) لأن جناية الأول قد انقطعت سرايتها بالاندمال، فيخيّر الولي في الثاني بين القِصاص والدية.
(فإن اندمل القَطْعان؛ أقيد الأول، بأن يُقطع من الكوع) كما قَطَعَ (والثاني: إن كانت كفُّه مقطوعة؛ أُقيد -أيضًا- فتقطع يده من المرفق) كما فَعَلَ (وإن كان له) أي: الثاني (كفٌّ) فلا قِصاص؛ لتعذُّره (فـ) ـتجب (حُكُومَة) قدّمه في "المبدع" وغيره. وقيل: ثُلُث دية يد، وجزم به في "المنتهى" في دية الأعضاء ومنافعها.
(وإن قتله جماعة) اثنان فأكثر (بأفعال لا يصلُحُ واحدٌ منها لقتلِه، نحو أن يضربه كلُّ واحدٍ سوطًا في حالة أو متواليًا؛ فلا قود، وفيه عن تواطؤ وجهان) قاله في "الترغيب"(الصواب) وجوب (القود) وتقدم معناه.
(وإن فعل واحدٌ فعلًا لا تبقى معه الحياة، كقطع حُشوته أو مريئه، أو وَدَجيه، ثم ضرب عنقه آخر، فالقاتل هو الأول) لأن الحياة لا تبقى مع جنايته. والحُشوة -بضم الحاء وكسرها-: الأمعاء. والمَرِيء -بالمد-: مجرى الطعام والشراب في الحلق. والوَدَجان -بفتح الواو
(2)
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 95): "يده".
(2)
"الواو" كذا بالأصول! وصوابها: "الدال" كما في المطلع ص/ 359، وعامة المعاجم.
وكسرها-: عرقان في العنق.
(ويُعزَّر الثاني كما يُعزَّر جان على ميت) فلهذا لا يضمنه ولو كان عبدًا، فالتصرُّف فيه كميت.
(وإن شَقَّ الأولُ بطنَه، أو قطع يده، ثم ضَرَب الثاني عنقه، فالثاني هو القاتل) لأنه المفوِّت للنفس جزمًا، فعليه القِصاص في النفس، أو الدية إن عفي عنه؛ لأنه لم يخرج بجرح الأول من حكم الحياة (وعلى الأول ضمان ما أتلف بالقصاص أو الدية.
ولو كان جرح الأول يُفضي إلى الموت لا محالة، إلا أنه لا يخرج به عن حكم الحياة، وتبقى معه الحياة المستقرّة، كخرق المِعَا
(1)
، أو) خرق (أمِّ الدماغ، وضَرَب الثاني عنقه؛ فالقاتل الثاني) لأن عُمَر لما جُرح وسُقي لبنًا فخرج من جوفه، عَلِمَ أنه ميتٌ وعهد إلى الناس، وجعل الخلافة في أهل الشورى، فقَبِل الصحابة عهده وعملوا به
(2)
.
(وإن رماه) الأول (من شاهق يجوز أن يَسْلم منه) لقربه (أو لا) يجوز أن يسلم منه لعلوه (وتلقَّاه آخر بسيف فقَدَّه) فالقِصاص على الثاني؛ لأنه فوَّت حياته قبل المصير إلى حال ييأسُ فيها من حياته.
(أو رماه بسهمٍ قاتلٍ فقطع عنقه آخر قبل وقوع السهم به، أو ألقى عليه صخرة فأطار آخر رأسه بالسيف قبل وقوعها عليه، فالقِصاص على الثاني) لأنه القاتل؛ لما تقدم.
(وإن ألقاه في لُجَّة لا يمكنه التخلص منها، فالتقمه حوت، فالقود
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 96): "الأمعاء".
(2)
أخرجه البخاري في الزكاة، باب 96، حديث 1392، وفي المناقب، باب 37، حديث 3700، عن عمرو بن ميمون الأزدي.
على الرامي) لأنه ألقاه في مهلكة هلك بها من غير واسطة يمكن إحالة الحكم عليها، أشبه ما لو مات بالغرق، أو هلك بوقوعه على صخرة ونحوها.
(وإن ألقاه في ماءٍ يسير فأكله سبع، أو التقمه حوتٌ أو تمساح، فإن علم الرامي بالحوت ونحوه) كالتمساح (فالقَوَد) لأنه فعلٌ يقتل غالبًا. ولا فرق فيما تقدم بين أن يلتقمه قبل أن يَمَسَّ الماءَ أو بعده، قبل الغرق أو بعده، بأن التقمه بعد حصوله فيه قبل غرقه.
(وإلا) أي: وإن لم يعلم بالحوت ونحوه، مع قلة الماء (فالدية) لأنه هلك بفعله، ولا قَوَد؛ لأن الذي فعله لا يقتل غالبًا.
(وإن أكره) مكلَّفٌ (مكلَّفًا على قتل معيَّن فقتَلَه، فالقِصاص عليهما) لأن المُكْرِه تسبب إلى قتله بما يُفضي إليه غالبًا، أشبه ما لو أنهشه حية، والمُكْرَه قتله ظلمًا لاستبقاء نفسه، كما لو قتله في المجاعة لمَأكلة
(1)
، فعلى هذا إن صار الأمر إلى الدية، فهي عليهما كالشريكين.
لا يقال: المكرَه مُلْجَأ؛ لأنه غير صحيح؛ لأنه يتمكن من الامتناع، ولهذا يأثم بالقتل، وقوله صلى الله عليه وسلم:"عُفِيَ عن أمتي عما استُكْرِهوا عليه"
(2)
محمول على غير القتل
(3)
.
(1)
في "ذ": "لأكله".
(2)
تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).
(3)
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ص/ 72: "والإكراهُ على الأفعال ثلاثة أنواع: نوعٌ لا يُباح بالإكراه؛ كقتل المعصوم، وإتلاف أطرافه، ونوع يُبيحه الإكراه بشرط الضمان؛ كإتلاف مال المعصوم، ونوع مختلَف فيه كالزنى والشُّرب والسرقة، وفيه روايتان عن الإمام أحمد، فما أمكن تلافيه أُبيح بالإكراه؛ كالأقوال والأموال، وما كان ضرره كضرر الإكراه لم يُبح به؛ كالقتل، فإنه ليس قتل المعصوم بحياة المكْرَه أولى من العكس".
(وإن كان) الذي أُكره على قتله (غير معيّن، كقوله: اقتل زيدًا أو عمرًا، أو: اقتلْ أحد هذين؛ فليس إكراهًا، فإن قَتَل أحدهما؛ قُتِل) القاتل (به) وحده.
(وإن أكره سعدٌ زيدًا على أن يُكرِه عمرًا على قَتْلِ بكرٍ؛ فَقَتَله؛ قُتِل الثلاثة -جزم به في "الرعاية الكبرى") ومعناه في "المنتهى"- المباشر؛ لمباشرته القتل ظلمًا، والآخران؛ لتسببهما إلى القتل بما يُفضي إليه غالبًا.
(وإن دفع لغير مكلَّف آلة قَتْلٍ كسيفٍ ونحوه) كلُتٍّ وسكين (ولم يأمره بقتل فَقَتَل، لم يلزم الدافع شيء) لأنه ليس بآمر ولا مباشر.
(وإن أمر غيرَ مكلَّفٍ) بالقتل فَقتَل (أو) أمر (عبدَه) بالقتل فَقتَل (أو) أمر (كبيرًا عاقلًا، يجهلان) أي: العبد والكبير العاقل (تحريمَ القتل، كمن نشأ في غير بلاد الإسلام فَقَتَل؛ فالقِصاص على الآمر) لأن القاتل هنا كالآلة، أشبه ما لو أنهشه حية (ويؤدَّب المأمور) بما يراه الإمام، من حبس أو ضرب.
(وإن كان العبدُ ونحوه) كالكبير العاقل الذي يجهل تحريمه (قد أقام في بلاد الإسلام بين أهله، وادَّعى الجهلَ بتحريم القتل؛ لم يُقبل) منه؛ لأنه لا يخفى عليه إذًا تحريمُ القتل، ولا يُعذر فيه إذا كان عالمًا (والقِصاص عليه) أي: العبد ونحوه؛ لمباشرته القتل بلا عذر (ويؤدَّب السيد) الآمر له به.
(وإن أمره) أي: العبد سيده (بزنًى أو سرقة فَفَعَل، لم يجب الحد على الآمر) بل على المباشر (جهل المأمور التحريم، أوْ لا) لكن إذا جهل تحريم الزنى، فلا حَدَّ عليه كما يأتي في بابه.
(وإن أمر) بالقتل (مكلفًا عالمًا بالتحريم فـ) ـالقِصاص (على القاتل) كما تقدم، سواء كان عبده أو أجنبيًّا (ويؤدَّب الآمر) لأمره بالمعصية.
(ولو قال مكلَّفٌ غيرُ قِنٍّ لغيره: اقتُلني، أو اجْرَحني) ففعل، فهدر.
(أو) قال مكلف لغيره: (اقتُلْني، وإلا قتلتُكَ، ففعل، فدَمُه) هَدْر (وجُرحه هَدْر) لأن الحق له فيه، وقد أذنه في إتلافه، كما لو أذنه في إتلاف ماله.
(ولو قاله) أي: اقتلْني، أو اجرحْني، أو: اقتلْني وإلا قتلتك (قِنٌّ) ففعل (ضَمِنه القاتلُ لسيده بمال) أي: بقيمته أو أرش الجراحة؛ لأن إذن القِنّ في إتلاف نفسه لا يسري على سيده (فقط) أي: دون القِصاص ولو كافأه القاتل؛ لأن القِصاص حقٌّ للقِن، وقد أسقطه
(1)
بإذنه في قتله.
(وإن قال له القادر عليه: اقتلْ نفسَكَ، وإلا قتلتُكَ، أو) قال له: (اقطعْ يدكَ، وإلا قطعتُها؛ فإكراه) فيُقتل المُكْرِه أو يُقطع، إذا قتل المُكْرَه نفسه، أو قطع يده.
(ومن أمر قِنَّ غيرِه بقتل قِنِّ نفسه) ففعل، فلا شيء له (أو أكرهه عليه) أي: أكره قِنَّ غيرِه على قتل قِنِّ نفسه، ففعل (فلا شيء له) على القاتل ولا على سيده، كما لو أذن إنسان لآخر في إتلاف مال الآذن، فأتلفه بإذنه.
(وإن
أمر السُّلطان بقتل إنسان بغير حَقٍّ
من يعلم ذلك، فالقِصاص على القاتل) لأنه غير معذور في فعله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوقٍ في
(1)
في "ذ": "سقط".
معصية الخالق"
(1)
؛ ولأن غير السلطان لو أمره بذلك كان القصاص على المباشر، علم أو لم يعلم (ويعزَّر الآمرُ) بالقتل ظُلمًا؛ لارتكابه معصية (وإن لم يعلم) المأمور أن القتل بغير حق (فـ) ـالقصاص (على الآمر) لأن المأمور معذور؛ لوجوب طاعة الإمام في غير المعصية، والظاهر من حاله أنه لا يأمر إلا بالحق.
قال أبو العباس
(2)
: هذا بناء على وجوب طاعة السلطان في القتل المجهول، وفيه نظر، بل لا يُطاع حتى يعلم جواز قتله، وحينئذ فتكون الطاعة له معصية، لا سيما إذا كان معروفًا بالظلم، فهنا الجهل بعدم الحِلِّ كالعِلم بالحرمة.
(وإن كان الآمر) بالقتل (غير السلطان، فالقِصاص على القاتل بكل حال) حيث علم تحريمَ القتل، بخلاف من نشأ ببادية بعيدة عن الإسلام كما سبق.
(وإن أكرهه السلطان على قَتْلِ أحدٍ، أو) أكرهه على (جَلْدِه بغير حقٍّ) وفعل فمات المجلود (فالقِصاص) أو الدية (عليهما) أي: على السلطان والمباشر كما تقدم
(3)
.
(لكن إن كان السلطان يعتقد جوازَ القتلِ دون المأمور، كمسلم قَتَلَ ذِميًّا، أو حُرٍّ قتل عبدًا، فقتله، فقال القاضي: الضمان عليه) أي: المأمور؛ لأنه قتل من لا يحل له قتله (دون الإمام، قال الموفَّق: إلا أن يكون القاتل عامِّيًّا، فلا ضمان عليه) قال في "المغني": ينبغي أن يُفرَّق
(1)
تقدم تخريجه (6/ 34) تعليق رقم (2).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 417.
(3)
(13/ 233).
بين المجتهد والمقلد، فإن كان مجتهدًا، فهو قول القاضي، وإن كان مقلِّدًا، فلا ضمان عليه؛ لأن له تقليد الإمام فيما رآه.
(وإن كان الإمام يعتقد تحريمه) أي: القتل (والقاتل يعتقد حِلّه، فالضمان على الآمر) كما لو أمر السيدُ عبدَه الذي لا يعتقد تحريم القتل به.
(وإن أمسك إنسانًا لآخر؛ ليقتُلَه، لا لِلَّعِبِ والضَّرْب، فَقَتَله، مثل أن أمسكه له حتى ذَبحَه؛ قُتل القاتل) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأنه قتل من يكافئه عمدًا بغير حق (وحُبِس الممسك حتى يموت، ولا قَوَد عليه) أي: الممسك (ولا دية) لما روى ابن عمر مرفوعًا قال: "إذا أمسك الرجلَ وقتَله الآخرُ؛ قُتل القاتلُ ويُحبس الذي أمسك" رواه الدارقطني
(1)
، وروى الشافعي نحوه من قضاء علي رضي الله
(1)
في سننه (3/ 140). وأخرجه -أيضًا- البيهقي (8/ 50)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 314) حديث 1776، من طريق أبي داود الحفري، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به.
قال البيهقي (8/ 50): هذا غير محفوظ.
وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 416): وهو عندي صحيح.
وقال ابن كثير في الإرشاد (2/ 256): وهذا الإسناد على شرط مسلم.
وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص/ 391: رجاله ثقات.
ورواه عبدالرزاق (9/ 427 - 428، 481) حديث 17892، 17895، 18092 من طريق معمر وابن جريج، وأبو عبيد في غريب الحديث (1/ 254) من طريق ابن المبارك، وابن أبي شيبة (9/ 372 - 733)، والدارقطني (3/ 140)، والبيهقي (8/ 50 - 51) من طريق سفيان، عن إسماعيل بن أمية مرسلًا.
وصوَّبه البيهقي (8/ 50) وفي معرفة السنن والآثار (12/ 60)، ووافقه ابن كثير في الإرشاد (2/ 256). وقال ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق (3/ 266): هذا هو المحفوظ.
وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 416): إسماعيل بن أمية أحد الثقات، =
عنه
(1)
؛ ولأنه حبسه إلى الموت، فحبس إلى أن يموت.
ومقتضى كلام المصنّف أنه يُطعم ويُسقى. وفي "المبدع": يُحبس عن الطعام والشراب حتى يموت.
(وإن كان الممسِكُ لا يعلم أن القاتل يقتله، فلا شيء عليه) لأن موته ليس بفعله، ولا باشر
(2)
فعله، بخلاف الجارح، فإنه لا يعتبر فيه قصد القتل؛ لأن السراية أثر جرحه المقصود له.
(وكذا لو فتح فمه وسقاه الآخر سَمًّا) فيقتل الساقي، ويحبس الممسك حتى يموت (أو تبع) مكلَّف (رجلًا ليقتله فهرب) الرجل (فأدركه آخر، فقطع رجله، فحبسه) فأدركه، فقتله؛ قُتِل القاتل وأُقيد من القاطع، وحُبس حتى يموت.
(أو أمسكه آخر ليقطع طرفه) فيُقطع القاطع، ويُحبس الممسك حتى يقطع طرفه.
(فلو قتل الوليُّ الممسكَ، فقال القاضي: يجب عليه) أي: الولي (القِصاص) لأنه تعمَّد قتله بغير حَقٍّ في قتله (وخالفه المجد) لأن له شُبهة في قتله، وهي اختلاف العلماء، فقد اختار أبو محمد الجوزي أن له قتله، وقدَّمه في "الرعاية"، وادَّعاه سليمان بن موسى إجماعًا
(3)
؛ لأن
= فلا يعدُّ منه إرسال الحديث تارة ووصله أخرى اضطرابًا. . . وإنما يعد هذا اضطرابًا ممن لم نثق بحفظه.
(1)
الشافعي في الأم (7/ 300). وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (9/ 427 - 428، 480) رقم 17893 - 17894، 18089 - 18091، والدارقطني (3/ 140)، والبيهقي (8/ 51)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 59) رقم 15857.
(2)
في "ذ": "ولا بأثر فعله".
(3)
أخرج ابن أبي شيبة (9/ 373)، عن سليمان بن موسى قال: الاجتماع فينا على =
قتله حصل بفعلهما.
(وإن كتَّفه وطرحه في أرض مَسْبعة، أو) في أرض (ذات حيات، فقتلته؛ لزمه القود) لأنه فعل ما يقتل غالبًا
(1)
(وتقدم) ذلك (في الباب
(2)
).
فصل
(وإن اشترك في القتل اثنان، لا يجب القِصاصُ على أحدهما لو انفرد، كأب وأجنبيٍّ) اشتركا (في قتل ولد، و) كـ (ـحُرٍّ وعبدٍ) شارك
(3)
(في قتل عبدٍ، و) كـ (ـمسلم وذمي) شارك (في قتل ذِمِّيٍّ) وكولي مقتصٍّ وأجنبي (و) كـ (ـخاطئ وعامد، و) كـ (ـمكلَّف وغير مكلَّف، وشريك سَبُع وشريك نفسه، بأن يجرحه سَبُع أو إنسان ثم يجرح هو نفسه متعمِّدًا، وجب القِصاصُ على شريك الأب، وعلى العبد وعلى الذِّمي) لأن قتلهم عمدٌ محضُ عدوان؛ ولأنهم شاركوا في القتل العمد العدوان، فيقتل
(4)
به (كمُكرِهٍ أبًا على قَتْلِ ولده. وسقط) القِصاص (عن غيرهم) لأنه
= المقتول، هو أن يمسك الرجل ويضربه الآخر فهما شريكان عندنا في دمه يقتلان جميعًا.
وأورده ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 512)، وابن عبدالبر في الاستذكار (25/ 257)، والإقناع في مسائل الإجماع (4/ 1943).
(1)
زاد في "ح": " (وإن كانت) الأرض (غير مسبعة) ولا ذات حيات (لزمته الدية) " وكذلك في نسخة "ذ" مع زيادة أيضًا وهي: "لأنه فعل ما لا يقتل غالبًا".
(2)
(13/ 212).
(3)
في "ذ": "شاركه".
(4)
في "ذ": "فيقتلوا به".
لم يتمحض عمدًا، فلم يجب به قود، كشِبْه العمد، وكما لو قتله واحد بجرحين عمدًا وخطأ.
(ويجب على شريك القِنّ) في قتل قِنٍّ (نصف قيمة المقتول) لأنه شارك في إتلافه، فكان عليه قسطه.
(وعلى شريك الأب
(1)
وشريك الذِّمي وشريك الخاطئ، ولو أنه نفسه) أي: نفس العامد (بأن جرحه جرحين أحدهما خطأ والآخر عمدٌ، وشريكِ غير المكلَّف، وشريكِ السَّبُع في غير قتل نفسه؛ نصف الدية) كالشريك في إتلاف مال (في ماله؛ لأنه عمدٌ) فلا تحمله العاقلة.
(و
لو جَرَحَه إنسانٌ عمدًا، فداوى) المجروح (جُرحَه بسَمٍّ قاتل،
أو خاطه في اللحم الحي، أو فعل ذلك وليُّه، أو) فعله (الإِمام، فمات) المجروحِ (فلا قَوَد على الجارح) لأن المداوي قصد مداواة النفس، فكان فعلُه عمدَ خطأٍ، كشريك الخاطئ (وعليه) أي: الجارح (نصف الدية) كشريك الخاطئ.
(لكن إن كان الجرح موجبًا للقِصاص؛ استوفي) بشرطه (وإلا أخذ الأرش).
وإن كان السمُّ لا يقتل غالبًا، ففِعْلُ الرجل في نفسه شبهُ عمدٍ، وشريكه كشريك الخاطئ.
وإن خاطه غيره بغير إذنه، فهما قاتلان عليهما القَوَد.
(1)
"تقدم أنه يجب على شريك الأب القصاص، وهنا أوجب الدية". وعبارة المنتهى: "وعلى شريك غيرهما أي: الأب والقن" ولو قال المصنف رحمه الله: "وعلى شريك غير الأب لكان موافقًا لما قدمه، اللهم إلَّا أن تكون المسألة ذات قولين، فمشى على كل منهما". ش.
باب شروط القصاص
(وهي خمسة: أحدها: أن يكون الجاني مكلَّفًا) لأن القِصاص عقوبة، وغير المكلَّف ليس محلًّا لها (فأما الصبيُّ، والمجنون، وكل زائل العقل بسبب يُعذَر فيه؛ كالنائم، والمُغمى عليه، ونحوهما) كالسكران كرهًا (فلا قِصاص عليهم) لأن التكليف من شروطه، وهو معدوم؛ ولأنه لا قصد لهم صحيح.
(فإن قال) الجاني: (قتلتُه وأنا صبيٌّ، وأمكن) ذلك (صُدِّق بيمينه) لأنه محتمل (وتقدَّم
(1)
في الباب قبله.
وإن قال) القاتلُ: (قتلتُه وأنا مجنون، فإن عُرف له حالُ جنون، فالقول قوله مع يمينه) كما تقدَّم
(1)
(وإلا) أي: وإن لم يُعرف له حال جنون (فقول الوليّ) لأن الأصل عدم الجنون.
(وكذلك إن عُرف له حال جنون، ثم عُرف زوالُه قبل القتل) لأن الأصل بقاؤه على الحال التي عُرف عليها (فإن ثَبَتَ زوالُ عقله، فقال: كنتُ مجنونًا، وقال الوليُّ: بل) كنت (سكران، فقول القاتل مع يمينه) لأن الأصل عدم السكر، والأصل -أيضًا- العصمة.
(فأما إن قتله وهو عاقل، ثم جُنَّ، لم يسقط عنه) القِصاص؛ لأنه كان حين الجناية عاقلًا (سواء ثَبَتَ ذلك ببينة أو إقرار، ويُقتصُّ منه) أي: ممن جنى عاقلًا ثم جُنّ (في حال جنونه. ولو ثَبَتَ عليه حد زنًى أو غيره) كشرب أو سرقة (بإقراره، ثم جُنَّ، لم يُقَم عليه حال جنونه) لأن رجوعه
(1)
(13/ 227).
عن ذلك يمنع إقامتَه، بخلاف القِصاص. قلت: ومثله حَدّ القذف.
(والسكران وشِبهُه) كمن زال عقله بسبب لا يُعذر فيه، كمن يشرب الأدوية المخبثة (إذا قَتَل، فعليه القِصاص) لأن الصحابة أوجبوا عليه حَدَّ القذف، وإذا وجب الحَدُّ، فالقصاص المتمحّض حق آدمي أولى؛ ولأنه يُفضي إِلَى أن يصير عصيانه سببًا لإسقاط العقوبة عنه.
الشرط (الثاني: أن يكون المقتول معصومًا)
لأن القِصاص إنما شُرع حفظًا للدماء المعصومة، وزجرًا عن إتلاف البُنية المطلوب بقاؤها، وذلك معدوم فِي غير المعصوم (فلا يجب قِصاص، ولا دية، ولا كفَّارة بقتل حربي) لأنه مباح الدم على الإطلاق (ولا مرتدٍّ قبل توبتـ) ـــــه؛ لأنه مباح الدم، أشبه الحربي (لا) إن قُتل المرتد (بعدها) أي: بعد التوبة (إن قُبلت) توبته (ظاهرًا) فيقتل قاتله إذًا؛ لأنه معصوم.
(ولا) يجب قِصاص ولا دية ولا كفَّارة بقتل (زانٍ محصَن، ولو قبل ثبوته) أي: الزنى (عند حاكم) لأنه مباح الدم، متحتّم قتله، فلم يُضمن، كالحربي.
(ولا) يجب قِصاص ولا دية ولا كفَّارة بقتل (مُحارِب) أي: قاطع طريق (تحتَّمَ قتله) بأن قَتل وأخذَ المال؛ لأنه مباح الدم، أشبه الحربي (فِي نفس) أي: لا قِصاص على جانٍ على واحد من هؤلاء فِي نفس. (ولا) قِصاص فِي الأطراف (بقطع طرف) لواحد منهم؛ لأن من لا يؤخذ بغيره فِي النفس، لا يؤخذ به فيما دونها، وذلك متناول للزاني المحصن وغيره. قال فِي "الفروع": فدل أن طرف محصن
(1)
، كمرتد.
(بل ولا يجوز) -معطوف على "فلا يجب"- أي: لا يجب
(1)
"طرف زان محصن". ش.
القِصاص بقتل واحد من هؤلاء ولا يجوز (والمراد) قاله فِي "الرعاية"، و"الفروع"(قبل التوبة) وأما قتل المحارب بعد التوبة، فإن كان من وليِّ المقتول، فقد استوفى حقّه، وإن كان من غيره ولا شُبهة، فإنه يُقتل؛ لأنه معصومٌ بالنسبة إِلَى غير وليِّ المقتول، كالقاتل في غير المحاربة؛ لسقوط التحتّم بالتوبة (ولو كان القاتل) للحربي، أو المرتد، أو الزاني المحصن، أو المحارب المتحتم قتله (ذميًّا) فالذمي فيه كالمسلم؛ لأن القتل منهما صادف محله (ويعزَّرُ فاعل ذلك) لافتياته على الإِمام.
(والقاتل معصوم الدم لغير مستحقٍّ دمه) لأنه لا سبب فيه يُباح به دمه لغير ولي مقتوله.
(ولو قطع مسلمٌ) يدَ مرتد (أو) قطع (ذميٌّ يدَ مرتد، فأسلم) المرتد، ثم مات (أو) قطع مسلم يدَ (حربي، فأسلم، ثم مات) فلا شيء على القاطع (أو رمى) مسلم أو ذمي (حربيًّا أو مرتدًّا، فأسلم) المرميُّ (قبل أن يقع به السهم، فلا شيء عليه) أي: الجاني؛ لأنه لم يَجْنِ على معصوم؛ ولأنه رمى من هو مأمور برميه، فلم يضمن؛ لأن الاعتبار في التضمين بابتداء حال الجناية؛ لأنها موجبة.
(و
إن قطع) مكلَّف (طرفًا أو أكثر من مسلم، فارتدَّ المقطوع،
ومات من جِراحه، فلا قَوَد على القاطع) في النفس؛ لأنها نفس مرتد غير معصوم ولا مضمون، بدليل ما لو قطع طرف ذميٍّ، فصار حربيًّا، ثم مات من جراحه. ولا فِي الطرف؛ لأنه قطع صار قتلًا.
(وعليه) أي: القاطع (الأقلُّ من دية النفس أو المقطوع) لأنه لو لم يرتدّ، لم يجب عليه أكثر من دية النفس، فمع الرِّدة أولى (يستوفيه الإمام)
لأن مال المرتد
(1)
فيء.
(وإن عاد) المقطوع (إلى الإسلام، ثم مات، وجب القِصاص في النفس) ولو بعد زمن تَسْري فيه الجناية؛ لأنه مسلم حال الجناية والموت، كما لو لم يرتدّ.
(وإن جَرَحه وهو مسلم، فارتدَّ، أو بالعكس) بأن جرحه وهو مرتد، فأسلم (ثم جَرَحه جرحًا آخر، ومات منهما، فلا قِصاص فيه) لأن أحد الجرحين غير مضمون، أشبه شريك المخطئ.
(ويجب نصفُ الدية لذلك) لأن الجرح فِي الحالين، كجرح اثنين فِي الحالتين المذكورتين (وسواء تساوى الجُرحان أو زاد أحدهما، مثلَ أن قطع يديه وهو مسلم، و) قطع (رجليه وهو مرتدّ، أو بالعكس) أو قطع يدًا
(2)
وهو مسلم، ورجليه وهو مرتدّ، أو بالعكس.
(ولو قطع طرفًا أو أكثر من ذميٍّ، ثم صار) الذمي (حربيًّا) بأن انتقض عهده، أو لحق بدار حرب مقيمًا (ثم مات من الجراحة، فلا شيء على القاطع) لأنه قتل لغير معصوم، وقياس ما سبق فِي المسلم: إذا ارتدّ؛ لا قِصاص، وعليه الأقل من دية النفس أو المقطوع.
وإن قطع يدَ نصرانيٍّ أو يهودي، فتمجَّس، وقلنا: لا يُقرُّ؛ فهو كما لو جنى على مسلم فارتدَّ.
وإن قطع يدَ مجوسيٍّ، فتنصَّر أو تهوَّد، ثم مات، وقلنا: يُقرُّ؛ وجبت دية كتابي.
ولو جرح ذميٌّ عبدًا، ثم لحق بدار الحرب، فأُسر واسترقَّ، لم
(1)
"وكذا الذمي إذا التحق بدار الحرب حكمه حكم المرتد". ش.
(2)
فِي "ح" و"ذ": "يديه".
يقتل بالعبد؛ لأنه حُرٌّ حين وجب القِصاص.
الشرط (الثالث: أن يكون المجنيُّ عليه مكافئًا للجاني) لأن المجنيَّ عليه إذا لم يكافئ الجاني، كان آخذه به آخذًا
(1)
لأكثر من الحق.
(وهو) أي: كونه مكافئًا للجاني (أن يساويه في الدِّين، والحرية أو الرق) يعني: ألا يَفْضُلَ القاتلُ المقتول بإسلام، أو حرية، أو ملك.
(فيُقتلُ المسلمُ الحُرُّ) بمثله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يُقتلُ مؤمنٌ بكافرٍ" رواه أَحْمد، وأبو داود، والنسائي
(2)
. وفي لفظ: "لا يقتل مسلم
(1)
في "ح" و"ذ": "كان أخذه به أخذًا".
(2)
أَحْمد (1/ 122)، وأبو داود فِي الديات، باب 11، حديث 4530، والنسائي فِي القسامة، باب 9، حديث 4748. وأخرجه -أيضًا- البزار (2/ 290) حديث 713 - 714، والمروزي فِي تعظيم قدر الصلاة، حديث 605، وأبو يعلى (1/ 282، 462) حديث 338، 628، والطحاوي (3/ 192)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 123) حديث 5889، والحاكم (2/ 141)، والبيهقي (7/ 133، 8/ 29، 192 - 193)، من طرق عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد، عن علي رضي الله عنه.
قال البزار: هذا الحديث قد روي عن علي رضي الله عنه من غير وجه، وهذا الإسناد أحسن إسنادًا يروى فِي ذلك وأصحه. وصححه ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 254) على شرط مسلم. وحسَّن إسناده الحافظ في الفتح (12/ 261).
وأخرجه النسائي -أَيضًا- فِي القسامة، باب 9، 13، حديث 4749، 4759 من طريق عمر بن عامر وهمام، وأَحمد (1/ 119) من طريق همام، وعبد الله بن الإمام أَحْمد فِي زوائد المسند (1/ 122)، وأبو يعلى (1/ 424) حديث 562 من طريق عمر بن عامر، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه.
وأخرجه النسائي -أيضًا- فِي القسامة، باب 13، حديث 4760، وابن أبي عاصم فِي =
بكافر"
(1)
.
(و) يُقتل (الذميُّ الحُرُّ بمثله) اتفقت أديانهم أو اختلفت؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ}
(2)
ولا أثر لتفاوت الفضائل، كالعلم والشرف.
(ويُقتل العبدُ بالعبد: المسلمُ بالمسلم، والذميُّ بالذمي) لحصول المكافأة بينهما (ويجري القِصاص بينهما فيما دون النفس) كالنفس (فله) أي: العبد (استيفاؤه) أي: القِصاص فيما دون النفس (وله العفو عنه). لأنه محض حقه (دون السيد، سواءٌ كانا) أي: العبدان، الجاني والمجني عليه (مكاتبين أو مدبَّرين، أو أُمَّيْ ولدٍ، أو) كان (أحدُهما كذلك، أو لا) بأن كانا قِنَّين (وسواءٌ تساوت القيمة أو لا، أو كان القاتل والمقتول لواحد، أو لا) لتساويهم فِي الرِّق، و"المُكاتَب عبدٌ ما بقي عليه درهم"
(3)
.
(ولو قَتلَ عبدٌ مسلِم) ولو لمسلم (عبدًا مسلِمًا لذميٍّ؛ قُتِلَ به) لأنه يكافئه، وإن فضل سيده.
(ولا يُقتل مكاتَبٌ؛ بعبدِه الأجنبي) لأن المُكاتَب فَضَلَهُ بالمِلك (ويُقتل) المُكاتَب (بعبده ذي الرحم
(4)
) قال فِي "المبدع": فِي الأشهر.
= الديات ص/58، والدارقطني (3/ 98)، من طريق حجاج بن الحجاج، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن الأشتر، عن علي رضي الله عنه.
(1)
أخرجه البخاري فِي العلم، باب 39، حديث 111، وفي الجهاد والسير، باب 171، حديث 3047، وفي الديات، باب 24، 31، حديث 6903، 6915، عن علي رضي الله عنه.
(2)
سورة البقرة، الآية:178.
(3)
تقدم تخريجه (10/ 520) تعليق رقم (1).
(4)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 103): "ذي الرحم المحرم".
والأصح: لا. كما قطع به فِي "المنتهى"؛ لأنه فَضلَهُ بالملك، فهو كالأجنبي.
(ولو قَتَلَ من بعضه حرٌّ) كمُنصَّف
(1)
(مثلَه) بأن قتل مُنصَّفًا (أو أكثر منه حرية) بأن قتل مُنصَّف من ثلثاه حرّ (قُتِلَ به) لأن القاتل لم يفضله، و (لا) يُقتل مبعَّض (بأقلَّ منه حرية) بأن قتل من ثلثاه حر منصَّفًا مثلًا؛ لأن القاتل فضل بما فيه زائدًا من الحرية.
(وإذا قتل الكافرُ الحرُّ عبدًا مسلمًا، لم يُقتل به قِصاصًا) لأنه فضله بالحرية (وتؤخذ منه قيمته) لسيده (ويُقتل) الكافر (لنقضِه العهدَ) بقتل المسلم.
(ويُقتل الذَّكر بالأنثى، ولا يُعطى أولياؤه شيئًا) لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}
(2)
؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قتل يهوديًّا رضَّ رأس جارية بين حجرين
(3)
؛ ولأنهمان شخصان يُحدُّ كلٌّ منهما بقذف الآخر، فقُتل به، كالرجل بالرجل.
(وتُقتل الأنثى بالذكر) لأنها دونه.
(ويُقتل كلُّ واحدٍ منهما) أي: الذكر والأنثى (بالخُنثى.
ويُقتل) الخنثى (بكلِّ واحد منهما) أي: من الذكر والأنثى؛ لعموم
(1)
فِي "ذ": "كنصف".
(2)
سورة المائدة، الآية:45.
(3)
أخرجه البخاري في الخصومات، باب 1، حديث 2413، وفي الوصايا، باب 5، حديث 2746، وفي الطلاق، باب 24، حديث 5295، وفي الديات، باب 4 - 5، 7، 12، حديث 6876 - 6877، 6879، 6884، ومسلم فِي القسامة، حديث 1672، عن أنس رضي الله عنه.
(1)
.
(ويُقتلُ الذمي بالذمي، حر أو عبد، بمثله
(2)
) أي: الحرُّ بالحرِّ والعبدُ بالعبدِ؛ لما تقدَّم.
(و) يُقتل (ذميّ بمُستأمَن، وعكسه) فيُقتل المُستأمَن بالذِّمي (ولو مع اختلاف أديانهم) فيُقتل النصراني باليهودي (ويُقتل النصرانيُّ واليهودي بالمجوسي) لأن الكفر يجمعهم.
(ويُقتل الكافر بالمسلم) لأنه صلى الله عليه وسلم قتل يهوديًّا بجارية
(3)
؛ ولأنه إذا قُتِل بمثله، فمن فوقه أولى (إلا أن يكون) الكافر (قتله) أي: المسلم (وهو حربيٌّ، ثم أسلم، فلا يُقتل) لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}
(4)
؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل قاتل حمزة
(5)
.
(وإن كان القاتل) للمسلم (ذميًّا؛ قُتِل؛ لنقضه العهدَ) قطع به فِي "الفروع" و"التنقيح"، وغيرهما (وعليه دية حر) إن كان المسلم المقتول حرًّا (أو قيمة عبد، إن كان المسلم المقتول عبدًا) كما لو مات.
(ويُقتل المرتدُّ بالذِّمي) وبالمستأمَن، ولو تاب وقُبلت توبته.
(و
يقدَّمُ القِصاص على القتل بالردة، ونقض العهدِ)
لأنه حق آدمي، ويأتي فِي الردة أنَّه يُقتل لهما ولا دية، وتقدَّمَ أنَّه يُقتل لنقض العهد، وتؤخذ الدية من ماله (فإن عفا عنه) أي: المرتدّ (وليُّ القِصاص، إِلَى
(1)
سورة المائدة، الآية:45.
(2)
فِي "ذ": "حرًا وعبدًا بمثله".
(3)
تقدم تخريجه آنفًا في الصفحة السابقة.
(4)
سورة الأنفال، الآية:38.
(5)
وهو وحشي بن حرب. انظر قصة قتله حمزة رضي الله عنه، ومجيئه إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإسلامه في صحيح البخاري، المغازي، باب 23، حديث 4072.
الدية، فله دية المقتول) من مال المرتدِّ، كغيره (وإن أسلم المرتدُّ) وعفا عنه وليُّ القِصاص (فـ) ـــالدية (فِي ذمته) كسائر الحقوق عليه (وإن قُتل) المرتد (بالردة، أو مات؛ تعلَّقت) الدية (بماله) كسائر الديون.
(ولا يُقتل مسلمٌ -ولو عبدًا- بكافرٍ ذميٍّ) فِي قول أكثر العلماء، منهم: عمر
(1)
، وعثمان
(2)
، وعلي
(3)
، وزيد
(4)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُقتلُ مسلمٌ بكافرٍ" رواه البخاري
(5)
؛ ولأنه منقوص
(6)
بالكفر، فلا يُقتل به المسلم، كالمستأمن (ولو ارتد) المسلم بعد جنايته على الكافر، اعتبارًا بحال الجناية.
(ولا) يُقتل (حرٌّ -ولو ذميًّا- بعبد) رُوي عن أبي بكر
(7)
، وعمر
(7)
،
(1)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 100، 102) رقم 18509 - 18510، 18520، وابن أبي شيبة (9/ 292 - 294)، والطحاوي (3/ 196)، والبيهقي (8/ 32)، من طرق عن عمر رضي الله عنه، وصحح ابن حزم فِي المحلى (10/ 349) بعض طرقه.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 96) رقم 18492، وابن أبي شيبة (9/ 294)، والدارقطني (3/ 129 - 130)، والبيهقي (8/ 33).
قال ابن حزم فِي المحلى (10/ 349). هذا فِي غاية الصحة عن عثمان.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (9/ 294)، والدارقطني (3/ 134)، والبيهقي (8/ 34)، وذكره ابن حزم فِي المحلى (10/ 349).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 100) رقم 18509 - 18510، والبيهقي (8/ 32)، وذكره ابن حزم في المحلى (10/ 349).
(5)
تقدم تخريجه (13/ 246) تعليق رقم (1).
(6)
في "ذ": "منقوض".
(7)
أخرج عبد الرزاق (9/ 491) رقم 18139، وابن أبي شيبة (9/ 305)، والدارقطني (3/ 134)، والبيهقي (8/ 34)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 33) رقم 15755 - 15757، أن أَبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد.
وعلي
(1)
، وزيد
(2)
، وابن الزُّبير
(3)
؛ لقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}
(4)
فدلَّ على أنَّه لا يُقتل به الحُر؛ ولما روى أَحْمد
(5)
، عن علي، أنَّه قال: من السنة ألا يُقتل حُرٌّ بعبدٍ، وعن ابن عباس مرفوعًا مثله؛ رواه الدارقطني
(6)
؛ ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة، فلا يقتل به، كالأب مع ابنه.
(إلا أن يقتله) أي: الكافر العبد (وهو) أي: القاتل (مثلُه) كافر عبد
(1)
انظر التعليق الآتي رقم (5).
(2)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا.
(3)
قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (12/ 35) رقم 15765: وروي عن عبد الله بن الزُّبير أنَّه لم يُقِد حرًّا بعبد.
(4)
سورة البقرة؛ الآية: 178.
(5)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الإِمام أَحْمد المطبوعة. وأخرجه -أَيضًا- ابن أبي شيبة (9/ 295)، والدارقطني (3/ 133 - 134)، والبيهقي (8/ 34)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 34) رقم 15760، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 310) رقم 1759.
قال عبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 70): في إسناده جابر الجعفي، وليس بمتصل أَيضًا.
وأورده ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 16) وقال: في إسناده جابر الجعفي.
وأورده -أَيضًا- السيوطى في الجامع الصغير (6/ 453 مع الفيض) ورمز لحسنه، وتعقبه المناوي، فقال: وهو قصور أو تقصير.
(6)
(3/ 133). وأخرجه من طريقه -أَيضًا- البيهقي (8/ 35)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 310) حديث 1759، من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعًا. قال البيهقي: في هذا الإسناد ضعف.
وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 70 - 71): في إسناده جويبر عن الضحاك، مقطوع وضعيف.
(أو يجرَحَه وهو مثله) كافر وعبد
(1)
(أو يكون الجارح مرتدًّا، ثم يُسلِم القاتل أو الجارح، أو يعتِقَ العبدُ قبل موت المجروح أو بعده، فإنه يُقتل به، نصًّا
(2)
) لأن الاعتبار بحال الوجوب، كالحد
(3)
، فإذا قتل ذميٌّ ذميًّا، أو جرحه، ثم أسلم الجارح، ومات المجروح، أو قتَل عبد عبدًا، أو جرحه، ثم عَتَق القاتل، أو الجارح، ومات المجروح؛ وجب القِصاصُ؛ لأنهما متكافئان حال الجناية؛ ولأن القِصاص قد وجب، فلا يسقط بما طرأ، كما لو جنَّ.
(ولو جرح مسلمٌ ذميًّا، أو) جرح (حرٌّ عبدًا، ثم أسلم المجروح، أو عَتَق، ومات؛ فلا قَوَد) لأن المكافأة معدومة حال الجناية (وعليه) أي: الجاني (ديةُ حُرٍّ مسلم) لأن الاعتبار في الأرش بحال استقرار الجناية، بدليل ما لو قطع يَدَيْ رَجُلٍ ورِجليه، فسرى إلى نفسه، ففيه دية واحدة، اعتبارًا بحال استقرار الجناية؛ ولو اعتبر حال الجناية، وجب ديتان (فيأخذ سيد العبد ديته، إلَّا أن تُجاوِزَ الديةُ أرشَ الجناية، فالزيادة لورثة العبد) لأنه مات حرًّا، فيورث عنه ما تجدَّد بالحرية، فأما أرش الجناية؛ فقد استحقَّه السيدُ حين كان رقيقًا، فلم يسقط بعتقه.
(ولا يُقتل السيدُ) ولو مكاتَبًا (بعبده) لأنه فَضَلَه بالملك (ويُقتل به) أي: السيدِ (عبده) لأنه دونه (و) يُقتل العبدُ (بحرٍّ غيره) أي: غير سيده؛ لما سبق.
(ولا يُقطَعُ طَرَفُ الحُرِّ بطرفِ العبدِ) كما لا يُقاد به في النفس.
(1)
في "ذ": "كافر عبد".
(2)
مسائل صالح (2/ 249) رقم 845، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 351) رقم 734 - 775، والتمام (2/ 201)، والمحرر (2/ 168).
(3)
في "ذ": "لأن الاعتبار في التكافؤ بحال الوجوب كالحد".
(وإن رمى مسلمٌ ذميًّا عبدًا، فلم يقع به السهمُ حتَّى عَتَق وأسلم؛ فلا قَوَد) لعدم المكافأة (وعليه) أي: الرامي (للورثة) دون سيده (دية حُرٍّ مسلمٍ إذا مات من الرمية) لأن الإتلاف حصل لنفس حر مسلم.
فصل
(ولو قطع أنفَ عبدٍ قيمتُه أَلْف، فاندمل) الجراح
(1)
(ثم أُعتِق) العبد، وجبت القيمة للسيد.
(أو) قطع أنفه، ثم (أُعتِق، ثم اندمل) وجبت قيمته بكمالها للسيد.
(أو) قطع أنفه، وأعتِق، و (مات من سِرايَةِ الجُرْح، وجبتْ قيمته بكمالها للسيد) لأنه حين الجناية كان رقيقًا له، والجناية يُراعى فيها حال وجودها.
(وإن قطع) الجاني (يدَه) أي: العبد (فأُعْتِقَ) أي: أعتقه سيدُه (ثم عاد) الجاني (فقطع رجله، واندمل الجرحان، وجب في يده نصف قيمته) لأنه حين الجناية عليها كان رقيقًا (و) وجب (القِصاص في الرِّجل) لأنه مكافئ له وقت الجناية عليها (أو نصف الدية إن عفا) العتيق (عن القِصاص) ويكون له لا لسيده؛ لأنه حرٌّ.
(وإن اندمل قَطعُ اليد، وسرى قَطعُ الرِّجل إلى نفْسه، ففي اليد نصف قيمته لسيده) اعتبارًا بوقت الجناية (وعلى القاطع القِصاص في النفس) للمكافأة حال الجناية التي سرت (أو الدية كاملة لورثته) أي: العتيق، نسبًا، أو ولاء (مع العفو) منهم عن القِصاص.
(1)
في "ذ": "الجرح".
(وإن اندمل قَطْعُ الرِّجل، وسرى قَطْعُ اليد، ففي الرِّجل القِصاص، أو نصف الدية لورثته) كما تقدم (ولا قِصاص في اليد، ولا في سِرايَتِها) لأنه وقت قطعها كان رقيقًا، فلا مكافأة (وعلى الجاني لسيده أقل الأمرين من أرْشِ القطع أو دية حر) قلت: وما بقي من الدية بعد أرش القطع، للورثة على ما تقدم.
(وإن سرى الجُرحان، لم يجب القِصاص إلَّا في الرِّجل) لوجود المكافأة حينها، بخلاف اليد والنفس (فإن اقتصَّ منه، وجب نصف الدية) لقطع الرجل (وللسيد أقلُّ الأمرين من نصف القيمة، أو نصف الدية.
فإن كان قاطع الرِّجل غير قاطع اليد، واندملا، فعلى قاطع اليد نصف القيمة لسيده) لأنه قِنُّه وقت جنايته عليه (وعلى قاطع الرِّجل القِصاص) فيها (أو نصف الدية) لورثة العتيق؛ لأنه حرٌّ حين قطع رجله.
(وإن سرى الجرحان إلى نفسه، فلا قِصاص على الأول) لأن جنايته حال الرِّق، فلا مكافأة (وعليه نصف دية حر) اعتبارًا بحال استقرار الجناية، كما مرَّ (وعلى الثاني القِصاص في النفس) لمكافأته له حال جنايته عليه حيث تعمّد؛ لأنه شارك في القتل عمدًا عدوانًا، كشريك الأب.
(وإن قلع) مكلَّفٌ (عينَ عبد، ثم عتق) العبد (ثم قطع آخر يده، ثم) قطع (آخر رجلَه، فلا قود على الأول، اندمل جرحه أو سرى) لأنه لم يكن مكافئًا له حين الجناية (وعلى الآخَرَينِ القِصاص في الطرفين) إن اندملا؛ للمكافأة.
(وإن سرت الجراحات كلها، فعليهما) أي: قاطع اليد وقاطع الرِّجل (القِصاص في النفس) للمكافأة؛ لأن جنايتهما على حر.
(وإن عفا) وليُّ العتيق (عن القِصاص، فعليهم الدية أثلاثًا) لموته بسراية جراحاتهم (ويستحق السيدُّ أقلَّ الأمرين من نصف القيمة) لقلع عينه (أو ثلث الدية) والباقي للورثة.
(وإن كان الجانيان) أوَّلًا جَنَيا (في حال الرِّق، والثالث في حال الحرية، فمات) العتيق (فعليهم الدية) أثلاثًا (وللسيد أقلُّ الأمرين من أرش الجنايتين أو ثلثي الدية) والباقي للورثة، كما تقدم.
(و
إن قطع يده، ثم عتَقَ، فقطع آخر رِجْلَه، ثم عاد الأول فقتله
بعد الاندمال، فعليه القِصاص للورثة) لأنه قتل بعد الحرية (و) عليه (نصف القيمة للسيد) لقطع يده (وعلى الآخر القِصاص في الرِّجل، أو نصف الدية) للورثة.
(وإن كان) قتله (قبل الاندمال، فعلى الجاني الأول القِصاص في النفس) لمكافأته له حين قتله (دون اليد) لأنه قطعها في رِقّه.
(فإن اختار الورثة القِصاصَ في النفس، سقط حقُّ السيد) لأنه لا يجوز أن يستحق على النفس وأرش الطَّرَف قبل الاندمال، فإن الطَّرَف داخل في النفس في الأرش.
(وإن اختاروا العفوَ، فعليه الدية) للورثة (دون أرش الطَّرَف) لاندراجه في دية النفس (وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو أرش الطرف، والباقي للورثة) كما تقدم (وعلى الثاني القِصاص في الرِّجل) لأنه مكافئ له حال الجناية (و) عليه (مع العفو نصف الدية) لقطع الرجل.
(وإن كان) القاطع (الثاني هو الذي قتله قبل الاندمال، فعليه القِصاص في النفس) لمكافأته له حين
القطع
(1)
(ومع العفو نصف دية واحدة) يعني: إن كان بعد استيفاء القِصاص في الرجل، أما قبله فدية كاملة، كما يُعلم من السوابق واللواحق (وعلى الأول نصفُ القيمة للسيد، ولا قِصاص) على الأول؛ لأنه لم يكافئه حين الجناية.
(وإن كان القاتل ثالثًا، فقد استقرَّ القَطْعان) لأن قتل الثالث له قَطَعَ سرايتَهما (وعلى الأول نصف القيمة للسيد) لأنه جنى عليه حين كان رقيقًا (وعلى الثاني القِصاص في الرِّجل، أو نصف الدية لورثته، وعلى الثالث القِصاص في النفس، أو الدية مع العفو) لأنه كان حرًّا حين جنايتهما.
(وإذا قطع يدَ عبدِه، ثم أعتقه
(2)
ثم اندمل، فلا شيء عليه) لأنه حين الجناية كان ملكه.
(وإن مات) العبدُ (بعد العِتق بسراية الجُرْح، فلا قِصاص فيه) اعتبارًا بحال الجناية (ويضمنه بما زاد على أرش القطع من الدية لورثته) لأنه مات حرًّا.
(فإن لم يكن له وارث سواه؛ وجب) ذلك (لبيت المال) لأن السيد قاتل فلا يرث.
(ولو قتل من يعرفه) أو يظنه (ذميًّا عبدًا، فبان أنَّه قد أسلم وعتَق، فعليه) أي: القاتل (القِصاص) لأنه قَتَلَ من يكافئه عمدًا محضًا بغير حَقٍّ، أشبه ما لو علم حاله (ومثله من قَتل من يظنُّه قاتل أبيه) فلم يكن (أو قتل من يعرفه) مرتدًّا (أو) من (يظنه مرتدًّا، فلم يكن) كذلك، فيجب
(1)
في "ح" و"ذ": "القتل".
(2)
في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (3/ 351) ما نصه: "انظر ما هنا مع قوله في كتاب العتق [11/ 19] إنه يعتق عليه بقطع يده. اهـ. من خط ابن العماد".
القِصاص؛ لما سبق.
الشرط (الرابع: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل،
فلا يُقتل والد -أَبًا كان أو أمًّا، وإن علا- بولده وإن سَفَلَ، من ولد البنين أو البنات) لحديث ابن عباس مرفوعًا:"لا يُقتَلُ والدٌ بولدهِ" رواه ابن ماجه، والترمذي، من رواية إسماعيل بن مسلم المكيّ
(1)
، ورواه أَحْمد، والتِّرمذيّ، وابن ماجه، من رواية حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جده
(2)
. قال ابن
(1)
ابن ماجه في الحدود، باب 31، حديث 2599، وفي الديات، باب 22، حديث 2661، والترمذي في الديات، باب 9، حديث 1401. وأخرجه -أَيضًا- الدَّارميّ في الديات، باب 6، حديث 2362، وابن عدي (1/ 281)، والدارقطني (3/ 141)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 18)، والبيهقي (8/ 39)، من طرق عن إسماعيل بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، فذكره.
قال التِّرْمِذِيّ: هذا الحديث لا نعرفه بهذا الإسناد مرفوعًا، إلَّا من حديث إسماعيل بن مسلم، وإسماعيل بن مسلم المكيّ قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قِبل حفظه.
وقال البيهقي: إسماعيل بن مسلم المكي هذا فيه ضعف.
وأعلّه ابن القطَّان في بيان الوهم والإيهام (3/ 565) بإسماعل بن مسلم المكيّ.
قلنا: لم ينفرد به إسماعيل بن مسلم، بل تابعه كل من: عبد الله بن الحسن العنبري عند الدارقطني (3/ 142)، والبيهقي (8/ 39)، وسعيد بن بشير عند الحاكم (4/ 369)، وقيس بن مسلم عند ابن عبد البر في التمهيد (23/ 442)، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، به.
(2)
كذا في الأصول، وفي كتب التخريج المشار إليها: أحمد (1/ 49)، والتِّرمذيّ، باب 9، حديث 1400، وابن ماجه في الديات، باب 22، حديث 2662 زيادة: عن عمر رضي الله عنه.
وأخرجه -أَيضًا- ابن أبي شيبة (9/ 410)، وعبد بن حميد (1/ 92) حديث 41، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 44، حديث 150 - 151، والدارقطني (3/ 140 - =
عبد البر
(1)
: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، يستغنى بشهرته وقَبوله والعمل به، عن الإسناد حتَّى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفًا.
= 141)، والبيهقي (8/ 72)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 441)، عن حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن عمر بن الخَطَّاب.
وتابعه -أي حجاج بن أرطاة- كل من: عبد الله بن لهيعة عند أَحْمد (1/ 22)، والمثنى بن الصباح عند ابن أبي عاصم في الديات ص/ 44، حديث 52، ومحمد بن عجلان عند ابن الجارود (3/ 97) حديث 788، والدارقطني (3/ 140 - 141)، والبيهقي (8/ 38)، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه.
وأخرجه الدارقطني (3/ 141)، من طريق يحيى بن أبي أنيسة، عن عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جده، دون ذكر "عن عمر رضي الله عنه".
وأخرجه التِّرْمِذِيّ في الديات، باب 9، حديث 1399، والدارقطني (3/ 142)، من طريق المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن سراقة بن مالك رضي الله عنه. وأخرجه البيهقي (8/ 38)، من طريق يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن عمر رضي الله عنه، وقال: هذا الحديث منقطع.
قال التِّرْمِذِيّ: هذا الحديث لا نعرفه من حديث سراقة إلَّا من هذا الوجه، وليس إسناده بصحيح، رواه إسماعيل بن عياش، عن المثنَّى بن الصباح، والمثنى بن الصباح يضعف في الحديث، وقد روى هذا الحديث أبو خالد الأحمر، عن الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن عمر، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقد روي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب مرسلًا، وهذا حديث فيه اضطراب، والعمل على هذا عند أهل العلم، أن الأب إذا قتل ابنه لا يقتل به، وإذا قذف ابنه لا يحد. وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 437): هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم، يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه، حتَّى يكاد أن يكون الإسناد في مثله لشهرته تكلفًا. وضعفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (4/ 71) وابن القطَّان في بيان الوهم والإيهام (5/ 489).
(1)
التمهيد (23/ 437).
وقال صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالُكَ لأبيك"
(1)
، فمقتضى هذه الإضافة تمليكه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية، ثبتت للإضافة شبهة في إسقاط القِصاص؛ ولأنه كان سببًا في إيجاده، فلا يكون سببًا في إعدامه.
(وتؤخذ من حرٍّ الدية) أي: دية المقتول، كما تجب على الأجنبي؛ لعموم أدلتها.
(ولا تأثير لاختلاف الدِّين، و) لا لاختلاف (الحرية) فلو كان أحدهما مسلمًا، والآخر كافرًا، أو أحدهما رقيقًا، والآخر حرًّا، فلا قِصاص (كاتفاقهما، فلو قتل الكافر ولده المسلم، أو) قتل (العبدُ ولدَه الحُر، لم يجب القِصاص، لشرف الأبوّة إلَّا أن يكون ولده من رضاع أو زِنى، فيقتل الوالد به) لأنه ليس بولد
(2)
حقيقة.
(ولو تداعى نفسان نسبَ صغيرٍ مجهولِ النسبِ؛ ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحدٍ منهما، فلا قصاص عليهما) لأنه يجوز أَن يكون ابنَ كلِّ واحدٍ منهما، أو ابنهما (وإن ألحقته القافةُ بواحد منهما، ثم قتلاه؛ لم يُقتل أبوه) لما سبق (وقُتِل الآخر) لأنه ليس بأبٍ.
(وإن رجعا عن الدعوى، لم يُقبل رجوعهما عن إقرارهما، كما لو ادَّعاه واحد، فأُلحِق به، ثم جحده) فإنَّه لا يُقبل جحودُه؛ لأن النسب حقٌّ للولد، فرجوعه عنه رجوع عن إقرار بحقٍّ لآدمي.
(وإن رجع أحدُهما) عن دعواه (صحَّ رجوعه، وثَبَتَ نسبُه من الآخر) لزوال المعارض، ورجوعه لا يُسْقِط نسبَهُ (ويَسقُطُ القِصاصُ عن الذي لم يرجع) لأنه أب (ويجب) القِصاص (على الراجع) لأنه أجنبي.
(1)
تقدم تخريجه (5/ 61) تعليق رقم (1).
(2)
في "ح" و"ذ": "بولده".
(وإن عُفي عنه) من وارث المقتول (فعليه نصف الدية) كما تقدم
(1)
في شريك الأب.
(ولو اشترك رجلان في وطء امرأة في طُهرٍ واحد، وأتت بولدٍ يمكن أن يكون منهما) بأن كان لستة أشهر فأكثر من وطئهما (ويلحَقَهما نسبُهُ) بأن كان لهما شُبهة في وطئها، أو أحدهما زوجًا أو سيدًا، والآخر بشُبهة (فقتلاه قبل إلحاقه بأحَدِهما، لم يجب القِصاصُ) على واحدٍ منهما؛ لعدم تحقُّق الشرط.
(وإن نَفَيا نسبه، لم ينتفِ) لأن النسب حقٌّ للولد (إلا باللِّعان) بشروطه، ومنها: أن يكون بين زوجين، وأن يتقدَّمه قَذْف.
وإن نفاه أحدُهما لم ينتَفِ بقوله؛ لأنه لحِقه بالفراش، فلا ينتفي إلَّا باللعان، بخلاف التي قبلها؛ لأن أحدهما إذا رجع هناك، لحق الآخر، وأيضًا: ثبوته هناك بالاعتراف، فيسقط بالجحد، وهاهنا بالاشتراك، فلا ينتفي بالجحد.
(ويُقتل الولد
(2)
) المكلَّف، ذكرًا كان أو أنثى (بكلِّ واحدٍ من الأبوين المكافئين وإن عَلَوَا) للآية، والأخبار، وموافقة القياس. وقياسه على الأب ممتنع؛ لتأكّد حرمته؛ ولأنه إذا قُتِل بالأجنبي، فبأبيه أولى، ولأنه يُحَدّ بقذفه، فَيُقتل به، كالأجنبي.
(ومتى وَرِثَ ولدُه) أي: القاتل (القِصاصَ، أو) ورث (شيئًا منه) أي: القِصاص، وإن قلَّ؛ سقط القِصاص؛ لأنه لو لم يسقط؛ لوجب للولد على الوالد، وهو ممنوع؛ ولأنه إذا لم يجب بالجناية عليه،
(1)
(13/ 240).
(2)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 108): "ويقتل الولد وإن سفل".
فلا
(1)
يجب بالجناية على غيره أولى.
(أو وَرِثَ القاتل شيئًا من دَمِهِ؛ سَقَطَ القِصاصُ) لأنه لو لم يسقط، لوجب له على نفسه القِصاص، وهو ممنوع.
(فلو قَتَل أحدُ الزوجين الآخر ولهما ولدٌ) فلا قَوَد؛ لأنه لو وجب، لوجب لولده، وإذا لم يجب للولد بالجناية عليه، فعلى غيره أولى
(2)
، وسواء كان الولد ذكرًا أو أنثى، أو كان للمقتول من يشاركه في الميراث؛ لأنه لو وجب، لثَبتَ له جزء منه، ولا يمكن وجوبه، وإذا سقط بعضُه سقط كلُّه؛ لأنه لا يتبعَّض، كما لو عفا أحد الشريكين.
(أو قتل رجلٌ أخا زوجته، فورثته، ثم ماتت، فورثها) زوجُها القاتل (أو) ورثَها (ولده) لم يجب القِصاص، سواء كان لها ولد من غيره أو لا؛ لأنه وَرِث هو أو ولده شيئًا من دَمِهِ، وهو لا يتبعَّض.
(أو قتلت) المرأة (أخا زوجها، فصار القِصاص أو جزء منه لابنها) بموت زوجها الوارث لأخيه.
(أو قَتَل رجل أخاه، فورِثه ابن القاتل، أو) ورثه (أحد يرث ابنه منه شيئًا؛ لم بجب القِصاص) لإرث ولده جزءًا من دمه.
(وإذا قتل أحدُ أبوي المكاتبِ المكاتَبَ) لم يجب القِصاص؛ لعموم ما سبق.
(أو) قتل أحدهما (عبدًا له) أي: للمكاتَب (لم يجب القِصاصُ) لأنه لو وجب، لكان للمكاتَب، ولا يثبت له قِصاص على أبويه، كما لو قتلاه، وأولى.
(1)
في "ذ": "فلئلا".
(2)
في "ذ": "فغيره أولى".
(وإن اشترى المكاتَبُ أحدَ أبويه) أو غيره من ذوي رَحِمه المحرم (ثم قَتَله، لم يجب القِصاصُ) لأنه فَضَله بالملك، وهذا بخلاف ما قدَّمه فيما سبق، وتقدم
(1)
التنبيه عليه.
(ولو قَتَل) مكلَّف (أباه أو أخاه، فورثه أخواه، ثم قتل أحدُهما) أي: الأخوين (صاحبَه، سقط القِصاص عن الأول؛ لأنه ورث بعض دم نفسه) لأن أخويه يستحقان دم أبيهما أو أخيهما، فإذا قتل أحدهما صاحبه؛ ورث القاتل الأول ما كان يستحقه المقتول؛ لأنه أخوه، فعلى هذا يستحقُّ نصف دمه؛ لأن دم الأب أو الأخ بين الأخوين نصفين؛ ضرورة أن القاتل لا يرث المقتول. وإن قتل الثاني الأول، ثم الثالث الرابع؛ قُتِل الثالث دون الثاني؛ لإرثه نصف دمه عن الرابع، وعليه نصف دية الأول للثالث.
(وإن قَتَل أحد الابنين أباه، و) قتل (الآخر أمه، وهي زوجة الأب؛ سقط القِصاص عن الأول) وهو قاتل الأب (لذلك) أي: لإرثه بعضَ دم نفسه، وذلك ثمن دم الأب (والقِصاص على القاتل الثاني) فلأخيه قتله بأمه ويرثه.
وإنما سقط القِصاص عن قاتل الأب (لأن القتيل الثاني) وهو الأم (ورث جزءًا من دم الأب
(2)
) وهو الثُّمُن (فلما قُتِل، وَرِثه) قاتلُ الأب؛ ضرورة أن القاتل لا يرث (فصار له جزءٌ من دم نفسه) وهو الثُّمن (فسقط القِصاص عن الأول، وهو قاتلُ الأب؛ لإرثه ثُمُنَ أمه، وعليه سبعة أثمان ديته لأخيه) قاتل أمه؛ لإرثه ذلك من أبيه (وله) أي: قاتل الأب (أن
(1)
(13/ 246 - 247).
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 108): "الأول".
يقتصَّ من أخيه) قاتل أمه (ويرثَهُ) لأن القتل بحقٍّ لا يمنع الميراث.
(ولو كانت الزوجة بائنًا) أو قتلاهما معًا مطلقًا (فعلى كلِّ واحد منهما القِصاص لأخيه) لأن أحدهما لا يرث من دم نفسه شيئًا؛ لعدم الزوجية أو لموتهما معًا.
(فإن بادر أحدُهما فَقَتل أخاه، سقط عنه القِصاص؛ لأنه يرث أخاه إن لم يكن للمقتول ابن، أو ابن ابن، فإن كان) له ابن، أو ابن ابن، فالأخ محجوب به (فله) أي: الابن، أو ابن الابن (قَتْل عمِّه، ويرثه إن لم يكن له وارث سواه) لما مرَّ أن القتل بحق لا يمنع الميراث.
(فإن تشاحَّا في المبتدئ منهما بالقتل، احتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول) واختاره ابن حمدان (أو يقرع بينهما) قدَّمه في "المبدع"، قال في "الشرح": وهو قول القاضي.
(وأيُّهما قتل صاحبه أوَّلًا بمبادرة أو قُرعة؛ وَرِثه إن لم يكن له وارث سواه) لأنه قتله بحق (وسقط عنه القِصاص) لإرثه دم نفسه.
(وإن كان) الأخ القاتل لأخيه (محجوبًا عن ميراثه كله) بابن، أو ابن ابن (فلوارثِ القتل) وهو وارث المال (قتل الآخر) لإرثه دمه وعدم المانع، وله العفوُ إلى الدية أو مجانًا.
(وإن عَفَا أحدُهما) أي: الأخوين (عن الآخر، ثم دل المعفوُّ عنه العافي؛ ورثه أيضًا) إن لم يكن حاجب؛ لأنه قَتَل بحق (وسقط عنه ما وجب عليه من الدية) إذ لا يجب للإنسان على نفسه شيء.
(وإن تعافيا جميعًا) بأن عفا كل منهما عن الآخر (على الدية؛ تقاصَّا بما استويا فيه) فيسقط من دية الأب بقدر دية الأم (ووجب لقاتل الأم الفضل على قاتل الأب؛ لأن عقلها) أي: ديتها (نصف عقل الأب.
وإن كان لكلِّ واحدٍ منهما ابن) أو ابن ابن (يحجُب عمَّه من
(1)
ميراث أبيه) بألا يقوم به مانع
(2)
(فإذا قتل أحدهما صاحبه، ورثه ابنه) أو ابن ابنه.
(وللابن) أو ابن الابن (أن يقتل عمَّه) لإرثه دمه (ويرثه) أي: المقتول منهما (ابنه) أو ابن ابنه.
(ويرث كلُّ واحدٍ من الابنين مال أبيه ومال جدّه الذي قتله عمُّه دون) القتيل (الذي قتله أبوه) ضرورة أن القاتل لا يرث المقتول.
(وإن كان لكلِّ واحدٍ منهما بنت، فقتل أحدهما صاحبَه، سقط القصاص عنه؛ لأنه يرث نصف ميراث أخيه، ونصف قِصاص نفسه، فورث مال أبيه الذي قتله أخوه) أو مال أمه التي قتلها أخوه (و) ورث (نصف مال أخيه، ونصف مال أبيه الذي قتله هو، وورثتِ البنت التي قُتل أبوها نصفَ مال أبيها، ونصف مال جدِّها الذي قتله عمُّها، ولها على عمِّها نصفُ دية قتيله.
وإذا كان أربع
(3)
إخوة، قتل الأولُ الثانيَ، و) قتل (الثالث الرابعَ، فالقِصاص على الثالث) دون الأول؛ لإرثه نصف دمه عن الرابع (ووجب له) أي: الثالث (نصفُ الدية على الأول) لقتله أخاه؛ ضرورة أن القاتل لا يرث (وللأول قَتْلُه) أي: الثالث، بأخيه الرابع (فإن قتله، ورثه) لأنه قاتل بحق (ووَرِثَ ما يرثه من أخيه الثاني) لأنه من جملة تركته.
(فإن عفا) الأول (عنه) أي: الثالث (إلى الدية؛ وجبت عليه) أي:
(1)
في "ح" و"ذ": "عن".
(2)
في "ذ": "بأن لم يقم به مانع".
(3)
في "ح" ومتن الإقناع (4/ 110): "أربعة".
الثالث (بكمالها، يُقاصُّه) الثالث (بنصفها) الذي ورثه من الثاني ويعطيه نصفها.
(وإن كان لهما) أي: للأول والثاني (ورثة) تحجُب الآخر أو لا (فتفصيلها كالتي قبلها) فيما إذا قتل أحدهما أباه، والآخر أمه.
الشرط (الخامس: أن تكون الجناية عمدًا)
محضًا بخلاف شِبْه العمد والخطأ، فلا قِصاص فيهما إجماعًا
(1)
؛ حكاه في "الشرح".
(وإن قتل مَن لا يُعرف) بإسلام أو حرية (وادَّعى كُفْرَه، أو رقَّه) وجب القِصاص؛ لأنه محكوم بإسلامه بالدار، ولهذا يحكم بإسلام اللقيط، ولأن الأصل الحرية، والرق طارئ.
(أو ضرب مَلفوفًا فَقَدَّه، أو ألْقَى عليه) أي: الملفوف (حائطًا، وادَّعى أنه كان ميِّتًا، وأنكر وليُّه) وجب القِصاص؛ لأن الأصل الحياة.
(أو قطع طَرَفَ إنسان وادَّعى شلَلَه، أو قلع عينًا وادعى عماها) وأنكر المجني عليه؛ وجب القِصاص؛ لأن الأصل السلامة.
(أو قطع ساعدًا وادَّعى أنه لم يكن عليه كفٌّ، أو) قطع (ساقًا وادَّعى أنها) أي: الساق (لم يكن لها قَدَم) وجب القِصاص؛ لأن الأصل بقاء الكفّ والقدم.
(أو قتل) مكلَّف (رجُلًا في داره، وادَّعى أنه دخل لقتله، أو أخذِ ماله، أو يكابره على أهله، فقتله دفعًا عن نفسه) أو ماله، أو أهله (وأنكر وليُّه) وجب القِصاص؛ لأن الأصل عدم ما يدَّعيه، سواء وجد في دار القاتل، أو غيرها، معه سلاح أو لا؛ لما روي عن علي أنه: "سُئِلَ عمَّن وجدَ مع امرأته رجلًا آخر، فقتله؟ فقال: إن لمْ يأتِ بأربعةٍ فليُعطَ
(1)
مراتب الإجماع ص/ 230، والإقناع في مسائل الإجماع (4/ 1956) رقم 3792.
بِرُمَّتِهِ
(1)
" رواه سعيد
(2)
ورجاله ثقات؛ ولأن الأصل عدم ما يدّعيه، قال في "الفروع": ويتوجَّه عدمه في معروف بالفساد.
(أو تَجارَحَ اثنان، وادّعى كلُّ واحد منهما أنه جَرَحه دفعًا عن نفسه) وأنكر الآخر (وجب القِصاص، والقول قول المنكِرِ مع يمينه إذا لم تكن بينة) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "البيِّنَةُ على المُدَّعِي واليَمِينُ على منْ أنْكَرَ"
(3)
(ومتى صدق المنكِر) في شيء مما تقدم من الصور (فلا قودَ، ولا دية) لقول عمر؛ رواه سعيد
(4)
، وهو منقطع، وروي عن الزبير
(5)
نحوه؛ ولأن الخصم اعترف بما يُبيح قتله، فسقط حقُّه، كما لو أقرَّ بقتله قِصاصًا.
(وإنِ ادَّعى القاتلُ أن المقتول زَنى وهو مُحْصَن، لم تُقبل دعواه من غير بينة) لأن الأصل عدم ذلك (وإن أقام شاهدين بإحصانه؛ قُبِل) بخلاف الزنى فلابُد فيه من أربعة، كما يأتي.
(وإن اختصم قوم بدار، فجَرَح) بعضُهم بعضًا (وقَتَل بعضُهم
(1)
الرُّمّة: قطعة حبل يُشدُّ بها الأسير أو القاتل إذا قِيْدَ إلى القِصاص. النهاية في غريب الحديث (2/ 267).
(2)
لم نقف عليه في المطبوع من سننه. وأخرجه -أيضًا- مالك في الموطأ (2/ 737)، والشافعي في الأم (6/ 30، 137، 7/ 83، 182)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 80)، وعبد الرزاق (9/ 433) رقم 17915، وابن أبي شيبة (9/ 403)، والبيهقي (8/ 230 - 231، 337)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 309، 13/ 85) رقم 16808، 17545، من طرق عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).
(4)
لم نقف عليه في المطبوع من سننه، وانظر ما أخرجه ابن أبي شيبة (9/ 404 - 405) عن الشعبي، وعبد الرزاق (9/ 435) رقم 17919، والبيهقي (8/ 337) عن عبيد بن عمير، عن عمر رضي الله عنه، في قصة طويلة بنحوه.
(5)
الأخبار الموفقيات ص/ 382، والمغني (11/ 462).
بعضًا، وجُهِلَ الحال) بأن لم يُعلم القاتل ولا الجارح (فعلى عاقلة المجروحين دية القتلى، يسقط منها أرشُ الجِراح) قضى به علي؛ رواه أحمد
(1)
.
(فإن كان فيهم) أي: المختصمين (مَن ليس به جُرح، شارك المجروحين في دية القتلى) هذا أحد وجهين أطلقهما ابن حمدان. قال في "تصحيح الفروع": اختاره في "التصحيح الكبير" والوجه الثانى: لا دية عليهم، وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب.
(ويأتي في القسامة إذا قال إنسان: ما قَتَلَه هذا المُدَّعى عليه، بل أنا قتلتُه.
وله قتل من وجده يفجُرُ بأهله. وظاهر كلام أحمد
(2)
: لا فرق بين كونه) أي: الفاجر (محصنًا أو غيرَه) رُوي عن عمر
(3)
(1)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وأخرج عبد الرزاق (10/ 54) رقم 18329، عن هشيم بن بشير، عن أبى إسحاق الشيباني، عن الشعبي، قال: أشهد على عليٍّ أنه قضى في قوم اقتتلوا، فقتل بعضهم بعضًا، فقضى بعقل الذين قتلوا على الذين جرحوا وطرح عنهم من العقل بقدر جراحهم.
(2)
مسائل الكوسج (7/ 3270 - 3272) رقم 2360 - 2361.
(3)
أخرج عبد الرزاق (9/ 435) رقم 17921، عن هانئ بن حزام، أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فقتلهما، فكتب عمر بكتاب في العلانية أن أقيدوه، وكتابًا في السر أن أعطوه الدية.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه -كما في المغني (11/ 462) -، عن (إبراهيم، أن عمر رضي الله عنه، بينما هو يتغدى يومًا إذ جاءه رجل يعدو، وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء، الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون؟ ققال: يا أمير المؤمنين، إني ضربت فَخِذَيِ امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فقال عمر: ما يقول؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفَخِذَيِ =
وعلى
(1)
(وصرَّحَ به الشيخُ
(2)
) لأنه ليس بحَدٍّ، وإنما هو عقوبة على فعله، وإلا لاعتبرت شروط الحد. وقال الشافعي
(3)
: له قتله فيما بينه وبين الله تعالى، اذا كان الزاني محصنًا. وللمالكية قولان في اعتبار إحصانه.
(والحرُّ المسلم يُقادُ به قاتله) عمدًا عدوانًا (وإن كان مُجَدَّعَ الأطراف) أى: مقطوعًا
(4)
(مُعْدَمَ الحواس) مِن سمع، وبصر، وشم، وذوق، ولمس (والقاتلُ صحيحٌ سَوِىُّ الخلق، أو بالعكس) بأن كان القاتل مجدع الأطراف، معدوم الحواس، والمقتول صحيح سويُّ الخلق (وكذلك إن تفاوتا في العلم والشرف، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والقوة والضعف، والكبر والصغر، ونحو ذلك) كالحِذْق والبلادة، إجماعًا
(5)
؛ حكاه في "الشرح"؛ لعموم الآيات، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"المُؤْمِنونَ تتكافأُ دِماؤُهُم"
(6)
.
(ويجري القِصاص بين الولاة) جمع والٍ، ويتناول: الإمام، والقاضي، والأمير (والعمالِ) على الصدقات، أو الخراج أو غيرهما (وبين رعيتِهم) قال في "الشرح": لا نعلم في هذا خلافًا
(7)
؛ لعموم
= المرأة، فأخذ عمر سيفه فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عادوا فعد.
(1)
انظر ما تقدم (13/ 265) تعليق رقم (2).
(2)
الاختيارات الفقهية ص/ 419.
(3)
الأم (6/ 30).
(4)
في "ح" و"ذ": "مقطوعها".
(5)
الإجماع لابن المنذر ص/ 144، والتمهيد (17/ 357، 19/ 95)، والإقناع في مسائل الإجماع (4/ 1937) رقم 3744، 3748.
(6)
تقدم تخريجه (13/ 245) تعليق رقم (2).
(7)
انظر: الإشراف لابن المنذر (2/ 115).
الآيات والأخبار.
(و
لا يُشترط في وجوب القِصاص كونُ القتلِ في دار الإسلام)
فيُقتل بمكافئه بشروطه، وإن كان بدار حرب، سواء كان هاجر، أو لم يُهاجر؛ لعموم الأدلة.
(وقتلُ الغِيلة) بكسر الغين المعجمة، وهي: القتل على غِرّة، كالذي يخدع إنسانًا، فيُدخله بيتًا أو نحوه، ويأخذ ماله (وغيره) أي: غير قتل الغيلة (سواء في القِصاص والعفو) لعموم الأدلة.
(وذلك) أي: القِصاص أو العفو، في قتل الغِيلة وغيره (للولي) الوارث للمقتول؛ لقيامه مقامه (دون السلطان) فليس له قِصاص ولا عفو مع وجود وارث؛ لعموم قوله تعالى:{فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}
(1)
؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: "فأهلُهُ بين خِيرتَينِ"
(2)
فإن لم يكن فهو وليُّ المقْتُول، له القِصاصُ، والعفو على الدية لا مجانًا.
(1)
سورة الإسراء، الآية:33.
(2)
قطعة من حديث أخرجه أبو داود في الديات، باب 4، حديث 4505، والترمذى في الديات، باب 13، حديث 1405، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 295)، وأحمد (6/ 285)، والطحاوى (3/ 174)، والدارقطنى (3/ 95 - 96)، والبيهقى (8/ 52، 57)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 64) حديث 15878 - 15879، من حديث أبي شريح الكعبي رضي الله عنه، وتتمته:"أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا".
قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه البخاري في العلم، باب 39، حديث 112، وفي اللقطة، باب 7، حديث 2434، وفي الديات، باب 8، حديث 688، ومسلم في الحج، حديث 1355، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه بلفظ:"ومن قُّتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يُفدى وإما أن يُقاد".
باب استيفاء القصاص
(وهو) أي: استيفاء القِصاص (فعل مجنيٍّ عليه) إن كانت الجناية على ما دون النفس (أو) فعل (وليِّه) أي: وارثه إن كانت على النفس (بجانٍ عامدٍ، مثلَ ما فعل) الجاني (أو شبهَه) أي: شِبه فعل الجاني.
(وله) أي: استيفاء القِصاص (ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون مستحقُّه مكلَّفًا) لأن غير المكلَّف ليس أهلًا للاستيفاء بعدم
(1)
تكليفه، بدليل أنه لا يصحُّ إقراره ولا تصرّفه (فإن كان) مستحق القِصاص (صغيرًا أو مجنونًا؛ لم يجز) لأحد (استيفاؤه) لما تقدم (ويحبس القاتل حتى يبلغ الصغير، و) حتى (يعقل المجنون) لأن فيه حظًّا للقاتل بتأخير قتله، وحظًّا للمستحق بإيصاله إلى حقّه؛ ولأنه يستحق إتلاف نفسه ومنفعته، فإذا تعذَّر استيفاء النفس لعارض بقي إتلاف المنفعة سالمًا عن المعارض، وقد حبس معاويةُ هُدبةَ بن خَشْرَم في قَوَدٍ حتى بلغ ابنُ القتيل، فلم يُنكَر ذلك، وكان في عصر الصحابة
(2)
.
(وليس لأبيهما) أي: الصغير والمجنون (استيفاؤه) لهما (كوصي وحاكم) لأن القصد التشفّي وترك الغيظ، ولا يحصُل ذلك باستيفاء الأب أو غيره، بخلاف الدية فإن الغرض يحصُل باستيفائه؛ ولأن الدِّية إنما يملك استيفاءها إذا تعيَّنت، والقِصاص لا يتعيَّن.
(فإن كانا محتاجَين إلى نفقةٍ، فلوليِّ مجنونٍ العفو إلى الدية دون
(1)
في "ح": "لعدم".
(2)
تقدم تخريجه (8/ 294).
ولي الصغير، نصًا
(1)
) لأن المجنون ليس له حالة معتادة يُنتظر فيها إفاقته ورجوع عقله، بخلاف الصبي، وتقدَّم في اللقيط
(2)
ما في ذلك.
(وإن ماتا) أي: الصغير والمجنون (قبل البلوغ والعقل، قام وارثُهما مقامهما فيه) أى: في استيفاء القِصاص؛ لأنه حق لهما فانتقل بموتهما إلى وارثهما، كسائر حقوقهما.
(وإن قَتَلا قاتل أبيهما، أو قطعا قاطعهما) أي: الصغير والمجنون (قهرًا) سقط حقهما؛ لأنه أتلف عين حقه، فسقط الحق، أشبه ما لو كان لهما وديعة عند شخص فأتلفاها (أو اقتصَّا ممن لا تحمل العاقلة دِيته، كالعبد؛ سقط حقُّهما) وجهًا واحدًا؛ لأنه لا يمكن إيجاب ديته على العاقلة، فلم يكن إلا سقوطه.
الشرط (الثاني: اتفاق المُستحقِّين له) أي: القِصاص (على استيفائه) لأن الاستيفاء حق مشترك لا يمكن تبعيضه، فلم يجز لأحدِ التصرف فيه بغير إذن شريكه (وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض) لأنه يكون مستوفيًا لحق غيره بغير إذنِ، ولا ولاية له عليه، أشبه الدين.
(فإن فعل) بأن استوفى أحدُهم القِصاصَ بدون إذن الباقي (فلا قِصاص عليه) لأنه قتل نفسا يستحق بعضها، فلم يجب قتلُهُ بها؛ لأن النفس لا تؤخذ ببعض نفس؛ ولأنه مشارِك في استحقاق القتل، فلم يجب عليه قوَد، كالشريك في الجارية إذا وطئها. ويفارق إذا قتَلَ
(3)
الجماعة واحدًا، فإنا لم نوجب القِصاص بقتل بعض النفس.
(1)
انظر: مسائل عبد الله (3/ 1224) رقم 1680.
(2)
(9/ 539 - 540).
(3)
في "ح" و"ذ": "ويفارق ما إذا قتل".
(ولشركائه في تَرِكة الجاني حَقُّهم من الدية) لأن حَقَّهم من القِصاص سقط بغير اختيارهم، فأشبه ما لو مات القاتل (وترجع ورثة الجاني على المقتصّ بما فوق حقِّه) من الدية (فلو كان الجاني أقلَّ ديةً من قاتله، مثلَ امرأةٍ قتلت رجلًا له ابنان، فقتلها
(1)
أحدُهما بغير إذن) الابن (الآخر، فللآخر نصف دية أبيه في ترِكة المرأة) التي قتلته، كما لو ماتت (ويرجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها) لأنه لا يستحق سوى نصف دمها وقد استوفاه (وهو) أي: نصف دية المرأة (ربع دية الرَّجُل) لأن دية المرأة نصف دية الرجل، كما يأتي.
(وإن عفا بعضُهم) أي: الورثة، عن القِصاص (وكان ممن يصح عَفْوُه) بأن كان مكلَّفًا (ولو) كان العفو (إلى الدية؛ سقط القِصاص) رُوي عن عمر
(2)
وعلي
(3)
؛ لأن القِصاص حق مشترك بين الورثة لا يتبعَّض، مبناه على الدرء والإسقاط، فإذا أسقط بعضُهم حقَّه سرى إلى الباقي، كالعتق (وإن كان العافي) عن القِصاص (زوجًا أو زوجة) لقول زيد بن وهب:"إن عمر أُتي برجلٍ قتل قتيلًا، فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت امرأة المقتول وهي أخت القَاتل: عفوْتُ عن حَقِّي. فقال عمر: الله أكبر عتقَ القتيل" رواه أبو داود
(4)
؛ لأن من وَرِث المال وَرِث القَوَد كما يأتي.
(1)
في "ذ": "قتلها".
(2)
يأتي تخريجه تعليق رقم (4).
(3)
لم نقف على من رواه مسندًا.
(4)
لم نقف عليه في مظانه من كتب أبي داود المطبوعة. وأخرجه عبد الرزاق (10/ 13) رقم 18188، 18190، وابن أبي شيبة (9/ 317) البيهقي (8/ 59 - 60)، من طريق الأعمش، عن زيد بن وهب، بنحوه. وصحح إسناده ابن الملقن في البدر المنير (8/ 397). وأخرجه عبد الرزاق (10/ 13) رقم 18187 عن قتادة، والشافعي في الأم (7/ 329)، وابن أبى شيبة (9/ 317)، والبيهقي (8/ 60)، وفي معرفة السنن =
(وكذا لو شَهِد أحدُهم) أي: الورثة (-ولو مع فسقه- بعفوِ بعضِهم) فإنه يسقط حق الجميع من القصاص؛ لكون شهادته إقرارًا بأن نصيبه من القِصاص سقط، وهو لا يتبعَّض (وللباقين) الذين لم يعفوا (حقهم من الدية على الجاني) سواء عَفَا مطلقًا أو إلى الدية؛ لأن حقَّه من القِصاص سقط بغير رضاه، فثبت له البدل، كما لو ورث القاتل بعضَ دمه، أو مات.
(فإن قتله الباقون عالمين بالعفو، و) عالمين بـ (سقوط القصاص، فعليهم القَوَد، حكم بالعفو حاكمٌ أو لا) لأنه قتلٌ عمدٌ عدوانٌ أشبه ما لو قتلوه ابتداء.
(وإن لم يكونوا عالمينَ بالعفو) وبسقوط القصاص (فلا قَوَد) عليهم (ولو كان قد حُكِمَ بالعفو) لأن عدم العلم بذلك شبهة، فَدَرَأتِ القَوَد، كالوكيل إذا قتله بعد العفو وقبل العلم به.
(وعليهم) أي: القاتلين (ديته) لأن القتل قد تعذَّر والدِّية بدله (وسواء كان الجميع حاضرين، أو) كان بعضهم حاضرًا و (بعضهم غائبًا) لاستوائهم معنى.
(فإن كان القاتل هو العافي فعليه القصاص) ولو ادَّعى نسيانه أو جوازه.
(وإن كان بعضُهم) أي: الورثة (غائبًا، انتُظِرَ قدومُه وجوبًا) لأنه حقٌّ مشترك، أشبه ما لو كان المقتول عبدًا مشتركًا (ويُحبس القاتلُ حتى
= والآثار (12/ 71) رقم 15911 عن إبراهيم، عن عمر رضي الله عنه، بنحوه. وقال البيهقي: هذا منقطع، والموصول قبله يؤكده.
يقدم) الغائب، كما تقدم
(1)
في الصغير والمجنون.
(و
كل من وَرِثَ المالَ، وَرِث القِصاصَ على قَدْر ميراثه من المال،
حتى الزوجين وذوي الأرحام) لأنه حق يستحقه الوارث عن جهة مورثه، أشبه المال. والأحسن رفع "الزوجين، وذوي الأرحام" عطفًا على "كل"، وعلى عبارة المصنف تبعًا لـ"المقنع" تكون "حتى" حرف جر لانتهاء الغاية، أي: كل من ورث المال ورث القِصاص، ينتهي ذلك إلى الزوجين وذوي الأرحام.
(ومن لا وارث له فوليُّه الإمام) لأنه "وليُّ من لا ولي له"
(2)
(إن شاء اقتصّ) لأن بنا حاجة إلى عصمة الدماء، فلو لم يقتل لَقُتِل من لا وارث له
(3)
(وإن شاء عفا إلى دية كاملة) فأكثر؛ لأنه يفعل ما يرى فيه المصلحة للمسلمين في القِصاص أو لعفو (وليس له العفوُ مجانًا) ولا على أقل من دية؛ لأنها للمسلمين، ولا حظ لهم في ذلك.
(وإذا اشترك جماعةٌ في قَتل واحد فعفا عنهم) ورثتُهُ (إلى الدية، فعليهم ديةٌ واحدةٌ، وإن عفا عن بعضهم، فعلي المُعفوِّ عنه قِسطُه منها) أي: من الدية، لأن الدية بدل المحل وهو واحد، فتكون ديته واحدة، سواء أتلفه واحد أو جماعة، وأما القِصاص فهو عقوبة على الفعل فيتقدَّر بقدره.
الشرط (الثالث: أن يؤمَن في الاستيفاء التعدّي إلى غير الجاني) لقوله تعالى: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}
(4)
وإذا أفضي القتل إلى التعدي
(1)
(13/ 269).
(2)
تقدم تخريجه (11/ 260) تعليق رقم (3).
(3)
في "ذ": "فلو لم يقتل من لا وارث له لقتل".
(4)
سورة الإسراء، الآية:33.
ففيه إسراف.
(فلو وجب القَوَد أو الرَّجم على حاملٍ، أو) على حائل، و (حملت بعد وجوبه؛ لم تُقتل حتى تضع الولدَ وتسقيه اللِّبَأ) قال في "المبدع": بغير خلاف؛ لما روى ابن ماجه بإسناده عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ، قال: حدثنا معاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قَتَلت المرأةُ عَمدًا، فلا تُقتَل حتى تضعَ ما في بطنها إن كانت حاملًا، وحتى تُكَفِّلَ ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها، وحتى تُكَفِّلَ ولدها"
(1)
؛ ولأنه يُخاف على ولدها، وقتله حرام، والولد يتضرر بترك اللِّبَأ ضررًا كثيرًا، وقال في "الكافي": لا يعيش إلا به.
(ثم إن وجدَ مَن يُرضعه مرضعةً راتبة؛ قُتلت) لأن تأخير قتلها إنما كان للخوف على ولدها، وقد زال ذلك (وإن وجدَ مُرضِعَات غير رواتب، أو) وجدَ (لبن شاة ونحوها يُسقى منه راتبًا؛ جاز قتلها) لأنه لا يُخاف على الولد إذًا التلف.
(1)
ابن ماجه في الديات، باب 36، حديث 2694. وأخرجه -أيضًا- الطبراني فى الكبير (7/ 280) حديث 8138.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 94): هذا إسناد فيه ابن أنعم، واسمه عبد الرحمن بن زياد، وهو ضعيف، وكذا الراوي عنه عبد الله بن لهيعة.
وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (20/ 72) حديث 135، وفي مسند الشاميين (3/ 274) حديث 2245، من طريق رشدين بن سعد، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نُسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، رضي الله عنهما، مرفوعًا. وإسناده -أيضًا- ضعيف كسابقه. لكن له شاهد من حديث بريدة رضي الله عنه في المرأة الغامدية، أخرجه مسلم في الحدود، حديث 1695.
(ويُستحبُّ لولي القتل تأخيره) حينئذٍ (إلى الفِطام) دفعًا لضرر الولد بذلك (وإن لم يكن له) أي: الولد (من يُرضعه، تُرِكت حتى تُرضعَه حولين ثم تفطِمَه) للخبر
(1)
. والمعنى: لأن القتل إذا أخر من أجل سقط
(2)
الحمل، فَلأنْ يؤخر من أجل حفظ الولد أولى.
(ولا تُجلد) الحامل (في الحَدِّ) حتى تضع (ولا يُقتصَّ منها في الطَّرَف حتى تضع) لأنه لا يؤمن التعدي إلى تلف الولد، أشبه الاقتصاص، فى النفس، بل يُقاد منها بمجرد الوضع، صَرَّح به في "الفروع" وغيره، وجزم به في "المنتهى"، و (قال الموفَّق وغيره). حتى تضع (وتسقيه اللِّبَأ) قال فى "المبدع": وهو ظاهر.
(فإذا وضعت الولدَ، وانقطع النِّفاس، وكانت قوية يؤمن تلفها، ولا يخاف على الولد الضرر من تأخُّر
(3)
اللبن؛ أقيم عليها الحدُّ، من قطع الطرف والجلد) لعدم المانع.
(وإن كانت في نفاسها، أو ضعيفة يُخاف تلفُها، لم يقم عليها حتى تطهر وتقْوى) دفعًا للضرر. وقال في "الإنصاف": الصحيح من المذهب أنه يُقتصُّ منها بالوضع. قال في "التنقيح": بل بمجرَّد الوضع قبل سقي اللِّبأ. (ويأتي في كتاب الحدود) بأوضح من هذا.
(وإن ادَّعت من وجب عليها القِصَاصُ الحملَ قُبِل منها إن أمكن) لأن للحمل أمارات خفيّة تعلمها من نفسها دون غيرها، فوجب أن يُحتاط له، كالحيض (وتُحبس حتى يبتبيَّن أمرُها) احتياطًا لمن وجب له القِصاص
(1)
أخرج مسلم في الحدود، حديث 1695 (23)، عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للغامدية:"اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه".
(2)
في "ذ": "حفظ".
(3)
في "ح" و"ذ": "تأثر".
(ولا تُحبس لحدٍّ) يعني لو ادَّعت من وجب عليها الحد أنها حامل قُبل منها إن أمكن، ولم تُحبس.
(وإن اقتُصَّ من حاملٍ، فإن كانت لم تضعه) ولم تتيقنه حملًا (لكن ماتت على ما بها من انتفاخ البطن وأمارة الحمل، فلا ضمان في حَق الجنين؛ لأنه لا يتحقق أن الانتفاخ حمل) فلا نوجب بالشك.
(وإن ألقته) أي: الجنين (حيًّا فعاش؛ فلا كلام) أي: لا ضمان على المقتصّ، لكن يؤدَّب (وإن ألقته حيًّا وبقي) الولد (خاضعًا ذبِلًا زمانًا يسيرًا، ثم مات، ففيه دية كاملة إذا كان وضعه لوقت يعيش مثله) وهو ستة أشهر فأكثر.
(وإن ألقته ميتًا أو حيًّا في وقت لا يعيش) فيه (مثله) وهو ما دون ستة أشهر (ففيه غُرَّة) عبد أو أمة، كما يأتي في دية الجنين (والضمان في ذلك على المقتص من أمه) لأنه المباشر، والحاكم الذي مكَّنه متسبب، وإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده، كالسيد إذا أمر عبده الأعجمي الذي لا يعرف تحريم القتل؛ ذكره في "الشرح" و"المبدع"، ويكون وجوب ما تقدم من الدية أو الغُرَّة (مع الكفَّارة) على المقتص؛ لأنه قاتل نفس.
فصل
(ولا يُستوفَى القصاص -ولو في النفس- إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبًا) لأنه يفتقر إلى اجتهاده، ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفّى (فلو خالف) الولي (وفَعَل) أى: اقتصَّ بغير حضرة السلطان أو
نائبه (وقع الموقِعَ) لأنه استوفَى حقه (وله) أي: الإمام أو نائبه (تعزيرُه) لافتياته على السلطان. وفي "عيون المسائل": لا يعزِّره؛ لأنه حق له، كالمال.
(ويُستحبُّ إحضار شاهدين) عند الاستيفاء؛ لئلا يُنكِره المقتصُّ.
(ويجب أن تكون الآلة) التى يُستوفى بها القِصاص (ماضية) لحديث: "إذا قَتلتم فأحسنوا القِتْلة"
(1)
(وعلى الإمام تفقّدها) أي: آلة الاستيفاء؛ لأن منها ما لا يجوز الاستيفاء به (فإن كانت) الآلة (كالَّةً، أو مسمومةً، مَنَعه من الاستيفاء بها) للخبر: "إذا قتلتم فأحْسنُوا القتلَة" رواه مسلم (
(1)
) من حديث شداد، ولئلا يعذب المقتول؛ ولأن المسمومة تُفسد البدن، وربما منعت غسله.
(فإن عَجَّل) الولي (واستوفى بها) أى: بالآلة الكالة أو المسمومة (عُزِّر) لفعله ما لا يجوز.
(و) ينظر الإمام أو نائبُه في الوليِّ (إن كان الوليُّ يُحسن الاستيفاءَ؛ ويقدِرُ عليه بالقوة والمعرفة؛ مكَّنه منه الإمام، وخيَّره بين المباشرة والتوكيل) لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}
(2)
؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم "أتَاة رجُل يقود آخر فقال: إنَّ هذا قتلَ أخي، فاعترف بقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فاقتله" رواه مسلم
(3)
.
(وإلا) أي: وإن لم يُحسِن الوليُّ الاستيفاء، أو لم يقدِر عليه (أمره بالتوكيل) لأنه عاجز عن استيفائه، فيوكّل فيه من يحسنه؛ لأنه قائم
(1)
تقدم تخريجه (2/ 25) تعليق رقم (2).
(2)
سورة الإسراء، الآية:33.
(3)
في القسامة، حديث 1680، من حديث وائل رضي الله عنه.
مقامه.
(فإن ادعى) الولي (المعرفةَ، فأمكنه) الإمام، أو نائبه (فضرب عنقه فأبانه، فقد استوفى) القِصاصَ (وإن أصاب غير العنق، وأقرَّ بتعمُّد ذلك؛ عُزِّر) لفعله ما لا يجوز (فإن قال) الولي: (أخطأتُ، وكانت الضربة قريبًا من العنق، كالرأس، والمَنكِب؛ قُبِل قوله مع يمينه) لأنه ممكن (وإن كان) الضرب (بعيدًا) عن العنق (كالوسط والرجلين؛ لم يقبل) قولُ الولي إنه أخطأ؛ لأنه خلاف الظاهر (ثم إن أراد) الولي (العودَ) للاستيفاء (لم يُمَكَّن؛ لأنه ظهر منه أنه لا يُحسِن الاستيفاء) فيوكِّل من يُحسِنه.
(و
إن احتاج الوكيلُ إلى أجرة،
فمن مال الجاني، كالحَدِّ) ولأنها أجرة لإيفاء ما عليه من الحق، فكانت لازمة له، كأجُرة الكيَّال. وذهب بعض أصحابنا: أنه يرزق من بيت المال رجل يستوفي الحدود والقِصاص؛ لأن هذا من المصالح العامة، فإن لم يحصُل فعلى الجاني؛ لأن الحق عليه. ورُدَّ: بأن الذي على الجاني التمكين لا الفعل (و) لهذا (إن باشر الولي الاستيفاءَ فلا أجرة له) على الجاني؛ لأنه استوفى حقَّه.
(ويجوز اقتصاص جانٍ من نفسه برضا الولي) ويكون نائبًا عنه، كالأجنبي (ولو أقام) المحدود (حدَّ زنًى) على نفسه (أو) حَدَّ (قذفٍ) على نفسه (أو قطع سرقة على نفسه بإذنٍ؛ سقط قطع السرقة فقط) لحصول المقصود، وهو قطع العضو الواجب قطعه، بخلاف حد الزنى والقذف؛ لعدم حصول الردع والزجر بجلده نفسه.
و
له ختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه،
نصًا
(1)
؛ لأنه يسير.
(وإن كان) الحق في (الاستيفاء لجماعة) بأن كان الوارث اثنين
(1)
انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 151) رقم 1847.
فأكثر (لم يجز أن يتولاه جميعهم) لما فيه من تعذيب الجاني وتعدُّد أفعالهم (وأمروا بتوكيل واحد منهم أو من غيرهم) ليستوفي القِصاص لهم (فإن تشاحُّوا، وكان كل واحدٍ منهم يُحسِن الاستيفاءَ؛ قدم أحدُهم بقُرعة) لأنه لا مزية لأحدهم، كما لو تشاحوا في تزويج مَوليَّتهم (لكن لا يجوز) لمن خرجت له القرعة (الاستيفاء حتى يوكّلـ) ـه (الباقون) لأن الحق لهم (فإن لم يتفقوا على التوكيل مُنع
(1)
الاستيفاء حتى يوكلوا) وقال ابن أبي موسى: إذا تشاحوا أمرَ الإمام من شاء باستيفائه.
فصل
(ولا يجوز استيفاءُ القِصاص في النفس إلا بالسيف في العنق، سواء كان القتل به) أي: السيف (أو بمُحرم لعينه) أي: ذاته (كسِحر، وتجريع خمر، ولِواط، أو قَتله بحَجَر، أو تغريق، أو تحريق، أو هدم) حائط عليه (أو حبس، أو خنق، أو قطع يده من مَفصِلٍ، أو غيره، أو أوضَحه، أو قطع يديه ورجليه، ثم عاد فضرب عنقَهُ قبل البرء، أو أجافَه) بأن جرحه جرحًا وصل إلى جوفه فمات (أو أمَّه) أي: جنى عليه آمَّةً -وهى ما تصل إلى جلدة الدماغ- فمات (أو قطع يدًا ناقصة الأصابع، أو شلاء أو زائدة) فمات (أو) جنى (جناية غير ذلك) عليه (فمات) لعموم حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا قَوَدَ إلا بالسيف" رواه ابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي
(2)
من غير طريق. وقال
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 117): "مُنِعوا".
(2)
ابن ماجه في الديات، باب 25، حديث 2667، من طريق جابر الجعفي، عن أبي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عازب، عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما، به. وأخرجه الدارقطنى (3/ 105 - 106)، والبيهقى (8/ 62 - 63)، من طريق مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما.
وأخرجه -أيضًا- الطيالسى ص/108، حديث 802، وابن أبى عاصم فى الديات ص/60، والطحاوى (3/ 184)، من طريق جابر الجعفى، به.
قال البيهقى فى معرفة السنن والآثار (12/ 80): تفرد به جابر الجعفى، وهو ضعيف لا يحتج به، واختلف عليه فى لفظه، وروى عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن النعمان بن بشير، وقيل: عن أبى بكرة، وكلاهما ضعيف، وروى عن أوجه أخر كلها ضعيف.
وقال البوصيرى فى مصباح الزجاجة (2/ 88): هذا إسناد فيه جابر الجعفى، وهو منهم. وللحديث شواهد كلها ضعيفة، منها:
أ - عن أبى بكرة رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه فى الديات، باب 25، حديث 2668، والبزار (9/ 115) حديث 3663 من طريق الحر بن مالك، وابن عدى (7/ 2543) من طريق الوليد بن محمد، والدارقطنى (3/ 105 - 106) من طريق الوليد بن صالح، والبيهقى (8/ 63) من طريق الوليد بن مسلم، جميعهم، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أبى بكرة رضي الله عنه. قال أبو حاتم فى العلل لابنه (1/ 461): هذا حديث منكر. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده بأحسن من هذا الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحدًا قال: عن أبى بكرة إلا الحر بن مالك، ولم يكن به بأس، وأحسبه أخطأ فى هذا الحديث؛ لأن الناس يروونه عن الحسن مرسلًا. وقال ابن عدى: غير محفوظ. وقال البوصيرى فى مصباح الزجاجة (2/ 88): هذا إسناد ضعيف؛ لضعف مبارك بن فضالة، وتدليسه.
ب - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبى عاصم فى الديات ص/60، وابن عدى (3/ 1102)، والدارقطنى (3/ 87 - 88)، والبيهقى (8/ 63)، وابن الجوزى فى التحقيق (2/ 313) حديث 1771، وفى العلل المتناهية (2/ 306) حديث 1323. وفى سنده سليمان بن أرقم، قال الدارقطنى: متروك. وقال ابن الجوزى: هذا الحديث لا يصح.
ج - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه ابن أبى عاصم فى الديات ص/60، =
أحمد
(1)
: ليس إسناده بجيد.
(ويدخل قوَدُ العضو في قودِ النفس) لأن القِصاص حد بدل النفس، فدخل الطرف في حكم الجملة، كالدية.
= والطبراني في الكبير (10/ 89) حديث 10044، ابن عدي (5/ 1978)، والدارقطنى (3/ 88)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 313) حديث 1712.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 291): فيه أبو معاذ سليمان بن أرقم، وهو متروك.
د - الحسن رحمه الله مرسلًا: أخرجه ابن أبى شيبة (9/ 354)، وأحمد في مسنده -كما في نصب الراية (4/ 341) - ولم نقف عليه في المطبوع من المسند.
قال الشيخ الألباني في الإرواء (7/ 289): هذا إسناد صحيح إلى الحسن، ولكنه مرسل، فهو علة هذا الإسناد. والطرق التى قبلها واهية جدًا ليس فيها ما يمكن تقوية المرسل به.
هـ - علي رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (3/ 87 - 88)، وابن الجوزى في التحقيق (2/ 313) حديث 1770، من طريق يعلى بن هلال، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن على رضي الله عنه مرفوعًا، بلفظ: لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة. قال الدارقطنى: معلى بن هلال متروك. وقال البيهقى (8/ 63): هذا الحديث لم يثبت له إسناد، يعلى بن هلال الطحان متروك، وسليمان بن أرقم ضعيف، ومبارك بن فضالة لا يحتج به، وجابر بن يزيد الجعفى مطعون فيه. وقال ابن الملقن وفي البدر المنير (8/ 390). هذا الحديث مروي من طرق كلها ضعيفة. وذكر الشوكاني طرق هذا الحديث في نيل الأوطار (7/ 21) وقال: هذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك. انظر: مختصر الخلافيات (4/ 349)، وجامع العلوم والحكم لابن رجب (1/ 385)، والتلخيص الحبير (4/ 19)، وفتح الباري (12/ 200) وأشار الإمام النسائى إلى تضعيف هذا الحديث في سننه (8/ 37 - 38) بعقده باب "القود بغير حديدة" ثم ساق حديث أنس المتفق عليه أن يهوديًا رضَّ رأس جارية بين حجرين .. فرضَّ رأسه بين حجرين. وقال ابن حجر في الدراية (2/ 265): ويعارضها حديث أنس في قصة العرنيين، فعند مسلم [حديث 1671] في بعض طرقه: إنما سمل النبى صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء.
(1)
انظر: المغني (11/ 509)، وإعلام الموقعين (1/ 280).
(ولا يفعل به) أي: بالمقتص منه (كما فَعَل، إذا كان القتل بغير السيف) للنهي عن المثلة
(1)
؛ ولأن فيه زيادة تعذيب.
(فإن فعل) الولي به كما فعل (فقد أساء) بالمخالفة (ولم يضمن) شيئًا، كما لو استوفى بآلة كالَّة.
(فإن ضربه) الولي (بالسيف فلم يمت، كَرَّر عليه) الضرب (حتى يموت) ليحصُل الاستيفاء.
(ولا يجوز) استيفاء القِصاص فى النفس (بسكين) لأن السيف أوحى
(2)
.
(ولا) يجوز استيفاء القِصاص (في طَرَفٍ إلا بها) أي: بسكين؛ لئلا يحيف. وذكر في "الانتصار" وغيره: أن الرجم بحجر، لا يجوز بسيف. (ويأتي فيما يوجب القِصاص فيما دون النفس) أى: أنه لا يُستوفى إلا بسكين، وبيان كيفية استيفائه.
(ولا يجوز الزيادة -أيضًا- على ما أتى به) الجاني ولا قطعُ شيء من أطرافه) لقوله تعالى: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}
(3)
(فإن فعل) أي: قطع الوليُّ شيئًا من أطرافه (فلا قِصاص عليه) لأن القِصاص عقوبة تُدرأ بالشُّبهة وهي هنا متحققة؛ لأنه مستحق لإتلاف الطرف ضمنًا، لاستحقاقه إتلاف الجملة.
(ويجب فيه) أي: الزائد (ديته) أي: دية ذلك الزائد؛ لأنه حصل بالتعدي (سواء عفا عنه) الولىُّ (أو قتله) لأن استحقاق إتلاف الطرف
(1)
تقدم تخريجه (7/ 63) تعليق رقم (3).
(2)
أي: أسرع. انظر: القاموس المحيط ص/ 1729، مادة (وحى).
(3)
سورة الإسراء، الآية:33.
موجود في حالتي العفو والقتل.
(وإن زاد) المقتصُّ (فى الاستيفاء من الطرف، مثل أن يستحق قطع إصبع، فيقطع اثنتين؛ فحكمه حكم القاطع ابتداءً، إن كان) القطع (عمدًا من مَفصِل) وجب القِصاص؛ لانتفاء الشبهة.
(أو) زاد المقتصُّ عمدًا فى (شجَّة يجب في مثلها القِصاص) وهي: الموضحة (فعليه القِصاص فى الزيادة) لانتفاء الشبهة.
(وإن كان) ذلك (خطأً، أو) كان (جرحًا لا يوجب القِصاص، مثل من يستحق موضِحة فاستوفى هاشمة، فعليه أرش الزيادة) كالجاني ابتداءً (إلا أن يكون ذلك) الحاصل زيادة (بسببٍ من الجاني) المقتصّ منه (كاضطرابه حال الاستيفاء) منه (فلا شئ على المقتصّ) لأنه لم يجنِ عليه، بل هو جنى على نفسه.
(فإن اختلفا) أى المقتصّ والمقتصّ منه (هل فعله) أى: قطع الزائد ونحوه (عمدًا أو خطأً) فقول المقتصّ؛ لأنه أدرى بنيته (أو قال المقتصُّ: حصل هذا باضطرابك، أو) بـ (ـفعل من جهتك) وقال المقتصّ منه: بل بجنايتك (فالقول قول المقتصّ مع يمينه) لأن الأصل براءته.
(وإن قطع) الجانى (يدَه، فقطع المجنىُّ عليه رِجْلَ الجانى؛ لزمه) أى: المجنى عليه (دية رجله) لأن الجاني لم يقطعها.
(وإن سرى الاستيفاء الذي حصلت فيه الزيادة إلى نفس المقتصّ منه، أو) سرى (إلى أعضائه، مثل أن قطع إصبعه، فسرى إلى جميع يده، أو اقتص منه بآلة كالَّة، أو) بآلة (مسمومة) فسرى (أو) أقتص منه (في حال حرٍّ مفرط، أو) في (برد شديد، فسرى، فعلى المقتصّ نصف
الدية
(1)
) لأنه تلف بفعل جائز ومحرم (قال القاضى: كما لو جرحه جُرحين: جرحًا فى رِدَّته، وجرحًا بعد إسلامه، فمات منهما) أي: من الجرحين.
(وإن قطع) الجاني (بعضَ أعضائه) أي: المجني عليه (ثم قَتَله بعد أن برئت الجراح، مثل أن قطع) الجاني (يديه ورجليه، فبرئت جراحته، ثم قتله) الجاني (فقد استقر حكم القطع بالبرء (ولولي القتيل) وهو وارث المجني عليه (الخيار) بين القِصاص والعفو، فـ (ـإن شاء عفا وأخذ ثلاث ديات) دية لليدين، ودية للرجلين، ودية للنفس (وإن شاء) الولىُّ (قَتَلَه وأخذ ديتين) دية لليدين، ودية للرجلين (وإن شاء قَطَعَ يديه ورجليه، وأخذ دية نفسه، وإن شاء) الولىُّ قَطَعَ يديه، أو رجليه، وأخذ ديتين، وإن شاء) الولىُّ (قَطَعَ طرفًا واحدًا) من اليدين، أو الرجلين (وأخذ دية الباقي) وهو ديتان ونصف؛ لأن كل جناية من ذلك استقَّ حكمها، فهي كالمتحدة.
(و
إن اختلفا في اندمال الجرح قبل القتل،
وكانت المُدَّة بينهما يسيرة لا يحتمل اندماله في مثلها) عادةً (فقول الجاني) في عدمه (بغير يمين) لأنه الظاهر.
(وإن اختلفا في مضيّها) أي: مضىّ مدة يندمل فيها الجرح (فقوله) أي: الجاني (أيضًا مع يمينه) لأن الأصل عدم الاندمال وعدم المضيّ.
(وإن كانت المُدَّة) التي مضت بين الجرح والقتل (مما يحتمل البُرءُ فيها؛ فقول الولي مع يمينه) لأن الأصل عدم سقوط حكم الجناية.
(1)
في "ح" و"ذ" زيادة: "وقال في المنتهى في آخر باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس: يلزمه بقية الدية".
(فإن كان للجانى بينةٌ ببقاء المجني عليه ضَمِنًا
(1)
حتى قَتَلَه؛ حُكِم له ببينته) لعدم ما يعارضها (وإن كانت) البينة (للولي ببرئه، حكم له) أي: للولي (أيضًا) ببينته لعدم المعارض لها (فإن تعارضتا) أى: البينتان قُدمت بينة الولي؛ لأنها مثبتة للبرء) والمثبت مقدم على النافي.
(و
إن ظن ولىُّ دمٍ أنه اقتصَّ فى النفس، فلم يكن،
وداواه) أى: الجاني (أهله حتى برئ، فإن شاء الولي دفع إليه دية فعْلِه) الذي فعله به (وقتله).
(وإلا) أي: وإن لم يشأ الولى ذلك (تَرَكه) ولم يتعرض له، قال في "الفروع": هذا قضاء عمر وعلى ويعلى بن أمية؛ ذكره أحمد
(2)
.
فصل
(وإن قَتَل واحدٌ اثنين فأكثَر؛ واحدًا بعد واحد، أو دَفعةً واحدة،
(1)
الضَّمن: الزَّمن والمبتلى في جسده. القاموس المحيط ص/ 1564، مادة (ضمن).
(2)
انظر: الفروع (5/ 665).
وقضاء عمر، وعلي، ويعلى بن أمية رضي الله عنهم: أخرجه عبد الرزاق (9/ 431 - 432) رقم 17910، وابن أبى شيبة (9/ 409 - 410)، عن ابن جريج، قال: أخبرنى عمرَّدٌ، أن حُيىِّ بن يعلى أخبره، أنه سمع يعلى يخبر أن رجلًا أتى يعلى فقال: قاتل أخي، فدفعه إليه يعلى، فجدعه بالسيف حتى رأى أنه قد قتله وبه رمقٌ، فأخذه أهله فداووه حتى برأ، فجاء يعلى فقال: قاتل أخي، فقال: أوليس قد دفعته إليك؟ فأخبره خبره، فدعاه يعلى، فإذا به قد سلك فحشيت جروحه، فوجد فيه الدية، فقال له يعلى: إن شئت فادفع إليه ديته واقتله، وإلا فدعه، فلحق بعمر فاستعدى على يعلى، فكتب عمر إلى يعلى: أن اقدم عليَّ، فقدم عليه، فأخبره الخبر، فاستشار عمر علي بن أبى طالب، فأشار عليه بما قضى به يعلى، فاتفق عمر وعلي على قضاء يعلى، أن يدفع إليه الدية ويقتله، أو يدعه فلا يقتله، وقال عمر ليعلى: إنك لقاضٍ، ثم ردَّه على عمله.
فاتفق أولياؤهم على قتله، قُتل لهم
(1)
) لأن الحق لهم، كما لو قتل عبدٌ عبيدًا خطأً فرضوا بأخذه؛ ولأنهم رضوا ببعض حقِّهم، كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء (ولا شيء لهم سواه) أي: سوى القتل؛ لأنهم رضوا بقتله، فلم يكن لهم سواه. وإن طلب أحدهم القِصاص والباقون الدية فلهم ذلك.
(وإن تشاحُّوا في من يقتله منهم على الكمال، أُقيد للأول إن كان قَتلَهم واحدًا بعد واحد) لأن حقَّه أسبق؛ ولأن المحل صار مستحقًا له بالقتل (وللباقين) بعد الأول (دية قتلاهم) لأن القتل إذا فات تعينت الدية (كما لو بادر غيرُ ولىِّ الأول واقتص) بجنايته، فللباقين الدية.
(فإن كان وليُّ الأول غائبًا، أو صغيرًا، أو مجنونًا؛ انتُظِر) قُدومه، أو بلوغه، أو عقله؛ لأن الحق له.
(وإن قتلهم دَفعةً واحدة، وتشاحُّوا؛ أُقرع بينهم) فيقتل بمن خرجت له القُرعة، وللباقين الدية.
(وإن بادر غيرُ مَن وقعت له القُرعة فَقَتَله) فقد (استوفى حقَّه، وسقط حقُّ الباقين إلى الدية) لفوات القتل بالنسبة إليهم.
(وإن قتلهم مُتفرِّقًا) واحدًا بعد واحد (وأشكل الأول، وادَّعى كل واحد) من الأولياء (الأولية، ولا بيِّنة) لواحد منهم (فأقرَّ القاتل لأحدهم؛ قُدِّم) المُقَرُّ له بالأولية (بإقراره) أي: القاتل على نفسه (وإلا) أي: وإن لم يُقِرَّ القاتل بالأولية لأحدهم (أُقرع) كما لو قتلهم معًا.
(فإن عفا وليُّ الأول عن القَوَد، قُدِّم وليُّ المقتول الأول بعده) لأن
(1)
في "ذ": "بهم".
الأول إنما قدِّم عليه بسبقه، وقد سَقَط حقُّه؛ لرضاه بالدية.
(فإن لم تكن أولية بعده) أى: العافى (أو جهلت) الأولية بعده (فبقُرعة) لأنه لا مرجِّح غيرها.
(وإن عفا أولياء الجميع إلى الديات، فلهم ذلك) لأنهم رضوا ببعض حقِّهم، ولا تتداخل حقوقهم؛ لأنها حقوق مقصودة لآدمي فلم تتداخل، كالديون
(1)
.
(وإن أراد أحدُهم القوَد، و) أراد (الآخرون الدية؛ قُتِل لمن اختار القود، وأعطي الباقون دية قتلاهم من مال القاتل) لأنه عمد مَحْضٌ، فلا تحمله العاقلة.
(و
إن قَتَل رجلًا) أو امرأة (وقطع طرفًا من آخر
؛ قُطِع طرفُهُ أولًا) لأنه لو بدئ بالقتل لفات القطع، وفيه تفويت لحقِّ المقطوع، فوجب تقديم القطع؛ لما فيه من الجمع بين حقِّي القتل والقطع (ثم قُتِل لولىِّ المقتول بعد الاندمال) لأنه لا معارض له (تقدَّم القتل) على القطع (أو تأخَّر) عنه؛ لأنهما جنايتان على شخصين فلم يتداخلا، كقطع يد رَجُلين؛ ولأنه أمكن الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما.
(و
إن قَطَع يَدَ رجُل، ثم
(2)
قتل آخر، ثم سرى القطعُ إلى نفس المقطوع فمات،
فهو قاتل لهما) لأن سراية العَمْد مضمونةٌ (فإن تشاحَّا في الاستيفاء، قُتل بالذي قتله) لسبقه وتأخُر السراية (ووجبت الدية كاملة للمقتول بالسراية، ولم يُقطع طرفه) لأنه قطعٌ صار قتلًا.
(و
إن قَطَع يَدَ واحدٍ وإصبع آخر من يد نظيرتها
؛ قُدِّم ربُّ اليد إن
(1)
فى "ذ": "لأنها حقوق مقصودة لآدميين فلا تتداخل، كالديون".
(2)
فى "ذ": "و" بدلًا من "ثم".
كان أولًا) لسبقه (وللآخر دية إصبعه) لتعذُّر القِصاص فيه (ومع أوَّليته) بأن كان قطع الإصبع أولًا (تقطع إصبعه، ثم يَقتصّ ربُّ اليد بلا أرش) لأنه لا يجمع في عضو واحد بين قِصاص ودية، كالنفس، وهذا بخلاف النفس، فإنها لا تنقص بقطع الطرف، فقطعه لا يمنع التكافؤ، بدليل أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها، وقطع الإصبع من اليد يمنع التكافؤ في اليد، بدليل أنا لا نأخذ الكاملة بالناقصة، واختلاف ديتهما.
(و
إن قَطَع أيدي جماعة)
اثنين فأكثر دفعة، أو متفرِّقًا (فحكمه حكم القتل فيما تقدم) لأن القطع كالقتل. فإن رضوا بقطع يده قطعت لهم، ولا شيء لهم سواه. وإن تشاحُّوا بُدئ بالأول، ولمن بقي الدية. وإن كان القطع معًا، أو جهل الأول؛ أُقرع. وإن رضي الأول بالدية أُعطيها، وقُطع للباقين.
(وإن بادر بعضهم فاقتصَّ بجنايته فى النفس أو في الطرف، فلمن بقي الديةُ على الجاني) في ماله، ولا تحملها العاقلة؛ لأنه عَمْدٌ محض.
(ويأتي: إذا قَتَل) خارجَ الحرم ثم لجأ إليه (أو أتى حدًّا خارجَ الحرم، ثم لجأ إلى الحرم؛ آخرَ كتاب الحدود) مفصَّلًا.
باب العفو عن القصاص
أجمعوا
(1)
على جواز العفو عن القِصاص وأنه أفضل؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}
(2)
.
والقِصاص كان حتمًا على اليهود، وحُرِّم عليهم العفو والديةُ، وكانت الدية حتمًا على النصارى، وحُرِّم عليهم القِصاص، فخُيِّرت هذه الأمة بين القِصاص وأخذ الدية والعفو، تخفيفًا ورحمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم "لا يُرفَعُ إليه أمرٌ فيه القِصاصُ إلا أمَرَ فيه بالعَفوِ" رواه الخمسة إلا النسائي من حديث أنس
(3)
.
والقياس يقتضيه؛ لأن القِصاص حق له، فجاز تركه كسائر
(1)
انظر: الاستذكار (25/ 333).
(2)
سورة البقرة، الآية:178.
(3)
أبو داود فى الديات، باب 3، حديث 4497، والنسائي في القسامة، باب 28، حديث 4797 - 4798، وفي الكبرى (4/ 229 - 230) حديث 6985 - 6986، وابن ماجه في الديات، باب 35، حديث 2692، وأحمد (3/ 213، 252). وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى (6/ 336) حديث 3661، والعقيلي (3/ 404)، وابن عدى (5/ 2005)، وأبو نعيم فى الحلية (9/ 36). والبيهقي (8/ 54)، والضياء في المختارة (6/ 313 - 315) حديث 2336 - 2339، من طريق عبد الله بن بكر المزني، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس رضي الله عنه. قال العقيلي؛ عطاء بن أبي ميمونة لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به. وقال ابن القطان فى بيان الوهم والإيهام (4/ 522): عطاء بن أبى ميمونة ضعيف معروف بالقدر.
ولم نقف عليه عند الترمذي وهو الذى ينبغي أن يستثنيه المؤلف لا النسائى.
الحقوق. والعفو: المحو والتجاوز.
(الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القود، أو الدية) لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}
(1)
أوجب الاتِّباع بمجرد العفو، ولو وجب بالعمد القِصاصُ عينًا لم تجب الدية عند العفو المطلق (فيُخير الولي بينهما) فإن شاء اقتصّ، وإن شاء أخذ الدية (ولو لم يرضَ الجاني) لقول ابن عباس: "كان في بني إسرائيلَ القِصَاصُ، ولم تكُن فيهم الدية، فأنزَلَ الله تعالى هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى
…
} الآية (
(1)
) " رواه البخاري
(2)
. وعن أبي هريرة مرفوعًا: "مَن قُتِلَ له قَتيلٌ فهو بخيرِ النَّظَرين: إمَّا أن يُودَى، وإما أن يُقَادَ" متفق عليه
(3)
.
(وإن عفا مجانًا فهو أفضل) لقوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}
(4)
، وقوله تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
(5)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به
(6)
.
(ثم لا عقوبة على جانٍ؛ لأنه إنما عليه حق واحد وقد سقط) كعفوٍ عن دية قاتل خطأ.
قال الشيخ تقي الدين
(7)
: العدل نوعان، أحدهما: هو الغاية وهو
(1)
سورة البقرة، الآية:178.
(2)
في تفسير سورة البقرة، باب 23، رقم 4498، وفي الديات، باب 8، رقم 6881.
(3)
البخاري في العلم، باب 39، حديث 112، وفي اللقطة، باب 7، حديث 2434، وفي الديات، باب 8، حديث 6880، ومسلم في الحج، حديث 1355.
(4)
سورة المائدة، الآية:45.
(5)
سورة الشورى، الآية:40.
(6)
تقدم تخريجه 13/ 289 تعليق رقم (3).
(7)
لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وانظر: المبدع (8/ 198).
العدل بين الناس، والثاني: ما يكون الإحسان أفضل منه؛ وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه، من الدم والمال والعِرض، فإن استيفاء حقه عدل، والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانًا إلا بعد العدل، وهو ألا يحصُل بالعفو ضرر، فإذا حصل منه ضررٌ، كان ظُلمًا من العافي لنفسه، وأما لغيره فلا يُشرع، ومحله ما لم يكن لمجنون أو صغير، فلا يصحُّ العفو إلى غير مال، لأنه لا يملك إسقاط حقه.
(وإن اختار) الوليُّ (القودَ، أو عفا عن الدية فقط، فله أخذها) أي: الدية؛ لما فيه من المصلحة له وللجاني، وتكون بدلًا عن القِصاص، وليست التي وجبت بالقتل (ولو سخط الجاني) لأن الدية دون القِصاص، فكان له أن ينتقل إليها؛ لأنها أقل من حقِّه (وله) أي: لمن وجب له القِصاص (الصلحُ على أكثر منها) أي: الدية (وتقدم في الصلح
(1)
) موضحًا.
(ومتى اختار) الولىُّ (الديةَ تعيَّنتْ، وسقط القودُ) قال أحمد: إذا أخذ الدية فقد عفا عن الدم
(2)
(ولا يملك طلبَه) أي: القود (بعدُ) أي: بعد اختيار الدية؛ لأنه إذا سقط لا يعود (فإن قتله بعد ذلك) أي: اختيار الدية (قُتِل به) لأنه عمدٌ عدوانٌ.
(وإن عفا مطلقًا) بأن لم يقيِّدهُ بقَوَدٍ ولا دية، فله الدِّية؛ لانصراف العفو إلى القَوَدِ؛ لأنه في مقابلة الانتقام، والانتقام إنما يكون بالقتل (أو) عفا (على غير مال) بأن عفا على خمرٍ ونحوه، فله الدية (أو) عفا (عن
(1)
(8/ 294).
(2)
انظر: الفروع (5/ 668).
القَوَدِ مطلقًا) بأن قال: عفوتُ عن القود، ولم يقيِّده بشيء (ولو) كان العفو (عن يده) أي: المجني عليه، أو رجله ونحوهما (فله الدية) لانصراف العفو إلى القَوَدِ، كما تقدَّم.
(وإن قال) مستحِقُّ القود (لمن) له (عليه قود: عفوتُ عن جنايتك، أو): عفوت (عنك؛ برئ من الدية، كالقود، نصًّا
(1)
) لأن عفوه عن ذلك يتناولهما.
(وإذا جنى عبدٌ على حُرٍّ جنايةً موجبة للقِصاص، فاشتراه المجنيُّ عليه بأرش الجناية؛ سقط القِصاصُ) لأن شراءه بالأرش اختيار للمال (ولم يصح الشراء؛ لأنهما إن لم يعرفا قَدْر الأرش، فالثمن مجهول) وشرط البيع معرفة الثمن (وإن عرفا عدد الإبل) أو البقر أو الغنم (وأسنانها، فصفتها مجهولة) وذلك يُنافي صحة البيع (فإن قدَّر الأرش بذهب أو فضة فباعه به؛ صح) البيع للعلم بالثمن.
(وتقدم -أول الباب
(2)
، قبله- عفوُ وليّ المجنون والصغير.
ويصح عفوُ المُفلِس والمحجور عليه لسفه عن القِصاص) لأنه ليس بمال.
(وإن أراد المفلس القِصاص، لم يكن لغرمائه إجبارُه على تركه) ليأخذ الدية؛ لأنها غير متعيّنة له (وإن أحب) المُفلِس (العفوَ عنه إلى مال، فله ذلك) كغير المفلس.
و (لا) يعفو (مجانًا) لأن المال واجب، وليس له إسقاطه؛ إذا قلنا: الواجب أحد شيئين. وإن قلنا: الواجب القَوَد عينًا؛ صَحَّ عفوه
(1)
انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (25/ 216).
(2)
(13/ 269 - 270).
مجانًا
(1)
؛ لأنه لم يجب إلا القود وقد أسقطه. هذا معنى كلامه في "الكافي" و"الشرح". وفي "المنتهى" وغيرِه: يصح عفوه مجانًا؛ لأن الدية لم تتعيَّن، وقاله في "المغني".
(وكذا) أي: كالمُفلِس فيما تقدم من استيفاء القِصاص والعفو على مال، أو مجانًا (السفيهُ، ووارث المفلس، والمُكاتَب، وكذا المريض فيما زاد على الثلث) والمذهب صحة العفو من هؤلاء مجانًا؛ لأن الدية لم تتعيّن، كما تقدم في المُفلِس.
(و
إن مات القاتل أو قُتِل، وجبت الدية في تركته)
لأنه تعذَّر استيفاء القود من غير إسقاطِ (كتعذُّره في طَرَفه) أي: تعذُّرِ القود في طَرَف الجاني لقطع أو شللِ (و) كـ (ـقتل غير المكافئ.
وإن لم يخَلِّف) الجاني (تركةً سقط الحق) يعني لم تُطالَب به عاقلتُه؛ لأنها لا تحمل العمد المحض.
(وإن قطع) الجاني (إصبعًا عمدًا فعفا) المجني عليه (عنه ثم سرت) الجناية (إلى الكفِّ أو) إلى (النفس، والعفو على مال أو على غير مال، فله تمام ديةِ ما سرت إليه) الجناية؛ لأن المجنى عليه إنما عفا عن دية الإصبع، فوجب أن يثبت له تمام الدية، ضرورةَ كونه غير معفو عنه، ولا قصاص؛ لتعذره في النفس دون ما عفا عنه، فسقط في النفس، كما لو عفا بعض الأولياء.
(وإن كان الجرح لا قِصاص فيه كالجائفة، فعفا) المجروح (عن القِصاص، ثم سرى إلى النفس، فلوليه القِصاص؛ لأنه لا يصح العفو عن قود ما لا قود فيه) فلم يوثر عفوه (وله) أي: وليِّ المجروح (بعد السراية
(1)
في "ذ": "صح عفوه عنه مجانًا".
العفو عن القِصاص، وله) حينئذ (كمال الدية) كما لو لم يتقدمه عفوٌ.
(وإن عفا) المجروح (عن دية الجرح؛ صح) عفوه؛ لأن الحق له، وقد وجب بالجناية، وقد أسقطه (وله) أي: لورثته (بعد السراية دية النفس) قال في "الشرح": إلا أرش الجرح. ا. هـ؛ لأن الجرح موجِب، وإنما سقط الوجوب بالعفو، فيختص السقوط بمحلِّ العفو.
(وإن عفا) وليُّ القود (مطلقًا) بأن قال: عفوتُ، فقط، فله الدية (أو) عفا (عن القَوَد مطلقًا) بأن قال: عفوتُ عن القود (فله الدية) لأن الواجب أحد شيئين، فإذا سقط القودُ تعيَّنت الدية.
(وإن قال الجاني) لولي الجناية: (عفوت مطلقًا) أي: عن القود والدية (أو) قال الجانى: (عفوت عنها) أي: الجناية (وعن سرايتها، قال
(1)
) ولي الجناية: (بل عفوت إلى مال، أو عفوتُ عنها) أي: الجناية (دون سرايتها، فالقول قول المجني عليه، أو وليه) مع يمينه؛ لأن الأصل معه.
(وإن قَتل الجاني العافيَ فيما إذا عفا على مال قبل البرءِ؛ فالقود) أي: لولي العافي القود؛ لأن قتله انفرد عن قطعه، أشبه ما لو كان القاطع غيره (أو الدية كاملة) لأن القتل منفرد عن القطع، فلم يدخل حكم أحدهما في الآخر؛ ولأن القتل موجِب له، فأوجب الدية كاملة، كما لو لم يتقدمه عفو، وكذا لو كان العفو على غير مال، كما يدلُّ عليه كلامه في "الشرح". قال: وسواء -فيما ذكرنا- كان العافي عن الجرح أخذ دية طرفه أو لم يأخذها.
(وإن وكَّل) مستحِقُّ القود (في قِصاص، ثم عفا) الموكِّل (ولم يعلم الوكيل حتى اقتصّ، فلا شيء عليهما) أما الموكل: فلأن العفو
(1)
في "ذ": "وقال".
إحسان، فلا يقتضي وجوب الضمان، وأما الوكيل: فلأنه لا تفريط منه، كما لو عفا بعد ما رماه (فإن علم الوكيل) بعفو الموكل (فعليه القود) لأنه قتله ظلما، كما لو قتله ابتداء.
(وإن عفا) المجروح (عن قاتله بعد الجرح؛ صح، سواء كان) العفو (بلفظ العفو، أو الوصية، أو الإبراء، أو غير ذلك) لأنه إسقاط للحق، فصح بكل لفظ يؤدي معناه.
(فإن قال) وليُّ الجناية: (عفوتُ عن الجناية وما يحدُثُ منها؛ صَحَّ) العفو؛ لأنه إسقاط للحق بعد انعقاد سببه (ولم يضمن) الجاني (السراية) للعفو عنها.
(فإن كان) الجرح (عمدًا لم يضمن) الجاني (شيئًا) ولم يُعتبر خروج ذلك من الثلث؛ لأن الواجب القود عينًا، أو أحدُ شيئين، فلم يتعين إسقاط أحدهما.
(وإن كان) الجرح (خطأ؛ اعتُبر خروجهما) أي: الجناية وسرايتها (من الثلث) كالوصية (وإلا) أي: وإن لم تخرج من الثلث (سقط عنه) أي: الجاني (من ديتها) أي: السراية (ما احتمله الثلث) كوصية.
(وإن أبرأه) أي: أبرأ المجنيُّ عليه الجاني (من الدية، أو وصَّى له بها؛ فهي وصية لقاتل، وتصح) لتأخرها عن الجناية، بخلاف ما لو وصى له ثم قتله (وتقدم في الموصى له
(1)
) مفصَّلًا (وتُعتبر) البراءةُ من الدية، أو الوصيةُ بها للقاتل (من الثلث) كسائر العطايا في المرض والوصايا.
(وإن أبرأ) المجنيُّ عليه أو وارثه (القاتلَ من الدية الواجبة على عاقلته، أو) أبرأ المجنى عليه أو وارثه (العبدَ من الجناية المتعلِّق أرشها
(1)
(10/ 245).
برقبته؛ لم يصح) الإبراء؛ لأنه أبرأه من حق على غيره، لأن الدية الواجبة على العاقلة غير واجبة على القاتل، والجناية المتعلقُ أرشها برقبة العبد غير واجبة عليه، بل متعلّقة بملك السيد.
(وإن أبرأ العاقلةَ أو) أبرأ (السيد؛ صح) لأنه أبرأهما من حق عليهما، كالدين الواجب عليهما.
(وإن وجب لعبدٍ قِصاص) في الطرف (أو تعزيرُ قَذْف، فله) أي: العبد (طلَبه والعفو عنه) لأنّه مختصّ به، والقصد منه التشفي (وليس ذلك للسيد) لأنه ليس بحق له (إلا أن يموت العبد) فينتقل إليه، وحينئذ فله طلبه وإسقاطه، كالوارث.
(ومن صحَّ عفوه مجانًا، فإن أوجب الجرح مالًا عينًا) كالجائفة وجناية الخطأ (فكوصية) يُعتبر
(1)
، من الثلث؛ لأنه تبرُّع بمال (وإلا) أي: وإن لم يوجب المال عينا كالعمد المحض (فمن رأس المال) لأن المال لم يتعين.
(ويصح قول مجروح) لجانٍ: (أبرأتُكَ، وحللتك من دمي، أو قتلي، أو وهبتك ذلك، ونحوه) كـ: أنت في حِلٍّ من دمي، أو تصدقتُ به عليك (معلقًا) ذلك (بموته) بأن يقول: إن مِتُّ فأنت بريء من دمي، أو: وهبتك دمي إن مِتُّ، ونحوه؛ لأنه وصية، وقد تقدّم
(2)
أن يصح تعليقها (فلو برئ) المجنيُّ عليه من الجناية (بقي حقُّه) فيطالب به؛ لعدم ما يسقطه (بخلاف: عفوتُ عنك، ونحوه) كـ: أبرأتك من دمي، فإنه يبرأ مطلقا؛ برئ أو عوفي؛ لأنه إبراء منجَز.
(1)
في "ذ": "تعتبر".
(2)
(10/ 231).
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس من الأطراف والجراح
والأصل فيه قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
…
} إلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}
(1)
، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في قصة الرُّبَيِّع عمَّتِه لما كسَرتْ ثَنية جارية وطلبوا العفوَ، فأبَوا، وعرضوا الأرش، فأبَوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كتاب الله القِصاصُ" متفق عليه
(2)
. وأجمعوا
(3)
على وجوب القصاص فيما دون النفس إذا أمكن؛ لأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص، فكان كالنفس في وجوبه.
(كلُّ من أُقيد بغيره في النفس، أقيد به فيما دونها،
من حُرٍّ وعبد) لأن من أُقيد به في النفس إنما أُقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود، فوجب أن يُقاد به فيما دونها.
فلو قَطَع مسلمٌ يدَ مسلمٍ؛ قُطعت يدُه؛ لأنه يُقاد به في النفس.
(ومن لا يجري القصاص بينهما في النفس لا يجري بينهما في الطَّرَف، كالأب مع ابنه، و) كـ (ـالحُرِّ مع العبد، و) كـ (ـالمسلم مع الكافر) فلا تُقطع يد الأب بيد ابنه، ولا يَدُ الحُرِّ بيد العبد، ولا يد المسلم
(1)
سورة المائدة، الآية:45.
(2)
البخاري في الصلح، باب 8، حديث 2703، وفي الجهاد والسير، باب 12، حديث 2806، وفي تفسير سورة البقرة والمائدة، باب 23، 6، حديث 4499 - 4500، 4611، وفي الديات، باب 19، حديث 6894، ومسلم في القسامة، حديث 1675.
(3)
انظر: المغني (11/ 531)، ومراتب الإجماع ص 226 - 227.
بيد الكافر؛ لأنه لا يُقاد به في النفس.
(ولا يجب) القِصاص فيما دون النفس (إلا بما يوجب القَوَد في النفس، وهو العمد المحض، فلا قَوَد في شِبه عَمدٍ) خلافًا لأبي بكر وابن أبي موسى. (ولا) قَوَد في (خطأٍ) قال في "المبدع": إجماعًا
(1)
، والآية مخصوصة بهما.
(وهو) أي: ما دون النفس (نوعان: أحدهما: الأطراف) لما ذكرنا (فتؤخذ العين) بالعين، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى (و) يؤخذ (الأنف) بالأنف (و) يؤخذ (الحاجز -وهو وتر الأنف-) بمثله (و) تؤخذ (الأذن) بالأذن (و) يؤخذ (السّن) بالسّن (والجَفن) بالجَفن -بفتح الجيم، وحكى ابن سيده
(2)
كسرها- (والشفة) بمثلها (واليد، والرجل، واللسان، والإصبع، والكتف، والمرفق، والذَّكر، والخُصية، والألية، وشُفر المرأة، بمثله) لأن المماثلة موجودة، والقصاص ممكن، فوجب، إلحاقًا لغير المنصوص عليه من ذلك بالمنصوص. والشُّفر -بضم الشين- أحد شُفري المرأة، فأما شفر العين فهو منبتُ الهُدْب
(3)
، وقد يُحكى فيه الفتح.
فصل
(ويُشترط للقِصاص في الأطراف ثلاثة شروط:
أحدها: إمكان الاستيفاء بلا حَيْفٍ) لأن الحَيفَ جَور وظلم، وإذا
(1)
انظر: المغني (11/ 531).
(2)
المحكم (7/ 318).
(3)
الهدب: ما نبت من الشعر على أشفار العين. المصباح المنير ص/ 873، مادة (هدب).
لم يمكن القصاص إلا به لم يجز فعله (وأما الأمن من الحَيف فشرطٌ لجواز الاستيفاء) مع أنه في نفس الأمر واجب، إذ لا مانع منه لوجود شرطه، وهو العدوان على من يكافئه عمدًا مع المساواة في الاسم والصحة والكمال، لكن الاستيفاء غير ممكن لخوف العدوان على الجاني.
وفائدة ذلك: أنا إذا قلنا: إنّه شرط للوجوب، تعيَّنت الدية إذا لم يوجد الشرط، وإن قلنا: إنه شرط للاستيفاء دون الوجوب، انبنى على أصل، وهو أن الواجب ماذا؟ فإن قلنا: القِصاصُ عينًا، لم يجب بذلك شيء، إلا أن المجنى عليه إذا عفا يكون قد عفا عمن يحصُل له ثوابه، وإن قلنا: موجب العمد أحد شيئين، انتقل الوجوب إلى الدية كغيره.
وإمكان الاستيفاء بلا حيف (بأن يكون القطع من مَفْصِل) لأن المماثلة في غير ذلك غير ممكنة، ولا يؤمن أن يستوفي أكثر من الحق.
(أو) يكون القطع (له حدٌّ ينتهي) القطع (إليه، كَمَارِن الأنف، وهو ما لانَ منه، والذي يجب فيه القصاص أو الدية دون القصبة) لأن لذلك حدًّا إليه، أشبه اليد.
(فإن قَطَع القصبة) أي: قصبة الأنف (أو قَطَع من نصف كلٍّ من الساعد، أو الكف، أو الساق، أو العضد، أو الورك، أو قطع يده من الكوع ثم تآكلت إلى نصف الذراع، فلا قصاص، وله الدية) لخبر: "أنَّ رجلًا ضرب رجلًا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مَفْصِلٍ، فاستَعْدَى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية، فقال: إنّي أريد القِصاص. قال: خُذِ الدية بارك الله لك فيها" رواه ابن ماجه
(1)
؛ ولأن القطع ليس من مفصل، فلا
(1)
في الديات، باب 9، حديث 2636. وأخرجه -أيضًا- البزار (9/ 251) حديث =
يؤمن فيه من الحيف (ولا أرش للباقي) أي: لا يجب سوى دية يدٍ أو رِجْلٍ، لئلا يجمع في عضو واحد بين دية وحكومة.
(ولا قَوَد في اللطمة ونحوها) لأن المماثلة فيها غير ممكنة.
(ويؤخذ الأنفُ الكبير بـ) ــــــالأنفِ (الصغير) لمساواته له فى الاسم (و) يؤخذ الأنف (الأقني
(1)
بالأفطس، والأشمُّ بالأخشم الذي لا شَمَّ له) لأن عدم الشَّمِّ لعِلَّة في الدماغ، ونفس الأنف صحيح، فوجب أخذ الأشَمِّ به؛ لأنه مثله.
(و) يؤخذ الأنف (الصحيح بـ) ــــــالأنف (الأجذم) لأنه مثله (ما لم يسقط منه) أي: الأجذم (شيء، إلا أن يكون) الساقط (من أحد جانبيه، فيؤخذ من الصحيح مثل ما بقي منه) أي: الأجذم (أو يأخذ أرش ذلك.
فلا يُشترط) لوجوب القصاص (التساوي في الصِّغر والكبر، والصحة والمرض في العين والأذن ونحوهما، فتُقْلَع عين الشاب بعين الشيخ المريضة) لأنه يُقتل به (و) تُقلع (عين الكبير بعين الصغير، و) تُقلع (العين الصحيحة بعين الأعمش) لأن التفاوت في الصفة لا يمنع القصاص
= 3792، والعقيلي (2/ 43)، وابن نافع في معجم الصحابة (1/ 159)، والطبراني في الكبير (2/ 260) حديث 2089 - 2090، والبيهقي (8/ 65)، من طريق دَهْثَم بن قُرّان، عن نمران بن جارية، عن أبيه جارية رضي الله عنه.
قال العقلي: دهثم بن قران لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا عنه. وضعفه البيهقي، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 84): ليس لجارية عند ابن ماجه سوى هذا الحديث وآخر، وليس له رواية في شيء من الكتب الخمسة، وإسناد حديثه في دهثم بن قرَّان اليماني ضعفه أبو داود، والنسائي، وابن عدي، والعجلي، والدارقطني، وتركه أحمد بن حنبل وعلي بن الجنيد. اهـ.
(1)
قنا الأنف: ارتفاع أعلاه، واحديداب وسطه، وسُبُوغ طرفه، أو نتو وسط القصبة، وضيق المنخرين، هو أقنى، وهي قنواء. القاموس المحيط ص/ 1710، مادة (قنو).
(لكن إن كان) الجاني (قلَعَ عينه بإصبعه، لم يجز) للمجني عليه (أن يقتص بإصبعه؛ لأنه لا يمكن المماثلة فيه.
ولا تؤخذ) العين (الصحيحة بالقائمة) -وهي صحيحة في موضعها، وإنما ذهب نورها وإبصارها- لانتفاء استوائهما في الصحة (وتؤخذ) العين (القائمة بالصحيحة) لأنها دون حقه (ولا أرش له معها) لأن التفاوت في الصفة
(1)
(كما يأتي.
وتؤخذ أُذُنُ السميع بمثلها) أي: بأُذُنِ سميع؛ للمماثلة (و) تؤخذ أذن السميع (بأذن الأصم) لأن العضو صحيح ومقصوده الجمال لا السمع، وذهاب السمع لعِلّة في الرأس؛ لأنه محله، وليس بنقص في الأذن (وتؤخذ أُذُن الأصمِّ بكلِّ واحدةٍ منهما) أي: من أذن السميع والأصم.
(وتؤخذ) الأذن (الصحيحة بـ) ـــالأذن (المثقوبة) لأنه ليس بنقص في الأذن، وإنما يفعل في العادة للقُرْطِ والتزيّن به (فإن كان الثقب في غير محلِّه، أو كانت) الأذن (مخرومة، أُخذت بالصحيحة) لأنه رضي بدون حَقّه (ولم تؤخذ) الأذن (الصحيحة بها) أي: بالمثقوبة في غير محلّ الثقب، أو بالمخرومة؛ لأنه عيب، فتفوت المساواة (ويُخيَّر المجنيّ عليه بين أخذ الدية إلا قَدْر النقص، وبين أن يقتص فيما سوي المعيب ويتركه من أذن الجاني، ويجب له في قَدْر النقص حكومة.
(وإن قطع) الجاني (بعضَ أذنه، فله أن يقتص من أذن الجاني بقَدْرِ ما قَطَع من أذنه، ويُقدَّر ذلك بالأجزاء) كالنصف، والثلث، والربع، و (لا) يؤخذ (بالمساحة) لأنه قد يُفضي إلى أخذ جميع أذن الجاني
(1)
في "ذ": "لعدم التفاوت".
لصغرها ببعض أذن المجني عليه لكبرها، وكذا أنف، ولسان، وشفة.
(ومن قُطع طرفه من أذن أو غيرها، فردّه، فالتحم) بحرارة الدم (وثبت، فلا قِصاص) في ذلك القطع؛ لأنها لم تَبِنْ على الدوام، فلم يستحق إبانة أُذنِ الجاني دوامًا (ولا دية) لأنه لم يَفُتْ بالكلية (وله أرش نقصه خاصة، نصًّا
(1)
) قال في "شرح المنتهى". وذلك حكومة؛ لأنها أرش كل نقصان حصل بالجناية.
(وإن سقط) ما كان ردّه والْتَحَمَ (بعد ذلك) بغير جناية (قريبًا أو بعيدًا، فله القِصاص، ويرد ما أخذ) هـ من الأرش؛ لأن ذلك الالتحام كعدمه.
(وإن قطع بعض الطرف فالتصق، فله أرش الجرح، ولا قِصاص) كما تقدم في الأذن.
(ومن قُطِعت أذنُه ونحوُها) كَمارنِه (قِصاصًا، فألصقها فالتصقت، فطلب المجني عليه إبانتها؛ لم يكن له ذلك) لأنه استوفى القصاص، قطع به في "المغني" و"الشرح". والمنصوص
(2)
: أنه يُقاد ثانيًا؛ اقتصر عليه في "الفروع"، وقدَّمه في "المحرر" وغيره. قال في "الإنصاف" في ديات الأعضاء ومنافعها: أُقيد ثانية على الصحيح من المذهب. وقطع به في "التنقيح" هناك، وتبعه في "المنتهى". قال في "شرحه": للمجني عليه إبانته ثانيًا، نص عليه (
(2)
)؛ لأنه أبان عضوًا من غيره دوامًا، فوجبت إبانته منه دوامًا لِتتَحقَّقَ المقاصَّة.
(فإن كان المجنيُّ عليه لم يقطع جميع الطَّرَف، وإنما قَطَع بعضَه
(1)
انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 267).
(2)
انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 268).
فالتصق، فللمجنيِّ عليه قَطْعُ جميعه) ليستوفي تمام حقِّه (والحكم في السِّنِّ) إذا قلعها ثم أعيدت (كالحكم في الأذن) على ما سبق من التفصيل.
(وتؤخذ السِّنُّ -رَبَطها بذهب أو لا- بالسِّنِّ) لقوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}
(1)
(الثنية بالثنية، والناب بالناب، والضاحك بالضاحك، والضِّرس بالضِّرس؛ الأعلى بالأعلى، والأسفل بالأسفل) لأن المماثلة موجودة في ذلك كله (ممن قد أثْغَرَ -أي: سقطت رواضعه ثم نبتتْ) قال في "حاشيته": يقال: ثُغِرَ الصبي -بضم الثاء وكسر الغين- يُثغَر -بضم الياء وفتح الغين- فهو مثغور؛ إذا سقطت رواضعه، فإذا نبتتْ قيل: اتَّغر بتاء مثناة من فوق مشددة على مثال اتَّزر، قلبت الثاء تاء ثم أدغمت.
(وإن كسر) الجاني (بعضَها) أي: السن (بُرِدَ من سِنِّ الجاني مِثلُه) أي: مثل ما كسره (إذا أُمِنَ قلعُها وسوادُها) لإمكان الاستيفاء بلا حيف، فإن لم يأمن ذلك سقط القِصاص.
(فإن لم يكن) المجنيُّ على سِنِّهِ (اتَّغر
(2)
؛ لم يُقتصَّ) له (من الجاني في الحال؛ لأنه) يُرجى عوده، و (لا قَوَد، ولا دية، لما رُجي عوده من عين) كسن (أو منفعة) كعَدْو (في مدة يقولها أهل الخبرة) لأنه يمكن عوده، فلا يجب فيه شيء، وتسقط المطالبة به، فوجب تأخيره.
(فإن عاد مِثلَها) أي: السن ونحوها، والمنفعة كالعَدْو (فى موضعها علي صفتِها) أي: الذاهبة (فلا شيء عليه) أي: الجاني؛ لأن المتلَفَ عاد، فلم يجب به شيء، كما لو قطع شعره وعاد.
(1)
سورة المائدة، الآية:45.
(2)
في "ح" ومتن الإقناع (4/ 129): "أثغر".
(وإن عادت) السِّنُّ (مائلة، أو متغيِّرة عن صفتها، فعليه حكومة) لأنه نقصٌ حصل بفعله، فوجب عليه ضمانه.
(وإن عادت) السِّنُّ (قصيرةٌ، ضمن ما نقص) منها (بالحساب، ففي ثُلُثها ثُلُث ديتها) كما لو كسر ثُلُثها؛ جزم به في "الشرح"، وقال في "المنتهى": وإن عاد ناقصًا في قَدْرٍ أو صفة؛ فحكومة. قال في "شرحه": كما لو ضربه فانكسر بعضُه، أو اسودَّ.
(وإن عادت) السِّنُّ (والدم يسيل، ففيها حكومة) لما نقصته بسبب استدامة سيلان الدم؛ لحصوله بجنايته.
(وإن مضى زمنٌ يمكن عودها) أي: السن الذاهبة ونحوها (فيه، فلم تعد وأيِسَ من عودها بقولِ أهلِ العلم بالطب؛ خُيِّر المجني عليه بين القصاص والدية) كسائر الجنايات العمد المحض.
(فإن مات المجنيُّ عليه) في المُدَّة التي قال أهل الخبرة إنه يعود فيها (قبل الإياس من عودها؛ فلا قِصاص) لأن الاستحقاق له غير متحقق، فيكون ذلك شُبهة في درء القَوَد (وتجب الدية) لأنه لا يتأتَّى العود
(1)
بعد موته.
(وإن قلع) الجاني (له سِنًّا زائدة، قلع) المجني عليه (له) سنًّا (مثلها؛ إن كان) له سِنّ مثلها، للمساواة (أو حكومة) إن اختار عدم القصاص إذًا (فإن لم يكن له) أي: الجاني سن (زائدة؛ فحكومة) لتعذُّر القصاص.
(وإن قلع) الجاني (سنًّا، فاقتُصَّ منه، ثم عادت سِنّ المجني عليه، فقلعها الجاني، فلا شيء عليه) أي: لا قصاص ولا دية؛ لأن سِنَّ
(1)
في "ح": "القود".
المجني عليه لما عادت وجب للجاني عليه دية سِنِّه، فلما قلعها وجب على الجاني ديتها للمجني عليه، فقد وجب لكل منهما دية سنٍّ فيتقاصّان.
(و
يؤخذ كلٌّ من جَفْن البصير والضرير بالآخر)
أي: يؤخذ جَفْن البصير بجَفْن الضرير، وجَفْن الضرير بجَفْن البصير، للمساواة، وعدم البصر نقصٌ في غيره، ويؤخذ جَفْن البصير بجفن البصير (و) جفن الضرير (بمثله) للمماثلة.
(وإن قَطَع) الجاني (الأصابع الخمس من مفاصلها، فله) أي: المجني عليه (القود) لأن القطع من مفصل، فأَمْنُ الحيف موجود (وإن قطعها) أي: الأصابع (من الكوع، فله القَوَد منه) أي: الكوع، للمماثلة (فإن أراد) المجني عليه (قَطْع الأصابع فقط، فليس له ذلك) لأن للجناية عليه محلًا يمكن الاقتصاص منه، وهو مَفصِل الكوع، فلا يقتص من غيره، لاعتبار المساواة في المحل حيث لا مانع.
(وإن قَطَع) الجاني (من المَرفِق، فله) أي: المجني عليه (القِصاص منه) أي: من المَرفِق؛ لإمكان المماثلة (فإن أراد القود من الكوع، مُنع) لما سبق.
(وإن قَطَع) الجاني (من الكتف، أو خَلَع عظمَ المنْكِب، ويقال له: مشط الكتف، فله القَوَد إذا لم يُخَفْ جائفةً) بلا نزاع؛ ذكره في "شرح المنتهى"
(1)
(فإن خيف) إن اقتص من منكب جائفةً، وهي الجرح الذي يصل إلى الجوف فيفسد بدخول الهواء فعه (فله) أي: المجني عليه (أن يقتصّ من مرفقه) لأنه أخذ ما أمكن من حقِّه.
(1)
في "ذ": "الشرح والمغني".
(ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف) من منكب أو نحوه (أو) اقتص (من مأمومة، أو) من (جائفة، أو من نصف الذِّراع ونحوه) كالساعد، والساق (أجزأ) أي: وقع الموقِعَ، ولا شيء عليه؛ لأنه فعل كما فُعِل به (والرِّجْل كاليد فيما تقدم) من التفصيل.
(ويؤخذ الذَّكر بالذَّكر، وسواء في ذلك ذَكَرُ الصغيرِ والكبير، والذَّكرُ الصغيرُ والكبيرُ، والطويل والقصير، والصحيح والمريض) لأن ما وجب فيه القصاص من الأطراف لا يختلف بهذه المعاني، كذلك الذَّكر (والمختون والأقْلَف) للمساواة في الاسم، والقُلْفَة زيادة تستحق إزالتها.
(ويؤخذ ذَكَر الخَصِي) بذكر الخَصِي (و) ذَكَر (العِنِّين بمِثْلِهِ) لحصول المساواة، لا ذَكَر فَحْل بذكر خصي أو عِنّين؛ لأنه لا منفعة فيها
(1)
.
(وتؤخد الأنثيان بالأنثيين) لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}
(2)
(فإن قطع إحداهما) أى: الأنثيين (وقال أهل الخبرة) بالطب: (إنه يمكن أخذها مع سلامة الأخرى؛ جاز القَوَد) لعدم المانع (وإلا؛ فلا) يجوز القَوَد؛ لما فيه من الحَيْف (وله نصف الدية.
وإن قطع) الجاني (ذَكَر خُنثى مُشْكِل، أو) قطع (أنثييه، أو) قطع (شُفْرَيه، لم يجب القِصاص) لأنا لا نعلم أن المقطوع فَرْج أصلي (ويقف الأمر حتى يتبيّن أمرُه) أي: الخنثى، فتتضح ذكوريته أو أنوثيته.
(وإن اختار) الخنثى (الدية، وكان يُرجى انكشاف حاله) بأن كان غير بالغ (أُعطِيَ اليقينَ) لأن ما زاد عليه مشكوك فيه، فلا نوجبه بالشكِّ
(1)
في "ح" و"ذ": "فيهما".
(2)
سورة المائدة، الآية:45.
(وهو) أي: اليقين (الحكومةُ في المقطوعِ) من الذَّكر، أو الأنثيين، أو الشُّفرين؛ لاحتمال الزيادة.
(وإن كان) الجاني (قد قَطَع جميعَها) أي: الذَّكر والأُنثيين والشُّفْرين (فله) أي: الخُنثى (دية امرأة في الشُّفْرين، وحكومة في الذَّكر والأنثيين) لأن أقل أحواله أن يكون أنثى.
(وإن يُئس من انكشاف حاله) بأن بلغ ولم يتضح (أُعطِي نصفَ دية الذَّكر والأنثيين، ونصف دية الشُّفرين، وحكومة في نصف ذلك كلَّه) كما في ديته لو قُتِل وميراثه.
(وإن أوضح) الجاني (إنسانًا فذهب ضوء عينه، أو) ذهب (سمعُه، أو شَمُّه، فإنه يوضحه) كما فعل به؛ لأنه جرح يمكن القود منه من غير حَيْف؛ لأن له حدًّا ينتهي إليه (فإن ذهب) ذلك فقد استوفى حقَّه (وإلا) أي: وإن لم يذهب (استَعْمَل ما يُذهِبُه من غير أن يجني على حَدَقَتِهِ، أو أُذنه، أو أنفه) لأنه يستوفي حقَّه من غير زيادة، فيطرح في العين كافورًا، أو يُقَرِّب منه مرآة، أو يحمي له حديدة، أو مرآة، ثم يقطر عليها ماء، ثم يقطر منه في العين ليذهب بصرها (فإن لم يمكن) استعمال ما يُذْهِبُ ضوء البصر، أو السمع، أو الشَّمِّ من غير جناية على العضو (سقط القَوَد إلى الدية) لتعذُّر الاستيفاء بلا حيف.
(وإن أذهب ذلك) أي: ضوء البصر، أو السمع، أو الشَّمِّ (بشَجَّة لا قَوَد فيها، مثل أن تكون دون الموضِحَةِ، أو لَطَمه فأذهب ذلك) أي: بصره، أو سمعه، أو شمه (لم يجز أن يَفعلَ به كما فَعَل) لأن المماثلة فيها غير ممكنة (لكن يُعالَجُ بما يُذْهِبُ ذلك) أي: ضَوءَ البصر، والسمع، والشَّمِّ (فإن لم يذهب؛ سقط القَوَدُ إلى الدية) لتعذُّر الاستيفاء بلا حَيْف.
وقال القاضي: له أن يلطمه مثل لطمته، فإن ذهب ضوءُ عينه، وإلا أذهبه بما ذكر، قال في "الشرح" و"المبدع": ولا يصحُّ هذا؛ لأن اللطمة لا يقتصّ منها منفردة، فكذا إذا سَرَت إلى العين، كالشَّجَّة دون الموضِحة. انتهى. وكلامه في "التنقيح" و"المنتهى" يوهم القِصاص فيهما، وصَرَّح به شارح "المنتهى".
(وإن لطم) الجاني (عينَه فذهب بَصرُها، أو ابيضَّتْ وشَخَصَتْ، عولجت عينُ الجاني حتى تصير كذلك، بدواء، أو بمرآة محمية ونحوها، تُقَرَّبُ إلى عينه حتى يذهب بصرُها بعد تغطية عينه الأخرى بقُطْن ونحوه) لئلا يذهب ضوؤها.
(وإن وَضَع فيها) أي: عين الجاني (كافورًا، فذهب ضوؤها من غير أن يجني على الحَدَقة؛ جازَ) لحصول الاستيفاء من غير جناية على الحَدقة (وإن لم يمكن إلا ذهابُ بعض ذلك، مثل أن يذهب بصرها دون أن تبيضَّ وتَشخَصَ، فعليه حكومةٌ في الذى لم يُمكن القِصاصُ منه) لتعذُّر القِصاص فيه.
فصل
(الشرط الثاني: المماثلة في الاسم والموضع) قياسًا على النفس؛ ولأن القصاص يعتمدُ المماثلة، ولأنها جوارِح مختلِفة المنافع والأماكن، فلم يؤخذ بعضها ببعض، كالعين بالأنف (فتؤخذ اليمين باليمين، و) تؤخذ (اليسار باليسار، من كل ما انقسم إلى يمين ويسار، من يدٍ، ورجْلٍ، وأذن، ومَنْخِر، وثدي، وأَلْيَة، وخُصية، وشُفْر) وتؤخذ (العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، من شفة، وجَفْن، وأنملة، فلا تؤخذ
يمين بيسار، ولا يسار بيمين، ولا عُليا بسُفْلى، ولا سُفْلى بعليا) لعدم المساواة في الموضع.
(وتؤخذ الإصبع) بمثلها (و) تؤخذ (السّن) بمثلها (و) تؤخذ (الأنملة بمثلها في الاسم والموضع) دون ما خالفها في ذلك.
(ولو قطع أُنملة رَجُلٍ عُليا، وقطع) -أيضًا- الأنملة (الوسطى من تلك الإصبع من) رَجُلٍ (آخر ليس له عُليا، فصاحب) الأنملة (الوسطى مُخيَّر بين أخذ عَقْل أُنملتِهِ الآن، ولا قِصاص له بعدَ) ذلك، ولو ذهبت الأُنملة العُليا؛ لأن أخذ عقلها عفوٌ عن القِصاص (وبين أن يصبر حتى تذهب عُليا قاطعٍ بقَوَد أو غيره، ثم يقتصّ من الوسطى) لأنه لا يمكن القِصاص في الحال؛ لما فيه من الحَيْف وأخذ الزيادة على الواجب، ولا سبيل إلى تأخير حَقّه حتى يتمكَّن من القِصاص، لما فيه من الضرر، فوجبت الخيرة بين الأمرين (ولا أرْش له) أي: لصاحب الوسطى (الآن) إذا اختار الصبر حتى تذهب عُليا قاطع (لـ) ــــــأجل ا (لحيولة) بخلاف غصب مالٍ، لسدِّ مالٍ مَسَدّ مالٍ، كما تقدَّم.
(وإن قطع) من قطع أنملة عُلْيا من رَجُلٍ والوسطى من آخر من إصبع نظيرتها (من ثالث) الأنملة (السُّفلى، فللأول أن يقتصَّ من العُليا، ثم للثاني أن يقتصَّ من الوسطى، ثم للثالث أن يقتصَّ من السُّفلى، سواء جاؤوا معًا، أو واحدًا بعد واحد) لأن كلَّا يستوفي حقَّه من غير حَيْف (فإن جاء صاحب الوسطى، أو) صاحب (السُّفلى يطلب القِصاص قبل صاحب العُليا لم يُجَبْ إليه) بالبناء للمفعول، أي: لم تجز إجابته إلى ما طلبه من القِصاص؛ لما فيه من الحيف (ويُخيّران) أي: صاحب السُّفلى والوسطى (بين أن يرضيا بالعقل) أي: دية الأنملتين (أو الصبر حتى يقتصّ الأول)
ولا أرش، كما تقدم (وإن عفا) أي: صاحب العُليا (فلا قِصاص لهما) أي: لصاحب الوسطى والسُّفلى في الحال، ويخيّران، كما سبق (وإن اقتصّ) صاحب العُليا (فللثاني) وهو صاحب الوسطى (الاقتصاص) لأنه تمكّن من الاستيفاء بغير حَيْف (وحكم الثالث) صاحب السُّفلى (مع الثاني) صاحب الوسطى (كحكم الثاني مع الأول) صاحب العليا، فإن اقتصّ من الوسطى جاز للثالث أن يقتصّ من السُّفلى، وإلا فلا، ما لم تذهب الوسطى قبل أن يأخذ الثالث عقل السفلى.
(فإن قطع صاحبُ الوسطى الوسطى والعُليا، فعليه دية العُليا) لأنها زائدة عن حقِّه، ولا قِصاص عليه؛ لأن له شُبهة في قطع الوسطى فَدُرِئَ بها القِصاص (تدفع) دية العليا (إلى صاحب العليا) أي: إلى الجاني، ليدفعها لصاحب العليا، أو يدفع له ماله
(1)
نظيرها. هذا مقتضى القواعد، والله أعلم.
(وإن قطع) صاحب الوسطى (الإِصبع كلها، فعليه القِصاص في الأنملة الثالثة) السُّفلى؛ لأنه لا شُبهة له في قَطعها (وعليه أرش العُليا للأول) على ما تقدم (وأرش السُّفلى على الجاني لصاحبها) لتعذُّر القِصاص عليه (وإن عفا الجاني عن قِصاصها) أي: السفلى (وجب أرشها) أي: السفلى (يدفعه إليه ليدفعه إلى المجنى عليه) بقطع أنملته السفلى.
(وإن قطع أنملة رجُلٍ العليا، ثم قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الإصبع، فللأول قطع العليا) لسبقه (ثم الثاني الوسطى) لأنه لا معارض له فيها (ويأخذ أرش العليا من الجاني) لتعذُّر القِصاص
(1)
في "ذ": "من ماله".
عليه بفواتها، كما لو سقطت بتآكل أو غيره.
(وإن بادر الثاني فقطع الأنملتين فقد استوفى حقَّه) لأنه مجني عليه فيهما، وإنما استحق الأول التقديم لسبقه (وللأول الأرش) أي: دية الأنملة (على الجاني) لتعذُّر القِصاص فيها.
(وإن كان قَطعَ الأنملتين أولًا، قُدِّم صاحبُهما في القِصاص) لسبقه (ولصاحب العليا أرشها) لفوات القِصاص (وإن بادر صاحبها) أي: العليا (فَقَطَعها، فقد استوفى حقَّه، وتقطع الوسطى للأول، ويأخذ) الأول (أرش العليا) كما تقدم.
(ولو قطع أنملة رجُلٍ العليا ولم يكن للقاطع أُنملة) عُليا نظيرتها (فاستوفى) المجنيُّ عليه من (الجاني من الوسطى، فإن عفا) صاحبُ الوسطى (إلى الدِّية تقاصَّا، وتساقطا) لأنه قد وجب لكلٍّ منهما على الآخر مثل ما وجب له.
(وإن اختار الجاني القِصاصَ) من المجنيِّ عليه من الوسطى (فله ذلك) أي: القِصاص (ويدفع أرش العُليا) أي: ديتها. قال في "الشرح": ويجيء على قول أبي بكر ألا
(1)
يجب القِصاص؛ لأن ديتهما واحدة، واسم الأنملة يشملهما، فتساقطا، كقوله في إحدى اليدين بدلًا عن الأخرى.
(ولا تؤخذ أصلية بزائدة) لأن الزائدة دونها (ولا زائدة بأصلية) لأنها لا تماثلها (ويؤخذ زائد بمثله موضعًا وخِلْفة، ولو تفاوتا قَدْرًا) كالأصلي بالأصلي، إذا اتفقا في الموضع والخِلقة، واختلفا في القَدْر (فإن اختلفا) أي: الزائدان (في غير القَدْر) بأن اختلفا في الموضع أو
(1)
في "ح" و"ذ": "أنَّه لا يجب".
الخِلْقة (لم يؤخذ) أحدهما بالآخر (ولو بتراضيهما) لما يأتي (فإن لم يكن للجاني زائدٌ يؤخذ) بما جنى عليه (فحكومة) لتعذُّر القِصاص.
(وتؤخذ) يد أو رجل (كاملة الأصابع بـ) ـيدِ أو رجْلٍ (زائدة إصبعًا) لأن الزيادة عيب ونقص في المعنى، فلم يمنع وجودها القصاص، كالسلعة.
(فإن تراضيا على أخذ الأصلية بالزائدة، أو) على (عكسه) كأخذ الزائدة بالأصلية (أو) تراضيا على أخذ (خِنْصَرٍ ببنْصِرٍ، أو) على (أخذ شيء من ذلك) المذكور (بما يخالفه) في الاسم أو الموضع (لم يجز؛ لأن الدماء لا تُستباح بالإباحة والبذْل، فلا يحِلُّ لأحدٍ قَتْلُ نفسه ولا قَطْع طرفه، ولا يحل لغيره) ذلك (ببذله) أي: بإباحته له، لحقِّ الله تعالى.
(فإن فعلا، فقطع يسار جانٍ مَن له قود في يمينه) بتراضيهما (أو عكسه) بأن فطع يمين جانٍ من له قود في يساره (بتراضيهما) أجزأت وسقط القود؛ لأن القود سقط في الأولى بإسقاط صاحبها، وفي الثَّانية بإذن صاحبها في قطعها، ودِيتها مساوية؛ قاله أبو بكر.
(أو قَطَعها) أي: اليسار من له قَوَد في اليمين أو بالعكس (تعدِّيًا) أجزأت، ولا قَوَد؛ لأنهما متساويتان في الدية، والألم، والاسم، فتساقطتا؛ ولأن إيجاب القود يُفضي إلى قَطع يَدَيْ كل منهما وإذهاب منفعة الجنس، وكلٌّ من القطعين مضمون سرايتُه
(1)
؛ لأنه عدوان (أو) قطع (خِنْصَرًا بِبِنْصِرٍ) أجزأت، ولا ضمان؛ لما سبق.
(وإن قال) المجنيُّ عليه للجاني: (أخْرِجْ يمينك، فأخرج يساره عمدًا، أو غلطًا، أو ظنًا أنها تُجزئ، فقطعها، أجزأت على كلِّ حال)
(1)
في "ذ": "بسرايته".
قال في "الإنصاف": وهذا المذهب (ولم يبقَ قَوَد ولا ضمان) كقطع يسار السارق بدل يمينه (حتى ولو كان أحدهما) أي: الجاني والمجني عليه (مجنونًا؛ لأنه لا يزيد على التعدي) بخلاف ما إذا قطع يد إنسان وهو ساكت؛ لأنه لم يوجد منه البذْلُ، وقد أشرتُ في "الحاشية" إلى ما في كلام المصنف و"المنتهى" بما يُغني عن الإعادة.
فصل
الشرط (الثالث: استواؤهما) أي: الطرفان (في الصحة والكمال) لأن القِصاص يعتمد المماثلة (فلا تؤخذ صحيحةٌ) من يد أو غيرها (بشلَّاء) لأنه لا نفع فيها سوى الجَمَال، فلا تؤخذ بما فيه نفع (ولا) تؤخذ (كاملةُ الأصابعِ) من يد أو رجل (بناقصةِ) الأصابع، فلو قطع من له خمسُ أصابع يد من له أقل عن ذلك لم يجز القِصاص؛ لأنها فوق حقِّه، وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه؟ فيه وجهان؛ قاله في المبدع.
(ولا) تؤخذ يدٌ أو رِجلٌ (ذات أظفار بما لا أظفار لها) لزيادتها على حقِّه (ولا بناقصة الأظفار، رضي الجاني) بذلك (أو لا) لما تقدم من أن الدماء لا تُستباح بالإباحة (فلو قطع من له خمسُ أصابعَ يدَ من له أربع) أصابع فأقل (أو قطع من له أربعُ) أصابعَ (يدَ من له ثلاث) أصابعَ فأقل؛ فلا قِصاص؛ لعدم المساواة (أو قطع ذو اليد الكاملة يدًا فيها إصبعٌ شلَّاءُ فلا قِصاص) لعدم المساواة.
(وإن كانت المقطوعة) من يد أو رجل (ذات أظفار، إلَّا أنها) أي:
الأظفار (خضراء أو مُسْتَحْشِفَةُ
(1)
) أي: رديئة (أخذت بها السليمة) كما يؤخذ الصحيح بالمريض.
(ولا يؤخد لسانٌ ناطق بـ) ـلسان (أخرسَ) لنقصه (ولا) يؤخذ (ذَكَر صحيح بأشلَّ، ولا ذَكَرُ فحلٍ بذَكَر خصيٍّ أو عِنِّين) لأنه لا نفع فيهما؛ لأن الخصي لا يولد له ولا يُنْزِل ولا يكاد العِنِّين أن يقدر على الوطء، فهما كالأشل (ويؤخذ مارِن الأشمِّ الصحيحُ بمارِن الأخشم) الذي لا يجد رائحة شيء؛ لأن عدم الشم لعِلَّة في الدماغ، ونفس الأنف صحيح؛ فوجب أخذ الأخشم به لأنه مثله (و) يؤخذ مارِن الصحيح بـ (ـالمخرُوم) وهو المقطوع وَتَر أنفه (و) بـ (ـالمُسْتَحْشِف (
(1)
)، وهو الرديء) لأن ذلك مرض؛ ولأنه يقوم مقام الصحيح، (و)
تؤخذ (أذنُ سميعٍ صحيحةٌ بأذن أصم شلاء)
لأن العضو صحيح، ومقصوده الجمال لا السمع، وذهاب السمع لنقص في الرأس؛ لأنه محله، وليس بنقص في الأذن.
(ويؤخذ معيبٌ من ذلك) المذكور (كلِّه بصحيح) لأنه رضي بدون حقِّه، كما لو رضي المسلِمُ بالقَوَد من الذميِّ، والحُر من العبد (و) يؤخذ معيب من ذلك كلِّه بـ (ـمثله) لحصول المساواة (فتؤخذ الشلَّاء) من يد أو نحوها (بالشلَّاء إذا أُمِن مِن قَطْع الشلَّاء التَّلَف) بأن يسأل أهل الخبرة، فإن قالوا: إنها إذا قُطعت لم تفسد العروق، ولم يدخل الهواء، أُجيب إلى ذلك، وإن قالوا: يدخل الهواء في البدن فيفسد، سقط القِصاص.
(وتؤخذ الناقصة بالناقصة؛ إذا تساوتا فيه) أي: في النقص (بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه) لحصول المماثلة.
(فإن اختلفا) في النقص (فكان المقطوع من يد أحدهما الإبهامَ،
(1)
المستحشف: المنقبض اليابس، مأخوذ من حشف التمر. النظم المستعذب (2/ 237).
والمقطوع من الأخرى إصبعٌ غيرها) كالسبابة (لم يجز القِصاص) لعدم المساواة.
(ولا يجب له) أي المجني عليه (إذا أخذ المعيب بالصحيح وأخذ الناقص بالزائد مع ذلك) الأخذ (أرْشٌ) لأن الأشل كالصحيح في الخِلقة، وإنما نقص في الصفة؛ ولأن الفعل الواحد لا يوجب مالًا وقودًا.
(وإن اختلفا) أي: الجاني وولي الجناية (في شلل العضو وصحته) بأن قال الجاني: كان أشل، وأنكره وليُّ الجناية (فالقول قول وليِّ الجناية مع يمينه) وكذا لو اختلفا في نقص العضو بغير شلل؛ لأن الظاهر السلامة.
(وظُفرٌ كسِنٍّ في انقلاع و) في (عود) على ما سبق تفصيله.
(وإن قطع) الجاني (بعضَ لسان، أو) بعض (مارِن، أو) بعض (شَفَة، أو) بعض (حشفة، أو) بعض (ذَكَر، أو) بعض (أُذن؛ قُدِّر بالأجزاء، كـ: نصف، وثلث، وربع، وأُخذ منه مثل ذلك) لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}
(1)
؛ ولأنه يؤخذ جميعه بجميعه، فأُخذ بعضه ببعضه و (لا) يؤخذ (بالمِساحة) لئلا يُفضي إلى أخذ جميع عضو الجاني ببعض عضو المجني عليه.
فصل
(النوع الثاني
(2)
: الجِراح)
للآية والخبر
(3)
(فيُقتَصُّ في كل جُرح ينتهي إلى عَظْم، كالمُوضِحة في الوجه والرأس، وجرح العضد والساعد
(1)
سورة المائدة، الآية:45.
(2)
النوع الأول هو الأطراف، وقد تقدم ص/ 289.
(3)
هو حديث عمرو بن حزم، وسيأتي تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
والفخذ والساق، والقدم) لأنه يمكن استيفاؤه من غير حَيف ولا زيادة؛ لانتهائه إلى عَظْمٍ؛ أشبه قطع الكف من الكوع؛ ولأن الله نصَّ على القِصاص في الجروح، فلو لم يجب في كل جرح ينتهي إلى عَظْمٍ سقط حكم الآية.
(ولا يُستوفى القِصاص فيما دون النفس بالسيف) لخوف التعدي (ولا) يُستوفى (بآلة يُخشى منها الزيادة) لأنها عدوان (وسواءٌ كان الجُرح بها) أي: بالآلة التي يُخشى منها الزيادة (أو بغيرها) لحديث: "إنَّ الله كَتب الإحسان على كل شيءٍ"
(1)
.
(فإن كان الجرح موضِحة، أو ما أشبهها فـ) ـإنه يُستوفى (بالموسى، أو حديدة ماضية مُعدَّة لذلك) لا يُخشى منها الزيادة.
(ولا يَستوفي) ذلك (إلا من له عِلْم بذلك، كالجرائحيِّ ومن أشبهَه) ممن له خبرة بذلك (فإن لم يكن للوليِّ عِلْم بذلك أُمِرَ بالاستنابة) لأنه أحد نوعي القِصاص، كالنفس.
(ولا يُقتصُّ في غير ذلك) أي: في غير جرح ينتهي إلى عَظمٍ (من الشِّجاج والجروح، كما دون المُوضِحة) كالباضعة (أو أعظم منها) أي: المُوضِحة (كالهاشمة، والمُنقِّلة، والمأمومة) وأم الدماغ؛ لأنه ليس له حَدّ ينتهي إليه، ولا يمكن الاستيفاء من غير حَيْف.
(وله أن يَقتصَّ فيهنَّ) أي: في الهاشمة وما بعدها (موضِحة) لأنه يقتصر على بعض حقّه، ويقتصّ من محل جنايته؛ فإنَّه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني فيه؛ لأن سكين الجاني وصلت العظم، ثم تجاوزته، بخلاف قاطع الساعد، فإنَّه لم يضع سكينه في الكوع.
(1)
تقدم تخريجه (2/ 25) تعليق رقم (2).
(ويجب له) إذا اقتصَّ موضِحة والجناية فوقها (ما بين دية المُوضِحة ودية تلك الشَّجَّة) لأنه تعذَّر فيه القِصاص، فوجب الأرْش، كما لو تعذَّر في جميعها. وفارق الشلَّاء بالصحيحة، فإن الزيادة ثَمَّ من حيث المعنى، وليست متميزة، بخلاف مسألتنا.
(فيأخذ في الهاشمة خمسًا من الإبل) لأنه التفاوت بينها وبين الموضحة (و) يأخذ (في المُنقِّلَةِ عشرًا) من الإبل؛ لأنه ما بين الموضحة والمُنقِّلة (وفي المأمومة) وأم الدماغ (ثمانية وعشرين) بعيرًا (وثلثًا) من بعير؛ لأن الواجب فيهما ثلث الدية، فإذا سقط منها دية مُوضِحة خمس؛ بقي ذلك.
(و
يُعتبرُ قَدْرُ الجُرح بالمِساحة دون كثافة اللَّحْم)
لأن حدَّه العظم، والناس يختلفون في قِلَّة اللحم وكثرته، فلا يُمكن اعتباره.
(فلو أوضح) الشَّاجُّ (إنسانًا في بعض رأسه) و (مقدارُ ذلك البعض جميعُ رأسِ الشَّاجِّ وزيادة، كان له) أي: المشجوج (أن يوضِحه في جميع رأسه) لتحصُل المماثلة بحسب الإمكان؛ ولأن الجميع رأس (ولا أرْش له) أي: للمشجوج (للزائد) لئلا يجتمع في عضو واحد قِصاص ودية.
(وإن أوضح) الجاني (كلَّ الرأس، ورأسُ الجاني أكبر) من رأس المجني عليه (فله قَدْرُ شَجَّته، من أي جانب شاء المُقتصُّ) لأن الجميع محلُّ الجناية و (لا) يستوفي (من جانبين جميعًا؛ لأنه يأخذُ موضِحتين بمُوضِحةٍ) وذلك حَيْف.
(وإن كان رأسُ المجني عليه أكبر، فأوضحه الجاني في مقدِّمه ومؤخَّره مُوضِحتين، قَدْرُهما قَدْرُ جميعِ رأس الجاني، فله) أي: المقتصّ (الخيار بين أن يوضِحه موضِحة واحدةً في جميع رأسه) لأن الجميع رأسٌ
(أو يوضحه موضحتين يقتصُّ
(1)
في كل واحدة منهما عن قَدْر موضِحته) لأن الحق في الزائد له، وقد تركه (ولا أرش) للمقتصّ (لذلك) المتروك؛ لأنه ترك الاستيفاء مع إمكانه.
(وإن كانت الشَّجَّة بقَدْرِ بعض الرأس منهما) أي: من الجاني والمجني عليه (لم يَعْدِل عن جانبها إلى غيره) لأنه أمكنه أن يستوفي ما وجب له، فلم يجز له العدول إلى غيره.
(وإذا أراد الاستيفاء من مُوضِحة وشِبهها) من الجروح المنتهية إلى عَظْمٍ (فإن كان على مَوْضِعِها شَعْرٌ أزاله) بحَلْقٍ أو غيره؛ ليتمكن من الاستيفاء (ويعمِدُ إلى موضع الشَّجَّة من رأس المشجُوج، فيُعلِّم طولَها وعَرْضها بخشبة أو خَيْط) ليعلم، حتَّى يقتصّ من الجاني مثله (ثم يضعها) أي: الخشبة أو نحوها (على رأس الشَّاجّ، ويُعلِّم طرفيه) أي: الموضوع على رأس الجاني من خشبة أو نحوها (بسواد أو غيره، ثم يأخذ حديدةً عرضها كعرض الشَّجَّة فيضعها في أول الشجة ويحزّها
(2)
إلى آخرها، فيأخذ مثل الشَّجَّة طولًا وعرضًا) لأن القِصاص يعتمد المماثلة (ولا يُراعى العمق) لأن حدَّه العظمُ، ولو رُوعي لتعذَّر الاستيفاء؛ لأن النَّاس يختلفون في قِلَّة اللحم وكثرته، كما سبق.
فصل
(وإن اشترك جماعةٌ في قَطعِ طرفٍ، أو) في (جُرْحٍ موجِب للقِصاص، حتَّى ولو في مُوضِحة، وتساوت أفعالهم، فلم يتميز فِعْلُ
(1)
في "ح" و"ذ": "يقتصر".
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 137): "يجرها".
أحدهم عن فِعْلِ الآخر، مثل أن يضعوا حديدةً على يده ويتحاملوا عليها جميعًا حتَّى تَبين) أي: تنفصل اليد (أو يشهدوا بما يوجب قطعه) كسرقة (فَيُقطع، ثم يرجعوا عن الشهادة، أو يُكرِهوا إنسانًا على قَطع طَرَفٍ) فيقطعه (فيجب قَطْع المكرِهين والمكرَه) كما يُقتلون بالنفس (أو يُلقوا صخرةً على طرف إنسان فتقطعه) الصخرة (أو يمُدُّوها) أي: اليد ونحوها (فتبين) بالمَدِّ (ونحوه) أي: نحو ما ذكر، كما لو ألقموها لسبع أو نحوه (فعليهم كلهم القِصاص) لقول علي للشاهدَين:"لو عَلِمتُ أنكما تعمَّدتما لقطعتكما"
(1)
، فأخبر أن القِصاص على كلٍّ منهما لو تعمَّدا؛ ولأنه أحد نوعي القِصاص، فتؤخذ الجماعة بالواحد، كالنفس. وفي "الانتصار": لو حلف كلٌّ منهما: لا يقطع يدًا، حَنِثَ بذلك وعنه
(2)
: لا قَوَد؛ لأنه لا تساوي بين طرف وأطراف. وفي "الرعاية" بعد ذكر الخلاف: وعلى كلِّ واحد دية الطَّرَف والجُرح، كما لو قطع كل إنسان من جانب أو في وقت. قال ابن حمدان: ويحتمل أن يشتركوا في ديته. اهـ. قلت: هذا الاحتمال هو قياس ما تقدَّم في النفس
(3)
.
(وإن تفرَّقت أفعالهم) أي: القاطعين (فَقَطَع كلُّ إنسانٍ من جانب، أو قطع أحدُهم بعضَ المَفصِل وأتمَّه غيرُه) بأن قطع الباقي (أو ضرب كلُّ واحد) منهم على حديدة أو نحوها وضعت على اليد أو نحوها (ضربةً حتى انفصلت، أو وضعوا منشارًا على مَفْصِل، ثم مدَّه
(4)
كلُّ واحد إليه مرة حتَّى بانت اليد) أو نحوها (فلا قِصاص) لأن كل واحد منهم لم يقطع
(1)
تقدم تخريجه (13/ 219) تعليق رقم (3).
(2)
انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 255)، والإرشاد إلى سبيل الرشاد ص/ 453.
(3)
(13/ 228 - 229).
(4)
في متن الإقناع (4/ 138): "مَرَّه".
اليد ولم يشارك في قطع جميعها.
(وسراية الجناية) مضمونة (كهي) أي: كالجناية (في القَوَد، والدية في النفس ودونها) لأن السراية أثر الجناية، والجناية مضمونة، فكذا أثرها (حتَّى لو اندمل الجرحُ فاقتصّ) المجنيُّ عليه (ثم انتقض) الجُرح (فسرى) كانت سرايته مضمونة؛ لأنه لا إعراض من المجني عليه؛ لاعتماده على الظاهر.
(فلو قطع إصبعًا فتآكلت أخرى إلى جانبها، وسقطت من مَفْصِل) وجب القِصاص (أو) قطع إصبعًا فـ (ـــتآكلت اليد، وسقطت من الكوع) أو المَرفِق (وجب القِصاص في ذلك) لأن ما وجب فيه القَوَد بالجناية وجب بالسراية، كالنفس، وفارق ما لو رمى سهمًا إلى شخص فمَرق منه إلى آخر؛ لأن ذلك فعل وليس بسراية، ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته؛ وجب القِصاص.
(وإن شَلَّ) بفتح الشين، وقيل بضمها، أي: فسد العضو وذهبت حركته بالسراية (ففيه ديته دون القِصاص) لعدم إمكان القِصاص في الشلل، فيضمن بما يضمن به، كما لو لم يكن معه قطع.
(وسرايةُ القَوَد غيرُ مضمونة) لما روي سعيد أن عُمر وعليّ بن أبي طالب قالا: "من مات من حدٍّ أو قصاصٍ لا دية له، الحَقُّ قَتَلَهُ"
(1)
؛ ولأنه
(1)
لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (9/ 343)، والبيهقي (8/ 68)، من طريق عبيد بن عمير، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، به.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 457) رقم 18006، عن قتادة، عنهما، بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق (9/ 457) رقم 18004، وابن أبي شيبة (9/ 341)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلي (11/ 22)، عن ابن المسيب، عن عمر رضي الله عنه. =
قطعٌ مستحَق فلا تضمن سرايته، كقطع السارق، ولا فَرْق بين سرايته إلى النفس أو ما دونها.
(فلو قَطَع) المجنيُّ عليه (اليدَ قِصاصًا، فمات الجاني؛ فَهَدْرٌ) لأنه مستحَق له (لكن لو اقتصَّ) المجنيُّ عليه (قهرًا) على الجاني (مع حَرٍّ أو بَرْدٍ، أو بآلة كالَّة أو مسمومة ونحوه) كما لو حرق العضو المستحق له، فسرى، فمات (لزمه بقية الدية) يعني أنَّه يضمن دية النفس منقوصًا منها دية ذلك العضو الَّذي وجب له القصاص فيه، فلو وجب له في يد كان عليه نصف الدية، وإن كان في جفن كان عليه ثلاثة أرباعها وهكذا.
(ويحرم أن يقتصَّ من طرف قبل بُرئه) لما روي عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أنَّ رجلًا طَعَن رجلًا بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني. فقال: حتَّى تبرأ، ثم جاء إليه، فقال: أقدني، فأقاده، ثم جاء إليه، فقال: يا رسول الله عرجت، فقال: قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله وبَطَل عرجك، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقْتصّ من جرح حتَّى يبرأ" رواه أحمد والدراقطني
(1)
؛ ولأن الجرح لا يُدرى أيؤدي إلى القتل أم لا؟ فوجب أن يُنْتَظَر ليعلم حكمه.
= وأخرجه عبد الرزاق (9/ 457) رقم 18005، وابن أبي شيبة (9/ 341 - 342)، والبيهقي (8/ 68)، من طرق عن علي رضي الله عنه، بنحوه.
وأخرج البخاري في الحدود، باب 4، رقم 6778، ومسلم في الحدود، رقم 1707، عن علي رضي الله عنه قال: ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه.
(1)
أحمد (2/ 217)، والدارقطني (3/ 88، 90). وأخرجه -أيضًا- البيهقي (8/ 67 - 68)، والحازمي في الاعتبار ص /455، 458، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 316) حديث 1784.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 295 - 296): رجاله ثقات.
(فإن فعل) أي: اقتصّ للطرف قبل برئه (سقط حقُّه من سرايته، فلو سرى) الجُرح بعد (إلى نفسه) فهَدْرٌ؛ للخبر (أو سرى القِصاص إلى نفس الجاني، فهَدْرٌ) وتقدم.
(وإن قطع) جانٍ (يدَ رجُلٍ من الكوع، ثم قَطَعها) جانٍ (آخر من المَرِفق، فمات) أي: المجني عليه (بسرايتهما) أي: القَطْعَين (فللوليِّ قَتْلُ القاطعين) لأنهما قاتلان؛ لأن سراية الجناية مضمونة بالقود، كما سبق.
كتاب الديات
كتاب الديات
(وهي جمع دِيَةٍ) مخفَّفة. وأصلها وَدْيٌ، والهاء بدل من الواو، كالعدّة من الوعد، والزِّنَة من الوزن، يقال: وديتُ القتيلَ أديه ديةً: إذا أعطيت ديته، وايتديت
(1)
: إذا أخذت الدية.
(وهي) في الأصل مصدر سُمِّي به (المال المؤَدَّى إلى مَجْنيٍّ عليه أو وليِّه بسبب جناية) كالخلق بمعنى المخلوق.
وهي ثابتة بالإجماع
(2)
، وسنده قوله تعالى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}
(3)
وفي الخبر: "في النفسِ مائة من الإبلِ"
(4)
.
(كل من أتلف إنسانًا) ذكرًا أو أنثى (مسلِمًا أو ذميًّا أو مستأمنًا أو مهادنًا، بمباشرة) لإتلافه (أو سبب) كشهادة عليه، أو إكراه على قتله، أو حفر بئر تعديًا (عمدًا، أو خطأً، أو شِبْه عمد؛ لزمته ديته) لقوله صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى أهل اليمن كتابًا في الفرائض والسُّنن والديات: "في النَّفْسِ مائَةٌ مِنَ الإبل" رواه مالك والنسائي من حديث عَمرو بن حَزْم
(5)
. قال ابن
(1)
كذا في الأصول "ايتديت" والصواب "اتَّدَيت"كاتصل واتسر واتقي، فإن فاء افتعل إن كان واوًا أو ياءً أُبْدِلَت تاء وأُدْغِمَت في تاء الافتعال، انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (2/ 454 - 445).
(2)
الإجماع لابن المنذر ص/ 147، والإشراف له 2/ 133، ومراتب الإجماع لابن حزم ص/ 229، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان 4/ 1957.
(3)
سورة النساء، الآية:92.
(4)
سيأتي تخريجه قريبًا.
(5)
مالك في الموطأ (2/ 849) مرسلًا، والنسائي في القسامة، باب 46 - 47، حديث، 4868 وفي الكبري (4/ 245) حديث 7058. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= المراسيل ص/ 213، حديث 259، والدارمي في الديات باب 11 - 12، 15 - 17، حديث 2369 - 2371، 2376، 2378، 2380، وابن حبان "الإحسان"(14/ 501) حديث 6559، والحاكم (1/ 395 - 397)، والبيهقي، (4/ 89، 8/ 73، 88 - 89، 95، 97)، وابن عبد البر فى التمهيد (17/ 339 - 340) كلهم من طريق الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابًا فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم، فقرئت على أهل اليمن، هذه نسختها: من محمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبدكُلال، ونُعَيم بن عبدكلال، والحارث بن عبدكلال، قَيْل ذي رُعين ومعافر وهمدان، أما بعدُ، وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قَوَد، إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الديةُ، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المُنقَّلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وأن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار.
قال أبو داود: وهم فيه الحكم. وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 455): الحكم بن موسى لم يضبطه.
وأخرجه أبو داود في مراسيله ص / 213، حديث 258، والنسائي في القسامة، باب 46 - 47، حديث 4869، وفي الكبرى (4/ 245) حديث 7059، من طريق محمد بن بكار، عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن أرقم -بدل سليمان بن داود- عن الزهري، به.
وقال النسائي: وهذا أشبه بالصواب -والله أعلم- وسليمان بن أرقم متروك الحديث.
وقال أبو داود: والذي قال: سليمان بن داود، وهم فيه.
ونقل ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1/ 411) عن أبي الحسن الهروي، وأبي زرعة الدمشقي، وابن منده بأن الصواب: سليمان بن أرقم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه عبد الرزاق (9/ 306، 316، 338) حديث 17314، 17358، 17457، ومن طريقه ابن خزيمة (4/ 19) حديث 2269، وابن الجارود (3/ 95 - 96) حديث 784، 786، والدارقطني (3/ 210)، عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده.
وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 849)، ومن طريقه النسائي في القسامة، باب 46 - 47، حديث 4872، وفي الكبرى (4/ 246) حديث 7062، والشافعي في الأم (6/ 75 - 76)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 108 - 110)، والبيهقي (8/ 73، 81 - 82، 87، 91)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 100، 112) حديث 16019، 16078، والبغوي في شرح السنة (10/ 192) حديث 2538، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، مرسلًا.
وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 211، حديث 257، والنسائي في القسامة، باب 46 - 47، حديث 4870 - 4871، والبيهقي (8/ 80 - 81)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 319) حديث 1792 عن الزهري، وأخرجه ابن أبي شيبة:(9/ 159)، والدارقطني (3/ 209)، والبيهقي (8/ 87 - 88، 93) عن محمد بن عمارة، كلاهما -أي الزهري ومحمد بن عمارة- عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مرسلًا.
وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 213، حديث 260 من طريق محمد بن إسحاق، وعبد الرزاق (4/ 4) حديث 6793 من طريق معمر، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 108)، والبيهقي (8/ 73)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 100) حديث 16020 من طريق ابن جريج، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، مرسلًا.
وقد اختلف العلماء في تضعيف هذا الحديث وتصحيحه، وردّه وقبوله. فقال أبو داود: أسند هذا ولا يصح. ونقل ابن عدي في الكامل (3/ 1123) عن يحيى بن معين: سليمان بن داود ليس يُعرف، ولا يصح هذا الحديث.
وقال ابن حزم في المحلى (6/ 13، 63): صحيفة عمرو بن حزم منقطعة مرسلة لا تقوم بها حجة.
وقال ابن عدي (3/ 1123): سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن حديث الصدقات: هذا الذى يرويه يحيى بن حمزة أصحيح =
عبد البَرِّ
(1)
: هو كتاب مشهور عند أهل السِّيَرِ، ومعروفٌ عند أهل العِلم، معرفةً يُستغنى بشهرتها عن الإسناد، أشبه المتواتر (إما في ماله) أي: القاتل (أو على عاقلته، على ما سيأتي) تفصيله بقوله:
(فإن كان) القتل (عمدًا محضًا فهي) أي: الدِّية (في مال الجاني) لأن بدل المتلَف يجب على المتلِف، وأرش الجناية على الجاني، قال صلى الله عليه وسلم:"ولا يَجْني جَان إلا على نَفْسِهِ"
(2)
؛ ولأن العامد لا عُذْر له،
= هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحًا. ومال إلى تحسينه كلٌّ من: عثمان الدارمي في روايته تاريخ ابن معين ص/ 123، رقم 386، وابن عدي في الكامل (3/ 1124)، والبيهقي في سنن الكبري (4/ 90).
وقال الشافعي في الرسالة ص/ 422: لم يقبلوا هذا الحديث حتَّى ثبت عندهم أنَّه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الفسوي -كما في تنقيح التحقيق (1/ 132) -: لا أعلم في جميع الكتب كتابًا أصح من كتاب عمرو بن حزم، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون يرجعون إليه ويدَعون آراءهم.
وقال العقيلي (2/ 128): والكلام الَّذي في حديث سليمان بن داود لا أرفعه، وهو عندنا ثابت محفوظ -إن شاء الله تعالى- غير أنا نرى أنَّه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري. والله أعلم.
وقال الحاكم: هذا حديث كبير مفسر في هذا الباب يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزهري، بالصحة، كما تقدم ذكري له.
(1)
التمهيد (17/ 338).
(2)
أخرجه الترمذي في الفتن، باب 2، حديث 2159، وفي تفسير القرآن، باب 9، حديث 3087، والنسائي في الكبري (2/ 444) حديث 4100، وابن ماجَهْ في الديات، باب 26، حديث 2669، وفي المناسك، باب 76، حديث 3055، وابن أبي شيبة (15/ 26)، وفي المسند (2/ 55 - 56) حديث 561 - 562، وأحمد (3/ 499)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 203 - 204)، والطبراني في الكبير (17/ 31 - 32) حديث 58 - 59، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2003) حديث =
فلا يستحق التخفيف، ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ (حالَّة) كالقِصاص وأرْش أطراف العبد؛ ولأن القاتل غير معذور، بخلاف شِبه العمد.
(و) دية (شِبه العَمْد والخطأ وما أُجْرِيَ مُجْراه) أي: الخطأ، كانقلاب النائم على إنسان فيقتله، وحفر البئر تعديًا فيقع فيه، فيموت به (على عاقلته) مؤجَّلة على ثلاث سنين كما يأتي؛ لحديث أبي هريرة:"اقتتلت امرأتان مِن هُذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجرٍ، فقتلتْها وما في بطنِها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها" متفق عليه
(1)
، وحكاه ابن المنذر إجماعًا في الخطأ
(2)
.
والحكمة فيه: أن جنايات الخطأ تكثر، ودية الآدمي كثيرة، فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل، والإعانة له تخفيفًا؛ لأنه معذور.
و (لا يلزمه) أي: القاتل (شيءٌ منها) أي: الدِّية؛ للخبر السابق، فإنه يقتضي أنَّه حكم عليهم بجميع الدية.
(فإن كان المُتْلَف
(3)
جزءًا من الإنسان، فسيأتي) بيان ديته، ويأتي بيان ما تحمله العاقلة منه (في باب العاقلة إن شاء الله) تعالى مفصَّلًا.
= 5032 - 5033 والبيهقي (8/ 27)، والمزي في تهذيب الكمال (21/ 539 - 540) في حديث طويل عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1)
البخاري في الطب، باب 46، حديث 5758 - 5759، وفي الفرائض، باب 11، حديث 6740، وفي الديات، باب 25 - 26، حديث 6904، 6909 - 6910، ومسلم في القسامة، حديث 1681.
(2)
الإجماع ص/ 151.
(3)
في "ذ": "التالف".
(فإذا ألقاه على أفعىً) وهي حَيَّةٌ معروفة، والأكثر على صَرْفها، كعصًا، وقيل: تُمنع من الصرف لوزن الفعل، وشبهها بالمشتق، وهو تصوُّرُ أذاها (أو ألقاها) أي: الأفعى (عليه، فقتلته) فعليه ضمانه؛ لأنه أتلف بعدوانه، كالمباشرة.
(أو طلبه بسيف مجرَّد) من غمده (ونحوِه) أي: نحو السيف (أو) طلبه بـ (ـما يُخِيف، كَلُتٍّ ودَبُّوس، فهرب منه، فتلف في هربهٍ، بأن سقط من شاهق، أو انخسف به سقف أو خرَّ في مَهْواةٍ من بئر أو غيره، أو سقط فتلِف، أو لقيه سبع) أو نحوه (فافترسه، أو غرق في ماء، أو احترق بنار، سواء كان المطلوب صغيرًا أو كبيرًا، أو أعمى أو بصيرًا، عاقلًا أو مجنونًا) فعليه ضمان ما لا تحمله العاقلة؛ لأنه هلك بسبب عدوانه فضمنه. قال في "الترغيب" و"البلغة": وعندي: ما لم يتعمَّد إلقاء نفسه مع القطع بتلفه؛ لأنه كمباشرة
(1)
. قال في "الفروع": ويتوجَّه أنه مراد غيره. قال في "الإنصاف": الذي ينبغي أن يجزم به أنه مُراد الأصحاب، وكلامهم يدلُّ عليه.
(أو روَّعه، بأن شهر السيف في وجهِهِ، أو دلَّاه من شاهق، فمات من روعته، أو ذهب عقلُهُ) فعليه ضمانه؛ لما سبق.
(أو حفر بئرًا محرَّمًا حَفْرُها في فِنائِهِ، أو) في (فِناء غيره، أو في طريق) ولو واسعًا (لغير مصلحة المسلمين، أو في ملك غيره بغير إذنه) أي: صاحب الملك فتلِفَ بها إنسان؛ فعليه ضمانه؛ لأنه تلف بعدوانه، أشبه ما لو تلف بجنايته.
(أو وضع حَجَرًا) في طريق فتلِف به إنسان، فعليه ضمانه؛ لتعديه،
(1)
في "ذ": "كالمباشر".
إن لم يضعه لنفع المسلمين، بأن وضعه بطينٍ ليطأ عليه الناس (أو رماه) أي: الحجر (أو) رمى (غيره من منزله) أو غيره فتلف به شيء؛ ضمنه.
(أو حَمَل بيده رُمحًا جعله) أي: الرمح (بين يديه، أو خلفه) فتلف به شيء؛ ضَمِنه (لا) إن كان الرمح (قائمًا في الهواء وهو يمشي) فلا يضمن ما تلف به (لعدم تعديه.
فأتلف) ما تقدم (إنسانًا أو غيره) من حيوان أو غيره؛ ضمنه.
(أو صَبَّ ماءً في طريق، أو) صَبَّ ماءً في (فِنائه) أي: ما اتَّسع حول داره (أو رمى قِشْرَ بِطِّيخ، أو) قِشْر (خِيار، أو) قِشْر (باقِلَاء) ونحوه (في طريق) فتلف به شيء، ضمِنه.
(أو بال) في طريق (أو بالت دابتُه في طريق ويدُه عليها، راكبًا كان أو ماشيًا، أو قائدًا، فتلِفَ به إنسانٌ، أو ماشيةٌ، أو تكسَّر منه عضو، فعليه ضمان ما لا تحمله العاقلة) كالعبد والبهائم وما دون ثلث الدية، وماعدا ذلك على عاقلته، كما لو جنت بيدها أو فَمِها؛ قاله الأصحاب.
وفي "الشرح": قياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك، أي: ببول الدابة في الطريق، وكما لو سَلَّم على غيره، أو أمسك يده حتى مات؛ لعدم تأثيره؛ ولأنه لا يمكن التحرز منه، كما لو أتلفت برِجْلها، ويفارق ما إذا أتلفت بيدها أو فَمِها؛ لأنه يمكنه حفظها.
(وإن حَفَر) إنسانٌ (بئرًا، أو نَصَبَ سكِّينًا، ووضع آخرُ حَجَرًا) ونحوه (فعثر به إنسان، أو دابة، فوقع في البئر، أو على السكِّين، ضَمِن واضع الحجرِ المالَ) حيوانًا كان أو غيره (وعلى عاقلته دِية الحُر) لأن الحجر (كدافع) ولأن الوضع متأخّر عن الحفر والنصب، وعُلم منه: أنه لا ضمان على الحافر والناصب إذًا؛ لأن واضع الحجر قطع تسببهما،
ولا قِصاص على واضع الحجر؛ لأنه لم يقصد القتل عادة لمعين، بخلاف مُكرَه (إذا تعديا) أي: الحافر وواضع الحجر.
(وإلا) يعني: وإن تعدَّى أحدُهما وحده (فـ) ـالضمان (على متعدٍّ منهما) لتعديه.
وإن لم يتعديا ولا أحدهما؛ بأن كانت البئر في ملكه، أو موات، أو في طريق واسع لنفع المسلمين بلا ضرر، ووضع الحَجَرَ بطينٍ ليطأ الناسُ عليه، فلا ضمان عليهما؛ لعدم العدوان.
(وإن أعمق) إنسانٌ (بئرًا قصيرة ولو) كانت (ذراعًا فحفرها إلى القَرار، ضَمِنَا التالفَ بينهما إن كان) التالف (مالًا، ودية الحُرِّ على عاقلتيهما) لأن السبب حصل منهما، وكما لو جَرَحه واحدٌ جُرحًا، وآخر مائة (ف
إن) حفر إنسان بئرًا وعمَّقها آخر
و (وضع آخر فيها سِكِّينًا، فـ) الضمان عليهم (أثلاثًا) لتسببهم.
(وإن حَفَرها) أي: البئر (بملكه، أو وضع فيها) أي: في بئر بملكه (حَجَرًا أو حديدةً وسترها) ليقع فيها أحد (فمن دخل بإذنه وتَلِف بها؛ فالقَوَد) لأنه أتلفه، كما لو قَدَّم له طعامًا مسمومًا فأكله.
(وإلا) أي: وإن دخل بغير إذنه (فلا) ضمان (كـ) ـما لو كانت البئر (مكشوفةً بحيث يراها) الداخل (إن كان بصيرًا) لأنه الجاني على نفسه، كآكل السَّمِّ عالمًا به (أو) كان ضريرًا و (دخل بغير إذنه) فلا ضمان؛ لأنه لم يتسبب في الجناية عليه.
(وإن كان الداخل) بالإذن (أعمى، أو كان بصيرًا لكن في ظُلْمةٍ لا يُبصرُها) أي: البئر (ضَمِنـ) ـه الآذن؛ لتسببه في هلاكه.
(وإن قال صاحبُ الدار: ما أذنتُ له في الدخول، وادَّعى وليُّ
الهالك أنه أذن له) في الدخول (فقول المالك) لأنه مُنكِرٌ، والأصل عدم الإذن.
(وإن قال) صاحبُ الدار: (كانت) البئرُ (مكشوفةً) بحيث يراها (وقال الآخرُ) وهو وليُّ الهالك: (كانت مغطَّاةً، فقولُ وليِّ الداخل) بيمينه؛ لأن الظاهر معه، إذ لو كانت مكشوفة بحيث يراها لم يسقط فيها.
(وإن تَلِفَ أجيرٌ لحفرها) أي: البئر (بها، أو دعا من يحفر
(1)
له بداره أو بمعدِن فمات بهدم؛ فَهَدْرٌ) لأن المستأجر لم يحصُل منه في ذلك مباشرة ولا تسبَّب، وكذا أجير لبناء أو هدم حائط.
(وإن حَفَر بئرًا في ملكه، أو) حفرها (في ملك غيره بإذنه، فلا ضمان عليه) بسبب الحفر؛ لأنه لم يتعدَّ به (وكذلك إن حَفَرها) أي: البئر (في موات) لِتَمَلُّكٍ، أو ارتفاقٍ، أو نفع المسلمين (أو وضع حجرًا) بطين ليطأ عليه الناس، أو وضعه في موات (أو نصب شَرَكًا أو شبكة أو مِنجلًا ليصيد بها) فتلف بذلك شيء، فلا ضمان؛ لعدم تعديه.
(وإن فعل شيئًا من ذلك) بأن حفر البئر، أو وضع الحجر لا ليطأ عليه الناس بطين، أو نصب شَرَكًا أو شبكة أو مِنجلًا (في طريق ضيّق، فعليه ضمان ما تَلِف به، أذن له الإمام) في ذلك (أو لم يأذن) فيه؛ لأنه ليس له أن يأذن فيما فيه ضرر (ولو فعل ذلك الإمام، لضَمِن) ما يتلف به؛ لعدوانه.
(فإن كان الطريق واسعًا فحفرها) أي: البئر (في مكان منها يضر بالمسلمين) كقارعة الطريق (ضَمِن) ما تلف بها (وإن كان) حَفَرها في مكان (لا يضرُّ) بالمسلمين (وحَفَرها لنفسه، ضَمِن ما تَلِفَ بها) لأنه ليس
(1)
فى "ذ": "يحفرها".
له ذلك، وإن حَفَرها لنفع المسلمين في الطريق الواسع بلا ضرر؛ فلا ضمان، وتقدم.
(وإن حَفَرها) أي: البئر (في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه، ضَمِن ما تلف به) أي: بسبب حفره (جميعه) لتعدِّيه بالحفر (وتقدمت أحكام البئر في آخر الغصب
(1)
.
وإن غَصَبَ) أي: حبس (صغيرًا حرًّا) عن أهله (فنهشتْهُ حيَّةٌ، أو أصابته صاعقةٌ) نار تنزل من السماء فيها رعدٌ شديد (ففيه الدِّية) لأنه تلف في يده العَادِيَةِ.
(وإن كان) المغصوب (قِنًّا) فنهشته حيَّةٌ، أو أصابته صاعقة، أو تلف بغير ذلك (فـ) ـعلى الغاصب (القيمة) أي: قيمة الِقنِّ لمالكه؛ لأن القِنَّ تثبت عليه اليد.
(قال الشيخ
(2)
: ومثل ذلك) أي: نهش الحية وإصابة الصاعقة (كلُّ سبب يختصُّ البقعة، كالوباء وانهدام سقف عليه ونحوهما. اننهى) لأنه بحبسه منعه من الهرب.
(وإن مات) المغصوب (بمرض، أو) مات (فجأة؛ لم يضمن) الغاصب (الحُرَّ) لأنه لا تثبت عليه اليد، بخلاف القِنِّ.
(وإن قَيَّد حُرًّا مكلَّفًا وغَلَّهُ، فتلف بصاعقة، أو حيَّةٍ؛ وجبت الدِّيةُ) كما تقدم في الصغير.
(1)
(9/ 312 - 314).
(2)
الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (25/ 324).
فصل
(وإن اصطدم حُرَّانْ مكلَّفان بصيران، أو ضريران، أو أحدُهما) بصير والآخر ضرير (وهما ماشيان أو راكبان، أو راكب وماش، فماتا، فعلى عاقلة كلِّ واحدٍ منهما دية الآخر) رُوي عن عليٍّ
(1)
؛ لأن كل واحد منهما مات من صَدْمة صاحبه، وذلك خطأ، فكانت دِية كلٍّ منهما على عاقلة صاحبه (وقيل: بل) على عاقلة كلٍّ منهما (نصفُها) أي: الدية (لأنه هلك بفعلِ نفسه وفعل صاحبه، فَيُهدَرُ فِعلُ نفسِه، وهذا هو العَدْلُ، وكالمنجنيق إذا رجع
(2)
فقتل أحدَ الثلاثة) الرامين له، فإنه يهدر فعل نفسه، وجزم به في "الترغيب". وقَدَّم في "الرعاية": إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط؛ فلا ضمان، وعلى كل منهما كفَّارة في تركته.
(وإن مات أحدُ المتصادِمَين) دون الآخر (فدِيتُه كلُّها أو نصفُها على عاقلة الآخر) لما تقدم (على الخلاف) فإن قلنا فيما سبق: على عاقلة كل منهما دية الآخر، فالواجب هنا الدية كاملة، وإن قلنا: نصفُها هناك، فالنصف هنا.
(1)
أخرج عبد الرزاق (10/ 54) رقم 18328، عن الحكم، عن علي رضي الله عنه أن رجلين صدم أحدهما صاحبه، فضمن كل واحد منهما صاحبه، يعني الدية. وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 332) عن الحكم وإبراهيم النخعي، عن علي في الفارسين يصطدمان قال: يضمن الحي دية الميت. وأخرجه ابن المنذر في الأوسط [199/ ب؛ كما في أقضية الخلفاء الراشدين (1/ 598)]، عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قضى في فارسين يصطدمان ويموتان؛ يوديان. قال ابن المنذر: ليس يثبت ذلك عن علي.
(2)
في متن الإقناع (4/ 142): "رجع الحجر".
(وإن اصطدما عمدًا، ويقتلُ) ذلك الصدم (غالبًا، فـ) ـالقتل (عمدٌ، يلزم كلَّ واحد منهما دِيةُ الآخرٍ في ذِمَّته، فيقتصان
(1)
) ولا شيء على العاقلة؛ لأنها لا تحمل العمدَ، وعلى هذا، إن مات أحدهما وحدَه، فالقِصاص أو الدية في مال صاحبه.
(إلا) أي: وإن لم يكن الصدم يقتلُ غالبًا (فـ) ـهو (شِبه عَمْدٍ) فالدية على العاقلة، والكفَّارة في مال كل منهما.
(ولو تجاذَبا حبلًا ونحوَه) كثوب (فانْقطع) الحبلُ أو نحوه (فسَقَطَا فماتا؛ فكمتصادِمَين
(2)
سواء انكبَّا أو استلقيا، أو انكبَّ أحدُهما واستلقى الآخر، لكنَّ نصفَ دية المنكَبِّ على عاقلة المُستلقي مغلَّظة، ونصفَ دية المستلقي على عاقلة المُنْكَبِّ مخفَّفة) قاله في "الرعاية".
(وإن اصطدم قِنَّان ماشيان فماتا؛ فَهَدْرٌ) لأن قيمة كل واحد منهما وجبت في رقبة الآخر، وقد تلف المحلُّ الذي وجبت فيه، فذهبا هدرًا.
قلت: فإن كانا راكبين وهما بالغان، فكذلك، وإن كانا صغيرين، وأركبهما سيدهما لمصلحة، أو ركبا من عند أنفسهما، فكذلك، وإلا فعلى مُرْكِبِ كل منهما ضمان الآخر، وإن كان أحدهما صغيرًا والآخر كبيرًا فلكل حكمه.
(وإن مات أحدُهما) أي: أحد القِنَّين الماشيين المصطدمين (فقيمته في رَقَبَةِ الآخر) لأنّه مات بجنايته (كسائر جناياته.
وإن كانا) أي: المصطدمان (حرًّا وقنًا وماتا) بالصدم (ضُمِنتْ قيمةُ القِنِّ في تَرِكة الحُرٍّ) لأن العاقلة لا تحملها (ووجبت دية الحُرِّ كاملة في
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 142)"فيتقاصّان".
(2)
فى "ح": "فكمتجاذبين".
تلك القيمة) لتعلق جنايته برقبته، والقيمة قائمة مقامها، فإن تساويا؛ تقاصَّا، وإن كانت القيمة أكثر؛ سقط منها
(1)
بقدر الدية، وباقيها للسيد، وإن كانت الدية أكثر، فلا شيء عليه.
(وإن اصطدم امرأتان حاملان فماتتا، فكَرَجُلين) فإن كان عمدًا ويقتل غالبًا، فعلى كلٍّ منهما ديةُ الأخرى في ذِمَّتها، فيتقاصّان، وإلا فشِبْهُ عمدٍ.
(فإن أسقطت كل واحدةٍ منهما جنينًا
(2)
، فعلى كلِّ واحدةٍ) منهما (نصف ضمان جنينها، ونصف ضمان جنين صاحبتها) لمشاركتها في قَتْل الجنين (وعلى كلِّ واحدة) منهما في مالها (عِتْقُ ثلاثِ رِقاب، واحدةٌ لقتلٍ صاحبتها، واثنتان لمشاركتها في) قتل (الجنينين.
فإن أسقطت إحداهما دونَ الأخرى) وماتتا (اشتركتا في ضمانه) أي: الجنين، لاشتراكهما في قتله (وعلى كلِّ واحدةٍ منهما) في مالها (عِتْق رقبتين) رقبة لاشتراكهما في قتل الجنين، ورقبة لقتل كلٍّ منهما الأخرى، ودِية كلٍّ منهما على عاقلة الأخرى؛ إن لم يكن عمدًا يقتل غالبًا. ويأتي أن العاقلة تحمل الغُرَّة إذا سقط بجناية على أُمه ومات معها أو بعدها؛ لا قبلها.
(وإن كان المتصادمان راكبين فرسين، أو بغلين أو حِمارين، أو جَمَلين) أو فِيلين، أو نحوهما (أو) كان (أحدهما راكبًا فرسًا والآخر) راكبًا (غيره) وكانا (مُقبِلين) أي: كلُّ منهما مُقْبِلٌ على الآخر (أو مُدْبرِين) أي: ظَهرُ كلٍّ منهما للآخر (فماتت الدابتان، فعلى كلِّ واحدٍ منهما قيمةُ
(1)
في "ذ": "منهما".
(2)
في "ذ": "جنينها".
دابة الآخر، أو نصفُها، على الخلاف) السابق؛ لأنها ماتت بفعله أو مشاركته.
(وإن ماتت إحداهما) أي: إحدى الدابتين (فعلى الآخر قيمتهُا) أو نصفها، على الخلاف (وإن نقصت فعليه نقصُها) أي؛ إن نقصت دابة كلِّ منهما، فعلى الآخر أرْش نَقْصِها، وإن نقصت دابةُ أحدهما فعلى الآخر أرْش نقصِها.
(وإن كان أحدهما) أي: الراكبين (يسير بين يدي الآخر، فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما، فالضمان على اللاحق) لأنها تلفت بصدمه، وإن ماتا أو أحدهما فدية السابق على عاقلة اللاحق.
(وإن كان أحدهما يسير، والآخر واقفًا) أو قاعدًا (فعلى عاقلة السائر دِية الواقف) و
(1)
القاعد؛ لأنه قتله خطأ (وعليه) أي: السائر (ضمانُ دابته) أي: دابة الواقف أو القاعد؛ لأن العاقلة لا تحملها (فإن مات الصادم أو) تلِفَت (دابته؛ فَهَدْرٌ) لأنه لم يجنِ عليه أحدٌ، بل هو الجاني على نفسه.
(وإن انحرف الواقفُ فصادفتِ الصدمةُ انحرافَهُ، فهما كالسائريْنِ) على ما سبق تفصيلُه. هذا كله إذا وقف أو قعد في طريق واسع.
(فإن كان الواقف) يعني غير السائر (في طريق ضَيِّق غير مملوكة
(2)
له) حال كونه (قاعدًا أو واقفًا، فلا ضمان فيه) لأن السائر لم يتعدَّ عليه، بل القاعد والواقف هو المتعدِّي.
(وإن كان) الطريق الضيّق (مملوكًا للواقف) أو القاعد (ضَمِنه
(1)
في "ذ": "أو".
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 143): "مملوك".
السائر) لتعدّيه بسلوكه ملك غيره بغير إذنه، مع أن الواقف والقاعد غير متعدٍّ بوقوفه في ملكه (ولا يضمن واقف) أو قاعد (لسائرٍ شيئًا ولو في طريق ضَيِّق) غير مملوك؛ لأنه لم يَجْنِ عليه.
(ومن أركب صغيرَيْن لا ولايةَ له عليهما، فاصطدَمَا فماتا، فعلى الذي أرْكَبَهما دِيتُهما في ماله) لأنه متعدٍّ بذلك، وتصادمهما إثر ركوبهما وفعلهما غير معتبَر، فوجب إضافة القتل إلى من أركَبهما. وفي "الترغيب" و"المقنع"
(1)
: ديتهما على عاقلته؛ لأنّه خطأ فتحمِله العاقلة.
(وما تلف من مالهما، ففي ماله) أي: المُرْكِب لهما (أيضًا) لأنه تلف بتعديه، والعاقلة لا تحمله.
(وإن رَكِبا) أي: الصغيران (من عند أنفسهما فكالبالغين المخطئين) على كل منهما ما تلف من مال الآخر، وعلى عاقلة كلِّ منهما دية الآخر.
(وكذا إن أركبهما وليٌّ لمصلحة، كما إذا أراد أن يُمرِّنهما على الركوب، وكانا يثبتان بأنفسهما) على ما أركبه لهما، فلا ضمان عليه ولا على عاقلته؛ لأنه إركاب مأذون فيه، فلم يترتَّب عليه ما يترتَّب على المتعدي.
(فإما إن كانا لا يثبتان بأنفسهما، فالضمانُ عليه) لأنه لا مصلحة في الركوب إذًا، قال في "الترغيب": إن صَلَحا للركوب، وأصلحهما للركوب، وأركبهما ما يصلح لركوب مثلهما، وإلا ضَمِن.
(وإن اصطدم كبيرٌ وصغيرٌ، فإن مات الصغير؛ ضَمِنه الكبيرُ) لتلفه بصَدْمه (وإن مات الكبير، ضَمِنه الذي أركب الصغير) لتلفه بسبب إركابه.
(1)
في "ذ": "والمقنع والوجيز".
للصغير، وكذا حكم ما تَلِف
(1)
من دابتيهما. ونقل حرب: إن حمل رَجُل صبيًّا على دابة، فسقط؛ ضمن، إلا أن يأمره أهله بحمله
(2)
.
(وإن قَرَّب) إنسانٌ (صغيرًا من هَدَفٍ فأصابه سهم، ضَمِنه المقرِّب) دون رامي السهم؛ (إذا لم يقصده؛ لأن المُقرِّب هو الذي عرَّضه للتلف بتقريبه، والرامي لم يوجد منه تفريط؛ لأن الرامي كحافر البئر، والمُقرِّب كالدافع، فإن قصده الرامى، فعليه الضمان وحده؛ لأنه مباشِر.
(وإن أرسله) أي: أرسل إنسانٌ الصغيرَ (في حاجة، فأتلف) الصغيرُ (مالًا أو نفسًا) فأكثر (فجنايته خطأ من مرسلِهِ) لتعدِّيه بإرساله، فيضمن المال، وعلى عاقلته دية الآدمي.
(وإن جُنِيَ عليه) أي: على الصغير المرسَل في حاجة (ضَمِنه) مرسله؛ لتسببه (ذكره في "الإرشاد" وغيره) قال ابن حمدان: إن تعذَّر تضمين الجاني؛ لأنه مباشِر، والمرسل متسبِّب (وتقدَّم في الغصب
(3)
: إذا اصطدم سفينتان) مفصلًا.
فصل
(وإن رمى ثلاثةٌ بمنجَنيق، فرجع الحجرُ) أو لم يرجع (فقتلَ رابعًا) حُرًّا (فعلى عواقلهم دِيتُه أثلاثًا) لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد (ولا قَوَد) عليهم (ولو قصدوه بعينه) لعدم إمكان القصد غالبًا.
(1)
في "ذ": "ما يتلف".
(2)
لم نقف عليه في القسم المطبوع من مسائل حرب، وانظر: مسائل الكوسج (7/ 3613) رقم 2629، والإشراف لابن المنذر (2/ 191) حيث ذكر قول الإمام أحمد ونقل الإجماع على ذلك، والفروع (6/ 8).
(3)
(9/ 331).
(فإن قصدوه) بالرمي (أو قصدوا جماعةً) قليلة (فهو شِبه عمدٍ) لأنهم قصدوا الجناية بما لا يقتل غالبًا (لأن قَصْدَ واحد) ومن في معناه (بالمنجنيق لا يكاد يُفضي إلى إتلافه) هذا مقتضى ما ذكر في "الإنصاف" أنه المذهب، وعليه الأصحاب. قال: واختار في "الرعاية" أن ذلك عمدٌ إن كان الغالب الإصابة. قلت: إن قصدوا رميه، كان عمدًا وإلا؛ فلا. انتهى. وعليه مشى في "المنتهى".
(وإن لم يقصدوا) أي: رُماة المنجَنيق (قَتْلَ آدمي) فأصاب آدميًّا فقتله (فهو خطأ) لعدم القصد.
(فإن كانوا) أي: الرُّماة (أكثرَ من ثلاثة، فالدية حالَّةٌ في أموالهم) لأن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث، والتأجيل فى الديات إنما هو فيما تحمله العاقلة.
(وإن قتل) الحجرُ (أحدَهم) أي: أحد الثلاثة الرماة بالمنجَنيق، فعلى كلِّ واحد كفَّارة كما لو شارك في قتل غيره، و (سقط فِعْلُ نفسه وما يترتَّب عليه) من وجوب ثلث الدية (وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدِّية) كما لو مات من جراحتهما وجراحة نفسه، وكما لو شارك في قَتْلِ بهيمة؛ ولأنه شارك في القتل، فلا تكمل الدية على شريكيه، كما لو قتلوا واحدًا غيرهم. وقد رُوي نحوه عن علي، قال الشعبي:"وذلك أن ثلاثَ جَوارٍ اجتمعْنَ، فركبتْ إحداهنَّ على عنقِ أُخرى، وقرصت الثالثةُ المركوبةَ فقمِصَتْ، فسقطت الرَّاكبةُ فوُقِصتْ عنقُها فماتتْ، فرُفعَ ذلك إلى عليٍّ، فقضى بالدية أثلاثًا على عواقلهنَّ، وألغي الثُّلثَ الذي قابل فِعْل الواقصة؛ لأنها أعانت على قتلِ نفسِها"
(1)
، وهذه تشبه مسألتنا.
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (7/ 177)، وأبو عبيد في غريب الحديث (1/ 96)، =
(وإن رجع الحَجَرُ فقتل اثنين) من الثلاثة (وجب على عاقلة الحي منهم، لكل ميت ثلث ديته) لأنه شاركهما في القتل (وعلى عاقلة كلِّ واحد من الميتين ثلث دية صاحبه) لما تقدم (ويُلغى فِعلُ نفسه) لمشاركته في القتل كما مَرَّ.
(والضمان في ذلك يتعلَّق بمَن مَدَّ الحبال ورمى الحَجَرَ دون من وضعه) أي: الحجر (في الكفَّة) بتثليث الكاف (و) دون من (أمسك الخشبَ، كمن وضع سهمًا في قوس إنسان ورماه صاحبُ القوس، فالضمان على الرامي دون الواضع) اعتبارًا بالمباشرة.
(ومن جنى على نفسه أو) جنى على (طَرَفه، عمدًا أو خطأً، فلا شيء له من بيت المال و) لا من (غيره) بل هو هَدْرٌ؛ لأن عامر بن الأكوع رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات
(1)
، ولم ينقل أنه وُدِيَ، ولو وجبت لَبيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنقل ظاهرًا. وعنه
(2)
: على عاقلته في الخطأ ديةُ نفسه، أو طَرَفه؛ لقول عمر
(3)
.
= والبيهقي (8/ 112)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 164) رقم 16324. وأخرجه عبد الرزاق (9/ 423) رقم 17872، عن ابن مجاهد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، بنحوه.
(1)
أخرجه البخارى في المغازي، باب 38، حديث 4196، وفي الأدب، باب 90، حديث 6148، وفي الدعوات، باب 19، حديث 6331، وفي الديات، باب 17، حديث 6891، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1802 عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(2)
مسائل الكوسج (7/ 3557) رقم 2576، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 288 - 289).
(3)
أخرج ابن أبي شيبة (9/ 349 - 350)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو قال: كان رجل يسوق حمارًا، وكان راكبًا عليه، فضربه بعصًا معه فطارت منها شظية فأصابت عينه ففقأها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: هي يد من أيدى المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد، فجعل دية عينه على عاقلته. =
(وإن نزل رجُلٌ بئرًا فخرَّ عليه آخر، فمات الأول من سقطته، فعلى عاقلته) أي: الثاني. (ديته) أي: الأول؛ لأنه مات من سقطته، فيكون هو قاتله، فوجبت الدية على عاقلته، كما لو باشره بالقتل خطأً.
(وإن كان) الثاني رمى بنفسه عليه (عمدًا، وهو مما يقتل غالبًا، فعليه القِصاص) لأنه قَصَد جناية تقتل غالبًا (وإلا) أي: وإن لم يكن مما يقتل غالبًا (فشِبْهُ عمدٍ) لأنه قَصَد جناية لا تقتل غالبًا.
(وإن وقع) الثاني على الأول (خطأً، فالدية على عاقلته مخفَّفة) كسائر أنواع الخطأ.
(وإن مات الثاني بسقوطه على الأول، فَدَمُهُ هَدْرٌ) لأنه مات بفعله، وقد روى بن عُلَيّ بن رباح اللخمي، "أن رجلًا كان يقودُ أعمى، فوقعا في بئرٍ، وقع الأعمى فوقَ البصيرِ فقتلَهُ"، فقَضى عمرُ بعقْلِ البصير على الأعمى، فكان الأعمى يُنشدُ في الموسم في خلافة عمرَ رضى الله عنه:
يا أيها النَّاسُ رأيتُ منكَرًا
…
هل يَعقِلُ الأعمى الصحيحَ المُبصِرا
خرَّا معًا كلاهما تكَسَّرا
رواه الدارقطني
(1)
، وقاله ابن الزبير
(2)
،
= وأخرج عبد الرزاق (9/ 330، 412) رقم 17422، 17826 - 17827، عن الزهري وقتادة أن رجلًا فقأ عين نفسه، فقضى له عمر بن الخطاب بعقله على عاقلته.
(1)
(3/ 98 - 99). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (9/ 402)، والبيهقي (8/ 112). والذهبي في سير أعلام النبلاء (15/ 310 - 311).
قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 37): فيه انقطاع.
وقال ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 506): الرواية عن عمر لا تصح في أمر الأعمى؛ لأنه عن عُلي بن رباح والليث. كلاهما لم يدرك عمر أصلًا. وانظر: نيل الأوطار (7/ 79)؛ وحسَّن إسناده ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 454).
(2)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا، وذكره -أيضًا- فى المغني (12/ 85).
وشريح
(1)
، والنخعي
(2)
، والشافعي
(3)
، وإسحاق (
(3)
).
ولو فعله البصير قصدًا؛ لم يضمنه وعليه ضمان الأعمى.
(وإن سقط) عليهما (ثالثٌ فمات الثاني) من سقطته (فعلى عاقلته ديته) لأنه مات من فعله (وإن مات الأولُ من سقطِهِما
(4)
) أي: الثاني والثالث (فديته على عاقلتهما) لموته بفعلهما، ودية الثاني على الثالث؛ لأنه انفرد بالوقوع عليه (ودم الثالث هَدْرٌ) لأنه مات بفعل نفسه (هذا) الحكم المذكور (إذا كان الوقوع هو الذي قَتَله) أي: قتَلَ مَن مات مِمن ذكر.
(فإن كان البئرُ عميقًا يموت الواقع) فيه (بمجرَّد وقوعه) فيه (لم يجب ضمانٌ على أحدٍ) لأنه لا فِعْل لأحدهم في قَتْلِ غيره.
(وإن احتمل) الحالُ (الأمرين) بأن كان يحتمل أن الموت بمجرَّد الوقوع، أو بسقوط بعضِهم على بعض (فكذلك) لا ضمان؛ لعدم تحقق موجبه، والأصل البراءة.
(وإن جَذَبَ الأولُ الثاني، وجَذَبَ الثاني الثالث وماتوا، فلا شيء على الثالث) لأنه لا فِعْل له (وديته على عاقلة الثاني) لأنه جَذَبه وباشره
(1)
أخرج عبد الرزاق (10/ 53) رقم 18324، وابن أبي شيبة (9/ 334 - 335)، عن أبي حصين، عن شريح، في رجل صرع على رجل من فوق بيت فمات الأعلى، فقال شريح: لا أضمِّن الأرض، فلم يُضمِّن الأسفل للأعلى، وكان يضمن الأعلى للأسفل. وأخرج ابن أبي شيبة (9/ 334)، من طريق حجاج، عن ابن عون، عن شريح أن غلامًا وثب على آخر، فتنحى الأسفل، وانكسرت ثنية الأعلى، فضمن الأعلى، ولم يضمن الأسفل.
(2)
لم نقف على من رواه عنه مسندًا، وانظر: المغني (12/ 85).
(3)
الأم (6/ 75).
(4)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 145): "سقطتهما".
بذلك، والمباشرة تقطع حكم التسبُّب (ودية الثاني على عاقلة الأول) لأنه هلك بجذبهِ
(1)
.
(ولو كان الأول هَلَك من وقعة الثالث) عليه (فضمان نصف ديته على عاقلة الثاني، والباقى هَدْرٌ) لأن الهلاك حصل بَفعل الثاني والأول، فيلغى فِعْل الأول في نفسه، ويجب علي عاقلة الثانى نصف الدية.
(ولو كانوا أربعة، فَجَذَب) الأول الثاني، والثاني الثالث، و (الثالثُ رابعًا، فماتوا جميعهم بوقوع بعضِهم على بعضٍ، فلا شيء على الرابع) لأنه لا فِعْل له (وديته على عاقلة الثالث) لجَذْبِهِ له، ودِية الثالث والثاني والأول على ما سبق.
(وإن لم يقع بعضُهم على بعضٍ، بل ماتوا بسقوطهم، أو كان البئر عميقًا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع، أو كان فيه ما يُغْرِقُ الواقعَ فيقتُلُه، أو) كان فى البئر (أسدٌ يأكلهم، ولم يتجاذبوا) ولم يتدافعوا (لم يضمن بعضُهم بعضًا) لأنه لا تسبُّب.
(وإن شُكَّ في ذلك) أي: وقوع بعضهم على بعض، وأن الموت به، أو بنفس الوقوع، أو الماء، أو الأسد (لم يضمن بعضُهم بعضًا) لأنه لا يضمن
(2)
بالشك.
(وإن كان موته بوقوع
(3)
بعضِهم على بعضٍ) يعني: من غير تجاذب ولا تدافع (فَدَمُ الرابع هَدْرٌ) لأنه لم يسقط عليه أحد، وإنما مات بسقوطه (وعليه) أي: على عاقلة الرابع (دية الثالث) لأنه مات بسقوطه
(1)
في "ذ": "بجذبته".
(2)
في "ذ": "لا تضمين".
(3)
في "ذ": "لوقوع".
عليه (ودية الثاني عليه) أي: الرابع، أي: على عاقلته (وعلى) عاقلة (الثالث نصفين) لأنه مات بسقوطهما عليه (ودية الأول على) عاقلة (الثلاثة أثلاثًا) لأنه مات بسقوطهم عليه.
(وإن خرَّ رجل في زُبْيَة
(1)
أسد) أو نحوه (فَجَذَب) الرجلُ (آخرَ، وجَذَبَ الثاني ثالثًا، وجَذَب الثالثُ رابعًا، فقتلهم الأسدُ، فَدَمُ الأول هَدْرٌ) لأنه لا صُنع لأحدٍ في إلقائه (وعلى عاقلته) أي: الأول (دية الثاني) لأنه تسبب في قتله (وعلى عاقلة الثاني دية الثالث، وعلى عاقلة الثالث دية الرابع) لما سبق.
(وكذا لو تَدَافع، أو تزَاحم عند حفرةٍ جماعةٌ، فَسَقَطَ منهم أربعة فيها متجاذبين كما وصفنا) بأن سقط منهم واحد فجذب آخر، وجذب الثاني ثالثًا، والثالث رابعًا، فقتلهم أسد أو نحوه، فدم الأول هدر، وعلى عاقلته دية الثاني، وعلى عاقلة الثاني دية الثالث، وعلى عاقلة الثالث دية الرابع؛ لما سبق.
فصل
(ومن أخذ طعامَ إنسان أو شرابَه في برّيَّة أو مكان لا يَقْدِرُ فيه على طعام ولا شراب، أو أخذ دابتَهُ) والمأخوذ منه عاجز عن دفع الآخذ (فهَلَكَ) المأخوذ طعامُه، أو شرابُه أو دابتُهُ (بذلك، أو هلكت بهيمَتُه) بأخذ طعامها أو شرابها (فعليه ضمان ما تَلِف به) أي: بسبب أخذه؛
(1)
حفرة في موضع عال يصاد فيها الأسد ونحوه، والجمع زُبيً، مثل مدية ومديً. المصباح المنير ص/ 341، مادة (الزبية).
لتسببه في هلاكه (ومثلها في الحكم لو أخذ منه قوسًا يدفَعُ بها عن نفسه ضربًا؛ ذكره في "الانتصار") وكذا كل ما يدفع به صائلًا عليه من سبع أو غيره؛ لتسببه في هلاكه بأخذه منه.
(وإن اضطر) إنسان (إلى طعامٍ أو شراب لغير مضطر، فطلبه منه فمنعه إيَّاه، فمات بذلك؛ ضمِنه المطلوب منه) لما رُوي "أن رجلًا أتى أهلَ أبْيات فاستسقاهم، فلم يسقوهُ حتى مات، فأغرمهم عمرُ الدِّيةَ" حكاه أحمد في رواية ابن منصور
(1)
(2)
، وقال: أقول به. قال القاضي وأبو الخطاب في "رؤوس مسائله": ولم يُعرف له مخالف؛ ولأنه تسبّب إلى هلاكه بمنعه ما يستحقّه، فضمنه (بديته في ماله) كما لو مَنَعه طعامه حتى هلك، ولا تحمله العاقلة؛ لأن مانع الطعام تعمّد الفعل الذي يقتل مثله غالبًا. وقال القاضي: هو على عاقلته؛ لأنه قَتْلٌ لا يوجب القِصاص، فيكون شِبْه عمد.
(وإن لم يطلبه) المضطر أي: الطعام أو الشراب (منه، لم يضمنه؛ لأنه لم يمنعه) فلم يتسبَّب إلى هلاكه. وعُلم منه: أنه لو كان صاحب الطعام أو الشراب مضطرًّا، وطلبه منه، ومَنَعه فمات، لم يضمنه؛ لأنه لا بجب عليه بذله إذًا، وكذا إذا خاف أن يضطر، كما يأتي في الأطعمة.
(ومن أمكنه إنجاءُ آدميٍّ، أو غيره) كحيوان محترَم (من هَلَكة، كماء، أو نار، أو سَبُع، فلم يفعل حتى هلك، لم يضمن) لأنه لم يتسبَّب إلى هلاكه، بخلاف التي قبلها.
(1)
مسائل الكوسج (7/ 3600) رقم 2616.
(2)
الأثر: أخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص/ 111، رقم 352، وعبد الرزاق (10/ 51) رقم 18318، وابن أبي شيبة (9/ 412)، والبيهقي (6/ 153، 10/ 4)، كلهم من طرق عن الحسن، عن عمر رضي الله عنه، بنحوه.
(ومن أفزع إنسانًا، أو ضربه فأحدَثَ بغائطٍ أو بول، -ونصَّ) أحمد فِي رواية ابن منصور
(1)
(أو ريح- فعليه ثلث ديته إن لم يدم) الحَدَث؛ لما رُوي (أن عثمان قضى في مَن ضرَبَ إنسانًا حتى أحدَثَ بـ: ثُلُثِ الدِّيةِ"
(2)
قال أحمد (1): "لا أعرف شيئًا يدفعه". وقضاء الصحابي بما يُخالف القياس يدلُّ على أنه توقيف.
(فإن دام) الحَدَث (فسيأتي في ديات الأعضاء) ومنافعها أن فيه دِية.
(ولو مات من الإفزاع، فعلى الذي أفزعه الضمان، تحمِله العاقلة بشرطه) الآتي في باب العاقلة
(3)
.
(وإذا أكره) إنسانٌ (رجلًا) أو امرأة (على قَتْلِ إنسان فصار الأمر إلى الدية، فهي عليهما) كاشتراكهما في قتله.
(و
لو أكره رَجُلٌ امرأةً على الزنى فحملت، وماتت في الولادة؛ ضَمِنها)
الزاني؛ لموتها بسببه المتعدِّي به (وتحمله العاقلة) لأنه لا يقتل غالبًا (إلا ألا بثبت ذلك) أي: الزنى (إلا باعترافه، فتكون الدية عليه) في ماله؛ لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف.
(وإن شَهِدَ شاهدان على إنسان بقتل عَمْد؛ فقُتِلَ، ثم رجعا عن الشهادة، لزمهما الضمان في مالهما) لأنهما تعمَّدا ما يقتل غالبًا.
(1)
مسائل الكوسج (7/ 3376) رقم 2429.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 24) رقم 18244، وابن أبي شيبة (9/ 338)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 459)، عن ابن المسيب.
وأخرجه عبد الرزاق برقم 18245، عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلًا ضرب رجلًا حتى سلح
…
، فأغرمه عثمان أربعين قلوصًا.
وفي رواية له رقم 18248، عن عبد الحكم بن عبد الله:"أربعين فريضة".
(3)
في "ذ" زيادة: "أن فيه دية".
فصل
(ومن أدَّب ولده، أو) أدَّب (امرأته في النشوز، أو) أدَّب (المُعلِّمُ صبيِّه، أو) أدَّب (السلطان رعيَّته، ولم يُسْرِف) الأب أو الزوج أو المُعلِّم أو السلطان (فأفضى) التأديبُ (إلى تَلَفِهِ) أي: المؤدَّب (لم يضمن) المؤدِّب؛ لأنه مأذون فيه شرعًا، فلم يضمن ما تَلِف به، كالحَدِّ.
(وإن أسرف) في التأديب بأن زاد فوق المعتاد (أو زاد على ما يحصُل به المقصود، أو ضَرَب من لا عقل له من صبي) غير مميز (وغيره) كمجنون ومعتوه (ضَمِن) لأنه غير مأذون في ذلك شرعًا.
(ومن أسقطت بطَلَبِ سُلطان أو تهديده) سواء كان طلبها (لحقِّ الله تعالى أو) لحقِّ (غيره) أي لكشف حَدِّ لله أو لآدمي (أو ماتت بوضعها) من الفزع (أو) ماتت من غير وضع (فزعًا، أو ذهب عقلُها من ذلك) أي: من الفزع (أو استعدى إنسان عليها إلى السلطان) بأن طلب منه إحضارها فأحضرها، فحصل لها شيء مما سبق (ضَمِن السلطان ما كان بطلبه ابتداء).
أما الجنين؛ فلما رُوي "أن عمرَ بعث إلى امرأةٍ مُغنِّيةٍ كان رجلٌ يدخلُ إليها، فقالت: يا ويلها ما لها ولعمرَ؟ فبينما هي في الطريقِ، إذْ فَزعتْ، فضربها الطّلْقُ، فألقت ولدًا، فصاح الصبيُّ صيحتين ثمَّ مات، فاستشارَ عمرُ أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار بعضُهم أنْ ليس عليك شيءٌ، إنما أنتَ والٍ ومؤدِّبٌ، وصمت عليٌّ، فأقبل عليه عُمر، فقال: ما تقولُ يا أبا الحسن؟ فقال: إنْ كانوا قالوا برأيهِم، ففد أخطَأ رأيُهُمْ، وإن كانُوا
قالوا في هواكَ فلم ينصحوا لكَ، إنَّ ديتهُ عليكَ؛ لأنك أفزعتَها فألقتْةُ، فقال عمرُ: أقسمْتُ عليك ألا تبرح حتى تَقْسِمها على قومكَ"
(1)
.
وأما المرأة؛ فلأنها نَفْسٌ هَلَكت بإرسال السُّلطان إليها، فضمِنها كجنينها؛ ولأن الهلاك حصل بسببه (وضَمِن المستعدي ما كان بسببه من موتها فزعًا، أو إلقاء جنينها) لحصول الهلاك بسببه (وظاهره: ولو كانت ظالمة) وهو ظاهر ما سبق في قصة عمر.
فإن كان الاستعداء إلى الحاكم، فألقت جنينها أو ماتت فزعًا؛ فعلى عاقلة المستعدي الضمان، إن كان ظالمًا، وإن كانت هي الظالمة، فأحضرها عند القاضي، فينبغي ألا يضمنها؛ قاله في "المغني" و"الشرح"، قال ابن قُندس: سواء أحضرها بنفسه، أو بإذن الحاكم وطلبه، وهو ظاهر جدًا. انتهى. وقيَّد الاستعداء في "المحرر" و"المبدع" بما إذا كان بجماعة الشُّرَط، وقد أوضحنا الكلام في ذلك في "الحاشية".
(كما يضمن) الحاكم (بإسقاطها بتأديب، أو قَطْع يَدٍ) في سرقة أو نحوها (لم يأذن سيدٌ فيهما) أي: في التأديب وقَطْع اليد. قال في "المبدع": وإذا أدّب حاملًا فأسقطت جنينًا؛ ضَمِن (أو) أسقطت حامل بـ (ـشرب دواء لمرض) فتضمن جنينها؛ لسقوطه بفعلها.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 458) رقم 18010، والبيهقي (6/ 123)، من طرق عن الحسن قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى امرأة مغيبة، وعند البيهقي:"امرأة بغية" وذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 24) من طريق عبد الرزاق بلفظ: مغنية.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 37): وهذا منقطع بين الحسن وعمر. وأخرجه عبد الرزاق مختصرًا (9/ 459) رقم 18011، عن ابن جريج، قال: سمعت الأعمش يحدث بمشورة علي عليه، وإسقاطها، وأمره إياه أن يضرب الدية على قريش.
(و
ان ماتت حامل، أو) مات (حملها من ريح طبيخ
علم رَبُّه ذلك
(1)
) أي: أنها حامل (وكان) ريح الطعام (يقتل) الحامل أو حملها (عادةً؛ ضَمِنَ) ما تَلِفَ بذلك؛ لما فيه من الإضرار، وكذا ريح كبريت ونحوه.
وإن لم يعلم بها ربُّ الطعام، فلا إثم ولا ضمان، كريح الدخان يتضرَّر به صاحب السعال وضيق النفس.
(ولو أَذِنَ السيدُ في ضَرْبِ عبده) ضربًا مُحَرَّمًا (أو) أَذِن (الوالد في ضرب ولده) ضربًا مُحَرَّمًا (فضربه المأذون له؛ ضَمِنه) إن تلف؛ لأن المُحَرَّمات لا تُستباح بالإذن، وأما الضرب المباح للتأديب، فقد تقدَّم أول الفصل.
(وإن سلَّم ولدَه الصغير، أو سَلَّم بالغ عاقل نفسه إلى سابح حاذق، ليعلِّمه السباحة فغرق؛ لم يضمنه) السابح (إذا لم يُفَرِّط السابح) لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته، كضرب المُعلِّم الصبى الضربَ المعتاد. وإن قال: سبِّح عبدي هذا، فسبَّحه، ثم رقاه، ثم عاد وحده يسبح فَغَرِق، فَهَدْرٌ، وإن استؤجر لسبْحِه وبِعلْمه؛ ومثله لا يغرق غالبًا، ضَمِنه إن غَفَلَ عنه، أو لم يشدَّ ما يسبِّحه عليه شَدًّا جيدًا، أو جعله في ماء كثير جار، أو واقف لا يحمله، أو عميق معروف بالغرق؛ قاله في "الرعاية".
(وإن أمر بالغًا عاقلًا أن ينزل بئرًا، أو يصعد شجرة، فهلك بذلك، لم يضمنه) الآمر (ولو كان الآمر السلطان) كغيره (كاستئجاره) لذلك (أقبضه أجرة أو لا) لأنه لم يجنِ ولم يتعدَّ
(2)
(كما لو أذن له) في ذلك
(1)
في "ذ": "بذلك".
(2)
في "ذ": "ولم يتعمد".
(ولم يأمره) به (وإن أمر غير مكلَّفٍ ضَمِنه) لأنه سبب
(1)
إلى إتلافه. وقال في "المغني" و"الشرح": إذا كان المأمور صغيرًا لا يميز. فعليه: إن كان مميزًا: لا ضمان. قال في "الفروع": ولعل مراد الشيخ
(2)
ما جرى به عُرف وعادة، كقَرابة وصُحبة وتعليم ونحوه، فهذا متَّجه، وإلا ضَمِنه، وقد كان ابن عباس يلعب مع الصبيان، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية
(3)
. قال في "شرح مسلم"
(4)
: لا يقال هذا تصرُّف في منفعة الصبي؛ لأنه قَدْر يسير وَرَدَ الشرع بالمسامحة به للحاجة، واطرد به العُرف وعملُ المسلمين.
(وإن وضع جرَّة على سطحه، أو حائطه ولو متطرِّفة، أو) وضع (حجرًا) على سطحه أو حائطه (فرمتهما) أي: الجرَّة أو الحجر (الريح على إنسان فقتله، أو) رمتهما الريح على (شيء) من حيوان أو غيره (فأتلفه، لم يضمنه) لأن ذلك بغير فعله، ووضعه لذلك كان فى ملكه.
(ولو دفع الجرَّة حال نزولها عن وصولها إليه) أو دفع الحجر كذلك (لم يضمن) ما تلف به، كدفع الصائل (وكذا لو تدحرج) عليه شيء (فدفعه) عن نفسه، لم يضمن ما تلف به.
(ولو حالت بهيمة بينه وبين طعامه أو ماله، ولا تندفع إلا بقتلها فقتلها، لم يضمنها. وتقدم آخر الغصب
(5)
) لأنه كَدَفْعِ الصائل.
(1)
في "ذ": "تسبب".
(2)
يعني به الشيخ موفق الدين أبا محمد ابن قدامة المقدسي، صاحب المغني، كما نبّه عليه المرداوى في الإنصاف (25/ 365).
(3)
أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2604.
(4)
شرح مسلم للنووى (16/ 156).
(5)
(9/ 331).
(وإن أخرج جناحًا إلى طريق نافذ) بغير إذن الإمام (أو) أخرج (ميزابًا) أو جعل ساباطًا بنافذ
(1)
بغير إذن الإمام (أو) جعل ذلك (في) درب (غير نافذ بغير إذن أهله، فَسَقَطَ على إنسان فأتلفه؛ ضَمِنه) لأنه تلف بسبب متعدٍّ به.
وإن كان بإذن الإمام بلا ضرر، أو بإذن أهل غير النافذ، فلا ضمان؛ لعدم العدوان (وتقدَّم في الغصب
(2)
).
و
إن نام على سطحه فهوى سقفُهُ من تحته على قومٍ
؛ لزمه المكث، ولا يضمن ما تلف بسقوطه؛ لأنه مُلْجأ لم يتسبب.
وإن تلف شيء بدوام لُبثه أو بانتقاله؛ ضَمِنه؛ ذكره فى "الفنون"، واختار في التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال، أو العاجز عن إزالة أثرها، كمتوسّط المكان المغصوب، ومتوسط الجرحى. تصح توبته مع العزم والندم، وأنه ليس عاصيًا بخروجه من الغصب.
(1)
في "ذ": "نافذًا".
(2)
(9/ 316).
باب مقادير ديات النفس
المقادير: جمع مقدار، وهو: مبلغ الشيء وقَدْره.
(دية الذَّكر الحُرِّ المسلم مائةٌ من الإبل، أو مائتا بقرةٍ، أو ألفا شاةٍ، أو ألفُ مثقال ذهبًا، أو اثنا عشر ألف درهم فضةً من دراهم الإسلام، التي كلُّ عَشَرة منها) أي: الدراهم (سبعةُ مثاقيلّ).
قال القاضي: لا يختلف المذهب أن أصول الدية: الإبل والبقر والغنم والذهب والوَرِق (فهذه الخمس أصولٌ في الدِّية) لما روى عطاء، عن جابر قال:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدِّية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشّاءِ ألفي شاة" رواه أبو داود
(1)
.
وعن عكرمة، عن ابن عباس "أن رجلًا قُتِلَ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم"
(2)
.
(1)
في الديات، باب 18، حديث 4544، ومن طريقه البيهقي (8/ 78)، وابن الجوزي في التحقق (2/ 319) حديث 1791، من طريق أبي تميلة، عن محمد بن إسحاق، قال: ذكر عطاء، عن جابر رضي الله عنه، به.
قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 348): هذا منقطع، ولم يذكر فيه عن حدثه عن عطاء، فهى رواية عن مجهول.
وأخرجه أبو داود في الديات، باب 18، حديث 4543، وابن أبي شيبة (9/ 127)، والبيهقي (8/ 87)، من طريق حماد، عن محمد بن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح مرسلًا.
قال المنذرى في مختصر السنن (6/ 348): هذا مرسل، وفيه محمد بن إسحاق.
(2)
أخرجه أبو داود فى الديات، باب 18، حديث 4546، والترمذي في الديات، باب 2، حديث 1388، والنسائي في القسامة، باب 35 - 36، حديث 4817، وابن ماجه =
وفي كتاب عَمرو بن حَزْم: "وعلى أهل الذهب ألف دينار"
(1)
(لا حُلَلَ) فليست أصلًا؛ للأخبار؛ ولأنها تختلف ولا تنضبط، وعنه
(2)
: إنها أصل، وقَدْرها مائتا حُلَّة من حُلَلِ اليمن، كل حُلَّة بُردان، إزار ورداء، وفي "مذهب": جديدان.
(فأيها) أي: الأصول الخمس (أحضر من لزمته) الدية (لزم الوليَّ قبُولُه) سواء كان الجاني من أهل ذلك النوع، أو لا؛ لأنها أصول في
= في الديات، باب 6، حديث 2629، والدارمي في الديات، باب 11، حديث 2368، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 42، حديث 162، والطبري في التفسير (10/ 187)، والدارقطني (3/ 130)، والبيهقي (8/ 78) وفي معرفة السنن والآثار (12/ 110) حديث 16070، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 318) حديث 1789، من طريق محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، به.
وأخرجه -أيضًا- النسائي في القسامة حديث 4818، وابن أبي عاصم في الديات، حديث 163، والدارقطني (3/ 130) والبيهقي (8/ 78 - 79)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 318) حديث 1790، من طريق محمد بن ميمون الخياط، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعًا.
وأخرجه الترمذي في الديات، باب 2، حديث 1389، وعبد الرزاق (9/ 296) رقم 17273، وابن أبي شيبة (9/ 126)، والطبري (10/ 187)، من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، مرسلًا. قال الترمذي: لا نعلم أحدًا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد بن مسلم، وقال أبو حاتم في علل الحديث لابنه (2/ 336): المرسل أصح. وقال الدارقطني: قال محمد بن ميمون: وإنما قال [أي ابن عيينة] لنا فيه: عن ابن عباس مرة واحدة، وأكثر من ذلك كان يقول: عن عكرمة، عن ابن عباس.
ومال ابن الجوزي إلى ترجيح الرفع لمتابعة محمد بن ميمون محمد بن مسلم في الرفع.
(1)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(2)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 272)، والجامع الصغير لأبي يعلى ص/ 291.
قضاء الواجب يجزئ واحد منها، فكانت الخِيرَةُ إلى من وجبت عليه، كخصال الكفَّارة.
(فإن كان القتل عمدًا، أو شِبه عَمْدٍ؛ وجبت) الدية (مغلَّظة أرباعًا، خمس وعشرون بنت مَخَاض، وخمس وعشرون بنت لَبُون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جَذَعة) رواه سعيد عن ابن مسعود
(1)
، ورواه الزهري عن السائب بن يزيد مرفوعًا
(2)
.
(وتجب) الدية (في قَتْل الخطأ مخفَّفة أخماسًا؛ عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعة) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود مرفوعًا، ورواه الدارقطني
(3)
وقال: هذا حديث غير ثابت (ذكورًا
(1)
لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الديات، باب 19، رقم 4552، وعبد الرزاق (9/ 284 - 285) رقم 17223 - 17224، و ابن أبي شيبة (9/ 135)، والبيهقي (8/ 69، 74) من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه، موقوفًا.
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في الديات ص/ 42، حديث 160، والطبراني في الكبير (7/ 150) حديث 6664.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 297): فيه أبو معشر نجيح، وصالح بن أبي الأخضر، وكلاهما ضعيف.
(3)
أحمد (1/ 450)، وأبو داود في الديات، باب 8، حديث 4545، والنسائي في القسامة، باب 34 - 35 حديث 4816، وابن ماجه في الديات، باب 6، حديث 2631، والدارقطني (3/ 173). وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الديات، باب 1، حديث 1386، وابن أبي شيبة (9/ 133)، والطبري في تفسيره (5/ 211)، والبيهقي (8/ 75)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 317) حديث 1787، من طرق عن حجاج بن أرطاة، عن زيد بن جبير، عن خِشْفِ بن مالك، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض؛ وعشرين ابن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مخاض ذكر، وعشرين ابنة لبون، وعشرين حِقّة، وعشرين جَذَعة. لفظ أحمد.
وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 133) ومن طريقه ابن أبي عاصم في الديات ص/ 42، حديث 161، عن أبي خالد الأحمر، وأبي معاوية، عن حجاج، به. وفيه "عشرون بنو لبون" بدل "عشرين ابن مخاض".
وأخرجه أحمد (1/ 384)، والدارمي في الديات، باب 13؛ حديث 2372، والبزار (5/ 305) حديث 1922، وأبو يعلى (9/ 134) حديث 5210، من طريق أبي معاوية، عن حجاج بن أرطاة، عن زيد بن جبير، عن خِشْف بن مالك، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطأ أخماسًا. دون تفسير "أخماس". ورجَّحه الدارقطنى، قال في العلل (5/ 48)، والسنن (3/ 175): ورواه أبو معاوية الضرير، وحفص بن غياث، وأبو مالك الجنبي، وأبو خالد الأحمر، كلهم عن الحجاج، عن زيد بن جبير، عن خِشْف بن مالك، عن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية الخطأ أخماسًا، لم يزيدوا على هذا، ورواه عبد الرحيم بن سليمان وعبد الواحد بن زياد ويحيى بن أبي زائدة، عن حجاج. فزادوا عنه تفسير ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: عشرين حقّة، وعشرين جذعة، وعشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض، وعشرين بنت لبون، ولا يُعرف هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في حديث خشف هذا. وقال في السنن: فيشبه أن يكون الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية الخطأ أخماسًا، كما رواه أبو معاوية، وحفص، وأبو مالك الجنبي، وأبو خالد، وابن أبي زائدة -في رواية أبي هشام عنه- ليس فيه تفسير الأخماس؛ لاتفاقهم على ذلك، وكثرة عددهم، وكلهم ثقات، ويشبه أن يكون الحجاج ربما كان يفسر الأخماس برأيه بعد فراغه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتوهم السامع أن ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك فيه، وإنما هو من كلام الحجاج.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 288) رقم 17238، وابن أبي شيبة (9/ 134)، والطبراني في الكبير (9/ 348) رقم 9730، والدارقطني (3/ 173 - 174) عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، بمثل لفظ حديث خشف.
وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 133 - 134) -أيضًا- من طريق سفيان، والبيهقي (8/ 74) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه، =
وإناثًا) لعل مراده: فيما عدا أولاد المخاض.
(ويؤخذ من البقر النصفُ مُسِنَّاتٍ، والنِّصفُ أتبِعة) لأن ذلك هو العدل؛ لأنه لو أخذ الكُلَّ مُسِنَّات كان إجحافًا بالجاني، وبالعكس فيه إجحاف على المجنيِّ عليه (و) يؤخذ (من الغنم النصف ثنايا والنصف أجذِعةً) لما ذكرنا؛ ولأن دية الإبل من الأسنان المقدَّرة في والزكاة، فكذلك البقر والغنم.
(ولا تُعتبر القيمة في شيء من ذلك) مما ذكر من الإبل والبقر والغنم، فلا يُعتبر أن تبلغ قيمتها دية النقد (بعد أن يكون) ما ذكر (سليمًا من العيوب) قَلَّتْ قيمتُه أو كثرت؛، لأنه صلى الله عليه وسلم أطلقها، فتقييدها بالقيمة.
= موقوفًا بمثل حديث خِشْف. وأخرجه الدارقطني (3/ 172)، من طريق قتادة وسليمان التيمي، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود رضي الله عنه، موقوفًا بلفظ: دية الخطأ خمسة أخماس: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون.
قال الدارقطني: هذا إسناد حسن ورواته ثقات، وقد روي عن علقمة، عن عبد الله نحوه.
ثم ساق حديث خِشْفٍ عن عبد الله رضي الله عنه المرفوع، به وقال: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة أحدها: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه، ولا تأويل عليه، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه، وبمذهبه وفتياه من خِشْف بن مالك ونظرائه، وعبد الله بن مسعود أتقى لربه، وأشح على دينه من أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقضي بقضاء، ويفتي هو بخلافه، هذا لا يتوهم مثله على عبد الله بن مسعود.
وأخرجه البيهقي (8/ 75) من طريق سليمان التيمي، عن أبي مجلز، به، بلفظ "بنو مخاض" مكان "بنو لبون" وقال: وقد روى بعض حفاظنا -وهو الشيخ أبو الحسن الدارقطني هذه الأسانيد عن عبد الله وجعل مكان بني المخاض بني اللبون، وهو غلط منه. ثم رجح لفظ "بني مخاض" على بني لبون. وقال: وقد روى حديث ابن مسعود من وجه آخر مرفوعًا، ولا يصح.
يخالف ظاهر الخبر.
وفي "الرعاية": لا يجزئ مريض ولا عَجيف ولا مَعيب، ولا دون دية الأثمان، على الأصح فيها، من إبل وبقر وغنم وحُلَل (فيؤخذ المُتعارَفُ مع التنازُعِ) لأن ما لا حدَّ له في الشرع، يُرجع فيه إلى العُرْف، كالقبض والحِرْز، وهذا في الحُلَل، كما في "المقنع"، على القول بأنها أصل، فكان الأولى إسقاطه، وأما الإبل والبقر والغنم، فتقدَّم بيان ما يؤخذ منها.
(وتُغَلَّظ ديةُ طَرَف، كـ) ـدية (قَتْلٍ) لاتفاقهما في السبب الموجب (ولا تُغَلَّظ
(1)
في غير إبل) لعدم وروده.
(والتخفيف في الخطأ من ثلاثة أوجه: الضَّرْب على العاقلة، والتأجيل) بـ (ـثلاث سنين) كما يأتي في باب العاقلة (ووجوبها) أي: الدية (مخُمَّسة) كما سبق.
(وشِبْه العمد تُخَفَّف) الدية (فيه من وجهين: الضَّرْب) للدية (على العاقلة، والتأجيل) بـ (ـثلاث سنين) كالخطأ (وتُغَلَّظ من وجهٍ) واحد (وهو التربيع) أي: كونها تؤخذ أرباعًا، كما تقدم.
(وفي العمد المحض تُغَلَّظ بتخصيصها بالجاني، وتعجيلها عليه) أي: كونها حالَّة (وتبديل التخميس بالتربيع.
فإن لم تمكن قِسمةُ دية الطَّرَف) أو الشجّة (مثلَ أن يوضحه عمدًا، أو شِبْه عمد، فإنه يجب أربعة أرباعًا) أي: بنت مخاص وبنت لبون وحِقَّة وجَذَعة (و) يجب البعير (الخامس من أحد الأنواع الأربعة، قيمته ربع قيمة الأربع) المذكورة، كما تقدم في زكاة
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 149): "تغليظ".
المال
(1)
؛ إذا كان من نوعين.
(وإن كان أوضحه خطأ، وجبت الخمسُ من الأنواع الخمسة، من كل نوع بعيرٌ) ابن مخاض، وبنت مخاض، وبنت لبون، وحِقّة، وجذعة.
(وإن كان الواجب دية أُنمُلةٍ) من غير إبهام، قطعت عمدًا أو شِبْهه (وجبتْ ثلاثة أبعِرة وثُلُثُ) بعير (قيمتُها نصفُ قيمةِ الأربعة) أي: بنت المخاص وبنت اللَّبون والحِقَّة والجَذَعة (وثُلُثُها) أي: ثلث قيمة الأربعة؛ لأنَّ نسبة الثلاثة والثلث، إلى الأربعة، نصف وثلث.
(وإن كان) قطع الأنملة (خطأً ففيها) ثلاثة أبعرة وثلث، قيمتها (ثلثا قيمة الخَمس) لأنَّ نسبة الثلاثة والثلث إلى الخمسة ثلثان.
(ولا يُعتبر في الإبل أن تكون من جنس إبل الجاني، ولا) من جنس (إبل بلده) لعموم ما سبق من الأخبار.
(ودية المرأة) مسلِمةً كانت أو كافرةً (نصف دية رجل من أهل دينها
(2)
) حكاه ابن المنذر
(3)
وابن عبد البَرِّ
(4)
إجماعًا؛ لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه: "دية المرأة نصف دية الرّجل"
(5)
لكن
(1)
(4/ 369 - 371).
(2)
في "ذ": "ديتها".
(3)
في الإجماع ص/ 147.
(4)
التمهيد (17/ 358)، والاستذكار (25/ 63)، ونقل الإجماع أيضًا: الشافعي في الأم (6/ 106)، وابن حزم في مراتب الإجماع ص/ 229، وابن رشد في بداية المجتهد 2/ 310.
(5)
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 24): هذه الجملة ليست في حديث عمرو بن حزم الطويل، وإنما أخرجها البيهقي من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقال: =
حكي عن ابن عُلَيَّة والأصم أنّ ديتها كدية الرّجل، ورُدَّ
(1)
.
(ويساوي جِراحُها) أي: المرأة (جِراحَه) أي: الرجل من أهل دينها كيف كانا (فيما دون ثلث دِيته، فإذا بَلَغته) أي: الثلث (أو زادت) عليه (صارت على النِّصفِ) لما روى عَمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عَقْل المرأة مثل عَقْل الرجل، حتى تبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي والدارقطني
(2)
.
وروى مالك عن ربيعة قال: "قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبعِ المرأةِ؟ قال: عشر من الإبل، قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون، قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون، قلت: ففي أربع أصابع؟ قال: عشرون، قلت: لما عظمت مصيبتها قَلَّ عَقْلُها؟ قال: هكذا السُّنَّة يا ابن أخي"
(3)
.
(و
دية الخنثى المُشْكِل نصف دية رَجُل، ونصفُ دية أنثى)
لأنَّ
= إسناده لا يثبت مثله.
وهو عند البيهقي (8/ 95) من طريق بكر بن خنيس، عن عبادة بن نُسيّ، عن ابن غنم، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعًا، بلفظ "دية المرأة على النصف من دية الرجل"، قال: وروي ذلك من وجه آخر عن عبادة بن نسي، وفيه ضعف.
(1)
انظر: المغني (12/ 56).
(2)
النسائي في القسامة باب 36 - 37، حديث 4819، والدارقطني (3/ 91). وأخرجه -أيضًا- ابن الجوزي في التحقيق (2/ 325) حديث 1809، عن إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 396) رقم 17756، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، مرسلًا، وأيضًا رقم 17757 عن معمر، عن رجل، عن عكرمة، مرسلًا.
وأورده السيوطي في الجامع الصغير (4/ 319 مع الفيض) ورمز لضعفه.
(3)
مالك في الموطأ (2/ 860). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 394 - 395) رقم 11749 - 17750، وابن أبي شيبة (9/ 302)، والبيهقيُّ (8/ 96).
ميراثه كذلك، لا يقال: الواجب دية أنثى لتيقنها؛ لأنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالًا متساويًا، فوجب التوسط والعمل بكلا الاحتمالين.
(ويُقاد به) أي: الخنثى (الذَّكر والأنثى، ويُقاد هو بكل واحد منهما) بشرطه، وتقدم
(1)
(ويساوي) أرْش (جراحه) أرْش (جراح الذَّكَر فيما دون الثلث) لأنَّ أدنى حاليه أن يكون امرأة (وفي) جراح يوجب (الثُّلث) كالجائفة (وما زاد عنه) أي: الثلث كاليد (ثلاثةَ أرباعٍ) أرْشِ (جُرْحِ ذَكَرٍ) لأنَّ الجراح كالتابع للقتل.
(و
دية الذَّكَر الكتابي الحُرِّ نصفُ دية الحر المسلم)
لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا قال:"دية الكتابيِّ نصف دية المسلم" رواه أحمد، وأبو داود
(2)
وحسَّنه (إن كان ذميًّا، أو مستأمنًا، أو معاهَدًا) لاشتراكهم في حَقْنِ الدَّم، أما الحربي فَهَدْرٌ (وجِراحاتُهم) أي: أهل الكتابين (من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم) لأنَّ الجراح تابع للقتل.
(و
دية الذَّكرِ الحُرِّ المجوسي ثمانمائة درهم)
في قول
(1)
(13/ 247).
(2)
أحمد (2/ 183، 224)، وأبو داود في الديات، باب 18، 23، حديث 4542. وأخرجه -أيضًا- النسائي في القسامة، باب 37 - 38، حديث 4820، وابن ماجه في الديات، باب 13، حديث 2644، والطيالسي ص/ 299، حديث 2268، والدارقطني (3/ 171)، والبيهقي (8/ 101)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 326) حديث 1815.
وأخرجه الترمذي في الديات، باب 17، حديث 1413، والنسائي في القسامة، حديث 4821، وابن أبي شيبة (9/ 287 - 288)، وابن الجوزي في التحقيق حديث 1814، بلفظ: دية عقل الكافر نصف دية عقل المؤمن.
قال الترمذي: حديث حسن.
عمر
(1)
وعثمان
(2)
وابن مسعود
(3)
؛ لما روى عقبة بن عامر مرفوعًا: "دية المجوسيِّ ثمانمائة درهم" رواه ابن عدي
(4)
، وطعن فيه بعضُهم. وقوله صلى الله عليه وسلم:"سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهل الكتاب"
(5)
: محمول على أخذ الجزية وحَقْنِ الدم، لا في كل شيء، بدليل أنَّ ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا (إن كان) المجوسيُّ (ذميًّا، أو مستأمنًا، أو معاهدًا، بدارنا، أو غيرها) لحقن دَمه، بخلاف الحربي.
(1)
أخرج الترمذي في الديات، باب 17، إثر حديث 1413 معلقًا، وأخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 107)، وعبد الرزاق (10/ 95، 244) رقم 18489، 19001، وابن أبي شيبة (9/ 288)، والطبري في تفسيره (5/ 213 - 214)، والدارقطني (3/ 119)، والبيهقيُّ (8/ 100)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 142) رقم 16217، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 326) رقم 1816، عن عمر رضي الله عنه موصولًا، قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، ودية المجوسي ثمانمائة.
قال البيهقي في المعرفة: وهو في كتاب الدارقطني بإسناد صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق (10/ 94) رقم 18484، من طريق عمرو بن شعيب، أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب، أن المسلمين يقعون على المجوس فيقتلونهم فماذا ترى؟ فكتب إليه عمر: إنما هم عبيد فأقمهم قيمة العبد فيكم، فكتب أبو موسى بثمانمائة درهم، فوضعها عمر للمجوسي.
(2)
ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (25/ 164)، وابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (5/ 54).
(3)
أخرج البيهقي (8/ 101)، عن ابن شهاب، أن عليًّا وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان في دية المجوسي ثمانمائة درهم.
(4)
في الكامل (4/ 1524) من طريق أبي صالح كاتب الليث، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، به.
وأخرجه -أيضًا- البيهقي (8/ 101) وقال: تفرد به أبو صالح كاتب الليث، والأول -أي أثر علي، وابن مسعود رضي الله عنهما أشبه أن يكون محفوظًا.
(5)
تقدم تخريجه (7/ 224) تعليق رقم (5).
(وجراح كل أحد
(1)
معتبرة) بالنسبة (من ديته) لما تقدم (و
تضعَّف دية الكافر على قاتله المسلم عمدًا،
ويأتي آخر الباب) موضَّحًا.
(فأما عَبَدَةُ الأوثان، وسائر مَن لا كتاب له، كالتُّرْكِ، ومَن عَبَدَ ما استحسن، فلا دية لهم إذا لم يكن لهم أمانٌ ولا عهدٌ) لأن دماءهم مهْدَرة إذًا (فإن كان له أمان؛ فدِيته دِية المجوسي) لأنه كافر لا تحلّ ذبيحته، أشبه المجوسيَّ (ومن لم تبلغه الدعوة -إن وُجِد-) وقد أُخبِرْتُ عن قوم بآخر بلاد السودان، لا يفقهون ما يُقال لهم من غيرهم، وحينئذ فهؤلاء لم تبلغهم الدعوة (فلا ضمان فيه، إذا لم يكن له أمان) لأنه لا عَهْد له ولا أمان، أشبه الحربي، لكن لا يجوز قتله حتى يُدْعى (فإن كان له أمانٌ، فدِيته دِية أهل دينه) لأنه مَحْقُونُ الدم (فإن لم يُعرف دِينُهُ؛ فكمجوسيٍّ) لأنه اليقين، وما زاد عليه مشكوكٌ فيه.
(ودية العبد والأَمَة قيمتُهما، ولو بلغت) قيمتُهما (ديةَ الحُرِّ أو زادت عليها) أي: على دِية الحُرِّ؛ لأنَّ القِنَّ مالٌ متقوّم، فيضمن بكمال قيمته كالفرس، ويخالف الحُرّ؛ فإنَّه يضمن بما قدَّره الشارع، فلم يتجاوزه؛ ولأنه ليس بضمان مال، ولذلك لم يختلف باختلاف صفته، وهذا ضمان مال يزيد بزيادة الملكية، وينقص بنقصانها، فاختلفا.
(والمدبَّر والمكاتَب وأمّ الولد، كالقِنِّ) وكذا المعلَّق عتقه بصفة قبل وجودها؛ لحديث: "المكاتَب قِنٌّ ما بقي عليه درهم"
(2)
والباقي بالقياس عليه.
(وفي جراحه) أي: القِنّ بسائر أنواعه (إن لم يكن) أرْش
(1)
في "ذ": "واحد".
(2)
تقدم تخريجه (10/ 520) تعليق رقم (1).
جراحته
(1)
(مقدّرًا من الحُرّ -كما لو شجَّه دون موضِحة- ما نقصه بعد التئام الجرح) أي: برئه (ولو زاد) ذلك (على أرْش الموضحة) لأنَّ الواجب إنما وجب جبرًا لما فات، وبذلك ينجبر.
(وإن كان) أرْش الجرح (مُقدَّرًا من الحُرّ) كالموضِحة واليد (فهو مقدَّر من العبد، منسوب إلى قيمته) لأن قيمته كدية الحُرّ (ففي يده) أي: القِن، (نصفُ قيمته، وفي موضِحته نصفُ عُشْر قيمتِه، نقصته الجنايةُ أقلَّ من ذلك أو أكثر) منه؛ لأنه ساوى الحُرَّ في ضمان الجناية بالقصاص والكفَّارة، فساواه في اعتبار ما دون النفس، كالرجل والمرأة.
(ومن نصفُه حرٌّ) ونصفه رقيق (فعلى قاتله نصف دية حُرٍّ، ونصفُ قيمته إذا كان) القتل (عمدًا) لأنه لا تحمله العاقلة (وإن كان) القتل (غيره) أي: غير عمد، بأن كان خطأً، أو شِبه عَمْدٍ (ففي ماله نصفُ قيمته) لأنها لا تحملها العاقلة (ونصف الدية على العاقلة.
وكذا الحُكم في جِراحه) أي: المبعَّض (إن كان قَدْرُ الدية من أرْشها يبلغ ثُلُث الدية، مثل أن يقطع أنفَه أو يديه) أو رجليه أو ذكره أو خُصيتيه، فعلى العاقلة نصفُ دية ذلك، إن كان خطأً أو شبْه عَمْد (وإن قطع إحدى يديه، فـ) ـــعليه ربع الدية، وربع قيمته، ويكون (الجميع على الجاني) لأنَّ العاقلة لا تحمل ما دون الثلث، ولا القيمة.
(وإذا قطع) الجاني (خُصيتي عَبْدِ أو) قطع (أنفه، أو) قطع (أذنيه؛ لزمته قيمته للسيد) لأنَّ القيمة بدل عن الدية في الأعضاء المملوكة للسيد (ولم يزُل مِلك السيد عنه) لأنه لم يوجد سبب يقتضي الزوال، فوجب بقاؤه على ملكه، عملًا باستصحاب الحال؛ لأنَّ قَطْع بعض أعضائه
(1)
في "ذ": "جراحه".
بمنزلة تلف بعض ماله.
(وإن قطع) الجاني (ذَكَره) أي: القِن (ثم خَصَاه، لزمته قيمته؛ لقطع الذكر) لأن الواجب في ذلك من الحُرّ دية كاملة (و) لزمه (قيمته مقطوع الذَّكر) لأنَّ الواجب في قطع الخُصيتين من الحر بعد الذكر دية كاملة، واعتبر مقطوع الذكر اعتبارًا بحال الجناية عليهما (ومِلك سيده باق عليه) لما مر.
وفي سمعه وبصره قيمتاه، وكذا أنفه وأذناه، مع بقاء ملك السيد.
(والأَمة كالعبد) والصغير كالكبير، فيما تقدم (وإن بلغت جراحاتها
(1)
) أي: الأمة (ثلث قيمتها؛ لم تُرَدَّ إلى النصف) بخلاف الحُرَّة (لأن ذلك) أي: الرد إلى النصف (في الحُرَّة على خلاف الأصل) فلا يُقاس عليه.
فصل
(ودية الجنين) أي: الولد في البطن، من الإجْنان
(2)
وهو: السَّتر؛ لأنه أجنَّهُ بطنُ أُمِّه أي: سَتَره، ومنه قوله تعالى:{وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}
(3)
(الحُرّ المسلم، إذا سقط) كلُّه (ميتًا بجنايةٍ) أو فزعًا
(4)
إذا طلبها السلطان، أو من ربح طعام مع علم ربّه، وتقدم
(5)
(عمدًا) كانت
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 152): "جراحتها".
(2)
في "ذ": "الاجتنان".
(3)
سورة النجم، الآية:32.
(4)
في "ذ": "أو فزع".
(5)
(13/ 349 - 351).
الجناية (أو خطأً، أو ظهر بعضُه) ولم يخرج باقيه؛ ففيه الغُرَّة (أو ألقته حيًّا لدون ستة أشهر) لأنَّ العادة لم تَجْرِ بحياتِه (أو ألقت) الحاملُ المجنيُّ عليها (يدًا، أو رجلًا، أو رأسًا، أو جزءًا من أجزاء الآدمي) كأذن وإصبع، وسواء كان سقوطه (في حياة أُمّه أو بعد موتها، أو ألقت) المجنيُّ عليها (ما تصير به الأَمَة أمَّ ولد) وهو ما تبيَّن فيه خلق إنسان، ولو خفيًا، بجناية أو ما في معناها (غُرَّةُ) أي: دية الجنين فيما ذكر غُرَّة (عبدٌ أو أمةٌ) لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك، كما رواه الشيخان
(1)
. والأحسن تنوينُ "غُرَّة"، و"عبد أو أمة" بدل، وتجوز الإضافة على تأويل إضافة الجنس إلى النوع، كشجر أراك، وسُمِّيَا بذلك؛ لأنهما من أنفَس الأموال، والأصل في الغُرَّة الخيار، وأصلها البياض في وجه الفرس، وليس البياض في العبد أو الأمة شرطًا عند الفقهاء.
(قيمتها) أي: الغُرَّة (خمس من الإبل) رُوي عن عُمر، وزيد
(2)
؛ لأنَّ ذلك أقل ما قدَّره الشرع في الجناية، وهو أرش الموضِحة، فرددناه إليه، وأما الأنملة فوجبت ديتها بالحساب من دية الإصبع. وإذا اختلفت قيمة الإبل، ونصف عُشْرِ الدية من غيرها، فظاهر الخرقي أنها تُقوَّم بالإبل؛ لأنها الأصل، وقال غيره: تُقوَّم بالذهب أو الوَرِق، فتجعل قيمتها خمسين دينارًا أو ستمائة درهم.
(1)
تقدم تخريجه (13/ 329) تعليق رقم (1).
(2)
لم نقف على من أخرجه عنهما مسندًا. قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 38): لم أجده عنهما، بل روى البيهقي عن عمر أنَّه قوَّم الغرة خمسين دينارًا. قلنا: أخرج ابن أبي شيبة (9/ 254)، ومن طريقه البيهقي (8/ 116)، عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوَّم الغرة خمسين دينارًا. قال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 38): لا منافاة بينهما في المعنى.
(ذكرًا كان) الجنين (أو أنثى) لعموم الأخبار (وهو) أي: ما ذكر من الخمس من الإبل (عُشر دية أُمّه) الحُرَّة المُسلِمة، وتأتي محترزات ما سبق في كلامه، وقوله:(من ضربة أو دواء أو غيره) كفزعها للاستعداء عليها، أو شم ريح طعام -على ما تقدَّم
(1)
- متعلّق بـ"سقط".
(ولو) كان سقوط الجنين (بفعلها) أي: فِعل أُمّه، بأن شربت دواء فألقت جنينها، فعليها الغُرَّة (ويُعلم ذلك) أي: أن سقوطه بالجناية (بأن يسقط عَقِب الضرب، أو تبقى) أُمه (متألّمة إلى أن يسقط) لأنَّ الظاهر إذًا سقوطه بسبب الضرب.
(وإن ألقتـ) ــــه بجناية (رأسين أو أربع أيدٍ) أو أرجل (لم يجب أكثر من غُرَّة؛ لأنه يجوز أن يكون) ذلك (من جنين واحد، وما زاد مشكوك فيه) فلم يجب به شيء.
(وإن دفع بدل الغُرَّة دراهم أو غيرها) من أحد الأصول أو غيرها (ورضي المدفوع إليه؛ جاز) لأن الحقَّ لا يعدوهما، وإن أبى أحدُهما لم يُجبر؛ لأنها معاوضة، فلا تصح بغير الرِّضا.
(ولو قَتل حاملًا ولم تُسْقِطْ جنينها) فلا شيء فيه؛ لأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه (أو ضَرب مَن في جوفِها حركةٌ أو انتفاخ، فسكَّن الحركة وأذهبها) فلا شيء فيه؛ لما مرَّ، بل هنا أولى؛ للشك.
(أو أسقطت ما ليس فيه صورة آدمي، أو ألقت مُضغة، فشهد ثقات من القوابل أنَّه مبدأ خَلْقِ آدمي لو بقي تصوَّر) آدميًّا فلا شيء فيه؛ لأنه ليس بولد.
(أو ضَرب بطن حربيَّة) حامل (أو) بطن (مرتدَّة حامل فأسلمت،
(1)
(13/ 349 - 351).
ثمَّ وضعت جنينًا ميتًا، فلا شيء فيه) لأنه لم يحصُل منه جناية عليها حين عصمتها (وإن شهدن
(1)
) أي: الثقات من القوابل -ولعل المراد واحدة- (أنَّ فيه صورة) خفية (ففيه غُرَّة) لأنه مما لا يطلع عليه الرجال غالبًا.
(وإذا كان أبوَا الجنين كتابيين، فَغُرَّتُهُ نصف قيمة غُرَّة المسلم) كما أن أصله كذلك.
(و
قيمة غُرَّة جنين المجوسية أربعون درهمًا)
لأنَّ ذلك عُشْرُ دية أُمّه (فإن تعذَّر وجود غُرَّة بهذه الدراهم؛ وجبت الدراهم) لورثة الجنين، كما لو تعذَّرت غُرَّة المسلم (وإن لم يجد الغُرَّة، وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية؛ لأنَّ الخيرة إلى الجاني
(2)
في دفع ما شاء من الأصول) الخمسة.
فصل
(والغُرَّة موروثة عنه) أي: الجنين (كأنه سقط حيًّا) لأنها دية آدمي حُرّ، فوجب أن تكون موروثة عنه، كما لو ولدته حيًّا ثمَّ مات، وقال الليث: هي لأمه ولا يورث عنه غيرها
(3)
(يرثها) أي: الغُرَّة (ورثته) أي: الجنين.
(فلا يرث منها قاتل ولا رقيق) لقيام المانع وهو القتل أو الرق.
(1)
في "ذ": "شهدت".
(2)
في "ذ": "للجاني".
(3)
مختصر اختلاف العلماء للجصاص (5/ 175)، والاستذكار لابن عبد البر (25/ 89).
(وترث عصبةُ سيِّدٍ قاتلٍ جنين معتَقته) أي: لو ضرب السيدُ بطنَ عتيقته فأسقطت جنينها، كان عليه غُرَّة، يرثها أم الجنين، وعصبة السيد دونه؛ لأنه قاتل، وكذا لو ضرب بطنَ أُمِّ ولده الحامل منه.
و (لا) غُرَّة عليه في (جنين أَمَته) إذا ضَرَبها فأسقطته؛ لأنه ملكه (إلا أن يكون) جنين أَمَته (حُرًّا)، فعليه غُرَّة لورثة الجنين.
(فإن أسقطته ميتًا، ثم ماتت) أُمَّه الحُرَّة (ورثت نصيبها من الغُرَّة) لتأخر حياتها (ثم يرثها) أي: حصتها (ورثتها) كسائر مالها.
(وإن ماتت قبله، ثم ألقته ميتًا، لم يرث أحدهما صاحبه) لموتها قبله، فلا ترثه، ولعدم استهلاله لا يرثها.
(وإن خرج) الجنين (حيًّا) لوقت يعيش لمثله (ثم ماتت قبلَه، ثم مات) ورثها؛ لتأخُّر حياته (أو ماتت، ثم خرج) الجنين (حيًّا ثم مات؛ ورِثها) لتأخُّر حياته (ثم يرثه ورثته.
وإن اختلف ورثتهما) أي: المرأة وجنينها (في أولهما موتًا؛ فلهما حكم الغرقي) وتقدم
(1)
.
(وإن ألقت) مجني عليها (جنينًا ميتًا أو حيًّا، ثم ماتت، ثم ألقت آخر حيًّا، ففي الميت غُرَّة) لما سبق (وفي الحيِّ الأول) إن مات بسبب الجناية (دية إن كان سقوطه لوقت يعيش مثله) فيه، وهو ستة أشهر فأكثر (ويرثهما) أي: المرأةَ وجنينَها الحيُّ (الآخرُ، ثم يرثه ورثتُه إن مات.
وإن كانت الأم ماتت بعد الأول وقبل الثاني، ورثت الأم والجنين الثاني من دية الأول) لتأخُّر حياتهما عنه (ثم إذا ماتت الأم) قبل الثاني (ورثها الثاني) لأنه ابنها (ثم يصير ميراثه لورثته) إن مات.
(1)
(10/ 478).
(فإن ماتت الأمُّ بعدهما) أي: بعد الجنينين (ورثتهما) أي: ورثت منهما (جميعًا) سواء ماتا معًا، أو مرتبين.
(و
إن ضرب) الجاني (بطنَها، فألقت أجنة)
اثنين فأكثر (ففى كلِّ واحد غُرَّة) كما لو قتل اثنين فأكثر، ولا تتداخل؛ لأنها حقوق لآدمي، أشبهت الديون.
(وإن ألقتهم) أي: الأجنة (أحياء لوقت يعيشون لمثله، ثم ماتوا) بسبب جنايته (ففي كلِّ واحد منهم دية كاملة) كما لو كانت الجناية عليهم بعد ولادتهم أحياء.
(و
إن كانت أم الجنين أَمَة وهو حُرُّ) ففيه غُرَّة
قيمتها خمس من الإبل (فَتُقَدَّر) أُمَّه (حُرَّة) لتكون بصفة الجنين.
(أو كانت) أُمِّ الجنين (ذميةَ حاملًا من ذمي، ومات) الذمي بدار الإسلام، ثم جُني على أمه فأسقطته، ففيه غُرَّة؛ لأنه مسلم (على أصلنا) أي: قاعدة مذهبنا: أن من مات بدار الإسلام وله ولد غير بالغ، فهو مسلم تبعًا للدار (فَتُقَدَّر) الذمية (مسلِمة) اعتبارًا بصفة الجنين.
(ولا يُقبل في الغُرَّة خنثى، ولا خَصِيُّ، ونحوه) كموجوء الخُصيتين ومسلولهما؛ لأنه عيب (وإن كثرت قيمته، ولا معيبٌ يُرَدُّ في البيع، ولا هَرِمَة) لأن الغُرَّة بدل، فاعتبرت فيها السلامة، كإبل الصدقة، بخلاف الكفارة فإنها جبار.
(ولا من له دون سبع سنين) لأنه مُحتاج إلى من يكلفه (بل) يقبل فيها (من له سبع) سنين (فأكثر، ولو جاوز خمس عشرة سنة، أو) كان (أسود، كأبيض) لعموم الأخبار.
فصل
(وإن كان الجنين مملوكًا، ففيه عُشر قيمة أمه يوم الجناية) لأنه جنين آدمية، وقيمة الأمة بمنزلة دية الحرة كما تقدم
(1)
؛ ولأنه جزء منها، فَقُدِّر بَدَلُه من قيمتها، كسائر أعضائها (نقدًا) لأنه قيم المتلفات المتقوّمة (ومع سلامته) أي: جنين الأمة من العيب (وعيبها، تُعتبر) الأمة (سليمة) ويؤخذ عُشر قيمتها اعتبارًا بوصفه (ولو كانت أمه) أي: الجنين الرقيق (حُرَّة، فَتُقَدَّر أَمَة، ويؤخذ عُشر قيمتها نقدًا) اعتبارًا بحال الجنين.
(و
لا يجب مع الغُرَّة ضمان نقص الأم)
لأنها جناية واحدة، فلا توجب أرشين.
(وولد المُدبرَّة، و) ولد (المُكاتَبة، و) ولد (المعلَّق عتقها بصفة) قبل وجودها (و) ولد (أم الولد، إذا حملت) كل من المذكورات (من غير سيدها، من غير من يَعتق عليه) بخلاف نحو أخيه، فإن ولده يعتق على السيد؛ لأنه رحم محرم (له حكم ولد الأَمَة؛ لأنه مملوك) تبعًا لأُمّه، حيث لا شرط ولا غرور
(2)
(وجنينُ معتَقٍ بعضُها بالحساب) فإذا كان نصفها حرًّا، فنصفه حُرّ، فيه نصف غُرَّة لورثته، وفي النصف الباقى نصف عشر قيمة أُمه لسيده.
(و
إذا سقط جنين ذمية قد وطئها مُسلِم وذمي في طُهر واحد،
وجب فيه ما في الجنين الذِّمي) لأنه اليقين، وما زاد مشكوك فيه (فإن أُلحق بعد ذلك بالمسلم، فعليه) أي: الجاني (تمام الغُرَّة) لاتضاح الحال.
(1)
(13/ 364).
(2)
في "ح" و"ذ": "غرر".
(وإن ادعت نصرانية) أو يهودية، أو غيرها من الكوافر (أو) ادعى (ورثتُها أنَّ جنينها من مسلم، من وطء شُبهة أو زنًى، فإن اعترف الجاني) بذلك (فعليه غُرَّة كاملة) مؤاخذةً له بإقراره (وإن اعترفت العاقلة -أيضًا- وكان مما تَحْمِلُه) العاقلة، بأن كانت الجناية غير عَمْد، ومات مع أمه، أو بعدها (فالغُرَّة عليها) أي: العاقلة؛ لاعترافها (وتحلف) العاقلة (مع الإنكار) أنه من مسلم (وعليها ما في جنين الذميَّين، والباقي على الجاني) إن اعترف؛ لثبوته باعترافه.
(وإن اعترفت العاقلة دون الجاني، فالغُرَّة عليها مع دية أُمه) حيث مات بعدها أو بجناية واحدة.
(وإن أنكر الجاني والعاقلة) أنه من مسلم (فالقول قولهم، مع أيمانهم: إنَّا لا نعلم أن هذا الجنين من مسلم، ووجبت دية ذمي) وهي غُرَّة، قيمتها عشر دية أمه على ذلك الدِّين، عملًا بالظاهر (ولا يلزمهم اليمين على البَتِّ) أي: إن هذا ليس من مسلم؛ لأنه ليس من فعلهم.
(وإن كان) ما وجب في الجنين (ممَّا لا تحمله العاقلة) لكونه دون ثلث الدية، ومات قبل أمّه، أو بجناية منفردة (فقول الجاني وحده مع يمينه) لأنه الخصم فيه دون العاقلة.
(ولو كانت النصرانية امرأة مسلم) أو سُرِّيَّتَه (فادعى الجاني أنَّ الجنين من ذمي بشُبهة أو زنًى) وأنكر ورثة الجنين (فقول ورثة الجنين) مع يمينه؛ لأن الجنين محكوم بإسلامه، فإن الولد للفراش.
فصل
(وإذا كانت الأَمةُ بين شريكين، فحملت بمملوكٍ، فَضَرَبها أحدُهما
فأسقطت) فعليه كفَّارة؛ لأنه أتلف آدميًّا، و (ضمن) الضارب (لشريكه نصفَ عُشْرِ قيمةِ أُمّهِ) كما لو كان غيرهما (ويسقطُ ضمانُ) نصيبه (نفسه) لأن الإنسان لا يضمن ماله لنفسه.
(وإن أعتقها الضارب بعد ضَرْبها، وكان معسِرًا) بقيمه حصة شريكه (ثم أسقطت، عَتَق نصيبُه منها ومن ولدها) بمجرَّد العتق (وعليه لشريكه نصفُ عُشر قيمةِ الأمِّ) لأن له نصف جنينها.
(ولا يجب عليه) أي: الضارب (ضمانُ ما أعتقه) للورثة؛ لأنه لم يوجد منه بعد العتق جناية، وقبل العتق كان مملوكه.
(وإن كان) الضارب (موسِرًا، سرى العتقُ إليها وإلى جنينها) وعليه ضمان نصيب شريكه من الجنين بنصف عُشْر قيمة أُمه، ولا يضمن أُمه؛ لأنه قد ضَمِنها بإعتاقها، فلا يضمنها بتلفها.
(وإن ضَرَب غيرُ سَيِّد بطن أَمَة، فعَتَقَت مع جَنِينها) بأن كان عِتقُها معلَّقًا على صفة، فوجدت؛ أو نَجَّزَ السيدُ عتقها (أو عَتَق) الجنين (وحدَه) بأن أعتقه مالكهَ (ثم أسقطت، ففيه غرة) لأنه سقط حرًّا، والعبرة بحال السقوط؛ لأنه قبل ذلك لا يحكم فيه بشيء.
(وإن كان الجنين) حرًّا (محكومًا بكفره، ففيه غُرَّة، قيمتُها عُشْر دية أُمّه) وتقدم
(1)
.
(وإن كان أحد أبويه كتابيًّا، والآخر مجوسيًّا، اعتُبر أكثرهما دية، من أب أو أم، وأخذ غُرّة قيمتها عُشْر الدية) أي: دية أُمه، لو كانت على الدِّين الأكثر دية؛ لأن الولد يتبع أشرف أبويه دِينًا.
(وإن سقط الجنين حيًّا، ثم مات، ففيه دية حُرٍّ إن كان حُرًّا)
(1)
(13/ 368).
ذكرًا
(1)
إن كان ذكرًا، أو أنثى إن كان أنثي (أو قيمته إن كان مملوكًا، إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله، وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدًا، إذا ثبتت حياته باستهلاله) أي: صراخه (أو ارتضاعه، أو تنفُّسِه، أو عُطاسه، أو غير ذلك مما تُعْلَم به حياتُه) لأنه حيّ مات بجناية، أشبه ما لو باشره بالقتل (ولا تثبت حياته بمجرَّد حركة واختلاج) لأنه قد يتحرَّك بالاختلاج، وسبب آخر، وهو خروجه من مضيق، فإن اللَّحم يختلج، سيما
(2)
إذا عُصِرَ ثم تُرِك، فلم تثبت بذلك حياته.
(و) إن سقط حيًّا (لدون ستة أشهر) فـ (ــحُكمُهُ حكمُ الميت) لأنه لا حياة فيه يجوز بقاؤها، أشبه الميت.
(وإن ألقته حيًّا، فجاء آخرُ فقَتَله وكانت فيه حياةٌ مستقرَّةٌ؛ فعلي الثاني القِصاص، إذا كان) قَتَله (عمدًا) لأنه القاتل (أو الدية كاملةً) مع العفو، وفي الخطأ وشِبه العمد فالدية على العاقلة (إذا كان سقوطُه لوقتٍ يعيش لمثله) وإلا فهو كالجاني على ميت، يعزَّر فقط، والغُرَّة على الأول.
(وإن لم تكن فيه حياة مستقرَّةٌ؛، بل كانت حركته كحركة المذبوح، فالقاتلُ هو الأول، وعليه الدِّيةُ كاملةً، ويؤدَّبُ الثاني) كالجانى على ميت.
(وإن بقي الجنينُ) بعد الوضع (حيًّا، وبقي زمنًا سالمًا لا ألَمَ به، لم يضمَنْهُ الضاربُ؛ لأن الظاهر أنه لم يمت من جِنايته.
وإن اختلَفَا) أي: الجاني ووارث الجنين (في خروجه حيًّا ولا بيّنة؛
(1)
في "ذ": "ذكر".
(2)
"أي: خصوصًا". ش.
فقول جانٍ مع يمينه): إنه لم يخرج حيًّا؛ لأن الأصل براءةُ ذِمَّته من الدية الكاملة، وإن كان ثَمَّ بينة عُمِلَ بها.
فصل
(وإن ادّعتْ) امرأةٌ على آخر (أنه ضَرَبها فأسقطت جنينَها، فأنكر) الضربَ (فالقول قولُه) بيمينه؛ لأن الأصل عدمه.
(وإن أقرَّ) بالضرب (أو ثبت ببينة أنه ضَرَبها، وأنكر إسقاطَها، فقوله -أيضًا- مع يمينه: إنه لا يعلم إسقاطَها) لا على البتِّ؛ لأنه
(1)
يمين على فعل الغير، والأصل عدمه.
(وإن ثبت الإسقاطُ والضربُ، وادَّعى أنها أسقَطَتْهُ من غير ضربه، وأنكرَتْه، فإن كانت أسقطته عَقِب ضربها؛ فـ) ــــالقول (قولُها) بيمينها؛ لأن الظاهر أنه من الضرب؛ لوجوده عقبه مع صلاحيته لأن يكون سببًا له.
(وإن ادَّعى أنها ضربت نفسَها، أو شربت دواءً أسقطت منه؛ فقولُها) لأن الأصل عدمه.
(وإن أسقطت بعد الضرب بأيام، وبقيت متألِّمة إلى حين الإسقاط؛ فقولُها أيضًا) لأنه الظاهر (وإن لم تكن متألِّمة، فقوله) بيمينه (كما لو ضرب إنسانًا، فلم يَبْقَ متألِّمًا، ولا ضَمِنًا، ومات بعد أيامٍ) لم يضمنه الضارب؛ لأن الأصل براءته، ولم يتحقَّق موته بجنايته.
(وإن اختلفا في وجود التألّم) بأن قالت: بقيتُ متألِّمة إلى الإسقاط، وأنكر الجاني (فقوله) بيمينه؛ لادعائه الأصل.
(1)
في "ذ": "لأنها".
(وإن تألَّمتْ في بعضْ المُدَّة، فادَّعى) الجاني (بُرْأها) فأنكرته (فقولُها) لأن الأصل عدمه.
(وإن قالت: سقط حيًّا) لوقت يعيش لمثله، ففيه دية كاملة (وقال): سقط (ميتًا) ففيه غُرَّة (فقوله) بيمينه؛ لأن الأصل براءته من الدية.
(وإن ثبتت حياته) أي: ما ولدته (وقالت): ولدته (لوقت يعيش، لمِثْله، وأنكر) ها الجاني (فقولُها) مع يمينها؛ لأن ذلك لا يُعلم إلا من جِهتها، ولا يُمكن إقامة البينة عليه، فَقُبِلَ قولُها فيه، كانقضاء عِدَّتها، ووجود حيضها وطُهرها.
(وإن أقامت بينة باستهلاله، وأقام) الجاني (بينة بخلافها، قُدِّمت بينتُها) لأنها مثبتة ومعها زيادة علم.
(وإن قالت: مات) الولد (عقب الإسقاط، وقال) الجاني: (عاش مُدَّة) ثم مات بعد ذلك بغير الجناية (فقولُها) بيمينها، اعتبارًا بالسبب الظاهر.
(ومع التعارض) بأن أقام كلٌّ منهما بينة بدعواه (تُقَدَّم بينته) لأن معها زيادة عِلْم.
(وإن ثبت أنه عاش مُدَّة، فقالت المرأة: بقي متألّمًا حتى مات، فأنكر؛ فقوله) بيمينه؛ لأن الأصل عدم التألُّم.
(ومع التعارض تُقَدَّم بينتها) لأن معها زيادة علم (ويُقبل -في استهلال الجنين و) في (سقوطه و) في (بقائه متألّمًا، أو بقاء أمه متألّمة- قولُ امرأة عدل) لأنه مما لا يَطّلع عليه الرجال غالبًا.
(وإن اعترف الجاني باستهلاله، أو ما يوجب فيه دية كاملة؛ فالدية
في ماله) أي: الجاني؛ لأن العاقلة لا تحمل اعترافًا (وإن كان مما تحمل العاقلة فيه الغُرَّة) لكونه مات مع أُمّه أو بعدها بجناية واحدة (فهي) أي: الغُرّة (على العاقلة، وباقي الدية في مال القاتل) لأنها لا تحمل الاعتراف.
(وكلُّ مَن) قلنا: (القول قوله، فـ) ـــهو (مع يمينه) كما سبق؛ لاحتمال صدق خصمه.
فصل
(وإن انفصل منها جنينان: ذكر وأُنثى، فاستهلَّ أحدُهما) ومات، وسقط الآخر ميتًا (واتفقوا على ذلك) أي: استهلال أحدهما (واختلفوا في المستهِل، فقال الجاني: هو الأنثى، وقال وارثُ الجنين: هو الذكر؛ فقول الجاني) بيمينه؛ لأن الأصل براءته مما زاد عن دية الأنثى (فإن
(1)
كان لأحدهما بينة؛ قُدِّمَ بها) لأن البينة تظهر الحق وتبينه.
(وإن كان لهما بينتان، وجبت ديةُ الذَّكَرِ) لثبوت استهلاله، والبينة المعارضة لها نافية، ولم تجب دية الأنثى؛ لعدم ادعاء وارثها إياها.
(وإن) لم تكن بينة و (اعترف الجاني باستهلال الذَّكَر، فأنكرت العاقلةُ) استهلاله (فقولُهم) لأن الأصل براءتهم.
(فإذا حَلَفُوا، كانت عليهم دية الأنثى) لاعترافهم باستهلالها (وعلى الجاني تمام دية الذَّكَر، وهو نصف الدية) مؤاخذةً له باعترافه.
(وإن اتفقوا على أنَّ أحدهما استهلَّ ولم يُعرف، لزم العاقلةَ ديةُ أنثى) لأنها اليقين، وما زاد مشكوك فيه (وتجب الغُرَّة في الذي لم يستهلَّ)
(1)
في "ذ": "وإن".
منهما بكل حال.
(وإن ضربها) الجاني (فألقت يدًا، ثم ألقت جنينًا، فإن كان إلقاؤهما متقاربًا، وبقيت المرأة متألّمة إلى أن ألقته؛ دخلت) دِيةُ (اليد في ضمان الجنين) لأن الظاهر أن الضرب قَطَع يده، وسرى إلى نفسه (ثم إن كان) الجنين (سقط ميتًا، أو حيًّا لوقت لا يعيش لِمثْله؛ ففيه غُرَّة) لما مرَّ.
(وإلا) بأن سقط حيًّا لوقت يعيش لمثله (فديةٌ كاملةٌ) لما سبق.
(وإن بقي حيًّا لم يمت، فعلى الضارب ضمان اليد بديتها) كما لو جنى على إنسان، فقطع يده.
(وإن ألقت اليدَ وزال الألمُ، ثم ألقت الجنينَ؛ ضَمِن اليد وحدَها) لسقوطها بسبب جنايته، بخلاف الجنين (ثم إن ألقته ميتًا، أو حيًّا لوقت لا يعيش لمثله، ففي اليد نصف غُرَّة) لأن الجنين لو كان مضمونًا إذًا، كان فيه غُرَّة، وفى اليد نصف دية النفس.
(وإن ألقته) بعد إلقاء اليد (حيًّا لوقت يعيش لمثله، ثم مات، أو عاش، وكان بين إلقاء اليد وإلقائه مُدَّة يحتمل أن تكون الحياة لم تُخْلَق فيه) أي: الجنين (قبلها، أُريَ القوابل، فإن قلن
(1)
: إنها يَدُ من لم تُخلق فيه الحياة، أو يَدُ من خُلقت فيه) الحياة (ولم يمضِ له ستة أشهر) وجب في اليد نصف الغُرَّة؛ لأنها نصف ما يجب في الجنين إذًا (أو أشكل) الحال (عليهن؛ وجب نصف غُرَّة) لأنه اليقين، وما زادت
(2)
مشكوك فيه. قلت: وهذا لا يعارض ما تقدم
(3)
أول الفصول، إذا ألقت يدًا أو
(1)
في "ذ": "فإن قلن أي القوابل إنها يد".
(2)
في "ذ": "زاد".
(3)
(13/ 367).
نحوها، فيها غُرَّة؛ لأن ذلك محله إذا انفردت، وما هنا، إذا كانت مع جنين.
(وإذا شربت الحاملُ دواءً، فألقت به جنينَها
(1)
فعليها غُرَّة لا ترث منها) شيئًا (لأنها قاتلة) لجنينها.
(و
ان جَنَى على بهيمة، فألقت جنينها،
ففيه ما نَقَصَها) لأنه إنما يجب بالجناية عليها نقصها، فكذا في جنينها.
فصل
(وتُغلَّظُ دِية النفسِ -لا الطَّرَف) خلافا "للمغني" و"الشرح"- (في قتل الخطأ فقط) لا عَمد، وقال القاضي: قياس المذهب، أو عمدًا (في ثلاثة مواضع):
أحدها: (حَرَم مكة) دون المدينة.
(و) الثاني: (إحْرام.
و) الثالث: (أشهر حُرُم فقط) دون الرحم ولو محرمًا، خلافًا لأبي بكر، والقاضي، وأصحابه (فَيُزاد لكل واحدٍ) من الثلاثة (ثُلث الدية) لما رُوي "أن امرأة وُطِئت في طواف، فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين"
(2)
تغليظا للحرم، وعن ابن عباس "أن رجلًا قتَلَ رجلًا في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام، فقال: ديته اثنا عشر ألفًا، وللشهر الحرام
(1)
في "ذ": جنينًا".
(2)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 298) رقم 17282 - 17283، وابن أبى شيبة (9/ 326)، وعبد الله في مسائله (3/ 1269)، والبيهقي (8/ 71)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 97) رقم 16002.
أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف"
(1)
.
(فإن اجتمعت هذه الحُرُمات الثلاثة، وجب ديتان) لأن القتل يجب به دية، وقد تكرَّر التغليظ ثلاث مرات، فوجب به دية أخرى (وظاهر كلام الخِرقي أنها) أي: الدية (لا تُغَلَّظ لذلك، وهو ظاهر الآية) وهى قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}
(2)
وهذا يقتضى أن تكون الدية واحدة في كل مكان، وعلى كل حال (و) هو ظاهر (الأخبار) منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "فى النفس المؤمنة مائة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف مثقال"
(3)
، وروى الجوزجاني
(4)
، عن أبي الزناد، أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء، فكان مما أحيا من تلك السنن، أي: إنه لا تغليظ.
قال ابن المنذر
(5)
: ليس بثابت ما رُوي عن الصحابة في هذا، ولو صح، ففعلُ عمر في حديث قتادة
(6)
أولى، فيقدم على ما
(7)
خالفه، وهو أصح في الرواية، مع موافقة الكتاب والسنة والقياس (واختاره جمع) منهم الموفق، ونَصَره في "الشرح"، وذكر ابن رزين أنه الأظهر، وهو ظاهر كلامه في "الوجيز" فإنه لم يذكر التغليظ.
(وإن قتل مسلمٌ كافرًا كتابيًا، أو غيره، حيث حُقِنَ دمُهُ) بأن كان له
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (9/ 325)، والبيهقى فى معرفة السنن والآثار (12/ 97) رقم 16010، موصولًا. وفى الكبرى (8/ 71)، معلقًا.
(2)
سورة النساء، الآية:92.
(3)
جزء من حديث عمرو بن حزم، وقد تقدم تخريجه (13/ 325) رقم (5).
(4)
لعله في سننه ولم تطبع: وانظر: المبدع (8/ 363).
(5)
انظر: الإشراف (7/ 395) رقم 4967، والمغنى (12/ 26).
(6)
هو حديث قتادة المدلجي، وقد تقدم تخريجه (10/ 514) تعليق رقم (1).
(7)
في "ذ": "من".
أمان (عمدًا، أضعِفَت الدية على قاتله لإزالة القود) لأن المسلم لا يقتل بالكافر، والقود شُرع زجرًا عن تعاطي القتل، حكم به عثمان كما رواه أحمد
(1)
.
(وإن قتله) أي: الكافر (ذميٌّ، أو قتل الذمي مسلمًا، لم تُضعَف الدية عليه) للتمكن من القود.
(وإن جنى رقيق خطأ، أو عمدًا لا قود فيه) كالجائفة والمأمومة (أو) عمدًا (فيه قود، واختير المال، أو أتلف) القِنّ (مالًا) وكانت الجناية أو الإتلاف (بغير إذن سيده؛ تعلَّق ذلك) الواجب بالجناية، أو الإتلاف (برقبته) لأنه لا يمكن تعلقها بذمته؛ لأنه يفضي إلى إلغائها، أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غاية، ولا بذمة السيد؛ لأنه لم يجن، فتعين تعلقها برقبة العبد، كالقصاص (فيخبر سيده بين أن يفديه بأرش جنايته) أو قيمة متلفه إن كان أقل من قيمته (أو يُسلمه إلى ولي الجناية، فيملكه، أو يبيعه ويدفع ثمنه) لولي الجناية ومالك المتلف؛ لأنه إن أدى قيمته، فقد أدى عوض المحل الذي تعلقت به الجناية، وإن باعه، أو سلَّمه لوليها، فقد دفع المحل الذي تعلَّقت به الجناية.
(1)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وأخرج الخلال في أحكام أهل الملل ص / 311، عن المروذي، عن أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، "أن رجلًا مسلمًا قتل رجلًا من أهل الذمة عمدًا، فرفع ذلك إلى عثمان رضي الله عنه فلم يقتله عثمان، وغلَّظ عليه الدية، مثل دية المسلم، ألف دينار".
وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (10/ 96) رقم 18492 - 18493، والدارقطني (3/ 145 - 146)، والبيهقي (8/ 33).
قال ابن حزم في المحلى (10/ 349): هذا في غاية الصحة عن عثمان.
وانظر: التلخيص الحبير (4/ 16).
(فإن كانت الجناية) أي: أرشها (أكثر من قيمته، لم يكن على السيد أكثر من قيمته) لأن حق المجنى عليه لا يتعلق بغير رقبة الجاني، فلم يكن سيده سوى قيمته (إلا أن يكون) السيد (أمره بالجناية، أو أذن له) أي: للعبد (فيها، فيلزمه) أي: السيد (الأرش كله) كما لو استدان بإذن سيده.
(فلو أمره) السيد (أن يقطع يد حُرٍّ) وفَعلَ (فعلى السيد دية يَد الحر، وإن كانت) دية اليد (أكثر من قيمة العبد) لأمره له بالقطع.
(وكذا لو أمره) السيد (أن يجرحه) أي: الحُر، وجرحه، فإنه يلزم السيد أرشُ الجرح، وإن كان أكثر من قيمة العبد.
(ولو قَتَلَ العبدَ) الذي تعلّق الأرش برقبته (أجنبيٌّ، تعلق الحق بقيمته، جزم به) القاضي (في "المجرَّد" واختاره أبو بكر) لأن قيمته بدله، فتحول التعلق إليها، كقيمة الرهن لو أُتلف (والمطالبة للسيد) أي: مطالبة المجني عليه السيد (والسيد يُطالِب الجانيَ) على العبد (بالقيمة) فإن شاء وَفَّى منها، وإن شاء وَفَّى من غيرها؛ لأنها بمنزلة العبد الجاني؛ لأنها بدله.
(وإن سلَّم) القنَّ (الجانيَ سيدُه فأبى وليُّ الجناية قَبوله، وقال: بِعهُ أنتَ، وادفع ثمنه إليّ؛ لم يلزمه) أي: لم يلزم السيد بيعه؛ لأن حَقّ المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة، وقد سلمها (ويبيعه) الـ (ـــحاكم) ويدفع ثمنه فى أرش الجناية؛ لأن له ولاية على الممتنع.
(وإن فَضَل عن ثمنه) أي: القِن (شيء من أرش الجناية، فهو) أي: الفاضل (للسيد) لأن أرش الجناية هو الواجب للمجني عليه، فليس له أكثر منه.
(وللسيد التصرُّف فيه) أي: القِن الجاني (بعتق وغيرِه) كوقف وهبة وبيع، ولو بغير إذن المجنيِّ عليه؛ لأنه ملكه، كتصرُّف الوارث في التركة مع دين (وينفُدُ عِتقُه) أي: عتق السيد القنَّ الجاني (عَلِم بالجناية أو لم يعلم) بها؛ لأنه عتق من مالك جائز التصرُّف، فنفذ، كغير الجاني (ويضمن) السيد (إذا أعتقه ما يلزمه من ضمانه، إذا امتنع من تسليمه قبل عتقه) وهو أقل الأمرين من قيمته، أو أرش الجناية، إذا لم تكن بأمر السيد أو إذنه؛ لأنه إن دفع الأرْش، فهو الذي وجب للمجني عليه، فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن أدى قيمة القِن، فقد أدَّى بَدَلَ المحل الذي تعلقتْ به الجناية، وهو قيمة الجاني.
(وإن باعه) السيد (أو وهبه، صَحَّ) البيع أو الهبة؛ لأنه عقدٌ من جائز التصرُّفِ، فنفذ كغيره (ولم يَزُل تعلقُ الجِنايةِ عن رقبته) إن كان البائع معسرًا؛ لسبق حقّ المجني عليه، أما إن كان موسرًا، فيطالب البائع، أو الواهب، كما تقدم في البيع
(1)
، ولا خيار للمشتري.
(فإن كان المشتري) للجاني (عالمًا بحاله) أي: بأنه جنى جناية تعلَّق أرشُها برقبته (فلا خيار له) لدخوله على بصيرة (وينتقل الخيار في فدائه وتسليمه إليه، كالسيد الأول) لأنه مالكه إذن.
(وإن لم يعلم) المشتري بحاله (فله الخيار بين إمساكه ورَدّه) على بائعه؛ لأن تعلّق الجناية برقبته مع إعسار بائعه عيب، كما تقدم (
(1)
).
(وإن جنى الرقيق عمدًا، فعفا الوليُّ عن القصاص على رقبته) أي: الجاني (لم يملكه بغير رضا سيده) لأنه إذا لم يملكه بالجناية، فلئلا
(1)
(7/ 466 - 467).
يملكه بالعفو أولى؛ ولأنه إذا عفا عن القِصاص انتقل حقُّه إلى المال، فصار كالجناية الموجبة للمال.
(وإن جنى) القِنُّ (على اثنين فأكثر خطأً) أو عمدًا لا يوجب قودًا، أو عمدًا يوجبه، وعَفَوا إلى المال، وكذا لو أتلف مالًا لاثنين فأكثر (اشتركوا فيه بالحصص) سواء كان ذلك في وقت أو أوقاتٍ؛ لأنهم تساووا في سبب تعلّق الحق به، فتساووا في الاستحقاق، كما لو جنى عليهم دفعة واحدة.
(فإن عَفَا أحدهم) عما وجب له (أو مات المجنيُّ عليه فعفا بعضُ ورثته، تعلَّق حقُّ الباقين بكلِّ العبد) الجاني؛ لأن سبب استحقاقه موجود، وإنما امتنع ذلك؛ لمزاحمة الآخر، وقد زال المزاحم.
(و
شراء وليِّ القوَد الجانيَ عفو عنه)
وظاهره: لو ملكه بإرث أو هبة، أو نحوه، لا يكون عفوًا. قلت: ينبغي أن يكون دخوله في ملكه باختياره، كالبيع، بخلاف الإرث.
(وإن جرح العبد حرًا، فعفا) الحُرُّ (عنه) أي: العبد (ثم مات) الحُرُّ (من الجراحة ولا مال له، و) فرض أن (قيمةَ العبد عُشر ديةِ الحُرِّ، واختار السيد فِداءه بقيمته؛ صَحَّ العفو في ثلثه؛ لأنه ثلث ما مات) العافي (عنه، والثلثان للورثة) حيث لم يجيزوا عفوه في الكل، وإن كانت الجناية بأمر السيد أو إذنه فَزِد نصف دية المجني عليه على قيمة الجاني، ويفديه سيده بنسبة القيمة من المبلغ
(1)
.
(1)
"يعني أن الطريق في هذا الباب في هذه المسائل، أن تزيد قيمة العبد على نصف دية المجني عليه وتنسب قيمة العبد مما بلغا، فما كان فهو الذي يفديه به سيده، فلو كان المجني عليه ذكرًا حرًا كانت ديته ألف مثقال، فلو كانت قيمة العبد مثلًا مائة مثقال، وزدت نصف الدية عليها، صار المجموع ستمائة مثقال، ونسبة القيمة إلى ذلك =
(ولو أن عَشَرة أعبدٍ قتلوا عبدًا عمدًا، فعليهم القصاص) كقتل الأحرار لِحُرٍّ (فإن اختار السيدُ قَتْلَهم فله ذلك، وإن عفا) سيدُ المقتول (إلى مال، تعلَّقت قيمة عبده برقابهم، على كل واحد منهم) أي: من العبيد العشرة القاتلين (عُشْرها، يُباع منه بقدرها، أو يَفديه سيده) بقَدر العشر، كما توزّع دية الحُرِّ على قاتليه (فإن اختار) سيدُ المقتول (قَتْلَ بعضهم، والعفو عن بعض، فله ذلك) لأن الحق له.
(وإن
قتل عبدٌ عبدين لرجلين)
واحدًا بعد واحد (قُتِلَ) العبد الجاني (بالأول منهما) لأن حقِّه أسبق، فيراعى (فإن عفا عنه) سيدُ (الأول، قُتِلَ بالثاني) لزوال المزاحم (وإن قتلهما) أي: قتل العبد عبدين (دفعة واحدة، أقرع بين السيدين) إذا لم يتراضيا على قَتله بهما، كما تقدَّم
(1)
في قاتل الحُرَّين (فمن وقعت له القرعة اقتَصَّ) من الجاني (وسقط حَقّ الآخر) لفوات محلّ الجناية (وإن عفا) من خرجت له القُرعة (عن القصاص أو عفا سيد) العبد (القتيل الأول) فيما إذا كان قتلهما مرتبين (إلى مالٍ؛ تعلَّق برقبة العبد) الجاني كسائر جنايته (ولـ) ــسيد القتيل (الثاني أن يقتص، فإن قتله) السيد (الآخر، سقط حق الأول من القيمة) لفوات المحل (وإن عفا) السيد (الثاني؛ تعلَّقت قيمةُ القتيل الثانى برقبته) أيضًا، ويُباع) الجاني (فيهما، ويقسم ثمنه على قدر القيمة
(2)
) لتساويهما في سبب تعلق الحق به (ولم يقدم) سيد (الأول بالقيمة) أي: قيمة
= سدس، فيفديه بسدس دية المجني عليه، ولو كان المجني عليه امرأة حرة، وزدت نصف ديتها على قيمة العبد، صار المجموع ثلاثمائة وخمسين مثقالًا، ونسبة القيمة إلى ذلك سبعان، فيفديه بسبعي دية المجنى عليها" ش.
(1)
(13/ 286).
(2)
فى "ذ": "القيمتين".
الجاني، لمساواة الثاني له. لا يقال؛ حق الأول أسبق فيُقدَّم؛ لأنه لا يراعى، بدليل ما لو أتلف أموالًا لجماعة على الترتيب. ولو قتل عبد عبدًا لاثنين كان لهما القصاص والعفو، فإن عفا أحدهما سقط القِصاص.
باب دية الأعضاء ومنافعها
جمع منفعة: اسم مصدر من نفعني كذا نفعًا، ضد الضرر
(1)
.
(من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد) كالأنف والذكر (ففيه دية نفسه) أي: نفس المتلَف منه ذلك الشيء، ذكرًا كان أو أنثى، مسلمًا أو كافرًا، على ما سبق تفصيله؛ لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وفي الذكرِ الدية" رواه أحمد والنسائي ولفظه له
(2)
.
(و) من أتلف (ما فيه) أي: الإنسان (منه شيئان) كالعينين والأذنين (ففيهما الدية، وفي أحدهما نصفها) أي: نصف دية ذلك الإنسان؛ لحديث عمرو بن حزم.
(و) من أتلف (ما فيه) أي: الإنسان (منه ثلاثة أشياء) كالأنف يشتمل على المَنخِرين والحاجز بينهما (ففيها الدية، وفي كل واحد منها ثلثُها.
و) من أتلف (ما فيه) أي: الإنسان (منه أربعة أشياء) كالأجفان (ففيها الدية وفي كل واحد منها ربعُها) أي: الدية، قياسًا على ما سبق، وما فيه منه خمسة أشياء، كالمذاق الخَمس ففيها الدية، وفي إحداها خُمسها.
(وما فيه منه عشرة أشياء) كأصابع اليدين وأصابع الرجلين (ففيها
(1)
في "ذ": "ضد الضر".
(2)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5)، ولم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، ولم يعزه المؤلف إلى أحمد في الموضع المذكور.
الدية، وفي كل واحد منها عُشْرها) ويأتي تفصيل ذلك.
(ففي العينين الدية) إذا أذهبَهما من ذكر أو أنثى أو خنثى، مسلِم أو كافر، على ما تقدم بيانه في الديات
(1)
(ولو مع حَوَل) بالعينين، أو إحداهما (وعمَش) بهما أو بأحدهما (ومرض) كذلك (وبياض لا ينقُصُ البصرَ) وسواء كانا (عن كبير أو صغير) لعموم حديث عمرو بن حزم.
(وفي إحداهما) أي: العينين (نصفُها) أي: الدية (لكن إن كان بهما) أي: العينين (أو بإحداهما بياض يَنْقُصُ البصرَ، نقص منَها). أي: الدية (بقَدره) أي: بقدر نَقْصِ البصر؛ لأنه المقصود منها.
(وفي ذهاب البصر الدية) إجماعًا
(2)
(وفي ذهاب بصر إحداهما نصفُها) لأن ما وجب في جميع الشيء وجب في بعضه بقدره، كإتلاف المال (فإن ذهب) البصرُ (بالجناية على رأسه) أي: المجني عليه، وجبت الديةُ (أو) ذهب البصر بالجناية على (عينه) وجبت الديةُ (أو) ذهب البصر (بمداواة الجناية؛ وجبت الديةُ) لذهابه بجنايته، أو أثرها.
(فإن ذهب) البصرُ (ثم عاد؛ لم تجب) الدية؛ لتبين أن لا ذهاب (وإن كان) المجنيُّ عليه (قد أخذها) أي: الدية (ردها) لتبين أن أخذها بغير حق.
(وإن ذهب بصرُهُ) أي: المجنيّ عليه (أو) ذهب (سمعهُ، فقال عدلان من أهل الخِبرة) بالطب: (لا يُرجى عوده) أي: بصره، أو سمعه (وجبت) الدية لذلك (وإن قالا) أي: العدلان من أهل الخبرة: (يُرجى
(1)
(13/ 354، 360 - 364).
(2)
الإجماع لابن المنذر ص / 148، والإشراف له (2/ 152) والإفصاح (2/ 385)، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (4/ 1985).
عوده إلى مدة عيَّناها؛ انتظر) الذاهب (إليها) أي: إلى مضيّ تلك المدة (ولم يُعطَ) المجنيُّ عليه (الدية حتى تنقضي المدَّة) التي عيَّناها (فإن بَلَغها) بأن مضت المُدَّة (ولم يَعُد) ما ذهب؛ وجبت الدية؛ لليأس (أو مات) المجنيُّ عليه (قبل مُضِيّها؛ وجبت الدية) لما ذهب؛ لليأس من عوده.
(وإن قلع أجنبيُّ) أي: غير الجاني على البصر أولًا (عينه) التي أذهب الأول بصرها (في المُدَّة) التي عيَّنها العدلان لعود بصرها (استقرَّت على الأول الدية أو القِصاص) لليأس من عود بصرها (و) وجب (على الثاني حكومة) لقلع العين التي لا بصر لها (وإن قال الأول: عاد ضوؤها) فسقط عني دية بصرها (وأنكر الثاني) عوده (فقول المُنكِر مع يمينه) لأن الأصل عدم العود (وإن صدَّق المجنيُّ عليه الأول) على عود بصرها (سقط حقُّه عنه) أي: عن الأول؛ لاعترافه ببراءته (ولم يُقبل قوله) أي: المجني عليه (على الثاني) بلا بينة، فلا شيء عليه سوى الحكومة؛ لأنه منكِرٌ لما زاد.
(وإن قال أهلُ الخبرة: يُرجى عوده) أي: ما ذهب عن بَصْرٍ أو سمع ونحوهما (لكن لا نعرف له مُدَّة، وجبت الدية أو القِصاص) لئلا يلزم عليه تأخير حَقِّ المجنيِّ عليه إلى ما لا نهاية له.
(وإن اختلف في ذهابه) أي: البصر (رُجع إلى) قول (عدلين من أهل الخبرة) بذلك؛ لإمكان إقامة البينة به (فإن لم يوجد أهل خبرة، أو تعذَّر معرفة ذلك) أي: الذاهب مع وجود أهل الخبرة (اعتُبر) أي: امتُحِن (بأن يوقف في عين الشمس ويُقَرَّب الشيء من عينه في أوقات غفلته، (فإن طَرَفَ) عيَنهُ وحَرَّكها (وخاف من الذي
تخوِّف
(1)
به، فهو كاذب) لأن ذلك دليل إبصاره؛ لأن طبع الآدمي الحَذَرُ على عينيه (وإلا) أي: وإن لم يطرف ولم يخف (حُكم له) بيمينه، لعلمنا بأنه لا يُبصر بها.
(وكذلك الحكم في السَّمْع، والشَّمِّ، والسِّن) إذا رُجي عودها في مدة تقولها أهل الخِبرة، لم تؤخذ ديتها قبل مضيّها، ثم على ما سبق من التفصيل في البصر.
(وإن جنى عليه، فنقص ضوء عينيه أو اسودَّ بياضُها
(2)
، أو احمرَّ) بياضها
(3)
(ولم يتغير البصر؛ فحكومةٌ) لأنه لا مُقدَّر فيه من قِبَلِ الشَّرع (وإن اختلفا في نقص سَمْعِه وبصره، فقول المجنيِّ عليه مع يمينه) لأن ذلك لا يُعلم إلا من جهته، فيحلف، وله حكومة.
(وإن ادَّعى) المجنيُّ عليه (نقصَ ضوء إحداهما، عُصبت) العين (العَليلةُ، وأُطلِقت) العين (الصحيحة) بلا عصْب (ونُصِب له شخصٌ، ويُعطى الشخصُ شيئًا -كبيضة مثلًا- ويتباعد عنه في جهةٍ) وفي نسخ: "في وجهة"(شيئًا فشيئًا، فكلما قال: قد رأيته، فوَصَفَ لونَه، عُلِم صِدْقه حتى ينتهيَ، فإذا انتهت رؤيتُهُ عُلِّم موضع الانتهاء بخطٍّ أو غيره، ثم تُشَدُّ الصحيحة، وتُطلق العليلةُ، ويُنصب له الشخص، ثم يذهب في الجهة) التي ذهب فيها أولًا (حتى تنتهي رؤيته، فيُعلَّم موضعُها
(4)
) كما فعل أولًا (ثم يُدارُ الشخصُ إلى جهةِ أخرى، فَيُصنعُ به مثل ذلك، ويُعَلَّم عند المسافتين، ثم يُذرَعان ويقابل بينهما، فإن كانتا سواء؛ فقد صَدَق، وينظر
(1)
في "ذ": "يخوف".
(2)
في "ذ": ومتن الإقناع (4/ 164): "بياضهما".
(3)
في "ذ": "بياضهما".
(4)
في "ذ": "عند موضعها".
كم بين مسافة العليلة والصحيحة، ويُحكَم له من الدية بقَدْر ما بينهما) على الجاني؛ رواه ابن المنذر عن عمر
(1)
(وإن اختلفت المسافتان فقد كَذَب، فيردَّد) بأن يُفعل به ما سبق مَرَّة بعد أخرى (حتى تستويَ المسافةُ من الجانبين) فيعطى بقَدْرِ ما بينهما من الدية؛ لما سبق.
(وإن جنى على عينيه، فنَدرَتا) أي: كبرتا، وفي: نسخ ففسدتا (أو احْوَلَّتا، أو عَمِشَتَا ونحوه، فحكومة، كما لو ضرب يده فاعْوَجَّت) لأنه لا مُقدَّر فيه شرعًا، والحكومة: أرْش ما لا مُقدَّر فيه.
(و
الجناية على الصغير والمجنون كالجناية على المُكلَّفِ)
فيما توجبه من قِصاص أو دية (لكن المُكلَّف خَصمٌ لنفسه، والخصمُ للصغير والمجنون وليُّهما) لقيامه مقامهما، كالأموال (فإذا توجَّهتِ اليمينُ عليهما، لم يحلِفَا) لعدم أهليتهما (ولم يحلِفِ الوليُّ) عنهما؛ لأنها لا تدخلها النيابة، ولذلك لم يصح التوكيل فيها (فإذا تكلَّفَا؛ حَلَفَا). قلت: وظاهره: لا يحتاج لإعادة الدعوى، لعدم اعتبار الموالاة.
(و
في عين الأعور ديةٌ كاملةٌ)
قضى به عمر
(2)
وعثمان
(3)
وعلي
(4)
(1)
الإشراف على مذاهب العلماء (2/ 156) رقم 1365، وفيه: عن علي رضي الله عنه، وانظر: المغني (12/ 108 - 109).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 330 - 331) رقم 17427 - 17431، وابن أبي شيبة (9/ 196، 197 - 198)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 418)، والبيهقي (8/ 94).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 330 - 331) رقم 17427 - 17428، وابن أبي شيبة (9/ 197)، والبيهقي (8/ 94).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 331) رقم 17432، وابن أبي شيبة (9/ 197)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 419)، والبيهقي (8/ 94).
وابن عمر
(1)
، ولم يُعرف لهم مخالف في الصحابة؛ ولأن قَلْعَ عين الأعور يتضمَّن إذهاب البصر كله، فوجبت الدية، كما لو أذهبه من العينين، وذلك لأنه يحصُل بعين الأعور ما يحصُل بالعينين فإنه يرى الأشياء البعيدة ويُدْرِك الأشياء اللطيفة ويعمل أعمال البصير؛ ولأن النقص الحاصل لم يؤَثر في تنقيص أحكامه.
(فإن قلعها) أي: عينَ الأعور (صحيحٌ، فله) أي: الأعورِ (القَوَد بشرطه) وهو: المكافأة، والعمد المحض (مع أخذ نصف الدية)؛ لأنه لما ذهب بقلع عين الأعور جميعُ بصرِه، ولم يمكن إذهاب بَصَرِ القالع بقلع عينه الأخرى، لما فيه من أخذ عينين بعين واحدة، فأخذنا عينه الواحدة بنظيرتها، وأخذنا نصف الدية لنصف البصر الذي لا يمكنه استيفاؤه.
(وإن قَلَع الأعورُ عينَ صحيحٍ لا تُماثِل عينه) فليس عليه إلا نصف الدية (أو قَلَع) الأعورُ (المماثلةَ خطأً، فليس عليه إلَّا نصف الدية) كما لو قلعها ذو عينين.
(وإن قَلَع) الأعورُ (العينَ المماثلةَ لعينه الصحيحةِ عمدًا، فلا قِصاص) لأنه يُفضي إلى استيفاء جميع بَصَرِ الأعور، وهو إنما أذْهبَ بعضَ بصرٍ الصحيحِ، فيكون المستوفى أكثر من جنايته (وعليه) أي: الأعور إذَنْ (دية كاملة) في قول عمر
(2)
وعثمان
(3)
-ولا يُعرف لهما مخالف في الصحابة- بدلًا عن القصاص الذى أُسقط عنه رفقًا به، ولو اقتص منه لذهب ما لو ذهب بالجناية لوجبتْ فيه دية كاملة، فوجبت
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (9/ 197).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 333) رقم 17440.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 333) رقم 17438، 17440، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 418 - 419)، والبيهقي (8/ 94).
الدية كاملة هنا؛ لأنها بَدَل الواجب.
(وإن قَلعَ) الأعورُ (عينَيْ صحيحٍ عمدًا، خُيِّر) المجني عليه (بين قلع عينه ولا شيء له غيرها) لأنه أخذ جميع بصره بجميع بصره، فوجب الاكتفاء بذلك (وبين) أخذ (الدِّية) لعينيه.
(و
في يد أقْطَع أو رجله نصفُ الدِّية)
ولو عمدًا، أو كانت الأولى ذهبت هدرًا (كبقية الأعضاء) لأن العضوين اللذين يحصُل بهما منفعة الجنس لا يقوم أحدُهما مقامهما (فلو قَطَع) الأقطعُ (يَدَ صحيحٍ) أو رجله (قُطِعت يده) أو رجله بشرطه؛ لأنه عضوٌ أمكن القودُ في مثله مع انتفاء المانع، فكان الواجب فيه القصاص.
(وفي الأشفار) جمع شُفْر (الأربعة، وهي الأجفان، ولو من أعمى، الدية) لأن ذهاب البصر عيب في غير الأجفان (وفي كل واحد منها) أي: الأشفار (ربعُها) لأنها أعضاء فيها جمال ظاهر ونفع كامل، فإنها تُكِنُّ العين وتحفظها من الحر والبرد، ولولاه لقَبُح منظرها.
(فإن قلع) الجاني (العينين بأجفانهما، وجبت ديتان) دية للعينين ودية للأجفان؛ لأن كلًّا مستقل بنفسه.
(وفي أهداب العينين، وهي الشَّعر الذي على الأجفان، الدِّية) لأنه أذهب الجمال على الكمال، فوجب فيه دية كاملة، كأذني الأصم، وأنف الأخشم (وفي كل واحد منها) أي: الأهداب (ربعُها) أي: الدية (فإن قطع
(1)
الأجفان بأهدابها، لم يجب أكثر من دية) لأن الشعر زال تبعًا لزوال الأجفان فلم يجب فيه شيء، كالأصابع مع اليدين أو الرجلين.
(وفي كُلِّ واحد من الشعور الثلاثة الأخرى الدِّية، وهي: شعر
(1)
في "ذ": "قلع".
الرأس و) شعر (اللحية، و) شعر (الحاجبين، كثيفة كانت) تلك الشعور (أو خفيفة، جميلة أو قَبيحة، من صغير أو كبير) إذا أذهبها (بحيث لا تعود) رُوي عن علي
(1)
وزيد بن ثابت
(2)
في الشعر الدية؛ ولأنه أذهب الجمال على الكمال، كما تقدم (ولا قِصاص في هذه الشعور الأربعة؛ لعدم إمكان المساواة.
وفي كل حاجب نصفُها) لأن لكل إنسان حاجبين (وفي بعض ذلك بقسطه من الدية، يُقدَّر بالمساحة) كالأذنين.
(وإن عاد الشعر قبل أخذ الدية سقطت) ديته (و) إن عاد (بعدَه) أي: بعدَ أخذ الدية (تُرَدُّ) للجاني، كما تقدم
(3)
في عود البصر وغيره.
(وإن بقي من شعر اللحية، أو) بقي من شعر (غيره من الشعور) الثلاثة (ما لا جمال فيه، فـ) ـالواجب (دية كاملة) لأنه أذهب المقصودَ منه كلَّه، أشبه ما لو أذهب ضوءَ العينين؛ ولأن جنايته ربما أحوجت لإذهاب الباقي؛ لزيادته في القبح على ذهاب الكل.
(و
في الشارب حكومة)
إن لم يَعُدْ؛ لأنه لا مُقدَّر فيه.
(وفي الأذنين، ولو من أصم، الدية) قضى به عمر
(4)
،
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (9/ 162 - 163)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 433).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (9/ 163)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 433)، والبيهقي (8/ 98)، قال البيهقي: هذا منقطع.
وقال ابن المنذر -كما عند البيهقي (8/ 98) -: لا يثبت عن علي وزيد ما روي عنهما.
(3)
(13/ 389).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 324 - 325) رقم 17395 - 17396، 17399، وابن أبي شيبة (9/ 154)، والبيهقي (8/ 85).
وذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 448).
وعلي
(1)
(وفي إحداهما نصفُها) أي: الدية. وما روي: "أن أبا بكر قضى في الأذن بخمسة عشر بعيرًا" رواه سعيد
(2)
؛ فمنقطع، وقال ابن المنذر
(3)
: لا يثبت.
(وإن قطع بعضَ الأذن وجب بالحساب من دِيتها، يُقدَّر بالأجزاء) كالنصف والثلث (وكذا قَطْعُ بعضِ المارِنِ) أي: ما لان من الأنف (و) قَطْعُ (الحَلَمَة، و) قطع (اللسان، و) قطع (الشَّفة، والحشَفَة، والأُنملة، والسِّن، وشَقِّ الحَشَفَة طولًا) فإن في قطع أبعاض هذه الأشياء بقسطها من ديتها.
(فإن جنى على أذنه فاسْتَحْشَفَتْ -أي: شَلَّتْ- ففيها حُكومة) لأنه لم يذهب المقصود منها بالكلية، وهو الجمال (فإن قطعها) أي: الأذن (قاطعٌ بعد اسْتِحْشافها، ففيها دِيَتُها) لأن فيها جمالها المقصود منها.
(وفي السمع إذا ذهب منهما) أي: الأذنين (الدِّيةُ) قال في "المبدع": بغير خلاف. وسنده قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي السمع الدية"
(4)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 323) رقم 17389، وابن أبي شيبة (9/ 153)، والبيهقي (8/ 85).
وذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 448).
(2)
لم نقف عليه في المطبوع من سننه. وذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 448) من طريقه. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 323 - 324) رقم 17391 - 17392، 17394، وابن أبي شيبة (9/ 153)؛ والبيهقي (8/ 85).
(3)
انظر: المغني (12/ 115).
(4)
أخرجه البيهقي (8/ 85 - 86)، من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وفي السمع مائة من الإبل".
قال ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 447): ولا في السمع أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيح ولا سقيم، ولا يعرف في إيجاب الدية عن أحد من التابعين إلا قتادة وحده، وقد خالفه غيره.
(وإن ذهب) السمع (من إحداهما) أي: الأذنين (فنصفُها) أي: الدية.
(وإن قَطَع أذنيه فذهب سمعه، فديتان) دية للأذنين، ودية للسمع؛ لأنّه من غير الأذنين، فلا تدخل دية أحدهما في الآخر، كالبصر مع الأجفان، والنطق مع الشفتين.
(فإن اختلفا) أي: الجاني ووليُّ الجناية (في ذهاب سمعه، فإنه) أى: المجني عليه (يُغْتَفَلُ ويُصاحُ به، ويُنظرُ اضطرابه، ويُتأمَّلُ عند صوت الرعد والأصوات المُزْعِجة) كنهيق الحمير (فإن ظهر منه انزعاج أو التفات، أو ما يدلُّ على السمع، فقول الجاني مع يمينه) لظهور أمارة صدقه (وإن لم يوجد شيء من ذلك) المذكور (فقوله) أى: المجني عليه (مع يمينه) لأن الظاهر معه. ومتى حكم له بالدية، ثم انزعج عند صوت، فطولب بالدية، فادعى أنه فعل ذلك انفاقًا؛ قُبِل قوله؛ لأنه محتملٌ، فلا ينقض الحكم بالاحتمال، وإن تكرَّر ذلك بحيث تُعلم صحة سمعه؛ ردَّ ما أخذ؛ لأنا تبينا كَذِبه. وكذا يُقال في الشَّمِّ.
وإن ادَّعى الجاني أنه ولد أبكم ولا بيِّنة تكذّبه، قُبِل قوله مع يمينه، وقيل: تُرَدُّ
(1)
، كما لو قال: وُلِد ناطقًا ثم خَرِس.
(وإن ادَّعى) المجني عليه (نقصان سمع إحداهما) أي: الأذنين (فاختباره بأن تُسد
(2)
الأذن (العَليلة وتطلق الصحيحة، ويَصيح رجلٌ من موضع يسمعه، ويُعمل كما تقدم
(3)
في نَقْصِ البصر في إحدى العينين،
(1)
زاد في "ذ": "ترد أي دعواه".
(2)
في "ذ": "تشد".
(3)
(13/ 391 - 392).
ويؤخذ من الدية) أي: دية سمع الأذن (بقَدْرٍ نقصه) أي: سمعها، كما تقدم في العين (وإن ادَّعى
(1)
نقصان السمع فيهما) أي: الأذنين (حَلَف) لأنه لا يعلم إلا عن جهته، ولا يتأتَّى العرض على أهل الخبرة، بخلاف البصر (ووجبت فيه حكومة.
وفي مارِنِ الأنف -وهو) أي: مارنه (ما لان منه) دون القصبة (ولو من أخشمَ
(2)
- الدِّية) لأن الشم ليس في الأنف كما سبق (وإن قطع) الجاني (المارِنَ وشيئًا من القصبة فـ) ـعليه (دِية واحدة) ويندرج ما قطع من القصبة في دية الأنف، كما لو قطع اليدين مما فوق الكوع.
(وفي كلٍّ واحدٍ من المَنْخِرين والحاجز بينهما ثلث الدية) لأن الأنف يشتمل على هذه الثلاثة (وفي قَطْع أحدهما) أي: المَنْخِرين (مع نصف الحاجز نصفُها) أي: الدية؛ لأنه قطع نصف الأنف (و) في قطع أحد المَنْخِرين (مع كله) أي: الحاجز (ثلثاها) أي: الدية.
(وفي الشَّمِّ الدية) لما في كتاب عمرو بن حزم
(3)
.
(وفي ذهابه) أي: الشَّمِّ (من أحد المَنْخِرين نصفُها) أي: الدية (وفي بعضه حكومة) إذا لم يعلم قدره (وإن نقص) الشم (من أحدهما) أي: المَنْخِرين (قُدِّر) النقص (بما يُقَدَّر به نقص السمع من إحدى الأذنين) كما مَرَّ.
(وإن قطع أنفَهُ فذهب شمُّه، فديتان) لأن الشمَّ ليس في الأنف، فلا تندرج ديته فيه.
(1)
في متن الإقناع (4/ 167): "تعدَّى".
(2)
الأخشم: الذي لا يكاد يشمُّ شيئًا. القاموس المحيط ص/ 1102، مادة (خشم).
(3)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(و
إن ادَّعى) المجنيُّ عليه (ذهابَ شمِّه، اختُبِر
بالروائح الطيبة والمُنْتِنة، فإن هشَّ للطيب، وتنكَّر من المُنْتِن فـ) ـالقول (قول الجاني مع يمينه) عملًا بالظاهر (وإلا) بأن لم يهش للطيب، ولم يتنكَّر من المُنْتِن (فـ) ـالقول (قول المجنيِّ عليه مع يمينه) لأن الظاهر معه.
(وإن ادَّعى) المجنيُّ عليه (نقص شَمّه) بسبب الجناية (فقوله مع يمينه) لأنه لا يعلم إلا منه (ويجب) له إذن (ما تخرجه الحكومة) كما تقدم في السمع
(1)
.
(وإن قطع مع الأنف اللحمَ الذي تحته، ففي اللَّحم حكومة) لأنه غير الأنف، ولا مُقدَّر فيه (كقطع الذَّكَر واللحم الذي تحته.
وإن ضرب) الجاني (أنفَه فأشلَّه، أو عوَّجه، أو غيَّر لونه؛ فحكومة) لأن نفع الأنف باقٍ مع الشلل، بخلاف اليد، فإنَّ نفعها قد زال، ونفعُ الأنف جمع الرائحة ومنع وصول شيء إلى دماغه (وفي قَطْعِه) أي: الأنف (بعد ذلك) أي: بعد شلله، أو تعويجه، أو تغير لونه (دية كاملة) لأن نفعه باقٍ كما تقدم.
(فإن قطعه) أى: الأنف (إلا جِلْدة بقي معلَّقًا بها، فلم يلتحم واحتيج إلى قَطْعِه، ففيه ديته) لأن بقاءه إذن كعدمه (وإن ردَّه فالتحم؛ أو أبانه فردَّه فالتحم، فحكومة) لنقصه.
(وفي الشفتين الدِّية) إذا استوعبتا قطعًا (وفي كلِّ واحدةٍ منهما) أي: الشفتين (نصفُها) أي: الدية.
(فإن ضربهما) أي: الشفتين (فأشلَّهما) ففيهما الدية؛ لأنه عطَّل نفعهما، أشبه ما لو أشلَّ يده (أو) ضربهما فـ (ـتقلَّصَتا، فلم تنطبقا على
(1)
(13/ 398).
الأسنان) ففيهما الدية؛ لأنَّه عطَّل جمالهما (أو استرختا، فصارتا لا تنفصلان عن الأسنان، ففيهما الدية) لأنَّه عطَّل نفعهما.
(وإن تقلَّصتا) أي: الشفتان (بعض التقلُّص؛ فحكومة) لذلك النقص.
(وحَدُّ الشفة السُّفلى من أسفل ما تجافى عن الأسنان واللِّثَة مما ارتفع عن جلْدة الذقن، وحَدُّ) الشفة (العليا: من فوق ما تجافى عن الأسنان واللِّثَة إلى اتصاله بالمَنخِرين والحاجز، وحدُّهما) أي: الشفتين (طولًا: طول الفم إلى حاشية الشِّدْقين.
وفي اللسان الناطق الدية) إذا استُوعِب قطعًا، إجماعًا، ذكره ابن حزم
(1)
؛ لأنَّه أعظم الأعضاء نفعًا وأتمها جمالًا، يقال: جمال الرجُلِ في لسانه، والمرء بأصغريه: قلبه ولسانه
(2)
، ويقال: ما الإنسان لولا اللسان إلَّا صورة مهملة
(3)
أو بهيمة مهملة.
(وفي الكلام الدية) لأنَّ كل ما تعلقت الدية بإتلافه؛ تعلقت بإتلاف محله.
(وفي الذوق إذا ذهب -ولو من لسان أخرس- الدِّية) لأنَّ الذوق حاسة، أشبه الشم (والمذاق) الـ (ـخمس: الحلاوة، والمرارة، والحموضة، والعذوبة، والملوحة، فإذا ذهب واحد منها) أي: الخمس
(1)
مراتب الإجماع ص/ 29. وذكره -أيضًا- ابن المنذر في الإجماع ص/ 148.
(2)
انظر: مجمع الأمثال (2/ 294) رقم 3983، وكشف الخفاء (2/ 391) رقم 2705.
(3)
"مهملة" كذا في الأصول! وصوابها: "ممثلة" والقول المذكور من كلام خالد بن صفوان، وهو من فصحاء العرب المشهورين، وله كلمات سائرة، توفي سنة (135) رحمه الله. انظر: البيان والتبيين (1/ 351)، وأسرار البلاغة ص/ 12، وبهجة المجالس (1/ 55).
(فلم يُدركه، وأدرك الباقي) منها (فخُمس الدية) لأنَّ الخَمس تجب فيها الدية، ففي إحداها خُمسها (وإن ذهب اثنان
(1)
) من الخَمس (فخُمسان) من الدية (وفي ثلاثة) من الخَمس (ثلاثة أخماس) الدية (وفي) ذهاب (أربعة) من الخمس (أربعة أخماس) الدية (وإن لم يدرك بواحدة) من الخمس (ونقَص الباقي، فخمس الدية) للتي لم يدرك بها (وحكومة لنقص الباقي.
وإن جَنَى علَّى لسان ناطقٍ فأذهب كلامَه وذوقَه) مع بقاء اللسان (فديتان) كما لو ذهبت منافع الإنسان
(2)
مع بقائه (وإن قطعه) أي: اللسان (فذهبتا) أي: منفعة الكلام والذوق (معًا فَدِية واحدة) لأنهما ذَهَبَا تبعًا، فوجب دية اللسان دونهما، كما لو قتل إنسانًا.
(و
إن ذهب بعضُ الكلام وجب من الدية بقَدْر ما ذهب)
من الكلام، كما تقدَّم في نظائره (يُعتبر ذلك بحروف المعجم، وهي ثمانية وعشرون حرفًا) جَعلًا للألف المتحرّكة واللينة حرفًا واحدًا؛ لتقاربهما في المخرج، ولذلك إذا احتاجوا إلى تحريك الألف قلبوها همزة، وإلا فهي تسعة وعشرون حرفًا كما في حديث أبي ذر
(3)
.
(ففي الحرف الواحد رُبُع سُبعِ الدِّية) لأنَّ الواحد رُبع سبع الثمانية والعشرين (وفي الحرفين نصف سُبعها، وكذا حساب ما زاد) ففي الثلاثة
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 169): "اثنتان".
(2)
"الإنسان" كذا في الأصل والمبدع (8/ 385)، وفي "ذ":"اللسان".
(3)
لم نقف على مَن أخرجه من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
وأخرج ابن جرير في تفسيره (1/ 88)، عن الربيع بن أنس، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 33)، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله تعالى:{الم} قال: هذه الأحرف من التسعة والعشرين حرفًا دارت فيها الألسن
…
.
أحرف ثلاثة أرباع سُبع الدية، وفي أربعة أحرف سُبع الدية، وهكذا (ولا فرق بين ما خَفَّ على اللسان من الحروف أو ثَقُل) لأنَّ كل ما وجب فيه المقدّر لم يختلف لاختلاف قَدره، كالأصابع (ولا) فرق أيضًا (بين الشفوية والحَلْقية واللسانية.
وإن جنى على شفتيه فذهب بعضُ الحروف؛ وجب فيه) أي: الذاهب (بقدره) أي: بنسبته من الدية (وكذلك أن ذهب بعض حروف الحَلق بجناية) وجب في الذاهب بقَدْره.
(وإن ذهب حرفٌ فعَجَزَ) المجنيُّ عليه (عن كلمة، كجعْله "أحمد": "أمَد"؛ لم يجب غير أرْش الحرف) الذاهب؛ لأنَّه لم يذهب سواه (وإن ذهب حرف فأبدل مكانه حرفًا آخر، مثل أن كان يقول: "درهم" فصار يقول: "دلهم"، أو "دغهم"، أو "ديهم" فعليه ضمان الحرف الذاهب) لأنَّ ما يبدل لا يقوم مقام الذاهب في القوة ولا غيرها (فإن جنى عليه فذهب البدل؛ وجبت ديته أيضًا؛ لأنَّه) أي: البدل (أصل) بنفسه.
(وإن لم يذهب) بالجناية (شيء من الكلام، لكن حصلت فيه عجلة، أو تمتمة، أو فأفأة) وتقدم
(1)
أن التمتام: من يكرر التاء، والفأفاء: من يكرر الفاء (فعليه) أي: الجاني (حكومة) لما حصل من النقص والشَّيْن، ولم تجب الدية؛ لأنَّ المنفعة باقية.
(فإن جنى عليه) أي: على ذلك المجنيِّ عليه الذي حصل في كلامه عجلة، أو تمتمة، أو فأفأة (جانٍ آخر فأذهب كلامه، ففيه الدِّية كاملة) كما لو جنى على عينه جان فعَمِشتْ، ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها.
(1)
(3/ 213، 7/ 445).
(فإن أذهب) الجاني (الأول بعضَ الحروف، وأذهب) الجاني (الثَّاني بقية الكلام، فعلى كلِّ واحدٍ منهما) أي: الجانيين (بقسطه) من الدية، فيضمن ما أتلفه دون غيره.
(وإن كان) المجنيُّ عليه (ألثغ من غير جناية عليه، فذهب إنسان بكلامه كلِّه) بجنايته عليه (فإن كان) الألثغ (مأيوسًا من زوال لُثُغَته، ففيه) أي: الذاهب (بقسطه) من الدية، أي: بقسط (ما ذهب من الحروف) كما لو أذهب سَمعَ أذن، أو شم مَنخِر (وإن كان) الألثغ (غير مأيوس من زوالها) أي: زوال لُثغته (كالصغير، ففيه الدية كاملة) لأنَّ الظاهر زوال لُثغته (وكذلك الكبير إذا أمكن زوال لُثغته بالتعليم) وجنى عليه فأذهب كلامه، ففيه الدية كاملة.
(وإن قطع) الجاني (بعضَ اللسان، فذهب بعضُ الكلام، فإن استويا، مثل أن قطع رُبع لسانه فذهب رُبعُ كلامه، فربعُ الدية) لِرُبعِ اللسان، ويندرج فيه رُبع الكلام، كما لو قطعه كلِّه.
(فإن ذهب من أحدهما أكثر من الآخر، كأن قطع رُبع لسانه، فذهب نصفُ كلامه، أو بالعكس) بأن قطع نصف لسانه فذهب رُبع كلامه (وجب بقَدْرِ الأكثر، وهو نصف الدية في الحالين) لأنَّ كلَّ واحدٍ من اللسان والكلام مضمون بالدية منفردًا، ألا ترى أنَّه لو ذهب نصف الكلام ولم يذهب من اللسان شيء، أو ذهب نصف اللسان ولم يذهب من الكلام شيء وجب في كل صورة نصف الدية.
(وإن قطع) جانٍ (رُبعَ اللسان فذهب نصفُ الكلام، ثم قطع) جانٍ (آخر بقيته) أي: اللسان (فذهب بقية الكلام، فعلى) الجاني (الأول نصف الدية) لأنَّه أذهب نصف الكلام (وعلى) الجاني (الثَّاني نصفُها) أي: الدية
لنصف اللسان بنصف الكلام (و) عليه أيضًا (حكومة لرُبع اللسان) الذي لا كلام فيه؛ لأنَّه لا نفع فيه، فهو بمنزلة الأشلّ.
(ولو قطع) جان (نصفَه) أي: اللسان (فذهب رُبعُ الكلام، ثم قطع آخر بقيته) أي: اللسان (فذهب
(1)
ثلاثة أرباعه) أي: الكلام (فعلى الأوَّل نصف الدية) لإذهابه نصف اللسان (وعلى الثَّاني ثلاثة أرباعها) أي: الدية؛ لإذهابه ثلاثة أرباع الكلام.
(وإن) جنى عليه فذهب كلامُهُ أو ذوقه، أو قطع لسانه، ثم (عاد كلامُه، أو ذوقُه، أو لسانه؛ سقطت الديةُ) عن الجاني، كما تقدم
(2)
في عود السمع وغيره.
(وإن كان) المجني عليه (قبضَها) أي: الدية، ثم عاد ما ذهب بالجناية (ردَّها) أي: ردَّ المجني عليه الديةَ للجاني أو عاقلته؛ لأنَّه تبيَّن أنَّه لا يستحقها.
(وإن قطع نصفَه) أي: اللسان (فذهب كلُّ كلامِهِ، ثم قطع آخرُ بقيته فعاد كلامُه، لم يجب ردُّ الدية) لأنَّ الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد إلى اللسان، وإنَّما عاد إلى محل آخر.
(وإن قطعه) أي: اللسان (فذهب كلامُه، ثم عاد اللسان دون الكلام، لم يردّ الدية) كما لو أذهب
(3)
كلامه واللسان باقٍ.
(وإن اقتص مَنْ) أي: مجني عليه (قُطِعَ بعضُ لسانه، فذهب من كلام الجاني مثلُ ما ذهب من كلام المجني عليه أو أكثر، فقد استوفى)
(1)
في "ذ": "فزال".
(2)
(13/ 389، 395).
(3)
في "ذ": "زال".
المجنيُّ عليه (حقَّه، ولا شيء له) أي: الجاني (في الزائد) على
(1)
المجني عليه (لأنه من سراية القَوَد، وسراية القَوَد غير مضمونة. وإن ذهب) من كلام الجاني (أقلُّ) مما ذهب من كلام المجني عليه (فللمقتصِّ ديةُ ما بقي؛ لأنَّه لم يستوفِ بدله).
ولو كان اللسان ذا طرفين فقطع أحدهما، ولم يذهب من الكلام شيء، وكانا متساويين في الخِلقة، فكلسانٍ مشقوقٍ، فيهما الدية، وفي أحدهما نصفُها، وإن كان أحدهما تام الخِلْقة والآخر ناقصًا، فالتام فيه الدية، والناقص زائد فيه حكومة.
(وإذا قطع لسان صغير لم يتكلَّم لطفوليته، ففيه الدية) كلسان الكبير، لأنَّ الأصل السلامة.
(وإن بلغ) الصَّغير (حدًّا يتكلَّم مثلُه، فلم يتكلَّم) وقطع لسانه (ففيه حكومة، كلِسَانْ الأخرس) إن كان لا ذوق له، وإلا وجبت (وإن كبِرَ) الصغيرُ بعد قَطْع لسانه (فنطق ببعضِ الحروف، وجب فيه بقَدْر ما ذهب من الحروف؛ لأنَّا تبينا أنَّه كان ناطقًا.
وإن كان) الصَّغير (قد بلغ إلى حدٍّ يتحرَّك) لسانه (بالبكاء و
(2)
غيره، فلم يتحرّك، ففيه) أي: لسانه إذا قُطِع (حكومة) كلسان أخرس (وإن لم يبلغ إلى حد يتحرك) بالبكاء وغيره (ففيه الدية) لأنَّ الظاهر سلامته.
(وفي كل سِنٍّ ممن قد أُثغِر) بالبناء للمفعول (خَمس من الإبل)
(1)
في "ذ": "عن".
(2)
في "ذ": "أو".
رُوي عن عمر
(1)
وابن عباس
(2)
؛ ولخبر عمرو بن حزم مرفوعًا: "في السِّن خمس من الإبل" رواه النسائي
(3)
(والأضراس والأنياب كالأسنان) لما روى أبو داود عن ابن عباس مرفوعًا، قال:"الأسنانُ سواءٌ، الثَّنيَّةُ والضِّرْسُ سواء"
(4)
، فيكون في جميعها مائة وستون بعيرًا؛ لأنها اثنان وثلاثون: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وعشرون ضرسًا، في كل جانب، خمسة من فوق، وخمسة من أسفل (إذا قلعت) الأسنان (بسِنخِها -وهو ما بطن منها في اللحم- أو قلع الظاهر) منها (فقط) لعموم ما سبق، و (سواء قلعها) أي: الأسنان (في دفعة، أو دفعات) لعموم الخبر.
(وإن قلع منها السِّنْخ) -بالسين المهملة والخاء المعجمة- وهو أصلها كما سبق (فقط، ولو كان هو) أي: القالع للسِّنْخ (الذي جنى على
(1)
أخرجه عبد الرزاق (9/ 345، 348) رقم 17497، 17512، وذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 413).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 862)، وعبد الرَّزاق (9/ 345) رقم 17494، وعبد الله في مسائله (3/ 1235) رقم 1695، والبيهقي (8/ 90)، وذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 413).
(3)
في القسامة، باب 46، حديث 4868 - 4869، وفي الكبرى (4/ 245 - 246) حديث 7058 - 7059، وقد تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(4)
أبو داود في الديات، باب 20، حديث 4559. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الديات، باب 17، حديث 2650، وابن الجارود (3/ 95) حديث 783، والبيهقي (8/ 90)، وابن عبد البر (17/ 379). وذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 411)، وابن الملقن في البدر المنير (8/ 457)، وصححاه.
وأخرجه أبو داود -أيضًا- في الديات، باب 20، حديث 4560، وأحمد (1/ 289)، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 47، حديث 171، وابن حبان "الإحسان"(13/ 369) حديث 6014، والبيهقي (8/ 90)، بلفظ:"الأسنان سواء، والأصابع سواء".
ظاهرها، ففيه) أي: السِّنْخ (حكومة) لأنَّه لم يرد فيه تقدير.
(ولا يجب بقلع سِنِّ الصَّغير الذي لم يُثغِر) أي: تسقط رواضعه (في الحال شيء) لأنَّ العادة عَوْد سِنّه (لكن يُنتظر عودها، فإن مضت مُدة ييأس من عودها، وجبت ديتها) قال أحمد
(1)
: يتوقف سَنَة؛ لأنَّه غالب في نباتها (إلا أن ينبت مكانها أخرى) مماثلة لها، فلا شيء فيها، كما لو عاد السمع.
(وإن عادت) السِّنُّ (قصيرة، أو مشوَّهة، أو أطول من أخواتها، أو صفراء، أو حمراء، أو سوداء، أو خضراء؛ فحكومة) لأنها لم تذهب بمنفعتها، فلم تجب ديتها، ووجبت الحكومة لنقصها.
(وإن) عادت قصيرة و (أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها، أو كان فيها ثلمة أمكن تقديرها، ففيها بقَدْر ما نقص) منها من دِيتها بالنسبة، كما لو نقص سمع أذن، أو بصر عين، وأمكن تقديره.
(وإن نبتت) السِّنّ المجني عليها (مائلة عن صف الأسنان بحيث لا يُنتفع بها، ففيها ديتها) كأنها لم تعد؛ إذ لا نفع بذلك العائد (وإن كان يُنتفع بها) مع ميلها (فحكومة) للميل.
(وإن جعل) المجنيُّ عليه (مكان السِّنِّ) المقلوعة (سِنًّا أخرى) من آدمي (أو سِنّ حيوان أو عظمًا، فثبتت، وجبت دِيتها) كما لو لم يجعل مكانها شيئًا (وإن قلعت هذه الثَّانية
(2)
؛ فحكومة) للنقص.
(وإن قلع سنه، أو قطع
(3)
طرفه) كلسان ومارِنٍ (ونحوهما، فردّه
(1)
المغني (12/ 133)، والكافي (5/ 256)، والشرح الكبير المقنع والإنصاف (25/ 483).
(2)
في متن الإقناع (4/ 172): "الثابتة".
(3)
في "ذ": "قلع".
فالتحم، فله أرش نقصه) فقط، وهو حكومة (ثم إن أبانه أجنبي) بعد ذلك (وجبت ديته) كما لو لم يتقدّمه جناية عليه.
(وإن عادت سِنُّ من قد أثغر، ولو بعد الإياس من عودها، ردَّ) المجني عليه (ديتها إن كان أخذها) لأنا تبينا أنَّه كان لا يستحقها، وإن لم يكن أخذها سقطت.
(وإن كسر) الجاني (بعضَ ظاهر السن، ففيه) أي: الذاهب (من دِية السِّن بقَدره، كالنصف) والثلث، كسائر ما فيه مقدّر (وإن جاء) جانٍ (آخر فكَسَرَ الباقي منها، فعليه بقية الأرش) أي: بقية ديتها (وإن اختلفا) أي: الجانيان في قدر ما أذهب كل منهما (فالقول قول المجني عليه في قَدرِ ما أتلف كل واحد منهما) أي: الجانيين.
(وإن انكشفت اللِّثَة) بكسر اللام وفتح الثاء مخفَّفة (عن بعض السِّن) ثم كسر السن، أو بعض السن، وأريد تقديره (فالدية في قَدْر الظاهر) من السن (عادةً، دون ما انكشف على خلاف العادة) لأنَّه عارض فلا يُعتدُّ به.
(وإن اختلفا) أي: الجاني والمجني عليه (في قَدر الظاهر) من السن (اعتُبِر ذلك بأخواتها) لأن الظاهر مساواتها لهن (فإن لم يكن لها شيء تُعتبر به) بأن لم يكن له غيرها (ولم يمكن أن يَعرف ذلك أهلُ الخبرة؛ فقول الجاني) بيمينه؛ لأنَّه منكِرٌ فيما زاد عما يقرُّ به.
(وإن قلع) الجاني (سنًّا مضطربة، لكبر أو مرض، وكانت منافعها) أي: السن (باقيةً من المضغ، وحفظ الطَّعام، والريق، وجبت ديتها، وكذلك إن ذهب بعضُ منافعها وبقي بعضُها) وجبت ديتها؛ لأنَّه أذهب عضوًا فيه منفعة (وإن ذهبت منافعها كلها، فهي كاليد الشلاء) ففيها
حكومة.
(وإن قلع سنًّا فيها داء، أو) قلع سنًّا فيها (أكِلَة، ولم يذهب شيء من أجزائها، ففيها دية سِن صحيحة) لكمالها وبقاء منافعها (وإن سقط من أجزائها شيء، سقط من ديتها بقَدر الذاهب منها، ووجب الباقي) من ديتها فيما أذهبه، كسائر ما فيه مقدَّر.
(وإن كانت ثنيَّته قصيرة) خِلْقة، وقلَعَها جانٍ (نقص من ديتها بقَدْر نقصها، كما لو نقصت بكسرها) ثم جنى عليها.
(وإن جنى على سنِّه فبقي فيها اضطراب، ففيها حكومة) لنقصها بذلك.
(وفي تسويد السِّن والظفر) ديته، رُوي عن زيد بن ثابت
(1)
، ولم يُعرف له مخالف من الصّحابة؛ ولأنه أذهبَ جمالَ ذلك على الكمال، فكملت ديتها، كما لو قطع أذن الأصم.
(و) في تسويد (الأذن والأنف بحيث لا يزول) السواد (عنه) أي: عما ذكر من السِّن والظفر والأذن والأنف (ديته) كالسِّن والظفر.
(فإن ذهبت) السِّن السوداء، أو الظفر، أو الأذن، أو الأنف (بعد ذلك) الاسوداد (بجناية) عليه (ففيها حكومة) كاليد الشلاء (وإن احمرَّت
(1)
أخرج عبد الرزاق (9/ 348) رقم 17509، وابن أبي شيبة (9/ 200 - 201)، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: في السن يُستأنى بها سنة، فإن اسودت ففيها العقل كاملًا، وإلا فما اسود منها فبحساب ذلك.
وأخرج عبد الرزاق (9/ 393) رقم 17745، وابن أبي شيبة (9/ 220)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 445 - 446)، عن زيد بن ثابت: في الظفر بقلع، إن خرج أسود، أو لم يخرج، ففيه عشرة دنانير، وإن خرج أبيض ففيه خمسة دنانير.
السن) بالجناية (أو اصفرَّت، أو اخضرَّت، أو كلَّت، أو تحرَّكت؛ فحكومة) للنقص (فإن قلعها بعد ذلك قالع؛ فحكومة) ولا يعارض ذلك ما تقدم فيما إذا اضطربت لمرض أو كبر، لأن تحركها هنا بجناية.
(ولو نبتت) السن (من صغير سوداء، ثم ثُغِر، ثم عادت سوداء؛ فديتها) إذا
(1)
أذهبها الجاني، كمن خُلِق أسود الوجه والجسم جميعًا، وإن نبتت أولًا بيضاء، ثم ثُغر، ثم عادت سوداء، فإن قال أهل الخبرة: ليس السواد لمرض ولا عِلَّة، ففيها كمال ديتها، وإلا فحكومة.
(وفي اللحيين الدية) لأن فيهما نفعًا وجمالًا، وليس في البدن مثلها (وهما) أي: اللحيان (العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى، وفي إحداهما نصفُها، فإن قلعها) أي: اللحي (بما عليها من الأسنان، وجبت ديتها ودية الأسنان) فلا تدخل دية الأسنان في اللحيين، بخلاف أصابع اليدين؛ لأن الأسنان ليست متصلة باللحيين؛ وإنما هي مغروزة فيها، بخلاف الأصابع، وأيضًا كلُّ من اللحيين والأسنان ينفرد باسم، واللحيان يوجدان قبل وجود الأسنان ويثبتان بعد قلعهما، بخلاف الكف مع الأصابع.
(وفى اليدين الدية، وفي إحداهما نصفُها) للأخبار
(2)
(وسواء
(1)
فى "ذ": "أي إذا".
(2)
أخرج أبو داود في المراسيل ص/ 216، حديث 266، وعبد الرزاق (9/ 380) حديث 17678، عن الزهري، مرسلًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في اليدين بالدية، وفى الرجلين بالدية.
وأخرج أبو داود في الديات، باب 21، حديث 4564، وأحمد (2/ 217، 224)، والبيهقي (8/ 91)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في حديث طويل، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فى اليد إذا قطعت نصف العقل، وفى الرجل نصف العقل.
وأخرج عبد الرزاق (9/ 381) حديث 17682، عن ابن طاوس قال: كان عند أبى =
قطعهما من الكوع، أو المَنْكِب، أو مما بينهما) لأن اليد اسمٌ للجميع؛ لأنه لما نزلت آية التيمم
(1)
مسح الصحابة إلى المناكب
(2)
.
= كتاب عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون.
وأخرج -أيضًا- (9/ 381) حديث 17683، عن عمرو بن شعيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في اليد نصف العقل.
وأخرج عبد الرزاق -أيضًا- (9/ 380) حديث 17679، عن عبد الله بن أبى بكر، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتابًا فيه: واليد خمسون من الإبل، والرجل خمسون من الإبل.
أخرج ابن أبي شيبة (9/ 180، 209)، عن عكرمة بن خالد، عن رجل من آل عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في اليد خمسون.
وأخرج البيهقى (8/ 82)، عن مكحول قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليد نصف الدية، وفى الرجل نصف الدية.
وانظر حديث عمرو بن حزم المتقدم (13/ 325) تعليق رقم (5).
(1)
(2)
أخرج أبو داود في الطهارة، باب 123، حديث 318، 320، والنسائي في الطهارة، باب 196 - 197، حديث 313 - 314، وفي الكبرى (1/ 132 - 133) حديث 300 - 301، وابن ماجه في الطهارة، باب 90، حديث 565 - 566، والطيالسي ص/ 88، حديث 637، وعبد الرزاق (1/ 213) حديث 827، والحميدي (1/ 78) حديث 143، وأحمد (4/ 263 - 264، 320 - 321)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 211) حديث 278، والبزار (4/ 221، 239) حديث 1384، 1403، وابن الجارود (1/ 124) حديث 121، وأبو يعلى (3/ 185، 198 - 201، 213) حديث 1609، 1629 - 1633، 1652، والطبري في تفسيره (5/ 112)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 47) حديث 535 - 536، والطحاوي (1/ 110 - 111)، والشاشي في مسنده (2/ 421، 433) حديث 1024، 1040 - 1042، وابن حبان "الإحسان"(4/ 133) حديث 1310، والبيهقي (1/ 208)، وفي معرفة السنن والآثار (2/ 14، 16) حديث 1561، 1566، 1571، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 283 - 285)، والحازمي في الاعتبار ص/ 58، كلهم من طرق عن عمار بن =
(فإن قطعهما من الكوع) وجبت الدية؛ لأن اليد في الشرع محمولة على ذلك، بدليل قطع السارق، والمسح في التيمم.
(ثم) إن (قطعهما) الجاني (من المَرفِق، أو مما قبلَه، أو) ما (بعدَه، ففي المقطوع ثانيًا حكومة) لأن الدية وجبت عليه بالقطع الأول، كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف.
(وإن جنى عليهما) أي: اليدين (فأشلَّهما وأذهب نفعهما، أو أشلَّ رجله، أو ذكره، أو أنثييه، أو إسْكتيها
(1)
، وكذا سائر الأعضاء) إذا جنى
= ياسر رضي الله عنهما، مطولًا ومختصرًا. ولفظ أبي داود: أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا، فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.
واختلف الأئمة في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه. فوصفه أبو داود، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 285) بالاضطراب. وقال -أيضًا- (19/ 287): أكثر الآثار المرفوعة عن عمار في هذا الحديث إنما فيها ضربة واحدة للوجه واليدين، وكل ما يروى في هذا الباب عن عمار فمضطرب مختلف فيه. وقال ابن رجب في فتح الباري له (2/ 252): هذا حديث منكر جدًا، لم يزل العلماء ينكرونه.
وقال النسائي بعد تخريجه من طريق صالح بن كيسان، عن الزهري، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن عمار بن ياسر، ومن طريق مالك عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، قال فى الكبرى (1/ 133): كلاهما محفوظ.
وقال ابن أبي حاتم في علله (1/ 32): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه صالح بن كيسان وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم فى التيمم، فقالا: هذا خطأ، رواه مالك وابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار، وهو الصحيح. وهما أحفظ.
(1)
سيأتي شرحها من كلام المؤلف (13/ 421).
عليها فأشلَّها (ففيه ديته) أي: دية العضو الذي أشلَّه (كاملة) لأنه عطَّل نفعه.
(إلا الأذن والأنف) إذا أشلَّهما فلا تجب ديتهما، بل حكومة (كما تقدم
(1)
) لأن المقصود منهما الجمال، وهو باقٍ مع شللهما، كما سبق.
(وإن جنى على يَدٍ فعوَّجها، أو نقص قوتها، أو شَانَها) أي: عيَّبها (فـ) ـعليه (حكومة) لأنها أرْش كلَّ ما لا مقدَّر فيه.
(وإن كسرها) الجاني، أي: اليد (ثم انجبرت مستقيمة؛ فحكومة لشينها إن شانها ذلك) إن لم يكن الكسر في الذراع أو العضد، وإلا فيأتي حكمه.
(وإن عادت) اليد بعد كَسْرها (معوجَّة؛ فالحكومة أكثر) من الحكومة إذا عادت مستقيمة، لزيادة الشين.
(وإن قال الجاني: أنا أكسرها، ثم أجبُرُها مستقيمة؛ لم يمكَّن) من ذلك؛ لما فيه من الإضرار بالمجني عليه، وقد لا يصيب.
(فإن كسرها تعديًا) أي: بغير إذن ولىِّ الجناية (ثم جَبَرها فاستقامت، لم يسقط ما وجب من الحكومة في اعوجاجها) لأنه استقرَّ بالاندمال (وفى الكسر الثانى حكومة أخرى) لأنه جناية غير الأولى.
(وتجب دية في يَدِ المرتعش، و) تجب دية الرجل في (قَدَم الأعرج، و) تجب دية اليد في (يد الأعْسَم) لعموم الأخبار
(2)
(وهو) أى: العَسَم (اعوجاج في الرُّسْغ) أي: مفصِل ما بين الكف والساعد، والقدم إلى الساق.
(1)
(13/ 396، 399).
(2)
تقدم تخريجها (13/ 410) تعليق رقم (2).
(فإن كان له كفَّان في ذراع، أو يدان في عضد وإحداهما باطشة دون الأخرى، أو) إحداهما (أكثر بطشًا) من الأخرى (أو) إحداهما (في سَمْت الذراع) أي: مقابلته (والأخرى منحرِفة عنه، أو إحداهما تامَّة) الخَلْق (والأخرى ناقصة، فالأولى هي الأصلية والأخرى زائدة، ففي الأصلية دِيتها) إن قُطعت خطأ أو عمدًا واختيرت (والقصاص بقطعها عمدًا، وفي الزائدة حكومة، سواء قطعها منفردة أو مع الأصلية) لأنها زائدة.
(وإن استوتا من كل الوجوه، فإن كانتا غير باطشتين، ففيهما حكومة) لأنه لا نفع فيهما، كاليد الشلاء (وإن كانتا باطشتين، ففيهما جميعًا دية يد واحدة) لأن إحداهما أصلية (وحكومة للزائدة، وإن قطع إحداهما فلا قَوَد) فيها لاحتمال أن تكون هي الزائدة، فلا تؤخذ بها الأصلية (وفيها) أي: إحدى الباطشتين (نصف ما فيهما إذا قطعتا، أي: نصف دية وحكومة، وإن قطع إصبعًا من إحداهما، فنصف أرْش إصبع وحكومة) هذا أحد وجهين أطلقهما في "الشرح" وهو قياس ما قبله، واقتصر في "الإنصاف" و"تصحيح الفروع" و"التنقيح" على نصف أرش إصبع، وتبعهم في "المنتهى".
(وإن قطع ذو اليد التى لها طرفان يدًا؛ لم يُقطعا) بتلك اليد، لئلا تؤخذ يدان بيد واحدة (ولا) تُقطع (إحداهما) بتلك اليد؛ لأنا لا نعرف الأصلية فنأخذها بها، ولا تؤخذ زائدة بأصلية (وكذا الرِّجْلُ) على التفصيل السابق.
(و
إن قَطَع كفًّا بأصابعه لم يجب إلا دية اليد)
وتندرج فيها دية الأصابع؛ لأن مُسمَّى الجميع يد، كما تقدم
(1)
.
(1)
(13/ 410 - 412).
(وإن قطع كفًّا عليه بعض أصابع، دخل ما حاذى الأصابع) من الكف (فى ديتها) لأن الأصابع لو كانت سالمة كلها لدخل أرْش الكف كله فى دية الأصابع، فكذلك ما حاذى الأصابع السالمة يدخل فى ديتها (وعليه) أى: الجانى (أرْش باقى الكفّ) المحاذى للمقطوعات؛ لأنه ليس له ما يدخل فى ديته، فوجب أرْشه، كما لو كانت الأصابع كلها مقطوعة.
(و
إن قطع أنملة بظفرها، فليس عليه إلا ديتها)
أي: الأنملة، وتندرج فيها دية الظفر، لدخوله فى مُسمَّى الأنملة.
(وفى كفٍّ بلا أصابع) حكومة (و) فى (ذراع بلا كف) حكومة (و) فى (عضد بلا ذراع حكومة) قال المصنِّف فى "حاشية التنقيح" إنه المذهب. وقطع به فى "المبدع" فى موضع، والرواية الثانية
(1)
: يجب ثلث ديته؛ قدَّمه فى "المبدع" فى موضع آخر، وقطع به في "التنقيح"، وتَبِعه فى "المنتهى"، وصححه فى "الإنصاف". قال: وقد شَبَّه الإمامُ أحمد
(2)
ذلك بعين قائمة، قال: وحكم الرِّجْل حكم اليد فى ذلك. انتهى. قلت: مقتضى تشبيه الإمام له بعين قائمة وجوب حكومة فيها، كما هو الصحيح فيها.
(وفى الرِّجْلين الدية، وفى إحداهما نصفُها، وتفصيلها كاليدين) لما تقدم.
(1)
كتاب الروايتين والوجهين (2/ 279 - 280)، والهداية لابن الخطاب (2/ 121) والمغنى (12/ 157)، والمبدع (8/ 391)، وانظر: مسائل عبد الله (3/ 1265) رقم 1755، والإرشاد إلى سبيل الرشاد ص/450.
(2)
مسائل عبد الله (3/ 1266) رقم 1756 - 1757، ومسائل الكوسج (7/ 3357) رقم 2416.
(ومَفصِل الكعبين مثل مَفصِل الكفين، فإن كان له قدمان على ساق، فكالكفين على ذراع واحد) وتقدم (فإن كانت إحداهما أطول من الأخرى فقطع الطُّولى وأمكنه المشي على القصيرة، فهي الأصلية) فيكون في المقطوعة حكومة (وإلا) أي: وإن لم يمكنه المشي على القصيرة، فهى (زائدة) ويجب في المقطوعة نصف الدية.
(وفي الثديين الدية، وفي أحدهما نصفُها) قال "في "المبدع": بالإجماع
(1)
(وفى حَلَمَتيهما الدية) لأنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه، كحشفة الذكر (وفى إحداهما نصفُها، وإن قطع الثديين بحَلَمَتيهما، فدية واحدة) كقطع الذكر بحشفته؛ لأن مُسمَّى الجميع واحد.
(فإن حصل مكان قطعهما) أي: الثديين (جائفة، ففيها ثلث الدية مع ديتهما) أي:
دية الثديين
(وإن) حصل (جائفتان، فدية) للثديين (وثلثان) من الدية للجائفتين.
(وإن جنى) على الثديين (فأذهب لبنهما من غير أن يُشِلَّهما، فـ (ـعليه (حكومة) لما حصل من النقص، ولم تجب الدية؛ لأنه لم يذهب نفعهما بالكلية.
(وإن جنى عليهما) أي: الثديين (من صغيرة، ثم ولدت فلم يَنزل لها لبن، فإن قال أهل الخِبرة: قطعته الجناية، فعليه) أي: الجاني (ما على مَن ذهب باللبن بعد وجوده) وهو حكومة إذا لم يشلّهما، كما تقدم (وإن قالوا) أي: أهل الخبرة: (قد انقطع من غير الجناية؛ لم يضمن) ما ذهب من اللبن؛ لأنه بغير جنايته.
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 150، والإشراف (2/ 172).
(وإن نقص لبنهما) أي: الثديين بالجناية؛ فحكومة (أو كانا ناهدين فكسرهما، أو صار بهما مرض فـ (ـعليه (حكومة) لذلك النقص.
(وفي ثَنْدُوَتي الرجل) الواحدة ثَندوة -بفتح الثاء بلا همزة، ويضمها مع الهمز- وهي (مَفْرِز
(1)
الثدي) وقال الجوهري
(2)
: الثدي للرجل والمرأة. وهو أصح في اللغة، ومنهم من أنكره؛ ذكره فى "المبدع"(الدية) لأنه يحصل بهما الجمال، وليس في البدن غيرهما من جنسهما (وفي إحداهما نصفُها.
وفى الأليتين الدِّية، وفي إحداهما نصفُها، وهما) أي: الأليتان (ما علا وأشرف عن الظهر وعن استواء الفخذين، وإن لم يصل إلى العظم الذي تحتهما، وفي ذهاب بعضهما) أي: الأليتين، (بقَدْره) من الدية بنسبة الأجزاء، كسائر ما فيه مقدَّر (فإن جُهل المقدار) أي: مقدار الذاهب منهما، أي: جهلت نسبته منهما (فحكومة) كنقص السمع.
(وفى كسر الصُّلب الدية إذا لم ينجبر) قاله في "الشرح" وغيره، ذكره في "المبدع" في موضع، وهو موافق لما في كتاب عمرو بن حزم مرفوعًا:"وفي الصُّلبِ الدِّيةُ"
(3)
. وروى الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: "مضت السُّنةُ أن في الصُّلب
(1)
"مفرز" كذا في الأصل ومتن الإقناع (4/ 176) وفي "ذ" والصحاح للجوهري (6/ 2291)، ولسان العرب (14/ 110) مادة (ثدي):"مغرز" بالغين المعجمة، وهو الصواب.
(2)
الصحاح (6/ 2291) مادة (ثدا).
(3)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق (9/ 364) حديث 17596، عن مجاهد -في الصلب إذا كسر فذهب ماؤه-: الدية كاملة، وإن لم يذهب الماء فنصف الدية قال: قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدية"
(1)
، وقال القاضي: ليس فيه دية إلا أن يذهب مشيه أو جِماعه، وقال في "المبدع": أو
(2)
إذا كُسِر صلبه، فجبر وعاد إلى حاله، فحكومة للكسر، وإن احدودب، فحكومة لهما، أي: للكسر والاحديداب.
(فإن ذهب به) أي: بكسر الصلب (مَشيُه) فديةٌ واحدة (أو) ذهب بكسر صلبه (نكاحُه، فدية واحدة) لأن الذاهب منفعة واحدة (وإن ذهبا) أي: المشيُ والنكاحُ (فديتان) كما لو ذهبت منافع الإنسان مع بقائه.
(وإن جُبِرَ) الصَّلبُ بعد كسره (فعادت إحدى المنفعتين، لم يجب إلا ديةُ) المنفعة الذاهبة دون ما عادت (إلا أن تنقص الأخرى) التى عادت (أو تنقصا) أي: المنفعتان بلا ذهاب (فحكومة) للنقص.
(وإن ادَّعى) المجنىُّ عليه (ذهاب جِماعه) بالجناية (فقال رجلان من أهل الخبرة: إنَّ مثل هذه الجناية تذهِب الجماعَ، فقول المجنيِّ عليه مع يمينه) لأن الظاهر معه.
(وإن ذهب ماؤه) بالجناية (أو) ذهب (إحبَالُه دون جِماعه) بالجناية (ففيه الدية) لأنه منفعة مقصودة، أشبه السمع.
(وفي ذهاب الأكل) بالجناية (الدية) لأنه نفع مقصود، كالشم.
(وفي إذهاب منفعة الصوتِ الدية) ذكره في "الترغيب" وغيره، وفي "الفنون": لو سقاه زَرْقَ
(3)
حَمَامٍ فذهب صوته، لزمه حكومة.
(1)
أخرجه البيهقي (8/ 95).
وأخرجه أبو داود فى المراسيل ص/ 214، حديث 263، وابن أبى شيبة (9/ 229)، عن ابن شهاب الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الصلب الدية.
(2)
في "ذ": "أيضًا".
(3)
"زرق الطائر" -بالزاي المعجمة، وبالذال المعجمة أيضًا-: هو منه كالتغوُّط من الإنسان. المصباح المنير ص/ 283، 343، مادة (ذرق، زرق).
(وفي الحَدَب) بفتح الحاء والدال (الدِّية) لأن بذلك تذهب المنفعة والجَمَال؛ لأن انتصاب القامة من الكمال والجمال، وبه شرف الآدمي على سائر الحيوانات (فإن انحنى قليلًا، فحكومة) للنقص.
(وفى الصَّعَر الدية) رواه مكحول عن زيد
(1)
ولا يُعرف له مخالِف؛ ولأنه أذهب الجمال والمنفعة (وهو) أي: الصَّعَر (أن يجني عليه فيصير وجهه في جانب ولا يعود، فلا يقْدِر على النظر أمامه، ولا يمكنه ليُّ عنقه) وأصل الصَّعَر: داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي منه عنقه، قال تعالى:{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}
(2)
أي: لا تُعْرِض عنهم بوجهك (وإن صار الالتفات، أو ابتلاع الماء أو) ابتلاع (غيره شاقًّا عليه؛ فـ (ـعلى الجاني (حكومة) لهذا النقص.
(وفي الذكَر الدية) إجماعًا
(3)
وتقدم
(4)
(من صغير وكبير، وشيخ وشاب) لعموم حديث عمرو بن حزم مرفوعًا: "وفي الذَّكَرِ الدِّيةُ" رواه
(1)
أخرج عبد الرزاق (9/ 359) رقم 17565، ومن طريقه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 445)، عن مكحول عن زيد بن ثابت قال: في الصعر إذا لم يلتفت الدية كاملة.
وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 171)، عن عباد بن العوام، عن حجاج، عن مكحول، عن زيد: في الصعر الدية.
وخالف حماد بن سلمة -فيما أخرجه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 445) - فرواه عن الحجاج، عن مكحول، أن زيد بن ثابت قال: في الحدب الدية كاملة، وفي البحح الدية كاملة، وفي الصعر نصف الدية، وفي الغنن بقدر ما غنن.
(2)
سورة لقمان، الآية:18.
(3)
الإجماع لابن المنذر ص/ 150، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (4/ 1997).
(4)
(13/ 388).
أَحْمد والنسائي
(1)
.
(وإن قطع) الجاني (نصفَه) أي: الذَّكَر (بالطول ففيه الدية كاملة؛ لأنه ذهب بمنفعة الجِمَاع) قال الموفَّق والشارح: هذا هو الأولى، قال في "الإنصاف": وهو الصواب. ونقل الموفّق عن أصحابنا أن فيه نصف الدية، وقطع به في "المنتهى".
وإن قَطَع منه قطعة مما دون الحشفة، وخرج البول على عادته؛ وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية، وإن خرج من موضع القطع وجب الأكثر من الدية، أو الحكومة (وفي حَشَفَتِهِ) أي: الذكر (الدية) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه
(2)
؛ لأن منفعته تكمل بالحشفة، كما تكمل منافع اليد بالأصابع.
(وفي ذكر الخصيِّ ولو جامع به) حكومة (و) في (ذكر العِنِّين) حكومة (و) في (الذَّكر دون حشفته حكومة) لأنه لا مقدَّر فيه، ولا يمكن إيجاب دية كاملة، لذهاب منفعته.
(وفي الأُنثيين الدية) لخبر عمرو بن حزم
(3)
(وفي إحداهما نصفُها، فإن قَطَع الذَّكر والأُنثيين معًا) فديتان (أو) قطع (الذَّكر ثم الأُنثيين،
(1)
لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أَحْمد المطبوعة. وتقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(2)
نقل الإجماع فيها ابن عبد البر في الاستذكار (25/ 100).
(3)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
ويشهد له ما أخرجه عبد الرَّزّاق (9/ 273 - 274) رقم 17646 - 17653، وابن أبي شيبة (9/ 224 - 225)، عن علي، وابن المسيّب، ومجاهد، وابن مسعود، وإبراهيم، وعمرو بن شعيب، موقوفًا عليهم.
وما أخرجه أبو داود في المراسيل ص / 214، حديث 262، وابن أبي شيبة (9/ 145)، والبيهقي (8/ 82)، عن مكحول: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنثيين الدية.
فديتان) لأن كلَّ واحد منهما لو انفرد لوجب في قَطعِهِ الدية، فكذا لو اجتمعا (وإن قطع الأُنثيين، ثم) قَطَع (الذكر، ففي الأُنثيين الدية) لأن قطعهما لم يُصادف ما يوجب نقصهما عن ديتهما (وفي الذَّكر حكومة) لأنه ذَكَرُ خصي.
(وإن رضَّ أنثييه أو أشلَّهما، كملت ديتُهما) كما لو قطعهما (وإن قطعهما) أي: الأنثيين (فذهب نسلُه، فديةٌ واحدة) وكذا لو قطع إحداهما فذهب النسل، فنصف الدية؛ لأن دية منفعة العضو تندرج فيه كما سبق، غير السمع والشم.
(وفي إسْكَتَي المرأة) بكسر الهمزة وفتحها (وهما) أي: إسكتاها (اللحم المحيط بالفرج من جانبيه إحاطة الشفتين بالفم، وهما شُفراها) -بضم الشين- وقال أهل اللغة
(1)
: الشفران حاشيتا الإسكتين (الدية) لأن فيهما منفعة وجمالًا، وليس في البدن غيرهما من جنسهما (وفي إحداهما
(2)
نصفُها، وسواء كانتا غليظتين أو دقيقتين، قصيرتين أو طويلتين، من بكر أو ثيب، صغيرة أو كبيرة، مَخْفوضة -أي: مختونة- أو غير مخفوضة، ولو من رَتْقَاء) وإن أشلهما ففيهما الدية، كما لو جنى على شفتيه فأشلهما.
(وفي رَكَب المرأة) بالتحريك (وهو عانتها حكومة، وكذا عانته) أي: الرَّجل؛ لأنه لا مقدَّر فيها (فإن أُخذ منه) أي: الركب (شيء مع فَرْجها أو) مع (ذكره، فحكومة) لما أخذ منه (مع الدية) أي: دية الفَرْج أو الذَّكَر.
(وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع الرِّجْلين الدية، وفي كل
(1)
انظر: لسان العرب (4/ 419) مادة (شفر)، والقاموس المحيط ص/ 931، مادة (أسك).
(2)
في "ذ": "أحدهما".
إصبع عُشرها) لما روى التِّرْمِذِي -وصحَّحه- عن ابن عباس مرفوعًا: "ديَةُ أصابع اليدين والرِّجْلين عَشْرٌ من الإبل لكلِّ إصبع"
(1)
وفي البُخَارِي عنه مرفوعًا، قال:"هذه وهذه سواءٌ، يعني الخِنصِرَ والإبهام"
(2)
.
(وفي كُلِّ أنملة ثلث العشر) لأن دية الإصبع تُقسم على أنامله كما قُسِمت ديةُ اليد على أصابعها بالسوية (فإن كانت) الأنملة (من إبهامٍ فنصفُ العُشر) لأنهما مَفْصِلان.
(وفي الظُّفر خُمس ديةِ الإصبعِ) لقول زيد
(3)
، ورُوي عن ابن عباس
(4)
ولم يُعرف لهما مخالف (إذا قلعه ولم يعد) أو عاد أسود، كما
(1)
الترمذي في الديات، باب 4، حديث 1391. وأخرجه -أَيضًا- ابن الجارود (3/ 94) حديث 780، وابن حبان "الإحسان" (13/ 366) حديث 6012، والدارقطني (3/ 212).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وذكره ابن القطَّان في بيان الوهم والإيهام (5/ 408)، وقال: لا أعلم له علة تمنع من تصحيحه.
(2)
البُخَارِيّ في الديات، باب 20، حديث 6895.
(3)
أخرج ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 445)، عن حجاج، عن مكحول، عن زيد بن ثابت، قال: في الظفر إذا أعور بعير، وإذا ثبت فخُمسا بعير، وفي كل مفصل من مفاصل الإصبع إذا انكسر ثم انجبر ثلث بعير، وفي قصبة الأنف إذا انكسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة.
وأخرج عبد الرزاق (9/ 393) رقم 17745، وابن أبي شيبة (9/ 220)، وابن حزم (10/ 445)، عن الحجاج، عن مكحول، عن زيد بن ثابت في الظفر يقلع: إن خرج أسود أو لم يخرج ففيه عشرة دنانير، وإن خرج أبيض ففيه خمسة دنانير.
(4)
أخرج عبد الرَّزّاق (9/ 393) رقم 17744، وابن أبي شيبة (9/ 220، 222)، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الظفر. إذا اعور خمس دية الإصبع.
وأخرج ابن أبي شيبة -أيضًا- (9/ 220)، عن أشعث بن سوار، عن عبد الله بن =
في "المنتهى"؛ لذهاب جماله (و
في الأصابع
(1)
الزائدة حكومة)
لأنها لا مقدَّر فيها.
(وإن جنى على مثانته فلم يستمسك بوله، ففيه الدية، وإن جنى عليه) بأن ضَرَب بطنه أو نحوه (فلم يستمسك غائطه، ففيه الدِّية) لأن ذلك منفعة كبيرة ليس في البدن مثلها، والضرر بفواتهما عظيم، فكان في كل واحد منهما الدية، كالسمع والبصر (وإن أذهب المنفعتين؛ فَدِيتان) ولو بجناية واحدة، لأن كلًّا منهما لو انفردت فيها الدِّية، فكذا إذا اجتمعا
(2)
.
(وفي ذهاب العقل الدِّيةُ) قال في "المبدع": بالإجماع
(3)
. وسنده ما في كتاب عمرو بن حزم
(4)
؛ ولأنه أكبر المعاني قدْرًا وأعظم الحواس نفعًا؛ فإنَّه يتميز به من البهيمة، وتُعرف به صحَّة حقائق المعلومات، ويُهتدى به إلى المصالح، ويدخل به في التكليف، وهو شرط في ثبوت الولايات، وصحة التصرفات، وأداء العبادات، فكان أولى من بقية الحواس
(5)
.
(فإن نَقَص) العقل (نقصًا معلومًا، مثل أن صار يُجَنّ يومًا ويُفِيق يومًا، ففيه من الدية بقَدْر ذلك) الذاهب بالنسبة، كذهاب سمع أذن (وإن
= ذكوان، عن ابن عباس، قضى في ظفر رجل أصابه رجل فاعور بعشر دية الإصبع.
وأشعث بن سوار ضعيف؛ قاله الحافظ في التقريب (528).
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 178): "الإصبع".
(2)
في "ذ": "اجتمعتا".
(3)
الإجماع لابن المنذر ص / 148، ومراتب الإجماع لابن حزم ص/ 234، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (4/ 1983).
(4)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(5)
"أى المدركة". ش.
لم يُعلم) قَدْر الذاهب (مثل أن صار مدهوشًا، أو) صار (يَفْزَع مما لا يُفزع منه، ويَستوحِش إذا خلا؛ فحُكومة) لذلك النقص.
(وإن أذهب عَقْلَه بجناية توجب أرْشًا، كالجرح
(1)
) من موضحة أو غيرها (أو قطع عضوًا من يديه، أو رِجليه، أو غيرهما، أو ضَرَبه على رأسه) فذهب عقله (وجبت الدية) لذهاب العقل (و) وجب (أرْش الجراح
(2)
إن كان) ثَمَّ جرح.
(وإن جنى عليه، فأذهب سمعَهُ وعَقلَه وبصرَه وكلامَه، وجب أربعُ ديات) لقضاء عمر؛ رواه أَحْمد في رواية ولده عبد الله
(3)
(مع أرْش الجرح) إن كان، كما لو ذهبت بجنايات.
(فإن مات) المجني عليه (من الجناية، لم يجب إلَّا دية واحدة) للنفس، واندرج فيها ما عداها من المنافع، كديات الأعضاء.
(وإن أنكر الجاني زوالَ عقلِهِ ونَسَبَه إلى التَّجَانُنِ) يعني أنَّه يتفعّل الجنون (راقبناه) أي: المجني عليه (في خلواته، فإن لم تنضبط أحواله؛ وجبت الدية) عملًا بالظاهر (ولا يُحَلَّفُ) لعدم أهليته له.
(وفي تسويد الوجه -إذا لم يَزُل- الدِّيةُ) لأنه أذهب الجمال على الكمال، أشبه قطع أذني الأصم (فإن حمَّره أو صفَّره) أي: الوجه (فحُكومة) لأنه لم يذهب الجمال
(4)
.
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 178): "كالجراح".
(2)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 178): "الجرح".
(3)
مسائل عبد الله (3/ 1251) رقم 1726. وأخرجه -أَيضًا- عبد الرزاق (10/ 11) رقم 18183، وابن أبي شيبة (9/ 167، 266)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 434، 447)، والبيهقي (8/ 86، 98).
(4)
في "ذ" بعده زيادة: "على الكمال".
فصل
(وفي العضو الأشلِّ -وهو الذي ذهبت منفعتُه، من اليد، والرِّجْل، والذَّكَر، والثدي، ولسان الأخرس) الذي لا ذوق له (والعين القائمة في موضعها، صورتها كصورة كصحيحة غير أنَّه ذهب بصرُها، وشحمة الأذن) وهي ما لانَ في أسفلها، وهي مُعلَّق القُرْطِ (وذَكَر الخصي والعِنِّين، والسِّن السوداء التي ذهبت منفعتُها بحيث لا يعض
(1)
بها شيئًا، والثدي دون حَلَمته، والذَّكَر دون حَشَفته، وقصبة الأنف دون مارِنه، واليد والإصبع الزائدتين -حكومةٌ) لما حصل من النقص والشَّين مع عدم ورود تقدير في شيء منها، والتقدير بابه التوقيف (وتقدم بعضه) ويأتي معنى الحكومة في الباب بعده.
(ولا تجب دية جرح حتَّى يَندَمِل) لما مَرَّ.
(ولا) تجب (دية سِنٍّ، و) لا دية (ظُفر، و) لا دية (منفعة) من بصر أو غيره (حتَّى يُيْأس من عودها) لما تقدم
(2)
من أنَّه لا دية لما رُجِى عوده في مدة تقولها أهل الخبرة.
(فإن مات) المجنيُّ عليه (في المُدَّة) التي ذكر أهل الخبرة أنه يعود فيها قبل العود (فلوليه دية) ما جني عليه من (سِنٍّ وظُفر) ومنفعة، لليأس من عوده بموته (وله القَوَد في غيرهما) أي: غير السّن والظُّفر من الأعضاء؛ لأن العادة لم تجرِ بعوده، لكن لا يقتصّ إلا بعد الاندمال، لأنه لا يدري أَقتْل هو أم ليس بقتْلٍ، فينتظر ليعلم حكمه وما الواجب فيه،
(1)
في "ذ": "بحيث لا يمكنه أن يعض".
(2)
(13/ 389 - 391).
ولذا لم تجب ديته قبل الاندمال (وتقدم بعضه.
ولو التحمت الجائفةُ أو الموضِحة وما فوقها) كالهاشمة والمنقِّلة (على غير شَيْنٍ، لم يسقط موجبها) لأن الشارع أوجب فيها ذلك الأرْش، ولم يقيده بحال دون حال، فوجب بكل حال.
باب الشجاج وكسر العظام
(الشَّجَّة) واحدة الشِّجاج، وهي (اسم لجُرْحِ الرأس و) جرح (الوجه خاصة) وقد تُستعمل في غير ذلك من الأعضاء؛ قاله ابن أبي الفتح
(1)
.
(وهي عشر) بالاستقراء: (خَمْسٌ لا مقدَّر فيها) لأن التقدير من الشرع، ولم يرد فيها.
(أولها: الحارِصَةُ) بالحاء والصاد المهملتين (وهي التي تَشُقُّ الجلدَ قليلًا، أي: تقشِرُه شيئًا يسيرًا ولا تُدْميه) والحَرْصُ: الشَّق، ومنه حَرَصَ القَصَّارُ الثوب إذا شقه قليلًا، وهي القاشرة والقُشْرَة. قال ابن هُبيرة
(2)
تبعًا للقاضي: وتُسمَّى المِلْطاء.
(ثم) ثانيها: (البازِلة، وتُسمَّى الدامية والدامِعة) لقلة سيلان دمها، تشبيهًا له بخروج الدمع من العين (وهي التي يسيل منها الدم.
ثم) ثالثها: (الباضِعَة، وهي التي تَبضع اللحم) أي: تشقه (بعد الجلد.
ثم) رابعها: (المُتلاحِمة، وهي التي أخذت في اللحم، أي: دخلت فيه دخولًا كثيرًا، فوق الباضِعة ودون السِّمحاق.
ثم) خامسها: (السِّمحاق، وهي التي بينها وبين العظم قِشرة رقيقة) فوق العظم (تُسمَّى تلك القشرة سِمحاقًا، و) لذلك
(3)
(تُسمَّى الجراح
(1)
المطلع ص/ 366.
(2)
الإفصاح (2/ 383).
(3)
في "ذ": "كذلك".
الواصلة إليها سِمحاقًا، فهذه الخَمس فيها حكومةٌ) لأنها جراحات لم يرد فيها توقيت من الشرع، أشبهت جراحات البدن.
(وخَمس
(1)
فيها مقدَّر:
أولها: المُوضِحة)
والوَضَح: البياض (وهي التي توضِح العظم) أي: تُبدي بياضه (أي: تُبْرِزه، ولو بقَدْر رأسِ إبرة، وموضِحة الوجه والرأس سواء) لعمومِ الأخبار (وفيها -إن كانت من حُرٍّ مسلِم ولو أنثى- خمس من الإبل) لما في حديث عَمرو بن حزم: "وفي المُوضِحةِ خمسٌ من الإبل
(2)
. وعن عَمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جده أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال:"في المَواضحِ خمسٌ خمسٌ" رواه الخمسة
(3)
.
(ولا يُعتبر إيضاحُها للناظر، فلو أوضَحَه برأس مِسَلَّةٍ أو) رأس (إبرة؛ وعُرِف وصولُها إلى العظم؛ كانت موضحة) لأنها أوضحت العظمَ.
(فإن عَمَّت الرأسَ) ونزلت إلى الوجه فموضحتان (أو لم تَعُمُّه)
(1)
في "ذ": "خمس: أي من الشجاج".
(2)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(3)
أبو داود في الديات، باب 20، حديث 4566، والترمذي في الديات، باب 3، حديث 1390، والنسائي في القسامة، باب 45، حديث 4867، وفي الكبرى (4/ 245) حديث 7057، وابن ماجه في الديات، باب 19، حديث 2655، وأحمد (2/ 179، 189، 215، 217).
وقال التِّرْمِذِيّ: حديث حسن.
وأخرجه -أَيضًا- ابن المبارك في مسنده ص/ 80، حديث 136، وابن أبي شيبة (9/ 142، 186)، والدارمي في الديات، باب 16، حديث 2377، وابن أبي عاصم في الديات ص/ 28، حديث 174، وابن الجارود (3/ 96) حديث 785، والدارقطني (3/ 207، 210)، والبيهقي (8/ 81، 89، 92)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 376 - 377)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 320).
أي: الرأس (ونزلت إلى الوجه فموضحتان) لأنه أوضحه في عضوين، فكان لكلِّ واحد منها حكم نفسه، كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا.
(وإن أوضحه موضِحتين بينهما حاجز فعليه) أي: الجاني (أرْش موضحتين) عشرة أبعرة (فإن خَرَق الجاني ما بينهما) أي: الموضِحتين، صارتا واحدة (أو ذهب) ما بين الموضحتين (بالسراية صارا موضِحة واحدة) كما لو أوضحه الكلَّ من غير حاجز.
(ومثله لو قَطَع ثلاثَ أصابعِ امرأةٍ) حُرَّةٍ مسلِمةٍ (فعليه ثلاثون من الإبل، فإن قطع الرابعة قبل البرء عاد) ما عليه (إلى عشرين) كما تقدم عن سعيد بن المسيب وقوله: هكذا السُّنة
(1)
.
(فإن اختلفا) أي: الجاني والمجني عليها (في قاطعها) أي: الإِصبع الرابعة، بأن قال الجاني: إنه قَطَعها، أو إنها ذهبت بالسراية، وقالت: بل قطعها غيرُكَ (فقول مجنيٍّ عليها) لأن الظاهر معها، فيلزمه ثلاثون بعيرًا، ولا يُقبل قولُها على الغير بلا بينة؛ لأن الأصل براءته.
(وإن اندملت الموضحتان، ثم أزال) الجاني (الحاجز بينهما، فعليه أرش ثلاث مواضح) لأنه استقر عليه أرْش الأوَّلَتين بالاندمال، ثم لزمه أرْش الثالثة (وإن اندملت إحداهُما، ثم زال الحاجز بفعله) أي: الجاني (أو بسراية الأخرى) التي لم تندمل (فموضحتان) لأنه استقر عليه أرْش التي اندملت، وما عداها موضِحة واحدة، كما لو لم يكن معها غيرها.
(وإن خَرَقه) أي: الحاجز بين موضحتين (أجنبيٌّ، فعلى الأول
(1)
تقدم تخريجه (13/ 361) تعليق رقم (3).
أرْش موضِحتين، وعلى الثاني أرْش موضِحة؛ لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر) فانفرد كلُّ واحدٍ منهما بحكم جنايته.
(وإن أزاله) أي: الحاجز بينهما (المجنيُّ عليه، فعلى الأول أرْش موضِحتين) لأن ذلك وجب عليه بجنايته، فلم يسقط عنه شيء بفعل غيره.
(فإن اختلفا في مَنْ خَرَقه) أي: الحاجز بينهما (فقال الجاني: أنا شققتُ ما بينهما، وقال المجنيُّ عليه: بل أنا) الخارق لما بينهما (أو) قال المجني عليه للجاني: (أزالها آخر سواك، فقولُ المجنيِّ عليه) بيمينه؛ لأن سبب أرْش موضِحتين قد وُجِد، والجاني يدَّعي زواله والمجروح ينكِره، والقول قول المنكِر؛ لأن الأصل معه.
(وإن خَرَق الجاني ما بينهما) أى: الموضِحتين (في الباطن بأن قَطَع اللحمَ الذي بينهما وتَرَك الجلدَ الذي فوقهما؛ صارا) موضِحة (واحدة) لاتصالهما في الباطن، وكذا لو خَرَقه ظاهرًا وباطنًا، كما يُعلم مما تقدم.
(وإن خَرَقه) أي: الحاجز (في الظاهر فقط؛ فثنتان) أي: موضِحتان، لعدم اتصالهما باطنًا (كما لو جَرَحه جراحًا واحدة، وأوضحه في طرفيها) أي: الجراحة، فموضحتان.
(وإن شَجَّ جميعَ رأسه سِمْحَاقًا، إلا موضعًا منه أوضحه، لم يلزمه أكثر من أرْش موضِحة، كما لو أوضحه) أي: الرأس (كله) أي: لأنه لو أوضحه في رأسه كله لم يلزمه سوى أرش موضحة، فهنا أولى.
(وإن شَجَّه شَجَّةً، بعضُها هاشمةٌ، وباقيها دونها) أى: دون الهاشمة، موضِحة كانت أو دونها (لم يلزمه أكثر من أرْش هاشمة) كما لو هَشَمه في رأسه كله.
(وإن كانت) الشَّجَّة (منقِّلة وما دونها أو) كانت (مأمومة وما دونها، فعليه أرْش منقِّلة) فقط (أو مأمومة) فقط؛ لما تقدم في الموضِحة والهاشمة.
(ثم) يلي الموضِحةَ (الهاشمةُ، وهي التي توضح العظم) أي: تُبْرِزُه (وتهشِمه) أي: تكسره (وفيها عشر من الإبل) رُوي عن زيد بن ثابت
(1)
، ومثل ذلك لا يُقال بالرأي، فيكون توقيفًا.
(فإن هَشَمَهُ هاشِمَتين بينهما حاجز، ففيهما عشرونَ من الإبل، على ما ذكرنا من التفصيل في المُوضِحة) بلا فرق (وتستوي الهاشمة الصغيرة والكبيرة، كالموضِحة) لأن الاسم يتناولهما (وإن ضَرَبه بمثقَّل فهَشَمه من غير أن يوضِحه؛ فحكومة) لأن ذلك ليس بهاشمة، ولا تقدير فيه يرجع إليه، فوجب فيه حكومة.
(وإن أوضحه موضِحتين هَشَم العظمَ في كلِّ واحدةٍ منهما واتَّصل الهشمُ في الباطن؛ فـ) ـهما (هاشمتان) فيهما عشرون بعيرًا؛ لأن الهشم إنما يكون تبعًا للإيضاح، فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين، بخلاف الموضحة؛ فإنها ليست تبعًا لغيرها، فافترقا.
(ثم) يلي الهاشمةَ (المنقِّلةُ وهي التي توضِحُ) العظمَ (وتهشِمُ)
(1)
أخرج عبد الرزاق (9/ 307، 314) رقم 17321، 17348، والدارقطني (3/ 201)، والبيهقي (8/ 82)، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت أنه قال: في الهاشمة عشر من الإبل.
قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 274): رواه البيهقي، وحكاه الشافعي عن عدد من أهل العلم. وقال الشافعي في الأم (6/ 68): وقد حفظت عن عدد لقيتهم وذكر لي عنهم أنهم قالوا: في الهاشمة عشر من الإبل.
وأورده ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 26) مرفوعًا، وقال: وروي موقوفًا، وقيل: لا يصح مرفوعًا.
العظمَ (وتنقِّلُ عظامَها بتكسيرها، وفيها خمسَ عشرةَ من الإبل) بإجماع أهل العلم؛ حكاه ابن المنذر
(1)
، وفي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"وفي المنقّلة خمس عشرة من الإبل"
(2)
(وفي تفصيلها) أي: المنقّلة (ما في تفصيل الموضِحة والهاشِمة على ما مضى) توضيحه.
(ثم) يلي المنقِّلة (المأمومة وتُسمَّى الآمَّة) بالمَدِّ، قال ابن عبد البر
(3)
: أهل العراق يقولون لها: الآمة، وأهل الحجاز: المأمومة (وهي) الشَّجَّة (التي تصل إلى أُمّ الدماغ، وهي) أي: أم الدماغ (جِلدة فيها الدماغ) قال النضر بن إسماعيل
(4)
: أمُّ الرأس: الخريطة التي فيها الدماغ، سُميت بذلك لأنها تحوط الدماغ وتجمعه (وفيها ثلث الدية) لقوله صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم:"في المأمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيةِ"(2) وعن ابن عمر مرفوعًا
(5)
مثل ذلك.
ثم يلي المأمومة الدامغة بالغين المعجمة وهي المذكورة بقوله: (وفي الدامغة ما في المأمومة) أي: ثلث الدية، لأنها أبلغ من المأمومة،
(1)
الإجماع ص / 147، والإشراف على مذاهب أهل العلم (2/ 148).
(2)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(3)
التمهيد (17/ 365).
(4)
في "ذ": "ابن شميل"، وهو الصواب كما في كتب اللغة، انظر: تهذيب اللغة (15/ 633)، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص/ 481.
(5)
لم نقف عليه من حديث ابن عمر، ولعل الصواب: ابن عمرو، فقد أخرجه أبو داود في الديات، باب 20، حديث 4564، وأحمد (2/ 217)، والبيهقي (8/ 83)، عن محمد بن راشد الدمشقي، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا.
قال أبو داود: محمد بن راشد من أهل دمشق، هرب إلى البصرة من القتل.
قال المنذري في مختصر السنن (6/ 363): في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي، وقد وثقه غير واحد، وتكلّم فيه غير واحد.
ولا يسلم صاحبها في الغالب (وهي) الدامغة
(1)
(التي تخرِق جلدة الدماغ.
وإن أوضحه جانٍ ثم هَشَمَه ثانٍ، ثم جعلها) أي: الشَّجَّة المذكورة (ثالثٌ منقِّلة، ثم) جعلها (رابع مأمومة أو دامغة، فعلى الرابع ثمانية عشر وثُلُثٌ من الإبل) لأنها تفاوت ما بين المنقِّلة والمأمومة أو الدامغة (وعلى كلِّ واحد من الثلاثة قبلَه خمس من الإبل) لأنها تفاوت ما بين الشَّجتين، على ما تقدم.
فصل
(وفي الجائفة ثُلُث الدية) لقوله صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم: "وَفي الجائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيةِ"
(2)
؛ ولحديث عَمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده
(3)
، وسواء كانت عمدًا أو خطأ (وهي) أي: الجائفة (التي تَصِلُ إلى باطن الجوف من بطنٍ، أو ظهرٍ، أو صَدْرٍ، أو نَحْرٍ) قال في الفروع: وحَلْق، ومثانة، وبين خُصيتين، ودُبُر. وفي "الرعاية": وهي: ما وصل جوفًا فيه قوة محيلة للغذاء، من ظهر، أو بطن، وإن لم تخرق الأمعاء، أو صدر، أو نَحْر، أو دماغ، وإن لم تخرق الخريطة، أو مثانة، أو ما بين وعاء الخُصيتين والدُّبر.
(وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثُلُثا الدية) لكل جائفة ثُلُثٌ.
(1)
في "ذ": "أي الدامغة".
(2)
تقدم تخريجه (13/ 325) تعليق رقم (5).
(3)
تقدم تخريجه (13/ 432) تعليق رقم (5).
(وإن خرق الجاني ما بينهما) صارا واحدة (أو خرق) ما بينهما (بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثُلُث الدية لا غير) ذلك، كما تقدم
(1)
في الموضِحة.
(فإن خَرَق ما بينهما) أي: الجائفتين (أجنبيٌّ أو) خَرَقه (المجنيُّ عليه فعلى الأول ثُلثا الدية، وعلى الأجنبي الثاني ثُلثها) لأن فعل أحدهما لا ينبني على فِعل الآخر، والمراد هنا بالأجنبي غير الجاني والمجني عليه، ووليه، والطبيب بأمره.
(ويسقط ما قابل فِعْل المجنيّ عليه) فلا يجب به شيء؛ لأن الإنسان لا يجب له على نفسه أرْش.
(وإن احتاج) المجنيُّ عليه (إلى خَرْق ما بينهما) أي: الجائفتين (للمداواة، فَخرَقها المجني عليه، أو) خَرَقها (غيرُه بأمره، أو) خرقها (وليُّ المجني عليه لذلك) أي: للمداواة (أو) خرقها (الطبيب بأمره) أي: أمر المجني عليه إن كان مكلَّفًا، أو بأمر ولي غيره (فلا شيء في خرق الحاجز) على أحد (وعلى الأول ثُلُثَا الدية) لأن فعله لا ينبني على فعل غيره.
(و
إن جَرَحه من جانب، فخرج من الجانب الآخر؛ فجائفتان)
لما روى سعيد بسنده إلى أبي بكر "أنّهُ قَضى في جَائِفةٍ نَفَذَتْ بِثُلُثي الدِّيةِ"
(2)
(1)
(13/ 429).
(2)
لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ومن طريقه أخرجه البيهقي (8/ 85). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 369 - 370) رقم 17623، 17628، وابن أبي شيبة (9/ 211)، والبيهقي (8/ 85)، عن ابن المسيب، عن أبي بكر رضي الله عنه. قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 274): منقطع حسن.
وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 35): منقطع، لأن سعيدًا لم يدرك أبا بكر.
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين (1/ 125) رقم 196، من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، أن أبا بكر قضى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم =
وعن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده:"أنَّ عُمَرَ قَضى في الجائِفَةِ إذا نَفَذَتْ بأرْشِ جائِفَتَينِ"
(1)
وكما لو طَعَنه من جانبين فالتقتا، والاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف، ولا عبرة بكيفية إيصاله، إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى.
(وان خَرَق شِدْقَه أو) خرق (أنْفَه فوصل إلى فمِه، فليس بجائفة؛ لأن باطن الفَم في حكم الظَّاهر) لا الباطن، وعليه حُكومة (وإن طَعَنه في خدِّه فكَسَرَ العظمَ ووصل إلى فَمِهِ، فليس بجائفة أيضًا) لما ذكر من أن باطن الفم في حكم الظاهر (وعليه دية منقِّلة) خمسة عشر بعيرًا (لكسر العظم، وفيما زاد) على كسر العظم (حكومة) لما نقص.
(وإن جَرَحه في ذكره فَوَصَل) الجرح (إلى مجرى البول أو) جَرَحه (في جفنه فوصل) الجرح (إلى بيضة عينه؛ فحكومة) لأن ذلك ليس بباطن، فليس بجائفة (كإدخاله إصبعه في فَرْجِ بِكْرٍ؛ وداخل عظم فخذ.
وإن جرحه في وَرِكه فوصل الجرح إلى جوفه، أو أوضحه فوصل) الجرح (إلى قَفَاه، فعليه) في الأولى (دِية جائفة) وحكومة (و) في الثانية
(2)
دية (موضِحة وحكومة لجُرْح
(3)
القفا والورك) لأن الجراح في غير موضع الجائفة والموضِحة، فانفرد فيه الضمان، كما لو لم يكن معه جائفة أو موضِحة، وأما الحكومة؛ فلأنه لا توقيت فيه.
(و
إن أجافه) واحد (ووسَّع آخرُ الجرحَ؛ فجائفتان،
على كلِّ واحدٍ
= في رجل أنفذ من شقيه كليهما بثلثي الدية وقال: هما جائفتان.
(1)
لم نقف عليه بهذا الإسناد واللفظ. وأخرج عبد الرزاق (9/ 371) رقم 17631، وابن أبي شيبة (9/ 211)، عن عمر رضي الله عنه قال: في الجائفة ثلث الدية.
(2)
في "ذ": "الثاني".
(3)
في متن الإقناع (4/ 184): "كجرح".
منهما أرْشُ جائفة) لأن فعل كل واحد منهما لو انفرد لكان جائفة، فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى غيره (وإن وسَّعها الطبيبُ بإذنه) أي: المجني عليه المكلَّف (أو) وسّعها الطبيب بـ (ـإذن وليه) إن لم يكن مكلّفًا (لمصلحته، فلا شيء عليه) لعدم تعديه.
(وإن أدخل) مكلَّف (سكينًا في الجائفة، ثم أخرجها، عُزِّر) لارتكابه معصية (ولا شيء عليه) لعدم جنايته (وإن خاطها) أي: الجائفة (فجاء آخر فقطع الخيط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم، عُزِّرَ أشدٌ من التعزير الذي قبله) لأن فعله أشد (وغرم ثمن الخيوط) لإتلافه لها تعديًا (وأجرة الخياط) لتسببه في ذلك (ولا شيء عليه) أي: لا دية عليه للجائفة عليه؛ لأنه لم يَجِفْهُ.
(وإن التحمت الجائفةُ ففتحها آخر، فهي جائفة أخرى عليه أرْشها) أي: ثُلُث الدية؛ لأنه عاد إلى الصحة، فصار كالذي لم يُجْرح (وإن التحم بعضها) أي: الجائفة (دون بعض، ففتق ما التحم، فعليه أرْش جائفة) لما سبق (وإن فَتَقَ غير ما التحم، فليس عليه أرْش جائفة) لأنه لم يعد إلى الصِّحة (وحكمه حكم مَن فَعَل مثل فِعْله قبل أن يلتحم منها شيء) فيغرم ثمن الخيوط وأجرة الخياط (وإن وسَّع بعضَ ما التحم في الظاهر فقط، أو) وسَّعه في (الباطن فقط، فعليه حكومة) لتوسيعه؛ لأن جنايته لم تبلغ الجائفة.
(ومن وطئ زوجتَه، وهي صغيرة) لا يوطأ مثلها لمثله (أو) وطئها وهي (نحيفة لا يوطأ مثلها لمِثْله، فخرق ما بين مخرج بول ومَنِيٍّ، أو) خرق (ما بين القُبُل والدُّبُر، فلم يستمسك البول؛ لزمه
(1)
الدية) لأن
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 185): "لزمته".
للبول مكانًا في البدن يجتمع فيه للخروج، فعدم إمساك البول إبطال لنفع ذلك المحل، فتجب فيه الدية، كما لو لم يستمسك الغائط.
(وإن استمسك) البول (فعليه ثُلُث الدية) لأنها جائفة؛ ولما رُوي أن عمر قضى في الإفضاء بثلث الدية
(1)
. ولم يُعرف له مخالف من الصحابة (ويلزمه المهر المُسمَّى في النكاح) لأنه تقرَّر بالدخول (مع أرْش الجناية) السابق وهو الدية إن لم يستمسك بول، وإلا فثُلثها؛ لأن كلًّا منهما يُضمن منفردًا، فضمنا مجتمعين.
(ويكون أرْش الجنابة في ماله) أي: الجاني (إن كان عمدًا محضًا) لأن العاقلة لا تحمله (وهو) أي: العمد المحض (أن يعلم) الزوج (أنها لا تُطيقه، وأن وطْأهُ يُفْضِيها.
وإن علم ذلك) أي: أنها لا تُطِيقه (وكان) وَطْؤه (مما يحتمل ألا يفضي إليه) أي: إلى الإفضاء (فـ) ـالأرش (على العاقلة) لأنه شِبْه عَمْدٍ.
(وإن اندمل الحاجز وزال الإفضاء؛ وجبت حكومة) لجبر ما حصل من النقص؛ قاله في "الشرح"(فقط) وفيه نظر، لأنه قد تقدم آخر الباب
(1)
أخرج عبد الرزاق (9/ 378) رقم 17670، وسعيد بن منصور (2/ 116) رقم 2167، وابن أبي شيبة (9/ 411)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 455)، من طريق هشيم، عن داود بن أبي عاصم، عن عمرو بن شعيب، أن رجلًا استكره امرأة فأفضاها، فضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحد، وأغرمه ثلث ديتها. وهو مرسل بيِّن.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 377، 10/ 244 - 246) رقم 17668، 19001 مطولًا ومختصرًا، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 455)، من طريق معمر، عن رجل، عن عكرمة بلفظ: قضى عمر بن الخطاب في المرأة إذا غلبت على نفسها فأفضيت، أو ذهبت عذرتها، بثلث ديتها، وقال: لا حد عليها.
وهو مرسل -أيضًا-، عكرمة لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قبله
(1)
: ولو التحمت الجائفة لم يسقط موجبها. قال في "الإنصاف" رواية واحدة؛ قاله في "المجرد" وغيره.
(وإن كانت) الزوجة (كبيرة محتمِلَة للوَطْء يُوطأُ مثلها لمِثلْه) فَهَدْرٌ؛ لأنه ضرر حصل عن
(2)
فعل مأذون
(3)
شرعًا فلم يضمنه، كسراية القَوَد.
(أو) كانت الموطوءة (أجنبيةً كبيرةً مطاوعةً، ولا شُبهةَ، وهي حُرَّة مكلَّفة) ووقع ما سبق (فهَدْرٌ) لأنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه، فلم يضمنه، كأرْش بكارتها (ولا مهرَ) للأجنبية؛ لأنها زانية مطاوِعة (كما لو أذنت في قَطْعِ يدها فسرى) القطع (إلى نفسها.
وإن كانت) الأجنبية (مكرَهة أو وطئها بشُبهة، فأفضاها؛ لزمه ثُلث ديتها) إن استمسك البول، وإلا فالدية كما سبق (و) لزمه (مهر مثلها) بما استباح من فَرْجها.
(و) لزمه (أرْش البكارة) قال في "الفروع"، و"المبدع": ولا يندرج أرْش بكارة في دية إفضاء على الأصح. قال في "الإنصاف": وجزم بوجوب أرش البكارة في "الهداية" و"المذهب" و"المستوعب" و"الخلاصة" وغيرهم. انتهى. لكن تقدم في كتاب الصداق
(4)
: أن أرْش البكارة يدخل في المهر إذا كانتْ حُرَّة، وأنه يجب مهرها بكرًا فقط، فينبغي حمل ما ذكره هؤلاء على إفضاءٍ لا يجب معه مهرٌ، بأن يكون بغير وطء، ويدلُّ عليه قول "الفروع":"في دية إفضاء"، ولم يقل: في مهر.
(1)
(13/ 426).
(2)
في "ذ": "من".
(3)
في "ذ": "مأذون فيه".
(4)
(11/ 514).
(وإن استطلق بولُها) أي: الأجنبية المكرَهة، أو الموطوءة بشُبهة (فدِية فقط) أي: فلا يجب معها ثلث دية للفتق، وليس المراد الاحتراز عن المهر إن وطئ، ولا عن أرْش البكارة على ما تقدم، كما يدلُّ عليه كلام "المبدع" وغيره.
فصل
(وفي كَسْرِ الضلع) -بكسر الضاد وفتح اللام، وتسكينُها لغة- واحد الضلوع المعروفة (بعير) إن جُبر مستقيمًا.
(وفي التَّرْقُوَتين) واحدهما تَرقوة بالفتح. قال الجوهري: ولا تقل تُرقوة بالضم
(1)
(بعيران، وفي إحداهما بعير. والترقوة: العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكَتِفِ، لكل آدمي تَرْقُوتان) روى سعيد عن عمر قال: في الضلعِ جَمَلٌ، وفي الترقُوَة جَمَل
(2)
.
وظاهر الخرقي، وجزم به في "الإرشاد": أن في الواحدة بعيرين فيكون فيهما أربعة أبعرة، وروي عن زيد
(3)
. لكن قال القاضي: المراد
(1)
الصحاح (4/ 1453).
(2)
لم نقف عليه فى المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه -أيضًا- مالك في الموطأ (2/ 861)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 111)، وعبد الرزاق (9/ 361، 367) رقم 17578، 17607، وابن أبي شيبة (9/ 223)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 452)، والبيهقي (8/ 99)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 140) رقم 16206.
قال ابن حزم (10/ 453): هذا إسناد في غاية الصحة من عمر بن الخطاب، يخطب به على المنبر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، لا يوجد له منهم مخالف. وصححه -أيضًا- ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 282).
(3)
ذكره ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلي (10/ 453) معلقًا.
بقول الخرقي التَّرْقُوتان معًا، وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق، فيكون في كل تَرْقُوة بعير.
(وفي كل واحد من الذراع وهو الساعد الجامع لعَظْمَي الزَّنْد) بفتح الزاي، وهو ما انحسر عنه اللحم من الساعد. قال الجوهري
(1)
: الزند: وصل طرف الذراع بالكف، وهما زندان بالكوع والكرسوع، وهو: طرف الزند الذي يلي الخِنْصِرَ، وهو الناتئ عند الرسغ
(2)
.
(و) من (العَضُد والفَخِذ والسَّاق، إذا جُبِرَ ذلك مستقيمًا) بأن بقي على ما كان عليه من غير أن يتغير عن صفته (بعيران) لما روى سعيد، عن عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنَّ عَمْرو بن العاصِ كَتَبَ إلى عُمرَ في أحَدِ الزَّندَينٍ إذا كُسِر، فكتبَ إليه عُمرُ: أنَّ فيهِ بعيرَينِ، وإذا كَسَرَ الزَّنْدين
(3)
فَفيهِما أربعةُ أبعِرَةٍ
(4)
. ولم يُعرف له مخالف في الصحابة، فكان كالإجماع، وبقية العظام المذكورة كالزند (وإلا) أي: وإن لم ينجبر ما تقدَّم من الضلع والترقوة والزند والفخذ والساق (فحكومة) لذلك النقص (ولا مقدّر في غير هذه العظام) لعدم التقدير فيه.
(وما عدا ما ذكرنا من الجروح، وكَسْر العظام: مثل خَرَزَةِ الصُّلب
(1)
الصحاح (1/ 478).
(2)
الصحاح (3/ 1276).
(3)
في "ذ": "كسر الزندان".
(4)
لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ولا في غيرها من المصادر الحديثية.
وأخرج عبد الرزاق (9/ 390) رقم 17729، من طريق عاصم بن سفيان أن عمر كتب إلى سفيان بن عبد الله: في أحد الزندين من اليد إذا انجبر على غير عثم مئتا درهم.
وعَثَم العظمُ المكسورُ: انجبر على غير استواء. القاموس المحيط ص/ 1465، مادة (عثم).
والعُصْعُص) بضم العينين، وقد تفتح الثانية للتخفيف: عَجْبُ الذَّنَب، وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز، وهو العسيب من الدواب، قاله في الحاشية (والعانة، ففيه حكومة) لأنه لم يرد فيه تقدير.
(وخَرَزَة الصُّلب) فقاره (إن أريد بها كَسْر الصُّلْب، ففيه الدية) قال
(1)
في "الشرح" و"المبدع"، وقال القاضي: فيه حكومة. كما تقدم
(2)
، وتقدم توجيهه.
(والحكومة أن يُقوَّم المجنيُّ عليه كأنه عَبْدٌ لا جنايةَ به، ثم يُقَوَّم وهي) أي: الجناية (به قد بَرِئت، فما نقص من القيمة فله) أي: المجني عليه (مثلُه) بالنسبة (من الدية) أي: دية المجني عليه (كأَنْ كانَ قيمته) أي: المجني عليه لو فُرض قنًّا (وهو صحيحٌ عشرون، وقيمتُه وبه الجناية تسعةَ عَشَرَ، ففيه نصفُ عُشْر ديته) لأن الناقص بالتقويم واحد من عشرين، وهو نصف عُشْرها، فيكون للمجنيّ عليه نصفُ عُشر ديته، ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية (إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مُقَدَّر، فلا يبلغ به) أي: بحكومته (أرْش المُقدَّر.
فإن كانت) الحكومة (في الشَّجاج التي دون الموضِحة، لم يبلغ بها) أي: بالحكومة (أرْش الموضحة.
وإن كانت) الحكومة (في إصبع؛ لم يبلغ بها دية الإصبع.
وإن كانت) الحكومة (في أنملة؛ لم يبلغ بها ديتها) والنقص على حسب اجتهاد الحاكم. لا يقال: قد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه، ووجب في منافع الإنسان أكثر من الواجب فيه؛ لأنه إنما
(1)
في "ذ": "قاله".
(2)
(13/ 417 - 418).
وجب دية النفس دية عن الروح، وليست الأطراف بعضها، بخلاف مسألتنا؛ ذكره القاضي.
(وإن كانت) الجناية (مما لا تنقص شيئًا بعد الاندمال، قُوّمت حال الجناية) لأنه لابُدَّ من نقصٍ لأجل الجناية.
(ولا تكون) الجناية (هَدْرًا) فإذا كان التقويم بعد الاندمال ينفي ذلك، وجب أن يقوم في حال جريان الدم ليحصُل النقص (فإن لم تنقصه حال الجناية، ولا بعد الاندمال، أو زادته) الجناية (حسنًا، كإزالة لِحْية امرأة) أو إصبع (أو يد زائدة، فلا شيء فيها) إذا لم يحصُل بالجناية نقص في جمال، ولا نفع (كما لو قطع سِلْعة أو ثُؤلولًا، أو بطَّ جراحًا
(1)
.
وإن لطمه في وجهه، فلم يُؤثَّر، فلا ضمان) لأنه لم يحصُل نقص (ويُعزَّر، كما لو شَتَمه) لأنه ارتكب معصية.
(1)
"جراحًا" كذا فى الأصول! وفي متن الإقناع (4/ 187): "خُرَاجًا".
باب العاقلة وما تحمله
(وهي) جمع عاقل، يقال: عقَلْتُ فلانًا: إذا أدَّيتَ ديته، وعقَلْتُ عن فلان إذا غرمتَ منه ديته. وأصله من عقل الإبل، وهي الحبال التي تُثنى بها أيديها إلى ركبها، وقيل: من العقل، وهو المنع؛ لأنهم يمنعون عن القاتل، وقيل: لأنهم يتحمّلون العقل، وهو الدية، سُميت بذلك؛ لأنها تعقل لسان وليِّ المقتول.
والعاقلة: (من غَرِم ثلث الدية فأكثر بسبب جناية غيره) وهو تعريف بالحكم، فيدخله الدور، فلذلك رَفَعه بقوله:
(فعاقلة الجاني - ذكرًا كان أو أنثى - ذُكورُ عصباته نسبًا) كالآباء، والأبناء، والإخوة لغير أم، والأعمام كذلك (وولاءً) كالمعتق وعصبته المتعصبين بأنفسهم (قريبُهم وبعيدُهم، حاضرُهم وغائبهم، صحيحُهم ومريضُهم، ولو هرِمًا، وزَمِنًا، وأعمى) لما روى أبو هريرة، قال:"قضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينِ امرأةٍ من بني لحيان سقط ميتًا بغُرَّةٍ: عبدٍ أو أَمَةٍ، ثم إنَّ المرأة التي قضى عليها بالغُرّة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ ميرَاثَهَا لبِنْتيها وزوجها، وأنَّ العَقْلَ على عصبَتِها" متفق عليه
(1)
. وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضَى أن يَعْقِل عن المرأة عصَبتُها من كانوا، ولا يرثون منها إلا ما فضل عن
(1)
البخاري في الفرائض، باب 11، حديث 6740، وفي الديات، باب 26 حديث 6909، ومسلم في القسامة حديث 1681 (35). وعندهما:"لبنيها" بدل: "لبنتيها". انظر ما تقدم (13/ 224) تعليق رقم (2).
ورثتها" رواه الخمسة إلا الترمذي
(1)
.
(ومنهم) أي: العاقلة (عمودًا نسبه: آباؤه) أي: أبوه وإن علا بمحض الذكور (وأبناؤه) وإن نزلوا بمحض الذكور؛ لأنهم أحقُّ العصبات بميراثه، فكانوا أولى بتحمُّل عقله.
(ولا يُعتبر) في العاقلة (أن يكونوا وارثين في الحال) أي: حال العقل (بل متى كانوا يرثون لولا الحَجْبُ عقلوا) لأنهم عصبة، أشبهوا سائر العصبات، يحققه أن العقل موضوع على التناصر وهم من أهله.
(وليس منهم) أي: العاقلة (الإخوة لأمّ، ولا سائرُ ذوي الأرحام) ولا النساء؛ لأنهم ليسوا من ذوي النصرة (ولا الزوجُ، ولا المولى من أسفل) وهو العتيق؛ لأنه لا يرث (ولا مولى الموالاة، وهو الذي يوالي رجلًا يجعل له ولاءه ونُصرته) لحديث: "إنما الوَلاءُ لمن أعتق"
(2)
(ولا الحليفُ الذي يحالف آخر على التناصر، ولا العديدُ: وهو الذي لا عشيرة له ينضم إلى عشيرة؛ فيُعَدُّ منهم) لأنه لا نَصَّ في ذلك، ولا هو في معنى المنصوص عليه.
(1)
أبو داود في الديات، باب 20، حديث 4564، والنسائي في القسامة، باب 33، حديث 4815، في الكبرى (4/ 233) حديث 7004، وابن ماجه في الديات، باب 15، حديث 2647، وأحمد (2/ 224).
وأخرجه - أيضًا - البيهقي (8/ 58، 107)، وابن عبد البر في الاستذكار (25/ 66)، من طريق محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، به. قال النسائي في الكبرى: هذا حديث منكر، وسليمان بن موسى ليس بالقوي في الحديث، ولا محمد بن راشد.
وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 363): في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي، وقد وثقه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد.
(2)
تقدم تخريجه (5/ 143) تعليق رقم (1).
(وإن عُرف نسب قاتل من قبيلة، ولم يُعلم من أيّ بطونها، لم يَعقلوا عنه) لأنهم لا يرثونه.
(ولا مدخل لأهل الديوان في المعاقلة) فإذا قتل واحد من ديوان لم يعقلوا عنه، كأهل محلّته؛ لأنهم لا يرثونه.
(وليس على فقير ولو مُعْتَمِلًا) حَمْل شيء من الدية؛ لأن حمل العاقلة مواساة، فلا يلزم الفقير، كالزكاة؛ ولأنه وجب على العاقلة تخفيفًا عن القاتل، فلا يجوز التثقيل على الفقير؛ لأنه كلفة ومشقَّة (ولا صبيٍّ، ولا زائلِ العقل) لأن الحمل للتناصر وهما ليسا من أهله (ولا امرأةٍ) لما تقدم (ولا خُنثى مشكِل - ولو كانوا مُعْتِقين -) لاحتمال أن يكون الخنثى امرأة (ولا رقيقٍ) لأنه أسوأ حالًا من الفقير (ولا مخالفٍ لدِين الجاني؛ حَمْلُ شيء من الدية) لأن حَمْلها للنصرة، ولا نُصرة لمخالف في دِينه.
و (يَحمل الموسِرُ من غيرهم) أي: غير الصبي، وزائل العقل، والمرأة، والخنثى، والرقيق، والمخالف في الدين إذا كان عصبة (وهو) أي: الموسر (هنا: من ملك نِصابًا) زكويًّا (عند حُلولِ الحول فاضلًا عنه) أي: عن حاجته (كحجٍّ، وكفَّارة ظِهار) فيُعتبر أن يفضل عن حاجته الأصلية، وعياله، ووفاء دينه.
(وخطأُ الإمام والحاكم في أحكامهما في بيت المال) لأن خطأه يكثُرُ فيجحف بعاقلته؛ ولأنه نائب عن الله، فكان أرْش جنايته في مال الله (كخطأ وكيل) فإنه على موكّله، يعني أن الوكيل لا يضمنه (فعلى هذا للإمام عزل نفسه) ذكره القاضي وغيره؛ قاله في "الفروع" و"المبدع" و"التنقيح".
(وخطؤهما الذي تحمله العاقلة) هو خطؤهما في غير حكمهما
(وشِبْهُه) أي: شِبْه الخطأ، إذا كان (في غير حكم على عاقلتهما) أي: الإمام والحاكم، كخطأ غيرهما.
(وكذا الحكم إن زادا سوطًا لخطأ في حدٍّ أو تعزير، أو جَهِلا حملًا، أو بان مَنْ حكما) أي: الإمام والحاكم (بشهادته غيرَ أهلٍ، في أنه من بيت المال) لأنه من خطئه في حكمه (ويأتي في كتاب الحدود.
ولا تعاقل بين ذميٍّ وحربيٍّ) فلا يعقل إحدهما عن الآخر؛ لعدم التناصر، وقيل: بلى
(1)
، إن توارثا (بل بين ذمِّيَّين إن اتَّحدتْ مِلَّتُهما، فلا يعقِلُ يهودي) عن نصراني (ولا نصراني عن الآخر) أي: عن يهودي؛ لعدم التوارث والتناصر (فإن تهوَّد نصراني، أو تنصَّر يهودي، أو ارتدَّ مسلِم؛ لم يعقل عنهم أحد) لأنهم لا يُقَرّون على ذلك الدِّين (وتكون جناياتهم في أموالهم، كسائر الجنايات التي لا تحمِلها العاقلة.
ومن لا عاقلة له، أو له) عاقلة (وعَجَزَت عن الجميع، فالدية) إن عَجَزوا عن الكل (أو باقيها) إن أدّوا البعض وعَجَزوا عن الباقي (عليه) أي: الجاني (إن كان ذميًّا) لأن بيت المال لا يعقل عنه.
(وإن كان) الجاني (مسلمًا أُخِذَت) الدية (أو) أُخِذ (باقيها من بيت المال) حيث لا عاقلة، أو عَجَزت؛ لأن المسلمين يرثون مَن لا وارث له، فيعقلون عنه عند عدم عاقلته، كعَصَباتِه، فتؤخذ (حالَّة دَفْعةً واحدة) لأنه صلى الله عليه وسلم أدَّى دية الأنصاري دَفعةً واحدة
(2)
، وكذا
(1)
في "ذ": "لا".
(2)
أخرجه البخاري في الجزية والموادعة، باب 12، حديث 3173، وفي الديات، باب 22، حديث 6898، وفي الأحكام، باب 38، حديث 7192، ومسلم في القسامة، حديث 1669 (5 - 6)، من حديث سهل بن أبي حَثمْة رضي الله عنهما. =
عمر
(1)
؛ لأن الدية انما أُجَّلت على العاقلة تخفيفًا، ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال.
(فإن تعذَّر) الأخذ من بيت المال إذن (فليس على القاتل شيء؛ لأن الدِّية تلزم العاقلة ابتداء) بدليل أنه لا يُطالب بها غيرهم، ولا يُعتبر تحمّلهم ولا رِضاهم بها، فلا تجب على غير مَن وجبت عليه، كما لو عُدِم القاتل. وعنه
(2)
: تجب في مال القاتل، قال في "المقنع": وهو أولى، أي: من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال؛ فإنه لا يكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها، ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال، فتضيع الدماء، والدية تجب على القاتل، ثم تتحمّلها العاقلة، وإن سَلَّمنا وجوبها عليهم ابتداءً لكن مع وجودهم، كما قالوا في المرتد: يجب أرْش خطئه في ماله؛ لأنه لا عاقلة له تحملها.
(وإن رمى ذميٌّ) صيدًا، ثم تغيَّر دِينُه (أو) رمى (مسلم صيدًا ثم تغيَّر دِينه، ثم أصاب السهمُ آدميًّا فقتله، فالدية في ماله) لأنه قتيل في دار الإسلام، معصوم، تعذَّر حَمْل عاقلته عَقْله، فوجب على قاتله، ولا
= وأخرجه البخاري في الأدب، باب 89، حديث 6142 - 6143، ومسلم في القسامة، حديث 1669 (1 - 2)، من حديث سهل بن أبي حَثْمة، ورافع بن خديج رضي الله عنهم. والأنصاري هو عبد الله بن سهل الذي قُتل بخيبر. انظر ما يأتي (13/ 476) تعليق رقم (2، 3).
(1)
أخرج عبد الرزاق (10/ 51) رقم 18317، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود: أن رجلًا قُتل في الكعبة، فسأل عمر عليًّا، فقال: من بيت المال. وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 395) وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 468)، عن إبراهيم النخعي: أن رجلًا قتل في الطواف، فاستشار عمر الناس، فقال علي: ديته على المسلمين أو في بيت المال.
(2)
المحرر في الفقه (2/ 148 - 149).
يعقله عَصَبَة القاتل المسلمون؛ لأنه لم يكن مسلمًا حال رميه
(1)
، ولا المعاهَدُون؛ لأنه لم يقتله إلا وهو مسلم.
(ولو اختلف دِيْنُ جارحٍ؛ حالتي جرح وزُهوق) بأن جرحه وهو مسلم، ثم تغيَّر دِينُه، أو وهو ذِمي، ثم أسلم، ثم مات المجروح (حملته عاقلتُه حالَ الجرح) لأنه لم يصدر منه فعل بعد الجرح.
(ولو جنى ابن المعتَقة من عبد، فعقله على موالي أُمّه) لأنهم مواليه؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمة النَّسَب"
(2)
.
(فإن عَتَق أبوه، وانجرَّ ولاؤه) لموالي أبيه (ثم سرت جنايته) خطأً، فأرْشها في ماله؛ لتعذُّر حَمْل العاقلة؛ قاله في "المقنع"، وجزم به في "المغني" و"الشرح" و"شرح ابن منجا" وغيرهم. قال في "الإنصاف": وهو المذهب. قال: قال في "الفروع". . . إلى أن قال: أن انجرَّ ولاء ابن معتقة بين جرح أو رمي وتلف، فكتغير دِيْن. وقاله في "المحرر" وغيره، انتهى. فعلى هذا تكون الدية في هذه المسألة - وهي مسألة الجرح - على عاقلته حال الجرح، كما في تغيُّر الدِّيْن، إذ لا فرق بينهما، ولذلك
(3)
حمل صاحب "المبدع" عبارة "المقنع" على ذلك، ولم يتبع صاحب "المنتهى" كلامه في "الإنصاف" أولًا، ولا "المقنع"، مع أن "التنقيح" لم يخالفه.
(أو رمى) ابن المعتَقة من عبدٍ (بسهم، فلم يقع السهم حتى عَتَق أبوه، فأرْشها) أي: الجناية (في ماله) أي: الجاني، لا يحمله أحد؛ لما
(1)
"الأولى حال الإصابة؛ لأنه حال الرمي كان مسلمًا". ش.
(2)
تقدم تخريجه (10/ 332) تعليق رقم (1).
(3)
في "ذ": "وكذلك".
سبق في تغيير
(1)
الدين.
فصل فيما تحمله العاقلة
(و
لا تحمل العاقلة عمدًا مَحْضًا،
ولو لم يجب فيه القِصاص، كالجائفة) لما روي عن ابن عباس مرفوعًا، قال:"لا تَحْمِلُ العاقلةُ عَمْدًا، ولا عبدًا، ولا صُلحًا، ولا اعْترافًا"
(2)
. وروي عن ابن عباس موقوفًا
(3)
، ولم يُعرف له في الصحابة مخالِفٌ، فيكون
(1)
في "ح" و"ذ": "تغير".
(2)
لم نقف على من رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، قال الزيلعي في نصب الراية (4/ 399): المرفوع غريب. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 31): قال الرافعي: هذا الحديث تكلَّموا في ثبوته، وقال ابن الصباغ: لم يثبت متَّصلًا، وإنما هو موقوف على ابن عباس.
وقال في الدراية (2/ 288): وأما المرفوع "يعني حديث ابن عباس" فلم أجده.
وقال - أيضًا - في الدراية (2/ 280): لم أرَه مرفوعًا إلا ما روى الدارقطني [3/ 178] والطبراني في مسند الشاميين [3/ 220، حديث 2124] عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه رفعه: لا تجعلوا على العاقلة من قول معترف شيئًا. وإسناده ساقط. ا. هـ.
وقال عن حديث عبادة في التلخيص الحبير (4/ 31): إسناده واهٍ، فيه محمد بن سعيد المصلوب، وهو كذاب، وفيه الحارث بن نبهان، وهو منكر الحديث.
(3)
أخرجه محمد بن الحسن في الموطأ (3/ 9) رقم 665، وفى الآثار - كما في الدراية (2/ 280) -، ومن طريقه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 445 - 446)، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه البيهقي (8/ 104)، من طريق ابن وهب، عن ابن أبي الزناد، عن =
كالإجماع
(1)
. وعن عمر نحوه؛ رواه الدارقطني
(2)
.
وعن الزهري قال: "مضت السُّنةُ أنَّ العاقلةَ لا تَحْمِلُ شيئًا من دية العمد إلا أنْ تشاء" رواه مالك
(3)
؛ ولأن حَمْل العاقلة في الخطأ إنما هو
= أبيه قال: حدثني الثقة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لا تعقل العاقلة عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا ولا ما جنى المملوك".
قال محمد بن الحسن: وبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة والعامة عن فقهائنا.
وقال البيهقي: الرواية فيه عن ابن عباس على ما حكى محمد بن الحسن.
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 152.
(2)
(3/ 177). وأخرجه - أيضًا - ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 49)، والبيهقي (8/ 104)، من طريق عبد الملك بن حسين أبى مالك النخعي، عن عبد الله بن أبي السفر، عن عامر الشعبي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: العمد، والعبد، والصلح، والاعتراف لا تعقله العاقلة.
قال ابن أبي حاتم في المراسيل ص/ 132: سمعت أبي وأبا ذرعة يقولان: الشعبي عن عمر مرسل.
وقال البيهقي: كذا قال: عن عامر، عن عمر، وهو عن عمر منقطع، والمحفوظ: عن عامر الشعبي من قوله. وقال أيضًا: هذا القول لا يصح عن عمر رضي الله عنه، وإنما يصح عن الشعبي.
وذكره ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 279) وقال: ضعيف، المحفوظ عن عامر الشعبي من قوله.
ومن قول الشعبي أخرجه أبو يوسف في الآثار ص/ 221، رقم 976، وعبد الرزاق (9/ 408) رقم 17808، 17811، وأبو عبيد في غريب الحديث (4/ 445)، وابن أبي شيبة (9/ 282 - 283)، والدارقطني (3/ 178)، والبيهقي (8/ 104).
(3)
(2/ 865)، ومن طريقه أخرجه ابن أبي شيبة (9/ 284)، والبيهقي (8/ 105). وأخرجه عبد الرزاق (9/ 409) رقم 17812، من طريق معمر، عن الزهري قال: العمد، وشبه العمد، والاعتراف، والصلح لا تحمله عنه العاقلة، هو عليه في ماله إلا أن تعينه العاقلة، وعليهم أن يعينوه. كما بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كتابه الذي كتبه بين قريش والأنصار: لا يتركون مُفْرَحًا أن يعينوه، في فكاك أو عقل.
مواساة للعُذْر، والعامد ليس بمعذور.
(ولا) تحمِلُ العاقلة (عبدًا قَتَل عمدًا أو خطأ، ولا) دية (طَرَفِه، ولا جنايته) لما سبق.
(ولا) تحمل (قيمةَ دابةٍ) كالعبد (ولا) تحمل (صُلْحَ إنكار، ولا) تحمل (اعترافًا: بأن يُقِرَّ على نفسه بجناية خطأ، أو شِبْه عمدٍ، توجب ثُلُثَ الدية فأكثر، إن لم تُصدِّقْه العاقلة) لما سبق.
(ولا) تحمل (ما دون ثلث الدية الكاملة، وهي دِيةُ الذَّكَر الحُرِّ المسلم) لقضاء عمر
(1)
أنها لا تحمل شيئًا حتى يبلغ عقل المأمومة؛ ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني؛ لأنه هو المتلِف، فكان عليه كسائر المتلَفَات، لكن خُولِف في الثلث لإجحافه بالجاني؛ لكثرته، فما عداه يبقى على الأصل، والثلث حدُّ الكثير؛ للخبر
(2)
.
(إلا غُرَّةَ جنينٍ مات مع أُمّه بجناية واحدة، أو) مات (بعدَ موتها) لأن الجناية واحدة، فتبعها مع زيادتها على الثلث، و (لا) تحمل الغُرَّة إن
(1)
ذكر ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 51)، عن ابن وهب قال: أخبرني ابن سمعان قال: سمعت رجالًا من علمائنا يقولون: قضى عمر بن الخطاب في الدية ألا يحمل منها شيء على العاقلة حتى تبلغ ثلث الدية، فإنها على العاقلة عقل المأمومة والجائفة، فإذا بلغت ذلك فصاعدًا حملت على العاقلة.
وله شاهد من قول زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (8/ 108)، من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لا تعقل العاقلة ولا يعمها العقل إلا في ثلث الدية فصاعدًا.
قال البيهقي: والمحفوظ أنه من قول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار.
ثم رواه عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهما قالا: لا تحمل العاقلة إلا ثلث الدية فصاعدًا.
(2)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ". . . الثلث، والثلث كثير" وقد تقدم تخريجه (10/ 31) تعليق رقم (2).
مات الجنين (قبلَها) أي: قبل أُمّه مع اتحاد الجناية، فلا تحملها العاقلة (لنقصه عن الثلث) ولا تبعية لموته قبلها.
(فهذا كله) أي: العمد المحض، والعبد، وقيمة الدابة، وصُلْح الإنكار، والاعتراف، وما دون ثلث الدية (في مال الجاني حالًّا) لأن الأصل وجوب الجناية على الجاني حالًّا؛ لأنه بدل متلَف، كقيمة المَتَاع، خُولِف في غير ذلك لدليلٍ، فبقي على الأصل.
(وتحمِل) العاقلةُ (ديةَ المرأة) المُسلِمة؛ لأنها نصف الدية الكاملة، بخلاف دية الكافرة فلا تحمِلها؛ لأنها دون الثلث.
(وتحمِل) العاقلة (من جراحها) أي: المُسلِمة (ما يبلغ أرْشه ثلث الدية الكاملة فأكثر، كدية أنفها) لأن فيه ديتها، وهي نصف الدية الكاملة، و (لا) تحمل ديةَ (يدها) لأنها نصف ديتها، وهي الربع.
(وكذا حكم الكتابي) فتحمل ديته، وما يبلغ أرشه من جراحه ثلث الدية الكاملة، كأنفه، ولسانه، لا يده ورجله.
(ولا تحمِل شيئًا من دية المجوسي والوثني؛ لأنها دون الثلث.
وتحمِل) العاقلة (شِبه العمدِ، كالخطأ وما أُجري مُجْراه) لحديث أبي هريرة: "اقتتلتْ امرأتان من هُذَيْلٍ. . ." الحديث، وتقدَّم
(1)
؛ ولأنه لا يوجب قصاصًا، كالخطأ.
(و
ما يحمله كلُّ واحدٍ من العاقلة غير مقدَّر)
لأن التقدير من الشرع، ولم يَرِد به (ويُرجَعُ فيه إلى اجتهادِ الحاكم، فيُحمِّل كلَّ إنسان منهم ما يَسهُلُ) عليه (ولا يَشقُّ) لأن التحمّل على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف عنه، ولا يخفّف عن الجاني ما يثقل على غيره؛ ولأن
(1)
(13/ 224) تعليق رقم (2).
الإجحاف لو كان مشروعًا كان الجاني أحقّ به.
(ويبدأ) الحاكمُ (بالأقرب فالأقرب، كعصباتٍ في ميراث، لكن يؤخذ من بعيدٍ لغَيبةِ قريبٍ) لمحلِّ الضروره (فإن اتَّسعت أموال الأقربين لها) أي: الدية (لم يتجاوَزْهم) أي: لم ينتقل لغيرهم؛ لأنه حقٌّ يستحق بالتعصيب، فقُدِّم الأقرب فالأقرب، كالميراث (وإلا) أي: وإن لم تتسع أموال الأقربين لها (انتقلَ إلى من يليهم) لأن الأقربين لو لم يكونوا موجودين، تعلَّقت الدية بمن يليهم، فكذا إذا تحمَّل الأقربون ما وجب عليهم، وبقيت بقيةٌ.
(فيبدأ بالآباء، ثم بالأبناء) الأقرب فالأقرب. ومقتضى كلامه في "الإنصاف": أنه يبدأ بالأبناء ثم بالآباء، وقد ذكرنا كلامه في "الحاشية"(ثم بالإخوة) يقدم من يُدْلي بأبوين على من يُدْلي بأب (ثم بنيهم) كذلك (ثم الأعمام، ثم بنيهم) كذلك (ثم أعمام الأب، ثم بنيهم) كذلك (ثم أعمام الجد، ثم بنيهم كذلك أبدًا.
فإذا انقرض المناسبون) أي: العصبة من النسب (فعلى المولى المعتِق، ثم على عَصَباته) الأقرب فالأقرب، كالميراث (فإن كان المعتِقُ) للجاني (امرأةً، حَمَل عنها جنايةَ عتقها
(1)
من يحمل جنايتها من عصباتها) كالآباء، والأبناء، والإخوة، والأعمام. وقوله "حمل عنها" أي: من حيث إن الولاء لهم من جرائها وسببها
(2)
، وإلا فالظاهر أنها وجبت عليهم ابتداءً، لا عليها، ثم تحوَّلت إليهم.
(ثم على مولى المولى) أي: مُعتِق المُعتِق (ثم على عصباته،
(1)
في "ح" ومتن الإقناع (4/ 192)"عتيقها".
(2)
في "ذ": "تسببها".
الأقرب فالأقرب) من النسب، ثم من الولاء (كالميراث سواء، فَيُقَدَّم من يُدْلي بأبوين على من يُدْلي بأب) من الإخوة، والأعمام، وبنيهم.
(وإن تساوى جماعةٌ في القُرْب، وكَثُروا) كالبنين، والإخوة لأبوين أو لأب (وُزِّع ما يلزمُهم بينهم) كالميراث.
(ومن صار أهلًا عند الحول، ولم يكن أهلًا عند الوجوب، كفقيرٍ يستغني، وصبيٍّ يبلُغُ، ومجنونٍ يُفيقُ؛ دَخَل في التَّحمُّلِ) لأنه في وقت الوجوب من أهل الوجوب، أشبه من كان من ابتداء الحول كذلك.
(وعاقلةُ ابنِ المُلاعِنة) المنفي باللعان، وولد الزنى (عصبةُ أُمِّهِ) لأنهم عصبته الوارثون له.
فصل
(وما تحمله العاقلةُ يجب مؤجَّلًا في ثلاث سنين) لقول عمر
(1)
،
(1)
أخرج عبد الرزاق (9/ 420) رقم 17858، وابن أبي شيبة (9/ 284 - 285)، والبيهقي (8/ 109 - 110)، من طريق أشعث، عن الشعبي قال: جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدية في ثلاث سنين، وثلثي الدية في سنتين، ونصف الدية في سنتين، وثلثي الدية في سنة.
وهذا منقطع، فإن الشعبي لم يلق عمر رضي الله عنه، كما تقدم (13/ 450) تعليق رقم (2).
وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (9/ 420) رقم 17857، عن ابن جريج، قال: أخبرت عن أبي وائل، أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين، وجعل نصف الدية في سنتين، وما دون النصف في سنة.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 420) رقم 17859 - أيضًا - من طريق مكحول، عن عمر رضي الله عنه بنحوه. =
وعلي
(1)
في دية الخطأ، ولم يُعرف لهما مخالف، فكان كالإجماع
(2)
(في آخر كلِّ سنةٍ ثلثه إن كان) الواجب (دية كاملة، كدية النفس، أو) دية (طَرَف، كالأنف) لأنه لا مُرَجِّح لبعض السنين على بعض؛ ولأنه مالٌ يجبُ على سبيل المواساة، فلم يجب حالًّا، كالزكاة.
(وإن كان) الواجب (الثُّلث، كَدِية المأمومة) والجائفة (وَجَب في آخر السَّنة الأولى) ولم يجب منه شيء حالًّا؛ لأن العاقلة لا تحمِل حالًّا.
(وإن كان) الواجب (نصفَ الدِّية الكاملة، كدِية اليد) من الذَّكر الحُرِّ المسلم (ودِية المرأة) المُسلِمة (و) دية (الكتابي، أو) كان الواجب (ثُلثيها، كدية المَنْخِرين) دون الحاجز (وجب الثلث في آخر السنة الأولى) لأنه قدر ما يؤدي من الدية الكاملة، فوجب لتساويهما في وقت الوجوب (و) وجب (الثلث الثاني، أو السدس الباقي من النصف في آخر) السنة (الثانية) لأن ذلك محل القسط الثاني من الكاملة.
(وإن كان) الواجب (أكثر من دية، مثل أن أذهب سمع إنسان
= وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 284 - 285)، من طريق أشعث عن الشعبي، وعن الحكم عن إبراهيم قال: أول من فرض العطاء عمر بن الخطاب، وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين.
قال إسحاق بن راهويه كما في مسائل الكوسج (2/ 259): إن لم يكن الإسناد متصلًا عن عمر رضي الله عنه فهو أقوى من غيره.
(1)
أخرج البيهقي (8/ 100)، عن يزيد بن أبي حبيب أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قضى بالعقل في قتل الخطأ في ثلاث سنين.
قال ابن أبي عاصم في الديات ص/ 89: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأخبار أنه قضى بالدية على العاقلة، ولم يُحفظ عنه أنها منجمة، ولم يصح تأخيرها خبر، ولا صح عنه القدر الذي تؤدي العاقلة في الدية.
(2)
الأم (3/ 120)، والمغني (12/ 21 - 22).
وبصره بجناية واحدة، ففي ست سنين) فيؤخذ (في كلِّ سنة ثُلث) دية؛ لأن الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في السنة عن الثلث، فكذا لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث.
(وكذا لو قتلت الضربةُ الأمَّ وجنينَها بعدما استهلَّ) لوقتٍ يعيش لمثله، ففيهما ديتها ودية الجنين (لم يزد في كل حول على ثلث دية) كاملة؛ لأنهما كالنفس الواحدة.
(وإن قَتَل اثنين) ولو بجناية واحدة، فديتهما في ثلاث سنين؛ لأن كلَّ واحدٍ له دية، فيستحقّ ثلثها، كما لو انفرد حقّه (أو أذهب سمعَه وبصرَه بجنايتين، فديتُهما) أي: السمع والبصر (في ثلاث سنين) فيؤخذ (من كل دِية ثُلثٌ
(1)
) لأنهما من جنايتين؛ أشبه ما لو انفرد كلٌّ منهما.
(وابتداءُ الحولِ في الجُرْح من حين الاندمال) لأن الأرْش لا يستقر إلا به (و) ابتداء الحول (في القتل من حين الموت، سواء كان قتلًا مُوَحِّيًا
(2)
، أو عن سراية جرح) لأنه حالة الوجوب.
(ومن مات من العاقلة قبل الحول، أو افتقر، أو جُنَّ) منهم قبل الحول (لم يلزمه شيء) لأنه مالٌ يجب في آخر الحول على سبيل المواساة، أشبه الزكاة.
(وإن مات) من العاقلة أحد (بعد الحول لم يسقط) ما عليه؛ لأنه حق تدخله النيابة لا يملك إسقاطه في حياته، أشبه الدَّيْن؛ ولأنه وجب عليه لحولان الحول، فلم يسقط، كالزكاة، وكذا
(3)
لو جُنَّ بعد الحول،
(1)
زاد في متن الإقناع (4/ 193): "في كل حولٍ".
(2)
أي: سريعًا، يموت منه في الحال، وقد تقدم شرحها (6/ 214) تعليق رقم (2).
(3)
في "ذ": "قلت: وكذا".
وأما لو افتقر ففيه نَظَر.
(و
عمدُ غيرِ مكلَّفٍ خطأٌ تحمله العاقلة)
لأنه لا يتحقَّق من الصغير والمجنون كمال القصد، فوجب أن يكون كخطأ البالغ؛ ولأنه لا يوجب القَوَد، فحملته كغيره (وتقدَّم في كتاب الجنايات
(1)
).
(1)
(13/ 227).
باب كفارة القتل
الكفَّارة: مأخوذة من الكَفْر، وهو الستر؛ لأنها تُغَطِّي الذنْبَ وتستره، والأصل فيها الإجماع
(1)
، وسنده قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً. . .} الآية
(2)
، فذكر في الآية ثلاث كفَّارات: إحداهن بقتل المسلم في دار الإسلام خطأً. الثانية بقتله في دار الحرب، وهو لا يعرف إيمانه. الثالثة بقتل المعاهد، وهو الذّمي.
(من قتل نفسًا مُحَرَّمة، أو شارك فيها، ولو نفسَه، أو قِنَّه، أو مستأمِنًا، أو معاهَدًا خطأً) للآية الكريمة (أو ما أُجري مُجْراه) لأنه أجري مُجْراه في عدم القِصاص، فكذا يجري مَجْراه في الكفَّارة (أو شِبه عمدٍ) لما سبق (أو قَتَل بسببٍ في حياته، أو بعدَ موته، كحفر بئرٍ، ونَصْبِ سكّين، وشهادة زُورٍ) و (لا) كفّارة (في قتل عَمْد محضٍ) لمفهوم قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً. . .}
(2)
وسواء كان موجبًا للقصاص أو غيره (ولا) كفّارة أيضًا (في قَتْل أسير حربيٍّ يمكنه أن يأتي به الإمامَ، فقتله قبلَه) أي: قبل أن يأتى به الإمام (ولا في قتل نساء حرب وذرِّيَّتهم، ولا) في قتل (من لم تبلغه الدعوة إن وُجِد) فيحرم قتله قبل الدعوة، ولا كفّارة؛ لأنه لا إيمان لهم ولا أمان (فعليه) أي: القاتل، أو المشارك في سوى ما استثني (كفَّارة كاملة في ماله، ولو كان القاتل إمامًا في خطأ يحمله بيت المال) فتجب الكفّارة في ماله لا في بيت المال (أو) كان القاتل (كافرًا) فتجب عقوبة له، كالحدود.
(1)
الإجماع لابن المنذر ص/ 152.
(2)
سورة النساء، الآية:92.
(وهي) أي: كفَّارة القتل (عِتْق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد) رقبةً مؤمنةً فاضلة كما تقدم (فصيام شهرين متتابعين) للآية (وتقدّم حكمها عند كفَّارة الظِّهار
(1)
.
ولو ضَرَب بَطْنَ امرأةٍ فألقت جنينًا ميتًا، أو حيًّا، ثم ماتَ، فعليه الكفَّارة) لأنه قَتَل نفسًا محرَّمةً، أشبه قتل الآدمي بالمباشرة، وكالمولود. و (لا) تجب الكفارة (بإلقاء مُضغة) لم تتصور؛ لأنها ليست نفسًا.
(وإن قتل جماعةً) أو شارك في قتلهم (لَزِمَه كفارات) بعددهم، كجزاء الصيد والدية.
(و) تجب الكفَّارة (سواء كان المقتول مُسلِمًا، أو كافرًا مضمونًا) كالذمي والمستأمن؛ لأنه مقتول ظُلمًا، فوجبت فيه الكفَّارة كالمسلم، وسواء كان المقتول (حُرًّا أو عبدًا) لعموم:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً}
(2)
وسواء كان المقتول (صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى) لما سبق.
(وسواءٌ كان القاتل كبيرًا عاقلًا، أو صبيًّا، أو مجنونًا، حرًّا
(3)
أو عبدًا)، أو (ذكرًا أو أنثى) لأنه حقٌّ مالي يتعلَّق بالقتل، فتعلَّقت بهم، كالدية، والصلاة والصوم عبادتان بدنيتان، وهذه مالية أشبهت نفقةَ الأقارب.
(ولا تجب كفَّارة اليمين على الصبي والمجنون) لأن كفارة اليمين تتعلَّق بالقول، ولا قول للصغير والمجنون، وهذه تتعلَّق بالفعل، وفعلهما متحقِّق، ويتعلَّق بالفعل ما لا يتعلَّق بالقول، بدليل إحبالها.
(ويُكفِّر العبدُ بالصيام) لأنه لا مال له، ولو مكاتَبًا؛ لأن ملكه
(1)
(12/ 485).
(2)
سورة النساء، الآية:92.
(3)
في "ذ": "أو حرًّا".
ضعيف (ويأتي في آخر كتاب الأيمان.
ويُكفِّر مِن مالِ غيرِ مكلفٍ وليُّهُ) كإخراج زكاته، ويكفِّر سفيه بصوم، كمفلس.
(ومن رمى - في دار الحرب - مسلمًا يعتقده كافرًا، أو رمى إلى صفِّ الكفَّار فأصاب فيهم مسلمًا، فعليه الكفَّارة) لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}
(1)
ولا دية، كما تقدم
(2)
؛ لظاهر الآية.
(ولا كفَّارة في قَتْلٍ مُبَاحٍ، كقتل حربي، وباغٍ، وصائلٍ، وزانٍ محصن، وقتلٍ قصاصًا أو حدًّا) لأنه قتل مأمور به، والكفَّارة لا تجب لمحوِ المأمور به.
(ولا) كفَّارة (في قَطْع طَرَف) كأنف ويد (و) لا في (قَتْل بهيمة) لأنه لا نصّ فيه، وليس في معنى المنصوص، وقتل الخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة؛ لأنه كقتل المجنون، لكن النفس الذاهبة به معصومة محرَّمة؛ فلذلك وجبت الكفّارة فيها. وقال قوم: الخطأ محرَّم ولا إثم فيه، ولا تلزم الكفّارة قاتلًا حربيًّا؛ ذكره في "الترغيب".
(وأكبر الذنوب الشرك بالله، ثم القتل، ثم الزنى) للخبر
(3)
.
(1)
سورة النساء، الآية:92.
(2)
(13/ 225 - 226).
(3)
أخرج البخاري في تفسير سورة البقرة، باب 3، حديث 4477، وسورة الفرقان، باب 2، حديث 4761، وفي الأدب، باب 20، حديث 6001، وفي الحدود، باب 20، حديث 6811، وفي الديات، باب 1، حديث 6861، وفي التوحيد، باب 40، 46، حديث 7520، 7532، ومسلم في الإيمان، حديث 86، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك. وأخرج البخاري في الوصايا، باب 23، حديث 2766، ومسلم في الإيمان، حديث 89، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
…
الحديث. وقد تقدم تخريجه (7/ 41) تعليق رقم (2).
باب القسامة
اسم للقَسَم، أُقيم مُقَام المصدر، من أقسم إقسامًا وقسَامةً، فهي: الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة.
(وهي
(1)
: أيمان مُكَرَّرة في دعوى قَتْل معصوم) قال ابن قتيبة في "المعارف"
(2)
: أول من قضى بالقسامة في الجاهلية الوليد بن المغيرة، فأقرَّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام. اهـ. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ وسليمان بن يسار، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقَرَّ القسامَةَ على ما كانت عليه في الجاهلية" رواه أحمد ومسلم
(3)
.
(ولا نثبت) القسامة (إلا بشروط) أربعة، بل عشرة، كما يُعلم مما يأتي:
(أحدها: دعوى القتل عمدًا، أو خطأً، أو شِبْهَ عمدٍ) لأن كل حقٍّ لآدمي لا يثبت لشخص إلا بعد دعواه أنه له، والقتل من الحقوق (على واحدٍ) قال في "المبدع": لا يختلف المذهب فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فيَحْلِفُ خمسون منكم على رجلٍ منهم فَيُدفع برُمَّتِه"
(4)
؛ ولأنها بيِّنة ضعيفة خُولف بها الأصل لدليل في الواحد، فيقتصر عليه، ويبقى على الأصل ما عداه (مُعيَّنٍ) لأن الدعوى لا تُسمع على المبهم (مُكلَّفٍ) لتصح الدعوى
(1)
في "ذ": "وهي شرعًا".
(2)
ص/ 551.
(3)
أحمد (4/ 62، 5/ 375، 432)، ومسلم في القسامة، حديث 1670.
(4)
أخرجه مسلم في القسامة، حديث 1669 (2)، من حديث سهل بن أبي حثمة، ورافع بن خديج رضي الله عنهم.
(ذكرٍ أو أنثى، حُرٍّ أو عبدٍ، مسلم أو كافر، ملتزم) لأحكام المسلمين، كالذميِّ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"على رجُل منهم" والأنثى كالذكر (ذكرًا كان المقتول أو أنثى، حرًّا أو عبدًا، مسلمًا أو ذميًّا) لأنه قتل آدمي يوجب الكفَّارة، فشرعت القسامة فيه، كالحُرِّ المسلم؛ ولأن ما كان حُجة في قتل الحُرِّ المسلم كان حُجَّة في قتل العبد والذِّمي.
(ويُقسِم على العبد) المقتول (سيِّدُه) لقيامه مقام وارثه.
(وأمّ الولد، والمدبرَّ، والمُكاتَب، والمعلَّق عتقه بصفةٍ) قبل وجودها (كالقِنِّ) يُقسِم عليه سيده. قلت: والمبعّض يُقسِم عليه وارثه وسيده بحسب ما فيه من الحرية والرِّقِّ.
(فإن قُتل عبدُ المكاتَب، فللمُكاتَب أن يُقسِم على الجاني) بشرطه
(1)
؛ لأنه سيد المقتول (وإن عجز) المُكاتَب عن أداء مال الكتابة، كلِّه أو بعضِه (قبل أن يُقسِم) على الجاني (فلسيده أن يُقْسِم) عليه؛ لعوده إليه هو وما كان بيده.
(ولو اشترى) العبدُ (المأذونُ له في التجارة عبدًا، أو ملَّكَه سيدُه عبدًا، فقُتِل، فالقَسامة لسيده) لأنه المالك (دونه) أي: المأذون؛ لأنه لا يملك ولو مُلِّك.
(ولا قَسامةَ فيما دون النفس من الجراح، والأطراف، والمالِ غيرَ العبدِ) لأن القَسامة ثبتت في النفس لِحُرمتها، فاختصَّت بها، كالكفَّارة (والدعوى فيها كـ) ــالدعوى في (سائر الحقوق، البينة على المُدَّعي، واليمين على من أنكر يمينًا واحدة) لأنها دعوى لا قَسامة فيها، فلا تغلَّظ بالعَدد.
(1)
في "ذ": "بشروطه".
(وكذا لو ادُّعيَ القتل من غير وجود قتيل ولا عداوة) فالبينة عليه، واليمين على المُنكِر يمينًا واحدة؛ لعموم الخبر
(1)
.
(والمحجور عليه لسَفَهٍ، أو فَلَسٍ كغيره في دعوى القتل) لأن الحَجْر عليهما في مالهما وما يتعلَّق بالتصرف فيه (و) المحجور عليهْ لسَفَهٍ أو فَلَس، كغيره في (الدعوى عليه) بالقتل (إلا أنه إذا أقرَّ بمال، أو لزمته الدِّية بالنّكول عن اليمين، لم يلزمه في حال حجره) لاحتمال التواطؤ، ويتبع بذلك بعد فَكِّ الحَجْر عنه.
(ولو جُرِح) بالبناء للمفعول (مُسلِم، فارتدَّ المجروحُ، ومات على الرِّدة؛ فلا قَسَامة) لأنه غير معصوم (وإن مات) المجروحُ (مسلمًا فارتد وارثُه قبل القَسامة؛ فكذلك) أي: لا قَسامةَ؛ لأن ملك المرتد لماله إما أن يزول، أو يكون موقوفًا، وحقوق المال لها حكمه، فإن قلنا بزوال ملكه، فلا حقَّ له، وإن قلنا هو موقوف، فهو قبل انكشاف حاله مشكوك فيه، ولا يثبت الحكم بشيء مشكوك فيه، خصوصًا قتل مسلم.
(وإن ارتدَّ) الوارث (قبل موت مورِّثه
(2)
، كانت القسامة لغيره) أي: غير المرتدّ (من الورَّاث) لأن المُرتدَّ كالعدم؛ لقيام المانع به، فإن عاد إلى الإسلام قبل قَسامةِ غيره، فقياس المذهب أنه يدخل في القسامة؛ قاله في "الشرح".
(وإن لم يكن له وارثٌ سواء) أي: المرتد (فلا قَسامةَ فيه) لعدم الوارث الخاص.
(وإن ارتدَّ رَجُل، ففُتِل عبده، أو قُتل عبده ثم ارتدَّ) السيد (فإن
(1)
تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).
(2)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 198): "موروثه".
عاد) السيد (إلى الإسلام، فله القَسامة) كما لو لم يرتدَّ (وإلا) أي: وإن لم يعد إلى الإسلام، بأن قُتل للرِّدة أو غيرها، أو مات مرتدًّا (فلا) قَسامة؛ لعدم الوارث الخاص.
فصل
الشرط (الثاني: اللَّوْثُ، ولو في الخطأ وشِبْهِ العمد، واللَّوْث: العداوة الظاهرة، كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر، وكما بين القبائل التي يَطلبُ بعضها بعضًا بالثأر
(1)
، وما بين أحياء العرب وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب، وما بين البُغَاة وأهل العدل، وما بين الشُّرَط) بوزن رُطب: أعوان السلطان، الواحد شُرْطة كغرفة، وشُرطي؛ ذكره في "الحاشية"(واللصوص) جمع لص، ولعل المراد السارق، وقاطع الطريق، والمختلس، وباطُّ الصُّفْن
(2)
، ونحوه (وكل من بينه وبين المقتول ضِغن) أي: حقد (يغلبُ على الظن أنه قَتَله) لأن مقتضى الدليل ألا تُشرع القَسامة، تُرك العمل به في العداوة الظاهرة؛ لقصة الأنصار
(3)
في القتيل بخيبر
(4)
، ولا يجوز القياس عليها؛ لأن الحكم ثبت بالمظنة، ولا يجوز القياس في المظان؛ لعدم التساوي بين الأصل والفرع في المقتضي.
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 198): "بثأر".
(2)
بطَّ الجرح والصُّرَّة: شقَّه. القاموس، المحيط ص/ 851، مادة (بطط).
والصُّفْنُ: كالسفرة بين العيبة والقربة يكون فيها المتاع، وقيل: الصُّفْنُ من أَدَم كالسفرة لأهل البادية يجعلون فيها زادهم. وخريطة يكون للراعي فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه. انظر: لسان العرب (13/ 247) مادة (صفن).
(3)
في "ذ": "الأنصاري".
(4)
تقدم تخريجه (13/ 446) تعليق رقم (2).
(قال القاضي: يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم أنه قَتَل
(1)
، وإن كانوا غائبين عن مكان القتل؛ لأن) النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار:"تحلِفُون وتستحقُّون دَمَ صاحبِكم"
(2)
. وكانوا بالمدينة والقتيل بخيبر؛ ولأن (للإنسان أن يحلف على غالب ظَنّه، كما أن من اشترى من إنسان شيئًا فجاء آخر يدَّعيه، جاز) للمشتري (أن يحلِفَ أنه) أي: المدعي (لا يستحقّه؛ لأن الظاهر أنه ملك الذي باعه) له.
(وكذلك) في الحلف على غلبة الظن (إذا وَجَد شيئًا بخطه، أو بخطِّ أبيه في دفتره، جاز أن يحلِفَ) إذا علم منه الصدق والأمانة، وأنه لا يكتب إلا حقًّا.
(وكذلك) في الحلف على غلبة الظَّن (إذا باع شيئًا لم يَعلمْ فيه عيبًا، فادَّعى عليه المشترى أنه مَعيبٌ، وأراد ردَّه، كان له) أي: البائع (أن يحلِف أنه باعه بريئًا من العيب) على القول بأنه يقبل قول البائع، والمذهب: القول قول المشتري بيمينه، كما تقدم في خيار العيب
(3)
.
(ولا ينبغي أن يحلِف المُدَّعي) للقتل (إلا بعدَ الاستثبات، وغَلَبة ظنٍّ تُقارِب اليقينَ) ولذلك لما قُتِل عبد الله بن سهل واتُّهِمَت اليهود، قال صلى الله عليه وسلم:"أتَحْلِفُون وتستحِقونَ لقاتلكم؟ قالوا: كيف نحلِف ولم نشهد ولم نَرَ"(2).
(وينبغي للحاكم أن يعظهم) ويقول لهم: اتقوا الله واستثبتوا، ويقرأ عليهم:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا. . .} الآية
(4)
(1)
في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 198): "قتله".
(2)
تقدم تخريجه (13/ 446) تعليق رقم (2).
(3)
(7/ 463).
(4)
سورة آل عمران، الآية:77.
(ويعرِّفهم ما في اليمين الكاذبة) من الإثم، وأنها "تَدَعُ الديار بَلاقع"
(1)
.
(1)
البَلقَع: الأرض القفر. القاموس المحيط ص/ 910.
وقوله: "اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع" رُوي مرفوعًا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:
أ - وائلة بن الأسقع رضي الله عنهما: أخرجه خيثمة الأطرابلسي في فوائده ص/ 70، وابن حبان في الثقات (8/ 400)، والدولابي في الكنى (3/ 1185)، حديث 2072، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 397) حديث 2543، والخطيب في تلخيص المتشابه (2/ 702).
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 309): قال أبي: هذا حديث منكر.
ب - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه محمد بن الحسن في الآثار ص/ 372، حديث 873، والبيهقي (10/ 35)، وفي شعب الإيمان (4/ 217) حديث 4842، والخطيب في تاريخه (5/ 184)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 176) حديث 255، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة ص/ 243، من طرق عن أبي حنيفة، عن ناصح بن عبد الله، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وناصح بن عبد الله منكر الحديث، انظر: ميزان الاعتدال (4/ 240).
وأخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 56) حديث 1096، ومن طريقه أبو نعيم في مسند أبي حنيفة ص/ 234، عن أبي الدهماء البصري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 180): فيه أبو الدهماء الأصعب. وثقه النفيلي، وضعفه ابن حبان.
ج - عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 121) حديث 1345، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 226) حديث 7971. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 179): رجاله رجال الصحيح إلا أن أبا سلمة لم يصح سماعه عن أبيه. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 610): إسناده صحيح لو صح سماع أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف.
د - علي رضي الله عنه: أخرجه ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب (8/ 3626) وفي سنده: رجاء بن عبد الرحيم أبو المضاء، قال الحاكم: كان كثير =
(ويدخل في اللَّوْث: لو حصلت عداوة بين سيد عبدٍ) وغيره، فقُتِل العبدُ، فلسيده أن يُقسِم على عدوه.
(و) يدخل في اللَّوْث - أيضًا - لو حصلت العداوة بين (عصبته) وغيرهم، وقُتِل، فلعصبته أن يُقسِموا على أعدائهم، وإن لم يكن بين المقتول وبينهم عداوة، اكتفاءً بما بين عصبته وبينهم، وكذا لو حصلت عداوة بين سَيّد وعبده.
(فلو وُجِد قتيل في صحراء، وليس معه غير عبده، كان ذلك لوثًا في حَقِّ العبد) قلت: لعلَّ المراد إن كان عداوة بينه وبينه، وإلا فلا يظهر ذلك (ولورثة سَيّده القَسامة) على العبد ببقية الشروط.
(فإن لم تكن عداوة ظاهرة) بين المُدَّعى عليه القتل، والمقتول، أو عصبته، أو سيده (ولكن غلب على الظَّنِّ صِدْق المُدَّعي، كتفرق جماعة عن قتيل، أو كانت عصبية من غير عداوة ظاهرة، أو وُجِد قتيل عند من معه سيف ملطَّخ بدم، أو في زحام، أو شهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم، كالنساء، والصبيان، والفُسَّاق، أو) شهد بالقتل (عَدْلٌ واحد وفَسَقَةٌ، أو تفرَّق فئتان
(1)
عن قتيل، أو شهد رجلان) عدلان (على إنسان
(2)
أنه قتل أحد هذين القتيلين، أو شَهِدَا) أي: الرجلان (أن هذا
= المناكير. "لسان الميزان"(2/ 456).
هـ - يحيى بن أبي كثير مرسلًا: أخرجه عبد الرزاق (11/ 170) حديث 20231، والبيهقي (10/ 35)، ورجحه البيهقي، قال: والحديث مشهور بالإرسال.
و - مكحول مرسلًا: أخرجه وكيع في الزهد، حديث 406، وإسحاق بن راهويه (5/ 270) حديث 2425، وهناد في الزهد (2/ 494) حديث 1018، والبيهقي (10/ 35).
(1)
في "ح": "فتيان".
(2)
في "ذ": "رجل".
القتيل قتله أحدُ هذين، أو شهد أحدهما أن هذا
(1)
قَتَله، وشهد الآخر أنه أقرَّ بقتله) لم يثبت القتل عند القاضي، ولا يكون ذلك لَوْثًا، والمنصوص
(2)
: يثبت القتل، وأختاره أبو بكر، ذكره في "الشرح" و"المبدع"، وهو مقتضى كلامهم في الشهادات (أو شهد أحدهما) أي: الرجلين على القاتل (أنه قَتَله بسيف، و) شهد (الآخر) أنه قتله (بسكين ونحو ذلك، فليس بلوث) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يُعطى الناس بدعواهُم. . ." الخبر
(3)
.
(ولا يُشترط) للقَسامة (مع العداوة) الظاهرة (ألا يكون
(4)
في الموضع الذي به القتل غير العدو) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا
(5)
، مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها؛ لأنها كانت أملاكًا للمسلمين، يقصدونها لأخذ غلال أملاكهم.
(ولا) يُشترط للقَسامة أيضًا (أن يكون بالقتيل أثر القتل، كدم في أذنه أو أنفه) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا، مع أن القتل يحصُل بما لا أثر له، كغَمّ الوجه.
(وقول القتيل: قتلني فلان، ليس بلَوْث) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يُعْطَى الناس بدعواهُم. . ." الخبر
(6)
، وأما قول قتيل بني إسرائيل: فلان
(1)
في "ذ": "إنسانًا".
(2)
الجامع الصغير لأبي يعلى ص/ 372، والمغني (12/ 197)، والمحرر في الفقه (2/ 150).
(3)
تقدم تخريجه (11/ 385) تعليق رقم (1).
(4)
في "ح": "أن يكون".
(5)
تقدم تخريجه (13/ 446) تعليق رقم (2).
(6)
تقدم تخريجه (11/ 385) تعليق رقم (1).
قتلني
(1)
. فلم يكن فيه قَسامة، بل كان ذلك من آيات الله تعالى ومعجزات نبيه موسى عليه السلام، ثم ذلك في تبْرِئة المتَّهمين، فلا يجوز تعديته إلى تُهمة البريئين.
(ومتى ادَّعى) أحدٌ (القتلَ عمدًا، أو غيره) مع عدم لَوْث (أو وُجِد قتيل في موضع، فادَّعى أولياؤه على قاتل مع عدم اللَّوْث) أي: على أحد أنه قتله (حلف المدَّعَى عليه يمينًا واحدة وبرئ) وكذا لو ادَّعوا على جماعة. وإن كان لهم بينة حُكم بها، والتحليف في إنكار دعوى العمد رواية
(2)
، قال في "الإنصاف": وهو الصحيح من المذهب. قال الزركشي: والقول بالحلف هو الحق، وصحَّحه في "المغني" و"الشرح" وغيرهما، واختاره أبو الخطاب، وابن البناء وغيرهم، والرواية الثانية
(3)
: لا يمين ولا غيره؛ قَطَع بها الخرقيُّ، قال في "الفروع": وهي أشهر. قال في "التنقيح": لم يحلف على المذهب المشهور. وقدَّمها في "المنتهى".
(وإن نَكَل) عن اليمين المدعَى على في العمد -على القول بأنه يحلف - (لم يُقْضَ عليه بالقَوَد) لأنه كالحدِّ يُدرأ بالشبهة (بل) يُقضى عليه (بدية) القتل.
(1)
أخرج هذه القصة عبد الرزاق في تفسيره (1/ 49) عن قتادة، والطبري (1/ 359) عن مجاهد، وابن أبي حاتم (1/ 145) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن عكرمة، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 80 - 81) عن ابن عباس وعن عبيدة السلماني. عند قوله تعالى:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 72، 73].
(2)
انظر: الفروع (6/ 50)، والجامع الصغير ص/ 300.
(3)
انظر: الفروع (6/ 50 - 51)، والجامع الصغير ص/ 300.
فصل
الشرط (الثالث: اتفاق الأولياء في الدعوى)
لأنها دعوى قتل، فاشترط اتفاق جميعهم فيها، كالقِصاص (فإن كذَّب بعضُهم بعضًا، فقال أحدهم: قتله هذا، وقال آخر: لم يقتله هذا، أو) قال: (بل قتله هذا؛ لم تثبت القسامة، عدلًا كان المُكذِّب أو فاسقًا؛ لعدم التعيين) أي: لعدم اتفاقهم على واحد معيّن.
(فلو كانت الدعوى) بالقتل (على أهل مدينة، أو) أهل (محلّة، أو) على (واحد غير معيّن؛ لم تُسمع) الدعوى؛ لعدم تعيين المُدَّعى عليه، كسائر الدعاوى.
(فإن لم يكذّبه) أي: المُدّعي (أحدهم، ولم يوافقه في الدعوى، مثل أن قال أحدهم: قتله هذا، وقال الآخرُ: لا نعلمُ قاتلَه؛ لم تثبت) القَسامة (أيضًا) لأنهما لم يتفقا على عين القاتل، فلم تثبت القَسامة، كما لو كذَّبه؛ ولأن الحقَّ في محل الوفاق إنما يثبت بأيمانهما التي أقيمت مُقَام البينة، ولا يجوز أن يقوم أحدهما مَقَام الآخر في الأيمان، كما في سائر الدعاوى.
(وكذلك إن كان أحدُ الوليين غائبًا، فادَّعى الحاضر دون الغائب) لم يثبت القتل (أو ادَّعيا) أي: الوليان (جميعًا على) شخص (واحد ونَكَل أحدُهما عن الأيمان، لم يثبت القتل) لعدم الأيمان منهما، ولا يجوز أن يقوم أحدهما مَقَام الآخر فيها.
(وإذا قال الوليُّ بعد القَسَامة: غَلِطتُ، ما هذا) المدَّعى عليه (الذي
قتله) بَطَلَتِ القَسامة (أو) قال الوليُّ بعد القَسامة: (ظلمتُهُ بدعواي القتل عليه) بَطَلَتِ القسامة؛ لاعتراف الولي بذلك.
(أو قال) الوليُّ بعد القَسَامة: (كان هذا المُدَّعى عليه في بلد آخر يوم قُتِل وليِّي، وكان بينهما بُعْدٌ لا يمكنه) أي: المُدَّعى عليه (أن يقتله إذا كان) المُدَّعى عليه (فيه) أي: في ذلك البلد (بَطَلَتِ القَسامةُ) لاعترافه بكذب نفسه (ولزمه) أي: الولي (ردُّ ما أخذه) لأنه أخذه بغير حق.
(وإن قال) الولي: (ما أخذتُه حرامٌ. سُئل) الولي (عن ذلك، فإن قال: أردتُ أني كذبتُ في دعواي عليه، بَطَلَت قَسامته أيضًا) لاعترافه بالكذب.
(وإن قال) الولي: (أردت) بقولي: "ما أخذتُه حرامٌ"(أن الأيمان تكون في جَنَبة المدعى عليه) أي: في جهته (لم تبطل) دعواه بذلك.
(وإن قال) الولي: (هذا) أي: المال (مغصوب، وأقرَّ بمن غصب منه؛ لزمه) أي: الولي (ردُّه) أي: ردُّ ما أخذه (عليه) أي: على من أقرَّ بالغصب منه إن صدقه، مؤاخذة له بإقراره (ولا يُقبل قوله) أي: الولي (على من أخذه منه) أنه كان غصبه؛ لأن الأصل خلافه، فلا يطالبه ببدله.
(وإن) قال الولي: هذا حرام، و (لم يُقِرّ به لأحد، لم ترفع يده) أي: الولي (عنه؛ لأنه لم يتعيّن مستحقّه، والقول قوله) أي: الولي (في مراده) بقوله: هذا حرام؛ لأنه أدرى به.
(وإن أقام المُدَّعى عليه) بالقتل (بيِّنة أنه كان يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول، لا يمكنه) أي: المُدَّعى عليه (مجيئه إليه) أي: إلى بلد المقتول (في يوم واحد؛ بَطَلَتِ الدعوى) لعدم إمكان القتل منه إذن.
(وإن قالت بيِّنةٌ: نشهد أن فلانًا لم يقتله، لم تسمع هذه الشهادة)
كما لو شهدت أن لا دَيْن عليه؛ لأنها شهادة على نفي غير محصور.
(فإن قالا) أي الشاهدان: (ما قتله فلانٌ بل قتله فلانٌ؛ سُمعت) شهادتهما وعُمل بها؛ لأنها على نفي محصور، كقولها: هذا وارث زيد لا وارث له غيره.
(وإن قال إنسان: ما قتله هذا المُدَّعى عليه، بل أنا قتلته، فإن كذَّبه) أي: المقرَّ (الوليُّ، لم تبطل دعواه، وله) أي: الولي (القسامة) لاحتمال كذب المقرِّ (ولا يلزمه) أي: الولي (ردُّ الدية ان كان أخذها) لأنه لا يتحقق بذلك ظلمه.
(وإن صدَّقه) أي: المقرَّ (الوليُّ، أو طالبه) الولي (بموجب القتل، لزمه) أي: الولي (ردُّ ما أخذه) لاعترافه بأنه أخذه بغير حق (وبَطَلَت دعواه على الأول، وسقط القَوَد عنهما) أي: عن الأول؛ لتصديق الوليِّ أن القاتل الثاني، وعن الثاني؛ لأنه أحيا نفسًا (وله) أي: الولي (مطالبة الثاني بالدية) مؤاخذة له بإقراره، وفي "المنتهى" في الجنايات: ولو أقرَّ الثاني بعد إقرار الأول؛ قتل الأول.
فصل
الشرط (الرابع: أن يكون في المُدَّعين) للقتل (ذكورٌ مكلَّفون، ولو واحدًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "يُقْسِمُ خمسون رجلًا منكم"
(1)
؛ ولأن القَسامة حُجَّة يثبت بها قتل العمد، فاعتبر كونها من رجال عقلاء، كالشهادة.
(فلا مدخل للنساء) في القَسامة، فلا يُستحلفن؛ لمفهوم ما سبق.
(و) لا (الخناثى) لاحتمال الأنوثيَّة.
(1)
تقدم تخريجه (13/ 446) تعليق رقم (2).
و) لا مدخل - أيضًا - لـ (ــالصبيان، والمجانين في القسامة) لأن قول الصغير والمجنون ليس بحجة، بدليل أنهما لو أقرَّا على أنفسهما؛ لم يُقبل، فكذا لا يُقبل قولهما في حَقِّ غيرهما.
(عمدًا كان القتلُ، أو خطأً) لأن الخطأ أحدُ القتلين، أشبه الآخر، لا يقال: الخطأ يثبت المال وللنساء مَدْخل فيه؛ لأن المال يثبت ضمنًا لثبوت القتل، ومثله لا يثبت بالنساء، بدليل ما لو ادَّعى زوجيَّة امرأة بعد موتها ليرثها وأقام رجلًا وامرأتين، أنه لا يُقبل
(1)
.
(فيقسم الرجال العقلاء فقط) لما تقدم.
(و
الحق) في القصاص، أو الدية (للجميع)
أي: جميع الورثة، ذكورًا كانوا أو إناثًا، مكلفين أو لا (وإن كان الجميع) من الورثة (لا مدخل لهم) في القَسامة، كالنساء، والصبيان (فكما لو نَكَل الورثة) فيحلف المُدَّعى عليه خمسين يمينًا ويبرأ.
(فإن كانا) أي: الوارِثان (اثنين فأكثر، البعض غائب، أو غير مكلَّف، أو ناكل عن اليمين، فلحاضرٍ مكلَّف أن يحلف بقسطه ويستحق نصيبه من الدية) لأن القَسامة حقّ له ولغيره، فقيام المانع بصاحبه لا يمنع من حلفه واستحقاقه نصيبه، وكالمال المشترك بينهما، وإنما حلف بقسطه؛ لأنه لو كان الجميع حاضرين لم يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان، فكذا مع المانع، هذا (إن كانت الدعوى) بالقتل (خطأً أو شِبْه عَمْدٍ.
فإذا قَدِم الغائبُ، وبلغ الصبيُّ، وعَقَل المجنون، حلف ما يخصّه، وأخذ من الدية بقسطه) لأنه يبني على أيمان صاحبه المتقدمة.
(1)
زاد بعده في "ح": "فإن كان في الأولياء من لا مدخل له فيها".
(وإن كانت) الدعوى بالقتل (عمدًا، لم تثبت القَسامة حتى يحضر الغائبُ، ويبلغ الصغيرُ، ويعقِل المجنون؛ لأن الحق لا يثبت إلا بالبينة الكاملة، والبينة أيمان الأولياء كلهم) وهذا التعليل يقتضي عدم الفرق بين العمد وغيره، ولو قال: لأن القصاص لا يمكن تبعيضه، لكان أولى.
(ويُشترط) للقسامة (- أيضًا - ألا يكون للمدّعين بينة) فإن كانت؛ قضي لهم بها، ولا قَسامة (و) يُشترط أيضًا:(تكليف قاتل لتصح الدعوى) عليه (و) يُشترط أيضًا (إمكان القتل منه) أي: من المُدَّعى عليه، وإلا فلا، كبقية الدعاوى.
(و) يُشترط - أيضًا - ذِكْر (صفة القتل) أي: أن يصف القتل في الدعوى، فلو استحلفه حاكم قبل تفصيله لم يُعتدَّ به (و) يُشترط - أيضًا - (طلب الورثة) جميعِهِمْ (و) يشترط أيضًا:(اتفاقهم) أي: الورثة (على القَتْل، و) على (عين القاتل، وتقدّم بعضه) مفصّلًا.
(وليس من شرطها) أي: القسامة (أن تكون الدعوى بقتل عمد يوجب القصاص) لأن القسامة حُجَّة، فوجب أن يثبت بها الخطأ، كالعمد.
(فلو كان القاتل ممن لا قصاص عليه، كالمسلم يقتل كافرًا، أو الحر يقتل عبدًا؛ سُمِعت القَسَامة) كالخطأ (لكن إن كان على قَتْلِ عمدٍ محض لم يقسموا إلا على واحد معين) لخبر سهل
(1)
.
(وكذا إن كان) القتل (خطأً أو شِبْهَ عمدٍ) لم يُقسموا إلا على واحد معين، كالعمد (إن قلنا تجري فيهما) أي: الخطأ وشِبْه العمد (القَسامة) وهو قول غير الخرقي، وهو المذهب، وجزم به المصنف قريبًا.
(1)
تقدم تخريجه (13/ 446) تعليق رقم (2).
فصل
(ويُبدأ في القسامة بأيمان المُدّعين) عدولًا كانوا أو لا، نص عليه
(1)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فيحلفُ خمسون منكم"
(2)
(فيحلفون خمسين يمينًا) لحديث عبد الله بن سهل
(2)
(بحضرة الحاكم أنه قتله) لأنها أقيمت مقام البينة، فلا يُعتدُّ بها إذا وقعت بغير حضرته.
(و) إذا حلفوا خمسين يمينًا أنه قتله (ثَبَتَ حقُّهم قِبَلَهُ) أي: المُدَّعى عليه (فإن لم يحلفوا) أي: المدعون (حلف المُدَّعى عليه - ولو امرأة - خمسين يمينًا، وبرئ) لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن سهل: "أتَحْلِفون وتستحِقون لِقاتِلِكمْ. قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نَرَ؟! قال: فتُبْرئُكُمْ يهودُ بخمسينَ يمينًا. قالوا: كيف نأخذ أيمان قومٍ كفار؟! قال: فَعَقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" رواه الجماعة
(3)
.
(1)
انظر: الفروع (5/ 48)، والجامع الصغير ص/ 300.
(2)
تقدم تخريجه (13/ 446) تعليق رقم (2).
(3)
البخاري في الجزية والموادعة، باب 12، حديث 3173، وفي الديات، باب 22، حديث 6898، وفي الأحكام، باب 38، حديث 7192، ومسلم في القسامة، حديث 1669 (5 - 6)، وأبو داود في الدِّيات، باب 8 - 9، حديث 4521، 4523، والنسائي في القسامة، باب 3 - 4، حديث 4724 - 4725، 4728 - 4731، وفي الكبرى (3/ 490، 4/ 209 - 211) حديث 6008 - 6010، 6917 - 6919، وابن ماجه في الديات، باب 28، حديث 2677، وأحمد (4/ 2 - 3)، من حديث سهل بن أبي حَثمة رضي الله عنهما.
وأخرجه البخاري في الأدب، باب 89، حديث 6142 - 6143، ومسلم في القسامة، حديث 1669 (1 - 2)، وأبو داود في الديات، باب 8، حديث 4520، والترمذي في الديات، باب 23، حديث 1422، والنسائي في القسامة، باب 4، حديث 4726 - 4727، وفي الكبرى (4/ 208 - 209) حديث 6915 - 6916، =
(ويُعتبر حضور المُدَّعَى عليه وقت اليمين، كالبينة) أي: كما يُعتبر حضور المُدَّعى عليه وقت إقامة البينة (عليه، و) يُعتبر (حضور المُدَّعِي - أيضًا -) وقت اليمين، كالمُدَّعَى عليه.
(وتختصُّ الأيمان بالورَّاث) لأنها أيمان في دعوى، فلم تُشرع في حقِّ غير الوارث، كسائر الأيمان (الذكور) المكلَّفين، لما تقدَّم من أنه لا مدخل للنساء، والخناثى، والصبيان، والمجانين (دون غيرهم) أي: غير الورَّاث الذكور (فَتُقْسَم) الأيمان (بين الرجال من ذوي الفروض والعَصَبات على قَدْرِ إرثهم إن كانوا جماعة) لأن موجبها الدية، وهي تقسم كذلك، فكذا يجب أن تقسم هي.
(وإن كان) الوارث رجلًا (واحدًا حَلَفها) أي: الخمسين يمينًا.
(وإن كانوا) أي: الرجال الوارثون (خمسين، حَلَف كلُّ واحد) منهم (يمينًا) واحدة، تعديلًا بينهم.
(وإن كانوا أكثر) من خمسين رجلًا (حَلَف منهم خمسون) رجلًا (كل واحد) منهم (يمينًا) واحدةً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يُقْسِمُ خمسون منكم على رجلٍ منهم، فيُدْفَعُ إليكم بِرُمّتِهِ"
(1)
.
(وإن كانوا) أي: الورَّاث (أقل) من خمسين رجلًا (فإن انقسمت) الخمسون عليهم (من غير كَسْر، مثل أن يُخَلِّفَ المقتولُ ابنين، أو) خلَّف (أخًا وزوجًا، حَلَف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينًا) لأن ذلك قَدْر إرث كل منهما (وإن كان فيها كسر، جُبِرَ) الكسر (عليهم، كزوج وابن، يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينًا، و) يحلف (الابن ثمانية وثلاثين) يمينًا؛
= من حديث سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج رضي الله عنهم.
(1)
تقدم تخريجه (13/ 462) تعليق رقم (4).
لأن تكميل الخمسين واجب، ولا يمكن تبعيضها، والجبر في كل واحد؛ لعدم المزية، فالزوج له الربع اثنا عشر ونصف، فيكمل، والابن له الباقي، وهو سبع وثلاثون ونصف، فيكمل، فيصير كما ذكر.
(وإن كانوا) أي: الورَّاث (ثلاثة بنين، حَلَف كلُّ واحدٍ) منهم (سبعة عشر) يمينًا؛ لأنَّ لكلِّ ابنٍ ثُلُث الأيمان، ستة عشر يمينًا وثلثين، ثم يكمل.
(وإن كان فيهم) أي: الورَّاث (من لا قَسامة عليه بحال، كالنساء) والخناثى (سقط حكمُه) لأنه لا مدخل له في القسامة (فابن وبنت، يحلف الابن خمسين) يمينًا، كما لو لم تكن البنت (وأخ وأخت لأب وأم) أو لأب فقط (وأخ وأخت لأم) فقط (قسمت الأيمان بين الأخوين) دون الأختين (على أحد عشر) لأنها سهام الأخوين من مصحّح المسألة، فإنَّ أصلها من ثلاثة مخرج الثلث، لولدي الأم واحد لا ينقسم عليهما، ولولدي الأبوين أو الأب اثنان لا ينقسمان على ثلاثة، والاثنان والثلاثة متباينان، ومسطحهما ستة هي جزء السهم، فاضْرِبها في ثلاثة يحصل ثمانية عشر، ومنها تصح، حصة الأخ لأبوين أو لأب منها ثمانية، وحصة الأخ لأم ثلاثة، ومجموع ذلك أحد عشر، فلذلك قال:(على الأخ من الأبوين) أو لأب (ثمانية، وعلى الأخ لأم ثلاثة) فيحصُل في قسمة الخمسين على الأحد عشر كسر (ثم يُجبر الكسر عليهما، فيحلف الأخ من الأب سبعًا وثلاثين، و) يحلف الأخ (الآخر) وهو الأخ لأم فقط (أربع عشرة) يمينًا.
فصل
وإن مات المستحِقُّ) للقسامة (انتقل إلى وارثه
(1)
ما عليه من الأيمان على حسب مواريثهم) كالمال (ويُجبر الكسر فيما عليهم) أي: ورثة المستحِقّ (كما يُجبر في حقِّ ورثة القتيل) لعدم تبعض اليمين (فإن مات بعضهم) أي: بعض ورثة المستحق (قُسِم نصيبُه من الأيمان بين ورثته) على حسب مواريثهم؛ لقيامهم مقامه.
(فلو كان للقتيل ثلاثة بنين، فعلى كلِّ واحدٍ) منهم (سبعة عشر) يمينًا كما سبق (فإن مات أحدهم) أي: البنين (قَبْل أن يُقْسِمَ) أي: يحلف ما عليه (وخَلَّفَ ثلاثة بنين) أيضًا (قُسِمت أيمانهم
(2)
بينهم) أي: بين بنيه (على كل واحد ستةُ
(3)
أيمان) جبرًا للكسر (فإن كان موته) أي: الابن (بعد شروعه في الأيمان، فحلف) الابن (بعضَها) ثم مات (استأنفها ورثته ولا يبنون على أيمانه؛ لأن الخمسين جرت مجرى اليمين الواحدة) فلا تتبعض.
(وإن جُنَّ) من توجهت عليه القسامة (في أثنائها) أي: الأيمان (ثم أفاق، أو تشاغل عنه الحاكم في أثنائها، تمَّم) الأيمان، وبنى على ما تقدم (ولم يستأنف) الأيمان (لأن الأيمان لا تبطل بالتفريق) لعدم اعتبار الموالاة فيها.
(1)
في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 203): "ورّاثه".
(2)
في "ح" و"ذ": "أيمانه".
(3)
"ستة" كذا في الأصول! وفي متن الإقناع (4/ 203): "سِتُّ" وهو الصواب، لأن العدد يخالف المعدود في التذكير والتأنيث في هذه الحالة، قال في المصباح المنير ص/ 938، مادة (يمن):"يمين الحلف أنثى".
(وكذا إن عُزل الحاكم في أثنائها) أي: الأيمان (أتمَّها) أي: الأيمان (عند) الحاكم (الثاني، ف
لا يُشترط) في القسامة (أن تكون) الأيمان (في مجلس واحد)
لظاهر الخبر
(1)
.
(وكذا لو سأل) الحالف (الحاكم في أثنائها) أي: الأيمان (إنظاره، فأنظره) ثم أراد إتمامها، فإنه يبني على ما سبق؛ لما تقدم.
فصل
(وإذا حَلف الأولياءُ) الخمسين يمينًا (استحقوا القَوَد، إذا كانت الدعوى) أنه قتله (عمدًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "يُقْسِمُ خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم بِرُمَّتِهِ"
(2)
(إلا أن يَمنع منه مانعٌ) كعدم المكافأة.
(و
صفة اليمين:
أن يقول) الوارث: (والله الذي لا إله إلا هو، عالمِ خائنَةِ الأعينِ وما تُخفي الصدورُ، لقد قتل فلانُ بن فلانٍ الفلاني - ويُشيرُ إليه - فلانًا ابني، أو أخي) أو نحوه (منفردًا بقتلِه، ما شَرِكَه غيرُه، عمدًا، أو شِبْهَ عَمْدٍ، أو خطأ بسيفٍ، أو بما يقتل غالبًا، ونحو ذلك) مما يؤدّي هذا المعنى (فإن اقتصر) الحالف (على لفظة: والله) لقد قتل فلان بن فلان. . . إلخ، (كفى) لأن ما زاد على ذلك تغليظ، وليس بلازم، كما يأتي، فلا يكون ناكِلًا بتركه.
(ويكون) لفظ الجلالة (بالجر) فيقول: والله، أو بالله، أو تالله (فإن قال: والله) أو بالله، أو تالله (مضمومًا، أو منصوبًا، أجزأه. قال القاضي: تعمّده أو لم يتعمّده؛ لأنه لَحْنٌ لا يُحيل المعنى) أي: لا يغيره.
(1)
تقدم تخريجه (13/ 476) تعليق رقم (3).
(2)
تقدم تخريجه (13/ 462) تعليق رقم (4).
(وبأي اسم من أسماء الله) سبحانه و (تعالى، أو صفة من صفات ذاته (تعالى (حلف) الحالف (أجزأه، إذا كان إطلاقه) أي: ما حلف به (ينصرف إلى الله) تعالى، ويأتي تفصيل ذلك في كتاب الأيمان في كلامه.
(ويقول المُدَّعى عليه) إذا توجَّهت إليه اليمين: (والله ما قتلتُه، ولا شاركت في قَتْلِه، ولا فعلتُ شيئًا مات منه، ولا كان سببًا في موته، ولا معينًا على موته. فإن لم يحلف المُدَّعُون، أو كانوا نِساءً؛ حلف المُدَّعى عليه خمسين يمينًا وبرئ) لما تقدم في خبر عبد الله بن سهل
(1)
.
(فإن لم يحلف المُدَّعُون، ولم يرضوا بيمين المُدَّعى عليه، وَدَاه) أي: أعطى ديته (الإمام من بيت المال) لقصة عبد الله بن سهل
(1)
(فإن تعذَّر) أخذُ ديته من بيت المال (لم يجب على المُدَّعى عليه شيء) لحديث: "لَو يُعطَى النّاسُ بدَعواهُم"
(2)
.
(وإن رضوا) أي: المُدّعون (بيمينه، فنكل) عن اليمين (لم يُحبس) لأنها يمين مشروعة في حَقّ المُدَّعى عليه، فلم يُحبس عليها، كسائر الأيمان (ولزمته الدية
(3)
) لأنه حقٌّ ثبت بالنكول، فيثبت في حقِّه، كسائر الدعاوى (ولا قِصاص) بنكول المُدَّعى عليه عن اليمين؛ لأنه حُجَّة ضعيفة، كشاهد ويمين.
(ولو رَدَّ المُدَّعى عليه اليمين على المُدّعي، فليس للمدعي أن يحلف) بل يقال للمدعى عليه: إما أن تحلف، أو جعلتُكَ ناكلًا،
(1)
تقدم تخريجه (13/ 446، 476) تعليق رقم (2، 3).
(2)
تقدم تخريجه (11/ 385) تعليق رقم (1).
(3)
في "ح" زيادة: "ولا قصاص".
وقضيتُ عليك بالنكول.
(و
يفدى ميت في زحمة كجمعة وطواف من بيت المال)
رُوي عن عمر
(1)
وعلي
(2)
واحتج به أحمد
(3)
. وقال القاضي في قوم ازدحموا في مضيق وتفرَّقوا عن قتيل، فقال: ان كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله، فهو لَوْث.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 51) رقم 18317، وعن طريقه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 468)، عن الثوري، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، أن رجلًا
…
، فذكره.
وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 395)، ومن طريقه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 468)، من طريق الحكم، عن إبراهيم، أن رجلًا قتل في الكعبة، فسأل عمر عليًا فقال: من بيت المال.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10/ 51) رقم 18316، وابن أبي شيبة (9/ 394 - 395)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 468)، من طريق وهب بن عقبة ومسلم بن يزيد، عن يزيد بن مذكور، أن رجلًا قتل يوم الجمعة في المسجد في الزحام فجعل عليّ ديته في بيت المال.
(3)
انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 295 - 296).