المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الحدود (وهي جمع حَدٍّ، وهو) لغةً: المنعُ، وحدودُ الله تعالى - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ١٤

[البهوتي]

فهرس الكتاب

‌كتاب الحدود

(وهي جمع حَدٍّ، وهو) لغةً: المنعُ، وحدودُ الله تعالى محارِمُهُ؛ لقوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}

(1)

، وما حَدَّه وقدَّره؛ فلا يجوز أن يُتعدَّى، كتزويج الأربع، وما حَدَّه الشرع؛ فلا تجوز فيه الزيادة والنقصان. والحدود بمعنى العقوبات المُقدَّرة، يجوز أن تكون سُمِّيت بذلك من المنع؛ لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب، وأن تكون سُمِّيت بالحدود التي هي المحارم؛ لكونها زواجر عنها، أو بالحدود التي هي المقدَّرات.

والحَدُّ (شرعًا: عقوبةٌ مُقدَّرة؛ لتمنع من الوقوع في مثله) أي: مثل الذنب الذي شُرع له.

(وتجب إقامتُه) أي: الحد (ولو كان مَن يقيمه) من إمام أو نائبه، أو سيد (شريكًا لمن يقيمه) أي: الحد (عليه في) تلك (المعصية، أو) كان من يقيمه (عونًا له) أي: لمن يقيمه عليه في تلك المعصية؛ لأن مشاركته أو إعانته له معصية، وعدم إقامته معصية، فلا يجمع بين معصيتين.

(وكذلك الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المُنكَر) لا يسقط بالمشاركة، أو الإعانة على المعصية، بل عليه أن يأمر وينهى (فلا يجمع بين معصيتين) بل يجب عليه الإقلاع عنهما.

(ولا يجب الحَدُّ إلا على مُكلَّف) لحديث: "رُفِعَ القَلَمُ عَن

(1)

سورة البقرة، الآية:187.

ص: 7

ثَلاثةٍ"

(1)

؛ ولأن غير المُكلَّف إذا سقط عنه التكليفُ في العبادات، والإثمُ في المعاصي، فالحَدُّ المبنيُّ على الدَّرْءِ بالشُّبُهات أولى.

(ملتزمٍ) أحكام المسلمين، فيخرج الحربي، والمستأمن، ويدخل فيه الذمي. وتقدم في الهُدنة

(2)

أن المعاهَد يؤخذ بحَدِّ آدميٍّ لا حدِّ الله

(3)

.

(عالمٍ بالتحريم) لقول عمر

(4)

وعثمان

(5)

وعلي

(6)

: لا حَدَّ إلا

(1)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 - 3).

(2)

(7/ 219).

(3)

في "ذ": "الله".

(4)

أخرج عبد الرزاق (7/ 402 - 403) رقم 13642 - 13643، وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الجويري في فوائده - كما في البدر المنير (8/ 637) - عن ابن المسيب أن عاملًا لعمر كتب إلى عمر: أن رجلًا اعترف عنده بالزنى، فكتب إليه أن يسأله: هل كان يعلم أنه حرام؟ فإن قال: نعم، فأقم عليه حد الله، وإن قال: لا، فأعلمه أنه حرام، فإن عاد فاحدده.

قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 360): وهذا إسناد صحيح إليه.

وأخرج أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 368)، والبيهقي (8/ 239)، عن بكر بن عبد الله، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كُتب إليه في رجل قيل له: متى عهدك بالسناء، فقال: البارحة، قيل: بمن، قال: أم مثاوي، فقيل له: قد هلكتَ، قال: ما أعلم أن الله حَرَّم الزنى، فكتب عمر رضي الله عنه: أن يستحلف ما علم أن الله حرَّم الزنى، ثم يخلى سبيله.

(5)

أخرج عبد الرزاق (7/ 403) رقم 13644، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (3/ 852)، والبيهقي (8/ 238)، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن جارية عبد الرحمن بن حاطب زنت وكانت أعجمية

فقال عمر لعثمان: أشر علي يا عثمان

قال: عثمان: أراها تستهل به كأنها لا تعلمه، وليس الحد إلا على من علمه.

قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 359): وهذا إسناد جيد.

(6)

أخرج عبد الرزاق (7/ 405) رقم 13648، وسعيد بن منصور (2/ 112) رقم =

ص: 8

على مَن علِمَهُ. فلا حَدَّ على من زنى جاهلًا تحريمَه، أو عَيْنَ المرأة التي زنى بها، بأن اشتبهت عليه بزوجته أو أَمته.

(فإن زنى المجنون في إفاقته) فعليه الحَدّ؛ لأنه مُكلَّف.

(أو أقرَّ في إفاقته أنه زنى في إفاقته، فعليه الحَدُّ) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمُه.

(فإن أقرَّ في إفاقته) أنه زنى (ولم يُضِفْه إلى حال) إفاقةٍ ولا جنون (أو شهِدتْ عليه البينةُ بالزنى، ولم تُضِفْه إلى إفاقته؛ فلا حَدَّ) عليه؛ للاحتمال، والحدود تُدرأ بالشُّبهات.

(ولو استدخلت ذَكَرَ نائمٍ، أو زنى بها) الرجل (وهي نائمة، فلا حَدَّ على النائمِ منهما) لحديث: "رُفعَ القَلَم عن ثلاثٍ: عن الصَّبيِّ حتى يَبلُغَ، وعَنِ المجنونِ حتى يُفيقَ، وعنِ النَّائمِ حتى يَستَيقظ" رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه

(1)

.

(وإن جَهِل) الزاني (تحريمَ الزنى ومثلُه يجهلُهُ، أو) جَهِل (تحريمَ عينِ المرأة، مثل أن يُزَفَّ إليه) امرأةٌ (غيرُ امرأته فيظنُّها امرأته، أو تُدفع إليه جاريةٌ فيظنُّ أنها جاريته فيطؤها، فلا حَدَّ عليه) بذلك لحديث: "ادرؤوا الحُدودَ بالشُّبُهَات ما استَطعْتم"

(2)

(ويأتي في الباب بعدَه.

و‌

‌لا يجوز أن يُقيم الحَدَّ إلا الإمام أو نائبه)

لأنه حَقّ لله تعالى، ويفتقر إلى اجتهاد، ولا يؤمَن معه الحَيْف، فوجب تفويضه إلى نائب الله

= 2259، وابن أبي شيبة (10/ 16)، والعقيلي (4/ 351)، والبيهقي (8/ 241)، عن حرقوص قال: أتت امرأة إلى علي، فقالت: إن زوجي زنى بجاريتي، فقال: صدقت، هي ومالها حل لي، قال: اذهب ولا تعد، كأنه درأ عنه بالجهالة.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 - 3).

(2)

تقدم تخريجه (9/ 196) تعليق رقم (2).

ص: 9

في خلقه؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يُقيم الحدودَ في حياته

(1)

، وكذا خلفاؤه بعده.

(لكن لو أقامه) أي: الحَدَّ (غيرُه) أي: غير الإمام ونائبه (لم يضمنه، نصًّا

(2)

، فيما حدُّه الإتلاف) كرجم الزاني المحصن، وقتل المرتدِّ، والقاتل في المحاربة؛ لأنه غير معصوم، كما تقدم

(3)

، ويُعزَّر لافتياته على الإمام.

قلت: لو قطع إنسان يَدَ السارقِ اليمنى هل يدخل في ذلك؟ لم أقف عليه، والمتبادر تناول العبارة له.

(إلا السيدُ الحُرُّ) خرج المُكاتَبُ (المُكلَّف العالِمُ به) أي: بالحدِّ دون الجاهل به (وبشروطه) أي: الحد (ولو) كان السيد (فاسقًا أو امرأة، فله إقامة الحَدِّ بالجلد فقط على رقيقه) لحديث أبي هريرة مرفوعًا قال: "إذا زنَت أمَةُ أحدكُم، فَليَجْلِدْها الحدَّ، ولا يُثرِّب عليها" متفق عليه

(4)

، وعن علي مرفوعًا:"أقيمُوا الحُدودَ على ما مَلكَتْ أيمانُكم" رواه أحمد وأبو داود والدارقطني

(5)

.

(1)

كما في حديث ماعز والغامدية، وسيأتي تخريجهما.

(2)

انظر: الفروع (6/ 53).

(3)

(13/ 243 - 244)

(4)

تقدم تخريجه (13/ 177) تعليق رقم (3).

(5)

أحمد (1/ 95)، وأبو داود في الحدود، باب 34، حديث 4473، والدارقطني (3/ 158). وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 299، 304) حديث 7239، 7268، والطيالسي ص/ 21 حديث 146، وعبد الرزاق (7/ 393)، حديث 13601، وابن أبي شيبة (9/ 514، 14/ 158 - 159)، والبزار (3/ 16) حديث 762، وأبو يعلى (1/ 271) حديث 320، والطحاوي (3/ 136)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 174، 240)، والبيهقي (8/ 229، 245)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 331)، عن علي رضي الله عنه: أن خادمًا للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقيم عليها الحدّ، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها، =

ص: 10

(ولو) كان الرقيق (مكاتَبًا) أي: فلسيده إقامةُ الحَدِّ عليه، في أحد الوجهين، قال في "الإنصاف": وهو المذهب؛ قَدَّمه في "الفروع". وقال في "تصحيح الفروع": ولم أعلم له متابعًا عليه، والقول بأنه لا يُقيمه عليه هو الصحيح؛ اختاره الشيخ الموفَّق، وابن عبدوس في "تذكرته"، وجزم به في "المقنع"، و"الوجيز"، و"شرح ابن منجا"، و "نهاية ابن رزين" و"منتخب الأدمي". قال في "المنوِّر": ويملكه السيد مطلقًا على قِنٍّ، وقدَّمه في "الشرح". قال في "الكبرى": ولا يُقيم الحَدَّ على مكاتبه. وقدَّمه في "المبدع" قال: وفيه وجه، وذكره بعضُهم المذهب؛ لأنه عبدٌ.

(أو مرهونًا أو مستأجَرًا) أي: فللسيد إقامته عليهما؛ لأنهما ملكه.

(ولو أنثى) أي: فلسيدٍ

(1)

إقامة الجلد

(2)

عليها؛ لما تقدم.

والحد الذي يُقيمه السيدُ على قِنّه (كحَدِّ الزنى، وحَدّ الشرب) للمُسْكِرِ (وحَدِّ القذف) لمحصَنٍ (كما) أن (له) أي: السيد (أن يُعَزِّره) أي: قِنَّه (في حَقّ الله) تعالى (و) في (حَقّ نفسه) أي: السيد؛ لما تقدم في

= فأتيته فأخبرته فقال: "إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد، أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم". قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 282): وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي لا يحتج به، وهو كوفي. وقد أخرج مسلم في صحيحه [حديث 1705] من حديث أبي عبد الرحمن السلمي - عبد الله بن حبيب - قال: خطب علي، فقال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت. انظر ما يأتي (14/ 23) تعليق رقم (3).

(1)

في "ح"، و"ذ":"فللسيد".

(2)

في "ذ": "الحد".

ص: 11

نفقة المماليك

(1)

.

(ولا يملك) السيدُ (القتلَ) لقِنّه (في الرِّدة، و) لا (القطعَ في السرقة) لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالجلد

(2)

، فلا يثبت في غيره؛ ولأن في الجلد سترًا على رقيقه؛ لئلا يُفتضح بإقامة الإمام له، فتنقص قيمته، وذلك منتفٍ فيهما (بل ذلك) أي: القتل في الردة، والقطع في السرقة (للإمام) أو نائبه؛ لما سبق.

(ولا يملك) السيد (إقامته) أي: الجلد (علي قِنٍّ مشتَرَكٍ) لأنه ليس له ولاية على كله، والحَدُّ تصرُّف في الكل (ولا) يملك - أيضًا - إقامته (علي مَن بعضُه حُرٌّ) لما تقدم (ولا على أَمَته المزوَّجة) لقول ابن عمر

(3)

، ولا مخالف له في الصحابة؛ ولأن منفعتها مملوكة لغيره ملكًا غير مقيد بوقت، أشبهت المشتركة.

(ولا) يملك (وليٌّ) إقامة الحَدّ (على رقيق مَوْلِيِّه، كأجنبي) أي: كما لا يملك أجنبيٌّ إقامةَ حَدٍّ على رقيق غيره، بل يُقيمه الإمام أو نائبه.

(ولا يملكه) أي: إقامته

(4)

الحد على رقيقه (المُكاتَب) لضعف ملكه.

(ولا يُقيمه) أي: الحد (السيدُ حتى يثبت) موجبه (عنده، إما بإقرار الرقيق الإقرارَ الذي يثبت به الحَدُّ، إذا علم) السيد (شروطه) أي: الإقرار

(1)

(13/ 177).

(2)

تقدم تخريجه (13/ 177) تعليق رقم (3).

(3)

أخرج عبد الرزاق (7/ 395) رقم 13610، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال - في الأمة إذا كانت ليست بذات زوج فزنت -: جلدت نصف ما على المحصنات من العذاب، يجلدها سيدها، فإن كانت من ذوات الأزواج رفع أمرها إلى السلطان.

(4)

في "ذ": "إقامة".

ص: 12

(أو) يثبت (ببينة يسمعها) أي: اليد (إن كان) السيد (يُحسِن سماعَها) أي: البينة (ويَعرف شروط العدالة) المعتبرة في الشهادة؛ لأن كلَّ واحدٍ من الإقرار والبينة حُجَّة في ثبوته، فوجب ألا يختلف حال السيد فيه، فللسيد أن يسمع إقراره، ويُقيم الحَدَّ عليه، ويُقدِّم سماع البينة.

(وإن ثبت) موجِبُ الحَدِّ (بعلمه) أي: السيد (فله إقامتُهُ) لأنه قد ثبت عنده، فملك إقامته، كما لو أقرَّ به؛ ولأنه يملك تأديبه بعلمه، فكذا هنا.

و ‌

(لا) يملك (إمامٌ ونائبه) إقامةَ الحَدِّ بعلمه

على حُرٍّ ولا قِنٍّ؛ لقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}

(1)

، ثم قال:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}

(2)

؛ ولأن الحاكم مُتَّهم بخلاف السيد.

(و‌

‌تحرم إقامةُ الحدود في مسجد)

جلدًا كانت أو غيره؛ لما روى حكيم بن حزام: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تُقام الحُدودُ في المساجدِ"

(3)

.

(1)

سورة النساء، الآية:15.

(2)

سورة النور، الآية:13.

(3)

أخرجه بن أبي شيبة (10/ 42)، وأحمد (3/ 434)، والطبراني في الكبير (3/ 204) حديث 3131، والدارقطني (3/ 86) سنن طريق وكيع، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 123) من طريق موسى بن معاوية، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، من العباس بن عبد الرحمن، عن حكيم بن حزام، به مرفوعًا.

قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 345): لا يصح، فإن العباس هذا لا يعرف، فأما الشعيثي فمختلف فيه؛ وثقه دحيم، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به.

وأخرجه أبو داود في الحدود، باب 38، حديث 4490، وابن خزيمة - كما في إتحاف المهرة (4/ 321) -، والطبراني في الكبير (3/ 204) حديث 3130، وفي مسند الشاميين (2/ 330)، والدارقطني (3/ 86)، وابن شاهين في ناسخ الحديث =

ص: 13

ورُوي أن عُمر أتي برجل زنى فقال: أخرجوه من المسجدِ واضرِبُوه

(1)

.

= ومنسوخه ص/ 484 - 485، والحاكم (4/ 378)، والبيهقي (8/ 328، 10/ 103)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 401 - 402)، من طرق عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن زفر بن وثيمة، عن حكيم بن حزام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود.

واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه:

قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 361): رواه أبو داود والبيهقي بإسناد لا بأس به.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 78): لا بأس بإسناده.

وضعفه عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 295 - 296).

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 344 - 345): وعلته الجهل بحال زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس بن الحدثان، فإنه لا يعرف بأكثر من رواية الشعيثي عنه، وروايته هو عن حكيم.

وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص/ 97: رواه أحمد وأبو داود بسند ضعيف.

وأخرجه أحمد (3/ 434)، عن حجاج بن محمد، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن زفر بن وثيمة، عن حكيم بن حزام، موقوفًا.

وللحديث شواهد، منها:

أ - عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو جزء من حديث قد تقدم تخريجه (13/ 257) تعليق رقم (1).

ب - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه في الحدود، باب 31، حديث 2600. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 77): هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة.

جـ - عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: أخرجه البزار (8/ 373) حديث 3453، والطبراني في الكبير (2/ 139) حديث 1590. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 25): رواه الطبراني في الكبير، وفيه الواقدي وهو ضعيف.

(1)

أخرجه البخاري تعليقًا في الأحكام، باب 19، في حديث 7167، وأخرجه عبد الرزاق (1/ 436، 10/ 23) رقم 1706، 18238، وابن أبي شيبة (10/ 42)، =

ص: 14

وعن علي: أنه أتي بسارق؛ فأخرجه من المسجد وقطع يده

(1)

.

ولأنه لا يؤمن أن يُحْدِثَ فيه فينجِّسه ويؤذيه.

(فإن أُقيم) الحَدُّ (فيه) أي: المسجد (سقط الفرض) لحصول الزجر. ورُوي عن الشعبي: أنه أقام الحَدَّ على ذِميٍّ في المسجد

(2)

.

فصل

(ويُضْرَب الرَّجُلُ) في الحَدِّ (قائمًا) رُوي عن علي

(3)

؛ ولأن قيامه وسيلة إلى إعطاء كلِّ عضو حظَّه من الضرب (بسَوْطٍ) من غير الجلد (لا جديد فيجرح، ولا خَلَق) بفتح اللام، وهو البالي؛ لأنه لا يؤلم؛ رُوي

= وابن حجر في تغليق التعليق (5/ 297)، من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر رضي الله عنه، موصولًا.

وأورده ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (1/ 123) وقال: هذا خبر صحيح.

وقال ابن حجر في فتح الباري (13/ 157): سنده على شرط الشيخين. وقال في تغليق التعليق: هذا خبر صحيح.

(1)

أخرجه البخاري تعليقًا في الأحكام، باب 19، قبل حديث 7167، ووصله ابن أبي شيبة (10/ 42)، من طريق أشعث، عن فضيل، عن ابن معقل، أن رجلًا جاء إلى علي فسارَّه فقال: يا قنبر، أخرجه من المسجد فأقم عليه الحد.

قال ابن حجر في فتح الباري (13/ 157): في سنده من فيه مقال.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (1/ 436، 10/ 23) رقم 1704، 18239، وابن حجر في تغليق التعليق (5/ 296)، عن ابن شبرمة قال: رأيت الشعبي جلد يهوديًّا في المسجد في قرية.

(3)

أخرج عبد الرزاق (7/ 375) رقم 13532، والبيهقي (8/ 327)، عن علي رضي الله عنه قال: يضرب الرجل قائمًا والمرأة قاعدة.

قال الحافظ في الدراية (2/ 98): إسناده ضعيف.

ص: 15

عن علي

(1)

وغيره

(2)

.

(1)

انظر ما يأتي (14/ 17) تعليق رقم (3).

(2)

أخرج ابن أبي شيبة (10/ 50)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 334)، عن حنظلة السدوسي، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته، ثم يدق بين حجرين حتى يلين، ثم يضرب به، قلت لأنس: في زمان من كان هذا؟ قال: في زمان عمر بن الخطاب.

وأخرج عبد الرزاق (7/ 369) رقم 13516، والبيهقي (8/ 326)، عن أبي عثمان النهدي قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل في حد، فأتي بسوط فيه شدة، فقال: أريد ألين من هذا، ثم أتي بسوط فيه لين، فقال: أريد أشد من هذا، فأتي بسوط بين السوطين، فقال: اضرب، ولا يُرى إبطك، وأعطِ كل عضو حقه.

وأخرج عبد الرزاق (7/ 372) رقم 13521، عن عبد الله بن عبيد الله، إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يختار للحدود رجلًا، وأنه كان يقيم الحدود عبد الله بن أبي مليكة، وأمير مكة يومئذ محرز بن حارثة، ثم قال لعبد الله بن أبي مليكة: إذا أردت أن تجلد، فلا تجلد حتى تدق ثمر السوط بين حجرين حتى تلينها.

وأخرج عبد الرزاق (7/ 370) رقم 13519، وابن أبي شيبة (10/ 48)، والبيهقي (8/ 326)، عن أبي ماجد الحنفي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه دعا بسوط فدق ثمرته حتى أصيب له فخفقه، ودعا بجلاد فقال: اجلد.

وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا: أخرجه مالك في الموطأ (2/ 825)، والشافعي في الأم (6/ 131)، وابن أبي شيبة (10/ 51)، والبيهقي (8/ 326)، وفي معرفة السنن والآثار (13/ 64) حديث 17484، عن زيد بن أسلم، أن رجلًا اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط، فأتي بسوط مكسور، فقال: فوق هذا، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: دون هذا، فأتي بسوط قد ركب به ولانَ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد

الحديث.

قال الشافعي: هذا حديث منقطع ليس ما يثبت به هو نفسه حجة، وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به.

وأخرجه عبد الرزاق (7/ 369) رقم 13515، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 171)، عن يحيى بن أبي كثير، أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط، فأتي بسوط =

ص: 16

(حجمه) أي: السوط (بين القضيب والعصا) أي: فوق القضيب ودون العصا

(1)

.

(ولا يُضرب) في الحَدِّ (بعصًا ولا غيرها) من جلد أو

(2)

نحوه؛ لقول علي: ضَرْب بين ضربين، وسَوْط بين سَوطين

(3)

. يعني: وسطًا (وإن كان السوط مغصوبًا؛ أجزأ) الجَلد به، على خلاف مقتضى النهي؛ للإجماع؛ ذكره في "التمهيد".

(وإن رأى الإمامُ الجَلْدَ في حَدِّ الخمر بالجريد والنِّعال والأيدي، فله) أي: الإمام (ذلك) لأنه صلى الله عليه وسلم أُتي بشاربٍ فقال: "اضْرِبوهُ. قال أبو

= جديد عليه ثمرته، فقال: لا، سوط دون هذا، فأتي بسوط مكسور العجز، فقال: لا، سوط فوق هذا، فأتي بسوط بين سوطين فأمر به فجلد

الحديث.

وأخرجه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 171)، من طريق مخرمة بن بكير، عن أبيه قال: سمعت عبيد الله بن مقسم يقول: سمعت كريبًا مولى ابن عباس يحدث أو يُحدَّث عنه قال: أتى رجل، النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف على نفسه بالزنى ولم يكن الرجل أحصن، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سوطًا فوجد رأسه شديدًا، فرده ثم أخذ سوطًا آخر فوجده لينًا فأمر به فجلد مائة.

قال ابن حزم: أما الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرسلة كلها، ولا حجة في مرسل، وأضعفها حديث مخرمة بن بكير، لأنه منقطع في ثلاثة مواضع: لأن سماع مخرمة من أبيه لا يصح، وشك ابن مقسم أسمعه من كريب أم بلغه عنه؟ ثم هو عن كريب مرسل.

(1)

في "ذ" زيادة: "كما مر".

(2)

في "ذ": "و".

(3)

قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 78): لم أره عنه هكذا.

قلنا: أخرج عبد الرزاق (7/ 370) رقم 13517، وابن أبي شيبة (10/ 48)، والبيهقي (8/ 326)، من طريق ابن أبي ليلى، عن عدي بن ثابت قال: أخبرني هنيدة بن خالد أنه شهد عليًّا رضي الله عنه أقام على رجل حدًّا، فقال للجلاد: اضرب، وأعط كل عضو حقه، واتق وجهه ومذاكيره.

ص: 17

هريرة: فَمِنَّا الضارِب بنعلِهِ والضَّارب بثَوبه" رواه أبو داود

(1)

.

(ولا يُمَدُّ المَحْدُودُ، ولا يُرْبطُ، ولا تُشدُّ يدُه، ولا يُجَرَّدُ) من ثيابه؛ لقول ابن مسعود: ليس في ديننا مَدٌّ، ولا قَيْدٌ، ولا تجريد

(2)

(بل يكون عليه غيرُ ثيابِ الشتاء، كالقميص والقميصين) صيانة له عن التجريد، مع أن ذلك لا يردُّ ألمَ الضرب. ولا يضرُّ بقاؤهما عليه.

(وإن كان عليه فَرْوٌ، أو جُبَّةٌ محشوَّةٌ؛ نُزِعت) لأنه لو ترك عليه ذلك لم يُبالِ بالضرب.

(ولا يُبالَغُ في ضَرْبه بحيثُ يشقُّ الجِلْد) لأن الغرض تأديبه وزجره عن المعصية، لا قتله، والمبالغة تؤدي إلى ذلك.

(ولا يُبدي) الضارب (إبْطه في رفع يده) أي: لا يرفع يده بحيث يظهر إبْطه؛ لأن ذلك مبالغة في الضرب.

(ويُسنُّ تفريقُ الضَّرْب على أعضائِه) أي: المحدود (وجَسَدِه، فلا يُوالي) الضرب (في موضع واحدٍ) ليأخذ كل عضو منه حظَّه، و (لئلا يشقَّ الجِلْد) أو يؤدّي إلى القتل (فإن فعل) أي: والَى الضرب في موضع واحد (أجزأ) ذلك؛ لحصول المقصود (ويُكْثِرُ منه) أي: الضرب (في مواضع اللحم كالألْيتين والفخذين) لأنها أشدّ تحملًا.

(1)

في الحدود، باب 36، حديث 4477. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الحدود، باب 4 - 5، حديث 6777، 6781.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 373) رقم 13522، والبيهقي (8/ 326)، من طريق الثوري، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن مسعود رضي الله عنه، بلفظ: لا يحل في هذه الأمة تجريد ولا مد ولا غل ولا صفد.

قال ابن كثير في الإرشاد (2/ 362): هلا منقطع، وجويبر: هو ابن سعيد، ضعيف، إلا أنه يقوى برواية الثوري في جامعه عنه.

ص: 18

(ويتَّقي) الضَّاربُ (الرأسَ والوجهَ) لقول عليٍّ للجلاد: اضْرِبْ وأوجعْ، واتق الرأس والوجه

(1)

.

(و) يتَّقي (الفَرْجَ والبطن من الرَّجُل والمرأة، وموضع المَقْتل، فيجب اجتنابها) لأن ضربها يؤدّي إلى القتل، وهو غير مأمور به، بل مأمور بعدمه.

(وتُضرب المرأةُ جالسةً، وتُشَدُّ عليها ثيابها، وتُمْسَك يداها؛ لئلا تنكشِفَ) لقول علي: تُضرب المرأةُ جالسةً، والرَّجُل قائمًا

(2)

. ولأن المرأة عورة؛ وهذا أسترُ لها (ويُضرب منها) أي: المرأة (الظَّهْرُ وما قاربه) أي: الظَّهْر، وكذا لو ضُرب الرجل جالسًا.

(وتُعتبرُ له) أي: الحدّ، أي: إقامته (نيّة، ليصير قُرْبة، فيضربُه لله، وَلِمَا وضع الله ذلك) لأجله كالزجر؛ لحديث: "إنما الأعمالُ بالنِّيَّات"

(3)

(فإن جلَده للتشفِّي، أَثِمَ) لأنه عدوان وليس بحَدٍّ (ولا يُعيدُه) لما فيه من الإضرار بالمحدود. قال الشيخ تقي الدين

(4)

: على المقيم لها - أي: الحدود - أن يقصد بها النفعَ والإحسانَ، كما يقصد الوالد بعقوبة الولد، والطبيب بدواء المريض، فلم يأمر الشرع إلا بما هو نفع للعباد، وعلى المؤمن أن يقصد ذلك.

(ولا تُعتبر الموالاة في الحدود) أي: في الجلد فيها؛ لما فيه من زيادة العقوبة وسقوطه بالشُّبهة (قال الشيح: وفيه نظر

(5)

) واقتصر عليه

(1)

تقدم تخريجه بنحوه (14/ 17) تعليق رقم (3).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 15) تعليق رقم (3).

(3)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(4)

مجموع الفتاوى (28/ 329).

(5)

انظر: الفروع (6/ 55).

ص: 19

في "الفروع" وغيره.

(والجلد في الزنى أشدُّ الجلد، ثم جَلْد القذف، ثم الشرب) نص عليه

(1)

(ثم التعزير) لأن الله تعالى خص الزنى بمزيد التأكيد بقوله: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}

(2)

؛ ولأن ما دونه أخفّ منه عددًا، فلا يجوز أن يزيد في إيلامه ووجعه؛ لأن ما كان أخف في عدده كان أخف في صفته، وحَدُّ القذف حق آدمي، وحَدُّ الشُّرب محض حق الله تعالى، والتعزير لا يُبلغ به الحَدَّ.

(وكل موضع وجب فيه الضرب من حَدٍّ أو تعزير، فشَرْطُه التأليم) لقول عليٍّ للجلاد: "اضْرِبْ وأوجعْ"

(3)

.

(ويحرم حَبْسُه) أي: المحدود (بعد الحَدِّ، وأذاه بـ) ـــالـ (ــكلام) كالتعيير، على كلام القاضي وابن الجوزي؛ لنسخه بشرع الحَدِّ، كنسخ حبس المرأة.

(ولا يؤخَّر حَدُّ الزنى لِمَرضٍ، رجمًا كان) الحَدُّ (أو جَلْدًا؛ لأنه) أي: الحد (يجب على الفور) ولا يؤخَّر ما أوجبه الله تعالى بغير حجة؛ ولأن عمر أقام الحد على قُدامة بن مظعون في مرضه، ولم يؤخِّره

(4)

،

(1)

مسائل الكوسج (7/ 3632) رقم 2649.

(2)

سورة النور، الآية:2.

(3)

تقدم تخريجه بنحوه (14/ 17) تعليق رقم (3).

(4)

أخرجه عبد الرزاق (9/ 240) رقم 17076، وعمر بن شبّة في تاريخ المدينة (3/ 842)، والبيهقي (8/ 315 - 316)، في قصة طويلة.

قال ابن حجر في فتح الباري (13/ 141): وسندها صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (10/ 39)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 148) مختصرًا.

ص: 20

وانتشر ذلك في الصحابة، ولم يُنكر، فكان كالإجماع.

(ويُقام) الحَدُّ (في الحَرِّ والبرد) ولو مُفْرطين، كالمرض (فإن كان) المحدود (مريضًا أو) كان (نِضْوَ الخلقة، أو في شدة حَرٍّ أو برد، وكان الحَدُّ جلدًا، أُقيم عليه) الحد (بسوط يؤمن معه التلف) لحديث: "إذا أمَرتُكُم بأمرٍ فأتُوا منهُ ما استطعتُم"

(1)

.

(فإن كان لا يُطيق الضربَ، وخُشِي عليه) أي: المحدود (من السوط، أُقيم) عليه الحد (بأطراف الثياب، و) بـ (ــالقضيب الصغير وشِمْرَاخ

(2)

النخل) لئلا يُفضي ما فوق ذلك إلى إتلافه (فإن خِيف عليه) من القضيب ونحوه (ضُرِب بمائة شِمْراخ مجموعةً، أو في عُثْكُول

(3)

ضربةً واحدةً، أو بخمسين شِمْراخًا ضربتين) لما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنَّ رجلًا اشتَكَى حتى ضني

(4)

، فدَخَلَت عليه امرأة، فَهَشَّ لها فوَقَعَ بها، فسُئل له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يأخُذُوا مائَةَ شِمْراخ فَيضرِبُوهُ ضربَةً واحدةً" رواه أبو داود والنسائي

(5)

، وقال ابن

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم (2).

(2)

الشمراخ: ما يكون فيه الرُّطب، والجمع شماريخ. المصباح المنير ص/ 439، مادة (شمرخ).

(3)

العُثكول: العِذق، وهو جامع الشماريخ، فكلُّ غصنٍ من أغصانه شِمراخ، وهو الذي عليه الرُّطب. انظر: النهاية (2/ 500) مادة (شمرخ)، والمصباح المنير ص/ 546، مادة (عذق).

(4)

ضَنِيَ الرجل: مَرِضَ مرضًا مخامرًا كلما ظُنَّ برؤه، نُكِسَ. القاموس المحيط ص/ 1683، مادة (ضني).

(5)

أبو داود في الحدود، باب 34، حديث 4472. وأخرجه - أيضًا - ابن الجارود (3/ 166) حديث 817، عن أبي أمامة، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورجال =

ص: 21

المنذر

(1)

: في إسناده مقال والعُثْكول بوزن عصفور: الضغث، بالضاد والغين المعجمتين والثاء المثلثة.

= إسناد أبي داود رجال الصحيحين عدا شيخه: أحمد بن سعيد الهمداني، وهو صدوق كما قاله الحافظ في التقريب (38).

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 472) حديث 7267 طبعة الرسالة و (4/ 313) حديث 7308 طبعة دار الكتب العلمية، والطبراني في الكبير (6/ 84) حديث 5587، عن أبي أمامة، عن أبيه.

وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 313) حديث 7309، وابن ماجه في الحدود، باب 18، حديث 2573، وأحمد (5/ 222)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 74) حديث 2024، والطبراني في الكبير (6/ 63) حديث 5521 - 5522، والبيهقي (8/ 230)، والبغوي (10/ 303) حديث 2591، عن أبي أمامة، عن سعيد بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، بنحوه.

وأخرجه ابن ماجه في الحدود، باب 18، حديث 2574، عن أبي أمامة، عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، بنحوه.

وأخرجه الدارقطني (3/ 100)، عن أبي أمامة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، بنحوه.

وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 311) حديث 7299، والدارقطني (3/ 99)، والبيهقي (8/ 230)، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، بنحوه.

قال الدارقطني: كذا قال، والصواب عن أبي حازم، عن أبي أمامة بن سهل، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (311 - 312) حديث 7301 - 7308، وعبد الرزاق (8/ 520) حديث 16134، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 79)، والطبراني في الكبير (6/ 77) حديث 5568، والبيهقي (8/ 230)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 307) حديث 16804، والبغوي في شرح السنة (10/ 302) حديث 2590، من طرق عن أبي أمامة مرسلًا.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 58 - 59): إن كانت الطرق كلها محفوظة، فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة، وأرسله مرة.

(1)

انظر: الإشراف على مذاهب أهل العلم (2/ 29).

ص: 22

(ولا يُقام الحَدُّ - رجمًا كان أو غيره - على حُبلَى - ولو من زِنىً - حتى تضع) لئلا يتعدَّى إلى الحمل.

(فإن كان) الحَدُّ (رجمًا؛ لم تُرجم حتى تسقيه اللِّبَأ) لما تقدم في القِصاص

(1)

.

(ثم) إذا سقتْهُ اللِّبَأ (إن كان له من يُرضعه، أو تكفَّل أحدٌ برَضاعه؛ رُجمت) لأنه لا ضَرَر عليه إذًا (وإلا) بأن لم يكن له من يُرضعه، ولم يتكفَّل أحدٌ برَضاعه (تُركت حتى تَفطِمه) ليزول عنه الضرر.

(وإن لم يظهر حَمْلُها) أي: الزانية (لم يؤخّر، لاحتمال أن تكون حملت من الزنى) لأن إقامة الحَدِّ واجبة فورًا، والأصل عدم الحمل (وإن ادّعت) الزانية (الحمل؛ قُبل قولُها) لأنه لا يمكن إقامة البينة عليه.

(وإن كان) الحدُّ (جَلْدًا، فإذا وضعتْ

(2)

وانقطع النفاس، وكانت قوية يؤمن تَلَفُها، أُقيم عليها الحَدُّ) لحديث علي قال:"إنَّ أمَةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم زَنَت، فأمَرَني أن أجلدها، فإذا هي حديثَةٌ عهدٍ بنفاسٍ، فخَشيتُ إنْ أنا جَلَدتُها أن أقتُلهَا؛ فَذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنتَ" رواه مسلم والنسائي وأبو داود

(3)

.

(وإن كانت) المحدودة (في نفاسها، أو ضعيفة يُخاف عليها؛ لم يُقَم عليها) الحَدّ (حتى تطهُر وتقوى) ليستوفى الحَدّ على وجه الكمال من غير خوف فواته، وبه فارقت المريضَ (وهذا) هو (الذي تقتضيه السُّنةُ الصحيحة) منها ما تقدَّم من حديث علي، ومنها حديث أبي بكرة: "أنَّ

(1)

(13/ 275).

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 210): "وضعته".

(3)

مسلم في الحدود، حديث 1705، والنسائي في الكبرى (4/ 299) حديث 7229، وأبو داود في الحدود، باب 34، حديث 4473.

ص: 23

المرأةَ انْطَلَقَتْ فوَلَدَتْ غُلامًا، فجاءتْ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال

(1)

: انْطَلِقي فتَطهَّري من الدَّم" رواه أبو داود

(2)

.

(وقال أبو بكر: يُقام عليها الحَدُّ في الحال بسَوْطٍ يؤمنُ معه التلف، فإن خِيفَ عليها من السَّوطِ، أُقيم) الحَدُّ (بالعُثكول وأطراف الثياب) كالمريض (وتقدَّم بعض ذلك في استيفاء القِصاص

(3)

.

ويؤخر) إقامة الحَدّ على (سكرانَ حتى يصحوَ) ليحصُل المقصود من إقامة الحَدّ، وهو الزجر (فلو خالف وحَدَّه) أي: السكران قبل صحوه (سقط) قال في "المنتهى" و"شرحه": إن أحسَّ بألم الضرب وإلا فلا؛ لأنه لم يوجد ما يزجره (ويؤخَّر قَطْعٌ خوفَ تلفٍ) أي: موت المحدود بالقطع؛ لأنه حَيف.

(وإن مات) المحدود (في حَدٍّ أو قطع سرقة، أو تعزير، أو تأديب معتاد) من سلطان، أو معلّم، أو والد، أو زوج (وتقدم في الدياتِ

(4)

، فلا ضمان عليه) أي: على أحدٍ؛ لأنه حَدٌّ وجب لله تعالى، فلم يجب فيه

(1)

في "ذ": "فقال لها" وهو الموافق للرواية.

(2)

في الحدود، باب 25، حديث 4443 مختصرًا دون موضع الشاهد. وقد أخرجه النسائي في الكبري (4/ 287، 292) حديث 7196، 7209، وأحمد (5/ 43)، والبزار (9/ 117) حديث 3665، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 177) مطولًا من طريق زكريا بن سليم، عن رجل، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة.

قال البزار: هذا الحديث بهذا اللفظ لا نحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلم له طريقًا غير هذا الطريق، وزكريا بن سليم بصري، ولا نعلم أحدًا سمَّى هذا الشيخ. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 257): الراوي عن ابن أبي بكرة مجهول.

(3)

(13/ 274 - 275).

(4)

(13/ 349).

ص: 24

شيء؛ ولأنه نائب عن الله؛ ولأنه مأذون فيه شرعًا، كسراية القِصاص (إن لم يلزم التأخير، فإن لزم) التأخير بأن خيف التلف من القطع (ولم يؤخَّر) القطع (ضمن) القاطع المقطوع إن سرى إليه؛ لأنه غير مأذون فيه إذًا.

(وإن زاد) الجلاد (في الحَدِّ سوطًا أو أكثر، عمدًا أو خطأً، أو) زاد (في السوط) بأن ضرب بأكبر مما تقدَّم

(1)

أنه يُضرب به (أو اعتمد) الجلاد (في ضَرْبه، أو) ضَرَبه (بسوط لا يحتمله) لمرض أو نحوه (ضَمِنه) لأنه تلِف بعدوانه، أشبه ما لو ضربه في غير الحَدِّ (بكل الدية) لأنه قتل حصل من جهة الله تعالى وعدوان الضارب، فكان الضمان على الضارب، كما لو ضرب مريضًا سوطًا فقتله، و (كما إذا ألقى على سفينة موقَرَة

(2)

حجرًا فغرَّقها.

فإن كانت الزيادة من الجلاد من غير أمر) أحد (فالضمان على عاقلته) إن كان خطأ كسائر أنواع الخطأ.

(ومن أُمر بزيادة، فزاد جاهلًا تحريمها) أي: الزيادة، فتلف المضروب (ضمنه الآمر) كما لو أمر بالقتل مكلّفًا يجهل تحريمه (وإلا) أي: وإن لم يكن الضارب جاهلًا تحريم الزيادة، ضمنه (الضارب) لأنه غير معذور، وكمن أمر بالقتل مكلّفًا يعلم تحريمه.

(وإن تعمَّده) أي: الزائد (العادُّ فقط) ضَمِنه وحدَه دون الضارب وغيره (أو أخطأ) العادُّ (في العدد، وادعى الضارب الجهل؛ ضمنه العادُّ) هكذا في بعض النسخ، وقاله في "الإنصاف" وغيره، وفي بعضها

(1)

(14/ 17).

(2)

موقَرَة: أي ذات حِمْل كثير. انظر: مقاييس اللغة (6/ 132)، والمصباح المنير (2/ 668) مادة (وقر).

ص: 25

مشطوب عليه، وليس بظاهر.

(وتعمُّد الإمام الزيادة) في الضرب (شِبه عَمْدٍ تحمله العاقلة) لأن الدية واجبت بخطئه، فكانت على عاقلته، كما لو رمى صيدًا فقتل آدميًّا، وليس ذلك من خطئه في حكمه ليكون في بيت المال.

(وإن كان الحَدّ رجمًا؛ لم يُحفَر له) أي: المرجوم (رجلًا كان أو امرأة) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يَحفِر لماعز، قال أبو سعيد:"لمَّا أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم برجمِ ماعزٍ، خرجْنَا به إلى البقيع، فوالله ما حَفَرْنا لهُ ولا وثقنا، ولكنْ قام لنا" رواه أحمد ومسلم

(1)

. والمرأة كذلك؛ نصرهُ في "المغني"؛ لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر، وسواء (ثبت) الزنى (ببينة أو إقرار.

وتُشَدُّ ثيابُ المرأةِ؛ لئلا تنكشف) لحديث عمران بن حصين قال: فأمرَ بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فشُدَّتْ عليها ثِيابُها" رواه أبو داود

(2)

.

(و‌

‌السُّنة أن يَدُور الناسُ حول المرجوم

من كل جانب كالدائرة؛ إن كان ثبت ببينة) لأنه لا حاجة إلى تمكينه من الهرب و (لا) يُسَنُّ ذلك إن كان زناه ثبت (بإقرار؛ لاحتمال أن يهرب، فَيُترك) ولا يُتَمَّم عليه الحَدُّ.

(ويُسنُّ حضورُ شهودِ الزنى وبداءتهم) أي: الشهود (بالرجم. وإن كان) الزنى (ثبت بإقرار) الزاني (بدأ به الإمام أو الحاكم؛ إن كان ثبت عنده، ثم يرجم الناس) لما روي سعيد بإسناده عن علي: "الرَّجمُ رجْمَان: فما كان منه بإقْرار، فأوَّلُ مَنْ يرجُمُ الإمامُ، ثم الناس، وما كان

(1)

أحمد (3/ 62)، ومسلم في الحدود، حديث 1694، ولفظهما:"ولا أوثقناه".

(2)

في الحدود، باب 25، حديث 4440. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الحدود، حديث 1696، ولفظهما: "فشكت عليها ثيابها". ومعناه: شُدَّت.

ص: 26

بيِّنة، فأول من يرجُمُ البَيِّنةُ، ثمَّ الناسُ"

(1)

؛ ولأن فعل ذلك أبعد لهم من التُّهمة في الكذب عليه.

(ويجب حضورُ الإمام أو نائبه في كُلِّ حَدٍّ) لله أو لآدمي، كما في استيفاء القِصاص

(2)

(ومن أذن له) الإمام (في إقامة الحَدّ فهو نائبه) يكفي حضوره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وامضِ يا أُنيسُ إلى امرأةِ هذا فإنْ أقرَّت فارْجُمها"

(3)

.

(ويجب حضور طائفة في حد الزنى) لقوله تعالى: {وَلِيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةً مِنَ الْمُؤمِنِينَ}

(4)

(ولو واحدًا) وهو قول ابن عباس

(5)

؛ رواه ابن أبي طلحة. قال في "المبدع": وهو منقطع (مع من يقيم الحَدَّ) لأن الذي يُقيم الحد حاصل

(6)

ضرورة، فتعين صرف الأمر إلى غيره.

(ومتى رجع المُقِرُّ بحَدِّ زنىً، أو) حَدِّ (سرقة، أو) حَدّ (شُرْب - قَبل الحد - عن إقراره، بأن يقول: كذبت في إقراري، أو) يقول: (لم أفعل ما أقررتُ به، أو) يقول: (رجعتُ عن إقراري، ونحوه) كـ: لم يصدر مني ما

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 327) رقم 13353، وابن أبي شيبة (10/ 90)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 319) رقم 180، والضياء في المختارة (2/ 226) رقم 606، من طرق عن علي رضي الله عنه.

(2)

(13/ 277).

(3)

تقدم تخريجه (8/ 420) تعليق رقم (1).

(4)

سورة النور، الآية:2.

(5)

أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2520) رقم 14109، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الطائفة الرجل فما فوق.

قال في تهذيب التهذيب (7/ 339): علي بن أبي طلحة روي عن ابن عباس ولم يسمع منه، بينهما مجاهد.

(6)

في "ذ": "حاضر".

ص: 27

أقررتُ به (قُبِل منه) رجوعُه (وسقط عنه الحَدُّ) لأن ماعزًا لما هرب، وقال لهم: ردوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "فَهَلَّا تركتُمُوه يَتُوبُ، فيتوب الله عليه"

(1)

قال ابن عبد البر

(2)

: ثبت من حديث أبي هريرة وغيره.

(وإن رجع) عن إقراره (في أثنائه) أي: الحد (أو هرب) المُقِرُّ في أثناء الحَدِّ (تُرِك وجوبًا) لما تقدم؛ ولأن ذلك شُبهة، والحدود تُدرأ بالشبهات.

(وإن قال) المُقِرُّ: (ردُّوني إلى الحاكم؛ وجب رَدّه) إليه؛ لما سبق.

(فإن تُمِّمَ عليه الحد ضَمِنَ المتمّمُ) للحد (الراجعَ) عن إقراره

(1)

أخرجه أبو داود في الحدود، باب 24، حديث 4419، والنسائي في الكبرى (4/ 290)، وابن أبي شيبة (10/ 78)، وأحمد (5/ 216 - 217)، والحاكم (4/ 363)، عن يزيد بن نعيم بن هزّال، عن أبيه، قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الحدود، باب 24، حديث 4420، والنسائي في الكبرى (4/ 291) حديث 7206 - 7207، وابن أبي شيبة (10/ 77 - 78)، وأحمد (3/ 381)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 380 - 381) حديث 434، عن جابر رضي الله عنه، بنحوه.

وأخرجه النسائي (4/ 291) حديث 7207، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 80، 4/ 347) حديث 1396، 2380، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 380) حديث 434، عن نصر بن دهر الأسلمي رضي الله عنه، بنحوه.

وأخرجه الترمذي في الحدود، باب 5، حديث 1428، والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 380) حديث 433، والحاكم (4/ 363)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرَّ حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلَّا تركتموه. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(2)

التمهيد (12/ 113).

ص: 28

(بالدية) لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه، و (لا) يضمن (الهاربَ ولا من طلب الرد إلى الحاكم) فَتُمِّمَ عليه الحد؛ لخبر ماعز، وسبق.

(ولا قَوَد) على المتمم للحَدّ، ولو على المُصَرّح بالرجوع؛ لأن القِصاص كالحد يُدرأ بالشُّبهة (وإن رُجِم) لثبوت الحَدِّ (ببينة، فهرب؛ لم يُترك) لأن زناه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه، فلا يؤثر رجوعه ولا هربه.

فصل

(وإذا اجتمعت حدودُ الله

(1)

) تعالى (وفيها قتلٌ، مثل أن سرق، وزنى وهو مُحصَن، وشَرِب) الخمر (وقتل في المحاربة؛ استوفي القتلُ، وسقط سائرها) لما روى سعيد بسنده عن ابن مسعود، أنه قال: إذا اجتمع حدَّانِ أحَدُهما القَتلُ أحاط القَتْلُ بذلك

(2)

(3)

؛ ولأن هذه الحدود تُراد لمجرد الزجر، ومع القتل لا حاجة إلى زجره؛ لأنه لا فائدة فيه، ويفارق القِصاص، فإن فيه غرض التشفّي والانتقام، ولا يُقصد به مجرَّد الزجر (لكن ينبغي أن يُقتل للمُحارَبة؛ لأنه حق آدمي) وإنما أثَّرت المحاربة بتَحتُّمِهِ

(4)

، وحق الآدمي يجب تقديمه (ويسقط الرجم) كما لو مات.

(وإن لم يكن فيها) أي: حدود الله (قتل، فإن كانت من جنس، مثل أن زنى) مرارًا (أو سرق) مرارًا (أو شرب) الخمر (مرارًا، قبل إقامة الحد، أجزأ حَدٌّ واحد، فتتداخل السرقة كغيرها) قال ابن

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 212): "حدود لله".

(2)

في "ذ": "ذلك".

(3)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (9/ 479)، وأخرجه عبد الرزاق بلفظ:"إذا جاء القتل مَحَا كل شيء".

(4)

في "ذ": "لأنها محتمة".

ص: 29

المنذر

(1)

: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وذلك لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل، وهو حاصل بالحد الواحد (ولو طالبوا) أي: المسروق منهم (متفرقين) فيكفي القطع للكلِّ (فإن أُقيم عليه الحدُّ) لمعصية (ثم حدثت منه جناية أخرى) توجب الحدَّ (ففيها حَدُّها) كما لو حَنِثَ في يمينه وكَفَّر، ثم حلف أخرى وحَنِثَ فيها.

(وإن كانت) الحدود (من أجناس) كما لو زنى وشرب الخمر وسرق ولم يكن محصنًا (استوفيت كلها) قال في "المبدع": بغير خلاف علمناه؛ لأن التداخل إنما هو في الجنس الواحد، فلو سرق وأخذ المال في المحاربة، قُطِع لذلك، ويدخل فيه القطع في السرقة؛ لأن محل القطعين واحد.

(ويجب الابتداء بالأخفِّ فالأخفِّ، فإذا شرب) الخمر (وزنى) وهو غير محصن (وسرق، حُدَّ للشرب) لأنه أخف (ثم للزنى، ثم قُطِع) للسرقة، ولا يوالى بين هذه الحدود؛ لأنه ربما يُفضي إلى التلف (ولو بدأ بغير الأخف وقع الموقع) لحصول المقصود، وهو الزجر.

(وتُستوفي حقوق الآدميين كلها) سواء كان فيها قتل، أو لم يكن؛ لأن حقَّ الآدمي مبنيٌّ على الشحّ والضيق.

(ويُبدأُ بغير قَتْلٍ) لأن البداءة به تفوّت استيفاء باقي الحقوق، فيبدأ (بالأخفِّ فالأخفِّ منها، وجوبًا) كحقوق الله تعالى (فيُحدُّ للقذف، ثم يقطع لغير) الـ (ــسرقة) لأن القطع للسرقة حق لله تعالى (ثم يُقتل.

فإن اجتمعت) أي: حدود الآدمي (مع حدود الله تعالى، ولم يتفقا)

(1)

الإجماع ص/ 140، رقم 620.

ص: 30

أي: الحَدَّان (في محل واحد، بُدِئ بها) أي: بحدود الآدمي؛ لأنها مبنية على الشُّحِّ والضيق (و) يُبدأ (بالأخفِّ فالأخفِّ، وجوبًا) كما لو انفردت (فإن لم يكن فيها قَتْلٌ استوفيت كلها.

ولا يتداخل القذف والشُّرب) لاختلاف جنسهما (فإذا زنى) غير مُحصَن (وشرب) الخمر (وقَذَف) مُحصنًا (وقطع يدًا) عمدًا عدوانًا من مكافئ (قُطِعت يده) قِصاصًا (أولًا) لأن ذلك محض حق آدمي، فَقُدِّم بخلاف القذف، فإنه مختَلَف فيه: هل هو حق لله أو لآدمي؟

(ثم حُدَّ للقذف) لأن الصحيح أنه حقُّ آدمي (ثم) حُدَّ (للشرب) لأنه أخفُّ من الزنى (ثم) حُدَّ (للزنى، فقَدَّموا) أي: الأصحاب (هنا القطعَ على حَدِّ القذف، وهو) أي: حَدُّ القذف (أخفُّ من القطع) لأن القطع محض حق آدمي، بخلاف حَدِّ القذف، كما أشار إليه في "تصحيح الفروع".

(وإن كان فيها) أي: الحدود (قَتْلٌ، فإن حدودَ الله) تعالى (تدخل في القتل، سواء كان القتل من حدرد الله) تعالى (كالرجم في الزنى، والقتل في المحاربة، و) القتل (للردة، أو لحقّ آدمي) محض (كالقِصاص) فإنه محض حق الآدمي، بخلاف القتل في المحاربة، فإنه لم يتمحَّض للآدمي؛ لأن تحتُّمه حق الله تعالى، وهو مراده فيما مَرّ، وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها.

(ثم إن كان القتل حقًّا لله) تعالى (استوفيت الحقوق كلها متوالية من غير انتظار بُرْءٍ، الأولُ فالأولُ؛ لأنه لا بدَّ من فوات نفسه) أي: المحدود، فلا فائدة في الانتظار.

(وإن كان القتل حقًّا لآدمي) كالقِصاص (انتظر باستيفاء) الحد

ص: 31

(الثاني بُرْؤُه من الأول) لأن فوات نفسه ليس محققًا؛ لأنه قد يعفو وليُّ القِصاص عنه.

(وإن اتَّفق حَقُّ الله وحقُّ الآدمي في محلٍّ واحد، كالقتل والقطع قِصاصًا وحَدًّا، مثل أنْ قَتَلَ) عمدًا مكافئًا (وارتدَّ، و) مثل أن (سرق وقطع يدًا) من مكافئ عمدًا (فَيُقطع لهما، ويُقتل لهما) لأن محل الحقين واحد، فتداخلا.

(وإن عفا وليُّ الجناية) عن القِصاص (استُوفي الحدُّ) كما لو لم يعفُ.

(وذكر ابن البنا: من قَتل بسحرٍ قُتل حدًّا، وللمسحور من ماله) أي: الساحر (ديته، فيُقدَّم حقُّ الله تعالى. انتهى) وصحَّحه في "الإنصاف" في الجنايات، وقطع به المصنف هناك.

(وإن سرق وقَتَل في المحاربة ولم يأخذ المال؛ قُتل حتمًا) للقتل (ولم يُصلب) لأنه لم يأخذ مالًا (ولم تُقطع يده) للسرقة؛ لأنه حَدٌّ لله تعالى، فيدخل في القتل (وإن قَتَل مع المحاربة جماعة، قُتِل بالأول حتمًا، ولأولياء الباقين) من القتل (دياتهم) في مال القاتل، كما لو مات؛ لتعذر القِصاص.

فصل

(ومن قَتل أو قطع طرفًا، أو أتى حدًّا خارج حرم مكة، ثم لجأ إليه، أو لجأ إليه) أي: حرم مكة (حربيٌّ أو مرتد، لم يُستوفَ) الحدُّ (منه) ولم يُقتل (فيه) أي: في حرم مكة، فيحرم استيفاؤه منه - حتى بدون قتل - فيه؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}

(1)

أي: فأمِّنوه، فهر خبر أُريد

(1)

سورة آل عمران، الآية:97.

ص: 32

به الأمر؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم حَرَّم سَفْكَ الدم بمكة

(1)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنْ أحَدٌ ترخّص بقتالِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إنَّ الله أذِن لرسولِهِ ولم يأذنْ لكم"

(2)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعدى الناسِ على الله من قَتَلَ في الحرم" رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمر

(3)

وحديث أبي شريح

(4)

. وقال ابن عمر: لَوْ وجَدْتُ قاتِل عُمَر في الحرم ما هِجْتُهُ؛ رواه أحمد

(5)

.

(ولكن لا يُبايع، ولا يُشارى) لقول ابن عباس

(6)

(ولا يُطعم، ولا

(1)

أخرج البخاري في العلم، باب 37، حديث 104، وفي جزاء الصيد، باب 8، حديث 1832، وفي المغازي، باب 51، حديث 4295، ومسلم في الحج، حديث 1354، عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا. . ." الحديث.

(2)

جزء من الحديث السابق المتقدم تخريجه آنفًا.

(3)

(2/ 179، 207، 212 - 213). وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (14/ 487)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص لا من حديث عبد الله بن عمر، كما قال المؤلف، فإذا لم نقف عليه - عند أحمد - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 177): رواه الطبراني [مطولًا] ورجاله ثقات.

(4)

(4/ 31 - 32). وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (7/ 277)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 397 - 398)، والطبراني في الكبير (22/ 191) حديث 500، والبيهقي (8/ 71، 9/ 122 - 123).

(5)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وعزاه المجد بن تيمية في المنتقى (2/ 689) للإمام أحمد من رواية الأثرم. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (5/ 153) رقم 9229، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 139)، والطبري في تفسيره (4/ 13)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (9/ 379) رقم 3757، والخطابي في غريب الحديث (2/ 405).

(6)

أخرجه عبد الرزاق (9/ 304) رقم 17306 - 17307، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 265) رقم 1488، والطبري (4/ 13)، والبيهقي (9/ 214)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (10/ 493).

ص: 33

يُسقى، ولا يؤاكل، ولا يُشارب) لأنه لو أُطعم أو أووي لتمكَّن من الإقامة دائمًا، فيضيع الحق (ولا يُجالس، ولا يؤوى) لما سبق (ويُهجر فلا يكلّمه أحد حتى يخرج) من الحرم؛ ليستوفى منه الحق (لكن يقال له: اتقِ الله واخرج إلى الحلِّ ليستوفي منك الحق الذي قِبَلَك، فإذا خرج أُقيم عليه الحدّ) خارجَ الحرم، رُوي عن عمر

(1)

رابن عباس

(2)

وابن الزبير

(3)

(فإن استُوفي ذلك) الحد ونحوه (منه) أي: ممن لجأ إلى الحرم (في الحرم، فقد أساء) لهتكه حُرمة الحرم (ولا شيء عليه) لأنه لم يتجاوز ما وجب له.

(وإن فعل ذلك) أي: قتل، أو قطع طرفًا، أو أتى حدًّا، أو ارتد (في الحرم استوفي منه) ما وجب بذلك (فيه) أي: الحرم. قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه. روى الأثرم عن ابن عباس، قال: من أحدث حدثًا في الحرم أُقيم عليه ما أحدث فيه

(4)

؛ ولقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. . .} الآية

(5)

، فأباح قَتْلهم عند قتالهم في

(1)

أخرج الأزرقي في أخبار مكة (2/ 139)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 365) رقم 2214، عن عكرمة بن خالد، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وجدت قاتل الخطاب فيه ما مسسته حتى يخرج منه. وذكره السيوطي في الدر المنثور (2/ 54) وعزاه - أيضًا - إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.

(2)

أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (2/ 138)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 360 - 362) رقم 2202 - 2206، والطبري في تفسيره (4/ 13)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 711) رقم 3850.

(3)

أخرج الفاكهي في أخبار مكة (3/ 362) رقم 2208، عن عطاء بن أبي رباح قال: شهدت ابن الزبير أتي بسبعة أخذوا في لواط فقامت عليهم البينة، أربعة منهم قد أحصنوا بالنساء، فأمر رضي الله عنه بالثلاثة فجلدوا، وأمر بالأربعة فأخرجوا من الحرم، فرضخوا بالحجارة، وابن عمر وابن عباس في المسجد.

(4)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - الطبري في تفسيره (4/ 13).

(5)

سورة البقرة، الآية:191.

ص: 34

الحرم؛ ولأن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن المعاصي، حفظًا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ولو لم يُشرع الحدُّ فيه لتعطلت الحدودُ في حقِّهم، وفاتت المصالح التي لا بُدَّ منها.

(و‌

‌لو قوتلوا في الحرم، دفعوا عن أنفسهم

فقط) لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوهُمْ

(1)

عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

(2)

قُرئ بهما (1)، ذكر ابن الجوزي

(3)

: أن مجاهدًا وغيره قالوا: الآية محكمة. وفي "التمهيد"

(4)

: أنها نُسخت بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

(5)

وفي "الأحكام السلطانية"

(6)

: تقاتل البُغاة إذا لم يندفع بغيهم إلا به؛ لأنه من حقوق الله، وحفظُها في حَرَمه أولى من إضاعتها. وذكره الماوردي

(7)

عن جمهور الفقهاء، ونصَّ عليه الشافعي

(8)

، وحمل الخبر على ما يعم إتلافه، كالمنجنيق إذا أمكن إصلاح بدون ذلك. وذكر ابن العربي

(9)

: لو تغلب فيها كفار أو بغاة وجب قتالهم بالإجماع. وذكر الشيخ تقي الدين

(10)

: إنْ تعدى أهل مكة على الركب، دفع الركب كما يدفع

(1)

قرأ حمزة والكسائي وخلف: "ولا تقتلوهم"، وقرأ الباقون:"ولا تقاتلوهم"، انظر: إتحاف فضلاء البشر ص/ 155.

(2)

سورة البقرة، الآية:191.

(3)

ناسخ القرآن ومنسوخه ص/ 218، وزاد المسير (1/ 199).

(4)

(14/ 403).

(5)

سورة التوبة، الآية:5.

(6)

"للقاضي". ش. وهو في الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 193 - 194).

(7)

الأحكام السلطانية ص/ 166.

(8)

الأم (4/ 290).

(9)

أحكام القرآن (2/ 456).

(10)

انظر: الفروع (6/ 64).

ص: 35

الصائل، وللإنسان أن يدفع مع الركب، بل يجب إن احتيج إليه.

(وفي "الهدي"

(1)

: الطائفة الممتنعة بالحرم من مبايعة الإمام لا تقاتل لا سيما إن كان لها تأويل.

وأما حرم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر البقاع، والأشهرُ الحرم وغيرها) كرمضان (فلا تمنع اقامة حد ولا قِصاص) لعموم الأدلة وعدم المخصص. وأما قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ. . .} الآية

(2)

، فتقدم الكلام فيها، وأنها منسوخة عند الجمهور.

(ومن أتى حدًّا في الغزو، أو) أتى (ما يوجب قِصاصًا) في الغزو (لم يُستوفَ منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام) لخبر بُسْر

(3)

بن أرطاة، أنه أتى برجل في الغزاة قد سرق بُخْتية فقال:"لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُقْطَعُ الأيدي في الغزاةِ لَقَطَعْتُك" رواه أبو داود وغيره

(4)

. قال في "المبدع": وهو إجماع الصحابة (فـ) ـإذا رجع

(1)

زاد المعاد (3/ 389).

(2)

سورة البقرة، الآية:217.

(3)

في الأصل و"ح": "بشير"، وفي "ذ":"بشر"، والصواب:"بسر" كما في سنن أبي داود ومصادر التخريج.

(4)

أبو داود في الحدود، باب 18، حديث 4408، والنسائي في قطع السارق، باب 16، حديث 4994، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 140) حديث 860، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 84)، والبيهقي (9/ 104)، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 213 - 214) بلفظ:"لا تُقطع الأيدي في السفر" ولولا ذلك لقطعته.

وأخرجه الترمذي في الحدود، باب 20، حديث 1450، وأحمد (4/ 181)، والدارمي في السير، باب 51، حديث 2495، وابن قانع في معجمه (1/ 84)، والطبراني في الكبير (2/ 33) حديث 1195، وفي الأوسط (8/ 441) حديث 8946، وابن عدي (2/ 439)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 129) حديث =

ص: 36

إلى دار الإسلام (يقام عليه) لعموم الآيات والأخبار، وإنما أُخر لعارض وقد زال.

(وإن أتَى بشيء من ذلك) أي: حدًّا أو موجب قِصاص (في الثغور أُقيم عليه فيها) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأنها من بلاد الإسلام، والحاجة داعية إلى زجر أهلها، كالحاجة إلى زجر غيرهم.

(و‌

‌إن أتى حدًّا في دار الإسلام ثم دخل دار الحرب، أو أُسر،

أُقيم عليه إذا خرج) من دار الحرب؛ لما سبق.

"تتمة": الحَدُّ كفَّارة لذلك الذنب، نصَّ عليه

(1)

؛ للخبر

(2)

.

= 1203، بلفظ: لا تقطع الأيدي في الغزو.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

وقال ابن عدي: بسر بن أرطاة مشكوك في صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، لا أعرف له إلا هذين الحديثين، وأسانيده من أسانيد الشام ومصر، ولا أرى بإسناد هذين بأسًا.

وقوَّى إسناده الحافظ في الإصابة (1/ 243).

وانظر: نصب الراية (3/ 344).

(1)

أصول السنة لأحمد برواية عبدوس ص/ 74، وطبقات الحنابلة (1/ 245، 311).

(2)

أخرج البخاري في الإيمان، باب 11، حديث 18، وفي مناقب الأنصار، باب 43، حديث 3892 - 3893، وفي التفسير، باب {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} ، حديث 4894، وفي الحدود، باب 8، 14، حديث 6784، 6801، وفي الديات، باب 2، حديث 6873، وفي الأحكام، باب 49، حديث 7213، وفي التوحيد، باب 31، حديث 7468، ومسلم في الحدود، حديث 1709، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وحوله عصابة من أصحابه -:"بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه".

ص: 37

‌باب حد الزنى

(1)

(وهو فعل الفاحشة في قُبُلٍ أو دُبُرٍ، وهو من الكبائر العظام) لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}

(2)

؛ ولما روى ابن مسعود قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنبِ أعظَم؟ قال: أنْ تجعَل لله ندًّا وهُو خَلَقك، قال: ثم أيٌّ؟ قال: أن تَقْتُل ولَدَكَ مخافَة أن يَطعم مَعَك، قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: أن تُزاني حَلِيلَةَ جارِكَ" متفق عليه

(3)

.

وكان حدُّه في ابتداء الإسلام الحبسَ في البيت والأذى بالكلام؛ لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ. . .} الآية

(4)

، ثم نسخ بما روى مسلم من حديث عبادة مرفوعًا:"خُذوا عني، خذوا عني، البِكر بالبكر جلدُ مائَةٍ وتَغْريبُ عامٍ، والثيِّب بالثيِّب جَلدُ مائةٍ والرَّجْمُ"

(5)

ونَسْخُ القرآن بالسنة جائزٌ؛ لأن الكل من عند الله وإن اختلف طريقه، ومن منع ذلك قال: ليس هذا نسخًا، إنما هو تفسير وتبيين له. ويمكن أن يقال: نَسْخه حصل بالقرآن، فإن الجلد في كتاب الله تعالى، والرجم كان فيه، فَنُسخ رَسْمُهُ وبقي حكمُه؛ قاله في "المغني" و"الشرح".

(1)

"بالقصر في لغة الحجاز، والمد عند تميم". ش.

(2)

سورة الإسراء، الآية:32.

(3)

البخاري في تفسير سورة البقرة، باب 3، حديث 4477، وتفسير سورة الفرقان، باب 1، حديث 4761، وفي الأدب، باب 20، حديث 6001، وفي الحدود، باب 20، حديث 6811، وفي الديات، باب 1، حديث 6861، وفي التوحيد، باب 40، 46، حديث 7520، 7532، ومسلم في الإيمان، حديث 86.

(4)

سورة النساء، الآية:15.

(5)

مسلم في الحدود، حديث 1690، ولفظه: خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر

الحديث.

ص: 38

(إذا زنى مُحصَن وجب رجمُه بالحجارة وغيرها حتى يموت) حكاه ابن حزم إجماعًا

(1)

، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رجم بقوله وفعله في أخبار تشبه التواتر

(2)

، وقد أنزله الله تعالى في كتابه، ثم نسخ رسمه وبقي حكمه؛ لقول عمر: كان فيما أنزل الله آية الرجم

، الخبر؛ متفق عليه

(3)

.

فإن قيل: لو كانت في المصحف لاجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟! قال ابن الجوزي

(4)

: أجاب ابن عقيل فقال: إنما كان ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن، من غير استقصاء لطلب طريق مقطوع به، كما سارع الخليل صلى الله عليه وسلم إلى ذبح ولده بمنام، وهو أدنى طُرُق الوحي وأقلها.

(ويتقي) الراجم (الوجه) لشرفه.

(ولا يُجلد) المرجوم (قبله) أي: قبل الرجم؛ رُوي عن عمر

(5)

(1)

مراتب الإجماع ص/ 214، والإحكام في أصول الأحكام (6/ 168).

(2)

منها حديث عبادة السابق، ومنها حديث ابن أوفى عند البخاري في الحدود، باب 21، حديث 6813، ومسلم في الحدود، حديث 1702، وفيه أنه سئل ابن أبي أوفى:"هل رَجَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم". ومنها حديث جابر عند البخاري في الحدود، باب 21، حديث 6814، ومسلم في الحدود، باب 5، حديث 1691، وفيه أن رجلًا من أسلم، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه أنه قد زنى فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجم، وكان قد أحصن. وينظر ما يأتي (14/ 40) تعليق رقم (2 - 3).

(3)

البخاري في الحدود، باب 31، حديث 6830، ومسلم في الحدود، حديث 1691، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

كشف المشكل (1/ 64 - 65).

(5)

أخرج عبد الرزاق (7/ 328) رقم 13357، وأحمد (في مسائل ابنه صالح 3/ 119) رقم 1470، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 233):"أن عمر رجم ولم يجلد".

ص: 39

وعثمان

(1)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا

(2)

. والغامدية

(3)

ولم يجلدهما، وقال:"واغْدُ يا أُنَيسُ إلى امرأةِ هذا فإن اعترفَتْ فارجُمهَا"

(4)

ولم يأمر بجلدها.

وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ترشد إليه رواية الأثرم عن أحمد

(5)

؛ ولأنه حَدٌّ فيه قَتْلٌ، فلم يجتمع معه الجلد كالردة.

(ولا يُنفَى) المرجوم قبل رجمه (وتكون الحجارة) في الرجم (متوسطة كالكَفِّ، فلا ينبغي أن يُثْخَن الموجوم بصخرة كبيرة، ولا أن يطول عليه بحصيات خفيفة) لأنه تعذيبٌ له.

(ومن وطئ امرأته ولو) كانت (كتابية في قُبُلها وطئًا حصل به تغييب الحشفة، أو قَدْرها) من مقطوعها (في نكاح صحيح، وهما) أي: الزوجان (بالغان عاقلان حُرَّان ملتزمان، فهما محصَنان) يُرجم مَن زنى منهما بشروطه، ودخل في الملتزمين الذميان، وإنما يُعتبر ذلك في لزوم الحَدِّ، لا في حصول الإحصان، بدليل قوله كغيره:"ويثبت لمستأمنين".

(فإن اختلَّ شرطٌ منها) أي: من هذه الشروط التي ذكرت للإحصان (ولو في أحدهما) أي: الزوجين (فلا إحصان لواحد منهما) لأنه وطء لم

(1)

لم نقف على من أخرجه عنه.

(2)

أخرجه البخاري في الحدود، باب 28، حديث 6824، ومسلم في الحدود، حديث 1693، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه مسلم في الحدود، حديث 1692، 1694 - 1695، من حديث جابر بن سمرة، وأبي سعيد الخدري، وبريدة، رضي الله عنهم.

(3)

أخرجه مسلم في الحدود، حديث 1695، من حديث بريدة رضي الله عنه، وحديث 1696، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما.

(4)

تقدم تخريجه (8/ 420) رقم (1).

(5)

انظر: المغني (12/ 313).

ص: 40

يُحْصِن أحدَ الموطوءين، فلم يُحْصِن الآخر، كالتسري.

(فإن عَتَقَا وعقلا وبلغا) أي: الزوجان (بعد النِّكاح، ثم وطئها، صارا محصنين) بالوطء بعد العتق والعقل والبلوغ، كما لو لم يتقدمه وطء آخر.

(ولا يحصُل الإحصان بالوطء بملك اليمين) وهو التسري؛ لأنه ليس بنكاح، ولا يثبت له أحكامه (ولا) بوطء (في نكاح فاسد) لما سبق (ولا في نكاح خالٍ عن الوطء) في القُبُل (سواء حصلت فيه خلوة، أو وطء فيما دون الفرج، أو في الدُّبُر؛ أوْ لا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الثّيِّبُ بالثّيِّبِ جَلْدُ مائةٍ والرَّجْمُ"

(1)

، فاعتبر الثيوبة، ولا تحصُل بالعقد.

(ويثبت) الإحصان (لمستأمَنَين كذمِّيَّين، ولو مجوسيين، لكن لا يصير المجوسي محصَنًا بنكاح ذي رَحِم محرم) كأخته؛ لأنه لا يُقَرُّ عليه لو ترافع

(2)

إلينا، فهو كالنكاح الفاسد، وكذا اليهودي إذا نكح بنت أخيه أو أخته (فلو زنى أحدٌ منهم) أي: أهل

(3)

الذمة (وجب الحَدّ) لأن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ورجل منهم قد زنيا "فأمَرَ بهما رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرُجِما" متفق عليه

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه (14/ 38) تعليق رقم (5).

(2)

في "ذ": "ترافعا".

(3)

في "ذ": "من أهل".

(4)

البخاري في الجنائز، باب 61، حديث 1329، وفي المناقب، باب 26، حديث 3635، وفي تفسير آل عمران، باب 6، حديث 4556، وفي الحدود، باب 24، 37، حديث 6819، 6841، وفي الاعتصام، باب 16، حديث 7332، وفي التوحيد، باب 51، حديث 7543، ومسلم في الحدود، حديث 1699، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 41

(ويلزم الإمام إقامة حَدّ بعضهم ببعض) لالتزامهم حكمنا (ومثله القطع بسرقة بعضهم من بعض) لعموم قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}

(1)

.

(ولا يسقط) حَدّ عن ذمي (بإسلامه) كسائر الحقوق عليه (لكن لا يُقام حَدّ الزنى على مستأمن، نصًّا

(2)

) قلت: وكذا حَدّ سرقة وغيره؛ لأنه غير ملتزم لحكمنا، بخلاف الذمي.

(قال في "المغني" و"الشرح" في باب القطع في السرقة: لأنه) أي: الزنى (يجب به القتل لنقض العهد، ولا يجب مع القتل حَدٌّ سواه. انتهى. وهذا إذا زنى بمسلمةٍ، وأما إن زنى) المستأمن (بغير مسلمة، فلا يُقام عليه الحَدّ، كالحربي) لعدم التزامه.

(وكحَدّ الخمر) فلا يُقام على كافر ولو ذميًّا؛ لأنه يعتقد حِلّه (ولو كان لرجل ولد من امرأته، فقال: ما وطئتُها؛ لم يثبت إحصانه) ولا يُرجم إذا زنى؛ لأن الولد يلحق بإمكان الوطء واحتماله، والإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطء.

(ولو كان لها) أي: للمرأة (ولد من زوج، فأنكرت) المرأة (أن يكون) زوجها (وطئها؛ لم يثبت إحصانها) لما ذكرنا.

(ويثبت) إحصانُه (بقوله: وطئتُها، أو جامعتُها، أو بَاضَعْتُها، ويثبت إحصانها بقولها: إنه جامعها، أو باضعها، أو وطئها، وإن قالت) الزوجة: إنه (باشرها

(3)

، أو أصابها، أو أتاها، أو دخل بها، أو قاله هو)

(1)

سورة المائدة، الآية:38.

(2)

انظر: المغني (12/ 451).

(3)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 118) زيادة: "أو مسها".

ص: 42

أي: قال الزوج: إنه باشرها، أو أصابها، أو أتاها، أو دخل بها (فينبغي ألا يثبت به الإحصان) لأن هذا يُستعمل في الجماع فيما دون الفرج كثيرًا، فلا يثبت به الإحصان الذي يدرأ بالاحتمال. وقال في "المبدع": والأشهر: أو دخلت بها، أي: إنه يثبت به الإحصان، وقطع به في "المنتهى".

(و‌

‌إذا جُلِد الزاني على أنه بِكْر، ثم بان

(1)

محصنًا؛ رُجِم)

إلى أن يموت؛ لحديث جابر رواه أبو داود

(2)

؛ ولأنه حدُّه، والجلد لم يصادف محلًّا.

(وإذا رُجِم الزانيان المُسلِمان غُسِّلا وكُفِّنا وصُلِّي عليهما ودُفنا) معنا، كغيرهما من المسلمين؛ لحديث الغامدية، وفيه:"فَرُجِمَتْ وصُلِّي عليها" رواه الترمذي

(3)

وقال: حسن صحيح.

(وإذا زنى الحُرُّ غيرُ المحصَن من رجل أو امرأة، جُلِد مائة) لقوله

(1)

في "ذ": "فبان".

(2)

في الحدود، باب 24، حديث 4438. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (6/ 440) حديث 7173 طبعة الرسالة، وابن الجارود (2/ 118) حديث 818، والطحاوي (3/ 138)، والطبراني في الأوسط (7/ 268) حديث 6516، وابن عدي (4/ 1519)، من طريق ابن وهب، عن ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر- رضي الله عنه أن رجلًا زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد الحد، ثم أخبر أنه محصن، فأمر به فرجم.

وأخرجه أبو داود في الحدود، باب 24، حديث 4439، والنسائي في الكبرى (6/ 440) رقم 7174 طبعة الرسالة، من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفًا. قال النسائي: هذا الصواب والذي قبله خطأ.

(3)

في الحدود، باب 9، حديث 1435، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما. وأخرجه مسلم - أيضًا - وتقدم تخريجه (14/ 40) تعليق رقم (3).

ص: 43

تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}

(1)

(وغُرِّب عامًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "البكرُ بالبِكْرِ جلدُ مائةٍ وتغرِيبُ عَامٍ"

(2)

؛ ولأن الخلفاء الراشدين

(3)

فعلوا ذلك بالحر غير المحصن، وانتشر، ولم يُعرف لهم مخالف، فكان كالإجماع (إلى مسافة القَصْر) لأن ما دون ذلك في حكم الحضر (في بلد معين) لأن التغريب يتحقق بذلك.

(وإن رأى الإمامُ التغريبَ إلى فوق مسافة القصر؛ فَعَل) لتناول الخبر له.

(والبدوي يُغَرَّب عن حِلته) بكسر الحاء (وقومِه) إلى مسافة قصر فأكثر (ولا يمكَّن) البدوي (من الإقامة بينهم) أي: بين قومه حتى يمضي العام؛ ليحصُل التغريب.

(ولو عَيَّن السلطان جهةً لتغريبه، وطلب الزاني جهةً غيرها؛ تعيَّن ما عيَّنه السلطان) لأن إقامة الحَدِّ للسلطان لا للزاني.

(ولو أراد الحاكم تغريبَه، فخرَجَ بنفسه وغاب سنةً، ثم عاد؛ لم يَكْفِهِ في ظاهر كلامهم) لأنه لا يحصُل به الزجر، كما لو جَلَد نفسه.

(ولا يُحبس) المغرَّب (في البلد الذي نُفي إليه) لعدم وروده.

(فإن عاد) المغرَّب (من تغريبه قبل مضي الحول، أُعيد تغريبه حتى يكمل الحول مسافرًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وتغريب عام"(2)(ويبني على ما مضى) قبل عوده، فلا يلزمه أن يستأنف؛ لزيادته إذًا عن العام.

(1)

سورة النور، الآية:2.

(2)

تقدم تخريجه (14/ 38) تعليق رقم (5).

(3)

انظر: مصنف عبد الرزاق (7/ 314) رقم 13321 - 13324، 13328، ومصنف ابن أبي شيبة (10/ 83 - 85)، والسنن الكبرى للبيهقي (8/ 222 - 223).

ص: 44

(وتغريب

(1)

امرأة مع مَحْرم وجوبًا إن تيسَّر) لأنه سفر واجب أشبه سفر الحج (فيخرج) المَحْرَم (معها حتى يُسْكِنَها في موضع، ثم إن شاء رجع) المَحْرَم (إذا أمِنَ عليها) لانقضاء السفر (وإن شاء أقام) المَحْرَم (معها) حتى ينقضي العام.

(وإن أبى) المَحْرَم (الخروجَ معها) إلا بأُجرة (بذُلت له الأجرة من مالها) لأن ذلك من مُؤْنة سفرها، أشبه المركوب والنفقة (فإن تعذَّر) أخذ الأجرة منها (فمن بيت المال) لأن فيه مصلحة، أشبه نفقة نفسها إن أمكن.

(فإن أبى) المَحْرَم (الخروجَ معها؛ نُفيت وحدها) قال في "الترغيب" وغيره: مع الأمن (كما لو تعذَّر) المحرم؛ لأنه لا سبيل إلى تأخيره (كسفر الهجرة، وسفر الحج إذا مات المَحْرَم في الطريق) وتقدم

(2)

.

(وقيل: تستأجر امرأة ثقة؛ اختاره جماعة) لأنه لا بُدَّ من شخص يكون معها؛ لأجل حفظها، وحينئذ لم يكن بُدٌّ من امرأة ثقة؛ ليحصُل المقصود من الحفظ.

(و‌

‌إذا

(3)

زنى الغريب، غُرِّبَ إلى بلد غير وطنه)

ليكون تغريبًا (وإن زنى) المغرَّب (في البلد الذي غُرِّب إليه، غُرِّب إلى غير البلد الذي غُرِّب منه، وتدخل بقية مدة) التغريب (الأول في) التغريب (الثاني؛ لأن الحَدَّين من جنس، فتداخلا) كما سبق

(4)

.

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 219): "وتغرب".

(2)

(6/ 56).

(3)

في "ح" ومتن الإقناع (4/ 219): "وإن".

(4)

(14/ 29).

ص: 45

فصل

(وإن كان الزاني رقيقًا) ذكرًا أو أنثى (فحَدُّه خمسون جلدة) لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}

(1)

والعذاب المذكور في القرآن الجَلْدُ مائة لا غير، فينصرف التنصيف إليه دون غيره؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم لعلي:"إذا تَعالتْ من نِفاسِها فاجْلِدُوها خمسين" رواه عبد الله بن أحمد

(2)

، ورواه مالك عن عمر

(3)

.

(ولا يُغَرَّب) القِنّ ولا يُعَيّر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذكره؛ ولأنه مشغول بخدمة السيد (بكرًا كان) القِنُّ (أو ثيبًا) أي: مزوّجًا.

(ولا يُرْجَم هو) أي: القِن (ولا) يُرجَم (المَبعَّض) بل حَدُّه الجلد، كما سبق.

(وإذا زنى) الرقيق (ثم عَتَق، فعليه حَدّ الرقيق) اعتبارًا بوقت الوجوب.

(ولو زنى حُرٌّ ذمي، ثم لحق بدار) الـ (ـــحرب، ثم سُبي؛ فاسترق؛ حُدَّ حَدَّ الأحرار) من رَجْمٍ أو جَلْد وتغريب؛ لأن المُعتبر وقت الوجوب وقد كان حرًّا.

(ولو كان أحد الزانيين حرًّا والآخر رقيقًا) فعلى كُلِّ واحد حَدُّه.

(1)

سورة النساء، الآية:25.

(2)

مسند أحمد (1/ 136)، وانظر ما تقدم (14/ 10، 23) تعليق رقم (5، 3).

(3)

في الموطأ (2/ 827)، عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، قال:"أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش، فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنى". وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 395) رقم 13608 - 13609، وابن أبي شيبة (9/ 540)، والبيهقي (8/ 242).

ص: 46

(أو زنى مُحصَنٌ ببِكْرٍ، فعلى كل واحدٍ حدُّه) لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد: "أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدُهما: إنَّ ابني كان عَسيفًا

(1)

على هذا فَزنى بامرَأتِهِ، وإني افتَديتُ مِنْهُ بمائَةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسألتُ رجالًا من أهل العلم، فقالوا: إنما على ابنك جَلْدُ مائَة وتغريبُ عام، والرجْمُ على امرأة هذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضينَّ بَيْنَكما بكتابِ الله تعالى، على ابنك جَلدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ، وجَلَد ابْنَهُ مائةً وغرَّبَهُ عامًا، وأمَر أُنيسًا الأسلمي يأتي امرأة الآخَرِ، فإن اعْترفَتْ فارْجُمها، فاعترفَتْ فرجَمَهَا" متفق عليه

(2)

.

(ولو زنى بعد العتق وقبل العلم به) أي: بالعتق (فعليه حَدُّ الأحرار) ولا أثر لعدم العلم بالعتق.

(وإن أُقيم عليه حَدُّ الرقيق قبلَ العلم بحريته، ثم عُلمت) حريته (بعدَ) ذلك (تُمِّم عليه حَدُّ الأحرار) استدراكًا للواجب، فَيُتمم ما بقي من المائة ويُغَرَّب عامًا، وإن وطئ زوجته الحُرَّة بعد العتق ثم زنى قبل العلم، ووجدت شروط الإحصان كلها؛ رُجِم، كما سبق في الحُرِّ الأصلي.

(وإن كان) الزاني (نصفُه حرًّا) ونصفه رقيقًا (فحدُّه خمسٌ وسبعون) جلدة؛ لأن أرش جراحته

(3)

على النصف من الحُرِّ والنصف من العبد، فكذا جلده (ويُغَرَّب نصف عام) لأن الحُرَّ تغريبه عام والعبد لا تغريب عليه، فنصف الواجب من التغريب نصف عام (محسوبًا)

(1)

العَسيف: الأجير. المصباح المنير ص/ 560، مادة (عسف).

(2)

تقدم تخريجه (8/ 420) تعليق رقم (1).

(3)

في "ح" و"ذ": "جراحه".

ص: 47

بنصف

(1)

العام (على العبد من نصيبه الحره وللسيد نصف عام بدلًا عنه) لأن نصيب السيد لا تغريب فيه (وما زاد من الحرية) على النصف (أو نقص عنها فبحساب ذلك) من جَلْدٍ وتغريب، ولو قال كـ "الفروع" وغيره: والمُعْتَق بعضه بالحساب. لكان أولى.

(فإن كان فيها) أي: الجَلَدات (كَسْرٌ، مثل أن يكون ثلثه حرًّا، فيلزمه ست وستون جَلْدة وثلثا جَلْدة، فينبغي أن يسقط الكسر) لئلا يحصُل العدوان بمجاوزة الواجب، ولم تجعل كاليمين في القسامة؛ لأن الحدود تُدرأ بالشُّبهات حسب الاستطاعة.

(والمُدَبَّر والمُكاتَب وأمّ الولد، كالقِنّ) لحديث: "المُكاتَب قِنٌّ ما بَقِيَ عليهِ دِرْهمٌ"

(2)

والباقي بالقياس عليه.

(و‌

‌إن عفا السيدُ عن عبده) الزاني أو نحوه (لم يسقط عنه الحدّ)

لأنه لله، فلا يسقط بعفوه (وإذا فجر رجلٌ بأَمَةٍ ثم قَتَلها، فعليه الحدُّ) لزناه بها (و) عليه (قيمتها) لسيدها، لإتلافه إياها.

(و‌

‌حَدُّ اللوطي الفاعل والمفعول به كزانٍ

(3)

) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى الرَّجُلُ الرَّجُل فهما زانيان"

(4)

؛ ولأنه فرج مقصود بالاستمتاع، فوجب

(1)

في "ح" و"ذ": "نصف".

(2)

تقدم تخريجه (10/ 520) تعليق رقم (1).

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (15/ 412): الجمهور على أن عقوبة اللوطي أعظم من عقوبة الزنى بالأجنبية، فيجب قتل الفاعل والمفعول به؛ سواء كان أحدهما محصنًا أو لم يكن، وسواء كان أحدهما مملوكًا للآخر أو لم يكن، كما جاء ذلك في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل به أصحاب من غير نزاع يُعرف بينهم.

(4)

أخرجه البيهقي (8/ 233)، وفي شعب الإيمان (4/ 375) حديث 5458 من طريق محمد بن عبد الرحمن، عن خالد الحذاء، عن أنس بن سيرين، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. =

ص: 48

فيه الحد كفرج المرأة، فإن كان مُحصنًا رُجِمَ، وإلا؛ جُلِد حُرٌّ مائة وغُرِّب عامًا، وقِنٌّ خمسين.

(ولا فرق بين أن يكون) اللواط (في مملوكه، أو أجنبي) لأن الذَّكَر ليس محلًّا للوطء، فلا يؤثر ملكه له (أو) في دُبُرِ (أجنبية) لأنه فَرْج أصلي كالقُبُلِ.

(فإن وطئ زوجته) في دُبُرها (أو) وطئ (مملوكته في دُبُرها، فهو مُحَرَّم) لما سبق في عشرة النساء

(1)

(ولا حَدَّ فيه) لأنها محلّ للوطء في الجملة، بل يُعزَّر لارتكابه معصية.

(و‌

‌حَدُّ زانٍ بذات مَحْرَمٍ)

من نسب أو رضاع (كـ) ــحَدِّ (لائط) على ما سبق تفصيله. وخبر البراء "يُقتل ويؤخذ ماله"

(2)

إلا رجلًا يراه مباحًا،

= قال البيهقي: محمد بن عبد الرحمن هذا لا أعرفه، وهو منكر بهذا الإسناد.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 55): فيه محمد بن عبد الرحمن القشيري، كذبه أبو حاتم.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 92) حديث 4169، بلفظ:"لا تباشر المرأة المرأة إلا وهما زانيتان، ولا يباشر الرجل الرجل، إلا وهما زانيان".

قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 55): فيه بشر بن الفضل البجلي، وهو مجهول.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 102): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، عن شيخه علي بن سعيد الرازي، وفيه لين، وبقية رجاله ثقات.

(1)

(12/ 77).

(2)

أخرج الترمذي في الأحكام، باب 25، حديث 1362، والنسائي في النكاح، باب 58، حديث 3331، وفي الكبرى (3/ 307، 4/ 295) حديث 5488، 7221 - 7222، وابن ماجه في الحدود، باب 35، حديث 3607، وسعيد بن منصور (1/ 229) حديث 942، وأحمد (4/ 290، 292)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 64) حديث 2010، والبزار (9/ 255 - 256) حديث 3794 - 3795، =

ص: 49

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأبو يعلى (3/ 288) حديث 1666 - 1667، والطحاوي (3/ 148)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 423) حديث 4112، والطبراني في الكبير (3/ 278، 22/ 194) حديث 3407، 509، وفي الأوسط (5/ 232) حديث 4459، والدارقطني (3/ 196)، والحاكم (2/ 191 - 192)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 334)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 253)، والبغوي في شرح السنة (10/ 304) حديث 2592، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 328) حديث 1820، كلهم من طرق عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: مر بي خالي أبو بردة بن نيار، ومعه لواء، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه. لفظ الترمذي. زاد أحمد، وابن الجوزي: وآخذ ماله. وجاء في رواية لأحمد، وسعيد، وابن أبي عاصم: عمي الحارث بن عمرو.

قال الترمذي: حديث البراء حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وأخرجه أبو داود في الحدود، باب 27، حديث 4457، والنسائي في النكاح، باب 58، حديث 3332، وفي الكبرى (3/ 307) حديث 5489، وأحمد (4/ 295)، والدارمي في النكاح، باب 43، حديث 2239، وابن الجارود (3/ 22) حديث 681، والطبراني في الكبير (3/ 277) حديث 3406، وفي الأوسط (2/ 73، 7/ 339) حديث 1141، 6648، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 252)، والبيهقي (6/ 162)، من طريق زيد بن أبي أنيسة.

وأخرجه النسائي في الكبرى (4/ 296) حديث 7223، وعبد الرزاق (6/ 271) حديث 10804، وأحمد (4/ 297)، والطبراني في الكبير (3/ 277) حديث 3404 - 3405، والبيهقي (8/ 237)، من طريق أشعث بن سوار.

كلاهما أي زيد بن أبي أنيسة وأشعث، عن عدي، عن يزيد بن البراء، عن البراء رضي الله عنه، بلفظ:"لقيت عمي ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله" وأخرجه الطحاوي (3/ 150)، عن زيد بن أبي أنيسة، عن جابر الجعفي، عن يزيد بن البراء، به. وجاء في رواية لأحمد والطحاوي:"خالي" بدل "عمي". =

ص: 50

قال أبو بكر: محمول عند أحمده

(1)

على المستحلّ، وأن غير المستحلّ كَزَانٍ.

(ومن أتى بهيمةً ولو سمكة عُزِّر) لأنه لم يَصحَّ فيه نصٌّ، ولا يمكن قياسه على اللوطي

(2)

؛ لأنه لا حُرمة له، والنفوس تعافه (ويُبالغ في تعزيره) لعدم الشُّبهة له فيه، كوطء الميتة (وقتلت البهيمة، وسواء كانت مملوكة له، أو لغيره) وسواء كانت (مأكولة، أو غير مأكولة) لما روى ابن عباس مرفوعًا، قال:"مَنْ وقع على بهيمةٍ، فاقْتُلوه واقتُلُوا البهيمة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي

(3)

، وقال

= قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 425): قال أبو زرعة: الصحيح خاله. انظر: إرواء الغليل (8/ 18).

وأخرج أبو داود في الحدود، باب 27 حديث 4456، وسعيد بن منصور (1/ 229) حديث 943، وأحمد (4/ 295، 297)، والحاكم (2/ 192، 4/ 356 - 357)، والبيهقي (8/ 237)، من طرق عن مطرف، عن أبي الجهم، عن البراء، قال: بينا أنا أطوف على إبل لي ضلت، إذْ أقبل ركب أو فوارس، معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلًا، فضربوا عنقه، فسألت عنه، فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه. وقال الذهبي: صحيح.

(1)

مسائل الكوسج (7/ 3673) رقم 2684.

(2)

في "ذ": "اللواط".

(3)

أحمد (1/ 269)، وأبو داود في الحدود، باب 30، حديث 4464، والترمذي في الحدود، باب 23، حديث 1455. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 322) حديث 7340، وعبد بن حميد (1/ 502) حديث 573، وأبو يعلى (4/ 346) حديث 2462، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 554 مسند ابن عباس) حديث 870، والدارقطني (3/ 126 - 127)، والحاكم (4/ 355)، والبيهقي (8/ 233)، من طرق عن عمرو بن أبي عمرو.

وأخرجه ابن ماجه في الحدود، باب 13، حديث 2564، وعبد الرزاق (7/ 364) حديث 13492، وابن أبي شيبة (10/ 8)، وأحمد (1/ 300)، والطبري في تهذيب =

ص: 51

الطحاوي

(1)

: هو ضعيف، وقد صَحَّ عن ابن عباس أنه قال:"مَنْ أتى بهيمةً فلا حَدَّ عليه"

(2)

(فإن كانت) البهيمة المأتية (ملكه) أي: الآتي لها (فـ) ـهي (هدر) لأن الإنسان لا يضمن مال نفسه.

= الآثار (1/ 554 - 555) حديث 871 - 872، والطبراني في الكبير (11/ 226) حديث 11568 - 11569، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 387)، والبيهقي (8/ 234)، من طرق عن داود بن حصين.

وأخرجه أحمد (1/ 300)، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 550)، والحاكم (4/ 355)، والبيهقي (8/ 233)، من طرق عن عباد بن منصور.

كلهم (عمرو بن أبي عمرو، وداود بن حصين، وعباد بن منصور) عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

واختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث، وتضعيفه. فقال الطبري في تهذيب الآثار (1/ 551): وهذا خبر عندنا صحيح سنده. ومال إلى ذلك البيهقي. وقال أبو داود: ليس هذا بالقوي، ومال إليه المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 257).

(1)

شرح مشكل الآثار (9/ 439 - 440) حديث 3830.

(2)

أخرج أبو داود في الحدود، باب 30، حديث 4465، والترمذي في الحدود، باب 23، بعد رقم 1455، والنسائي في الكبرى (4/ 322) رقم 7341، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 552 - 553) رقم 867 - 869، والحاكم (4/ 356)، والبيهقي (8/ 234)، من طريق عاصم بن بهدلة، عن أبي رزين، عن ابن عباس رضي الله عنهما -موقوفًا، قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد.

قال أبو داود: حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو.

وقال الترمذي: وهذا أصح من الحديث الأول "يعني حديث عمرو بن أبي عمرو" والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق.

وقال البيهقي: وقد رويناه من أوجه عن عكرمة، ولا أرى عمرو بن أبي عمرو يقصر عن عاصم بن بهدلة في الحفظ، كيف وقد تابعه على روايته جماعة، وعكرمة عند أكثر الأئمة من الثقات الأثبات.

وانظر: نصب الراية (3/ 342 - 343)، والتلخيص الحبير (4/ 55)، وإرواء الغليل (8/ 13).

ص: 52

(وإن كانت) البهيمة (لغيره ضَمِنها) لرَبِّها؛ لأنها أُتلفت بسببه، أشبه ما لو قتلها (ويحرم أكلها) وإن كانت من جنس ما يؤكل؛ روي عن ابن عباس

(1)

؛ لأنها وَجَبَ قتلها لحقّ الله تعالى، فأشبهت سائر المقتولات لحقّ الله تعالى.

(ويثبت ذلك) أي: إتيانه للبهيمة (بشهادة عدلين

(2)

على فعله بها) سواء كانت له أو لغيره، كسائر ما يوجب التعزير.

(أو إقراره - ويأتي - ولو مَرَّة، إن كانت) المأتية (ملكه) لأنه إقرار على نفسه، فيؤاخذ به (وإن لم تكن) البهيمة المأتية (ملكه لم يجز قتلها بإقراره) لأنه إقرار على ملك غيره، فلم يُقبل، كما لو أقَرَّ بها لغير مالكها.

(ولو مَكَّنتِ امرأةٌ قِرْدًا من نفسها حتى وطئها، فعليها ما على واطئ البهيمة) أي: فَتُعزَّر بليغًا، على المذهب، وعلى القول الثاني: تُقتل.

فصل

(ولا يجب الحد) للزنى (إلا بشروط) أربعة:

(أحدها: أن يطأ في فَرْجٍ أصلي من آدمي حي، قُبُلًا كان أو دُبُرًا، بذَكَرٍ أصلي، وأقله) أي: الوطء (تغييب حشفة من فَحْلٍ، أو خصي، أو قَدْرها عند عدمها) لأن أحكام الوطء تتعلَّق به. قال في "الفروع"

(1)

في حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم تخريجه آنفًا عند أبي داود، والترمذي، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي: فقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا، ولكن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل من لحمها أو ينتفع بها، وقد عمل بها ذلك العمل.

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 220): "رجلين".

ص: 53

و"المبدع" - بعد كلام نقلاه عن أبي بكر -: فدلَّ أنه يلزم من نفي الغسل، نفي الحَدّ وأولى. انتهى. فيؤخذ منه أنه لا حَدَّ على من غَيَّب

(1)

بحائل.

(فإن وطئ) الزاني (دون الفرج) فلا حَدَّ (أو تساحقت امرأتان) فلا حَدَّ؛ لعدم الإيلاج (أو جامع الخنثى المشكِل بذَكَره) ولو في فَرْج أصلي فلا حَدَّ؛ لاحتمال أن يكون أنثى (أو جومع) الخنثى المُشكِل أي: (في قُبُله) ولو بذكر أصلي (فلا حَدَّ) لاحتمال أن يكون ذكرًا (وعليهم) أي: الواطئ دون الفرج، والموطوءة كذلك، والمتساحقتين، والخنثى المشكل إذا جامع أو جومع في قُبُله (التعزير) لارتكابهم تلك المعصية، وإن جومع الخنثى المشكل في دُبُره، فَلِواط.

(ولو وُجِدَ رَجُلٌ مع امرأة يُقبِّل كلٌّ منهما الآخر، ولم يُعلم أنه وطئها، فلا حَدَّ) على واحد منهما؛ لعدم العلم بموجبه (وعليهما التعزير) لتلك المعصية.

(وإن قالا: نحن زوجان، واتفقا على ذلك؛ قُبِلَ قولهما) في قول الأكثر.

(وإن شُهد عليهما بالزنى، فقالا: نحن زوجان، فعليهما الحَدّ إنْ لم تكن بينة تشهد بالنكاح) لأن الشهادة بالزنى تنفي كونهما زوجين، فلا تبطل بمجرد قولهما، وقيل: لا، إذا لم يعلم أنها أجنبية منه؛ لأن ذلك شُبهة، كما لو شهد عليه بالسرقة، فادعى أن المسروق ملكه؛ قاله في "المبدع".

‌الشرط (الثاني: أن يكون الزاني مُكلَّفًا،

فلا حَدَّ على صغير ومجنون) ونائم ونائمة؛ لحديث: "رُفِع القلَمُ عن ثلاثٍ".

(1)

في "ح" و"ذ": "غيبه".

ص: 54

وتقدم

(1)

(وإن زنى ابنُ عشرٍ، أو بنتُ تسع؛ عُزِّرا) قاله في "الروضة". وقال في "المبدع": يُعزَّر غيرُ البالغ منهما. انتهى. وذلك كضربه على ترك الصلاة.

(ويُحدّ السكران إذا زنى) في سُكره (أو أقرَّ به) أي: بالزنى (في سُكره) لأنه مُكلَّف.

‌الشرط (الثالث: انتفاء الشُّبهة)

لقوله صلى الله عليه وسلم: "ادْرؤوا الحُدُود بالشُّبُهاتِ ما استَطعتُم"

(2)

.

(فإن وطئ جاريةَ ولده) فلا حَدَّ عليه ولا عليها، سواءٌ (وطئها الابنُ أو لا) لأنه وطءٌ تمكَّنت الشُّبهة فيه، كوطء الأمَةِ المشتركة، يدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"أَنْت ومَالُك لأبِيك"

(3)

.

(أو) وطئ (جاريةً له) فيها شرك (أو لولده) فيها شرك (أو لمكاتبه فيها شرك) فلا حَدَّ؛ لأنه فَرْج له فيه ملك أو شُبهة ملك، أشبه المكاتبة والمرهونة.

(أو) وطئ (أَمَة كلُّها) لبيت المال (أو بعضُها لبيت المال، وهو حُرٌّ مسلم) فلا حَدَّ؛ لأن له حقًّا في بيت المال.

(أو وطئ امرأته، أو أَمَته في حيض، أو نفاس، أو دُبُر) فلا حَدَّ؛ لأن الوطء قد صادف ملكًا.

(أو) وطئ (امرأةً على فراشه، أو) امرأةً (في منزله) ظَنَّها امرأته (أو زُفَّت إليه، ولو لم يقل له: هذه امرأتك، ظَنَّها امرأته أو أَمَته) فلا حَدَّ؛ للشبهة.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 - 3).

(2)

تقدم تخريجه (9/ 196) تعليق رقم (2).

(3)

تقدم تخريجه (5/ 61) تعليق رقم (1).

ص: 55

(أو) وطئ امرأة (ظَنَّ أنَّ له أو لولده) أو لبيت المال (فيها شركًا) فلا حَدَّ؛ للشُّبهة.

(أو دعا الضرير امرأته

(1)

، فأجابه غيرها، فوطئها) فلا حَدَّ؛ للشُّبهة، بخلاف ما لو دعا مُحرَّمة عليه فأجابه غيرها، فوطئها يظنها المدعوة، فعليه الحَدّ، سواء كانت المدعوة ممن له فيها شُبهة، كالجارية المشتركة، أو لم يكن؛ لأنه لا يُعذر بهذا، أشبه ما لو قتل رجلًا يظنه ابنه، فبان أجنبيًّا.

(أو وطئ أَمَته المجوسية) أو الوثنية (أو المرتدَّة، أو المعتدَّة، أو المزوّجة، أو في مدة استبرائها) فلا حَدَّ؛ لأنها ملكه.

(أو) وطئ (في نكاحٍ) مختَلَف في صحته (أو) في (ملك مختَلَف في صحته، كنكاح متعة، و) نكاح (بلا ولي، أو بلا شهود، ونكاح الشِّغار، والمحلل، ونكاح الأخت في عدة أختها) ونحوها (البائن، و) نكاح (خامسة في عدة رابعة بائن، ونكاح المجوسية، وعقد) الـ (ـفضولي ولو قبل الإجازة) سواء اعتقد تحريم ذلك أو لا. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وعنه

(2)

: عليه الحدُّ إذا اعتقد تحريمه؛ اختاره ابن حامد. ويُفرَّق بينهما في هذا النكاح.

(و) كوطء (في شراء فاسدٍ بعد قبضه) أي: المبيع (ولو اعتقد تحريمه، فلا حَدَّ) لأن الوطء في شُبهة، أما قبل القبض فيُحدُّ على الصحيح، كما في "الإنصاف" (وتقدم

(3)

وطء بائع في مدة خيار) إذا كان

(1)

زاد في "ذ": "أو أمته".

(2)

مسائل الكوسج (4/ 1890) رقم 1272.

(3)

(7/ 431).

ص: 56

(يعتقد تحريمه) وأنه يُحدّ إذا علم انتقال الملك على الصحيح في خيار الشرط.

(وإن جهل) الزانى (تحريم الزنى، لحداثة عهده بالإسلام، أو نشوئه ببادية بعيدة) عن دار الإسلام (أو) جهل (تحريم نكاحٍ باطلٍ إجماعًا) كخامسة (فلا حَدَّ) للعُذر، ويُقبل منه ذلك؛ لأنه يجوز أن يكون صادقًا.

(ولا يسقط الحَدُّ بجهل العقوبة، إذا علم التحريم؛ لقضية ماعز) فإنه صلى الله عليه وسلم "أمَر برجْمِهِ"

(1)

. ورُوي: أنه قال في أثناء رجمه: "رُدُّوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ قومي هم غَرُّوني مِنْ نفسي وأخبَروني أن النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ قاتلي. . ." الحديث؛ رواه أبو داود

(2)

.

(وإن أُكرهت المرأة على الزنى، أو) أُكره (المفعول به لِواطًا قهرًا، أو بالضرب، أو بالمنع من طعام، أو شراب اضطر إليه ونحوه) كالدفء في الشتاء ولياليه الباردة (فلا حَدَّ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "رُفِع عَنْ أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه" رواه النسائي

(3)

.

وعن عبد الله

(4)

بن وائل عن أبيه "أنَّ امرأة استُكرهتْ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد"

(5)

ورواه سعيد عن

(1)

تقدم تخريجه (14/ 40) رقم (2).

(2)

في الحدود، باب 24، حديث 4420، من حديث جابر رضي الله عنه، وتقدم تخريجه (14/ 28) رقم (1).

(3)

لم نقف عليه عند النسائي، وتقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

(4)

كذا في الأصول: "عبد الله" والصواب: "عبد الجبار" كما في كتب التخريج الآتية.

(5)

أخرجه الترمذي في الحدود، باب 22، حديث 1453، وفي العلل الكبير ص/ 235، حديث 426، وابن ماجه في الحدود، باب 30، حديث 2598، وابن أبي شيبة (9/ 549 - 550)، وأحمد (4/ 318)، والطبراني في الكبير (22/ 29 - =

ص: 57

عمر

(1)

؛ ولأن هذا شُبهة، والحَدُّ يُدرأ بها.

(وإن أُكره عليه) أي: الزنى (الرجل، فزنى) مكرَهًا (حُدَّ) لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث بالاختيار، بخلاف المرأة (وعنه

(2)

: لا) حَدَّ على الرجل المكره، كالمرأة (واختاره الموفَّق وجمعٌ) منهم الشارح؛ لعموم الخبر

(3)

؛ ولأن الإكراه شُبهة، وكما لو استدخلت ذكره وهو نائم.

(وإن أُكره على إيلاج ذكره بإصبعه) ففعل (من غير انتشار) فلا حَدَّ (أو باشر المُكرِه) بكسر الراء (أو) باشر (مأموره ذلك) أي: إيلاج الذكر بالأصابع

(4)

(فلا حَدَّ عليه) لأنه ليس له في ذلك فعل اختياري يُنسب إليه.

= 30) حديث 64، والبيهقي (8/ 235)، من طريق حجاج بن أرطاة، عن عبد الجبار بن وائل، عن وائل بن حجر.

قال الترمذي: هذا حديث غريب وليس إسناده بالمتصل. وقال: سمعت محمدًا [البخاري] يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه، ولا أدركه، يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر.

وقال البيهقي: في هذا الإسناد ضعف من وجهين، أحدهما: أن الحجاج لم يسمع من عبد الجبار، والآخر أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه؛ قاله البخاري وغيره.

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وأخرج عبد الرزاق (7/ 409) رقم 13666، وابن أبي شيبة (5/ 568)، والبيهقي (8/ 235 - 236)، عن أبي موسى الأشعري قال: أتي عمر بن الخطاب بامرأة من أهل اليمن قالوا: بغت، قالت: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل رمى في مثل الشهاب، فقال عمر رضي الله عنه: يمانية نؤومة شابة، فخلى عنها ومتعها.

وذكره ابن حزم في المحلى (8/ 251) وقال: هذا خبر في غاية الصحة.

(2)

انظر: الفروع (6/ 75).

(3)

وهو حديث: "رفع عن أمتي الخطأ. . ." وقد تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

(4)

في "ح" و"ذ": "بالإصبع".

ص: 58

(وإن وطئ ميتةً) عُزِّرَ ولم يُحدَّ؛ لأنه لا يقصد، فلا حاجة إلى الزجر عنه (أو ملك أُمَّه، أو أخته) أو نحوها

(1)

من محارمه (من الرضاع، فوطئها؛ عُزِّر ولم يُحدّ) لأنها مملوكته، أشبهت مكاتبته. ولأنه وطءٌ اجتمع فيه موجِب ومسقِط، والحد مبني على الدرء والإسقاط.

(وإن اشترى ذات مَحْرَمِه من النسب ممن تعتق عليه) كأمّه وأخته وعمته (ووطئها) فعليه الحدّ؛ لأن الملك لا يثبت فيها، فلم توجد الشُّبهة.

(أو وطئ في نكاح مُجمَع على بطلانه مع العلم) ببطلانه (كنكاح المزوّجة، و) نكاح (المعتدة، و) نكاح (مطلقته ثلاثًا

(2)

، و) نكاح (الخامسة وذوات محارمه من النسب والرضاع) فعليه الحَدّ؛ لأنه وطءٌ لم يُصادف ملكًا، ولا شُبهة ملك، فأوجب الحَدَّ. وقد رُوي عن عمر "أنّهُ رُفِع إليه امرأةٌ تزوَّجتْ في عِدَّتها، فقال: هل عَلِمْتُما؟ قالا: لا، فقال: لو عَلِمتُما لَرَجَمْتُكما" رواه أبو نصر المرّوذي

(3)

.

(أو زنى بحربية مستأمنة) فعليه الحَدُّ؛ لأن الأمان ليس سببًا يُستباح به البُضع.

(1)

في "ح" و"ذ": "نحوهما".

(2)

في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (4/ 59) ما نصه: "إطلاقُ المصنفِ الحدَّ على من نكح مطلَّقته ثلاثًا غير سديد، بل ينبغي التفصيل، إنْ كان بفمٍ واحدٍ؛ أو بأفواهٍ متعددة، فإن المطلقة ثلاثًا بفمٍ واحدٍ مضى عصر أبي بكر وسنتين من خلافة عمر على جواز مراجعتها، ولم تزلْ طوائفُ قائلةٌ به إلى زمننا، فكيف يُرجم من فعله؟! معاذ الله! إذْ لا أقلَّ من أن يُجعل شُبهة يُدرأ الحدُّ بها، فَلْيُحفظ. ا. هـ. نقلته من خط ابن العماد".

(3)

أبو نصر المرّوذي لم يظهر لنا من هو. وأخرجه - أيضًا - ابن حزم في المحلى (9/ 480)، والبيهقي (7/ 441).

ص: 59

(أو نكح بنته من الزنى) فعليه الحَدّ (نصًّا

(1)

. وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف) وهو كون الشافعي أباحه

(2)

(فيحمل إذًا على معتقد تحريمه) أي: تحريم نكاح البنت ونحوها. وعبارة "الفروع": وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف، ويحتمل حمله على معتقد تحريمه. انتهى. قلت: وذلك لا يكفي؛ لأنه قد تقدم أنه لا حَدَّ على من وطئ في نكاح مختلف فيه، اعتقد تحريمه أو لا.

(أو استأجر امرأة للزنى، أو) استأجرها (لغيره) أي: غير الزنى، كَلِخياطة (فزنى بها) فعليه الحَدّ؛ لأن البُضع لا يُستباح بالإجارة.

(أو) زنى (بامرأة له عليها قِصاص) فعليه الحَدّ؛ لأنه وطءٌ في غير ملك من غير شُبهة، أشبه ما لو وطئ مَن له عليها دين.

(أو) زنى (بصغيرة يُوطأ مثلها، أو مجنونة) لأن الواطئ من أهل وجوب الحَدّ.

(أو) زنى (بامرأة ثم تزوَّجها، أو) زنى (بأَمَة ثم اشتراها، فعليه الحَدّ) لأن النكاح والملك وجدا بعد وجود

(3)

الحَدّ، فلم يسقط، كما لو سرق نصابًا ثم ملكه.

(وإن مكَّنت المكلَّفةُ من نفسها مجنونًا، أو مميزًا، أو من لا يُحدُّ لجهله) التحريم (أو مكَّنت) مُكلَّفة (حربيًّا، أو مستأمنًا، أو أدخلت) مُكلَّفة (ذَكَرَ نائمٍ) في فَرْجها (فعليها الحَدّ وحْدَها) لأن سقوطه عن أحد المتواطئين لمعنىً يخصه؛ لا يوجب سقوطه عن الآخر.

(1)

انظر: الفروع (6/ 77).

(2)

الأم (5/ 25)، وروضة الطالبين (7/ 109).

(3)

في "ح": "وجوب".

ص: 60

الشرط (الرابع: ثبوت الزنى. ولا يثبت إلا بأحد أمرين:

أحدهما: أن يُقِرَّ به أربع مرات في مجلس، أو مجالس) لأن ماعزًا أقرَّ عنده أربعًا في مجلسٍ واحدٍ

(1)

، والغامدية أقرَّت عنده بذلك في مجالس

(2)

. وروى أبو هريرة قال: "أتَى رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: إنِّي زنَيتُ، فأعرض عنه، فلما شَهِد على نفسه أربع شهادات دعاهُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أبِكَ جُنونٌ؟ قال: لا، قال: هل أحْصَنتَ؟ قال: نعم، قال: اذهَبُوا به فارْجُمُوهُ" متفق عليه

(3)

.

(وهو مُكلَّف) حُرّ أو عَبْد، محدود في قذف أو لا (مختار) لرفع القلم عن الصغير، والمجنون، والعفو للمُكره.

(ويُصَرِّحَ بذِكْرِ حقيقةِ الوطء) لتزول التُّهمة؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم لماعز: "لعلك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت؟ قال: لا. قال: أَفَنِكْتَها، لا يَكْني؟ قال: نَعَمْ، فعند ذلك أمر برجْمِه" رواه البخاري

(4)

.

(ولا ينزِع) أي: يرجع (عن إقراره حتى يَتِم الحَدّ) فإن رجع عن إقراره، أو هرب، كُفّ عنه؛ لقصة ماعز، وتقدم

(5)

.

(فإن أقرَّ أنه زنى بامرأة) أربع مرات (فكذَّبته، فعليه الحَدّ) مؤاخذةً له بإقراره (دونها، كما لو سكتت أو لم تُسأل) عن ذلك.

(1)

تقدم تخريجه (14/ 40) تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 40) تعليق رقم (3).

(3)

البخاري في الطلاق، باب 11، حديث 5271، وفي الحدود، باب 22، 29، حديث 6815، 6825، وفي الأحكام، باب 19، حديث 7167، ومسلم في الحدود، حديث 1691.

(4)

في الحدود، باب 28، حديث 6824 عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

تقدم تخريجه (14/ 28) رقم (1).

ص: 61

(ولا يصحُّ إقرار الصبيِّ، والمجنون، ولا من زال عقلُه بنومٍ أو شرب دواء) أو إغماء؛ لأن قولهم غير معتبر.

(ويُحَدّ الأخرس إذا فُهمت إشارته) وأقرَّ بها أربع مرات، فإن لم تُفهم إشارته، لم يُتصوَّر منه إقرار.

(و‌

‌إن أقر بوطء امرأة وادَّعى أنها امرأته،

فأنكرت المرأةُ الزوجيَّة، ولم تُقِرَّ بوطئه إياها، فلا حَدَّ عليه) للشبهة؛ لاحتمال الصدقة (ولا مهر لها) لأنها لا تدعيه ولم تُقِرّ بالوطء.

(وإن اعترفت بوطئه، وأنه زنى بها مطاوِعة، فلا مهر) لاعترافها بأنها زانية مطاوِعة (ولا حَدَّ على واحدٍ منهما) أما الواطئ فلما تقدم، وأما الموطوءة فلأنه لا يُكتفى بالإقرار مرة (إلا أن تُقِرَّ أربع مرات) فتُحَدّ، مؤاخذةً لها بإقرارها.

(وإن أقرَّت) الموطوءة (أنه أكرهها عليه) أي: الوطء (أو) أنه (اشتبه عليها، فعليه المهر) بما نال من فرجها، ولا حَدّ عليهما.

(ولو شهد أربعة على إقراره) أي: الزاني (أربعًا بالزنى؛ ثبت الزنى) لوجود الإقرار به أربعًا (ولا يثبت) الإقرار بالزنى (بدون أربعة) يشهدون به من الرجال (فإن أنكر) المشهودُ عليه الإقرارَ (أو صَدَّقهم دون أربع مرات، فلا حَدَّ عليه) لأن إنكاره وتصديقه دون أربعٍ رجوعٌ عن إقراره، وهو مقبول منه.

(ولا) حَدَّ (على الشهود) لأنهم نصاب كامل.

(ولو تمَّت البينة عليه) بالزنى (وأقرَّ على نفسه إقرارًا تامًّا) أي: أربعًا (ثم رجع من إقراره؛ لم يسقط عنه الحَدّ) لثبوته بالبينة التامة.

ص: 62

فصل

(الأمر الثاني: أن يشهد عليه) أي: الزنى (ولو ذميًّا أربعةُ رجالٍ مسلمين عدول) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. . .} الآية

(1)

؛ ولحديث سعد بن عبادة قال: "أرأيتَ لو وجدتُ مع امرأتي رجُلًا، أمْهلهُ حتى آتيَ بأربعةِ شهداء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ" رواه مالك

(2)

. فلا تُقبل فيه شهادة النساء ولا فاسق ولو مستورًا (أحرارًا كانوا) أي: الشهود (أو عبيدًا) لعموم النص، وهو عدل، مسلم ذكر، فقُبل كالحر (يصفون الزنى) أن يشهدوا (بزنىً واحد) يصفونه (فيقولون: رأيناه غَيَّبَ

(3)

ذكره) في فَرْجها (أو) غَيَّب (حشفته أو قَدْرها) إن كان مقطوعها (في فَرْجها، كالميل في المكحلة، أو الرشاء في البئر) لأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار، كان اعتباره في الشهادة أولى.

(ويجوز للشهود أن ينظروا إلى ذلك منهما) أي: من الزانيين (لإقامة الشهادة عليهما) ليحصل الردع بالحد.

(ولا يُعتبر ذكر مكان الزنى

(4)

) عند ابن حامد. والمذهب خلافه، ويأتي في الشهادات (ولا ذِكْر المزني بها، إن كانت الشهادة على رجل) لأنه لم يأتِ في الحديث الصحيح ذكر المزني بها، ولا مكان الزنى، وقطع في "المنتهى" في الشهادات بأنه يُعتبر ذكرهما (ولا ذِكْر الزانى إن كانت الشهادة على امرأة) كعكسه.

(1)

سورة النور، الآية:4.

(2)

(2/ 737). وأخرجه - أيضًا - مسلم في اللعان، حديث 1498، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وجدت. . . الحديث.

(3)

في "ذ": "مغيبًا".

(4)

في "ذ" زيادة: "ولا زمانه".

ص: 63

(ويكفي إذا شهدوا أنهم رأوا ذَكَره في فَرْجها) لحصول العلم بالزنى.

(والتشبيه) بالمِرْوَد في المكحلة والرشاء في البئر (تأكيد، ويُشترط أن يجيء الأربعة) للشهادة (في مجلس واحد سواء جاؤوا متفرِّقين أو مجتمعين) لقصة المغيرة، فإنهم جاؤوا متفرقين، وسُمعت شهادتهم، وإنما حُدّوا لعدم كمالها، وذلك أن عمر شهد عندهُ أبو بَكرة ونافعٌ وشِبلُ بنُ معبد على المغيرة بن شعبة، ولم يشهدْ زيادٌ فحدَّ الثلاثة

(1)

.

ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم، لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر (وسواء صَدَّقهم) المشهود عليه (أو لا) أي: أو لم يُصدّقهم؛ لكمال النصاب.

(فإن جاء بعضُهم بعد أن قام الحاكم من مجلسه) فهم قَذَفَةٌ؛ لأن شهادته غير مقبولة ولا صحيحة، أشبه ما لو لم يشهد أصلًا، وعليهم الحَدُّ.

(أو شهد ثلاثةٌ) بالزنى (وامتنع الرابع) من الشهادة (أو لم يُكمِلْها، فهم قَذَفَةٌ، وعليهم الحَدُّ) لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}

(2)

وهذا يوجب الحَدّ على رامٍ لم يشهد بما قاله

(1)

ذكره البخاري في الحدود، باب 8، قبل حديث 2648 معلقًا، وأخرجه عبد الرزاق (7/ 384 - 385) رقم 13564 - 13567، وابن أبي شيبة (10/ 91 - 92)، والطحاوي (4/ 153)، والطبراني في الكبير (7/ 311) رقم 7227، والحاكم (3/ 448)، والبيهقي (8/ 235) من طرق عديدة. قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 368): هو مشهور من طرق جيدة، وهو كالمستفيض بين العلماء وأهل السير والتواريخ. انظر فتح الباري (5/ 256)، والتلخيص الحبير (4/ 63).

(2)

سورة النور، الآية:4.

ص: 64

أربعة؛ ولأن عمر جلد أبا بكرة وأصحابه حيث لم يُكمل الرابع شهادته، بمحضر من الصحابة، ولم يُنكره أحد، فكان كالإجماع.

(وإن كانوا) أي: الشهود (فُسَّاقًا) أو بعضُهم (أو) كانوا (عُميانًا أو بعضُهم، فعليهم الحَدّ) لأنهم قَذَفَةٌ، وكذا لو كانوا كفَّارًا ولو على ذمي.

(وإن شهد أربعةٌ مستورون، ولم تثبت عدالتهم) لم يثبت الزنى؛ لجواز أن يكونوا فُسَّاقًا، ولا حَدَّ عليهم لاحتمال العدالة (أو مات أحدُ الأربعة) الشاهدين بالزنى (قبل وصفه الزنى، فلا حَدَّ عليهم) لأنه قد شهد به أربعةٌ، وسواء كانوا عدولًا أو مستورين.

(فإن شهد) بالزنى (ثلاثة رجال وامرأتان؛ حُدَّ الجميع) للقذف؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. . .} الآية

(1)

.

(وإن كان أحد الأربعة) الذين شهدوا بالزنى (زوجًا حُدَّ الثلاثة) لأنهم قَذَفَةٌ، حيث لم تكمل البينةُ؛ لأن شهادة الزوج عليها غير مسموعة؛ لأنه بشهادته مُقِرّ

(2)

بعداوته لها، و (لا) يُحدّ (الزوج إن لاعن) المقذوفة، وإلا حُدَّ؛ لأن شهادته على زوجته بالزنى لا تُقبل، فيكون قاذفًا لها.

(وإن شَهِد أربعة) على إنسان بالزنى (فإذا المشهود عليه مجبوب، أو) المرأة (رتقاء؛ حُدُّوا) أي: الشهود (للقذف) للقطع بكذبهم.

(وإن شهدوا عليها) أي: على امرأة

(3)

بالزنى (فتبيَّن أنها عذراء؛ لم تُحد هي) لثبوت بكارتها، ووجودها يمنع من الزنى ظاهرًا؛ لأن الزنى لا يحصُل بدون الإيلاج، ولا يُتصور مع بقاء البكارة (ولا) يُحدّ (الرجل)

(1)

سورة النور، الآية:4.

(2)

في "ذ": "متهم".

(3)

في "ذ": "أي المرأة".

ص: 65

المشهود عليه بالزنى، بها؛ للشبهة (ولا) يُحدّ (الشهود) لأن الشهادة كَمُلت مع احتمال صدقهم، فإنه يحتمل أن يكون وطئها ثم عادت عُذرتها.

(وتكفي شهادة امرأة واحدة بعُذْرتها) كسائر عيوب النساء تحت الثياب (وإن شَهِد اثنان أنه زنى بها في بيت، أو بلد، أو يوم، و) شهد (اثنان أنه زنى بها في بيت) آخر (أو بلد) آخر (أو يوم آخر) فهم قَذَفة؛ لأنهم لم يشهدوا بزنىً واحد، وعليهم الحد (أو شهد اثنان أنه زنى بامرأة بيضاء، و) شهد (اثنان أنه زنى بامرأة سوداء، فهم قَذَفَةٌ؛ لأنهم لم يشهدوا بزنىً واحد، وعليهم الحَدّ) لأنه لم يكمل أربعة على زنىً واحد.

(وإن شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية بيت صغير عُرفًا، و) شهد (اثنان أنه زنى بها في زاويته الأخرى) كَمُلت شهادتهم.

(أو) شهد (اثنان أنه زنى بها في قميصٍ أبيض، أو) أنه زنى بها (قائمة، و) شهد (اثنان) أنه زنى بها (في) قميص (أحمر أو نائمة؛ كَمُلت شهادتهم) لأنه لا تنافي بينهما؛ لاحتمال أن يكون ابتداء الفعل في زاوية وتمامه في أخرى، أو يكون عليها قميصان، فذكر كلُّ اثنين واحدًا منهما، أو تكون قائمة في الانتهاء نائمة في الابتداء، أو بالعكس، وكذا لو شهد اثنان أنه زنى بها في قميص كَتَّان، وآخران في قميص خَزٍّ.

(وإن كان البيت كبيرًا، والزاويتان متباعدتان) وعَيَّنَ كلُّ اثنين زاوية منهما (فهم قَذَفَةٌ) لأنهم لم يشهدوا بزنىً واحد، وعليهم الحد.

(والقول في الزمان كالقول في المكان) إذا عَيَّنَ كلُّ اثنين زمنًا

(1)

، فـ (ـمتى كان بينهما زمن متباعد لا يمكن وجود الفعل الواحد في جميعه،

(1)

في "ذ": "زمانًا".

ص: 66

كطرفي النهار؛ لم تكمل شهادتهم، فإن تقاربا) أي: الزمنان (قُبلت) شهادتهم؛ لأنه زمن واحد.

(وإن شهدا) أي: اثنان (أنه زنى بها مطاوِعة، و) شهد (آخران) أنه زنى بها (مكرهة؛ لم تكمل) شهادتهم؛ لأن فعل المطاوعة غير فعل المكرهة.

(وحُدَّ شاهِدا المطاوِعة لقذف المرأة) لأنهما قذفاها بالزنى (وحُدَّ الأربعة لقذف الرجل) لأنهم قذفوه بالزنى.

(وإن شهد أربعة) بالزنى (فرجعوا) كلهم (أو) رجع (بعضُهم قبل الحَدِّ) ولو بعد حكم (حُدَّ الأربعة) للقذف (وإن رجع أحدُهم) أي: الأربعة (بعد الحَدِّ) للمشهود عليه بالزنى (حُدَّ) الراجع (وحده) لأن إقامة الحَدّ كحكم الحاكم، فلا ينقض برجوع الشهود أو بعضهم، لكن يلزم من رجع حكم رجوعه، وهو مُقِر بالقذف، فيلزمه حَدّه (إذا) كان الحَدُّ جلدًا أو رجمًا، و (طالبـ) ـه (به قبل موته) وذلك معنى قوله:(إن وُرِث حدُّ القذف) فـ (ـيُحَدّ بطلب الورثة).

وإن رجع الأربعة أو بعضهم قبل حَدّ من شهدوا عليه، ولو بعد حكم؛ حُدَّ الجميع (وعليه) أي: على من رجع بعد الحكم (رُبْعُ ما تلف بشهادتهم) لتسببه في تلفه (ويأتي) ذلك (في الرجوع عن الشهادة) مفصَّلًا.

(وإذا ثبتت الشهادة بالزنى، فصَدَّقهم المشهود عليه) على

(1)

الزنى ولو دون أربع (لم يسقط الحَدُّ) خلافًا لأبي حنيفة

(2)

؛ لكمال البينة.

(وإن شهد شاهدان) بالزنى (واعترف هو) أي: المشهود عليه

(1)

في "ذ": "أي على".

(2)

انظر: فتح القدير (5/ 223)، حاشية ابن عابدين (4/ 8 - 9).

ص: 67

(مرتين لم تكمل البينة) لعدم تمام النصاب، ولا يُحدّ، لأنه لم يُقِرَّ أربعًا، ولم يشهد عليه أربعة (ولم يجب الحد) على البينة، لتصديقه لها.

(فإن كملت البينة ثم مات الشهود أو غابوا، جاز الحكم بها) أي: بالبينة؛ لأن كل شهادة جاز الحكم بها مع حضور الشهود، جاز الحكم بها مع غيبتهم، كسائر الشهادات، واحتمال رجوعهم ليس بشُبهة، كما لو حكم بشهادتهم.

(و) جاز (إقامةُ الحَدّ) على المشهود عليه لتمام النصاب (وإن شهدوا بزنىً قديم، أو أقرَّ) الزاني (به) أي: بزنىً قديم (وجب الحَدّ) لعموم الآية، وكسائر الحقوق.

(وتجوز الشهادة بالحَدّ من غير مدَّعٍ) نص عليه

(1)

؛ لقصة أبي بكرة

(2)

.

(وإن شَهِد أربعة) على رجل (أنه زنى بامرأة، وشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزُّناة) بها (لم يُحدَّ المشهود عليه) لأن شهادة الآخرين تضمَّنت جرح الأولين (ويُحدُّ الأولون للقذف وللزنى) لأن شهادة الآخرين صحيحة، فيجب الحكم بها.

(وكل زنىً - من مسلم أو ذمي - أوْجَبَ الحدَّ؛ لا يُقبل فيه إلا أربعة شهود) لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}

(3)

(ويدخل فيه اللواط) لأن حكمه حكم الزنى (و) يدخل فيه - أيضًا - (وطء المرأة) الأجنبية (في دبرها) لأنه زنىً. وإن أوجب نقضَ العهد، كزنى الذمي بمسلمة، فتقدم

(4)

(1)

انظر: مسائل الكوسج (9/ 4681 - 4682) رقم 3338 والمغني (12/ 373).

(2)

تقدم تخريجها (14/ 64) رقم (1).

(3)

سورة النور، الآية:4.

(4)

(7/ 287).

ص: 68

كلام الشيخ فيه

(1)

.

(وإن أوجب التعزير، كوطء البهيمة، و) وطء (الأمة المشتركة، و) أمته (المزوَّجة؛ قُبِل فيه رجلان، كشهود المباشرة دون الفرج ونحوها) مما يوجب التعزير.

(وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد؛ لم تُحدَّ بمجرَّد ذلك) لاحتمال أن يكون من غير زنىً (وتسأل استحبابًا، فإن ادعت أنها أُكرهت) على الزنى (أو وُطِئت بشُبهة، أو لم تعترف بالزنى) أربع مرات (لم تُحدَّ) لإمكان صدقها، والحد يُدرأ بالشُّبهة.

(ويُستحب للإمام أو الحاكم الدي يثبت عنده الحَدّ بالإقرار التعريض للمُقِرّ بالرجوع، إذا تَمَّ) الإقرار (و) التعريض له بـ (ـالوقوف) أي: التوقف عن الإقرار (إذا لم يتم) الإقرار؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنّهُ أعرض عن مَاعِز حين أقَر عنده، ثم جَاءه من الناحيَة الأخرى فأعرض عنه، حتى تمم إقرارهُ أربعًا، ثم قال له: لعلّك قبّلت، لعلَّك لَمَست"

(2)

، وروي أنه قال للذي أقر عنده بالسرقة:"ما إخَالُك فعَلْت" رواه سعيد

(3)

.

(ولا بأس أن يُعَرِّض له بعضُ الحاضرين بالرجوع) عن الإقرار إن أقرَّ (أو) يُعرِّضوا له قبل الإقرار (بألا يقر) لأن ستر نفسه أولى.

(ويُكره لمن علم بحاله أن يحثه على الإقرار) لما فيه من إشاعة الفاحشة.

(1)

"أنه يكفي الاستفاضة به". ش.

(2)

تقدم تخريجه (14/ 61) تعليق رقم (3، 4).

(3)

لم نقف عليه في المطبوع من سننه، وسيأتي تخريجه (14/ 163) تعليق رقم (2).

ص: 69

‌باب القذف

(وهو الرمي بزنىً، أو لواط، أو شهادة به) أي: بما ذكر من زنىً أو لواط (عليه، ولم تكمُلِ البينةُ) بذلك (وهو) مُحرَّم، بل (كبيرة) لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(1)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"اجتَنبُوا السَّبْع المُوبِقاتِ، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشِّرك بالله، والسِّحر، وقتلُ النفْسِ التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتَّولي يوم الزَّحف، وقذْفُ المُحْصَنات الغافلاتِ المؤمنات" متفق عليه

(2)

.

(من قَذَفَ - ولو) كان القاذف (أخرسَ بإشارة مفهومة، ولو في غير دار الإسلام - وهو) أي: القاذف (مكلَّفٌ، مختارٌ مُحصَنًا - ولو) كان المقذوف (ذات مَحْرم - أو مجبوبًا، أو خصيًّا، أو مريضًا مُدْنَفًا) أي: مشرفًا على الهلاك (أو رتْقاء، أو قرْناء؛ حُدَّ حرٌّ ثمانين جلدة) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}

(3)

.

(و) حُدَّ (قِنٌّ - ولو عَتَق) بعد القذف (قبل حَدِّه - أربعين) جلدة؛ لإجماع الصحابة

(4)

أنه على النصف، قال عبد الله بن عامر بن ربيعة:

(1)

سورة النور، الآية:23.

(2)

البخاري في الوصايا، باب 23، حديث 2766، وفي الحدود، باب 44، حديث 6857، ومسلم في الإيمان، حديث 89، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

سورة النور، الآية:4.

(4)

انظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص/ 220.

ص: 70

"أدركتُ أبا بكرٍ وعمر وعثمان والخلفاء هَلُمَّ جَرًّا ما رأيت أحدًا جَلَد عبدًا في فِرْيةٍ

(1)

أكثر من أربعين" رواه مالك

(2)

، فيكون ذلك مخصِّصًا للآية (و) حَدُّ (مُعتَقٍ بعضُه بحسابه) كما تقدم

(3)

في حد الزنى.

(سوى أبويه) أي: المقذوف (وإن علوا، فلا يُحدَّان بقَذْف ولدٍ وإن نزل) نص عليه

(4)

(كقَوَد، ولا يُعزَّران) أي: الأبوان (له) أي: لولدهما

(1)

"أي قذف". ش.

(2)

في الموطأ (2/ 828). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 438) رقم 13794، والبيهقي (8/ 251)، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: أدركت عمر بن الخطاب

ولم يذكر أبا بكر.

قال البيهقي عقب الحديث: ورواه الثوري عن عبد الله بن ذكوان عن أبي الزناد، حدثني عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أدركت أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك في القذف إلا أربعين.

وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 502)، من طريق عبد الله بن ذكوان، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كان أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان لا يجلدون العبد في القذف إلا أربعين، ثم رأيتهم يزيدون على ذلك.

وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 504)، من طريق جرير بن حازم قال: قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: أما بعد، كتبت تسأل عن العبد يقذف الحر كم يجلد؟ وذكرت أنه بلغك أني كنت أجلده إذْ أنا بالمدينة أربعين جلدة، ثم جلدته في آخر عملي ثمانين جلدة، وأن جلدي الأول كان رأيًا رأيته، وأن جلدي الآخر وافق كتاب الله. فاجلده ثمانين جلدة.

وفي باب جلد العبد أربعين: عن علي، وعكرمة، وعطاء، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والحسن، وسعيد بن المسيب، ومكحول، والقاسم، ومجاهد، وطاووس، عند: عبد الرزاق (7/ 436 - 437)، وابن أبي شيبة (9/ 501 - 503).

وفي باب جلد العبد ثمانين: عن الزهري، وقبيصة، والقاسم بن عبد الرحمن، عند: عبد الرزاق (7/ 437 - 438)، وابن أبي شيبة (9/ 503).

(3)

(14/ 47 - 48).

(4)

مسائل الكوسج (7/ 3330) رقم (2396).

ص: 71

وإن نزل، في قذف ولا غيره، ف‌

‌لا يرث الولد حَدَّ القذف على أبويه،

كما لا يرث القَوَد عليهما (فإن قذف أمَّ ابنه، وهي أجنبية منه) أي: القاذف، أي: غير زوجة له (فماتت) المقذوفة (قبل استيفائه، لم يكن لابنه المطالبة) به عليه؛ لأنه إذا لم يملك طلبه بقذفه لنفسه، فلغيره أولى، كالقود

(1)

(فإن كان لها) أي: المقذوفة (ابن آخر من غيره) أي: القاذف (كان له) أي: ابنها الآخر (استيفاؤه كله إذا ماتت بعد المطالبة) لتبعّضه، بخلاف القود.

(ويحدُّ الابن بقذف كلِّ واحدٍ من آبائه وأمهاته، وإن علوا) لعموم الآية، وكما يُقاد بهم.

(ويحدُّ) القاذف (بقذفٍ على وجه الغَيرة) بفتح الغين، أي: الحَمِيَّة والأَنَفَةِ؛ لعموم الآية، وكأجنبي.

(ويُشترط لإقامة الحَدِّ) بالقذف (مطالبة المقدوف) للقاذف (واستدامة الطلب إلى إقامته، بألا يعفو) فلا يحدّ، ولا يجوز أن يُعرّض له إلا بطلبه؛ ذكره الشيخ تقي الدين إجماعًا

(2)

.

(و) يُشترط - أيضًا - (ألا يأتي القاذف ببينة) أي: أربعة رجال (بما قَذَفه به) لمفهوم قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}

(3)

.

(و) يُشترط - أيضًا - (ألا يُصدّقه المقذوف) فإن صدقه؛ لم يُحدَّ؛ لأنه أبلغ من إقامة البينة.

(و) يُشترط - أيضًا - (ألا يُلاعِنَ القاذف) المقذوفة (إن كان) القاذف

(1)

في "ح" و"ذ": "وكالقود".

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 398، وانظر: مجموع الفتاوى (34/ 185)، ومراتب الإجماع ص/ 219.

(3)

سورة النور، الآية:4.

ص: 72

(زوجًا) فإن لاعَنَ، سقط عنه الحدُّ؛ لما تقدم في اللعان

(1)

.

(وهو) أي: حدُّ القذف: (حقٌّ لآدمي) يسقط بعفوه (ولا يُستحلف) المُنكِر (فيه) أي: في القذف؛ لأنه لا يتعلَّق بالمال مقصوده (ولا يُقبل رجوعه) أي: المُقرِّ بالقذف (عنه) أي: عن القذف، كسائر حقوق الآدمي إذا أقرَّ بها، بخلاف حدِّ الزنى، وحدِّ الشُّرب، والسرقة؛ لأنها حَقّ لله تعالى.

(ويَسقط) حدُّ القذف (بعفو المقذوف، ولو بعد طلبه) لأنه حَقّه.

و (لا) يسقط حدُّ القذف بالعفو (عن بعضه) فلو قَذَف جماعة بكلمة واحدة، فعفا بعضُهم، لم يسقطِ الحَدّ بالنسبة لمن لم يعفُ، ويستوفى له كاملًا، بخلاف القِصاص؛ لأنه لا يتبعّض.

(وإن قال: اقذفني، فَقَذَفه؛ عُزِّر القاذفُ فقط) لارتكابه معصية، ولم يُحد؛ لأنه حق لآدمي، وقد أذن فيه.

(وليس للمقذوف استيفاء الحَدّ بنفسه) فلو فعل لم يُعتدَّ به، وعلَّله القاضي: بأنه تُعتبر نية الإمام أنه حدٌّ.

(وقذف غير المُحصَن، كمشرك، وذميٍّ، وقِنٍّ - ولو كان القاذف سيده - ومسلم له دون عشر سنين؛ ومسلمة لها دون تِسع) سنين (ومن ليس بعفيفٍ؛ يوجب التعزيرَ فقط) ردعًا له عن أعراض المعصومين، وكَفًّا له عن أذاهم.

(وحَقُّ طَلَبِ تعزير القِنِّ - إذا قُذف - له) لأنه لا يتعلق بالمال مقصوده (لا لسيده) فلا يُطالِب به سيده.

(والمُحصَن هنا) أي: في القذف، غير المحصن في باب الزنى

(1)

(12/ 539).

ص: 73

(هو الحرُّ، المسلم، العاقل، الذي يُجامِعُ مِثْلُهُ) وهو ابن عشر، وبنت تسع فأكثر (العفيف عن الزنى ظاهرًا).

أما اعتبار الحرية والإسلام، فلأن العبد والكافر حُرْمَتُهُما ناقصةٌ، فلا تنهض لإيجاب الحَدّ، والآية الكريمة وردت في الحُرَّة المُسلِمة، وغيرها ليس في معناها.

وأما العقل؛ فلأن المجنون لا يُعيَّر بالزنى؛ لعدم تكليفه، وغير العاقل لا يلحقه شين بإضافة الزنى إليه؛ لكونه غير مكلَّف.

وأما العِفَّة عن الزنى، فلأن غير العفيف لا يَشينه القذف، والحدُّ إنما وجب لأجل ذلك، وقد أسقط الله الحَدَّ عن القاذف إذا كان له بينة بما قال.

وأما كونه يُجامِع مِثْلُه، فلأن مَنْ دونه لا يُعيَّر بالقذف، لتحقق كذب القاذف، ولا يُشترط في المحصن العدالة، فلو كان فاسقًا لشربه الخمر، أو البدعة، ولم يُعرف بالزنى؛ وجب الحدُّ على قاذفه.

(ولو تائبًا من زنىً) فَيُحدُّ قاذفه؛ لأن التوبة تجُبُّ ما قبلها (أو) كان المقذوف (مُلاعنة) فيحدُّ قاذفها كغيرها (وولدها) أي: المُلاعنة (وولد زنىً كغيرهما، فيحدُّ من قذفهما) إذا كانا محصنين كغيرهما.

(ومن ثبت زناه منهما) أي: من ولد المُلاعنة وولد الزنى (أو) ثبت زناه (من غيرهما ببينة) أي: بأربعة رجال، فلا حَدَّ على قاذفه؛ للآية (أو شهد به) أي: بزناه (شاهدان) فلا حدَّ على قاذفه، وفيه نظر؛ لمفهوم قوله:{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}

(1)

(أو أقرَّ) المقذوف (به) أي: بالزنى (ولو دون أربع مرات) فلا حدَّ على قاذفه (أو حُدَّ للزنى؛ فلا حدَّ

(1)

سورة النور، الآية:4.

ص: 74

على قاذفه) لعدم إحصانه (ويُعزَّر) لما تقدم.

(ولو قال لمن زنى في شِرْكِهِ، أو كان مجوسيًّا تزوَّج بذات مَحْرَم) كأخته (بعد أن أسلم: يا زاني؛ فلا حدَّ عليه؛ إذا فَسَّره بذلك) أي: بالزنى في شِرْكه، أو بتزويجه

(1)

بذات مَحْرَمِهِ؛ لأنه صادق (ويُعَزَّر) لإيذائه له.

(ولا يُشترط في المقذوف البلوغ، بل) أن (يكون مثله يطأ أو يوطأ، كابن عشر) فأكثر (وابنة تسع) فأكثر؛ لأنه يلحقهما الشَّين بإضافة الزنى إليهما، ويُعيَّران بذلك، ولهذا جُعل عيبًا في الرقيق، وظاهر كلام جماعة أنه لا يُعتبر سلامتُهُ من وَطْء الشُّبهة.

(ولا يُقام عليه) أي: على قاذف ابن عشر ونحوه (الحدُّ حتى يبلغ المقذوف، ويطالب به) أي: الحد (بعد بلوغه) لعدم اعتبار كلامه قبل البلوغ (وليس لوليِّه) أي: وَليِّ غير البالغ (المطالبة عنه) بالحَدّ، حِذارًا من فوات التشفِّي.

(وكذا لو جُنَّ المقذوف) قبل الطلب (أو أُغمي عليه قبل الطلب) بالحَدّ، لم يقم على القاذف حتى يُفيق المقذوف ويطالب، وليس لوليه المطالبة عنه؛ لما سلف.

(وإن كان) جنونه أو إغماؤه (بعده) أي: الطلب (أُقيم) الحَدُّ في الحال؛ لوجود شرطه (كما لو وَكَّلَ في استيفاء القصاص، ثم جُنَّ) مستحقه جنونًا غير مطبق (أو أُغمي عليه) فإن ذلك لا يمنع وكيله من استيفائه، فإن كان الجنون مطبقًا، فقد تقدم

(2)

في الوكالة أنها تبطل به.

(و‌

‌إن قَذَف غائبًا؛ اعتُبِر قدومُه وطلبُه)

لأنه حقٌّ له، أشبه سائر

(1)

في "ح" و"ذ": "بتزوجه".

(2)

(8/ 425).

ص: 75

حقوقه (إلا أن يثبت أنه طالب في غيبته، فيُحدُّ) القاذف؛ لوجود شرطه، وهو الطلب.

(وإن كان القاذفُ مجنونًا، أو مُبَرْسمًا

(1)

، أو نائمًا، أو صغيرًا، فلا حدَّ عليه) لعدم اعتبار كلامه (بخلاف السكران) لأنه مُكلَّف.

(وإن قال لحُرَّة مسلمة) محصنة: (زنيتِ وأنتِ صغيرة، وفسَّره بصِغَرٍ عن تسع؛ لم يُحدَّ) لأن حدَّ القذف إنما وجب لما يلحق بالمقذوف من العار، وهو منتفٍ للصغر (ويُعَزَّر) زاد في "المغني": إن رآه الإمام، وأنه لا يحتاج إلى طلب؛ لأنه تأديب.

(وكذلك إن قَذَف صغيرًا له دون عَشْرِ سنين) أو قَذَف محصنًا، فقال له: زنيتَ وأنت صغير، وفسَّره بما دون العشر؛ لما مَرَّ (وإن) قال لمُحصَنة: زنيتِ وأنتِ صغيرة، و (فسَّره بتسع فأكثر من عمرها) حُدَّ (أو) قال لمُحصنٍ: زنيتَ وأنتَ صغير، وفسَّره (بعشر فأكثر من عمره؛ حُدَّ) لعدم اشتراط البلوغ.

(وإن قال القاذف للمقذوف: كنتَ أنتَ صغيرًا حين قذفتُكَ، فقال) المقذوف: (بل) كنتُ (كبيرًا، فالقول قول القاذف) لأن الأصل الصغر وبراءة الذمة من الحدِّ.

(وإن أقام كلٌّ منهما بينةً بدعواه، وكانتا مُطْلقَتيْن، أو مؤرّختين تاريخين مختلفين، فهما قذفان يوجبان التعزير والحَدَّ) أي: القذف في الصغر يوجب التعزير، والقذف في الكبر يوجب الحدَّ، إعْمالًا للبيِّنتين.

(وإن بيَّنتا تاريخًا واحدًا) فقال كل منهما: قذفه في أول مُحَرَّم سنة أربع مثلًا (فقالت إحداهما: وهو صغير، وقالت الأخرى: وهو كبير؛

(1)

تقدم تعريفه من قِبل المؤلف (10/ 172).

ص: 76

تعارضتا وسقطتا) لتعارضهما وعدم المرجِّح لأحداهما على الأخرى.

(وكذا لو كان تاريخ بينة المقذوف) الشاهدة بكبره (قبل تاريخ بينة القاذف) الشاهدة بالصغر، فتتعارضان، ويرجع إلى قول القاذف: إن القذف كان في صغر المقذوف، والمراد بالصغر: ما دون عشر في الذَّكَر، وتسع في الأنثى، كما يُعلم مما تقدم.

(وإن قال لحُرَّة مسلِمة: زنيتِ وأنتِ نصرانية) أو نحوها (أو أَمَة، ولم تكن كذلك؛ حُدَّ) للعلم بكذبه في وصفها بذلك (وإن لم يثبت ذلك، وأمكن) أن تكون كذلك (حُدَّ أيضًا) لأن الأصل عدمه.

(وكذا لو قذف مجهولة النسب وادَّعى رِقَّها، وأنكرته) فَيُحدُّ، وكذا لو قذف مجهولَ النسب وادَّعى رِقَّه، وأنكره، وتقدم في اللقيط

(1)

.

(وإن كانت كذلك) نصرانية، أو أَمَة (لم يحدَّ) لعدم الإحصان وقت القذف (وإن قالت: أردتَ قذفي في الحال، فأنكرها؛ لم يُحدَّ) والقول قوله في إرادته؛ لأنه أعلم بنيّته.

(ولو قال: زنيتِ وأنتِ مشركة، فقالت: أردتَ قذفي بالزنى والشِّرك معًا، فقال) القاذف: (بل أردتُ قذفك بالزنى إذْ كنت مشركة؛ فقوله مع يمينه) لأن اختلافهما في نيته، ولا تُعلم إلا من قِبَله.

(وهكذا إن قال) لحُرٍّ: (زنيتَ وأنتَ عبد) فقال: أردتَ قذفي بالزنى والرق، فقال: بل أردتُ قذفك بالزنى إذْ كنت قِنًّا.

(وإن قال لها) أي: لمشركة أسلمت: (يا زانية، ثم ثبت زناها في حال كفرها؛ لم يُحدَّ) لأنها غير محصنة.

(ولو قَذف) زوجٌ (من أقرت بزنىً) ولو (مرة، فلا لِعان) عليه؛

(1)

(9/ 540).

ص: 77

لاعترافها بما قذفها به (ويُعزَّر) لارتكابه معصية.

(ومتى

(1)

قَذَف مُحصَنًا، فزال إحصانه قبل إقامة الحَدِّ؛ لم يسقط الحَدُّ عن القاذق) حَكَمَ حاكمٌ بوجوبه أم لا؛ لأن الحد يُعتبر بوقت وجوبه، وكما لا يسقط بردته وجنونه، بخلاف فسق الشهود قبل الحكم؛ لضيق الشهادة.

(وإن وجب الحَدُّ على ذمي أو) على (مرتد، فلحق بدار الحرب، ثم عاد، لم يسقط عنه) بل يُقام عليه كسائر الحقوق عليه.

فصل

(والقذف محرَّم) لما تقدم

(2)

أول الباب (إلا في موضعين:

‌أحدهما: أن يرى امرأته تزني في طُهر لم يُصبها فيه)

زاد في "الترغيب" و"الرعاية": ولو دون الفرج. وفي "المغني" و"الشرح": أو تقرُّ به

(3)

فيصدقها (فيعتزلَها، ثم تلد ما يمكن أنه من الزاني، فيجب عليه قَذْفُها) لأن نفي الولد واجب؛ لأنه إذا لم ينفه، لَحِقَه وورِثه، وورث أقاربه، وورثوا منه، ونظر إلى بناته وأخواته، ولا يُمكن نفيه إلا بالقذف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (و) يجب (نفي ولدها) لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أنَّ الولد من الزاني

(4)

؛ لكونها أتت به لستة أشهر من حين الوطء، وفي سنن أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّمَا امرأة أدْخلتْ على قومٍ من ليس منهم فليست من الله في شيءٍ، ولن يُدْخِلها الله

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 232): "من".

(2)

(14/ 70).

(3)

زاد في "ذ": "أي بالزنى".

(4)

في "ذ": "من الزنى" وأشار في الحاشية إلى أنه في نسخة: الزاني.

ص: 78

جنَّتهُ"

(1)

. ولا شكَّ أن الرجل مثلها.

(1)

أبو داود في الطلاق، باب 29، حديث 2263. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الطلاق، باب 47، حديث 3481، وفي الكبرى (3/ 378) حديث 5675، والشافعي في الأم (5/ 126، 290)، وفي المسند (ترتيبه 2/ 49)، والدارمي في النكاح، باب 42، حديث 2244، وابن حبان "الإحسان" (9/ 418) رقم 4108، والحاكم (2/ 202 - 203) والبيهقي (7/ 403)، وفي معرفة السنن والآثار (11/ 149) حديث 15093، كلهم من طريق يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن يونس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 226): صححه الدارقطني في العلل مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس به.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 137 مع الفيض) ورمز لصحته.

قلنا: عبد الله بن يونس قال فيه الذهبي في الضعفاء ص/ 181: تابعي مجهول. وتابعه يحيى بن حرب عند ابن ماجه في الفرائض، باب 13، حديث 2743، من طريق موسى بن عبيدة، عن يحيى بن حرب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 104): هذا إسناد ضعيف، يحيى بن حرب مجهول.

وقال الذهبي في الكاشف (2/ 263): موسى بن عبيدة الربذي ضعفوه.

وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما، مرفوعًا، عند: الطبراني في الأوسط (5/ 68 - 69) حديث 4694، وابن عدي في الكامل (1/ 229)، من طريق إبراهيم بن يزيد، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتد غضب الله على امرأة تُدخل على قوم من ليس منهم ليشركهم في أموالهم، ويطلع على عوراتهم.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن موسى إلا إبراهيم بن يزيد.

وقال ابن عدي: وهذه الأحاديث عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر يرويها عنه إبراهيم بن يزيد، وليست هي بمحفوظة. =

ص: 79

(وفي "المحرر" وغيره: وكذا لو وطئها) الزوج (في طُهرٍ زنت فيه، وظَنَّ) أن (الولد من الزاني) لِشَبَهِهِ به ونحوه. وجزم به في "المنتهى"(وفي "الترغيب": نفيه) أي: الولد (محرَّم مع التردُّدِ) في كونه منه أو من غيره؛ لأن الولد للفراش

(1)

.

(و) الموضع ‌

‌(الثاني: أن يراها تزني ولم تلد ما يلزمه نفيه، أو يستفيض زناها

في الناس، أو أخبره به) أي: بزناها (ثقة، أو يرى) الزوج (رجلًا يُعرف بالفجور يدخل إليها، زاد في "الترغيب": خَلْوَة. فيباح قَذْفُها) لأنه يغلب على ظَنّه فجورها (ولا يجب) لأنه يمكنه فِراقها (وفِراقُها أولى من قَذْفِها) لأنه أستر؛ ولأن قَذْفها يلزم منه أن يحلف أحدُهما كاذبًا، أو تُقِرَّ، فَتُفْتَضح.

(وإن أتت) الزوجة (بولد يُخالِف لونه لونهما) أي: الزوجين، كأبيض بين أسودين، أو عكسه (أو) أتت بولد (يُشبه رجلًا غير والديه، لم يُبحْ نفيه بذلك) لخبر أبي هريرة؛ متفق عليه، وقال:"لَعَلّهُ نَزعَهُ عِرْق"

(2)

؛ ولأن دلالة الشبه ضعيفة، ودلالة الفراش قوية، بدليل قصة سعد وعبد الله بن زمعة

(3)

(1)(ما لم تكن قرينة) بأن رأى عندها رجلًا يُشبه

= وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 225): رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن يزيد، وهو ضعيف.

وضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 226).

(1)

تقدم تخريجه (11/ 315) تعليق رقم (2).

(2)

البخاري في الطلاق، باب 26، حديث 5305، وفي الحدود، باب 41، حديث 6847، وفي الاعتصام، باب 12، حديث 7314، ومسلم في اللعان، حديث 1500.

(3)

في "ح" و"ذ": "عبد بن زمعة" وهو الصواب.

ص: 80

الولد الذي أتت به، فإن ذلك مع الشَّبه يغلب على الظن أن الولد من الرجل الذي رآه عندها (وإن كان يَعزِل عنها، لم يبُح له نفيه) لخبر أبي سعيد

(1)

.

(ولا يجوز قَذْفُها بخبر من لا يوثق بخبره) لأن خبره غير مقبولٍ

(2)

(ولا) قَذْفُها (برؤيته رجلًا خارجًا من عندها من غير أن يستفيض زناها، مع قرينة) لعدم ما يدلُّ على زناها.

فصل

وألفاظ القذف تنقسم إلى: صريح، وكناية، كالطلاق وغيره.

(و‌

‌صريحُ القَذْف ما لا يحتمل غيره، نحو: يا زاني،

يا عاهِر) وأصل العِهْر: إتيان الرجل المرأة ليلًا للفجور بها، ثم غلب على الزنى، فأُطلق العاهر على الزاني سواء جاءها للفجور أو جاءته هي ليلًا أو نهارًا (زنى فرجُكَ، يا لوطي، يا معفوج) من عَفج بمعنى: نكح، أي: منكوح، أي: موطوء (يا منيوك، قد زنيتَ، أو: أنتَ أزنى الناس - فَتَحَ التاء أو كَسَرها، للذكر والأنثى، في قوله: زنيت) لأن هذا اللفظ خطاب لهما، وإشارة إليهما بلفظ الزنى؛ ولأن كثيرًا من الناس يُذكِّر المؤنث،

(1)

أخرج البخاري في البيوع، باب 109، حديث 2229، وفي العتق، باب 13، حديث 2542، وفي المغازي، باب 32، حديث 4138، وفي النكاح، باب 96، حديث 5210، وفي القدر، باب 4، حديث 6603، وفي التوحيد، باب 18، حديث 7409، ومسلم في النكاح، حديث 1438 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصبنا سبيًا فكنا نعزل فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أو إنكم لتفعلون - قالها ثلاثًا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة".

(2)

في "ذ": "ليس مقبولًا".

ص: 81

ويُؤنِّث المذكَّر، ولا يخرج بذلك عن كون المخاطب به مرادًا بما يُراد باللفظ الصحيح.

(أو) قال: (أنت أزنى من فُلانَةَ، يُحدُّ للمُخاطَبِ) بذلك الكلام؛ لأنه قاذف له (وليس بقاذف لفلانة) فلا يُحدُّ لها؛ لأنّ لفظة أفعل تُستعمل للمنفرد بالفعل، كقوله تعالى:{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ}

(1)

(أو قال لرجُل: يا زانيةُ، أو: يا نسمةٌ زانيةٌ، أو لامرأة: يا زاني، أو: يا شخصًا زانيًا، أو قذفها) أي: المرأة (أنها وطئت في دُبُرها، أو قذف رجلًا بوطء امرأة في دُبُرها، أو قال لها: يا منيوكة، إن لم يفسِّره بفعل زوج أو سيد) فإن فسَّره بفعل زوج أو سيد فليس قذفًا؛ لأنه ليس بزنىً (إذا كان القذف بعد حُرّيتها) أي: الأمة (وفسَّره بفعل السيد قبل العتق) فلا حدَّ (ولا يُقبل قوله) أي: لا يُسمع تفسير القاذف للقذف (بما يُحِيله) أي: بغير

(2)

القذف، ويخرجه عن معناه؛ لأنه خلاف الظاهر (ويُحدُّ) لإتيانه بصريح القذف.

(فإن قال: أردت) بقولي: يا زاني، أو: يا عاهر (زاني العين، أو عاهر اليد، أو) قال: أردت (بـ) ـقولي: يا (لوطي، أنك من قوم لوط، أو تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الذكور، ونحوه) أي: نحو ما ذكر من التأويل (لم يُقبل) منه؛ لأن إطلاق لفظه، وإرادة مثل ذلك فيه بُعْدٌ، مع أن قوم لوط لم يبقَ منهم أحد.

(و‌

‌كلُّ ما لا يجب الحدُّ بفعله لا يجب) الحدُّ (على القاذف به،

كوطء البهيمة، والمباشرة دون الفَرْج، والوطء بالشُّبهة، وقَذْف المرأة

(1)

سورة يونس، الآية:35.

(2)

في "ذ": "يغير".

ص: 82

بالمساحَقَة، أو) قذفها (بالوطء مكرهة، و) كـ (ـالقذف باللمس والنظر) لأن ذلك ليس رميًا بالزنى (وقوله: لست لأبيك، أو: لست بولد فلان، قَذْفٌ لأُمه) لأن ذلك يقتضي أن أمه أتت به من غير أبيه، وذلك قذف لها (إلا أن يكون منفيًا بلعان لم يستلحقه أبوه، ولم يفسّره) القائل (بزنى أمه) فإنه لا يكون قذفًا لأمه؛ لصدقه في أنه ليس بولده.

(وكذا إن نفاه عن قبيلته) بأن قال: لست من قبيلة كذا، فإنه يكون قذفًا لأمه، إلا أن يكون منفيًا بلِعان لم يستلحقه أبوه، ولم يفسّره بزنى أمه (أو قال: با ابن الزانية) فهو قَذْفٌ لأمه.

(وإن نفاه) أي: الولد (عن أُمّه) بأنْ قال: ما أنتَ ابن فلانة، فلا حدَّ؛ للعلم بكذبه (أو قال: إن لم تفعل كذا، فلست بابن فلان) فلا حَدّ؛ لأنه لم يقذف أحدًا بالزنى.

(أو رُمي بحجر فقال: من رماني فهو ابن الزانية، ولم يُعرف الرامي) فلا حدَّ؛ لعدم تعيين الرامي.

(أو اختلف اثنان في شيء، فقال أحدهما: الكاذب ابن الزانية، فلا حَدَّ) لعدم تعيّن

(1)

الكاذب.

(وإن كان يعرف الرامي، فقاذِفٌ) لتعيّنه

(2)

، وعبارة "المنتهى" كـ"الفروع" وغيره: إذا قال: من رماني بالزنى فهو زانٍ، لا حدَّ؛ وظاهره: مطلقًا.

(وإن قال لولده: لست بولدي، فهو كناية في قذف أُمِّه، يُقبل تفسيره بما يحتمله) لأن للرجل أن يُغلِّظ في القول والفعل لولده.

(1)

في "ذ": "تعيين".

(2)

في "ذ": "لتعيينه".

ص: 83

(وزَنَأتَ في الجبل - مهموزًا - صريح، ولو ممن يعرف العربية) لأن عامة الناس لا يفهمون من ذلك إلا القذف، وإن كان معناه في اللغة: طلعت (كما لو لم يقل: في الجبل، أو لحن لحنًا غير هذا) فالعبرة بما يُفهم من اللفظ، ولا أثر للحن، قال في "المبدع": وعليهما إن قال: أردت الصعود في الجبل. قُبِل.

(وإن قال لرجل: زنيتَ بفلانة، أو قال لها: زنى بك فلان، أو) قال: (با ابن الزانيين. كان قذفًا

(1)

لهما بكلمة واحدة) فيُحدُّ لهما حدًّا واحدًا بطلبهما، أو طلب أحدهما.

(وإن قال: يا ناكِحَ أُمّه، وهي حيَّة، فعليه حَدَّان، نصًّا

(2)

) ويحتاج لتحرير الفرق بينها وبين التي قبلها (و: يا زاني ابن الزاني، كذلك) أي: عليه حدَّان (إن كان أبوه حيًّا) لأنه قذفهما بكلمتين، وإن كان الأب ميتًا، فعلى ما يأتي في قذف الميت

(3)

.

(وإن أقرَّ أنه زنى بامرأة، فهو قاذف لها) فيلزمه حدُّه (ولو لم يلزمه حد الزنى بإقراره) بأن لم يقر به أربعًا، أو أقرَّ به أربعًا، ثم رجع.

فصل

(وكنايته) أي: القذف (والتعريض) به (نحو: زَنَتْ يداك، أو رِجْلاك، أو): زَنَتْ (يَدُك، أو رِجْلك) لأن زنى هذه الأعضاء لا يوجب

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 234): "قاذفًا".

(2)

انظر: المغني (12/ 397، 407).

(3)

جاء بعدها في "ذ": "أنه لا يجب الحد بقذفه، لأن هذا القذف لا يورث إلا بعد الطلب به".

ص: 84

الحَدَّ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "العَيْنَانِ تَزنيان وزناهما النظر. . ." الحديث

(1)

(أو): زنى (بَدَنُكَ) لأن زِناه يحتمل أن يكون بزنى شيء من أعضائه على المعنى السابق غير الفرج.

(ونحو قوله لامرأة رَجُلٍ: قد فضحْتِه) لأنه يحتمل أن يكون: بشكواكِ (و: غطَّيتِ) رأسه (أو: نَكَسْتِ رأسه) لأنه يحتمل أن يكون حياء من الناس (و: جعلتِ له قُرونًا) أي: لأنه يحتمل أنه مُسخَّر منقاد لك كالثور (و: عَلَّقت عليه أولادًا من غيره) أي: لأنه يحتمل: من زوج آخر، أو وطء شُبْهة (و: أفسدتِ فراشه) أي: لأنه يحتمل: بالنشوز والشقاق، أو منع الوطء.

(أو يقول لمن يخاصِمُه: يا حلالَ ابن الحلال) لأنه كذلك حقيقة (ما يَعْرِفك الناس بالزنى) أي: ما أنت زان ولا أمك زانية (أو: يا فاجرة) أي: مخالفة لزوجها فيما يجب طاعتها فيه (يا قَحْبَة) قال السعدي

(2)

: قحَب البعيرُ والكلبُ: سعل، وهي في زماننا: المعدّة للزنى (أو: يا خبيثة) صفة مُشبَّهة، من خَبُثَ الشيءُ فهو خبيث.

(أو يقول لعربي: يا نَبطي، أو يا فارسي، أو يا رومي) لأنه يحتمل

(1)

أخرجه البخاري في الاستئذان، باب 12، حديث 6243، وفي القدر، باب 9، حديث 6612، ومسلم في القدر، حديث 2657، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

الأفعال لابن القطاع السعدي (3/ 34)، وانظر: المطلع ص/ 372.

والسعديُّ هو: علي بن جعفر بن علي السعدي الصَّقَلّيّ المعروف بابن القَطّاع، ولد بِصَقَلِّيّةَ سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، رحل إلى مصر في حدود سنة خمسمائة، وأقام بها على الإفادة والتصنيف، إلى أن مات بها سنة خمس عشرة - وقيل: أربع عشرة - وخمسمائة رحمه الله تعالى. انظر: إنباه الرواة على أنباء النحاة (2/ 236)، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة (2/ 153).

ص: 85

أن يكون أراد نبطي اللسان، أو فارسي الطبع، أو رومي الخِلْقة (أو يقول لأحدهم: يا عربي) والنَّبط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين، وفارس: بلاد معروفة وأهلها الفرس، وفارس أبوهم، والروم في الأصل: ابن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.

ولو قال لعربي: يا أعجمي - بالألف - لم يكن قذفًا؛ لأنه نسبه إلى العجمة، وهي موجودة في العربي، فكأنه قال له: يا غير فصيح.

(أو) قال: (ما أنا بزان، أو ما أُمّي زانية، أو يا خنِيث

(1)

- بالنون -، أو يا عفيف، يا نظيف، أو يسمع رجلًا يقذف رجلًا فيقول: صدقت، أو صدقت فيما قلت) إذ يحتمل أن يكون صدق في غير ذلك.

(أو) قال: (أخبرني أو أشهدني فلان أنكَ زنيتَ. وكذَّبه فلان) لأنه إنما أخبر أنه قد قذف فلم يكن قذفًا، كما لو شهد على رجل أنه قذف رجلًا.

(أو قال: يا ولد الزنى. قال في "الرعاية": أو قال لها: لم أجدك عذراء، وفي "الكافي":"يا ولد الزنى" قاذف لأمه.

فهذه) الألفاظ التي سبقت (كناية) لاحتمالها غير الزنى - كما قَدَّمته - (إن فسَّره) أي: ما سبق (بالزنى فهو قَذْفٌ) لأنه أقرَّ على نفسه بما هو الأغلظ عليه (وإن فسَّره بما يحتمله غير القذف؛ قُبِل) لأنه يحتمل غير الزنى، كما ذكرناه (مع يمينه) وفي "الترغيب": هو قذف بنيته، ولا يُحَلَّف منكرها (وعُزِّرَ

(2)

، وإن كان نوى الزنى بالكناية؛ لزمه الحدُّ باطنًا، ويلزمه إظهار نيته) لأنه حق آدمي.

(1)

الخَنِث: من فيه انخناثٌ، أي تكَسُّرٌ وتَثَنٍّ. القاموس المحيط ص/ 216 مادة: خنث.

(2)

زاد بعدها في متن الإقناع (4/ 235): "فإن نكل لم يحد وعُزِّر".

ص: 86

(ويُعزَّر بقوله: يا كافر، با منافق، يا سارق، يا أعور، يا أقطع، يا أعمى، يا مُقْعَدُ، يا ابن الزَّمِنِ الأعمى الأعرج، يا نَمَّام، يا حروري) نسبة إلى الحرورية، فرقة من الخوارج (يا مُرائي، يا مُرابي، يا فاسق، يا فاجر، يا حمار، يا تيس، يا رافضي، يا خبيث البطن أو الفَرْج، يا عدو الله، يا جائر، يا شارب الخمر، يا كَذَّاب، أو يا كاذب، يا ظالم، يا خائن، يا مُخَنَّث، يا مأبون، أي: معيوب) وفي عُرف زمننا من به داء في دُبُره، وليس بصريح؛ لأن الأُبْنَة المشار إليها لا تعطي أنه يفعل بمقتضاها، كقوله للمرأة: يا مغتلمة (زنت عينك، يا قرنان، يا قوَّاد) وهو عند العامة السمسار في الزنى (يا معرّصُ، يا عَرْصةُ) وينبغي فيهما بحسب العُرف أن يكونا صريحين (ونحوهما: يا دَيُّوث) وهو الذي يقرُّ السوء على أهله، وقيل: الذي يدخل الرجال على امرأته. وقال الجوهري

(1)

: هو الذي لا غَيْرة له. والكل متقارب؛ قاله في "الحاشية" (يا كَشخان

(2)

) - بفتح الكاف وكسرها -: الدَّيُّوث؛ قاله في "الحاشية"(يا قَرْطبان) قال ثعلب

(3)

: القَرْطبان الذي يرضى أن يدخل الرجال على نسائه. وقال: القرنان والكشخان؛ لم أرهما في كلام العرب، ومعناهما عند العامة مثل معنى الديوث أو قريب منه

(4)

(يا عِلْق) وذكر الشيخ تقي الدين

(5)

أنها صريحة، ومعناه قول ابن رزين: كل ما يدل عليه عُرفًا (يا سوس، ونحو ذلك) من كل ما فيه

(1)

الصحاح (1/ 282) مادة (ديث).

(2)

في "ذ": "كشحان".

(3)

انظر: تهذيب اللغة (9/ 406 - 407).

(4)

انظر: القاموس المحيط ص/ 331، 1579، مادة (كشخ وقرن).

(5)

مجموع الفتاوى (34/ 185).

ص: 87

إيذاء

(1)

وليس بصريح في الزنى، فيعزَّر به؛ لارتكابه معصية، وكفًّا له عن أذى المعصومين.

ومن قال لظالم ابن ظالم: جبرك الله ورحم سَلَفَكَ، يُعزَّر؛ ذكره في "الفروع" عن "الرعاية".

فصل

(وإن قَذَفَ أهلَ بلدٍ، أو) قَذَفَ (جماعة لا يُتصوَّر الزنى من جميعهم عادة؛ لم يُحدَّ) لأنه لا عار على المقذوف بذلك؛ للقطع بكذب القاذف (وعُزِّر) على ما أتى به من المعصية والزور (كسَبِّه

(2)

بغيره) أي: القذف (ولو لم يطلبـ) ـه أي: التعزير (أحدٌ منهم) قال في "المغني": لا يحتاج التعزير إلى مطالبة.

(وإن قال لامرأته: يا زانية، فقالت: بكَ زنيتُ، لم تكن قاذفة) له؛ لأنها صَدَّقته (وسقط عنه الحَدّ بتصديقها) له - كما تقدم

(3)

- (ولا يجب عليها حَدّ القذف) لأنها لم تقذفه (لأنه يمكن الزنى منها به من غير أن يكون زانيًا) بها (بأن يكون قد وطئها بشُبهة) وهي عالمة (ولا يجب عليها حَدُّ الزنى؛ لأنها لم تُقِرَّ) به (أربع مرات.

ومن قُذف له مَوروثٌ حيٌّ محجورٌ عليه) لصغر أو غيره (أو لا) أي: أو غير محجور عليه (أُمًّا كان) المقذوف (أو غيره

(4)

، لم يكن له أن

(1)

زاد في "ذ" بعد "إيذاء": "وابن ظالم".

(2)

في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 236): "كسبهم".

(3)

(14/ 72).

(4)

في "ذ": "غيرها".

ص: 88

يُطالِب في حياته بموجب قَذْفه) لأنه حَقٌّ ثبت للتشفِّي، فلا يقوم فيه غير المستحق مقامه، كالقِصاص.

(فإن مات) المقذوف أُمًّا كان أو غيرها (وقد طالب

(1)

) بالحَدِّ (صار) الحد (للوارث بصفة ما كان للمورِّث

(2)

، اعتبارًا بإحصانه) أي: الوارث؛ لأنه تَعْييْرٌ له وطعن في نسبه. قال في "الشرح" و"المبدع": ولا يستحق ذلك بطريق الإرث، فلذلك يُعتبر الإحصان فيه، ولا يُعتبر في أُمّه، أي: إذا كانت هي المقذوفة؛ لأن القذف له، وشُرط فيه الطلبُ؛ لأنه حَقٌّ من الحقوق، فلا يستوفى بغير طلب مستحقّه، كسائر الحقوق، وإحصانُه؛ لأن الحدَّ وجب للقدح في نسبه

(3)

.

(وإن قُذِف) بالباء للمفعول (ميت مُحصَن أو لا) أي: أو غير محصن (ولو) كان الميت المقذوف (من غير أُمّهات الوارث، حُدَّ قاذفٌ بطلب وارثٍ محصن خاصّة) لما فيه من التعيير (وإن كان الوارث غير مُحصَن) بأن كان عبدًا أو كافرًا ونحوه (فلا حَدَّ) كما لو قَذَفه ابتداءً.

(و‌

‌يثبتُ حقُّ قَذْفِ الميت والقذفِ الموروثِ لجميع الورثة

حتى الزوجين) لأنه حقٌّ وُرِثَ من الميت، فاشترك فيه جميع الورثة، كسائر الحقوق.

(وإن عفا بعضُهم) أي: الورثة (حُدَّ) القاذف (للباقي) من الورثة حدًّا (كاملًا) لِلُحُوق العار بكلِّ واحدٍ منهم على انفراده.

(ومن قَذَفَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو) قَذَفَ (أُمَّه؛ كَفَر) لما في ذلك من

(1)

في "ذ": "طالبه"، وفي متن الإقناع (4/ 236):"طالب به".

(2)

في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 236): "للموروث".

(3)

زاد في "ذ" بعد "نسبه": "فإن عفا المقذوف أو لم يطالب، أو مات قبل الطلب لم يورث، ولا حد".

ص: 89

التعرُّض للقدح في النبوة الموجب للكفر (وقُتِل) من قَذَف النبيَّ صلى الله عليه وسلم (ولو تاب، نصًّا

(1)

، أو كان كافرًا ملتزمًا) كالذمي (فأسلم) لأن قتله حَدُّ قَذْفِه، فلا يسقط بالتوبة، كقذف غيرهما؛ ولأنه لو قُبلت توبته، وسقط حَدّه، لكان أخف حكمًا من قذف آحاد الناس. قال في "المنثور": وهذا كافر قُتِل من سَبَّةٍ، فيُعايا بها.

"فائدة" قال الشيخ تقي الدين

(2)

: قَذْفُ نسائه كقَذفِهِ، لقدحه في دينه صلى الله عليه وسلم، وإنما لم يقتلهم؛ لأنهم تكلَّموا قبل علمه ببراءتها، وأنها من أمهات المؤمنين؛ لإمكان المفارقة فتخرج بها منهن، وتحلّ لغيره.

و (لا) يُقتل (إن سَبّه) كافر (بغير القذف، ثم أسلم) لأن سَبَّ الله تعالى يسقط بالإسلام، فسبُّ النبي صلى الله عليه وسلم أولى (وتقدم

(3)

آخر باب أحكام الذمة.

وكذا)‌

‌ حكم قذف (كلّ أمّ نبي غير نبينا) صلى الله عليه وسلم

- (قاله ابن عبدوس في "تذكرته" ولعله مراد غيره) قال في "الإنصاف": وهو عين الصواب الذي لا شك فيه، ولعله مرادهم، وتعليلهم يدلُّ عليه، ولم يذكروا ما ينافيه.

"تتمة": سأله حرب

(4)

: رجل افترى على رجل، فقال: يا ابن كذا وكذا، إلى آدم وحواء، فعظمه جدًّا، وقال عن الحدّ: لم يبلغني فيه شيء، وذهب إلى حدٍّ واحد.

(وإن قَذَف) مُكلَّفٌ (جماعةً يُتصور منهم الزنى عادة بكلمة واحدة، فـ) ــعليه (حدٌّ واحد؛ إذا طالبوا - ولو مُتفرِّقين -أو) طالب (واحدٌ منهم،

(1)

انظر: المغني (12/ 404)، والفروع (6/ 94).

(2)

مجموع الفتاوى (32/ 119).

(3)

(7/ 289 - 290).

(4)

انظر: الفروع (6/ 95).

ص: 90

فيحد لمن طلب، ثم لا حدَّ بعده) لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ. . .} الآية

(1)

. فلم يُفَرِّق بين من قذف واحدًا أو جماعة؛ ولأن الحدَّ إنما وجب بإدخال المعرَّة على المقذوف بقَذْفِه، وبحدٍّ واحدٍ يظهر كَذِبُ هذا القاذف، وتزول المعرَّةُ، فوجب أن يُكتفى به، بخلاف ما إذا قَذَفَ كلَّ واحدٍ قذفًا مفردًا، فإنّ كَذِبه في قذف لا يلزم منه كذبه في الآخر، ولا تزول المعرَّة.

(وإن أسقطه) أي: الحد (أحدُهم، فلغيرهم

(2)

المطالبة واستيفاؤه) لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل، فأيُّهم طلبه استوفاه، وسقط، ولم يكن لغيره الطلب، كحق المرأة على أوليائها في تزويجها (وسقط حق العافي) بعفوه؛ لأنه حق له، كما لو انفرد.

(وإن كان) قَذَف جماعة يُتصوَّر الزنى منهم عادة (بكلماتٍ؛ حُدَّ لكلِّ واحد) منهم (حدًّا) كاملًا؛ لما سَلَف، وكالديون، والقِصاص.

(ومن حُدَّ لقذفٍ، ثم أعاده) أي: القذف، لم يُعَدْ عليه الحَدّ؛ لأنه حُدَّ به مرة، فلم يُحدَّ به ثانية، ويُعزَّر (أو) أعاد زوجٌ القذف (بعد لِعانه، لم يُعَدْ عليه الحَدُّ) لأنه قذفٌ لاعَنَ عليه، فلا يُحدُّ به، كما لو أعاده قبل اللعان (ويُعزَّر) ردعًا له عن أعراض المعصومين (ولا لِعان) أي: لو كان المعيد للقذف زوجًا بعد أن لاعن عليه، فليس له إعادة اللعان لدرء التعزير؛ لأن القذف واحد، وقد لاعن عليه أولًا، فلا يُعيده.

(وإن قذفه بزنىً آخرَ) أي: غير الذي قَذَفه به أولًا وحُدَّ له (حُدَّ) للقذف الثاني (مع طول الزمن) لأن حُرمة المقذوف لا تسقط بالنسبة إلى

(1)

سورة النور، الآية:4.

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 237): "فلغيره".

ص: 91

القاذف أبدًا، بحيث يتمكّن من قَذْفه بكلِّ حال (وإلا) أي: وإن لم يَطُل الزمن بين الحد للأول

(1)

والقذف الثاني (فلا) يُحدّ ثانيًا؛ لأنه قد حُدّ له مرة، فلم يُحد له بالقذف عقبه، كما لو قذفه بالزنى الأول.

(وإن قذف رجلًا) أو امرأة (مرَّاتٍ بزنىً، أو زنياتٍ، ولم يُحد؛ فحدٌّ واحدٌ) كما لو زنى بنساء، أو شرب أنواعًا من المسكر، أو سرق من جماعة؛ لأن القصد الردع وإظهار كَذِبه، وذلك يحصُل بحدٍّ واحد.

فصل

(تجب التوبة) فورًا (من القذف والغيبة وغيرهما) ظاهره: ولو من صغيرة، وإن كانت تُكَفَّر باجتناب الكبائر؛ لعموم الأدلة.

(ولا يُشترط لصحَّتها) أي: التوبة (من ذلك) أي: من القذف والغيبة ونحوهما (إعلامه) أي: المقذوف أو المُغتاب ونحوه. نقل مهنّا: لا ينبغي أن يُعلمه

(2)

(ولأن في إعلامه دُخولَ غَمٍّ عليه وزيادة إيذاء. وقال القاضي، والشيخ عبد القادر: يحرم) على القاذف ونحوه (إعلامه) أي: المقذوف والمغتاب

(3)

ونحوه؛ لما تقدم.

(وقيل): يشترط إعلامه (إن علم به المظلوم، وإلا؛ دعا له واستغفر ولم يُعْلِمه، وذكره الشيخ عن أكثر العلماء، وقال

(4)

) الشيخ: (وعلى الصحيح من الروايتين: لا يجب الاعتراف) للمظلوم (ولو سأله

(1)

في "ح" و"ذ": "الأول".

(2)

انظر: الفروع (6/ 97).

(3)

في "ح" و"ذ": "أو المغتاب".

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 399.

ص: 92

فيعرِّض) في إنكاره حذارًا من الكذب (ولو مع استحلافه؛ لأنه مظلوم، لصحَّة توبته) فينفعه التأويل (ومع عدم التوبةِ والإحسانِ تعريضهُ) في الإنكار (كَذِب، ويمينه غموس) لأنه ظالم فلم ينفعه تعريضه (قال: واختار أصحابنا: لا يُعلمه بل يدعو له في مقابلة مظلمته، وقال

(1)

: ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما مسلم شَتَمْتُهُ أو سَبَبْتُهُ فاجعل ذلك له صلاةً وزكَاةً وقُرْبَةً تقرِّبهُ بها إليك يوم القيامة") رواه الشيخان من حديث أبي هريرة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني أتخذُ عندك عهدًا لن تخْلِفَنيه، إنما أنا بشَرٌ، فأيُّ المؤمنين آذيتهُ أو شَتَمْتُهُ أو جلدتُهُ أو لَعَنْتُهُ فاجعلها له صلاةً. . ." الحديث

(2)

.

(وقال) الشيخ

(3)

(- أيضًا -: زناه بزوجة غيره كالغيبة) وذكره في "الغنية"

(4)

: إن تأذى بمعرفته، كزناه بجاريته وأهله، وغيبته بعيب خفي يعظم أذاه، فهنا لا طريق له إلى أن يستحلّه، ويبقى له عليه مظلمة ما، فيجبرها بالحسنات، كما يجبر مظلمة الميت والغائب (ولو أعلمه بما فعل ولم يُبيّنه، فحلله، فهو كإبراء من مجهول) على ما تقدم في الهبة

(5)

(وفي "الغُنية"

(6)

: لا يكفي الاستحلال المبهم، فإن تعذَّر فيكثر الحسنات.

(1)

الآداب الشرعية (1/ 93).

(2)

البخاري في الدعوات، باب 34، حديث 6361، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2601.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 399.

(4)

ص/ 129.

(5)

(10/ 130).

(6)

ص/ 129.

ص: 93

ولو رضي أن يُشتم أو يُغتاب أو يُجنى عليه ونحوه؛ لم يُبح ذلك) لأن إسقاط الحق قبل وجوده لا يصح، وإذنه في عِرْضه كإذنه في قَذْفه ودمه (ويأتي لذلك تتمة في باب شروط من تُقبل شهادته) وبيان معنى التوبة وما يتعلق به

(1)

.

(1)

"ومن أصبح فتصدق بعرضه على الناس لم يملكه ولم يبح". ش.

ص: 94

‌باب حد المُسْكِر

السُّكْر: اختلاط العقل. قال الجوهري: السَّكران خلاف الصاحي، والجمع: سَكْرَى وسُكارى بضم السين وفتحها، والمرأة سَكْرى، ولغة بني أسد سكرانة

(1)

. والمُسْكِر: اسم فاعل من أسكر الشراب، إذا جعل صاحبه سكران، أو كان فيه قوة تفعل ذلك. وهو مُحَرَّم بالإجماع

(2)

. وما نقل عن قُدامة بن مظعون

(3)

، وعمرو بن معدي كَرِبَ

(4)

، وأبي جندل بن سَهْل

(5)

(6)

: أنها حلال، فمرجوعٌ عنه، نقله الموفَّق والشارح وغيرهما. وسنده قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ. . .} الآيات

(7)

؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: "كلُّ مُسْكِرٍ خَمْر" وفي لفظ: "كلُّ مُسْكِرٍ خمر، وكلُّ خمر حرام" رواهما مسلم

(8)

.

(1)

الصحاح (2/ 687).

(2)

الإجماع لابن المنذر ص 64.

(3)

تقدم تخريجه (14/ 20) تعليق رقم (4).

(4)

أخرجه أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني (15/ 218).

(5)

"سَهْل" كذا في الأصل، وفي "ذ" ومصادر التخريج:"سُهَيل".

(6)

أخرج عبد الرزاق (9/ 244) رقم 17078، عن ابن جريج والبيهقي (9/ 105) عن عروة بن الزبير: أن أبا عبيدة بالشام وجد أبا جندل بن سهيل بن عمرو، وضرار بن الخطاب المحاربي، وأبا الأزور وهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد شربوا، فقال أبو جندل: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات. . . إلخ.

(7)

سورة المائدة، الآية:90.

(8)

في الأشربة، حديث 2003 (73 - 75).

ص: 95

(كلُّ شرابٍ أسكر كثيره؛ فقليله حرام) لحديث جابر مرفوعًا قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي وحسَّنه

(1)

(من أي شيء كان) لما رُوي أن عمر قال على مِنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما بعدُ: أيُّها الناس: إنه نزل تحريم الخمر؛ وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحِنْطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل" متفق عليه

(2)

.

(ويُسمَّى) كلُّ شراب أسكر (خمرًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مُسْكِر خَمْر، وكلُّ خَمْر حرام" رواه أحمد، وأبو داود

(3)

.

(ولا يجوز شُرْبه) أي: المسكر (للذة، ولا لتداوٍ) لما روى وائل بن حُجْر: "أن طارق بن سُويد الجُعْفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر،

(1)

أبو داود في الأشربة، باب 5، حديث 3681، وابن ماجه في الأشربة، باب 10، حديث 3393، والترمذي في الأشربة، باب 3، حديث 1865. وأخرجه - أيضًا - أحمد (3/ 343)، وفي الأشربة ص/ 60، رقم 148، وابن الجارود (3/ 153) حديث 860، والطحاوي (4/ 217)، وابن حبان "الإحسان" (12/ 202) رقم 5382، والبيهقي (8/ 296)، وفي "شعب الإيمان" (5/ 6) حديث 5576، وابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 254 - 255)، والبغوي "في شرح السنة" (11/ 351) حديث 3010، والمزي في "تهذيب الكمال" (8/ 377 - 378).

قال الترمذي والبغوي: حديث حسن غريب من حديث جابر. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 73): حسنه الترمذي، ورجاله ثقات. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 420 مع الفيض) ورمز لحسنه. وللحديث شواهد كثيرة، انظر: نصب الراية (4/ 301)، والتلخيص الحبير (4/ 73)، وإرواء الغليل (8/ 42).

(2)

البخاري في تفسير سورة المائدة، باب 10، حديث 4619، وفي الأشربة، باب 2، 5، حديث 5581، 5588 - 5589، ومسلم في التفسير، حديث 3032.

(3)

أحمد (2/ 16)، وأبو داود في الأشربة، باب 5، حديث 3679. وأخرجه - أيضًا - مسلم كما تقدم آنفًا.

ص: 96

فنهاه، وكره له أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء" رواه مسلم

(1)

. وقال ابن مسعود: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم" رواه البخاري

(2)

(ولا عطش، بخلاف ماءٍ نجس) لما فيه من البرد والرطوبة، بخلاف المُسْكِر، فإنه لا يحصُل به رِيّ؛ لأن ما فيه من الحرارة يزيد العطش.

(ولا) يجوز استعمال المُسْكِر في (غيره) أي: غير ما ذكر (إلا لمُكْرَه) فيجوز له تناول ما أُكره عليه فقط؛ لحديث: "عُفيَ لأمتى عن الخطأ والنسيانِ وما استُكرهوا عليه"

(3)

(أو مضطر إليه) خاف التلف (لدفع لُقْمَة غصَّ بها، وليس عنده ما يُسيغها) فيجوز له تناوله؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ

(1)

في الأشربة، حديث 1984.

(2)

تعليقًا في الأشربة، باب 15، قبل حديث 5614، بصيغة الجزم.

ووصله عبد الرزاق (9/ 250 - 251) رقم 17097 - 17098، 17102، وابن أبي شيبة (8/ 23، 130 - 131)، وأحمد في الورع ص/ 168، وفي الأشربة ص/ 56 - 57، رقم 130، 133، والطحاوي (1/ 108)، والطبراني في الكبير (9/ 345) حديث 9714 - 9717، والبيهقي (10/ 5)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 200)، وابن حجر في تغليق التعليق (5/ 29 - 30) من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه.

وله شاهد من حديث أم سلمة رضي الله عنها، مرفوعًا: أخرجه أحمد في الأشربة ص/ 63 رقم 159، وأبو يعلى (12/ 402) حديث 6966، وابن حبان "الإحسان"(4/ 233) حديث 1391، والطبراني في الكبير (23/ 326) حديث 749، والبيهقي (10/ 5)، بلفظ:"إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 86): رواه أبو يعلى والبزار [صوابه: الطبراني]. . . ورجال أبي يعلى رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق، وقد وثقه ابن حبان.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

ص: 97

عَلَيْهِ}

(1)

؛ ولأن حفظ النفس مطلوب، بدليل إباحة الميتة عند الاضطرار إليها، وهو موجود هنا.

(ويُقدَّم عليه) أي: المُسْكِر (بول) لوجوب الحَدِّ باستعمال المُسْكِر دون البول (ويُقدَّم عليهما) أي: على المُسْكِر والبول (ماءٌ نجسٌ) لأن الماء مطعوم، بخلاف البول، وإنما مَنَع من حِلِّ استعماله نجاستُهُ.

(وفي "المغني" وغيره) كـ "الشرح": (إنْ شَرِبَها) أي: الخمر (لعطش، فإن كانت ممزوجة بما يروي من العطش؛ أُبيحت لدفعه عند الضرورة) كما تُباح الميتة عند المخمصة، وكإباحتها لدفع الغصة.

(وإن شربها صِرفًا، أو ممزوجةً بشيءٍ يسير لا يروي من العطش؛ لم تُبَح) لعدم حصول المقصود بها؛ لأنها لا تروي، بل تزيده عطشًا (وعليه الحَدّ. انتهى) لأن اليسير المستهلك فيها، لم يسلب عنها اسمَ الخمر.

(وإذا شربه) أي: المُسْكِر (الحُرُّ المسلم المُكلَّف مختارًا) لحله لِمُكْرَهٍ (عالمًا أن كثيره يُسْكِر، سواء كان) الشراب المُسْكِر (من عصير العنب، أو غيره من المسكرات) لما سبق (قليلًا كان) الذي شربه من المسكر (أو كثيرًا، ولو لم يَسْكر الشارب، فعليه الحَدّ) لما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شَرِب الخمر، فاجلدوه" رواه أحمد وأبو داود والنسائي

(2)

. وقد ثبت "أن أبا بكر وعمر وعليًّا جلدوا

(1)

سورة البقرة، الآية:173.

(2)

أحمد (280، 519)، وأبو داود في الحدود، باب 36، حديث 4484، والنسائي في الكبرى (3/ 255) حديث 5296. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (7/ 380) حديث 13549، والطيالسي ص/ 307، حديث 2337، والطحاوي (3/ 159)، والحاكم (4/ 371 - 372)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 366)، =

ص: 98

شاربها"

(1)

؛ ولأن القليل خمر، فيدخل في العموم (ثمانون جلدة) لإجماع الصحابة

(2)

؛ لما رُوي: أن عمر استشار الناس في حَدِّ الخمر، فقال عبد الرحمن: اجعله كأخفِّ الحدود ثمانين

(3)

، فضرب عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام

(4)

. ورُوي أن عليًّا قال في المشورة: "إذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افترى، وعلى المفتري ثمانون"

= والحازمي في الاعتبار ص/ 159، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وأخرجه - أيضًا - أحمد (2/ 291، 504)، وأبو داود في الحدود، باب 36، حديث 4484، والنسائي في الأشربة، باب 42، حديث 5678، وفي الكبرى (3/ 237) حديث 5172، وابن ماجه في الحدود، باب 17، حديث 2572، والدارمي في الأشربة، باب 10، حديث 2111، وابن الجارود (3/ 129) حديث 831، وابن حبان "الإحسان"(10/ 297) حديث 4447، والبيهقي (8/ 313) بلفظ: إذا سكر فاجلدوه. . . الحديث.

(1)

أخرج البخاري في الحدود، باب 2، 4 حديث 6773، 6776، ومسلم في الحدود، حديث 1706، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين. وزاد مسلم: فلما كان عمر

فجلد ثمانين.

وأخرج عبد الرزاق (7/ 379) رقم 13546، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن أبا بكر ضرب في الخمر بالنعلين أربعين.

وأخرج عبد الرزاق (7/ 378) رقم 13544، عن أبي جعفر قال: جلد علي رضي الله عنه الوليد بن عقبة أربعين جلدة في الخمر بسوط له طرفان. وأخرجه مسلم في الحدود، رقم 1707، عن حضين أبي ساسان، مطولًا.

(2)

انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (3/ 158)، والاستذكار (24/ 269 - 277)، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (4/ 1840) رقم 3576.

(3)

في "ذ": "ثمانين جلدة".

(4)

أخرجه مسلم في الحدود، رقم 1706، دون قوله:"وكتب به إلى خالد، وأبي عبيدة بالشام" فأخرجه بنحوه البيهقي (8/ 320).

ص: 99

رواه الجوزجاني والدارقطني

(1)

. والفرق بين هذا، وبين سائر المُخْتَلَفِ فيه: أن السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد استفاضت بتحريم المُخْتَلَفِ فيه هنا، فلم يبقَ لأحد عُذر في اعتقاد إباحته، وقد حَدَّ عمرُ قُدامةَ بنَ مظعون وأصحابه، مع اعتقادهم إباحة ما شربوه

(2)

بخلاف غيره من المُجْتَهَدات.

(والرقيق) إذا شرب المُسْكِر، وكان مُكلَّفًا مختارًا عالمًا به، حدُّه (أربعون) عبدًا كان أو أمة، كالزنى والقذف.

(ولا حَدَّ ولا إثم على مُكْرَه على شربها، سواء أُكره بالوعيد، أو بالضرب، أو أُلجئ إلى شربها، بأن يُفتح فوه، ويُصب فيه) المُسْكِر؛ لما تقدم

(3)

.

(وصبره) أي: المُكْرَه (على الأذى أَولى من شُرْبها.

وكذا كلُّ ما جاز فعله لمكره) فصبره على الأذى أولى من فعله.

(ولا) حَدَّ - أيضًا - (على جاهلٍ تحريمَها) لأن الحدود تُدرأ بالشُّبهات (فلو ادَّعى الجهلَ) بتحريم المُسْكِر (مع نُشُوئه بين المسلمين، لم يُقبل) منه ذلك؛ لأنه خلاف الظاهر.

(ولا تُقبل) أي: لا تُسمع (دعوى الجهل بالحَدِّ) فإذا علم أن الخمر مُحَرَّم

(4)

، لكن جهل وجوب الحَدّ بشُربه؛ حُدَّ، ولم تنفعه دعوى الجهل بالعقوبة، كما مَرَّ في الزنى

(5)

.

(ويُحدُّ من احتقن به) أي: المسكر (أو استعط) به (أو تمضمض به

(1)

تقدم تخريجه (12/ 184) تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 95) تعليق رقم (3، 4، 6).

(3)

(14/ 97).

(4)

في "ذ": "يحرم".

(5)

(14/ 57).

ص: 100

فوصل إلى حَلْقِه، أو أكل عجينًا لُتَّ به) لأن ذلك في معنى الشُّرب.

(فإن خبز العجين، فأكل من خُبْزه؛ لم يُحَدّ) لأن النار أكلت أجزاء الخمر.

(وإن ثرد في الخمر، أو اصطبغ به، أو طبخ به لحمًا، فأكل من مرقه؛ حُدَّ) لأن عين الخمر موجودة.

(ولو خلطه) أي: المُسْكِر (بماء، فاستُهْلِك) المُسْكِرُ (فيه) أي: الماء (ثم شربه) لم يُحدَّ؛ لأنه باستهلاكه في الماء لم يسلب اسم الماء عنه.

(أو داوى به) أي: المُسْكِر (جُرْحه؛ لم يُحدَّ) لأنه لم يتناول

(1)

شُرْبًا، ولا في معناه.

(ولا يُحدّ ذِمي، ولا مُستأمنٌ بشُرْبه) أي: المُسْكِر (ولو رضي بحُكْمِنا؛ لأنه يعتقدُ حِلَّه) وذلك شُبهة يُدرأ بها الحَدّ.

(ويثبتُ شُرْبه) أي: المُسْكِر (بإقراره) أي: الشارب (مرةً، كقذفٍ) لأن كلًّا منهما لا يتضمن إتلافًا، بخلاف حَدِّ الزنى والسرقة (ولو لم توجد منه رائحة) الخمر، مؤاخذةً له بإقراره (أو) بـ (ـــشهادة رجلبن عدلين، يشهدان أنه شرب مُسْكرًا، ولا يحتاجان إلى بيان نوعه) لأن كلًّا منهما

(2)

يوجب الحَدَّ (ولا أنه شربه مختارًا عالمًا أنه مُسْكِر) أو أنه مُحَرَّم، عملًا بالظاهر.

(ولا يُحدُّ بوجود رائحة) الخمر (منه) لاحتمال أنه تمضمض بها، أو ظَنَّها ماء، فلما صارت في فيه مجَّها ونحو ذلك، والحَدُّ يُدرأ بالشُّبهة

(1)

في "ح" و"ذ": "يتناوله".

(2)

في "ذ": "منها".

ص: 101

(لكن يُعزَّرُ كحاضِرٍ شُرْبَها) لما روى أبو داود، عن عبد الله بن عمر مرفوعًا قال: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعصرها

(1)

، وحاملها، والمحمولة إليه"

(2)

.

(ومتى رجع) المقِرُّ بالشرب (عن إقراره؛ قُبِلَ رجوعه) لأنه حَدٌّ لله تعالى، فقُبِلَ رجوعه عنه (كسائر الحدود، غير القذف) لأنه حق آدمي، كما سبق

(3)

.

(ولو وُجد سكران أو تقايأها) أي: الخمر (حُدَّ) لأنه لم يسكر أو يتقايأها

(4)

إلا وقد شربها.

(وإذا أتى على عصير ثلاثة أيام بلياليهنَّ؛ حَرُمَ، ولو لم يوجد منه غليان) لما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يشربه إلى مساء ثالثة، ثم يأمر به فَيُسقى الخدم أو يهراق" رواه مسلم

(5)

. وحكى أحمد، عن ابن عمر أنه قال:"العصير أشربه ما لم يأخذه شيطانه، قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: في ثلاثة"

(6)

؛ ولأن الشدة تحصل في ثلاثةٍ غالبًا، وهي خفيّة تحتاج إلى ضابط، والثلاث تصلح لذلك.

(إلا أن يغلي) كغليان القدر، ويقذف بزَبَده (قبل ذلك، فيَحْرُم) ولو لم يسكر؛ لما روى الشالنجي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشربوا

(1)

في "ذ": "ومعتصرها" وهو الموافق للرواية.

(2)

أبو داود في الأشربة، باب 2، حديث 3674، وقد تقدم تخريجه (9/ 58) تعليق رقم (2).

(3)

(14/ 73).

(4)

في "ح" و"ذ": "يتقيأها".

(5)

في الأشربة، حديث 2004 (81)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(6)

انظر: الورع لأحمد ص/ 162، وأخرجه عبد الرزاق (9/ 217) رقم 16990، وابن أبي شيبة (8/ 138).

ص: 102

العصير ثلاثًا ما لم يَغْلِ"

(1)

؛ ولأن عِلّة التحريم الشِّدةُ الحادثة فيه، وهي توجد بوجود الغليان، فإذا غَلى حَرُم.

(ولو طُبخ) العصير (قبل التحريم) أي: قبل أن يغلي، وقبل أن يأتي عليه ثلاثة أيام بلياليهن (حَلَّ؛ إن ذهب) بطبخه (ثلثاه، نصًّا

(2)

) ذكره أبو بكر إجماع المسلمين

(3)

؛ لأن أبا موسى "كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه" رواه النسائي

(4)

. وله مثله عن عمر

(5)

، وأبي الدرداء

(6)

. ولأن العصير إنما يغلي؛ لما فيه من الرطوبة، فإذا غَلَى على النار حتى ذهب ثلثاه، فقد ذهب أكثر رطوبته، فلا يكاد يغلي، وإذا لم يغل، لم تحصُل فيه الشدة؛ لأنه يصير كالرُّبِّ

(7)

، ولهذا قال أحمد حين قال له أبو داود: إنهم يقولون إنه يُسْكِر. فقال: لو كان يُسْكر، ما أحله عمر

(8)

.

(1)

الشالنجي: هو أبو إسحاق إسماعيل بن سعيد المتوفى سنة 230 هـ، كما تقدم (1/ 479، 5/ 225)، وله مسائل عن الإمام أحمد، وكتاب "البيان على ترتيب الفقهاء" ولم يُطبعا.

ولم نقف عليه مرفوعًا، وأخرج النسائي في الأشربة، باب 55، رقم 5750، وفي الكبرى (3/ 343) رقم 5243، وابن أبي شيبة (8/ 137)، عن الشعبي قال: اشربه ثلاثة أيام إلا أن يغلي.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 259، ومسائل صالح ص/ 157، رقم 563.

(3)

الإشراف (2/ 381).

(4)

في الأشربة، باب 53، رقم 5737، وفي الكبرى (3/ 242) رقم 5237.

(5)

النسائي في الأشربة، باب 53، رقم 5731، 5733، 5735، وفي الكبرى (3/ 240) رقم 5224 - 5226، وعبد الرزاق (9/ 255) رقم 17120 - 17121، بنحوه.

(6)

النسائي في الأشربة، باب 53، رقم 5736، وفي الكبرى (3/ 241) رقم 5229، 5324، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 31): هذا حديث باطل.

(7)

الرُّبُّ بالضم: سُلافة خثارة كل ثمرة بعد اعتصارها. القاموس المحيط مادة (ريب) ص/ 112.

(8)

مسائل أبي داود ص/ 259.

ص: 103

(وقال الموفَّق والشارح وغيرهما: الاعتبارُ في حِلّه عدمُ الإسكار، سواء ذهب بطبخه ثلثاه أو أقل أو أكثر) لأن العلة مظنة الإسكار، وحيث انتفت فالأصل الحل.

(و‌

‌النبيذُ مباحٌ ما لم يَغْلِ،

أو تأتِ عليه ثلاثة أيام) بلياليهن (وهو) أي: النبيذ (ما يُلقى فيه تمرٌ، أو زبيبٌ، أو نحوهما؛ ليَحْلُوَ به الماءُ، وتذهب ملوحته) روى أحمد، ومسلم، وأبو داود عن ابن عباس:"أنه كان ينقع للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب، فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الليلة الثالثة، ثم يؤمر به فيسقى ذلك الخدم أو يهراق"

(1)

، وقوله:"إلى مساء الليلة الثالثة" يكون

(2)

قبل تمام الثلاث بقليل، فيسقى ذلك الخدم إن شاء، أو يشربه، أو يهراق قبل أن تتم عليه الثلاث لينبذ غيره في وعائه.

(فإن طُبخ) النبيذ (قبل غليانه حتى صار غير مُسْكِر، كرُبِّ الخَرُّوب

(3)

وغيره، فلا بأس) إذا كان قبل أن يأتي عليه ثلاثة أيام بلياليهن، وظاهره: وإن لم يذهب بالطبخ ثلثاه، وهو واضح على قول الموفّق ومن تابعه، وعلى الأول يحتاج للفرق بين العصير والنبيذ.

(وجعل) الإمام (أحمد

(4)

وَضْع زبيب في خَرْدَل كعصير) يعني: يحرم إذا غَلَى أو أتت عليه ثلاثة أيام؛ صَرَّح به في "المستوعب" (وأنه إن

(1)

أحمد (1/ 224)، ومسلم في الأشربة، حديث 2004 (81)، وأبو داود في الأشربة، باب 10، حديث 3713.

(2)

زاد في "ذ": "قبل الغروب".

(3)

الخَرُّوب والخرنوب: شجر ينبت في جبال الشام له حب كحب الينبوت يسميه صبيان أهل العراق القثاء الشامي، وهو يابس أسود. لسان العرب (4/ 78) مادة (خرنب).

والينبوتُ: شجر الخشخاش، وشجر آخر عظام، أو شجر الخروب. القاموس المحيط ص/ 206، مادة (نبت).

(4)

انظر: الفروع (6/ 102).

ص: 104

صُبَّ عليه خَلّ، أُكِل) ولو بعد الثلاث.

(وإن غَلَى عنبٌ وهو عنبٌ، فلا بأس به، نصًّا

(1)

) نقله أبو داود. وعلى قياسه الرمان والبطيخ ونحوهما.

(ولا يُكره الانتباذ في الدُبَّاء) بضم الدَّال وتشديد الباء؛ وهي القرع. والواحدة دباءة، والمراد القرعة اليابسة المجعولة وعاء (والحَنْتم) الجرار المدهونة، واحدها حنتمة (والمزفَّت) أي: الوعاء المطلي بالزفت (والمقيَّر) أي: الإناء المطلي بالقار، وكذا ما يُصنع من الخشب، والنقير: وهو أصل النخلة ينقر، ثم يُنبذ فيه، فعيل بمعنى مفعول (كغيرها) وما رُوي في الصحيحين من النهي عن الانتباذ فيها

(2)

، منسوخ بحديث بُريدة يرفعه:"كُنتُ نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروفِ الأَدَمِ، فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مُسكِرًا" رواه أحمد ومسلم

(1)

مسائل أبي داود 347، رقم 1663.

(2)

روياه عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - علي رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الأشربة، باب 8، حديث 5594، ومسلم في الأشربة، حديث 1994، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتبذ في الدُّباء والمزفَّت.

ب - عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري في الأشربة، باب 8، حديث 5595، ومسلم في الأشربة، حديث 1995.

ج - أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه مسلم في الأشربة، حديث 1992، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت، أن ينبذ فيه.

د - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه مسلم في الأشربة، حديث 1993، بزيادة: الحنتم والنقير والمقَّير.

هـ - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه مسلم في الأشربة، حديث 1995.

و - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه مسلم في الأشربة، حديث 1996.

ز - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مسلم في الأشربة، حديث 1997.

ص: 105

وأبو داود والنسائي

(1)

.

(ويُكره الخليطان، وهو أن ينتبذ شيئين، كتمر وزبيب) معًا (و) كـ (ـــتمر وبُسر، أو مُذَنِّبٍ) وهو ما نصفه بُسْر، ونصفه رُطَب (وحده) لأنه كنبذ بُسر مع رُطَب. روى جابر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعًا، ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعًا" رواه الجماعة إلا الترمذي

(2)

. وعن أبي سعيد قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخلط بُسْرًا بتمر، أو زبيبًا بتمر، أو زبيبًا بِبُسْر، وقال: من شربه منكم، فليشربه زبيبًا فردًا، أو تمرًا فردًا، أو بُسْرًا فردًا" رواه مسلم والنسائي

(3)

.

قال أحمد في الرجل ينقع الزبيب والتمر الهندي والعُنَّاب ونحوه، ينقعه غدوة ويشربه عشية للدواء: "أكرهه؛ لأنه يُنْبَذُ

(4)

، ولكن يطبخه

(1)

أحمد (5/ 350، 355 - 356)، وفي الأشربة ص/ 73، رقم 201، ومسلم في الجنائز، حديث 977، وفي الأضاحي، حديث 1977، وأبو داود في الأشربة، باب 7، حديث 3698، والنسائي في الضحايا، باب 36، حديث 4441 - 4442، وفي الأشربة، باب 40، حديث 5667 - 5670، وفي الكبرى (3/ 69، 225 - 226) حديث 4518 - 4519، 5161 - 5164.

(2)

البخاري في الأشربة، باب 11، حديث 5601، ومسلم في الأشربة، حديث 1986، وأبو داود في الأشربة، باب 6، حديث 3703، والنسائي في الأشربة، باب 9، حديث 5571، وفي الكبرى (4/ 183) حديث 6807، 6809، وابن ماجه في الأشربة، باب 11، حديث 3395، وأحمد (3/ 294، 300، 302، 317، 363، 369). وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الأشربة، باب 9، حديث 1876.

(3)

مسلم في الأشربة، حديث 1987 (23)، والنسائي في الأشربة، باب 16، حديث 5584 - 5585، وفي الكبرى (3/ 208، 210، 4/ 184) حديث 5078، 5081، 6810.

(4)

في "ذ": "نبيذ".

ص: 106

ويشربه على المكان"

(1)

(ما لم يَغْلِ أو تأتِ عليه ثلاثة أيام) بلياليهن، فيَحْرُم؛ لما سبق

(2)

.

(ولينبذْ كلَّ واحد) من الخليطين (وحدَه) لحديث أبي سعيد السابق.

(ولا بأس بالفُقَّاع) لأنه نبيذ لم تأتِ عليه ثلاثة أيام، ولا هو مشتد، وليس المقصود منه الإسكار، وإنما يُتخذ لهضم الطعام وصدق الشهوة.

(والخمرة إذا أُفْسِدَتْ

(3)

فصُيِّرت خلًّا؛ لم تَحِلَّ.

وإن قلب الله عينها فصارت خلًّا) بنفسها، أو بنقل لغير قَصْدِ تخليلٍ (فهي حلال) لقول عمر على المنبر:"لا يحل خَلُّ خمرٍ أُفسدت، حتى يكون الله هو الذي تولَّى إفسادها، ولا بأس على مسلم ابتاع من أهل الكتاب خلًّا ما لم يتعمَّد لإفسادها" رواه أبو عبيدة

(4)

(5)

بمعناه (وتقدم

(6)

في باب إزالة النجاسة) موضحًا.

"تتمة":‌

‌ يحرم التشبُّه بشرب الخمر، ويعزَّر فاعله

وإن كان المشروب مباحًا في نفسه، فلو اجتمع جماعة ورتبوا مجلسًا، وأحضروا

(1)

انظر: المغني (12/ 515).

(2)

(14/ 102).

(3)

في "ح" و"ذ": "فسدت".

(4)

في "ح" و"ذ": "أبو عبيد"، وهو الصواب.

(5)

في كتاب الأموال ص/ 104، رقم 228، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ: لا تأكل خلًّا من خمر أفسدت حتى يبدأ الله بفسادها وذلك حين طاب الخل، ولا بأس على امرئ أصاب خلًّا من أهل الكتاب أن يبتاعه ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها.

وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (9/ 253) رقم 17110 - 17111، بلفظ:"لا يحل خل من خمر أفسدت حتى يكون الله هو الذي أفسدها".

(6)

(1/ 440 - 441).

ص: 107

آلات الشراب وأقداحه، وصبوا فيها السَّكَنْجَبين، ونصبوا ساقيًا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويجيء بعضهم بعضًا بكلماتهم المعتادة بينهم؛ حَرُم ذلك، وإن كان المشروب مباحًا في نفسه؛ لأن في ذلك تشبيهًا

(1)

بأهل الفساد؛ قاله الغزالي في "الإحياء"

(2)

في كتاب السماع، ومعناه قول "الرعاية": ومن تشبه بالشراب في مجلسه وآنيته، وحاضر من حضره

(3)

بمحاضر الشراب، حَرُم وعُزِّر.

(1)

في "ح": "تشبّهًا".

(2)

(2/ 272).

(3)

في "ح" و"ذ": "حاضره".

ص: 108

‌باب التعزير

(وهو) لغةً: المنع. واصطلاحًا: (التأديب) لأنه يمنع من تعاطي القبيح، وعَزَّرته بمعنى نصرته؛ لأنه منع عدوه من أذاه. وقال السعدي

(1)

: يقال: عَزَّرته: وقَّرته، وأيضًا: أدَّبته، وهو من الأضداد، وهو طريق إلى التوقير؛ لأنه إذا امتنع به وصُرِف عن الدناءة حصل له الوقار والنزاهة.

(وهو واجبٌ في كلِّ معصية لا حَدَّ فيها ولا كفَّارة، كاستمتاعٍ لا يوجب الحَدَّ) بأن لم يكن فيه تغييبٌ للحَشَفةِ، أو قَدْرها في فرجٍ أصلي.

(و) كـ (ـــإتيان المرأةِ المرأةَ) أي: المساحقة.

(و) كـ (ـــاليمين الغموس؛ لأنه لا كفَّارة فيها.

وكَدُعاءٍ عليه، ولَعْنِهِ، وليس لمن لُعِن ردُّها) على من لَعَنه؛ لعموم النهي عن اللَّعن

(2)

.

(وكسرقة ما لا قَطْعَ فيه) لعدم الحِرْزِ، أو لكونه دون رُبع دينار ونحوه.

(وجنايةٍ لا قِصاص فيها) كصفع، ووَكْزٍ، وهو الدفع والضرب

(1)

في كتابه الأفعال (2/ 364).

(2)

أخرج مسلم في البر والصلة، حديث 2597، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعَّانًا.

وأخرج أبو داود في الأدب، باب 53، حديث 4906، والترمذي في البر، باب 48، حديث 1976، والحاكم (1/ 48)، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضب الله، ولا بالنار.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

ص: 109

بجُمْع الكَفِّ.

(و) كـ (ــالقَذْف بغير الزنى، ونحوه) كاللواط (وكنَهْبٍ، وغَصْبٍ، واخْتِلاسٍ، وسَبِّ صحابيٍّ، وغير ذلك) من المُحَرَّمات التي لا حَدَّ فيها ولا كفَّارة، ومِنْ تركِ الواجبات (ويأتي في باب المُرتَدِّ سَبُّ الصحابي بأتمَّ من هذا، وتقدم

(1)

في باب القذف جملةٌ من ذلك) أي: ما يوجب التعزير.

(فيُعزَّرُ فيها المُكلَّف وجوبًا) لأن المعصية تفتقر إلى ما يمنع من فعلها، فإذا لم يجب فيها حَدٌّ ولا كَفَّارة؛ وجب أن يُشرع فيها التعزير؛ ليتحقق المانع من فعلها.

وقوله: "لا حدّ فيها" أخرج ما أوجب الحَدَّ من الزنى والقذف والسرقة ونحوها.

وقوله: "ولا كفَّارة" خرج به الظِّهار والإيلاء وشِبْه العمد، وقال في "المبدع": قد يُقال: يجب التعزير فيه، أي: في شِبْهِ العمد؛ لأن الكفَّارة حقٌّ لله تعالى، بمنزلة الكفَّارة في الخطأ، ليست

(2)

لأجل الفعل، بل بدل النفس الفائتة، فأما نفس الفعل المُحَرَّم الذي هو الجناية، فلا كفَّارة فيه، ويظهر هذا بما لو جنى عليه فلم يُتلِف شيئًا، استحق التعزير، ولا كفَّارة، ولو أتلف بلا جناية مُحَرَّمة

(3)

لوجبت الكفارة بلا تعزير، وإنما الكفارة في شِبْه العمد، بمنزلة الكفَّارة على المُجامِع في الصيام والإحرام.

(1)

(14/ 73 - 91).

(2)

في "ذ": "وليست".

(3)

أشار في حاشية الأصل إلى أنه جاء في نسخة: كما لو انقلب وهو نائم.

ص: 110

(وتقدم

(1)

قولُ صاحب "الروضة": إذا زنى ابنُ عشر، أو بنتُ تسع، عُزِّرا.

وقال الشيخ

(2)

: لا نزاع بين العلماء أن غير المُكَلَّف، كالصبي المميز، يُعاقب على الفاحشة تعزيرًا بليغًا، وكذا المجنون يُضرب على ما فَعَلَ) أي: ما

(3)

لا يجوز للعاقل (لِيَنْزَجر، لكن لا عقوبةَ بقتل أو قطع.

وفي "الرعاية الصغرى" وغيرِها: ما أوجب حدًّا على مُكلَّف، عُزِّر به المميز، كالقذف. انتهى.

و‌

‌إن ظلم صبيٌّ صبيًّا، أو مجنونٌ مجنونًا، أو بهيمةٌ بهيمةً، اقتُصّ للمظلوم من الظالم،

وإن لم يكن في ذلك زَجْرٌ) عن المستقبل (لكن لاشتفاء

(4)

المظلوم

(5)

وأخْذِ حَقِّه) قال في "الفروع": فيتوجَّه أن يُقال: يفعل ذلك، ولا يخلو عن رَدْعٍ وزَجْرٍ. وأما في الآخرة، فإن الله تعالى يقول

(6)

ذلك للعدل بين خلقه. قال ابن حامد: القِصاص بين البهائم والشجر والعيدان جائزٌ شرعًا، بإيقاع مثل ما كان في الدنيا.

(وتقدَّم

(7)

تأديبُ الصبيِّ على الطهارة والصلاة) إذا بلغ عشرًا (وذلك ليتعوَّدَ) وكذا الصوم

(8)

إذا أطاقه، و (كتأديبه على خَطٍّ وقراءة وصناعةٍ وشِبهها) قال في "الواضح": ومثله زنىً. وهو ظاهر كلام

(1)

(14/ 55).

(2)

منهاج السنة النبوية (6/ 50).

(3)

في "ح" و"ذ": "مما".

(4)

في "ذ": "لاقتصاص".

(5)

زاد في "ح": "من الظالم".

(6)

في "ذ": "يفعل".

(7)

(2/ 18 - 19).

(8)

انظر ما تقدم (5/ 219).

ص: 111

القاضي فيما نقله الشالنجي في الغلمان يتمردون: لا بأس بضربهم.

(قال القاضي ومن تبعه: إلا إذا شَتَم نفسَه أو سَبَّها، فإنه لا يُعزَّر) وهو معصية، كما يُعلم من كلام القاضي.

(وقال) القاضي (في "الأحكام السلطانية"

(1)

: إذا تشاتم والد وولده، لم يعزَّر الوالدُ لحقّ ولده) كما لا يُحدُّ لقذفه، ولا يُقاد به (ويعزَّر الولدُ لِحقِّه) أي: الوالد، كما يُحدُّ لقذفه، ويُقاد به (ولا يجوز تعزيره) أي: الولد (إلا بمطالبة الوالد) بتعزيره؛ لأن للوالد تعزيرَه بنفسه، كما يُعلم مما سبق في النفقات

(2)

(ولا يحتاج التعزير إلى مطالبة في غير هذه) الصورة؛ لأنه مشروعٌ للتأديب، فيقيمه الإمام إذا رآه، وظاهر "المنتهى": حتى في هذه، قال: ولا يحتاج إلى مطالبة.

(وإن تشاتم غيرُهما) أي: الوالد وولده (عُزِّرا) ولو جَدًّا وولد ولده، أو أمًّا وولدها، أو أخوين.

(قال الشيخ

(3)

: ومن غَضِب فقال: ما نحن مسلمون، إن أراد ذَمَّ نفسِهِ لنقص دينه، فلا حَرَجَ فيه ولا عقوبة. انتهى.

ويُعزَّر بعشرين سوطًا بشرب مُسْكِرٍ في نهار رمضان لِفطره - كما دَلَّ عليه تعليلهم - مع الحدّ، فيجتمع الحَدُّ والتعزير في هذه الصورة) لما روى أحمد بإسناده:"أنَّ عليًّا أُتي بالنّجاشي قد شَرِب خمرًا في رمضان، فجلده ثمانين الحدّ، وعشْرين سوطًا لفطره في رمضان"

(4)

وإنما جمع

(1)

ص/ 282.

(2)

(13/ 176).

(3)

الفتاوى الكبرى (4/ 605).

(4)

مسائل صالح (2/ 322 - 325) رقم 952 - 956.

وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (9/ 231) رقم 17042، وابن أبي شيبة (10/ 36)، =

ص: 112

بينهما؛ لجنايته من وجهين.

(ولو توجَّه عليه تعزيرات على معاصٍ شتَّى؛ فإن تمحَّضتْ لله) تعالى (واتَّحد نوعُها) كأنْ قَبَّل أجنبيةً مرارًا (أو اختلف) نوعُها، بأنْ قَبَّل أجنبية ولَمَس أخرى قصدًا (تداخلت) وكفاه تعزيرٌ واحد، كما تقدم

(1)

في حد الزنى.

(وإن كانت) التعزيرات (لآدميٍّ، وتعدَّدت، كأنْ سبَّه مرات، ولو اختلف نوعُها) أي: السبَّات (أو تعدَّد المستحِق) بالتعزير (كسبِّ أهل بلدٍ؛ فكذلك) أي: تداخلت؛ لأن القصد التأديب ورَدْعه، وظاهره: ولو بكلمات.

(ومن وطئ أمَةَ امرأته، فعليه الحَدّ) لحديث النعمان بن بشير

(2)

؛ ولأنه وطئ في فَرْجٍ مِن غير عَقْد ولا ملك، فوجب عليه الحَدّ، كوطء أَمَة غير زوجته (إلا أن تكون أحلّتها له، فَيُجلد مائةً، ولا يُرجم ولا يُغَرَّب) لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما، عن حبيب بن سالم: "أن رجلًا يُقال له: عبد الرحمن بن حنين، وقع على جارية امرأته، فَرُفع إلى النعمان بن بشير وهو أميرٌ على الكوفة، فقال: لأقضينَّ فيك بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنْ كانت أحلَّتها لكَ جلدتُكَ مائة، وإن لم تكن أحلَّتها لك رجمْتُك بالحجارة. فوجدوها أحلَّتها له، فجلده

= والطحاوي (3/ 153)، والبيهقي (8/ 321).

والنجاشي هذا هو: قيس بن عمرو بن مالك، أحد بني الحارث بن كعب، كان من أشراف العرب إلا أنه كان فاسقًا، قال الطبري: نسب إلى أمه وكانت من الحبشة.

انظر: الشعر والشعراء ص/ 329، وسمط اللآلي (2/ 890).

(1)

(14/ 29) في كتاب الحدود.

(2)

انظر تخريجه في التعليق التالي.

ص: 113

مائة"

(1)

.

(وإن أولدها) أي: أَمَة زوجته (لم يلحقه نسبه) لأنه وطئ في غير ملك ولا شُبهة، كزناه بغيرها.

(ولا يسقط الحَدُّ بالإباحة في غير هذا الموضع) لعموم النصوص الدالّة على وجوب الحَدِّ على الزاني، وإنما سقط هنا، أي: في إباحة المرأة أمتَها لزوجها؛ لحديث النعمان المذكور.

(ولا يُزاد في التعزير على عشر جَلَدات) لحديث أبي بُرْدة مرفوعًا: "لا يُجلد أحدٌ فوق عشر جَلَدات إلا في حَدٍّ من حدود الله تعالى" متفق عليه

(2)

(في غير هذا الموضع) أي: إباحة الزوجة أمتها لزوجها، وأيضًا ما تقدم في من شرب مسكرًا في نهار رمضان؛ لورود الأثر

(3)

، فيكون

(1)

أحمد (4/ 272 - 273، 275، 277)، وأبو داود في الحدود، باب 28، حديث 4458، والترمذي في الحدود، باب 21، حديث 1451، وفي العلل الكبير ص/ 234، حديث 424، والنسائي في النكاح، باب 70، حديث 3360، وفي الكبرى (4/ 296 - 297) حديث 7227، 7229، والطحاوي (3/ 145)، وابن عدي (2/ 812)، والبيهقي (8/ 239)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 328) حديث 1821.

قال الترمذي: حديث النعمان في إسناده اضطراب، سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول: لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، وإنما رواه عن خالد بن عرفطة. وذكر ابن أبي حاتم في العلل (1/ 448) عن أبيه: حبيب بن يساف مجهول لا أعلم أحدًا روى عنه غير قتادة هذا الحديث الواحد، وكذلك خالد بن عرفطة مجهول. وقال ابن عدي في حبيب بن سالم: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروى عنه. انظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 448).

(2)

البخاري في الحدود، باب 42، حديث 6848 - 6850، ومسلم في الحدود، حديث 1708.

(3)

انظر ما تقدم (14/ 112) تعليق رقم (4).

ص: 114

مخصصًا.

(إلا إذا وطئ جاريةً مشتركة، فَيُعزَّرُ بمائة إلا سوطًا) لما روى الأثرم عن سعيد بن المسيب "أنَّ عمر قال في أمة بين رجلين وطئها أحدهما: يجلد الحد

(1)

إلا سوطًا"

(2)

واحتج به أحمد

(3)

.

(وعنه

(3)

: ما كان) من التعازير (سببه الوطءَ، كوطئه جاريته المزوَّجة، و) وطء (جارية ولده، أو) جارية (أحد أبويه، والمُحَرَّمةَ برضاع، ووطء ميتة، ونحوه، عالمًا بتحريمه - إذا قلنا: لا يُحدُّ فيهنَّ - يُعزَّر بمائة) لما سبق من حديث النعمان في وطء جارية امرأته بإذنها، فيتعدَّى إلى وطء أَمَته المشتركة والمزوَّجة؛ لأنهما في معناها

(4)

.

(و) يُعزَّر (العبدُ) في ذلك (بخمسين إلا سوطًا) قاله في "المبدع" وغيره؛ لأنه على النصف من الحُرِّ (واختاره جماعةٌ) وجزم به في "الهداية"، و"المذهب"، و"المستوعب"، و"المحرر"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصغير" وغيرها. قال في "الفروع": وهي أشهر عند جماعة؛ ذكره في "الإنصاف".

(وكذا لو وَجَد مع امرأته رجلًا) من غير زنىً بها، في رواية نقلها يعقوب (3)، وجزم بها في "المذهب"، و"المحرر" وغيرهما، واحتج بأنّ

(1)

في "ح": "يجلد مائة إلا سوطًا".

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه عبد الرزاق (7/ 358) رقم 13466، عن ابن جريج قال: رفع إلى عمر بن الخطاب: أن رجلًا وقع على جارية له فيها شرك فأصابها فجلده عمر مائة سوط إلا سوطًا.

(3)

انظر: كتاب الروايتين والوجهين (2/ 344) والأحكام السلطانية ص/ 280.

(4)

في "ح": "معناهما".

ص: 115

عليًّا وَجَدَ رجُلًا مع امرأةٍ في لِحَافها، فضربه مائة

(1)

؛ ذكره في "المبدع".

(ويجوز نقصُ التعزير عن عشر جَلَدات؛ إذْ ليس أقلُّه مقدرًا، فيُرْجع إلى اجتهاد الإمام أو الحاكم فيما يراه، وما يقتضيه حالُ الشخص.

ولا يُجرَّدُ للضرب، بل يكون عليه القميص والقميصان، كالحَدِّ.

وذكر ابن الصَّيْرَفِيّ

(2)

: إن من صَلَّى في الأوقات المنهيِّ عنها، يُضرَب ثلاث ضَرَبات.

ويكون) التعزير (بالضرب والحبس والصفع والتوبيخ والعزل عن الولاية).

وقال في "الاختيارات"

(3)

: إذا كان المقصود دَفْعَ الفساد؛ ولم يندفع إلا بالقتل؛ قُتِلَ، وحينئذٍ: فمن تكرَّر منه جنسُ الفساد؛ ولم يرتدع بالحدود المقدَّرة، بل استمر على الفساد، فهو كالصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل، فَيُقتل.

(وإن رأى الإمامُ العفوَ عنه؛ جاز) قاله في "المغني" و"الشرح". وقال في "المبدع"، ومعناه في "الشرح": ما كان من التعزير منصوصًا عليه كوطء جارية امرأته، أو جارية مشتركة، وجب امتثال الأمر فيه، وما لم يكن، ورأى الإمامُ المصلحةَ فيه، وجب كالحَدِّ، وإن رأى العفوَ

(1)

أخرج عبد الرزاق (7/ 400) رقم 13635، وابن أبي شيبة (9/ 528 - 529)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان إذا وجد الرجل والمرأة في ثوب واحد، جلدهما مائة، كل إنسان منهما.

(2)

هو يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع بن علي، الحرَّاني، أبو زكريا، ويُعرف بابن الجيشي، برع في المذهب ودرَّس وناظر وأفتى، توفي سنة (978 هـ) رحمه الله تعالى. ذيل طبقات الحنابلة (2/ 295).

(3)

ص/ 432.

ص: 116

جاز؛ للأخبار

(1)

، وإن كان لحقّ آدمي، فَطَلَبه؛ لزمه إجابته. وفي "الكافي": يجب التعزير في موضعين وَرَدَ الخبر فيهما، وما عداهما إلى اجتهاد الإمام، فإن جاء تائبًا معترفًا قد أظهر الندم والإقلاع، جاز ترك تعزيره وإلا؛ وجب. انتهى.

وقَدَّم في "الإنصاف": أن المذهب وجوب التعزير مطلقًا، وأنَّ عليه جماهير الأصحاب، وهو مقتضى كلام المُصنِّف فيما سبق.

(ولا يجوز قَطْعُ شيء منه) أي: ممن وجب عليه التعزير (ولا جَرْحُه، ولا أخذُ شيءٍ من ماله) لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يُقتدى به؛ ولأن الواجب أدب، والأدب لا يكون بالإتلاف.

(قال الشيخ

(2)

: وقد يكون التعزير بالنيل من عِرْضِه، مثل أن يُقال له: يا ظالم، يا معتدي، و) قد يكون التعزير (بإقامته من المجلس. وقال

(3)

: التعزير بالمال سائغٌ، إتلافًا وأخذًا. وقول) الموفق (أبي محمد المقدسي: لا يجوز أخذُ ماله؛ إشارة منه إلى ما يفعله الحُكّام الظَّلَمة.

والتعزير يكون على فِعْلِ المُحَرَّمات، و) على (ترك الواجبات، فمِن جنس ترك الواجبات، مَنْ كَتَم ما يجب بيانه، كالبائع المدلِّس) في المبيع، بإخفاء عيب ونحوه (والمؤجر) المدلس (والناكح) المدلس

(1)

منها ما أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب 4، حديث 526، وفي التفسير، باب 6، حديث 4687، ومسلم في التوبة، حديث 2763، أن رجلًا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شيء، غير أني لم أنكحها، فافعل بي ما شئت، فقرأ عليه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 432.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 433.

ص: 117

(وغيرهم من المعاملين) إذا دلس.

(وكذا الشاهد والمُخْبِر) الواجب عليه الإخبار بما علمه، من نحو نجاسة شيء (والمفتي والحاكم ونحوهم، فإن كتمانَ الحَقِّ شبيهُ الضَّمان، وعلى هذا: لو كتم شهادةً كتمانًا أبطل به حَقَّ مسلمٍ؛ ضَمِنه، مثل أن يكون عليه حَقٌّ ببيّنةٍ، وقد أدَّاه حقَّه، وله) أي: المؤدي لِمَا كان عليه (بيّنةٌ بالأداء، فتكتم الشهادة

(1)

حتى يغرم ذلك الحق، فظاهر نَقْل حنبل وابن منصور

(2)

سماع الدعوى) على البينة بذلك (و) سماع (الأعذار، والتحليف في الشهادة) إذا أنكرت البينة العلم بها أو نحوه. هذا كلام الشيخ

(3)

، ويأتي في اليمين في الدعاوى أنه لا يُحَلَّف شاهد.

(ومن اسْتَمْنَى بيده خوفًا من الزنى، أو خوفًا على بدنه، فلا شيء عليه) قال مجاهد: كانوا يأمرون فتيانهم يستغنوا به

(4)

(إذا لم يقدِرْ على نكاحٍ، ولو) لـ (ــأَمَة، ولا يجد ثمنَ أَمَة) لأن فعل ذلك إنما يُباح للضرورة، وهي مندفعة بذلك (وإلا) بأن

(5)

قَدَرَ على نكاح، ولو لأمَةٍ، أو على ثمن أمَة (حَرُم وعُزِّرَ) لأنه معصية؛ ولقوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}

(6)

؛ ولحديث رواه الحسن بن عرفة في "جزئه"

(7)

؛

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 246): "فيَكْتم الشهادة".

(2)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 434.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 434.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (7/ 391) رقم 13593.

(5)

في "ح": "أي بأن قدر".

(6)

سورة المؤمنون، الآية:5.

(7)

ص 64، حديث 41. وأخرجه - أيضًا - البيهقي في شعب الإيمان (4/ 378) حديث 5470، ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 633) حديث 1046، عن علي بن ثابت الجزري، عن مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد، عن أنس بن مالك، عن =

ص: 118

قاله في "المبدع".

(وحُكمُ المرأة في ذلك حُكمُ الرجل، فتستعمل شيئًا مثل الذَّكَر) ويحتمل المنع وعدم القياس؛ ذكره ابن عقيل.

(وله أن يستمني بيد زوجته وجاريته) المباحة له؛ لأنه كتقبيلها.

(ولو اضطر إلى جماع، وليس ثَمَّ من يُباح وطؤها، حَرُم الوطء) بخلاف أكله في المخمصة ما لا يُباح في غيرها؛ لأن عدم الأكل لا تبقى معه الحياة، بخلاف الوطء.

(وإذا عَزَّره) أي: من وجب عليه (الحاكمُ، أشهره لمصلحة، كشاهد الزور) لِيُجْتَنب (ويأتي) في الشهادات.

(ويحرم) التعزيز (بحَلْق لحيته) لما فيه من المُثْلة (وله تسويد وجهه

(1)

، و) له (صلبه حيًّا، ولا يُمنع) المصلوب (من أكلٍ ووضوء) لأن البِنْيَة لا تبقى بدون الأكل، والصلاة لا تسقط عنه؛ ولا تصح إلا بالوضوء لقدرته عليه (ويصلِّي بالإيماء) للعُذر (ولا يعيد) ما صلاه بالإيماء، وتقدّم

(2)

في الصلاة.

(قال القاضي: ويجوز أن يُنادى عليه بذنبه إذا تكرَّرَ) الذنبُ (منه،

= النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، فمن تاب تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل، والمفعول به [والمدمن بالخمر] والضارب أبويه حتى يستغيثا، والمؤذى جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره".

قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حسان يُعرف ولا مسلمة. وقال ابن كثير في تفسيره (5/ 458): هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يُعرف لجهالته. وقاله ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 188): إسناده ضعيف.

(1)

"وفي المنتهى: لا يحرم بتسويد وجهه". ش.

(2)

(3/ 259).

ص: 119

ولم يُقلِع. انتهى.

ومن لعن ذميًّا) معيّنًا (أُدِّب) لأنه معصوم، وعِرْضه مُحَرَّم (أدبًا خفيفًا) لأن حُرمته دون حُرمة المسلم (إلا أن يكون صَدَرَ منه) أي: الذمي (ما يقتضي ذلك) أي: أن يُلْعن، فلا شيء على المسلم.

قلت: ما ذكره هو كلام "الفروع" وغيره، ولعل المراد: أن يَلْعَن فاعل ذلك الذنب على العموم، مثل أن يقول: لعن الله فاعل كذا، أما لعنة معيَّنٍ بخصوصه، فالظاهر: أنها لا تجوز، ولو كان ذميًّا وصَدَرَ منه ذنب.

(وقال الشيخ

(1)

: يُعَزَّر) أي: من وجب عليه التعزير (بما يردعه) لأن القصد الرَّدع (وقد يقال بقتله) أي: من لزمه التعزير (للحاجة) وتقدم

(2)

كلامه في "الاختيارات".

(وقال

(3)

: يُقتل مبتدع داعية. وذكره وجهًا، وفاقًا لمالك

(4)

. ونُقِل) القتل (عن أحمد

(5)

في الدعاة من الجَهْمية) لدفع شرهم به. ويأتي في الشهادات: يُكَفَّر مجتهدهم الداعية.

(وقال) الشيخ (- في الخلوة بأجنبية، واتخاذ الطواف بالصخرة دينًا، وقول الشيخ: انذروا لي لتقضى حاجتكم واستغيثوا بي -: إن أصرَّ ولم يتب؛ قُتِل

(6)

.

وكدا من تكرَّر شُرْبُهُ للخمر، ما لم يَنْتَه بدونه) أي:

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 432.

(2)

(14/ 116).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 435، ومجموع الفتاوى (28/ 109، 346، 35/ 405).

(4)

انظر: النوادر والزيادات (14/ 541).

(5)

طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 95).

(6)

انظر: مجموع الفتاوى (11/ 405، 26/ 250، 27/ 11).

ص: 120

القتل (ونص أحمد

(1)

في المبتدع الداعية: يُحبس حتى يَكُفَّ عنها.

ومن عُرِف بأذى الناس و) أذى (مالِهم - حتى بعينه - ولم يَكُفَّ) عن ذلك (حُبس حتى يموت، أو يتوب) قال في "الأحكام السلطانية"

(2)

: للوالي فعله لا للقاضي.

(ونفقته مُدَّةَ حَبْسِه من بيت المال

(3)

؛ ليدفع ضرره).

وفي "الترغيب" في العائن: للإمام حبسه. وقال المنقِّح: لا يبعد أن يُقتل العائن إذا كان يَقتل بعينه غالبًا، وأما ما أتلفه فيغرمه. انتهى.

(ومن مات من التعزير) المشروع (لم يُضمن) لأنه مأذون فيه شرعًا، كالحدِّ.

فصل

(ولا يجوز للجُذَماء مخالطةُ الأصحاءِ عمومًا، ولا مخالطةُ أحدٍ معيَّنٍ صحيح إلا بإذنه، وعلى ولاة الأمور مَنْعُهم من مخالطة الأصحاء، بأن يُسَكَّنوا في مكان مُفْرَدٍ لهم، ونحو ذلك. وإذا امتنع وليُّ الأمر من ذلك، أو المجذوم؛ أثِمَ، وإذا أصرَّ على ترك الواجب مع علمه به؛ فَسَق) قاله في "الاختيارات"

(4)

، وقال: كما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5)

،

(1)

مسائل عبد الله (3/ 1317) رقم 1829.

(2)

ص/ 259.

(3)

زاد بعدها في "ذ": "لعجزه"، وفي متن الإقناع (4/ 248):"مع عجزه".

(4)

ص/ 441.

(5)

منها ما أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب الطب، باب 19، حديث 5707، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"وفرَّ من المجذوم كما تَفِرُّ من الأسد". =

ص: 121

وخلفائه

(1)

، وكما ذكر العلماء.

(وجوَّز ابنُ عقيل قَتْلَ مسلمٍ جاسوسٍ للكُفَّار.

وعند القاضي: يُعنَّفُ ذو الهيئة، ويُعزَّر غيرُه.

وفي "الفنون": للسلطان سُلُوك السياسة، وهو الحزم عندنا، ولا تقف السياسة على ما نَطَق به الشرع) قلت: ولا تخرج عمَّا أمر به، أو نهى عنه.

(قال الشيخ

(2)

: وقوله: الله أكبر عليك، كالدعاء عليه) أي: فيُعزَّر عليه. وجزم به في "المنتهى".

قال الشيخ

(3)

: (ومن دُعي عليه ظلمًا، فله أن يدعو علي ظالمه بمثل ما دعا) به (عليه، نحو: أخزاك الله، أو لعنك الله، أو شتمه

(4)

بغير فِرْيَة) أي: قذف (نحو: يا كلب، يا خنزير. فله أن يقول له مثل ذلك) لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(5)

= وما أخرجه مسلم في السلام، حديث 2231، من حديث عمرو بن الشريد، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم:"إنا قد بايعناك فارجع".

وما أخرجه البخاري في الطب، باب 54، حديث 5774، ومسلم في السلام، حديث 2221، بلفظ:"لا توردوا الممرض على المصح".

(1)

منها ما أخرجه الطبري فيما أورده ابن حجر في الفتح (10/ 159)، من طريق معمر، عن الزهري، أن عمر رضي الله عنه قال لمعيقيب:"اجلس مني قِيدَ رمح". ومن طريق خارجة بن زيد: كان عمر يقول

نحوه.

وقال ابن حجر: وهما أثران منقطعان.

(2)

انظر: الفروع (6/ 116).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 441.

(4)

في متن الإقناع (4/ 249): "يشتمه".

(5)

سورة البقرة، الآية:194.

ص: 122

(أو تعزيره) أي: وله أن يرفعه للحاكم ليعزّره؛ لكونه ارتكب معصية، ولا يردّه عليه.

(ومقتضى كلامه) أي: الشيخ (في موضع آخر

(1)

، أنه لا يَلعن من لَعَنه، كما تقدم

(2)

).

قلت: ولا يدعو عليه، ولا يشتُمه بمثله، بل يعزّره.

(وإذا كان ذنبُ الظالم إفسادَ دينِ المظلومِ؛ لم يكن له) أي: المظلوم (أن يُفْسِد) على الظالم (دينه) قال تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}

(3)

(لكن له) أي: المظلوم (أن يدعو عليه بما يفسد به دينه، مثل ما فعل) معه؛ لقوله تعالى: {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(4)

قلت: الأولى عدم ذلك.

(وكذا لو افترى) إنسان (عليه الكذب، لم يكن له) أي: المكذوب عليه (أن يفتري عليه الكذب، لكن له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه الكذب، نظير ما افتراه، وإن كان هذا الافتراء محرَّمًا؛ لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك، لم يَقْبُح منه) سبحانه (ولا ظلم فيه) لأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء.

(وقال

(5)

: وإذا كان له أن يستعين بمخلوق من وكيل ووالٍ وغيرهما، فاستعانته بخالقه أولى بالجواز. انتهى.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (27/ 475 - 476).

(2)

(14/ 109).

(3)

سورة الزمر، الآية:7.

(4)

سورة البقرة، الآية:194.

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 441.

ص: 123

وقال) الإمام (أحمد

(1)

: الدعاء قِصاص. وقال

(2)

: فمن دعا فما صبر) أي: فقد انتصر لنفسه {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}

(3)

.

فصل

(والقوَّادة - التي تُفْسِد النساء والرجال - أقلُّ ما يجب عليها الضرب البليغ، وينبغي شُهرةُ ذلك، بحيث يستفيضُ في النساء والرجال) لتُجتنَب.

(وإذا أُركبت) القَوّادة (دابة، وضُمَّت عليها ثيابُها) لتأمن

(4)

كشف عورتها (ونودي عليها: هذا جزاء من يفعل كذا وكذا) أي: يفسد النساء والرجال (كان من أعظم المصالح؛ قاله الشيخ

(5)

) ليشتهر ذلك ويظهر.

(وقال

(6)

: لولي الأمر - كصاحب الشُّرْطة - أن يصرف ضررها، إما بحبسها، أو بنقلها عن الجيران، أو غير ذلك.

وقال

(7)

: سُكنى المرأة بين الرجال، و) سُكنى (الرجال بين النساء يُمنع منه لحقّ الله تعالى، ومَنَعَ عُمر بن الخطاب رضي الله عنه العَزَب أن يسكن بين المتأهّلين، والمتأهّل أن يسكن بين العُزَّاب

(8)

) دفعًا للمفسدة.

(1)

انظر: الفروع (4/ 528، 6/ 119).

(2)

طبقات الحنابلة (1/ 408) ومناقب الإمام أحمد ص/ 413 - 414.

(3)

سورة الشورى، الآية:43.

(4)

في "ذ": "لتؤمن".

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 440.

(6)

مجموع الفتاوى (34/ 181).

(7)

مجموع الفتاوى (31/ 64).

(8)

مجموع الفتاوى (34/ 181) وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 229).

ص: 124

(ونفى) عمر بن الخطاب (شابًّا) هو نصر بن حجَّاج إلى البصرة

(- خاف به الفتنة - من المدينة) لتشبُّبِ

(1)

النساء به

(2)

.

(وأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفي المخنثين من البيوت

(3)

.

وقال) الشيخ

(4)

- أيضًا -: (يُعزَّر من يُمْسِك الحية) لأنه محرَّم وجناية. وتقدم

(5)

: لو قَتلت ممسكها من مُدَّعي مشيخة ونحوه، فقاتل نفسه.

(و) يُعزَّر من (يدخل النارَ ونحوه) ممن يعمل الشعبذة ونحوها.

(وكذا) يُعزَّر (من ينقص

(6)

مسلمًا بأنه مُسْلِمانيّ

(7)

أو أن أباه مُسْلِماني مع حُسن إسلامه) لارتكابه معصية بإيذائه.

(وكذا) يُعزَّر (من قال لذمي: يا حاج) لأن فيه تَشبيهَ قاصد الكنائس بقاصد بيت الله، وفيه تعظيم لذلك (أو سَمَّى من زار القبور والمشاهد حاجًّا، إلا أن يسمي ذلك حجًّا بقيد حجِّ الكفَّار والضالين) أي: قصدهم الفاسد.

(1)

شبَّبَ الشاعر بفلانة تشبيبًا: قال فيها الغزل وعرَّض بحبها. المصباح المنير (1/ 302) مادة (شبب).

(2)

أخرجه ابن سعد (3/ 285)، والخرائطي في اعتلال القلوب ص/ 337، وأبو نعيم في الحلية (4/ 322)، وابن عساكر في تاريخه (62/ 20 - 21)، وصحح إسناده الحافظ في "الإصابة"(10/ 198).

(3)

أخرجه البخاري في اللباس، باب 62، حديث 5886، في الحدود، باب 33، حديث 6834، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 440.

(5)

(13/ 226).

(6)

في متن الإقناع (4/ 250): "ينتقص".

(7)

قال في العقد الفريد (6/ 129): العرب تُسمِّي العجميَّ إذا أسلم المُسْلِمانيّ، ومنه يقال: مسَالِمة السواد. وانظر: تكملة المعاجم لدوزي (6/ 134).

ص: 125

(وإذا ظهر كَذِبُ المُدَّعي في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه؛ عُزِّر؛ لكذبه وأذاه) للمدعى عليه.

قلت: ويلزمه ما غَرِمه بسببه ظلمًا؛ لتسببه في غُرْمِه بغير حق، على ما تقدم في أول الحجر

(1)

.

(1)

(8/ 330).

ص: 126

‌باب القطع في السرقة

وهو ثابت بالإجماع

(1)

؛ لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}

(2)

؛ وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: "تُقطع اليد في رُبع دينارٍ فصاعدًا"

(3)

إلى غيره من النصوص.

(وهي أخذُ مالٍ مُحْتَرَمٍ لغيره، وإخْراجُه من حِرْزٍ مثلِه) عادة (لا شُبْهَة له) أي: الآخذ (فيه) وقوله: (على وجه الاختفاء) متعلق بـ "أخذ" ومنه: استراق السمع، ومسارقة النظر، إذا كان يختفي بذلك.

إذا علمت أن السرقة الأخذ على وجه الاختفاء (فلا قَطْعَ على مُنْتَهِبٍ) وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة؛ لما روى جابر مرفوعًا، قال:"ليس على المنْتَهِبِ قَطْعٌ" رواه أبو داود

(4)

.

(1)

الإجماع لابن المنذر ص/ 139، ومراتب الإجماع لابن حزم ص/ 221.

(2)

سورة المائدة، الآية:38.

(3)

أخرجه البخاري في الحدود، باب 13، حديث 6789 - 6791، ومسلم في الحدود، حديث 1684.

(4)

في الحدود، باب 13، حديث 4391 - 4393. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الحدود، باب 18، حديث 1448، والنسائي في قطع السارق، باب 13، حديث 4988، وفي الكبرى (4/ 347) حديث 7463 - 7465، وابن ماجه في الحدود، باب 26، حديث 2591، وعبد الرزاق (10/ 209 - 210) حديث 18858، 18860، وابن أبي شيبة (10/ 45، 47)، وأحمد (3/ 380)، والدارمي في الحدود، باب 8، حديث 2315، والطحاوي (3/ 171)، وابن حبان "الإحسان" (10/ 309 - 310) حديث 4456 - 4457، والدارقطني (3/ 187)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 323، 359)، والبيهقي (8/ 279)، والخطيب في تاريخه (1/ 256، 11/ 153)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 793) حديث 1326، كلهم من طرق عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر =

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رضي الله عنه، مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ووافقه على تصحيحه المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 225)، وابن الملقن في البدر المنير (8/ 660).

وأعله أبو داود والنسائي وغيرهما بأن ابن جريج لم يسمع هذا الحديث من أبي الزبير. قال أبو داود: بلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعهما ابن جريج من ياسين الزيات. وقال النسائي: ولا أحسبه سمعه من أبي الزبير. وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 450): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر [ثم ذكر هذا الحديث]، فقالا: لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من أبي الزبير، يقال: إنه سمعه من ياسين.

وقال الخطيب: وكان أهل العلم يقولون: لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من أبي الزبير، وإنما سمعه من ياسين الزيات عنه، فدلسه في روايته عن أبي الزبير.

وقد أجاب ابن الملقن عن هذا الإعلال، فقال (8/ 662): قد تبين في غير طريق سماعه لهذا الحديث منه، رواه عبد الرزاق [10/ 206، حديث 18844] عن ابن جريج قال: قال لي أبو الزبير، قال جابر

الحديث، وهذا صريح في سماعه له فيه. ورواه النسائي في الكبرى [4/ 347، حديث 7463] عن محمد بن حاتم، ثنا سويد - هو ابن نصر - ثنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن ابن جريج، قال أخبرني أبو الزبير

فذكره. وهذا سند صحيح

فيحمل على أنه مرة بواسطة ياسين، ومرة بغيرها.

قلنا: وكذلك صرح بالسماع عند الدارمي، ثم إن ابن جريج لم ينفرد بروايته عن أبي الزبير، بل تابعه سفيان الثوري؛ أخرجه النسائي في قطع السارق، باب 13، حديث 4986، وفي الكبرى (4/ 346) حديث 7461، وابن حبان "الإحسان"(10/ 311) حديث 4458، والخطيب في تاريخه (9/ 135)، كلهم من طرق عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، به. قال النسائي: لم يسمعه سفيان من أبي الزبير.

وتابعه - أيضًا - المغيرة بن مسلم؛ أخرجه النسائي في قطع السارق، باب 13، حديث 4990، وفي الكبرى (4/ 347 - 348) حديث 7467 - 7468، والبيهقي (8/ 279). قال النسائي: المغيرة بن مسلم ليس بالقوي في أبي الزبير، وعنده غير حديث منكر. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 225): المغيرة بن مسلم =

ص: 128

(ولا) على (مُخْتَلِسٍ، والاختلاس: نوعٌ من الخطف والنهب) وإنما استخفى في ابتداء اختلاسه، والمختلس: الذي يختطف الشيء ويمر به.

(ولا على غاصب، ولا) على (خائن في وديعة، أو عارية، أو غيرهما

(1)

) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على الخائن والمختلس قَطْعٌ"، رواه أبو داود والترمذي

(2)

. وقال: لم يسمعه ابن جُريج من أبي الزبير. وقال أبو داود: بلغني عن أحمد بن حنبل أن ابن جُريج إنما سمعه من ياسين الزيات.

ولأن الاختلاس نوعٌ من النهب، وإذا لم يقطع الخائن والمختلس، فالغاصب أولى.

(ولا جاحِدِ وديعةٍ، ولا غيرِها من الأمانات) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا قطْع على خائنٍ"

(3)

؛ ولأنه ليس بسارق (إلا العاريةَ، فَيُقطع بجَحْدِها) لما روت عائشة: "أنَّ امرأةً كانت تسْتَعيرُ المتاعَ وتجْحَده، فأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بقَطْعِ يدها" رواه مسلم

(4)

. قال

= صدوق.

وتابع أبا الزبير عمرو بن دينار؛ أخرجه ابن حبان "الإحسان"(10/ 309 - 310) حديث 4456 - 4457.

وللحديث شاهد عن أنس رضي الله عنه؛ أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 312) حديث 513، وصحح إسناده الشيخ الألباني في إرواء الغليل (8/ 65). فالحديث صحيح لا غبار عليه. انظر: البدر المنير (8/ 660)، وإرواء الغليل (8/ 62).

(1)

في "ذ": "أو نحوهما".

(2)

جزء من حديث جابر رضي الله عنه الذي تقدم تخريجه آنفًا. ولكلمة: "والمختلس" شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مرفوعًا: "ليس على المختلس قطع". أخرجه ابن ماجه حديث 2592. وصححه الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 66).

(3)

جزء من حديث جابر رضي الله عنه، تقدم تخريجه قريبًا.

(4)

في الحدود، حديث 1688 (10).

ص: 129

أحمد

(1)

: لا أعلم شيئًا يدفعه. وقال في رواية الميموني

(2)

: هو حُكم مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس يدفعه شيءٌ.

(و) يُقطع (بسرقه مِلْحٍ، وترابٍ) يُقصد عاده، كالطين الأرمني والمَغْرَة (وأحجار، ولَبِنٍ) - بكسر الباء - جمع لبنة (و) سرقة (كَلأ، وسرجين طاهر، وثلج، وصيد، وفاكهة، وطبيخ، وذهب، وفضة، ومتاع، وخشب، وقصب) سكر أو فارسي (ونُورة، وجِصّ، وزِرْنيخ، وفَخَّار، وتوابل) وهي: ما يوضع على الخبز من شَمَر ونحوه (وزجاج) حيث بلغت قيمة المسروق من ذلك نصابًا؛ لعموم النصوص.

(ويُشترط في قطع سارق أن يكون مُكلَّفًا مختارًا) لحديث: "عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استُكْرِهُوا عليه"

(3)

؛ وحديث: "رُفِع القلم عن ثلاثٍ"

(4)

.

(و) يُشترط أيضًا (أن يكون المسروق مالًا) لأن ما ليس بمال فلا حُرمة له، فلم يجب به قَطْع، والأحاديث

(5)

دالّة على ذلك، مع أن غير المال لا يساوي المال، فلا يلحق به، والآية وإن كانت مطلقة فالأخبار مُقيّدة، والمطلق يحمل على المقيد (محترمًا) لأنه إذا لم يكن كذلك - كمال الحربي - تجوز سرقته بكل طريق، وجواز الأخذ منه ينفي وجوب

(1)

مسائل عبد الله (3/ 1286) رقم 1786، ومسائل الكوسج (7/ 3373) رقم 2427.

(2)

انظر: المبدع (9/ 115).

(3)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2، 3).

(5)

منها حديث عائشة المتقدم، ومنها ما أخرجه عبد الرزاق (10/ 234) رقم 18959، وابن أبي شيبة (9/ 475)، وإسحاق بن راهويه (2/ 231 - 232) رقم 738 - 739، وأبو عوانة (4/ 114) رقم 6220، والبيهقي (8/ 255 - 256)، عن عروة

أن السارق لم يكن يقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه.

ص: 130

القطع.

وأن يكون السارق (عالمًا به) أي: بالمسروق (و) أن يكون عالمًا (بتحريمه) لأن عدم العلم بذلك شُبهة، والحَدُّ يُدرأ بها

(1)

حسب الاستطاعة.

وأن تكون سرقة

(2)

المال المحترم (من مالكه، أو نائبه) أي: نائب المالك، كوليِّه، ووكيله، بخلاف من سرق من سارق ما سرقه، أو من غاصب ما غصبه؛ لأنه ليس بمحترم (ولو) كان المسروق (من غَلَّةِ وقفٍ وليس من مستحقيه) أي: الوقف؛ لأنه سرق مالًا محترمًا لغيره، ولا شُبهة له فيه، أشبه ما لو لم يكن غَلَّة وقفٍ.

(ويُقطع الطَّرَّار) من الطَّرّ - بفتح الطاء - وهو القطع (سرًّا) أي: الذي يَبُطّ خفية؛ لأنه سارق من حِرْز (وهو الذي يسرق نصابًا من جيب إنسان، أو كُمِّه، أو صُفْنِه

(3)

) بعد بَطِّهِ (وسواء بَطَّ ما أخذَ منه المسروق، أو قطع الصُّفْن) أو نحوه (فأخذه، أو أدخل يده في الجيب فأخذ ما فيه، أو) بطَّه وأخذ ما فيه (بعد سقوطه.

ويُقطع بسرقة العبد الصغير الذي لا يُميّز) لأنه سرق مالًا مملوكًا تَبلغُ قيمته نصابًا، أشبه سائر الحيوانات؛ ولأن مثله لا يفهم، ولا يميز بين سيده وغيره (فإن كان) العبد (كبيرًا لم يُقطع سارقه) لأنه لا يُسرق، وإنما يُخدع (إلا أن يكون) العبد الكبير (نائمًا، أو مجنونًا، أو أعجميًّا لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة) فيُقطع بسرقته؛ لأنه في معنى الصغير.

(1)

في "ذ": "بالشبهة".

(2)

في "ح": "من سرقة"، وفي "ذ":"وأن يكون سرق".

(3)

الصُّفْن: السُّفْرة من جلد التي تُجمع بالخيط، يضع فيها الراعي طعامه وزناده وما يحتاج إليه. تاج العروس (35/ 310 - 311) مادة (صفن).

ص: 131

و (لا) يُقطع (بسرقة مكاتَب) ذكرًا كان أو أنثى؛ لأن ملك سيده ليس تامًّا عليه؛ لكونه لا يملك منافعه ولا استخدامه، ولا أخْذ أرْش الجناية عليه.

(و) لا بسرقة (أُمّ ولد) لأنه لا يحلّ بيعها ولا نقل الملك فيها، فأشبهت الحُرَّة.

وأما المُدَبَّر، فحكمه حكم القِنِّ؛ لأنه يجوز بيعه، ويُضمن بقيمته.

(ويُقطع بسرقة مال المُكاتَب) لأنه مال محترم (إلا أن يكون السارق) له (سيده) للشُّبهة. قلت: أو عبد السيد؛ لأنه لا يقطع بسرقة مال لا يقطع به سيده.

(ولا يُقطع بسرقة حُرٍّ، وإن كان) الحر (صغيرًا) لأنه ليس بمال، أشبه الكبير (ولا) يُقطع (بما عليه) أي: الحر الصغير (من حَلي وثياب) تبلغ قيمتها نصابًا؛ لأنه تابع لما لا قطع فيه، أشبه ثياب الكبير؛ ولأن يَدَ الصغير ثابتة على ما عليه، بدليل ما يوجد مع اللقيط يكون له.

وكذا لو كان الكبير نائمًا على متاعه، فسرقَه ومتاعَه، لم يُقطع؛ لأن يده عليه.

(ولا) يُقطع (بسرقة مصحف) لأن المقصود منه كلام الله تعالى، وهو لا يجوز أخذ العوض عنه (ولا) يُقطع - أيضًا - (بما عليه) أي: المصحف (من حَلي) لأنه تابعٌ لما لا قطع فيه.

(ولا) قطع (بـ) ــسرقة (كُتب بِدَع، وتصاوير) لأنها واجبة الإتلاف.

(ولا بآلة لهو، كطُنْبُور، ومزمار، وشَبّابة، وإن بلغت قيمته) أي: ما ذكر من آلة اللهو (مُفصَّلًا نِصابًا) لأنه معصية

ص: 132

إجماعًا

(1)

، فلم يقطع بسرقته، كالخمر. (ولا) يُقطع - أيضًا - (بما عليها) أي: على آلة اللهو (من حَلي) ولو بلغ نصابًا؛ لأنه متصل بما لا قَطْع فيه، أشبه الخشب.

(ولا) قطع - أيضًا - (بمحرَّم، كخمر، وخنزير، وميتة، سواء سرقه من مسلم أو كافر) لأنها غير محترمة، وليست مالًا.

(ولا بسرقة صليب، أو صنم، من ذهب أو فضة) لأنه مُجمَعٌ على تحريمه؛ ولأن للسارق شُبهة في أخذه ليكسره.

(ولا بـ) ــسرقة

(2)

(آنية فيها خمر، أو ماء) لاتصالها بما لا قطع فيه.

(ولا بسرقة ماء) لأن أصله الإباحة، وهو غير مُتَمَوَّل عادةً.

(و) لا قطع بسرقة (سَرجين نجس) لأنه ليس بمال.

(ويقطع بسرقة إناء نَقْدٍ تبلغ قيمته منكسرًا

(3)

نصابًا) لأنه غير مُجمَع على تحريمه، وقيمته بدون الصناعة المختلف فيها نصاب.

(وبسرقة دراهم، أو دنانير فيها تماثيل) لأن ما فيها من الصناعة المُحَرَّمة لا يُخرِجها عن كونها مالًا.

(و) يقطع (بـ) ــسرقة (سائر كتب العلوم الشرعية) والمباحة؛ لأنها مال حقيقة وشرعًا، ولهذا جاز بيعها.

(و) يقطع بسرقة (عين موقوفة على معيَّن) لا شُبهة له في ماله؛ لأنه يملكها كما تقدم.

(1)

الإجماع لابن المنذر ص/ 141.

(2)

في "ح" و"ذ": "ولا قطع بسرقة".

(3)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 252): "مكسرًا".

ص: 133

(و) يقطع بسرقه (إناء) لا خمر فيه ولا ماء (مُعَدٍّ لحمل الخمر

(1)

ووضعه فيه، كسكين مُعَدَّة لذبح الخنازير، وسيف مُعدٍّ لقطع طريق) لأن إعداده للمحرم لا يزيل ماليته.

(وإن سرق منديلًا قيمته دون نصاب، في طرفه دينارٌ) أو ربعه، أو ثلاثة دراهم فأكثر، أو ما تبلغ قيمته ذلك (مشدودٌ يعلَمُ به؛ قُطِعَ) لسرقته مالًا من حِرزه، لا شُبهة له فيه (وإلا) أي: وإن لم يعلم به (فلا) قطع عليه؛ لعدم علمه بالمسروق.

فصل

(ويُشترط أن يكون المسروق نِصابًا، وهو) أي: نِصاب السرقة (ثلاثة دراهم، أو رُبع دينار، أي: مثقالٌ، أو عَرْضٌ قيمته كأحدهما) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقطع اليد إلا في رُبع دينار فصاعدًا" رواه أحمد ومسلم

(2)

.

وروى ابن عمر: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَطع في مِجَنٍّ قيمَتُهُ ثلاثةُ دراهم" متفق عليه

(3)

.

وروى أنس: "أنَّ سارقًا سرق مجنًّا قيمته ثلاثة دراهم فقَطعه أبو

(1)

في "ذ": "معدٍّ لخلٍّ ولخمرٍ".

(2)

أحمد (6/ 104، 249)، ومسلم في الحدود، حديث 1684 (2، 4)، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

البخاري في الحدود، باب 13، حديث 6795 - 6798، ومسلم في الحدود، حديث 1686.

ص: 134

بكرٍ"

(1)

و"أُتي عُثمانُ برجل سرق أُتْرُجَّةً فبلغت قيمتهما رُبع دينارٍ فقَطعهُ"

(2)

.

وقال عليّ: "فما بلغ ثمن المجنِّ ففيه القَطْعُ"

(3)

والآية مُخَصَّصةٌ بذلك.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق يسرِق الحبْل فتُقطع يده، ويسرِقُ البيضة فتقطَع يده" متفق عليه

(4)

، يُحمل على حبل يساوي ذلك، وعلى بيضة السلاح، وهي تساوي ذلك، أو بيضة النعام إذا كانت تساوي ذلك،

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (6/ 147)، وإسماعيل بن جعفر في "حديثه" ص 204، رقم 106، وعبد الرزاق (10/ 236) رقم 18970، وابن أبي شيبة (9/ 470 - 471)، والبيهقي (8/ 259)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 377) رقم 17084، بنحوه. قال الحافظ في "الفتح" (12/ 106): إسناده قوي.

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 832)، والشافعي في الأم (6/ 147)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 83)، والبيهقي (8/ 260، 262)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 376) رقم 17080، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقًا سرق في زمن عثمان أترجة، فأمر بها عثمان بن عفان أن تقوّم، فقوِّمت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا بدينار فقطع عثمان يده. وصححه ابن الملقن في "البدر المنير"(8/ 678).

وأخرجه عبد الرزاق (10/ 237) رقم 18972، من طريق ابن المسيب: أن سارقًا سرق أترنجة ثمنها ثلاثة دراهم، فقطع عثمان يده. قال: والأترنجة خرزة من ذهب تكون في عُنق الصبي.

زاد الشافعي والبيهقي: قال مالك: الأترجة التي يأكلها الناس.

(3)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ، وأخرج عبد الرزاق (10/ 233) رقم 18952، عن يحيى بن الجزار، عن علي رضي الله عنه قال: لا يقطع في أقل من دينار، أو عشرة دراهم. وأخرج عبد الرزاق (10/ 237) رقم 18975، وابن أبي شيبة (9/ 470)، والبيهقي (8/ 260)، من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا قطع في بيضة من حديد.

زاد ابن أبي شيبة والبيهقي: ثمنها ربع دينار.

(4)

البخاري في الحدود، باب 7، 13، حديث 6783، 6799، ومسلم في الحدود، حديث 1687، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 135

جمعًا بين الأخبار.

(وتُعتبر قيمته) أي: المسروق (حال إخراجه من الحِرْز) لأنه وقت السرقة، التي هي سبب القطع.

(فإن كان في النقد) المسروق (غش، لم يجب القطع حتى يبلغ ما فيه من النقد الخالص نصابًا) لما تقدم (وسواء كان النقد مضروبًا، أو تِبرًا، أو حَلْيًا، أو مكسَّرًا) لعموم ما سبق.

(ويُضَم أحدُ النقدين إلى الآخر بالأجزاء في تكميل النصاب) كالزكاة، فلو سرق ثُمن مثقال ودرهمًا ونصفًا؛ قُطِع.

وكذا يُضَم أحدُ النقدين - أو هما - إلى قيمة عرْض في تكميل النصاب، فلو سرق درهمًا وعَرْضًا يساوي درهمًا ونصف سُدس دينار؛ قُطِع.

(وإن سَرَق عَرْضًا قيمته نصاب) حين إخراجه (ثم نقصت قيمته بعد إخراجه) من الحِرز (قبل الحكم) بالقطع (أو بعده، قُطِع) اعتبارًا بحال الإخراج؛ لأنه وقت الوجوب.

و (إن ملكه) أي: ملك السارقُ المسروقَ (ببيع، أو هِبَة، أو غيرهما) كإرث ووصية (بعد إخراجه من الحِرْزِ وبعد رفعه إلى الحاكم؛ قُطِع) لما روى صفوان بن أمية: "أنّه نام على ردائه في المسجد، فأُخذ من تحت رأسه، فجاءَ بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بقطعه، فقال صفوان: يا رسول الله لم أُرد هذا، ردائي عليه صدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هَلَّا كان قبل أن تأتيني به؟ " رواه ابن ماجه

(1)

.

(1)

في الحدود، باب 28، حديث 2595. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (4/ 304)، وأبو داود في الحدود، باب 14، حديث 4394، والنسائي في قطع =

ص: 136

و (لا) يقطع إن ملكه السارق ببيع، أو هبة، أو غيرهما (قبل رفعه) أي: السارق للحاكم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "هلَّا كان قبل أن تأتيني به" و (لتعذُّر شرط القطع، وهو الطلب.

وإن وُجِدت السرقة) أي: المسروق (ناقصة) عن النصاب (ولم يعلم هل كانت ناقصة حين السرقة، أو بعدها؛ لم يُقطع) لعدم تحقق شرطه؛ ولحديث: "ادرؤوا الحدود بالشُّبهات ما استطعتم"

(1)

.

(وإن دخل الحِرْزَ فذبح منه

(2)

شاة، أو شَقَّ) فيه (ثوبًا قيمة كل

= السارق، باب 4 - 5، حديث 4893 - 4894، 4896، 4898 - 4899، وفي الكبرى (4/ 328 - 329) حديث 7364 - 7365، 7367، 7369 - 7370، ومالك في الموطأ (2/ 834)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 84)، وعبد الرزاق (10/ 229) حديث 18938، وأحمد (3/ 401، 6/ 465)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 165)، وابن الجارود (3/ 127) حديث 828، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 157 - 161) حديث 2383 - 2389، والطبراني في الكبير (8/ 47، 49 - 50) حديث 7325 - 7326، 7334 - 7338، والدارقطني (3/ 204 - 205)، والحاكم (4/ 380)، والبيهقي (8/ 265)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 399) حديث 17149، وابن عبد البر (11/ 216، 218 - 220)، والخطيب في الموضح (2/ 126)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 336) حديث 2851، والمزي في تهذيب الكمال (7/ 416)، من طرق عن صفوان بن أمية رضي الله عنه.

قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 162) بعد إيراده من طرقه المختلفة: لم نجد في هذا الباب غير ما ذكرنا فيه مما في أسانيده ما قد ذكرناه فيها، غير أنا وجدنا أهل العلم قد احتجوا بهذا الحديث، فوقفنا بذلك على صحته عندهم.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 324): حديث صفوان صحيح. انظر: إرواء الغليل (7/ 345) حديث 2317.

(1)

تقدم تخريجه (9/ 196) تعليق رقم (2).

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 253): "فيه".

ص: 137

منهما نصاب، فنقصت) قيمتهما (عن النصاب، ثم أخرجَهُما ناقصين، أو أتلفهما) فيه (أو) أتلف (غيرَهما فيه) أي: في الحِرْز (وقيمتُهما) أي: قيمة ما أتلفه من الثوب والشاة، أو نحوهما (نصاب) وقوله:(بأكل أو غيره) متعلّق بـ "أتلفهما"(لم يُقطع) لأن من شَرْطِ القطع أن يُخْرِج العين من الحِرْز وهي نصاب، ولم يوجد.

(وإذا ذبح السارقُ) المسلمُ أو الكتابي (المسروقَ) مُسمِّيًا (حلَّ) لربه ونحوه أكله ولم يكن ميتة، كالمغصوب، ويُقطع السارق إن كانت قيمة المذبوح نصابًا، وإلا؛ فلا.

(وإن سرق فَرْدَ خُفٍّ قيمتُه منفردًا درهمان، ومع الآخر أربعة؛ لم يُقطع) لأنه لم يسرق نصابًا (وإن أتلفه) أي: فَرْدَ الخف (لزمه ستة) درهمان قيمة التالف، وأربعة أرْش التفريق.

(وكذا الحكم لو سرق جزءًا من كتاب ونظائره) كمِصراع من باب.

(و‌

‌إن اشترك جماعةٌ في سرقة نصابٍ واحدٍ فأكثرَ

؛ قُطِعوا) كالقِصاص (سواء أخرجوه جُملةً، كثقيل اشتركوا في حمله، أو أخرج كلُّ واحد) منهم (جزءًا) لأنهم اشتركوا في هَتْكِ الحِرْز وإخراج النصاب، فلزمهم القطع، وفارق القِصاصَ؛ لأنهم

(1)

يعتمد المماثلة، ولا توجد المماثلة، إلا أن توجد أفعالهم في جميع أجزاء اليد، وهنا القصدُ الزجرُ من غير اختيار مماثلة.

(أو دخلوا الحِرْز معًا، أو دخل أحدُهم فأخرج بعضَ النِّصاب، ثم

(1)

"لأنهم" كذا في الأصل! وفي "ذ": "لأنهم يعتمدون"، وأشار في الحاشية إلى أنه جاء في نسخة:"لأنه يعتمد"، وفي المبدع (9/ 122)، والمغني (12/ 468):"فإنه يعتمد".

ص: 138

دخل الباقون فأخرجوا باقيه) فيُقطعون؛ لما سبق.

(فإن كان فيهم من لا قَطْعَ عليه لشُبهة أو غيرها) كصِغَرٍ (كأبي المسروقِ منه، قُطِع الباقي

(1)

) لأنه لا يلزم من سقوطِ القطعِ عن الشريك لمعنىً غير موجود في غيره سقوطُ القطعِ عن الغير، كشريك الأب في القِصاص، قال في "المبدع": إن أخذ - أي: شريك الأب ونحوه - نصابًا. وقيل: أو أقل.

(وإن اعترف اثنان بسرقةِ نصابٍ، ثم رَجَع أحدُهما) عن إقراره (قُطِعَ الآخرُ وحدَه) فلا يقطع الراجع (وكذا لو أقرَّ بمشاركة آخر في سرقةِ نصابٍ، ولم يُقرَّ الآخر) بالسرقة، قُطِع المُقِرُّ.

(ولو سَرَق) واحد (لجماعة نصابًا؛ قُطِع) لأن السرقة والنصاب شرطان للقطع، وقد وُجِدَا، فوَجَبَ القطع، كما لو كان المال لواحد.

(وإن هَتَك اثنان حِرْزًا، فدَخَلاه، فأخْرَج أحدُهما نِصابًا وحدَه) قُطِعا، نصًّا

(2)

؛ لأن المخرج أخرجه بقوة صاحبه ومعرفته ومعونته.

(أو دخل أحدُهما) الحِرْزَ (فقدَّمه) أي: المسروق (إلى باب النَّقْبِ) وأدخل الآخر يده فأخرجه؛ قُطِعا؛ لأنهما اشتركا في هَتْكِ الحِرْزِ وإخراج المتاع.

(أو وضعه) أي: وضع الداخلُ المتاعَ (في النَّقْب، وأدخل الآخرُ يدَه فأخْرَجَه؛ قُطعا) لاشتراكهما في الهتك والإخراج.

(وإن دخلا دارًا) وصار (أحدُهما في سُفلها، جَمَع المتاع وشدَّه بحبل، والآخرُ في عُلْوها مدَّ الحبل فرمى به) أي: المتاع (وراء الدار،

(1)

في "ذ": "الباقون".

(2)

انظر: الفروع (6/ 128).

ص: 139

قُطِعا) لأنهما اشتركا في الدخول والإخراج.

(وإن رماه الداخلُ إلى خارج) فأخذه أو لا، أو أعاده فيه (أو ناوَلَه) الداخلُ للخارجِ (فأخذَه الآخرُ) أي: الخارج (أو لا، أو أعادَه) أي: المتاع (فيه) أي: في الحِرْز (أحدُهما) أي: الداخل أو الخارج (قُطِع الداخل وحدَه وإن اشتركا في النَّقْب) لأن الداخل أخرج المتاع وحده فاختصّ القطع به. لا يقال: هما اشتركا في الهتك؛ لأن شرطه الاشتراك في الهتك والإخراج، ولم يوجد الثاني، فانتفى القطع لانتفاء شرطه.

(وإن نقب أحدُهما، ودخل الآخرُ فأخرَجَه، فلا قَطْعَ عليهما ولو تواطآ) لأن الأول لم يسرق، والثاني لم يهتك الحِرْز.

فصل

(ويُشترط أن يُخْرِجَه) أي: المسروق (من الحِرْز) لحديث عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده: "أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار؟ فقال: ما أخذه من غير أكمامه

(1)

واحتُمِلَ، ففيه قيمَتُهُ ومِثلُهُ معه، وما كان من الحِرْز، ففيه القَطْعُ، إذا بلَغ ثمنَ المِجَنِّ" رواه أبو داود وابن ماجه

(2)

،

(1)

كذا في الأصول: "من غير أكمامه" وفي سنن ابن ماجه وغيره: "في أكمامه".

(2)

أبو داود في اللقطة، باب 1، حديث 1710، وفي الحدود، باب 12، حديث 4390، بنحوه.

وابن ماجه في الحدود، باب 28، حديث 2596، بلفظ: أن رجلًا من مزينة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار، فقال: ما أخذ في أكمامه، فاحتمل فثمنه ومثله معه، وما كان من الجرين ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن، وإن أكل ولم يأخذ، فليس عليه.

وأخرجه - أيضًا - بنحوه: النسائي في قطع السارق، باب 11 - 12، حديث 4972 - =

ص: 140

وبهذا تُخص الآية كما خُصَّت بالنصاب.

(فإن وَجَد حِرْزًا مهتوكًا) فأخذ منه؛ فلا قَطْع (أو) وَجَد (بابًا مفتوحًا فأخذ منه؛ فلا قَطْع) لعدم شرطه.

(وإن هَتَك الحِرْز، فابتلع فيه جوهرًا، أو ذهبًا، فخرج به) من الحِرْز (ولو لم يخرج منه ما ابتلعه) قُطِع، كما لو أخرجه في كُمّه.

(أو نَقَب، وترك المتاع على بهيمةٍ، فخرجتْ به، ولو لم يَسُقْها) قُطِع؛ لأن العادة مشي البهيمة بما عليها.

(أو) نَقَب، وترك المتاع (في ماء جارٍ، فأخْرَجَه) الماء (أو) وضعه في ماء (راكد، ففتحه، فأخرجه) الماء (أو) ترك المتاع (على جدارٍ) في الدار (أو) على شيء (في الهواء، فأطارته) الـ (ـــريح) قُطِع؛ لأن فعله سبب خروجه، أشبه ما لو ساقَ البهيمة.

= 4974، وفي الكبرى (4/ 343 - 344) حديث 7445 - 7447، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 84)، وأحمد (2/ 180، 186، 207)، وابن الجارود (3/ 127) حديث 827، والطحاوي (3/ 173)، والدارقطني (3/ 194 - 195)، والحاكم (4/ 381)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 323)، والبيهقي (4/ 152 - 153، 8/ 263، 278، 9/ 359)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 402) حديث 17164، والبغوي في شرح السنة (8/ 318) حديث 2211، كلهم من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وأخرجه الترمذي في البيوع، باب 54، حديث 1289، مختصرًا بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق، فقال: من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه. وقال: حديث حسن. قال الحاكم: هذه سنة تفرد بها عمرو بن شعيب بن محمد عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، قال إمامنا إسحاق بن راهويه: إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة، فهو كـ: أيوب، عن نافع، عن ابن عمر.

قلنا: روى هذا الحديث عن عمرو بن شعيب غير واحد من الثقات. انظر: نصب الراية (3/ 363)، وإرواء الغليل (8/ 69) حديث 2413.

ص: 141

(أو أمر صغيرًا أو معتوهًا أن يُخْرِجه، فَفَعَل) أي: أخرجه الصغيرُ أو المعتوه، قُطِع الذي هَتَك الحِرْزَ وأمرَ؛ لأن الصغير والمعتوه لا اختيار لهما، فهما كالآلة، ولو أمرهما شخص بالقتل قُتِل الآمر.

(أو رمى به خارجًا) عن الحِرْز (أو جَذَبه بشيء) بعد هَتْكِه الحِرْز فأخرجه منه؛ قُطِع.

(أو استَتْبعَ سَخْل شاة، أو فصيل ناقة، أو غيرهما، مثل أن يشتري الأمَّ، والسَّخْلُ على ملك الغير في حِرْز، فيأتي بالأم إلى مكان السَّخْل ويُرِيه أمه حتى يتبعها) قُطِع.

(وكذلك العكس) نحو (أن يأتي مكان أُمه، وهي في حِرْزِ مالكها، حتى يستتبعَ الأمَّ سخلَها، بأن يبعثه عليها حتى تتبعه؛ قُطِع) لتسببه في أخذ ذلك.

و (لا) يُقطع (إن تبعها) السَّخْل (من غير استتباع) لأنه ليس من فعله.

(وإن تطيَّب في الحِرْز بما لو اجتمع بعد تطييبه، و) بعد (خروجه من الحِرْز لبلغ نصابًا) قُطِع؛ لأنه هتكَ الحِرْز وأخرج منه نصابًا، أشبه ما لو كان غير طيب.

(أو هتك الحِرْز، وأخذ المالَ وقتًا آخر) وقَرُبَ ما بينهما؛ قُطِع؛ لأنها سرقة واحدة.

(أو) هتك الحِرْز و (أخذ بعضَه) أي: المال (ثم أخذ بقيته، وقَرُبَ ما بينهما) قُطِع؛ لأنها سرقة واحدة؛ ولأنه إذا بُني فِعلُ أحدِ الشريكين

ص: 142

علي فِعْلِ شريكه إذا سرقا نصابًا، فبناءُ فِعلِ الواحد بعضِه علي بعضٍ أولى.

(أو فتح أسفل كُوَارة

(1)

، فخرج العسل شيئًا فشيئًا) حتى بلغت قيمة ما أخرجه نصابًا؛ قُطِع؛ لأنه لم يهمل الأخذ، أشبه ما لو وجده مجموعًا فأخرجه.

(أو أخرجه) أي: النصاب المسروق (إلى ساحة دار، أو) ساحة (خان، من بيت مغلق من الدار أو الخان) سواء (فتحه) أي: البيت (أو نقبه) ولو أن باب الدار أو الخان مغلق؛ قُطِع؛ لأنه هَتَك الحرزَ وأخرج منه نصابًا، كما لو لم يكن على الدار أو الخان باب آخر.

(أو احتلب لبنًا من ماشية في الحِرْز، وأخرجه) من الحِرْز (قُطِع) لسرقته نصابًا، كغير اللبن (فإن شَرب اللبن في الحِرْز، أو شرب منه فانتقص النصاب) لم يُقطع؛ لأنه لم يُخرج نصابًا من الحِرْز.

(أو ترك المتاع في ماءٍ راكدٍ، فانفتح من غيرِ فِعْلِهِ، فخرج به) لم يُقطع؛ لأن خروجه بغير فعله.

(أو أخرج النصاب في مرتين وبَعُدَ ما بينهما، مثل أن كانا في ليلتين، أو ليلة واحدة وبينهما مدة طويلة) لم يُقطع؛ لأن كلَّ سرقةٍ منهما لا تبلغ نصابًا، وكذا إن علم المالك بهتك الحِرْز وأهمله؛ لأن سرقته الثاني: من غير حِرْزٍ.

(أو علَّم قِردًا ونحوه السرقة، فسرق، لم يُقطع) لأن تعليم السرقة ليس بسرقة (وعليه) أي: مُعلّم القرد (الضمان) أي: ضمان ما سرقه

(1)

كُوَارة النحل، بالضم وتكسر وتشدد الأولى: شيء يتخذ للنحل من القضبان أو الطين، ضيِّق الرأس. القاموس المحيط ص/ 607، مادة (كور).

ص: 143

القرد، قليلًا كان أو كثيرًا، لتسببه فيه.

(وإن جرَّ خشبةً فألقاها بعد أن أخرج بعضها من الحِرْز؛ فلا قطع عليه، سواء أخرج منها ما يساوي نصابًا، أو لا؛ لأن بعضها لا ينفرد عن بعض.

وكذلك لو أمسك الغاصب طرف عمامته؛ والطرف الآخر في يد مالكها؛ لم يضمنها) الغاصب؛ لأن بعضها لا ينفرد عن بعض.

(وكذلك لو سرق ثوبًا، أو عمامة، فأخرج بعضها

(1)

) ولم يقطعه؛ لم يُقطع؛ لتبعيته لما لم يُخرِجه.

فصل

(وحِرْزُ المال ما جَرَت العادةُ بحفظِه فيه، ويختَلِفُ باختلاف الأموال، والبلدان، وعَدْل السلطان وجَوْره، وقُوَّته وضعفه) لأنه لما ثَبت بالشرع اعتبارُهُ من غير تنصيص على بيانه، عُلِمَ أنه ردّ ذلك إلى العُرف؛ لأنه طريق إلى معرفته، فرجع إليه كما رجعنا إلى معرفة القبض، والفرقة في البيع، وأشباه ذلك إليه.

(فحِرْزُ الأثمان والجواهر والقُماش في الدُّور والدكاكين في العمران: وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة) والغَلَقُ القُفْلُ خشبًا كان أو حديدًا. قال في "المبدع": ويكون فيه حافظ؛ لأن العادة في حِرْزِ ذلك بذلك.

(والصندوق في السُّوق حِرْز؛ وثَمَّ حارس) لأنه العادة (وإلا) أي: وإن لم يكن ثَمَّ حارس (فلا) أي: فليس الصندوق حِرْزًا.

(1)

في "ح" و"ذ": "بعضهما".

ص: 144

(فإن لم تكن الأبواب مُغلَقةً، ولا فيها حافظ، فليست حِرْزًا.

وإن كان فيها) أي: الدار المفتوحة الأبواب (خزائن مُغلَقةٌ، فالخزائن حِرْز لما فيها) من الأموال (وما خرج عنها) أي: الخزائن (فليس بمُحْرَزٍ) إذا كانت أبواب الدار مفتوحة.

قلت: وقياس ذلك خزائن المسجد، فالمغلقة حِرْز لما فيها مما جرت العادة به فيها.

(فأما البيوت التي في البساتين والطُّرُق والصحراء، فإن لم يكن فيها أحد، فليست حِرْزًا، مغلقةً كانت أو مفتوحةً، وإن كان فيها أهلها، أو حافظ) ملاحظ (فهي حِرْز، مغلقةً كانت أو مفتوحةً، فإن كان بها نائم وهي مغلقةٌ، فهي حِرْز، وإلا) أي: وإن لم تكن مغلقة (فلا) أي: فليست بحِرْز، إلا أن يكون الحافظ يقظان.

(وكذا خيمة وخِرْكاة

(1)

ونحوُهما) كبيتِ الشَّعر إن كان فيها أحد، ولو نائمًا، فهي مُحْرَزة مع ما فيها؛ لأنها هكذا تُحْرَز في العادة، وإن لم يكن فيها أحد، فإن كان عندها حافظ، فهي مُحْرَزة أيضًا، وإن لم يكن عندها حافظ وليس فيها أحد، فلا قَطْع على سارقها، ولا السارقِ منها؛ لأنها ليست بمُحْرزة في العادة.

(وإذا كان لابسًا ثوبًا، أو متوسِّدًا له) تحت رأسه (نائمًا) كان (أو مستيقظًا، أو) كان (مفترشًا) له (أو متكئًا عليه، في أي موضع كان من بلد أو بَرِّية) فَحِرْز؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قَطَع سارق رداء صفوان من المسجد وهو متوسّده

(2)

.

(1)

سبق تعريفها (3/ 336) تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 136) تعليق رقم (1).

ص: 145

(أو) كان (نائمًا على مَجَرِّ فرسِه، ولم يَزُل عنه، أو) كان (نعلُه في رجله؛ فَمُحْرَزٌ) لأنه هكذا يُحرز.

(فإن تدحرج) النائم (عن الثوب؛ زال الحِرْز) فلا قطع على السارق إذًا.

(وإن كان الثوب أو غيره من المتاع بين يديه) أي: قُدَّامه (كبَزِّ البزازين، وقُماش الباعة، وخُبز الخباز، بحيث يشاهده وينظر إليه، فهو حِرْز) لأنه العادة.

(وإن نام، أو كان غائبًا عن موضع مشاهدته، فليس بمُحْرَز.

وإن جعل) البزاز ونحوه (المتاع في الغرائر

(1)

، وعَكَم

(2)

عليها، أي: شدَّها بخيط ونحوه) كحبل وسير (ومعها حافظ يشاهدها، فمُحْرَزة) عملًا بالعُرف (وإلا؛ فلا) أي: وإن لم يكن معها حينئذ حافظ يشاهدها، فليست بمُحْرَزة.

(وحِرْز سُفُنٍ في شطٍّ برَبْطِها) لجريان العادة بذلك.

(وحِرْزُ بقل، وباقِلاء، وطبيخ، وقُدوره، وخزف: وراء الشرائج) واحدها: شريجة (وهي) شيء يُعمل (من قَصَب أو خشب) يُضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره (إذا كان بالسوق حارس) لأن العادة جرت بإحرازها به.

(وحِرْزُ حَطَبٍ وخشب وقصبٍ: الحظائرُ) واحدتها: حظيرة، وهي ما يُعمل للإبل والغنم من الشجر، تأوي إليه، وأصل الحظر المنع، فيعبر

(1)

جمع غرارة - بكسر الغين - وقال في ديوان الأدب [3/ 96]: هي وعاء من صوف أو شعر لنقل التبن وما أشبهه. طلبة الطلبة (1/ 238).

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 257): "عَلَّمَ".

ص: 146

بعضه في بعض، ويربط بحيث يعسر أخذ شيء منه على ما جرت به العادة (كما لو كان) ما ذكر (في فندق) وهو الخان الصغير (مغلق عليه) فيكون مُحْرزًا وإن لم يُقَيَّدْ؛ ذَكَرَه في "الكافي" و"الشرح".

(وحِرْزُ مواشٍ) جمع ماشية (الصِّيَرُ) واحدها صيرة، وهي حظيرة الغنم (و) حرزها (في المرعى بالراعي ونظره إليها، إذا كان) الراعي (يراها في الغالب) لأن العادة حِرْزها بذلك (وما نام) الراعي (عنه منها) أي: من الماشية، أو غاب عن مشاهدته (فقد خرج عن الحِرْز) فلا قطع على سارقه.

(وحِرْز حَمُولَةِ إبل) بفتح الحاء، أي: الإبل المحملة (سائرة: بتقطيرها مع قائد يراها، بحيث يُكثِر الالتفات إليها ويراعيها، وزِمامُ الأول منها بيده) لأنها هكذا تُحْرَز عُرفًا (والحافظ الراكب فيما وراءه) من الإبل السائرة ونحوها (كقائد) فإذا كان يراها ويُكثِر الالتفات إليها، فهي مُحْرَزة (أو بسائق يراها) أي: الإبل المُحَمَّلة ونحوها (سواء كانت مُقَطَّرَةً أو لا.

وإن كانت) الإبل (باركة، فإن كان معها حافظ لها، ولو نائمًا وهي معقولة؛ فهي مُحْرَزة) لأن العادة أن صاحبها يعقلها إذا نام (وإن لم تكن) الإبل (معقولة، وكان الحافظ ناظرًا إليها بحيث يراها؛ فهي مُحْرَزة، وإن كان نائمًا أو مشغولًا عنها، فلا) حِرْز، فلا قطع على السارق منها.

(فإن سرق من أحمال الجمال السائرة المُحْرَزة متاعًا قيمته نصاب) قُطِع (أو سرق الحِمْل؛ قُطِع) لأنه سرق نصابًا من حِرْز مثله.

(وإن سرق الجمل بما عليه، وصاحبه نائم عليه؛ لم يُقطع) لأنه في يد صاحبه (وإن لم يكن صاحبه عليه؛ قُطِع. وهذا التفصيل في الإبل التي في الصحراء، فأما) الإبل (التي في البيوت والمكان المُحْصَن، على الوجه الذي ذكرناه في الثياب، فهي مُحْرَزة.

ص: 147

وحكم سائر المواشي كالإبل) فيما سبق.

(وحِرْز ثياب في حمَّام) بحافظ، وفي "الترغيب": لا تبطل الملاحظة بفترات وإعراضٍ يَسيرٍ، بل بتركه وراءه (أو) ثياب (في أعدال، و) حِرْز (غزل في سوق، أو خان، وما كان مشتركًا في الدخول إليه: بحافظ، كقعوده على المتاع، وإن فرَّط حافظ، فنام أو اشتغل؛ فلا قَطْع) على السارق؛ لأنه لم يسرق من حِرْز (ويضمن الحافظ) ما ضاع بتفريطه (ولو لم يَستحفظه) ربُّ المتاع صريحًا؛ عملًا بالعُرُف.

(وإن استحفظ رجُلٌ آخرَ متاعَه في المسجد، فَسُرق، فإن فرَّط في حفظه، فعليه الغُرْم) لتفريطه (إن كان التزم حفظه، وأجابه إلى ما سأله) صريحًا (وإن لم يُجِبه لكن سَكَت؛ لم يلزمه غُرْم) لأنه ما قَبِلَ الاستيداع، ولا قَبَضَ المتاع (ولا قَطْعَ على السارق في الموضعين) لأنه لم يسرق من حِرْزٍ.

(وإن حَفِظ المتاعَ بنظرِه إليه، وقُرْبهِ منه، فَسُرق، فلا غُرْم عليه) لعدم تفريطه (وعلى السارق القطع) لأنه سرق نصابًا من حِرْزه.

(وحِرْزُ كَفَنٍ مشروعٍ في قبر علي ميت ولو بَعُدَ) القبر (عن العمران: إذا كان القبر مطمومًا الطَّمَّ الذي جرت به العادة، وهو) أي: الكفن (مِلْكٌ له) أي: للميت؛ لأنه مالك له في حياته، ولا يزول ملكه إلا عمَّا لا حَاجَةَ له إليه (فلو عُدم الميت) وبقي الكفن (وُفِّيتْ منه ديونه) ويزيد به الثلث في الوصية، كسائر ماله (وإلا) أي: وإن لم يكن على الميت دين وبقي كفنه (فهو ميراث) كباقي أمواله.

(فمَن نَبَشَ القبرَ وأخذ الكفنَ، قُطِع) روي عن ابن الزبير

(1)

. وعن

(1)

أخرجه البيهقي (8/ 270)، من طريق سهيل: شهدت من الزبير قطع نباشًا. =

ص: 148

عائشة: "سارق أمواتنا كسارق أحيائنا"

(1)

، ولقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}

(2)

.

(والخصمُ فيه) أي: الكفن، إن سُرق ونحوه (الورثةُ) لأنهم (يقومون مقام الميت في المطالبة، فإن عُدِموا) أي: الورثة (فنائبُ الإمام) كسائر حقوقه.

(ولو كفَّنه أجنبيٌّ فكذلك) أي: فالخصم فيه إذا سُرق الورثة؛ لقيامهم مقام مورّثهم، وأما لو أُكل الميت ونحوه وبقي الكَفَن، كان لمن تبرَّع به، دون الورثة، كما قطع به غيرُ واحد، وجزم به المصنف في الجنائز؛

(3)

لأن تمليك الميت غير ممكن، فهو إباحة بقَدْر الحاجة، فإذا زالت؛ تعيّن لربه.

(وإن أخرجه) أي: الكفن (من اللَّحْدِ، ووضعه في القبر من غير أن يُخْرِجه منه؛ فلا قَطْع) لأنه لم يُخْرِجه من الحِرْزِ.

(وإن كُفِّنَ رجلٌ في أكثرَ من ثلاث لفائفَ، أو) كُفِّنت (امرأة في أكثر من خمس) ثياب (فَسُرق الزائدُ عن ذلك) فلا قَطْع.

(أو تُرِك) الميت (في تابوت، فَسُرق التابوت) فلا قَطْع.

= قال البيهقي: قال البخاري: وقال عبَّاد بن العوام: كنا نتهمه بالكذب. يعني: سهيلًا، وهو سهيل بن ذكوان أبو السندي المكي.

(1)

أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (12/ 409) رقم 17183، من طريق سويد بن عبد العزيز، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة.

قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (2707): سويد بن عبد العزيز بن نُمير السُّلمي: ضعيف.

(2)

سورة المائدة، الآية:38.

(3)

(4/ 116).

ص: 149

(أو تُرِك معه) أي: الميت (طِيبٌ مجموع، أو ذهب، أو فضة، أو جوهر، لم يُقطع بأخذ شيء من ذلك؛ لأنه ليس بمشروع) وتَرْك غيره معه تضييع وسَفَه، فلا يكون مُحْرَزًا بالقبر.

ولو كان القبر غير مطموم، أو أُكل الميت وبقي كفنُهُ، وسرقه سارق؛ فلا قَطْع.

(وحِرْزُ جدار الدَّار كونه مبنيًّا فيها) أي: الدار (إذا كانت في العمران، أو في الصحراء وفيها حافظ، فإن أخذ من أجزاء الجدار أو خَشَبِهِ ما يبلغ نصابًا؛ وجب قطعه) لأن الحائط حِرْزٌ لغيره، فيكون حِرْزًا لنفسه.

و (لا) يُقطع (إن هدَم الحائط ولم يأخذه) كما لو أتلف المتاع في الحِرْزِ، بل يغرم أرشَ الهدم إن تعدَّى به.

(وإن كانت الدار في الصحراء لا حافظ لها، فلا قَطْعَ على مَن أخذ من جدارها شيئًا) لأنها إذا لم تكن حِرْزًا لما فيها، فلنفسها أولى.

(وحِرْزُ الباب تركيبه في موضعه، مغلقًا كان أو مفتوحًا) لأنه هكذا يحفظ (وعلى سارقه القطع إن كانت الدار مُحْرَزة بما ذكرناه) بأن تكون في العمران، أو في الصحراء وفيها حافظ.

(وأما أبواب الخزائن في الدار، فإن كان باب الدار مغلقًا، فهي) أي: أبواب الخزائن (مُحْرَزة، مغلقة كانت) أبواب الخزائن (أو مفتوحة، وإن كان) باب الدار (مفتوحًا، لم تكن) أبواب الخزائن (مُحْرَزة، إلا أن تكون مُغلقة، أو يكون في الدار حافظ) يحفظها.

(وحَلْقَةُ الباب إن كانت مُسَمَّرة، فهي مُحْرَزة) لأنها بتركيبها فيه صارت كأنها بعضه.

(فإن سرق بابَ مسجدٍ منصوبًا، أو باب الكعبة المنصوب، أو سرق

ص: 150

من سقفه) أي: المسجد (أو جداره، أو تأزيره

(1)

شيئًا؛ قُطِع) لأنه سرق من حِرْزِ مِثْلِه عادة نصابًا لا شُبهة له فيه، وما كان منفكًا من ذلك، فليس بمُحْرَز، فلا قَطْع على سارقه.

و (لا) يُقطع (بسرقة ستائر الكعبة) الخارجة (ولو كانت مَخِيطَة عليها) كغير المَخِيطة؛ لأنها غير مُحْرَزة (ولا بسرقة قناديل مسجد وحُصُره ونحوه) مما جُعل لنفع المصلِّين، كالقفص المجعول لوضع نعالهم (إن كان السارق مسلِمًا) لأنه مما ينتفع به الناس، فيكون له فيه شُبهة، كسرقة

(2)

من بيت المال (وإلا) أي: وإن لم يكن مسلمًا (قُطِع) لأنه لا حقَّ له فيه، فلا شُبهة

(3)

.

(ومن سرق من ثمر شجر، أو) من (جُمَّارِ نخل، وهو الكثَر) بضم الكاف وفتح المثلثة

(4)

(قبل إدخاله الحِرْزَ، كأخذه من رؤوس نخل وشجر من بُستانٍ؛ لم يُقطع، ولو كان عليه حائط وحافظ، ويضمن عوَضه مرتين) لحديث رافع بن خَدِيج، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا قَطْع في ثمَرٍ ولا كَثَرٍ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(5)

.

(1)

التأزير: ما جعل على أسفل حائط المسجد من لبَّاد أو دفوف ونحوه. المطلع ص/ 376.

(2)

في "ذ": "كسرقته".

(3)

في "ذ": "ولا شُبهة".

(4)

لم نقف على الضبط الذي ذكره المؤلف، والذي في المعاجم: بفتح الكاف والثاء، أو بفتح الكاف وإسكان الثاء. انظر: النهاية (4/ 152)، والقاموس المحيط ص/ 602، مادة (كثر).

(5)

أحمد (3/ 463 - 464)، وأبو داود في الحدود، باب 12، حديث 4388 - 4389، والترمذي في الحدود، باب 19، حديث 1449.

وأخرجه - أيضًا - النسائي في قطع السارق، باب 13، حديث 4975 - 4985، =

ص: 151

وحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:"سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلَّقِ، فقال: من أصاب منه بفيه من ذي حاجة، غير مُتّخذ خُبْنَةً، فلا شيء عليه، ومَن خرج بشيء منه، فعليه غرامةُ مِثْليهِ والعقوبة"

(1)

.

ولأن الثمار - في العادة - تسبق اليدُ إليها، فجاز أن تُغَلَّظ قيمتها على سارقها؛ ردعًا له وزجرًا، بخلاف غيرها.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "غير متَّخذٍ خُبْنَةً" بالخاء المعجمة، ثم باء موحَّدة، ثم نون، أي: غير متخذ منه في حُجْزته.

(ومن سرق منه) أي: الثمر (نصابًا بعد إيوائه الحِرْز، كجرين

= وفي الكبرى (4/ 344 - 346) حديث 7448 - 4760، وابن ماجه في الحدود، باب 27، حديث 2553، ومالك في الموطأ (2/ 839)، وأبو يوسف في الخراج ص/ 173، والشافعي في الأم (6/ 118)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 83)، وعبد الرزاق (10/ 223) حديث 18916، والحميدي (1/ 199) حديث 407، وابن أبي شيبة (10/ 26)، والدارمي في الحدود، باب 7، حديث 2309 - 2314، وابن الجارود (3/ 124) حديث 826، والطحاوي (3/ 172)، وابن حبان "الإحسان"(10/ 316) حديث 4466، والطبراني في الكبير (4/ 260 - 262) حديث 4339 - 4352، والبيهقي (8/ 262 - 263)، وفي بيان خطأ من أخطأ على الشافعي ص/ 273 - 274، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 303، 305 - 307)، والبغوي في شرح السنة (10/ 317) حديث 2600، من طرق عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

قال ابن عبد الهادي في المحرر ص/ 410، حديث 1177: رجاله رجال الصحيحين. وقال ابن الملقن في البدر المنير (8/ 657): هذا الحديث صحيح. ونقل عن الطحاوي: هذا الحديث تلقت العلماء متنه بالقبول، واحتجوا به. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 435 مع الفيض) ورمز لصحته. انظر: إرواء الغليل (8/ 72) حديث 2414.

(1)

تقدم تخريجه (14/ 140) تعليق رقم (2).

ص: 152

ونحوه، أو سرق) نصابًا من ثمر (من شجرة في دار مُحْرَزة؛ قُطِع) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب السابق:"ومَن سرق منه شيئًا بعدَ أن تأويَه الجرين، فبَلغَ ثمن المجنِّ فعليه القَطْع" رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود ولفظه له

(1)

.

(وكذا الماشية تُسرق من المرعى من غير أن تكون مُحْرَزة، تُضمن بمثلي قيمتها، ولا قَطْع، كثَمَر وكَثَر) احتج أحمد

(2)

بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بلتعة، حين نحر غلمانهُ ناقة رجل من مُزينة، مثلَي قيمتها؛ رواه الأثرم

(3)

.

(وما عداهن) أي: الثمر، والكَثَر، والماشية (يُضمن بقيمته مرة

(1)

تقدم تخريجه (14/ 140) تعليق رقم (2).

(2)

انظر: المغني (12/ 439).

(3)

لعله في سننه، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - مالك (2/ 748)، والشافعي في الأم (7/ 231)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 82)، وعبد الرزاق (10/ 293) رقم 18978، والبيهقي (8/ 278)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 425) رقم 17242، والبغوي (10/ 316) رقم 2599، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عمر.

وهذا منقطع، يحيى بن عبد الرحمن وُلد في خلافة عثمان، وقد سُئل ابن معين: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بعضهم يقول: سمعت عمر؟ فقال: هذا باطل، إنما هو: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه: سمع عمر. تاريخ ابن معين (2/ 560؛ رواية: الدُّوري).

وأخرجه عبد الرزاق (10/ 238) رقم 18977، عن ابن جريج، عن هشام، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه.

وقد توبع هشام على الوجه الأول، فأخرجه ابن وهب في موطئه، كما في الاستذكار (22/ 261) عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن عمر. . . فذكره.

ص: 153

واحدة) إن كان متقوّمًا (أو بمثله إن كان مثليًّا) لأن التضعيف فيها على خلاف القياس للنص، فلا يتجاوز به محل النص.

(و‌

‌لا قطعَ في عام مجاعة،

غلاء، نصًّا

(1)

، إذا لم يجد ما يشتريه

(2)

أو ما يشتري به) قال جماعة: ما لم يُبذل له ولو بثمن غالٍ. وفي "الترغيب": ما يُحْيي به نفسه.

(وإذا سرق الضيف من مال مُضِيفه من الموضع الذي أنزله فيه، أو) من (موضع لم يُحْرِزه عنه؛ لم يُقطع) لعدم هتك

(3)

الحِرْز.

(وإن سرق) الضيف (من موضع مُحْرَز عنه، فإن كان منعه قِرَاهُ، فسرق بقدْره؛ لم يُقطع) لأنه أخذ الواجب له، أشبه الزوجة والقريب إذا أخذا ما وجب لهما (وإن لم يمنعه) المضيف قِرَاه الواجب له (قُطِع) إن سرق نصابًا؛ لأنه لا شُبهة للضيف إذًا في مال المُضِيف.

(وإذا أحرز المضاربُ مالَ المضاربة، أو) أحرز الوديعُ (الوديعةَ، أو) أحرز المستعيرُ (العاريةَ، أو) أحرز الوكيلُ (المالَ الذي وُكِّل فيه، فسرقه أجنبي، فعليه القطع) لأنه سرق نِصابًا من نائب مالكه، لا شُبهة له فيه، أشبه ما لو سرقه من مالكه.

(1)

انظر: المغني (12/ 462).

(2)

في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (4/ 83) ما نصه: "لما ذكر في الطرق الحكمية [ص/ 79] أن امرأة أضرَّ بها العطشُ؛ فأتت راعيًا فأبى أن يعطيها شيئًا من الماء إلا أن تمكنه من نفسها، فامتنعت، ثم لما خشيت على نفسها الهلاك مكَّنته وشربتْ، فرُفعت إلى عمر رضي الله عنه فأمر برجمها، فلما ذهبوا بها لترجم اعترضها عليٌّ رضي الله عنه، فسألها عن سبب زِناها؟ فأخبرته فكبَّر، ثم قال: هي في حكم المكرهة. ولم يحدَّها. انتهى بمعناه. قلت: فإذا كان هذا في الزنى ففي غيره بالأولى؛ فليُحفظ. ا. هـ. من خط ابن العماد".

(3)

في "ح" و"ذ": "هتكه".

ص: 154

(وإن غصب) إنسان (عينًا، أو سرقها وأحرزها، فسرقها سارقٌ) لم يُقطع.

(أو غصب بيتًا، فأحرز) الغاصب (فيه ماله فسرقه منه أجنبي؛ لم يقطع) لأن ذلك غير محترم.

فصل

(ويُشترط) للقطع في السرقة (انتفاءُ الشُّبهة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ادرؤا الحدود بالشُّبهات ما استطعتم"

(1)

.

(فلا يُقطع بسرقةِ مالِ ولده وإن سَفَل) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالُك لأبيك"

(2)

(وسواءٌ في ذلك الأبُ، والأمُّ، والابنُ، والبنتُ، والجَدُّ، والجَدَّةُ من قِبَلِ الأبِ والأم) لأن بينهم قرابة تمنع شهادة أحدهم للآخر، فلم يقطع بالسرقة منه، كالأب بسرقة مال ابنه.

(ولا) قَطْع (بسرقة) ولدٍ (مالَ والده، وإن علا) لأن النفقة تجب للولد

(3)

في مال والده؛ حفظًا له، فلا يجوز إتلافه لحفظه

(4)

ماله.

(ويُقطع سائر) أي: باقي (الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم، كالإخوة، والأخوات، ومن عداهم) كالأعمام، والأخوال؛ لأن القرابة هنا لا تمنع قَبول الشهادة من أحدهما على الآخر، فلا تمنع القطعَ؛ ولأن

(1)

تقدم تخريجه (9/ 196) تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (10/ 159) تعليق رقم (1).

(3)

في "ذ": "للولد على الوالد".

(4)

في "ذ": "لحفظ".

ص: 155

الآية والأخبار تَعُمّ كلَّ سارق، خرج منه عمودا النسب، فبقي ما عداهما على الأصل.

(ولا يُقطع العبد بسرقة مال سيده) لما روى سعيد بإسناده عن عمر: "أنه جاءه عبد الله بن عمرو الحضرمي بغلام له، فقال: إن غلامي قد سرق، فاقطع يده، فقال عمر: خادمكم أخذ مالَكُم"

(1)

وكان ذلك بمحضر من الصحابة، فلم يُنكر، فكان كالإجماع

(2)

.

وقال ابن مسعود: "لا أقطع، مالُكَ سرق مالَكَ"

(3)

.

وروى ابن ماجه عن ابن عباس: "أن عبدًا من رقيق الخُمس سرق من الخُمس، فَرُفِع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقطعه، وقال: مال الله سرق بعضه بعضًا"

(4)

.

(1)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور.

وأخرجه - أيضًا - مالك (2/ 839 - 840)، والشافعي في الأم (6/ 151)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 82 - 83)، وعبد الرزاق (10/ 210) رقم 18866، ومسدد في مسنده - كما في المطالب العالية (2/ 272) رقم 1879 - ، وابن أبي شيبة (10/ 21)، والدارقطني (3/ 188)، والبيهقي (8/ 281 - 282)، والبغوي في شرح السنة (10/ 323) رقم 2601.

قال ابن عبد البر في الاستذكار (24/ 217): ثبت عن عمر بمحضر من الصحابة قوله: خادمكم سرق متاعكم. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 511): إسناده صحيح.

(2)

الإجماع لابن المنذر ص/ 141، رقم 623.

(3)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 172، وسعيد بن منصور (4/ 1520) رقم 773، وابن أبي شيبة (10/ 22)، والبيهقي (8/ 243، 281).

قال ابن عبد البر في الاستذكار (24/ 218): ثبت عن ابن مسعود أنه قال في عبد سرق من مال سيده: مالك سرق بعضه بعضًا.

(4)

ابن ماجه في الحدود، باب 25، حديث 2590. وأخرجه - أيضًا - وابن عدي (2/ 647)، والبيهقي (8/ 282، 9/ 100)، والمزي في تهذيب الكمال (5/ 429)، =

ص: 156

و (أمُّ الولد والمُدَبَّرُ والمُكاتَبُ كالقِنِّ) في عدم القطع بسرقة مال السيد؛ لأنهم ملكه كالقِنِّ.

(ولا سيدُ المُكاتَب بسرقة ماله) للشُّبهة؛ لأنه يملك تعجيزه في الجملة.

(و‌

‌كلُّ من لا يُقطع الإنسانُ بسرقة ماله، لا يُقطع عبدُه بسرقةِ ماله،

كآبائه، وأولاده، وغيرهم) كزوجاته، فلا يُقطع عبد بسرقة مال أحد من عمودَيْ نسب سيده، ولا من مال زوج سيدته، ونحو ذلك؛ لقيام الشُّبهة.

(ولا) يُقطع (مسلمٌ بسرقته من بيت المال) لقول عمر وابن مسعود: "من سرق من بيت المال فلا، ما من أحدٍ إلا وله في هذا المال حق"

(1)

.

= من طريق جبارة بن المغلس، عن حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس. وقد ضعفه ابن عدي والبيهقي، وعبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 99)، وابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 69).

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 113): هذا إسناد فيه حجاج بن تميم، وهو ضعيف، والراوي عنه أضعف، ورواه الحاكم في المستدرك من طريق رجل لم يُسَمّ عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس موقوفًا.

قلنا: ولم نقف عليه في المطبوع من مستدرك الحاكم، وكذلك لم يورده الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة.

وأخرجه عبد الرزاق (10/ 212) رقم 18873، والبيهقي (8/ 282، 9/ 100)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 434) حديث 17269، عن ميمون بن مهران مرسلًا. وفي إسناد عبد الرزاق عبد الله بن محرر، قال فيه الحافظ في التقريب (3598): متروك. وفي إسناد البيهقي رجل لم يُسَمَّ.

(1)

أخرج أبو يوسف في الخراج ص/ 171، وابن أبي شيبة (10/ 20)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 327)، عن القاسم بن عبد الرحمن، أن رجلًا سرق من بيت المال، فكتب فيه سعد إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر إلى =

ص: 157

وروى سعيد عن عليّ: "ليس على من سرق من بيت المال قَطْع"

(1)

.

(ولو) كان السارق من بيت المال (عبدًا، أن كان سيده مسلمًا) لأنه لا يقطع بسرقة مال لا يقطع به سيده.

(ولا) يُقطع (بالسرقة من مال له فيه شِرْك) كالمال المشترك بينه وبين شريكه؛ لأنه إذا لم يُقطع الأب بسرقة مال ابنه لكون أن له فيه شُبهة، فلأنْ لا يُقطع بالسرقة من مال شريكه من باب أولى.

(أو) بسرقة من مال (لأحد ممن لا يُقطَع بالسرقة منه) فيه شرك كمالٍ مشترك لأبيه، أو لابنه؛ لأن له فيه شُبهة.

(ولا بالسرقة من غَنيمة له) أي: السارق (فيها حقّ، أو لولده) فيها حقّ (أو لوالده) فيها حقّ (أو لسيده) فيها حقّ. (وإن لم يكن من الغانمين، ولا من أحد ممن ذكرنا) بأن لم يكان والدًا، ولا ولدًا لأحد الغانمين ونحوهما (فسرق منها) أي: الغنيمة (قبل إخراج الخُمس؛ لم يُقطع) لأن لبيت المال فيها حقًّا، وهو خُمس الخُمس، وذلك شُبهة؛ فيُدرَأ بها الحَدُّ.

(وإن أُخرِج الخُمس) من الغنيمة (فسرق) السارق (من أربعة الأخماس؛ قُطِع) حيث لم يكن له ولا لولده، ولا والده ونحوه، فيها

= سعد: ليس عليه قطع، له فيه نصيب.

وأخرج عبد الرزاق (10/ 212) رقم 18874، عن ابن جريج قال: أخبرني محرز بن القاسم عن غير واحد من الثقة، أن رجلًا عدا على بيت مال الكوفة فسرقه، فأجمع ابن مسعود لقطعه، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر: لا تقطعه، فإن له فيه حقًّا.

(1)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور. ومن طريقه أخرجه البيهقي (8/ 282).

وأخرجه - أيضًا - بنحوه عبد الرزاق (10/ 212) رقم 18871، وابن أبي شيبة (10/ 21)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 327)، والبيهقي (8/ 282)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 434) رقم 17270.

ص: 158

حقٌّ؛ لعدم الشُّبهة.

(وإن سرق من الخُمس؛ لم يُقطع) لأن له فيه حقًّا (وإن قُسِمَ الخُمس خَمسةَ أقسامٍ، فسرق من خُمس الله) تعالى (ورسوله؛ لم يُقطع) لأنه من جملة مستحقيه (وإن سرق من غيره) من أربعة أخماس الخُمس (قُطِع) لأنه لا شُبهة له فيه (إلا أن يكون من أهل ذلك الخُمس) كمسكين سرق من خُمس المساكين، وهاشمي

(1)

من خمس ذوي القربى.

(و‌

‌لا يُقطع أحدُ الزوجين

(2)

بسرقته من مال الآخر،

ولو من مُحْرَزٍ عنه) رواه سعيد عن عمر بإسناد جيد

(3)

؛ ولأن كلًّا منهما يرث صاحبه بغير حَجْبٍ، وينبسط

(4)

بماله، أشبه الولد والوالد، وكما لو منعها نفقتها.

(ويُقطع المسلم بالسرقة من مال الذِّمي والمستأمن) لأن مالهما محترم بالأمان والذِّمة، بدليل أنه يجب الضمان بإتلافه (ويقطعان) أي:

(1)

في "ذ": "وهاشمي سرق".

(2)

"ظاهره ولو كانت الزوجة ذمية". ش.

(3)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ولا عند غيره، قال ابن عبد البر في الاستذكار (24/ 220): اختلف قول الشافعي في هذه المسألة، والمشهور من مذهبه ما ذكره الربيع والمزني عنه في أنه ذكر قول مالك هذا في موطئه [2/ 838]، وقال: هذا مذهب من ذهب إليه وتأوّل قول عمر: خادمكم سرق متاعكم [قد سبق تخريجه (14/ 156) تعليق رقم (1)]، أي: خادمكم الذي يلي خدمتكم، وأرى - والله أعلم - على الاحتياط، أي لا يقطع الرجل لامرأته، ولا المرأة لزوجها، ولا عبد واحد منهما سرق من مال الآخر شيئًا؛ للأثر والشبهة، وبخلطةِ كل واحد منهما صاحبه؛ لأنها خيانة لا سرقة. اهـ.

وأخرج عبد الرزاق (10/ 221) رقم 18908، ومن طريقه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 347)، عن ابن جريج قال: بلغني عن عامر الشعبي قال: ليس على زوج المرأة في سرقة متاعها قطع.

(4)

في "ذ": "ويتبسط".

ص: 159

الذمي والمستأمن (بسرقة ماله) أي: المسلم؛ لأنه إذا قُطع المسلم بسرقه مالهما، فَلأَنْ يُقطعا بسرقة ماله بطريق الأولى، و (كَقَوَدٍ، وحَدِّ قَذْفٍ) نصَّ

(1)

عليهما (وضمان مُتلَف) مالي، وأرش جناية عليه.

(وإن زنى المستأمِن بغير مُسْلِمة؛ لم يُقَمْ عليه الحَدُّ، نصًّا

(2)

) لأنه لم يلتزم حُكمنا، بخلاف الذِّمي (كَحَدِّ خَمْرٍ، وتقدم

(3)

في باب حد الزنى) فإن زنى بمسلمة قُتِلَ؛ لنقضه العهد.

(ويُقطع المرتدُّ إذا سرق) ثم عاد إلى الإسلام، فإن قُتِلَ للردة اكتُفِي بقتله، كما تقدم

(4)

، هذا ما ظهر لي في الجمع بينهما.

(فإن قال السارق: الذي أخذتُهُ مِلْكي، كان عنده وديعةً، أو: رهنًا، أو: ابتعتُهُ منه، أو: وَهَبه لي، أو: أذِنَ لي في أخذه، أو): أذِنَ لي (في الدخول إلى حِرْزِه، أو: غَصَبه مني، أو): غصبه (من أبي، أو) قال: (بعضه لي، فالقول قول المسروق منه مع يمينه) لأنه واضع اليد حكمًا، والظاهر خلاف ما ادعاه السارق.

(فإن حَلَف؛ سقطت دعوى السارق) أنه مِلْكه ونحوه؛ لحديث: "البيِّنةُ على المدَّعي، واليمينُ على من أنكر"

(5)

(ولا قَطْعَ عليه) أي: السارق (ولو كان معروفًا بالسرقة؛ لأن صِدْقَهُ مُحتَمِل) فيكون شُبهة في

(1)

انظر: مسائل عبد الله (3/ 1274) رقم 1769 - 1770، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 342) رقم 740 - 741، والجامع الصغير لأبي يعلى ص/ 317.

وانظر أيضًا: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (26/ 546).

(2)

انظر: الجامع الصغير لأبي يعلى ص/ 317، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (26/ 546).

(3)

(14/ 42).

(4)

(14/ 31).

(5)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

ص: 160

درء الحَدّ، وسمَّاهُ الشافعي

(1)

: السارق الظريف (وإن نكل) المسروق منه عن الحلف (قُضِي عليه بالنكول) لما يأتي في القضاء.

‌فصل

(وإذا سرق المسروقُ منه مالَ السارق، أو) سرق (المغصوبُ منه مالَ الغاصب،

من الحِرْزِ الذي فيه العين المسروقة، أو المغصوبة، ولو) كانت العين المسروقة أو المغصُوبة (متميزة) لم يُقطع؛ لأن لكلِّ واحدٍ منهما شُبهة في هَتْكِ الحِرْزِ لأخذ ماله، فإذا هَتَكَ الحِرْز، صار كأن المال المسروق منه، أُخذ من غير حِرْزٍ (أو أخذ) المسروقُ منه أو المغصوبُ منه (عينَ ماله فقط، أو) أخذه (ومعه نصاب من مال المعتدي) من الحِرْزِ الذي فيه ماله (لم يُقطع) لما سبق.

(وإن سَرَق) المسروقُ منه، أو المغصوبُ منه (منه) أي: من السارق، أو الغاصب (نصابًا من غير الحِرْزِ الذي فيه ماله) فعليه القطع؛ لأنه لا شُبهة له فيه مع البذل.

(أو سَرَق) رَبُّ دَينٍ (مِن مالِ مَن له عليه دَيْنٌ وهما) أي: الغاصب ونحوه، والمدين (باذلان غير ممتنعين من أدائه، أو قَدَر المالك على أخذ ماله، فتركه، وسرق من مال المعتدي) من غير حِرْزِ ماله (أو) سرق من مال (الغريم؛ فعليه القطع) لعدم الشُّبهة.

(وإن عَجَزَ) ربُّ دين (عن استيفائه، أو) عَجَز مجنيٌّ عليه عن استيفاء (أرْشِ جنايته، فسرق قَدْرَ دينهِ، أو) قَدْر (حَقِّه) أي: أرْش جنايته

(1)

انظر: مغني المحتاج (4/ 161).

ص: 161

(فلا قَطْعَ) لأن بعض العلماء أباح له الأخذَ، فيكون الاختلاف في إباحة الأخذ شُبهة تدرأ الحد، كالوطء في نكاح مختلَف في صحته.

(وإن سرق) ربُّ الدين (أكثر من دينه؛ فكالمغصوب منه إذا سرق أكثر من دينه) يعني: من عين ماله (على ما مضى) قاله في "الشرح".

(و‌

‌من قُطِع بسرقة عَيْنٍ، فعاد فسَرقها

؛ قُطِع، سواءٌ سَرَقها من الذي سرق منه، أو من غيره) لأنه لم ينزجر، أشبه ما لو سَرق غيرها، بخلاف حَدِّ القذف، فإنه لا يُعاد مرةً أخرى؛ لأن الغرض إظهار كَذِبه، وقد ظَهَر، وهنا المقصود رَدْعه وزَجْره عن السرقة، ولم يوجد، فَيُردع بالثاني كما لو سرق عينًا أخرى.

(ومن سَرَق مَرَّات قبل القطع، أجزأ حدٌّ واحد عن جميعها) كما لو زنى، أو شرب مرات قبل الحد؛ لأنه خالصُ حَقِّ الله تعالى، بخلاف حد القذف؛ لأنه حقُّ آدميٍّ، وتقدم

(1)

.

(و‌

‌لو سرق المال المسروق، أو المغصوبَ أجنبيٌّ؛ لم يُقطع)

لأنه لم يَسرق من مالكٍ ولا نائبه.

(ومن أجَّرَ داره، أو أعارها، ثم سرق منها مالَ المستعير أو المستأجر؛ قُطِع)

لأنه هتك حِرْزًا، وسرق منه نصابًا لا شُبهة له فيه، فَقُطع

(2)

، كما لو سرق من غير ملكه؛ ولأن هذا قد صار حِرْزًا لملك غيره، فلا يجوز له الدخول إليه، وإنما يجوز له الرجوع في العارية. قال في "الفنون": له الرجوع بقولٍ لا سرقة.

(1)

(14/ 30 - 31).

(2)

في "ذ": "فيقطع".

ص: 162

فصل

(ويُشترط) للقطع (ثبوت السَّرقة) لأن الله تعالى أوجب القطع على السارق، ولا يتحقَّق ذلك إلا بثبوته (إما بشهادة عَدْلين) لقوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ}

(1)

وإنما خُولف في الأموال ونحوها لدليل خاص، فيبقى ما عداه على الأصل (يصفان السرقة) في شهادتهما (و) يصفان (الحِرْزَ، وجِنْسَ النِّصاب، وقَدْره) لاختلاف العلماء في ذلك؛ فربما ظَنَّ الشاهد القطع بما لا يراه الحاكم (وإذا وجب القَطْعُ بشهادتهما، لم يسقط) القطع (بغيبتهما، ولا موتهما) كسائر الحقوق إذا ثبتت (ولا تُسمع البينة قبل الدعوى) من مالك المسروق أو نائبه.

(وإن اختلف الشاهدان) في وقت السرقة، أو مكانها، أو في المسروق (فشَهِدَ أحدُهما أنه سرق يوم الخميس، أو من هذا البيت، أو سرق ثورًا، أو ثوبًا أبيض، أو هَرَويًّا، وشَهِدَ الآخر أنه سَرَق يوم الجمعة، أو من البيت الآخر، أو بقرة، أو حمارًا، أو ثوبًا أسود، أو مَرْويًّا؛ لم يُقطع) المشهود عليه؛ لعدم اتفاقهما (كما لو اختلفا في الذكورية والأنوثية) بأن قال أحدهما: سرق ذكرًا. والآخر: أنثى. ونحوه.

(أو باعتراف مرتين) لما رُوي عن أبي أمية المخزومي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتيَ بلصٍّ قد اعترف. قال: ما إخَالُك سرقتَ، قال: بلى، فأعاد عليه مرَّتين، قال: بلى. فأمَرَ بهِ فقُطِع" رواه أبو داود

(2)

. وعن عليّ: "أنه قال

(1)

سورة البقرة، الآية:282.

(2)

في الحدود، باب 8، حديث 4380. وأخرجه - أيضًا - النسائي في قطع السارق، باب 3، حديث 4892، وفي الكبرى (4/ 328) حديث 7363، وابن ماجه في =

ص: 163

لسارقٍ: سرقتَ؟ قال: نعم، فَشَهِدَ على نَفْسِهِ مرَّتين. فقُطِع" رواه الجوزجاني

(1)

؛ ولأنه يتضمن إتلافًا، فكان من شرطه التكرار، كحد الزنى (يَذْكُر فيه) أي: اعترافه (شروطَ السرقة من النصاب، والحِرْز، وغير ذلك) أي: يصف السرقة في اعترافه، كالزنى في كلِّ مرَّة؛ لاحتمال ظَنّه وجوب القطع عليه مع فوات شرط من شروطه (والحُر، والعبد - ولو

= الحدود، باب 29، حديث 2595، وأحمد (5/ 293)، والدارمي في الحدود، باب 6، حديث 2308، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 51) رقم 731، والدولابي في الكنى والأسماء (1/ 14)، والطحاوي (3/ 168 - 169)، والطبراني في الكبير (22/ 360) حديث 905، والبيهقي (8/ 276)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 237)، من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبي المنذر مولى أبي ذر، عن أبي أمية المخزومي، أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بلص قد اعترف اعترافًا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما إخالك سرقت" قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا، فأمر به. فقطع، وجيء به، فقال: استغفر الله وتب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه. فقال: "اللهم تب عليه" ثلاثًا.

قال الخطابي في معالم السنن (3/ 301): على أن في إسناد هذا الحديث مقالًا، والحديث إذا رواه رجل مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 218): كأنه يشير إلى أن أبا المنذر - مولى أبي ذر - لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه.

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 97 - 98): أبو المنذر لا أعلم روى عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة.

وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص/ 412، حديث 1260، وقال: رجاله ثقات.

وقال في تقريب التهذيب (8458): أبو المنذر، مولى أبي ذر: مقبول.

(1)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الجوزجاني المطبوعة. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (10/ 191) رقم 18783 - 18784، وابن أبي شيبة (9/ 494)، والطحاوي (3/ 170)، والبيهقي (8/ 275).

ص: 164

آبقًا - في هذا سواء) لعموم الأدلة وكذلك الذكر والأنثى.

(ولا ينزِع

(1)

عن إقراره حتى يُقطع، ف‌

‌إن رجع) عن إقراره (قُبِلَ)

رجوعه (ولا قطع) عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَا إخَالُكَ سَرَقت"

(2)

عَرَّضَ له ليرجع، ولو لم يسقط الحَدُّ برجوعه لم يكن في ذلك فائدة؛ ولأن حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط، كما لو رجع الشهود.

(بخلاف ما لو ثبت) القطع (ببينةٍ تشهد على فِعْله، فإن إنكاره لا يُقبل) منه، بل يُقطَع.

(فإن قال) المشهود عليه: (أحلفوه) أي: المدعي (لي أني سرقت منه، لم يُحَلَّف) لأن فيه قدحًا في البينة؛ ولحديث: "شَاهِدَاكَ أوْ يمينهُ"

(3)

.

(وإن شَهِدت) البينة (على إقراره بالسرقة، ثم جَحَد، وقامت البينةُ بذلك، لم يُقطع) كما لو اعترف عند الحاكم ثم رجع، ويغرم المال.

(ولو أقرَّ) بالسرقة (مرةً واحدة، أو ثبت) أنه سرق (بـ) ــشهادة (شاهدٍ ويمين، أو أقرَّ) مرتين بالسرقة (ثم رَجَع؛ لزمه غَرَامة المسروق) لأنه حقُّ آدميٍّ، فلا يُقبل رجوعه عنه (ولا قَطْع) عليه؛ لما سبق.

(وإن كان رجوعه) عن اعترافه (وقد قُطِعَ بعضُ المَفْصِل، لم يُتْمِمْ إن كان يُرجى بُرؤُه، لكونه قَطَعَ الأقلَّ) لما تقدم في قصة ماعز

(4)

.

(وإن قُطِعَ الأكثرُ) من المَفْصِل ثم رجع عن إقراره (فالمقطوع

(1)

في "ح"، و"ذ" زيادة:"أي: يرجع".

(2)

تقدم تخريجه آنفًا (14/ 163) تعليق رقم (2).

(3)

جزء من حديث أخرجه البخاري في الرهن، باب 6، حديث 2516، وفي الشهادات، باب 20، حديث 2670، ومسلم في الإيمان، حديث 138 (220 - 221)، عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه.

(4)

تقدم تخريجه (14/ 28) تعليق رقم (1).

ص: 165

بالخيار، إن شاء قَطَعه) ليستريح من تعليق كَفّه، وإن شاء تَرَكه (ولا يلزم القاطعَ قطعُه) لأن قطعه تداوٍ، ليس

(1)

بحَدٍّ.

(ولا بأس بتلقين السارقِ ليرجعَ عن إقراره) لما تقدم من تعريضه صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما إخَالُكَ سرقتَ"

(2)

، وعن علي:"أنه أُتيَ برجلٍ فسألهُ: أسَرقتَ؟ قل: لا. فقال: لا، فتَركَهُ"

(3)

، وروي نحوه عن أبي بكر الصديق

(4)

، وأبي هريرة

(5)

، وابن مسعود

(6)

، وأبي الدرداء

(7)

.

(و) لا بأس (بالشفاعة فيه) أي: السارق (إذا لم يبلغِ الإمامَ) لقوله

(1)

في "ذ": "وليس".

(2)

تقدم تخريجه (14/ 163) تعليق رقم (2).

(3)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ، وقد أخرج عبد الرزاق (10/ 224) رقم 18919، عن عطاء: أن عليًّا رضي الله عنه أتي بسارقين معهما سرقتهما، فخرج فضرب الناس بالدرة حتى تفرقوا عنهما، ولم يدعُ بهما. ولم يسأل عنهما.

(4)

أخرج عبد الرزاق (10/ 224) رقم 18919، عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: كان مَن مضى يؤتى أحدهم بالسارق فيقول: أسرقت؟ قل: لا، أسرقت؟ قل: لا. عِلمي أنه سمَّى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرج ابن أبي شيبة (10/ 23)، عن أبي المتوكل، أن أبا هريرة رضي الله عنه أتي بسارق وهو يومئذ أمير، فقال: أسرقت، أسرقت؟ قل: لا، قل: لا، مرتين أو ثلاثًا.

(6)

لم نقف على من رواه عن ابن مسعود، وإنما أخرج عبد الرزاق (10/ 224) رقم 18921، والبيهقي (8/ 276)، عن إبراهيم، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، أنه أتي بامرأة سرقت جملًا، فقالت: أسرقت؟ قولي: لا.

وأخرج ابن أبي شيبة (10/ 23)، عن جابر، عن مولى لأبي مسعود، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أتي برجل سرق، فقال: أسرقت؟ قل: وجدته. قال: وجدته، فخلى سبيله.

(7)

أخرج عبد الرزاق (10/ 225) رقم 18922، وابن أبي شيبة (10/ 23)، والبيهقي (8/ 276)، عن يزيد بن أبي كبشة، عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أنه أُتي بامرأة سرقت يقال لها: سلامة، فقال لها: يا سلامة، أسرقت؟ قولي: لا. قالت: لا، فدرأ عنها.

ص: 166

- صلى الله عليه وسلم: "تَعَافَوا الحُدُودَ، فمَا بَلَغَنى مِنْ حَدٍّ وَجَبَ"

(1)

(فإذا بلغه، حَرُمَتِ الشفاعة) وقَبولها (ولزم القطع) وكذا سائر الحدود؛ لما تقدم في قصة المخزومية

(2)

.

فصل

(ويُشترط أن يُطالب المسروقُ منه بماله، أو) يطالب به (وكيلُه

(3)

) لأن المال يباح بالبذل والإباحة، فيحتمل أن يكون مالكه أباحه إياه، أو وقفه على جماعة المسلمين، أو على طائفة منهم السارق، أو أذن له في دخول حِرْزه، فاعتُبرت المطالبة؛ لتزول الشُّبهة.

(1)

أخرجه أبو داود في الحدود، باب 5، حديث 4376، والنسائي في قطع السارق، باب 5، حديث 4900 - 4091، وفي الكبرى (4/ 330) حديث 7372 - 7373، وعبد الرزاق (10/ 127) حديث 18597، وابن عدي (1/ 293)، والدارقطني (3/ 113)، والحاكم (4/ 383)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 456)، والبيهقي (8/ 331)، من طرق عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ في الفتح (12/ 87): صححه الحاكم، وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 249 مع الفيض) ورمز لصحته.

وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (10/ 229) رقم 18937، عن ابن جريح والمثنى، عن عمرو بن شعيب، مرسلًا.

(2)

انظر (14/ 129) تعليق رقم (4).

(3)

زاد في "ح" و"ذ" بعد "وكيله": "أو وليه"، وزاد بعد "وليه" في "ح":"فإن لم يطالب، أو وهبه لسارق، أو باعه إياه قبل رفعه إلى الإمام؛ فلا قطع".

ص: 167

(فإن أقرَّ) مُكلَّف (بسرقه مالٍ غائبٍ، أو شهدتْ بها بينةٌ؛ حُبِس) إلى قدوم الغائب (ولم يُقطع حتى يَحضُرَ) الغائبُ، ويطالب، وتعاد الشهادة؛ لأنه لا يكتفى بإقامتها قبل المطالبة.

(فإن كانت العينُ في يده) أي: يد المُقِر بالسرقة، أو يد من شَهِدت البينةُ عليه بالسرقة (أخذها الحاكمُ، وحَفِظها للغائب) لأن الحاكم له النظر في مال الغائب، وعليه حفظه.

(وإن أقرَّ بسرقة) شيءٍ مكلَّفٌ (رجُلٌ) أو امرأة (فقال المالك: لم تسرقْ منِّي، ولكن غصبتني، أو كان) ذلك الشيء (لي قِبَلَكَ وديعةٌ، فجحدتني؛ لم يُقطع) لأن إقراره لم يوافق دعوى المدَّعي.

(وإن أقرَّ) مُكلَّفٌ (أنه سرق) نِصابًا (من رجلين) مثلًا (فصَدَّقه أحدُهما) وحده (أو حضر أحدُهما فطالب، ولم يطالب الآخرُ؛ لم يُقطع) لعدم كمال الشرط، وهو مطالبة المسروق منه بنصاب تام. ومفهوم كلامه في "الشرح": أنه لو كان المسروق من المدعى يبلغ نصابًا، قُطِع؛ لاجتماع الشروط.

(فإن أقرَّ أنه سَرَق من رَجُلٍ شيئًا يبلُغُ نصابًا، فقال الرجلُ: قد فقدتُهُ من مالي، فينبغي أن يُقطع) لحديث عبد الله بن ثعلبة الأنصاري؛ رواه ابن ماجه

(1)

.

(1)

في الحدود، باب 24، حديث 2588. وأخرجه - أيضًا - الطحاوي (3/ 168)، والطبراني في الكبير (2/ 86) حديث 1385، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 22 - 23)، من طرق عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري، عن أبيه، أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني سرقت جملًا لبني فلان، فطهرني، فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا افتقدنا جملًا لنا، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده. قال ثعلبة: أنا أنظر =

ص: 168

وإن كذَّب مُدَّعٍ نفسه، سقط القطعُ.

(وإذا وجب القطعُ) لاجتماع شروطه السابقة (قُطِعت يده اليمنى من مَفْصِل الكَفِّ) قال في "المبدع": بلا خلاف. ومعناه في "الشرح". وفي قراءة ابن مسعود: {فاقطعوا أيمانهما}

(1)

وروي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: "إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع"

(2)

، ولا مخالف لهما في الصحابة

(3)

؛ ولأن البطش بها أقوى، فكانت البداءة بها أردع؛ ولأنها آلة السرقة غالبًا، فناسب عقوبته بإعدام آلتها.

و (حُسِمت وجوبًا، وهو) أي: الحَسْم (أن يُغْمَسَ موضِعُ القطعِ من مَفْصِل الذراع في زيت مَغليٍّ) لقوله صلى الله عليه وسلم في سارق: "اقطعوه

= إليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد لله الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 112): هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة.

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 480): غريب جدًّا.

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (6/ 228)، والبيهقي (8/ 270).

(2)

لم نقف على من رواه عنهما مسندًا بهذا اللفظ، قال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 317): أثر أبي بكر وعمر غريب عنهما. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 71): "لم أجده عنهما، وفي كتاب الحدود لأبي الشيخ من طريق نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، رعمر، وعثمان كانوا يقطعون السارق من المفصل".

وأخرج أبو يوسف في الخراج ص/ 168، وابن أبي شيبة (10/ 29 - 30)، عن عكرمة، أن عمر رضي الله عنه، قطع اليد من المفصل.

وأخرجه البيهقي (8/ 271)، عن عمرو بن دينار قال: كان عمر بن الخطاب يقطع السارق من المفصل.

(3)

انظر: الاستذكار (24/ 188 - 189).

ص: 169

واحسموه"

(1)

قال ابن المنذر: في إسناده مقال

(2)

. والحكمة في الحسم: أن العضو إذا قُطِع فَغُمِس في الزيت المغلي، انسدت أفواه العروق، فينقطع الدم، إذ لو تُرِكت

(3)

بلا حسم لنزفَ الدم، فأدَّى إلى موته.

(1)

أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 220) حديث 1560، والطحاوي (3/ 168)، والدارقطني (3/ 102)، والحاكم (4/ 381)، والبيهقي (8/ 275 - 276)، من طرق عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.

قال البزار: لا نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا الإسناد.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وسكت عليه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 276): رواه البزار عن شيخه أحمد بن أبان القرشي، وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 204، حديث 244، وعبد الرزاق (7/ 389، 10/ 225) حديث 13583، 18923 - 18924، وأبو عبيد في غريب الحديث (2/ 258)، وابن أبي شيبة (10/ 30 - 31)، والدارقطني (3/ 103)، والبيهقي (8/ 271)، وفي السنن الصغير (3/ 313) حديث 3293، كلهم من طرق عن يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، مرسلًا.

قال البيهقي في السنن الصغير: هكدا روي مرسلًا، وقد قيل: عنه، عن ابن ثوبان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال في الكبرى: قال علي [ابن المديني]: لم يسنده واحد منهم فوق ابن ثوبان إلى أحد. قال: وبلغني أن محمد بن إسحاق رواه عن يزيد بن خصيفة، عن ابن ثوبان، عن أبي هريرة، ولا أراه يحفظه.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 66): وصله الدارقطني والحاكم والبيهقي بذكر أبي هريرة فيه، ورجح ابن خزيمة وابن المديني وغير واحد إرساله، وصحح ابن القطان الموصول.

(2)

الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/ 511).

(3)

في "ح" و"ذ": "ترك".

ص: 170

(فإن عاد) فسرق (قُطِعت رِجْلُه اليسرى من مَفْصِل الكعب) بترك عقبه؛ لفعل عمر

(1)

.

وعن

(2)

عليّ: أنه كان يقطع من شطر القدم من معقد الشِّرَاك، ويترك له عقبًا يمشي عليها

(3)

.

والأصل في قطع الرِّجْل في المرة الثانية، ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق:"إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رِجْله"

(4)

؛

(1)

أخرج أبو يوسف في الخراج ص/ 168، وعبد الرزاق (10/ 185) رقم 18759، وابن أبي شيبة (10/ 29)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 161)، أن عمر رضي الله عنه، كان يقطع القدم من مفصلها.

(2)

في "ذ": "روي عن".

(3)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 167، والشافعي في الأم (7/ 182)، وعبد الرزاق (10/ 185) رقم 18759، وسعيد بن منصور كما في تغليق التعليق (5/ 23)، وابن أبي شيبة (10/ 29)، والبيهقي (8/ 271)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 414) رقم 17203 - 17204، من طرق عن علي رضي الله عنه.

(4)

أخرجه الشافعي في مختصر المزني (8/ 264 مع الأم) - ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن والآثار (12/ 411) حديث 17187 - ، عن بعض أصحابه، عن محمد بن عبد الرحمن، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه الدارقطني (3/ 181) من طريق الواقدي، عن ابن أبي ذئب، عن خالد بن سلمة، أراه عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 368): الواقدي في مقال.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 314): رواه الدارقطني بإسناد واهٍ.

وللحديث شواهد كلها ضعيفة منها:

أ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه الدارقطني (3/ 180 - 181)، من طرق عن هشام بن عروة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطع يده، ثم أُتي به قد سرق فقطع رجله، ثم أتي به قد سرق فقطع يده، ثم أتي به قد سرق فقطع رجله، ثم أتي به قد سرق فأمر به، فقتل. =

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ضعّفه الزيلعي في نصب الراية (3/ 372). وأخرجه البيهقي (8/ 272)، من طريق مصعب بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به. ومصعب بن ثابت ضعفه النسائي كما يأتي.

وأخرجه أبو داود في الحدود، باب 20، حديث 4410، والنسائي في قطع السارق، باب 15، حديث 4993، وفي الكبرى (4/ 348) حديث 7471، والبيهقي (8/ 272)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 412) حديث 17191، من طريق مصعب بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، قال: جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق؟ فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق؟ فقال: اقطعوه

الحديث.

قال النسائي: هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث، والله أعلم. وزاد في الكبرى: ويحيى القطان لم يتركه، وهذا الحديث ليس بصحيح، ولا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ب - عن الحارث بن حاطب رضي الله عنه: أخرجه النسائي في قطع السارق، باب 14، حديث 4992، وفي الكبرى (4/ 348) حديث 7470، والحاكم (4/ 382)، والبيهقي (8/ 272 - 273)، من طريق حماد بن سلمة، عن يوسف بن سعيد، عن الحارث بن حاطب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص، فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق؟ فقال: اقتلوه، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق، فقال: اقطعوا يده، قال: ثم سرق، فقطعت رجله

الحديث.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: بل منكر.

ج - عن عبد الله بن زيد الجهني رضي الله عنه: أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 6)، من طريق حرام بن عثمان، عن معاذ بن عبد الله، عن عبد الله بن زيد الجهني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سرق متاعًا فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا رجله، فإن سرق فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا رجله، فإن سرق فاضربوا عنقه. وقال: تفرد به حرام وهو من الضعف بالمحل العظيم.

د - عن عصمة بن مالك رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 182)، والدارقطني (3/ 137)، من طريق الفضل بن المختار، عن عبد الله بن موهب، عن =

ص: 172

ولأنه قول أبي بكر

(1)

وعمر

(2)

، ولا مُخالِفَ لهما في الصحابة، فكان كالإجماع

(3)

. وإنما قُطِعت الرِّجل اليسرى؛ لقوله تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ}

(4)

، وإذا ثبت ذلك في المحاربة، ثبت في

= عصمة بن مالك، قال: سرق مملوك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعفا عنه

ثم رفع إليه الخامسة وقد سرق فقطع يده، ثم رفع إليه السادسة فقطع رجله، ثم رفع إليه السابعة فقطع يده، ثم رفع إليه الثامنة فقطع رجله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع بأربع.

قال عبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 98): هذا لا يصح؛ للإرسال، وضعف الإسناد. وضعفه - أيضًا - الزيلعي في نصب الراية (3/ 373) والهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 275)، وابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 68)، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 359): هذا يشبه أن يكون موضوعًا.

هـ - عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، مرسلًا: أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 206، حديث 247، وعبد الرزاق (10/ 188) حديث 18773، والبيهقي (8/ 273)، بنحو مما تقدم عن عصمة. قال البيهقي: وهو مرسل حسن بإسناد صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 511)، عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعبد الرحمن بن سابط مختصرًا.

قال البيهقي: كأنه لم ير بلوغه في المرات الأربع، أو لم ير سرقته بلغت ما يوجب القطع، ثم رآها توجبه في المرات الأخر، فأمر بالقطع، وهذا المرسل يقوي الموصول قبله، ويقوي قول من وافقه من الصحابة رضي الله عنهم.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 187) رقم 18770 - 18771، وابن أبي شيبة (9/ 509 - 510).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 186 - 187) رقم 18766، 19768، وابن أبي شيبة (9/ 510 - 511)، والدارقطني (3/ 181)، والبيهقي (8/ 274).

(3)

أخرج أبو يوسف في الخراج ص/ 174، عن الحجاج، عن سماك، عمن حدثه، أن عمر رضي الله عنه، استشار في السارق، فأجمعوا على أنه إن سرق، قطعت يده، فإن عاد قطعت رجله، فإن عاد استودع السجن.

(4)

سورة المائدة، الآية:33.

ص: 173

السرقة قياسًا عليها؛ ولأن قطع الرجل اليسرى أرفق به؛ لأن المشي على الرجل اليمنى أسهل وأمكن، ويبعد في العادة أن يتمكَّن من المشي على اليسرى، فوجب قطع اليسرى؛ لئلا تتعطل منه منفعة بلا ضرورة (وحُسِمَت، وجوبًا) بغمسها في زيتٍ مغلي؛ لئلا ينزف الدم فيؤدي إلى موته.

(و‌

‌صفة القطع:

أن يُجْلَس السارقُ ويُضبَطَ؛ لئلا يتحرك) فيجني على نفسه (وتُشَدُّ يدُه بحبلٍ، وتُجرَّ حتى يتبين مَفْصِل الكفّ من مَفْصِل الذراع، ثم توضع بينهما سكين حادة، ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة، أو توضع السكين على المَفْصِل، وتُمدَّ مدةً واحدة) وكذا يُفعل في قطع الرجل.

(وإن علم قطعًا أوحى من هذا، قطع به) لأن الغرض التسهيل عليه؛ لحديث: "إنَّ الله كتب الإحسان على كل شيء"

(1)

.

(ويُسَنُّ تعليقُ يدِهِ في عُنقه) لما روى فَضَالة بن عُبَيد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتيَ بسارق فقُطِعت يده، ثم أمَرَ بها فعُلِّقت في عنقه" رواه أبو داود وابن ماجه

(2)

، وفَعَله

(1)

تقدم تخريجه (7/ 50) تعليق رقم (3).

(2)

أبو داود في الحدود، باب 21، حديث 4411، وابن ماجه في الحدود، باب 23، حديث 2578. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الحدود، باب 17، حديث 1447، والنسائي في قطع السارق، باب 18، حديث 4998، وفي الكبرى (4/ 350) حديث 7476، وابن أبي شيبة (10/ 134)، وأحمد (6/ 19)، والطحاوي (4/ 322)، والطبراني في الكبير (18/ 299) حديث 769، وفي مسند الشاميين (3/ 243، 4/ 359) حديث 2175، 3556، والدارقطني (3/ 208)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 148)، والبيهقي (8/ 275)، والمزى في تهذيب الكمال (17/ 396)، كلهم من طريق عمر بن علي بن عطاء، عن الحجاج، عن مكحول، عن ابن محيريز، عن =

ص: 174

عليٌّ

(1)

(زاد جماعة) منهم صاحب "البلغة"، و"الرعايتين"، و"الحاوي" (ثلاثة أيام؛ إن رآه الإمام) أي: أداه إليه اجتهاده؛ لتتعظ به اللصوص.

(ولا يُقطع) السارق (في شدّة حَرٍّ، ولا) في شدّة (بَرْدٍ، ولا مريض في مرضه، ولا حامل حال حَمْلها، ولا بعد وضعها حتى ينقضي نِفَاسُها) لئلا يحيف ويتعدَّى إلى فوات النفس.

(وإذا قُطِعت يده، ثم سرق قبل اندمالها، لم يُقطع حتى يندمل القطع الأول) خوفًا من أن يُفضي إلى هلاكه (وكذا لو قُطِعت رِجْله قِصاصًا، لم تُقطع اليد في السرقة حتى تبرأ الرِّجْل) لما مَرَّ.

وأما قُطَّاع الطريق، فإنَّ قطع اليد والرجل حَدٌّ واحد، بخلاف ما نحن فيه.

(فإن عاد) للسرقة (ثالثًا بعد قَطْع يده ورِجْله، حَرُم قطعه) رواه سعيد

(2)

عن عليّ؛ ولأن قطع الكل يُفَوِّتُ منفعة الجنس، فلم يُشرع

= فضالة بن عبيد رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال النسائي: الحجاج بن أرطاة ضعيف لا يحتج به. قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 239): هذا الذي قاله النسائي قاله غير واحد من الأئمة. وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي (6/ 227): لو ثبت لكان حسنًا صحيحًا، ولكنه لم يثبت. وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 370): هو معلول بالحجاج. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 69): لا يبلغ درجة الصحيح ولا يقاربها.

(1)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 169، وعبد الرزاق (10/ 191) رقم 18783 - 18784، وابن أبي شيبة (10/ 134 - 135)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 340)، والبيهقي (8/ 275).

(2)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور.

وأخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 174، ومحمد بن الحسن في الآثار ص/ 313، رقم 631، وعبد الرزاق (10/ 186 - 187) رقم 18764، 18767، وابن أبي شيبة =

ص: 175

كالقتل. وروي أن عمر رجع إلى قول عليّ

(1)

(وحُبِس حتى يتوب) كالمرة الخامسة. وفي "البلغة": يُعزَّر ويُحبس حتى يتوب.

(ولو سرق ويده اليمنى) ذاهبة (أو) سرق و (رِجْله اليُسرى ذاهبة؛ قُطِع الباقي منهما) وتقطع

(2)

رِجْله اليسرى في الصورة الأولى؛ لأن اليمنى

(3)

لما خرجت عن كونها محلًّا للقطع، انتقل القطعُ إلى ما يلي ذلك، وهو الرِّجْل اليسرى، وتقطع يده اليمنى في الثانية؛ لأنها الآلة ومحل النص.

(وإن كان الذاهب يَدُه اليسرى ورِجْله اليمنى؛ لم يُقْطع) منه شيء (لتعطيل منفعة الجنس، وذهاب عضوين من شق واحد.

ولو كان الذاهب يديه، أو يسراهما) وسرق (لم تُقطع رِجْله

= (9/ 509، 512)، والبغوي في الجعديات (1/ 23) رقم 61، والدارقطني (3/ 180)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 354 - 355)، والبيهقي (8/ 275)، من طرق عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا سرق السارق مرارًا قطعت يده، ورجله، ثم إن عاد استودعته السجن. لفظ ابن أبي شيبة. وفي لفظ لعبد الرزاق: كان علي رضي الله عنه، لا يقطع إلا اليد والرجل، وإن سرق بعد ذلك سجن، ونكل، وكان يقول: إني لأستحيي الله ألا أدع له يدًا يأكل بها، ويستنجي.

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (9/ 513)، من طريق سماك عن بعض أصحابه، أن عمر رضي الله عنه استشارهم في سارق، فأجمعوا على مثل قول علي رضي الله عنه.

وأخرجه عبد الرزاق (10/ 186) رقم 18766، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 355)، والبيهقي (8/ 274)، من طريق سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي قال: أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل أقطع اليد والرجل - يقال له سدوم - فأراد أن يقطعه، فقال له علي بن أبي طالب: إنما عليه قطع يده ورجله، فحبسه عمر. لفظ ابن حزم.

(2)

في "ذ": "فتقطع".

(3)

في "ذ": "اليمين".

ص: 176

اليسرى) لذهاب عضوين من شَقّ (وإن كان الذاهب رِجْليه، أو يُمناهما، ويداه صحيحتان؛ قُطعت يمنى يده) لأنها الآلة ومحل النص.

(وإن سرق وله يُمنى، فذهبت في قِصاص، أو) ذهبت (بأَكِلَةٍ، أو) ذهبت بـ (ــتعدٍّ؛ سقط القطع) لتعذُّر استيفاء الحد؛ لتلف محله، كما لو مات من عليه القود.

(وعلى العادي) بقطع اليد (الأدب فقط) لافتياته على الإمام، ولا ضمان عليه؛ لأن قطعها مستحق، أشبه قتل المرتدِّ (سواء قطعها بعد السرقة والحكم بالقطع، أو قبله إذا كان) قطعه لها (بعد السرقة؛ لأنه قطع عضوًا غير معصوم) أشبه قتل الزاني المحصن.

(ولو شهد عليه بالسرقة) شاهدان (فحبسه الحاكم لتعدل الشهود، فقطعه قاطع، ثم عُدِّلوا، فكذلك) لا ضمان على قاطعه؛ لما مَرَّ (وإن لم يُعدَّلوا) أي: الشهود (وجب القِصاص على القاطع) لأنه قطع عضوًا من معصوم مكافئ له، لا حَقَّ له في قطعه، ولا شُبهة حق.

(وإن ذهبت يده اليسرى) وحدها (أو) ذهبت (مع رجليه، أو مع إحداهما؛ فلا قَطْع) لذهاب منفعة الجنس بقطع يمناه.

(وإن ذهبت بعد سرقته رِجْلاه، أو يمناهما؛ قُطِع) أي: قُطعت يده اليمنى؛ لأنها الآلة ومحل النص (كـ) ــما تُقطع مع (ذهاب يسراهما) أي: يسرى رجليه (نصًّا

(1)

.

وشلَّاء) من يد، أو رجل (ولو أُمِن تلفه بقطعها) كمعدومة.

(وما ذهب معظمُ نفعها) من يد، أو رِجْل (كمعدومة) لأنه لا يحصُل بواحدة منهما مقصود القَطْع، والشلَّاء لا نفع فيها،

(1)

انظر: الفروع (6/ 136)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (26/ 576 - 577).

ص: 177

ولا جمال، فتشبه كفًّا لا أصابع عليه.

(لا ما ذهب منها خِنْصِر، وبِنْصِر، أو إصبع سواهما ولو الإبهام) فليست كمعدومة؛ لبقاء معظم نفعها.

(وإن وجب قطع يُمناه، فقَطَعَ القاطعُ يُسراه بدلًا عن يمينه؛ أجزأت، ولا تُقطع يُمناه) لئلا تتعطل منفعة الجنس، وتُقطع يداه بسرقة واحدة.

(وأما القاطعُ؛ فإن كان قَطَعها من غير اختيار من السارق، أو كان أخرجها السارقُ دهشةً، أو ظنًّا منه أنها تُجزئ، فَقَطَعها القاطع عالمًا بأنها يُسراه، وأنها لا تجزئ؛ فعليه القِصاص) لأنه قطع طرفًا معصومًا عمدًا، فأقيد به كما لو لم يجب قطع يُمناه.

(وإن لم يعلم) القاطعُ (أنها يُسراه، أو ظَنَّ أنها تُجزئه؛ فعليه ديتها) لأن ما أوجب عمده القود، أوجب خطؤه الدية، كالقتل.

(وإن كان السارقُ أخرجها اختيارًا عالمًا بالأمرين) أي: بأنها اليسار، وبأنها لا تُجزئ (فلا شيء على القاطع) لإذن المقطوع فيه (ولا تُقطع يُمنى السارق) لذهاب منفعة الجنس؛ جزم به في "التصحيح" و"النظم" وقدَّمه في "المنتهى". والوجه الثاني: تُقطع؛ جزم به في "الوجيز" و"التنقيح" وهو ظاهر ما قدَّمه في "الفروع".

(ويجتمع القطعُ والضمان) على السارق؛ لأنهما حقان يَجِبان لمستحقين، فجاز اجتماعهما، كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك (فيَرُدُّ العينَ المسروقةَ إلى مالكها) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه. إن كانت باقية (وإن كانت تالفةً وهي من المِثليات؛ فعليه مِثلُها، وإلا) تكن مِثلية (فقيمتها، قُطِع أو لم يُقطع، موسِرًا

ص: 178

كان أو مُعسِرًا) وما روي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا: "إذا أَقمتُمُ الحَدَّ على السّارِقِ فلا غُرْمَ عليه"

(1)

قال ابن عبد البر: الحديث ليس بالقوي

(2)

. وقال ابن المنذر

(3)

: فيه سعد بن إبراهيم، وهو مجهول، ولو سُلِّم صحته فيحتمل أنه لا غُرْمَ عليه في أجرة القطع.

(1)

أخرجه النسائي في قطع السارق، باب 18، حديث 4999، وفي الكبرى (4/ 350) حديث 3477، والطبراني في الأوسط (10/ 126) حديث 9270، والدارقطني (3/ 182 - 183)، والبيهقي (8/ 277)، من طرق عن المفضل بن فضالة، عن يونس بن يزيد، عن سعد بن إبراهيم، عن المسور بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، به.

قال النسائي: هذا مرسل وليس بثابت.

وفي رواية للدارقطني: سعيد بن إبراهيم، وقال: سعيد بن إبراهيم مجهول، والمسور لم يدرك عبد الرحمن بن عوف.

قال أبو حاتم الرازي - كما في العلل لابنه (1/ 452) -: هذا حديث منكر، ومسور لم يلق عبد الرحمن، هو مرسل أيضًا.

وأخرجه الدارقطني (3/ 183) - أيضًا - من طريق المفضل بن فضالة، عن يونس، عن الزهري، عن سعد بن إبراهيم، عن المسور بن مخرمة، عن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال: هذا وهم من وجوه عدة.

قال ابن حجر في إتحاف المهرة (10/ 638): يعني في زيادة الزهري، وفي قوله: عن المسور بن مخرمة، وإنما هو المسور بن إبراهيم، وفي إيهام كونه متصلًا، وإنما هو مرسل وغريب.

وضعفه - أيضًا - البيهقي، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 71)، وبينا وجوه الضعف. انظر: السنن الكبرى للبيهقي، وبيان الوهم والإيهام، ونصب الراية (3/ 375).

(2)

التمهيد (14/ 383).

(3)

نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (3/ 376)، وانظر: الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/ 519).

ص: 179

(وإن فعل) السارق (في العين فعلًا نَقَصَها به، كقطع الثوب) المسروق (ونحوه؛ وجب ردُّه وردُّ) أرْش (نقصه) كالمغصوب.

(و‌

‌الزيت الذي يُحْسَم به وأجرة القطع من مال السارق)

أما الزيت؛ فلأنه يلزمه حفظ نفسه وهذا منه؛ لأنه إذا لم يُحْسَم لم يأمن على نفسه التلف، فوجب لذلك. وأما أُجرة القطع، فلأن القطع حقٌّ وجب عليه الخروج منه، فكانت مؤنته عليه كسائر الحقوق، وقبل: يؤخذ ذلك من بيت المال؛ لأنه من المصالح.

ص: 180

‌باب حد المحاربين

وهو جمع مُحارِب، اسم فاعل من حارب يُحارِب، من الحرب. قال ابن فارس: الحَرْب اشتقاقها من الحَرَب - بفتح الراء - وهو مصدر حُرِبَ مالَه، أي: سُلِبَه. والحرب: المحروب

(1)

.

(وهم قُطَّاعُ الطريق) أي (المُكلَّفون الملتزِمون) من مسلم وذمي (ولو أنثى) لأنها تُقطع في السرقة، فلزمها حكم المحاربة كالرَّجُل (الذين يَعْرِضُون للناس بسلاح ولو بعصًا وحجارة) لأن ذلك من جملة السلاح، فإن لم يكن معهم سلاح فليسوا محارِبين؛ لأنهم لا يَمنعون مَن قَصَدهم (في صحراء أو بنيان أو بَحْر) لعموم الآية؛ ولأن ضررهم في المِصْر أعظم، فكانوا بالحَدِّ أولى (فيغصبونهم مالًا) بخلاف الخمر ونحوه (محترمًا) لا صليبًا ومزمارًا ونحوهما (قهرًا مجاهرة).

والأصل فيهم قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .} الآية

(2)

. قال ابن عباس وأكثر العلماء: نزلت في قُطَّاع الطريق من المسلمين

(3)

؛ لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ

(1)

مجمل اللغة (1/ 229) مادة (حرب)، ومعجم مقاييس اللغة (2/ 48)، وفيهما: والحريب: المحروب.

(2)

سورة المائدة، الآية:33.

(3)

لم نقف على قول ابن عباس هذا، وقد أخرج أبو داود في الحدود، باب 3، رقم 4372، والنسائي في المحاربة، باب 9، رقم 4057، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ. . .} نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه. =

ص: 181

تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}

(1)

والكفار تُقبل توبتهم بعد القدرة

(2)

وقبلها، وعن ابن عمر أنها نزلت في المرتدين

(3)

؛ لأن سبب نزولها قضية العُرَنيين

(4)

.

(فإن أخذوا) المال (مختفين فهم سُرَّاق) لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة، فليسوا بمحاربين (وإن خطفوه وهربوا، فمنتهبون لا قَطْعَ عليهم) لأنهم ليسوا قُطَّاع طريق؛ لما مَرَّ.

= قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 208): في إسناده علي بن الحسين بن واقد، وفيه مقال.

وقال القرطبي في تفسيره (6/ 148): الذي عليه الجمهور أنها نزلت في العُرنيين.

(1)

سورة المائدة، الآية:33.

(2)

في "ذ": "القدرة عليهم".

(3)

أخرج أبو داود في الحدود، باب 3، رقم 4369، والنسائي في المحاربة، باب 9، رقم 4052، والطبري في تفسيره (6/ 207 - 208)، والطبراني في الكبير (12/ 324) رقم 13247، والبيهقي (8/ 282)، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن ناسًا أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه وسلم فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، فبعث في آثارهم، فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم قال: ونزلت فيهم آية المحاربة.

(4)

أخرج البخاري في الوضوء، باب 66، حديث 233، وفي الزكاة، باب 68، حديث 1501، وفي الجهاد، باب 152، حديث 3018، وفي المغازي، باب 36، حديث 4192، وفي التفسير، باب 5، حديث 4610، وفي الطب، باب 5 - 6، 29، حديث 5685 - 5686، 5727، وفي الحدود، باب 15 - 18، حديث 6802 - 6805، وفي الديات، باب 22، حديث 6899، ومسلم في القسامة، حديث 1671، عن أنس رضي الله عنه، قال: قدم أناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا، قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة، يستقون فلا يسقون. قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله.

ص: 182

(وإن خرج الواحد والاثنان على آخِرِ قافلة، فاستلبوا منها شيئًا، فليسوا بمحاربين؛ لأنهم لم يرجعوا إلى منعة وقوة، وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم، فهم محاربون) يثبت لهم حكمهم.

(ويُعتبر ثبوته) أي: قَطْع الطريق (ببينة) أي: شهادة رَجُلين عدلين (أو إقرارٍ مَرَّتين) كسرقة؛ ذكره القاضي وغيره.

(فمن كان منهم) أي: من قُطَّاع الطريق (قد قَتل) قتيلًا (لأخذ ماله، ولو) كان القتل (بمثقَّل، أو سَوط، أو عصًا، ولو) قتل (غير من يكافئه، كمن قتل ولده أو) قتل (عبدًا، أو ذميًّا، وأخذ المال؛ قُتل حتمًا) أي: وجوبًا؛ للآية (بالسيف في عنقه) لحديث: "إذا قَتَلتُمْ فأحْسِنُوا القِتلَةَ"

(1)

(ولو عفا عنه وليُّ) المقتول؛ لأنه لحق الله تعالى، فلا يسقط بعفْو الولي.

(ثم صُلِب المكافئُ) لمقتوله (دون غيره، بقَدْرِ ما يَشتهِرُ) به؛ لأن المقصود منه زَجْرُ غيره، ولا يحصُل إلا به، والأصل في ذلك ما روى الشافعيُّ بسنده عن ابن عباس: إذا قَتلوا وأخذوا المال [قُتِلوا و]

(2)

صُلبوا، وإذا قَتلوا ولم يأخذوا المال قُتِلوا ولم يُصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قُطِعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا، نُفُوا من الأرض

(3)

. وروي نحوه مرفوعًا

(4)

. وقُدِّم القتل على الصلب؛ لأنه مُقَدَّم عليه في الآية، وفي صلبه حيًّا تعذيب،

(1)

تقدم تخريجه (2/ 25) تعليق رقم (2).

(2)

ما بين معقوفين من مسند الشافعي.

(3)

مسند الشافعي (ترتيبه 2/ 86)، ومن طريقه أخرجه البيهقي (8/ 283)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 437) رقم 17274.

(4)

انظر ما تقدم في الصفحة السابقة من حديث ابن عمر وأنس، رضي الله عنهم، تعليق رقم (3 - 4).

ص: 183

وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان

(1)

(ثم يُنزَل ويُدفع إلى أهله، فيغسَّل، ويُكَفَّن، ويُصلَّى عليه، ويُدفن) كغيره من المسلمين.

(فإن مات) قاطعُ الطريق (قبل قَتْله، لم يُصلَب) لأنه لا فائدة في صلبه إذًا؛ لأن الصلب إنما وجب ليشتهر أمره في القتل في المحاربة، وهذا لم يُقتل في المحاربة.

(ولا يتحتَّم استيفاءُ جناية توجب القِصاص فيما دون النفس) فإذا قطعَ قاطعُ الطريقِ طرفًا، لم يتحتم استيفاؤه، والخيرة للمجني عليه؛ لأن القتل إنما يتحتمَ لأنه حَدّ المحارب إذا كان قاتلًا، فأما الطرف فإنما يُستوفى هنا قِصاصًا لا حدًّا، فيكون حكمه كغير المحارب، فإذا عفا وليُّ القَوَد، سقط لذلك (إلا إذا كان قد قتل).

قال في "الإنصاف": ولا يسقط تحتُّم القَوَد في الطرف إذا كان قد قُتِل على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب. انتهى. قال في "المحرر" و"المبدع": ولا يسقط مع تحتُّم القتل على الروايتين. انتهيا. وكذا في "شرح المنتهى": ولا يسقط مع تحتُّم قَتْل، لكن يمكن عود الضمير للقود في الطرف، أي: لا يسقط القود في الطرف بتحتُّم القود في النفس؛ لأنه

(2)

لا يسقط التحتم في الطرف، لأن المذهب: أنه لا يتحتَّم، بخلاف ما توهمه عبارة "الإنصاف" ولذلك قال في "التنقيح": ولا يتحتَّم استيفاء جناية توجب القِصاص فيما دون النفس. وتبعه في

(1)

أخرج البخاري في الذبائح والصيد، باب 25، حديث 5513، عن هشام بن زيد قال: دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب، فرأى غلمانًا أو فتيانًا نصبوا دجاجة يرمونها، فقال أنس رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم.

(2)

في "ذ": "لا أنه".

ص: 184

المنتهى"، وظاهرهما: مطلقًا.

(وحكمها) أي: الجناية فيما دون النفس (حكم الجناية في غير المحاربة) إذا كان قد قتل (فإن جرح إنسانًا وقتل آخر؛ اقتصّ منه للجراح، ثم قُتل للمحاربة حتمًا فيهما) وعلى ما في "التنقيح" و"المنتهى": يتحتَّم القِصاص في النفس فقط، وولي الجراح بالخيار.

(ورِدْءٌ) للمحاربة

(1)

- وهو المساعد والمعين له عند احتياجه إليه - كمباشر (وطليع) وهو الذي يكشف للمحاربين حال القافلة ليأتوا إليها (في ذلك) القتل (كمباشر) كما في جيش المسلمين إذا دخلوا دارَ الحرب وباشر بعضُهم القتالَ وأخذ المال، ووقف الباقون للحفظ والحراسة ممن يدهمهم من ورائهم، أو أرسل الإمام عينًا ليتعرَّف أحوال العدو، فإن الكلَّ يشتركون في الغنيمة، وذكر أبو الفَرَج السرقة كذلك.

(فإذا قَتَل واحدٌ منهم ثبت حكم القتل في حَقِّ جميعهم) أي: جميع المُكلَّفين منهم (فيجب قَتْلُ الكل) لأن حكم الرِّدء حكم المباشر.

(وإن قَتَل بعضُهم وأخذ المالَ بعضُهم؛ قُتِلوا كلهم) وجوبًا (وصُلِب المكافئ) لمقتوله، كأنَّ القتل والأخذ صدرا من الكل.

(فإن كان فيهم) أي: المحاربين (صبيٌّ أو مجنون؛ لم يسقط الحَدُّ عن غيرهما) كما لو اشترك مُكلَّف وغيره في شرب ونحوه، بخلاف ما لو اشتركا في القَتْل؛ لأنه لم يتمحض عمدًا عدوانًا (ولا حَدَّ عليهما) أي: الصغير والمجنون؛ لحديث: "رُفِعَ القَلَمُ عنْ ثلاثٍ"

(2)

.

(وعليهما ضمان ما أخذا من المال في أموالهما، ودية قتيلِهِما على

(1)

في "ح" و"ذ": "للمحارب".

(2)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2، 3).

ص: 185

عاقلتهما) كما لو أتلفا مالًا، أو قتلا في غير المحاربة.

(ولا شيء) أي: لا حدَّ (على رِدئهما) لأن الردء يتبع المباشر. قال في "شرح المنتهى": فيضمن الرِّدْء المكلَّف ما باشر أخذه غير المكلف.

(وإن كان فيهم) أي: المحاربين (امرأة ثبت لها حكم المحاربة) كالرجل؛ لعموم الأدلة، وكالسرقة (فمتى قَتَلت، أو أخَذَت المال؛ ثَبَت لها حكم المحاربة في حَقِّ من معها، كهي؛ لأنهم رِدؤها) فيكونون كالمباشرين.

(وإن قطع أهلُ الذمة على المسلمين الطريقَ وحدهم، أو مع المسلمين؛ انتقض عهدُهم) كما تقدم في أحكام الذمة

(1)

(وحَلَّت دماؤهم وأموالهم) يعني: أن الإمام يُخَيّر فيهم، كالأسرى، بين القتل والرِّق والمنِّ والفداء، فإن قتلوا فمالهم فيء، كما تقدم في آخر أحكام الذمة

(2)

، فإن خيف لحوقهم بدار الحرب قبل بلوغ الإمام، فلكلِّ أحدٍ قَتْلُهم وأخْذُ ما معهم، كما يأتي في المرتد

(3)

.

فصل

(ومن قَتَل) لقصد المال (ولم يأخذ المالَ؛ قُتِلَ حتمًا، ولا أثر لعفو وليٍّ، ولم يُصلب) لما تقدم في خبر ابن عباس من قوله: ومن قَتَل ولم يأخذ المال قُتِل

(4)

. ولم يذكر صَلْبًا؛ ولأن جنايتهم بأخذ المال مع

(1)

(7/ 287).

(2)

(7/ 289).

(3)

(14/ 247).

(4)

تقدم تخريجه (14/ 183) تعليق رقم (3).

ص: 186

القتل تزيد على الجناية بالقتل وحده، فوجب أن تكون عقوبتهم مع أخذ المال أغلظ.

(ومن أخذ) منهم (المال، ولم يقتل، قُطِعت يدُه اليمنى وحُسِمَتْ، ثم رِجْله اليُسرى وحُسِمَت في مقامٍ واحد، حتمًا مرتبًا وجوبًا) لظاهر الآية

(1)

والخبر

(2)

.

(ولا يُقطع منهم إلا مَن أخد مِن حِرْزٍ) وهو القافلة (مما لا شُبهة له فيه) بخلاف نحو أب وسيد (ما يُقطع السارق في مثله) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا قطعَ إلا في رُبعِ دينارٍ"

(3)

، ولم يفصِّل؛ ولأنها جناية تعلقت بها عقوبة في حق غير المحارب، فلا تُغَلَّظ في المحارب بأكثر من وجه واحد، كالقتل.

(فإذا أخذوا نصابًا، أو ما تبلغ قيمته نصابًا) أي: ربع دينار أو ثلاثة دراهم فضة خالصة (ولو لم تبلغ حصةُ كُلِّ واحدٍ منهم نصابًا؛ قُطعوا) كما لو اشترك جماعة في سرقة نصاب.

(فإن أخذ من غير حِرْزٍ، كأخذه من منفرِدٍ عن القافلة ونحوه، فلا قَطْعَ) وكذا لو كان المأخوذ دون نصاب، أو من مال له فيه شُبهة، كالسرقة.

(فإن كانت يده اليُمنى، أو رِجْله اليسرى معدومة، أو) كانت (مستحَقَّةً في قِصاص، أو) كانت (شَلَّاء؛ قُطِع الموجود منهما فقط) لأن ذلك واجب أمكن استيفاؤه.

(1)

وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .} سورة المائدة، الآية:33.

(2)

انظر ما تقدم (14/ 182) تعليق رقم (4) و (14/ 183) تعليق رقم (3، 4).

(3)

تقدم تخريجه (14/ 134) تعليق رقم (2).

ص: 187

(و‌

‌يسقط القطعُ في المعدوم)

والشلاء؛ لأن ما تعلَّق به الفَرْض قد زال، أو في حكمه، فسقط

(1)

، كالغسل في الوضوء (وإن عَدِم يُسرى يديه قُطِعت يُسرى رِجليه) فقط؛ لئلا تذهب منفعة الجنس (وإن عَدِم يُمنى يديه لم تُقطع يُمنى رجليه) لئلا يذهب عضوان من شِقٍّ، وتُقطع يُسرى رِجليه.

(ولو حارب مَرَّة أخرى، لم يُقطع منه شيء) كالسارق في المرة الثالثة على ما تقدم

(2)

.

(وتتعيَّن ديةٌ لقَوَدٍ لزمه بعد محاربته؛ لتقديمها) أي: المحاربة (بسبقها) للقود (وكذا لو مات قبله قتله للمحاربة) تعينت الدية؛ لفوات المحل.

(ومَن لم يَقْتُلْ ولا أخذ المالَ، بل أخافَ السبيلَ) أي: الطريق (نُفي وشُرِّد) أي: طُرِد (فلا يُترك يأوي إلى بلدٍ، ولو عبدًا، حتى تظهر توبته) لقوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}

(3)

.

(وإن كانوا جماعة نُفوا متفرِّقين) فيُنفى كلُّ واحدٍ منهم إلى جهة، خشية أن يجتمعوا على المحاربة ثانيًا.

(ومن تاب منهم) أي: من قُطَّاع الطريق (قبل القُدْرة عليه، لا بعدها؛ سقط عنه حَقُّ الله) تعالى (من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه. ومعناه في "الشرح"؛ لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(4)

(حتى حَدّ زنىً وسرقة وشرب) خمر، فيسقط عن المحارب إذا تاب قبل القُدْرة عليه؛ لعموم الآية، بخلاف حَدّ القَذْفِ.

(1)

في "ح" و"ذ": "فيسقط".

(2)

(14/ 175).

(3)

سورة المائدة، الآية:33.

(4)

سورة المائدة، الآية:33.

ص: 188

(وكذا خارجيٌّ) محارِب (وباغٍ) محارِب (ومرتدٌّ) محارب، إذا تاب قبل القدرة عليه؛ سقط عنه حقّ الله تعالى؛ لعموم الآية. وأما من تاب بعد القدرة عليه، فإنه لا يسقط عنه شيء من ذلك؛ لمفهوم الآية.

(وأُخِذَ) من تاب قبل القدرة عليه من قُطَّاع الطريق، والخوارج، والبُغَاة، والمرتدين (بحقوق الآدميين من الأنفس والأموال والجراح، إلا أن يُعفى لهم عنها) لأنها حقوق عليهم، لم يُعفَ عنها، فلم تسقط، كغير المحاربين

(1)

، ويدل عليه قوله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(2)

فإنه يشعر بسقوط حَقّه دون حق غيره، المبني على المُشَاحّة.

(وإن أسلم ذميٌّ بعد زنىً أو سرقة؛ لم يسقط) الحد (بإسلامه) بل يؤاخذ به كما قبل الإسلام؛ لالتزامه حكمنا (وتقدم حكم المستأمن في بابي حد الزنى

(3)

والسرقة

(4)

) قال في "المنتهى": ويؤخذ غير حربي - أسلم - بحق الله؛ وحق آدمي طَلَبه.

(وأما الحربي الكافر إذا أسلم، فلا يؤخذ بشيء في كُفْرِه إجماعًا

(5)

) لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}

(6)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلامُ يجُبُّ ما قبلَه"

(7)

.

(ومن وجب عليه حَدٌّ لله) تعالى (سوى ذلك) أي: حَدّ المحاربة،

(1)

في "ذ": "المحارب".

(2)

سورة المائدة، الآية:34.

(3)

(14/ 41 - 42).

(4)

(14/ 159 - 160).

(5)

انظر: الاستذكار (24/ 201)، والإقناع في مسائل الإجماع (4/ 1922) رقم 3721.

(6)

سورة الأنفال، الآية:38.

(7)

تقدم تخريجه (4/ 307) تعليق رقم (4).

ص: 189

كالزني وشرب الخمر والسرقة (فتاب قبل ثبوته؛ سَقَط بمجرَّد التوبة قبل إصلاح العمل) لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا}

(1)

؛ ولقوله: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}

(2)

، وفي الحديث:"التائِبُ مِنَ الذَّنبِ كمَن لا ذَنبَ له"

(3)

؛ ولأنه خالصُ حقِّ الله تعالى، فسقط بالتوبة، كحَدِّ المحارب

(1)

سورة النساء، الآية:16.

(2)

سورة المائدة، الآية:39.

(3)

روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الزهد، باب 3، حديث 4250، والطبراني في الكبير (10/ 150) حديث 10281، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 399، وأبو نعيم في الحلية (4/ 210)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 97) حديث 108، والبيهقي (10/ 154)، والخطيب في الموضح (1/ 247).

قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 11) حديث 4604: رواه ابن ماجه والطبراني كلاهما من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ولم يسمع منه، ورواة الطبراني رواة الصحيح وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 200): رجاله رجال الصحيح إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. وقال الحافظ في الفتح (13/ 471): سنده حسن!. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 249، حديث 313: رجاله ثقات، بل حسَّنه شيخنا [ابن حجر] يعني لشواهده، وإلا فأبو عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 276 مع الفيض) ورمز لحسنه.

ب - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي (10/ 154)، وفي شعب الإيمان (5/ 436) حديث 7178، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 337) حديث 1853، وقال البيهقي في السنن: هذا إسناد فيه ضعف.

ج - أبو سعد الأنصاري رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 36) حديث 775، وابن منده في المعرفة (2/ 245/ 1)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 398). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 200): فيه من لم أعرفه. قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 249: سنده ضعيف. =

ص: 190

(وإلا) أي: وإن لم يكن الحَدّ لله تعالى، بل للآدمي، كحَدّ القذف، أو كان لله ولم يتب قبل ثُبوته، بل بعده (فلا) يسقط؛ لعموم الأدلة (ومن مات وعليه حد) لله أو لآدمي (سقط) بموته؛ لفوات محله، كما يسقط القِصاص بالموت.

فصل

(ومن صال

(1)

علي نفسه) بهيمةٌ أو آدمي (أو) صال على (نسائه) كأمه، وابنته، وأخته، وزوجته ونحوهن (أو) على (ولده، أو ماله، ولو قَلّ) المال (بهيمة أو آدمي، ولو) كان من أُريدت نفسه، أو حرمته، أو ولده، أو ماله (غير مكافئ) للمريد (أو) كان الصائل (صبيًّا، أو مجنونًا) كالبهيمة، وسواء صال على ذلك (في منزله أو غيره، ولو) كان (متلصصًا) أي: طالبًا للسرقة (ولم يَخَفِ) الدافع (أن يَبْدُرَه الصائلُ بالقتل، دَفَعه بأسهل ما يَغْلِب على ظَنِّه دَفْعُه به) لأنه لو مُنع من ذلك، لأدى إلى تلفه، وأذاه في نفسه وحرمته وماله؛ ولأنه لو لم يجز ذلك، لتسلط الناس بعضهم على بعض، وأدى إلى الهرج والمرج.

(فإن اندفع بالقول لم يكن له ضَرْبه) بشيء (وإن لم يندفع بالقول،

= د - عائشة رضي الله عنها: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 388) حديث 7040، وفي سنده أحمد بن عبد الله أبو علي النهرواني، قال البيهقي: تفرَّد به وهو مجهول.

انظر: المقاصد الحسنة ص/ 249، وسلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 82 - 83)، حديث 615 - 616.

(1)

صال عليه: وثب، والمصاولة: المواثبة. الصحاح (5/ 1746) مادة (صول).

ص: 191

فله) أي: الدافع (ضَرْبه بأسهل ما يَظُنُّ أن يندفعَ به، فإن ظن أنه يندفع بضرب عصًا، لم يكن له ضربه بحديد) لأنه آلة القتل.

(وإن وَلَّى هاربًا، لم يكن له قتله ولا اتِّباعُهُ) كالبغاة (وإن ضَرَبه فعطَّله، لم يكن له أن يُثَنِّيَ عليه) لأنه كُفِيَ شره.

(وإن ضَرَبه، فقطع يمينه، فولَّى هاربًا، فضَربه، فقطع رِجْله، فالرِّجلُ مضمونة بقِصاص أو دية) لأن الزائد على ما يحصل به الدفع لا حاجة إليه، فلم يكن له فعله. قال أحمد

(1)

: لا يريد قتله وضربه، لكن دفعه.

(فإن مات) الصائل (من سراية القطعين، فعليه) أي: الدافع (نصف الدية) لأنه مات من فعل مأذون فيه وغير مأذون فيه.

(وإن رجع) الصائل (إليه) أي: الدافع (بعد قَطْعِ) يده ثم (رِجْله، فَقَطَع) الدافع (يَدَه الأخرى) لكونه لم يندفع بدونه (فاليدان غير مضمونتين) بخلاف الرِّجل التي قطعها بعد أن وَلَّى هاربًا.

(وإن مات) الصائلُ (فعليه) أي: الدافع (ثُلُثُ الدية) كما لو مات من جراحة ثلاثة أنفس. قال في "المبدع" و"الشرح": وقياس المذهب أن يضمن نصف الدية، كما لو جرحه اثنان ومات منهما (فإن لم يمكنه) أي: الدافع (دفعه) أي: الصائل (إلا بالقتل، أو خاف) الدافع (ابتداء أن يَبْدُرَه) أي: الصائل (بالقتل إن لم يعاجله بالدفع، فله ضَرْبه بما يقتله ويقطع طرفه، ويكون) ذلك (هدرًا) لأنه أتلف لدفع شره، كالباغي.

(وإن قُتل المصول عليه، فهو شهيد مضمونٌ) لحديث أبي هريرة قال: "جاءَ رجلٌ، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجلٌ يُريدُ أخذَ

(1)

السنة للخلال (1/ 170 - 171، 176) رقم 163، 164، 166، 177.

ص: 192

مالي؟ قال: لا تُعْطِهِ. قال: أرأيتَ إن قاتَلَني؟ قال: قاتِلْهُ، قال: أرأيتَ إن قتَلَني؟ قال: فأنتَ شهيدٌ. قال: أرأيتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قال: في النارِ" رواه أحمد ومسلم

(1)

.

وعن سعيد بن زيد قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن قُتِلَ دُون ماله فهو شهيدٌ، ومن قُتِلَ دون دمهِ فهو شهيدٌ، ومن قُتلَ دون أهله فهو شهيدٌ" رواه أبو داود، والترمذي

(2)

وصححه.

(وإن كان الدفع) للصائل (عن نسائه، فهو لازم) أي: واجب؛ لما فيه من حَقِّه وحق الله، وهو منعه من الفاحشة.

(وإن كان) الدفع (عن نفسه في غير فتنة، فكذلك) أي: فالدفع لازم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(3)

وكما يحرم عليه قتل نفسه يحرم عليه إباحة قتلها؛ ولأنه قَدَر على إحياء نفسه، فوجب عليه فعل ما تبقى به

(4)

، كالمضطر للميتة، فإن كان في فتنة لم يلزمه الدفع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الفتنة:"اجلِسْ في بيتكَ، فإن خِفتَ أن يَبْهَركَ شُعاعُ السيفِ فغَطِّ وجهَكَ"

(5)

. وفي لفظ: "فكُنْ

(1)

أحمد (2/ 339)، ومسلم في الإيمان، حديث 140.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 89) تعليق رقم (2).

(3)

سورة البقرة، الآية:195.

(4)

في "ذ": "يتقي به".

(5)

أخرجه أبو داود في الفتن والملاحم، باب 2، حديث 4261، وابن ماجه في الفتن، باب 10، حديث 3958، والبزار (9/ 360) حديث 3928، والحاكم (4/ 424)، والبيهقي (8/ 191)، والمزي في تهذيب الكمال (28/ 9 - 10)، من طريق حماد بن زيد، عن أبي عمران الجوني، عن المُشعَّث بن طريف، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عنه، مرفوعًا، في حديث طويل.

قال أبو داود: لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد. =

ص: 193

عبد الله المقتولَ ولا تَكن عبد الله القاتِل"

(1)

؛ ولأن عثمان ترك القتال

= وأخرجه عبد الرزاق (11/ 351) حديث 20729، وابن أبي شيبة (15/ 12)، وأحمد (5/ 149)، والبزار (9/ 378) حديث 3959، وابن حبان "الإحسان"(13/ 292، 15/ 78) حديث 5960، 66850، والحاكم (2/ 156، 4/ 423) والبيهقي (8/ 191)، والبغوي في شرح السنة (15/ 11) حديث 4220، من طرق عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عنه، مرفوعًا في حديث طويل.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وللحديث شواهد كثيرة. انظر: إرواء الغليل (8/ 100) حديث 2451.

(1)

أخرجه ابن سعد (5/ 245 - 246)، وابن أبي شيبة (15/ 310)، وأحمد (5/ 110)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 215) حديث 283، وأبو يعلى (13/ 176) حديث 7215، والطبراني في الكبير (4/ 59 - 61) حديث 3629 - 3631، وأبو عمرو الداني في الفتن (1/ 231) حديث 30، من طرق عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس، عن عبد الله بن خباب، عن أبيه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 302 - 303): لم أعرف الرجل الذي من عبد القيس، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 138)، وابن أبي شيبة (15/ 36 - 37)، وأحمد (5/ 292)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 466) حديث 646، والبزار "كشف الأستار"(4/ 125) حديث 3356، والطبراني في الكبير (4/ 189) حديث 4099، والحاكم (3/ 281، 4/ 517)، من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان، عن خالد بن عرفطة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 302): فيه علي بن زيد، وفيه ضعف، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 84): علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، لكن اعتضد كما ترى.

وأخرجه الطبراني في الكبير (2/ 177) حديث 1724، من طريق شهر بن حوشب، عن جندب بن سفيان، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 303): في شهر بن حوشب، وعبد الحميد بن =

ص: 194

على من بَغَى عليه مع القدرة عليه، ومَنَعَ غيره قتالهم، وصبر على ذلك

(1)

، ولو لم يجز، لأنكر الصحابة عليه ذلك، وله أن يدفع عن نفسه.

(وإن أمكنه الهرب والاحتماء، كما لو خاف من سَيْلٍ، أو نارٍ، وأمكنه أن يتنحَّى عنه، وكما لو كان الصائل) عليه (بهيمة) فإنه يجب عليه دفعها (ولو قتلها، ولا ضمان عليه) فيها؛ لسقوط حُرمتها بالصول.

(وإن كان الدفع عن نفس غيره في غير فِتنة، وظنَّ الدافع سلامه نفسه، فـ) ــالدفع (لازم أيضًا) لأنه لا يتحقَّق منه إيثار الشهادة، كإحيائه

(2)

ببذل طعامه؛ ذكره القاضي وغيره. فإن كان في فتنة لم يلزمه الدفع؛ لقصة عثمان.

(ولا يلزمه الدفع عن ماله، ولا حفظه من الضياع والهلاك) ذكره القاضي وغيره؛ لأنه يجوز له بَذْله، وذكر القاضي: أنه أفضل. وفي "الترغيب": المنصوص عنه

(3)

: أن ترك قتاله عليه أفضل. زاد في "نهاية المبتدي" عن الثلاثة: وعِرْضِه (كمالِ غيره) أي: كما لا يجب الدفع عن مال الغير. قال في "المذهب": أما دفع الإنسان عن مال غيره فيجوز، ما لم يُفْضِ إلى الجناية على نفس الطالب، أو شيء من أعضائه. وجزم في "المنتهى" باللزوم مع ظَنِّ سلامتهما، وهو معنى ما قَدَّمه في "الإنصاف".

(لكن له) كذا في "الشرح" والظاهر أنه: يجب عليه (معونة غيره في

= بهرام، وقد وثقا، وفيهما ضعف.

وانظر: التلخيص الحبير (4/ 84).

(1)

انظر: البداية والنهاية (7/ 176، 181).

(2)

في "ذ": "وكإحيائه".

(3)

السنة للخلال (1/ 163، 170 - 171) رقم 148، 164.

ص: 195

الدفع عن ماله ونسائه، في قافلة وغيرها) مع ظَنِّ السلامة؛ لحديث:"انصُرْ أخاكَ ظالِمًا أو مَظلُومًا"

(1)

؛ ولئلا تذهب الأنفس والأموال.

(وإن أراد

(2)

رجل امرأة عن نفسها) ليفجر بها (فقتلته دفعًا عن نفسها) إن لم يندفع إلا به (لم تضمنه) لقول عمر

(3)

؛ ولأنه مأذون في قتله شرعًا، لدفعه عنها.

(ولو ظُلِمَ) بالبناء للمفعول (ظالمٌ لم يُعِنْه) على دفع الظلم عنه (حتى يرجع عن ظلمه) نصًّا

(4)

، قال: أخشى أن يجترئ، يَدَعُوهُ

(5)

حتى ينكسر.

(وكَرِه) الإمام (أحمد أن يخرجَ إلى صيحةٍ بالليل؛ لأنه لا يدري ما يكون) نقله صالح

(6)

. قال في "الفروع": وظاهر كلام الأصحاب خلافه فيهما، أي: في هذه والتي قبلها، وهو في الثانية أظهر.

(1)

أخرجه البخاري في المظالم، باب 4، حديث 2443 - 2444، وفي الإكراه، باب 7، حديث 6952، عن أنس رضي الله عنه.

(2)

في "ذ": "راود".

(3)

أخرج سفيان بن عيينة في جزئه ص/ 79، رقم 15، وابن أبي شيبة (9/ 371 - 372)، والبيهقي (8/ 337)، عن عبيد بن عمير أن رجلًا أضاف ناسًا من هذيل، فذهبت جارية لهم تحتطب، فأرادها رجل منهم عن نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، قال: ذاك قتيل الله، والله لا يودى أبدًا.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 332): رواه البيهقي بإسناد حسن. وقال في البدر المنير (9/ 17): هو أثر جيد.

(4)

انظر: الفروع (6/ 148)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (27/ 45).

(5)

في "ح" و"ذ": "يدعه".

(6)

لم نقف عليه في المطبوع من مسائل صالح، وأخرجه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص/ 78، رقم 109.

ص: 196

(و‌

‌إذا وَجَدَ رجلًا يزني بامرأته فقتلهما،

فلا قِصاص عليه ولا دية) رواه سعيد عن عمر

(1)

(إلا أن تكون المرأة مُكْرَهة، فعليه القِصاص) ويأثم؛ لسقوط الحَدّ عنها بالإكراه، فهو معصية

(2)

(هذا إذا كانت بينة) أنه وجده يزني بها (أو صَدَّقه الوليُّ) على ذلك (وإلا) أي: وإن لم تكن بيّنة، ولم يُصدِّقه الولي (فعليه الضمان في الظاهر) لأن الأصل العصمة. وأما في نفس الأمر: إن كان صادقًا فلا شيء عليه (وتقدم

(3)

في شروط القِصاص بعض ذلك.

والبينة شاهدان؛ اختاره أبو بكر) لأن البينة تشهد على وجوده مع المرأة، وهذا يثبت بشاهدين، وإنما الذي يحتاج إلى أربعةٍ: الزنى، وهذا لا يحتاج إلى إثبات الزنى. وعنه: أربعة

(4)

؛ لقول عليّ

(5)

.

(1)

لم نقف عليه في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وأخرج ابن أبي شيبة (9/ 404)، عن وكيع، عن أبي عاصم، عن الشعبي قال: كان رجلان أخوان من الأنصار يقال لأحدهما أشعث، فغزا في جيش من جيوش المسلمين، قال: فقالت امرأة أخيه لأخيه: هل لك في امرأة أخيك معها رجل يحدثها، فصعد فأشرف عليه وهو معها على فراشها وهي تنتف له دجاجة

قال فوثب إليه الرجل فضربه بالسيف حتى قتله ثم ألقاه فأصبح قتيلًا بالمدينة، فقال عمر: أنشد الله رجلًا كان عنده من هذا علم إلا قام به، فقام الرجل، فأخبره بالقصة فقال: سحق وبعد.

(2)

في "ح" و"ذ": "فهي معصومة".

(3)

(13/ 265 - 268).

(4)

انظر: المغني (12/ 535 - 536).

(5)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 737)، والشافعي في الأم (6/ 30، 137، 7/ 83، 182)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 80)، وعبد الرزاق (9/ 433) رقم 17915، وابن أبي شيبة (9/ 403)، والبيهقي (8/ 230 - 231، 337، 10/ 147)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 309، 13/ 85) رقم 16808، 17545، عن سعيد بن المسيب أن رجلًا بالشام وجد مع امرأته رجلًا فقتله أو قتلها، فكتب معاوية إلى أبي موسى =

ص: 197

(وإن قتل رجلًا) في منزله (وادَّعى أنه هَجَم منزله، فلم يُمْكِنْه دَفْعُهُ إلا بالقتل، لم يُقبل قوله بغير بينة) لحديث: "البينةُ على المُدَّعي واليمينُ على مَن أنكَر"

(1)

(وعليه القَوَد، سواء كان المقتول يُعرف بسرقة، أو عِيارة، أو لا) يُعرف بذلك. والعيارة: التحزب لأخذ مال الغير. والعَيَّارون: المحزبون

(2)

الذين يُسَمَّون بمصر والشام: المنصر

(3)

، كانوا يسمون عيارين ببغداد (فإن شهدت بينة أنهم رأوا هذا) أي: المقتول (مقبلًا إلى هذا) أي: القاتل (بسلاح مشهور، فضربه هذا) أي: القاتل (فَدَمُهُ) أي: المقتول (هَدْرٌ) لثبوت صيالته عليه.

(وإن شهدوا أنهم رأوه) أي: المقتول (داخلَ دارِه، ولم يذكُرُوا سلاحًا، أو ذكروا سلاحًا غير مشهور، لم يسقط القَوَدُ بذلك) لأنه قد يدخُل لحاجة.

(و‌

‌إن عَضَّ يَدَهُ إنسانٌ عضًّا مُحرَّمًا،

فانتزع) المعضوضُ (يَدَهُ من فِيه ولو بعُنفٍ، فسقطت ثناياه) أي: العاضّ (فَهَدْرٌ) ظالمًا كان المعضوض أو مظلومًا؛ لما روى عمران بن حصين: "أن رجلًا عضَّ رَجُلًا، فنزَعَ يَدَهُ مِنْ فيه، فوقعت ثناياه، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يَعَضُّ أحدُكُم يَدَ أخيه كما يَعَضُّ الفَحْلُ، لا ديةَ لكَ" رواه الجماعة إلا أبا داود

(4)

؛ ولأنه

= الأشعري أن يسأل له عن ذلك عليًّا رضي الله عنه فسأله، فقال علي رضي الله عنه: إن هذا الشيء ما هو بأرض العراق، عزمت عليك لتخبرني، فأخبره، فقال علي رضي الله عنه: أنا أبو الحسن، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.

(1)

تقدم تخريجه (8/ 244) تعليق رقم (1).

(2)

في مجموع الفتاوى (28/ 316): "المتحزبون".

(3)

في "ذ": "المَنْسَر" وهو الصواب، انظر: مجموع الفتاوى (28/ 316)، والمعجم الوسيط ص/ 917، مادة (نسر).

(4)

البخاري في الديات، باب 18، حديث 6892، ومسلم في القسامة، حديث 1673، =

ص: 198

عضو تلف ضرورة دفع صاحبه، كما لو صال عليه فلم يمكنه دفعه إلا بقتله ونحوه.

(وكذا ما في معنى العَضِّ) نحو: أن حَبَسه في بيته، أو رَبَطه بشيء من ماله، فخَلَّص نفسه، فتلف بتخلُّصِه شيء؛ لم يضمنه (فإن عَجَز) المعضوض عن التخلص (دفعه) أي: العاضّ (كصائل) بأسهل ما يظن اندفاعه به.

(وإن كان العضُّ مباحًا، مثل أن يُمْسِكه في موضع يتضرَّرُ بإمساكه) كخُصيته

(1)

(أو يعصر يَدَه، ونحو ذلك مما لا يقدِرُ على التخلُّص منه إلا بِعَضِّه، فعضَّه، فما سقط من أسنانه ضَمِنَه) المعضوض.

(وإنْ نظر في بيته في خَصاصِ الباب) بفتح الخاء، وهي الفروج التي فيه (أو) نظر (من نَقْبٍ في جِدارٍ، أو) نظر (من كَوَّة) بفتح الكاف (ونحوه) كفروج في بيت شَعر، ولو لم يتعمد ذلك، لكن ظنه متعمدًا (- لا) إن نظر (من باب مفتوح - فرماه) أي: الناظرَ (صاحبُ الدار بحصاة أو نحوها، أو طعنه بعود فقلع عينه، فلا شيء عليه، ولو أمكن الدفع بدونه) لظاهر الخبر

(2)

.

(وسواء كان في الدار نساءٌ، أو كان) الناظر (مَحْرَمًا، أو نَظَر من الطريق، أو مِن مِلْكِه، أو لا) لعموم حديث أبي هريرة: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنَّ امرأً اطّلَعَ عَليكَ بغير إذنٍ فخذَفْتَه بحصاة ففَقَأتَ عَيْنَهُ لم يَكنْ

= والترمذي في الديات، باب 20، حديث 1416، والنسائي في القسامة، باب 18، حديث 4774، وابن ماجه في الديات، باب 20، حديث 2657، وأحمد (4/ 427 - 428، 435).

(1)

في "ح" و"ذ": "كخصيتيه".

(2)

يأتي قريبًا.

ص: 199

عليكَ جُناحٌ" متفق عليه

(1)

.

(فإن ترك) الناظر (الاطلاعَ ومضى، لم يجز رميُهُ) لعدم الحاجة إليه (فإن رَمَاه، فقال المُطَّلعُ: ما تعمدتُهُ، أو لم أرَ شيئًا حين اطَّلعت؛ لم يضمنه) الرامي له؛ لظاهر الخبر؛ ولأنه لا يعلم ما في ضميره.

(وليس لصاحب الدار رَمْيُهُ بما يقتله ابتداء) كالصائل (فإن لم يندفع برميه بالشيء اليسير، جاز رَمْيُهُ بأكثر منه، حتى يأتي ذلك على نفسه) كالصائل.

(و‌

‌لو تَسَمَّعَ الأعمى أو البصير على مَن في البيت، لم يَجُزْ طعن أذنه)

قبل إنذاره؛ قاله في "الترغيب" وغيره.

(ولو كان عُريانًا في طريق، لم يكن له رمي من نظر إليه) لأنه مُفَرِّط.

(وإن عقرت كلبةٌ من قَرُب من أولادها، أو خرقت ثوبه، لم تُقتل) بذلك، ولم يثبت لها حكم العقور؛ لأن الطباع جُبِلت على الدفع عن الولد (بل تُنقل) إلى مكان منفرد؛ دفعًا لأذاها.

(وقال الشيخ

(2)

في جُندٍ قاتلوا عَرَبًا نهبوا أموال تُجَّار ليردوه) لمالكيه: (هم) أي: الجند (مجاهدون في سبيل الله) أي: في حُكمهم؛ لأنهم ناهون عن المنكر (ولا ضمان عليهم) أي: الجند في من قُتل من العرب (بقود ولا دية) أي: ولا كفارة، حيث لم يندفعوا إلا بذلك، كالصائل، فإن قاتلوهم ليأخذوا منهم ما أخذوه لأنفسهم، فهما ظالمتان على ما يأتي في الباب بعده.

(1)

البخاري في الديات، باب 15، 23، حديث 6888، 6902، ومسلم في الآداب حديث 2158 (44).

(2)

الفتاوى الكبرى (4/ 559).

ص: 200

‌باب قتال أهل البغي

وهو مصدر بغى يبغي إذا اعتدى. والمراد هنا الظَّلَمة الخارجون عن طاعة الإمام؛ المعتدون عليه. قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا. . .} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}

(1)

وفيها فوائد:

منها: أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان، وأنه أوجب قتالهم، وأنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم، وإجازة قتال كل من منع حَقًّا عليه. والأحاديث بذلك مشهورة.

منها: ما روى عبادة بن الصامت قال: "بايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطَّاعة في المنشَطِ والمكرَهِ وألا نُنازع الأمرَ أهلَهُ" متفق عليه

(2)

، وأجمع الصحابة على قتالهم؛ فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة

(3)

، وعليًّا قاتل أهلَ الجمل

(4)

وأهلَ صِفّين

(5)

.

(نَصْبُ الإمامِ الأعظم

(6)

فَرْضُ كِفاية) لأن بالناس حاجةً إلى ذلك؛

(1)

سورة الحجرات، الآيتان: 9 - 10.

(2)

البخاري في الأحكام، باب 43، حديث 7199 - 7200، ومسلم في الإمارة، حديث (41).

(3)

تقدم تخريجه (4/ 332) تعليق رقم (1).

(4)

انظر: البخاري في الفتن، باب 18، وسير أعلام النبلاء (سير الخلفاء الراشدين 3/ 252).

(5)

انظر: تاريخ الطبري (4/ 563)، وسير أعلام النبلاء (سير الخلفاء 3/ 260).

(6)

زاد في "ذ": "على المسلمين".

ص: 201

لحماية البيضة، والذَّبِّ عن الحوزة، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ويُخاطَب بذلك طائفتان، إحداهما: أهل الاجتهاد حتى يختاروا. والثانية: من توجد فيهم شرائط الإمامة، حتى ينتصب

(1)

أحدهم لها.

أما أهل الاختيار، فيعتبر فيهم العدالة، والعلم الموصل إلى معرفة من يستحق الإمامة، والرأيُ والتدبير المؤدّي إلى اختيار مَن هو للإمامة أصلح. وأما شروط الإمامة فتأتي في كلامه.

(ويثبت) نصب الإمام (بإجماع المسلمين عليه، كإمامة أبي بكر) الصديق

(2)

رضي الله عنه، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بيعة أهل الحَلِّ والعَقْدِ من العلماء، ووجوه الناس) الذين (بصفة الشهود) من العدالة وغيرها، ولا نظر لمن عدا هؤلاء؛ لأنهم كالهوامّ.

(أو بجَعْلِ الأمر شورى في عَدَدٍ مَحْصُور، ليتفق أهلُها) أي: أهل البيعة (على أحدهم، فاتفقوا

(3)

عليه) كفعل عمر رضي الله عنه، حيث جعل أمر الإمامة شورى بين ستة من الصحابة

(4)

حتى وقع

(5)

اتفاقهم على عثمان رضي الله عنه.

(أو بنصِّ مَنْ قَبْلَه عليه) بأن يعهد الإمام بالإمامة إلى إنسان ينصُّ عليه بعده، ولا يحتاج في ذلك إلى موافقة أهلِ الحَلِّ والعقد، كما عهد

(1)

في "ذ": "يتنصب".

(2)

انظر: تاريخ الطبري (3/ 203 - 206).

(3)

في "ذ": "فيتفقوا".

(4)

انظر: تاريخ الطبري (4/ 227 - 229).

(5)

في "ذ": "من الصحابة فوقع".

ص: 202

أبو بكر بالإمامة إلى عمر رضي الله عنهما

(1)

.

(أو باجتهادٍ) من أهل الحَلِّ والعَقْدِ على نَصْبِ من يصلح ومبايعته.

(أو بقَهْرهِ الناسَ بسيفِهِ حتى أذعنوا له، ودعوه إمامًا) فتثبت له الإمامة، ويلزم الرعية طاعته. قال أحمد

(2)

في رواية عبدوس بن مالك العطار: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمِّي أمير المؤمنين، فلا يحِلّ لأحدٍ يؤمن بالله يبيت ولا يراه إمامًا، بَرًّا كان أو فاجرًا. انتهى. لأن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير، فقتله واستولى على البلاد وأهلها، حتى بايعوه طوعًا وكرهًا ودعوه إمامًا

(3)

؛ ولِما في الخروج عليه من شَقِّ عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالهم.

(ويُعتبر) في الإمام (كونه قُرشيًا) لحديث: "الأئمّةُ مِن قُرَيش"

(4)

؛ وحديث: "قَدِّمُوا قُرَيشًا ولا تَقَدَّمُوها"

(5)

؛ وقول المهاجرين

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (14/ 573 - 574)، وأحمد (1/ 37)، والطبري في "تاريخه"(3/ 429)، والخلال في "السُّنة"(1/ 276 - 277) رقم 339، وابن عساكر في "تاريخه"(44/ 257) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيتُ عمرَ رضي الله عنه وبيده عسيبُ نخلٍ، وهو يُجلِسُ الناسَ، يقول: اسمعوا لقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء مولىً لأبي بكر - يقال له: شَديد - بصحيفة، فقرأها على الناس، فقال: يقول أبو بكرٍ رضي الله عنه: اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصَّحيفة، فوالله ما أَلَوتُكم. قال قيس: فرأيتُ عمرَ رضي الله عنه بعد ذلك على المنبر.

وصحَّح إسناده الحافظ في "الفتح"(13/ 208).

(2)

انظر: أصول السنة للإمام أحمد برواية عبدوس ص/ 64، رقم 28، والأحكام السلطانية ص/ 20.

(3)

انظر: تاريخ الطبري (6/ 192)، والبداية والنهاية (8/ 339).

(4)

تقدم تخريجه (3/ 187) تعليق رقم (3).

(5)

تقدم تخريجه (3/ 189) تعليق رقم (1).

ص: 203

للأنصار

(1)

: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش. ورووا لهم في ذلك الأخبار.

(بالغًا عاقلًا) لأن غير البالغ العاقل يحتاج لمن يلي أمرَه، فلا يلي أمْرَ غيرِه.

(سميعًا بصيرًا ناطقًا) لأن غير المتصف بهذه الصفات لا يصلح للسياسة.

(حُرًّا) لا عبدًا ولا مبعّضًا؛ لأن الإمام ذو الولاية العامة، فلا يكون وليًّا عليه غيره؛ وحديث:"اسمعوا وأطيعوا ولو وُلِّي عليكم عَبْدٌ أسود كأن رأسه زبيبة"

(2)

محمول على نحو أمير سرية.

(ذَكَرًا) لحديث: "خابَ قَومٌ ولي

(3)

أمرهم امرأة"

(4)

.

(عدلًا) لاشتراط ذلك في ولاية القضاء، وهو دون الإمامة العُظمى. قلت: فإن قَهَرَ الناسَ غيرُ عدلٍ، فهو إمام، كما تقدَّم نصُّه في رواية عبدوس.

(عالمًا) بالأحكام الشرعية؛ لاحتياجه إلى مراعاتها في أمره ونهيه.

(ذا بصيرة) أي: معرفة وفِطنة.

(1)

أخرجه البخاري في الحدود، باب 31، حديث 6830، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بنحوه.

(2)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 54، 56، حديث 693، 696، وفي الأحكام، باب 4، حديث 7142، عن أنس رضي الله عنه.

(3)

في "ذ": "وَلَّوا"، وهو موافق لما في الحديث.

(4)

لم نقف على من أخرجه بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري في المغازي، باب 82، حديث 4425، وفي الفتن، باب 18، حديث 7099، عن أبي بكر رضي الله عنه، بلفظ: لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة.

ص: 204

(كافيًا ابتداء ودوامًا) للحروب والسياسة وإقامة الحدود، لا تلحقه رأفة في ذلك، ولا في الذبِّ عن الأمة.

ونحوُ الإغماء لا يمنع عقدها ولا استدامتها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أُغمي عليه في مرضه

(1)

. والجنون والخبل إذا لم يتخللهما إفاقة، أو كانا أكثر زمانه؛ منعا الابتداء والاستدامة. وأما فَقْد الشَّمِّ والذوق وتمتمة اللسان مع إدراك الصوت إذا علا، وقَطْع الذَّكَر والأنثيين فلا يمنع عقدها ولا استدامتها، وذهاب اليدين والرجلين يمنع ابتداءها واستدامتها.

(ولو تنازعها اثنان متكافئان في صفات الترجيح، قُدِّمَ أحدُهما بقُرْعة) فَيُبَايع مَن خرجت له القرعة.

وصفة العقد أن يقول له كلٌّ من أهل الحَلِّ والعَقْدِ: قد بايعناك على إقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة. ولا يحتاج مع ذلك إلى صفقة اليد.

(فإن بويع لاثنين فيهما شرائطُ الإمامة، فالإمامُ الأولُ) لسبقه.

(وإن بُويع لهما معًا، أو جُهِل السابقُ منهما، فالعقدُ باطلٌ فيهما) لأن العمل ببيعة أحدهما إذًا ترجيحٌ بغير مرجح.

(ويُجْبَرُ مُتعيِّنٌ لها) أي: للإمامة؛ لئلا تذهب حقوقُ الناس.

(وتَصَرُّفُه) أي: الإمام (على الناس بطريق الوكالة لهم، فهو وكيلُ المسلمين، فله عَزْلُ نفسِه) وتقدم في باب العاقلة

(2)

.

(ولهم) أي: أهل الحَلِّ والعَقْدِ (عَزْلُهُ إن سألَ العزلَ، لقول) أبي

(1)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 51، حديث 687، ومسلم في الصلاة، حديث 418، عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

(13/ 445).

ص: 205

بكر (الصديق) رضي الله عنه: (أقيلوني أقيلوني) قالوا: لا نُقيلك

(1)

(وإلا) أي: وإن لم يسألِ العزلَ (حَرُمَ) عَزْله (إجماعًا) سواء كان سأل الإمامةَ أم لا؛ خلافًا لما تُوهِمه عبارة "التنقيح" وتبعه في "المنتهى".

(ولا ينعزل) الإمام (بفسقه) بخلاف القاضي؛ لما فيه من المفسدة.

(ولا) ينعزل (بموت من بايعه) لأنه ليس وكيلًا عنه، بل عن المسلمين.

(ويحرم قتاله) لما سبق.

و‌

‌يلزم الإمامَ عشرةُ أشياء:

حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة، فإن زاغ ذو شُبهة عنه بيَّن له الحجة، وأخذه بما يلزمه من الحقوق؛ ليكون الدِّين محروسًا من الخلل.

وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع ما بينهم من الخصومات.

وحماية البيضة والذب عن الحوزة؛ لينصرف

(2)

الناس في معايشهم، ويسيروا في الأسفار آمنين.

(1)

أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 131 - 132، 151) رقم 101 - 102، 133، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 576) رقم 726، من طريق تليد بن سليمان وهاشم بن بريد، عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف، قال: لما بويع أبو بكر أغلق بابه دون الناس ثلاثًا، كل يوم يقول: قد أقلتكم بيعتكم، فبايعوا من شئتم. قال: كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب فيقول: لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يؤخرك. وهذا إسناد منقطع، أبو الجحاف لم يدرك أحدًا من الصحابة.

وأورده الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 45)، بلفظ: أقيلوني من الخلافة، ثم قال: رواه أبو الخير الطالقاني في السنة من طريق شبابة بن سوار، عن شعيب بن ميمون، عن محمد بن بكير، عمن حدثه عن أبي بكر. قال الحافظ: وهو منكر متنًا ضعيف منقطع سندًا.

(2)

في "ذ": "ليتصرف".

ص: 206

وإقامة الحدود؛ لِتُصَان محارم الله عن الانتهاك، وتُحفظ حقوق عباده من إتلاف أو استهلاك.

وتحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون بها محرمًا، أو يسفكون

(1)

دمًا معصومًا.

وجهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة، حتى يسلم، أو يدخل في الذمة.

وجباية الخراج والصدقات على الوجه المشروع.

وتقدير العطاء وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقصير، ودفعه في وقته من غير تقديم ولا تأخير.

واستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من الأعمال والأموال؛ لتكون مضبوطة محفوظة.

وأن يُباشر بنفسه مشارفة الأمور ويتصفح الأحوال؛ لينهض بسياسة الأمة، وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلًا، فقد يخون الأمين، ويَغُشُّ الناصح.

وإذا قام الإمام بحقوق الأمة وجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة.

(والخارجون عن قبضته) أي: طاعته (أصناف أربعة) بالاستقراء:

(أحدها: قوم امتنعوا من طاعته، وخرجوا عن قبضتهِ بغير تأويل) أي: شُبهة، فهؤلاء (قُطَّاع الطريق) ساعون في الأرض بالفساد (وتقدم ذكرهم) في الباب قبله

(2)

.

(1)

في "ح" و"ذ": "يسفكون بها".

(2)

(14/ 181).

ص: 207

(الثاني): قوم (لهم تأويل، إلا أنهم نَفَرٌ يسير لا مَنَعَة) أي: قوة (لهم، كالعشرة ونحوهم، وحكمهم حكم قُطَّاع الطريق) لأنّا لو أثبتنا للعدد اليسير حكم البُغَاة في سقوط ضمان ما أتلفوا، أفضى إلى إتلاف أموال الناس.

(الثالث: الخوارج الذين يكفِّرون) المسلم (بالذنب، ويكفِّرون أهل الحق، وعثمان، وعليًّا، وطلحة، والزبير، وكثيرًا من الصحابة) رضي الله عنهم (ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم، فهم فَسَقَة) باعتقادهم الفاسد. قال في "المبدع": تتعين استتابتهم، فإن تابوا وإلا قُتِلوا على إفسادهم، لا على كُفْرِهم (يجوز قتلهم ابتداء) أي: وإن لم يبدؤوا بالقتال (والإجازة على جريحهم) صحَّحه الموفق والشارح والشيخ تقي الدين

(1)

، قال في "الفروع": وهو ظاهر رواية عبدوس بن مالك.

(وذهب) الإمام (أحمد

(2)

في إحدى الروايتين عنه، وطائفة من أهل الحديث إلى أنهم كُفَّار مرتدون حكمهم حكم المرتدين. قال في "الترغيب" و"الرعاية"

(3)

: وهي أشهر. وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه) قال أحمد

(4)

: الخوارج كلاب النار، صح الحديث فيهم من عشرة أوجه

(5)

. قال: والحكم فيهم على ما قال عليّ. وفيما قال: "لا نَبْدَؤُكُمْ

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 551).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (35/ 57)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (27/ 102).

(3)

في "ذ": "والرعايتين".

(4)

الإرشاد لابن أبي موسى ص/ 518. وليس في لفظ "صح". وانظر: المبدع (9/ 160).

(5)

أخرج ابن ماجه في السنة، باب 12، حديث 173، وابن أبي شيبة (15/ 305)، وأحمد (4/ 355)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 438) حديث 904، وعبد الله بن =

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أحمد في السنة (2/ 635) حديث 1513، والآجري في الشريعة (1/ 370) حديث 61، وأبو نعيم في الحلية (5/ 56)، والخطيب في تاريخه (6/ 319)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 168) حديث 261، من طريق إسحاق الأزرق، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الخوارج كلاب النار.

وقال البوصيري في الزوائد (1/ 67): رجال الإسناد ثقات، إلا أن فيه انقطاعًا، الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى؛ قاله غير واحد. وقال ابن الجوزي: قال أحمد: لم يسمعه الأعمش من ابن أبي أوفى.

وأخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 56)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (6/ 241)، من طريق الثوري، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الذهبي: هذا رواه الناس عن إسحاق الأزرق عن الأعمش. وقد طلب الأعمش وكتب العلم بالكوفة قبل موت عبد الله بن أبي أوفى بأعوام، وهو معه ببلده، فما أبعد أن يكون سمع منه.

وأخرجه الطيالسي ص/ 110، حديث 522، وأحمد (4/ 382)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 438) حديث 905، والحاكم (3/ 571)، من طريق حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان، عن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما، بنحوه.

وله شاهد أخرجه الترمذي في التفسير، باب 4، حديث 3000، وابن ماجه في السنة، باب 12، حديث 176، والطيالسي ص/ 155، حديث 1136، وعبد الرزاق (10/ 152) حديث 18663، والحميدي (2/ 404) حديث 908، وابن أبي شيبة (15/ 307 - 308)، وأحمد (5/ 253)، وعبد الله بن أحمد في السنة (2/ 643 - 644) حديث 1542 - 1546، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 338) حديث 2519، والآجري في الشريعة (1/ 364 - 370) حديث 58 - 60، والطبراني في الكبير (8/ 266 - 274) حديث 8033 - 8056، وفي الأوسط (7/ 335 - 336، 9/ 42) حديث 7660، 9085، وفي الصغير (1/ 42، 2/ 240) حديث 33، 1096، وفي مسند الشاميين (2/ 248) حديث 1279، وابن عساكر في تاريخه (8/ 290)، من طرق عن أبي غالب، عن أبي أمامة، لما أتي برؤوس الأزارقة فنصبت على درج دمشق جاء أبو أمامة فلما رآهم دمعت عيناه فقال: كلاب النار - ثلاث مرات - هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء =

ص: 209

بِقِتَالٍ"

(1)

قال ابن المنذر

(2)

: ولا نعلم أحدًا وافق أهل الحديث على كفرهم، قال ابن عبد البر في الحديث الذي رويناه: وقوله: "يتمارى في الفُوق

(3)

"

(4)

يدل على أنه لم

(5)

يكفرهم، لأنهم علقوا من الإسلام شيئًا بحيث يشك في خروجهم منه

(6)

.

(وذكر ابن عقيل في "الإرشاد" عن أصحابنا: تكفير من خالف في أصلٍ كخوارجَ وروافضَ ومرجئة).

الصنف (الرابع: قوم من أهل الحق باينوا الإمام، وراموا خَلْعه) أي: عزله (أو مخالفته بتأويل سائغ، صواب أو خطأ، ولهم منعة وشوكة)

= الذين قتلهم هؤلاء. قال: فقلت: فما شأنك دمعت عيناك؟ قال: رحمة لهم. إنهم كانوا من أهل الإسلام. قال: قلنا: أبرأيك قلت: هؤلاء كلاب النار، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لجريء، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث، قال: فعد مرارًا. قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه الحاكم (2/ 149 - 150)، من طريق شداد بن عبد الله، عن أبي أمامة يرفعه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

قال ابن كثير في تفسيره (1/ 346): هذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفًا من كلام الصحابي، ومعناه صحيح، فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج.

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (4/ 217 - 218)، والبيهقي (8/ 184).

(2)

الإشراف على مذاهب أهل العلم (2/ 393).

(3)

في الأصول: "الفرق" والمثبت من التمهيد ومصادر التخريج. والفُوق: هو الشق الذي يدخل في الوتر، أي تشك إن كان أصاب الدم الفوق. انظر: التمهيد (23/ 327).

(4)

أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب (36) إثم من راءى بقراءة القرآن، حديث 5058، وفي استتابة المرتدين، باب 6، حديث 6931، ومسلم في الزكاة، حديث 1064 (147)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، في حديث طويل.

(5)

في "ذ": "لا".

(6)

انظر: التمهيد (23/ 326).

ص: 210

بحيث (يحتاج في كَفِّهم إلى جَمْعٍ جيشٍ، وهم البُغَاة) المقصودون بالترجمة.

(فمن خرج على إمام - ولو غير عدل - بأحد هذه الوجوه) الأربعة (باغيًا، وَجَبَ قتالُهُ) لما تقدم أول الباب (وسواء كان فيهم واحدٌ مُطَاعٌ) أو لا (أو كانوا في طَرَف ولايته، أو في موضع متوسط تُحيطُ به ولايته، أو لا) لعموم الأدلة

(1)

.

(و) يجب (على الإمام أن يُراسلهم) أي: البُغَاة (ويسألهم ما ينقمون منه) لأن ذلك طريق إلى الصلح؛ ووسيلة إلى الرجوع إلى الحق، وقد رُويَ: أنَّ عليًّا راسلَ أهلَ البصرَةِ قبل وقعةِ الجمل

(2)

. ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم ابن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف

(3)

.

(1)

منها ما أخرجه مسلم في الإمارة، حديث 1844، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ضمن حديث طويل بلفظ:"ومن بايع إمامًا، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".

ومنها ما أخرجه مسلم - أيضًا - في الإمارة، حديث 1852، عن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمرَ هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان. .".

(2)

انظر: الكامل لابن الأثير (3/ 236).

(3)

أخرجه أبو داود في اللباس، باب 8، رقم 4037، والنسائي في الكبرى (5/ 165 - 176) رقم 8575، وعبد الرزاق (10/ 157) رقم 18678، وأحمد (1/ 342)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 522 - 524)، والطبراني (10/ 257) رقم 10598، والحاكم (2/ 150 - 152)، والبيهقي (8/ 179)، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 239 - 240): رواه الطبراني وأحمد ببعضه ورجاله رجال الصحيح.

وقال الحافظ في الدراية (2/ 138): أخرجه عبد الرزاق، والطبراني، والحاكم =

ص: 211

(و) أن (يزيل ما يذكرونه من مَظلمة، ويكشف ما يدّعونه من شُبهة) لأن ذلك طريق إلى رجوعهم إلى الحَقِّ، وهو المطلوب.

(ولا يجوز قتالهم قبل ذلك) لأنه يُفضي إلي القتل والهَرْج والمَرْج، قبل دعاء الحاجة إليه (إلا أن يخاف كَلَبهم) بفتح الكاف واللام، أي: شَرَّهم، فلا يمكن ذلك في حَقِّهم، كالصائل إذا خاف أن يبدأه بالقتل.

(فإن أبَوُا الرجوعَ، وعَظَهم وخَوَّفهم) بـ (ـالقتال) لأن المقصود دفع شَرّهم لا قتلهم (فإن فاؤوا) أي: رجعوا إلى الطاعة، تَرَكهم (وإلا لزمه قتالهم إن كان قادرًا لإجماع الصحابة

(1)

على ذلك. وقال الشيخ تقي الدين: الأفضل تركه حتى يبدؤوه

(2)

(وإلا) أي: وإن لم يكن الإمام قادرًا على قتالهم (أخَّره إلى الإمكان) أي: إلى القدرة عليه؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

(3)

.

(و) يجب (على رعيته معونته على حَرْبهم) لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا

= وإسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (1/ 86)، وأبو يعلى (1/ 367) رقم 474، والحاكم (2/ 152 - 154)، والبيهقي (8/ 179 - 180)، والضياء في المختارة (2/ 222) رقم 605، عن عبد الله بن شداد.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 235 - 237): رجاله ثقات.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 280 - 281): تفرد به أحمد، وإسناده صحيح، واختاره الضياء.

(1)

انظر: المغني (12/ 238).

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 428.

(3)

سورة البقرة، الآية:286.

ص: 212

الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}

(1)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن فارقَ الجماعَةَ شبرًا فقد خلَعَ رِبقةَ الإسلامِ من عُنقِه"رواه أحمد وأبو داود

(2)

، من حديث أبي ذر.

(1)

سورة النساء، الآية:59.

(2)

أحمد (5/ 180)، وأبو داود في السنة، باب 30، حديث 4758. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي عاصم في السنة (2/ 433، 502) حديث 892، 1053 - 1054، والحاكم (1/ 117)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 276) حديث 448، والبيهقي (8/ 157)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 190 - 191)، من طريق مطرف، عن أبي الجهم، عن خالد بن وهبان، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحاكم: خالد بن وُهبان لم يجرح في رواياته، وهو تابعي معروف، إلا أن الشيخين لم يخرجاه.

قلنا: خالد بن وُهبان، قال فيه ابن حجر في التقريب (1695): مجهول. لكن الحديث له شواهد فقد روي عن الحارث الأشعري رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الأمثال، باب 3، حديث 2863، والطيالسي ص / 159 - 160، حديث 1162، وعبد الرزاق (11/ 339) حديث 20709، وأحمد (4/ 130)، وأبو يعلى (3/ 140 - 142، حديث 1571، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 195) حديث 1895، وابن حبان "الإحسان"(14/ 124 - 126) رقم 6233، والطبراني في الكبير (3/ 285، 287) حديث 3427، 3430، وفي مسند الشاميين (4/ 112) حديث 2870، والآجري في الشريعة (1/ 286) حديث 7، وابن منده في الإيمان (1/ 375 - 376) حديث 212، والحاكم (1/ 117 - 118، 421 - 422)، واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 120) حديث 157، والداني في الفتن (2/ 398 - 399) حديث 140، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 279 - 280)، والمزي في تهذيب الكمال (5/ 217)، في حديث طويل. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

كما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الحاكم (1/ 77، 117) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

ص: 213

(وإن استنظروه) أي: طَلَبَ البُغاةُ منه أن يُنظِرهم (مُدَّة، رجاء رُجُوعِهم فيها، أنظَرَهم) حكاه ابن المنذر إجماع من يُحْفَظُ عنه

(1)

؛ لأن الإنظار إذًا أولى من معالجتهم بالقتال المؤدي إلى الهرج والمرج.

(وإن ظَنَّ) الإمام (أنها) أي: مقالتهم من طلب الانتظار

(2)

(مكيدة؛ لم يُنظرهم) لأنه لا يأمن أن يصير طريقًا إلى قهر أهل الحق، وذلك لا يجوز (وإن أعطوه عليه مالًا.

وإن بذلوا رهائن على إنظارهم؛ لم يَجُزْ أخْذُها لذلك) لأنه لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم، فلا يُفيد شيئًا.

(فإن كان في أيديهم) أي: البُغَاة (أسرى من أهل العدل، وأعطوا بذلك رهائن منهم؛ قَبِلَهم الإمامُ، واستظهرَ للمسلمين) لأنه يجب عليه فِعْل ما فيه المصلحة.

(فإن أطلقوا) أي: البُغَاة (الأسرى) من أهل العدل (أطلقت رهائنهم) وفاء لهم بما قيل لهم.

(وإن قتلوا من عندهم) من أسرى أهل العدل (لم يجز قَتْل رهائنهم ولا أسراهم) لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى}

(3)

(فإذا انقضت الحربُ خلَّى الرهائنَ كما تُخَلَّى الأسرى منهم) لأن المانع من إرسالهم خوف مساعدة إخوانهم، وقد زال.

(وإن سألوه) أي: سأل البُغاةُ الإمامَ (أن يُنظِرهم أبدًا، ويَدَعهم وما هم عليهم، ويكفّوا عن المسلمين، وخاف قهرهم إن قاتلهم؛ تَرَكَهم)

(1)

الإشراف (2/ 399)، والإجماع ص / 158.

(2)

في "ذ": "الإنظار".

(3)

سورة الأنعام، الآية:164.

ص: 214

حتى يقوى على قتالهم.

(وإن قَوي) الإمام (عليهم لم يَجُزْ إقرارهم على ذلك) أي: على ما هم عليه من الخروج؛ لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}

(1)

؛ ولأنه لا يؤمن من قوة شوكتهم.

(وإن حضر معهم) أي: البغاة (مَن لم يُقاتِل، لم يجز قَتْلُهُ) لأنه مسلم معصوم لم يخرج عن قبضة الإمام.

(وإن قاتل معهم) أي: البغاة (عبيدٌ ونساءٌ وصبيانٌ، قوتلوا مُقْبِلين، وتُرِكوا مُدْبِرين كغيرهم) من الأحرار الذكور البالغين؛ لأن قتالهم للدفع، وفي "الترغيب": ومراهقٌ وعبدٌ كخيلٍ.

(ويُكره قَصْدُ رَحِمِهِ الباغي) كأبيه وابنه وأخيه (بقتلٍ) لقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}

(2)

وقال الشافعي: "كَفَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبا حُذيفةَ بنَ عُقبة

(3)

عن قَتلِ أبيه"

(4)

(فإن فعل) أي: قتل ذا رَحِمِه الباغي (ورثه) لأن قتله غير مضمون، وكذا لو قتل الباغي ذا رَحِمِهِ العادل، وكذا

(1)

سورة الحجرات، الآية:9.

(2)

سورة لقمان، الآية:15.

(3)

"عقبة"، كذا في الأصول! وقال في حاشية "ذ":"صوابه: عُتبة" قلنا: وهو الصواب كما في مصادر التخريج.

(4)

الأم (4/ 222)، ومعرفة السنن والآثار (12/ 226) رقم 16527 معلقًا.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 85)، والحاكم (3/ 223)، والبيهقي (8/ 186)، عن محمَّد بن عمر، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: شهد أبو حذيفة بدرًا ودعا أباه عتبة إلى البراز، يعني فمنعه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

محمَّد بن عمر هو الواقدي. قال الحافظ ابن حجر في التقريب (6215): متروك مع سعة علمه. وانظر: التلخيص الحبير (4/ 101).

ص: 215

المولي والزوج.

(ويحرم قتلهم) أي: قتالهم (بما يَعمُّ إتلافه، كالمنجنيق والنار) لأنه يعمُّ من يجوز ومن لا يجوز كغير المقاتل (إلا لضرورة؛ مثل أن يحتاط بهم البغاة، ولا يمكنهم التخلُّص إلا بذلك) كما في دفع الصائل.

(وإن رماهم البُغاةُ بذلك) أي: بمنجنيق أو نار (جاز) لأهل العدل (رميهم بمثله) لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ}

(1)

.

(وإن اقتتلت طائفتان منهم) أي: البُغاة (فَقَدَرَ الإمام على قهرهما) أي: الطائفتين (لم يُعِن واحدة

(2)

منهما) لأنهما جميعًا على الخطأ.

(وإن عَجَز) عن قتالهما معًا (وخاف) الإمام (اجتماعَهما على حَرْبه، ضَمَّ إليه أقربَهما إلى الحقِّ) دفعًا لأعظم المفسدتين بأخفّهما (وإن استويا اجتهد) الإمامُ (برأيه في ضَمِّ إحداهُما) إليه (ولا يَقصِدُ بذلك معونةَ إحداهُما) على الأخرى (بل) يقصد بذلك (الاستعانةَ على) الطائفة (الأخرى) ليردها إلى الحق (فإذا هَزَمها) الإمام (لم يُقاتِل مَن معهم) أي: الطائفة التي ضمها إلى أهل العدل (حتى يدعوهم إلى الطاعة) لأنهم قد دخلوا في أمانه، فإذا دعاهم فإن أطاعوه كفَّ عنهم، وإلَّا قاتلهم؛ لما تقدم.

(ويَحرُمُ أن يستعينَ) أهل العدل (في حربهم) أي: قتالهم للبغاة (بكافرٍ) لأنه لا يُستعان به في قتال الكفار، فلئلا يُستعان به في قتال مسلمٍ بطريق الأولى؛ ولأن القصد كفّهم لا قتلهم، وهو لا يَقصِدُ إلا قَتْلَهُم.

(1)

سورة البقرة، الآية:194.

(2)

في "ذ": "لم يَمِلْ لواحدة".

ص: 216

(أو) أي: ويحرم أن يستعين في حَرْبهم (بمن يرى قَتْلهم مُدْبِرين) لما فيه من التسليط له على قتل من لا يجوز قتله (إلا لضرورة) كأن يَعجِزَ أهل العدل عن قتالهم لقلّتهم، فيجوز للحاجة، كفعلهم إن لم نفعله (وله) أي: الإمام (أن يَستعين عليهم بسلاح أنفُسِهم وكُراعِهم -وهو خيلهم- عند الضرورة فقط) كأكل مال الغير عند المخمصة.

(ولا يجوز) الاستعانة عليهم بسلاح أنفُسِهم وخيلهم (في غير قتالهم) لأن الإسلام عصم أموالهم، وإنما أُبيح قتالهم لردّهم إلى الطاعة، فيبقى المال على العصمة، كمال قاطع الطريق.

(ومتى انقضتِ الحربُ، وجب ردُّه) أي: سلاح البُغاة

(1)

(إليهم كسائر أموالهم) لأن أموالهم كأموال غيرهم من المسلمين، فلا يجوز اغتنامها؛ لأن ملكهم لم يزل عنها بالبغي، وقد رُوي أن عليًّا قال يوم الجمل: مَن عَرفَ شيئًا من مالهِ مع أحدٍ، فليأخُذهُ، فعرف بعضهم قِدْرًا مع أصحاب علي وهو يطبخ فيها، فسأله إمهاله حتى يَنْضَجَ الطبخ، فأبى وكبّه وأخذها

(2)

.

(والمراهق منهم) أي: البغاة (والعبد، كالخيل) يجوز الاستعانة بها

(3)

عليهم عند الضرورة فقط، ويُرَدَّان بعد الحرب.

(1)

في "ح" و"ذ": "سلاح البغاة وخيلهم".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (15/ 286 - 287)، من طريق عمرو بن قيس، عن زيد بن وهب ضمن قصة. وأخرج سعيد بن منصور في سننه (2/ 367) رقم 2952، والبيهقي (8/ 182 - 183)، من طريق أبي إسحاق الشيباني عن عرفجة عن أبيه، أنَّ عليًّا جاء بما كان من رِثة أهل النهر فوضعه في الرحبة، فقال: من عرف شيئًا فليأخذه. فجعل الناس يأخذون حتى بقيت قدر حينًا، حتى جاء رجل فأخذها.

وانظر: التلخيص الحبير (4/ 47).

(3)

في "ح" و"ذ": "بهما".

ص: 217

(وإذا تَركوا) أي: البُغاة (القتال، إما بالرجوع إلى الطاعة، أو بإلقاء السلاح، أو بالهزيمة إلى فئة، أو) بالهزيمة (إلى غير فئة، أو بالعجز لجراح أو مرض أو أسر، حَرُمَ قتلُهم، و) حرم (اتباع) مُدبرهم (وقتل مُدبرهم، وقتل جريحهم) لما روى مروان قال: "صرَخَ صارخٌ لعليٍّ يومَ الجملِ: لا يُقتل مُدبرٌ ولا يُذفَّفُ على جريح، ومَن أغلقَ بابه فهو آمنٌ، ومن ألقَى السِّلاح فهو آمِنٌ" رواه سعيد (1)، وعن عمار نحوه (2)، وكالصائل.

(فإن قُتِل مُدْبِرُهم أو جريحُهم فلا قوَد) على قاتله (للاختلاف في ذلك) فيكون شبهة، ولكن يضمنه بالدية.

(ولا يجوز أن يُغْنَم لهم) أي: البُغاة (مال) لأنهم لم يكفروا ببغيهم ولا قتالهم، وعصمة الأموال تابعة لدينهم.

(ولا تُسبى لهم ذرية) لعصمتهم.

(ويجب رَدُّ ذلك إليهم إن أُخِذَ منهم) لما سبق.

(ولا يُردُّ السلاحُ والكُراعُ) أي: الخيل (حالَ الحرب) لأن فيه معونة

ص: 218

علينا (بل) يُرَدَّان (بعده) أي: بعد انقضاء الحرب؛ لزوال المانع.

(ومن أُسِرَ من رجالهم، فدخل في الطاعة، خُلِّي سبيله) ولو كان مطاعًا. زاد في "الرعاية": إن أُمِنَ شره.

(وإن أبى) الدخول في الطاعة (وكان جَلْدًا) قويًّا (حُبِس مادامت الحربُ قائمة فإذا انقضت، خُلِّي سببله) لأن في إطلاقه قبل ذلك ضررًا على أهل للعدل؛ لأنه ربما ساعد عليهم، وفي حبسه كسر قلوب البُغاة وإضعاف شوكتهم. زاد في "الشرح":(وشرط عليه ألا يعود إلى القتال، ولا يُرْسَلُ مع بقاءِ شوكَتهم) لأن فيه إعانةً للبُغاة على أهل العدل.

(فإن بَطَلَت شوكتهم، ولكن يتوقع اجتماعُهم في الحال، لم يُرسَل) حتى يزول ذلك.

(وإن أُسِر صبيٌّ أو امرأة، فُعِل بهما كما يُفعل بالرجل) لما فيه من كسر قلوب البغاة (ولا يُخَلَّى) سبيلهما (في الحال) بل إذا انقضت الحرب وزالت شوكتهم.

(و‌

‌يجوز فِداءُ أسارى أهلِ العدلِ بأُسارى البُغاة)

وإن قتل أهل البغي أسرى أهل العدل، لم يَجُز لأهل العدل قتل أسراهم. وتقدم

(1)

.

(ولا يَضمنُ أهلُ العدلِ ما أتلفوه عليهم) أي: البغاة (حال الحربِ من نفسٍ أو مالٍ، ولا كفارة فيه) لأنه فعل ما أمِر به، كقتل الصائل عليه.

(فإن قُتِل العادلُ كان شهيدًا) كالمصول عليه (ولا يُغَسَّل ولا يُصلَّى عليه) ويُدفن في ثيابه التي قُتِل فيها بعد نزع لأمةِ حرب، ونحو خفٍّ وَفرْوٍ؛ لأنه قُتل في قتال أمرَه الله تعالى به، كشهيد معركة الكفار.

(ولا يَضمن أهلُ البغي -أيضًا- ما أتلفوه) على أهل عدل (حال

(1)

(14/ 214).

ص: 219

الحرب، من نفس أو مال) لقول الزهري:"هاجَت الفتنَةُ وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافِرُونَ فأجمَعُوا ألا يُقادَ أحَدٌ ولا يؤخذَ مالٌ على تأويلِ القُرآنِ إلا ما وُجدَ بعَينهِ" ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به؛ رواه الخلال

(1)

؛ ولأن تضمينهم يُفضي إلى تنفيرهم من الرجوع إلى الطاعة، فسقط كأهل الحرب، أو كأهل العدل.

(ومن أتلف من الطائفتين شيئًا في غير الحرب ضَمِنَهُ) لأن الأصل وجوب الضمان، تُرك

(2)

العمل به في حال الحرب للضرورة، فيبقى ما عداه على الأصل.

(ومن قُتِلَ من أهل البغي غُسَّلَ، وكُفِّن، وصُلِّي عليه) لأنه لم يخرج -بالبغي- عن الإسلام.

(وإذا لم يكونوا) أي: البُغاة (من أهل البِدع، فليسوا بفاسقين، بل مُخطِئين في تأويلهم، فتُقبل شهادتُهم، ويأتي في الشهادات.

وما أخَذُوا في حال امتناعِهم؛ من زكاةٍ، أو خَرَاج، أو جِزية لم يُعَدْ) أي: يرجع (عليهم، ولا على باذلٍ) وأجزأ (لوقوعه موقعه) لأن عليًّا لمّا ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشيء مما جباه أهل البغي

(3)

. وكان ابن عمر

(4)

وسلمة بن الأكوع

(5)

يأتيهم ساعي نَجْدَةَ الحروري

(1)

في السنة (1/ 151 - 152) رقم 123 - 127. وأخرجه -أيضًا- بنحوه عبد الرزاق (10/ 120) رقم 18584، وسعيد بن منصور (2/ 368) رقم 2953، وابن أبي شيبة (9/ 430)، والبيهقي (8/ 174 - 175).

(2)

في "ذ": "وترك".

(3)

انظر: المغني (12/ 258).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 223)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1215 - 1216) رقم 2301 - 2303.

(5)

أخرجه أحمد في السنة (2/ 638) رقم 1526، وانظر: المغني (12/ 258).

ص: 220

فيدفعون

(1)

إليه زكاتهم؛ ولأن في ترك الاحتساب به ضررًا عظيمًا ومشقة كثيرة، لأنهم قد يغلبوا

(2)

على البلاد السنين الكثيرة، خوارج كانوا أو غيرَهم.

(وما أقاموا من حَدٍّ وقع موقعه -أيضًا- خوارج كانوا أو غيرَهم) دفعًا للضرر.

(ومن ادَّعى دَفعَ زكاتهِ إليهم قُبِلَ بغير يمينٍ) لأن الزكاة لا يُستحلف فيها. قال أحمد: لا تُستحلفُ الناس على صَدقاتِهم

(3)

.

(ولا تُقبل دعوى دفع خراج) إليهم (ولو كان الدافع مُسلِمًا، ولا دعوى دَفع جِزية إليهم إلا ببينة) لأن كلًّا منهما عوض، والأصل عدم الدفع.

(ولا يُنقض من حُكم حاكِمِهم) أي: البُغاة (إلا ما يُنقَض من حُكمِ غيره) بأن خالف نصَّ كتابٍ، أو سُنَّة صحيحة، أو إجماعًا ونحوه؛ لأن التأويل الذي له مساغ في الشرع لا يوجب تفسيق قائله، أشبه المخطئ من الفقهاء في فرع من الأحكام.

(وإن كتب قاضِيهم) أي: البُغاة (إلى قاضي أهل العدل، جاز قَبول كتابه) والعمل بمقتضاه إذا كان أهلًا للقضاء؛ لأنه قاض ثابت القضاء (و) في "المغني" و"الشرح" و"الترغيب": (الأولى) رَدُّ كتابه، أي:(ألا يقبله) قبل حكمه؛ كسرًا لِقُلُوبهم.

(وإن ولَّى الخوارجُ قاضيًا لم يَجُز قضاؤه) للفسق. وفي "المغني" و"الشرح" احتمال: يصح قضاؤه دفعًا للضرر.

(1)

"فيدفعون" كذا في الأصول، وفي حاشية "ذ":"صوابه: فيدفعان".

(2)

"يغلبوا" كذا في الأصول، وفي حاشية "ذ":"صوابه يغلبون".

(3)

انظر: المغني (4/ 171).

ص: 221

(وإن ارتكب أهل البغي في حال امتناعهم ما يوجب حَدًّا، ثم قُدِر عليهم، أقيم عليهم) لعموم الأدلة.

(وإن أعانهم) أي: البُغاة (أهل ذِمةٍ أو عهدٍ، انتقض عهدهم) بإعانتهم لهم طوعًا مع علمهم بأن ذلك لا يجوز، كما لو انفردوا بقتالهم (وصاروا أهل حَربٍ) تحل دماؤهم وأموالهم (إلا أن يَدَّعوا شُبهة، كأن يظنُّوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك، فلا ينتقض) عهدهم؛ لأن ما ادعوه محتمل، فيكون شُبهة.

(وإن أكرههم البغاة على معونتهم) لم ينقض

(1)

عهدهم.

(و) إن (ادعوا ذلك) أي: الإكراه (قُبِلَ منهم) لأنه محتمل. وفي "الكافي" و"الشرح": ببَيِّنةٍ.

(ويغرمون) أي: أهل الذمة والعهد (ما أتلفوه) على المسلمين (من نَفسٍ أو مالٍ حالَ الحرب وغيره) بخلاف أهل البغي؛ لأن هؤلاء لا تأويل لهم؛ ولأن سقوط الضمان عن المسلمين لئلا يؤدي إلى تنفيرهم عن الرجوع للطاعة، وأهل الذمة لا حاجة بنا إلى ذلك فيهم.

(وإن استعانوا) أي: البُغاة (بأهل الحَرب وأمَّنوهم، لم يصح أمانهم) كما لو عقدوا لهم ذِمة؛ لأن الأمان من شرطِ صحته إلزام كفهم عن المسلمين (وأُبيح) لأهل العدل (قتلُهم) مقبلين ومدبرين، وأخذُ أموالهم.

(وحُكم أسيرِهم حُكمُ أسيرِ سائرِ أهلِ الحرب) يُخيَّر فيه الإمام بين القتل والرق، والمَن والفِداء، إلا أنهم في أمان بالنسبة إلى من أمَّنهم من البُغاة.

(1)

في "ح" و"ذ": "لم ينتقض".

ص: 222

(وإن أظهر قومٌ رأي الخوارج، مثل تكفير من ارتكب كبيرة، و) مثل (ترك الجماعة، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم، ولم يجتمعوا لحرب، لم يُتعرَّض لهم) حيث لم يخرجوا عن قبضة الإمام؛ لما رُويَ "أن عليًّا كانَ يخطبُ، فقال له رجلٌ ببابِ المسجدِ: لا حُكمَ إلا لله، فقال عليٌّ: كلمةُ حقٍّ أُريدَ بها باطل. ثم قال: لكم علينا ثَلاث: لا نمنعُكم مساجِدَ الله أنْ تَذكُروا فيها اسمَ الله، ولا نمنعُكم الفيءَ ما دامَت أيدِيكُم مَعنا، ولا نبدَؤُكُم بقِتَال"

(1)

.

(وإن سبُّوا الإمامَ أو عَدلًا غيره، أو عرضوا بالسبِّ، عَزَّرهم) لأنهم ارتكبوا مُحَرَّمًا لا حد فيه ولا كفارة.

(وإن جنوا جنايةً، أو أتوا حَدًّا، أقامه) الإمامُ (عليهم) لقول علي في ابن مُلجَم لما جرحه: "أطعِموهُ واسقوهُ واحبِسُوه، فإنْ عشتُ فأنا وليُّ دَمي، وإنْ مِتُّ فاقتلُوهُ ولا تُمثلوا به"

(2)

؛ ولأَنهم ليسوا بِبُغَاة، فهم كأهل العدل فيما لهم وعليهم.

(وإن اقتتلت طائفتان لعصبية، أو طَلَبِ رئاسة، فهما ظالمتان) لأن كل واحدة منهما باغية على الأخرى (وتضمن كلُّ واحدةٍ) منهما (ما أتلفت على الأخرى) لأنها أتلفت نفسًا معصومة ومالًا معصومًا. قال في "الاختيارات"

(3)

: فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة، وإن لم يعلم

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (15/ 327)، والطبري في تاريخه (5/ 73)، والبيهقي (8/ 184). وانظر: التلخيص الحبير (4/ 45).

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 101)، والحاكم (3/ 144)، والبيهقي (8/ 56، 183)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 220) رقم 16504. وانظر: التلخيص الحبير (4/ 47).

(3)

الاختيارات الفقهية ص / 429 - 430.

ص: 223

عين المتلف، وإن تقابلا تقاصَّا؛ لأن المباشر والمُعِين سواء عند الجمهور، وإن جُهِل قَدْرُ ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساوتا، كمن جَهِل قدرَ الحرام المختلط بماله، فإنه يُخرِج النصف والباقي له.

(فلو قُتل من دخل بينهم يُصلح

(1)

، وجُهِل قاتله؛ ضَمِنتاه) وإن عُلِم قاتله من طائفة، وجُهِل عينه؛ ضَمِنَتْه وحدها. قال ابن عقيل: ويفارق المقتول في زحام الجامع والطواف؛ لأن الزحام والطواف ليس فيهما تعدٍّ، بخلاف الأول.

"تتمة": قال في "الاختيارات"

(2)

: أجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة من شريعة متواترة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله، كالمحاربين وأولى.

(1)

في "ذ""بِصُلح".

(2)

ص / 430.

ص: 224

‌باب حكم المرتد

(وهو) لغة: الراجع. يقال: ارتدَّ؛ فهو مرتد، إذا رجع. قال تعالى:{وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}

(1)

.

وشرعًا: (الذي يكفُر بعد إسلامِه) نطقًا، أو اعتقادًا، أو شكًّا، أو فعلًا (ولو مميزًا) فتصح رِدّته كإسلامه، ويأتي (طوعًا) لا مكرهًا؛ لقوله تعالى:{إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}

(2)

(ولو) كان (هازِلًا) لعموم قوله تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ

} الآية

(3)

؛ وحديثِ ابن عباس مرفوعًا: "مَن بدَّلَ دينَهُ فاقتلوه" رواه الجماعة إلا مسلمًا

(4)

.

وأجمعوا

(5)

على وجوب قَتْلِ المرتد.

(فمن أشركَ بالله) تعالى، أي: كفَر به بعد إسلامه، ولو مكرهًا بحقٍّ، كَفَرَ؛ لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(6)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:21.

(2)

سورة النحل، الآية:106.

(3)

سورة البقرة، الآية:217.

(4)

البخاري في الجهاد والسير، باب 149، حديث 3017، وفي استتابة المرتدين، باب 2، حديث 6922، وفي الاعتصام، باب 28 معلقًا، قبل حديث 7369، وأبو داود في الحدود، باب 1، حديث 4351، والترمذي في الحدود، باب 25، حديث 1458، والنسائي في التحريم، باب 14، حديث 4071، وفي الكبرى (2/ 302) حديث 3527 - 3528، وابن ماجه في الحدود، باب 2، حديث 2535، وأحمد (1/ 217، 282).

(5)

الإجماع لابن المنذر ص / 154، رقم 727، ومراتب الإجماع لابن حزم ص / 127، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1080) رقم 2013.

(6)

سورة النساء، الآية:48.

ص: 225

(أو جَحَد ربوبيَّته، أو وحدانيته) كَفَر؛ لأن جاحد ذلك مُشرك بالله تعالى.

(أو) جَحَد (صِفَةً من صفاته) اللازمة؛ قاله في "الرعاية"؛ لأنه كجاحد الوحدانية. وفي "الفصول": شرطُه أن تكون الصفة متفقًا على إثباتها (أو اتَّخذ له) أي: لله (صاحبةً، أو ولدًا) كَفَر؛ لأنه تعالى نزَّه نفسه عن ذلك ونفاه عنه، فمتخذه مخالف له، غير منزِّه له عن ذلك.

(أو ادَّعى النبوة، أو صدَّقَ من ادعاها) بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كَفَر؛ لأنه مُكذِّب لقول الله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}

(1)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نبي بعدي"

(2)

.

(أو جَحَد نبيًّا) مجمعًا على نبوته؛ لأنه مُكذِّب لله، جاحد لنبوة نبي من أنبيائه (أو) جَحَد (كتابًا من كُتُبِ الله، أو شيئًا منه) لأن جَحْد شيء منه كجحده كله؛ لاشتراكهما في كون الكُلِّ من عند الله (أو جَحَد الملائكة) أو أحدًا ممن ثبت أنه مَلَك؛ كفَر؛ لتكذيبه للقرآن.

(أو) جَحَدَ (البعثَ) كَفَر؛ لتكذيبه الكتاب

(3)

والسنة

(4)

وإجماع

(1)

سورة الأحزاب، الآية:40.

(2)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 78، حديث 4416، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2404، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري -أيضًا- في أحاديث الأنبياء، باب 50، حديث 3455، ومسلم في الإمارة حديث 1842، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

مثل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 16].

(4)

مثل قوله صلى الله عليه وسلم حديث طويل: "يجمع الله الناس يوم القيامة".

أخرجه البخاري في الأذان، باب 129، حديث 806، وفي التفسير، باب 5، حديث 4712، وفي التوحيد، باب 24، حديث 7437، ومسلم في الإيمان، حديث 182، 194، عن أبي هريرة رضي الله عنه. =

ص: 226

الأمة

(1)

.

(أو سَبَّ الله، أو رسولَه) كَفَر؛ لأنه لا يسبه إلا وهو جاحد به

(2)

.

(أو استهزأ بالله) تعالى (أو كُتُبِه، أو رُسُلِه) كَفَر؛ لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}

(3)

قال في "المغني" و"الشرح": ولا ينبغي أن يُكتفى في الهازئ بذلك بمجرد الإسلام، حتى يؤدَّب أدبًا يزجره عن ذلك؛ لأنه إذا لم يكتف ممن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة، فهذا أولى.

(قال الشيخ

(4)

: أو كان مبغضًا لرسوله، أو لِما جاء به) الرسول (اتفاقًا، وقال

(4)

: أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكَّل عليهم، ويدعوهم ويسألهم إجماعًا. انتهى) أي: كفر؛ لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}

(5)

.

(أو سَجَد لصنمٍ أو شمس أو قمرٍ) وعبارة "المنتهى": لكوكب، فيدخل فيه سائرُ الكواكب، كفَر؛ لأن ذلك إشراكٌ.

= وأخرجه البخاري في الرقاق، باب 51، حديث 6565، وفي التوحيد، باب 19، حديث 7410، ومسلم في الإيمان، حديث 193، من حديث أنس رضي الله عنه.

(1)

مجموع الفتاوى (3/ 145).

(2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الصارم المسلول ص / 512: إن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر ظاهرًا وباطنًا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلًّا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل

قال القاضي أبو يعلى في المعتمد: من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله.

(3)

سورة التوبة، الآيتان: 65 - 66.

(4)

الاختيارات الفقهية ص / 443.

(5)

سورة الزمر، الآية:3.

ص: 227

(أو أتى بقول، أو فِعْل صريح في الاستهزاء بالدِّين) الذي شرعه الله، كَفَر؛ للآية السابقة.

(أو وُجِد منه امتهانُ القُرآنِ، أو طَلَبُ تناقضِه، أو دعوى أنه مُختلِفٌ، أو) أنه (مختلَق، أو مقدور على مِثْله، أو إسقاط لحُرْمَته) كَفَر؛ لقوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}

(1)

وقوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}

(2)

وقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ

} الآية

(3)

.

(أو أنكر الإسلام) كَفَر؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}

(4)

.

(أو) أنكر (الشهادتين، أو) أنكر (إحداهما، كَفَر) لأنه إنكار للوحدانية والرسالة أو إحداهما، وذلك كُفْر؛ لما مَرَّ.

و (لا) يكفر (مَن حكى كُفْرًا سمعه، و) هو (لا يعتقده) قال في "الفروع": ولعلَّ هذا إجماع

(5)

. وفي "الانتصار": من تزيَّا بِزِيِّ كُفْرٍ مِنْ لبس غِيار

(6)

، وشَدّ زُنَّار، وتعليق صليب بصدره، حرم، ولم يكفر.

(أو نَطَق بكلمةِ الكُفْر ولا

(7)

يعلم معناها) فلا يكفر بذلك.

(1)

سورة الحشر، الآية:21.

(2)

سورة النساء، الآية:82.

(3)

سورة الإسراء، الآية:88.

(4)

سورة آل عمران، الآية:19.

(5)

الفروع (6/ 166).

(6)

الغِيار: علامة أهل الذمة، كالزُّنّار للمجوس ونحوه. وقيل: هو علامة اليهود. انظر: تاج العروس (13/ 289) مادة (غير).

(7)

في "ذ": "ولم".

ص: 228

(ولا من جرى) الكفر (على لسانه

(1)

من غير قَصْدٍ، لشدةِ فَرَحٍ، أو دَهَشٍ، أو غير ذلك، كقول من أراد أن يقول: اللهم أنتَ ربي وأنا عبَدُك، فقال) غلطًا:(أنتَ عبدي وأنا ربُّكَ) لحديث: "عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان"

(2)

.

(ومن أطلق الشارعُ) صلى الله عليه وسلم (كفرَه، كدعواه لغير أبيه

(3)

، وكمَن أتى عَرّافًا فصدّقه بما يقول

(4)

، فهو تشديد) وتأكيد (و) نَقَل حرب

(5)

: (كُفْرٌ دون كُفْر، لا يخرج به عن الإسلام) وقيل: كُفْر نعمة، وقيل: قارب الكفر، وعنه

(5)

: يجب الوقف، ولا يقطع بأنه لا ينقل عن المِلَّة. وقال القاضي عياض

(6)

وجماعة من العلماء في قوله: "مَن أتى عرَّافًا، فقد كفرَ بما أنْزَلَ الله على محمدٍ"

(7)

أي: جحد تصديقه بكذبهم، وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لهم كفرًا حقيقة. انتهى.

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 285): "على لسانه سبقًا".

(2)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

(3)

أخرج البخاري في المناقب، باب 5، حديث 3508، ومسلم في الإيمان، حديث 61، عن أبي ذر رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر

الحديث.

(4)

انظر: تعليق رقم (6) الآتي بعد.

(5)

انظر: الفروع (6/ 180 - 181).

(6)

مشارق الأنوار (1/ 345).

(7)

أخرجه إسحاق بن راهويه (1/ 434) حديث 503، وأحمد (2/ 429)، والحاكم (1/ 8)، والبيهقي (8/ 135)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول

الحديث. وزاد إسحاق: فسأله.

قال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعًا من حديث ابن سيرين. ووافقه الذهبي. وقال في المهذب (6/ 3228): إسناده صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 23 مع الفيض) ورمز لحسنه. وقال المناوي: وقال الحافظ العراقي في أماليه: =

ص: 229

ومنهم من حمل ذلك على مَنْ فعله مستحلًّا. وأنكر القاضي جواز إطلاق اسم كفر النعمة على أهل الكبائر.

(وإن أتى بقول يُخْرِجه عن الإسلام، مثل أن يقول: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو بريء عن الإسلام، أو القرآن، أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو) هو (يعبد الصليب، ونحو ذلك) نحو: هو يعبد غير الله تعالى (على ما ذكروه في الإيمان) فهو كافر.

= حديث صحيح.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 16)، وأبو داود في الطب، باب 21، حديث 3904، والترمذي في الطهارة، باب 102، حديث 135، والنسائي في الكبرى (5/ 323) حديث 9017، وابن ماجه في الطهارة، باب 122، حديث 639، وإسحاق بن راهويه (1/ 423) حديث 482، وابن أبي شيبة (4/ 252)، وأحمد (2/ 408)، والدارمي في الوضوء والصلاة، باب 114، حديث 1141، وابن الجارود (1/ 104) حديث 107، والطحاوي (3/ 44 - 45)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 429) حديث 6130، والعقيلي في الضعفاء (1/ 318)، والبيهقي (7/ 198)، بلفظ: من أتى حائضًا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. انظر: إرواء الغليل (7/ 68) حديث 2006.

وله شاهد من حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(3/ 400) حديث 3045. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 117): رجاله رجال الصحيح، خلا عقبة بن سنان وهو ضعيف -كذا في طبعة دار الكتاب، وفي طبعة دار الفكر (5/ 202): وهو ثقة، وهذا هو الصواب، فإن عقبة بن سنان قال فيه الحافظ في التقريب (4672): ثقة.

ومن حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما: أخرجه البزار (9/ 52) حديث 3578. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 117): رجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع، وهو ثقة. وجوَّد إسناديهما الحافظ في الفتح (10/ 217).

والحديث في صحيح مسلم في السلام، حديث 2230، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.

ص: 230

(أو قَذَفَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو) قذف (أُمّه) فهو كافر، وتقدم

(1)

في القذف.

(أو اعتقد قِدَمَ العالم) وهو ما سوى الله (أو) اعتقد (حدوث الصانع) جَلَّ وعلا، فهر كافر؛ لتكذيبه للكتاب

(2)

والسنة

(3)

وإجماع الأمة

(4)

.

(أو سَخِرَ بوعد الله أو بِوَعيده) فهو كافر؛ لأنه كالاستهزاء بالله، والعياذ بالله.

(أو لم يكفِّر من دان) أي تديَّن (بغير الإسلام، كالنصارى) واليهود (أو شَكَّ في كُفْرِهم، أو صَحَّح مذهبهم) فهو كافر؛ لأنه مُكذِّب لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

(5)

.

(أو قال قولًا يتوصَّل به إلى تضليل الأمة) أي: أمة الإجابة

(6)

؛ لأنه مُكذِّب للإجماع

(7)

على أنها لا تجتمع على ضلالة؛ وللخبر

(8)

.

(1)

(14/ 89 - 90).

(2)

في مثل قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].

(3)

من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض" أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب 1، حديث 3191، وفي التوحيد، باب 22، حديث 7418، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما.

(4)

انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/ 539).

(5)

سورة آل عمران، الآية:85.

(6)

زاد في "ذ": "فهو كافرٌ".

(7)

انظر ما تقدم (11/ 201).

(8)

وهو قول صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة". وقد تقدم تخريجه (11/ 201) تعليق رقم (1) و (2).

ص: 231

(أو) قال قولًا يتوصل به إلى (تكفير الصحابة) أي: بغير تأويل (فهو كافر) لأنه مُكذِّب للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "أصحابي كالنجومِ"

(1)

وغيره. وتقدم الخلاف في الخوارج ونحوهم

(2)

.

(وقال الشيخ

(3)

: من اعتقد أن الكنائسَ بيوتُ الله؛ وأن الله يُعبد فيها، أو أن ما يفعل اليهود والنصارى عبادةُ لله وطاعة) له و (لرسوله، أو أنه يُحِب ذلك، أو يرضاه) فهو كافر؛ لأنه يتضمن اعتقاد صحة دينهم، وذلك كفر، كما تقدم.

(أو أعانهم على فتحها) أي: الكنائس (وإقامة دينهم، و) اعتقد (أن ذلك قُرْبة أو طاعة، فهو كافر) لتضمنه اعتقاد صحة دينهم.

(وقال) الشيخ (في موضع آخر

(4)

: من اعتقد أن زيارةَ أهلِ الذِّمةِ كنائسَهم قُرْبة إلى الله، فهو مرتدٌّ، وإن جَهِل أن ذلك مُحَرَّم، عُرِّف ذلك، فإن أصرَّ صار مرتدًا) لتضمنه تكذيب قوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}

(5)

.

(وقال

(6)

: قول القائل: ما ثَمَّ إلا الله، إن أراد ما بقوله أهلُ الاتحاد من أن ما ثَمَّ موجودٌ إلا الله، ويقولون: إن وجودَ الخالق هو وجودُ المخلوق، و) يقولون:(الخالقُ هو المخلوقُ، والمخلوقُ هو الخالقُ، والعبدُ هو الربُّ، والربُّ هو العبد، ونحو ذلك من المعاني) التي قام

(1)

تقدم تخريجه (6/ 204) تعليق رقم (3).

(2)

(14/ 207 - 210).

(3)

انظر: الفتاوى الكبرى (1/ 133).

(4)

مختصر الفتاوى ص / 514.

(5)

سورة آل عمران، الآية:19.

(6)

مجموع الفتاوى (2/ 490).

ص: 232

الإجماع على بطلانها، يُستتاب، فإن تابَ، وإلا قُتِل.

(وكذلك الذين يقولون: إن الله تعالى بذاته في كلِّ مكان، ويجعلونه مختلطًا بالمخلوقات، يُستتاب، فإن تاب، وإلا قُتِل) وقد عمَّت البلوى بهذه الفِرق، وأفسدوا كثيرًا من عقائد أهل التوحيد، نسأل الله العفوَ والعافية.

(وقال: من اعتقد أن لأحدٍ طريقًا إلى الله تعالى من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه، أو أن له أو لغيره خروجًا عن اتباعه) صلى الله عليه وسلم، (و) عن (أخذ ما بعث به

(1)

، أو قال: أنا محتاج إلى محمد في عِلْم الظَّاهرِ دون علم الباطن، أو) هو محتاج إليه (في علم الشريعة دون علم الحقيقة

(2)

، أو قال: إن من الأولياء من يَسَعُهُ الخروجُ عن شريعته) صلى الله عليه وسلم (كما وَسِعَ الخَضِر الخروجُ عن شريعة موسى

(3)

) صلى الله عليه وسلم، فهو كافر؛ لتضمنه تكذيب قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}

(4)

.

(أو) اعتقد (أن غير هَدْي النبي

(5)

صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، فهو كافر

(6)

.

وقال: من ظَنَّ أن قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ}

(7)

(1)

مجموع الفتاوى (24/ 339).

(2)

مجموع الفتاوى (11/ 225).

(3)

مجموع الفتاوى (27/ 59).

(4)

سورة الأنعام، الآية:153.

(5)

في "ذ": "أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم".

(6)

مجموع الفتاوى (27/ 58 - 59).

(7)

سورة الإسراء، الآية:23.

ص: 233

بمعنى: قدَّر، فإن الله ما قدَّر شيئًا إلا وقع، وجعل عُبَّاد الأصنام ما عبدوا إلا الله، فإنَّ هذا) المُعتقد (من أعظم الناس كُفرًا بالكتب كلها) لتكذيبه لها فيما دلت عليه من ثبوت وحدانيته تعالى، بل معنى "قضى" هنا: أَوجب

(1)

.

(وقال: من استحل الحشيشة) المُسكِرة (كَفَر بلا نزاع

(2)

.

وقال: لا يجوز لأحدٍ أن يلعن التوراة، بل من أطلق لعنها يُستتاب، فإن تاب وإلا؛ قُتِل، وإن كان ممن يعرف أنها مُنزَّلة من عند الله، وأنه يجب الإيمان بها، فهذا يُقتل بشتمه لها، ولا تُقبل توبته في أظهر قولي العلماء.

وأما من لَعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان، فلا بأس عليه في ذلك) أي: لأنه قد غُيِّر وبُدِّلَ، بل شرعُنَا نَسَخَ سائرَ الشرائع.

(وكذلك إن سبَّ التوراة التي عندهم) أي: اليهود (بما يبين أن قصده ذكر تحريفها، مثل أن يقال: نُسَخُ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها، ومن عَمِلَ اليومَ بشرائعها المبدَّلة والمنسوخة فهو كافر. فهذا الكلام ونحوه حقٌّ لا شيء على قائله

(3)

) لمطابقته الواقع.

فصل

(وقال) الشيخ

(4)

: (ومَن سبّ الصحابةَ، أو) سبَّ (أحدًا منهم،

(1)

الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص / 117.

(2)

مجموع الفتاوى (34/ 213)، ومختصر فتاوى ابن تيمية ص / 499.

(3)

مجموع الفتاوى (35/ 200).

(4)

الصارم المسلول ص / 571، 586.

ص: 234

واقترن بسبِّه دعوى أن عَليًّا إلهٌ أو نبي، و

(1)

أن جبريل غَلِطَ، فلا شَكَّ في كُفْرِ هذا) أي: لمخالفته نصَّ الكتاب

(2)

، والسنة

(3)

،

(1)

في "ذ": "أو".

(2)

من الآيات الدالة على حرمة سب الصحابة، قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، وقوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]. وانظر: الصارم المسلول ص / 571 - 572.

وأما الآيات الدالة على بطلان ألوهية علي رضي الله عنه فمنها قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64].

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المومنون: 117].

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194].

وأما الآيات الدالة على نقض دعوى نبوته فمنها قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].

وأما الآيات الدالة على بطلان دعوى غلط جبريل عليه السلام، فمنها قوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193 - 194].

وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19 - 21].

وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 97].

(3)

من الأحاديث الدالة على حرمة سب الصحابة، ما أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب 5، حديث 3673، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2541، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".

وأما ما يدل على بطلان دعوى ألوهية علي رضي الله عنه فمنها ما أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة، وألّا يتخد بعضهم بعضًا =

ص: 235

وإجماع

(1)

الأمة (بل لا شَكَّ في كُفْرِ من توقَّف في تكفيره.

وكذلك مَن زعم أن القرآن نَقَص منه شيءٌ وكُتِم، أو أن له تأويلات باطنة تُسقِط الأعمال المشروعة) من صلاة، وصوم، وحج، وزكاة وغيرها (ونحو ذلك، وهذا قول القرامطة

(2)

والباطنية

(3)

، ومنهم

= أربابًا من دون الله، حديث (2782): عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة سؤال هرقل لأبي سفيان، وفيه أنه قال له: فماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا. وما فعله هو في عبد الله بن سبأ عندما قال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فحرق أتباعه ونفاه عن الكوفة. انظر: تاريخ ابن عساكر (9/ 332).

وروى اللالكائي (7/ 1480) رقم 2680، عن علي قال:"يهلك فيَّ رجلان: مفرط في حبي، ومفرط في بغضي".

وأما ما يدل على بطلان دعوى نبوة علي رضي الله عنه، فهو حديث بدء الوحي الذي أخرجه البخاري في بدء الوحي، باب 3، حديث 3، ومسلم في الإيمان، حديث 160، عن عائشة رضي الله عنها.

وما أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 49، حديث 3455، ومسلم في الإمارة، حديث 1842، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي".

وأما الأحاديث الدالة على بطلان غلط جبريل، فهي كثيرة جدًّا ومنها حديث بدء الوحي السابق.

(1)

انظر: المحلى لابن حزم (1/ 32)، ومراتب الإجماع لابن حزم ص / 268.

(2)

القرامطة فرقة من غلاة الشيعة الإسماعيلية، تُنسب إلى رجلٍ من أهل الكوفه يُدعى حمدان قرمط، كان أحد دعاة الإسماعيلية في الابتداء فاستجاب له في دعوته رجال فسموا قرامطة وقرمطية. انظر: فضائح الباطنية ص / 12، والفرق بين الفرق ص / 267.

(3)

الباطنية: لُقِّبوا بذلك لادعائهم أن لظاهر القرآن والحديث بواطن تجري مجرى اللُّب من القشر، وأن من ارتقى في علم الباطن انحط عنه التكليف، وهم فِرق كثيرة، منهم: الإسماعيلية، والقرامطة، والخرمية

وبعض غلاة الصوفية. فضائح الباطنية ص / 11.

ص: 236

التناسخية

(1)

، ولا خلاف في كُفْرِ هؤلاء كلِّهم

(2)

) لتكذيبهم الكتاب والسُّنة وإجماع الأمة.

(ومن قَذَف عائشة رضي الله عنها بما برَّأها الله منه، كَفَرَ بلا خلاف

(3)

) لأنه مكذِّب لنصِّ الكتاب

(4)

.

(ومن سبَّ غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم ففيه قولان

(5)

:

أحدهما: أنه كَسبِّ واحد من الصحابة) لعدم نصٍّ خاصٍّ.

(والثاني -وهو الصحيح-: أنه كقَذْف عائشة رضي الله عنها لقدحه فيه صلى الله عليه وسلم.

(وأما من سَبَّهم

(6)

) أي: الصحابة (سبًّا لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم مثل من وصف بعضهم ببخل، أو جُبْنٍ، أو قِلَّة عِلم، أو عدم زهد ونحوه، فهدا يستحق التأديب والتعزير، ولا يُكفَّر.

وأما من لَعَن وقبَّح مطلقًا، فهذا محل الخلاف، أعني: هل يُكفَّر أو يفسق؟ توقف أحمد

(7)

في كفره وقتْلِه، وقال: يعاقب، ويجلد، ويُحبس حتى يموت، أو يرجع عن ذلك. وهذا هو المشهور من مذهب

(1)

التناسخية: فرق أنكرت البعث والجنة والنار، وزعموا أن الروح بعد الموت تنتقل إلى شخص آخر، وأن الجنة والنار في هذه الأجساد، فأعلى عليين درجة النبوة، وأسفل سافلين دَرَكة الحيَّة. الفرق بين الفرق ص / 253، والملل والنحل (1/ 253).

(2)

الصارم المسلول ص / 576.

(3)

انظر: الصارم المسلول ص / 565 - 566.

(4)

وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ

} إلى قوله: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 11 - 17].

(5)

الصارم المسلول ص / 567.

(6)

الصارم المسلول ص / 586.

(7)

الصارم المسلول ص / 567 - 568.

ص: 237

مالك

(1)

. وقيل: يُكفَّر إن استحله) وتقدم

(2)

بعض ذلك في الباب قبله، ويأتي في الشهادات له تتمة.

(والمذهب: يُعزَّر، كما تقدم أول باب التعزير

(3)

.

وفي "الفتاوى المصرية"

(4)

) لشيخ الإسلام ابن تيمية: (يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين، وتنازعوا هل يُعاقب بالقتل، أو ما دون القتل؟

وقال

(5)

: أما من جاوز ذلك، كمن زعم أنهم) أي: الصحابة (ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلًا لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا، فلا ريب -أيضًا- في كُفْر قائل ذلك، بل مَن شَكَّ في كُفرِه. فهو كافر. انتهى ملخصًا من "الصارم المسلول) على شاتم الرسول"

(6)

.

(ومن أنكر أن يكون أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كَفَر؛ لقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ}

(7)

) فإنكار صُحبته تكذيب لله. قال في "الأنوار"

(8)

للشافعية: ولو قال ذلك لغير أبي بكر لم يكفر، وفيه نظر؛ لأن الإجماع منعقد على صحابية غيره، والنص

(1)

انظر: منح الجليل (9/ 243)، وفيه: مشهور مذهب مالك في هذا [يعني في من سب الصحابة]: الاجتهاد والأدب الموجع.

(2)

(14/ 224).

(3)

(14/ 114).

(4)

مختصر الفتاوى المصرية ص / 479.

(5)

الصارم المسلول ص / 586.

(6)

ص / 565 - 587.

(7)

سورة التوبة، الآية:40.

(8)

الأنوار لأعمال الأبرار، للأردبيلي (2/ 487).

ص: 238

وارد شائع

(1)

.

قال شارحه الأُشْمُوني

(2)

: قلت: وأقل الدرجات أن يتعدَّى ذلك إلى عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم؛ لأن صحابيّتهم

(3)

يعرفها الخاص والعام من النبي صلى الله عليه وسلم، فَنَافِي صحابية أحدهم مكذِّب للنبي صلى الله عليه وسلم.

(وإن جحد وجوب العبادات الخمس) المذكورة في حديث: "بُني الإسلامُ على خمسٍ"

(4)

(أو) جَحَد (شيئًا منها) أي: من العبادات الخمس (ومنها: الطهارة) من الحدثين، كفر.

(أو) جحد (حِلَّ الخُبز، واللَّحْم، والماء، أو أحلَّ الزنى ونحوه) كشهادة الزور واللواط (أو) أحلَّ (ترك الصلاة، أو) جحد (شيئًا من المُحرَّمات الظاهرة المُجمَع على تحريمها، كلحم الخنزير، والخمر، وأشباه ذلك، أو شَكَّ فيه ومثله لا يجهله) كالناشئ في قرى الإسلام (كَفَر) لأنه مُكذِّب لله تعالى ولرسوله وسائر الأمة.

(وإن استحل قَتْلَ المعصومين، وأخذَ أموالهم بغير شُبهة ولا

(1)

من ذلك ما أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، حديث 2540، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه".

(2)

الأشموني هو علي بن محمد الشافعي، أخذ الفقه عن الجلال المحلي والعَلَم البلقيني. من مؤلفاته: شرحه على ألفية ابن مالك وهو مطبوع، وشرحه لكتاب الأنوار للأردبيلي واسمه بسط الأنوار، ولم يطبع، توفي سنة (918 هـ) رحمه الله تعالى. انظر: الضوء اللامع (6/ 5)، وشذرات الذهب (10/ 229)، والبدر الطالع (1/ 491)، ومغني المحتاج (1/ 487، 4/ 339).

(3)

في "ذ": "صحابتهم".

(4)

تقدم تخريجه (2/ 7) تعليق رقم (5).

ص: 239

تأويل، كَفَر) لأن ذلك مجمع

(1)

على تحريمه، معلوم بالضرورة.

(وإن كان) استحلاله لذلك (بتأويل كالخوارج، لم يُحكم بكفرهم مع استحلالهم دماءَ المسلمين وأموالهم متقربين بذلك إلى الله تعالى، وتقدم) الكلام عليهم (في المحاربين) صوابه: في قتال أهل البغي

(2)

.

(والإسلام) لغة: الخضوع والانقياد.

وشرعًا: (شهادة أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحَجَّ البيت مع الاستطاعة، وصوم رمضان) لحديث جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، وهو في "الصحيحين"

(3)

.

والإيمان: التصديق بما عُلم مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به من عند الله، إجمالًا فيما علم إجمالًا، وتفصيلًا فيما علم تفصيلًا.

وقيل: التصديق بذلك والإقرار

(4)

.

وعلى الأول: الإقرار شرط لإجراء أحكام الدنيا. قال في "شرح المقاصد"

(5)

: ويُعتبر في الإقرار لإجراء أحكام الدنيا، أن يكون على وجه الإعلان والإظهار لأهل الإسلام، أي: عدلين منهم، بخلافه لإتمام

(1)

انظر: مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 97).

(2)

(14/ 207 - 110).

(3)

البخاري في الإيمان، باب 35، حديث 50، وفي تفسير سورة لقمان، باب 2، حديث 4777، ومسلم في الإيمان، حديث 9 - 10 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم -أيضًا- في الإيمان، حديث 8، عن عمر رضي الله عنه.

(4)

الصحيح أن الإيمان بمعنى الإقرار والإذعان والإنقياد. أو: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، وهو مذهب أهل السُّنة والجماعة، والقول الأول الذي ذكره المؤلف هو قول الجهمية والأشاعرة. انظر: مجموع الفتاوى (7/ 122) وما بعدها.

(5)

شرح المقاصد في علم الكلام للتفتازاني (5/ 178 - 179).

ص: 240

الإيمان على الثاني؛ فلا يُعتبر فيه ذلك.

(فمن أنكر) أي: جَحَد (ذلك) أي: شهادة أن لا إله إلا الله، وما ذكر بعدها (أو) جَحَد (بعضَه، لم يكن مسلمًا) لما تقدم.

(ومن ترك شيئًا من العبادات الخمس تهاونًا، فإن عزم على ألا يفعله أبدًا)، يعني الحج. قال في "المحرر": إذا ترك تهاونًا فرض الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج، بأن عزم ألا يفعله أبدًا، أو أخَّره إلى عام يغلب على الظن موته قبله (اسْتُتِيب عارفٌ وجوبًا، كالمرتد) ثلاثة أيام، وضُيِّق عليه، ودُعِي إلى ذلك (وإن كان جاهلًا؛ عُرِّف) وجوب ذلك (فإن أصرَّ، قُتِل حدًّا، ولم يُكفَّر) قال في "المبدع": ولا شَكَّ أن تارك الشهادتين تهاونًا كافر بغير خلاف نعلمه في المذهب، وأما بقية ذلك فكما ذكره (إلا بالصلاة إذا دُعِي إليها) من الإمام أو نائبه (وامتنع) حتى تضايق وقت الذي بعد التي دُعي إليها عن فعلها (أو بـ) ـترك (شرط أو رُكنٍ) للصلاة (مجمَعٍ عليه، فَيُقتل كُفرًا) بعد الاستتابة (وتقدم في كتاب الصلاة) بأوضح من هذا

(1)

.

(ومن شُفع عنده في رجل، فقال) المشفوع عنده: (لو جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم يشفع فيه ما قَبِلت منه، إن تاب بعد القدرة عليه؛ قُتِل، لا) إن تاب (قبلها) أي: القدرة عليه، كالمحارب (في أظهر قولي العلماء؛ قاله الشيخ

(2)

).

(1)

(2/ 23 - 28).

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 443 - 444.

ص: 241

فصل

(ومن ارتدَّ عن الإسلام من الرجال، والنساء) رُوي عن أبي بكر

(1)

، وعلي

(2)

؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من بَدَّل دينه فاقتلوه"

(3)

؛ وقوله

(1)

أخرج ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص / 423، حديث 558، والدارقطني (3/ 114)، والبيهقي (8/ 204)، عن سعيد بن عبد العزيز أن امرأة يقال لها: أم قرفة، كفرت بعد إسلامها، فاستتابها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلم تتب، فقتلها.

قال البيهقي: قال الشافعي: فما كان لنا أن نحتج به إذ كان ضعيفًا عند أهل العلم بالحديث. قال البيهقي: ضعفه في انقطاعه، وقد رويناه من وجهين مرسلين.

وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 459): لكن قيل: إن سعيدًا هذا لم يدرك أبا بكر، فيكون منقطعًا.

وأخرج البيهقي (8/ 204) -أيضًا- من طريق سعيد بن منصور، ثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك الدمشقي، حدثني أبي، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، قتل امرأة -يقال لها أم قرفة- في الردة. ثم قال البيهقي: وروي ذلك عن يزيد بن أبي مالك، عن شهر بن حوشب، عن أبي بكر رضي الله عنه. وعللهما بالانقطاع كما تقدم.

(2)

أخرج الدارقطني (3/ 120)، من طريق عمر بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، قال: كل مرتد عن الإسلام مقتول؛ إذا لم يرجع، ذكرًا أو أنثى.

وروى عنه (3/ 200) -أيضًا- من طريق عمرو بن عاصم، عن حماد بن سلمة، حدثنا قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي رضي الله عنه، قال: المرتدة تستأنى، ولا تقتل، وقال: خلاس عن علي لا يحتج به لضعفه.

وأخرجه ابن أبي شيبة (12/ 277)، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن خلاس، عن علي رضي الله عنه في المرتدة: تستاب، وقال حماد: تقتل.

(3)

تقدم تخريجه (14/ 225) تعليق رقم (4).

ص: 242

- صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزَّاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه

(1)

.

ولأنه فِعْلٌ يوجب الحدَّ، فاستوى فيه الرجل والمرأة، كالزنى.

وما رُوي أن أبا بكرٍ استرَقَ نساء بني حنيفة

(2)

، فمحمولٌ على أنه لم يتقدم لهنَّ إسلام.

وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة

(3)

، فالمراد به الأصلية، بدليل أنه لا يقتل الشيوخ، ولا المكافيف بالكفر الأصلي، بخلاف الردة.

(وهو بالغ عاقل) لأن الطفل الذي لا يعقل، والمجنون، ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو شُرْب مباح، لا تصح ردَّته، ولا حكم لكلامه.

والمميز -وإن صحَّت ردَّته- لا يُقتل إلا بعد البلوغ والاستتابة؛ لحديث: "رُفعَ القلم عن ثلاث"

(4)

.

(مختارٌ) لقوله تعالى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}

(5)

.

(دُعي إليه) أي: الإسلام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالاستتابة؛ رواه الدارقطني

(6)

(ثلاثة أيام وجوبًا، وضُيِّق عليه) فيها (وحُبِسَ، فإن تاب،

(1)

البخاري في الديات، باب 6، حديث 6878، ومسلم في القسامة، حديث 1676، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

ذكره الواقدي في كتاب الردّة ص / 79، رقم 121. وانظر: الدراية لابن حجر (2/ 135).

(3)

تقدم تخريجه (7/ 51) تعليق رقم (2).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 - 3).

(5)

سورة النحل، الآية:106.

(6)

(3/ 118 - 119). وأخرجه -أيضًا- ابن عدي (4/ 1530)، والبيهقي (8/ 203)، والخطيب في تاريخه (6/ 198)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 337 - 338) حديث 1854 - 1855 عن جابر رضي الله عنه، أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن =

ص: 243

(وإلا؛ قُتِلَ) لما روى محمد بن عبد الله بن عبد القارِي، قال:"قَدِمَ رجلٌ على عُمر من قِبَلِ أبي موسى، فسألَهُ عن النَّاس، فأخْبره، فقال: هل من مُغَرِّبةِ خبَرٍ؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ما فعلتُم به؟ قال: قَرَّبناهُ فضربنا عنقه، قال عمر: هَلَّا حَبَسْتُمُوه ثلاثًا، وأطعَمْتُمُوه كل يوم رغيفًا، واستتبْتُموه، لعله يتوب ويراجع أمر الله عز وجل، اللهم إني لم أرْضَ ولم أحْضُرْ، ولم أرْضَ إذْ بلغني" رواه مالك

(1)

.

= الإسلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام فإن رجعت، وإلا قتلت. وزاد ابن عدي، والبيهقي في رواية، وابن الجوزي: فعرض عليها، فأبت أن تسلم، فقتلت.

قال البيهقي: في هذا الإسناد بعض من يجهل.

وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: هذا يوهم أنه ليس في الإسناد إلا هذا، وفيه مع من يجهل آخر متكلم فيه وهو عبد الله بن عطارد بن أذينة نسب إلى جده، قال ابن عدي [4/ 1530]: منكر الحديث. وساق له أحاديث منكرة عنها هذا الحديث.

وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 458): عبد الله بن أذينة جرحه ابن حبان، فقال: لا يجوز الاحتجاج به. وقال الدارقطني في المؤتلف والمختلف: متروك. ا هـ.

وضعَّف إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 49).

وأخرج الدارقطني (3/ 118)، من طريق محمد بن عبد الملك الأنصاري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ارتدت امرأة يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت. ضعفه البيهقي (8/ 203).

وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 258): محمد بن عبد الملك هذا قال أحمد وغيره. فيه: يضع الحديث.

(1)

في الموطأ (2/ 737). وأخرجه -أيضًا- الشافعي في الأم (1/ 258)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 87)، وعبد الرزاق (10/ 164) رقم 18695، وسعيد (2/ 241 - 242) رقم 2585 - 2586، وابن أبي شيبة (10/ 137، 12/ 272، 13/ 33)، والبيهقي (8/ 206 - 207)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 257) رقم 16620، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 307).

قال الشافعي في الأم (1/ 258): من قال: لا يتأنى به، زعم أن الحديث الذي روي عن عمر:"لو حبستموه ثلاثًا" ليس بثابت؛ لأنه لا يعلمه متصلًا. =

ص: 244

فلو لم يجب لما برئ من فعلهم؛ ولأنه أمكن استصلاحه، فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه، كالثوب المتنجِّس؛ ولأن الثلاث مدة يتكرَّر فيها الرأي ويتقلب النظر، فلا يحتاج إلى أكثر منها.

ويكون القتل (بالسيف) لحديث: "إذا قَتلْتُم فأحسِنُوا القِتْلَةَ"

(1)

.

= وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (8/ 207): أخرج هذا الأثر عبد الرزاق عن معمر، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة، كلاهما عن محمد بن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، عن أبيه، فعلى هذا هو متصل لأن عبد الرحمن بن عبدٍ سمع عمر. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 457): إسناد جيد.

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 50): تنبيه: قوله: "من مغربة" يقال بكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما، معناه: هل من خبر جديد جاء من بلاد بعيدة، وقال الرافعي: شيوخ الموطأ فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها.

وقال البيهقي: قد روي في التأني به [يعني المرتد] حديث آخر عن عمر رضي الله عنه بإسناد متصل.

قلنا: يعني به ما أخرجه عبد الرزاق (10/ 165) رقم 18696، وسعيد بن منصور (2/ 243) رقم 2587، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 191)، والبيهقي (8/ 207)، من طريق الشعبي عن أنس رضي الله عنه، قال: بعثني أبو موسى بفتح تستر إلى عمر رضي الله عنه، فسألني عمر -وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين- فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال: فأخذت في حديث آخر لأشغله عنهم، فقال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قلت: يا أمير المؤمنين قوم ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل. فقال عمر: لأن أكون أخذتهم سلمًا أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء. قال: قلت: يا أمير المؤمنين وما كنت صانعًا بهم لو أخذتهم؟ قال: كنت عارضًا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت فهم، وإلا استودعتهم السجن.

صححه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 191)، وابن كثير في مسند الفاروق (2/ 458).

(1)

تقدم تخريجه (2/ 25) تعليق رقم (2).

ص: 245

(إلا رسول الكفار إذا كان مرتدًّا) فلا يُقتل (بدليل رسولي مُسيلِمة) -بكسر اللام- الكذَّاب، وتقدم ذكر قصتهما في الجهاد

(1)

.

(ولا يقتله إلا الإمامُ أو نائبه، حرًّا كان المرتدُّ أو عبدًا) لأنه قتلٌ لحقِّ الله تعالى، فكان إلى الإمامُ أو نائبه، كقتل الحرِّ.

ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الحدود على ما ملكَتْ أيمانكمْ"

(2)

؛ لأن قتل المرتدِّ لكفره لا حدًّا.

(ولا يجوز أخذ فِداءٍ عنه) أي: عن المرتدِّ، بل يُقتل بعد الاستتابة؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:"من بَدَّل دينه فاقتُلُوهُ"

(3)

.

(وإن قتله) أي: المرتدَّ (غيرُه) أي: غير الإمام ونائبه (بلا إذنه، أساءَ، وعُزِّر) لافتياته على الإمام أو نائبه (ولم يضمن) القاتلُ المرتدَّ؛ لأنه محلُّ غير معصوم (سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها) لأنه مُهْدَرُ الدم في الجملة، وردَّته مُسْتَحقَّةُ

(4)

مبيحة لدمه، وهي موجودة قبل الاستتابة كما هي موجودة بعدها.

(إلا أن يلحق) المرتدُّ (بدار حرب، فلكُلِّ) أحدٍ (قتله) بلا استتابة (وأخذ ما معه من مال) لأنه صار حربيًّا، وما تركه بدارنا معصوم، نص عليه

(5)

.

"تتمة": في "الفنون" في مولود ولد برأسين، فبلغ، ونطق أحدهما

(1)

(7/ 200 - 201) تعليق رقم (1).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 10) تعليق رقم (5).

(3)

تقدم تخريجه (14/ 225) تعليق رقم (4).

(4)

"مستحقة" ليست في "ح" و"ذ".

(5)

مسائل الكوسج (3/ 1104) رقم 623، وأحكام أهل الملل للخلال ص / 449 - 450، رقم 1300، 1303.

ص: 246

بالكفر والآخر بالإسلام: إن كانا نطقا معًا، ففي أيهما يُغَلَّب؟ احتمالان، قال: والصحيح: إن تقدم الإسلام فمرتدّ.

(والطفل الذي لا يعقل، والمجنون، ومن زال عقلُهُ بنوم أو إغماء، أو شُرْب دواء مباح، لا تصح ردَّته ولا إسلامه؛ لأنه لا حُكْمَ لكلامه.

فإن ارتدَّ وهو مجنون، فقتله قاتلٌ، فعليه القَوَد) لأنه قتلَ معصومًا عمدًا عدوانًا.

(وإن ارتدَّ في صِحَّته ثم جُنَّ؛ لم يُقتل في حال جنونه) لأنه غير مُكلَّف (فإذا أفاق) من جنونه (استُتيب ثلاثًا) لما تقدم

(1)

(فإن تاب) تُرك (وإلا) بأن لم يتب (قُتِل) بالسيف كما تقدم

(1)

.

(وإن عَقَلَ الصبي الإسلامَ، صحَّ إسلامه) إذا كان مميزًا؛ لإسلام علي بن أبي طالب وهو صبي

(2)

، وعُدَّ ذلك من مناقبه وسبقه، وقال

(3)

:

(1)

(14/ 244 - 246).

(2)

أخرج ابن أبي شيبة (13/ 52)، عن محمد بن علي بن الحسين قال: أسلم علي وهو ابن سبع سنين.

وأخرج البيهقي (6/ 206)، عن محمد بن إسحاق، عن مجاهد: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أسلم وهو ابن عشر سنين.

وأخرج (6/ 206)، عن شريك قال: أسلم علي وهو ابن إحدى عشرة سنة.

وانظر ما يأتي عن عروة رحمه الله.

(3)

أخرجه البيهقي (6/ 206)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (42/ 521).

قال البيهقي: هذا شائع فيما بين الناس من قول علي رضي الله عنه، إلا أنه لم يقع إلينا بإسناد يحتج بمثله.

وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (8/ 9)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 77) وضعفه.

وانظر: التحقيق لابن الجوزي (2/ 235)، والدراية (2/ 138).

وطرًّا: أي: جميعًا. انظر: لسان العرب (4/ 498) مادة (طرر).

ص: 247

سبَقْتُكُمُ إلى الإسلامِ طُرًّا

صَبِيًّا ما بَلَغْتُ أوَانَ حِلْمي

ويقال

(1)

: هو أول من أسلم من الصبيان، ومن الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن العبيد بلال.

وقال عروة: أسلم عليٌّ والزبير وهما ابنا ثمان سنين

(2)

.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلَّا الله دخل الجنّة"

(3)

. والصبي

(1)

انظر: سنن التِّرْمِذِيّ، كتاب المناقب، باب 21، رقم 3734، والروض الأنف للسهيلي (1/ 284)، وعلوم الحديث لابن الصلاح ص / 300.

(2)

إسلام علي رضي الله عنه وهو ابن ثمان سنين:

أخرجه البُخَارِيّ في التاريخ الكبير (6/ 259)، والطبراني في الكبير (1/ 95) رقم 162، والبيهقي (6/ 206).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 103): فيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وقد اختلفت الرواية في سن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أسلم، كما تقدم آنفًا. انظر: الدراية لابن حجر (2/ 137).

وإسلام الزُّبير رضي الله عنه وهو ابن ثمان سنين:

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 122) رقم 238، والحاكم (3/ 360)، والبيهقي (6/ 208، 367).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 152): رجاله ثقات.

(3)

في هذا المعنى أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البُخَارِيّ في العلم، باب 49، حديث 128، ومسلم في الإيمان، حديث 32، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يشهد أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلَّا حرمه الله على النار.

ومنها ما أخرجه البُخَارِيّ في أحاديث الأنبياء، باب 47، حديث 3435، ومسلم في الإيمان، حديث 28، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله، وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق، وأن =

ص: 248

داخل في ذلك.

ولأن الإِسلام عبادة محضة، فصحَّتْ من الصبي، كالصلاة، والحج.

ولأن الله دعاه إلى دار السلام، وجعل طريقها الإِسلام، فلم يجز منعه من إجابة دعوة الله وسلوك طريقها.

لا يُقال: الإِسلام يوجب عليه الزكاة في ماله، ونفقَةَ قريبه المسلم، وحرمان ميراث قريبه الكافر، وفسخ نكاحه؛ لأن الزكاة نَفْعٌ محضٌ؛ لأنها سبب النماء والزيادة، مُحَصِّنَةٌ للمال، والميراث والنفقة أمر متوهم، وذلك مجبور بحصول الميراث للمسلمِين، وسقوط نفقة أقاربه الكفار، ثم إن هذا الضرر مغمور في جنب ما يحصُل له من سعادة الدنيا والآخرة.

(و) تصح -أيضًا- (ردَّته إذا كان مميزًا) لأن من صحَّ إسلامه صحَّت ردَّته.

(ومعنى عقل الإِسلام: أن يعلم أن اللهَ ربُّه لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله.

فإذا أسلم) المميز (حِيل بينه وبين الكُفَّار، ويتولاه المسلمون) كأولاد المسلمين؛ لأن بقاءه مع الكفار قد يُفضي إلى عوده للكفر.

(ويُدفن في مقابرهم) أي: المسلمين (إذا مات) بعد غَسْلِهِ وتكفينه والصلاة عليه، ويرثه أقاربه من المسلمين؛ لصحة إسلامه.

(فإن قال) المميز (بعده) أي: الإِسلام (لم أدرِ ما قلت، أو قاله كبير، لم يُلتفت إلى قوله) لأنه خلاف الظاهر (وأُجبِر على الإِسلام)

= النار حق، أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء.

ص: 249

كالبالغ إذا أسلم، ثم ارتدَّ عن الإسلام.

(ولا تُقتل المرتدة الحامل حتَّى تضع) كما تقدم في القِصاص

(1)

، والزنى

(2)

.

(ولا) يُقتل (الصغير) إذا ارتدَّ (حتَّى يبلغ ويُستتاب بعده ثلاثة أَيام) لأنه قبل البلوغ غير مكلَّف (فإن تاب) خُلِّي سبيله (وإلا؛ قُتِلَ) بالسيف؛ لما تقدم

(3)

.

(قال) الإمام (أَحْمد

(4)

في من قال لكافر: أسلم وخُذْ ألفًا، فأسلم، فلم يعطِهِ) الألفَ (فأبى الإسلام؛ يُقتل) أي: بعد استتابته ثلاثة أيام (وينبغي) للقائل (أن يفي) بما وَعَدَ به.

(وقال) الإِمام أَحْمد

(5)

: (وإن أسلم على صلاتين قُبِلَ منه) الإِسلام (وأمِرَ بالخَمْس) لوجوبها على كل مسلم (ومثله: إذا أسلم على الركوع دون السجود ونحوه) فَيُقبل منه الإِسلام ويؤمر بالركوع والسجود وسائر ما تتوقَّف عليه الصلاة.

(ومن ارتدَّ وهو سكران، صحَّت رِدَّته) كإسلامه؛ لقول علي: "إذا سَكِرَ هذَى، وإذا هَذَى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة"

(6)

فأوجبوا عليه حدَّ الفِرية التي يأتي بها في سُكْره، واعتبروا مظنتها؛ ولأنه يصح طلاقه، فصحَّت ردَّته، كالصاحي.

(1)

(13/ 274).

(2)

(14/ 23).

(3)

(14/ 244 - 246).

(4)

أحكام أهل الملل للخلال ص / 10، رقم 10.

(5)

انظر: أحكام أهل الملل للخلال ص / 48، رقم 116.

(6)

تقدم تخريجه (12/ 184) تعليق رقم (2).

ص: 250

(ولا يُقتل حتَّى يصحو) ليكمل عقلُه، ويفهم ما يُقال له، وتزول شُبهته؛ لأن القتل جُعل للزجر (و) حتَّى (تتم له ثلاثة أيام من حين صَحْوِه، يُستتاب

(1)

فيها) لأن صحوه أول زمنٍ صار فيه من أهل العقوبة (فإن تاب) خُلِّي سبيله (وإلا؛ قُتِل) لردَّته.

(وإن قتله) أي: المرتد (قاتلٌ في حال سُكرِه، أو بعدَه قبل استتابته؛ لم يضمنه) لأنه غير معصوم، لكن يُعَزَّر.

(وإن مات) المرتدُّ (في سُكرِه، أو قُتِل؛ مات كافرًا) لأنه هلك بعد ارتداده وقبل توبته، فلا يُغسل، ولا يُصلَّى عليه، ولا يرثه أقاربهُ من المسلمين.

(وإن أسلم في سُكرِه -ولو أصليًّا- صحَّ إسلامه، ثم يُسأل بعد صحوه، فإن ثبت على إسلامه، فهو مسلم من حين إسلامه) حال سُكره، فيقضي الصلاة من ذلك الوقت.

(وإن كَفَر فهو كافر من الآن) أي: من حين كَفَر

(2)

بعد صحوه، فَيُستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قُتل.

(ولا تُقبل في الدنيا، أي: في الظاهر) بحيث يترك قتلهم وتثبت أحكام الإِسلام في حَقّهم (توبة زنديق -وهو المنافق- وهو من يُظهر الإِسلام ويخفي الكفر) لقوله تعالى: {إلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}

(3)

والزنديق لا يظهر منه على ما يتبين به رجوعه وتوبته؛ لأن الزنديق لا يظهر منه بالتوبة خلاف ما كان عليه، فإنَّه كان ينفي الكفر عن

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 292): "ليستتاب".

(2)

في "ذ": "كفره".

(3)

سورة البقرة، الآية:160.

ص: 251

نفسه قبل ذلك وقلبُه لا يُطَّلع عليه، فلا يكون لما قاله حُكم؛ لأن الظاهر من حاله أنَّه إنما يستدفع القتل بإظهار التوبة في ذلك.

والمشهور على ألسنة النَّاس أن الزنديق: هو الذي لا يتمسَّك بشريعة، ويقول بدوام الدهر، والعرب تُعبّر عن هذا بقولهم: مُلْحِد، أي: طاعن في الأديان.

(وكالحلولية

(1)

، والمباحية

(2)

، وكمن يُفَضِّلُ متبوعه على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أو) يعتقد (أنَّه إذا حصلت له المعرفة والتحقيق، سقط عنه الأمرُ والنهيُ، أو) يعتقد (أن العارف المحققَ يجوز له التديُّن بدين اليهود

(1)

الحلولية: فرقة انحدرت من النصرانية، وهي طوائف ثلاث: الأولى: النصارى القائلين بحلول الله تعالى في عيسى عليه الصلاة والسلام، ومن ثم في أئمتهم.

الثانية: غلاة الشيعة.

الثالثة: بعض المتصوفة القائلين بحلول الله تعالى في بعض العارفين، ومنها هذه الفرقة القائلين بإباحة النظر إلى النساء والمُرْد في حالة الرقص والطرب بزعمهم أنها صفة من صفات الله تعالى حلت عليهم، ولا يميزون بين الحلال والحرام، وتركوا العبادات بحجة أنهم قائمون بالحق يجرى عليهم أحكامه فارتفعت عنهم الأحكام البشرية. انظر: الاستقامة لابن تيمية (1/ 113 - 114)، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 709).

(2)

تعود جذور هذه الطائفة إلى ما قبل الإسلام، وتنقسم إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول: المزدكية، وهؤلاء قبل الإسلام، استباحوا المحرمات، وزعموا أن الناس شركاء في الأموال والنساء.

الصنف الثاني فرقتان: البابكية: أتباع بابك الخرمي، الذي ظهر بأذربيجان، والمازيارية: أتباع مازيار الذي ظهر بجرجان، وتسميان بالمحمرة، استباحوا المحرمات وقتلوا الكثير من المسلمين.

الصنف الثالث: فرقة من المتصوفة، زعموا أنَّهم لا قدرة لهم على الطاعة ولا على ترك المعاصي، وأن الجميع مشتركون في الأموال والنساء.

انظر: الفرق بن الفرق للبغدادي ص / 251، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 79).

ص: 252

والنصارى، ولا يجب عليه الاعتصام بالكتاب والسُّنة، وأمثال هؤلاء) الطوائف المارقين من الدِّين، فلا تُقبل توبتهم في الظاهر، كالمنافق.

(ولا) يُقبل

(1)

-أَيضًا- في الظاهر توبة (من تكرَّرت رِدَّته) لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}

(2)

؛ وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}

(3)

والازدياد يقتضي كفرًا متجددًا، ولابُدَّ من تقديم

(4)

إيمان عليه؛ ولما روى الأثرم بإسناده، عن طيبان

(5)

بن عمارة، أنَّ ابن مسعود أُتِي برَجل، فقال له:"إنه قد أُتي بك مرَّةَ فزعمت أنك تُبْتَ، وأراك قد عُدْتَ، فقَتله"

(6)

؛ ولأن تكرار الردَّة منه

(1)

في "ذ": "ولا تقبل".

(2)

سورة النساء، الآية:137.

(3)

سورة آل عمران، الآية:90.

(4)

في "ذ": "تقدم".

(5)

"طيبان" كذا في الأصول، وفي المغني (12/ 269) والمبدع (9/ 179):"ظبيان" وهو الصواب، انظر: الجرح والتعديل (4/ 502).

(6)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع، ولم نقف على من رواه مسندًا بهذا السياق، وفي المغني (12/ 269 - 270): روى الأثرم، بإسناده، عن ظبيان بن عمارة، أن رجلًا من بني سعد مرَّ على مسجد بني حنيفة فإذا هم يقرؤون برجز مُسيلِمة، فرجع إلى ابن مسعود رضي الله عنه، فذكر ذلك له، فبعث إليهم فأتي بهم، فاستتابهم فتابوا، فخلوا سبيلهم إلَّا رجلًا منهم يقال له ابن النواحة، قال: قد أُتيت بك مرة فزعمت أنك قد تبت وأراك قد عدت. فقتله.

وأخرج هذه القصة أبو داود في الجهاد، باب 166، حديث 2762، والنسائي في الكبرى (5/ 205) حديث 8675، وعبد الرَّزّاق (10/ 169) رقم 18708، وابن أبي شيبة (12/ 268 - 269)، وأَحمد (1/ 404)، والطحاوي (3/ 211 - 212)، والشاشي في مسنده (2/ 181 - 182) رقم 746 - 748، والطبراني في الكبير (9/ 195) رقم 8960، والحاكم (3/ 53)، والبيهقي (6/ 77، 8/ 206)، من طرق =

ص: 253

يدل على فساد عقيدته، وقِلة مبالاته بالدين.

(أو سبَّ الله، أو رسولَه صريحًا، أو تنقَّصه) لأن ذنبه عظيم جدًّا، يدل منه على فساد عقيدته، واستخفافه بالله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم.

(ولا الساحر الذي يكفُر بسحره) لما روى جُندُب بن عبد الله

(1)

، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حَدُّ الساحِرِ ضَرْبُهُ بالسّيف" رواه الدراقطني

(2)

. فسماه حدًّا، والحدُّ بعد ثبوته لا يسقط بالتوبة؛ ولأنه لا

= وألفاظ مختلفة، ولفظ أبي داود: عن حارثة بن مضرب أنَّه أتى عبد الله، فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حِنة، وإني مررت بمسجد لبني حنيفة، فإذا هم يؤمنون بمسيلمة، فأرسل إليهم عبد الله، فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة، قال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أنك رسول لضربت عنقك، فأنت اليوم لست برسول، فأمر قرظة بن كعب، فضرب عنقه في السوق. صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

(1)

كذا في الأصول "جندب بن عبد الله" وفي سنن الدارقطني وغيره جندب الخير، وجندب الخير قال فيه ابن حجر في التقريب (984): مختلف في صحبته، يقال: ابن كعب، ويقال: ابن زهير؛ ذكره ابن حبان في ثقات التابعين.

(2)

(3/ 114). وأخرجه -أيضًا- التِّرْمِذِيّ في الحدود، باب 27، حديث 1460، وفي العلل الكبير ص / 237، حديث 430، وابن أبي عاصم في الديات ص / 70، حديث 261، وابن قانع في معجم الصَّحَابَة (1/ 144)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص / 485، وابن عدي (1/ 282)، والحاكم (4/ 360)، والبيهقي (8/ 136)، والمزي في تهذيب الكمال (5/ 147 - 148)، من طريق أبي معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن جندب الخير مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلَّا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يُضعَّف في الحديث

والصحيح عن جندب موقوف.

وقال في العلل: سألت محمدًا [البخاري] عن هذا الحديث فقال: هو لا شيء، وإنما رواه إسماعيل بن مسلم. وضعف إسماعيل بن مسلم المكي جدًّا. =

ص: 254

طريق لنا إلى إخلاصه في توبته؛ لأنه يُضْمِرُ السحرَ ولا يجهر به، فيكون إظهاره للإسلام

(1)

والتوبة خوفًا من القتل مع بقائه على تلك المفسدة.

(ويقتلون بكل حال)"لأن عليًّا أُتِي بزنادقة فسألهم، فجحدوا، فقامت عليهم البينة، فقتلهم ولم يَسْتَتِبْهم" رواه أَحْمد في "مسائل عبد الله"

(2)

.

(وأما في الآخرة فمن صدَقَ منهم في توبته؛ قُبِلت باطنًا) ونفعه ذلك.

(و‌

‌من أظهر الخيرَ، وأبطن الفسقَ، فـ) ـهو (كالزنديق

في توبته) فلا تُقبل توبته ظاهرًا؛ لأنه لم يظهر منه بالتوبة خلاف ما كان عليه من إظهار الخير.

= وقال البيهقي: إسماعيل بن مسلم ضعيف. وضعفه -أَيضًا- الحافظ في الفتح (10/ 236)، وفي إتحاف المهرة (4/ 92).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وإن كان الشيخان تركا حديث إسماعيل بن مسلم فإنَّه غريب صحيح.

وأخرجه الطَّبْرَانِيّ في الكبير (2/ 161) رقم 1665 - 1666، من طريق إسماعيل بن مسلم وخالد العبد، عن الحسن، عن جندب بن عبد الله البجلي، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ في الإصابة (2/ 108): أخرج الطَّبْرَانِيّ حديث حد الساحر في ترجمة جندب بن عبد الله البجلي والصواب أنَّه غيره.

وأخرجه عبد الرزاق (10/ 184) رقم 18752، ومن طريقه ابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 396)، عن ابن عيينة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن مرسلًا.

(1)

في "ذ": "إظهار الإِسلام".

(2)

لم نقف عليه في مظانه من مسائل عبد الله المطبوعة، وأخرجه الخلال في أحكام أهل الملل من الجامع (2/ 256) رقم 1339، عن عبد الله، به.

ص: 255

(ومن كفر ببدعةٍ) من البِدَع (قُبِلت توبته، ولو) كان (داعيَة) إلى بدعته، كغيره من المرتدين.

(وتُقبل توبة القاتل) لعموم حديث: "التائبُ من الذَّنْبِ كمن لا ذنْب له"

(1)

.

(فلو اقتُصَّ منه، أو عُفي عنه) من المجنيّ عليه، أو من وليِّ الجناية (فهل يطالبه المقتول في الآخرة؟ فيه وجهان.

قال ابن القيم

(2)

: والتحقيق أن القتل يتعلَّق به ثلاثة حقوق: حَقّ لله تعالى، وحقّ للمقتول، وحق للوليِّ) أي: الوارث للمقتول (فإذا أسلم القاتل نفسه طوعًا واختيارًا إلى الولي ندمًا على ما فعل، وخوفًا من الله، وتوبة نصوحًا، سقط حقُّ الله تعالى بالتوبة وحقّ الأولياء بالاستيفاء، أو الصُّلح، أو العفو) عنه (وبقي حقُّ المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب، ويصلح بينه) أي: القاتل التائب (وبينه) أي: المقتول.

قال في "الآداب الكبرى"

(3)

: وقبول التوبة فضل من الله تعالى ولا يجب عليه، ويجوز ردُّها، وتوبة الكافر من كفره قبولها مقطوع به؛ جزم به في "شرح مسلم"

(4)

وغيره. وسبق قول ابن عقيل: إنه لا يجب، ويجوز ردُّها، وتوبة غيره تحتمل وجهين، ولم أجد المسألة في كلام أصحابنا. وذكر في "شرح مسلم" (

(4)

) أن فيها خلافًا لأهل السنة في القطع والظن، واختيار أبي المعالي الظن، وأنه أصح.

(1)

تقدم تخريجه (14/ 190) تعليق رقم (3).

(2)

الجواب الكافي ص / 223.

(3)

الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 145، 148).

(4)

شرح مسلم للنووي (17/ 60).

ص: 256

فصل

(وتوبةُ المرتدِّ) إسلامُه (و) توبةُ (كلِّ كافر، موحِّدًا كان) أي: مقرًّا لله بالوحدانية (كاليهود

(1)

، أو غير موحِّد، كالنصارى والمجوس

(2)

وعبدة الأوثان: إسلامُه بأن يشهد أن لا إله إلَّا الله؛ وأن محمدًا رسولُ الله).

لحديث ابن عمر: "أُمرتُ أن أُقاتل النَّاس حتَّى يشْهدوا أن لا إله إلَّا الله؛ وأنَّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتُوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإِسلام، وحسابهم على الله عز وجل" متفق عليه

(3)

. وهذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي، فكذا المرتد.

قال ابن القيم في "الطرق الحكمية"

(4)

في الطريق الثاني والعشرين: ولا يفتقر في صحة الإِسلام أن يقول الداخل فيه: أشهد أنْ لا إله إلَّا الله؛ وأشهد أن محمدًا رسول الله، بل لو قال؛ لا إله إلَّا الله؛ مُحَمَّد رسول الله؛ كان مسلمًا بإتفاق، فقد قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"أُمرت أن أقاتل النَّاس حتَّى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله؛ وأن محمدًا رسول الله"

(5)

، فإذا تكلموا بقول: لا إله إلا الله، فقد حصلت لهم العصمة، وإن لم يأتوا بلفظ: أشهد.

(ولا يُكشف عن صحة ردَّته) لأنه يمكن أن يكون يجحد

(1)

في "ذ": "كاليهودي".

(2)

في "ذ": "كالنصراني والمجوسي".

(3)

تقدم تخريجه (5/ 79 - 80) تعليق رقم (1).

(4)

ص / 171.

(5)

تقدم تخريجه (5/ 79 - 80) تعليق رقم (1).

ص: 257

الوحدانية، أو رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.

(ولا يُكلف الإقرار بما نُسِب إليه) أي: بما شهدت به البينة عليه من الردة؛ لصحة الشهادتين من مسلم ومرتد، بخلاف توبته من بِدعة، فلابُدَّ من اعترافه بالبدعة.

(ولا يُشْترط إقراره بما جَحَده) من الرَّدة بعد إتيانه بالشهادتين؛ لأنه لا حاجة -مع ثبوت إسلامه- إلى الكشف عن صحة ردَّته.

(ويكفي) في التوبة (جحده لرِدَّته بعد إقراره بها) كرجوعه عن إقرارٍ بحدٍّ.

و (لا) يكفي جحوده لردَّته (بعد بينة) شهدت عليه بها (بل يُجدد إسلامه) بإتيانه بالشهادتين؛ لأن جَحْد الردَّة تكذيبٌ للبينة، فلم يُقبل منه، كسائر الدعاوى.

(ولا يُعزَّر) من جَحَد الرِّدَّة بعد أن شَهِدت بها البينةُ عليه وأتى بالشهادتين؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله؛ وترغيبًا له في الإسلام.

(فإن لم يفعل) أي: يُجدِّد إسلامه (اسْتُتيب) ثلاثه أيام، كسائر المرتدين (فإن تاب) تاب الله عليه (وإلا) أي: وإن لم يتب (قُتِل) لرِدَّته.

(لكن إن كانت ردَّته) أي: المرتد (بإنكار فرْضٍ، أو إحلال مُحرَّم، أو جَحْد نبيٍّ، أو) جَحْد (كتاب، أو) جَحْد (شيء منه، أو) كانت رِدَّته (إلى دين من يعتقد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم بُعث إلى العرب خاصة؛ فلا يصح إسلامه حتى يُقرَّ بما جحده) لأن ردَّته بجحده، فإذا لم يُقر بما جَحده بقي الأمرُ على ما كان عليه من الرِّدة الموجبة لتكفيره.

(و) إذا كانت ردَّته باعتقاد أن محمدًا بُعث إلى العرب خاصة، فلا

ص: 258

بُدَّ وأن (يشهد بأن

(1)

محمدًا صلى الله عليه وسلم بُعث إلى العالمين) أي: الإنس والجن، قال بعضهم

(2)

: والملائكة.

ولابُدَّ أن يقول مع ذلك كلمة الشهادتين، ولا يكفي فيه مجرّد إقراره بما جحده.

(أو يقول: أنا بريء من كل دين يُخالِف الإسلام، مع الإتيان بالشهادتين).

ولا يُكتفى منه بالشهادتين؛ لأنه يحتمل أن يريد بهما ما يعتقده.

(ولا يُغني قوله: محمد رسول الله، عن كلمة التوحيد) لأن من جحد شيئين لا يزول جحده إلا بإقراره بهما جميعًا.

قال في "الفروع": ويتوجّه احتمال: يكفي التوحيد ممن لا يُقِرُّ به.

(وإن قال الكافر: أشهد أن النبي رسول) الله (لم يُحكم، بإسلامه؛ لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا) محمد صلى الله عليه وسلم.

(وقوله) أي الكافر: (أنا مُسلِم، أو) قوله: (أسلمتُ، أو) قوله: (أنا مؤمن، أو: أنا بريءٌ من كلِّ دِين يُخالِف دِينَ الإسلام؛ توبةٌ، أصليًّا كان) الكافر (أو مرتدًّا) ويُجبر على الإسلام (قد علِم ما يُراد منه، وإن لم يأتِ بالشهادتين) لما روى المقداد أنه قال: "يا رسول الله، أرأيتَ لو لقيتُ رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعَها، ثم لاذَ مِنِّي بشجرةٍ، فقال: أسلمْتُ، أفأقْتُلهُ يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: لا تَقْتُلْهُ" رواه مسلم

(3)

.

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 294): "أن".

(2)

منهم: الفراء وأبو عبيد، انظر: تفسير القرطبي (1/ 138).

(3)

في الإيمان. حديث 95. وأخرجه -أيضًا- البخاري في المغازي، باب 12، حديث 4019، وفي الديات، باب 1، حديث 6865.

ص: 259

ولأن ذلك اسم لشيءٍ معلوم، وهو الشهادتان، فإذا أخبر به فقد أخبر بذلك الشيء.

وذكر الموفَّقُ والشارح احتمالًا، أن هذا في الكافر الأصلي أو جاحد الوحدانية، أما من كَفَر بجحد نبيٍّ، أو كتاب، أو فريضة ونحوه، فلا يصير مسلمًا بهذا؛ لأنه اعتقد الإسلام ما هو عليه، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم مسلمون، ومنهم مَن هو كافر.

(وقال أبو يعلى الصغير) في "مفرداته": (لا خلاف أن الكافر لو قال: أنا مسلم، ولا أنطق بالشهادتين، لم يُحكم بإسلامه.

وفي "الانتصار": لو كتب الشهادة) أي: شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله (صار مسلمًا) وجزم به في "المنتهى" وغيره؛ لأن الخط كاللفظ، فإن قال بعد ذلك: لم أُرِد الإسلام؛ صار مرتدًّا، ويُجبر على الإسلام، نص عليه

(1)

.

(ولو أُكره ذميٌّ، أو) أُكره (مستأمن على إقراره به) أي: بالإسلام (لم يصح؛ لأنه ظُلْم) فلا يُحكم بإسلامه (حتى يوجد منه ما يدلُّ على إسلامه طوعًا، مثل أن يثبت على الإسلام بعد زوال الإكراه) فَيُحكم بإسلامه من حين زوال الإكراه وثبوته على الإسلام.

(وإن مات قبل ذلك) أي: قبل زوال الإكراه (فحكمه حكم الكُفَّار) في أنه لا يُغسَّل، ولا يُصلَّى عليه، ولا يرثه أقاربه المسلمون.

(وإن رجع) الذمي، أو المستأمن بعد إكراهه على الإسلام (إلى الكُفْر؛ لم يَجُزْ قتله ولا إكراهه على الإسلام) لأنه ليس بمرتدٍّ؛ لعدم

(1)

انظر: مسائل أبي داود ص / 306، رقم 1365، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 312).

ص: 260

صحة إسلامه ابتداءً.

(بخلاف حربي ومرتد، فإنه يصح إكراههما عليه) أي: على الإسلام.

(ويصح) إسلامه (ظاهرًا) لحديث: "أُمرت أن أُقاتل النّاس"

(1)

خصّ منه أهل الكتابين والمجوس إذا أعطوا الجِزية، والمستأمن؛ لأدلة خاصة

(2)

، وبقي ما عدا ذلك على الأصل.

(فإن مات) الحربيُّ أو المرتد (قبل زوال الإكراه) عنه (فحكمه حكم المسلمين) لصحة إسلامه مع الإكراه، بخلاف الذمي والمستأمن.

(وفي الباطن: إن لم يعتقد) الحربيُّ أو المرتد (الإسلامَ بقلبه، فهو باقٍ على كُفْره باطنًا، ولا حَظَّ له في الإسلام) لأن الإيمان: هو التصديق بما علم مجيء الرسول به، ولم يوجد منه.

(وإن أتى الكافر بالشهادتين، ثم قال: لم أُرِد الإسلام؛ صار

(1)

تقدم تخريجه (5/ 79 - 80) تعليق رقم (1).

(2)

منها قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29].

ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].

ومنها: ما أخرجه البخاري في الجزية والموادعة، باب 1، رقم 3159، من حديث جبير بن حيَّة، وفيه قول المغيرة بن شعبة لجند كسرى يوم نهاوند: فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية.

ومنها: ما أخرجه مسلم في الجهاد والسير، حديث 1731، عن بريدة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّرَ أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ثم قال: وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلات خصال أو خلال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.

ص: 261

مرتدًّا، ويُجبر على الإسلام، نصًّا

(1)

) لأنه قد حكم بإسلامه، فلم يُقبل رجوعه، كما لو طالت مدته.

(وإذا صلَّى) الكافر (أو أذَّنَ، حُكِم بإسلامه، أصليًّا كان أو مرتدًّا، وسواء صلَّى (جماعة أو فُرادى، بدار الإسلام أو الحرب.

ولا يثبت) الإسلام (بالصلاة حتى يأتي بصلاة يتميز بها عن صلاة الكُفَّار، من استقبال قِبلتنا، والركوع والسجود، فلا تحصُل بمجرَّد القيام) لأنهم يقومون في صلاتهم، وتقدم ذلك موضحًا في كتاب الصلاة

(2)

.

(وإن صام) كافر (أو زكَّى، أو حجَّ، لم يُحكم بإسلامه بمجرَّد ذلك) لأن الكُفَّار كانوا يَحجُّون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى منعهم

(3)

، والزكاة صدقة، وهم يتصدقون، ولكل أهل دين صيام، بخلاف الصلاة فإنها أفعال تتميز عن أفعال الكفار، ويختصُّ بها أهل الإسلام.

(فلو مات المرتدُّ، فأقام وارثه بيّنة أنه صلَّى بعد ردَّته، حُكم بإسلامه، وورثه المسلم) من ورثته؛ للحكم بإسلامه بصلاته (إلا أن يثبت أنه ارتدَّ بعد صلاته، أو تكون ردَّته بجَحْدِ فريضة، أو كتاب، أو نبيٍّ، أو مَلَك) من الملائكة (ونحو ذلك من البدع، فلا يُحكم بإسلامه بالصلاة)

(1)

مسائل أبي داود ص / 226، والسنة للخلال (3/ 567) رقم 970، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 312).

(2)

(2/ 15 - 16).

(3)

أخرج البخاري في الصلاة، باب 10، حديث 369، وفي الحج، باب 67، حديث 1622، وفي الجزية والموادعة، باب 16، حديث 3177، وفي المغازي، باب 66، حديث 4363، وفي تفسير سورة براءة، باب 2 - 4، حديث 4655 - 4657، ومسلم في الحج، حديث 1347، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّرهُ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان واللفظ لمسلم.

ص: 262

لأنه يعتقد وجوب الصلاة ويفعلها مع كُفْرِه.

(و‌

‌لا يبطل إحصان قَذْفٍ ورَجْمٍ

(1)

برِدَّة)

أي: إذا كان محصنًا وارتدَّ لم يزل إحصانه بردته (فإن أتى بهما) بأن زنى أو قذف (بعد إسلامه؛ حُدَّ) للزنى والقذف، وكذا لو قُذف بعد إسلامه حُدَّ قاذفه؛ لأنه ثبت له حكم الإحصان، والأصل بقاء ما كان على ما كان عليه.

(ويُؤْخَذُ بحدِّ فعَلَه في رِدَّته، نصًّا

(2)

) كما لو زنى في ردَّته ثم تاب، فإنه يُحدُّ للزنى (كـ) ــــــــــما يؤْخذ بحدٍّ فعله (قبلها) أي: قبل ردَّته (فمتى زنى) وهو مُحصَن (رُجِم.

ولا تبطلُ عباداته التي فعلها في إسلامه، مِن صلاة، وحَجٍّ وغيرهما، إذا عاد إلى الإسلام) لأنه فعلها على وجهها، وبرئت ذِمته منها، فلم تَعُدْ إلى ذمته، كدين الآدمي.

فصل

(ومن ارتدَّ لم يَزُلْ ملكه) لأن الردَّة سببٌ يُبيح دَمَهُ، فلم يزل ملكه بها، كزنى المحصن؛ ولأن زوال العصمة لا يلزم منه زوال الملك، كالقاتل في المحاربة، وأهل الحرب.

(ويملك) المرتدُّ (بأسباب التمليك، كالصيد، والاحتشاش، والاتِّهاب، والشراء، وإيجار نفسه إجارة خاصة) بأن يؤجر نفسه شهرًا أو سنة ونحوها (أو) إجارة (مشتركة) بأن يؤجر لخياطة ونحوها؛ لأن عدم

(1)

في "ذ": "إحصان مرتد".

(2)

انظر: أحكام أهل الملل من الجامع للخلال ص / 448، رقم 1297، والأحكام السلطانية، لأبي يعلى ص / 52، وكتاب التمام لابن أبي يعلى (2/ 201).

ص: 263

عصمته لا يُنافي صحة ذلك، كالحربي.

(ولا يرث) المرتدُّ أحدًا بقرابة ولا غيرها؛ لمباينته لدين مورَّثه؛ لأنه لا يقرُّ على رِدَّته (ولا يُورَث) عنه شيء مما اكتسبه حال الإسلام أو الرِّدة، بل يكون فَيَئًا (ويكون ملكه موقوفًا) فإن أسلم ثبت ملكه، وإن قُتل أو مات كان ماله فيئًا.

(ويُمنع) المرتدُّ (من التصرُّف فيه) أي: في ماله؛ لتعلُق حَقِّ الغير به، كمال المُفلِس، واختار الموفق أنه يُترك عند ثقةٍ (و) يُمنع -أيضًا- (من وطء إمائه إلى أن يُسْلِم) فَيُمكَّن من التصرف في ماله، ووطء إمائه.

(فإذا أسلم عَصَمَ دَمَه وماله) لحديث: "فإذا قالُوها عصموا مني دماءهم وأموالهُم إلا بحق الإسلام"

(1)

(وإن لم يَحكم به) أي: بإسلامه (حاكمٌ) لما تقدم من الخبر.

(ويُنفق منه) أي: من مال المرتد (على مَن تلزمه مؤنته) لأن ذلك واجب بإيجاب الشرع، أشبه الدَّين.

(وتُقضى منه ديونه، وأُروش جناياته ما كان منها بعد الرِّدة، كما قبلها) لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها.

(فإن أسلم) المرتدُّ (أخذه) أي: ماله، إن كان باقيًا (أو) أخذ (بقيته) أي: ما فضل بعد النفقات وقضاء الدين

(2)

(ونَفَذَ تصرفه) الذي كان تصرفه في ردَّته في ماله.

(و‌

‌يضمن) المرتد (ما أتلفه لغيره)

من نفسٍ أو مال (ولو في دار حَرْبٍ) لأن الإتلاف يوجب الضمان على المسلم، فَلأَنْ يوجبه على

(1)

تقدم تخريجه (5/ 79 - 80) تعليق رقم (1).

(2)

في "ح" و"ذ": "الديون".

ص: 264

المرتد أولى.

(وسواء كان المُتلِفُ واحدًا) مرتدًّا (أو جماعة) مرتدين، وسواء (صار لهم مَنَعة أو لا) أي: أو لم يصر لهم مَنَعة وقوة؛ لأنهم أتلفوه بغير تأويل، فأشبهوا أهل الذمة.

(وإن تزوَّج) المرتدُّ لم يصح؛ لأنه لا يُقر على النكاح، كنكاح الكافر مُسلِمة.

(أو زوَّج مَوْلِيّتَه) من نسب وولاء (أو) زوَّج (أمَته؛ لم يصحَّ) النكاح؛ لأن النكاح لا يكون موقوفًا؛ ولزوال ولايته بالردة.

(وإن مات) المرتدُّ (أو قُتِل مرتدًّا، للردة أو غيرها (صار مالُه فيئًا من حين موته) لأنه لا وارث له من المسلمين ولا غيرهم (وبطَلَ تصرُّفه) الذي كان تصرَّفه في رِدَّته، تغليظًا عليه بقطع ثوابه، بخلاف المريض.

(وإن لَحِق) المرتدُّ (بدار حربٍ، فهو وما معه كحربيٍّ لكل أحدٍ قتلُه بغير استتابة، وأخذ ما معه) من ماله

(1)

؛ لأنه صار حربيًّا.

(وما بدارنا من أملاكه، فملكه ثابتٌ فيه، يصير فَيئًا من حين موته) لكونه لا وارث له، كما تقدم.

(وإن لَحِقَ) المرتدُّ (بدار حَرْبٍ، أو تعذَّر قتلُه مدةً طويلةً، فعل الحاكم) في ماله (ما يرى فيه الأحظّ، من بيع حيوانه الدي يحتاج إلى نَفَقةٍ، وإجارةِ ما يرى إبقاءه) من ماله، لولايته العامة.

(ومكاتبه يُؤدِّي إلى الحاكم، ويعتق بالأداء) كما لو أدَّى إليه قبل رِدَّته.

(وإذا ارتدَّ الزوجان ولحقا بدار الحرب، ثم قُدِرَ عليهما؛ لم يجز

(1)

في "ح" و"ذ": "من مال".

ص: 265

استرقاقهما) لأن المرتد لا يُقرُّ على الردة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينهُ فاقتلوه"

(1)

، ولم ينقل أن الذين سباهم أبو بكر

(2)

كانوا أسلموا، ولا ثبت لهم حكم الردَّة.

وقول عليّ

(3)

بسبي المرتد، ضعفه أحمد

(4)

.

(ولا استرقاق أولادهما الذين وُلِدُوا) أو حُمل بهم (في الإسلام) لأنه محكوم بإسلامهم تبعًا لأبويهم قبل الردة، ولا يتبعونهم فيها؛ لأن الإسلام يعلو، وقد تبعوهم في الإسلام، فلا يتبعونهم في الردة.

(ومن لم يُسلِمْ منهم) أي: من أولادهما الذين وُلِدوا، أو حُمل بهم في الإسلام (قُتِل) بعد بلوغه واستتابته؛ لخبر:"من بدَّل دينه فاقتلوه" (

(1)

).

(ولو ارتدَّ أهلُ بلدٍ وجرى في) أي: في ذلك البلد (حكمهم) أي: المرتدين (فدار حربٍ). أي: صاروا حربيين (يجب على الإمام قتالهم، ويغنم مالهم، ويجوز استرقاق من حدث) الحمل به (وولد بعد الردة، وإقراره بجزية) فإن أبا بكر قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة

(5)

؛ ولأن الله تعالى أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه

(6)

، وهؤلاء أحق بالقتال من

(1)

تقدم تخريجه (14/ 225) تعليق رقم (4).

(2)

انظر ما تقدم (14/ 243) تعليق رقم (3).

(3)

أخرجه الدارقطني (3/ 200) وضعفه.

(4)

أخرجه الخلال في أحكام أهل الملل من الجامع ص / 430، رقم 1240.

(5)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 1، رقم 1399 - 1400، وفي استتابة المرتدين، باب 3 رقم 6924 - 6925، وفي الاعتصام، باب 2، رقم 7284 - 7285، ومسلم في الإيمان، حديث 20.

(6)

منها قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12]. =

ص: 266

الكفار الأصليين.

وإذا قاتلهم جاز قَتْل من يقدر عليه منهم، واتباع مدبرهم، والإجهاز على جريحهم.

قلت: إقرار من حدث من أولادهم بعد الردة على جزية إنما يظهر إذا كان على دين من يُقَرُّ بها، كأهل الكتاب والمجوس، وإلا لم يُقرَّ، كما في الدروز، والتيامنة

(1)

، والنُّصَيرية، ونحوهم.

(و‌

‌لا يجري على المرتد رِقٌّ،

رَجُلا كان أو امرأة، لَحِقَ بدار الحرب أو أقام بدار الإسلام) لأنه لا يُقرُّ على الردة؛ لما تقدم.

(ومن وُلد من أولاد المرتدين قبل الرِّدة، أو كان حَمْلًا وقتها) أي: الردة (فمحكومٌ بإسلامه) لما تقدم من أنه يتبع أبويه في الإسلام لا في الرِّدة.

و (لا يجوز استرقاقهم صغارًا) لأنهم مسلمون (ولا كبارًا) لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم بعد كِبَرهم فهم مسلمون، وإن كفروا فهم مرتدّون.

(وبعد البلوغ) إذا ثبتوا على الكفر (يُستتابون كآبائهم) فإن تابوا وإلا قُتِلوا.

(ولا يُقرُّ مرتدٌّ بجزية) لأن الواجب قتله؛ لخبر: "مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه"

(2)

.

(وإذا مات أبوَا الطفل، أو الحَمْل، أو المميز، أو) مات (أحدهما في دارنا على كفره، لا) إن مات (جدّه وجدّته، فَمُسْلِمٌ) لحديث أبي

= وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36].

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123].

(1)

تقدم التعريف بهم (9/ 498) تعليق رقم (2)، و (11/ 353) تعليق رقم (1).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 225) تعليق رقم (4).

ص: 267

هريرة مرفوعًا: "ما من مولودٍ يولد إلا على الفطرة، فأبواهُ يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجسانه، كما تُنْتَجُ البهيمةُ جَمعاء، هل تحسُّون فيها من جَذَعة

(1)

؟ " ثم يقول أبو هريرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا}

(2)

؛ متفق عليه

(3)

.

وبموتهما أو أحدهما انقطعت التبعية، فيحكم بإسلامه تبعًا للدار.

(ويُقسم له) أي: للطفل أو

(4)

المميز (الميراث) عن أبيه الكافر أو أمه؛ لأنه كان كافرًا وقت الموت، وأما الحمل فلا يَرِثُ من أبيه الكافر على ما تقدم في ميراث الحمل

(5)

.

(وكذا لو عُدِم الأبوان، أو) عُدِم (أحدهما بلا موت، كزنى ذميّة ولو بكافر) في دار الإِسلام (أو اشتباه ولد مسلم بولد كافر، نصًّا

(6)

) لأن الإِسلام يعلو ولا يُعلَى عليه (قال القاضي: أو وجد بدار حرب.

وتقدم في كتاب الجهاد

(7)

: إذا سُبي الطفل) أنه يتبع سابِيَهُ؛ لانقطاع تبعيته لأبويه، حيث سُبي منفردًا عنهما أو عن أحدهما.

(وأطفال الكفار في النار، نصًّا

(8)

، واختار الشيخ

(9)

تكليفهم في

(1)

"جذعة" هكذا في جميع الأصول! وعلق في حاشية "ذ": "صوابه جدعاء". قلنا: وهو الموافق للرواية.

(2)

سورة الروم، الآية:30.

(3)

تقدم تخريجه (7/ 70) تعليق رقم (1).

(4)

في "ذ": "و".

(5)

(10/ 454).

(6)

انظر: أحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية (2/ 516).

(7)

(7/ 70 - 71).

(8)

أحكام أهل الملل للخلال ص / 17، رقم 32.

(9)

الاختيارات الفقهية ص / 444.

ص: 268

القيامة) فقال: الصحيح أنهم يُمتحنون في عَرَصات القيامة، قال: فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. وقال

(1)

-أيضًا-: أصح الأجوبة فيهم ما ثبت في "الصحيحين" أنه سُئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"

(2)

فلا يحكم على مُعيّن منهم لا بجنة ولا نار.

(ومثلهم) أي: مثل أطفال المشركين (من بلغ منهم مجنونًا) فَيُحكم بإسلامه تبعًا لأبويه أو أحدهما، أو

(3)

بموتهما أو أحدهما بدارنا، بخلاف من بلغ عاقلًا ثم جُنَّ.

(ومن وُلِد أعمى أبكم أصم، وصار رجلًا، هو مع أبويه، نصًّا

(4)

، وإن كانا مشركَين، ثم أسلما بعدما صار رجلًا، قال

(4)

: هو معهما) وكذا لو أسلم أحدهما.

قال في "الفروع": ويتوجه: مثلهما من لم تبلغه الدعوة.

(وإن تصرف المرتد لغيره بالوكالة؛ صَحَّ) تصرفه، فلا تبطل الوكالة بالردَّة إلا فيما ينافيها، كالنكاح، وإقامة الحد.

(ولا يلزمه) أي: المرتد (قضاء ما ترك من العبادات في ردَّته) لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}

(5)

،

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 444.

(2)

البخاري في الجنائز، باب 93، حديث 1383، وفي القدر، باب 3، حديث 6597، ومسلم في القدر، حديث 2660، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، إذ خلقهم. لفظ مسلم.

(3)

في "ذ": "و".

(4)

أحكام أهل الملل للخلال ص / 17، رقم 33.

(5)

سورة الأنفال، الآية:38.

ص: 269

وكالحربي؛ ولأن أبا بكر لم يأمر المرتدين بقضاء ما فاتهم.

(ويلزمه قضاء ما ترك) من صلاة وصوم ونحوهما (قبلها) أي: قبل الردة؛ لاستقراره عليه حال إسلامه.

(وإن قَتَل) المرتدُّ (من يكافئه عمدًا؛ فعليه القصاص) كالمسلم وأولى.

(والوليُّ مخيَّر بين القتل والعفو عنه) كالمسلم (فإن اختار) الوليُّ (القِصاص؛ قُدِّم) القِصاص (على قتل الرِّدة، تقدَّمت الرَّدة أو تأخَّرت) لأنه حق آدمي؛ جزم به. في "الشرح" وغيره، وتقدم ما فيه في القِصاص

(1)

.

(وإن عفا) الوليُّ (على مال؛ وجبت الدية في ماله) أي: المرتد، كسائر الحقوق عليه.

(وإن كان) القتل (خطأً، وجبت) الدية (أيضًا في ماله) وكذا شِبْه العمد؛ لأنه لا عاقلة له (قال القاضي: تؤخذ منه في ثلاث سنين) كما كانت تؤخذ من عاقلته (فإن قُتل أو مات؛ أُخذت من ماله في الحال) من غير تأخير

(2)

. قلت: وظاهر ما تقدم: وكذلك لو لم يقتل أو يمت.

(و‌

‌تثبت الردة بالإقرار، أو البينة)

وهي رجلان عدلان، كقتل القِصاص.

فصل

(ومن أُكرِه على الكُفر فالأفضل له أن يصبر) على ما أُكره به، ولا يُجيب (ولو أتى ذلك على نفسه) بأن كان يؤدي

(3)

إلى موته.

(1)

(13/ 248).

(2)

في "ح" و"ذ": "تأجيل".

(3)

في "ذ": "يؤدي ذلك".

ص: 270

(وإن لم يصبر وأجاب) بكلمة الكفر (ظاهرًا، لم يَصِرْ كافرًا؛ إذا كان قلبه مطمئنًّا بالإيمان) لقوله تعالى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}

(1)

.

(ومتى زال الإكراه أُمِرَ بإظهار إسلامه) لزوال العُذر.

(فإن أظهره) فهو باقٍ على إسلامه (وإلا) أي: وإن لم يُظهره بعد زوال الإكراه (حُكِمَ بأنه كافر من حينَ نَطَق به) أي: بالكفر؛ لأن ذلك قرينة على أنه لم يفعله لداعي الإكراه، بل اختيارًا.

(وإن شَهِدت بينةٌ أنه نَطَقَ بكلمةٍ الكُفر، وكان محبوسًا أو مقيدًا عند الكفار في حالة خوف؛ لم يُحكم بردته) لعدم طواعيته.

(وإن شهدت) البينة (أنه كان آمنًا في حال نُطقه) بكلمة الكُفر (حُكِم بردته) لإتيانه بكلمة الكفر مختارًا.

وإن شهدت عليه بينة أنه كفَرَ، فادَّعى الإكراه؛ قُبِلَ قوله مع قرينة فقط.

وإن شهدت عليه بكلمة كُفْرِ، فادَّعى الإكراه؛ قُبِل مطلقًا؛ لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة.

(وإن ادَّعى ورثته) أي: المرتد (رجوعه إلى الإِسلام؛ لم يُقبل إلا ببينة) تشهد برجوعه؛ لأن الأصل عدمه.

(وإن شهدت عليه) بينة (بأكل لحم خنزير، لم يُحكم بردَّته) لأنه لا يلزم من أكله استحلاله.

(فإن قال بعضُ ورثته: أكله مستحلًّا له، أو أقرَّ) بعضُ ورثته (بردَّته؛ حُرِمَ ميراثَه) مؤاخذةً له بإقراره (ويُدفع إلى من يَدَّعي الإسلام) من

(1)

سورة النحل، الآية:106.

ص: 271

ورثته (قَدْر ميراثه؛ لأنه لا يَدَّعي أكثر منه، و) يُدفع (الباقي لبيت المال) لأنه بمنزلة المال الضائع، لعدم من يدعيه (فإن كان في الورثة صغير، أو مجنون دُفع إليه نصيبه ونصيب المقر برِدة الموروث) لأنّه لم تثبت ردته بالنسبة إليه؛ قاله في "المغني".

فصل

(ويَحرُمُ تعلُّمُ السحر، وتعليمُهُ، وفِعلُه) لما فيه من الأذى (وهو) أي: السحر (عُقَدٌ ورُقىً وكلامٌ يتكلَّم به، أو يكتُبُه، أو يعملُ شيئًا يؤثِّر في بدن المسحور، أو قلبِه، أو عقلِه، من غير مباشرة له.

وله حقيقةٌ، فمنه ما يقتل، و) منه (ما يُمرِضُ، و) منه (ما يأخذ الرجل عن زوجته، فيمنَعُه وطأها، أو يعقِدُ المتزوجَ فلا يُطيق وطأَها، وما كان مثل فِعْلِ لبيدِ بن الأعْصَم حين سَحَر النبيَّ صلى الله عليه وسلم في مُشِط) بضم الميم، وتميم تكسرها (ومُشاطة) بضم الميم: ما يسقط من الشعر عند مَشطه. روت عائشة: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حتى إنه لَيُخَيّلُ إليه أنه يَفْعَلُ الشيء وما يَفْعَله"

(1)

(أو يَسْحَرُه حتى يَهيمَ مع الوحش.

ومنه) أي: السحر (ما يُفرِّقُ بين المرء وزوجِه، وما يبغِّضُ أحدَهما إلى الآخر، ويُحبِّبُ بين اثنين) زوجين أو غيرهما.

وقال بعض العلماء: إنه لا حقيقةَ له، وإنما هو تخييلٌ، لقوله

(1)

أخرجه البخاري في الجزية، باب 14، حديث 3175، وفي بدء الخلق، باب 11، حديث 3268، وفي الطب، باب 47، 49 - 50، حديث 5763، 5765 - 5766، وفي الأدب، باب 56، حديث 6063، وفي الدعوات، باب 57، حديث 6391، ومسلم في السلام، حديث 2189.

ص: 272

تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}

(1)

وجوابه قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ

} إلى قوله {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}

(2)

أي: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، ولولا أن له حقيقة لَمَا أمر بالاستعاذة منه.

(و‌

‌يَكفُرُ) الساحرُ (بتعلُّمِه وفِعْله،

سواءٌ اعتقدَ تحريمَه أو إباحَتَه، كالذي يرغب الجماد من مكنسة وغيرها، فتسير به في الهواء، أو يدَّعي أن الكواكب تُخاطبه) لقوله تعالى:{وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}

(3)

.

(ويُقتل) الساحر (إن كان مسلمًا) بالسيف؛ لما روى جُندُب مرفوعًا، قال:"حدُّ الساحر ضَربُهُ بالسيف" رواه الترمذي وضعَّفه

(4)

وقال: الصحيح عن جُندُب موقوف.

وعن بَجالة بن عَبدة قال: كنتُ كاتِبًا لجَزْء بن مُعاويةَ عَمّ الأحنَفِ بنِ قَيسٍ، فأتانا كتابُ معاوية

(5)

قبلَ موتهِ بسنةٍ: أن اقتلُوا كلَّ ساحرٍ وساحرَةٍ؛ رواه أحمد وسعيد

(6)

. وفي رواية: فقلتنا ثلاثَ سواحرَ في يومٍ واحد

(7)

. وقتَلتْ حفصَةُ جاريةً لها سَحرتها؛ رواه

(1)

سورة طه، الآية:66.

(2)

سورة الفلق، الآيات: 1 - 4.

(3)

سورة البقرة، الآية:102.

(4)

تقدم تخريجه (14/ 254) تعليق رقم (2).

(5)

"معاوية" كذا في الأصول وعلق في حاشية "ذ": "كذا! وصوابه عمر رضي الله عنه". قلنا: وهو الصواب كما في مصادر التخريج.

(6)

أحمد (1/ 191)، وسعيد (2/ 95) رقم 2180، انظر ما يأتي بعد.

(7)

أخرجه أبو داود في الخراج، باب 31، حديث 3043، والشافعي في الأم =

ص: 273

مالك

(1)

، وروي عن عثمان وابن عمر

(2)

.

(وكذا من يَعتقِدُ حِلَّه) أي: السحر (من المسلمين) فَيُقتل كُفرًا؛ لأنه أحلَّ حرامًا مُجمَعًا عليه معلومًا بالضرورة.

(ولا يُقتل ساحرٌ ذميٌّ) لأن لَبيد بن الأعْصَم سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلم

= (1/ 256)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 89)، وعبد الرزاق (6/ 49، 10/ 179، 181، 367) رقم 9972، 18745، 18748، 19390، وأبو عبيد في الأموال ص / 31، رقم 77، وابن أبي شيبة (10/ 136، 12/ 244)، وأحمد في مسائل عبد الله (3/ 1280) رقم 1778، والبزار في مسنده (3/ 368) رقم 1060، وأبو يعلى (2/ 166 - 167) رقم 860 - 861، والشاشي في مسنده (1/ 284 - 285) رقم 254 - 255، والدارقطني (2/ 154)، وابن حزم في مختصر الإيصال الملحق بالمحلى (11/ 394، 397)، والبيهقي (8/ 247)، وفي معرفة السنن والآثار (12/ 203) رقم 16456. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 236): أخرج البخاري [في الجزية، باب 1، حديث 3156] أصل هذا الحديث دون قصة قتل السواحر.

(1)

في الموطأ (2/ 871).

وانظر: التلخيص الحبير (4/ 62) والتعليق الآتي.

(2)

أخرج عبد الرزاق (10/ 180) رقم 18747، وابن أبي شيبة، (10/ 135 - 136)، وأحمد في مسائل عبد الله (3/ 1281) رقم 1779، والطبراني في الكبير (23/ 187) رقم 303، والبيهقي (8/ 136)، من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن حفصة بنت عمر سحرتها جارية لها، فأقرت بالسحر وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه، فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنه، فقال: جاريتها سحرتها، أقرت بالسحر وأخرجته، قال: فكف عثمان رضي الله عنه. قال: وكأنه إنما كان غضبه لقتلها بغير أمره.

صححه الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 207)، وقال: قال الإمام أحمد بن حنبل: صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 280): رواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عياش، عن المدنيين، وهي ضعيفة، وبقية رجاله ثقات.

ص: 274

يقتله

(1)

؛ ولأن الشرك أعظم من سحره ولم يُقتل به، والأخبار وردت في ساحر المسلمين؛ لأنه يكفُر بسِحره، وهذا كافر أصلي (إلا أن يقتل) الساحر الذمي (به) أي: بسِحره (ويكون) سحره (مما يقتل غالبًا، فَيُقتصّ منه) إذا قَتَل من يكافئه، كما لو قَتَل بغيره.

(فأما الذي يسحر بأدوية وتدخين، وسقي شيء يضر، فإنه لا يكفر ولا يُقتل) لأن الله تعالى وصف الساحرين الكافرين بأنهم يفرقون بين المرء وزوجه، فيختصّ الكفر بهم، ويبقى من سواهم من السحرة على أصل العصمة (ويعزر تعزيرًا بليغًا دون القتل) لأنه ارتكب معصية.

(إلا أن يقتل بفعله) ذلك، ويكون مما يقتل (غالبًا، فيقتصّ منه) إذا قتل من يكافئه، كما لو قتله بغير ذلك (وإلا) أي: وإن لم يكن فعله مما يقتل غالبًا (فـ) ـــاللازم (الدية، وتقدم في كتاب الجنايات

(2)

.

وأما الذي يعزم على الجنّ، ويزعم أنه يجمعها) فَتُطيعه (فلا يكفر) بذلك (ولا يُقتل) به؛ لأنه ليس في معنى المنصوص على قتله بالسحر (ويُعزَّر تعزيرًا بليغًا دون القتل) لارتكابه معصية عظيمة.

(وكذا الكاهن والعَرَّاف. والكاهن: الذي له رَئيٌّ من الجن يأتيه بالأخبار. والعَرَّاف: الذي يَحدِس ويتخرص كالمُنَجِّم) وهو الذي ينظر في النجوم ويستدل بها على الحوادث.

(ولو أوهم قومًا بطريقته أنه يعلم الغيبَ، فللإمام قتلُهُ؛ لسعيه بالفساد. وقال الشيخ: التنجيم -كالاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية- من السحر. قال) الشيخ: (ويحرم إجماعًا) وأقر

(1)

تقدم تخريجه (14/ 273) تعليق رقم (1).

(2)

(13/ 216 - 217).

ص: 275

أولهم وآخرهم أن الله يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركته ما زعموا أن الأفلاك توجبه، وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه

(1)

.

(والمُشَعْبِذُ، والقائل بزجر طَيْرٍ، والضاربُ بحصى وشعيرٍ وقِداح) أي: سهام (زاد في "الرعاية": والنظر في ألواح الأكتاف إذا لم يعتقد إباحته، و) اعتقد (أنه لا يعلم به) الأمور المغيبة (عُزِّر، ويكفّ عنه، وإلا) بأن اعتقد إباحته وأنه يعلم به الأمور المغيبة (كفر) فيستتاب، فإن تاب وإلا قُتل.

(وتحرم رُقيةٌ وحِرْزٌ وتعوُّذٌ بطِلَسْم) بغير عربي.

(و) تحرم (عَزيمةٌ بغير عربي، وباسم كوكب، وما وضع على نجم من صورة أو غيرها.

ولا بأس بحَلِّ السحر بشيء من القرآن، والذِّكْرِ، والأقسام، والكلام المباح.

وإن كان) حَلُّ السحر (بشيء من السحر فقد توقف فيه أحمد

(2)

) قال في "المغني": توقف أحمد في الحِلِّ، وهو إلى الجواز أميل، وسأله مُهنَّا (1) عمن تأتيه مسحورة فيُطْلقه عنها. قال: لا بأس. قال الخلال: إنما كره فعاله، ولا يرى به بأسًا، كما بيّنه مُهنَّا، وهذا من الضرورة التي تُبيح فعلها (والمذهب جوازه ضرورة.

قال في "عيون المسائل": ومن السِّحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس، وهو غريب) ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 444.

(2)

انظر: المغني (12/ 304)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (27/ 192).

ص: 276

المكر والحيلة، أشبه السحر، ولهذا يعلم بالعادة والعرف أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر أو أكثر، فيعطى حكمه تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين، لاسيما إن قلنا: يقتل الآمر بالقتل على رواية، فهنا أولى.

ص: 277

كتاب الأطعمة

ص: 279

‌كتاب الأطعمة

(واحدها طعام، وهو ما يؤكل ويُشرب) قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}

(1)

.

وقال الجوهري

(2)

: هو ما يؤكل، وربما خُصَّ به البُرُّ.

(والمراد هنا بيان ما يُحْرُمُ أكلُه وشُرْبه، وما يُباح) أكله وشربه.

(والأصلُ فيها الحِلُّ) لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}

(3)

؛ وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}

(4)

؛ وقوله: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}

(5)

؛ وقوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِثَ}

(6)

، فجعل الطيب صفةً في المباح عامة؛ تميزه عن المُحَرَّم. وجعل الخبيث صفة في المُحَرَّم تميزه عن المباح. والمراد بالخبيث هنا كلُّ مستخبث في العُرف؛ لأنه لو أراد به الحرام لم يكن جوابًا؛ لأنهم سألوه عمَّا يحل، فلو أُريد به الحرام، وبالطيب الحلال لكانَ معناه: الحلالُ هو الحلال، وليس كذلك.

(فَيُباح كلُّ طعامٍ طاهرٍ لا مضرَّة فيه من الحبوب والثمار وغيرها) كالنباتات غير المضرة (حتى المسكِ والفاكهة المسوَّسة والمدوَّدة.

(1)

سورة البقرة، الآية:249.

(2)

الصحاح (5/ 1974) مادة (طعم).

(3)

سورة البقرة، الآية:29.

(4)

سورة البقرة، الآية:168.

(5)

سورة المائدة، الآية:4.

(6)

سورة الأعراف، الآية:157.

ص: 281

(ويُباح أكلها) أي: الفاكهة (بدُودِها) فيؤكلُ تبعًا لها لا استقلالًا (و) يُباح أكل (باقِلَاءَ بذُبابه، و) أكل (خيار وقثاء وحبوب، وخَلٍّ بما فيه) من نحو دُود (تبعًا) لها.

و (لا) يُباح (أكلُ دُودها ونحوه) كسوسها (أصلًا) أي: استقلالًا.

(ولا) يُباح (أكلُ النجاسات كالميتة والدم) لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ وَالدَّمُ}

(1)

(والرجيع) أي: الرَّوْث (والبول ولو كانا طاهرين) لاستقذارهما (بلا ضرورة) فإن اضطر إليهما أو إلى أحدهما جاز. وتقدم في أولِ الجنائز: يجوزُ التداوي ببول إبل

(2)

.

(ولا) يُباحُ (أكل الحشيشةِ المُسْكِرة، وتُسمَّى حشيشةَ الفقراء) لعمومِ قولهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسكرٍ خمرٌ، وكُل خمرٍ حرامٌ"

(3)

.

(ولا) يُباح كلُّ (ما فيه مضرةٌ من السموم وغيرها) لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(4)

، وفي "الواضح": المشهورُ أن السَّمَّ نجس، وفيه احتمالٌ؛ لأكله صلى الله عليه وسلم من الذراع المسمومة

(5)

.

(وفي "التبصرة": ما يضرُّ كثيرُه يحِلُّ يسيره) فيباح يسير السَّقَمونيا

(6)

والزَّعفران ونحوهما، إذا كان لا مضرةَ فيه؛ لانتفاءِ علة التحريم.

(1)

سورة المائدة، الآية:3.

(2)

لم يذكر المؤلف حكم التداوي ببول الإبل في كتاب الجنائز من كشاف القناع، وإنما ذكره في حاشيته على الإقناع (1/ 314) أول كتاب الجنائز.

(3)

تقدم تخريجه (14/ 97) رقم (8).

(4)

سورة البقرة، الآية:195.

(5)

تقدم تخريجه (13/ 216) تعليق رقم (2).

(6)

تقدم التعريف بها (7/ 315) تعليق رقم (2).

ص: 282

(ويحرم من الحيوانات الآدميُّ) لدخولِه في عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ}

(1)

؛ ولمفهوم حديث: "أُحِلَّ لنا ميتَتان ودمان"

(2)

.

(والحمرُ الأهلية ولو توحَّشت) قال ابن عبد البر

(3)

: لا خلاف في تحريمها، وسندُه حديثُ جابرٍ:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نَهى يومَ خَيبرَ عن لحُومِ الحُمُرِ الأهلية، وأذِن في لُحومِ الخيل" متفق عليه

(4)

، وحكمُ لبنها حكمُها، ورخَّص فيه عطاء

(5)

، وطاووس

(6)

، والزُّهريُّ

(7)

.

(والخنزيرُ) بالنصِّ

(8)

والإجماع

(9)

مع أن له نابًا يفترس به.

(وما له نابُ يفترس به) نصَّ عليه

(10)

(سوى الضَّبْعُ) فإنه مباحٌ،

(1)

سورة المائدة، الآية:3.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 450) تعليق رقم (1).

(3)

التمهيد (10/ 123).

(4)

البخاري في المغازي، باب 38، حديث 4219، وفي الذبائح والصيد، باب 27 - 28، حديث 5520، 5524، ومسلم في الصيد والذبائح، حديث 1941.

(5)

أخرج عبد الرزاق (9/ 256) رقم 17124، عن ابن جريج، قال: سمعت عطاء يسأله إنسان نُعت له أن يشترط على عبده فيشرب ذلك الدم؛ من وجع كان به، فرخص له فيه. قلت له: حرَّمه الله تعالى! قال: ضرورة. قلت له: إنه لو يعلم أن في ذلك شفاءً، ولكن لا يعلم، وذكرت له ألبان الأتن عند ذلك، فرخص فيه أن يشرب دواءً.

(6)

لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره -أيضًا- الموفق في المغني (13/ 319).

(7)

لم نقف على من رواه مسندًا، وذكره -أيضًا- الموفق في المغني (13/ 319)، وجاء عنه عدم الترخيص فيها؛ فروى ابن عبد البر في التمهيد (11/ 9 - 10)، عن ابن شهاب، أنه سئل عن ألبان الأتن، وأبوال الإبل، ومرارة السبع

، وأما ألبان الأتن فقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحومها، ولا أدري ألبانها التي تخرج من لحومها ودمائها إلا نحوها، والله أعلم.

(8)

وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3].

(9)

مراتب الإجماع ص / 243، والأوسط لابن المنذر (2/ 280) رقم 291.

(10)

مسائل عبد الله (3/ 887) رقم 1195.

ص: 283

وإن كان له ناب؛ لما روى جابرٌ قال: "سألتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عنِ الضَّبْعِ فقال: هُو صيدٌ، ويجعلُ فيهِ كبشٌ إذا صادَهُ المُحرِمُ" رواه أبو داود

(1)

، وهذا خاصٌّ فيُقدَّم على العام. وما له نابٌ (كأسد، ونَمِر، وذئب، وفهد، وكَلْب، وابن آوى) شِبْه الكلب، ورائحتُه كريهةٌ (وابن عِرس) بالكسر؛ قاله في "الحاشية"(وسِنَّور أهلي وبري) ومن أنواعه الثفا

(2)

، كما ذكره غيرُ واحد من الشافعية

(3)

(ونِمْسٍ، وقِرْد -ولو صغيرًا لم ينبت نابُه-، ودُبٍّ، وفيل، وثعلب) لما روى أبو ثعلبة الخُشَنيُّ قال: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أكلِ كُلِّ ذي نابٍ منَ السِّباعِ حَرَامٍ" رواه مسلم

(4)

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 207) تعليق رقم (8 - 9).

(2)

"الثفا" بالمثلثة، كذا في الأصل، وفي حاشية قليوبي (4/ 258) وحاشية الجمل (5/ 271):"ومنه [أي الثعلب] الثفا، بالمثلثة ثم الفاء". وفي "ذ": "التفا" بالتاء المثناة الفوقية. وقال في القاموس المحيط ص / 1026، مادة (تفف): التُّفَّة كقُفَّة: دُوَيبَةٌ كجِرو الكلب. وقال الدَّمِيري في حياة الحيوان (1/ 163): التُّفَّة ويسمَّى عناق الأرض، والفنجل، نوع من السباع نحو الكلب الصغير على شكل الفهد

، وقال بعض أصحابنا: إنه السنور البري، وإنه قريب من الثعلب، وإنه على شكل السنور الأهلي، وفي حكمه وجهان، أصحهما التحريم؛ لأنه يأكل الفأر.

(3)

حاشية قليوبي (4/ 258)، وحاشية الجمل (5/ 271).

(4)

"من السباع حرام رواه مسلم" كذا في الأصول! ولعله سقط سطر من النسخ بين كلمتي (السباع) و (حرام)؛ لأنه جاءت العبارة تامة في المبدع (9/ 195) ونصها: "

من [السباع؛ متفق عليه. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ذي ناب من] السباع حرام؛ رواه مسلم".

(5)

في الصيد والذبائح، حديث 1931، وليس عنده لفظ: حرام. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الذبائح، باب 29، حديث 5530، وفي الطب، باب 57، حديث 5780، دون قوله:"حرام"، وأخرج مسلم في الصيد والذبائح، حديث 1933، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام.

ص: 284

وروى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكلِ الهِرِّ" رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي

(1)

وقال: غريب.

وروى الشعبيُّ "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحم القِرْدِ"

(2)

.

(ويحرم سنجاب، وسَمُّور، وفَنَك) بفتح النون؛ لحديث أبي ثعلبة

(1)

أبو داود في الأطعمة، باب 33 حديث 3807، وابن ماجه في الصيد، باب 20، حديث 3250، والترمذي في البيوع، باب 49، حديث 1280. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 530) حديث 8749، وعبد بن حميد (3/ 25) حديث 1042، وابن حبان في المجروحين (2/ 83)، والدارقطني (4/ 290)، والحاكم (2/ 34)، والبيهقي (6/ 10 - 11، 9/ 317)، عن عمر بن زيد الصنعاني، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه. قال ابنُ طاهر في معرفة التذكرة (1/ 239): فيه عمر بن زيد الصنعاني، يروي المناكير عن المشاهير.

قال الترمذي: هذا حديث غريب، وعمر بن زيد لا نعرف كبير أحد روى عنه غير عبد الرزاق. وقال ابن حبان: عمر بن زيد الصنعاني ينفرد بالمناكير عن المشاهير على قلة روايته حتى خرج بها عن حد الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات.

وسكت عليه الحاكم. وقال الذهبي: قلت: عمر واهٍ.

قلنا: قد تابعه بقية بن الوليد؛ أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 190) حديث 4373، من طريق محمد بن أبي السري، قال: حدثنا بقية بن الوليد، قال: حدثني محمد بن زياد الألهاني، عن جابر، به. ومحمد بن أبي السري قال فيه ابن حجر في التقريب (6303): صدوق عارف له أوهام كثيرة، ومحمد بن زياد الألهاني ثقة كما في التقريب (5926)، وبقية: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء كما في التقريب (741).

(2)

أخرجه ابن وهب كما في التمهيد 1/ 157، قال: أخبرني عبد العزيز بن محمد المدني، قال: بلغني عن عامر الشعبي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم القرد.

قال ابن عبد البر: وكرهه ابن عمر، وعطاء، ومكحول، والحسن، ولم يجيزوا بيعه، وقال عبد الرزاق [(4/ 529) رقم 8745] عن معمر، عن أيوب، سئل مجاهد عن أكل القرد فقال: ليس هو من بهيمة الأنعام. قال أبو عمر: لا أعلم بين علماء المسلمين خلافًا أن القرد لا يؤكل، ولا يجوز بيعه، لأنه مما لا منفعة فيه، وما علمنا أحدًا أرخص في أكله.

ص: 285

المذكور؛ لأنَّ لها نابًا.

(و) يحرم أيضًا (ما له مِخْلبٌ من الطير يصيدُ به، كعُقَاب، وبازِي، وصَقْرٍ، وشاهين، وحِدَأَةٍ، وبُومَةٍ) لحديث ابن عباس قال: "نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أكلِ كلِّ ذي مخلب من الطير" رواه أبو داود

(1)

، وعن خالد بن الوليد مرفوعًا نحوه

(2)

.

(وما يأكل الجيفَ كَنَسْرٍ، ورَخَمٍ، ولَقْلَقٍ) مقصور من اللقلاق، أعجمي، طائرٌ نحو الإوَزَّة طويلُ العنق يأكلُ الحيات؛ قاله في الحاشية (وعَقْعَقٍ) بوزن جعفر، طائرٌ نحو الحمامةِ طويلُ الذنب فيه بياضٌ وسوادٌ، وهو نوعٌ من الغربان تتشاءمُ به العربُ؛ قاله في "الحاشية" (-وهو) أي: العقعق (القاق وغُراب البَين والأبْقَع-) لقوله صلى الله عليه وسلم: "خَمْس فواسِق يُقتلن في الحلِّ والحرَمِ

" الخبر

(3)

، فذكر منها الغرابَ، والباقي في معناه؛ للمشاركة في أكلِ الجِيف، ووجهُ الدلالةِ من الخبر أنه صلى الله عليه وسلم أباحَ قتلها في الحرم، ولا يجوزُ قتلُ صيدٍ مأكول في الحرم.

(وما تستخبِثه) أَي: تستقذره (العربُ ذوو اليسار من أهل القرى والأمصار من أهل الحِجاز) لأنهم همُ الذين نزلَ عليهم الكتابُ، وخُوطبوا به وبالسُّنةِ، فرُجِع في مطلق ألفاظِها إلى عُرفهم دون غيرهم (ولا عبرةَ بأهل البوادي) من الأعراب الجُفَاة؛ لأنهم للضرورة والمجاعة

(1)

في الأطعمة، باب 33 حديث 3803، 3805، وهو عند مسلم في الصيد والذبائح، حديث 1934.

(2)

أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب 33، حديث 3806، وأحمد (4/ 89 - 90)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 29 - 30) حديث 703 - 704، والطبراني في الكبير (4/ 110) حديث 3827.

(3)

تقدم تخريجه (6/ 155، 156) تعليق رقم (3، 1).

ص: 286

يأكلون كلَّ ما وجدوه، ولهذا سُئل بعضهم عمَّا يأكلون، فقال: ما دبَّ ودرج إلا أم حُبَين -بالحاءِ المهملة، والباءِ الموحدة- فقال: لِيَهْن أمَّ حُبين العافيةُ، تأمن أن تُطلبَ فتؤكل

(1)

، وأمُّ حبين: الخنافسُ الكبار. والذي تستخبثُه العربُ ذوو اليسار (كالقُنْفُذ، والدُّلدُل وهو عظيمُ القنافذِ قدر السَّخْلةِ -ويُسمَّى ببلاد الشام النَّيص

(2)

- على ظهرهِ شوكٌ طويلٌ نحو ذراع.

والحشرات كلها، كديدان، وجِعلان، وبنات وَرْدان) نحو الخنفساء حمر

(3)

اللون، وأكثرُ ما تكون في الحمَّامات والكُنف (وخنافس، وأوزاغ، وصَراصِر، وحرباء، وعِضَاه، وجَراذين، وخُلْدٍ، وفأر، وحيَّات، وعَقاربَ، وخُفَّاش، وخُشَّاف وهو الوَطْوَاط، وزُنْبُور، ونَحْلٍ، ونمل، وذُباب، وطَبابيع) قمل أحمر (وقَمْل، وبراغيث ونحوها، وهُدْهُدٍ، وصُرَد) كعمر: نوعٌ من الغِربان، وهو طائرٌ أبقعُ، أبيضُ البطنِ، أخضرُ الظهر، ضخمُ الرأس والمنقار، يصيدُ العصافير وصغارَ الطير، ويصوم

(4)

كالصقر، لا يُرى إلا في شعب أو شجرة، ولا يَكاد يُقدر عليه، والأنثى صُرَدَة، والجمع صِردانٌ، ويقال له: الواقُ، وهو أول طائرٍ صامَ

(5)

، ومنه نوعٌ أسودُ يُسمِّيه أهلُ العراق العَقْعق (وغُدَاف) كغراب،

(1)

انظر: الحيوان للجاحظ (6/ 143، 385)، وأدب الكاتب لابن قتيبة ص / 194، والتمهيد لابن عبد البر (2/ 249 - 250).

(2)

النَّيْصُ: اسم للقنفذ الضخم. تاج العروس (18/ 197) مادة (نيص).

(3)

في "ذ": "حمراء".

(4)

في "ذ": "يصرصر" وهو الصواب، انظر: لسان العرب (3/ 250)، وتاج العروس (8/ 273).

(5)

روي فيه حديث مرفوع؛ أخرجه بن قانع في معجمه (1/ 276)، والخطيب في تاريخه (6/ 295 - 296)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 574 - 575) حديث =

ص: 287

وجمعه غِدفان كغِربان، ويقال: هو غرابُ الغَيْط، و (خُطَّاف) طائر أسودُ معروف (وأخْبَل وهو الشَّقِّراق) بفتح الشين وبكسر القاف مشددة، وبكسر الشين مع التثقيل، وأنكرها بعضهم، وبكسر الشين وسكون القاف: وهو دون الحمامةِ، أخضرُ اللونِ، أسودُ المنقار، بأطرافِ جناحيه سوادٌ، وبظاهرِهما حمرةٌ، ذكره في "الحاشية" (وسُنُونُو وهو نوعٌ من الخُطَّاف، وغيرها مما أمرَ الشرعُ بقتله، أو نهى عنه.

وما لا تعرفه العربُ من أمصار الحجازِ وقُراها، ولا ذُكِر في الشرع، يُردُّ إلى أقرب الأشياء شَبَهًا به) أي: بالحجاز (فإن لم يُشْبِه شيئًا منها) أي: المُحَرَّمات (فمباحٌ) لدخولِه في عموم قولِه تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا

} الآية

(1)

.

(وما أحدُ أبويه المأكولين مغصوبٌ فـ) ــــهو (كأُمِّه حِلًّا وحُرمة وملكًا) فإن كانت أمُّه هي المغصوبةَ لم تحِل هي ولا شيءٌ من أولادها للغاصب، وإن كان المغصوبُ الفحلَ، ونَزَّاه الغاصبُ على إناث في ملكِه؛ لم يحرم على الغاصب شيءٌ من أولادِ الفحل الآتيةِ بها إناثه في ملكه.

(و‌

‌لو اشتبه مباحٌ ومُحرَّمٌ؛ حَرُمَا)

تغليبًا لجانب الحظر، وكذا لو اشتبه ما لا تعرفه العربُ ولا ذُكِر في الشرع مباحًا ومُحَرَّمًا فإنه يحرم.

= 1144 - 1145، وابن نجيح في فوائده كما في الإصابة (11/ 292)، من طريق إسماعيل بن إسحاق الرقي، عن عبد الله بن معاوية الجمحي، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، عن جده، عن أبي غليظ بن أمية بن خلف الجمحي قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى يدي صُردٌ فقال: هذا أول طائر صام عاشوراء.

قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 137): هذا حديث منكر، رواه ثلاثة عن الرقي.

(1)

سورة الأنعام، الآية:145.

ص: 288

(و‌

‌يحرم متولِّدٌ من مأكول وغيره

كالبغل) المتولد بين الخيل والحمر الأهلية (والسِّمع) بكسر السين (ولد الضَّبْع من الذئب، والعُسْبَار وَلَدُ الذئبِ من الذِّيخ وهو الضِّبعان) بكسر الضاد وسكون الباء الموحدة وجمعه ضَباعين كمساكين (وهو ذَكَرُ الضِّبعان) تغليبًا للتحريم (والدرباب

(1)

وهو أبو زريق، قيل: إنه متولدٌ من الشَّقِّراق والغراب.

والمتولد بين أهلي ووحشي) كالحمار بين حمارٍ أهلي وحمار وحشي، تغليبًا للحظر

(2)

(وكحيوان من نعجة نصفُة خروف ونصفُه كلب) فيحرم تغليبًا للحظر.

(ويحرم ما ليس ملكًا لآكلِه، ولا أذن فيه ربُّه، ولا الشارعُ) لحديثِ: "لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا عن طيب نَفسٍ منه"

(3)

، فإن أذنَ فيه ربُّه جاز أكله، وكذا لو أذن فيه الشارعُ، كأكل الولي من مالِ مَوْلِيِّهِ، وناظرِ الوقف منه، والمضطر من مالِ غيره، على ما تقدم، وما يأتي.

فصل

(وما عدا هذا) المذكور مما تقدم تحريمُه (فمباحٌ، كمتولِّدٍ من مأكولين، كبغلٍ من حمار وحشٍ وخيلٍ، ولو) كانت الخيلُ (غيرَ عربية) لعموم حديث جابر: "وأذن في لحوم الخيل"

(4)

(ووبْر) بسكون الباء

(1)

في "ذ": "الدرياب".

(2)

"للحظر" ليس في "ذ".

(3)

تقدم تخريجه (9/ 225) تعليق رقم (3).

(4)

تقدم تخريجه (14/ 283) تعليق رقم (4).

ص: 289

(ويَربوع) لأنَّ عمرَ قضى فيه بجَفْرَةٍ

(1)

، والوبْرُ في معناه (وبقر وحْشٍ على اختلاف أنواعها من الأُيَّل، والثَّيتَل، والوَعْل، والمَهَا، وظِباءٍ، وحُمُرِ وحشٍ، ولو تأنَّست، وعُلِفَت) لأن الظباءَ إذا تأنَّست لم تحرمْ، وكالأهلي إذا توحَّش (وأرنب، وزَرَافة) بفتح الزاي وضمها؛ قاله جماعةٌ. زادَ الصَّغاني

(2)

: والفاءُ تُشدَّدُ وتُخَفَّف في الوجهين، قيل: هي مُسمَّاة باسم الجماعة؛ لأنها في صورةِ جماعة من الحيوان، وهي دابةٌ تُشبهُ البعير إلا أن عُنقَها أطول من عُنقِه، وجسمها ألطفُ من جسمه، ويداها أطولُ من رِجليها، ووجه حِلها أنها مُستطابة ليس له

(3)

نابٌ، أشبهت الإبل (ونعامة) لقضاءِ الصحابةِ فيها بالفديةِ

(4)

(وَضَبٍّ) قال أبو سعيد: كُنَّا معشرَ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأنْ يُهدَى إلى أحدِنا ضَبٌّ أحبُّ إليه من دجاجةٍ

(5)

. قال في "الحاشية": وهو دابةٌ تُشبه الحِرْدَوْنَ، من عجيب خِلقته أنَّ الذكرَ له ذكرانَ، والأنثى لها فَرجان تبيض منهما (وضَبُع) وتقدم

(6)

(وإن عُرِف) الضَّبُعُ (بأكل الميتةِ؛ فكجَلَّالةٍ؛ قاله في "الروضة" وبهيمة الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والجاموس، والغنم) ضأنها ومعزها؛ لقوله تعالى:

(1)

تقدم تخريجه (6/ 209) تعليق رقم (5).

(2)

في التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 485) ماده (زرف).

(3)

في "ذ": "لها".

(4)

أخرجه البيهقي (5/ 182)، من طريق علي بن طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن قَتَل نعامة فعليه بدنة من الإبل. حسَّنه الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 284)، وانظر ما تقدم (6/ 206) تعليق رقم (2).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 512)، عن معمر، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، به. قلنا: أبو هارون العبدي؛ هو عمارة بن جوين، قال الحافظ في التقريب رقم (4874): متروك، ومنهم مَن كذَّبه، شيعي.

(6)

(14/ 283 - 284).

ص: 290

{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}

(1)

(ودجاج) لقول أبي موسى: "رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يأكُلُ الدجاجَ"

(2)

(ودُيوك، وطاووس، وبَبْغَاء -وهي الدُّرّةُ-، وعندليب) وهو الهَزار، وهو الشُّحرور (وسائر الوحش من الصيود كلها، وزاغٍ) طائرٌ صغير أغبر (وغراب الزرع، وهو أحمرُ المنقار والرجل) يأكل الزرع، يطير مع الزاغِ؛ لأن مرعاهما الزرعُ والحبوب (وحَجَل، وزُرْزُور) بضم، أوله نوعٌ من العصافير (وصَعْوةٍ، جمعه

(3)

صَعْوٌ، وهو صغار العصافير أحمر الرأس، وحمام وأنواعه من الفَواخت، والجَوازلِ، والرَّقَاطى، والدَّبَاسى، وسُمَانى، وسَلْوى، وقيل: هما شيء واحد، وعصافير، وقنابر، وقطًا، وحُبارَى) لقول سَفِينة:"أكلتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حُبارَى" رواه أبو داود

(4)

(وكَرْكِيٍّ، وكرَوان، وبَطّ، وإوَزّ، وما أشبهه مما يلقط الحَبَّ أو يُفدى في الإحرام) لأن ذلك مُستطاب فيحِلُّ؛ لأنه من

(1)

سورة المائدة، الآية:1.

(2)

أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب 26، حديث 5517 - 5518، ومسلم في الأيمان، حديث 1649 (9).

(3)

في الأصل "ح" و"ذ": جمع، والمثبت من متن الإقناع (4/ 306).

(4)

في الأطعمة، باب 29، حديث 3797.

وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الأطعمة، باب 26، حديث 1828، وفي الشمائل ص / 82، حديث 157، والعقيلي (1/ 167 - 168)، والبزار (9/ 285) حديث 3837، وابن حبان في المجروحين (1/ 111)، والطبراني في الكبير (7/ 81) حديث 6435، وابن عدي (2/ 497)، والبيهقي (9/ 322)، والمزي في تهذيب الكمال (21/ 370 - 372).

قال الترمذي: هذا حديث غريب.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 399): قال البخاري [التاريخ الكبير (6/ 160) رقم 2026]: إسناده مجهول، وقال العقيلي: غير محفوظ. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 154): إسناده ضعيف، ضعفه العقيلي، وابن حبان.

ص: 291

الطيبات فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}

(1)

(وغَرَانيق) قال في "الحاشية": الغرانق -جمع غُرنَق، بضم الغين المعجمة وفتح النون- من طير الماء، طويل العنق (وطير الماء كله، وأشباه ذلك) أي مُباح؛ لما سبق.

(ويُباح جميع حيوانات البحر) لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ الْبَحْرِ

} الآية

(2)

؛ وقوله صلى الله عليه وسلم "لما سُئل عن ماءِ البحر: هو الطهُور ماؤُه الحلُّ ميتَتهُ" رواه مالك

(3)

(إلا الضِّفدِع) -بكسر الضاد والدال، والأنثى ضفدعة، ومنهم من يفتح الدال- نصَّ عليه

(4)

، واحتج بأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم "نهى عن قتله" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي

(5)

(والحية) لأنها من الخبائث، وفيها وجه، وأطلقهما في "الفروع"(والتمساح) نصَّ عليه

(6)

، وعلله بأنه يأكلُ الناس.

(1)

سورة الأعراف، الآية:157.

(2)

سورة المائدة، الآية:96.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 34) رقم (4).

(4)

مسائل عبد الله (3/ 892) رقم 1202.

(5)

أحمد (3/ 453، 499)، وأبو داود في الطب، باب 11، حديث 3871، وفي الأدب، باب 177، حديث 5269، والنسائي في الصيد، باب 36، حديث 4366، وفي الكبرى (3/ 166) حديث 4867. وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 163، حديث 1183، وابن أبي شيبة (8/ 92)، وعبد بن حميد (1/ 279) حديث 313، والدارمي في الأضاحي، باب 26، حديث 2004، وابن قانع في معجمه (2/ 160)، والحاكم (4/ 410 - 411)، والبيهقي (9/ 318)، والخطيب في تاريخه (5/ 199)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 369) حديث 1970، عن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير مع الفيض (6/ 337) ورمز لحسنه.

(6)

انظر: المغني (13/ 246)، وزاد المسير (2/ 427)، والمحرر (2/ 189)، والفروع =

ص: 292

فصل

(وتحرم الجَلَّالة -وهي التي أكثرُ عَلَفِها النجاسةُ- ولبنُها) لما روى ابن عمر قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلِ الجلَّالةِ وألبانها" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(1)

وقال: حسن غريب، وفي رواية لأبي داود:"نهى عن ركوبِ الجَلَّالة"

(2)

، وفي أخرى له:"نهى عن ركوبِ جَلَّالة الإبل"

(2)

، وعن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحومِ الحُمر الأهلية، وعن ركوب الجلَّالة وأَكلِ لحمِها" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي (

(2)

) (وبيضُها) لأنه متولِّدٌ من النجاسة.

(ويُكره رُكوبُها لأجل عَرَقِها) لما سبق من الأخبار (حتى تُحبس) الجلَّالةُ (ثلاثًا) أي: ثلاث ليالٍ بأيامهنَّ؛ لأن ابن عمر كان إذا أراد أكلَها يحبسُها ثلاثًا

(2)

(وتُطْعَم الطاهرَ، وتُمنع من النجاسَةِ، طائرًا كانت أو بهيمةً) إذِ المانع من حلِّها يزول بذلك؛ ولأنَّ ما طهّر حيوانًا طهّر غيره، كما لو كانت النجاسةُ بظاهِره.

(ومثلُه خروفٌ ارتضع من كلبةٍ، ثم شرب لبنًا طاهرًا) أو أكل شيئًا طاهرًا ثلاثة أيام، فيحلُّ أكلُه.

= (6/ 300).

(1)

تقدم تخريجه (1/ 439) تعليق رقم (2).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 522) رقم 8717، وابن أبي شيبة (8/ 335)، من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يحبس الدجاجة ثلاثًا. وصححه الحافظ في الفتح (9/ 648).

ص: 293

(ويجوز أن تُعْلَفَ النجاسةُ الحيوانَ الذي لا يُذبح) قريبًا (أو لا يُحلب قريبًا) قال في "المحرر": أحيانًا. قال شارحه: لأنه يجوزُ تركها في الرعي على اختيارها، ومعلوم أنها تعلف النجاسة. انتهى. قال في "المبدع": ويحرم عَلْفُها نجاسةٌ إن كانت تؤكل قريبًا، أو تُحلب قريبًا، وإن تأخر ذبحُه أو حلبه، وقيل: بقدر حبسها المعتبر جازَ في الأصح، كغيرِ المأكول على الأصح فيه.

(وإذا عضَّ كَلْبٌ كَلِبٌ شاةً ونحوها فكَلِبَتَ ذُبحت) دفعًا لضررها (وينبغي ألا يُؤكل لَحْمُها) لضررها أو قياسًا على الجلَّالة.

(وما سُقي) بنجسٍ (أو سُمِّد بنجس) أي: أصلح بالسَّماد -كسلام- ما يصلح به الزرع من تراب أو سَرْجِين (من زَرعٍ وثمرٍ؛ يحرم وينجُسُ بذلك) لما روى ابنُ عباس قال: "كنَّا نكري أراضي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم ألا يَدْمُلوها بِعَذِرَةِ الناس"

(1)

. قال في "القاموس"

(2)

: ودَمَلَ الأرضَ دَمْلًا ودَمَلانًا: أصلحها، أو سَرْقَنَها فتَدمَّلت: صلَحَت به. انتهى. ولولا أنَّ ما فيها يحرم بذلك لم يكن في اشتراط ذلك فائدةٌ؛ ولأنه يتربى بالنجاسة أجزاؤه، والاستحالةُ لا تُطهِّرُ عندنا.

(فإن سُقِي) الثمر أو الزرع (بعدَه) أي: بعد أنْ سُقي النجسَ، أو سُمِّد به (بطاهر تُستهلك عين النجاسةِ به طَهُر وحَلَّ) لأن الماء الطهورَ يطهر النجاساتِ، وكالجلالة إذا حُبست وأُطعمت الطاهرات (وإلا) أي: وإن لم يُسقَ بطاهرِ يَستِهلك عينَ النجاسة (فلا) يحل؛ لما تقدم.

(ويُكره أكلُ تُراب، وفَحْم، وطين) لضرره (وهو) أي: أكل الطين

(1)

أخرجه البيهقي (6/ 139)، من طريق عكرمة، من ابن عباس، به. وضعَّفه.

(2)

ص / 1293، مادة (دمل).

ص: 294

(عيبٌ في المبيع) نقله ابنُ عقيل؛ لأنه لا يطلبه إلا مَن به مرضٌ. وقوله: (لأنه يضر البدن) به

(1)

علةٌ لكراهة أكل الطين ونحوه.

(فإن كان منه) أي: الطين (ما يُتداوى به كالطين الأرمني، لم يُكره) لأنه لا ضررَ فيه (وكذا يسير تُراب وطِين) بحيث لا يضر فلا يُكره؛ لانتفاء عِلَّة الكراهة.

(ويُكره أكل غُدَّة، وأُذُن قَلبٍ) نقل أبو طالب: "نهى النبي عن أُذُنِ القلبِ"

(2)

وقال في رواية عبد الله

(3)

: "كره النبي صلى الله عليه وسلم أكل

(1)

"به" ليست في "ذ".

(2)

أبو طالب لعله نقله في مسائله، ولم تطبع، وأخرجه أبو داود في المراسيل ص / 326، حديث 467، ومسدد كما في المطالب العالية (3/ 49) حديث 2373، وابن عدي (4/ 1531)، عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه، عن رجل من الأنصار، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل أذني القلب.

قال ابن عدي: ولا أعلم لعبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه كثيرَ حديث غير ما ذكرت، ولا أعرف في هذه الأحاديث شيئًا أنكره إلا:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل أذني القلب" ولم أجد للمتقدمين فيه كلامًا، وقد أثنى عليه إسحاق بن أبي إسرائيل، وأرجو أنه لا بأس به. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 174): فإن هذا الأنصاري لم يقل: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أنه سمع فيه، ولعله تابعي، وحاله مجهولة. وهذا هو الذي يغلب على الظن فيه، فإن يحيى بن أبي كثير، لم يرو عن صاحب، إلا أنه رأى أنس بن مالك، ولم يسمع منه، وإنما يرسل عنه. وأبو داود رحمه الله قد أورد هذا الحديث في المراسيل من أجل هذا الذي قلناه، فإن الإسناد الذي ساقه به متصل إلى هذا الرجل.

وقال البوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة (5/ 261) حديث 4270: رجاله ثقات.

وأذنا القلب: التجويفان العلويان من القلب، وهما اللذان يستقبلان الدم من الأوردة، وهما أذنان: أيمن وأيسر.

(3)

مسائل عبد الله (3/ 893) رقم 1205.

ص: 295

الغُدَّةِ"

(1)

.

(و) يُكره أكل (بَصَل وثوم ونحوهما) كالكُرَّاث (ما لم يُنضِجه بطبخ) قال أحمد: لا يُعجبني

(2)

، وصَرَّح بأنه كرههُ لمكان الصلاةِ في وقت الصلاة

(3)

.

(و) يُكره (أكل كل ذي رائحةٍ كريهة) كالثوم

(4)

(ولو لم يُرد دخول المسجد، فإنْ أكله) أي: البصل، أو الثوم، أو نحوه قبل إنضاجه بالطبخ (كُرِه له دخوله) أي: المسجد (حتى يذهب

(5)

ريحه) لحديث: "مَن أكل من هذه الشجرة الخبيثَة فلا يقربنَّ مصلَّانا"

(6)

.

(1)

أخرج أبو داود في المراسيل ص / 326، حديث 465، وعبد الرزاق (4/ 535) حديث 8771، والبيهقي (10/ 7)، عن مجاهد -مرسلًا- أن النبي صلى الله عليه وسلم كره من الشاة سبعًا: المثانة، والمرارة، والغدة، والذكر، والحياء، والأنثيين.

قال البيهقي: هذا منقطع.

وأخرجه ابن عدي (5/ 1672)، والبيهقي (10/ 7)، من طريق عمر بن موسى، عن واصل، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، موصولًا.

قال البيهقي: رواه عمر بن موسى بن وجيه -وهو ضعيف- فذكره موصولًا، ولا يصح وصله.

وأخرج الطبراني في الأوسط (10/ 217) حديث 9476، عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعًا

فذكره.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 36): فيه يحيى الحماني، وهو ضعيف.

(2)

مسائل حرب ص / 335.

(3)

انظر: الفروع (6/ 302).

(4)

أخرج مسلم في الأشربة، حديث 2053، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضله إليّ، وإنه بعث إليّ يومًا بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثومًا، فسألت: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه، قال: فإني أكره ما كرهت.

(5)

في "ذ": "ما لم يذهب".

(6)

تقدم تخريجه (3/ 246) تعليق رقم (1).

ص: 296

ويُكره له -أيضًا- حضورُ جماعة ولو بغير مسجد، وتقدم

(1)

.

(و) يُكره أيضًا (أكلُ حَبٍّ) من نحو بُرٍّ (دِيسَ بحُمرٍ) أهلية (أو بغال) نص عليه، وقال: لا ينبغي أن يدوسوه بها

(2)

. وقال حرب: كرهه كراهةً شديدةً

(3)

(وينبغي أن يغسل) نقل أبو طالب: لا يُباع، ولا يشترى، ولا يؤكلُ حتى يغسل

(4)

.

(وتُكره مداومة أكلِ لحم) قاله الأصحابُ. قلت: ومداومة تركه

(5)

؛ لأن كلًّا منهما يورث قسوةَ القلب.

(و) يُكره (أكلُ لحم منتن ونِيءٍ) ذكره جماعةٌ، وجزم في "المنتهى" بعدم الكراهة. وقال في "شرحه": فلا يُكره أكلُهما على الأصح. قال في "الفروع": ولا بأسَ بلحم نِئءٍ؛ نقله مهنا

(6)

، ولحم منتنٍ؛ نقله أبو الحارث

(7)

. وذكر جماعةٌ فيهما: يُكره، وجعله في "الانتصار" في الثانية اتفاقًا.

(ويُكره الخُبز الكبار) قال الإمام: ليس فيه بَرَكةٌ

(8)

(و) يُكره (وضعه) أي: الخبز (تحت القصعة) لإهانته، وحرَّمه الآمديُّ

(9)

.

(1)

(1/ 247).

(2)

انظر: الفروع (6/ 302).

(3)

لم نقف عليه في القسم المطبوع من مسائل حرب، وانظر: الفروع (6/ 302).

(4)

مسائل أبي طالب لم تُطبع، وانظر: مسائل ابن هانئ (2/ 134) رقم 1757، والفروع (6/ 302).

(5)

في "ذ": "ترك أكله".

(6)

مسائل مهنا لم تُطبع، وانظر: الفروع (6/ 302).

(7)

مسائل أبي الحارث لم تُطبع، وانظر: مسائل عبد الله (3/ 896) رقم 1209.

(8)

انظر: المغني (13/ 354)، وتهذيب الأجوبة ص / 174، والعدة (5/ 1633).

(9)

هو أبو الحسن، علي بن محمد بن عبد الرحمن، الآمدي، ويُعرف قديمًا بالبغدادي، =

ص: 297

فصل

(ومن اضطر إِلَى مُحَرَّم مما ذكرنا حضرًا، أو سفرًا، سوى سَمٍّ ونحوه) مما يَضرُّ، واضطراره (بأن يخاف التلف إما من جوع، أو يخاف إن ترك الأكل عَجَزَ عن المشي وانقطع عن الرفقة، فيَهْلِك، أو يَعْجِز عن الركوب فَيَهْلِك، ولا يتقيد ذلك بزمن مخصوص) لاختلاف الأشخاصِ فِي ذلك (وجب عليه أن يأكل منه) أي: المُحَرَّم (ما يسُد رمَقَه) بفتح الميم والقاف، أي: بقية روحه (ويأمن معه الموت) لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيهِ}

(1)

؛ وقوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(2)

.

(وليس له) أي: المضطر (الشِّبَعُ) من المُحَرَّم؛ لأن الآية دلَّت على تحريم الميتةِ، واستثنى ما اضطُر إليه، فإذا اندفعت الضرورةُ لم يحل الأكل، كحالةِ الابتداء (كما) يحرم ما (فوق الشِّبَع) إجماعًا، ذكره فِي "الشرح" و"المبدع" (وقال الموفَّق وتبعه جماعة: إن كانت الضرورةُ مستمرةٌ؛ جاز الشِّبَعُ، وإن كانت) الحاجة (مرجوة الزوال؛ فلا) يشبع؛ لعدم الحاجة.

(وله) أي: المضطر (أن يتزوَّد منه) أي: المُحرَّم (إن خاف الحاجةَ)

= أحد أكابر أصحاب القاضي أبي يعلى، خرج من بغداد واستوطن آمد، ودرَّس الفقه فيها إِلَى أن مات سنة (467) هـ رحمه الله تعالى، أَلف كتاب عمدة الحاضر وكفاية المسافر، قال ابن رجب: هو كتاب جليل يشتمل على فوائد نفيسة، ولم يُطبع، انظر: طبقات الحنابلة (2/ 234)، وذيل طبقات الحنابلة (1/ 8).

(1)

سورة البقرة، الآية:173.

(2)

سورة البقرة، الآية:195.

ص: 298

إن لم يتزوَّد؛ لأنه لا ضررَ فِي استصحابها، ولا في إعدادها لدفع ضرورته، وقضاء حاجته، ولا يأكلُ منها إلَّا عند ضرورته.

(فإن تزوَّد، فلقيه مضطرٌّ آخر، لم يجز له بيعُه) منه؛ لأنه ليس بمالٍ لبيعه

(1)

من غيره (ويلزمه إعطاؤه) منه (بغير عوض، إن لم يكن هو) أي: المتزود (مضطرًّا في الحال إِلَى ما معه) فلا يُعطي غيرَه؛ لأن الضررَ لا يُزال بالضرر.

(ويجب) على المضطر (تقديمُ السؤال على أكله) نصَّ عليه

(2)

، وقال لسائل: قُم قائمًا؛ ليكون لك عذرٌ عندَ الله

(3)

. قال القاضي: يأثم إذا لم يسأل. ونقل الأثرم

(4)

: إن اضطر إِلَى المسألةِ فهي مباحةٌ، قيل: فإن توقف؟ قال: ما أظن أحدًا يموت من الجوع، الله يأتيه برزقه (وقال الشيخ

(5)

: لا يجب) تقديم السؤال (ولا يأثم) بعدمه (وإنه ظاهر المذهب) لظاهر نقلِ الأثرم.

(وإن وجد) المضطرُّ (مَن يُطعِمُه ويَسقيه، لم يحِلُّ له الامتناعُ) لأنه إلقاء بنفسه إِلَى الهلاك (و) لا (العدول إِلَى الميتة) لأنه غيرُ مضطر إليها (إلَّا أن يخاف أن يَسُمَّه فيه) أي: في الطعام (أو يكون الطعام مما يضُرُّه، ويخاف أن يُهْلِكَه، أو يمرِضَه) فيمتنع منه، ويعدل إِلَى الميتة؛ لاضطرارهِ إليها.

(وإن وجد طعامًا مع صاحِبِه وميتةً، وامتنع) ربُّ الطعام (من بَذْله)

(1)

في "ذ": "كبيعه".

(2)

التمهيد لابن عبد البر (4/ 122).

(3)

طبقات الحنابلة (1/ 291).

(4)

التمهيد لابن عبد البر (4/ 120).

(5)

الاختيارات الفقهية ص / 464 - 465.

ص: 299

للمضطر (أو بيعه منه، ووجد) المضطرُّ (ثَمنَه، لم يجُزْ له) أي: للمضطر (مكابَرَتُه) أي: ربّ الطعام (عليه، وأخذه منه) لعدم احتياجه إليه بالميتة (ويعدلُ) المضطر (إِلَى الميتة، سواءٌ كان) المضطر (قويًّا يخاف من مكابرته التلفَ، أو لم يخف) التلفَ.

(وإن بذله) -أي: الطعامَ- ربُّه (له) أي: للمضطر (بثمنِ مِثْلِهِ، وقَدَرَ) المضطر (على الثمن، لم يحل له أكلُ الميتة) لاستغنائه عنها بالمباح (وإن بذله) -أي: الطعام- ربُّه (بزيادة لا تُجْحِفُ -أي: لا تَكثُرُ- لَزِمه شراؤه) كالرقبة فِي الكفارة؛ لنُدْرة ذلك، بخلاف ماء الوضوء (وإن كان) المضطر (عاجزًا عن الثمن، فهو في حكم العادم) لما يشتريه

(1)

، فتحل له الميتة.

(وإن امتنع) ربُّ الطعام (من بَذْلِهِ) للمضطر (إلا بأكثَرَ من ثَمَنِ مِثْلِهِ، فاشتراه المضطرُّ بذلك) كراهة أن يجري بينهما دمٌ، أو عجزًا عن قتاله (لم يلزمه) أي: المضطر (أكثر من ثَمَنِ مِثْلِهِ) لأنه وجب على ربِّه بذلُه بقيمته، فلا يستحق أكثرَ منها، فإنْ أخذ أكثر ردَّه، وإلا؛ سقط.

(وليس للمُضطرِّ في سَفَرِ المعصيةِ، كقاطِعِ الطَّريق، و) القِنّ (الآبق الأكلُ من الميتة ونحوها) من المُحرَّمات؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}

(2)

(إلَّا أن يتوبَ) من المعصية، فيأكل من المُحَرَّم؛ لأنه صار بالتوبةِ من أهل الرخصة.

(وإن وجد طعامًا جُهِلَ مالِكُه، وميتةً) أكل من الميتة إن أمكن رَدّ الطعام إِلَى ربه بعينه؛ لأن حقَّ الله مبنيٌّ على المسامحة والمساهلة،

(1)

فِي "ذ": "يشترِ به".

(2)

سورة البقرة، الآية:173.

ص: 300

بخلاف حقِّ الآدمي؛ فإنَّه مبنيٌّ على الشُّحّ والضيق، وحقّه يلزمه غرامته، بخلافِ حقِّ الله. وفي "الفنون": قال حنبلي: الذي يقتضيه مذهبُنا خلاف هذا. فإنْ تعذَّر ردُّه إِلَى ربه بعينه -كالغصوب والأمانات التي لا يُعرف مالكها- قُدِّم أكلُها على الميتة على ما ذكره في "الاختيارات"

(1)

(أو وجد) المضطر (صيدًا حيًّا -وهو مُحْرِم- وميتةً؛ أكل من الميتة) لأن ذبح الصيد جنايةٌ لا تجوز له حال الإحرام.

(وإن وجد) المضطر (صيدًا، وطعامًا جُهِل مالِكُه، بلا ميتة، وهو) أي: المضطر (محرِمٌ؛ أكلَ الطَّعام) لاضطراره إليه، وفيه جنايةٌ واحدة.

(وإن وجد) المضطر (لحمَ صيد ذَبَحَه مُحْرِمٌ، وميتةً؛ أكل من لحم الصيد

(2)

؛ قاله القاضي) وجزم به في "المنتهى"، وقال في "التنقيح": وهو أظهرُ. وقال أبو الخطاب: يأكلُ من الميتةِ. انتهى. ووجه الأول تمييز

(3)

الصيد الذي ذبحه مُحرِمٌ بالاختلاف في أنَّه مُذكّى مع أن كلًّا منهما فيه جنايةٌ واحدة.

(ولو وجد بيضَ صيدٍ) سليمًا (وميتةً، فظاهرُ كلام القاضي: يأكل الميتةَ ولا يكسِرُه) لأن كسرَهُ جنايةٌ لا تجوز له حال الإحرام. وجزم به فِي "المنتهى"(وإن لم يجد) المُحرِمُ المضطرُّ (إلَّا صيدًا؛ ذبحه، وكان ذكيًّا طاهرًا، وليس بنجسٍ ولا ميتة فِي حَقّه) لإباحته له إذًا.

(ويتعيَّن عليه ذبحه في محلّ الذبح) وهو الحلقومُ والمريء (وتُعتبر شروطُ الذكاة فيه) كسائر ما يُذَكَّى.

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 466.

(2)

فِي "ذ": "أكل لحم الصيد".

(3)

في "ح" و"ذ": "تميز".

ص: 301

(وله الشِّبَعُ منه) لأنه ذكيّ لا ميتة.

(ولا يجوزُ) له (قتلُه) إذًا مع تمكنه من ذكاته، كالأهلي المأكول، وهو ميتةٌ في حَقِّ غيره، فلا يُباحُ إلَّا لمن تُباح له الميتة. وتقدم في محظوراتِ الإحرام

(1)

. وكذا لو اضطرَّ إِلَى صيد بالحرم.

(ولو اشتبهت ميتةٌ بمذكَّاة، ولم يجد غيرَهما؛ تحرَّى المضطرُّ فيهما) أي: اجتهد وأكل مما يغلب على ظَنِّه أنها المُذَكَّاةُ؛ للحاجة (وحَرُمَتا على غيره) ممَّن ليس بمضطر، كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات.

(ولو وجد) المضطر (ميتتين مُختَلَفٌ في إحداهما) فقط (أكلها دون المُجمَع عليها) لأن المُختَلَف فيها مباحة على قول بعضِ المسلمين، فإذا وَجَدَها كان واجدًا للمباح على ذلك القول، فتحرم عليه الأخرى؛ ولأنها أخفُّ.

(وإن لم يجد) المضطرُّ (شيئًا) مباحًا ولا مُحَرَّمًا (لم يُبَحْ له أكلُ بعض أعضائه) لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم.

(ومَن لم يجد إلا طعامًا) لم يبذله له مالكُه (أو) لم يجد إلا (ماءً لم يبذله مالكُه، فإن كان صاحبه مضطرًّا إليه، ولو في المستقبل) بأن كان خائفًا أن يضطر (فهو) أي: صاحبه (أحقُّ به) لأنه ساواه فِي الضرورة، وانفرد بالملك، أشبهَ غير حالةِ الاضطرار (إلا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فكان له أخذُ الماءِ من العَطْشان، ويلزمُ كلَّ أحدٍ أن يقيَه) صلى الله عليه وسلم (بنفسِه وماله.

وله) صلى الله عليه وسلم (طلبُه) أي: الماء من العطشانِ ونحوه؛ لقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}

(2)

.

(1)

(6/ 159).

(2)

سورة الأحزاب، الآية:6.

ص: 302

(وليس للمضطر الإيثارُ بالطعام الذي معه في حالِ اضطراره) لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(1)

.

(ولا يجوز لأحدٍ أن يأخذ من المُضطرِّ طعامَه المضطرَّ إليه، فإن أخذه فمات) صاحبُهُ جوعًا (لزمه) أي: الآخذ (ضمانُه) لأنه قتله بغير حق.

(وإن لم يكن صاحبه مضطرًّا إليه، لزمه بَذْلُه) للمضطر (بقيمته) لأنه يتعلَّق به إحياءُ نفسِ آدمي معصوم، فلزمه بَذْلُه، كما يلزمه بَذْل منافعه فِي تخليصه من الغرق.

(فإن أبى) ربُّ الطعام بَذْلَه (أخذه) المضطرُّ (بالأسهل من شراء أو استرضاء، ولا يجوز قتالُه) حيث أمكن أخذُه بدونه؛ لعدم الحاجة إليه، كدفع الصائل.

(فإن أبى) ربُّ الطعام بَذْلَه بالأسهل (أخذه) المضطرُّ (قهرًا) لأنه يستحقه دون مالكه (ويُعطيه) المضطر (عوضه) أي: مثله أو قيمته؛ لئلا يجتمع على مالكه فواتُ العين والمالية.

(فإن منعه) أي: منع ربُّ الطعام المضطرَّ من أخذه (فله قتالُه على ما يسدُّ رمقه) لأنه منعه من الواجب عليه، أشبه مانعي الزكاة.

(فإن قُتِلَ صاحبُ الطعامِ لم يجب ضمانه) لأنه ظالم بقتاله، أشبه الصائل (وإن قُتِلَ المضطرُّ فعليه) أي: صاحب الطعام (ضمانه) لأنه قَتَله ظلمًا.

(ويلزمه) أي: المضطر (عوضه) أي: الطعام (في كلِّ موضعٍ أخذه) لما تقدم.

(1)

سورة البقرة، الآية:195.

ص: 303

(فإن لم يكن) العوض (معه) أي: المضطر (في الحال) بأن كان معسرًا (لزمه) العوض (في ذمته) إذا أيسر؛ للضرورة.

(فإن بادر صاحبُ الطعام فباعه، أو رَهَنه) ونحوه (قبل الطلب؛ صَحَّ) تصرفه؛ لأنه مالكٌ تامٌّ الملك، كالشفيع قبل الطلب.

(ويستحِقُّ) المضطرُّ (أخذَه من المُرْتَهِن والمُشتري) كالمالك الأول (و) إن كان تصرُّفه (بعدَ الطَّلَبِ، لا يصح البيعُ في الأظهر؛ قاله فِي "القواعد"

(1)

) قال: كما لو طالبَ الشفيعُ. قال: وقد يفرق بأن الشفيعَ حقه منحصر فِي عين الشقص، وهذا حقّه فِي سدِّ الرمق، ولهذا كان إطعامُه فرضًا على الكفاية، فإذا نقله إِلَى غيره تعلَّق الحقُّ بذلك الغير، ووجب البذلُ عليه. انتهى. ولهذا أطلق أبو الخطَّاب فِي "الانتصار": أنَّه يصح.

(ولو بذله) أي: الطعامَ ربُّه للمضطر (بثمنِ مِثْلِهِ، لزمه قُبُولُه، ولو كان معسِرًا) ويعطيه ثمنه إذا أيسرَ.

(ولو امتنع المالكُ) لطعام (من البيع) للمضطر (إلا بعقد ربًا، جاز) للمضطر (أخذُه منه قهرًا فِي ظاهر كلام جماعة) لإطلاقهم تحريمَ الربا (فإن لم يَقْدِر) المضطرُّ (على قهره، دخل) معه (فِي العقد) صورةً، كراهة أن يجري بينهما دمٌ (وعزم على ألا يتم عقد الربا) لقوله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(2)

.

(فإن كان البيع

(3)

) الذي فيه الربا (نَساءً، عزم) المضطرُّ (على أن

(1)

ص / 88، القاعدة الثالثة والخمسون.

(2)

سورة البقرة، الآية:275.

(3)

فِي "ذ": "المبيع".

ص: 304

العوض الثابت في الذِّمة قَرْضٌ) تخلّصًا من إتمام الربا (وقال الزركشي: قال بعض المتأخرين: لو قيل: إن له) أي: المضطر (أن يظهر صورة الربا ولا يقاتله) لئلا يجري بينهما دم (ويكون) المضطر (كالمكره) على محرّم؛ لدعاء ضرورته إليه ولا يأثم (فيعطيه من عقد الربا صورته لا حقيقته؛ لكان أقوى) تخلّصًا من القتال؛ لأنه ربما أدى إِلَى قَتْلِ أحدهما.

(ف‌

‌إن لم يجد) المضطرُّ (إلا آدميًّا

مَحْقُونَ الدَّم، لم يُبح قتله ولا إتلاف عضوٍ منه، مسلمًا كان) المَحْقُونُ (أو كافرًا) ذميًّا أو مستأمنًا؛ لأن المعصومَ الحيَّ مثلُ المضطر، فلا يجوزُ له إبقاءُ نفسه بإتلافِ مثله.

(وإن كان) الآدميُّ (مُباحَ الدم كالحربي، والمرتد، والزاني المُحصَن) والقاتل فِي المحاربة (حَلَّ قتلُه وأكله) لأنه لا حُرمةَ له، فهو بمنزلة السباع.

(وكذا) للمضطر أكلُه (بعد موته) لعدم حُرمته.

(وإن وجد) المضطرُّ آدميًّا (معصومًا ميتًا، لم يُبح أكله) لأنه كالحي فِي الحُرْمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كَسْرُ عَظمِ الميِّتِ ككسرِ عظمِ الحيِّ"

(1)

.

(ومن اضطر إلى نَفْعِ مالِ الغير مع بقاء عينه) أي: المال (لدفع بَرْدٍ، أو حَرٍّ، أو) لـ (ـــــاستقاء ماء ونحوه) كالمِقْدَحة (وَجَب) على رَبِّه، (بَذْلُه) للمضطر إليه (مجَّانًا) أي: من غير عوض؛ لأن الله تعالى ذَمَّ على منعه مطلقًا بقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}

(2)

، بخلاف الأعيان كما تقدم.

(وإذا اشتدَّت المَخْمَصة في سَنَة مجاعة، وأصابت الضرورة خَلْقًا كثيرًا، وكان عند بعض الناس قَدْرُ كفايته وكفاية عياله؛ لم يلزمه بَذْلُه

(1)

تقدم تخريجه (4/ 224) تعليق رقم (4).

(2)

سورة الماعون، الآية:6.

ص: 305

للمضطرين، وليس لهم) أي: المضطرين (أخذُه منه) لأن الضررَ لا يُزال بالضرر.

(وإن لم يبقَ دِرهمٌ مُباحٌ؛ أكَلَ عادَتَه، لا ما له عنه غِنىً، كحَلْوى وفاكهة؛ قاله فِي "النوادر") وجزم بمعناه في "المنتهى" وغيره فِي الغصب (وتقدم في الغصب

(1)

.

والترياق) قد تُبْدَل تاؤه دالًا أو طاء (الذي فيه من لحوم الحيّات، أو) فيه شيء من (الخمر مُحرَّم) لأنَّ لَحْمَ الحية والخمر مُحَرَّمان، بخلاف الترياق الخالي منهما فإنَّه يُباح.

(ولا يحوز التداوي بشيء مُحَرَّم، أو) بشيء (فيه مُحَرَّم كألبان الأُتُن، ولحم شيء من المُحَرَّمات، ولا بشرب مُسْكِر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تَتدَاوَوْا بمحرَّم

(2)

" وتقدم فِي الجنائز

(3)

، وتقدم

(4)

: يجوز التداوي ببول إبل.

فصل

(ومَن مَرَّ بثمرٍ على شجر) ببستان (أو) مرَّ بثمر (ساقط تحته) أي: الشجر (لا حائطَ عليه) أي: الشجر (ولا ناظر) أي: حافظ (ولو) كان المارُّ به (غيرَ مسافر ولا مضطر، فله أن يأكل منه مجَّانًا، ولو لغير حاجة) إِلَى أكله (ولو) أكله (عن غصونه من غير رميه بشيء ولا ضربه، ولا صعود شجرةٍ) لما روى أبو سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيت حائطَ بستان، فنادِ: يا صاحِبَ البُستانِ، فإنْ أجابكَ، وإلَّا؛ فكُلْ من غيرِ أن

(1)

(9/ 297).

(2)

في "ذ": "بحرام" وهو الموافق للرواية.

(3)

(4/ 7) تعليق رقم (4).

(4)

انظر: (14/ 282) تعليق رقم (2).

ص: 306

تُفْسِد" رواه أَحْمد، وابن ماجه

(1)

، ورجاله ثقات؛ قاله فِي "المبدع" وروى سعيدٌ بإسناده عن الحسن، عن سَمُرة نحوه مرفوعًا

(2)

، وفعلَه

(1)

أَحْمد (3/ 21، 85 - 86)، وابن ماجه فِي التجارات، باب 85، حديث 2300. وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى (2/ 439، 465) حديث 1244، 1287، والطحاوي (4/ 240)، وابن حبان "الإحسان" (12/ 87) حديث 5281، والحاكم (4/ 132)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 99، 6/ 203 - 204)، والبيهقي (9/ 359 - 360) من طريق يزيد بن هارون. وأخرجه -أيضًا- أَحمد (3/ 85)، والطحاوي (4/ 240) من طريق علي بن عاصم، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد رضي الله عنه. وصححه الحاكم على شرط مسلم، وأقره الذهبي.

وقال البيهقي: تفرد به سعيد بن إياس الجريري، وهو من الثقات إلَّا أنَّه اختلط في آخر عمره، وسماع يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه. ورواه -أيضًا- حماد بن سلمة، عن الجريري وليس بالقوي. وقد رُوي عن أبي سعيد الخدري بخلاف ذلك، ثم ذكر ذلك. وقال البوصيري فِي مصباح الزجاجة (2/ 25 - 26): هذا إسناد ضعيف، فيه الجُرَيري، واسمه سعيد بن إياس، وقد اختلط بأخرة، ويزيد بن هارون روى عنه بعد الاختلاط، لكن أخرج له مسلم فِي صحيحه من طريق يزيد بن هارون عن الجُريري. فالله أعلم.

(2)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرج أبو داود في الجهاد، باب 93، حديث 2619، والترمذي فِي البيوع، باب 60، حديث 1296، والطبراني فِي الكبير (7/ 211) حديث 6877، والبيهقي (9/ 359)، من طريق قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها، فليستأذنه فإن أذن له، فليحتلب وليشرب، فإن لم يكن فيها، فليصوت ثلاثًا، فإن أجابه، فليستأذنه، وإلا فليحتلب وليشرب، ولا يحمل.

قال الترمذي: حديث سمرة حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول أَحْمد وإسحاق. وقال علي بن المدينيّ: سماع الحسن من سمرة صحيح، وقد تكلم بعض أهل الحديث فِي رواية الحسن عن سمرة، وقالوا: إنما يحدث عن صحيفة سمرة.

وقال البيهقي: أحاديث الحسن عن سمرة لا يثبتها بعض الحفاظ ويزعم أنها من =

ص: 307

أنسٌ

(1)

، وعبد الرحمن بن سَمُرة، وأبو برزة

(2)

، وهو قول عمرَ

(3)

وابن عباس

(4)

، وعلم منه أنه لا يجوز له رب بشيء، ولا ضربه

(5)

، ولا صعود شجره؛ لأنه يفسده.

(واستحبَّ جمَاعة) منهم صاحب "الترغيب"(أن يُنادي) المار (قبل الأكل ثلاثًا: يا صاحبَ البستان، فإن أجابه، وإلا؛ أكل؛ للخبر) السابق.

(وكذا يُنادي للماشية) إذا أراد الشربَ من لبنها (ونحوها) كزرع

= كتاب، غير حديث العقيقة الذي قد ذكر في السماع وإن صح فهو محمول على حال الضرورة.

وقال الحافظ في الفتح (5/ 89): إسناده صحيح إلى الحسن، فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومَن لا؛ أعله بالانقطاع، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد مرفوعًا.

(1)

لم نقف على من أخرجه مسندًا.

(2)

أخرج ابن أبي شيبة (6/ 85)، عن أبي زينب قال: سافرت في جيش مع أبي بكرة، وأبي برزة، وعبد الرحمن بن سمرة، فكنا نأكل الثمار.

(3)

أخرج ابن أبي شيبة (6/ 83 - 84)، والبيهقي (9/ 359)، عن عمر رضي الله عنه قال: من مرَّ منكم بحائط فليأكل في بطنه ولا يتخذ خبنة.

وأخرج البيهقي (9/ 359) -أيضًا- عن عمر قال: إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدًا منكم، وإذا مررتم براعي الإبل فنادوا: يا راعي الإبل فإن أجابكم فاستسقوه، وإن لم يجبكم فحلوها واشربوا ثم صروها.

قال البيهقي: هذا عن عمر رضي الله عنه صحيح بإسناديه جميعًا، وهو محمول عندنا على حال الضرورة، والله أعلم.

(4)

أخرج ابن أبي شيبة (6/ 88)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إذا مررت بنخل أو نحوه وقد أحيط عليه حائط فلا تدخله إلا بإذن صاحبه، وإذا مررت به في فضاء الأرض فكل ولا تحمل.

(5)

في "ذ": "ولا ضربه به".

ص: 308

قائمٍ قياسًا على الثمرة.

(ولا يحمل) من الثمرة إذا مرَّ بها، ولو بلا حائطٍ، ولا ناطورٍ؛ لقول عمر:"يأكلُ ولا يتخد خُبنةً"

(1)

، وهي بضم الخاء المعجمة: ما يحمله في حِضنه.

(ولا يأكل من) ثمر (مجموع مجني

(2)

) لإحرازه.

(ولا) يأكل من ثمر (ما وراء حائط) أو عليه ناطور؛ لأن إحرازه بذلك يدلُّ على شحِّ صاحبه (إلا لضرورة) بأن يكون مضطرًا، فيأكل للضرورة (مُلتزِمًا عوضَه) لربّه، كغير الثمرِ (وكثمر زرع قائم كبُرٍّ يؤكلُ فريكًا عادة) لأن العادة جارية بأكله رطبا، أشبه الثمر (وباقِلاءَ وحِمِّص أخضرين ونحوهما مما يؤكل رطبًا عادة) لما سبق (ولبن ماشيةِ إذا مر بها كالثمرة) لما روى الحسنُ عن سَمُرةَ مرفوعًا قال: "إذا أتى أحدُكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبُها فليستأذنهُ، وإن لم يجبهُ أحد

(3)

فليحتلب وليشرب ولا يحمل" رواه الترمذي

(4)

وصحّحه، وقال: والعملُ عليه عند بعض أهل العلم.

وحديثُ ابنِ عمر -مرفوعًا: "لا يحتلبن أحدٌ ماشية أحدٍ إلا بإذنه" متفق عليه

(5)

- يحتمل حملهُ على ما إذا كان عليها حائط أو حافظ، جمعًا بين الخبرين.

(1)

تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

في "ذ": "ومجني".

(3)

في "ذ": "وإن لم يجد أحدًا".

(4)

تقدم تخريجه (14/ 310) تعليق رقم (2).

(5)

البخاري في اللقطة، باب 8، حديث 2435، ومسلم في اللقطة، حديث 1726، ولفظهما: لا يحلبن.

ص: 309

(بخلاف شعير ونحوه) مما لم تَجرِ العادة بأكله رَطبًا، فلا يجوز الأكلُ منه؛ لعدم الإذن فيه شرعًا وعادة.

(والأولى في الثمارِ وغيرها) كالزرع، ولبن الماشية (ألا يأكل منها إلا بإذن) خروجًا من الخلاف.

(و‌

‌لا بأس بأكل جُبنِ المجوس وغيرهم من الكفار،

ولو كانت إنْفحَّتُه من ذبائِحهم، وكذا الدُّروز والتَّيامنة

(1)

والنُّصيرية) جيلٌ من الناسِ يتزوجونَ محارِمَهم، ويفعلون كثيرًا من البدع. سئل أحمدُ عن الجُبن، فقال: يؤكل عن كل أحدٍ، فقيل له عن الجبن الذي يصنعه المجوس، فقال: ما أدري

(2)

، وذكر أن أصح حديث فيه حديثُ عمرَ "أنه سُئل عن الجبنِ، وقيل له: يعمل فيهِ إنفحّة الميتة، قال: سمُّوا اسمَ الله وَكلُوا"

(3)

.

(ولا يجوز أن يشتري الجوز، ولا البيض الذي اكتسب من القمار؛ لأنهم يأخذونه بغير حق) فلا يملكونه، وكذا كل ما يأخذ

(4)

بالقمار.

فصل

أوَّلُ من أضافَ الضيفَ إبراهيمُ الخليلُ عليه السلام

(5)

؛ قاله في

(1)

تقدم التعريف بهم (9/ 498) تعليق رقم (2)، و (11/ 353) تعليق رقم (1)، وانظر (14/ 267).

(2)

انظر: مسائل الكوسج (5/ 2256) رقم 1538، ومسائل أبي داود ص / 257، ومسائل ابن هانئ (2/ 114) رقم 1666، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (27/ 264).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 538) رقم 8782 - 8783، 8787، وابن أبي شيبة (8/ 97، 99 - 100)، والبيهقي (10/ 6).

(4)

في "ذ": "أخذ".

(5)

أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل ص / 10، حديث 18، والطبراني في الأوائل =

ص: 310

"الحاشية".

و (تجبُ على المسلم ضيافة المسلم المسافرِ المجتاز، إذا نزلَ به في القرى) لما روى المقدادُ بن أبي كريمة

(1)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليلةُ الضيفِ واجبةٌ على كل مسلم، فإن أصبح بِفِنائه محرومًا كان دَينًا عليه، إن شاءَ اقتضاه، وإن شاءَ ترك" رواه سعيد، وأبو داود

(2)

، وإسناده ثقات، وصحّحه في "الشرح".

وروى أحمد، وأبو داود:"فإن لم يَقرُوهُ فله أن يُعقِبهم بمثلِ قِراهُ"

(3)

وفي حديث عقبة: "فإن لم يفعلوا

= ص / 35، حديث 10، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 395، 7/ 97) حديث 8641، 9615، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.

وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 459، بعد حديث 1250، ومالك في الموطأ (2/ 922)، وابن أبي شيبة (11/ 522، 14/ 69)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 211، 6/ 395) رقم 6392، 8640، 8642، عن سعيد بن المسيب موقوفًا. وقال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف.

(1)

كذا في الأصول: "المقداد بن أبي كريمة" وهو خطأ، والصواب:"المقدام أبو كريمة" كما في مصادر التخريج.

(2)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وأخرجه أبو داود في الأطعمة، باب 5، حديث 3750. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الأدب المفرد ص / 193، حديث 744، وابن ماجه في الأدب، باب 5، حديث 3677، والطيالسي ص / 157، حديث 1151، وأحمد (4/ 130، 132 - 133) وهناد في الزهد (2/ 512) حديث 1055، والطحاوي (4/ 242) وفي شرح مشكل الآثار (7/ 246 - 247) حديث 2812 - 2813، وابن قانع في معجمه (3/ 107)، والطبراني في الكبير (20/ 263 - 264، 281) حديث 621 - 624، 665، والبيهقي (9/ 197).

والحديث سكت عليه أبو داود، والمنذري وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 239) حديث 2204، وقال: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

(3)

أحمد (4/ 131)، وأبو داود في السنة، باب 6، حديث 4604. وأخرجه -أيضًا- =

ص: 311

فلهم

(1)

حقُّ الضيفِ الذي ينبغي لهم" متفق عليه

(2)

.

و (لا) تجب الضيافة في (الأمصار) لأنه يكون فيها السوقُ والمساجدُ، فلا يحتاجُ مع ذلك إلى الضيافة، بخلاف القُرى، فإنه يبعد فيها البيعُ والشراء، فوجبت ضيافة المجتاز -إذا نزل بها- وإيواؤه؛ لوجوب حفظ الناس (مجّانًا) فلا يلزم الضيفَ عوضُ الضيافة (يومًا وليلة) لما روى أبو شُريح الخزاعي مرفوعًا قال:"الضيافة ثلاثةُ أيام، وجائزته يوم وليلة" متفق عليه

(3)

.

والضيافة (قَدْر كفايتهِ مع أُدْمٍ، وفي "الواضح": لفرسِه تِبْنٌ لا شعير) قال في "الفروع": ويتوجه وجهٌ: كأُدْمِه، وأوجب شيخُنا المعروفَ عادة، قال: كزوجة، وقريب، ورقيق

(4)

.

(ولا تجبُ) الضيافة (للذمي إذا اجتاز بالمسلم) لأنّه لا يساوي المسلم في وجوبِ الإكرام.

(فإن أبى) المنزولُ به ضيافةَ المسلم (فللضيف طلبه به) أي: بحق ضيافتِه (عند حاكم) لوجوبه عليه كالزوجة (فإن تعذَّر) على الضيف أن

= الطبراني في الكبير (20/ 282) حديث 668، وفي مسند الشاميين (2/ 137) حديث 1061، والخطيب في الفقيه المتفقه (1/ 89)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 149 - 150)، من طريق حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، عن المقدام بن معدي كرب، به.

(1)

في "ح": "فخذوا منهم" وهو الموافق للرواية.

(2)

البخاري في المظالم، باب 18، حدث 2461، وفي الأدب، باب 85، حديث 6137، ومسلم في اللقطة، حديث 1727.

(3)

البخاري في الأدب، باب 31، 85، حديث 6019، 6135، وفي الرقاق باب 23، حديث 6476، ومسلم في اللقطة، حديث (14 - 15) بعد حديث 1726.

(4)

الاختيارات الفقهية ص / 467.

ص: 312

يحاكمه (جاز له الأخذُ من ماله بقَدْرِ ضيافته) الواجبة (بغير إذنه) لما تقدم.

(وتُسنُّ ضيافتُه ثلاثة أيام) لحديث أبي شُريح الخزاعي (والمرادُ يومان مع اليوم الأول، فما زادَ على الثلاثة، فهو صدقة) لحديث أبي شريح الخزاعي يرفعه قال: "مَن كانَ يؤمن بالله واليومِ الآخرِ، فليكرم ضيفَهُ جائزته، قالُوا: وما جائزتُه يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته، والضيافة ثلاثةُ أيامٍ، وما زاد على ذلك فهو صدقةٌ، لا يحل لهُ أن يثوي عندهُ حتى يؤْثِمَه، قيل: يا رسول الله، كيفَ يؤثِمُه؟ قال: يقيمُ عنده وليس عنده ما

(1)

يَقريه" متفق عليه

(2)

.

(ولا يجب عليه إنزاله) أي: الضيف (في بيته) لما فيه من الحرج والمشقة (إلا ألّا يجد) الضيفُ (مسجدًا، أو رباطًا ونحوَهما يبيت فيه، ولا يخافُ منه) ضررًا، فيلزمه إنزاله في بيته للضرورة.

(ومن قدَّم لضيفانه طعامًا لم يجز لهم قسمه؛ لأنه إباحة) لا تمليك.

(ويجوزُ للضيف الشرب من كوز صاحبِ البيت، والاتكاء على وسادة) موضوعة لذلك (وقضاء حاجته في مِرحاضِه من غير استئذانٍ باللفظ) لأنه مأذون فيه عُرفًا (كطَرقِ بابه عليه، وطرق حَلْقته) أي: الباب.

(قال الشيخ: من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي، فمذمومٌ مبتدع.

(1)

في "ذ": "شيء".

(2)

تقدم تخريجه آنفًا.

ص: 313

وما نُقِل عن) الإمام (أحمدَ أنه امتنع من أكل البِطيخ -لعدم علمِه بكيفية أكلِ النبي صلى الله عليه وسلم له- كذبٌ) ذكره الشيخُ تقي الدين

(1)

.

وفي "عمدة الصفوة في حل القهوة" لشيخ شيخِنا الجَزِيري

(2)

نقلًا عن "تاريخ المَقْرِيزيّ

(3)

" المُسمَّى بـ "المُقفَّى"

(4)

: أنَّ الشيخ أبا علي الحسن بن عيسى بن سراج الناسخ

(5)

-وكان من كبار الصالحين- رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا رسول الله كيف يؤكل البِطيخ؟ فقطع شقة وأكلها من جهة اليمين إلى نصفها ثم حوَّلها إلى الجانب الآخر وأكلها حتى فرغت، وقال: هكذا يؤكل البِطيخ. انتهى. ومن المعلومِ أن رؤيا المنامِ لا تثبت بها الأحكامُ، لكنها

(6)

استئناسٌ.

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 467.

(2)

هو عبدالقادر بن محمد بن عبدالقادر، الجزيري -نسبة إلى الجزيرة الفراتية بالقرب من بغداد- صاحب "درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة" تتلمذ لأبي صاحب المنتهى والشهاب الرملي، كان حيًّا سنة (976 هـ) رحمه الله تعالى. السحب الوابلة (2/ 569) مع حواشي محققيه.

(3)

هو أحمد بن علي بن عبدالقادر بن محمَّد بن إبراهيم بن محمد بن تميم، التقي أبو العباس، ويعرف بابن المقريزي، توفي سنة (845 هـ) رحمه الله تعالى. الضوء اللامع (2/ 21 - 25)، والبدر الطالع للشوكاني (1/ 79 - 81).

(4)

المقفى الكبير (3/ 442 - 443).

(5)

قال المقريزي في المقفى الكبير (3/ 442): مولده سنة سبعين وخمسمائة، وصحب جماعة من الصالحين، وانقطع بسفح المقطم، ثم توجه إلى الإسكندرية، فتوفي بها في يوم الجمعة سابع عشرين ذي الحجة سنة ست وعشرين وستمائة. ا هـ، وانظر: التكملة لوفيات النقلة (3/ 255).

(6)

في "ذ": "لكنه".

ص: 314

‌باب الذكاة

قال الزَّجّاج: الذكاةُ: تمامُ الشيء، ومنه الذكاء في السن، وهو: تمامُ السن

(1)

. وسُمي الذبحُ ذكاةً؛ لأنه إتمامُ الزهوق، وأصلُ ذلك قولُه تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}

(2)

، أي: إلا ما أدركتموه وفيه حياةٌ فأَتْمَمْتُمُوه، ثم استعمل في الذبح سواء كان بعد جرح سابق، أو ابتداء. يُقال: ذَكَّى الشاةَ ونحوها تذكيةً، أي: ذبحها، والاسمُ الذكاةُ، والمذبوحُ ذكي، فعيل بمعنى مفعول.

(وهي) أي: الذَّكاةُ شرعًا (ذبحُ) مقدورٍ عليه (أو نَحْرُ مقدورٍ عليه مباحٍ أكلُه من حيوانٍ يعيش في البر، لا جرادٍ ونحوه) كالجُندُب، والدَّبي، بوزن عصا: الجرادُ يتحرك قبل أن تنبتَ أجنحتُه

(3)

(بقطع حلقوم ومَرِيءٍ) ويأتي بيانهما (أو عقرٍ، إذا تعذَّر) قطعُ الحلقوم والمريء.

(فلا يُباح شيءٌ من الحيوان المقدور عليه من الصيد، والأنعام، والطير إلا بالذكاة، إن كان مما يعيش في البر) لقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (2)؛ ولأن الله تعالى حرَّم الميتة، وهي ما زَهَقَت نفسُه بسببٍ غيرِ مباح، أو ليس بمقصودٍ، وما لم يُذَكَّ، فهو ميتةٌ فيحرمُ لذلك (إلا الجراد وشِبْهه) كالجُندُب، فيحلُّ (ولو ماتَ بغير سببٍ، من كَبْسٍ وتغريقٍ.

فأما السَّمك وشِبْهه) من حيوانات البحرِ (مما لا يعيشُ إلا في

(1)

معاني القرآن للزجاج (2/ 145 - 146).

(2)

سورة المائدة، الآية:3.

(3)

المصباح المنير (1/ 189) مادة (دبي).

ص: 315

الماءِ، فَيُباحُ بغير ذكاةٍ سواءٌ صاده إنسانٌ، أو نبذَه البحرُ، أو جَزر) الماءُ (عنه، أو حُبِس في الماءِ بحظيرة حتى يموتَ، أو ذكَّاه أو عَقرَه في الماء، أو خارجِه، أو طفا عليه) أي: على الماء؛ لعموم حديثِ ابن عمر مرفوعًا قال: "أُحل لنا ميتتانِ ودمان، فأمَّا الميتتانِ فالحوتُ والجرادُ، وأمّا الدَّمانِ فالكبدُ والطِّحالُ" رواه أحمدُ، وابن ماجه، والدارقطني

(1)

.

(وما كان مأواه البحرَ، وهو يعيشُ في البر -ككلبِ الماء، وطيره، وسُلَحْفاة) أي: الماء (وسرطان، ونحو ذلك- لم يُبح المقدور عليه منه إلا بالتذكية) لأنه لمَّا كان يعيش في البر، لَحِق

(2)

بحيوان البر احتياطًا. قال أحمد: كلبُ الماء نذبحُه

(3)

، ولا أرى بالسُّلَحْفاة بأسًا إذا ذبح

(4)

. أما السُّلَحفاة البرية فنقل الدميريُّ عن الرافعي

(5)

أنه رجَّح التحريم؛ لأنها خبيثةٌ؛ لأنها تأكلُ الحيَّاتِ، ونقل عن ابن حزم

(6)

أنه قال بحلِّها بريةً كانت أو بحرية

(7)

.

(وذكاةُ السرطان أن يُفعَل به ما يموتُ به) بأن يعقر في أيِّ موضعٍ كان كَمُلْتَوٍ

(8)

عنقه.

(وكره) الإمام (أحمد شيَّ السمكِ الحيِّ

(9)

) لأن له دمًا؛ ولا حاجةَ

(1)

تقدم تخريجه (1/ 450) تعليق رقم (1).

(2)

في "ح" و"ذ": "ألحق".

(3)

في "ذ": "تذبحه".

(4)

مسائل عبد الله (3/ 889 - 890) رقم 1198 - 1199.

(5)

العزيز في شرح الوجيز (12/ 143).

(6)

المحلى (7/ 410).

(7)

حياة الحيوان (2/ 25).

(8)

في "ذ": "كملتوى".

(9)

مسائل أبي داود ص / 258، وكتاب الروايتين والوجهين (3/ 22).

ص: 316

إلى إلقائه في النار؛ لإمكان تركه حتى يموت بسرعةٍ، ولم يَكره أكلَ السمكِ إذا أُلقي في النار، إنما كره تعذيبه (لا) شيّ (جرادٍ) حيًّا؛ لأنه لا دمَ له، ولا يموتُ في الحال، بل يبقى مدةً

(1)

. وفي "مسند" الشافعي "أنَّ كعبًا كان مُحْرِمًا، فمرَّت به رِجْلُ جراد، فنسي وأخذ جرادتين فألقاهما في النار فشواهما فذكر ذلك لعُمر، فلم يُنكر عمرُ تركهما في النارِ"

(2)

.

(ويحرم بلعُ السَّمك حيًّا) ذكره ابنُ حزم

(3)

إجماعًا. وفي "المغني" و"الشرح": يُكره.

(ويجوز أكلُ الجراد بما فيه، و) أكل (السمك بما فيه، بأن يُقْلى) الجراد أو السمك (أو يُشوى، ويؤكلُ من غير أن يشقَّ جوفُه) ويُخرجَ ما فيه؛ لعمومِ النص في إباحته، وكدودِ الفاكهة تبعًا.

فصل

(ويُشترط للذكاة) ذبحًا كانت أو نحرًا (شروطٌ) أربعة:

(أحدها: أهلية الذابح) أو الناحر، أو العاقر (وهو أن يكون عاقلًا قاصدًا التذكيةَ) لأن التذكيةَ أمرٌ يُعتبر له الدِّينُ

(4)

، فَيُعتبر له العقلُ، كالغسل، فتصح ذكاةُ العاقل (ولو) كان (مُكرَهًا) على ذبح ملكه، أو ملكِ

(1)

مسائل عبد الله (3/ 883 - 884) رقم 1189، ومسائل صالح (2/ 245) رقم 839.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 211) تعليق رقم (5).

(3)

نقل ابن حزم في مراتب الإجماع ص / 242 - وعنه ابن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 927) - الإجماعَ على تحريم بَلْع الجراد حيًّا. وأطلق الإجماع على أنَّ أكلَ كلِّ حيوان حال حياته لا يحل.

(4)

"الدين" كذا في الأصول، وعَلَّق الشيخ حمود التويجري رحمه الله على نسخته (4/ 121) ما نصه:"لعله النيَّة".

ص: 317

غيره؛ لأن له قصدًا صحيحًا (أو أقلف، وتُكره ذبيحته) نقل حنبل

(1)

في الأقلف: لا صلاةَ له ولا حجَّ، هي من تمام الإسلام. ونقل الجماعةُ: لا بأس

(2)

. قال في "الشرح": وعن أحمد

(2)

: لا تؤكلُ ذبيحة الأقلف، ورُوي عن ابن عباس

(3)

. والصحيح: إباحته؛ فإنه مسلمٌ، أشبهَ سائر المسلمين.

(فلو وقعت الحديدةُ على حَلْق شاةٍ، فذبحتها) لم تُبح (أو ضَرَب إنسانًا بسيف؛ فقطع عُنق شاةٍ، لم تُبح)

(4)

لعم قصدِ التزكية.

(ولا تُعتبر) لصحة الذكاة (إرادةُ الأكل) اكتفاءً بإرادة التذكية (مسلمًا كان الذابح أو كتابيًّا -ولو حربيًّا- أو من نصارى بني تغلب) لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}

(5)

، قال البخاريُّ: قال ابنُ عباس: "طعامُهم ذبائحهم"

(6)

. وروى سعيد بإسنادٍ جيد عن ابن مسعودٍ قال: "لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب"

(7)

(ذكرًا) كان الذابح (أو أنثى، حرًّا أو عبدًا) ولو آبقًا (ولو جُنُبًا، وحائضًا،

(1)

كتاب الترجل من الجامع للخلال ص / 164، رقم 176.

(2)

مسائل الكوسج (5/ 2248) رقم 1529.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 483) رقم 8562، وابن أبي شيبة (7/ 339)، والخلال كما في تحفة المودود ص / 118 - 119، وابن المنذر كما في الفتح (9/ 637)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 396) رقم 8643. وصحح إسناده الحافظ في الدراية (2/ 173).

(4)

زاد في "ذ": "الشاة".

(5)

سورة المائدة، الآية:5.

(6)

ذكره البخاري في الذبائح والصيد، باب 22، قبل حديث 5508 معلقًا.

ووصله البيهقي (9/ 282)، من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.

(7)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وأخرج عبد الرزاق (4/ 487) رقم 8578، من طريق قيس بن سكن قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: فإن كان ذبيحة يهودي، أو نصراني فكلوه، فإن طعامهم حل لكم.

ص: 318

ونُفساء، وأعمى، عدلًا أو فاسقًا) لعموم الأدلةِ وعدمِ المخصِّص (والمسلم بالذَّبْحِ أولى من الكتابي) لكماله؛ ولأنه أحوطُ.

(ولا تُباح ذبيحة مَن أحد أبويه كافرٌ غير كتابي) كولد مجوسية من كتابي، فلا تحل ذبيحتُه تغليبًا للتحريم.

(ولا) يُباح (صيده غير سمك ونحوه) من حيوانات البحر، والجراد ونحوه؛ لحل ميتته (ولا زكاة مجنون وسكران، وطفل غير مميز) لأنه لا قصد لهم.

(وتُباح) الذكاة (من مميز ولو دون عشر) سنين؛ لأن له قصدًا صحيحًا، أشبه البالغ.

(ولا) تُباح (ذكاة مرتد، وإن كانت رِدَّته إلى دين أهل الكتاب، ولا مجوسي، ولا وثني، ولا زنديق، وكذا الدروز، والتيامنة

(1)

، والنُّصَيرية بالشام) لقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}

(2)

فمفهومُه تحريم طعام غيرهم من الكفار، وإنما أخذت من المجوس الجزية؛ لأن شُبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم، فلما غُلِّب التحريمُ في دمائهم، وجب أن يُغَلَّب عدم الكتاب في تحريم ذبائحهم ونسائهم احتياطًا للتحريم في الموضعين (ويؤكل من طعامهم) أي: المرتد، والمجوسي، والوثني، والزنديق، والدروز، والتيامنة، والنُّصيرية (غير اللحم والدسم) أي: الشحم، والكوارع

(3)

، والرؤوس، ونحوها من أجزاءِ الذبيحة؛ لأنها ميتةٌ، وكلُّ أجزائها ميتة.

(1)

تقدم التعريف بهم (9/ 498) تعليق رقم (2)، و (11/ 353) تعليق رقم (1)، وانظر (14/ 267، 310).

(2)

سورة المائدة، الآية:5.

(3)

"والكوارع جمع كارعة، وإنما يجمع على أكارع لا كوارع". ش.

ص: 319

(فلو ذبح مَنْ لا تحل ذبيحته) كالمجوسي (حيوانًا لغيره بغير إذنه، ضمنه بقيمته حيًّا) لأنه أتلفه عليه (و) إن كان ذبحه للحيوان (بإذنه) أي: إذن مالكه (لا يضمن) لإذن ربه في إتلافه.

الشرط (الثاني: الآلة، وهو) أي: الذبح بآلة (أن يذبح بآلة محددة تقطع، أو تخرق بحدها، لا) إن قطعت أو خرقت (بثقلها، من حديد كانت) الآلة (أو) من (حَجَر، أو خشب، أو قصب، أو عظم، أو غيره إلا السِّنَّ والظُّفُرَ) فلا يصح الذَّكاة بهما (متصلينِ أو منفصلينِ) لحديث أبي رافع مرفوعًا: "ما أنهر الدَّم فَكُلْ ليس السِّن والظُّفر" متفق عليه

(1)

.

وعن كعب بن مالك عن أبيه

(2)

"أنه كانت لهم غنم ترعى بسَلْعٍ، فأبصرت جاريةٌ لنا بشاة من غنمها موتًا، فكسرت حجرًا، فذبحتها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسألَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أُرسل إليه، فأمرَ مَن يسأله، وأنه سألَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أو أرسل إليه، فأمره أن يأكلها" رواه أحمد، والبخاري

(3)

. وفيه من الفوائد إباحةُ ذبيحةِ المرأة، والأَمَة، والحائض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل، والذبحِ بالحَجَر، وذبح ما خِيف عليه

(1)

البخاري في الشركة، باب 3، 16، حديث 2488، 2507، وفي الجهاد والسير، باب 191، حديث 3075، وفي الذبائح والصيد، باب 16، 18، 20، 23، 36 - 37، حديث 5498، 5503، 5506، 5509، 5543 - 5544، ومسلم في الأضاحي، حديث 1968.

(2)

"قوله: عن كعب بن مالك عن أبيه. صوابه: عن ابن كعب بن مالك عن أبيه، وابن كعب هذا هو عبدالله كما في أطراف المزي [8/ 314] أو عبدالرحمن كما اقتضاه ترجيح الحافظ ابن حجر في "الفتح [4/ 482] ". ش.

(3)

أحمد (3/ 454)، والبخاري في الوكالة، باب 4، حديث 2304، وفي الذبائح والصيد، باب 18 - 19، حديث 5501 - 5502، 5504 - 5505، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه.

ص: 320

الموت، وحِلِّ ما يذبحُه غيرُ مالكه بغير إذنه، وإباحةُ ذبيحةِ الغير عند الخوف عليها.

(فإن ذبح بآلةٍ مغصوبة، أو) بآلةٍ من (ذهب ونحوها) كفضة (حلَّ) المذبوح؛ لأن المقصود إنهار الدم، وقد وُجِدَ.

(ويُباح المغصوب لرَبّه، ولغيره، إذا ذبحه غاصِبُهُ أو غيره، سهوًا أو عمدًا، طوعًا أو كرهًا، ولو بغير إذن رَبِّه) لما تقدم.

الشرط (الثالث: أن يقطع الحُلْقُوم وهو مجرى النَّفَس. قال الشيخ: سواء كان القطع فوق الغَلْصَمَة -وهي الموضع الناتيء من الحَلْق- أو) كان القطع (دونها) أي: الغَلْصَمة (وأن يقطع المَرِيء -وهو البُلْعوم، وهو مجرى الطعام والشراب-) قال عمر: "النحر في اللَّبَّة والحَلْق لمن قدر"

(1)

احتج به أحمد

(2)

. وروى سعيد، والأثرمُ عن أبي هريرة قال:"بعث النبي صلى الله عليه وسلم بُديل بن ورقاءَ يصيح في فجاجِ مِنًى: ألا إنَّ الذكاة في الحَلْق واللَّبَّة" رواه الدارقطني

(3)

بإسناد جيد.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 495) رقم 8614، وابن أبي شيبة (5/ 392)، والبيهقي (9/ 278) وقال: روي هذا من وجه ضعيف مرفوعًا، وليس بشيء. انظر ما يأتي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

انظر: المغني (13/ 303).

(3)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور، والأثرم لعله رواه في سننه، ولم تطبع، وأخرجه الدارقطني (4/ 283). وأخرجه -أيضًا- ابن الجوزي في التحقيق (2/ 361) حديث 1939، من طريق سعيد بن سلام، عن عبدالله بن بديل الخزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.

قال ابن عبدالهادي في التنقيح (3/ 382): فيه سعيد بن سلام العطار أجمع الأئمة على ترك الاحتجاج به، وقال البخاري: يذكر بوضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك يحدث بالأباطيل.

وقال الحافظ في الدراية (2/ 207): إسناده واهٍ.

ص: 321

(فإن أبانهما) أي: الحُلْقوم والمَرِيء (كان أكملَ) للخروج من الخلاف (وإلا) أي: وإن لم يَبِنْهما (صح) الذبح، وحلَّ المذبوح؛ قوَّاه في "الفروع".

(ولا يُشترط قَطْعُ الوَدَجَين، وهما عِرقان محيطان بالحُلْقوم) لأنه قطع في محل الذبح ما لا يبقى الحيوانُ معه، أشبه ما لو قطع الأربعة (والأولى قطعُهما) أي: الوَدَجَين، خروجًا من الخلاف. وروى سعيد بإسنادٍ حسن عن ابن عباس:"إذا أُهرِيق الدَّمُ، وقُطِعَ الوَدَجُ فكُلْ"

(1)

.

(ولا يضرُّ رَفْعُ يدِه) قبل الإتمام (إن أتمَّ الذَّكَاة على الفور) واعتبر في "الترغيب" قطعًا تامًّا، فلو بقي من الحلقوم جلدة، ولم ينفذ القطع، وانتهى الحيوان إلى حركة المذبوح، ثم قطع الجلدة، لم يحلَّ.

(و‌

‌محل الذكاة الحَلْقُ واللَّبَّة

-وهي الوَهْدة التي بين أصلِ العنق والصدر-) لما تقدم (فيذبحُ في الحَلْق، ويَنْحَرُ في اللَّبَّة) واختص الذبح بالمحلِّ المذكور؛ لأنه مجمع العروق، فيخرج بالذبح فيه الدماءُ السيالة، ويسرع زهوق الروح، فيكون أطيبَ لِلَّحْمِ، وأخفَّ على الحيوان.

(ويُسنُّ أن يَنْحَر البعير، ويذبح ما سواه) لأنه صلى الله عليه وسلم "نحرَ البُدْنَ وذبحَ كبشين أملحين بيده" متفق عليه

(2)

.

(فإن عكس) بأن ذبح البعيرَ، ونحَر غيره (أجزأ) لقوله صلى الله عليه وسلم:"أنْهِر الدم بما شئت"

(3)

. وقالت أسماء: "نَحَرْنا فرسًا على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد أورده ابن حزم في المحلى (7/ 444)، من طريق سعيد بن منصور، عن إسماعيل بن زكريا، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به. وصححه.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 398) تعليق رقم (1 - 3).

(3)

أخرجه أبو داود في الضحايا، باب 15، حديث 2824، والنسائي في الصيد، باب =

ص: 322

فأكلناهُ، ونحن بالمدينة"

(1)

. وعن عائشة: "نَحر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرةً واحدة"

(2)

.

(والنحر أن يطعنَه بمُحَدَّدٍ في لَبَّتِهِ) وتقدمت.

(فإن عَجَزَ) المُذكِّي (عن قَطْعِ الحُلْقوم والمَرِيء مثل أن يَنِدَّ البعيرُ، أو يتردَّى في بئرٍ فلا يقْدِر) المُذكِّي (على ذبحه، صار كالصيد، إذا جَرَحه في أي موضع أمكنه، فقتله؛ حَلَّ أكلُه) رُوي ذلك عن علي

(3)

، وابن

=20، حديث 4315، وفي الضحايا، باب 19، حديث 4413، وابن ماجه في الذبائح، باب 5، حديث 3177، والطيالسي ص / 139، حديث 1033، وعبدالرزاق (4/ 496) حديث 8621، وأحمد (4/ 256، 258، 377)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 407) حديث 580، والطحاوي (4/ 183)، وابن حبان "الإحسان"(2/ 41) حديث 332، والطبراني في الكبير (17/ 103 - 104) حديث 245 - 248، والحاكم (4/ 240)، والبيهقي (9/ 281)، وابن عبدالبر في التمهيد (5/ 152)، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه. وسكت عليه أبو داود، والمنذري، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وسكت عليه الذهبي.

(1)

أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب 24، 27، حديث 5510 - 5512، 5519، ومسلم في الصيد والذبائح، حديث 1942.

(2)

أخرجه أبو داود في المناسك، باب 13، حديث 1750، والنسائي في الكبرى (2/ 452) حديث 4127، وابن ماجه في الأضاحي، باب 5، حديث 3135، والبيهقي (4/ 353)، وابن عبدالبر في التمهيد (12/ 133)، وقواه الحافظ في الفتح (3/ 551).

(3)

أخرج عبدالرزاق (4/ 465) رقم 8477، وابن أبي شيبة (5/ 385)، والبيهقي (9/ 246)، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: جاء رجل إلى علي فقال: إن لي بعيرًا ندَّ، فطعنته بالرمح، فقال علي: أهد لي عجزه.

وأخرج ابن أبي شيبة (5/ 394 - 395) -أيضًا- عن أبي راشد السلماني، عن علي، نحوه.

ص: 323

مسعود

(1)

، وابن عمر

(2)

، وابن عباس

(3)

، وعائشة

(4)

؛ لحديث رافعِ بن خَدِيج قال: "كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم فندَّ بعيرٌ، وكان في القوم خيلٌ يسيرةٌ، فطلبوهُ فأعياهم، فأهوى إليهِ رجلٌ بسهمٍ فحبَسهُ الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ لهذه البهائم أوابِدَ كأوابدِ الوحشِ، فما غلبكم منها، فاصنعوا بهِ كذا".

وفي لفظ: "فما ندَّ عليكم فاصنعوا به هكذا" متفق عليه

(5)

(إلا أن يموت)

(1)

أخرج البخاري في الذبائح، باب 4، قبل حديث 5478، معلقًا، وابن أبي شيبة (5/ 373) موصولًا، عن زيد بن وهب، استعصى على رجل من آل عبدالله حمار، فأمرهم أن يضربوه حيث تيسر، [وقال]: دعوا مسقط منه وكلوه.

وأخرجه -أيضًا- عبدالرزاق (4/ 464) رقم 8474، وابن أبي شيبة (5/ 386)، والبيهقي (9/ 247)، من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه، بنحوه.

(2)

أخرج عبدالرزاق (4/ 465) رقم 8481، والطبراني في الكبير (4/ 269) رقم 4380 عن رافع، والبيهقي (9/ 245 - 246) عن عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج، وابن أبي شيبة (5/ 394)، عن عباية بن رفاعة أن ناضحًا تردى في بئر بالمدينة فذكي من قِبَلِ شاكلته، يعني خاصرته، فأخذ منه ابن عمر عشيرًا بدرهم. وعند عبدالرزاق والطبراني:"عمر" بدل "ابن عمر"، وجزم الحافظ في الفتح (9/ 638) أنه: عن ابن عمر.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 34): رجاله رجال الصحيح.

(3)

ذكره البخاري في الذبائح والصيد، باب 23، قبل حديث 5509 معلقًا بصيغة الجزم فقال: وقال ابن عباس: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد. وفي بعير تردَّى في بئر من حيث قدرت عليه فذكِّه.

والشطر الأول أخرجه عبدالرزاق (4/ 465) رقم 8478، وابن أبي شيبة (5/ 385)، والبيهقي (9/ 246)، عنه، موصولًا.

والشطر الثاني أخرجه عبدالرزاق (4/ 465) رقم 8488، عنه، موصولًا.

(4)

لم نقف على من رواه عنها موصولًا، وقد ذكر البخاري في الذبائح والصيد، باب 23، قبل حديث 5509: ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة، رضي الله عنهم.

(5)

البخاري في الشركة، باب 3، 16، حديث 2488، 2507، وفي الجهاد والسير، باب 191، حديث 3075، وفي الذبائح والصيد، باب 15، 18، 23، 36 - 37، =

ص: 324

المعجوزُ عن ذَبْحِه (بغيره) أي: بغير الجرح الذي جرحه (مثل أن يكون رأسُه في الماء، فلا يُباحُ) أكله (ولو كان الجرح مُوَحِّيًا)

(1)

لحصول قتله بمبيحٍ وحاظرٍ، فيُغلَّب جانبُ الحظر (كما لو جرحه مسلمٌ ومجوسي) أو ذبحاه.

(وإن ذبحها من قفاها، ولو عمدًا، فأتت السكينُ على موضع ذبحها) وهي الحُلْقوم والمَرِيء (وفيها حياةٌ مستقرة؛ أُكِلت) لأن الجرحَ في القفا وإن كان غائرًا تبقى الحياة معه، كأكيلة السَّبُع إذا ذبحت وفيها حياةٌ مستقرة (ويُعلم ذلك) أي: أنَّ فيها حياة مستقرة (بوجود الحركة) بعد قطع الحلقوم والمريء، فهو دليلُ بقاءِ الحياة المستقرة قبله.

(فإن ذبحها من قفاها، وشَكَّ

(2)

هل فيها حياةٌ مستقرة -قبل قطع الحلقوم والمريء- أو لا؟ نظر: فإن كان الغالبُ بقاءَ ذلك -لحدّة الآلة وسرعة القطع- أُبيح) أكله (وإن كانت) الآلة (كالَّةً، وأبطأ قطعُه، وطالَ تعذيبه) للحيوان (لم يُبح) أكله؛ لأنه مشكوك في وجود ما يُحِلُّه.

(ولو أبان الرأسَ) من الحيوان المأكول (بالذبح أو بسيف، يريد بذلك الذبيحة؛ أُبيحت) مطلقًا؛ لأن عليًّا قال في من ضربَ رأسَ ثور بالسيف: تلك ذكاةٌ وَحِيَّة

(3)

. وأفتى بأكلها عمرانُ بن حصين

(4)

، ولا

= حديث 5498، 5503، 5509، 5543 - 5544، ومسلم في الأضاحي، حديث 1968.

(1)

تقدم شرحها (6/ 214) تعليق رقم (2).

(2)

زاد في "ذ" بعد "وشك": "ولم يعلم".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 386). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 641): (وَحِيّة) بفتح الواو، وكسر الحاء المهملة، بعدها تحتانية ثقيلة، أي: سريعة، منسوبة إلى الوحاء، وهو الإسراع والعجلة.

(4)

قال ابن حزم في المحلى (7/ 443): روينا من طريق وكيع، عن حماد بن سلمة، عن يوسف بن سعد قال: ضرب رجل بسيفه عنق بطة فأبان رأسها، فسأل عمران بن الحصين فأمره بأكلها. وقال: وقد أدركَ يوسفُ عمرانَ.

ص: 325

مخالفَ لهما؛ ولأن ذلك قطع ما لا يعيش معه في محل الذبح، فحلَّت.

(وكل ما وُجِد فيه سببُ الموت كالمنخنقة، وهي التي تُخنَق في حَلْقِها، والموقوذة، وهي التي تُضْرَب حتى تُشْرِف على الموت، والمُتَردِّية، وهي الواقعةُ من عُلْوٍ، والنَّطِيحة، وهي التي نطحتها دابةٌ أخرى، وأكيلةِ السَّبعُ، وهي التي أكل السبعُ بعضَها، والمريضةِ، وما صيد بشبكة، أو أُحْبُولة، أو فَخٍّ، أو أنقذه من مَهْلكة، فذكَّاه وفيه حياةٌ مستقرَّةٌ يُمكِن زيادتُها على حَرَكَةِ) الـ (ـمذبوح، سواء انتهت) المنخنقة ونحوها (إلى حال يعلم أنَّها لا تعيشُ معه، أو تعيش؛ حلَّت) لقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}

(1)

؛ ولحديث جارية كعب

(2)

(إن تحرَّكت) الذبيحة (بيدٍ، أو رجل، أو طرف عين، أو مَصْعِ ذنب -أي: تحريكه- ونحوه) قاله في "المحرر" و"الوجيز" وغيرهما، وحكاه في "الفروع" قولًا، وقال في "الشرح" و"المبدع": والصحيح أنها إذا كانت تعيشُ زمانًا يكون الموتُ بالذبح أسرعَ منه حلَّت بالذبح. وقال في "المنتهى" و"شرحه": حل أكلُه ولو مع عدمِ تحركه بيد، أو رجل، أو طرف عين، أو مَصْع ذنب ونحو ذلك في الأصح، وقال: والاحتياط ألا يؤكلَ إلا مع تحركٍ ولو بيد، أو رجل، أو طرف عين، أو مَصْع ذنب.

(وسُئل) الإمام (أحمد عن شاةٍ مريضة خافوا عليها الموتَ، فذبحوها، فلم يُعلم منها أكثرُ من أنها طرفت بعينها، أو تحركت يدُها أو رِجْلُها أو ذَنَبُها بضعف، فنهر الدم؟ فقال) أحمد: (لا بأس

(3)

).

قلت: مفهوم ما وقع جوابًا لسائل ليس بحجةٍ، فلا يحصُل غرضه

(1)

سورة المائدة، الآية:3.

(2)

تقدم تخريجه (14/ 320) تعليق رقم (3).

(3)

مسائل عبدالله (3/ 873) رقم 1170.

ص: 326

بالاستدلالِ بذلك.

(وإن لم يبقَ من حياتها) أي: المنخنقة ونحوها (إلا مثلُ حركة المذبوحِ لم تُبَحْ) بالذكاة (لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوسُ، لم يُبَح) لأنه صار في حكم الميتة (وما قُطِع حُلْقُومه، أو أُبينت حِشْوته، ونحوُه، فـ) ـهو (في حكم الميتة) لأن وجود حياته

(1)

كعدمها.

الشرط (الرابع: قول: باسم الله، عند حركة يده) بالذبح أو النَّحْر، أو العقر (لا يقوم غيرُها مَقامَها) كالتسبيح ونحوه؛ لأن إطلاقَ التسمية إنما ينصرف إليها، والأصل في اعتبار التسمية قولُه تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}

(2)

، والفسق: الحرام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذبح سمَّى"

(3)

.

(وتجوز) التسميةُ (بغير العربية ولو مع القدرة عليها) أي: على التسمية بالعربية؛ لأن المقصود ذِكرُ الله، وقد حصل، بخلافِ التكبير والسلام، فإنَّ المقصود لفظه.

(ويُسنُّ التكبيرُ معها) أي: مع التسمية (فيقول: باسم الله والله أكبرُ) لما ثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم "كان إذا ذبحَ قالَ: باسمِ الله والله أكبر"

(4)

وكان ابنُ عمر يقولُه

(5)

، ولا خلافَ أنَّ قول: باسم الله، يجزئه.

(1)

زاد في "ذ" بعد "حياته": "مما لا تبقى معه حياة".

(2)

سورة الأنعام، الآية:121.

(3)

انظر التعليق الآتي.

(4)

أخرجه مسلم في الأضاحي، حديث 1966، عن أنس رضي الله عنه. وفي لفظ له، وللبخاري في الأضاحي، باب 9، حديث 5558؛ سمّى وكبَّر.

(5)

لم نقف على من رواه عنه مسندًا. وذكره -أيضًا- الموفق في المغني (5/ 299)، وقال: قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح يقول: بسم الله والله أكبر. وكذلك يقول ابن عمر.

ص: 327

(ولا تُستحبُّ الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم عليها) أي: على الذبيحة؛ لعدمِ ورودها

(1)

؛ ولأنها لا تناسبُ المقام، كزيادةِ: الرحمن الرحيم.

(ف‌

‌إن كان) المُذكِّي (أخرس، أومأ برأسه إلى السماء،

ولو أشار إشارةً تدلُّ على التسمية، وعُلِمَ ذلك) أي: أنه أراد التسمية (كان) فعلُه (كافيًا) لقيام إشارته مقام نُطقه، قال ابنُ المنذر: أجمعَ كلُّ من نحفظُ عنه على إباحةِ ذبيحةِ الأخرس

(2)

.

(فإن ترك) المُذكِّي (التسميةَ عمدًا، أو جهلًا) منه باعتبارها (لم تُبح) الذبيحة؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}

(3)

.

(و) إن ترك التسميةَ (سهوًا) فإنها (تُباح) لحديث شدَّاد بن سعد

(4)

قال: "قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ذبيحةُ المسلم حلالٌ وإن لم يُسَمِّ؛ إذا لم يتعمد" رواه سعيد

(5)

.

(1)

في "ذ": "لعدم وروده".

(2)

الإجماع ص / 69.

(3)

سورة الأنعام، الآية:121.

(4)

كذا في الأصول الخطية و"ذ"، وصوابه:"راشد بن سعد"، كما في المحلى لابن حزم (7/ 413) وغيره من مصادر التخريج.

(5)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سننه، ومن طريقه أخرجه ابن حزم في المحلى (7/ 413)، عن عيسى بن يونس، عن الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد، به.

وأخرجه -أيضًا- الحارث بن أبي أسامة "بغية الباحث" ص / 135، حديث 407.

قال ابن حزم: هذا مرسل، والأحوص بن حكيم ليس بشيء، وراشد بن سعد ضعيف.

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (5/ 281) حديث 4671: هذا إسناد مرسل ضعيف؛ لضعف الأحوص بن حكيم.

ويشهد له ما أخرجه أبو داود في المراسيل ص / 278، حديث 378، ومسدد -كما في المطالب العالية (10/ 521) حديث 2318، وإتحاف الخيرة المهرة (5/ 282) حديث 4672 - والبيهقي (9/ 240)، عن الصلت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذبيحة =

ص: 328

(ويُشترط قَصْدُ التسميةِ على ما يذبَحُه، فلو سمَّى على شاة، وذَبَح غيرَها بتلك التسمية، لم تُبح) الثانية، سواء أرسل الأولى أو ذبحها؛ لأنه لم يقصد الثانية بتلك التسمية.

(وكذا لو رأى قَطيعًا، فَسمَّى وأخذ شاةً) من القطيع (فذبحها بالتسمية الأولى) لم تُبح؛ لأنه لم يقصِدها بالتسمية (ولو جهل عدمَ الإجزاء) فلا يُعذر بالجهل، كما لو أكل في الصوم جاهلًا.

(وقال الموفَّق وجماعة) منهم الشارح: (تكون التسمية عند الذبح أو قريبًا منه، فَصَل بالكلام أوْ لا، كالتسمية على الطهارة) لأن القريب كالمقارن (فلو أضجعَ شاةً ليذبحها، وسَمَّى) الله (ثم ألقى السكين، وأخذ سكينًا أخرى، أو ردَّ سلامًا، أو كلَّم إنسانًا، أو استسقى

(1)

ماءً ثم ذبح، حَلَّ) إذا لم يطل الفصل؛ لأنه سَمَّى على تلك الشاة بعينها (ويضمن أجير ونحوه) كالمتطوع (تَرك التسمية عمدًا، أو جهلًا) لأنه أتلفها على ربّها، كما لو قَتَلها، واختار في "النوادر"

(2)

: لغير

= المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكره، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله.

قال ابن حزم في المحلى (7/ 413): هذا مرسل لا حجة فيه، والصلت -أيضًا- مجهول لا يُدرَى من هو. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 579): علته مع الإرسال هي أن الصلت السدوسي لا تعرف له حال ولا يعرف بغير هذا، ولا روى عنه إلا ثور بن يزيد.

وقال الحافظ في الفتح (9/ 636): هو مرسل جيد.

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة: هذا إسناد مرسل رجاله ثقات.

(1)

في "ذ": "استقى".

(2)

هو نوادر المذهب، لأبي زكريا يحيى بن أبي منصور الحرَّاني، ابن الصيرفي، ويُعرف أيضًا بابن الحُبيش، أخذ الفقه عن الشيخ الموفق صاحب المغني، وسمح منه شيخ الإسلام ابن تيمية، توفي سنة (678) رحمه الله تعالى، وكتابه غير مطبوع. انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 295)، وشذرات الذهب (5/ 363).

ص: 329

شافعي

(1)

، يعني: لحلّها له. قال في "الفروع": ويتوجّه تضمينُه النقصَ إن حَلَّت. وعُلم منه: إنْ تركها سهوًا لا ضمانَ؛ لحلّها.

(وإن ذبح الكتابي باسم المسيح أو غيره، لم تُبح) الذبيحة؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}

(2)

.

(وإذا لم يَعلم أسَمَّى الذابحُ، أم لا، أو) لم يعلم (ذكر اسمَ غير الله أم لا؟ فـ) ـالذبيحة (حلال) لحديث عائشة: "قالوا: يا رسول الله: إن قومًا حديثو عهد بِشرك يأتوننا بلحمٍ لا ندري أَذكروا اسمَ الله أم لم يذكروا؟ قال: سَمّوا أنتم وكلوا" رواه البخاري

(3)

.

(وتحصُل ذكاةُ جنين مأكول -خرج من بطن أمه بعد ذبحها- بذكاة أُمه، إذا خرج ميتًا، أو متحركًا كحركة المذبوح) سواء (أشْعر) أي: نبت شعره (أو لم يُشْعِر) روي عن علي

(4)

، وابن عمر

(5)

؛ لحديث جابرٍ مرفوعًا

(1)

انظر: تحفة المحتاج (9/ 325).

(2)

سورة البقرة، الآية:173.

(3)

في البيوع، باب 5، حديث 2057، وفي الذبائح والصيد، باب 21، حديث 5507، وفي التوحيد، باب 13، حديث 7398.

(4)

أخرج ابن حزم في المحلى (7/ 419)، والبيهقي (9/ 336)، وابن عبدالبر في الاستذكار (15/ 254 - 255)، معلقًا عن الحارث، عن علي رضي الله عنه أنه قال:

‌ ذكاة الجنين

ذكاة أمه. وزاد ابن حزم، وابن عبدالبر: إذا أشعر.

(5)

أخرج مالك في الموطأ (2/ 490)، ومن طريقه البيهقي (9/ 335)، وعبدالرزاق (4/ 501) رقم 8642، من طريق أيوب، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: إذا نحرت الناقة، فذكاة ما في بطنها في ذكاتها، إذا كان قد تم خلقه، ونبت شعره، فإذا خرج من بطن أمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه.

وأخرجه البيهقي (9/ 336) -أيضًا- من طريق عطية، عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه. وقال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف. . . وروي من أوجه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، ورفعه عنه ضعيف، والصحيح موقوف. انظر ما =

ص: 330

قال: "ذكاةُ الجنين ذكاةُ أُمِّه" رواه أبو داود

(1)

بإسنادٍ جيد، ورواه الدارقطنيُّ من حديث ابن عمر

(2)

، وأبي هريرة

(3)

، ولأحمد، والترمذي وحسَّنه، وابن ماجه مثلُه من حديث أبي سعيد

(4)

. قال الترمذي: والعملُ على هذا

= يأتي ص 331 تعليق رقم (2).

(1)

في الضحايا، باب 18، حديث 2828. وأخرجه -أيضًا- الدارمي في الأضاحي، باب 17، حديث 1985، والدارقطني (4/ 273)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 92)، وفي أخبار أصبهان (1/ 92)، والحاكم (4/ 114)، والبيهقي (9/ 334 - 335).

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 120): في إسناده عبيدالله بن أبي زياد المكي القداح، وفيه مقال.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 157): فيه عبيدالله بن أبي زياد القداح، عن أبي الزبير، والقداح ضعيف.

(2)

الدارقطني (4/ 271). وأخرجه -أيضًا- ابن حبان في المجروحين (2/ 275)، والطبراني في الأوسط (8/ 416، 9/ 111) حديث 7852، 8230، وفي الصغير (1/ 16، 2/ 107)، والحاكم (4/ 114)، والبيهقي (9/ 335)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 363) حديث 1948. وقد تقدم كلام البيهقي: رفعه عنه ضعيف، والصحيح موقوف. ورجح الوقف -أيضًا- أبو حاتم، والدارقطني. انظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 44)، والتحقيق لابن الجوزي (2/ 364).

(3)

الدارقطني (4/ 274)، من طريق عمر بن قيس، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 157): عمر بن قيس ضعيف.

وأخرجه الحاكم (4/ 114)، من طريق عبدالله بن سعيد المقبري، عن جده، عن أبي هريرة، به. وصحح إسناده، وتعقبه الذهبي بقوله: عبدالله هالك.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 157): هو متروك.

(4)

أحمد (3/ 31، 39، 45، 53)، والترمذي في الأطعمة، باب 2، حديث 1476، وابن ماجه في الذبائح، باب 15، حديث 3199. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الضحايا، باب 18، حديث 2827، وعبدالرزاق (4/ 502) حديث 8650، وابن أبي شيبة (14/ 179)، وابن الجارود (3/ 185) حديث 900، وأبو يعلى (2/ 278) حديث 992، والدارقطني (4/ 272، 274)، والبيهقي (9/ 335)، والبغوي في =

ص: 331

عند أهلِ العلم من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ ولأن الجنينَ متصلٌ بأمه اتصالَ خلقةٍ يتغذى بغذائها، فتكون ذكاتُه بذكاتها، كأعضائها.

وقولُه صلى الله عليه وسلم: "ذكاةُ أُمِّه" فيه الرفعُ والنصبُ، فمَن رفع جعله خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: هي ذكاةُ أمه، فلا يحتاجُ الجنين إلى تذكية، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور

(1)

، ومن نصب، قدّره: كذكاة أمه، فلما حذف

= شرح السنة (11/ 228) حديث 2789، من طريق مجالد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد رضي الله عنه، به.

وأخرجه أحمد (3/ 39)، والدارقطني (4/ 274)، والبيهقي (9/ 335)، وابن حبان "الإحسان"(13/ 26) حديث 207، من طريق أبي عبيدة الحداد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد، به.

وأخرجه الطبراني في الصغير (1/ 156، 284) حديث 242، 467، والخطيب في تاريخه (8/ 412)، من طريق عطية العَوفي، عن أبي سعيد، به.

قال الإشبيلي في الأحكام الوسطى (4/ 135 - 136): في إسناد حديث أبي سعيد مجالدُ ابنُ سعيد، وهو ضعيف. ثم ذكر طرقًا أخرى للحديث وقال: ولا يحتج بأسانيدها كلها.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 156 - 157): وخالف الغزالي في الإحياء فقال: هو حديث صحيح، وتبع في ذلك إمامَه [الجوينيَّ] فإنه قال: في "الأساليب": "هو حديث صحيح لا يتطرق احتمال إلى متنه، ولا ضعف إلى سنده"، وفي هذا نظر، والحق أن فيها ما تنتهض به الحجة، وهي مجموع طرق حديث أبي سعيد، وطرق حديث جابر على ما سيأتي بيانه، وقال ابن حزم [المحلى (7/ 419)]: هو حديث واهٍ، فإن مجالدًا ضعيف، وكذا أبو الوداك. قلت: قد رواه الحاكم من حديث عبدالملك بن عمير، عن عطية، عن أبي سعيد، وعطية وإن كان لين الحديث، فمتابعته لمجالد معتبرة، وأما أبو الوداك فلم أر مَن ضعفه، وقد احتج به مسلم، وقال يحيى بن معين: ثقة، على أن أحمد بن حنبل قد رواه في مسنده عن أبي عبيدة الحداد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي الوداك، فهذه متابعة قوية لمجالد. ومن هذا الوجه صححه ابن حبان، وابن دقيق العيد [الإلمام ص / 299، حديث 752].

(1)

انظر: مواهب الجليل (3/ 227)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 114)، ونهاية المحتاج (8/ 158 - 159)، وتحفة المحتاج (9/ 389).

ص: 332

الجار نصب، فعليه: يفتقر الجنين إلى ذكاة، لكن قدَّره ابنُ مالك في رواية النصب: ذكاة الجنين في ذكاةِ أمه، وهو الموافقُ لروايةِ الرفع المشهورة

(1)

.

قلت: وكذا لو قُدّر: بذكاةِ أمه.

(ويُستحبُّ ذَبْحُه) أي: الجنين (وإن كان ميتًا؛ ليخرجَ الدمُ الذي في جوفِه.

وإن كان فيه) أي: الجنين (حياةٌ مستقرةٌّ، لم يُبح إلا بذبحه) أو نحره؛ لأنه نَفْسٌ أخرى، وهو مستقلٌّ بحياته، ولا يُؤثِّر مُحرَّمُ الأَكلِ -كسِمْعٍ- في ذكاةِ أُمِّه المباحة.

(ولو وَجَأ) أي: ضرب (بطنَ أم جنينٍ مسمّيًا، فأصابَ مَذْبَح الجنين) المباح (فهو مذكًّى، والأمُّ ميتةٌ) لفوات شرطِها، وهو قطعُ الحلقوم والمريء مع القدرةِ على قطعهما، فإن كانت نادّةً حلّا.

فصل

(يُسنُّ توجيه الذبيحة إلى القِبْلة) لما رُوي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا ضحَّى وجَّه أضحيتَه إلى القِبْلةِ وقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ. . .} الآيتين

(2)

(3)

.

(و) يُسنُّ (كونُ المذبوح على شِقِّه الأيسر، ورِفْقُهُ به، وحملُه على الآلة بقوةٍ، وإسراعُ القطع) لحديثِ شداد بن أوس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

انظر: تهذيب السنن لابن القيم (4/ 120 - 121)، وعقود الزبرجد للسيوطي (1/ 256 - 260).

(2)

سورة الأنعام، الآية: 79 - 80.

(3)

تقدم تخريجه (6/ 396 - 397) تعليق رقم (1).

ص: 333

"إنَّ الله كتبَ الإحسانَ على كُل شيءٍ، فإن قتلتم فأحسنُوا القِتْلَة، وإذَا ذبحتم فأحسنُوا الذِّبحة، وليحدَّ أحدُكم شفرتهُ، وليرِح ذبيحته" رواه أحمدُ، والنسائي، وابن ماجه

(1)

.

(ويُكره) توجيه الذبيحة (إلى غير القِبْلة) كالأذان؛ لأنه قد يكون قُربة كالأضحية.

(و) يُكره (بآلة كالَّة) لأنه تعذيبٌ للحيوان.

(و) يُكره (أن يُحِدَّ السكين والحيوانُ يُبصِره، أو يذبحَ شاةً وأخري تنظرُ إليه) لما روى ابنُ عمر "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تُحَدَّ الشِّفارُ، وأن تُوارى عن البهائمِ" رواه أحمد وابن ماجه

(2)

.

(1)

أحمد (4/ 123 - 125)، والنسائي في الضحايا، باب 22، حديث 4417، وفي الكبرى (3/ 62 - 65)، وابن ماجه في الذبائح، باب 3، حديث 3170، وأخرجه أيضًا مسلم في الذبائح، حديث 1955.

(2)

أحمد (2/ 108). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (12/ 280) حديث 13144، وابن عدي (4/ 1466)، والبيهقي (9/ 280)، من طريق ابن لهيعة عن عُقيل، عن الزهري، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه، به.

وأخرجه ابن ماجه في الذبائح، باب 3، حديث 3172، من طريق ابن لهيعة، عن قرة بن حيوئيل، عن الزهري، به. وأخرجه -أيضًا- من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سالم، به.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 164): إسنادا حديث ابن عمر ضعيف، لأن مدار الإسنادين على عبدالله بن لهيعة وهو ضعيف.

وأخرجه البيهقي -أيضًا- (9/ 280)، من طريق ابن وهب، عن قرة بن عبدالرحمن المعافري، عن الزهري، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما دون ذكر سالم.

قال أبو حاتم في العلل (3/ 25): الصحيح عن الزهري، عن ابن عمر بلا سالم. يعني أنه منقطع، فإن الزهري لم يلق ابن عمر.

وقال الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 208): صوَّب الحفاظ إرساله.

ص: 334

(ويُكره كَسْرُ عُنُقِ المذبوح) حتى تَزهَق نفسُه (و) يُكره (سَلْخه، وقَطْعُ عضو منه، ونَتْفُ ريشه حتى تَزهق نفسُه) لحديث أبي هريرة: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدَيل بن ورقاءَ الخُزَاعي على جملٍ أوْرَق يصيحُ في فجاجِ منًى بكلمات، منها: لا تُعْجِلوا الأنفس أن تَزْهَق، وأيامُ منًى أيام أكلٍ وشُرب وبِعال" رواه الدارقطني

(1)

، وكسر العنق إعجالٌ لزهوقِ الروح، وفي معناه السلخ ونحوه.

(فإن فعل) أي: كسر عنقه، أو قطع عضوًا منه ونحوه قبل زهوق نفسه (أساء، وأُكِلت) لأن الذكاة تمَّت بالذبح، فما كان بعدها فهو غيرُ معتبر.

(ويُكره نَفْخُ اللحم؛ نصًّا

(2)

. قال الموفقُ: مرادهم) أي: الأصحاب: اللحمُ (الذي للبيع؛ لأنه غِشٌّ) بخلاف ما يذبحه لنفسِه وينفخه لسهولة السلخ.

(وإن ذبحه فغرق) المذبوح (في ماء) يقتله مثله (أو وطئ عليه شيء يقتله مثله؛ لم يحل) لحديث عَدِيّ بن حاتِمٍ في الصيد: "وإن وقعت في الماء، فلا تأكل"

(3)

؛ ولأن ذلك سببٌ يعين على زهوقِ الروح، فيحصل الزهوقُ من سبب مبيحٍ ومحرِّمٍ، فيُغَلَّب التحريم. فإن كان ممَّا لا يقتله مثله -كطيرِ الماء يقعُ فيه أو طيرٍ وقع بالأرض- لم يحرم (وعنه

(4)

: يحلُّ؛ اختارَه الأكثرُ) وقدَّمها في "الرعاية" وذكر في "الكافي"

(1)

تقدم تخريجه (14/ 321) رقم (3).

(2)

مسائل الكوسج (8/ 4003) رقم 2847.

(3)

أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب 8، حديث 5484، ومسلم في الصيد والذبائح، حديث 1929 (6 - 7).

(4)

انظر الجامع الصغير ص/ 342، وكتاب الروايتين والوجهين (3/ 18).

ص: 335

و "الشرح" أنها قولُ أكثرِ أصحابنا، وهي قولُ أكثرِ الفقهاء؛ لحصول ذبحِه، وحصولِ الأسباب المذكورة بعد الموت بالذبح، فلم يؤثر ما أصابه؛ لحصوله بعد الحكم بحله.

قلت: ويؤيدُه ما سبق في كسر عنقه.

(وإن ذبح كتابي ما يحرم عليه يقينًا كذي الظُّفر، وهي الإبل والنعام والبطّ، وما ليس بمشقوقِ الأصابع) لم يحرم علينا؛ لأن قصدَه لحله غيرُ معتبر (أو) ذبح كتابي (ما زعم أنه مُحَرَّم عليه، ولم يثبت عندنا تحريمُه عليه، كحال الرئة ونحوها؛ لم يحرم علينا) لأنه من أهل الذَّكاة وذَبَح ما يحل لنا، أشبهَ المسلم. (ومعناه) أي: حال الرئة (أن اليهود إذا وجدوا الرئةَ لاصقةً بالأضلاع امتنعوا من أكلها زاعمينَ تحريمها، ويسمونها اللازقة، وإن وجدوها غيرَ لاصقة أكلوها.

وإن ذبح) الكتابي (حيوانًا غيره) أي: غير ما يحرم عليه (مما يحل له، لم تحرم علينا الشحومُ المُحَرَّمة عليهم، وهي شحمُ الثَّرْبِ) بفتح الثاء المثلثة وسكون الراء (شحمٌ رقيقٌ يغشى الكَرِش والأمعاء، وشحم الكُلْيتين) واحدهما

(1)

كُلْية وكُلْوة بضم الكاف فيهما، والجمع كُلْيات وكُلًى.

(ولنا) معشر المسلمين (أن نتملكها) أي: الشحوم المُحَرَّمة عليهم (منهم بما ينقل الملك) من بيع أو نحوه؛ لما روى عبدالله بن المغفّلِ قال: "أصبتُ من الشحم يوم خيبر فالتزمته، فقلْتُ: لا أعطي اليومَ أحدًا شيئًا، فالتفتُّ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسّمًا" رواه مسلم

(2)

؛ ولأنها ذكاة

(1)

في "ذ": "واحدها".

(2)

في الجهاد والسير، حديث 1772.

ص: 336

أباحت اللحم، فأباحت الشحم، كذكاة المسلم، وكذبح حنفي حيوانًا فتبين حاملًا

(1)

، وكذبح مالكي فرسًا مُسَمِّيًا عليها

(2)

.

(والأولى تركُها) أي: الشحوم المُحَرَّمة عليهم، خروجًا من خلافِ مَن حَرَّمه، كأبي الحسن التميمي، والقاضي.

(ولا يحل لمسلم) ولا لغيره (أن يُطْعِمَهم) أي: اليهود (شحمًا من ذبحنا؛ نصًّا

(3)

؛ لبقاء تحريمه عليهم) في مِلَّتِهم؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ. . .} الآية

(4)

، وشرعُنا وإن كان نسخ شرعهم كما تقدم

(5)

لكن نعاملهم بأحكام مِلَّتِهم ما داموا عليها؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ. . .} الآية

(6)

، وتحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها.

(وإن ذبح) الكتابيُّ (لِعبده، أو كنيسته، أو) ذبح (المجوسي لآلهته، أو للزُّهَرة، أو للكواكب، فإنْ ذبحه مسلمٌ مُسميًا فَمُبَاح) لأهلية المذكِّي (وإن ذبحه الكتابيُّ، وسمَّى الله ولم يذكر غيرَ اسمه حلَّ) لأنه من جُملة طعامهم، فدخل في عموم الآية؛ ولأنه قصدَ الذكاة وهو ممن تحِل ذبيحتُه (وكُره) ذَكَره في "الرعاية" للخلاف (وعنه: يحرمُ

(7)

، واختاره الشيخ

(8)

) لأنه أُهِلَّ به لغير الله. والأولُ هو المعوَّل عليه؛ لأنه رُوي عن

(1)

انظر: المبسوط (12/ 7)، وحاشية ابن عابدين (6/ 304).

(2)

انظر: مواهب الجليل (3/ 235)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 116).

(3)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال ص / 443، رقم 1036.

(4)

سورة الأنعام، الآية:146.

(5)

(14/ 234).

(6)

سورة التوبة، الآية:29.

(7)

انظر: أحكام أهل الملل من الجامع للخلال ص/ 440 - 441، رقم 1024 - 1029.

(8)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 470، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير =

ص: 337

العِرباض بن سارية

(1)

، وأبي أمامة

(2)

، وأبي الدرداءِ

(3)

، وعُلم مما سبق أنه إن ترك التسميةَ عمدًا، أو ذكر غيرَ اسم الله معه أو منفردًا؛ لم يحل.

(و‌

‌لا تؤكلُ المَصْبُورةُ ولا المُجَثَّمَة)

لما روى سعيدٌ بإسنادِه قالَ: "نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن المُجَثَّمة، وعن أكلها، وعن المصبورةِ، وعن أكلها"

(4)

(وهي) أي: المُجَثَّمة (الطائر، أو الأرنب يُجعل غرضًا يُرمى)

= (27/ 339).

(1)

ذكره ابن حزم في المحلى (7/ 455)، ولم نقف على من رواه مسندًا.

(2)

ذكره ابن حزم في المحلى (7/ 455)، ولم نقف على من رواه مسندًا.

(3)

أخرج الطبري في تفسيره (6/ 103)، عن عمير بن الأسود، أنه سأل أبا الدرداء عن كبش ذبح لكنيسة -يقال لها جرجس أهدوه لها-: أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهم عفوًا، إنما هم أهل كتاب، طعامهم حِلٌّ لنا، وطعامنا حلٌّ لهم، وأمره بأكله.

وأخرج سعيد بن منصور كما في سير أعلام النبلاء (4/ 76 - 77)، عن إسماعيل بن عياش، عن بشير بن كريب، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء وبين يديه جفنة من لحم فقال: اجلس فكل، فإن كنيسة في ناحيتنا أهدى لنا أهلها مما ذبحوا لها، فأكلت معه.

قال الذهبي: هذا خبر منكر، لم يكن لجبير ذكرٌ بعدُ في زمن أبي الدرداء، بل كان شابًّا يتطلب العلم.

(4)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سننه. والنهي عن أكل المجثمة قد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أبو داود في الأشربة، باب 14، حديث 3719، والنسائي في الضحايا، باب 44، حديث 4460، وابن أبي شيبة (5/ 397)، وأحمد (1/ 226، 241، 293، 321، 339)، والدارمي في الأضاحي، باب 13، حديث 1981، وابن الجارود (3/ 174) حديث 887، وابن خزيمة (4/ 146) حديث 2552، وابن حبان "الإحسان"(12/ 220) حديث 5399، والطبراني في الكبير (11/ 306) حديث 11819 - 11820، والحاكم (2/ 34)، والبيهقي (9/ 333 - 334). =

ص: 338

بالسهام (حتى يُقتل) فلا يحل؛ لعدم الذكاةِ (ولكن يُذبح ثم يرموا إن شاؤوا. والمصبورةُ مثلُه إلا أن المُجَثَّمة لا تكون إلا في الطائرِ، أو الأرنب

(1)

وأشباهها. والمصبورةُ: كلُّ حيوانٍ يحبس للقتل) أي: يحبس ثم يرمى حتى يُقتل.

(ومن ذبح حيوانًا فوجد في بطنه جرادًا أو) وجد (سمكة في حوصلة طائر) أو في بطن سمكة (أو) وجد (حَبًّا في بعر جمل ونحوه) مما يؤكل (لم يحرم) لأنه طعام طاهر وُجِد في محلٍّ طاهر، فلم يحرم؛ ولأنه لم يتغير، أشبهَ ما لو وجدَه ملقًى (وكره) خروجًا من خلاف مَن حَرَّمه؛ لأنه رجيع.

= قال الحاكم: حديث صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.

ب - جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 397)، وأحمد (3/ 323)، والبزار "كشف الأستار"(3/ 326) حديث 2857، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 68) حديث 3064، والطبراني في الأوسط (4/ 420) حديث 3704.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 47): رجالهما رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني عمر بن حفص السدوسي، وهو ثقة.

ج - أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: أخرجه النسائي في الضحايا، باب 41، حديث 4450، وأحمد (4/ 194)، والطبراني في الكبير (22/ 216) حديث 577، وفي مسند الشاميين (2/ 183) حديث 1154.

د - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الأطعمة؛ باب 6، حديث 1795، وابن أبي شيبة (5/ 397)، وأحمد (2/ 366)، وابن عبدالبر في التمهيد (1/ 141).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

هـ - أبو الدرداء رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الأطعمة، باب 1، حديث 1473، وقال: غريب.

و - العرباض رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الأطعمة، باب 1، حديث 1474.

ز - أبو قلابة رحمه الله مرسلًا: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 397).

(1)

في "ذ": "وإلا الأرنب".

ص: 339

(ويحرم بولٌ ورَوْثٌ طاهران، وتقدم أول) كتابِ (الأطعمة

(1)

) لأنه رجيعٌ مستخبَث.

(ويحل مذبوحٌ منبوذ) أي: ملقًى (بموضع يحلُّ ذَبْحُ أكثر أهله، ولو جُهِلت تسمية الذابح) لأنه يتعذَّر الوقوفُ على كلّ ذابح، وعملًا بالظاهر. وتقدم حديثُ عائشة

(2)

.

(وإسمعيل) بن إبراهيم -على نبينا وعليهما الصلاة والسلام- هو (الذبيحُ على الصحيح) لا إسحاق، كما يدل عليه ظاهرُ الآية، وتشهد به الأخبار

(3)

.

(1)

(14/ 282).

(2)

(14/ 330) تعليق رقم (2).

(3)

أخرج الطبري في التفسير (23/ 83 - 84)، عن ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، والحسن، وعامر، ويوسف بن مهران: أن الذبيح هو إسماعيل. وانظر: أخبار مكة للفاكهي (5/ 126 - 127)، وقد ألف جماعة من العلماء رسائل خاصة في هذه المسألة، منها: القول الفصيح في تعيين الذبيح للسيوطي.

ص: 340

كتاب الصيد

ص: 341

‌كتاب الصيد

(وهو) في الأصل (مصدر) صاد يصيد، فهو صائد، ثم أُطلق (بمعنى المفعول) أي: المصيد، تسميةً للمفعول بالمصدر.

(وهو) أي: الصيد بالمعنى المصدري (اقتناصُ حيوانٍ، حلالٍ، مُتوحِّشٍ طبعًا، غير مملوك، ولا مقدور عليه).

والمصيد: حيوان مُقتنَص حلالٌ متوحِّشٌ طبعًا غيرُ مملوك، ولا مقدور عليه، فخرج الحرامُ كالذئبِ، والإنسيُّ كالإبل ولو توحَّشت، والمملوك والمقدورُ عليه لكسرِ شيء منه ونحوه.

(وهو) أي: الصيد (مباحٌ لقاصده) إجماعًا؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}

(1)

؛ وقوله: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ. . .} الآية

(2)

، والسنةُ شهيرة بذلك، منها حديثُ عَدِيّ بنِ حاتِمٍ، وأبي ثعلبة؛ متفق عليه

(3)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:96.

(2)

سورة المائدة، الآية:4.

(3)

حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه يأتي (14/ 357). وأما حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه فأخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب 4، 10، 14، حديث 5478، 5488، 5496، ومسلم في الصيد، حديث 1930، قال: قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؛ وبأرض صيد، أصيد بقوسي، وبكلبي الذي ليس بمعلم، وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟ قال: أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها، فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها، وكلوا فيها، وما صدت بقوسك، فذكرت اسم الله، فكل، وما صدت بكلبك المعلم، فذكرت اسم الله، فكل، وما صدت بكلبك غير معلم، فأدركت ذكاته، فكل.

ص: 343

(ويُكره) الصيدُ (لهوًا) لأنه عبث.

(وإن كان فيه) أي: الصيد (ظلمُ الناس بالعدوان على زروعهم، وأموالهم فـ) ـهو (حرام) لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

(وهو) أي: الصيد (أفضلُ مأكول) لأنه حلال لا شُبهة فيه.

(والزراعةُ أفضل مكتَسَبٍ) لأنها أقربُ إلى التوكل من غيرِها، وأقرب للِحل، وفيها عمل اليد والنفع العام للآدمي والدواب، ولا بد أن يؤكل عادة من الزرع بلا عوض.

(وقيل: عمل اليد) قال المرُّوذي

(1)

: سمعت أحمد -وذكرَ المطاعمَ- يفضّلُ عملَ اليد. انتهى؛ لحديث: "أفضلُ الكسبِ عملُ الرَّجلِ بيدهِ، وكُلُّ بيعٍ مبرور" رواه أحمد وغيرُه

(2)

. ومعنى مبرور: لا

(1)

انظر: الورع للإمام أحمد ص/ 18 - 19.

(2)

أحمد (3/ 466)، والطبراني في الكبير (22/ 197) حديث 520، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 134)، والحاكم (2/ 10)، والبيهقي (5/ 263)، وفي شعب الإيمان (2/ 85) حديث 1227، من طريق شريك، عن وائل، عن جميع بن عمير، عن خاله أبي بردة رضي الله عنه.

وأخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 83) حديث 1258، والحاكم (2/ 10)، والبيهقي (5/ 263)، من طريق شريك، عن وائل بن داود، عن جميع بن عمر، عن عمه.

وأخرجه الحاكم (2/ 10) -أيضًا- ومن طريقه البيهقي (5/ 263)، وفي شعب الإيمان (2/ 85) حديث 1226، من طريق الثوري، عن وائل بن داود، عن سعيد بن عمير، عن عمه. قال الحاكم: صحيح الإسناد.

وقال البيهقي: هكذا رواه شريك بن عبدالله القاضي، وغلط في موضعين، أحدهما: في قوله "جميع بن عمير" وإنما هو "سعيد بن عمير" والآخر: وصله، وإنما رواه غيره عن وائل مرسلًا.

وأخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 469)، والفسوي المعرفة والتاريخ =

ص: 344

غِشَّ فيه، ولا خيانة، وروى البخاري

(1)

عن المقدام مرفوعًا: ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده.

(وقيل): أفضل المكاسبِ (التجارةُ) قال في "الرعاية الكبرى": أفضل المعاش التجارةُ. انتهى. ويؤيده ما سبق من حديث أحمد. وإن جعلتَ الكلام على معنى: من أفضلِ، فلا تعارض، أو أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.

(وأفضلها) أي: التجارة (في بَزٍّ، وعطرٍ، وزرعٍ، وفرسٍ، وماشية) لبعدها عن الشُّبهةِ والكذب.

(وأبغضها) أي: التجارة (في رقيقٍ وصَرْف) للشُّبهة.

(ويُسنُّ التكسُّب ومعرفةُ أحكامه حتى مع الكفايةِ التامة؛ قاله في "الرعاية") لقوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}

(2)

، ويُرشِد إليه قولُه صلى الله عليه وسلم:"كالطيرِ تَغدُو خِماصًا، وتعودُ بِطانًا"

(3)

. والأخذُ

= (3/ 179)، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (314)، والبيهقي (5/ 263)، وفي شعب الإيمان (2/ 85) حديث 1225، كلهم من طرق، عن وائل، عن سعيد بن عمير مرسلًا.

قال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 502): أسنده بعضهم، وهو خطأ. وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 443): أما الثقات -الثوري وجماعة- رووا عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم، والمرسل أشبه. وقال البيهقي: هذا هو المحفوظ مرسلًا.

(1)

في البيوع، باب 15، حديث 2072.

(2)

سورة الملك، الآية:15.

(3)

أخرجه الترمذي في الزهد، باب 33، حديث 2344، وابن ماجه في الزهد، باب 14، حديث 4164، وابن المبارك في الزهد ص/ 196 - 197، حديث 559، والطيالسي ص/ 11، 21، حديث 53، 139، وأحمد (1/ 30، 52)، وعبد بن =

ص: 345

في الأسبابِ من التوكل، فلا يعتقد أن الرزق من الكسب، بل من الله تعالى بواسطة.

(وقال) صاحبُ "الرعاية"(-أيضًا- فيها: يُباح كسبُ الحلال لزيادة المالِ، والجاه، والترفُّهِ، والتنعُّم، والتوسِعَةِ على العيالِ، مع سلامة الدِّين، والعِرْض، والمُروءَةِ، وبراءة الذِّمة) لأنه لا مفسدةَ فيه إذًا.

(ويجب) التكسُّب (على مَن لا قوتَ له، ولا لمن تلزمُه مُؤنَتُه) لحفظ نفسه. قلت: وكذا على مَن عليه دين واجب لأدائه.

(ويُقدَّم الكسبُ لعياله على كلِّ نَفْلٍ) لأن الواجبَ مُقدَّمٌ على التطوع.

(ويُكره تَرْكُه) أي: التكسُّب (والاتكالُ على الناس، قال أحمدُ: لم أرَ مثلَ الغِنى عن الناس

(1)

. وقال في قوم لا يعملون ويقولون نحن متوكلون: هؤلاء مبتدعةٌ

(2)

) لتعطيلهم الأسبابَ.

= حميد (1/ 43) حديث 10، والبزار (1/ 476) حديث 340، وأبو يعلى (1/ 212) حديث 247، وابن حبان "الإحسان"(2/ 509) حديث 730، والحاكم (4/ 318)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (10/ 69)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 319) حديث 1444، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 66) حديث 1182 - 1183، والبغوي في شرح السنة (14/ 301) حديث 4108، والضياء في المختارة (1/ 333 - 334) حديث 227 - 228، والمزي في تهذيب الكمال (15/ 505)، جميعهم من طريق عبدالله بن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، به.

قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن المديني كما في مسند الفاروق (2/ 637): إسناده مصري، ورجاله معروفون عند أهل مصر.

(1)

انظر: الحث على التجارة ص/ 36، رقم 10، والآداب الشرعية (3/ 261)، والفروع (4/ 54).

(2)

مسائل صالح (2/ 9) رقم 529، والحث على التجارة ص/ 158، رقم 111، =

ص: 346

وقال القاضي: الكسبُ الذي لا يُقصد به التكاثرُ، وإنما يقصدُ به التوسُّلُ إلى طاعة الله -من صلةِ الإخوان، أو التعفُّفِ عن وجوهِ الناس- فهو أفضلُ، لما فيه من منفعةِ غيرهِ، ومنفعةِ نفسه، وهو أفضلُ من التفرُّغِ إلى طلب العبادةِ من الصلاةِ، والصومِ، والحج، وتعلُّمِ العِلْم؛ لما فيه من منافعِ الناس، و"خيرُ الناسِ أنفعُهم للناس"

(1)

.

= وتلبيس إبليس ص/ 368. وانظر: الآداب الشرعية (3/ 262).

(1)

رُوي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم مرفوعًا، منهم:

أ - جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 368) حديث 5783، وابن النقاش في فوائد العراقيين ص/ 105، حديث 99، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 108، 2/ 223) حديث 129، 1234، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 117) حديث 7658، من طريق علي بن بهرام، عن عبدالملك بن أبي كريمة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه.

وأخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 79)، وابن عساكر في تاريخه (8/ 404)، من طريق عمرو بن بكر السكسكي، عن ابن جريج، به.

قال ابن حبان: عمرو بن بكر السكسكي. . . لا يحل الاحتجاج به.

قلنا: تابعه عبدالملك بن أبي كريمة عند الطبراني وغيره -كما تقدم- والحديث ذكره السيوطي في موضعين من جامعه الصغير (3/ 481، 6/ 253 مع الفيض) في الموضع الأول رمز لحسنه، وفي الموضع الثاني رمز لصحته. وانظر: السلسلة الصحيحة، حديث 426.

ب - عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (36)، والطبراني في الكبير (12/ 346) حديث 13646، وفي الأوسط (7/ 16) حديث 6023، وفي الصغير (2/ 35)، وأبو إسحاق المزكي في الفوائد المنتخبة ص/ 103 - 104، حديث 35، وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه ص/ 51، حديث 97، وأبو نعيم في الحلية (6/ 348)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 64) حديث 1162، وابن عساكر في تاريخه (64/ 17). وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، حديث 906 وحسن إسناده.

ج - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أبو يعلى في مسنده كما في المطالب العالية =

ص: 347

(وأفضلُ الصنائعِ خياطةٌ. وكلُّ ما نُصِحَ فيه فهو حسن؛ نصًّا

(1)

) قال في "الآداب الكبرى": يجبُ النصح في المعاملةِ، وكذا في غيرِه

(2)

، وترك الغش.

(وأدناها) أي: الصنائع (حياكةٌ وحجامةٌ، وأشدُّها كراهةً صبْغٌ وصياغةٌ وحدادةٌ ونحوها، ويُكره كسبُهم) للخبرِ في الحجامةِ

(3)

، وقياس الباقي عليها؛ لأنه في معناه

(4)

.

(و) يُكره (كسب الجَزَّار؛ لأنه يوجب قساوة قلبه.

و) يُكره كسبُ (مَن يُباشِرُ النجاسات، والفاصد، والمُزَيّن، والجرائحي، والخَتَّان، ونحوهم ممن صنعته دنيئةٌ) لأن ذلك في معنى الحجامة (قال في "الفروع": والمراد مع إمكان أصلح منها، وقاله ابنُ عقيل) قال في "الاختيارات"

(5)

: وإذا كان الرجل محتاجًا إلى هذا الكسب ليس له ما يُغنيه عنه إلا المسألة للناسِ، فهو خير له من مسألة الناس، كما قال بعضُ السلف: كسبٌ فيه دناءةٌ خيرٌ من مسألة الناس

(6)

. انتهى.

= (1/ 386) حديث 1004، وأبو الغنائم النرسي في ثواب قضاء حوائج الإخوان ص/ 55، حديث 15. وفي سنده سكين بن أبي سراج. ذكره الذهبي في ديوان الضعفاء والمتروكين ص/ 125، وقال: واهٍ.

(1)

مسائل ابن هانئ (2/ 33) رقم 1310، وانظر: الفروع (6/ 577).

(2)

في "ح" و"ذ" ومطبوعة الآداب الشرعية (3/ 260): "غيرها".

(3)

أخرج مسلم في المساقاة، حديث 1568، عن رافع بن خديج قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام.

(4)

في "ح" و"ذ": "معناها".

(5)

ص/ 230.

(6)

أخرجه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال ص/ 298، رقم 321، وابن عبدالبر في التمهيد (18/ 329 - 330)، من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 348

قلت: وتقدم في الجهاد

(1)

أن الصنائع فرضُ كفاية، فينبغي لكل ذي صناعة أن ينوي بها القيام بذلك الفرض لتنقلب طاعة ويثاب عليها؛ لحديث:"إنما الأعمالُ بالنِّياتِ"

(2)

.

(ويُستحبُّ الغرسُ والحَرْثُ) أي: الزرع (واتخاذُ الغنمِ) للخبر

(3)

.

(وإن رمى صيدًا، فأثبته) بأن صار غير ممتنع (مَلَكه) المثبت له؛ لحيازته له.

(ثم إن رماه آخر فقتله، فإن كانت رميةُ الأول مُوَحِّيَةً

(4)

، بأن نحرته، أو ذبحته، أو وقعت في حُلْقومه، أو قلبه، وجراحة الثاني غير مُوَحِّيَة) حَلَّ (أو أصاب) الثاني (مذبحه، أو نَحَرَته؛ حَلَّ) لأنه ذكي (ولا ضمان على الثاني إلا ما نقصه من خرق جلده ونحوه) لأنه لم يتلف سوى ذلك المحل.

(وإن كان) الجرح (الأول غير مُوَحٍّ، حَرُم). لأنه صار مقدورًا عليه بإثبات الأول، فلم يُبح إلا بذبحه، ولم يوجد.

(ويَغْرَمُ) الثاني (قيمَته للأول مجروحًا بالجرح الأول) لأنه أتلفه

(1)

(7/ 7).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(3)

أخرج البخاري في المزارعة، باب 1، حديث 2320، وفي الأدب، باب 27، حديث 6012، ومسلم في المساقاة، حديث 1553، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان به صدقة. وأخرج البخاري في الإيمان، باب 12، حديث 19، وفي بدء الخلق، باب 15، حديث 3300، وفي المناقب، باب 25، حديث 3600، وفي الرقاق، باب 34، حديث 6495، وفي الفتن، باب 14، حديث 7088، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتّبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفرُّ بدينه من الفتن.

(4)

تقدم شرحها (6/ 214) تعليق رقم (2).

ص: 349

عليه كذلك حتى ولو أدرك الأول ذكاته فلم يُذَكِّه (إلا أن تَنْحَرَه رميتُه) أي: الثاني (أو تذبَحَه، أو يدْرَك) الصيد و (فيه حياة مستقرة؛ فيذكَّى؛ فيحِلَّ) لأنه ذكي.

(وإن كان المرميُّ قنًّا، أو شاةً للغير، ولم يُوَحِّياه) أي: الجرحان (وسَرَيا) إلى النفس (فعلى الثاني نصف قيمته) أي: القِن أو الشاة (مجروحًا بالجرح الأول) اعتبارًا بحال جنايته (ويُكمِلها) أي: القيمة حال كون القِنّ المجروح، أو الشاة (سليمًا) الجارحُ (الأول) لأنه وقتَ جنايته كان كذلك.

(وإن رميا) أي: الصائدان، مع أهلية كل منهما وتسميته (الصيدَ معًا فقتلاه، كان) الصيد (حلالًا) كما لو اشتركا في ذبحه (وملكاه بينهما) نصفين لاشتراكهما في إصابته، سواء تساوى الجرحان أو تفاوتا.

(فإن كان جُرحُ أحدهما) أي: الصائدين معًا (مُوَحِّيًا، و) الجرح (الآخر غير مُوَحٍّ ولا يثبته) أي: الصيد (مثله) أي: مثل ذلك الجرح (فهو) أي: الصيد

(1)

(لصاحب الجرح المُوَحِّي) لانفراده بإثباته.

(وإن أصابه أحدُهما بعد صاحبه، فوجداه ميتًا، ولم يُعلم هل صار بـ) ـالجرح (الأول ممتنعًا، أو لا؛ حلَّ) لأن الأصل بقاء امتناعه (ويكون) ملكه (بينهما) لأن تخصيص أحدهما به ترجيحٌ بلا مرجح.

(فإن قال كلٌّ منهما: أنا أثبتُّه، ثم قتلْتَهُ أنت) فتضمنه (حَرُم) لإقرار كلٍّ منهما بتحريمه (ويتحالفانِ لأجل الضمان) لأن كلًّا منهما منكِرٌ لما يدعيه صاحبه، والأصل براءة ذمة كلٍّ منهما للآخر.

(وإن اتفقا على الأول منهما) أي: على أن زيدًا مثلًا رماه أولًا

(1)

في "ذ": "المصيد".

ص: 350

(فقال الأول: أنا أثبتُّه، ثم قَتَله الآخرُ)، فَحَرُمَ وعليه ضمانه (وأنكر الثاني إثبات الأول له فالقولُ قول الثاني) لأنه الأصل (ويحرم) المصيد (على الأول) لاعترافه بتحريمه (والقول قول الثاني في عدم الإثبات) لأنه الأصل (مع يمينه) لاحتمال صدق الأول.

(وإن عُلِمت جراحة كلٍّ منهما) أي: الأول والثاني بعينها (و) عُلِم (أن جراحة الأول لا يبقى معها امتناع، مثل كَسْر جناح الطائر، أو) كَسْر (ساق الظبي؛ فالقول قولُ الأول) أنه أثبته (بغير يمين) لأنه لا يحتمل غير ذلك.

(وإن عُلِم أنه) أي: جراح الأول (لا يُزيل الامتناع، مثل خَدْشِ الجِلْدِ؛ فقول الثاني) بغير يمين؛ لما سبق.

(وإن احتمل) جراح الأول (الأمرين) أي: إزالة الامتناع وعدمها (فقوله) أي: الثاني (أيضًا) بيمينه؛ لأن الأصلَ عدم الامتناع.

(ولو رماه) صائد (فأثبته، ثم رماه) ذلك الصائد (مرةً أخرى، فقتله؛ حَرُم) لأنه صار مقدورًا عليه بالمرة الأولى، فلم يحل إلا بذبحه.

قلت: فإن كانت الأولى مُوَحِّيةً، أو أصابت الثانية مَذْبَحه؛ حَلَّ، كما لو كانت الرميةُ الثانيةُ من صائد آخر، كما تقدم.

فصل

(وإن أدرك الصيدَ، وفيه حياةٌ غيرُ مستقرة، بل) وجده (متحركًا كحركة المذبوح، فهو كالميتةِ لا يحتاج إلى ذكاة) لأن عَقْرَه ذكاةٌ له، فيحل بالشروط الأربعة الآتية.

ص: 351

(وكذا لو كان) الصيد (فيه حياةٌ مُستقرَّة فوق حركة المذبوح، ولكن لم يتسع الوقت لتذكيته) فيحل بالشروط الأربعة؛ لأنه بعدم الاتساع لتذكيته غيرُ مقدور على تذكيته، فأشبه ما لو وجده ميتًا.

(وإن اتَّسع الوقت لها) أي: لتذكيته (لم يُبح) الصيد (إلا بها) أي: بتذكيته؛ لأنه مقدورٌ عليه، أشبه سائرَ ما قدر على ذكاته.

(فإن خَشِي موته، ولم يجد ما يذكّيه به؛ لم يُبح -أيضًا-) لأنه حيوانٌ لا يُباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة، فلم يُبح بغير التذكية إذا لم تكن معه آلةُ الذكاة، كسائر المقدور على تذكيته

(1)

. وقال القاضي وعامة أصحابنا: يحلُّ بالإرسال؛ قاله في "التبصرة" أي: إرسال الصائد عليه ليقتله.

(ولو اصطاد بآلةٍ مغصوبة) من فخٍّ، أو شبكةٍ، أو نحوها (فالصيدُ لمالكها) وكذا لو صاد على الفرس المغصوب، أو صاد القِنُّ المغصوبُ، أو غنم الفرس المغصوب، وتقدم في الغصب

(2)

.

(ولو امتنع الصيدُ على الصائدِ من الذَّبْح، بأن جعل يعدو منه حتى ماتَ تعبًا؛ حلَّ) ذكره القاضي؛ لأنه بامتناعه بالعدوِ صارَ غيرَ مقدورٍ على تذكيته، أشبه ما لو وجده ميتًا، واختار ابنُ عقيل: لا يحل؛ لأنه إتعاب

(3)

يُعينُه على الموت، فصار كما لو وقعَ في ماء.

(وإن أدرك الصيد ميتًا؛ حَلَّ) لأن الاصطيادَ أُقيمَ مقامَ الذكاة، والجارح له آلةٌ كالسكين، وعَقْرُه بمنزلة قطع الأوداج (بشروط أربعة،

(1)

زاد في "ذ" بعد "تذكيته": "إذا كان معه آلة".

(2)

(9/ 249).

(3)

في "ذ": "لأن الإتعاب".

ص: 352

‌أحدها: أن يكونَ الصائد من أهل الذَّكاة) أي: ممَّن تحل ذبيحته

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ أخْذَ الكلبِ ذكاةٌ" متفق عليه

(1)

، والصائدُ بمنزلة المُذَكِّي، فيشترط فيه الأهلية (ولو) كان الصائدُ (أعمى) خلافًا لابن حمدان، قال: لا يحل

(2)

؛ لتعذُّر قصده صيدًا معينًا (وتقدمت شروطها) أي: الذكاة في بابها (إلا ما لا يفتقرُ إلى ذكاةٍ كحوتٍ وجرادٍ، فَيُباح إذا صاده مَن لا تُباحُ ذبيحته) من مجوسي ونحوه؛ لأنه لا ذكاةَ له، أشبه ما لو وجده ميتًا.

(فإن رمى مسلم) أو كتابيٌّ (وغيرُ كتابي) كمجوسي ووثني ودُرْزِي (أو متولِّد بينه) أي: بين غير كتابي (وبين كتابي) كولد مجوسية من كتابي (صيدًا، أو أرسلا عليه جارحًا، أو شارك كلبُ مجوسيٍّ كلبَ مسلمٍ في قتله) أي: الصيد (لم يحل) الصيدُ (سواء وقع سهماهما فيه دفعةً واحدة، أو) وقع فيه سهم (أحدهما قبل الآخر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلتَ كلبكَ المُعلَّم، وذكرتَ اسم الله عليه فكُلْ، وإن وجدت معه غيره فلا تأكل، إنَّما سمَّيت على كلبك، ولم تُسَمِّ على غيره" متفق عليه

(3)

؛ ولأنه اجتمعَ في قتله مبيحٌ ومُحَرِّم، فغلَّبنا التحريمَ، كالمتولِّد بين مأكول

(4)

وما لا يؤكل؛ ولأن الأصلَ الحظرُ

(5)

، فإذا لم يُعلم المبيح رُدَّ إلى أصله.

(1)

البخاري في الذبائح والصيد، باب 1، حديث 5475، ومسلم في الصيد، حديث 1929 (4) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.

(2)

في "ذ": "إنه لا يحل".

(3)

البخاري في الوضوء، باب 33، حديث 175، وفي البيوع، باب 3، حديث 2054، وفي الذبائح والصيد، باب 1 - 2، 7 - 10، حديث 5475 - 5476، 5483 - 5487، وفي التوحيد، باب 13، حديث 7397، ومسلم في الصيد والذبائح، حديث 1929، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.

(4)

في "ذ": "ما يؤكل".

(5)

في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (4/ 128) ما نصُّه: "أي في =

ص: 353

(لكن لو أثخنه كلبُ المسلمِ) أو الكتابي (ثم قتله) كلبُ (الآخرِ) أي: المجوسي ونحوه (وفيه) أي: الصيدِ (حياةٌ مستقرَّة؛ حَرُم) الصيد؛ لعدم ذكاته (ويضمنه) أي: المجوسيُّ ونحوه (له) أي: للمسلم؛ لأنه أتلفه عليه.

(فإن أصاب سهمُ أحدهما مقتلَه دون الآخر، مثل أن يكون الأول قد عَقَره مُوَحِّيًا، مثل أن ذبحه أو جعله في حكم المذبوح، ثم أصابه الثاني وهو) أي: جُرْحُه (غير مُوَحٍّ، فالحكمُ للأول، فإن كان الأول المسلم؛ أُبيح) الصيد؛ لأنه ذُكِّيَ من أَهْلٍ، وكذا لو كان كتابيًّا (وإن كان) الأول (المجوسي؛ لم يُبح) الصيد، كذبيحته.

(وإن كان الجرح الثاني موَحِّيًا -أيضًا- فـ) ـالصيد (مباح إن كان الأول مسلِمًا) أو كتابيًّا مسمِّيًا (لأن الإباحة حصلت به) فلم يؤثّر فعل الثاني.

(وإن كان الأول غير مُوَحٍّ و) الجرح (الثاني مُوَحٍّ، فالحكم للثاني في الحظر) إن كان الثاني مجوسيًّا أو نحوه (والإباحة) إن كان مسلمًا أو كتابيًّا مسميًا؛ لأن الإباحة حصلت به.

(وإن رد كلبُ المجوسيِّ الصيدَ على كلب المسلم، فقتله) كلبُ المسلم (حَلَّ) الصيدُ؛ لأن جارح المسلم انفرد بقتله، فأُبيح، كما لو رمى المجوسي سهمَه فردَّ الصيدَ، فأصابه سهمُ المسلم فقتله، أو أمسك المجوسيُّ شاةً فذبحها مسلم.

(وإن صاد المسلمُ بكلب المجوسي، حَلَّ صيده) لأن الاعتبار بالصائد، والكلبُ آلةٌ، أشبه ما لو صادَه بفرسه وسهمه (وكُرِهَ) في قول

= الصيد، لا مطلقًا. ا. هـ. من خط ابن العماد".

ص: 354

جماعة، منهم جابر

(1)

، والحسن

(2)

، ومجاهد

(3)

، والنخعيُّ

(4)

، والثوري

(5)

، وقال في "المبدع": وهو غيرُ مكروه؛ ذكره أبو الخطاب، وأبو الوفاء، وابن الزاغوني.

(وعكسه) بأن صاد المجوسيُّ بكلب المسلم

(6)

(لا يحل) لعدمِ أهليةِ الصائد للذكاة.

(وإن أرسل المسلمُ) أو الكتابي (كلبًا فزجره المجوسيُّ) أو نحوه (فزاد عدوه؛ حَلَّ صيدُه) لأن الصائدَ له هو المسلمُ، أو الكتابي وهو من أهل الذكاة (وعكسه) بأن أرسلَ المجوسيُّ ونحوه كلبًا فزجره المسلم (لم يحِلَّ) صيدُه؛ لأن الصائد ليس من أهل الذكاة؛ إذ العبرة بالإرسال.

(ولو وجد) المسلم أو الكتابي (مع كلبه كلبًا آخر، وجهل) المسلم، أو الكتابي (حاله) أي: الكلب الآخر (هل سمَّى عليه أم لا؟ وهل استرسل بنفسه أم لا؟ أو جهل حال مرسلِه: هل هو من أهل الصيد) أي: مسلم أو كتابي (أم لا؟ ولا يعلم أيهما) أيْ: أيُّ الكلبين (قتله، أو علم أنهما) أي: الكلبان (قتلاه معًا، أو علم أن) الكلب (المجهول هو القاتل) للصيد وحده (لم يُبح) الصيد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن وجدتَ معهُ غيرَهُ فلا تأكُل، إنّما سميتَ على كلبِكَ ولمْ تُسمِّ على غيرِه" متفق عليه

(7)

(1)

أخرجه عبدالرزاق (4/ 469) رقم 8495، وابن أبي شيبة (5/ 362)، والبيهقي (9/ 245)، وضعفه.

(2)

أخرجه عبدالرزاق (6/ 124) رقم 10205، وابن أبي شيبة (5/ 361 - 362).

(3)

أخرجه عبدالرزاق (4/ 469) رقم 8494، وابن أبي شيبة (5/ 361 - 362).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 362).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 362).

(6)

زاد في "ذ" بعد "المسلم": "أو نحوه".

(7)

تقدم تخريجه (14/ 353) تعليق رقم (3).

ص: 355

وتغليبًا للحظر؛ لأنه الأصل

(1)

، كما تقدم.

(وإن عَلِمَ حالَ الكلب الذي وجده) المسلم أو الكتابي (مع كلبه، و) علم (أن الشرائط المعتبرة قد وُجِدت فيه) بأن كان معلّمًا، وأرسله مسلم، أو كتابي مسميًا (حلَّ) الصيد، كما لو ذبحاه معًا؛ ولمفهومِ الحديث السابق.

(ثم إن كان الكلبان قتلاه معًا فهو) أي: الصيد (لصاحبيهما) أي: صاحبي الكلبين؛ لأن تقديم أحدهما ترجيحٌ بلا مرجّح.

(وإن عُلِمَ أن أحدَهما قتله) وحده (فهو لصاحبه) أي: صاحب الجارح الذي قتله؛ لأنه الصائد له.

(وإن جُهِل الحال) فلم يُعلم هل انفرد أحدهما أو اشتركا (حَلّ أكلُه) لأهلية الصائدين.

(ثم إن كان الكلبان مُتعلِّقين به، فهو) أي: الصيد (بينهما) أي: بين صاحبي الجارحين؛ لأن الظاهر أن جارحيهما قتلاه.

(وإن كان أحدُهما) أي: أحد الكلبين (مُتعلِّقًا به) وحده (فهو) أي: الصيد (لصاحبه) أي: صاحب الجارح المتعلق به؛ لأن الظاهر أنه هو الذي قتله (وعلى مَن حُكم له به اليمين) بطلب رفيقه؛ لاحتمال أن يكون لصاحب الجارح الآخر، أو له فيه شرك.

(وإن كان الكلبان) واقفين (ناحية) عن الصيد (وُقِف الأمر حتى يصطلحا) لأنه ليس أحدهما أَولى به من الآخر.

(فإن خيف فساده) أي: الصيد ببقائه على حاله (بِيع) أي: باعه

(1)

في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (4/ 129) ما نصه: "أي في الصيد، لا مطلقًا. ا. هـ. من خط ابن العماد".

ص: 356

الحاكم (واصطلحا على ثمنه) لتعذُّر القضاء به لواحد منهما.

(والاعتبار بأهلية الرامي) للسهم (وسائر الشروط) من كونه مسلمًا أو كتابيًّا، والتسمية (حال الرمي) للسهم (فإن) رماه وهو أهلٌ ثم (ارتدَّ) بعد رميه (أو مات بعد رميه، وقبل إصابته؛ حَلَّ) اعتبارًا بحال الرامي

(1)

، وعكسه بأن رماه مرتدًّا أو مجوسيًّا ثم أسلم قبل الإصابة لم يحِلَّ.

‌فصل

(الشرط الثاني: الآلة، وهي نوعان:

أحدهما محدد

(2)

، فيشترط له) أي: للمحدد (ما يشترط لآلة الذكاة) لأن جرحه قائم مقام ذكاته، فاعتُبر له ما يُعتبر في آلة الذكاة.

(ولا بدَّ من جَرْحِه) أي: الصيد (به) أي: بالمحدد (فإن قتله بثقله؛ لم يُبح، كشبكة، وفَخٍّ، وبُنْدُقة، وعصًا، وحَجَر لا حدَّ له، ولو شَدَخه، أو خَرَقه، أو قطع حُلْقُومه ومريئه.

فإن كان له) أي: الحجر (حدٌّ كصَوَّان، فكمِعْراض) إن قتله بحَدّه، حلَّ، وإن قتله بعرضه، لم يحِلَّ.

(وإن صاد بالمِعْراض، وهو عود مُحَدَّد، وربما جُعلَ في رأسه حديدةٌ، أكل ما قتلَ بحدّه دون عرضه) نصَّ عليه

(3)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعَدِي بن حاتِمٍ: "ما رميتَ بالمِعْراضِ فخرق فكُلْهُ، وإن أصابه بعَرْضه فلا تأكلهُ"

(1)

في "ح" و"ذ": "الرمي".

(2)

في "ح": "محدود"، وفي "ذ":"محددة".

(3)

مسائل عبدالله (3/ 897) رقم 1211.

ص: 357

متفق عليه

(1)

. وفي لفظ له رواه أحمد قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رميت فسميت فخزقت فكُلْ، وإن لم تخزق فلا تأكل من المِعْراضِ إلا ما ذكيت، ولا تأكل من البندق إلا ما ذكيت"

(2)

.

(وكذا سهمٌ ورمحٌ وحربةٌ وسيف ونحوه) كسكين (يضرب به صفحًا فيقتل، فكلُّه حرام) لما تقدم في المعراض؛ لأن القتلَ إذًا يكون بثقله لا بحده (وكذا إن أصاب) السهم أو نحوه الصيد (بحدّه، فلم يجرح) الصيد (وقتلـ) ـــه (بثقله) فلا يحِلّ، كقتل المِعْراض بثقله؛ لأن عِلَّة الحِلّ الجرحُ، وحيث لم يوجد؛ لم يحل الصيد.

(وإن نصب مناجل، أو) نصب (سكاكين) للصيد (وسَمَّى عند نصبها، فقتلت صيدًا، ولو بعد موت ناصب

(3)

أو رِدَّته) اعتبارًا بوقت النصب؛ لأنه كالرمي (أُبيح) الصيد (إن جرحه) المنصوبُ من سكين، أو منجل، روي عن ابنِ عمر

(4)

؛ لأن النصبَ جرى مجرى المباشرةِ في الضمان، فكذا في الإباحة؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:"كُلْ ما رَدَّت عليكَ يدُك"

(5)

؛

(1)

البخاري في الذبائح والصيد، باب 3، حديث 5477، ومسلم في الصيد، حديث 1929 (1) بلفظ:"فخزق"، وانظر ما تقدم (14/ 353) تعليق رقم (3).

(2)

أحمد (4/ 380).

(3)

في "ذ": "ناصبه".

(4)

أخرج سعيد بن منصور كما في المحلى (7/ 467)، وابن أبي شيبة (5/ 375)، من طريق حصين بن عبدالرحمن، سأل ابن عمر عن صيد المناجل فقال ابن عمر: أما ما أبان منه وهو حي فلا تأكل، وكُلْ ما سوى ذلك.

قال ابن حزم: لا يعرف له من الصحابة مخالف.

(5)

أخرجه أبو داود في الصيد، باب 2، حديث 2856، وأحمد (4/ 195)، والبيهقي (9/ 237، 245)، عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه. وجوَّد إسناده ابن كثير في تفسيره (2/ 17)، وحسنه ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق (3/ 372) انظر ما تقدم (14/ 343) تعليق رقم (3).

ص: 358

ولأنه قتلَ الصيدَ بما له حدٌّ جرتِ العادة بالصيد به، أشبهَ ما لو رماه، وفارقَ ما إذا نصب سكينًا؛ فإنَّ العادة لم تجرِ بالصيد بها؛ ذكره في "المبدع" مع أن عبارةَ "المنتهى": مَن نصبَ منِجلًا أو سكينًا. لكنَّ عبارةَ "المقنع" بالجمع كالمصنفِ، ولم يُغَيّرها في "التنقيح"، ولا تعرض لمفهومها في "الإنصاف"

(1)

.

(وإلا) أي: وإن لم يجرحه ما نصبَه من مناجل، أو سكاكين (فلا) يُباح الصيد؛ لعدم الجرح.

(و‌

‌إن قتل) الصيدَ (بسهمٍ مسموم، لم يُبح)

الصيد (إذا احتمل أن السَّمَّ أعان على قتله) لأنه اجتمع مُبيحٌ ومُحَرِّم، فغُلِّب المُحَرِّم، وكسهمي مسلم ومجوسي، فيحرم ولو لم يغلب على الظن أن السهم

(2)

أعان على قتله حيث احتمل، فإن لم يحتمل فلا.

(ولو رماه) أي: الصيد (فوقع في ما يقتله مثله) لم يَحل (أو تردَّى) من نحو جبل (ترديًا يقتلُه مثلُه) لم يحل (أو وطئ عليه شيءٌ) بعد رميه (فقتله، لم يحل) لأنه اجتمعَ فيه مبيحٌ ومُحَرِّم، أشبه المتولّدَ بين مأكولٍ وغيره؛ ولما روي عَدِيُّ بن حاتِمٍ قال:"سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد، فقال: إذا رميتَ سهمكَ فاذكر اسمَ الله، فإن وجدته قد قتل، فكُلْ إلَّا أن تجده وقع في ماءٍ فإنّك لا تدري الماءُ قتلهُ أو سهمك" متفق عليه

(3)

.

(1)

علق الشيخ حمود التويجري رحمه الله على هامش نسخته (4/ 130): "من قوله: ذكره في المبدع -إلى قوله: ولا تعرض لها في الإنصاف. ليس في نسخة ابن العماد، ولعلَّه حاشية مقحمة".

(2)

في "ح" و"ذ": "السَّم".

(3)

البخاري في الذبائح والصيد، باب 8، حديث 5484، ومسلم في الصيد، حديث 1929 (6 - 7).=

ص: 359

والمتردّي من نحو جبل، والموطوء عليه، مثله في عدم العلم بالقاتل من السببين (ولو كان الجرح مُوَحِّيًا) لظاهر ما سبق.

(وإن وقع) الصيد (في ماء ورأسُه) أي: الصيد (خارجه) أي: الماء؛ فمباح (أو كان) الصيد (من طير الماء) فمُباحٌ (أو كان التردّي لا يقتل مثل ذلك الحيوان؛ فمباحٌ) قال في "المبدع": لا خلاف في إباحته؛ لأن التردّي والوقوع إنما حرم خشية أن يكون قاتلًا، أو معينًا على القتل وهذا منتفٍ هنا.

(وإن رمى طيرًا في الهواء، أو على شجرة أو جبل، فوقع) الطير (إلى الأرض فمات؛ حَلّ؛ لأن سقوطه بالإصابة) والظاهرُ زهوق روحه بالرمي لا بالوقوع؛ ولأن وقوعه إلى الأرض لا بُدَّ منه، فلو حرم به لأدَّى إلى ألا يحل طير أبدًا.

(وإن رمى صيدًا -ولو) كان الرمي (ليلًا- فجرحه -ولو غير مُوَحٍّ- فغاب عن عينه، ثم وجده ميتًا، ولو بعد يومه) الذي رماه فيه (وسهمه فقط فيه) حل (أو أثره) أي: السهم بالصيد (ولا أثر به غيره؛ حل) لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أنَّ رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أفتني في سهمي؟ قال: ما ردَّ عليك سهمك، فكُلْ، قالَ: فإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك؛ ما لم تجد فيه غير سهمك" رواه أبو داود

(1)

؛ ولأنَّ جرحَه بسهمه سببُ إباحته، وقد وجد يقينًا،

(1)

في الصيد، باب 2، حديث 2857. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الصيد، باب 16، حديث 4307، وفي الكبرى (3/ 151) حديث 4807 - 4808، وأحمد (2/ 184)، والدارقطني (4/ 294)، والبيهقي (9/ 237، 243)، وصحح إسناده ابن عبدالهادي في المحرر ص/ 277، وفي تنقيح التحقيق (3/ 372)، وقال الحافظ في الفتح (9/ 602): لا بأس بسنده

ص: 360

والمعارض له مشكوكٌ فيه كما لو وجده بفم كلبه، أو وهو يعبث به.

(وإن وجدَ به سهمًا) غير سهمه؛ لم يحِلّ (أو) وجد به (أثرَ سهمٍ غيرِ سهمه) لم يحِلّ (أو شكَّ في سهمه) بأن لم يتيقن أنَّ الذي بالصيد سهمه؛ لم يحِلّ (أو) شكَّ (في قتله) أي: الصيد (به) أي: بسهمه؛ لم يحِلّ (أو أكل منه سبع يصلح أن يكون) أكله منه (قتله؛ لم يحِلّ) للخبرِ السابق، وكما لو وجد مع كلبه كلبًا سواه.

(وإن كان الأثر مما لا يقتل مثلَه) أي: مثل ذلك الصيد (مثل أكل حيوان ضعيف كسِنور وثعلب من حيوان قوي، أو تهشَّم من وقعته؛ فمُباحٌ) لأنه معلوم أن هذا لم يقتله.

(ولو أرسل عليه) أي: الصيد (كلبه، فعَقَره، فغابَ) ثم وجده ميتًا (أو غاب) الصيد (قبل عَقْره، ثم وجده ميتًا، والكلب وحده، أو) وجد (الصيد بفمه، أو) وهو (يعبث به، أو عليه؛ حَلَّ) الصيد؛ لأن وجوده بهذه الحالة وعدم أثر غير ذلك فيه، يُغلِّب على الظن أنَّ الموتَ حصل بجارحه، فحلَّ كما لو لم يغب عنه. قال في "الفروع": وإن غاب قبل عقره، ثم وجد سهمه

(1)

، أو كلبه عليه، ففي "المنتخب": أنها كذلك، وهو معنى "المغني" وغيره. قال في "المنتخب": وعنه: يحرمُ، وذكرها في "الفصول" كما لو وجدَ كلبه، أو السهم ناحية، كذا قال، وتبعه في "المحرر" وفيه نظر على ما ذكر هو وغيره من التسويةِ بينها وبين التي قبلها على الخلاف. وظاهرُ رواية الأثرم وحنبل

(2)

حِلّه، وهو معنى ما جزم به

(1)

"وجد سهمه" كذا في الأصول، وفي الفروع (6/ 326):"وجده وسهمه".

(2)

مسائل الأثرم وحنبل لم تُطبعا، وانظر: كتاب الروايتين والوجهين (3/ 13).

ص: 361

في "الروضة" (وتقدم

(1)

قريبًا: لو وجد مع كلبه كلبًا آخر.

وإن رمى) صيدًا (أو ضرب صيدًا، فأبان بعضه، ولو بنصب مناجل ونحوها) كسكاكين (فإن قطعه قطعتين متساويتين، أو متقاربتين، أو قطع رأسه، حلَّ) الجميع.

(وإن

(2)

أبان منه عضوًا غير الرأس، ولم تبقَ فيه حياةٌ مستقرة، وكانت البينونة والموت معًا، أو) كان موته (بعده) أي: بعد أن أبان منه العضو (بقليل؛ أُكل) هو (وما أُبين منه).

قال أحمد

(3)

: إنما حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم: "ما قطعت من الحي ميتةٌ"

(4)

إذا قطعت وهي حيةٌ تمشي وتذهب، أما إذا كانت البينونة والموتُ جميعًا أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت، فلا بأس به، ألا ترى الذي يُذبح ربما مكث ساعة، وربما مشى حتى يموت؛ ولأن ما كان ذكاةً لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه، كما لو قَدَّ الصائدُ الصيد نصفين، والخبرُ يقتضي أن يكون الباقي حيًّا حتى يكون المنفصل منه ميتًا.

(وإن كانت) حياته (مستقرة، فالمُبَان) منه (حرام، سواء بقي الحيوان حيًّا أو أدركه) أحد (فذكاه أو رماه) الصائد (بسهم آخر فقتله) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أُبين من حَيٍّ فهو ميتٌ"

(4)

.

(وإن بقي) العضو (مُتعلِّقًا بجلدة؛ حَلّ) العضو (بحِلِّه) أي: الحيوان (لأنه) أي: العضو (لم يَبِنْ) أي: لم ينفصل، فهر كسائر أجزائه.

(1)

(14/ 355).

(2)

في "ذ": "فإن".

(3)

انظر: الإرشاد ص/ 384، وكتاب الروايتين والوجهين (3/ 17 - 18)، والجامع الصغير ص/ 339، والمغني (13/ 280).

(4)

تقدم تخريجه (1/ 102) تعليق رقم (2).

ص: 362

(وإن أخذ قطعة من حوت، وأفلت) الحوت (حيًّا؛ أُبيح ما أخذ منه) لأنه

(1)

أقصى حاله أن يكون ميتة، وميتةُ الحوت ونحوه طاهرةٌ.

(وتحل الطريدة، وهي الصيدُ يقع بين القوم لا يقدرون على ذكاته، فيقطع ذا منه بسيفه قطعةً، ويقطعُ الآخر أيضًا) قطعة (حتى يأتوا

(2)

عليه) أي: الصيد (وهو حي) قال الحسنُ: لا بأسَ بالطريدةِ، كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم، وما زال الناس يفعلونه في مغازيهم

(3)

، واستحسنه أبو عبدالله، أي: أحمد

(4)

(وكذا النادُّ) من الإبلِ ونحوها إذا توحشت ولم يقدر على تذكيتها.

فصل

(النوع الثاني) من نوعي الآلة: (الجارحة، فَيُباح ما قتلته) الجارحة (إذا كانت مُعلَّمة) لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ}

(5)

قال ابن عباس: "هي الكلاب المُعَلَّمة، وكلُّ طيرٍ تعلَّم الصيد، والفهود، والصقور، وأشباهها"

(6)

.

(1)

في "ح" و"ذ": "لأن".

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 330): "يؤتى".

(3)

أخرجه أحمد -كما في المغني (13/ 281) - عن هشيم، عن منصور، عن الحسن، به.

(4)

انظر: المغني (13/ 281).

(5)

سورة المائدة، الآية:4.

(6)

أخرجه عبدالرزاق (4/ 469) رقم 8497، والطبري في تفسيره (6/ 90)، والبيهقي (9/ 235).

ص: 363

والجارحُ لغةً: الكاسبُ. قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}

(1)

أي: كسبتم. ومُكلِّبين، من التكليب: وهو الإغراءُ.

(إلا الكلب الأسود البهيم، وهو ما لا بياض فيه) قال ثعلب وإبراهيمُ الحربي: كلُّ لونٍ لم يخالطه لونٌ آخر فهو بهيم، قيل لهما: من كل لون؟ قالا: نعم

(2)

.

(أو) كان أسود (بين عينيه نُكْتتَان) في إحدى الروايتين، قال في "الآداب الكبرى"

(3)

: وهو الصحيحُ، وجزم به في "المغني" و"الشرح" (كما اقتضاه الحديث الصحيح) أي: حديث جابر مرفوعًا: "عليكم بالأسود البهيم ذي الطُّفْيَتين فإنه شيطان" رواه مسلم

(4)

. والطُّفْيةُ: خُوص المُقْلِ، شَبَّه الخطين الأبيضين منه بالخُوصتين

(5)

.

(فيحرم صيدُه) أي: الكلب الأسود البهيم؛ "لأنّهُ صلى الله عليه وسلم أمرَ بقتله وقال: إنه شيطانٌ" رواه مسلم

(6)

(كـ) ــصيد (غير المُعلَّم) من الكلاب، أو غيرها (إلا أن يدركه في الحياة فيذكَّى) فيحِلّ؛ لأنه ذكي.

(ويحرم اقتناؤه) أي: الكلب الأسود البهيم (وتعليمه) الصيد؛ لأمرِه صلى الله عليه وسلم بقتلِه كما تقدم.

(ويُسنُّ قَتْلُه) أي: الكلب الأسود البهيم (ولو كان مُعلَّمًا) لأمره صلى الله عليه وسلم

(1)

سورة الأنعام، الآية:60.

(2)

أورده عنهما الموفق في المغني (13/ 267)، وانظر: لسان العرب (12/ 58) مادة (بهم).

(3)

الآداب الشرعية (3/ 345).

(4)

في المساقاة، حديث 1572، وفيه: ذي النقطتين، بدل: ذي الطفيتين، وأخرجه أبو عوانة (3/ 361) رقم 5314، 5315، باللفظ الذي ساقه المصنِّف.

(5)

انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 130).

(6)

في المساقاة، حديث 1572.

ص: 364

بقتلِه، وذكر الأكثر: يُباح قتلُه، وجزمَ به في "المنتهى". نقل موسى بن سعيد: لا بأس به

(1)

.

(وكذا الخنزير) أي: يُسنُّ -أو يُباح- قتلُه. نقل أبو طالب: لا بأس

(2)

(ويحرم الانتفاع به) أي: بالخنزير، قال في "الفروع": قال الأصحابُ: يحرم اقتناءُ الخنزير والانتفاع به، وتقدم في باب الآنية

(3)

حكمُ الخَرْزِ بشعره.

(ويجب قتلُ كلب عقور، ولو كان مُعَلَّمًا) ليدفع شَرّه عن الناس، ودعوى نسخ القتل مطلقًا إلا المؤذي دعوى بلا بُرهان. قال الأزهري: الكلب العقور؛ هو كلُّ ما يعقر -أي: يجرح- ويفترس، من أسد، وفهد، وذئب، ونَمِر

(4)

، والجمع عُقُر، مثل: رسول ورُسُل؛ قاله في "الحاشية".

(ويحرم اقتناؤه) أي: الكلب العقور؛ لأذاه.

(ولا تُقتل كلبةٌ عَقَرت مَنْ قَرُبَ مِن ولدِها، أو خَرَقت ثوبه) لأن ذلك ليس عادة لها (بل تُنقل) بعيدًا عن مرور الناس دفعًا لشرها (وتقدم آخرَ حَدّ المحاربين

(5)

.

ولا يُباح قَتْل الكلاب غير ما تقدم) أي: غير الكلب العقور، والأسود البهيم؛ لمفهوم تقييد الأمر بالقتل بالأسود البهيم.

(ويُباح اقتناؤها) أي: الكلاب غير

(1)

طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 332) في ترجمته.

(2)

انظر: الفروع (6/ 327 - 328).

(3)

(1/ 100).

(4)

تهذيب اللغة (1/ 210) مادة (عقر).

(5)

(14/ 202).

ص: 365

الأسود

(1)

والعقور (للصيد والماشية والحرث، وتقدم) ذلك (في كتاب البيع

(2)

) والوصية

(3)

وغيرهما.

قال في "الآداب": فإن اقتنى كلبَ الصيد مَنْ لا يصيد به، احتمل الجوازَ والمنعَ، وهكذا الاحتمالان في من اقتنى كلبًا ليحفظ له حَرْثًا، أو ماشية إن حصلت، أو يصيد به إن احتاج إلى الصيد.

(والجارح نوعان: أحدُهما: ما يصيد بِنابِهِ كالكلب والفهد، وكلِّ ما أمكن الاصطياد به) قال في "المذهب" و"الترغيب": والنمر.

(وتعليمه بثلاثة أشياء: أن يسترسل إذا أُرسل، وينزجر إذا زُجر، لا في حالة مشاهدته الصيد، وإذا أمسك لم يأكل) لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أَكل فلا تأكل، فإني أخافُ أن يكُون إنما أمسك على نفسه" متفق عليه

(4)

؛ ولأن العادةَ في المُعلَّم تركُ الأكل، فكان شرطًا كالانزجارِ إذا زُجِر. قال في "المغني": لا أحسب هذه الخصال تُعتبر في غير الكلب؛ فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه، وينزجر إذا زُجِر، والفهدُ لا يكاد يُجيب داعيًا، وإن عُدَّ متعلِّمًا فيكون التعليمُ في حقه بتركِ الأكل خاصَّة، أو بما يعده أهل العُرف متعلمًا.

(ولا يُعتبر تكرارُه) أي: ترك الأكلِ (بل يحصُل) تعليمُه (بـ) ـتركه

(5)

الأكل (مرة) لأنه تعلُّم صنعةٍ أشبهَ سائرَ الصنائع.

(1)

في "ح" و "ذ": "الأسود البهيم".

(2)

(7/ 314).

(3)

(10/ 265).

(4)

البخاري في الوضوء، باب 33، حديث 175، وفي الذبائح والصيد، باب 2، 7 - 10، حديث 5476، 5483 - 5487، ومسلم في الصيد، حديث 1929 (2 - 3).

(5)

في "ح" و "ذ": "بترك".

ص: 366

(فإن أكل بعد تعليمه لم يحرم ما تقدَّم من صيده) لعموم الآيةِ والأخبار؛ ولأنه قد وُجِدَ مع اجتماعِ شروط التعليم فيه، فلا يحرم بالاحتمال (ولم يُبح ما أكلَ منه) لقوله صلى الله عليه وسلم:"فإن أكل فلا تأكل"(ولم يخرج) بالأكل (عن كونه معَلَّمًا، فَيُباح ما صاده بعد الصيد الذي أكل منه) لأننا تحقَّقنا بذلك أنه لم يأكل مما أكل منه لعدم تعليمه، بل لجوع ونحوه.

(وإن شرب) الكلب ونحوه (دَمَه ولم يأكل منه، لم يحرم) لأنه لم يأكل منه.

(ويجب غسل ما أصابه فَمُ الكلب

(1)

) لأنه موضع أصابته نجاسة فوجب غسله كغيره من الثياب والأواني.

(و) النوع (الثاني) من الجوارح: (ذو المِخلب) بكسر الميم (كالبازي والصقر، والعُقاب والشاهين، ونحوها، فتعليمه بأن يسترسلَ إذا أُرسل، ويرجعَ إذا دُعي، ولا يُعتبر ترك الأكل) لقول ابن عباس: "إذا أكل الكلبُ فلا تأكلُ، وإن أكل الصَّقر فكُلْ" رواه الخلال

(2)

؛ ولأن تعليمه بالأكل، ويتعذَّرُ تعليمه بدونه، فلم يقدح في تعليمِه، بخلاف الكلب.

(و‌

‌لا بدَّ أن يجرح) ذو المِخلب (الصيدَ،

فإن قتله بصدمته أو خنقه

(1)

في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (4/ 132) ما نصه: "وجزم في الوجيز بأنه لا يغسل ما أصابه فم الكلب، وجزم بذلك الشيخ تقي الدين. ا. هـ. من خط ابن العماد".

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الخلال المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- أبو يوسف في الآثار ص / 241، ومحمد بن الحسن في الآثار ص / 182، وعبد الرزاق (4/ 473) رقم 8514.

ص: 367

لم يُبَحْ) لأنَّه قتل بغير جرحٍ، أشبه ما لو قتلَه بالحجر والبندق.

‌فصل

(الشرط الثالث: إرسال الآلة قاصدًا الصيد،

فلو سقط السيف من يده، فعقره؛ لم يَحِلَّ.

وإن استرسلَ الكلبُ، أو غيرُه بنفسه) فقتل صيدًا؛ لم يحِلَّ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أرسلت كلبك المُعَلَّم وذَكرتَ اسمَ الله عليه فَكُلْ" متفق عليه

(1)

؛ ولأن إرسالَ الجارحة جُعل بمنزلة الذبح، ولذلك اعتُبرت التسمية معه (أو أرسله) أي: الجارح (ولم يُسَمِّ) عند إرساله (لم يُبَحْ صيده) للخبر.

(فإن زجره ولم يَزِدْ عدوَه، فكذلك) أي: لم يحِلَّ صيده؛ لأن الزجرَ لم يَزِد شيئًا عن استرسالِ الصائد بنفسه.

(وإن زجره فوقف، ثم أشلاه) أي: أرسله (وسَمَّى) عند إرساله (أو سمَّى وزجَره ولم يقف، لكنَّه زادَ في عدوه بإشلائه؛ حلَّ صيده؛ لأنه بمنزلة إرساله) لأن زجره له أثَّر في عدوه؛ لأن فعلَ الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان الاعتبارُ لفعلِ الآدمي.

(وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هَدف، فقتل صيدًا) لم يحِلّ (أو أرسله يريد الصيد، ولا يرى صيدًا) لم يحِلّ (أو قصد إنسانًا أو حَجَرًا، أو رمى عبثًا غير قاصد صيدًا) فأصاب صيدًا؛ لم يحِلّ (أو رمى حجرًا يظنُّهُ صيدًا، أو شَكَّ فيه، أو غلب على ظَنِّه أنه ليس بصيد، أو ظنه آدميًّا أو بهيمة فأصاب صيدًا؛ لم يحِلَّ) لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد.

(1)

تقدم تخريجه (14/ 353) تعليق رقم (3).

ص: 368

(و‌

‌إن رمى صيدًا فأصاب غيرَه، أو رمى صيدًا فقتل جماعةً)

حَلَّ الجميعُ؛ لعموم الآية والخبر؛ ولأنه أرسله على صيدٍ، فحلَّ ما صاده (أو أرسل سهمَهُ على صيدٍ، فأعانته الريحُ فقتله، ولولاها ما وصل) السهمُ، حلَّ؛ لأنَّ قتله بسهمه ورميه أشبهَ ما لو وقع سهمه على حَجَرٍ فَرَدَّه على الصيد فقتله؛ ولأن الإرسال له حكم الحل، والريح لا يمكنُ الاحتراز عنها، فسقط اعتبارها (أو وقع سهمه في حَجرٍ فردَّه) الحجرُ (على الصيد فقتله، حلَّ الجميعُ) لعدم إمكانِ التحرُّز من ذلك.

(والجارح بمنزلةِ السهم) فلو أرسله على صيدٍ فأصاب غيره، أو على صيد فصاد عددًا حل الجميع.

(ف‌

‌إن رمى صيدًا فأثبته؛ ملكه)

لأنه أزال امتناعه، أشبه ما لو قتله.

(فإن تحامل) الصيد بعد إثباته (ومشى غير ممتنع فأخذه غيره) أي: غير مُثْبِتهِ (لزمه ردُّه) إلى مُثْبِتهِ؛ لأنه ملكه، فلزمه كالشاةِ ونحوها (ولو دخل خيمته أو داره ونحوه) أي: نحو ما ذكر؛ لأنه ملكه بالإثبات فيرد لمُثبِتِهِ.

(كما لو مشى) الصيدُ (بالشَّبَكة على وجهٍ لا يَقدر على الامتناع) ممَّن قصده، فإنه يُرَدُّ لربِّ الشبكة؛ لأنه أثبته.

(وإن لم يُثْبِتْه) أي: الصيد (وبقي ممتنعًا، فدخل خيمةَ إنسان فأخذه) ملكه؛ لأنَّ الأول لم يملكه لكونه لم يُثْبِتْهُ، فإذا أخذه الثاني ملكه.

(أو دخلت ظبية داره، فأغلق بابَه وجهلها) مَلَكها؛ لأنه سبق إليها (أو لم يقصد تملُّكها) بذلك، ملكها للحيازة.

(أو عشَّش طير غير مملوك في بُرْجِه وفرّخ فيه، مَلكه) لأن ذلك

ص: 369

من الصيد المباح، فملكه بحيازته.

قال في "الإنصاف" و"المبدع": ما يبنيه الناسُ من الأبرجة، فيعشِّشُ فيها الطيور؛ يملكون الفراخَ، إلا أن تكون الأمهاتُ مملوكةً فهي لأربابها؛ نصَّ عليه

(1)

، زاد في "المبدع": ولو تحوَّل طيرٌ من برج زيدٍ إلى برج عمرو، لزم عَمْرًا ردُّه، وإن اختلطَ ولم يتميز، مُنع عمرو من التصرُّف على وجهٍ ينقل الملك حتى يصطلحا، ولو باع أحدُهما الآخر حقَّه أو وهبه؛ صَحَّ في الأقيس.

(ومثلُه إحياءُ أرض بها كنزٌ)

ملكه؛ ذكره في "المبدع" و"المنتهى" وغيرهما، زاد في "شرح المنتهى": في الأصح، وتقدَّم في إحياءِ الموات

(2)

: لا يملكه؛ بخلافِ المعدن الجامد.

(و) كـ (ـنصب خيمةٍ وفَتْحِ حَجْرِه

(3)

لذلك) أي: للصيد، فيحصل فيها، أو فيه فيملكه للحيازة (و) كـ (ـنصب شبكة، وشَرَك وفَخ، ومِنْجَلٍ لذلك) أي: للصيد (وحَبْسُ جارحٍ له) أي: للصيد (أو بإلجائه بمضيق لا يُفلِتُ منه) فيملكه بذلك؛ لأنه بمنزلةِ إثباته.

(وإن صَنعَ بِرْكة ليصيدَ بها سمكًا؛ فما حصل فيها؛ مَلَكه) كما لو حصل بشبكته (وإن لم يقصد بها) أي: البِرْكة (ذلك) أي: صيدَ السمك (لم يملكه) بحصوله فيها (كتَوَحُّل صيدٍ في أرضه، أو حَصَل) الصيد (فيها) أي: أرضه (من مَدِّ الماء) أي: زيادته (أو عشَّش فيها) أي: الأرض (طائر) لم يملكه بذلك؛ لأن الأرض ليست مُعَدَّة لذلك (ولغيره)

(1)

الورع للإمام أحمد ص / 68.

(2)

(9/ 445).

(3)

في "ذ": "حُجرةٍ".

ص: 370

أي: غير ربّ الأرض (أخذه) أي: السمك أو الطائر (كـ) ـأخذ (الماء والكلأ) منها، بجامع أنه مباح لم يُحَزْ.

(وإن رمى طيرًا على شجرة في دار قوم، فطرحه في دارهم فأخذوه، فهو للرامي) لأنه ملكه بإزالة امتناعِه؛ قدَّمه في "الشرح". وفي "عيون المسائل": إن حمل نفسَه فسقط خارج الدار فهو له، وإن سقطَ فيها فهو لهم، وجزمَ بمعناه في "المنتهى"، وفي "الرعاية": لغيره أخذُه على الأصحِّ، والمنصوص أنه للمُوَحِّي

(1)

.

(ولو وقع صيدٌ في شَرَكِ إنسان، أو شبكته ونحوه) كفَخِّه (وأثبته، ثم أخذه إنسانٌ، لزمه ردُّه) إلى ربِّ الشبكة ونحوها؛ لأنه أثبته بآلته (وإن لم تُمسكه الشبكةُ، وانفلت منها في الحال) أو خَرَقها، وذهب منها (أو بعد حين؛ لم يملكه) ربُّ الشبكة؛ لأنه لم يُثْبِتْه، فإذا صاده غيرُهُ ملكه.

(وإن أخذ الشبكةَ وذهب بها، فصاده إنسان) مع بقاء امتناعه (ملكه) الثاني (ويَرُدُّ الشبكة) لربها؛ لأنَّ الأول لم يملكه، فإن لم يعرف ربَّ الشبكة، فهي لُقَطة.

(فإن مشى) الصيدُ (بها) أي: بالشبكة (على وَجْهٍ لا يقدِرُ على الامتناع، فهو لصاحبها) لأنه أزالَ امتناعه (كما لو أمسكه الصائد وثبتت يدُه عليه، ثم انفلت منه) فإن ملكه لا يزول عنه بانفلاته.

(وإن اصطاد صيدًا فوجد عليه علامةَ مِلكٍ، كقلادةٍ في عنقه، أو قرط في أذنه، أو وجد الطائر مقصوص الجناح؛ لم يملكه) لأن الذي صاده أوَّلًا ملكه (ويكون لُقَطة) فيعرّفه واجدُهُ.

(ومن كان في سفينة فوثبت سمكةٌ فوقعت في حَجْرِه، فهي له دونَ

(1)

انظر: الفروع (6/ 332).

ص: 371

صاحب السفينة) لأن السمكةَ من الصيد المباح، فمُلكت بالسبقِ إليها، كما لو فتح حَجْره، زاد في "الوجيز": ما لم تكن السفينةُ معدَّة للصيد في هذا الحال.

(وإن وقعت) السمكة (فيها) أي: في السفينة (فلصاحبها) لأن السفينة ملكه، ويدُه عليها.

(وإن وثبت بفعل إنسان لقصدِ الصيد، كالصياد الذي يجعل في السفينةِ ضوءًا بالليل، ويدق بشيءٍ كالجرس ليثبَ السمكُ في السفينة؛ فللصيَّاد) لأنه أثبتها بذلك (وإن لم يقصد الصيدَ بهذا) الفعل (بل حصل اتفاقًا؛ فهي) أي: السمكة (لمن وقعت في حَجْرِه) لأنه سبق إلى مباح.

(ولا يُصاد الحمام إلا أن يكون وحشيًّا) لأن الأهلي ملكٌ لأهلِه.

(ويحرم صيدُ سمكٍ وغيره بنجاسةٍ كعَذِرة وميتة ودم) لما فيه من أكل السمك للنجاسة؛ فيصير كالجَلَّالة (وعنه: يكره

(1)

، وعليه الأكثر) جزم به في "المقنع" و"الوجيز"، وقدَّمه في "المستوعب" و"الرعاية".

(وإن منعه الماءَ حتى صاده؛ حلَّ أكله) وأما نفسُ الفعل فغيرُ مباح.

(ويكره الصيد ببناتِ وَرْدَان

(2)

؛ لأن مأواها الحشوش) نص عليه

(3)

.

(و) يُكره (بضفادع) نصَّ عليه

(4)

، وقال

(5)

: الضفدعُ نُهي عن

(1)

مسائل عبدالله (3/ 881) رقم 1183، والإرشاد ص/ 383، وانظر: كتاب الروايتين والوجهين (3/ 38 - 39).

(2)

دُوَيْبَّة تتولد في الأماكن الندية وأكثر ما تكون في الحمامات والسقايات ومنها الأسود والأحمر والأبيض والأصهب. حياة الحيوان (2/ 404).

(3)

انظر: المغني (13/ 289)، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (27/ 413).

(4)

مسائل ابن هانئ (2/ 141) رقم 1880.

(5)

مسائل عبدالله (3/ 892) رقم 1202.

ص: 372

قتله

(1)

.

(و) يُكره الصيد بـ (ـشِباش، وهو طيرٌ تُخَاط عيناه، أو تُربطُ) لأن في ذلك تعذيبًا للحيوان.

(و) يكره الصيدُ (بخراطيم

(2)

، وكل شيء فيه روح) لما فيه من تعذيبه.

(و) يكره صيدُ شيء (مِن وَكْره) لخوفِ الأذى.

و (لا) يُكره الصيدُ (بليلٍ، ولا) صيد (فَرْخ من وكره، ولا) الصيد (بما يُسكِره) أي: الصيد؛ نص على ذلك

(3)

.

(ولا بشبكة، وشَرَك، وفَخٍّ، ودِبْق

(4)

، وكل حيلة، وكَرِه جماعةٌ) الصيد (بمُثقَّل كبندق

(5)

) وكذا كَرِه الشيخُ تقيُّ الدين

(6)

الرميَ بالبندق مطلقًا؛ لنهي عثمان

(7)

(ونصه) في رواية ابن منصور وغيره

(8)

: (لا بأس ببيع البندق، ويُرمى بها الصيدُ، لا للعبث) وأطلق ابنُ هبيرة أنه معصية.

(وإذا أرسل صيدًا، وقال: أعتقتُك، لم يَزُلْ ملكُه عنه) وذكره ابنُ

(1)

تقدم تخريجه (14/ 292) تعليق رقم (5).

(2)

ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان (2/ 53) بأن الخرطوم نوع من الطيور بجزيرة تِنِّيس.

وفي مسائل ابن هانئ (2/ 141) رقم 1799: سئل عن رجل يصيد السمك بالخراطين؟ فقال: هذا تعذيب للخراطين، لا أرى أن يصيد به. ا. هـ. والخراطين: ديدان طوال تكون في طين الأنهار. لسان العرب (13/ 139) مادة (خرطن).

(3)

مسائل ابن هانئ (2/ 141) رقم 1798، والإرشاد ص/ 383، والفروع (6/ 335).

(4)

الدِّبق: بالكسر، غِراءٌ يُصاد به الطير، القاموس المحيط ص/ 1138 مادة (دبق).

(5)

مسائل الكوسج (5/ 2245) رقم 1525، ومسائل ابن هانئ (2/ 140) رقم 1793.

(6)

مختصر الفتاوى ص/ 520.

(7)

أخرجه الطبري في تاريخه (4/ 398)، وابن عساكر في تاريخه (39/ 228).

(8)

مسائل الكوسج (6/ 2986) رقم 2217.

ص: 373

حزم إجماعًا

(1)

، كما لو لم يقل: أعتقتك، وكانفلاته، و (كما لو أرسل البعير والبقرة) ونحوها

(2)

من البهائم المملوكة، فإن ملكَه عنها لا يزولُ بذلك.

‌فصل

(الشرط الرابع: التسمية ولو بغير عربية)

ممن يُحْسِنها (عند إرسال السهم والجارحة) لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}

(3)

؛ والأخبارِ

(4)

؛ ولأن الإرسالَ هو الفعلُ الموجود من المُرْسِلِ، فاعتُبرت التسميةُ عنده كما تعتبرُ عند الذبح.

و (لا) تُعتبرُ التسمية (من أخرسَ) لتعذُّرها منه. والظاهرُ أنه لا بُدَّ من إشارته

(5)

، كما تقدم في الذكاة

(6)

والوضوءِ

(7)

وغيرِهما؛ لقيامِ إشارتِه مقامَ نطقِه. ولذلك قال في "المنتهى": كما في ذكاة.

(ولا يضرُّ تقدُّم) التسمية بزمن (يسيرٍ) كالعبادات (أو تأخّر) أي: لا يضر تأخرٌ يسير كالتقدم.

(وكذا) لا يضرُّ (تأخرٌ كثير في جارح إذا زجرَه فانزجر) عند التسميةِ

(1)

المحلى (7/ 467).

(2)

في "ح" و"ذ": "ونحوهما".

(3)

سورة الأنعام، الآية:121.

(4)

منها حديث عدي بن حاتم المتقدم (14/ 353) تعليق رقم (3)، وحديث أبي ثعلبة المتقدم (14/ 343) تعليق رقم (3).

(5)

في "ح" و"ذ": "من إشارته بها".

(6)

(14/ 328).

(7)

(1/ 209).

ص: 374

إقامةً لذلك مقامَ الإرسال كما تقدم.

(فإن تَرَكها) أي: التسمية (عمدًا أو سهوًا) أو جهلًا (لم يُبَح) الصيد؛ للآيةِ والأخبار، والفرقُ بينَ الصيدِ والذبيحةِ: أنَّ الذبح وقعَ في محلّه، فجاز أن يسامحَ فيه بخلاف الصيد؛ ولأن في الصيد نصوصًا خاصة؛ ولأن الذبيحة تكثر ويكثر النسيان فيها.

(وإن سَمَّى على صيدٍ فأصاب) الصائدُ (غيره، حلَّ) المصاب.

(ولو سَمَّى على سهمٍ، ثم ألقاه ورمى بغيره بتلك التسمية؛ لم يُبح) لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه، اعتُبرت على الآلة التي يصيد بها، بخلاف الذبيحة.

(و‌

‌دمُ السمك طاهر مأكول)

كميتته.

ص: 375

كتاب الأيمان وكفاراتها

ص: 377

‌كتاب الأيمان وكفاراتها

(وهي) أي: الأيمان -كأيْمُن- (جمعُ يمين، وهي القَسَم) بفتح القاف والسين (والإيلاء والحَلِف بألفاظ مخصوصة) تأتي أمثلتها.

(فاليمين توكيد الحكم) المحلوف عليه (بذكْرِ مُعظَّم على وجه مخصوص) وأصلها يمين اليد، سُمِّي الحَلِف بذلك؛ لأن الحالف يُعطي يمينه فيه، كما في العهد والمعاهدة.

(وهي) أي: اليمين (وجوابها كشرط وجزاء).

والأصل فيها: الإجماع

(1)

، وسنده: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيمَانَ}

(2)

وقوله: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}

(3)

. والسُّنة شهيرة بذلك، منها: قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سَمُرة: "إذا حَلفتَ على يمين؛ فرأيتَ غيرَها خيرًا منها، فأْتِ الذي هو خيرٌ، وكفِّرْ عن يمينكَ" متفق عليه

(4)

.

ووَضْعها في الأصل؛ لتأكيد المحلوف عليه؛ لقوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}

(5)

و {قُلْ بَلَى وَرَبِّي

(1)

انظر: الإجماع ص/ 137، ومراتب الإجماع ص/ 255.

(2)

سورة المائدة، الآية:89.

(3)

سورة النحل الآية: 91.

(4)

البخاري في الأيمان والنذور، باب 1، حديث 6622، وفي كفارات الأيمان، باب 10، حديث 6722، وفي الأحكام، باب 5 - 6، حديث 7146 - 7147، ومسلم في الأيمان، حديث 1652.

(5)

سورة يونس، الآية:53.

ص: 379

لَتُبْعَثُنَّ}

(1)

.

(والحَلِف على مستقبل: إرادةُ تحقيق خبرٍ فيه) أي: في المستقبل (مُمكنٍ؛ بقول يُقصد به الحثُّ على فِعْلِ الممكن أو تركِه) فالحثُّ على الفعل نحو: والله لأعتكفنَّ غدًا، والحثُّ على الترك نحو قوله: والله لا زنيتُ أبدًا.

(والحَلِف على ماضٍ إما بِرٌّ، وهو الصادق) في حَلِفه (وإما غَمُوس، وهو الكاذب) لغمسه في الإثم في النار

(2)

كما يأتي (أو لَغْوٌ، وهو ما لا أجر فيه، ولا إثم ولا كفَّارة) لأن اللغو لا يترتَّبُ عليه حكمٌ.

(ولا يصحُّ) اليمين (إلا من مُكلَّف) لأنه قول يتعلَّق به حقّ، فلم يصح من غير مُكلَّف، كالإقرار؛ ولحديث:"رُفع القلمُ عن ثلاث"

(3)

(مختارٍ) فلا يصح من مُكرَه؛ لحديث: "عُفي لأمتي عن الخطإِ والنِّسْيان وما استُكْرِهوا عليه"

(4)

(قاصدٍ اليمينَ) فلا يصح ممن جرى على لسانه بغير قَصْدٍ؛ للخبر

(5)

.

(1)

سورة التغابن، الآية:7.

(2)

في "ح" و"ذ": "في الإثم ثم في النار".

(3)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 - 3).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

(5)

أخرج أبو داود في الأيمان، باب 7، حديث 3254، والطبري في تفسيره (4/ 429)، وابن حبان "الإحسان"(10/ 176) حديث 4333، والبيهقي (10/ 49)، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء في اللغو في اليمين، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو كلام الرجل في بيته: كلا والله، وبلى والله.

وأخرجه البخاري في تفسير سورة المائدة، باب 8، رقم 4613، وفي الأيمان، باب 14، رقم 6663، عن عائشة رضي الله عنها، موقوفًا. قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 167): صحح الدارقطني الوقف. وانظر ما يأتي (14/ 398) تعليق رقم (1).

ص: 380

(وتصح) اليمين (من كافر) ولو غير ذمِّي (وتلزمه الكفَّارة بالحِنْثِ، حَنِثَ في كُفْرِه أو بعدَه) لأنه من أهل القسَم؛ قال: {فيقسمان بالله}

(1)

وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}

(2)

أي: لا يَفُون بها؛ لقوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}

(3)

؛ ولأنه مُكَلَّف.

(والحَلِف) خمسة أقسام:

فـ (ـمنه واجبٌ، مثل أن يُنجيَ به إنسانًا معصومًا من هلكة ولو نفسَه، مثل أن تتوجه أيمان القَسَامة في دعوى القتل عليه وهو بريء) فيجب عليه الحَلِف؛ للإنجاء من الهلكة.

(و) منه (مندوبٌ، مثل أن يتعلَّق به مصلحةٌ من إصلاحٍ بين متخاصمين، أو إزالة حقْد من قلب مسلم عن الحالف، أو) عن (غيره، أو دفع شَرٍّ) عن الحالف أو غيره.

(فإن حلف على فِعْلِ طاعةٍ) كـ: ليُصلِّينَّ (أو) على (تَرْكِ معصية) كـ: لا يزني (فليس بمندوب) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يفعلونه في الأغلب، ولو كان مندوبًا لم يُخِلُّوا به؛ ولأن ذلك يجري مجرى النذر.

(و) منه (مباحٌ، كالحَلِف على فِعْلِ مباح، أو) على (تركه، أو على الخبر بشيء هو صادق فيه، أو يظن أنه فيه صادق.

و) منه (مكروهٌ، كالحَلِف على فعْلِ مكروه، أو) على (تَرْكِ مندوب) ولا يلزم حديث الأعرابي: "والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا ولا

(1)

سورة المائدة، الآية:106.

(2)

سورة التوبة، الآية:12.

(3)

سورة التوبة، الآية:13.

ص: 381

أنقص"

(1)

؛ لأن اليمين على تركها لا يَزيد على تركها، ولو تركها لم يُنكر عليه؛ قاله في "المبدع".

(ومنه) أي: من الحَلِف المكروه (الحَلِف في البيع والشراء) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحَلِف منفقٌ للسلعة، مُمحِقٌ للبركة" رواه ابن ماجه

(2)

.

(و) منه (مُحَرَّمٌ، وهو الحَلِف كاذبًا عمدًا، أو على فعل معصية، أو ترك واجب.

ومتى كانت اليمين على فعلِ واجب، أو ترك مُحَرَّم كان حلُّها -أي: حِنْثها- مُحَرَّمًا) لما في الحِنث من ترك الواجب أو فعل المُحَرَّم (ويجب بِرُّه) لما تقدم.

(وإن كانت) اليمين (على فعل مندوب، أو) على (ترك مكروه، فحلُّها مكروه ويُستحب بِرّه) لما يترتَّب على بِرِّه من الثواب الحاصل بفعل المندوب وترك المكروه.

(وإن كانت) اليمين (على فعل مكروه أو ترك مندوب، فحلُّها مندوب) لحديث عبد الرحمن بن سَمُرةَ وتقدم

(3)

؛ ولما يترتَّب عليه من الثواب بترك المكروه امتثالًا وفعل المندوب (ويُكره بِرّه) لما يلزم عليه من فعل المكروه وترك المندوب.

(1)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 12، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

في التجارات، باب 30، حديث 2209، عن أبي قتادة رضي الله عنه بلفظ: إياكم والحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق.

وأخرجه البخاري في البيوع، باب 26، حديث 2087، ومسلم في المساقاة، حديث 1606، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا: الحَلِف مَنْفَقة للسلعة، مَمْحَقَةٌ للبركة.

(3)

تقدم تخريجه (14/ 379) تعليق رقم (4).

ص: 382

(وإن كانت) اليمين (على فعلِ مُحَرَّم أو ترك واجب فحلُّها واجب) لما في بِرِّه من الإثم بفعل المُحَرَّم أو ترك الواجب (ويحرم بِرّه) لما تقدم.

(وحلُّها) أي: اليمين (في المباح مباحٌ، وحفظها) أي: اليمين (فيه) أي: المباح (أولى) من حِنْثِه؛ لقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}

(1)

.

"فائدة": قال الشافعي: ما كذبت قطُّ، ولا حلفت بالله تعالى صادقًا ولا كاذبًا

(2)

.

(ولا يلزم إبرارُ قَسَمٍ، كـ) ـما لا يلزم المسؤول (إجابة سؤال بالله) تعالى بل يُسن ذلك، لا تكرار حَلِف، فإن أفرط كُره.

فصل

(واليمين التي تَجِب بها الكفَّارة، إذا حَنِثَ) فيها (هي اليمين بالله تعالى، نحو: والله، وبالله، وتالله) أو بصفة من صفاته تعالى نحو: (والرحمنِ، والقديمِ الأزلي

(3)

، وخالقِ الخلق، ورازقِ العالمين، وربِّ العالمين، والعالمِ بكلِّ شيء، وربِّ السماوات والأرض، والحيِّ الذي لا

(1)

سورة المائدة، الآية:89.

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 128، 135)، وابن عساكر في تاريخه (15/ 21 - 22).

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (2/ 123): "فهذا اللفظ [أي: القديم] لا يوجد لا في كتاب الله، ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل ولا جاء اسم القديم في أسماء الله تعالى، وإن كان من أسمائه: الأول". وانظر أيضًا: مجموع الفتاوى (1/ 245)، وبغية المرتاد في الرد على المتفلسفة أهل الإلحاد (1/ 427).

ص: 383

يموت، والأولِ الذي ليس قبله شيء، والآخرِ الذي ليس بعده شيء، ونحوه مما لا يُسمَّى به غيره) تعالى، كـ: مالكِ يوم الدِّين؛ لأن صفات الله تعالى قديمة، فكان الحَلِف بها موجبًا للكفارة، كالحَلِف بالله تعالى.

(أو) بـ (ـصفة من صفاته، كوجه الله وعظمته وعِزَّته، وإرادته وقُدرته وعلمه وجبروته) -صفة مبالغة في الجَبْر- أي: القهر والغلبة (ونحوه) فينعقد الحَلِف بهذه (حتى ولو نوى مقدوره ومعلومه ومرادَه) أو لم يقصد اليمن؛ لأن ذلك صريح في مقصوده فلم يفتقر إلي نية، كصريح الطلاق ونحوه.

(وأما ما يُسمَّى به غيرُه تعالى، وإطلاقه ينصرف إلى الله) تعالى (كالعظيم والرحيم، والربِّ، والمولى، والرازق، فإنْ نوى به الله) تعالى (أو أطلق؛ كان يمينًا) لأنه بإطلاقه ينصرف إليه تعالى (وإن نوى) به (غيرَه) تعالى (فليس بيمين) لأنه يُستعمل في غيره، قال تعالى:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}

(1)

{فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}

(2)

{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}

(3)

. والمولى المعتق، والقادر باكتسابه، وحيث أراد به غيرَه تعالى لم يبقَ يمينًا؛ لعدم تناوله لما يوجب القسم.

(وما لا يُعدُّ من أسمائه) تعالى (ولا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله) تعالى (كالشيء، والموجود، والحي، والعالم، والمؤمن، والواحد، والكريم والشاكر، فإن لم ينوِ به الله) لم يكن يمينًا (أو نوى) به (غيره) أي: غير الله تعالى (لم يكن يمينًا) لأن الحَلِف الذي تجب به الكفَّارة لم

(1)

سورة يوسف، الآية:50.

(2)

سورة النساء، الآية:8.

(3)

سورة التوبة، الآية:128.

ص: 384

يقصد، ولا اللفظ ظاهر في إرادته، فوجب ألا يترتَّب عليه ما يترتب على الحالف بالله تعالى.

(وإن نواه) أي: نوى بالله تعالى

(1)

(كان يمينًا) لأنه نوى بلفظه ما يحتمله، فكان يمينًا، كقوله: والرحيمِ، والقادرِ.

(وإن قال: وحقِّ الله، وعهد الله، وايمُ الله، وايمُن الله -جمع يمين-، وأمانةِ الله، وميثاقه، وكبريائه وجلاله ونحوه) نحو: عظمته (فهو يمين) تجب فيها الكفارة بشرط الحِنْث؛ لإضافتها إليه سبحانه.

و"ايمُ" كـ: ايمُن، وهمزته همزة وصل تُفتح وتُكسر، وميمه مضمومة، وقالوا: ايمُنُ الله، بضم الميم والنون، مع كسر الهمزة وفتحها.

وقال الكوفيون: ألفها ألف قطع، وهي جمع: يمين، فكانوا يحلفون باليمين، فيقولون: ويمين الله؛ قاله أبو عبيد

(2)

. وهو مشتقٌّ من اليُمن والبركة.

(وكذا) قوله: (عليَّ عهد الله وميثاقه) يكون يمينًا؛ لما تقدم.

(و‌

‌يُكره الحَلِف بالأمانة)

لما روى أبو داود عن بُرَيدةَ مرفوعًا قال: "ليس منَّا مَنْ حلَف بالأمانة"

(3)

ورجاله ثقات. قال الزركشي: ظاهر

(1)

في "ذ": "نوى به الله تعالى".

(2)

انظر: غريب الحديث (4/ 406)، والإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري (1/ 404 - 409).

(3)

أبو داود في الأيمان والنذور، باب 6، حديث 3252. وأخرجه -أيضًا- أحمد (5/ 352) والبزار "كشف الأستار" (2/ 193) حديث 1500، وأبو يعلى في "مسنده" كما في إتحاف الخيرة (5/ 347)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 372) حديث 1342، وابن حبان "الإحسان" (10/ 205) حديث 4363، والحاكم (4/ 298)، والبيهقي (10/ 30)، وفي شعب الإيمان (7/ 496) حديث =

ص: 385

الأثر والحديث التحريم؛ فلذلك قال: (كراهةَ تحريم) لكن ظاهر "المنتهى" كـ "المغني" و"الشرح" وغيرهم: أنه كراهة تنزيه.

(وإن قال: والعهدِ، والميثاقِ، وسائر ذلك) أي: ما تقدَّم من ألفاظ الصفات (كالأمانة والقدرة، والعظمة والكبرياء، والجلال والعِزَّة، ولم يضفه إلى الله) تعالى (لم يكن يمينًا) لأنه يحتمل غير الله، فلم يكن يمينًا كالموجود (إلا أن ينوي صفةَ الله) تعالى فيكون يمينًا؛ لأن النية تجعل العهد ونحوه كأمانة الله، فقد حلف بصفة من صفات الله تعالى.

(و‌

‌إن قال: لعَمْرُ الله، كان يمينًا)

لأنه أقسم بصفة من صفات الله تعالى، فهو كالحَلِف ببقاء الله تعالى (وإن لم ينوِ) بقوله:"لعَمْر الله" اليمينَ؛ لأنه صريح (ومعناه: الحَلِف ببقاء الله وحياته) لأن العُمْر -بفتح العين وضمها- الحياة، واستعمل في القَسَم المفتوحُ خاصة، واللام للابتداء، وعمر: مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، وتقديره: قسَمي.

(وإن حلف بكلام الله) فهو يمين؛ لأنه صفة من صفات ذاته.

(أو) حلف (بالمصحف) فهو يمين. ولم يكره أحمدُ الحَلِفَ بالمصحف

(1)

؛ لأن الحالف إنما قصد المكتوب فيه وهو القرآن، فإنه

= 11116، والخطيب في تاريخه (14/ 35).

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وصحَّح إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 717)، والنووي في رياض الصالحين (1709)، وفي الأذكار ص/ 316.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 385 مع الفيض) ورمز لصحته.

(1)

مسائل الكوسج (5/ 2432) رقم 1729.

ص: 386

عبارة عما بين دَفَّتيِ المصحف بالإجماع

(1)

.

(أو) حلف (بالقرآن أو بسورة منه، أو) بـ (ـآية) منه (أو بحق القرآن، فهي يمين) لأنه حلف بصفة من صفات ذاته تعالى (فيها كفارة واحدة) لأنه لو تكررت اليمين بصفة من صفاته تعالى، وجبت كفارة واحدة، فإذا كانت اليمين واحدةً كان أوْلى.

(وكذا لو حلف بالتوراة، أو الإنجيل، ونحوهما من كتب الله) المنزَّلة كالزَّبور وصحف إبراهيم وموسى؛ لأن إطلاق اليمين إنما ينصرف إلى المنزَّل من عند الله دون المبدَّل، ولا تسقط حُرمة شيء من ذلك بكونه منسوخَ الحكم بالقرآن؛ إذ غايته أن يكون كالآية المنسوخ حكمُها من القرآن، ولا تخرج بذلك عن كونها كلام الله تعالى.

(وإن قال: أحلف بالله، أو: أشهد بالله، أو: أقسم بالله، أو: أعزِم بالله) كان يمينًا.

(أو) قال: (أقسمتُ بالله، أو: شهدتُ بالله، أو: حلفتُ بالله، أو: آلَيْتُ بالله) أو: عزمتُ بالله (كان يمينًا) نوى به اليمين أو أطلق؛ قال تعالى: {فيُقسمان بالله}

(2)

وقال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ}

(3)

وقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}

(4)

؛ ولأنه لو قال: بالله، ولم يَذْكُرِ الفعلَ، كان يمينًا، فإذا ضمَّ إليه ما يؤكده، كان أوْلى.

(وإن لم يذكر اسمَ الله كأنْ قال: أحلفُ، أو: حلفتُ، أو: أشهدُ، أو: شهدتُ. . . إلى آخرها) كـ: أقسمتُ، أو: أقسم، أو: عزمتُ، أو:

(1)

انظر: المغني (13/ 461).

(2)

سورة المائدة، الآية:106.

(3)

سورة الأنعام، الآية:109.

(4)

سورة النور، الآية:6.

ص: 387

أعزم، أو: آلَيْتُ (لم يكن يمينًا) لأنه يحتمل القسم بالله ويحتمل القسم بغيره، فلم يكن يمينًا كغيره مما يحتملهما (إلا أن ينوي) لأن النية صرفَتْه إلى القَسَم بالله، فيجب جعله يمينًا كما لو صَرَّح به، وقد ثبت له عُرف الشرع والاستعمال.

(وإن قال: نويتُ -بـ: أقسمتُ بالله ونحوه-: الخبرَ عن قسم ماض، أو) نوى (بقوله: شهدت بالله: آمنتُ به، أو) نوى (بـ: أقسم ونحوه) كـ: أحلف (الخبرَ عن قسم يأتي، أو) نوى (بـ: أعزِم: القصدَ دون اليمين؛ دُيِّن وقُبل حكمًا) لأنه محتمل (ولا كفارة) إذًا حيث كان صادقًا؛ لعدم اليمين.

(وإن قال: حَلِفًا بالله، أو: قسمًا بالله، أو: أليَّة بالله، أو: آلِيّ بالله، فهو يمين ولو لم ينوها) لأنه صريح.

(وإن قال: أستعينُ) بالله (أو: أعتصم بالله، أو: أتوكلُ على الله، أو: عَلِم الله، أو: عَزَّ الله، أو: تبارك الله، ونحوه) كـ: الحمد لله، و: سبحان الله (لم يكن يمينًا، ولو نوى) به اليمين؛ لأنه لا شرع ولا لغة، ولا فيه دلالة عليه.

فصل

(وحروف القسم) ثلاثة:

(باء) وهي الأصل؛ لأن الأفعال القاصرة عن التعدِّي تصل بها إلى مفعولاتها؛ ولأنه (يليها مُظهَر ومضمر) وتجامع فعلَ القسم ولا تُجامعه.

(وواو يليها مُظهَر) فقط، ولا تُجامع فعلَ القَسَم، وهي أكثر استعمالًا.

ص: 388

(وتاء) مثناة فوق (تختص اسم الله) تعالى، وهي بدل من الواو، فإذا أقسم بأحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه، كان قَسَمًا صحيحًا؛ لأنه موضوع له، كما يدلُّ عليه الكتابُ واستعمالُ العرب، فإن ادعى أنه لم يُرد القسم؛ لم يُقبل.

(فإن قال: تالرحمن، أو: تالرحيم) أو: تَرَبِّي، أو: تَرَبِّ الكعبة (لم يكن قسمًا) لأن التاء خاصة بلفظ الجلالة.

(و‌

‌يصحُّ القَسَم بغير حرف القَسَم، فيقول: اللهِ لأفعلنَّ،

بالجَرِّ والنَّصْب) لأنه لغة صحيحة، وقد وَرَدَ به عُرف الاستعمال في الشرع، فروى ابن مسعود:"أنَّه لما أخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قتَل أبا جهل، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّك قتلتَه؟ قال: الله إني قتلتُه"

(1)

، و"قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لرُكانةَ لما طَلَّق امرأته: الله ما أردتَ إلا واحدة؟ "

(2)

.

(وإن رَفَعه) أي: "الله"(كان يمينًا) لأنه في العُرف العام يمين، ولم يوجد ما يصرفه عنه (إلا أن يكون) الحالف (من أهل العربية ولا ينوي به اليمين) لأنه ليس بيمين في عُرف أهل اللغة ولا نواها، فإن نواها، كان يمينًا.

(وإن نصبه) أي: المقسَم به (بواو، أو رَفَعه معها أو دونها، فيمين، إلا ألا يريد عربيٌّ

(3)

) اليمينَ، فلا تكون يمينًا؛ لما تقدم.

(و "ها اللهِ" يمينٌ بالنية) فإن لم ينوِ، لم تكن يمينًا؛ لأنه لم يقترن بها عُرف ولا نية ولا حرف يدلُّ على القسم.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 113) تعليق رقم (3).

(2)

تقدم تخريجه (12/ 224) تعليق رقم (4).

(3)

في "ذ": "ألا يريد بها عربي".

ص: 389

قلت: ويتوجَّه في مثل: تالرحمن، و: لله، أنه يمين بالنية.

(قال الشيخ

(1)

: الأحكام) من قَسَم وغيره (تتعلَّق بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة، كقوله: حلفت بالله، رفعًا ونصبًا، و) كقوله: (والله باصوم وباصلِّي، ونحوه، وكقول الكافر: أشهد أن محمدٌ رسولَ الله -برفع الأول ونصب الثاني-، و) كقوله: (أوصيت لزيدًا بمائة، و: أعتقت سالمٌ، ونحو ذلك. وقال: مَنْ رام جعل جميع الناس في لفظ واحد بحسب عادة قوم بعينهم، فقد رام ما لا يمكن عقلًا ولا يصلح شرعًا.

انتهى، وهو كما قال) لشهادة الحسّ به.

(ويُجاب القَسَم في الإيجاب) أي: الإثبات (بـ "إنْ" خفيفة) كقوله تعالي: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}

(2)

(و) بـ "إنَّ"(ثقيلة) كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}

(3)

(وبلام التوكيد) نحو قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْويمٍ}

(4)

(وبـ "قد") نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}

(5)

(و) بـ ("بل"، عند الكوفيين) كقوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}

(6)

وعند البصريين: جواب القسم محذوف، وبينهم في تقديره خلاف

(7)

.

(و) يُجاب القَسَم (في النفي بـ "ما") النافية نحو: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى

(1)

نقله عن شيخ الإسلام ابنُ مفلح في الفروع (6/ 338)، وانظر: مجموع الفتاوى (31/ 47)، والاختيارات الفقهية ص/ 255.

(2)

سورة الطارق، الآية:4.

(3)

سورة العاديات، الآية:6.

(4)

سورة التين، الآية:4.

(5)

سورة الشمس، الآية:9.

(6)

سورة ص، الآية:2.

(7)

انظر: مغني اللبيب ص/ 847.

ص: 390

مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}

(1)

(و "إنْ" بمعناها) أي: النافية، كقوله تعالى:{وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إلَّا الْحُسْنَى}

(2)

(وبـ "لا") كقول الشاعر

(3)

:

وآلَيْتُ لا أرثي لها من كَلالةٍ

ولا من حَفًى حتى تلاقي محمدا

(وتُحذف "لا" لفظًا) من جواب القسم مضارعًا (نحو: والله أفعل) ومنه قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}

(4)

قال في "الشرح": وإن قال: والله أفعل، بغير حرف، فالمحذوف ها هنا:"لا" وتكون يمينه على النفي؛ لأن موضوعه في العربية كذلك، ثم استدل له بالآية وغيرها.

(و‌

‌يَحرم الحَلِف بغير الله و) غير (صفاته،

ولو) كان الحَلِف (بنبيّ؛ لأنه شِرْكٌ في تعظيم الله) لحديث ابن عمر مرفوعًا قال: "مَنْ حلَف بغير الله فقد أشْرَك" رواه الترمذي

(5)

وحسنه، ورجاله ثقات؛ قاله في

(1)

سورة النجم، الآية:2.

(2)

سورة التوبة، الآية:107.

(3)

هو: الأعشى الكبير، والبيت في ديوانه ص/ 185.

(4)

سورة يوسف، الآية:85.

(5)

في النذور والأيمان، باب 8، حديث 1535. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الأيمان والنذور، باب 5، حديث 3251، والطيالسي ص/ 257، حديث 1896، وعبدالرزاق (8/ 467) حديث 15926، وأحمد (2/ 34، 67، 69، 86، 125)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 297، 300) حديث 826، 830 - 831، وابن حبان "الإحسان" (10/ 199) حديث 4358، والحاكم (1/ 18، 52، 4/ 297)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 253)، والبيهقي (10/ 29)، والضياء في المختارة (1/ 314) حديث 207، كلهم من طرق عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به.

قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال في الكبائر ص/ 229: إسناده على شرط مسلم. وقال ابن كثير في مسند =

ص: 391

"المبدع".

وروى ابن عمر: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمرَ وهو يحلفُ بأبيهِ، فقال: إنَّ الله ينهاكم أنْ تحلِفوا بآبائكُمْ، فمَنْ كان حالفًا، فلْيَحْلِفْ بالله أو ليصمُتْ" متفق عليه

(1)

.

(فإن فعله) أي: حلف بغير الله وصفاته (استغفر) الله (وتاب) بالندم والإقلاع، والعزم على ألا يعود.

(ولا كفَّارة في اليمين به) لأنها وجبت في الحَلِف بالله وصفاته للاسم الأعظم، وغيرُه لا يساويه (ولو كان الحَلِف برسول الله صلى الله عليه وسلم) خلافًا لكثير من الأصحاب؛ لأنه أحدُ شرطي الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلمًا.

و (سواء أضافه) أي: المحلوف به -غير الله وصفاته- (إلى الله، كقوله: ومعلومِ الله، وخلقه، ورزقه، وبيته، أو لم يُضِفْه، مثل: والكعبةِ، والنبي، وأبي، وغير ذلك) لعموم الأخبار.

(و‌

‌يُكره) الحَلِف (بطلاق وعَتاق)

بفتح العين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمَنْ كان حالفًا فلْيَحْلِفْ بالله أو ليصمُتْ" متفق عليه

(1)

.

= الفاروق (1/ 431): هذا إسناد صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 120 مع الفيض) ورمز لحسنه. ونقل المناوي عن العراقي: رجاله ثقات.

وأعله البيهقي، فقال: هذا مما لم يسمعه سعد بن عبيدة من ابن عمر رضي الله عنهما.

قلنا: أخرجه أحمد (2/ 67) -أيضًا- من طريق موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، به. وإسناده صحيح. انظر: إرواء الغليل (8/ 191).

(1)

البخاري في الأدب، باب 74، حديث 6108، وفي الأيمان والنذور، باب 4، حديث 6646 - 6647، ومسلم في الأيمان، حديث 1646 (3).

ص: 392

فصل

(ويُشترط لوجوب الكفَّارة ثلاثة شروط:

أحدها: أن تكون اليمين منعقِدة) لأن غير المنعقدة إما غموس أو نحوها، وإما لغو، ولا كفَّارة في واحد منهما (وهي) المنعقدة

(1)

(التي يمكن فيها البِرُّ والحنث) لأن اليمين للحثِّ والمنع (بأن يقصد عَقْدها على مستقبل) لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}

(2)

فأوجب الكفَّارة في الأيمان المنعقِدة، فظاهره إرادة المستقبل من الزمان؛ لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي.

(فلا تنعقد يمين النائم، و) لا يمين (الصغير قبل البلوغ، و) لا يمين (المجنون ونحوهم) كزائل العقل بشرب دواء، أو مُحَرَّم مُكرَهًا؛ لحديث:"رُفعَ القلمُ عن ثلاثٍ"

(3)

.

(و) لا ينعقِد (ما عُدَّ من لغوِ اليمين) لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيْمَانِكُمْ}

(4)

.

(فأما اليمين على الماضي فليست مُنعقِدةً) لأن شرط الانعقاد إمكان البِر والحنث، وذلك مُتعذِّر في الماضي.

(1)

في "ح" و "ذ": "أي المنعقدة".

(2)

سورة المائدة، الآية:89.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 - 3).

(4)

سورة البقرة، الآية: 225، وسورة المائدة، الآية:89.

ص: 393

(وهي) أي: اليمين على الماضي (نوعان:

غموس، وهي التي يحلف بها) على الماضي (كاذبًا عالمًا) سُمِّيت غموسًا؛ لأنها (تغمِسه) أي: الحالف بها (في الإثم، ثم في النار؛ ولا كفَّارة فيها) لقول ابن مسعود: "كنَّا نَعدُّ من اليمين التي لا كفارةَ فيها اليمين الغَمُوس" رواه البيهقي

(1)

بإسناد جيد. وهي من الكبائر؛ للخبر الصحيح

(2)

.

(ويكفِّرُ كاذبٌ في لِعانه؛ ذكره في "الانتصار") هذا مبنيٌّ على وجوب الكفَّارة في اليمين الغموس كما في "المبدع" فكان الأوْلى حذفه.

(وإن حلف على فِعْلٍ مستَحِيل لذاته، أو) مستحيل لـ (ـغيره، كأنْ قال: والله لأصعدنَّ السماء، أو: إن لم أصعد، أو: لأشربنَّ ماء الكُوز، ولا ماءَ فيه، عَلِمَ أن فيه ماء أو لا، أو: إنْ لم أشربه، أو) قال: والله (لأقتُلَنَّه) أي: زيدًا مثلًا (فإذا هو ميت، علمه) ميتًا (أو لم يعلمه، ونحو ذلك؛ انعقدت يمينه) لأنها يمين على مستقبل (وعليه الكفَّارة في الحال)

(1)

في سننه (10/ 38). ورواه -أيضًا- أبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 402) رقم 1417، والحاكم (4/ 296).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال ابن حزم في المحلى (8/ 39): هي رواية منقطعة لا تصح؛ لأن أبا العالية -راويه عن ابن مسعود- لم يلقَ ابن مسعود.

وقال الحافظ في فتح الباري (11/ 557): وروى آدم بن أبي إياس في مسند شعبة، وإسماعيل القاضي في الأحكام عن ابن مسعود: كنا نعد الذنب. . . فذكره ثم قال: ولا مخالف له من الصحابة.

(2)

أخرج البخاري في الأيمان والنذور، باب 16، حديث 6675، وفي الديات، باب 2، حديث، 6870، وفي استتابة المرتدين، باب 1، حديث 6920، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس".

ص: 394

لأنه مأيوس منه.

(وإن قال: والله إن طرت، أو): والله (لا طرت، أو): والله إن -أوْ لا- (صعدت السماء، أو): والله إن -أو لا- (شاء الميت، أو): والله إن -أو لا- (قلبت الحجر ذهبًا، أو): والله إن -أو لا- (جمعت بين الضدين) أو النقيضين (أو): والله إن -أو لا- (رددت أمسِ، أو): والله إن -أو لا- (شربت ماء الكُوز، ولا ماء فيه، ونحوه) من المستحيلات (فهذا لغوٌ) ولا كفَّارة فيه؛ لعدم وجود المحلوف عليه (وتقدَّم) ذلك (في) باب (الطلاق في الماضي والمستقبل

(1)

) وأن العتق والظِّهار ونحوها كذلك.

(وإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو): والله (لا يفعلن) فلان كذا، فلم يُطعه (أو حلف على حاضر فقال: والله لتفعلنَّ) يا فلان (كذا، أو: لا تفعلنَّ كذا، فلم يُطِعْه؛ حَنِثَ

(2)

الحالف) لعدم وجود المحلوف عليه (والكفارة عليه) أي: الحالف، في قول ابن عمرَ والأكثر

(3)

، و (لا) تجب الكفَّارة (على من أحنثه) لظاهر قوله تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}

(4)

.

(وإن قال: أسألك بالله لتفعلنَّ، وأراد اليمين، فكالتي قبلها) يحنث إن لم يفعل المحلوف عليه، والكفَّارة على الحالف.

(1)

انظر (12/ 278 - 280).

(2)

في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (4/ 139) ما نصه: "أي: إنْ لم يظنَّ أنه يطيعه، وأما لو ظن أنه يطيعه فلا حِنث، كما يأتي قريبًا في المتن عزوه للشيخ فليحفظ. ا. هـ من خط ابن العماد".

(3)

منهم: عطاء وقتادة والأوزاعي وأهل العراق وأهل المدينة. انظر: المغني (13/ 502).

(4)

سورة المائدة، الآية:89.

ص: 395

(وإن أراد الشفاعة إليه بالله) تعالى (فليست بيمين) لعدم الإقسام.

(ويُسنُّ إبرار القَسَم) لقول العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: "أقْسَمتُ عليكَ لَتُبايعنَّه، فبايَعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أبْرَزْتُ قَسَمَ عمِّي"

(1)

ولا يجب؛ لقول

(1)

أخرجه ابن ماجه في الكفارات، باب 12، حديث 2116، وابن أبي شيبة في مسنده (2/ 237) حديث 727، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 82) حديث 780، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 32) حديث 2620، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1822) حديث 4601، والبيهقي (10/ 40 - 41)، من طرق عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبدالرحمن بن صفوان. وفي سنن ابن ماجه ومسند ابن أبي شيبة وشرح مشكل الآثار: عن عبدالرحمن بن صفوان أو عن صفوان بن عبدالرحمن القرشي، قال: لما كان يوم فتح مكة جاء بأبيه، فقال: يا رسول الله، اجعل لأبي نصيبًا من الهجرة، قال: إنه لا هجرة، فانطلق فدخل على العباس، فقال: قد عرفتني؟ فقال: أجل، فخرج العباس في قميص ليس عليه رداء، فقال: يا رسول الله، قد عرفت فلانًا والذي بيننا وبينه، وجاء بأبيه لتبايعه علي الهجرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا هجرة، فقال العباس: أقسمت عليك. . . الحديث.

وأخرجه أحمد (3/ 430 - 431)، عن جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، قال: كان رجل من المهاجرين يقال له عبدالرحمن بن صفوان، وكان له بلاء في الإسلام حسن، وكان صديقًا للعباس، فلما كان يوم فتح مكة. . . الحديث.

وأخرجه يحيى بن سعيد الأموي في المغازي كما في الإصابة (10/ 406)، والحارث ابن أبي أسامة "بغية الباحث" ص/ 219، حديث 698، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 216) حديث 1196، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، قال: جاء يعلى بن صفوان بن أمية بابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة. . . الحديث.

قال الحافظ في الإصابة (10/ 406): هو مقلوب وهم فيه بعض رواته، والصواب: عن مجاهد، عن صفوان بن يعلى بن أمية، أن يعلى جاء بابنه؛ نبه عليه ابن فتحون، وصفوان بن يعلى بن أمية تابعي معروف. ا هـ.

قال البيهقي: قال البخاري: عبدالرحمن بن صفوان أو صفوان بن عبدالرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، لا يصح.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 362): هذا إسناد فيه يزيد بن أبي زياد، أخرج له مسلم في المتابعات، وضعَّفه الجمهور.

ص: 396

أبي بكر الصدِّيق للنبي صلى الله عليه وسلم: "أقسمتُ عليك لتُخْبرَني بما أصبتُ مما أخطأتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُقْسِمْ يا أبا بكرٍ" رواه أبو داود

(1)

.

(كـ) ـــــما يُسَنّ (إجابةُ سؤالٍ بالله) قياسًا على القَسَم به (ولا يلزم) ذلك، قال الشيخ تقي الدين: إنما تجب على معين

(2)

.

فلا تجب إجابة سائل يُقسم على الناس، وروى أحمد والترمذي -وقال: حسن غريب- عن ابن عباس مرفوعًا، قال:"وأُخبرُكم بشَرِّ النَّاس؟ قلنا: نعم يا رسولَ الله، قال: الذي يُسألُ بالله ولا يُعطي به"

(3)

، فدلَّ على إجابة مَنْ سأل بالله.

(وإن أجابه إلى صورة ما أقسم عليه دون معناه عند تعذُّر المعنى) أي: المقصود (فَحَسَنٌ) لأن فيه صورة إجابة.

(1)

في الأيمان والنذور، باب 13، حديث 3268، عن ابن عباس عن أبي هريرة، رضي الله عنهم.

وأخرجه -أيضًا- البخاري في التعبير، باب 47، حديث 7046، ومسلم في الرؤيا، حديث 2269.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 473.

(3)

أحمد (1/ 237، 319، 322)، والترمذي في فضائل الجهاد، باب 18، حديث 1652.

وأخرجه -أيضًا- النسائي في الزكاة، باب 74، حديث 2568، وابن المبارك في الجهاد ص/ 139، حديث 169، والطيالسي ص/ 347، حديث 2661، وسعيد بن منصور (2/ 176) حديث 2434، وعبد بن حميد (1/ 566) حديث 667، والدارمي في الجهاد، باب 6، حديث 2395، وابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 432) حديث 153، وابن حبان "الإحسان"(2/ 367) رقم 604 - 605، والطبراني في الكبير (10/ 315) حديث 10767 - 10768، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 277) حديث 3539، والضياء في المختارة (11/ 255 - 257) حديث 259، 262. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

ص: 397

(و)

‌ النوع (الثاني) من نوعي الحَلِف على الماضي: (لَغْوُ اليمين،

وهو سَبْقها على لسانه من غير قَصْدٍ، كقوله: لا والله، و: بلى والله، في عُرض حديثه) لحديث عطاء، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّغْوُ في اليمينِ: كلامُ الرَّجل في بيته: لا والله، و: بلى والله" رواه أبو داود

(1)

قال: ورواه الزهري وعبدالله بن أبي سليمان

(2)

ومالك بن مِغْول؛ عن عطاء، عن عائشة، موقوفًا

(3)

. وكذا رواه البخاري

(4)

.

وعُرض الشيء -بضم العين- جانبه. و-بفتحها-: خلاف الطول.

(وظاهره: ولو) كان قوله: لا والله، وبلى والله، في عرض

(1)

تقدم تخريجه (14/ 380) تعليق رقم (5).

(2)

كذا في الأصول: عبدالله بن أبي سليمان، وفي سنن أبي داود (3/ 572)، وتحفة الأشراف (12/ 235) حديث 17375: عبدالملك بن أبي سليمان، وهذا هو الصواب، فإن المزي في تهذيبه ذكره في الرواة عن عطاء بن أبي رباح، ولم يذكر عبدالله بن أبي سليمان في الرواة عنه.

(3)

لم نقف على رواية الزهري، عن عطاء، وإنما أخرجها الطبري في التفسير (4/ 428 - 430) رقم 4374، 4383، من طريق الزهري، عن القاسم وعروة، عن عائشة رضي الله عنها.

وأما رواية عبدالملك بن أبي سليمان، فأخرجها سعيد بن منصور في التفسير (4/ 1529)، رقم 780، والطبري في التفسير (2/ 404، 406).

وأما رواية مالك بن مغول، فأخرجها الطبري في التفسير (2/ 405).

وقد روي من طرق أخرى عن عطاء وغيره عن عائشة رضي الله عنها، موقوفًا. انظر: موطأ مالك (2/ 477)، وعبدالرزاق (8/ 473) رقم 15951، وابن الجارود رقم 925، وتفسير الطبري (2/ 404 - 406)، والبيهقي (10/ 48).

وصحح الدارقطني الموقوف على عائشة، كما في التلخيص الحبير (4/ 167).

(4)

في التفسير، باب 8، حديث 4613، وفي الأيمان والنذور، باب 14، حديث 6663.

ص: 398

حديث

(1)

على شيء يفعل (في) الزمن (المستقبل) لظاهر الخبر.

(ولا كفَّارة فيها) لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيْمَانِكُمْ}

(2)

.

(وإن عَقَدها على زمنٍ ماضٍ يظنُّ صِدْقَ نفسِه) كأنْ حلف: ما فعل كذا، يظنُّه لم يفعله (فبان بخِلافه؛ حَنِثَ في طلاقٍ وعَتاق فقط، وتقدَّم آخِرَ تعليقِ الطلاق بالشروط

(3)

) بخلاف الحَلِف بالله تعالى، أو بنذر أو ظِهار؛ لأنه من لَغْوِ الأيمان كما تقدم أول الكتاب

(4)

.

(وقال الشيخ

(5)

: وكذا لو عَقَدها على زمنٍ مستقبل ظانًّا صدقه، فلم يكن) صدقُه (كمن حَلَف على غيره، يظنُّ أنه يطيعه، فلم يفعل، أو ظنَّ المحلوف عليه خلاف نِيَّة الحالف، ونحو ذلك) كظنِّه خلاف سبب اليمين.

(الشرط الثاني: أن يحلف مختارًا، فلا تنعقد يمين مُكرَه) وتقدم (4).

الشرط (الثالث: الحِنْث في يمينه) لأن مَنْ لم يحنث لم يهتك حُرمةَ القَسَمِ (بأنْ يفعل ما حلف على تَرْكه، أو يترك ما حَلَف على فِعْلِه، ولو معصية) لأن الحنث الإثم، ولا وجود له إلا بما ذكر (مختارًا ذاكرًا، فإنْ فعله مُكْرَهًا أو ناسيًا، فلا كفَّارة) لحديث: "عفيَ لأمتي عن الخطإِ

(1)

في "ح" و "ذ": "حديثه".

(2)

سورة البقرة، الآية: 225، والمائدة، الآية:89.

(3)

(12/ 361).

(4)

(14/ 380).

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 473.

ص: 399

والنِّسيانِ وما استُكْرِهوا عليه"

(1)

.

(ويقع الطلاق والعَتَاق) إذا فعل المحلوف عليه بهما (ناسيًا، وتقدَّم) في تعليق الطلاق بالشروط في مسائل متفرقة

(2)

.

(وجاهلٌ كناسٍ) فلو حلف: لا يدخل دارَ زيدٍ، فدخلها جاهلًا أنها دارُه، حَنِثَ في طلاق وعَتَاق فقط، بخلاف مما لو فعله مجنونًا، فلا يحنث مطلقًا.

فصل

(ويصحُّ الاستثناء في كلِّ يمين مكفَّرة) أي: تدخلها الكفَّارة (كاليمين بالله) تعالى (والظِّهار والنَّذْر) لحديث ابن عُمر مرفوعًا قال: "مَنْ حلف على يمين فقال: إنْ شاء الله، فلا حِنثَ عليه" رواه أحمد والنسائي والترمذي

(3)

وحسَّنه، وقال: رواه غير واحد عن ابن عُمر مرفوعًا، ولا نعلم أحدًا رفعه غير

(4)

أيوب السّخْتِياني، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

(فإذا حَلَف) بالله، أو بالظِّهار، أو النذر (فقال: إنْ شاء الله، أو: إنْ أراد الله، وقَصَد بها) أي: بالإرادةِ (المشيئةَ، لا مَنْ أراد) بإرادته (محبتَه) تعالى (وأمْرَه، أو أراد) بـ: إنْ -شاء الله، أو:- أراد الله

(1)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

(2)

(12/ 358 - 361).

(3)

تقدم تخريجه (12/ 351) تعليق رقم (1).

(4)

في الأصول الخطية و"ذ": "عن"، والتصويب من جامع الترمذي (4/ 92)، وتحفة الأشراف (6/ 65).

ص: 400

(التحقيقَ لا التعليقَ؛ لم يحنث، فَعَل) ما حلف على فِعْله أو تَرْكه (أو تَرَك) ما حلف ليفعلنَّه، أو لا يفعله؛ لما تقدم؛ ولأنه متى قال: لأفعلنَّ إنْ شاء الله، فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل، ومتى لم يفعل لم يشأ الله (قدَّم الاستثناء) كـ: إنْ شاء الله واللهِ لا أفعل كذا (أو آخَّره) كـ: لا أفعل كذا إن شاء الله (إذا كان) الاستثناء (متصلًا لفظًا، أو حكمًا كانقطاعه بتنفُّس، أو سعال، أو عطاس، أو عِيٍّ ونحوه) كتثاؤب؛ لأن الاستثناء من تمام الكلام فاعتُبر اتصاله كالشرط وجوابه، وخبر المبتدأ.

(ويُعتبر نطقه) أي: الحالف (به) أي: بالاستثناء، بأن يتلفَّظ به (ولا ينفعه) الاستثناء (بالقلب، إلا من مظلوم خائف) ولم يقيد

(1)

في "المستوعب": خائف؛ لأن يمينه غير منعقدة؛ أو لأنه بمنزلة المتأوّل.

(و) يُعتبر (قَصْد الاستثناء قبل تمام المُستثنى منه، فلو حَلَف غير قاصد الاستثناء، ثم عرض له) الاستثناء (بعد فراغه من اليمين فاستثنى؛ لم ينفعه) الاستثناء؛ لعدم قَصْده له أوَّلًا.

(ولو أراد الجزم) بيمينه (فَسَبق لسانُهُ إلى الاستثناء من غير قَصْدٍ، أو كانت عادته جاريةً به) أي: الاستثناء (فجرى على لسانه من غير قَصْدٍ؛ لم يصح) استثناؤه؛ لحديث: "وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوى"

(2)

.

(وإن شَكَّ فيه) أي: الاستثناء (فالأصلُ عدمُه.

وإن قال: والله لأشربنَّ اليوم إنْ شاء زيدٌ، فشاء زيدٌ) انعقدت يمينه؛ لوجود المعلَّق عليه (و) متى (لم يشربْ حتى مضى اليوم؛ حَنِث) لفوات المحلوف عليه.

(1)

في "ح" و"ذ": "ولم يقل".

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

ص: 401

(وإن لم يشأ زيدٌ؛ لم يلزمه يمين) لأنه لم يوجد شَرْطُه المعلَّق عليه، كالطلاق المعلَّق على شرط.

(فإن لم يعلم) الحالف (مشيئته) أي: زيدٍ (لغَيْبة أو جنون أو موت؛ انحلَّت اليمين) أي: لم تنعقد؛ لعدم تحقُّق شَرْطها، والأصلُ عدمُه.

(و) لو حلف: (لا أشرب إلا أن يشاء زيد، فإن شاء، فله الشُّرب) ولا حِنْث؛ لعدم شرطه (وإن لم يشأ) زيد (لم يشرب) الحالفُ، ويحنث به؛ لوجود شرطه -وهو الشُّرب- بغير إذن زيد.

(فإن خفيت مشيئته لغَيْبته أو موت أو جنون؛ لم يشرب) لأن الأصل عدمُها (وإن شرب؛ حَنِث) لوجود المعلَّق عليه.

(و) إن قال: (لأشربنَّ إلا أنْ يشاء زيد، فإن شرب قبل مشيئة زيد؛ بَرَّ) لأنه فعَل ما حلف ليفعلنَّه.

(وإن قال زيدٌ: قد شئتُ ألا تشرب؛ انحلَّت يمينه) فلا حنث عليه بعدُ؛ لأنه شرب بغير إذن زيد.

(وإن قال) زيدٌ: (قد شئتُ أن تشرب، أو) قال زيد: (ما شئتُ ألا تشرب؛ لم تنحلَّ) يمينه، فيحنث إن شرب؛ لأنه شرب بإذن زيد.

(فإن خفيت مشيئته؛ لزمه الشُّرب) لأن الأصل عَدَمُها، ومعنى لزومه له: أنه إنْ فعله لا حِنْث، فلا كفَّارة، وإن تَرَكه كفَّر.

(و) لو حلف: (لا أشرب اليوم إن شاء زيد، فقال زيدٌ: فقد شئتُ ألا تشربَ، فشرِبَ؛ حَنِث) لمخالفته ما حلف عليه.

(وإن شرب) الحالفُ (قبل مشيئته؛ لم يحنث) لعدم انعقاد يمينه في مشيئة زيد؛ لكونها معلَّقة عليها، والمعلَّق على شيء لا يوجد قبله.

(وإن خفيت مشيئته، فهي في حكم المعدوم) لأن الأصلَ عدمُها.

ص: 402

(والمشيئة في هذه المواضع) وشبهها (أن يقول بلسانه: قد شئتُ) ولا يصح تعليق المشيئة كما تقدَّم، ومتى قال ذلك؛ فقد شاء، ولو كان كارهًا

(1)

، كما سبق في الطلاق

(2)

.

(وإذا حلف ليفعلنَّ شيئًا، ونوى وقتًا بعينه) كيوم أو شهر أو سنة (تقيد به) لأن النية تصرف ظاهر اللفظ إلى غير ظاهره، فَلأَنْ تصرِفَه إلى وقت آخر بطريق الأوْلى.

(وإن لم ينوِ) وقتًا بعينه (لم يحنثِ) الحالفُ (حتى ييأس من فعله، إما بتلف المحلوفِ عليه، أو موتِ الحالف ونحوه) لقول عمر: "يا رسولَ الله، ألَم تُخْبِرْنا أنَّا سنأتي البيتَ ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبَرتُكَ أنَّكَ تأتيه العَامَ؟ قال: لا. قال: فإنَّك آتِيه وتطوف به"

(3)

؛ ولأن المحلوف على فعله لم يتوقَّت بوقت معيَّن، وفعله ممكن، فلم تحصُل مخالفة ما حلف عليه، وذلك يوجب عدم الحنث.

(وإن لم تكن له نية، لم يحنث قبل اليأس من فعله) هذا تكرار.

(و‌

‌إذا حلف على يمين فرأى غيرَها خيرًا منها،

سنَّ له الحِنْثُ والتكفيرُ) لأخبار منها خبر عبدالرحمن بن سَمُرةَ وأبي موسى؛ متفق عليهما

(4)

. وسبق تقسيمه إلى الأحكام

(1)

في "ح": "هازلًا".

(2)

(12/ 346 - 347).

(3)

هو قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري في الشروط، باب 15، حديث 2731 - 2732، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، رضي الله عنهم.

(4)

أما حديث عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه فقد تقدم (14/ 379).

وأما حديث أبي موسى رضي الله عنه فأخرجه البخاري في قرض الخمس، باب 15، حديث 3133، وفي المغازي، باب 74، حديث 4385، وفي الذبائح والصيد، باب 26، حديث 5518، وفي الأيمان والنذور، باب 1، 4، 18، حديث 6623، =

ص: 403

الخمسة

(1)

.

(و‌

‌لا يُستحبُّ تكرار الحَلِف،

فإن أفرط، كُره) لقوله تعالى:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ}

(2)

وهذا ذمٌّ؛ ولأنه لا يكاد يخلو من الكذب. وعُلِم منه أنه لا كراهة في الحَلِف مع عدم الإفراط؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حلف في غير حديث

(3)

.

(وإن دُعي إلى الحَلِف عند الحاكم وهو مُحِقٌّ، استُحِبَّ له افْتِداءُ يمينِه) لما رُوي: "أنَّ عثمانَ والمقدادَ تَحاكما إلى عمرَ في مالٍ استقرضه المقدادُ، فجعَل عمرُ اليمينَ على المقداد، فردَّها على عثمانَ، فقالَ عمرُ: لقد أنْصَفكَ، فأخذ عثمانُ ما أعطاه المقدادُ ولم يحلِف. فقيلَ له في ذلك؟ فقال: خِفتُ أنْ توافقَ قَدَرَ بلاءٍ، فيُقال: بيمين عثمانَ"

(4)

.

= 6649، 6680، وفي كفارات الأيمان، باب 9 - 10، حديث 6718 - 6719، 6721، وفي التوحيد، باب 56، حديث 7555، ومسلم في الأيمان، حديث 1649، أن أبا موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . وإني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيتُ الذي هو خيرٌ، وتحلَّلتها.

(1)

(14/ 381 - 383).

(2)

سورة القلم، الآية:10.

(3)

منها: ما أخرجه البخاري في القدر، باب 14، حديث 6617، وفي الأيمان والنذور، باب 3، حديث 6628، وفي التوحيد، باب 11، حديث 7391، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كثيرًا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف: لا ومقلِّب القلوب.

ومنها أيضًا: ما أخرجه البخاري في الرقاق، باب 45، حديث 6528، وفي الأيمان والنذور، باب 3، حديث 6642، ومسلم في الإيمان، حديث 221، عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 237) رقم 559، والبيهقي (10/ 184)، عن الشعبي أن المقداد استقرض من عثمان رضي الله عنه سبعة آلاف درهم، فلما طلبها =

ص: 404

(فإن حلف) مَنْ دُعِي إلى الحَلِف عند الحاكم مُحِقًّا (فلا بأس) لأنه حَلِفُ صِدْق على حَقّ، أشبه الحَلِف عند غير الحاكم.

"تتمة": ذكر في "المستوعب" و"الرعاية": أنه إن أراد اليمين عند غير الحاكم فالمشروع أن يقول: والذي نفسي بيده، والذي فَلَقَ الحَبَّة وبَرَأ النَّسَمة، لا ومُقلِّب القلوب، وما أشبه ذلك.

فصل

(وإن حرَّم أمَتَه أو) حرَّم (شيئًا من الحلال غير زوجته، كقوله: ما أحلَّ الله عليَّ حرام -ولا زوجة له- أو) قوله: (هذا الطعام عليَّ حرام، أو: طعامي عليَّ كالميتة والدم ونحوه) كلحم الخنزير (أو علَّقه) أي: التحريم (بشرط، مثل: إن أكلته) أي: هذا الطعام (فهو عليَّ حرام، أو) قال: (حرام عليَّ إن فعلتُ كذا، ونحوه؛ لم يحرم) لأنه تعالى سَمَّاه يمينًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. . .} إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}

(1)

واليمين على الشيء لا تُحَرِّمه؛

= منه قال: إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عمر. . . الخبر.

قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، إلا أنه منقطع.

وقال ابن حزم (9/ 381): لا يصح؛ لأنه من طريق الشعبي، والشعبي لم يدرك عثمان ولا المقداد، فكيف عمر؟!

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 182): رجاله رجال الصحيح.

وذكره الشافعي في الأم (7/ 36) وعنه البيهقي (10/ 177)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 300) رقم 20042 - 20043، وابن عبدالبر في التمهيد (22/ 85)، عن عمر رضي الله عنه، بلاغًا.

(1)

سورة التحريم، الآيتان: 1 - 2.

ص: 405

ولأنه لو كان مُحَرَّمًا، لتقدمت الكفَّارة عليه كالظِّهار، ولم يأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفعله، وسَمَّاه خيرًا

(1)

(وعليه كفَّارة يمين؛ إن فعله) لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}

(2)

، وعن ابن عباس وابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تحريمَ الحلال يمينًا"

(3)

.

(وإن قال: هو يهودي أو نصراني، أو كافر أو مجوسي، أو يكفُر بالله، أو يعبد الصليب، أو غيرَ الله، أو) هو (بريء من الله، أو) هو بريء (من الإسلام، أو) من (القرآن، أو) من (النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو لا يراه الله في موضع كذا، إن فعل كذا. أو قال: أنا أستحل الزنى، أو شُرب الخمر، أو أكل لَحْمِ الخنزير، أو ترك الصلاة، أو) ترك (الزكاة، أو) ترك (الصيام، ونحوه) كترك الحج (إن فعلت) كذا (لم يكفُر، وقد فعل مُحَرَّمًا) لحديث ثابت بن الضحاك مرفوعًا: "مَنْ حَلف على يمينٍ بملّةٍ غير الإِسلام كاذبًا

(1)

أي: في حديثي عبدالرحمن بن سمرة وأبي موسى رضي الله عنهم المتقدمين آنفًا.

(2)

سورة التحريم، الآية:2.

(3)

لم نقف على من رواه عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم مرفوعًا، وإنما أخرجه الدارقطني (4/ 41)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 264 - 265، حديث 435، من طريق عبدالله بن محرز، عن قتادة، عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الحرام يمينًا.

قال الدارقطني: ابن محرز ضعيف، ولم يروه عن قتادة هكذا غيره.

وأخرج البخاري في تفسير سورة التحريم، باب 1، رقم 4911، ومسلم في الطلاق، رقم 1473، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يقول في الحرام: يمين يكفرها، وقال ابن عباس:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

وأخرجه الدراقطني (4/ 40)، والبيهقي (7/ 350) وزادا: يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حرَّم جارية فقال الله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. . .} إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فكفَّر يمينه وصيَّر الحرام يمينًا.

ص: 406

متعمّدًا، فهو كما قَال" متفق عليه

(1)

. وعن بُريدة مرفوعًا قال: "مَنْ قال: إنه بريءٌ من الإسلام، فإنْ كان كاذبًا، فهو كما قال، وإنْ كان صادقًا لم يَعُدْ إلى الإسلام سالمًا" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد

(2)

(تلزمه التوبة منه) كسائر المحرمات.

(وعليه إن فعله كفَّارة يمين) لحديث زيد بن ثابت: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرجل يقول: هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو مجوسي، أو بريءٌ من الإسلام في اليمين يحلف بها، فيَحْنث في هذه الأشياء؟ فقال: عليهِ كفَّارةُ يمينٍ" رواه أبو بكر

(3)

؛ ولأن قول هذه الأشياء يوجب هَتْكَ الحرمة، فكان يمينًا كالحَلِف بالله تعالى، بخلاف: هو فاسق ونحوه.

(1)

البخاري في الجنائز، باب 84، حديث 1363، وفي الأدب، باب 44، 73، حديث 6047، 6105، وفي الأيمان والنذور، باب 7، حديث 6652، ومسلم في الإيمان، حديث 110.

(2)

أحمد (5/ 355 - 356)، والنسائي في الأيمان والنذور، باب 8، حديث 3781، وابن ماجه في الكفارات، باب 3، حديث 2100. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الأيمان والنذور، باب 9، حديث 3258، وابن أبي الدنيا في الصمت ص/ 201، حديث 368، والحاكم 4/ 298، والبيهقي (10/ 30)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 157) حديث 19466.

صححه النسائي كما في فتح الباري (11/ 539). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال العراقي في تخريج الإحياء (3/ 162): إسناده صحيح.

(3)

لعله الخلال، ولم نقف على هذا الحديث في مظانه من كتبه المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- البيهقي (10/ 30)، من طريق سليمان بن أبي داود، عن الزهري، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت.

قال البيهقي: لا يصح، ولا أصل له من حديث الزهري ولا غيره، تفرد به سليمان بن أبي داود الحراني، وهو منكر الحديث، ضعفه الأئمة وتركوه.

ص: 407

(واختار الموفَّق والناظم: لا كفارة) عليه؛ لأنه لم يرد في ذلك نص ولا هو في معنى المنصوص عليه.

(وإن قال: عصيت الله، أو: أنا أعصي الله في كل ما أمرني به، أو: محوتُ المصحفَ، إن فعلتُ) كذا (وحَنِث، فلا كفَّارة) عليه؛ لأن هذه الأشياء لا نصَّ فيها يقتضي الوجوب، ولا هي في معنى ما سبق، فيبقى الحالف على البراءة الأصلية.

(وإن قال: أخزاه الله، أو: قَطَع) الله (يديه و

(1)

رجليه، أو: أدخله) الله (النار، أو: لَعَنه) الله (إن فعل، أو) قال: (لعمري لأفعلن، أو) قال: (عبدُ فلان حر لأفعلن، أو: إن فعلت كذا فمالُ فلانٍ صَدَقة، أو: فعلى فلان حجة، أو:) إن فعلت، فـ (ـــمال فلان حرام عليه، أو فلان بريء من الإسلام ونحوه) كـ: إن فعلت، ففلان يهودي (فَلَغْوٌ) لأنه ليس في ذلك ما يوجب هَتْك الحُرمة، فلم تكن يمينًا.

(وإن قال: أيمان البيعة تلزمُنِي، فهي يمين رتَّبها الحَجَّاج) بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي

(2)

(والخليفة المُعتمِد) على الله العباسي لأخيه الموفق لما جعله ولي عهده

(3)

(تشتمل على اليمين بالله تعالى، والطلاق والعَتاق، وصدق المال) زاد بعضهم: والحج (فإن كان الحالف يعرفها ونواها؛ انعقدت يمينه بما فيها) من الطلاق والعَتاق وغيرهما؛ لأنها كناية (وإن لم يعرفها ولم ينوِها) الحالف بها (أو عَرَفها ولم ينوِها، أو نواها ولم يعرِفْها، فلا شيء عليه) لأنها كناية، فلا بُدَّ فيها

(1)

في "ذ": "أو".

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (35/ 243، 290).

(3)

انظر: تاريخ الطبري (9/ 476)، والبداية والنهاية (11/ 30).

ص: 408

من النية والمعرفة؛ لأن مَنْ لم يعرف شيئًا، لم يتأتَّ أن ينويه.

(ولو قال: أيمان المسلمين تلزمُنِي إن فعلتُ كذا، وفعله؛ لزمته يمين الظِّهار والطلاق، والعَتَاق، والنَّذْر، واليمين بالله، إذا نوى

(1)

ذلك) لأنها كناية، فاعتبرت فيها النية كسائر الكنايات (ولو حَلَفَ بشيء من هذه الخمسة فقال له آخر: يميني مع يمينك، أو) قال:(أنا مِثْلِ يمينك، يريد التزامَ مثل يمينه؛ لزمه ذلك) كباقي الكنايات (إلا في اليمين بالله) تعالى؛ لأنها لا تنعقد بالكناية، ولم يظهر لي تحريرُ الفرقِ بينها وبين أيمان البيعة وأيمان المسلمين، حيث انعقدت اليمين بالله فيها بالكناية على ما ذكره هو وصاحب "المنتهى"

(2)

.

(وإن لم ينوِ شيئًا؛ لم تنعقِدْ يمينه) لأن الكناية لا تنعقد بغير نية.

(و‌

‌إن قال: عليَّ نَذْر أو يمين) إن فعلتُ كذا

(أو) قال: (عليَّ عهد الله -أو ميثاقه- إن فعلتُ كذا، وفعَله؛ كفَّر كفارة يمين) لما روى الترمذي -وصححه- عن عقبة مرفوعًا قال: "كفَّارة النذر إذا لم يُسَمَّ كفَّارةُ يمينٍ"

(3)

.

(وكذا: عليَّ نذر أو يمين فقط) فتلزمه كفارة يمين.

(1)

في "ذ": "إذا نوى بها ذلك".

(2)

زاد في "ذ" بعد هذا الموضع: "إلا أن يقال: هناك دخلت بالتبعية للطلاق ونحوه".

(3)

الترمذي في النذور والأيمان، باب 4، حديث 1528. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الكفارات، باب 17، حديث 2127، وابن أبي شيبة (4/ 1 / 7)، والطحاوي (3/ 130)، والبيهقي (10/ 45)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال البيهقي: الرواية الصحيحة عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر كفارة اليمين. أي دون زيادة: "إذا لم يسم" وهذه الرواية أخرجها مسلم في النذر، حديث 1645. انظر: إرواء الغليل (8/ 210)، وما يأتي (14/ 498) تعليق رقم (1).

ص: 409

(وإن أخبر عن نفسه بحَلِف بالله ولم يكن حلف، فهي كِذْبة لا كفَّارة عليه فيها) وإن قال: مالي للمساكين، وأراد به اليمين، فكفَّارة يمين؛ ذكره في "المستوعب" و"الرعاية".

‌فصل في كفارة اليمين

(وفيها تخيير وترتيب) فالتخيير بين الإطعام والكِسوة والعتق، والترتيب فيها بين ذلك وبين الصيام.

والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ. . .} الآية

(1)

.

(فيخيَّر مَنْ لزمته بين ثلاثة أشياء: إطعام عشرة مساكين مسلمين أحرارًا، ولو صغارًا) كالزكاة (جنسًا

(2)

كان المُطْعَمُ) كأنْ يطعمهم بُرًّا (أو أكثر) من جنس، كأنْ أطعم البعضَ بُرًّا، والبعضَ شعيرًا، والبعضَ تمرًا، والبعضَ زبيبًا.

(أو كِسْوتُهم) أي: العشرة مساكين.

(أو تحرير رقبة) مؤمنة، كما تقدم في الظِّهار

(3)

.

(فمن لم يجد) بأنْ عَجَزَ عن العتق والإطعام والكِسوة (فصيام ثلاثة أيام) للآية.

(1)

سورة المائدة، الآية:89.

(2)

في "ذ": "جنسًا واحدًا".

(3)

(12/ 491).

ص: 410

(والكُسْوة: ما تُجزئ صلاةُ) المسكين (الآخذِ الفرضَ فيه، للرجل ثوبٌ، ولو عتيقًا، إذا لم تذهب قُوَّتُه) فإن بَلِيَ وذهبت منفعته؛ لم يجزئه؛ لأنه معيب (أو قميص يجزئه أن يصلي فيه الفرضَ، نصًّا) نقله حرب

(1)

(بأن يجعل على عاتقه منه شيئًا) بعد ستر عورته (أو ثوبان يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر، ولا يجزئه مئزر وحده، ولا سروايل) وحده؛ لأن الفرض لا يجزئ فيه.

(وللمرأة دِرْعٌ) أي: قميص (وخِمَارٌ يجزئها أن تُصلِّي فيه) لأن ما دون ذلك لا يجزئ لابسه في الصلاة، ويُسمَّى عريانًا.

(وإن أعطاها) المكفِّر (ثوبًا واسعًا يمكن أن يستر) الثوبُ (بدنَها ورأسها؛ أجزأه) إناطةً بستر عورتها.

(ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكُسوة مما يجوز للآخذ لبسه من قُطن وكَتَّان، وصوف وشعر ووبر، وخزٍّ وحرير، وسواء كان مصبوغًا أو لا، أو خامًا أو مقصورًا) لعموم الآية.

(ويجوز أن يُطْعِمَ) المكفِّر (بعضًا) من العشرة (ويكسوَ بعضًا) منهم؛ لأن الله تعالى خيَّر من وجبت عليه كفَّارة اليمين بين الإطعام والكِسوة، فكان مرجعهما إلى اختياره في العشرة وفي بعضهم، بخلاف ما لم يُخيّره فيه.

(فإن أطعم المسكينَ بعضَ الطعامِ، وكساه بعضَ الكُسْوة) لم يجزئه؛ لأنه لم يُطعمه ولم يَكسُه (أو أعتق نصف عبد، وأطعم خمسة أو كساهم) لم يجزئه؛ لأنه لم يُحَرِّر رقبة ولم يُطْعِم -أو يَكسُ- عشرة (أو أطعم) بعض العشرة (وصام) دون الثلاثة (لم يجزئه).

(1)

انظر: الفروع (6/ 351).

ص: 411

وكذا لو كسا البعضَ وصام، أو أعتق نصفَ رقبة وصام للباقي؛ لأنه لم يعتق رقبةً، ولم يُطْعِم عشرة، ولم يَكْسُهم، ولم يصم ثلاثة أيام (كبقية الكفَّارات.

ولا ينتقل) المكفِّر ليمينه (إلى الصوم إلا إذا عَجَز، كعجزه عن زكاة الفِطْر) كما تقدم.

(ولو كان ماله غائبًا؛ استدان) ما يطعمه أو يكسوه أو يعتق به (إن قَدَر) على ذلك (وإلا صام) كمن لا مال له.

(والكفَّارة بغير الصوم) من إطعام أو كِسوة أو عتق رقبة (إنما تجب في الفاضل عن حاجته الأصلية الصالحة لمثله، كدارٍ يحتاجُ إلى سُكناها، ودابةٍ يحتاج إلى ركوبها، وخادم يحتاج إلى خدمته، فلا يلزمه بيعُ ذلك) ليكفِّر منه؛ لاحتياجه إليه، فإن كانت الدار فوق ما يصلح لمِثْلِهِ، أو الخادم كذلك، وأمكن بيع ذلك وشراء ما يصلح لمِثْلِهِ والتكفير بالباقي؛ لزمه.

(فإن كان له عقار يحتاج إلى أجرته لمؤْنته، أو) لـ (ـــحوائجه الأصلية) من كُسوة ومسكن ونحوهما (أو) كان له (بضاعة يختلُّ رِبْحُها المحتاج إليه بالتكفير منها، أو) كان له (سائمة يحتاج إلى نمائها حاجةً أصليةً، أو) له (أثاث يحتاج إليه، أو كُتُب علم يحتاجها) لنظر أو حفظ (أو ثياب جَمال، ونحو ذلك) كحلي امرأة تحتاجه (أو تعذَّر بيع شيء لا يحتاج إليه؛ انتقل إلى الصوم) لأنه لم يتمكَّن من غيره على وجه لا يضرّه (وتقدَّم بعضُ ذلك في الظهار

(1)

.

(1)

(12/ 488 - 490).

ص: 412

ويجب التتابع في الصوم) لقراءة أُبيٍّ

(1)

وابن مسعود

(2)

: "فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ متتابعات" حكاه أحمد ورواه الأثرم

(3)

. وكصوم الظهار (إن لم يكن عذر) فيسقط به وجوب التتابع، كما تقدم في الظهار

(4)

.

(وتجب كفَّارة يمين ونَذْر على الفور إذا حَنِثَ) لأنه الأصل في الأمر المطلق.

(وإن شاء) الحالف (كفَّر قبل الحِنث، فتكون) الكفَّارة (مُحَلِّلةً لليمين، وإن شاء) كفَّر (بعدَه) أي: الحِنْث (فتكون مُكَفِّرة). وممن روي عنه تقديم الكفارة قبل الحِنث: عمر

(5)

وابنه

(6)

وابن عباس

(7)

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 1 / 33)، والطبري في التفسير (7/ 30)، والحاكم (2/ 276)، والبيهقي (10/ 60)، من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: أنه كان يقرأ: فصيام ثلاثة أيام متتابعات.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وجوَّد إسناده الحافظ في الدراية (2/ 91).

وأخرجه مالك (1/ 305)، والبيهقي (10/ 60)، من طريق حميد بن قيس المكي أنه قال: كنت مع مجاهد وهو يطوف بالبيت، فجاء إنسان فسأله عن صيام أيام الكفارة أمتتابعات أم يقطعها؟ قال حميد: فقلت له: نعم، يقطعها إن شاء. فقال مجاهد: لا يقطعها، فإنها في قراءة أبي بن كعب: ثلاثة أيام متتابعات.

قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/ 185): الرواية عنه وقعت مرسلة.

(2)

أخرجه عبدالرزاق (8/ 514) رقم 16104، والطبري في التفسير (7/ 30)، وابن أبي حاتم في التفسير (4/ 1194 - 1195) رقم 6733، والبيهقي (10/ 60).

(3)

لعله في سننه ولم تطبع، وانظر: مسائل ابن هانئ (2/ 75) رقم 1497 - 1498.

(4)

(12/ 500).

(5)

لم نقف عليه، وانظر: الاستذكار (15/ 78 - 79).

(6)

أخرج عبدالرزاق (8/ 515) رقم 16107 - 16108، وابن أبي شيبة (4/ 1 / 25)، والبيهقي (10/ 54)، عن نافع: أن ابن عمر كان يكفِّر قبل أن يحنث.

(7)

أخرج الطبري في التفسير (2/ 401)، وابن أبي حاتم في التفسير (2/ 407) رقم =

ص: 413

وسلمان

(1)

. وعن عبدالرحمن بن سَمُرةَ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عبدالرحمن إذا حلفتَ على يمين فرأيتَ غيرها خيرًا منها، فكفِّرْ عن يمينك، ثم ائْتِ الذي هو خيرٌ" رواه أبو داود والنسائي

(2)

ورجاله ثقات؛ ولأنه كفَّر بعد سببه، فجاز، ككفارة الظِّهار والقتل بعد الجرح، والحِنْث شرطٌ وليس بسبب (فهما) أي: التكفير قبل الحِنْث وبعده (في الفضيلة سواء) نص عليه

(3)

؛ لأن الأحاديث الواردة، فيها التقديم مرَّة والتأخير أخرى

(4)

. وهذا دليل التسوية (صومًا كانت الكفارة أو غيره) أي: غير صوم؛ لظاهر ما سبق.

(ولو كان الحِنْث حرامًا) كأنْ حلف لا يَشْرَبَنَّ

(5)

الخمر، أو ليصلين الظهر، خلافًا لما في "المبدع" حيث قال: إذا كان كذلك، كفَّر بعده مطلقًا.

(ولا يصح تقديمها) أي: الكفارة (على اليمين) لأنه تقديم الحكم قبل سببه، كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب.

(وإذا كفَّر بالصوم قبل الحِنْث لفقره) إذًا (ثم حَنِث وهو موسِرٌ؛ لم

= 2145، والبيهقي (10/ 33)، عن ابن عباس -في تفسير قوله تعالى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224]- قال: كفِّر عن يمينك واصنع الخير.

(1)

أخرج عبدالرزاق (8/ 515) رقم 16109، وابن أبي شيبة (4/ 1 / 25)، عن ابن سيرين قال: كان سلمان يكفِّر قبل أن يحنث.

(2)

أبو داود في الأيمان والنذور، باب 17، حديث 3277، والنسائي في الأيمان، باب 15، حديث 3792، وأخرجه البخاري ومسلم -كما تقدم (14/ 379) - بلفظ: فأت الذي هو خير، وكفِّر عن يمينك.

(3)

مسائل ابن هانئ (2/ 81) رقم 1523.

(4)

انظر ما تقدم (14/ 403) تعليق رقم (4).

(5)

في "ح" و"ذ": "لا يشرب".

ص: 414

يجزئه) الصوم؛ قاله في "المغني"؛ لأن المُعتبر في الكفَّارات وقت الوجوب، وهو هنا وقت الحِنْث، وقد صار موسرًا، فلا يجزئه الصوم، كما لو صام إذًا.

وقال ابن رجب في القاعدة الخامسة

(1)

: وإطلاق الأكثرين يخالف ذلك؛ لأنه كان فرضه في الظاهر، فبرئ من الواجب، فلم يحصُل به الحِنث؛ لأن الكفارة حلَّته.

(ومن كرَّر يمينًا موجبها واحد على فِعْل واحد، كقوله: والله لا أكلتُ، والله لا أكلتُ) فكفَّارة واحدة؛ لأن سببها واحد، والظاهر أنه أراد التأكيد (أو حَلَف أيمانًا كفَّارتها

(2)

واحدة، كقوله: والله، وعهد الله، وميثاقه، وكلامه) لأفعلن كذا، فكفَّارة واحدة؛ لأنها يمين واحدة (أو كرَّرها) أي: الأيمان (على أفعال مختلفة قبل التكفير، كقوله: والله لا أكلتُ، والله لا شربتُ، والله لا لَبِستُ، فـ) ـــعليه (كفَّارة واحدة) لأنها كفَّارات من جنس، فتداخلت كالحدود.

(ومثله الحَلِف بنذور مُكَرَّرة) فتجزئه كفَّارة واحدة.

(ولو حلف يمينًا واحدة على أجناس مختلفة، كقوله: والله لا أكلت، ولا شربت، ولا لبستُ، فـ) ـــعليه (كفَّارة واحدة، حَنِث في الجميع أو في واحد، وتنحلُّ البقية) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأن اليمين واحدة والحِنْث واحد. (وإن كانت الأيمان مختلفة الكفَّارة كالظِّهار واليمين بالله، فلكلِّ يمين كفَّارتها) لأنها أجناس، فلم تتداخل، كالحدود من أجناس.

(1)

القواعد الفقهية ص/ 7.

(2)

في "ذ": "كفَّاراتها"

ص: 415

(وليس لرقيقٍ أن يكفِّر بغير صوم، ولو أذن له سيده في العتق والإطعام) فلا يصحان (لأنه لا يَملك) ولو مُلِّكَ، غير المُكاتَب.

(وليس لسيده مَنْعُه من الصوم، ولو أضرَّ) الصومُ (به) كصوم رمضان وقضائه (ولو كان الحَلِف والحِنْث بغير إذنه) أي: السيد، فلا يمنعه من الصوم (ولا مَنْعُه) أي: وليس لسيد منع رقيقه (من نَذْرِ) الصوم.

(ويكفِّر كافر -ولو مرتدًّا- بغير صوم) لأن الصوم عبادة، ولا تصح من كافر، وإذا أعتق، فلا يجزئه إلا رقبة مؤمنة.

(ومَنْ بعضُه حُرٌّ، فحكمُهُ في الكفَّارة حكم الأحرار) لأنه يملك ملكًا تامًّا، أشبه الحُرَّ الكاملَ (وتقدَّم في) كتاب (الظِّهار بعضُ أحكام الكفَّارة

(1)

، فليُعاوَد) لأن الحكم واحد.

(1)

(12/ 485 - 511).

ص: 416

‌باب جامع الأيمان

(يُرجع فيها) أي: الأيمان (إلى نِيَّة حالفٍ، إن كان) الحالفُ (غيرَ ظالمٍ) بها (و) كان (لفظُه يحتمِلها) أي: النيةَ، فتتعلَّق يمينُهُ بما نواه دون ما لفَظَ به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وإنما لكلِّ امرئ"

(1)

؛ ولأن كلام الشارع يُصرف إلى ما دَلَّ الدليلُ على أنه أراده دون ظاهر اللفظ، فكلام المُتكلِّم مع اطلاعه على إرادته أَوْلى.

(ويُقبل) منه (حُكمًا) أنه أراد ذلك (مع قُرْبِ الاحتمال من الظَّاهر وتوسُّطه) لأنه لا يُخالِف الظَّاهر. و (لا) يُقبل منه (مع بُعدِه) أي: الاحتمال؛ لمخالفته للظَّاهر (فتُقدَّم نيته) أي الحالف (على عموم لَفْظِهِ وعلى السبب) الذي هيَّج اليمين؛ لما تقدَّم (سواءٌ كان ما نواه) الحالف (موافقًا لظاهرِ اللفظ أو مخالفًا له.

فالموافقُ) من نيته (للظاهر) من لفظه (أن ينويَ باللفظ موضوعه الأصلي، مثل أن ينويَ باللفظ العامِّ العمومَ، و) ينويَ (بالمطلقِ الإطلاقَ، و) ينويَ (بسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الأفهام منها.

والمُخالِفُ) من النية لظاهر اللفظ (يتنوَّع أنواعًا، منها: أن ينويَ بالعامِّ الخاصَّ، مثل أن يحلِف لا يأكل لحمًا، ولا فاكهة، ويُريد) باللحم (لحمًا بعينه، و) بالفاكهة (فاكهةً بعينها) ونظيره: {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ

(2)

إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا

(3)

لَكُمْ}

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(2)

"المراد به: أبو نعيم". ش.

(3)

"المراد بالجامع: أبو سفيان". ش.

(4)

سورة آل عمران، الآية:173.

ص: 417

(ومنها أن يحلِفَ على فعلِ شيءٍ، أو) على (تَرْكه، وينويَ: في وقت) معين (مثل أن يحلِفَ لا يتغدّى، ويريد اليوم. أو: لا أكلت، ويريد الساعة، أو دُعي إلى غداء فحلف لا يتغدَّى، ينوى ذلك الغداءَ) لكن هذا المثال من النوع قبله (اختصَّت يمينه بما نواه) لما تقدَّم.

(ومنها أن ينوي بيمينه غيرَ ما يفهمه السامعُ منه) لنحو تورية (كما تقدَّم في التأويل في الحَلِف

(1)

.

ومنها أن يريد بالخاصِّ العامَّ) عكس الأول (كقوله: لا شربت لفلان الماء من العطش، ينوي قطع كل ما لَه فيه مِنَّة، أو كان السبب قطع المنَّة، فإنه يحنث بأكل خبزه واستعمارتـ) ـه

(2)

(دابته وكل ما فيه المِنَّة) لأنه نوى بيمينه ما يحتمله ويسوغ في اللغة التعبير به عنه، فتنصرف يمينه إليه، كالمعاريض، قال تعالى:{ما يَملكون من قطْمِيرٍ}

(3)

، {ولا يُظلمونَ فَتِيلَا}

(4)

، و {فإذًا لا يُؤتون النَّاسَ نَقِيرًا}

(5)

. والقِطْمير: لفافة النواة. والفتيل: ما في شقها. والنَّقير: النُّقرة التي في ظهرها، ولم يرد ذلك بعينه، بل نفى كلِّ شيء، ومثله قول الحطيئة

(6)

:

(1)

(12/ 368).

(2)

في "ح" و"ذ" ومتن الإقناع (4/ 352): "واستعارة".

(3)

سورة فاطر، الآية:13.

(4)

سورة النساء، الآية:49.

(5)

سورة النساء، الآية:53.

(6)

كذا في الأصول "الحطيئة"! والصواب أن القائل هو الساعر النجاشي الحارثي، وليس الحطيئة، وهو عجز بيت له، وصدره:

قُبَيلةٌ لا يَغدرون بذمَّةٍ

.........................

والنجاشي شاعر مخضرم، كان بينه وبين تميم بن أبيّ بن مقبل مهاجاة، وقد تقدمت =

ص: 418

...........

ولا يظلمون الناسَ حَبَّةَ خَرْدل

أي: لا يظلمونهم شيئًا، و (لا) يحنث (بأقل) من ذلك (كقعود في ضوء نارِه وظلِّ حائطه) لأن لفظه لا يتناوله، وكذلك النية أو السبب.

(أو حلف لا يأوي مع زوجته في دار سمَّاها؛ يريد جفاءَها، فينعُمُّ جميعَ الدُّور، أو) حلف (لا يَلبسُ غَزْلها، يريد قَطْع مِنَّتها، كما يأتي قريبًا) وكذا لو دَلَّ عليه السبب كما يأتي.

(ومِن شَرْطِ انصرافِ اللَّفْظِ إلى ما نواه: احتمالُ اللفظِ له -كما تقدم- فإن نوى ما لا يحتمِلُه) لفظه (مثل: أن يحلِفَ: لا يأكل خبزًا، يعني به: لا يدخل بيتًا، لم تنصرف اليمين إلى المنويِّ) لأنها نيَّة مجردة لا يحتملها لفظه، أشبه ما لو نوى ذلك بغير يمين.

(فإن لم ينوِ شيئًا، لا ظاهر اللفظ ولا غيره، رُجع إلى سبب اليمين وما هَيَّجَها) أي: أثارها؛ لدلالة ذلك على النية، فأُنِيط الحكم به.

(فلو حلف: ليقضينَّه حَقَّه غدًا، فقضاه) حقّه (قبلَه، لم يحنثْ إذا قصد ألا يجاوزَه) أي: الغد (أو كان السببُ يقتضي التعجيل قبل خروج الغَدِ) لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء؛ ولأن السبب يدلُّ على النية.

(فإن عُدما) أي: النية وسبب اليمين (لم يَبَرَّ

(1)

إلا بقضائه) حقَّه (في الغد) فإن عجَّله قبله؛ حَنِث، كما لو أخَّره عنه؛ لأنه ترك فعل ما تناوله يمينه لفظًا، ولم يصرفها عنه نية ولا سبب، كما لو حلف: ليصومنَّ شعبان، فصام رجب (وكذا) لو حلف: (لآكلنَّ شيئًا غدًا، أو:

= ترجمته (14/ 112) تعليق رقم (4).

انظر: الشعر والشعراء (1/ 331)، والعقد الفريد (3/ 17، 5/ 318)، وزهر الآداب (1/ 19 - 20)، والعمدة لابن رشيق (1/ 52)، وخزانة الأدب (1/ 231 - 232).

(1)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 352): "لم يبرأ".

ص: 419

لأبيعنَّه) غدًا (أو: لأشترينَّه) غدًا (أو: لأضربنَّه) غدًا (ونحوه) كـ: لا كلَّمتُه غدًا.

(وإن قَصَد) بحَلِفه ليقضينَّه حقَّه غدًا (مَطْلَه، فقضاه قبلَه، حَنِث) لأن اليمين انعقدت على ما نواه، وقد خالفه.

(وإن حلف: لا يببعُ ثوبَه إلا بمائة، فباعه بها) أي: المائة (أو) باعه (بأكثر) من المائة (لم يحنث) لأنه لم يخالف ما حلف عليه (و) إن باعه (بأقل) من مائة (يحنث) لمخالفته ما حلف عليه.

(و) لو حلف: (لا يبيعه بمائة، حَنِث) إن باعه (بها وبأقلَّ) منها؛ لأن قرينة الحال تقتضي ذلك.

(و) لو حلف: (لا اشتريته بمائة، فاشتراه بها أو بأكثر؛ حَنِث) لدلالة الحال على ذلك و (لا) يحنث إن اشتراه (بأقلَّ) من مائة؛ لأنه لم يخالف ما حلف عليه.

(وإن حلف) بائع؛ (لا ينقُصُ هذا الثوبُ من كذا، فقال) مشتريه: (قد أخذتُه، ولكن هَبْ لي كذا، فقال) الإمام (أحمد: هذا حيلة. قيل له: فإن قال البائع: أبيعُكَ بكذا، وأهَبُ لفلانٍ شيئًا آخر. قال) أحمد: (هذا كله ليس بشيء، وكرهه

(1)

.

و) لو حلف: (لا يدخل دارًا، ونوى اليوم، لم يحنَث بالدخول في غيره) لعدم مخالفته لما حلف عليه (ويُقبل قوله في الحكم) لأن ما نواه محتمل.

(و‌

‌إن كانت) اليمين (بطلاق أو عَتاق، لم يُقْبل) قوله في الحكم

(لتعلق حَقّ الآدميِّ) لم يذكر هذا التفصيل في "الإنصاف"، ولا

(1)

انظر: المغني (13/ 576 - 577)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (28/ 14).

ص: 420

"الفروع"، ولا "المبدع" ولا "المنتهى" بل ظاهر كلامهم: لا فرق، وتقدم نظيره في الطلاق

(1)

في مواضع أنَّه يُقبل قوله؛ لعدم مخالفته الظاهر

(2)

.

(و) لو حلف: (لا يلبس ثوبًا من غَزْلها، يقصد قَطْع مِنَّتها، فباعه واشترى بثمنه ثوبًا) ولبسه (حَنِث) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم فَجَمَلُوها، فباعوها وأكلوا ثمنَها"

(3)

.

(وكذا) يحنث (إن انتفع بثمنه) في غير اللبس؛ لأنه نوعُ انتفاعٍ به تلحق المِنَّة به.

(وإن انتفع) الحالف (بشيء من مالها سوى الغزل وثمنه) مثل أن سكن دارها، أو أكل طعامها، أو لبس ثوبًا لها من غير غزلها (لم يحنث) لأنَّ لِكَوْنِهِ ثوبًا من غَزْلها أثرًا فيه داعية اليمين، فلم يجز حذفه.

(وإن امتَنَّت) امرأة (عليه بثوب، فحلف لا يلبسه، قطعًا لِمنَّتها، فاشتراه غيرُها ثم كساه إياه، أو اشتراه الحالفُ ولبسه على وجه لا مِنَّة لها فيه) عليه (فوجهان).

قلت: مقتضى العمل بالنية أو السبب: لا حِنْث إذًا؛ لعدم المِنَّة، حيث لا حيلة.

(و) إن حلف: (لا يأوي معها في دارٍ سمَّاها؛ يريدُ جفاءَها، ولم يكن للدار سببٌ هَيَّجَ يمينه، فأوى معها في غيرها؛ حَنِث) لأنه لما لم

(1)

(12/ 371، 382 - 390).

(2)

في "ذ": "للظاهر".

(3)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 103، حديث 2223 - 2224، وفي أحاديث الأنبياء، باب 50، حديث 3460، ومسلم في المساقاة، حديث 1581 - 1583، عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة رضي الله عنهما.

ص: 421

يكن للدار أثر في يمينه، كان ذِكْرها كعدمه، فكأنه حلف لا يأوي معها، فإذا أوى معها، حَنِث؛ لمخالفته ما حلف على تركه.

(فإن كان للدار أثرٌ في يمينه؛ لكراهته سُكْنَاها، أو) لكونه (خُوصِم من أجلها) أي: الدار (أو) لكونه (امتُنَّ عليه بها، لم يحنث إذا أوى معها في غيرها) لأنه لم يخالف ما حلف عليه.

(وإن عدم السبب والنية، لم يحنث إلا بفعل ما يتناوله لفظه، وهو الأويُّ

(1)

معها في تلك الدار بعينها) دون الإيواء معها في غيرها؛ لأن لفظه لم يتناوله ولا صارِف إليه (والأَويُّ

(1)

: الدخول، قليلًا كان لُبْثُهما أو كثيرًا) يقال: أويت أنا، وآويت فلانًا. قال تعالى:{إذ أوَى الفتيةُ إلى الكهف}

(2)

وقال: {وآوَيناهما إلى رَبوةٍ}

(3)

ونقل ابن هانئ

(4)

: أقلُّ الإيواء ساعة. وجزم به في "الترغيب".

(وإن برَّها) أي: المحلوف عليها لا يأوي معها في دار سمَّاها (بصدقة أو غيرها، أو اجتمع معها فيما ليس بدار ولا بيت؛ لم يحنث، سواءٌ كان للدار سببٌ في يمينه أو لم يكن) لأنه قَصَدَ جفاءَها بهذا النوع.

(و) لو حلف: (لا عُدتُ رأيتُكِ تَدْخُلِينها، ينوي مَنْعَها) من الدخول (حَنِثَ بدُخُولها ولو لم يرَها) تدخلها؛ تقديمًا للنية: وكذا لو اقتضاها

(5)

السبب؛ لما تقدم.

(وإن حلف: لا يدخل عليها بيتًا، فدخل عليها فيما ليس ببيت،

(1)

"الأوي" كذا في الأصل "ح" ومتن الإقناع (4/ 354)، وفي "ذ":"الإيواء".

(2)

سورة الكهف، الآية:10.

(3)

سورة المؤمنون، الآية:50.

(4)

في مسائله (2/ 83) رقم 1534.

(5)

في "ح" و"ذ": "اقتضاه".

ص: 422

فكالتي قبلها) فإن قصد جفاءَها ولم يكن للدار سبب هيَّج يمينه؛ حَنِث وإلا؛ فلا؛ قاله في "المغني" و"الشرح".

(وإن دخل على جماعة هي فيهم، يقصد الدخول عليها معهم، أو لم يقصد شيئًا؛ حَنِث) لأنه دخل عليها (وإن استثناها بقلبه فكذلك) أي: يحنث؛ لأنه دخل عليها، بخلاف مسألة الكلام والسلام المتقدّمة في مسائل مُتفرِّقة.

(وإن كان) دخله، وهو (لا يعلم أنها فيه) أي: البيت (فدخل فوجدها فيه، فكما لو دخل عليها ناسيًا) يحنث في طلاق وعتاق، لا في يمين مكفَّرة.

(وكذلك إن حلف: لا يدخل عليها، فدخلتْ عليه، فخرج في الحال) لم يحنث؛ لأنه تارك (فإن أقام) معها (حَنِث) لأن استدامة الدخول دخول.

فصل

(والعِبْرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ) لأن السبب يدلُّ على النية، فصار كالمنويِّ، وذلك يقتضي تخصيص اللفظ العام وقَصْره على الخاص، وإذا اختلف السبب والنية مثل أن امتَنَّت امرأته عليه بغزلها، فحلف لا يلبس ثوبًا من غزلها، ينوي اجتناب اللبس خاصة دون الانتفاع بثمنه وغيره، قُدِّمت النية على السبب وجهًا واحدًا؛ لأن النية وافقت مقتضى اللفظ، وإن نوى بيمينه ثوبًا واحدًا، فكذلك في ظاهر قول الخرقي، وهو الأصح، خلافًا للقاضي؛ لأن السبب إنما اعتبر لدلالته على القصد، فإذا خالف حقيقة القصد، لم يعتبر، فكان وجوده كعدمه،

ص: 423

فلم يبق إلا اللفظ بعمومه، والنية تخصه على ما بيَّناه؛ ذكره في "المبدع".

(فلو حلف لعامل ألا يخرج إلا بإذنه ونحوه) كأمره ورضاه (فعُزل) العامل (أو) حلف (على زوجته): لا تفعل كذا (فطَلَّقها) انحلَّت يمينه (أو) حلف (على عبده): لا يفعل كذا (فأعتقه) انحلَّت يمينه، وكذا لو حلف علي أجيره، وانقضت مُدَّتها

(1)

(أو) حَلَف: (لا يدخل بلدًا لظُلمٍ رآه فيه) أي: البلد (فزال) الظلمُ (أو) حلف: (لا رأى

(2)

منكرًا إلا رفعه

(3)

إلى فلان القاضي أو الوالي، فعُزل ونحوه) كما لو مات (يريد) الحالف:(مادام) العامل أو الزوجة أو العبد أو الظلم أو القاضي أو الوالي (كذلك، أو أطلق) الحالفُ يمينَه (انحلَّت يمينُهُ) تقديمًا للنية أو السبب على عموم اللفظ؛ لما تقدم.

(قال ابنُ نصرِ الله: والمذهب عَود الصفة، فيحمل -يعني: انحلال اليمين- على أنه) أي: الحالف (نوى تلك الولاية) أي: فيما إذا حلف لعامل أو والٍ أو قاضٍ (وذلك النكاح) أي: فيما إذا حلف على زوجته (أو) ذلك (الملك. انتهى) أي: فيما إذا حلف على عبده. ويمكن أن يكون المراد بـ"انحلَّت يمينه": أنَّه لا يحنث بذلك بَعْدُ إلا حال وجود صفة عادت، كما قال في "المنتهي" إحالةً على ما سبق في كلامهم.

(فلو رأى المُنكَرَ في ولايته، وأمكَنَه رَفْعُه) إليه (فلم يَرْفعه) إليه (حتَّى عُزِل، حَنِث يِعَزْله ولو رفعه): إليه (بعدَ ذلك) أي: بعد العزل؛ لأنه قد فات رَفْعُه إليه، فأشبه ما لو مات، ومفهومه كـ"المنتهى" و"المبدع"

(1)

علَّق الشيخ حمود التويجري رحمه الله على نسخته (4/ 146) ما نصه: "أي الإجارة".

(2)

في "ذ": "لا أرى".

(3)

في "ذ": "إلا رفعته".

ص: 424

وغيرهما: إن عُزل قبل إمكان رفعه إليه، لم يحنث.

(وإن مات) العامل

(1)

أو الوالي أو القاضي (قبل إمكان رفعه إليه، حَنِث) الحالف؛ لأنه قد فات رَفعُه إليه، أشبه ما لو حلف: ليضربنَّ عبده في غَدٍ، فمات العبدُ اليوم.

(وإن لم يعيّن) الحالفُ (الواليَ إذًا) بأنْ حلف: لا رأى منكرًا إلا رفعه

(2)

لذي الولاية (لم يتعيَّن) ذو الولاية حال الحَلِف؛ لعدم ما يقتضي تعيينه.

(ولو لم يعلم به) أي: المُنكَر (الحالفُ إلا بعد علم الوالي، فات البرُّ، كما لو رآه) الحالف (معه) أي: مع الوالي، ولم يحنث، كإبرائه من دين بعد حَلِفه ليقضينه.

(وإن حلف لِلِصٍّ ألا يُخبِر به، ولا يغمِز عليه، فسأله الوالي عن قوم هو معهم، فبرَّأهم) الحالف (وسكت عنه) أي: المحلوف له (بقصد التنبيه عليه؛ حَنِث) الحالف؛ لأن سكوته عنه بقصد التنبيه عليه في معنى الإخبار به والغمز عليه (إلا أن ينوي) الحالف (حقيقة النُّطقِ والغَمْز) فلا يحنث، إلا إذا وُجِدا؛ لموافقة النية اللفظ (والغمز أن يفعل) الحالف (فعلًا يُعلم به أنَّه هو اللص.

و) لو حلف: (ليتزوَّجَنَّ، يَبَرُّ بعقد) نكاح (صحيح) لا فاسد؛ لأن فائدة العقد الحِلُّ، والنِّكَاح الفاسد لا تَحِلُّ به الزوجة، فيكون وجوده كعدمه.

(1)

قول: "وإن مات العامل

" إلخ لعل المراد مع مضيّ زمن يتسع للرفع ولم يفعل لمرض أو نحوه لئلا يخالف مفهومًا قبله، فتدبر. نقله عثمان [النجدي في حاشيته على منتهى الإرادات 5/ 227]. ش.

(2)

في "ذ": "لا أرى منكرًا إلا أرفعه".

ص: 425

(و) لو حلف: (ليتزوجَنَّ عليها، ولا نِيَّة ولا سَبَبَ، لا يَبَرُّ إلا بدُخُولِهِ بنظيرتها أو بمن تَغُمُّها أو تتأذَّى بها كأعلى منها) لأن الظاهر من يمينه قصدُ إغارتها بذلك والتضييق عليها في حقوقها من القَسْم وغيره، وذلك لا يحصل بدون مَنْ يساويها في الحَقّ، والقَسْمُ والنفقة لا تجب إلا بعد الدخول، فلا يحصُل مقصود اليمين بدون ذلك (فإن تزوَّج بعجوز زِنجيَّة، لم يَبَرَّ، نصًّا

(1)

) لأنها لا تغمُّها، ولا تتأذَّى بها. قال في "الشرح": ولو قُدِّرَ أن تزويج العجوز يغيظها والزنجية، لَبرَّ به، وإنما ذكره أحمد؛ لأن الغالب أنَّه لا يغيظها؛ لأنها تعلم أنَّه إنما فعل ذلك حيلةً؛ لئلا يغيظها.

(و) لو حلف: (لا يتزوَّج عليها، حَنِث بعقد صحيح، ولو) كان العقد (على غير نظيرتها) لأنه صَدّق أنه تزوجها عليها.

(وإن حلف: لا يُكَلِّمُها، هَجْرًا، حَنث) الحالف (بوطئها) لزوال الهجر بالوطء.

(و) لو حلف: (لَيُطلِّقَنَّ ضَرَّتها، بَرَّ بـ) ـطلاق (رجعي) لأنه طلاق (إن لم تكن نيةٌ أو قرينةٌ تقتضي الإبانة) فلا يَبَرأ

(2)

إلا بها.

فصل

(فإن عُدِم النيَّةُ، وسببُ اليمين، وما هيَّجها، رُجع إلى التعيين، وهو الإشارة) لأن التعيين أبلغ من دلالة الاسم على المُسمَّى؛ لأنه ينفي الإبهام بالكلية، بخلاف الاسم، ولهذا لو شهد عدلان على

(1)

انظر: المغني (13/ 493)، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (28/ 41).

(2)

في "ذ": "يَبَرُّ".

ص: 426

يمين

(1)

شخص، وجب على الحاكم الحكم عليه، بخلاف ما لو شهدا على مسمًّى باسم؛ لم يحكم حتَّى يعلم أنَّه المُسمَّى بذلك، فيقدَّم التعيين على الاسم والصفة والإضافة.

(فإن تغيَّرت صِفةُ التعيين) أي: المُعيَّن (فذلك خمسة أقسام:

أحدها: أن تستحيل أجزاؤه بتغيير

(2)

اسمه، كـ) ـما لو حلف:(لا أكلتُ هذه البيضة، فصارت فَرْخًا، أو هذه الحنطة، فصارت زَرْعًا، فأكله) حَنِث (أو) حلف: (لا شربتُ هذا الخمر، فصار خلًّا فشربة، حَنِث.

الثاني: تَغيَّرتْ صِفتُه، وزال اسْمُه مع بقاء أجزائه، كـ: لا أكلتُ هذا الرُّطب، فصار تمرًا، أو دِبْسًا، أو خلًّا، أو ناطِفًا، أو غيره من الحلوى) وأكله، حَنِث.

(أو) حلف: (لا كلَّمت هذا الصبيَّ، فصار شيخًا، أو: لا أكلتُ هذا الحَمَل) بالحاء المهملة

(3)

(فصار كبشًا، أو: هذه الحنطة، فصارت دقيقًا، أو سويقًا، أو خبزًا أو هريسة) أو كَشْكًا

(4)

ونحوه، وأكلها، حَنِث.

(أو) حلف: لا أكلتُ (هذا العجين، فصار خبزًا) وأكله، حَنِث.

(أو) حلف: لا أكلتُ (هذا اللبن، فصار

(1)

"عدلان على يمين" كذا في الأصل، وفي "ذ":"عبدان على عين"، وفي المبدع (9/ 288):"عدلان على عين" ولعله الصواب.

(2)

في "ذ" ومتن الإقناع (4/ 356): "بتغير".

(3)

في "ذ": "بفتح الحاء المهملة والميم".

(4)

الكَشْكُ: يُعمل من الحنطة واللبن ويُنشَّفُ ويُرفَع، يطبخونه مع اللحم. تاج العروس (27/ 314) مادة (كشك) وسيعرف به المؤلف لاحقًا (14/ 435).

ص: 427

مَصْلًا

(1)

، أو جبنًا، أو كَشْكًا.

أو) حلف: (لا دخلتُ هذه الدار، فصارت مسجدًا، أو حمَّامًا، أو فضاء، ثم دخلها أو أكله، حَنِث في جميع ذلك) عملًا بالتعيين؛ لما تقدم.

(الثالث: تبدَّلتِ الإضافةُ كـ) ـما لو حلف: (لا كلَّمتُ زوجةَ زيدٍ هذه، ولا عبده هذا، ولا دخلتُ دارَه هذه، فطلَّق) زيدٌ (الزوجةَ، وباع العبدَ، و) باع (الدارَ، فكلَّمَهما) أي: الزوجة والعبد (ودخل الدار، حَنِث) الحالفُ؛ لأنه إذا قُدِّم تعيين

(2)

على الاسم، فلأن يقدَّم على الإضافة أوْلى.

(الرابع: تَغيَّرت صفتُه) أي: المحلوف عليه (بما يُزِيل اسْمَه، ثم عادت) الصفة (كغُصْنٍ انكسر ثم أُعيد، وقلم كُسِر ثم بُريَ، وسفينةٍ نُقِضت ثم أُعيدت، ودارٍ هُدمتْ ثم بُنيت، ونحوه، فإنَّه) أي: الحالف (يحنث) بفعل المحلوف عليه؛ لتقديم التعيين؛ لأنه إذا قُدِّم على الاسم فالصفة أوْلى.

(الخامس: تغيَّرت صفتُه بما لم يُزِل اسْمَه كلَحْمٍ) حلف: لا يأكله (شُوي أو طُبخ) ثم أكله، حَنث (و) كـ (ـتمر حديث) حلف: لا يأكله (فعَتُقَ) ثم أكله، حَنِثَ (وعبدٍ بيع، ورجُلٍ صحيح) حلف: لا يكلمه، مثلًا (فمرض ونحوه) ثم كلمه (فإنَّه يحنث) تقديمًا للتعيين؛ لما تقدم.

(وإن قال) الحالف في حَلْفِه: (لا كلَّمتُ سعدًا زوجَ هند، أو: سيدَ صبيح، أو: صديقَ عمرو، أو: مالكَ هذه الدار، أو: صاحبَ الطيلسان،

(1)

يأتي تعريفه من قِبل المؤلف (14/ 435).

(2)

في "ذ": "التعيين".

ص: 428

أو) قال: (لا كلَّمتُ هندًا امرأةَ سعدٍ، أو: صبيحًا عبده، أو: عمرًا صديقه، فطلَّق الزوجة، وباع العبد والدار والطيلسان، وعادى عمرًا، ثم كلَّمهم، حَنِث) لأنه متى اجتمع الاسم والإضافة غُلِّب الاسم؛ لجريانه مجرى التعيين في تعريف المحلِّ.

(و) لو حلف: (لا يلبس هذا الثوب، وكان) الثوب (رداءً حال حلْفِه، فارتدى به، أو اتَّزر، أو اعتَمَّ، أو جعله قميصًا، أو سراويل، أو قَباءً، فلَبسَه، حَنِث) لفعله المحلوف عليه؛ لأنه لبسه (وكذلك إن كان) الثوب (سراويل فارتدى أو اتَّزر به، حَنث) الحالف لا يلبسه؛ لأنه لبسه، (و) لو حلف:(لا يلبس قميصًا. فارتدى به حَنِث) لأنه لبسه عادة، و (لا) يحنث (إذا اتَّزر به) أي: القميص (ولا بِطَيِّه وتركه على رأسه، ولا بنومه عليه أو تدثُّره) لأن ذلك ليس لبسًا للقميص عادة.

(وإن قال: لا ألبسه وهو رِداء، فغيَّر) المحلوف عليه (عن كونه رداء ولَبِس، لم يحنث) لأن الحال قَيدٌ في عاملها، ولم يلبسه على تلك الصفة (وكذلك) لا يحنث (إن نوى بيمينه في شيء من هذه الأشياء، مادام على تلك الصفة والإضافة، أو ما لم يتغير) أو كان السبب يدلُّ على ذلك؛ لأن كلًّا من النية والسبب مُقدَّم على التعيين.

فصل

(فإن عُدِم النيةُ، وسببُ اليمين، وما هيَّجها والتعيين، رجع إلى ما يتناوله الاسم) لأنه دليل على إرادة المُسمَّى، ولا معارضَ له هنا، فوجب أن يرجع إليه عملًا به؛ لسلامته عن المعارضة

(1)

.

(1)

في "ح": "المعارض".

ص: 429

(و‌

‌الاسم يتناول العُرْفي، والشَّرْعي، والحقيقي وهو اللُّغَوي)

أي: ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة (فَيُقدَّم شرعيٌّ) أي: فتنصرف اليمين إلى الموضوع الشرعي فيما له موضوع شرعي عند الإطلاق. قال في "المبدع": لا نعلم فيه خلافًا (ثم عُرفي) لأنه الذي يريده بيمينه ويُفهم من كلامه، أشبه الحقيقة في غيره (ثم لُغَوي.

فالشرعي ما لَه موضوع فيه) أي: في الشرع (وموضوع في اللغة، كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه) كالوضوء والغسل، والتيمم والاعتكاف.

(فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي) لأن ذلك هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق؛ لأن الشارع إذا قال: صلِّ، تعيَّن فِعْل الصلاة المشتملة على الأفعال، إلَّا أن يقترن بكلامه ما يدلُّ على الموضوع اللغوي، فكذا

(1)

الحالف (وتتناول الصحيح منه) لأن الفاسد ممنوع منه بأصل الشرع، فلا حاجة إلى المنع من فعله باليمين (إلَّا إذا حلف: لا يحجُّ، فحجَّ حجًّا فاسدًا، فيحنث) لوجوب المضيِّ في فاسده؛ ولأن حكمه حكم الصحيح فيما يحل ويحرم ويجب من الفدية وغيرها.

(فإذا حلف: لا يبيع، فباع بيعًا فاسدًا) لم يحنث (أو) حلف: (لا يَنكح، فنكح نكاحًا فاسدًا) لم يحنث (أو) حلف (لا يشتري، فاشترى شراءً فاسدًا) لم يحنث (أو) حلف (لا يُنكحُ غيره) أي: يزوجه (فأنكح نكاحًا فاسدًا) لم يحنث (أو حلف: ما بعتُ ولا صليتُ ونحوه) كـ: نكحت (وكان قد فعله فاسدًا، لم يحنث) لأن اليمين لم تتناول الفاسد (إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة، كحَلفه: لا يبيع

(1)

في "ح" و"ذ": "فكذلك".

ص: 430

الحر، أو): لا يبيع (الخمر، أو: ما باع الحر، أو): ما باع (الخمر.

أو قال لزوجته: إن سرقت مني شيئًا وبعتنيه) فأنت طالق (أو) قال لها: إن (طلَّقتُ فلانةَ الأجنبيةَ، فأنت طالقٌ، فيحنث بصورة البيع والطلاق) لتعذُّر حَمْل يمينه على عقد صحيح أو طلَاق واقع، فتعيَّن كون صورة ذلك محلًّا له.

(فإذا

(1)

حلف: لا يبيع، فباع بيعًا فيه الخيارُ؛ حَنِث) لأنه بيع شرعي، فيحنث به كاللازم.

(و) لو حلف: (لا أبيع، ولا أتزوَّج، ولا أُوْجِر، فأوجب البيع والنكاح والإجارة) أي: أتى بالإيجاب في ذلك (ولم يَقبل المشتري والمتزوج والمستأجر، لم يحنث) قال في "المبدع" في مسألة البيع والنكاح: لا نعلم فيه خلافًا؛ لأنه لا يتم إلَّا بالقَبول، فلم يقع على الإيجاب بدونه، وإن قَبِل، حَنِثَ.

(و: لا يتسرَّى، فوطئ جاريَتَه، حَنِث، ولو عَزَل) أو لم يحصِّنها أو يَحجُبها عن النَّاس؛ لأن التسريَ مأخوذ من السِّرِّ، وهو: الوطء، قال تعالى:{وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}

(2)

؛ ولأن ذلك حكم تعلَّق بالوطء فلم يُعتبر فيه الإنزال ولا التحصين كسائر الأحكام (كحَلِفْه: لا يطأ) امرأته أو سُرِّيَّته أو غيرهما، فإنَّه يحنث بتغييب الحشفة أو قَدْرها في فرج أصلي، وإن لم يُنزِل.

قلت: وبما ذكر في: "لا يتسرَّى" علم أنَّه لا يعتبر في التسري إخراجها على هيئة الأحرار.

(1)

في "ح" و"ذ": "فإن".

(2)

سورة البقرة، الآية:235.

ص: 431

(و) لو حلف: (لا يحج. أو: لا يعتمر، حَنِث بإحرام) صحيح أو فاسد؛ لأنه بمجرد الإحرام يُسمَّى حاجًّا أو معتمرًا.

(و) لو حلف: (لا يصوم، حَنِث بشروعٍ صحيح) في الصوم؛ لأنه بالشروع فيه يُسمَّى صائمًا (ولو كان حال حَلفه): لا يصوم (صائمًا) فاستدام، لم يحنث (أو) كان حال حَلِفه: لا يحج (حاجًّا، فاستدام) لم يحنث.

(أو حلف على غيره: لا يصلِّي، وهو) أي: المحلوف عليه (في الصلاة، فاستدام، لم يحنث) الحالف بالاستدامة.

(و) لو حلف: (لا يصوم صومًا، لم يحنث حتَّى يصوم يومًا) لأن يمينه تنصرف للصوم الشرعي، وإمساك بعض يوم ليس بصوم شرعي.

(و) إن حلف: (لا يصلي، حَنِث بتكبيرة الإحرام) لأنه يدخل بها في الصلاة، فيُسمَّى مصليًا.

(و) لو حلف: (لا يصلِّي صلاة، لم يحنث حتَّى يَفرُغَ مما يقع عليه اسم الصلاة) بأن يصلِّي ركعة بسجدتيها؛ لأنه أقل ما يُطلق عليه اسمُ الصلاة شرعًا.

(ويشمل) يمينُه (صلاةَ الجنازة فيهما) أي: فيما إذا حلف: لا يُصلِّي، أو: لا يُصلِّي صلاة؛ لأنه يقال: صلاة الجنازة، فتدخل في العموم.

(قال القاضي وغيره: الطواف ليس بصلاة في الحقيقة) قال المجد: ليس صلاة مطلقة ولا مضافة، لكن في كلام أَحْمد أنَّه صلاة

(1)

.

وقال أبو الحسين وغيره في الحديث: "الطواف بالبيت مثل

(1)

مسائل عبد الله (2/ 721) رقم 961.

ص: 432

الصلاة"

(1)

في الأحكام كلها إلَّا فيما استثناه وهو النُّطْق.

(وإن حلف: لا يهبُ لزيدٍ شيئًا) أ (و لا يوصي له) أ (و لا يتصدق عليه) أ (و لا يُهدِي له) أ (و لا يعيره، ففعله) أي: وهب له، أو تصدق عليه، أو أهدى له، أو أعاره، أي: أتى بالإيجاب في هذه (ولم يقبل زيد، حَنِث) الحالف؛ لأن ذلك لا عِوض فيه، فيحنث بالإيجاب فقط، كالوصية.

(وإن نذر أن يهب له) أي: لزيد مثلًا (بَرَّ) الناذر (بالإيجاب) وإن لم يقبل زيد.

قلت: وكذا لو نذر أن يتصدَّق عليه، أو أن يهدي له، أو أن يعيره؛ لأن الاسم يقع عليها بدون القبول.

(و) لو حلف: (لا يتصدَّق عليه، فوهبه، لم يحنث) لأن الصدقة نوعٌ من الهبة. ولا يحنث الحالف على نوعٍ بفعل نوع آخر، ولا يثبت للجنس حكم النوع.

(و) لو حلف: (لا يهبه، فأسقط عنه دَينًا، أو أعطاه مِن نَذرِه أو كفَّارته، أو صدقته الواجبة) كالزكاة (أو ضيَّفه ضيافةً واجبة، أو أعاره، أو أوصى له، لم يحنث) لأن ذلك ليس بهِبَةِ (فإن تصدَّق عليه تطوُّعًا) حَنِث؛ لأنه من أنواع الهبة (أو أهدى له، أو أعْمَره) حَنِث؛ لأنهما من الهبة (أو وقف عليه) حَنِث؛ لأنه تبرَّع له بعين في الحياة، فهو في العُرف هِبة (أو باعه وحاباه، حَنِث) لأنه ترك له بعض المبيع بغير عوض، أو وهبه بعض الثمن.

(وإن حلف: لا يتصدَّق، فأطعم عياله، لم يحنث) لأن

(1)

تقدم تخريجه (1/ 311) تعليق رقم (5).

ص: 433

النفقة

(1)

عليهم ليست صدقة عرفًا، وإن أُطلق عليها في الخبر

(2)

صدقة، فباعتبار ترتيب

(3)

الأجر.

فصل

(و) الاسم (اللُّغوي) وهو الحقيقة اللغوية، أي: اللفظ المستعمل في وضع أول (ما لم يَغلِب مجازُه. فإن حلف: لا يأكل اللحمَ، فأكل الشحمَ، أو المُخَّ الذي في العظام، أو) أكل (الكبد، أو الطِّحال، أو القلب، أو الكَرِش، أو المُصْران، أو الأَلْيَة، أو الدماغ، وهو: المُخّ الذي في قِحْف الرأس، أو القانصة، أو الكُلية، أو الكوارع، أو لحم الرأس، أو لحم خَدِّ الرأس، أو اللِّسَان ونحوه، أو مَرَق اللحم، لم يحنث) لأنه لا يُسمَّى لحمًا، وينفرد عنه باسمه وصفته.

ولو أمر وكيله بشراء لحم، فاشترى شيئًا من هذه، لم يكن ممتثلًا، ولا ينفذ الشراء.

وهو من الحيوان كالعظم (إلا أن يكون) الحالف (أراد اجتناب الدَّسَم) وكذا إذا اقتضاه السبب، فيحنث بها؛ لما فيها من الدسم.

(ويحنث) الحالف: لا يأكل لحمًا (بأكل لحم، ولو كان محرَّمًا، كـ) ـلحم (خنزير وميتة، ومغصوب. و) يحنث (بلحم سمك، ولحم قَدِيدٍ، ولحم طير، و) لحم (صيد) لدخول ذلك كله في مُسمَّى اللحم.

(1)

في "ذ": "نفقته".

(2)

كقوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول

الحديث، وقد تقدم تخريجه (5/ 55، 13/ 158) تعليق رقم (1، 4).

(3)

في "ح" و"ذ": "ترتب"، وهو الأقرب.

ص: 434

(و) لو حلف: (لا يأكل شحمًا، فأكل شحم الجوف من الكُلى أو غيره، أو) أكل (من شحم الظهر، أو) من (سمينه ونحوه، أو) من (السَّنام أو الألْيَة، حَنِثَ) لأن كل ما يذوب بالنار مما في الحيوان يُسَمَّى شحمًا، وقد سمى الله تعالى ما على الظهر من ذلك شحمًا بقوله:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيهِمْ شُحُومَهُمَا إلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَو الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}

(1)

فاستثناه من الشحم، ولولا دخوله في مفهوم الشحم، لم يصح استثناؤه.

و (لا) يحنث من حلف: لا يأكل شحمًا (باللحم الأحمر) لأنه لا يظهر فيه شيء من الشحم. وقال الخِرقي: يحنث؛ لأن اللحم لا يخلو من شحم.

(و) لو حلف: (لا يأكل لبنًا، فأكل من لَبَنِ) بهيمة (الأنعام) أي: الإبل أو البقر أو الغنم (أو) من لَبَنِ (الصيد، أو لبن آدمية -حليبًا كان أو رائبًا، أو مائعًا، أو مجمدًا- حَنِث) لأن الجميع لبن (وإن أكل زُبْدًا) أو سمنًا (أو كَشْكًا -وهو: الذي يُعمل من القمح واللبن- أو) أكل (مَصْلًا) قال في "القاموس"

(2)

: "المَصْل والمَصَالة: ما سال من الأقِط، إذا طُبخ ثم عُصر"(أو) أكل (أقِطًا أو جُبْنًا، لم يحنث) لأنه لا يُسمَّى لبنًا (إن لم يظهر فيه طعمه) أي: اللبن، فيحنث إذًا.

(و) لو حلف: (لا يأكل زُبْدًا، فأكل سمنًا أو لبنًا لم يظهر فيه) طعم (الزُّبد، لم يحنث) لأنه لا يُسمَّى زُبْدًا (وإن كان) طعم الزُّبْد (ظاهرًا فيه)

(1)

سورة الأنعام، الآية:146.

(2)

القاموس المحيط ص / 1366، مادة (مصل).

ص: 435

أي: في السمن و

(1)

اللبن (حَنِث) لأن ظهوره كوجوده.

(وإن أكل) من حلف: "لا يأكل زُبْدًا"(جُبْنًا وسائر ما يُصْنع من اللبن من كَشْك، أو مَصْل، أو أَقِط ونحوه، لم يحنث) لأنه لا يُسمَّى زُبْدًا (و: لا يأكل سمنًا، فأكل زُبْدًا، أو ما يصنع من اللبن) كالجبن ونحوه (سوى السمن، لم يحنث) لأنه ليس بسمن.

(وإن أكل) الحالف: "لا يأكل سمنًا"(السمنَ منفردًا، أو) أكله (في عَصيدة أو حلوى، أو طبيخ من خَبِيص ونحوه، يظهر طعمه) أي: السمن (فيه، حَنِث) لأن ظهوره كوجوده.

(وكذلك إذا حلف: لا يأكل لبنًا، فأكل طبيخًا فيه لبن) يظهر طعمه فيه، حنث (أو) حلف: (لا يأكل خلًّا، فأكل طبيخًا فيه خَلّ يظهر طعمه فيه، حَنِثَ.

و) لو حلف: (لا يأكل فاكهة، حَنِث بعنب، ورُطَب، ورمان، وسَفَرْجل، وتُفَّاح، وكُمّثْرى، وخَوْخ

(2)

، وأُتْرُج، ونَبق، وموز، وجُمَّيز، وبِطيخ) بكسر الباء؛ لأنه يَنْضَج ويحلو، أشبه ثمر الشجر (وكل ثمر شجر غير برِّي -ولو يابسًا- كصنوبر، وعُنَّاب، وجوز، ولوز، وبندق، وتمر، وتوت، وزبيب، ومشمِش) بكسر ميميه (وتين، وإجَّاص

(3)

) بكسر الهمزة وتشديد الجيم؛ قاله في "الحاشية"(ونحوها) لأن ذلك يُسمَّى فاكهة عُرفًا وشرعًا، وقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ

(1)

في "ح" و"ذ": "أو".

(2)

هو المعروف بـ (الدراقن) عند الشاميين. اللسان (13/ 155) مادة (دراقن).

(3)

هو ما يعرف عند المصريين -ومنهم الشارح- بـ: البُرقوق. القاموس المحيط ص / 1120، 789، مادة (برق، إجّاص).

ص: 436

وَرُمَّانٌ}

(1)

العطف؛ لتشريفهما وتخصيصهما، كقوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ

} الآية

(2)

.

و (لا) يحنث مَن حلف: لا يأكل فاكهة، بأكل (قِثَّاء، وخيار، وخَضِر

(3)

، وزيتون) لأنه لا يُتفكَّه به، وإنما

(4)

المقصود زيته (وبَلُّوط، وبُطم) بضم الباء: الحبة الخضراء -وقال الخليل

(5)

: شَجَر الحبة الخضراء، الواحدة بُطْمة؛ قاله في "الحاشية" - (وزُعرور) بضم الزاي (أحمر) من ثمر البادية يشبه النَّبْق في خَلْقه، وفي طعمه حموضة؛ قاله في "الحاشية" (وثمر قَيقب

(6)

) بقاف مفتوحة ثم ياء مثناة تحت، ثم قاف ثم موحَّدة تحت (وعَفْص

(7)

، وآس، وخوخ الدب، وسائر ثمر كل شجر بريٍّ لا يُستطاب، ولا قرع، وباذنجان، وجزر، ولِفْت، وفُجْل، وقُلْقاس

(8)

وسوطل ونحوه) لأن كل ذلك لا يُسمَّى فاكهة، ولا هو في معناها.

(وإن حلف: لا يأكل رُطبًا أو بُسْرًا، فأكل مذنِّبًا) بكسر النون

(1)

سورة الرَّحْمَن، الآية:68.

(2)

سورة البقرة، الآية:98.

(3)

هي البقلة. القاموس المحيط ص / 493، مادة (خضر).

(4)

في "ذ": "بل".

(5)

العين (7/ 443) مادة (بطم).

(6)

القيقب: خشب تتخذ منه السروج. القاموس المحيط ص / 162، مادة (قيقب).

(7)

العفص: شجرة من البلوط، تحمل سنة بلوطًا وسنة عفصًا. القاموس المحيط ص / 804، مادة (عفص).

(8)

القلقاس: شجر ينبت على المياه، وله ورق كبير أملس يشبه ورق الموز، ويؤكل مطبوخًا. المعتمد في الأدوية المفردة ص / 493، والقاموس المحيط ص / 731، مادة (قلقاس).

ص: 437

المشددة: الذي بدأ فيه الإرطاب من قِبَلِ ذنبه (أو) أكل (مُنصِّفًا) أي: ما نصفه رُطب ونصفه بُسر (حَنِث) لأنه قد أكل الرُّطب أو البُسر (كما لو أكل نصفَ رُطَبة ونصف بُسْرة منفردتين. فإن كان الحَلْفِ على الرُّطب، فأكل القَدْرَ الذي أرْطَب من المنصَّف) حَنِث (أو كان) الحَلْفِ (على البُسْرِ، فأكل البُسْرَ الذي في المنصَّف، حَنِث) لفعله المحلوف عليه، كما لو أكله من منفردٍ.

(وإن أكل البُسْر مَنْ يَمِينُهُ على الرُّطب، أو أكل (الرُّطب مَنْ يمينه على البُسْر، لم يحنثا) لأنهما لم يفعلا ما حلفا على تركه؛ لأن كلًّا من البُسر والرُّطب مغاير للآخر.

(وإن حلف واحدٌ: ليأكلنَّ رُطَبًا، و) حلف (آخر: ليأكلنَّ بُسْرًا، فأكل الحالف على أكل الرُّطب ما في المُنصف من الرُّطب، وأكل الآخر باقيها، برَّا جميعًا) لفعلهما ما حلفا عليه، كما لو أكلا من غير المُنصف.

(و) لو حلف: (ليأكلن رُطبة أو بُسْرة، أو لا يأكل ذلك) أي: رُطبة أو بُسرة (فأكل مُنصفًا، لم يَبَرَّ ولم يحنث؛ لأنه ليس فيه) أي: المُنصف (رُطبة ولا بُسرة.

و (لو حلف: (لا يأكل رطبًا، فأكل تمرًا أو بَلَحًا أو بُسْرًا، أو) حلف: (لا يأكل تمرًا، فأكل بُسْرًا أو بَلَحًا، أو رُطبًا أو دِبْسًا، أو ناطِفًا، لم يحنث) لعدم فعل

(1)

ما حلف على تركه.

والبُسْر: هو البلح إذا أخذ في الطول والتلوُّن إلى الحُمْرة أو الصُّفْرة، فأوله طَلْع، ثم خَلال، ثم بلح، ثم بُسر، ثم رُطب، ثم تمر. الواحدة: بُسْرة، والجمع: بُسُرات وبُسُر؛ قاله في "الحاشية".

(1)

في "ح" و"ذ": "فعله".

ص: 438

(و) إن حلف: (لا يأكل عِنبًا، فأكل زبيبًا، أو دِبْسًا، أو خلًّا أو ناطفًا، أو لا يكلم شابًّا، فكلم شيخًا، أو لا يشتري جَدْيًا، فاشترى تيسًا، أو لا يضرب عبدًا، فضرب عتيقًا، لم يحنث) لأنه لم يفعل ما حلف لا يفعله، بل غيره.

(و) لو حلف: (لا يأكل من هذه البقرة، لم يعمَّ ولدًا ولبنًا) لأن ذلك لا يتبادر إِلى الذِّهن منها.

(و) لو حلف: (لا يأكل من هذا الدقيق، فاسْتَفَّه أو خبزه فأكله، حَنِث) لأنه أكله. قال الرُّمَّانيّ

(1)

: حقيقة الأكل بلع الطعام بعد مضغه، فبلع الحصى ليس بأكل حقيقة؛ ذكره في "حاشيته".

(وحقيقة الغَداء والقيلولة قبل الزَّوال، و) حقيقة (العَشاء بعده، وآخره) أي: العَشاء (نصف الليل) وما بعده إلى آخر الليل يُسَمَّى: سحورًا (فلو حلف: لا يتغذَّى، فأكل بعده) أي: بعد الزوال، لم يحنث؛ لأنه ليس بغداء بل عَشاء (أو) حلف:(لا يتعشَّى، فأكل بعد نصف الليل) لم يحنث؛ لأنه سحور لا عشاء (أو) حلف: (لا يتسحر، فأكل قبله) أي: قبل نصف الليل (لم يحنث) لأنه عشاء لا سحور.

(والغداء والعشاء أن يأكل أكثرَ من نصف شِبَعِهِ) فلا يحنث مَنْ حلف: لا يتغذَّى أو يتعشَّى، بالنصف فأقل.

(و) لو حلف: (لا ينام، حَنِث بأدنى نوم) وكذا يحنث مَنْ حلف: لا يسافر، بالسفر القصير.

(1)

هو أبو الحسن، علي بن عيسى الرُّمَاني، نَحوي، صنف في التفسير واللغة، والنحو، له نحو مائة مصنف، مما طُبع منها؛ النكت في إعجاز القرآن، وبعض شرح كتاب سيببويه، وكتاب معاني الحروف. تُوفي سنة (384) هـ رحمه الله تعالى. سير أعلام النبلاء (16/ 533 - 534).

ص: 439

(و) مَنْ حلف: (لا يأكل أُدْمًا، حَنِث بأكل ما جرت العادة بأكل الخبز به، مِن مُصطَبَغ به) أي: ما يُغمس فيه الخبز (كالطبيخ، والمَرَق، والخلّ، والزيت، والسمن، والشَّيْرج، واللبن، والدِّبس، والعسل، أو جامد: كالشواء، والجُبْن، والباقِلاء، والزيتون، والبيض، والملح، والتَّمر، والزبيب، ونحوه) من كل ما جرت العادة بأكل الخبز به؛ لأن ذلك هو التأدُّم، قال تعالى:{وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ}

(1)

وقال صلى الله عليه وسلم: "نِعم الأُدُمُ الخلُّ" رواه مسلم

(2)

. وقال: "ائتَدِموا بالزيت وادَّهِنوا به" رواه ابن ماجه

(3)

، ورجاله ثقات. وقال:"سيد أُدُم أهل الدنيا والآخرة اللحم"

(1)

سورة المؤمنون، الآية:20.

(2)

في الأشربة، حديث 2051 - 2052، عن عائشة وجابر رضي الله عنهما.

(3)

فِي الأطعمة، باب 34، حديث 3319. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الأطعمة، باب 43، حديث 1851، وفي الشمائل ص / 135، حديث 159، وفي العلل الكبير ص / 306، حديث 570، وعبد بن حميد (1/ 47) حديث 13، والبزار (1/ 397) حديث 275، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 284) حديث 4449 - 4450، والحاكم (4/ 122)، والخطيب في الكفاية ص / 417، والضياء في المختارة (1/ 174) حديث 82، كلهم من طرق عن عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه، مرفوعًا.

وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 100) حديث 5939، من طريق أحمد بن منصور الرمادي، عن عبد الرزاق، به، إلا أنه قال: أحسبه، عن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الترمذي في الأطعمة، عقب حديث 1851، وفي الشمائل ص / 135، حديث 160، وعبد الرزاق (10/ 422) حديث 19568، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه -دون ذكر عمر رضي الله عنه مرسلًا.

وقد اختلف العلماء في الحكم على هذا الحديث، فأعلَّه الترمذيُّ في سننه (3/ 285)، وأبو حاتم، كما في العلل لابنه (2/ 15). وقال الترمذي في العلل الكبير: سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال: هو حديث مرسل.

ورجَّح الإرسال -أيضًا- الإمام أحمد كما في مسائل أبي داود ص / 392، رقم =

ص: 440

رواه ابن قتيبة في "غريبه"

(1)

.

= 1877، وابن معين في تاريخه برواية الدوري (1/ 278).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 68 مع الفيض) ورمز لصحته.

وللحديث شاهد عن أبي أسيد رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 6) والترمذي في الأطعمة، باب 43، حديث 1852، والنسائي في الكبرى (4/ 163) حديث 6702، وأحمد (3/ 497) والدارمي في الأطعمة، باب 20، حديث 2058، والعقيلي (3/ 401)، والدولابي في الكنى (1/ 15)، والطبراني في الكبير (19/ 269) حديث 596 - 597، والدارقطني في العلل (7/ 33)، والحاكم (2/ 397)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 99) حديث 5938، والخطيب في الموضح (2/ 193 - 195)، والبغوى في شرح السنة (11/ 311) حديث 2870.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وضعفه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 469)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1598)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه.

وله شاهد آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الأطعمة، باب 34، حديث 3320، والحاكم (2/ 398)، وصحح إسناده، وتعقبه الذهبي بقوله: عبد الله واهٍ. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 184): هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن سعيد المقبري.

(1)

غريب الحديث (1/ 88). وأخرجه -أيضًا- في تأويل مختلف الحديث ص / 244، عن بريدة رضي الله عنه.

وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الأوسط (8/ 232) حديث 7473، وتمام في فوائده (1/ 129) حديث 298، والبيهقي في الشعب (5/ 92، 131) حديث 5904، 6076 - 6077 وابن الجوزي في التحقيق (2/ 378) حديث 2012.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 35): رواه الطبراني، وفي سعيد بن عتبة القطان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (1/ 28) في ترجمة أحمد بن الخليل بن حرب: =

ص: 441

وقال: "سيد إدامكم الملح" رواه ابن ماجه

(1)

بإسناد ضعيف.

= له حديث منكر في فوائد تمام، متنه: سيد الإدام اللحم؛ أخرجه من حديث بريدة.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 118 مع الفيض) ورمز لضعفه.

وقد روي من طرق أخرى كلها ضعيفة؛ فأخرجه ابن ماجه في الأطعمة، باب 27، حديث 3305، ابن أبي الدنيا في إصلاح المال ص / 68 حديث 185، وابن حبان في المجروحين (1/ 332)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 203)، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (2/ 317)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، مرفوعًا. قال ابن الجوزي: لا يصح.

وضعف إسناده العراقي في تخريج الإحياء (2/ 371)، والسخاوي في المقاصد الحسنة ص / 244 - 245.

وأخرجه ابن عدي (7/ 2566)، والبيهقي في الشعب (5/ 92) حديث 5902، عن أنس رضي الله عنه، مرفوعًا.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 468 مع الفيض) ورمز لضعفه.

وأخرجه العقيلي (3/ 258)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 362)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 204)، عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه، مرفوعًا.

قال أبو نعيم: غريب من حديث ربيعة بن كعب وعمر.

وقال ابن الجوزي: لا يصح.

وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص / 245، وقال: أخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن بكر السكسكي وهو ضعيف جدًّا.

وأخرجه أبو نعيم في الطب النبوي (2/ 735) حديث 849، عن علي رضي الله عنه، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 124 مع الفيض) ورمز لضعفه.

(1)

في الأطعمة، باب 32، حديث 3315. وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى (6/ 377) حديث 3714، وابن الأعرابي في معجمه (3/ 1048) حديث 2254، والطبراني في الأوسط (9/ 394) حديث 8849، وابن عدي (5/ 1887)، وتمام في فوائده (2/ 169) حديث 1447، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 102) حديث 5951، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 265) حديث 1327، عن أنس رضي الله عنه.

وفي إسناده عيسى بن أبي عيسى، قال فيه الحافظ في التقريب (5352): متروك.

وقال ابن عدي: أحاديث عيسى بن أبي عيسى لا يتابع عليها متنًا ولا إسنادًا. =

ص: 442

و"وضع صلى الله عليه وسلم تمرةً على كِسْرةٍ وقال: هذا

(1)

إدَامُ هذه" رواه البخاري في "تاريخه"

(2)

.

(والقوت: الخبز، وحبُّه) من بُرٍّ، وشعير، وذرة، ودُخْن، ونحوه (ودقيقه، وسَوِيْقه، والفاكهة اليابسة) كتمر، وزبيب، ومِشْمِش، وتين، وتوت (واللحمُ، واللبنُ ونحوه. لا عنب، وحصرم، وخل، ونحوه) كملح، ورُطب.

= وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 183): هذا إسناد ضعيف لضعف عيسى بن أبي عيسى.

وضعفه السخاوي في المقاصد الحسنة ص / 392، والشوكاني في الفوائد المجموعة ص / 169.

(1)

في "ح" و"ذ": "هذه".

(2)

(8/ 371 - 372). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الأيمان والنذور، باب 10، حديث 3259 - 3260، وفي الأطعمة، باب 42، حديث 3830، والترمذي في الشمائل ص / 94، حديث 184، والحربي في غريب الحديث (3/ 1141 - 1142)، والطبراني في الكبير (22/ 286) حديث 732، والبيهقي (10/ 63)، عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (11/ 571).

وأخرجه أبو يعلى (13/ 481) حديث 7494، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه عبد الله بن سلام، مرفوعًا.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 40): فيه يحيى بن العلاء وهو ضعيف.

وفي الباب عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الصغير (2/ 118) حديث 882.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 40 - 41): فيه محمد بن كثير بن مروان وهو ضعيف.

وعن عائشة رضي الله عنها: أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 273 - 274) حديث 8597.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 41): فيه هارون بن محمد أبو الطيب، وهو كذاب.

ص: 443

(والطعام: ما يؤكل ويُشرب من قوت، وأُدم، وحلو، وجامد، ومائع، وما جرت العادة بأكله من نبات الأرض، لا ماء، ودواء، وورق شجر، ونشارة خشب، وتراب، ونحوها) كفحم؛ لأن أهل العُرف لا يطلقون اسم الطعام على هذا

(1)

.

(والعَيْشُ في العُرف: الخُبز من حنطة وغيرها) وفي اللغة: العيشُ: الحياة.

فصل

(وإن حلف: لا يلبس شيئًا، فلبس ثوبًا، أو دِرعًا، أو جَوْشنًا، أو خُفًّا، أو نعلًا، أو عِمامة، أو قَلَنْسُوة) بفتح القاف وضم السين (حَنِث) لأنه ملبوس حقيقة وعُرفًا، فحَنِث به كالثياب (فإن ترك القَلَنْسُوَة في رِجله، أو أدخل يده في الخُف، أو النعل) أو القَلَنسُوة (لم يحنث) لأنه ليس لُبسًا لذلك عادة.

(و) مَنْ حلف: (لا يلبس حَلْيًا، فلبس حلْية ذهب أو فضة، أو) لبس (خاتمًا، ولو في غير الخِنْصَرِ، أو دراهم أو دنانير في مُرسَلة

(2)

ونحوها، أو) لبس (لؤلؤًا أو جوهرًا في مِخْنَقة

(3)

، أو) لبس ذلك (منفردًا، أو) لبس (مِنطْقة) -وتسميها العامة: حِياصة- (محلَّاة، حَنِث) قال تعالى:

(1)

"ح" و "ذ": "هذه".

(2)

المرسلة: قلادة طويلة تقع على الصدر. القاموس المحيط ص / 1300، مادة (رسل).

(3)

المخنقة: القلادة، سُميت بذلك؛ لأنها تطيف بالعنق، وهو موضع الخنق. المصباح المنير (1/ 183) مادة (خنق).

ص: 444

{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاورَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا}

(1)

وقال: {وَتَسْتَخْرِجُونَ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}

(2)

، وقال ابن عمر:"قال الله تعالى للبحر الشرقي: إني جاعلٌ فيك الحِلْية والصيد والطِّيب"

(3)

.

(1)

سورة الحج، الآية: 23، وسورة فاطر، الآية:33.

(2)

سورة النحل، الآية:14.

(3)

لم نقف على من رواه من قول ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه سعيد بن منصور (2/ 161) رقم 2389، والخطيب في تاريخه (10/ 234 - 235)، وابن العديم في بغية الطلب (1/ 403)، عن خالد بن عبد الله، عن سهيل بن أبي صالح، عن النعمان بن أبي عياش الزرقي، عن عبد الله بن عمرو رضي عنهما، قال:

وكلم الله البحر الشرقي. فقال: يا بحر، إني خلقتك، وأحسنت خلقك، وأكثرت فيك من الماء، وإني حامل فيك عبادًا لي يكبروني، ويحمدوني، ويسبحوني، ويهللوني، فكيف أنت فاعل بهم؟ فقال: إذا أسبحك معهم، وأهلّلك معهم، وأحملهم بين ظهري وبطني، فأثابه ربه الحلية والصيد.

وأخرجه الخطيب -أيضًا- في تاريخه (10/ 234)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 37) رقم 33، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن كعب الأحبار، موقوفًا، وزاد:"والطيب".

وأخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 265) حديث 1669، وابن حبان في المجروحين (2/ 53)، وابن عدي (4/ 1588)، والخطيب في تاريخه (10/ 233)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 37) حديث 33، وابن العديم في بغية الطلب (1/ 403)، من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.

قال البزار: تفرد به عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: عبد الرحمن، وهو منكر الحديث، وقد رواه سهيل عن النعمان بن أبي عياش، عن عبد الله بن عمرو، موقوفًا.

وقال ابن عدي: هذا الحديث لا يرويه عن سهيل غير عبد الرحمن هذا، وهو أفظع حديث أنكر عليه.

وقال الخطيب: رَفْعُهُ غير ثابت. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 281): رواه البزار وِجَادَةً، وفيه =

ص: 445

و (لا) يحنث إن لبس (سَبَجًا

(1)

وعقيقًا وحريرًا -ولو لامرأة- ولا ودَعًا أو خَرَزَ زجاج ونحوه، ولا سيفًا محلّى دون مِنْطقته) لأن ذلك ليس بحلية.

(و) لو حلف: (لا يدخل دارَ فلان، أو لا يركب دابته، أو لا يلبس ثوبه، فدخل أو ركب، أو لبس ما هو ملكٌ له، أو) ما هو (مؤجره أو مستأجره، أو جعله لعبده، حَنِث) لأن الإضافة للاختصاص، وساكن الدار مختصٌّ بها، فإضافتها إليه صحيحة، وهي مستعملة في العُرف، وقال تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}

(2)

، وقال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}

(3)

.

وما جعله السيد لعبده، لم يخرج عن ملك السيد.

و (لا) يحنث مَنْ حلف: لا يدخل دار فلان، أو لا يلبس ثوبه، أو لا يركب دابته بـ (ـما استعاره فلان، أو) استعاره (عبده) أو غَصَبه من دار، أو ثوب أو دابة؛ لأنه لا يملك منافعه، بخلاف المستأجر.

(و) لو حلف: (لا يدخل مسكنَه، حَنِث) الحالف (بـ) ـدخول (مستأجَر) يسكنه (و) دخول (مستعار) يسكنه (و) دخول (مغصوب يسكنه) لأنه مسكنه.

= عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري، وهو متروك.

وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 24) وطبعة الشيخ التركي (1/ 52): الموقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص أشبه، فإنه قد كان وجد يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتبًا من علوم أهل الكتاب، فكان يحدث منها بأشياء كثيرة من الإسرائيليات.

(1)

السبج: الخرز. المصباح المنير (1/ 262) مادة (سبج).

(2)

سورة الطلاق، الآية:1.

(3)

سورة الأحزاب، الآية:33.

ص: 446

و (لا) يحنث (بـ) ـدخوله (ملكه الذي لا يسكنه) سواء كان مالكًا لعينه، أو منافعه، ولم يسكنه؛ لأنه ليس مسكنه.

(وإن قال) في حَلْفِه: لا يدخل (ملكه، لم يحنث بمستَأجَرٍ) له؛ لأنه ليس ملكه، أشبه المستعار له.

(و) من حلف: و (لا يركب

(1)

دابةَ عبد فلانٍ، فركب دابةً جُعلت برسمِه، حَنِث) لأنه مختصٌّ بها حينئذ (كحَلْفِه لا يركب رَحْل هذه الدابة، أو لا يبيعه) أو لا يهبه ونحوه.

(و) مَنْ حلف: (لا يدخل دارًا، فدخل سطحَها، حَنِث) لأنه من الدار وحكمه حكمها، بدليل صحة الاعتكاف في سطح المسجد ومنع الجُنُب منه، فأشبه ما لو دخل الدار نفسها.

و (لا) يحنث مَنْ حلف: لا يدخل دارًا (إن وقف على الحائط، أو في طاق الباب) لأنه لا يُسمَّى داخلًا

(2)

.

وقال القاضي: إذا أقام في موضع لو أغلق الباب وإن كان خارجًا منه، لم يحنث، وجزم به في "الوجيز".

(أو كان في اليمين دلالة لَفظيَّةٌ، أو حاليَّةٌ تقتضي اختصاصَ الإرادة بداخِلها، مثل أن يكون سطح الدار طريقًا، وسبب يمينه يقتضي ترك وُصْلَةِ أهل الدار، لم يحنث بالمرور على سطحها) لأن سبب اليمين مُقَدَّم على عموم اللفظ؛ لما تقدم.

(وإن نوى: باطن الدار، تقيَّدت به يمينه) لأن النية تُخصِّص اللفظَ العام، كما تقدم.

(1)

في "ذ": "يركبنَّ".

(2)

في "ذ": "داخلًا الدار نفسها".

ص: 447

(وإن تعلَّق بغُصْنِ شجرةٍ في الدار من خارجها، لم يحنث) لأنه لم يدخلها (فإن صعد) على الشجرة (حتى صار في مقابلة سطحها بين حيطانها) حَنِثَ؛ لأن الهواء تابع للقرار، كما لو أقام على سطحها (أو كانت الشجرة في غير الدار، فتعلَّق بفرع مادٍّ على الدار في مقابلة سطحها، حَنِثَ) لما تقدم.

(وإن حَلَف: ليخرجن منها، فصعِد سطحها، لم يَبَرَّ) لأن سطحها منها، كما تقدم.

(و) إن حلف: (لا يخرج منها، فصعِده) أي: السطح (لم يحنث) لما تقدم.

فإن كانت نيّة أو سبب، عمل بها.

(و) لو حلف: (لا يضع قدمه في الدار، أو لا يطؤها، أو لا يدخلها. فدخلها راكبًا أو ماشيًا، أو حافيًا أو منتعلًا، حَنِث).

و (لا) يحنث (بدخول مقبرة؛ لأنه العُرف) أي: لأن دخول الدار ووضع قدمه فيها هو دخولها كيف كان عُرفًا، والمقبرة لا تُسمَّى دارًا عُرفًا، وإن أطلق عليها ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:"أهْلَ الديارِ من المؤمنين"

(1)

.

قال بعض العلماء: الدار في اللغة تقع على الرَّبْع المسكون وعلى الخراب غير المأهول.

(وإن حلف: لا يُكلِّم إنسانًا، حَنِث بكلام كل إنسان ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وعاقل ومجنون) لأنه نكرة في سياق النفي، فتعمُّ، فقد فَعَل المحلوف عليه.

(و: لا يُكلِّم زيدًا ولا يُسلِّم عليه، فإن زَجَره، فقال) له: (تنحَّ، أو

(1)

تقدم تخريجه (4/ 246) تعليق رقم (1 - 4).

ص: 448

اسكت، حَنِث) لأن ذلك كلام، فيدخل فيما حلف على عدمه.

قال في "المبدع": وقياس المذهب: لا (إلا أن يكون) الحالف (نوى كلامًا غير هذا) فلا يحنث به.

(وإن صَلَّى) الحالف (بالمحلوف عليه إمامًا، ثم سَلَّم) الحالف (من الصلاة، لم يحنث) لأن السلام قول مشروع في الصلاة، فلم يحنث به، كالتكبيرات.

(وإن أُرْتِج عليه) أي: على المحلوف عليه (في الصلاة، ففتح عليه الحالف، لم يحنث) لأنه كلام الله، وليس بكلام الآدميين.

(ولو كاتبه) الحالف (أو أرسل إليه رسولًا، حَنِثَ) لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}

(1)

وقول عائشة: "ما بين دَفَّتي المصحف كلامُ الله"

(2)

؛ ولأن ذلك وُضِعَ لإفهام الآدميين، أشبه الخطاب.

قال في "الشرح" و"المبدع": والصحيح أن هذا ليس بتكليم، لكن لو

(3)

نوى ترك مواصلته، أو سبب يمينه يقتضي هجرانه، فإنه يحنث (إلا أن يكون) الحالف (أراد ألا يُشافهه) فلا يحنث بالمكاتبة ولا بالمراسلة.

وإن أرسل مَن يسأل أهلَ العِلْم عن مسألة، لم يحنث بسؤال الرسول للمحلوف عليه، كما تقدم في الطلاق

(4)

؛ لأنه لم يُراسِله.

(وإن أشار إليه، حَنِثَ؛ قاله القاضي) لأن الإشارة في معنى

(1)

سورة الشورى، الآية:51.

(2)

لم نقف على من أخرجه مسندًا عنها رضي الله عنها، وأورده النووي في المجموع (3/ 292) من قول محمد بن الحسن.

(3)

في "ح" و"ذ": "إن".

(4)

(12/ 340).

ص: 449

المُكاتبة والمراسلة في الإفهام. وقال أبو الخطاب: لا يحنث؛ لأنه ليس بكلام، قال الله تعالى لمريم عليها السلام: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا

} إلى قوله: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ}

(1)

، وأما قوله تعالى:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}

(2)

فهو استثناء منقطع، وقول أبي الخطاب هو مقتضى ما تقدَّم

(3)

في الطلاق أنه لا يحنث بها.

(وإن ناداه) الحالف (بحيث) إن المحلوف عليه (يسمع، فلم يسمع؛ لتشاغله أو غفلته) حَنِثَ؛ لأنه كلمه.

(أو سَلَّمَ) الحالف (عليه) أي: على مَنْ حلف: لا يكلمه (حَنِثَ) لأن السلام كلام تبطل به الصلاة، فحَنِثَ به كغيره، وفي "الرعاية": إن سَلَّم عليه ولم يعرفه، فوجهان.

(وإن سَلَّم على قوم هو فيهم ولم يعلم) به (فكَنَاسٍ) فيحنث في طلاق وعتق فقط.

(وإن عَلِم به ولم ينوِه) أي: الحالف بالسلام (ولم يستثنه) الحالف (بقلبه ولا بلسانه، كأن يقول: السلام عليكم إلا فلان، حَنِث) لأنه كلمه؛ لدخوله في المسلَّم عليهم. والسلام كلام؛ لما سبق. و"فلان" مرسوم في النسخ بلا ألف، فيخرَّج على لغة ربيعة؛ لأنه منصوب لا غير.

(و) إن حلف: (لا يبتدئه بكلام، فتكلَّما معًا، لم يحنث) لأنه لم يبتدئه (بخلاف: لا كلّمته حتى يُكَلِّمني، أو يبدأني بالكلام، فيحنث بكلامهما معًا) لأنّ يمينه هذه تقتضي ترتيب كلامه على كلام فلان، فإذا

(1)

سورة مريم، الآيات: 26 - 29.

(2)

سورة آل عمران، الآية:41.

(3)

(12/ 219).

ص: 450

تكلَّما معًا، لم يوجد الترتيب، فيحنث.

(و) لو حلف: (لا يكلِّمُه حينًا، فالحين: ستة أشهر إذا أطلق، ولم ينوِ) الحالف (شيئًا) لأن الحين المطلق في كلام الله تعالى أقلُّه ستةُ أشهرٍ، فَيُحمل مطلق كلام الآدمي عليه. قال عكرمة، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، في قوله تعالى:{تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}

(1)

أي: ستة أشهر

(2)

. وأما قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ

} الآية

(3)

وقوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ}

(4)

فصرفه عن ذلك صارف.

(وكذا الزمان معرَّفًا) أي: فهو ستة أشهر؛ قَدَّمه في "المبدع" وغيره ولم يعلله.

(وإن قال: زمنًا، أو: دهرًا، أو: بعيدًا، أو: مَليًّا، أو: طويلًا، أو: وقتًا، أو: عُمرًا، أو: حقبًا، فأقل زمان) لأن ما زاد عليه مشكوك في إرادته من اللفظ، والأصل عدمه.

(وإن قال: الأبد، و: الدهر، و: العمر، معرَّفًا، فذلك) أي: كل واحد منهما (على الزمان كله) لأن الألف واللام فيها للاستغراق.

(والحُقب: ثمانون سنة) روي عن علي

(5)

وابن

(1)

سورة إبراهيم، الآية:25.

(2)

قول عكرمة: أخرجه الطبري في التفسير (16/ 577 - 579) رقم 20716 - 20718، 20720 - 20725، وابن أبي حاتم في التفسير (7/ 2243) رقم 12258.

وقول سعيد بن جبير: أخرجه الطبري في التفسير (16/ 579) رقم 20722.

وقول أبي عبيدة -وهو معمر بن المثنى- في مجاز القرآن له (1/ 340).

(3)

سورة الروم، الآية:17.

(4)

سورة المؤمنون، الآية:54.

(5)

أخرجه عبد الرزاق في التفسير (2/ 342)، والطبري في التفسير (30/ 11).

ص: 451

عباس

(1)

في تفسير ذلك. وقاله في "الصحاح"

(2)

.

(والشهور ثلاثة، كالأشهر والأيام) لأن أقل الجمع ثلاثة على المتعارف.

(وإن قال): لا أ كلمه ونحوه (إلى الحول، فحولٌ كاملٌ) من حين اليمين (لا تتمته) إن حلف في أثناء حول. قال في "الفروع": أومأ إليه أحمد

(3)

؛ ذكره في "الانتصار".

(وإن حلف: لا يتكلَّم ثلاثة أيام، أو ثلاث ليال، دخل في ذلك الأيام التي بين الليالي، والليالي التي بين الأيام).

قال في "المبدع": وإن عيَّن أيامًا، تبعتها الليالي.

(و) مَنْ حلف: (لا يدخل بابَ هذه الدار، أو قال: لا دخلتُ من باب هذه الدار، فحُوِّل) الباب (ودخله، حَنِثَ) لأنه فَعَل ما حلف على تركه (و) كذا (لو) جُعل لها باب آخر (مع بقاء الباب الأول) ودخله، حَنِثَ؛ لأنه بابها.

(وإن قُلع الباب ونُصب في دار أخرى وبقي الممر، حَنِثَ بدخوله الممرَّ فقط) أي: لا إن دخل من الموضع الذي نُصب فيه الباب للدار الأخرى؛ لأن المُراد بالباب موضعه؛ لأنه مكان الدخول، لا ذات الخشب.

(و: لا يدخل هذه الدار من بابها، فدخلها من غيره، لم يحنث) قال في "الشرح": ويتخرَّج: أن يحنث إذا أراد بيمينه اجتنابَ الدار، ولم يكن

(1)

أخرجه الطبري في التفسير (30/ 11).

(2)

للجوهري (1/ 114) مادة (حقب).

(3)

انظر: الفروع (6/ 380).

ص: 452

للباب سبب هيَّج اليمين.

(و: لا يكلمه إلى حين الحصاد أو الجُذاذ، انتهت يمينه بأوله) لأن "إلى" لانتهاء الغاية، فينتهي عند أولها؛ لقوله تعالى:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ}

(1)

.

(و‌

‌إن حلف: لا مال له، وله مالٌ -ولو غيرَ زكَويّ

- من الأثمان، والعقار

(2)

والأثاث والحيوان ونحوه، أو له دينٌ على مليء، أو غيره، أو) له (ضائع لم ييأس من عوده، أو) له (مغصوب أو مجحود) من دَين، أو وديعة ونحوها (حَنِثَ) لأنه مال، فوجب أن يحنث في يمينه؛ للمخالفة، والدينُ مالٌ ينعقد عليه الحول، ويصحُّ تصرُّفه فيه بالإبراء والحوالة، أشبه المودع؛ ولأن المال ما تناوله

(3)

الناس عادةً لطلب الربح، مأخوذ من الميل من يد إلى يد وجانب إلى جانب؛ قاله في "الواضح".

(فإن أيس من عوده) أي: الضائع (كالذي سقط في البحر) لأن الظاهر عدمه (أو كان متزوجًا) لأن الزوجة ليست بمال، ولو كانت أَمَة، فليس مالكًا لها، بل لمنفعة البضع، والمعقود عليه الحل على ما تقدم (أو) كان (مستأجِرًا عمارًا، أو غيرَه) كحيوان وأثاث؛ لأنه لا يملكه، وإنما يملك منافعه، ولا تُسمَّى مالًا عُرفًا (أو وجب له حق شُفعة، لم يحنث) بحَلْفِه: لا مال له؛ لأن حق الشَّفعة ليس بمال، ولذلك لا يصح الاعتياض عنه كما تقدم.

(و) من حلف: (لا يفعل شيئًا، فوكَّل من يفعله، ففعله) الوكيل

(1)

سورة البقرة، الآية:187.

(2)

في "ذ": "والعقارات".

(3)

في "ذ": "تتموله".

ص: 453

(حَنِثَ) الحالف (إلا أن ينوي) المباشرة بنفسه؛ لأن فعل وكيله كفعله، نصَّ عليه

(1)

؛ ولأن الفعل يُضاف إلى الموكِّل فيه والآمرِ به، كما لو حلف لا يحلق رأسه، فأمر من حلقه، فلو حلف: لا يكلم عبدًا اشتراه زيد، فكلَّم عبدًا اشتراه وكيله، أو: لا يضرب عبده، فضربه

(2)

بأمره، حَنِثَ.

(ولو توكَّل الحالف فيما حلف ألا يفعله، وكان) المحلوف عليه (عقدًا أضافه إلى الموكّل) بأن قال: بعتُ عن موكلي أو اشتريت له (أو أطلق) فلم يضفه إلى الموكّل (لم يحنث) الحالف؛ لأنّ حقوق العقد متعلّقة بالموكِّل، كما تقدم، لكن تقدم في النكاح

(3)

: لا يصح إذا لم يضفه لموكِّله.

فصل

(والعُرفي ما اشتهر مجازُه حتى غلب على حقيقته) أي: اللغوية (بحيث لا يعلمها أكثرُ الناس) لأنه إذا لم يشتهر يكون مجازًا لغةً. سُمِّيَ عُرفيًّا؛ لاستعمال أهل العُرفِ له في غير المعنى اللغوي. وذلك أن اللفظ قد يكون حقيقة لغوية في معنى، ثم يغلب على معنىً آخرَ عُرفي (كالرَّاوية، وهي في العُرف اسم للمَزادة) بفتح الميم، والقياس كَسْرُها، وهي شطر الرَّاوية، والجمع مزايد؛ قاله في "الحاشية"(وفي الحقيقة اسم لما يُستقى عليه من الحيوانات) قاله في "الشرح" في موضع، وفي "الشرح" في موضع آخر و"المبدع" و"شرح المنتهى" وغيرها: للجمل

(1)

انظر: الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (28/ 105).

(2)

في "ح" و"ذ": "فَضُرِب".

(3)

انظر (11/ 286).

ص: 454

الذي يستقى عليه.

(والظَّعينة في العُرف المرأة، وفي الحقيقة اسمٌ للناقة التي يُظعَن) أي: يرتحل (عليها، والدابة في العُرْف اسم لذوات الأربع من الخيل والبغال والحمير، وفي الحقيقة اسم لما دبَّ ودَرَج، والعَذِرة والغائط في العُرْف الفضلة المستقذرة، وفي الحقيقة: العَذِرة: فِناء الدار) ومنه قول علي: "ما لكم لا تُنَظِّفونَ عَذِراتكم"

(1)

يريد أفنيتَكم (والغائط المُطمئن من الأرض، فهذا) المذكور (وأمثاله تنصرف يمين الحالف إلى مجازه) لأنه يعلم أن الحالف لا يريد غيره، فصار كالمُصرّح به (دون حقيقته) لأنها صارت مهجورة، ولا يعرفها أكثر الناس.

(فإن حلف على وطء امرأة، تعلَّقت يمينهُ بجماعِها) لأنه الذي ينصرف إليه اللفظ في العُرف.

(و) إن حلف: (لا يَشَمُّ الريحانَ، فشَمَّ الوردَ والبنفسجَ والياسمين ولو يابسًا حَنِثَ) لأنه يتناوله اسمُ الريحان حقيقة. وقال القاضي: تختصُّ يمينه بالريحان الفارسي؛ لأنه المُسمَّى عُرفًا، وقدَّمه في "المقنع" وجزم به في "الوجيز".

(و: لا يَشَمُّ الوردَ والبنفسجَ، فشمَّ دهنهما أو) شَمَّ (ماءَ الورد، حَنِثَ) لأن الشَّمَّ إنما هو للرائحة دون الذات، ورائحةُ الورد والبنفسج موجودة في دهنهما، ورائحة الورد موجودة في ماء الورد.

(و) من حلف: (لا يَشَمُّ طيبًا، فَشَمَّ نبتًا ريحه طَيِّب) كمَرْزَجوش

(1)

أورده أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 449 - 450)، والزمخشري في الفائق (2/ 402)، والموفق في المغني (13/ 603)، وابن منظور في اللسان (4/ 554) مادة (عذر)، ولم نقف على من رواه مسندًا.

ص: 455

ونحوه مما تقدم

(1)

في الطيب في الإحرام (حَنِثَ) لأنه يتناوله اسم الطيب و (لا) يحنث إن شَمَّ (فاكهة) لأنها ليست من الطيب.

(و: لا يأكل رأسًا، حَنِثَ بأكل رأسِ حيوان من الإبل) والبقر والغنم (والصيود، وبأكل رؤوس طير، و) رؤوس (سمك وجَرَاد) لعموم الاسم فيه حقيقةً وعُرفًا.

(و: لا يأكل بيضًا، حَنِثَ بأكل كلِّ بيض يُزايلُ) أي: يُفارق (بائضَه، كَثُرَ وجُودُه كبيض الدجاج، أو قلَّ كبيض النَّعام؛ لأنه العُرف، ولا يحنث بأكل بيض السمك والجراد) عند أبي الخطاب، ونقله في "الشرح" عن أكثر العلماء، وقاله القاضي في موضع من "خلافه"، واختاره الموفَّق والشارح، وعند القاضي: يحنث، وقدَّمه في "الرعاية"، وجزم به في "الوجيز"؛ لعموم الاسم فيه حقيقة وعُرفًا، وصحَّحه في "تصحيح الفروع"، وقال في "الإنصاف": وهو المذهب، وقَطَع به في "التنقيح" و"المنتهى".

(ولو حلف: لا يشرب ماءً، فشرب ماءً ملحًا أو ماءً نجسًا) حَنِثَ لأنه ماء.

(أو: لا يأكل خبزًا، فأكل خبز الأرُز، أو الذُّرَةِ أو غيرهما) كخبز الدُّخْن (في مكان يُعتاد أكلُه فيه أو لا، حَنِثَ) لتناول الاسم له.

(و)

‌ لو حلف: (لا يدخل بيتًا،

فدخل مسجدًا، أو الكعبة، أو بيت رحىً أو) دخل (حمَّامًا أو بيت شَعر أو) بيت (أَدَم) أي: جلد (أو) دخل (خيمة، حَنِثَ، حضريًّا كان الحالف أو بدويًّا) لأنها بيوت حقيقة؛ لقوله

(1)

(6/ 138 - 139).

ص: 456

تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}

(1)

؛ وقولِه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ

} الآية

(2)

؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: "بئس البيتُ الحمَّام" رواه أبو داود وغيره، وفيه ضعف

(3)

.

وإذا كان في الحقيقة بيتًا وفي عُرف الشارع، حَنِثَ بدخوله.

وأما بيت الشَّعر والأدم، فلأن اسم البيت يقع عليه؛ لقوله تعالى:

(1)

سورة النور، الآية:36.

(2)

سورة آل عمران، الآية:96.

(3)

لم نقف عليه في مظانه من سنن أبي داود. وأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 21)، حديث 1092، وابن عدي (7/ 2679)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 156) حديث 7768، من طريق يحيى بن عثمان، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال ابن عدي: يحيى بن عثمان ليس بالكثير الحديث، ومقدار ما يرويه غير محفوظ. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 278): فيه يحيى بن عثمان، ضعَّفه البخاري والنسائي، ووثقه أبو حاتم وابن حبان، ويقية رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه البزار "كشف الأستار"(1/ 161) حديث 319، والطبراني في الكبير (11/ 23) حديث 10932، والحاكم (4/ 288)، والبيهقي (7/ 709)، وفي شعب الإيمان (6/ 155) حديث 7765، والضياء في المختارة (11/ 68) حديث 61 - 62، بلفظ: "اتقوا بيتًا يقال له الحمام

" قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

قال المنذري في الترغيب (1/ 201): رواه البزار، ورواته كلهم محتج بهم في الصحيح. وكذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 377).

وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 110)، والبيهقي (7/ 309)، وفي شعب الإيمان (6/ 155) حديث 7766 - 7767، من طرق عن ابن طاوس، عن أبيه، مرسلًا. ورجحه البيهقي في شعب الإيمان (6/ 156)، فقال: وكذلك رواه روح بن القاسم، عن ابن طاوس، وجماعة عن سفيان الثوري عن ابن طاوس، مرسلًا، وروي عن الثوري موصولًا، وليس بمحفوظ.

ص: 457

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا. . .} الآية

(1)

والخيمةُ كذلك.

و (لا) يحنث (إن دخل دِهليز الدَّار، أو صُفَّتها) التي تكون وراء الباب؛ لأن ذلك لا يُسمَّى بيتًا.

(و) لو حلف: (لا يركب، فركب سفينة، حَنِثَ) لأنه ركوب؛ لقوله تعالى: {ارْكَبُوا فِيهَا}

(2)

، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ}

(3)

.

(و)

‌ إن حلف: (لا يتكلَّم

فقرأ ولو خارجَ الصلاة، أو سَبَّح) الله (أو ذكر الله؛ لم يحنث) لأن الكلام في العُرف لا يُطلق إلا على كلام الآدميين. وقال زيد بن أرقم: "كُنّا نتكلّمُ في الصلاةِ حتّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}

(4)

فأُمرنا بالسكوت، ونُهينا عن الكلام"

(5)

، وقال تعالى:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}

(6)

، فأمره بالذكر والتسبيح مع قَطْع الكلامِ عنه (وحقيقة الذِّكر ما نَطَق به، فتُحمل يمينه عليه) لأن ما لا ينطق به من حديث النفس.

(قال أبو الوفاء: لو حلف: لا يسمع كلامَ الله، فسمع القرآنَ، حَنِثَ إجماعًا.

(7)

.

وإن استُؤذن عليه فقال: ادخلوها بسلام آمنين، يقصِد القرآن

(1)

سورة النحل، الآية:80.

(2)

سورة هود، الآية:41.

(3)

سورة العنكبوت، الآية:65.

(4)

سورة البقرة، الآية:238.

(5)

أخرجه البخاري في العمل في الصلاة، باب 2، حديث 1200، وفي التفسير، باب 43، حديث 4534، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 539.

(6)

سورة آل عمران، الآية:41.

(7)

انظر: الفروع (6/ 381)، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (28/ 118).

ص: 458

ليُنَبهه، لم يحنث) لأنه مع قصده القرآنَ، مِن القرآن، وليس من كلام الآدميين (وإلا) بأن لم يقصد به القرآنَ (حَنِثَ) لأنه إذًا من كلام الآدميين.

(و)

‌ إن حلف: (ليَضربنَّه مائة سوط،

أو) مائة (عصًا، أو) حلف: (ليضربنه مائة ضربة، أو مائة مرة، فجمعها) أي: المائة (فضربه بها ضربةً واحدة، لم يَبَرَّ

(1)

) لأن هذا هو المفهوم في العُرف؛ ولأن السوط أو العصا في قوله: "مائة سوط أو عصًا" آلة أقيمت مُقام المصدر، وانتصبت انتصابه، فصار معناه: لأضربنه مائةَ ضربة بسوط أو عصًا، فلا يَبَرُّ بما يُخالِف ذلك، وأجاب في "الشرح" عن قصة أيوب

(2)

بأنَّ هذا الحكم لو كان عامًّا لَمَا خُصَّ بالمِنَّة عليه. وعن المريض المجلود بأنه إذا لم يتعدَّ هذا الحكم في الحَدّ الذي وَرَدَ النصّ فيه فلأن لا يتعدَّى إلى اليمين أولى (وَيَبَر بمائة ضَرْبة مؤلِمة) لأنه المتبادر من يمينه.

(وإن قال): ليضربنه (بمائة سوط) فجمعها وضَرَبَه بها مرةً واحدةً (بَرَّ) لأنه ضربه بمائة سوط.

(وإن حلف: لا يضرب امرأته) أو غيرها (فخنقها، أو نتف شعرها، أو عضَّها تأليمًا لا تلذُّذًا، حَنِثَ) لأن المقصود من الضرب التأليم، وهو حاصل بذلك (ولو لم ينو) ألا يؤلمها في (يمينه) هذه.

(وإن حلف: ليضربنَّها، ففعل ذلك) أي: خنقها، أو نَتَفَ شعرها، أو عضَّها تأليمًا (بَرّ) لحصول مقصود الضرب به.

(1)

في "ح": "لم يبرأ".

(2)

المشار إليها في قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44] وفيها حلفه عليه السلام ليضربنَّ امرأته مائة سوط؛ أخرجه عبد الرزاق (8/ 519 - 520) رقم 16132، والطبري في تفسيره (23/ 168 - 169).

ص: 459

(و)

‌ من حلف: (لا يأكل شيئًا، فأكله مستهلكًا في غيره،

مثل: أن) حلف: (لا يأكل لبنًا، فأكل زُبدًا) لا يظهر فيه طعم اللبن (أو) حلف: (لا يأكل سمنًا، فأكل خبيصًا فيه سمن لا يظهر طعمه فيه، أو) حلف: (لا يأكل بيضًا، فأكل ناطفًا، أو لا يأكل شحمًا، فأكل اللحم الأحمر، أو لا يأكل شعيرًا، فأكل حنطة فيها حباتُ شعير، لم يحنث) لأن المستهلَك لا يقع عليه اسم الذي حلف عليه، فلم يحنث بأكل المستهلَك فيه؛ ولأن المستهلَك في الشيء يصير وجوده كعدمه، والظاهر من الحالف على ذلك أنّه حلف لمعنىً في المحلوف عليه (وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه) فيما أكله (حَنِثَ) كما لو أكله منفردًا.

(و: لا يأكل سويقًا، فشربه، أو: لا يشربه) أي: السويق (فأكله، حَنِثَ) لأن الحالف على ترك شيء يقصد به في العُرف اجتناب ذلك الشيء بالكلية، فحملت يمينه على ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهُمْ}

(1)

، فإنه يتناول تحريم شربها.

ولو قال طبيب لمريض: لا تأكلِ العسلَ، كان ناهيًا له عن شربه وبالعكس.

(و) إن حلف: (لا يأكل ولا يشرب، فمَصَّ قَصَب السُّكر، أو) مصَّ (الرُّمان ونحوه، لم يحنث) لأنه في العُرف لا يُسمَّى أكلًا ولا شربًا.

(وكذا) لو حلف: (لا يأكل سُكّرًا، فَتَرَكه في فيه حتى ذاب وابتلعه) لم يحنث؛ لأنه ليس أكلًا حقيقة كما تقدم

(2)

عن الرُّمَّاني.

(و) لو حلف عن شيء: (لا يطعمه، حَنِثَ بأكله وشربه ومصِّه)

(1)

سورة النساء، الآية:2.

(2)

(14/ 439).

ص: 460

لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ}

(1)

؛ ولأن ذلك كله طعم (وإن ذاقه، ولم يبلعه، لم يحنث) لأنه ليس بأكل ولا شرب؛ بدليل أن الصائم لا يفطر به.

(و) إن حلف: (لا يذوقه، حَنِثَ بأكله وشُرْبه؛ لأنه ذوق وزيادة) قال في "الرعاية": وفي من لا ذوق له نظر (وكذلك إن مضغه ورمى به؛ لأنه قد ذاقه.

و: لا يأكل مائعًا، فأكله بالخبز، حَنِثَ) لقوله صلى الله عليه وسلم:"كلوا الزيت"

(2)

؛ ولأنه يُسمَّى أكلًا، ويؤكل في العادة كذلك.

(و: لا يشرب من الكوز، فصبَّ منه في إناء وشرب، لم يحنث) لأنه لم يشرب منه (وعكسُه) لو حلف: لا يشرب من نهر أو بئر (إن اغترف بإناء من النهر أو البئر) وشرب منه حَنِثَ؛ لأن الشُّرب منهما عُرفًا كذلك.

(و) لو حلف: (لا يأكل من هذه الشجرة، حَنِثَ بالثمرة فقط، ولو لَقَط) ـها (من تحتها) وأكلها؛ لأنها من الشجرة، ولا يحنث بأكل الورق ونحوه؛ لأن الثمرة هي المتبادرة إلى الذهن.

(و) لو حلف: (ليأْكُلَنَّ أكلةً -بالفتح) أي: فتح الهمزة- (لم يَبَرَّ حتى يأكل ما يعدُّه الناسُ أكلةً) وهي المرة من الأكل (والأُكْلةُ -بالضم- اللُّقْمَةُ) ومنه حديث: "فلْيناولْهُ في يَدِهِ أُكْلَةَ أو أُكْلَتينِ"

(3)

.

(و) إن حلف: (لا يتزوَّج، ولا يتطهَّر، ولا يتطيَّب، فاستَدامَهُ لم

(1)

سورة البقرة، الآية:249.

(2)

تقدم تخريجه (14/ 440) تعليق رقم (3).

(3)

أخرجه البخاري في العتق، باب 18، حديث 2557، وفي الأطعمة، باب 55، حديث 5460، ومسلم في الأيمان، حديث 1663.

ص: 461

يحنث) لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة، فلا يقال: تزوجت شهرًا، ولا تطهرت شهرًا، ولا تطيبت شهرًا، وإنما يقال: منذ شهر، ولم يُنزل الشارع استدامةً التزويج والطيب منزلةَ ابتدائه في تحريمه في الإحرام.

(و) من حلف: (لا يركب وهو راكب، ولا يلبس وهو لابس، ولا يلبس من غزلها وعليه منه شيء، أو) حلف: (لا يقوم، أو لا يقعد، أو لا يستتر، أو لا يستقبل القبلة

(1)

وهو كذلك، فاستدام ذلك) أي: ما حلف عليه من هذه الأفعال (أو) حلف: (لا يدخل دارًا وهو داخلَها، فأقام فيها، أو) حلف: (لا يضاجِعُها على فراش، وهما متضاجعان، فاستدام، أو ضاجعته، ودام، حَنِثَ) لأن المستديم يُطلق عليه ذلك؛ بدليل أنه يقال: ركب شهرًا، ولبس شهرًا، ونحوه، وقد اعتبر الشارع الاستدامةَ هنا في الإحرام حيث حَرَّم لبس المخيط، فأوجب الكفَّارة باستدامته كما أوجبها في ابتدائه.

(وكذا) لو حلف: (لا يطؤها) فدام (أو) حلف: (لا يمسك) شيئًا فدام (أو: لا يشاركه، فَدَام) على ذلك، فيحنث؛ لما تقدم.

(و) إن حلف: (لا يدخل على فلان بيتًا، فدخل فلان عليه، فأقام) الحالف (معه، حَنِثَ) لأن استدامة المقام كابتدائه في التحريم في ملك الغير، فكذا هنا (ما لم تكن له) أي: الحالف (نيَّة) أو لليمين سببٌ، فيُعملُ بذلك؛ لما تقدم.

(1)

زاد في متن الإقناع (4/ 371): "أو لا يسافر".

ص: 462

فصل

(وإن حلف: لا يسكن دارًا هو ساكنها، أو لا يساكن فلانًا وهو مساكنه، ولم يخرج في الحال بنفسه وأهله ومتاعه المقصود مع إمكانه، حَنِثَ) لأن استدامة السُّكنى سُكنى؛ بدليل أنه يصح أن يُقال: سكن الدار شهرًا (إلا أن يقيم لنقل متاعه) وأهله؛ ذكره في "المغني" وغيره؛ لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال، وإن تردَّد إلى الدار لنقل المتاع أو عيادة مريض، لم يحنث؛ ذكره في "الكافي" ونَصَره في "الشرح"؛ لأن هذا ليس بسُكنى (أو يخشى على نفسه الخروجَ، فيقيم إلى أن يمكنه الخروج) لأنه أقام لدفع الضرر، وإزالتُه عند ذلك مطلوبةٌ شرعًا، فلم تدخل تحت النهي.

ويكون خروجه (بحسب العادة) لا ليلًا (فلو كان ذا متاع كثير، فنقله قليلًا قليلًا على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد، لم يحنث) لأنه المعتاد (وإن أقام) على ذلك (أيامًا) للحاجة (ولا يلزمه جمع دواب البلد لنقله، ولا) يلزمه -أيضًا- (النقل وقتَ الاستراحة عند التعب، ولا أوقاتَ الصلوات) لأنه خلاف المعتاد.

(وإن خرج دون متاعه) المقصود (وأهله) مع إمكان نقلهم (حَنِثَ؛ لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال) ولهذا يقال؛ فلان ساكن في البلد الفلاني، وهو غائبٌ عنه (إلا أن يُودِع مناعه، أو يُعيرَه، أو يزولَ ملكه عنه، أو تأبى امرأتُهُ الخروجَ معه، ولا يمكنه إكراهها، أو كان له عائلة فامتنعوا ولا يمكنه إخراجهم، فيخرج وحدَه، لم يحنث) لأن زوال اليد

ص: 463

والعجز

(1)

لا يتصور معهما حِنْثٌ.

(وإن أُكره على المُقام، لم يحنث) مادام الإكراه، فإذا زال بادر بالخروج على ما تقدم.

(وكذا إن كان) الحَلْف (في جوف الليل في وقت لا يجد منزلًا يتحوَّل إليه، أو يَحُولُ بينه وبين المنزل) الذي يتحوَّل إليه (أبوابٌ مغلقة لا يمكنه فتحها، أو خوفٌ على نفسه، أو أهله، أو ماله، فأقام في طلب النُّقلة، أو) أقام في (انتظار زوال المانع، أو خرج طالبًا للنقلة، فتعذَّرت عليه؛ لكونه لم يجد مسكنًا يتحوَّل إليه لتعذُّر الكِراء أو غيره، أو لم يجد بهائم ينقل عليها ولم يمكنه النُّقلة بدونها) أي: البهائم (فأقام ناويًا للنُّقلة متى قدَر عليها، لم يحنث، وإن أقام أيامًا وليالي) لأن إقامته عن غير اختيار منه؛ لعدم تمكنه من النقلة كالمقيم للإكراه، وعُلِم منه أنه إن أمكنته النُّقلة بحمالين بلا بهائم، وأقام، حَنِثَ، وأنه إن أقام غير ناوٍ للنُّقلة متى قدَر عليها، حَنِثَ، وصَرَّح به في "الكافي" و"الشرح".

(قال الشيخ

(2)

: والزيارة ليست سُكنى اتفاقًا) فلو تردَّد للدار التي حلف لا يسكنها زائرًا، لم يحنث (ولو طالت مُدَّتها، والسفر القصير سفر) يَبرّ به مَن حلف: ليسافرنَّ؛ وحَنِثَ

(3)

به مَن حلف: لا يسافر، إلا أن تكون نية، أو سبب يمين. نقل الأثرم

(4)

: أقلُّ من يوم يكون سفرًا؛ إلا أنه لا تُقصر فيه الصلاة.

(1)

"لأن زوال اليد والعجز" كذا في الأصل، وفي "ذ":"لأن زوال ملكه وإباءة امرأته الخروج".

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 475.

(3)

في "ح" و"ذ": "ويحنث".

(4)

انظر: الفروع (6/ 387).

ص: 464

(وإن حلف: لا ساكَنَه، فانتقل أحدُهما، لم يحنث) لانقطاع المساكنة (وإن بنَيَا بينهما حاجزًا وهما على حالهما في المساكنة، حَنِثَ؛ لأنهما بتشاغلهما ببناء الحاجز قد تساكنا قبل وجوده بينهما.

وإن كان في الدار حُجرتان، كلُّ حُجرة تختصُّ ببابها ومرافِقها، فسكن كلُّ واحد) منهما (حُجرة، لم يحنث) حيث لا نية ولا سبب، كما في "الرعاية" و"الفروع"؛ لأن كل واحد سكن في حجرته، فلا يكون مساكنًا لغيره، وكذا لو سكنا في دارين متجاورتين. والحجرة: البيتُ وكلُّ بناءٍ مَحوط عليه، والجمع حُجَر وحُجُرات، كغُرَف وغُرُفات.

(وإن كانا في حُجرة دار واحدة حالة اليمين، فخرج أحدُهما منها وقسماها حُجْرَتين، وفتحا لكلِّ واحد منهما) أي: البيتين (بابًا وبينهما حاجز، ثم سكن كل واحدٍ منهما في حُجرة، لم يحنث) لأنهما غير متساكنين.

(وإن سكنا في دار واحدة، كلُّ واحد في بيت ذي باب وغَلَقٍ، رُجع إلى نيته بيمينه) أي: الحالف: لا يساكن (أو إلى سببها) أي: اليمين (وما دلَّت عليه قرائن أحوالِه في المحلوف على المساكنة فيه) لأن النية وسبب اليمين يُقَدَّمان على مقتضى اللفظ، كما تقدم

(1)

.

(فإن عُدِم ذلك) أي: النية وسببُ اليمين وما هيَّجها (حَنِثَ) لأنه يُعَدُّ مساكنًا له.

"تتمة": قال في "الفنون" في من قال: أنتِ طالقٌ ثلاثًا إن دخلت عليَّ البيت، ولا كنتِ لي زوجة إن لم تكتبي لي نصف مالك، فكتبت له بعد ستة عشر يومًا: يقع الثلاث؛ لأنه يقع باستدامة المقام، فكذا استدامة

(1)

(14/ 417 - 419).

ص: 465

الزوجية، واقتصر عليه في "المبدع".

(و‌

‌إن حلف: لا ساكنتُ فلانًا في هذه الدار، وهما غير متساكنين)

قلت: أو خرج أحدهما، كما يُعلم مما مَرَّ (فَبَنَيَا بينهما حائطًا، وفتح كلُّ واحد منهما بابًا لنفسه، وسَكَنَاها) بعد ذلك (لم يحنث) لأنه لا يُعَدُّ مساكِنًا له.

(و) إن حلف: (ليخرجنَّ من هذه البلدة، فخرج وحدَه دون أهله، بَرَّ) لأن حقيقة الخروج لم يعارضها معارِض، فوجب حصول البرِّ؛ لحصول الحقيقة.

(و) إن حلف: (ليخرجنّ) من هذه الدار (أو: ليرحلنَّ من هذه الدار، فخرج دون أهله، لم يَبَرَّ) لأن الدار يخرج منها صاحبها كلَّ يوم عادة، فظاهر حاله إرادة خروج غير المعتاد، بخلاف البلد (كحَلْفه لا يسكنها) أي: الدار (أو: لا يأويها، أو: لا ينزل فيها) فلا يَبَرّ إلا إذا خرج بأهله ومتاعه المقصود على ما سبق تفصيله.

(و) إن حلف: (ليخرجنَّ) من البلد (أو: ليرحلنَّ من البلد، أو: ليرحلنَّ عن هذه الدار، ففعل، فله العَود) إليها (إن لم يكن له نيَّة ولا سَبَبٌ) لأن يمينه على الخروج، وقد وُجِدَ، فانحلَّت يمينُهُ، وصار بمنزلة من لم يحلف، وكقوله: إن خرجتَ فلك درهم، استحقَّ بخروجٍ أول؛ ذكره القاضي وغيره.

(وإن حلف: لا يبيت ببلدٍ، فبات خارج بنيانه، صَحَّ) يعني: برَّ.

وكذا لو حلف: لا يأكل فيها، قال أحمد

(1)

في من حلف: لا يدخل هذه القرية، فأوى إلى ناحية منها مما هو في حَدّها، حَنِثَ؛ لأن

(1)

انظر: الفروع (6/ 387)، والمبدع (9/ 313).

ص: 466

الناحية والحَدّ من جملة القرية؛ ذكره القاضي؛ قاله في "المبدع".

فصل

(وإن حلف: لا يدخل دارًا؛ فحُمِل بغير إذنه فأُدخِلَها، وأمكنه الامتناعُ، فلم يمتنع، حَنِثَ) لأنه ليس بمُكْرَه، وقد وُجِدَ منه الدُّخول (وإن لم يمكنه) - أي: المحمول بغير إذنه - الامتناع من الدخول (وهو المكره، أو أُكره) على الدخول (بضَرْبٍ ونحوه) كأخْذِ مالٍ يَضرُّه، أو تهديدٍ بقتل أو نحوه (فدخل، لم يحنث) لحديث: "عُفي لأمتي عن الخطأ والنِّسيانِ وما استُكرِهوا عَليهِ"

(1)

.

(ويحنَث بالاستدامة بعدَ) زوال (الإكراه) لأن استدامة الدُّخول بمنزلة ابتدائه؛ لما تقدَّم

(2)

، أشبه ما لو دخل مختارًا. ومتى دخل باختياره حَنِثَ، سواءٌ كان ماشيًا أو راكبًا، أو محمولًا، أو ألقى نفسه في ماء فجَرَّه إليها، أو سَبَح فيه فدخلها، وسواء دخل من بابها، أو تَسَوَّر حائطها، أو دخل من طاقة فيها، أو نقب حائطها ودخل من ظهرها، أو غير ذلك.

(وإن حلف: لا يستخدِمُه، فخَدَمَه وهو ساكتٌ، حَنِثَ) لأنه قصد اجتناب خدمته، ولم يحصل (ولو كان الخادم عبدَه) فإنه يحنث إذا خدمه، وهو ساكت كعبد غيره.

(و) إن حلف: (ليشربنَّ هذا الماءَ غدًا) فتلف قبلَه (أو) حلف: (ليضربنَّ غلامه غدًا، فتلِف المحلوف عليه، ولو بغير اختياره) أي:

(1)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

(2)

(14/ 463).

ص: 467

الحالف (قبل الغد، أو) تلف (فيه) أي: في الغد (ولو قبلَ التمكُّنِ من فعله) حَنِثَ، كما لو حلف: ليحُجَّنَّ العام، فلم يقدر على الحَجِّ لمرضٍ، أو ذهاب نفقة؛ لأن الامتناع لمعنىً في المحلِّ، أشبه ما لو ترك ضَرْبه لصغرٍ به

(1)

، أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق.

(أو) حلف: ليشربنَّ هذا الماء، أو: ليضربنَّ غلامه، و (أطلق ولم يقيِّده بوقت، فتلِف قبل فعله، حَنِثَ حال تلفه) لليأس من فِعْلِ المحلوف عليه.

(وإن مات الحالفُ قبل الغَدِ، أو جُنَّ، فلم يُفِق إلا بعد خروج الغَد، لم يحنث) لأن الحنث إنما يحصُل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد، والحالف قد خرج عن أن يكون من أهل التكليف قبل ذلك، فلا يمكن حِنثه، بخلاف موت المحلوفِ عليه.

(وإن ضَرَبه قبله) أي: قبل الغد، لم يَبَرَّ؛ كما لو حلف: ليصومنَّ يوم الجمعة، فصام يومَ الخميس.

(أو) ضَرَبه (فيه ضَرْبًا لا يؤلمه) لم يَبَرَّ؛ لأنه لا يحصُل به مقصودُ الضرب.

(أو) ضرب في الغد (بعد موت الغلام) لم يَبَرَّ؛ لعدم الإحساس (أو أفاق الحالف من جنونه في الغد، ولو جزءًا يسيرًا، أو مات فيه) أي: في الغد، حَنِثَ؛ لوجود جزء هو فيه مكلَّف، فتصح نسبة الحِنْثِ إليه فيه (أو هرب الغلامُ، أو مَرِضَ هو) أي: الغلام (أو الحالفُ فلم يقدِرْ على ضَرْبه) في الغد (حَنِثَ) أي: الحالف؛ لفوات المحلوف عليه في وقته، كما لو لم يضربه لصغره.

(1)

"لصغرٍ به" كذا في الأصل، وفي "ذ":"لصعوبةٍ".

ص: 468

(وإن جُنَّ الغلام، وضَرَبَه فيه) أي: في الغد (بَرَّ) لأنه يتألَّم بالضرب.

(وإن ضَرَبه في الغد، أو خَنقَه، أو نَتَفَ شعره، أو عصر ساقه بحيث يؤلمه، بَرَّ) لأنه يحصُل به مقصودُ الضرب، فهو في معناه، ولذلك يحنث به لو حلف: لا يضرب، وتقدم

(1)

.

(وإن حلف: ليضربن هذا الغلام اليوم، أو: ليأكلن هذا الرغيف اليوم، فمات الغلام أو تلِف الرغيف، أو مات الحالف) قَبْلَ فِعْلِ ما حلف عليه (حَنِثَ) الحالف في آخر حياة الميت منهما، ومند تلف الرغيف؛ لفوات المحلوف عليه (و: لا يكفُلُ بمالٍ؛ فكَفَلَ ببدنٍ، وشَرَط البراءة) إن عَجَز عن إحضاره (لم يحنَث) لأنه لم يكْفُل مالًا. وعُلم منه: أنه إن لم يشترط البراءة حَنِثَ؛ لأنه يضمن ما عليه إذا عَجَزَ عن إحضاره.

(وإن حلف مَن عليه الحقُّ: ليقضينَّه) أي: ربَّ الحق (حقَّه، فأبرأه) ربُّ الحق (أو أخذ عنه عوضًا، لم يحنث) لأن الغرض من القضاء حصولُ البراءة من الحق. وقد وُجِدَ.

(وإن مات المستحِقُّ) للحقِّ (فقضى) الحالفُ (ورثتَه، لم يحنَث) لأن قضاء ورثته يقوم مقامَ قضائه في إبراء ذِمَّته، فكذا في يمينه.

(و) إن حلف: (ليقضينَّه حقَّه غدًا، فأبرأه اليوم أو) أبرأه (قبلَ مُضيّه، أو مات ربُّه، فقضاه) الحالف (لورثته، لم يحنث) لما سبق.

(و) إن حلف: (ليقضينَّه حقَّه عند رأسِ الهلال، أو مع رأسه، أو إلى رأسه، أو إلى استهلاله، أو عند رأس الشهر، أو مع رأسه، فقضاه عند غروب الشمس من آخر الشهر، بَرَّ) لأن ذلك هو الوقتُ المحلوف

(1)

(14/ 459).

ص: 469

عليه؛ لأن غروب الشمس هو آخره (وإلا) أي: وإن لم يقضه عند الغروب بل بعده (فلا) بِرَّ، قال في "المبدع": ويحنث إذا تأخَّر بعد الغروب مع إمكانه.

(ولو شرع) الحالف (في عَدِّهِ، أو كَيْلِه، أو وَزْنِه، أو ذَرْعه، فتأخَّر القضاءُ) لكثرته (لم يحنث، كما لو حلف: ليأكلنَّ هذا الطعام في هذا الوقت، فشرع في أكله فيه، وتأخَّر الفراغُ لكَثْرته) وفي "الترغيب": لا تُعتبر المقارنة

(1)

، فيكفي حال الغروب.

(و) إن حلف المطلوب: (لا أخذتَ حقَّكَ مِنّي، فأُكْرِه) الحالف (على دَفْعِه) لغريمه فأخذه، حَنِثَ (أو أخذه) أي: الحق (حاكمٌ، فَدَفَعه إلى غَرِيمه، فأخَذَه) الغريمُ (حَنِثَ) الحالف؛ لأن غريمه أخذه باختياره، فقد وجد المحلوف لا يفعله اختيارًا (كـ) ـما لو حلف مَن عليه الحق على ربّه:(لا تأخذ حقَّكَ عَليَّ) فأُكْرِه الحالف على الدفع له، أو أخذه حاكمٌ، فدفعه إلى غريمه، حَنِثَ الحالف؛ لما سبق.

و (لا) يحنث الحالفُ (إن أُكرِه قابضه) على قَبْضِه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وما استُكرهوا عليهِ"

(2)

(ولا إن وَضَعه الحالفُ بين يديه) أي: الغريم (أو في حَجْرِه، فلم يأخُذْه) الغريم، فلا حِنْث على الحالف؛ لأن ذلك ليس بأخذ (لأنه لا يُضمَنُ بمِثْل هذا مالٌ ولا صيدٌ) في إحرام أو حرم.

(ويحنث) الحالف (لو كانت يمينه: لا أُعطيكَه؛ لأنه يُعَدُّ إعطاء؛ إذ هو) أي: الإعطاء (تمكينٌ وتسليمٌ بحَقٍّ، فهو كتسليم ثمنٍ ومُثمَّنٍ وأُجرة وزكاة) فإن أخذه حاكمٌ وأعطاه للغريم، لم يحنث الحالف: لا

(1)

زاد في "ذ": "لكثرته".

(2)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1).

ص: 470

يعطي؛ لأنه ليس بإعطاء.

(و)

‌ إن حلف: (لا فارقتك

(1)

حتى أستوفيَ حقِّي منكَ،

ففارقه) الحالف (مختارًا، أبرأه من الحَقِّ أو بقي عليه أو أذن الحالف) للمحلوف عليه (في المفارقة أو فارقه من غير إذن) الحالف (أو هرب) المحلوف عليه (على وجه يمكنه ملازمته والمشيُ معه) حَنِثَ؛ لأنه فارقه باختياره (أو أحاله الغريم بحقِّه) ففارقه، حَنِثَ؛ لأنه لم يستوف حقَّه، وإن ظنَّ أنه بَرَّ فوجهان.

(أو فلَّسه حاكمٌ، وحَكَمَ عليه بفِراقه) ففارقه (أو) لم يحكم عليه لكن (فارقه، لعلمه بوجوب مفارقته) حَنِثَ؛ لأنه فارقه قبل أن يستوفي منه حقّه (لا إن هَرَب

(2)

) المدين (منه) أي: الحالف (بغير اختياره) فلا يحنث، كما لو فارقه مُكرَهًا (أو قضاه عن حَقّه عرضًا

(3)

، ثم فارقه) لأنه قضاه حقه (كـ) ـما لو حلف:(لا فارقتُك حتى تبرأ من حقِّي، أو): لا فارقتُك (ولي قِبَلك حقّ) وأعطاه عنه عرضًا، ثم فارقه؛ فلا حِنْثَ؛ وجهًا واحدًا؛ ذكره في "الشرح" و"المبدع" في الثانية.

(وإن قضاه) المدين (قَدْرَ حقِّه، ففارقه ظنًّا أنه قد وفَّاه، فخرج رديئًا، أو مستحَقًّا، فكَنَاسٍ) لأنه في معناه، فيحنث في طلاق وعَتاق، لا في يمين بالله ونذر (وفِعْلُ وكيلٍ كهو) أي: كفعل موكِّل (فلو وكَّل) الحالفُ: لا فارقتك حتى أستوفيَ حقي منك (في استيفاء حقِّه، ففارقه) الموكَّل (قبل استيفاء الوكيل، حَنِثَ) لأنه فارقه قبل أن يستوفي حقه.

(1)

في "ذ": "لا أفارقك".

(2)

في "ذ": "إلا أن يهرب".

(3)

في متن الإقناع (4/ 376): "عوضًا".

ص: 471

(وإن فارقه) الحالف (مكرهًا، بحمله أو غيره

(1)

) كإلجاء بسبيل ونحوه، أو تهديد بضرب ونحوه (لم يحنث) للخبر

(2)

. والمعنى (و)

‌ إن حلف: (لا فارقتني) حتى أستوفيَ حقّي منك

ونحوه (ففارقه الغريم، أو الحالف طوعًا، حَنِثَ) لأن معنى اليمين: لا حصل منا فرقة، وقد حصلت.

و (لا) يحنث إن فارقه (كُرهًا) سواء كان المُكْرَه الحالف أو الغريم؛ لما سبق (و) لو حلف: (لا افترقنا) حتى أستوفيَ حقِّي (فهرب) الغريم (حَنِث) الحالف؛ لوجود الفُرقة، و (لا) يحنث (إذا

(3)

أكرها) قلت: أو أحدهما؛ لما تقدم.

(و) من عليه دين، فحلف لِرَبِّه:(لا فارقتُك حتى أوفيك حقّك، فأبرأه الغريم منه، فكَمُكْرَه) فلا يحنث الحالف؛ لأن فوات البِرّ منه لا فعلَ له فيه.

(وإن كان الحق عينًا) من وديعة وعارية ونحوهما، وحلف: لا يفارقه حتى يوفيَها له (فوهبها له الغريم) أي: مالكها (فقبِلها) الحالف (حَنِثَ) لأن البر فاته باختياره؛ لتوقفه على القَبول، بخلاف الدَّين.

(وإن قبضها) أي: ربُّها (منه) أي: الحالف (ثم وَهَبها إيّاه، لم يحنث) لأنه قد وفَّاه حقّه، والهبةُ المتجددة بعد ذلك لا تنافيه.

(وإن كانت يمينه: لا أفارقك ولك في قِبَلي حق، لم يحنث إذا أبرأه) ربُّ الدين منه (أو وهب) ربُّ العين (العينَ له، أو أحاله) المدِين بدينه.

(1)

في "ذ": "مكرهًا بمخوف".

(2)

هو قوله صلى الله عليه وسلم: "رُفع من أمتي الخطأ. . ." تقدم تخريجه (2/ 155) تعليق رقم (1).

(3)

في "ذ": "إن".

ص: 472

قلت: وكذا لو أحال عليه ربُّ الدين، وكذا لو كان الحالف ربَّ الدين أو العين؛ لأنه لم يفارقه، وله قِبَله حق.

(و‌

‌قَدْر الفرقة ما عده الناس فِراقًا،

كفُرْقَةٍ) تُبْطِلُ خيارَ المجلس في (البيع) لأن الشرع رتَّب على ذلك أحكامًا، ولم يبين مقدارًا، فوجب الرجوع فيه إلى العادة، كالقبض والحِرز.

(وما نواه) الحالف (بيمينه مما يحتمله لفظه، فهو على ما نواه) وكذا ما اقتضاه سبب اليمين كما تقدم (وتقدم

(1)

ما لَه تعلُّق بهذا الباب في) كتاب (الطلاق) فالحكم هنا وهناك واحد، ما عدا ما ينبه عليه.

(1)

(12/ 371).

ص: 473

‌باب النذر

مصدر نذرت أَنذُر، بضم الذَّال وكسرها، فأنا ناذر، أي: أوجب على نفسه شيئًا لم يكن واجبًا.

والأصل فيه الإجماع

(1)

. وسنده قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}

(2)

؛ وقوله: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}

(3)

؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري من حديث عائشة

(4)

.

ويتعين الوفاء بنذر التبرُّر.

(وهو) أي: النذر بالمعنى المصدري (مكروهٌ؛ ولو عبادة) لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه، وقال:"إنه لا يأتي بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل" متفق عليه

(5)

. والنهي عنه للكراهة؛ لأنه لو كان حرامًا، لَمَا مَدَحَ الموفين به؛ لأن ذمّهم بارتكاب المُحَرَّم أشد من طاعتهم في وفائه، ولو كان مستحبًّا لفعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه (لا يأتي) أي: النذر (بخير) للخبر (ولا يَرُدُّ

(1)

الإجماع لابن المنذر ص/ 138 - 139.

(2)

سورة الإنسان، الآية:7.

(3)

سورة الحج، الآية:29.

(4)

في الأيمان والنذور، باب 28، 31، حديث 6696، 6700.

(5)

البخاري في القدر، باب 6، حديث 6608، وفي الأيمان والنذور، باب 26، حديث 6692 - 6693، ومسلم في القدر، حديث 1639، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه البخاري - أيضًا - في القدر، باب 6، حديث 6609، وفي الأيمان والنذور، باب 26، حديث 6694، ومسلم في النذر، حديث 1640، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بألفاظ مختلفة.

ص: 474

قَضاءً) ولا يملك به شيئًا مُحْدَثًا؛ قاله ابن حامد.

(وهو) أي:‌

‌ النذر (إلزامُ مُكلَّفٍ مختارٍ نفسَه لله تعالى بالقول شيئًا

غير لازم بأصْلِ الشَّرع، بـ) ـقوله:(عليَّ لله، أو: نذرت لله، ونحوه) كـ: لله عليَّ كذا، أو نحوه مما يؤدّي معناه، فلا ينعقد من غير مُكلَّف، كالإقرار، ولا من المُكْرَه، ولا بغير قول، إلا من أخرس بإشارة مفهومة كيمينه. وفي نذر الواجب خلافٌ يأتي في كلامه (فلا تُعتبر له صيغة خاصَّة) بحيث لا ينعقد إلا بها، بل ينعقد بكل ما أدَّى معناه، كالبيع.

(ويصحُّ) النذر (من كافرٍ) ولو (بعبادة) لحديث عمر: "إني كنتُ نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك"

(1)

.

(فإن نواه) أي: النذر (الناذرُ من غير قول، لم يصح كاليمين) لأنه التزام، فلم ينعقد بغير القول، كالنكاح والطلاق؛ قاله في "المبدع". ومقتضى تشبيهه بالطلاق صحته بالكتابة، ومقتضى تشبيهه بالنكاح عدم انعقاده بها، لكن النكاح أضيق؛ لأنه لا يصح إلا بلفظ مخصوص، بخلاف النذر.

(وينعقد) النذر (في واجب، كـ: لله عليَّ صومُ رمضان، ونحوه) قال في "المبدع": إنه ينعقد موجبًا لكفَّارة يمينٍ إن تركه، كما لو حلف: لا يفعله، ففعله، فإن النذر كاليمين. انتهى. وقال في "الاختيارات"

(2)

: ما وجب بالشرع إذا نذره العبد، أو عاهد الله عليه، أو بايع عليه الرسول، أو الإمام، أو تحالف عليه جماعة، فإن هذه العقود والمواثيق تقتضي له وجوبًا ثانيًا غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول، فيكون واجبًا من

(1)

تقدم تخريجه (5/ 358) تعليق رقم (4).

(2)

ص/ 475.

ص: 475

وجهين، ويكون تركه موجبًا لترك الواجب بالشرع والواجب بالنذر. هذا هو التحقيق. وهو رواية عن أحمد

(1)

، وقاله طائفة من العلماء (فيُكفِّرُ إن لم يَصُمْه، كحَلْفِه عليه) أي: كحَلْفِه: ليصومنَّ رمضان، فيُكفِّر إن لم يصُمْه.

(وعند الأكثر: لا) ينعقد النذر في واجب؛ لأن النذر التزام، ولا يصح التزام ما هو لازم (كـ: لله عليّ صوم أمس، ونحوه من المحال) لأنه لا يُتصور انعقاده ولا الوفاء به، أشبه اليمين على المستحيل. قال الموفق: والصحيح من المذهب أن النذر كاليمين، وموجبه موجبها، إلا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فِعْلُه، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لأخت عُقبة، لمّا نذرت المشيَ ولم تُطِقْه، فقال:"لتكفِّر عن يمينها؛ ولْتَرْكب"

(2)

وفي

(1)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 475.

(2)

روي هذا الحديث عن ابن عباس، وعقبة بن عامر، وأنس رضي الله عنهم من وجوه مختلفة.

فأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، باب 23، حديث 3295، وأحمد (1/ 310، 315)، وأبو يعلى (4/ 331) حديث 2443، وابن خزيمة (4/ 348) حديث 3047، والطحاوي (3/ 130)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 396) حديث 2147، وابن حبان "الإحسان"(10/ 229) حديث 4384، والحاكم (4/ 302)، من طريق شريك، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت - يعني أن تحج ماشية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، فلتحج راكبة، ولتكفر عن يمينها" هذا لفظ أبي داود.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وسكت عنه الذهبي. وقال البيهقي: تفرد به شريك. وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (5/ 138): سكت عنه أبو داود، والمنذري، ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الأيمان والنذور، باب 23، حديث 3296، وأحمد =

ص: 476

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (1/ 239، 253، 311)، والدارمي في النذور، باب 2، حديث 2340، وابن الجارود (3/ 210) حديث 936، وأبو يعلى (5/ 122) حديث 2737، وابن خزيمة (4/ 347) حديث 3045، والطحاوي (3/ 131)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 398) حديث 2151، والبيهقي (10/ 79)، كلهم من طريق همام والطبراني في الكبير (11/ 245) حديث 11828 - 11829، من طريق همام وهشام الدستوائي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وأخرجه إبراهيم بن طهمان في مشيخته ص/ 80، حديث 29، ومن طريقه أبو داود، حديث 3303، والبيهقي (10/ 79)، عن مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية، وأنها لا تطيق ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب، ولتهد بدنة. وفي بعض الروايات:"وتهدي هديًا".

قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 177 - 178): رواه أبو داود، وإسناده صحيح. وقال ابن التركماني: على شرط الصحيح.

وأخرجه أبو داود - أيضًا - حديث 3297، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5/ 399) حديث 2153، والبيهقي (10/ 79) من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن عكرمة، وعبد بن حميد (1/ 507) حديث 578، والحاكم (4/ 302) من طريق أبي سعد البقال، والطبراني في الكبير (11/ 270) حديث 11949 من طريق خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعًا بنحوه. دون ذكر "ولتهد بدنة"، أو "وتهدي هديًا".

وأخرجه أبو داود - أيضًا - حديث 3299، والبيهقي (10/ 79 - 80)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، مرسلًا. دون ذكر "البدنة، أو الهدي". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ونقل البيهقي في سننه عن البخاري أنه قال: لا يصح فيه الهدي. وقال في معرفة السنن والآثار (14/ 206): هذا هو الصحيح في هذه القصة بهذا اللفظ ليس فيها ذكر الهدي.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الأيمان والنذور، باب 23، حديث 3304، من طريق سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن عقبه بن عامر رضي الله عنه، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت، فقال: إن الله لا يصنع بمشي أختك إلى البيت شيئًا. =

ص: 477

رواية: "ولتصم ثلاثة أيام"

(1)

قال أحمد: أذهب

= وأخرجه أحمد (4/ 201) من طريق مطرف، والطحاوي (3/ 131)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 398) حديث 2152 من طريق مطر الوراق، عن عكرمة، عن عقبة بن عامر، قال: نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لغني عن مشيها، لتركب، ولتهد بدنة.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (10/ 175) حديث 9376، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة، عن عقبة بن عامر، بلفظ:"مرها، فلتركب"، دون ذكر "ولتهد بدنة".

وإسناد أحمد على شرط الشيخين. انظر: إرواء الغليل (8/ 220).

وحديث عقبة هذا: أخرجه البخاري في جزاء الصيد، باب 27، حديث 1866، ومسلم في النذر، حديث 1644، بلفظ: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال:"لتمش ولتركب".

وأخرجه الترمذي في النذور، باب 9، حديث 1536، عن أنس رضي الله عنه، قال: نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إن الله لغني عن مشيها، مروها فلتركب.

وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

(1)

أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، باب 23، حديث 3293 - 3294، والترمذي في النذور، باب 16، حديث 1544، والنسائي في الكبرى (3/ 136) حديث 4757، وابن ماجه في الكفارات، باب 20، حديث 2134، وأحمد (4/ 145، 149 - 150)، والدارمي في النذور، باب 2، حديث 2339، وأبو يعلى (3/ 191) حديث 1753، والطحاوي (3/ 130)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 397) حديث 2149، والطبراني في الكبير (17/ 323) حديث 893، والبيهقي (10/ 80)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 208) حديث 19684، كلهم من طريق عبيد الله بن زحر، عن أبي سعيد الرعيني، عن عبد الله بن مالك، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال:"مروها، فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام".

قال الترمذي: هذا حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول أحمد، وإسحاق. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 377): في إسناده عبيد الله بن زحر، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة. =

ص: 478

إليه

(1)

. وعن عقبة بن عامر مرفوعًا: "كَفارَةُ النذْرِ كَفارَةُ اليَمينِ" رواه مسلم

(2)

؛ ولأنه قد ثبت أن حكمَه حكمُ اليمين في أحد أقسامه، وهو نذر اللَّجَاج، فكذلك في سائره، سوى ما استثناه الشرع.

قلت: فعلى هذا: يلزمه أن يُكَفِّر في الحال، كما لو حلف: ليصعدنَّ السماء.

(والنذر المنعقد أقسامٌ) ستة:

(أحدها): النذر (المُطلَق، كـ: عَلَيّ نَذْر، أو: لله عليَّ نَذْر) سواءٌ (أطلق، أو قال: إن فعلت كذا) وفعله (ولم ينوِ) بنَذْرِه (شيئًا) معينًا (فيلزمه كفَّارة يمين) لحديث عقبة بن عامر مرفوعًا: "كفَّارة النذر إذا لم يُسَمَّ كفَّارة يمين" رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب

(3)

. وروى أبو داود وابن ماجه معناه من حديث ابن عباس

(4)

.

= وتابعه حيي بن عبد الله المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. وحيي بن عبد الله، قال فيه الحافظ في التقريب (1615): صدوق يهم.

وتابعه بكر بن سوادة: أخرجه أحمد (4/ 147)، عن ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي سعيد جعثل القتباني، عن أبي تميم الجيشاني، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، مرفوعًا، بلفظ: تحج راكبة مختمرة، ولتصم. وفي هذا الإسناد ابن لهيعة.

وحديث عقبة بن عامر هذا: أخرجه الشيخان بلفظ: "لتمش، ولتركب" كما تقدم في التعليق السابق. ولذا قال الألباني في إرواء الغليل (8/ 221): ذكر الصيام في الحديث لم يأت من طريق تقوم به الحجة.

(1)

مسائل ابن هانئ (2/ 76) رقم 1501. وانظر: مسائل الكوسج (5/ 2340) رقم 1638.

(2)

في النذر، حديث 1645.

(3)

تقدم تخريجه (14/ 409) تعليق رقم (3).

(4)

أبو داود في الأيمان والنذور، باب 30، حديث 3322، وابن ماجه في الكفارات، باب 17. حديث 2128. وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (4/ 158)، والبيهقي =

ص: 479

وقاله ابن مسعود

(1)

وجابر

(2)

وعائشة

(3)

، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم.

(الثاني: نَذْر اللَّجَاج والغضب، وهو تعليقه) يعني النذر (بشرط يقصد) الناذر (المنعَ منه) أي: المعلَّق عليه (أو الحملَ) أي: الحثّ (عليه، أو التصديقَ عليه) إذا كان خبرًا (كقوله: إن كلَّمتُك، أو: إن لم أضربك، فعليَّ الحجّ، أو صوم سنة، أو عتق عبدي، أو مالي صدقة، أو: إن لم أكن صادقًا، فعليَّ صوم كذا، فَيُخَيَّر بين فعله، وكفَّارة يمين إذا وجد الشرط) لما روى عمران بن حصين قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نَذْرَ في غضبٍ، وكَفارَته كفارة يمين" رواه

= (10/ 45)، بلفظ: من نذر نذرًا لم يسمه، فكفارته كفارة يمين.

قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/ 201) حديث 19665: لم يثبت رفعه.

وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 1/ 7) عن ابن عباس رضي الله عنهما، موقوفًا، ورجحه أبو حاتم، وأبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 441). وقال الحافظ في الفتح (11/ 587): هو أشبه.

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (4/ 1/ 7) عن ابن مغفل، عن عبد الله رضي الله عنه قال:"من جعل لله عليه نذرًا لم يسم، فعليه نسمة".

وأخرجه الطبراني في الكبير (9/ 244) رقم 9197، بنحوه.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 186): رجاله رجال الصحيح إلا أن طلحة والحكم لم يسمعا من ابن مسعود.

(2)

لم نقف على من رواه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وأخرج عبد الرزاق (8/ 440) رقم 15833، عن جابر بن زيد رحمه الله في رجل جعل على نذرًا، قال: إن كان نوى، فهو ما نوى، وإن كان سمى فهو ما سمى، وإن لم يكن نوى ولا سمى، فإن شاء صام يومًا، وإن شاء أطعم مسكينًا، وإن شاء صلى ركعتين.

(3)

أخرج مالك في الموطأ (2/ 481)، وابن أبي شيبة (4/ 1/ 29)، والبيهقي (10/ 65، 67)، عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن رجل قال: مالي في رتاج الكعبة؟ فقالت عائشة: يكفره ما يكفر اليمين.

ص: 480

سعيد

(1)

؛ ولأنها يمين، فيتخير فيها بين الأمرين، كاليمين بالله.

(ولا يضر قوله) أي: الناذر: (على مذهب من يلزم بذلك، أو: لا

(1)

لم نقف عليه في مظانه من سنن سعيد بن منصور المطبوعة. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الأيمان، باب 41، حديث 3851 - 3853، 3855 - 3856، والطيالسي ص/ 113، حديث 839، وأحمد (4/ 433، 439 - 440)، والطحاوي (3/ 129 - 130)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 406 - 408) حديث 2160 - 2164، والطبراني في الكبير (18/ 200) حديث 485 - 486، وابن عدي (6/ 2210) والبيهقي (10/ 70)، والخطيب في تاريخه (13/ 56).

وأخرجه النسائي - أيضًا - في الأيمان، باب 41، حديث 3849 - 3850، 3854، 3857، والبزار (9/ 42) حديث 3561، والطبراني في الكبير (18/ 201) حديث 487 - 490، وابن عدي (6/ 2209)، والحاكم (4/ 305)، والبيهقي (10/ 56، 70)، بلفظ: لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين.

وفي رواية النسائي، حديث 3856، وأحمد (4/ 443)، والطبراني (18/ 164) حديث 363 - 364، والبيهقي (10/ 70): لا نذر في معصية، ولا غضب، وكفارته كفارة يمين.

وقد اتفق الأئمة على تضعيف هذا الحديث، فقال النسائي: محمد بن الزبير ضعيف لا يقوم بمثله حجة، وقد اختلف عليه في هذا الحديث.

وقال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمران إلا من حديث محمد بن الزبير، وقد اختلف عن محمد بن الزبير، ومحمد بن الزبير إنما ضعف حديثه بهذا الحديث عبيد الله بن عبد المجيد. وقال الطحاوي: إسناده فاسد. وقال الحاكم: مدار الحديث على محمد بن الزبير الحنظلي، وليس بصحيح. وقال البيهقي: هذا الحديث مشهور بمحمد بن الزبير الحنظلي، واختلف عليه في إسناده ومتنه. وقال في معرفة السنن والآثار (14/ 200): هذا حديث مختلف في إسناده ومتنه - كما ذكرنا - ولا تقوم الحجة بأمثال ذلك.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 175): مداره على محمد بن الزبير الحنظلي، عن أبيه، عن عمران بن حصين، ومحمد ليس بالقوي، وقد اختلف عليه فيه. وللفظ حديث:"لا نذر في معصية، وكفارتها كفارة يمين": انظر ما يأتي (14/ 484) تعليق رقم (2)، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 481

أقلد من يرى الكفَّارة) مجزئة (ونحوه؛ لأن) هذا تأكيد، و (الشرع لا يتغيَّر بتوكيد؛ ذكره الشيخ

(1)

.

(ولو علَّق الصدقة به ببيعه) بأن قال: إن بعته، فهو صدقة (والمشتري علَّق الصدقة به بشرائه) بأن قال: أن اشتريته، فهو صدقة (فاشتراه، كَفَّرَ كلٌّ منهما كفَّارةَ يمين) ذكره السَّامَرّيّ وابن حمدان، كما لو حلفا على ذلك، قلت: إن تصدَّق به المشتري، خرج من العهدة.

(ومن حلف، فقال: عليَّ عتق رقبة) إن لم أفعل كذا، ونحوه (فحَنِثَ، فعليه كفَّارة يمين) إن لم يعتق رقبة.

‌(الثالث: نَذْر المُباح، كقوله: لله عليَّ أن ألبس ثوبي،

أو أركب دابتي، فيخير بين فِعْله وكفَّارة يمين) لحديث ابن عباس:"بينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نَذَرَ أن يقومَ في الشمسِ، ولا يستظلَّ، ولا يتكلمَ، وأنْ يصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مُرْه، فلْيتكلم، ولْيَستظلّ، ولْيقعدْ، ولْيُتمَّ صومه" رواه البخاري

(2)

، فإن وفى به، أجزأه؛ لأن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:"إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدُّف، فقال: أوفي بنذرك" رواه أبو داود

(3)

، ورواه بمعناه أحمد والترمذي وصحَّحه من حديث بريدة

(4)

. و (كما لو حلف: ليفعلنَّه) أي:

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 475.

(2)

في الأيمان والنذور، باب 31، حديث 6704.

(3)

في الأيمان والنذور، باب 27، حديث 3312، والبيهقي (10/ 77)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وسكت عليه أبو داود والمنذري.

(4)

أحمد (5/ 353، 356)، والترمذي في المناقب، باب 18، حديث 3690.

وأخرجه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان"(10/ 232) رقم 4386، والبيهقي (10/ 77) من طرق، عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه. =

ص: 482

مباح (فلم يفعل) فإنه يُكَفِّر.

(الرابع: نَذْر مكروه، كطلاقٍ ونحوه)

من أكل ثومٍ وبَصَل، وترك سُنَّة (فَيُستحبُّ أن يُكَفِّر) ليخرج من عُهدة النذر (ولا يفعله) لأن تَرْك المكروه أولى (فإن فعله، فلا كفَّارة عليه) لأنه وفى بنذره.

(الخامس: نَذْر المعصية، كَشُرْبِ الخمر، وصَوْم يوم الحيض، والنِّفاس، ويوم العيد، وأيام التشريق، فلا يجوز الوفاء به) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نَذَر أن يعصي الله فلا يعصه"

(1)

(ويقضي الصوم) - قال في "المنتهى": غير يوم حيض. انتهى - لانعقاد نذره، فتصح منه القُربة ويلغو تعيينه؛ لكونه معصية، كنذر مريض صومًا يخاف عليه فيه، ينعقد نذرُه ويحرم صومُه، وكذا الصلاة في ثوب حرير، أو مقبرة، ونذر صوم ليلة، لا ينعقد، ولا كفارة؛ لأنه ليس بزمن صوم، وكذا يوم أكل فيه، ويوم حيض بمفرده. والفرق بينه وبين يوم العيد وأيام التشريق أن الأكل والحيض منافيان للصوم لمعنىً فيهما، والعيد وأيام التشريق ليس منافيًا للصوم لمعنىً فيه، وإنما المعنى في غيره، وهو كونه في ضيافة الله تعالى؛ أشار إليه في "القواعد الأصولية"

(2)

(ويُكَفِّر) قاله ابن مسعود

(3)

وابن عباس

(4)

= قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، غريب من حديث بريدة.

(1)

أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب 28، 31، حديث 6696، 6700، عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

ص/ 279.

(3)

أخرج عبد الرزاق (8/ 433) رقم 15813، وابن أبي شيبة (4/ 1/ 2، 5)، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخره، ولكن الله تعالى يستخرج به من البخيل، ولا وفاء لنذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين.

(4)

أخرج مالك (2/ 476)، وعبد الرزاق (8/ 459 - 460) رقم 15903، 15906، وابن أبي شيبة (4/ 1/ 55)، والبيهقي (10/ 72)، عن القاسم بن محمد قال: سألت =

ص: 483

وعمران وسمرة

(1)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" رواه الخمسة من حديث عائشة

(2)

ورواته ثقات، احتج به أحمد

= امرأة ابن عباس عن إنسان نذر أن ينحر ابنه عند الكعبة؟ قال: فلا ينحر ابنه، وليكفر عن يمينه، فقال رجل لابن عباس: كيف يكون في طاعة الشيطان كفارة اليمين؟ فقال ابن عباس: الذين يظاهرون من نسائهم، ثم جعل فيه من الكفارات ما رأيت. لفظ عبد الرزاق.

قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.

(1)

أخرج أبو داود في الجهاد، باب 20، رقم 2667، والبيهقي (10/ 71 - 72)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 201) رقم 19661، عن هياج بن عمران البرجمي أن غلامًا لأبيه أبق، فجعل لله عليه - لئن قدر عليه - ليقطعن يده، فلما قدر عليه، بعثني إلى عمران بن الحصين، فسألته، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة، فقال: قل لأبيك فليكفر عن يمينه وليتجاوز عن غلامه. قال: وبعثني إلى سمرة، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة، فقل لأبيك: يكفر عن يمينه وليتجاوز عن غلامه.

قال البيهقي: هذا إسناد موصول.

(2)

أبو داود في الأيمان والنذور، باب 23، حديث 3290 - 3291، والترمذي في النذور، باب 1، حديث 1524، وفي العلل الكبير (2/ 651)، والنسائي في الأيمان، باب 41، حديث 3843 - 3847، وابن ماجه في الكفارات، باب 16، حديث 2125، وأحمد (6/ 247). وأخرجه - أيضًا - الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 3 - 4)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5/ 403) حديث 2158، وأبو يعلى (8/ 216) حديث 4783، والخطيب في تاريخه (5/ 126 - 127)، والبيهقي (10/ 69)، من طرق عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها.

قال الترمذي: هذا حديث لا يصح؛ لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة.

وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، باب 23، حديث 3292، والترمذي في النذور، باب 1، حديث 1525، والنسائي في الأيمان، باب 41، حديث 3848، والطحاوي (3/ 130)، وفي شرح مشكل الآثار (5/ 404 - 405) حديث 2159، والطبراني في الأوسط (5/ 36) حديث 4604. وابن عدي (3/ 1102 - 1103)، وتمام في فوائده (2/ 272) حديث 1719، والبيهقي (10/ 69)، والبغوي في شرح =

ص: 484

وإسحاق

(1)

، وضعَّفه جماعة. ولأن النذر حكمه حكم اليمين (فإن وفَّى) الناذر (به) أي: بنذر المعصية (أثِمَ، ولا كفَّارة) عليه، كما لو حلف على فعل معصية.

(ومن نَذَرَ ذَبْح معصوم ولو نفسَه، كَفَّرَ كفَّارة يمينٍ) وهو قول ابن عباس

(2)

؛ لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين"؛ ولأنه نَذْرُ معصية أشبه نَذْرَ ذبح أخيه. قال في "المبدع": من نَذَرَ فعل واجب، أو حرام، أو مكروه، أو مباح، انعقد نذره موجبًا للكفَّارة إن لم يفعل ما قال، مع بقاء الوجوب والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن، كما لو حلف على فعل ذلك.

= السنة (10/ 33 - 34) حديث 2447، من طرق عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، به.

وأخرجه الطيالسي ص/ 208، حديث 1484، عن حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة.

قال أبو داود: سمعت أحمد بن شَبُّويه يقول: قال ابن المبارك - يعني في هذا الحديث - حدث أبو سلمة، فدل على أن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة. ثم نقل عن شيخه أحمد بن محمد المروزي: إنما الحديث حديث علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن الزبير، عن أبيه، عن عمران بن الحصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم. أراد أن سليمان بن أرقم وهم فيه، وحمله عنه الزهري، وأرسله عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها.

وقال البخاري في التاريخ الكبير (4/ 2): سليمان بن أرقم مولى قريظة أو النضير، البصري، تركوه.

وقال النسائي: سليمان بن أرقم متروك الحديث، والله أعلم.

وانظر ما تقدم (14/ 481) تعليق رقم (1).

(1)

مسائل الكوسج (5/ 2462 - 2464) رقم 1763، وانظر: كتاب التمام (2/ 240 - 241).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 483) تعليق رقم (4).

ص: 485

(فإن نذر ذَبْحَ ولده، وكان له أكثر من ولد، ولم يُعيّن واحدًا) من أولاده (بنيَّتِهِ، ولا قوله، لزمه بعددهم) أي: الأولاد (كفَّارات) لأنه مفرد مضاف، فيعمُّ.

(فإن نذر فِعْلَ طاعةٍ وما ليس بطاعة، لزمه فِعْلُ الطاعة، ويُكَفِّر لغيره) نص عليه

(1)

في رواية الشالنجي.

وإذا نذر نذورًا كثيرة لا يُطيقها، أو ما لا يملك، فلا نَذْر في معصية، ويُكَفِّر كفَّارة يمين (ولو كان المتروك خصالًا كثيرة، أجزأته كفَّارة واحدة) لأنه نَذْر واحدٌ، وكاليمين بالله.

(قال الشيخ

(2)

: والنذر للقبور، أو لأهل القبور - كالنذر لإبراهيم الخليل) صلى الله عليه وسلم (والشيخِ فلانٍ - نذرُ معصية لا يجوز الوفاء به، وإن تصدَّق بما نذره من ذلك على من يستحقه من الفقراء والصالحين، كان خيرًا له عند الله وأنفع).

وقال

(3)

: من نَذَرَ إسراج بئر، أو مقبرة، أو جَبَل، أو شجرة، أو نذر له أو لسكناه

(4)

أو المضافين إلى ذلك المكان، لم يجز، ولا يجوز الوفاء به إجماعًا، ويُصرف في المصالح ما لم يُعرف ربه. ومن الحسن صَرْفُه في نظيره من المشروع. وفي لزوم الكفارة خلاف.

(وقال (3) في من نذر قنديل نقد

(5)

للنبي صلى الله عليه وسلم: يُصرف لجيران النبي صلى الله عليه وسلم قيمته، وأنه أفضل من الختمة.

(1)

انظر: مسائل الكوسج (5/ 2458، 2462 - 2464) رقم 1759، 1763، والفروع (6/ 402).

(2)

مجموع الفتاوى (27/ 146 - 147).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 476.

(4)

في "ح" و"ذ": "لسكانه"، وفي الاختيارات الفقهية:"لسكانها".

(5)

في الاختيارات الفقهية: "قنديلًا يوقد".

ص: 486

وقال

(1)

: وأما مَن نَذَر للمساجد ما تُنَوَّرُ به، أو يُصرف في مصالحها، فهذا نَذْرُ بِرٍّ، فيوفي بنذره) لأن تنويرها وتعميرها مطلوب.

(السادس: نَذْر التبرُّر) أي: التقرُّب، يقال: تبرَّر تبرُّرًا، أي: تقرَّب تقرُّبًا (كنذر الصلاة، والصيام، والصدقة، والاعتكاف، وعيادة المريض، والحج، والعمرة، ونحوها عن القُرَب) كتجديد الوضوء، وغسل الجمعة، والعيدين (على وَجْهِ التقرُّب، سواء نذره مطلقًا، أو معلَّقًا بشرط) لا يقصد به المنع والحمل (كقوله: إن شفى الله مريضي، أو سَلَّم مالي، أو طلعت الشمسُ، فلله عليَّ كذا، أو فعلتُ كذا، نحو: تصدَّقت بكذا، ونصَّ عليه) أحمد

(2)

(في: إن قدم فلان، تصدقت بكذا، فهذا نَذْرٌ) صحيح (وإن لم يصرح بذِكْرِ النذر؛ لأن دلالة الحال تدلُّ على إرادة النذر، فمتى وُجِدَ شَرْطُه) إذا كان النذر معلَّقًا (انعقد نَذْرُه، ولزمه فِعْلُه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله، فليُطِعْه" رواه البخاري

(3)

. وذمَّ الله تعالى الذين يَنذُرون ولا يوفون، وقال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ. . .} الآيات

(4)

.

وعُلم مما تقدم أن نذر التبرُّر ثلاثة أنواع:

أحدها: ما كان في مقابلة نعمة استجلبها، أو نقمة استدفعها. وكذا إن طلعت الشمس، أو قَدِمَ الحاجُّ، ونحوه، فعلت كذا.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (35/ 354).

(2)

مسائل أبي داود ص/ 302، رقم 1443.

(3)

في الأيمان والنذور، باب 28، 31، حديث 6696، 6700، عن عائشة رضي الله عنها.

(4)

سورة التوبة، الآية:75.

ص: 487

الثاني: التزام طاعة من غير شرط، كقوله ابتداء: لله عليَّ صوم، أو صلاة، ونحوه.

الثالث: نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب، كالاعتكاف وعيادة المريض، فيلزم الوفاء به؛ لما تقدم.

"تتمة": قال الشيخ تقي الدين

(1)

: تعليق النذر بالملك نحو: إن رزقني الله مالًا، فلله علي أن أتصدق به، أو بشيء منه، يصح اتفاقًا. وقد دَلَّ عليه قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ. . .} الآية

(2)

.

(ويجوز فعله) أي: النذر (قبله) أي: قبل وجود شرطه، كإخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث.

(وقال الشيخ

(3)

- في من قال: إن قدم فلان، أصوم كذا -: هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة، لا أعلم فيه نزاعًا، ومن قال: ليس بنذر، فقد أخطأ.

وقال

(3)

: قول القائل: لئن ابتلاني الله، لأصبرن - ولئن لقيتُ العدوَّ، لأجاهدنَّ، ولو علمت أيَّ العمل أحب إلى الله، لعملته - نذر معلَّق بشرط، كقول الآخر:{لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ. . .} الآية

(4)

. ونظير ابتداء الإيجاب تمني لقاء العدو، ويُشبهه سؤال الإمارة، فإيجاب المؤمن على نفسه إيجابًا لم يحتج إليه بنذر وعهد وطلب وسؤال، جهلٌ

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (21/ 381).

(2)

سورة التوبة، الآية:75.

(3)

الفتاوى الكبرى (4/ 622).

(4)

سورة التوبة، الآية:75.

ص: 488

منه وظلمٌ، وقوله: لو ابتلاني الله، لصبرت، ونحو ذلك، إن كان وعدًا أو التزامًا فنَذْر، وإن كان خبرًا عن الحال، ففيه تزكية النفس، وجهل بحقيقة حالها. انتهى).

وتوقف الشيخ تقي الدين في تحريم النذر، وحَرَّمه طائفة من أهل الحديث

(1)

؛ ذكره في "المبدع".

(ومن نَذْرِ التبرُّر: لو حَلَفَ يقصد

(2)

التقرُّبَ، كقوله: والله إن سَلِمَ مالي، لأتصدقنَّ بكذا، فوُجِد الشرطُ، لزمه) الوفاء بما نذره؛ لأن النذر ليس له صيغة معينة، بل ينعقد بكل قول دلَّ عليه، وهذا منه.

(ومن نَذَرَ الصدقَةَ بكلِّ ماله) أجزأه ثلثه (أو) نَذَرَ الصدقةَ (بمُعيَّن، وهو كلُّ مالِه) أجزأه ثلثه (أو) نَذَرَ الصدقةَ (بألفٍ ونحوه) كمائة (وهو كلُّ مالِه، أو يستغرق كلَّ مالِه) بأن كان المنذور أكثر من ماله (نَذْرَ قُرْبة لا) نَذْر (لَجَاج وغَضَبٍ، أجزأه ثُلُثُه، ولا كفَّارة) عليه؛ لقول كعب: "يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي؛ صدقةً لله ولرسوله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسِكْ عليك بعضَ مالك، هو خيرٌ لك"

(3)

وفي قصة توبة أبي لُبابة "وأن أنخلع من مالي؛ صدقةً لله ورسوله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يُجزئ عنك الثُّلث" رواه أحمد

(4)

؛ ولأن الصدقة بالجميع مكروهة.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 475.

(2)

في "ذ": "بقصد".

(3)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 18، قبل حديث 1426 معلقًا، ووصله في الوصايا، باب 16، حديث 2757، وفي المغازي، باب 79، حديث 4418، وفي التفسير باب 27، حديث 4676، وفي الأيمان والنذور، باب 24، حديث 6690، ومسلم في التوبة، حديث 2769.

(4)

(3/ 452 - 453، 502).

وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (2/ 385 - 386)، ومالك في الموطأ =

ص: 489

قال في "الروضة": ليس لنا في نَذْرِ الطاعة ما يجزئ بعضه إلا هذا الموضع. انتهى.

فإن كان نذر لَجَاج وغَضَب، أجزأه كفَّارة يمين، وكذا لو أضرَّ بأهله، أو غرمائه ونحوه.

(وإن نوى) مَن نذر الصدقة بماله: (ثمينًا

(1)

) منه (أو) نوى (مالًا دون مال، كصامت أو غيره، أُخِدَ بنِيَّتِهِ؛ لأن الأموال تختلف عند الناس) والنيَّة مخصصة.

(وثلث المال معتبر بيوم نَذْرِه) لأنه وقت الوجوب. قال في

= (2/ 481)، وعبد الرزاق (9/ 74) حديث 16397، والدارمي في الزكاة، باب 25، حديث 1665، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 385)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 448 - 449) حديث 1896 - 1899، وابن حبان "الإحسان"(8/ 164) حديث 3371، والطبراني في الكبير (5/ 32 - 33) رقم 4509 - 4510، والبيهقي (4/ 181، 10/ 67)، عن أبي لبابة رضي الله عنه.

وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، باب 29، حديث 3319، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم، أو أبو لبابة، أو من شاء الله،

الحديث.

وأخرجه - أيضًا - حديث 3320، من طريق الزهري، قال: أخبرني ابن كعب بن مالك، قال: كان أبو لبابة

فذكر معناه، والقصة لأبي لبابة.

قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 83): لا يتصل حديث أبي لبابة - فيما علمت - ولا يستند. وقصته مشهورة في السير محفوظة.

وقال البيهقي: مختلف في إسناده، ولا يثبت موصولًا، ولا يصحُّ الاحتجاج به في هذه المسألة، فأبو لبابة إنما أراد أن يتصدق بماله شكرًا لله تعالى، حين تاب الله عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك بعض ماله، كما قال لكعب بن مالك، ولم يبلغنا أنه نذر شيئًا، أو حلف على شيء. والله أعلم.

(1)

في "ذ": "عينًا".

ص: 490

"الهدي"

(1)

: يُخرِج قَدْر الثلث يوم نذره، ولا يسقط منه قدر دينه (ولا يدخل ما تجدَّد له من المال بعده) أي: بعد النذر.

(وإن نَذَر الصدقةَ بمال، ونِيَّته ألف) أو نحوه (فنصُّه

(2)

: يُخْرِجُ ما شاء) لأن اسم المال يقع على القليل، وما نواه زيادة على ما تناوله الاسم، والنذر لا يلزم بالنية.

(ومصرفه) أي: النذر المُطْلَق (للمساكين، كصَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ) وتقدَّم

(3)

في الحيض أن النذر المطلق يجزئ لمسكين واحد.

(وإن نذر الصدقةَ ببعض ماله) كنصفه أو ثلثه (أو) نذر الصدقةَ (بألفٍ، وليست كلَّ ماله، لزمه جميع ما نذره) لأنه التزم ما لا يمنع منه شيء، فلزمه الوفاء به كسائر النذور.

(ولو نذر الصدقةَ بقَدْرٍ من المال، فأبرأ غريمَه عن قَدْرِه يقصد به وفاءَ النذر؛ لم يجزئه وإن كان الغريم من أهل الصدقة) قال أحمد

(4)

: لا يجزئه حتى يقبضه؛ وذلك لأن الصدقة تمليك، وهذا إسقاط، فلم يجزئه كالزكاة (فإن أخذه) أي: الدَّين (منه) أي: من المدين (ثم دفعه إليه) عن

(5)

النذر (أجزأ) لحصول التمليك.

ومن حلف أو نذر: لا رددت سائلًا، فكمن حلف أو نذر الصدقة بماله، فإن لم يحصُل له إلا ما يحتاجه، فكفارة يمين، وإلا تصدَّق بثلث الزائد. وحبة بُر ونحوها ليست سؤال السائل.

(1)

زاد المعاد (3/ 514).

(2)

مسائل أبي داود ص/ 302، رقم 1447.

(3)

(1/ 477).

(4)

انظر: المغني (13/ 632).

(5)

في "ذ": "من".

ص: 491

وإن قال: إن ملكت مال فلان، فعليَّ الصدقة به، فملكه، فكمالِه.

(وتجبُ كفَّارة النَّذْر على الفور، وتقدم آخر كتاب الأيمان) وكذلك نفس النذر يجب إخراجه فورًا، وتقدم

(1)

في غير موضع.

(وإن نذر صيامًا، أو صيام نصفِ يوم، أو رُبعِه، ونحوه) كثلث يوم (لزمه صوم يوم) لأنه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم، فلزمه؛ لأنه اليقين (بنيَّةٍ من الليل) لأنه واجب، أشبه قضاء رمضان.

(وإن نذر صلاةً) وأطلقَ (فركعتان قائمًا، لقادر) عى القيام (لأن الركعة لا تجزئ في فرض، وإن عيَّن عددًا) من صوم وصلاة (أو نواه، لزمه، قَلَّ أو كَثُر) لعدم المانع.

(وإن نذر عِتْقَ عبدٍ معيَّنٍ، فمات) العبد (قبل عتقه، لم يلزمه عتق غيره) لفوات محل النذر (ويُكفِّر) لأنه لم يف بنذره.

(وإن قتله) أي: العبدَ المنذور

(2)

(السيدُ، فالكفارة فقط) ولا يلزمه عتق غيره بقيمته؛ لأن العتق حقٌّ للمنذور عتقه، وقد فات (وإن أتلفه غيرُه) أي: غير سيده (فكذلك) أي: الكفَّارة فقط (وللسيد القيمة، ولا يلزمه) أي: السيد (صَرْفُها في العتق) لما تقدم.

(وإن نَذَر صومَ سنةٍ معيَّنة، لم يدخل في نَذْره رمضان، ويوما العيدين، وأيام التشريق) لأن ذلك لا يقبل الصوم عن النذر، فلم يدخل في نَذْره (كالليل.

وإن قال): لله عليه أن يصوم (سنةً، وأطلق) ولم يعينها (لزمه التتابع، كما في) نذر صوم (شهر مطلَق، ويأتي.

(1)

(5/ 77، 6/ 168، 14/ 413).

(2)

في "ح" و"ذ": "المنذور عتقه".

ص: 492

ويصوم) من نَذَرَ صومَ سنة مطلَقَة (اثني عشر شهرًا سوى رمضان وأيام النهي) أي: يومي العيدين وأيام التشريق (ولو شرط التتابع) لأنه عيَّن بنذره سنة، فانصرف إلى سَنَةٍ كاملة، وهي اثنا عشر شهرًا كاملة، فلزمه قضاء رمضان وأيام النهي كذلك.

(وإن قال): لله عليه أن يصوم (سنة من الآن، أو من وقت كذا، فَكَمُعيّنة) لأن تعيين أولها تعين

(1)

لها، إذ السنة اثنا عشر شهرًا، فإذا عيَّن أولها، تعيَّن أن يكون آخرها انقضاء الثاني عشر، وتقدم أنه لا يدخل في نذره رمضان ولا أيام النهي.

(وإن نَذَر صومَ الدهر، لزمه) كبقية النذور (وإن أفطر، كفَّر فقط) أي: بلا قضاء (بغير صوم) لأن الزمن مستغرق بالصوم المنذور، ويكفر لترك المنذور.

(ولا يدخل رمضان ويوم نهي) في نذر صوم الدهر، كالليل (ويقضي فطره منه) أي: من رمضان (لعذر) أو غير عذر؛ لأنه واجب بأصل الشرع، فَيُقدَّم على ما أوجبه على نفسه، كتقديم حجة الإسلام على الحجة المنذورة، ويُكفِّر بفطره لرمضان لغير عُذر؛ لأنه سببه؛ قاله في "شرح المنتهى".

(ويُصام لظِهار ونحوه) ككفَّارة القتل، والوطء في نهار رمضان (منه) أي: من الدهر المنذور صومه (ويُكَفِّر مع صوم ظِهار) قال في "المنتهى": "ونحوه"(فقط) لأنه سببه، بخلاف صوم رمضان وقضائه.

(و‌

‌إن نَذَر صومَ يوم الخميس، فوافق يومَ عيدٍ، أو حيضٍ،

أو أيام التشريق، أفطر) لأن الشارع حَرَّم صومَه (وقضى) لأنه فاته ما نَذَر صومه

(1)

في "ح": "تعيين".

ص: 493

(وكَفَّر) لعدم الوفاء بنذره، وكما لو فاته لمرض.

(وإن نذر أن يصوم يومًا معينًا أبدًا

(1)

، ثم جهله، فقال الشيخ

(2)

: يصوم يومًا من الأيام مطلقًا، أيّ يوم كان. انتهى. وقياس المذهب: وعليه كفَّارة؛ للتعيين) أي: لفوات التعيين. قلت: فيه شيء؛ لأنا لم نتحقَّق أن ما صامه خلاف ما عيَّنه، ولا نوجب الكفَّارة بالشَّك.

فصل

(وإن نذر صومَ يومِ يقدَمُ فلانٌ، فقدِمَ ليلًا، فلا شيء عليه) لأنه لم يتحقق شرطه، فلم يجب نذره، ولا يلزمه أن يصوم صبيحته (ويُستحب صومُ يومِ صبيحته) ذكره في "المنتخب".

(وإن قَدِم) زيد (نهارًا وهو) أي: الناذر (مفطر، أو) قَدِم (يومَ عيدٍ، أو حيضٍ، أو نفاس، قضى وكفَّر) لأنه أفطر ما نذر صومه، أشبه ما لو نذر صوم يوم الخميس، فلم يصمه، وعُلم منه: انعقاد نَذْرِه؛ لأنه زمن يصحُّ فيه صوم التطوّع، فانعقد نَذْره لصومه، كما لو أصبح صائمًا تطوّعًا ونَذَر إتمامه.

(وإن قَدِم) زيد (وهو) أي: الناذر (صائم، وكان قد بيَّت النيةَ بخبرٍ سمعه، صَحَّ صومه وأجزأه) وفاءً بنذره.

(وإن نوى) الناذر الصومَ (حين قَدِم) زيد (لم يجزئه) الصومُ؛ لعدم

(1)

"أبدًا" أشار في حاشية "ذ" إلى أنه جاء في نسخة: "ابتداء". قلنا: وكذا في الاختيارات ص/ 478: "ابتداء".

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 478.

ص: 494

تبييت النية (ويقضي ويُكَفّر) لفوات المحل.

(وإن وافق قُدومُه يومًا من رمضان، فعليه القضاء) لأنه لم يصمه عن نذره (والكفَّارة) لتأخير النذر عن زمنه.

(وإن وافق قدومُه) أي: زيد (وهو) أي: الناذر (صائم عن نذر معيَّن، أتمَّه، ولا يلزمه قضاؤه) ولا يُستحب، كما في "الفروع" و"المنتهى"(ويقضي نَذْرَ القدوم، كـ) ــما لو قدم زيد في (صوم في قضاء رمضان، أو كفَّارة، أو نَذْر مُطْلَق. ومثل ذلك في الحكم لو نَذر صومَ شهر من يوم يَقْدَم فلان، فقدم في أول رمضان) فعليه قضاء النذر والكفارة.

(و‌

‌نذر الاعتكاف كالصوم)

في جميع ما تقدم.

(وإن نذر صوم يومٍ أكلَ فيه، فلَغْوٌ) لا قضاء فيه، ولا كفَّارة، وتقدمت الإشارة إليه

(1)

.

(وإن وافق يومُ نَذْره) لقدومٍ أو غيره (وهو) أي: الناذر (مجنونٌ، فلا قضاء عليه ولا كفارة) عليه؛ لأنه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر.

(وإن نَذَر صومَ شهر معيَّن) كالمُحَرَّم (فلم يصمه، قَضَى) لأنه صوم واجب مُعيَّن، كقضاء رمضان (متتابعًا) لأن القضاء كالأداء، وقد وجب متتابعًا. فكذلك قضاؤه (وكفَّر) سواء تركه لعُذر أو غيره؛ لتأخير النذر عن وقته.

(وإن أفطر منه) أي: من الشهر المُعيَّن (لغير عُذر، استأنف) لأنه صوم يجب متتابعًا بالنذر، كما لو اشترط التتابع، فيستأنف (شهرًا من يوم فِطره، وكفَّر) لتأخير النذر.

(1)

(14/ 483).

ص: 495

(و) إن أفطر منه (لعُذر، يبني) على ما صامه (ويقضي ما أفطره متتابعًا متصلًا بتمامه) لأن باقيَ الشهر منذور، فلا يجوز تَرْك صومه. والفرق بين رمضان والنذر: أن تتابع رمضان بالشرع، وتتابع النذر أوجبه على نفسه على صفة، ثم فرقها؛ قاله في "المبدع"(ويُكفِّر) لفوات زمن النذر.

(وإن صام قبلَه) أي: قبل الشهر المُعيَّن (لم يُجزئه) الصوم (كالصلاة) قبل وقتها المُعيَّن.

(وكذلك إن نذر الحجَّ في عام، فَحَجَّ قبلَه) لم يجزئه.

(فإن كان نذره بصدقة مال، جاز إخراجُها قبل الوقت الذي عَيَّنه، كالزكاة) وكَفَّارة اليمين بعدَه وقبل الحنث؛ لوجود سببه. وتقدم.

(ولو جُنَّ) الناذر (الشهرَ المُعيَّن كله) للصوم أو الاعتكاف (لم يقضِه) لخروجه عن أهلية التكليف (ولم يكفِّر) لذلك.

(وصومه في كفَّارة الظِّهار) أو القتل، أو الوطء في نهار رمضان (في الشهر المنذور كفِطره فيه) فيقضي ويُكفِّر.

(ويبني من لا يقطع عذره تتابع صوم الكفَّارة) أي: إذا أفطر لعذر لا يقطع تتابع الصوم في الكفارة، كالمرض ونحوه، فإنه يبني على ما تقدم؛ لعدم انقطاع التتابع، ويكفِّر؛ لتأخير النذر، كما تقدم.

(وإن قال: لله عليَّ الحجُّ في عامي هذا، فلم يحجَّ، لعُذر أو غيره، فعليه القضاء) لأنه لم يفعل ما نذره (والكفَّارة) لتأخيره عن محله.

(وإن نذر صومَ شهرٍ مطلَقٍ، لزمه التتابع) لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع، وكما لو نواه (وهو مُخَيَّر، إن شاء صام شهرًا هلاليًّا من أوله ولو ناقصًا، وإن شاء ابتدأ من أثناء شهرٍ، ويلزمه شهرٌ بالعدد، ثلاثون يومًا)

ص: 496

لأن الشهر يُطلَق على ما بين الهلالين تامًّا كان أو ناقصًا، وعلى ثلاثين يومًا، فأيهما فعله، خرج به من العُهدة.

(فإن قَطَعه) أي: الصوم (بلا عُذْرٍ، استأنفه) لأنه لو جاز له البناء، بَطَلَ التتابع؛ لتخلُّلِ الفِطر فيه.

(و) إن أفطر (مع عُذر، يُخيَّر بينه) أي: بين الاستئناف (بلا كفَّارة) لأنه فعل المنذور على صفته (وبين البناء، ويتم ثلاثين يومًا ويُكفِّر) لأنه لم يأتِ بالمنذور على وجهه، أشبه ما لو حلف عليه.

(وإن نذر صيام أيام معدودة ولو ثلاثين يومًا، لم يلزمه تتابع) لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع، بدليل قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(1)

(إلا بشرط) بأن يقول: متتابعةٍ (أو نيَّة) فيلزمه الوفاء بنذره، وإن شرط تفريقها، لزمه في الأقيس؛ ذكره في "المبدع".

(وإن نذر صيامًا متتابعًا غير معيَّن) كعشرة أيام متتابعة (فأفطر) في أثنائها (لمرض يجب معه الفِطر) بأن خاف على نفسه التلفَ بالصوم (أو) أفطر لـ (ــحيض؛ خُيِّر بين استئنافه ولا شيء عليه) لأنه أتى بالمنذور على وجهه (وبين البناء على صومه ويُكفِّر) لمخالفته فيما نذره (وإن أفطر لغير عُذر، لزمه الاستئناف) ضرورة الوفاء

(2)

بالتتابع (بلا كفَّارة) لأنه فعل المنذور على وجهه.

(وإن أفطر) الناذر صيامًا متتابعًا (لسفرٍ، أو ما يُبيح الفِطر مع القُدْرة على الصوم، لم ينقطع التتابع) لأنه فطر لعُذر، أشبه المرض الذي يجب معه الفِطر.

(1)

سورة البقرة، الآية:183.

(2)

في "ذ": "للوفاء".

ص: 497

(وإن نذر صيامًا، فَعَجَزَ عنه؛ لِكِبَرٍ، أو مرض لا يُرجى بُرْؤه، أو نَذَرَه) أي: الصيام (في حال عجزه، أطعم لكلِّ يومٍ مسكينًا، وكفَّر كفَّارة يمين) لأن سبب الكفَّارة عدم الوفاء بالنذر، والإطعام للعجز عن واجب الصوم، فقد اختلف السببان واجتمعا، فلم يسقط واحدٌ منهما؛ لعدم ما يُسقِطه.

(وإن عَجَزَ) الناذر عن الصوم (لعارضٍ يُرْجَى بُرْؤه؛ انتظر زواله) كالواجب بأصل الشرع (ولا يلزمه كفَّارة ولا غيرها) إذا لم يكن النذر معينًا، فإن كان معينًا وفات محلُّه، فعليه الكفَّارة كما تقدم.

(وإن صار) المرض (غير مرجُوِّ الزَّوالِ، صار) الناذر (إلى الكفَّارة والفِدية) أي: الإطعام لكل يوم مسكينًا، كما لو كان ابتدأ كذلك.

(و‌

‌إن نذر صلاةً ونحوها) كطواف (وعَجَزَ، فعليه كفَّارةُ) يمينٍ (فقط)

وظاهر هذا انعقاد نَذْره، وهو الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من نذر نذرًا لم يطِقه، فكفَّارته كفارةُ يمين"

(1)

ولولا انعقاد نذره، لم تجب فيه كفَّارة.

(1)

أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، باب 30، حديث 3322، وابن ماجه في الكفارات، باب 17، حديث 2128، والطبراني في الكبير (11/ 325) حديث 12169، والدارقطني (4/ 158، 160) والبيهقي (10/ 72)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر نذرًا لم يُسمه، فكفَّارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية، فكفَّارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا أطاقه، فَلْيَفِ به.

وأعلَّه أبو داود بالوقف، قال: روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، أوقفوه على ابن عباس.

والموقوف أخرجه عبد الرزاق (8/ 440) رقم 15832، وابن أبي شيبة (4/ 1/ 7 - 8) ورجَّحه أبو حاتم، وأبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 441)، وقال ابن حجر في الفتح (11/ 587): هو أشبه. وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/ 201): لم يثبت رفعه.

وأخرجه الدارقطني (4/ 160)، من طريق غالب بن عبيد الله العقيلي، عن عطاء بن =

ص: 498

(وإن نَذَر حجًّا، لَزِمه) صحيحًا كان أو معضوبًا، ويُحَج عنه، وإن أطاق البعض، أتى به وكفَّر للباقي.

(وإن نَذَر المشيَ، أو الركوبَ إلى بيت الله الحرام، أو) إلى (موضع من الحرم كالصفا والمروة، وأبي قُبيسٍ، أو مكة، وأطلق) فلم يقيّده بشيء (أو قال: غير حاجٍّ ولا مُعتمِر، لزمه إتيانُه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطِعْه"

(1)

(في حَجٍّ أو عُمرة) لأن المشي إليه في الشرع هو المشي إليه في حج أو عُمرة، فيُحمل النذر على المعهود الشرعي، ويُلغى ما يُخالفه (من دُويرة أهله، أي: مكانه الذي نَذَر فيه) كما في حَج الفرض؛ لأن المُطلَق من كلام الآدمي يحمل على المشروع (إلا أن ينويَ من مكان مُعيَّن، فيلزمه منه على صفة ما نَذَره، من مشي أو ركوب) لأنه ألزم نفسه ذلك (إلى أن يسعى في العُمرة، أو يأتي بالتَّحَلُّلين في الحج) قال في "المبدع": ويلزمه المنذور منهما في الحج والعمرة إلى أن يتحلَّل؛ لأن ذلك انقضاؤه. قال أحمد: إذا رمى الجمرة، فقد فرغ

(2)

. وفي "الترغيب": لا يركب حتى يأتي بالتحلُّلين في الأصح (ويُحرم لذلك) أي: لإتيانه ما نذره (من الميقات) لأن النذر المُطلَق يُحمل على المعهود في الشرع، والإحرام الواجب من الميقات.

(فإن ترك المشيَ المنذورَ، أو) ترك (الركوبَ المنذورَ لعجز أو غيره، فكفَّارة يمين) لقوله صلى الله عليه وسلم: "كفَّارة النذر كفَّارة اليمين"

(3)

؛ ولأن

= أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا. وقال: غالب ضعيف الحديث.

(1)

تقدم تخريجه (14/ 474) تعليق رقم (4).

(2)

مسائل الكوسج (5/ 2286) رقم 1569.

(3)

أخرجه مسلم في النذر، حديث 1645، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

ص: 499

المشي أو الركوب مما لا يوجبه الإحرام، فلا يجب به في حج أو عُمرة دم.

(فإن لم يرد بالمشي أو الركوب حقيقةَ ذلك) و (إنما أراد إتيانه في حج أو عُمرة، لزمه إتيانه في ذلك) للوفاء بنذره (ولم يتعيَّن عليه مشيٌ ولا ركوب) لأنهما يحصُلان بكل واحد من المشي أو الركوب، فلم يتعيَّن واحد منهما.

(وإن نذرهما) أي: المشي والركوب (إلى) موضعٍ (غير الحَرَم، كعَرَفة ومواقيت الإحرام وغير ذلك) من المواضع، كمسجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى (لم يلزمة ذلك، ويكون كنَذْرِ المُباح) فيُخَيَّر بين فعله وكفَّارة يمين.

(ولو أفسد الحجَّ المنذور ماشيًا أو راكبًا، وجب قضاؤه ماشيًا أو راكبًا) ليكون القضاء على صفة الأداء (ويمضي في فاسده) أي: الحج المنذور (ماشيًا) إن كان نذره ماشيًا (أو راكبًا) إن كان نذره راكبًا (حتى يحلّ منه) بالتحليل

(1)

كما في الصحيح.

(وإن فاته الحجّ) بأن طَلَع عليه الفجر قبل الوقوف بعَرَفة (سقط توابع الوقوف، و) هي (المبيت بمزدلفة، و) المبيت بـ (ــمِنىً، والرمي وتحلّل بعمرة) إن لم يختر البقاء على إحرامه ليحج من قابل.

وإذا نَذَر الحجَّ العام، فلم يَحُجَّ، ثم نذر أخرى في العام الثاني، قال في "الفروع": فيتوجَّه: يصح، وأن يبدأ بالثانية؛ لفَوْتها، ويُكَفِّر لتأخير الأولى، وفي المعذور الخلاف.

(وإن نذر أن يأتي بيتَ الله الحرام، أو) أن (يذهبَ إليه، أو يحُجَّه،

(1)

في "ذ": "بالتحلّلين".

ص: 500

أو يزورَه، لزمه ذلك) في حَجٍّ أو عمرة كما تقدم (إن شاء ماشيًا، وإن شاء راكبًا) لأنه لم يلتزم أحدهما (ولو نذر المشيَ إلى مسجد المدينة) المنوَّرة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام (أو) نذر المشيَ إلى المسجد (الأقصى، لزمه ذلك) ليوفي بنذره، قال في "الفرع": مُرادهم: لغير المرأة؛ لأفضلية بيتها (وأن يصلِّي فيه ركعتين) لأن المساجد غير المسجد الحرام إنما تُقصد للصلاة.

(وإن نذر إتيان مسجدٍ سوى المساجد الثلاثة ماشيًا أو راكبًا، لم يلزمه إتيانه) لحديث: "لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد"

(1)

.

(وإن نَذَر الصلاةَ فيه) أي: فيما سوى المساجد الثلاثة (لزمته الصلاة) لحديث: "من نَذَرَ أن يُطيع الله فليُطِعْه"

(2)

(فيصليها في أي مكان شاء، ولا يلزمه المشي إليه والصلاة فيه) لحديث: "لا تُشَدُّ الرِّحَال إلا إلى ثلاثة مساجد"(1).

(و‌

‌إن نَذَر المشيَ إلى بيت الله، ولم يُعَيِّن بيتًا)

بلفظه (ولم ينوِه، انصرفَ إلى بيت الله الحرام) لأنه المعهود، فينصرف الإطلاق إليه.

(وإن نَذَر طوافًا) وأطلق (أو) نَذَر (سعيًا) وأطلق فأقلّه أسبوع) لأنه المشروع (وتقدَّم نَذْر الصلاة في المساجد الثلاثة في) باب (الاعتكاف) مفصلًا

(3)

.

(وإن نذر رقبة، فهي التي تجزئ في الكفَّارة على ما تقدم في الظِّهار

(4)

) لأن المُطْلَق يُحمل على معهود الشرع، وهو الواجب في

(1)

تقدم تخريجه (3/ 265) تعليق رقم (3).

(2)

تقدم تخريجه (14/ 474) تعليق رقم (4).

(3)

(5/ 371 وما بعدها).

(4)

(12/ 491).

ص: 501

الكفَّارة (إلا أن ينويَ رقبة بعينها، فيجزئه ما عَيَّنه) لأن المُطلَق يتقيد بالنية كالقرينة اللفظية (لكن لو مات المندور المعيّن، أو أتلفه قبل عتقه؛ لزمه كفَّارة يمين بلا عتق، كما تقدم في الباب

(1)

.

و‌

‌إن نَذَر الطوافَ على أربع، طاف طوافين)

نصَّ عليه

(2)

، ورواه سعيد عن ابن عباس

(3)

؛ ولخبر معاوية بن خديج

(4)

الكندي: "أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أُمه كبْشة بنت مَعْدي كَرِبٍ عمّة الأشعث بن قيس، فقالت: يا رسول الله، آليتُ أن أطوف بالبيت حَبوًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوفي على رجليكِ سَبْعَين: سبعًا عن يديك، وسبعًا عن رجليك" أخرجه الدارقطني

(5)

(والسعي) المنذور على أربع (كطوافٍ) في ذلك فيسعى على رجليه أسبوعين.

(وكذا لو نذر طاعةً على وجهٍ منهيٍّ عنه، كنذره صلاة عريانًا، أو) نذره (حجًّا حافيًا حاسرًا، أو نذرت المرأةُ الحجَّ حاسرة، ونحوه) كالصلاة بثوب نجس (فَيَفِي بالطاعة على الوجه المشروع، وتلغى تلك الصفة) لما روى عكرمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فحانت منه نظرة فإذا

(1)

(14/ 492).

(2)

مسائل الكوسج (5/ 2284) رقم 1568.

(3)

لم نقف عليه في مظانه من المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وأخرجه عبد الرزاق (8/ 457) رقم 15895، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: رجل نذر أن يطوف على ركبتيه سبعًا، فقال: قال ابن عباس: لم يؤمروا أن يطوفوا حبوًا، ولكن ليطف سبعين، سبعًا لرجليه وسبعًا ليديه، قلت: ولم يأمره بكفارة؟ قال: لا.

(4)

"خديج" كذا بالأصول بالخاء المعجمة! وفي سنن الدارقطني: "حُديج" بالحاء المهملة، وهو الصواب.

(5)

(2/ 273). قال ابن حجر في الإصابة (13/ 107): سنده ضعيف.

ص: 502

امرأة ناشرة شعرها قال: فمروها فلتختمر"

(1)

، و"مر برجلين مقرونين فقال: أطلِقا قرانكما"

(2)

(ويكفِّر) لإخلاله بصفة نذره، وإن كان غير مشروع، كما لو كان أصل النذر غير مشروع (وتقدَّم معناه

(3)

.

ولا يلزم الوفاء بالوعد) نص عليه

(4)

، وقاله أكثرُ العلماء.

(ويُحْرِم بلا استثناء) لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}

(5)

قال في "الآداب الكبرى"

(6)

: فلا يُخبر عن شيءٍ سيوجد إلا باعتبارٍ جازمٍ، أو ظَنٍّ راجح، قال: وتعليق الخبر فيها بمشيئة الله مستحبٌّ، ولا يجب؛ للأخبار المشهورة في تركه في الخبر والقسَم، انتهى.

قال في "المبدع": ومذهب مالك

(7)

: يلزم - أي: الوفاء بالوعد -

(1)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 449) رقم 15864، والبيهقي (10/ 80)، مرسلًا، بنحوه.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 234) حديث 7477، وابن عدي (6/ 2255) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 186): فيه محمد بن كريب، وهو ضعيف.

وأخرجه أحمد (2/ 183)، والخطيب في تاريخه (6/ 48)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 186): فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون.

وأخرجه أحمد (5/ 58 - 59)، عن رجل من أهل البادية، عن أبيه، عن جده.

قال الهيثمي (4/ 186): فيه من لم يسم من رواته.

(3)

(14/ 483 - 485).

(4)

انظر: الفروع (6/ 415).

(5)

سورة الكهف، الآية:23.

(6)

الآداب الشرعية (1/ 59).

(7)

النوادر والزيادات (12/ 204).

ص: 503

بسبب، كمن قال: تزوج وأعطيك كذا، و: احلف لا تَشتُمْني ولك كذا، وإلا لم يلزم.

"تتمَّات": لو قال: إن ملكتُ عبدَ زيدٍ فلله عليَّ أن أُعتقه، يقصد

(1)

القربة، ألزم بعتقه إذا ملكه.

وإذا نذر الحجَّ عاجزٌ عن الزاد والراحلة - حالَ نذره - لم يلزمه شيء، ثم إن وجدهما لزمه.

و‌

‌إن نذر أربعَ ركعات بتسليمتين، أو أطلق، يُجزئ بتسليمة،

كعكسه. ولمن نذر صلاة جالسًا أن يُصلّيها قائمًا.

والعهدُ غير الوعد، ويكون بمعنى: اليمين، والأمان، والذمة، والحفظ، والرعاية، والوصية، وغير ذلك. قال ابن الجوزي

(2)

- في قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ}

(3)

-: عامٌّ فيما بينه وبين رَبِّه والناس، ثم قال: قال الزجَّاج

(4)

: كل ما أمر الله تعالى به، ونهى عنه، فهو من الوعد.

(1)

في "ذ": "بقصد".

(2)

زاد المسير (5/ 34).

(3)

سورة الإسراء، الآية:34.

(4)

معاني القرآن وإعرابه (3/ 238).

ص: 504