المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الصلاة واشتقاقها من الصلوين، واحدهما صلا كعصا، وهما عرقان من - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ٢

[البهوتي]

فهرس الكتاب

‌كتاب الصلاة

واشتقاقها من الصلوين، واحدهما صلا كعصا، وهما عرقان من جانبي الذنب.

وقيل: عظمان ينحنيان في الركوع والسجود.

وقال ابن فارس

(1)

: من صليت العود إذا لينته؛ لأن المصلي يلين ويخشع.

ورده النووي

(2)

بأن لام الكلمة من الصلاة واو، ومن صليت ياء.

وجوابه: أن الواو وقعت رابعة فقلبت ياء. ولعله ظن أن مراده صليت المخفف. تقول: صَلَيْت اللحم صليًا، إذا شويته. وإنما أراد ابن فارس، المضعف.

وقال ابن الأعرابي

(3)

: صليت العصا تصلية، أدرته على النار لتقومه.

(وهي) أي: الصلاة لغة: الدعاء بخير. قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}

(4)

أي: ادع لهم. وعدي بعلى لتضمنه معنى الإنزال، أي: أنزل رحمتك عليهم.

وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعِي أحدُكُم إلى طعام فليُجِبْ، فإن كان مفطرًا فليَطْعم، وإن كان صائمًا فليصَلِّ

(5)

.

(1)

مجمل اللغة (2/ 538).

(2)

المجموع (3/ 3)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 179).

(3)

انظر تهذيب اللغة للأزهري (12/ 238).

(4)

سورة التوبة، الآية:103.

(5)

رواه مسلم في النكاح، حديث 1431، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 5

وقال الشاعر:

(1)

تقول بنتي وقد قربت مرتحلًا

يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي

نومًا فإن لجنب المرء مضطجعا

وشرعًا (أقوال، وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم).

ولا يرد عليه صلاة الأخرس ونحوه؛ لأن الأقوال فيها مقدرة، والمقدر كالموجود. أو التعريف باعتبار الغالب؛ فلا يرد أيضًا صلاة الجنازة.

(وهي آكد فروض الإسلام بعد الشهادتين) لحديث جابر قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "بينَ الرجلِ وبين الكفْرِ تركُ الصلاة" رواه مسلم

(2)

.

وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: "كان أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يرونَ شيئًا من الأعمالِ تركهُ كفرٌ غيرَ الصلاةِ" رواه الترمذي

(3)

.

(سميت صلاة، لاشتمالها على الدعاء)

وقيل: لأنها ثانية الشهادتين، كالمصلي من خيل الحلبة.

(وفرضت ليلة الإسراء) لحديث أنس قال: "فرضت على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الصلواتُ ليلةَ أسرِيَ به خمسينَ، ثم نقصتْ حتى جعلتْ خمسًا، ثم نودي:

(1)

هو الأعشى، والبيتان في ديوانه ص/ 159.

(2)

"صحيح مسلم"، الإيمان، حديث 82، ولفظه:"بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".

(3)

في الإيمان، باب 9، حديث 2622. ورواه - أيضًا - المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 904) حديث 948، وصحح النووي إسناده في الخلاصة (1/ 245) حديث 660.

ورواه الحكم (1/ 7) عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا، وقال الذهبي: وإسناده صالح.

ص: 6

يا محمدُ إنه لا يبدّل القول لديَّ، وإن لك بهذه الخمس خمسينَ" صححه الترمذي

(1)

.

وكان الإسراء (قبل الهجرة) من مكة إلى المدينة (بنحو خمس سنين) على المشهور بين أهل السير، قال في "المبدع": وهو بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.

(و) الصلوات (الخمس فرض معين) بالكتاب، لقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}

(2)

وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ}

(3)

.

وبالسنة لما تقدم

(4)

، ولحديث ابن عمر:"بُنيَ الإِسلامُ على خمسٍ" متفق عليه

(5)

.

وبالإجماع.

(1)

في الصلاة، باب 45، حديث 213. ورواه - أيضًا - بهذا السياق عبد الرزاق (1/ 452) حديث 1768، وأحمد (3/ 161)، وعبد بن حميد (المنتخب 3/ 83 حديث 1156)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 135) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

وهذا المعنى جاء أيضًا ضمن حديث الإسراء الطويل، رواه البخاري في الصلاة، باب 1، حديث 349، وفي الأنبياء، باب 5، حديث 3342، ومسلم في الإيمان حديث 163 عن أنس، عن أبي ذر رضي الله عنهما.

(2)

سورة النساء، الآية:103.

(3)

سورة البينة، الآية:5.

(4)

ص/ 6.

(5)

"صحيح البخاري": الإيمان، باب 2، حديث 8، وفي التفسير، باب 30، حديث 4514، و"صحيح مسلم": الإيمان، حديث 16.

ص: 7

وقال نافع بن الأزرق لابن عباس: "هل تجدُ الصلواتِ الخمسَ في القرآنِ؟ قال: نعمْ، ثم قرأ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} الآيتين

(1)

"

(2)

.

(على كل مسلم، مكلف) قال في "المبدع": بغير خلاف (ولو لم يبلغه الشرع) أي: ما شرعه الله من الأحكام (كمن أسلم في دار حرب، ونحوه) كمن نشأ برأس جبل (ولم يسمع بالصلاة، فيقضيها) إذا دخل دار الإسلام، وتعلم حكمها، لعموم الأدلة.

وقيل: لا، ذكره القاضي، واختاره الشيخ تقي الدين

(3)

، بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، وأجرى الشيخ تقي الدين

(3)

ذلك في كل من ترك واجبًا قبل بلوغ الشرع، من تيمم، وزكاة، ونحوهما.

(إلا حائضًا، ونفساء) فلا تجب عليهما، ولا يقضيانها، لما مر (ولو طرحت نفسها) بضرب، أو دواء، ونحوهما، وتقدم.

(وتجب) الخمس (على نائم) أي: يجب عليه قضاؤها، إذا استيقظ، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من نامَ عنْ صلاةٍ، أو نسيَهَا، فليصلِّها إذا ذكرها" رواه مسلم

(4)

من

(1)

سورة الروم، الآيتان: 17، 18.

(2)

ذكره السيوطي في "الدر المنثور": (5/ 295)، وعزاه إلى عبد الرزاق [2/ 103]، والفريابي، وابن جرير [21/ 29]، وابن المنذر في الأوسط [2/ 321] رقم 932، وابن أبي حاتم، والطبراني في الكبير [10/ 304] رقم 10596، والحاكم:[2/ 410]، والبيهقي [1/ 359]، وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 48.

(4)

في المساجد، حديث 680. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 11، حديث 435، والنسائي في المواقيت، باب 54، حديث 619، وابن ماجه في الصلاة، باب 10، حديث 697، كلهم بلفظ: "من نسي صلاة .. "، ولم يذكروا لفظ: "نام عن صلاة"، وإنما أخرج ما يتعلق بالنوم مسلم في المساجد حديث 684، وغيره من حديث أنس رضي الله عنه ولفظه: "من نسي صلاة أو نام عنها".

ص: 8

حديث أبي هريرة، ولو لم تجب عليه حال نومه، لم يجب عليه قضاؤها، كالمجنون، ومثله الساهي.

(ويجب إعلامه) أي: النائم (إذا ضاق الوقت)

(1)

صححه في "الإنصاف"، وجزم به أبو الخطاب في "التمهيد".

(وتجب) الخمس (على من تغطى عقله بمرض، أو إغماء، أو دواء مباح) لأن ذلك لا يسقط الصوم، فكذا الصلاة، وكالنائم، ولأن عمارًا "غشي عليه ثلاثًا، ثم أفاق فقال: هل صليت؟ فقالوا: ما صليت منذُ ثلاثٍ، ثم توضأ وصلى تلكَ الثلاث"

(2)

.

وعن عمران بن حصين، وسمرة بن جندب، نحوه

(3)

، ولم يعرف لهم

(1)

أي وقت الاختيار. "ش".

(2)

روى عبد الرزاق (2/ 479) رقم 4156، وابن أبي شيبة (2/ 268)، والبيهقي (1/ 388) من طريق الثوري، عن السدي، قال: حدثني يزيد أن عمار بن ياسر رمي، فأغمي عليه في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فأفاق نصف الليل، فصلى الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء. قال ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 387): وسنده ضعيف.

ورواه ابن المنذر في الأوسط (4/ 392) رقم 2334، 2335 عن لؤلؤة مولاة عمار بن ياسر، أنه أغمي عليه ثلاثًا فترك الصلاة، ثم أفاق، فدعا بوضوء، فتوضأ، ثم ابتدأ صلوات الثلاث حتى فرغ. ولؤلؤة مولاة عمار لم نعثر على ترجمتها.

(3)

روى ابن أبي شيبة (2/ 269)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 392) رقم 2336، عن أبي مجلز، قال: قيل لعمران بن حصين، إن سمرة بن جندب يقول في المغمى عليه: يقضي مع كل صلاة مثلها، فقال عمران: ليس كما يقال، يقضيهن جميعًا. وسنده ضعيف لانقطاعه، فإن أبا مجلز لم يلق سمرة ولا عمران، قاله ابن المديني. انظر تهذيب الكمال (31/ 178).

ص: 9

مخالف

(1)

، فكان كالإجماع.

ولأن مدة الإغماء لا تطول غالبًا، ولا تثبت عليه الولاية.

ويجوز على الأنبياء بخلاف الجنون.

(أو) تغطى عقله (بمحرم، كمسكر، فيقضي) لأن سكره معصية، فلا يناسب إسقاط الواجب عنه، ولأنه إذا وجب بالنوم المباح، فبالمحرم بطريق الأولى.

وقيل: تسقط إن كان مكرهًا.

(ولو زمن جنونه لو جن بعده) أي: بعد شربه المسكر (متصلًا) جنونه (به) أي: بسكره المحرم، تغليظًا عليه.

قلت: وقياس الصلاة، الصوم، وسائر العبادات الواجبة.

(ولا تجب) الخمس (على كافر أصلي) لأنها لو وجبت عليه حال كفره لوجب عليه قضاؤها؛ لأن وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء، واللازم منتف.

(بمعنى أنا لا نأمره) أي: الكافر (بها) أي: بالصلاة (في كفره، ولا بقضائها، إذا أسلم) لأنه أسلم خلق كثير في عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن بعده، فلم

(1)

بلى، فقد روى مالك في الموطأ في وقوت الصلاة، باب 5، (1/ 13) ومن طريقه البيهقي (1/ 387) عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أغمي عليه، فذهب عقله، فلم يقض الصلاة.

ورواه ابن أبي شيبة (2/ 269) بلفظ: أنه أغمي عليه أيامًا، فأعاد صلاة يومه الذي أفاق فيه، ولم يعد شيئًا مما مضى. ورواه عبد الرزاق (2/ 479) بلفظ: أغمي عليه شهرًا. وفي رواية له: يومًا وليلة.

وروي بنحوه عن عائشة، وابن عمر رضي الله عنهم مرفوعًا، قال البيهقي: وروي فيه حديث مسند في إسناده ضعف. ثم ساق حديثي عائشة وابن عمر رضي الله عنهم. انظر السنن الكبرى (1/ 388).

ص: 10

يؤمر أحد بقضاء، لما فيه من التنفير عن الإسلام.

(ولا تصح) الصلاة (منه) لفقد شروطها

(1)

.

(وتجب) الخمس (عليه) أي: على الكافر (بمعنى العقاب؛ لأن الكفار - ولو مرتدين - مخاطبون بفروع الإسلام) من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وغيرها، على الصحيح، كالتوحيد إجماعًا، لقوله تعالى:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. . .} الآية

(2)

.

(ولا تجب) الخمس (على مرتد زمن ردته) كالكافر الأصلي (ولا تصح) الصلاة (منه) لفقد شرطها وهو الإسلام (ويقضي) المرتد إذا عاد إلى الإسلام (ما فاته قبل ردته) لاستقراره في ذمته، و (لا) يقضي ما فاته (زمنها) أي: زمن ردته لعدم وجوبها

(3)

عليه، كالأصلي.

(ولا تبطل عباداته) أي: المرتد (التي فعلها قبل ردته بها) أي: بردته، وقوله:(من صلاة، وصوم، وحج وغير ذلك) كزكاة: بيان لعباداته، فلا يلزمه إعادتها إذا أسلم؛ لأن ذمته قد برئت منه بفعله قبل الردة، فلم تشتغل به بعد ذلك، وإن مات مرتدًا، حبطت لقوله تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ. . .} الآية

(4)

.

وإن ارتد في أثناء عبادته، بطلت مطلقًا، لقوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ. . .} الآية

(5)

.

(1)

في "ذ": "شرطها".

(2)

سورة المدثر، الآية: 42، 43.

(3)

في "ح" و"ذ": "وجوبه".

(4)

سورة البقرة، الآية:217.

(5)

سورة الزمر، الآية:65.

ص: 11

(ولا تبطل استطاعة قادر على الحج بها) أي: بالردة، لقدرته على العود للإسلام، فيستقر الحج عليه، لكن لا يصح منه في ردته (ولا يجب) الحج (باستطاعته فيها) أي: في ردته، لعدم أهليته له إذن.

(ولا تجب على مجنون لا يفيق) لحديث عائشة مرفوعًا: "رفعَ القلمُ عن ثلاثٍ

(1)

: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصبيِّ حتى يحتلمَ" رواه أبو داود

(2)

، والترمذي

(3)

وحسنه.

(1)

في "ح": "ثلاثة" وكذا في "سنن أبي داود": (4/ 560)، والترمذي:(4/ 32)، وما ذكره المؤلف موافق لرواية النسائي وغيره. ولكل وجه.

(2)

"سنن أبي داود": الحدود، باب 16، حديث 4398. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الطلاق، باب 21، حديث 3432، وابن ماجه في الطلاق، باب 14، حديث رقم 2041، وإسحاق بن راهويه (3/ 388) حديث 1713، وابن أبي شيبة (5/ 268)، وأحمد (6/ 100، 101، 144)، والدارمي في الحدود، باب 1، حديث 2301، وابن الجارود (148)، وأبو يعلى (7/ 366) حديث 4400، وابن المنذر (4/ 387) حديث 2327، والطحاوي (2/ 74) وفي شرح مشكل الآثار (10/ 151) حديث 3987، وابن حبان "الإحسان" (1/ 355) حديث 142، والحاكم (2/ 59)، والبيهقي (6/ 84، 206، 8/ 41، 10/ 317)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الترمذي في العلل الكبير ص/ 225، رقم 404: سألت محمدًا [يعني البخاري] عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظًا. وقال الحافظ في الدراية (2/ 198): وفي إسناده حماد بن أبي سليمان مختلف فيه. وانظر تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق (2/ 1387)، والإمام (3/ 534)، ونصب الراية (4/ 162).

(3)

لم يخرجه الترمذي من حديث عائشة، وإنما أخرجه في الحدود، باب 1، حديث 1423، من حديث علي رضي الله عنه، وقال: حسن غريب.

ورواه - أيضًا - أبو داود في الحدود، باب 16، حديث 4401، 4403، والنسائي في الكبرى (4/ 323، 324) حديث 7343، 7344، 7346، وابن ماجه في =

ص: 12

ولأنه ليس من أهل التكليف، أشبه الطفل، وظاهره ولو اتصل جنونه بردته، كالحيض، وقدم في "المبدع": يجب قضاء أيام الجنون الواقعة في الردة؛ لأن إسقاط القضاء عن المجنون رخصة، والمرتد ليس من أهلها.

= الطلاق، باب 15، حديث 2042، والطيالسي ص/ 15، حديث 90، وسعيد بن منصور (2/ 71) حديث 2081، 2082، وأحمد (1/ 116، 118، 140، 154 - 155، 158)، وأبو يعلى (1/ 440) حديث 587، وابن خزيمة (2/ 102) حديث 1003، (4/ 348) حديث 3048، والطحاوي (2/ 74)، وفي شرح مشكل الآثار (10/ 151) حديث 3986، وابن حبان "الإحسان"(1/ 356) حديث 143، والدارقطني (1/ 138 - 139)، والحاكم (1/ 258، 2/ 59، 4/ 389)، والبيهقي (3/ 83، 4/ 388، 389، 7/ 359، 8/ 264 - 265) كلهم من طرق عن علي رضي الله عنه مرفوعًا.

ورواه أبو داود رقم 4399، 4400، والنسائي في الكبرى (4/ 323، 324) رقم 7345، 7347، وسعيد بن منصور (2/ 70 - 71) رقم 2078، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 448 - 449) رقم 763، والحاكم (4/ 388، 389)، والبيهقي (8/ 264) عن علي رضي الله عنه موقوفًا.

واختلف النقاد في ترجيح الرفع والوقف، فممن رجح الرفع الإمام البخاري. قال الترمذي في العلل الكبير ص/ 225 - 226: وسألت محمدًا عنه - يعني حديث الحسن عن علي بن أبي طالب: رفع القلم. . . الحديث فقال: الحسن قد أدرك عليًا، وهو عندي حديث حسن.

والنووي قال في الخلاصة (1/ 250): رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.

وممن رجح الوقف النسائي في الكبرى (4/ 324)، والدارقطني في العلل (3/ 192)، وصحح الحاكم المرفوع (1/ 258)، والموقوف (4/ 389) على شرط الشيخين.

قال الحافظ في الفتح (12/ 121): ورجح النسائي الموقوف، ومع ذلك فهو مرفوع حكمًا.

ص: 13

(ولا تصح) الصلاة (منه) أي: من المجنون؛ لأن من شرطها النية، ولا تمكن منه.

(ولا قضاء) على المجنون إذا أفاق، لعدم لزومها له.

(وكذا الأبله الذي لا يُفيق) ذكره السامري وغيره، كالمجنون.

يقال: بله بلهًا، كتعب تعبًا، وتباله: أرى من نفسه ذلك، وليس به. ويقال: الأبله أيضًا، لمن غلبت عليه سلامة الصدر، وفي الحديث:"أكثرُ أهلِ الجنةِ البلهُ"

(1)

.

قال الجوهري

(2)

: يعني البله في أمر الدنيا، لقلة اهتمامهم بها، وهم

(1)

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 194)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 125) حديث 1366، وابن عساكر (43/ 533) عن جابر رضي الله عنه.

قال ابن عدي: هذا باطل بهذا الإسناد. وقال البيهقي: هذا الحديث بهذا الإسناد منكر. وقال ابن عساكر: قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث مصعب بن ماهان عن الثوري، ولا أعرفه بهذه الإسناد إلا من هذا الطريق، وهو حديث غريب إن صح.

وأخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 411)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 431) حديث 2982، وابن عدي في الكامل (3/ 1160)، والشهاب القضاعي في مسنده برقم 989، 990، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 126)، والديلمي في فردوس الأخبار (1/ 443) حديث 1466، وابن عساكر (41/ 526)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 452) من حديث أنس رضي الله عنه.

قال ابن عدي: هذا الحديث بهذا الإسناد منكر. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 79): رواه البزار، وفيه سلامة بن روح، وثقه بن حبان وغيره، وضعفه أحمد بن صالح، وغيره، وروايته عن عقيل وجادة. وذكر العجلوني في "كشف الخفاء": حديث 495، وقال: رواه البيهقي والبزار، والديلمي والخلعي، بسند فيه لين عن أنس، ثم ذكر العجلوني كلام العلماء في "تفسير البله" فارجع إليه.

(2)

الصحاح (6/ 2227).

ص: 14

أكياس في أمر الآخرة.

(وإن أذن) كافر يصح إسلامه، حكم به لاشتمال الأذان على الشهادتين.

(أو صلى في أي حال، أو) أي (محل كافر يصح إسلامه) كالمميز (حكم بإسلامه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى صلاتنَا، واستقبلَ قبلتنَا، فلهُ ما لنَا وعليهِ ما علينَا"

(1)

.

لكن في البخاري من حديث أنس موقوفًا من قوله حين سأله ميمون بن شاه

(2)

فقال: "من شهدَ أن لَا إلهَ إلا اللهُ، واستقبلَ قبلتنَا، وصلَّى صلاتنَا، وأكلَ ذبيحتنَا، فهو المسلم؛ لهُ ما للمسلمِ وعليه ما على المسلمِ"

(3)

.

وروى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نُهيتُ عن قتلِ المصلينَ"

(4)

وظاهره: أن العصمة تثبت بالصلاة، وهي لا تكون بدون الإسلام،

(1)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 28، حديث 391، والنسائي في الإيمان، باب 9، حديث 5012، مرفوعًا عن أنس رضي الله عنه بلفظ:"فذلكم المسلم" وزاد البخاري: الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته. بدل:"فله ما لنا وعليه ما علينا".

(2)

كذا في الأصول: ميمون بن شاه، والصواب: ميمون بن سياه - بكسر المهملة بعدها تحتانية - البصري أبو بحر صدوق عابد يخطئ. التقريب 989.

(3)

"صحيح البخاري": الصلاة، باب 28، حديث 393.

(4)

"سنن أبي داود": الأدب، باب 61، حديث 4928. ورواه - أيضًا - أبو يعلى في مسنده (10/ 509) حديث 6126، والدارقطني (2/ 54 - 55)، والبيهقي (8/ 224)، وفي شعب الإيمان (3/ 35) حديث 2798، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 266).

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (7/ 240): في إسناده أبو يسار القرشي، سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: مجهول.

وقال في الترغيب والترهيب (3/ 29 - 30): رواه أبو داود عن أبي يسار القرشي، عن =

ص: 15

ولأنها عبادة تختص شرعنا، أشبهت الأذان.

ويحكم بكفر من سجد لصنم، فكذا عكسه.

(ويأتي) في باب المرتد بيان من يصح إسلامه، وبيان أنه يحكم بالإسلام بالصلاة.

(ولا تصح صلاته) أي: الكافر (ظاهرًا) لفقد شرطها وهو الإسلام، فيؤمر بإعادتها، وإن علم أنه كان قد أسلم، ثم تطهر وصلى بنية صحيحة، فصلاته صحيحة.

(ولا يعتد بأذانه) فلا يسقط به فرض الكفاية؛ لاشتراط النية فيه، وعدم صحتها من كافر.

ومعنى الحكم بإسلامه بما ذكر، أنه لو مات عقب الصلاة، أو الأذان، فتركته لأقاربه المسلمين، دون الكفار، ويدفن في مقابرنا، وأنه لو أراد البقاء على الكفر، وقال: إنما صليت، أو إنما أذنت متلاعبًا، أو مستهزئًا، لم يقبل منه، كما لو أتى بالشهادتين، ثم قال: لم أرد الإسلام.

(ولا يحكم بإسلامه بإخراج زكاة ماله، وحجه، ولا بصومه قاصدًا رمضان) لأن المشركين كانوا يحجون في أول الإسلام حتى نزل قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. . .} الآية

(1)

ولم يحكم بإسلامهم بذلك، وكذا باقي العبادات، غير الشهادتين، والصلاة، ولأنها لا تختص شرعنا بخلاف الصلاة.

= أبي هاشم، عن أبي هريرة، وفي متنه نكارة، وأبو يسار هذا لا أعرف اسمه، وقد قال أبو حاتم الرازي - لما سئل عنه -: مجهول. وليس كذلك فإنه قد روى عنه الأوزاعي والليث، فكيف يكون مجهولًا.

وقال الدارقطني في العلل (11/ 230 - 231): وأبو هاشم، وأبو يسار مجهولان، ولا يثبت الحديث. اهـ.

(1)

سورة التوبة، الآية:28.

ص: 16

(ولا تجب) الخمس (على صغير لم يبلغ) للخبر

(1)

، ولأنها عبادة بدنية، فلم تلزمه، كالحج، والطفل لا يعقل، والمدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى وتختلف، فنصب الشارع عليه علامة ظاهرة، وهي البلوغ.

(ولا تصح منه إلا من مميز) أي: لا تصح الصلاة، من صغير لم يميز لفقدها شرطها، وهو النية.

وتصح من مميز (وهو من بلغ سبع سنين) قال في "المطلع"

(2)

: هو الذي يفهم الخطاب، ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الأفهام، وصوبه في "الإنصاف" وقال: إن الاشتقاق يدل عليه.

(ويشترط لصحة صلاته) أي: المميز (ما يشترط لصحة صلاة الكبير) أي: البالغ، لعموم الأدلة (إلا في السترة على ما يأتي) تفصيله في باب ستر العورة، لاختلافها بحسب البلوغ وعدمه.

(والثواب له) أي: ثواب صلاة المميز للمميز؛ لأنه العامل، فهو داخل في عموم:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}

(3)

.

(وكذا أعمال البر كلها) إذا عملها غير البالغ، كان ثوابها له كالصلاة، ولحديث:"ألهذا - أي: الصبي - حجُّ؟ قال: نعمْ، ولك أجر"

(4)

ويأتي.

(فهو) أي: الصغير (يكتب له) ما عمله من الحسنات (ولا يكتب عليه) ما عمله من السيئات، لرفع القلم عنه.

(ويلزم الولي أمره) أي: المميز (بها) أي: بالصلاة (إذن) أي: حين يتم

(1)

لعله يعني حديث: رفع القلم عن ثلاثة. . . وقد تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم 2.

(2)

ص/ 51.

(3)

سورة الأنعام، الآية:160.

(4)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1336، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 17

له سبع سنين، ذكرًا كان، أو أنثى، لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مرُوا أبناءَكم بالصلاةِ، وهم أبناءُ سبع سنينَ، واضربُوهُم عليها لعشرٍ، وفرقُوا بينَهمْ في المضاجِعِ" رواه أحمد، وأبو داود

(1)

، من رواية سوار بن داود، وقد وثقه ابن معين وغيره.

(و) يلزم الولي (تعليمه إياها) أي: الصلاة (وتعليم طهارة

(2)

، نصًا) لأنه لا يمكنه فعل الصلاة إلا إذا علمها، فإذا علمها، احتاج إلى العلم بالطهارة، ليتمكن منها.

(1)

أحمد (2/ 180، 187)، وأبو داود في الصلاة، باب 26، حديث 495. ورواه - أيضًا - البخاري في تاريخه (4/ 168)، وابن أبي شيبة (1/ 347)، والدولابي في الكنى (1/ 159)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 168)، وابن عدي (3/ 929)، والدارقطني: (1/ 230)، والحاكم: (1/ 197)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 26)، والبيهقي (2/ 229، 3/ 84)، والخطيب في تاريخه (2/ 278)، والبغوي في "شرح السنة": (2/ 406) حديث 505.

وقال النووي في الخلاصة (1/ 252) حديث 687، وفي المجموع (3/ 10 - 11): رواه أبو داود بإسناد حسن.

وله شاهد من حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه: رواه أبو داود في الصلاة، باب 26، حديث 494، والترمذي في الصلاة، باب 299، حديث 407، وابن أبي شيبة (1/ 347)، وأحمد (3/ 404)، والدارمي في الصلاة، باب 141، حديث 1438، وابن الجارود حديث 147، وابن خزيمة (2/ 102) حديث 1002، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 397) حديث 2565، والطبراني في الكبير (7/ 115) حديث 6546 - 6549، والدارقطني (1/ 230)، والحاكم (1/ 201)، والبيهقي (2/ 14، 3/ 83 - 84)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وحسنه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 138).

(2)

في "ح": "طهارتها".

ص: 18

فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الصغير، فإن لم يكن، فعلى من تلزمه نفقته.

وكذا إصلاح ماله، وكفه عن المفاسد.

وكذلك ذكر النووي في "شرح المهذب"

(1)

الصيام ونحوه.

ويعرف تحريم الزنا، واللواط، والسرقة، وشرب المسكر، والكذب، والغيبة، ونحوها.

ويعرف أنه بالبلوغ

(2)

يدخل في التكليف، ويعرفه ما بلغ به.

وقيل: هذا التعليم مستحب، والصحيح وجوبه.

(ويضرب) المميز (ولو رقيقًا على تركها) أي: الصلاة (لعشر) أي: عند بلوغه عشر سنين تامة (وجوبًا) للخبر، والأمر والضرب في حقه لتمرينه عليها، حتى يألفها، ويعتادها، فلا يتركها عند البلوغ.

(وإن بلغ في أثنائها) في وقتها، لزمه إعادتها (أو) بلغ (بعدها) أي: الصلاة (في وقتها، لزمه إعادتها) لأنها نافلة في حقه، فلم تجزئه عن الفرض. كما لو نواها نفلًا.

وكما يلزمه إعادة الحج.

(و) يلزمه (إعادة تيمم لفرض) لأن تيممه قبل بلوغه كان لنافلة. فلا يستبيح به الفرض.

و (لا) يلزمه إعادة (وضوء) ولا غسل جنابة؛ لأن من توضأ، أو اغتسل لنافلة، استباح به الفريضة، لرفعه الحدث، بخلاف التيمم (وتقدم) ذلك.

(ولا) يلزمه أيضًا (إعادة إسلام) لأن أصل الدين لا يصح نفلًا، فإذا وجد، فعلى وجه الوجوب، ولأنه يصح بفعل غيره، وهو الأب.

(1)

المجموع (1/ 50، 3/ 11، 6/ 205).

(2)

وسمي بلوغًا لبلوغه حد التكليف. "ش".

ص: 19

(ويلزمه إتمامها) أي: الصلاة (إذا بلغ فيها) قدمه أبو المعالي في "النهاية"، وتبعه ابن عبيدان، وقال في "الفروع" وغيره: وحيث وجبت لزمه إتمامها، وإلا فالخلاف في النفل، أي: إن قلنا: تجب الصلاة على ابن عشر فبلغ فيها، لزمه إتمامها وإعادتها، وإن قلنا: لا تجب عليه قبل البلوغ، كما هو المذهب، فبلغ في أثنائها فوجوب وإتمامها مبني على القولين فيمن شرع في نفل، هل يجب عليه إتمامه؟ والصحيح، - كما يأتي -: لا يلزمه إتمامه. فعلى هذا لا يلزمه إتمامها.

(ولا يجوز لمن وجبت عليه) صلاةٌ (تأخيرها أو) تأخير (بعضها عن وقت الجواز) في: وقت الصلاة، إن كان لها وقت واحد، ووقت الاختيار، إن كان لها وقتان (إن كان ذاكرًا لها، قادرًا على فعلها) قال في "المبدع": إجماعًا، لما روى أبو قتادة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"ليسَ في النومِ تفريطٌ، إنما التفريطُ في اليقظةِ، أن تؤخرَ صلاةٌ إلى أن يدخَل وقتُ صلاةٍ أخرى" رواه مسلم

(1)

.

ولأنه يجب إيقاعها في الوقت، فإذا خرج، ولم يأت بها كلها، كان تاركًا للواجب مخالفًا للأمر، ولأنه لو عذر بالتأخير لفاتت فائدة التأقيت.

(إلا لمن ينوي الجمع) لعذر؛ فإنه يجوز له التأخير؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الأولى في الجمع، ويصليها في وقت الثانية، وسيأتي.

ولأن وقتيهما يصيران وقتًا واحدًا لهما، ومقتضاه: أنه لا يحتاج إلى استثنائه، لكن لما كان لكل صلاة وقت معلوم، فيتبادر الذهن إليه، فتعين إخراجه.

(1)

في المساجد، في حديث طويل 681، ولفظه:"أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى. . ." الحديث.

ص: 20

(أو لمشتغل بشرطها الذي يحصله قريبًا، كالمشتغل بالوضوء، والغسل) وستر العورة، إذا انخرق ثوبه، واشتغل بخياطته، وليس عنده غيره؛ لأن الشرط لا بدل له.

و (لا) يجوز التأخير لمشتغل بشرطها (البعيد، كالعريان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية أخرى يشتري منها ثوبًا) أو يستأجره ونحوه (ولا يصلي إلا بعد الوقت) فيصلي عريانًا (وكالعاجز عن تعلم التكبير، والتشهد، ونحو ذلك) كالفاتحة، وأدلة القبلة، إذا خفيت عليه (بل يصلي في الوقت على حسب حاله) تقديمًا للوقت، لسقوط الشرط إذن بالعجز عنه.

(وله) أي: لمن وجبت عليه صلاة (تأخيرها عن أول وقت وجوبها) لفعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني من فرض الصلاة

(1)

(بشرط العزم على فعلها فيه) أي: في الوقت المختار، كقضاء رمضان، ونحوه، مما وقته موسع (ما لم يظن مانعًا منه) أي: من فعل الصلاة (كموت، وقتل، وحيض) فيجب عليه أن يبادر بالصلاة قبل ذلك.

(وكذا من) عدم السترة إذا (أعير سترة أول الوقت فقط) فيلزمه أداؤها إذن، لتمكنه من الإتيان بها بشرطها.

(و) كذا (متوضئ عدم الماء في السفر) كما هو الغالب، أو في الحضر، لقطع عدو ماء بلده، ونحوه (وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت، ولا يرجو وجوده) أي: الماء في الوقت، فيلزمه أن يصلي بوضوئه.

(و) كذا (مستحاضة لها عادة بانقطاع دمها، في وقت يتسع لفعلها) وفعل الوضوء (فيتعين فعلها في ذلك الوقت) سواء كان أول الوقت، أو وسطه، أو آخره.

(1)

انظر حديث جابر الآتي ص/ 85 تعليق رقم 2.

ص: 21

(ومن له التأخير) أي: تأخير الصلاة في الوقت (فمات قبل الفعل) في الوقت (لم يأثم) لعدم تفريطه (وتسقط بموته) قال القاضي: لأنها لا تدخلها النيابة، فلا فائدة في بقائها في ذمته، بخلاف الزكاة، والحج.

(ويحرم التأخير للصلاة) أو بعضها (بلا عذر إلى وقت الضرورة) كما يحرم إخراجها عن وقتها. وتقدم.

ص: 22

فصل

(ومن جحد وجوبها) أي: وجوب صلاة من الخمس (كفر، إن كان ممن لا يجهله، كمن نشأ بدار الإسلام) زاد ابن تميم: وإن فعلها؛ لأنه لا يجحدها إلا تكذيبًا لله، ولرسوله، وإجماع الأمة. ويصير مرتدًا بغير خلاف نعلمه. قاله في "المبدع".

(وإن كان ممن يجهله) أي: وجوبها (كحديث عهد بالإسلام، أو من نشأ ببادية، عُرِّفَ وجوبها، ولم يحكم بكفره) لأنه معذور. فإن قال: أنسيتها، قيل له: صل الآن، وإن قال: أعجز عنها لعذر، كمرض، أو عجز عن أركانها، أعلم أن ذلك لا يسقط الصلاة، وأنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته (فإن أصر) على الجحد (كفر) لما سبق.

(فإن تركها تهاونًا، وكسلًا) لا جحودًا (دعاه إمام، أو نائبه إلى فعلها) لاحتمال أن يكون تركها لعذر يعتقد سقوطها به، كالمرض، ونحوه، ويهدده فيقول له: إن صليت، وإلا، قتلناك، وذلك في وقت كل صلاة.

(فإن أبى) أن يصليها (حتى تضايق وقت التي بعدها) أي: بعد التي دعي لها عن فعل الثانية، كما جزم به في "مختصر المقنع" تبعًا "للوجيز" وغيره (وجب قتله) لقوله تعالى:{اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ - إلى قوله - فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}

(1)

فمن ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية، فيبقى على إباحة القتل.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من تركَ الصلاةَ متعمدًا فقدْ برئتْ منهُ ذمةُ اللهِ ورسولِهِ" رواه

(1)

سورة التوبة، الآية:5.

ص: 23

أحمد

(1)

بإسناده عن مكحول، وهو مرسل جيد. قاله في "المبدع". ولأنها من أركان الإسلام لا تدخلها النيابة، فقتل تاركها كالشهادتين.

ولا يقتل بترك الأولى؛ لأنه لا يعلم أنه عزم على تركها إلا بخروج وقتها، فإذا خرج علمنا أنه تركها، ولا يجب قتله بها، لأنها فائتة، فإذا ضاق وقت الثانية وجب قتله.

(ولا يقتل) من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا. وكذا من جحد وجوبها (حتى يستتاب ثلاثة أيام، كمرتد) أي: كسائر المرتدين (نصًا) ويضيق عليه. وذكر القاضي أنه يضرب (فإن تاب) من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا (بفعلها) أي:

(1)

أحمد: (6/ 421) عن مكحول، عن أم أيمن مرفوعًا. ورواه - أيضًا - عبد بن حميد "المنتخب"(3/ 274) حديث 1592، عن مكحول، وابن عساكر (60/ 199 و 62/ 224) عن مكحول، وسليمان بن موسى، عن أم أيمن رضي الله عنها مرفوعًا في حديث طويل دون قوله:"ورسوله". وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد": (1/ 295) وقال: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن مكحولًا لم يسمع من أم أيمن"، ورواه ابن عساكر - أيضًا - (60/ 199) عن مكحول مرسلًا.

وله شاهد من حديث معاذ رضي الله عنه: رواه أحمد (5/ 238)، والطبراني في الكبير (20/ 82) حديث 156، وفي مسند الشاميين (3/ 56) حديث 2204، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 215) وقال:"رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات إلا أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ، وإسناد الطبراني متصل، وفيه عمرو بن واقد القرشي، وهو كذاب".

وله شاهد آخر من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: رواه البخاري في الأدب المفرد حديث 18، وابن ماجه في الفتن، باب 23 حديث 4034، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 217) وقال: رواه الطبراني وفيه شهر بن حوشب، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 304): هذا إسناد حسن، شهر مختلف فيه.

ص: 24

بفعل الصلاة، خلي سبيله. نقل صالح

(1)

: توبته أن يصلي؛ لأن كفره بالامتناع منها، فحصلت توبته بها، بخلاف جاحدها، فإن توبته، إقراره بما جحده مع الشهادتين، كما يعلم مما يأتي في باب المرتد.

(وإلا) أي: كان لم يتب بفعل الصلاة (قتل بضرب عنقه) بالسيف، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قتلتُم فأحسِنُوا القتلة" رواه مسلم

(2)

أي: الهيئة من القتل (لكفره) علة لقُتل، لما روى جابر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بينَ الرجلِ وبينَ الكُفرِ تركُ الصلاةِ" رواه مسلم

(3)

.

وروى بريدة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من تركَها فقدْ كفَرَ"، رواه الخمسة وصححه الترمذي

(4)

.

وروى عبادة مرفوعًا: "من ترك الصلاةَ متعمِّدًا فقد خَرجَ من الملّةِ" رواه الطبراني

(5)

بإسناد جيد.

(1)

مسائل الإمام أحمد لابنه صالح (1/ 376) رقم 350.

(2)

في الصيد والذبائح، حديث 1955 عن شداد بن أوس رضي الله عنه.

(3)

تقدم تخريجه ص 6، تعليق رقم 2 من هذا الجزء.

(4)

الترمذي في الإيمان، باب 9، حديث 2621، وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي في الصلاة، باب 8، حديث 462، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 77، حديث 1078، وأحمد (5/ 346، 355)، وأول الحديث:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن. . .". وأخرجه - أيضًا - أبن أبي شيبة (11/ 34)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 305) حديث 1454، والدارقطني (2/ 52)، والحاكم (1/ 6، 7)، وصححه، والبيهقي (3/ 366). وصنيع المؤلف يدل على أنه رواه - أيضًا - أبو داود، ولكن لم نجده في سننه المطبوعة.

(5)

لم نجده في معاجم الطبراني الثلاثة المطبوعة، وأورده ابن كثير في جامع المسانيد والسنن (7/ 119) من طريقه. وقد رواه - أيضًا - الشاشي في مسنده (3/ 211) حديث 1309، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 889) حديث =

ص: 25

وقال عمر: "لا حظَّ في الإسلام لمن ترَكَ الصلَاةَ"

(1)

.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أولُ ما تفقدونَ من دينِكم الأمانةُ، وآخرُ ما تفقِدونَ الصلاةُ"

(2)

.

= 920، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 822) حديث 1522، والضياء في المختارة (8/ 287 - 288) حديث 351، كلهم من طريق يزيد بن قوذر، عن سلمة بن شريح عن عبادة رضي الله عنه. ورواه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 75) بلفظ:"من ترك الصلاة، فليس من الله". وقال: لا يعرف إسناده. وذكره العلامة ابن القيم في كتاب الصلاة وحكم تاركها ص/ 43، وعزاه إلى ابن أبي حاتم في سننه.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 432) حديث 797: رواه الطبراني، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة بإسنادين لا بأس بهما.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 216) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه سلمة بن شريح، قال الذهبي: لا يعرف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وانظر ذيل ميزان الاعتدال ص/ 273.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 509) تعليق رقم 1.

(2)

أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 174) حديث 155، وتمام في فوائده (1/ 84) حديث 191، والشهاب القضاعي في مسنده حديث 216، 217، عن أنس رضي الله عنه. وفي سنده ثواب بن حجيل: ترجمه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 158)، وابن أبي حاتم في الجرح (2/ 471) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في الثقات (6/ 122 - 123).

وأخرجه عبد الرزاق (3/ 363) حديث 5986، وابن أبي شيبة (14/ 93)، والخرائطي (1/ 178) حديث 160، والطبراني في الكبير (9/ 153، 361) حديث 8700، 9562، والبيهقي في سننه (6/ 289)، وفي الشعب (4/ 325) حديث 5273، والخطيب في تاريخه (12/ 80) كلهم من طريق شداد بن معقل، عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 329 - 330) وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل - وهو ثقة. =

ص: 26

قال أحمد

(1)

: كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء.

ولأنه يدخل بفعلها في الإسلام، فيخرج بتركها عنه، كالشهادتين.

(وحيث كفر، فـ) ــإنه يقتل بعد الاستتابة، ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، و (لا يرق، ولا يسبى له أهل، ولا ولد) كسائر المرتدين.

(ولا قتل، ولا تكفير قبل الدعاية) بحال، لاحتمال أن يكون تركها لشيء يظنه عذرًا في تركها (قال الشيخ

(2)

: وتنبغي الإشاعة عنه بتركها، حتى يصلي، ولا ينبغي السلام عليه، ولا إجابة دعوته انتهى) لعله يرتدع بذلك، ويرجع.

(ومن راجع الإسلام قضى صلاته مدة امتناعه) قدمه في "الفروع"، وهو ظاهر كلام جماعة. وقال في "المبدع": وظاهره أنه متى راجع الإسلام، لم يقض مدة امتناعه، كغيره من المرتدين، لعموم الأدلة، ثم حكى كلام الفروع.

(ومن جحد وجوب الجمعة كفر) للإجماع عليها، وظهور حكمها، فلا يعذر بالجهل به، إلا إذا كان قريب عهد بإسلام، أو نشأ ببادية.

(وكذا لو ترك ركنًا) مجمعًا عليه (أو شرطًا مجمعًا عليه كالطهارة،

= ورواه الطبراني في الصغير (1/ 138)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 174)، والبيهقي في الشعب (4/ 325) حديث 2574 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: إن أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة

الحديث. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 321) وقال: وفيه حكيم بن نافع، وثقه ابن معين، وضعفه أبو زرعة، وبقية رجاله ثقات.

(1)

انظر طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 354)، والمغني لابن قدامة (3/ 355).

(2)

الاختيارات الفقهية (50).

ص: 27

والركوع، والسجود) لأنه كتركها (أو) ترك ركنًا أو شرطًا (مختلفًا فيه يعتقد وجوبه) فهو كترك جميعها، ذكره ابن عقيل وغيره. قال: كما نحده بفعل ما يوجب الحد على مذهبه، وقدمه في "الفروع" وغيره.

(قال) صدر الوزراء عون الدين أبو المظفر يحيى (بن هبيرة) الشيباني البغدادي في قول حذيفة - وقد رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده -: "ما صليتَ، ولو متَّ، متَّ على غيرِ الفطرة التي فطرَ اللهُ عليهَا محمدًا صلى الله عليه وسلم"

(1)

فيه أن إنكار المنكر في مثل هذا يغلظ له لفظ الإنكار، وفيه إشارة إلى تكفير تارك الصلاة، وإلى تغليظ الأمر في الصلاة، حتى إن (من أساء في صلاته، ولم يتم ركوعها، ولا سجودها) فإن (حكمه حكم تاركها) اهـ.

(وعند الموفق ومن تابعه) كالشارح (لا يقتل بمختلف فيه) كما لا يحد المتزوج بغير ولي (وهو أظهر) للشبهة.

(ولا يكفر بترك شيء من العبادات تهاونًا غير الصلاة، فلا يكفر بترك زكاة بخلا، ولا يترك صوم، وحج يحرم تأخيره تهاونًا) لقول عبد الله بن شقيق: "لم يكن أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يروْن شيئًا منَ الأعمالِ تركُه كفرٌ غيرَ الصلاةِ"

(2)

(ويقتل فيهن حدًّا) لما يأتي في أبوابها.

(ولا يقتل بـ) ــترك (صلاة فائتة، ولا بترك كفارة، ونذر) للاختلاف في وجوبها فورًا.

"خاتمة" اختلف العلماء: بم كفر إبليس؟ فذكر أبو إسحاق بن شاقلا: أنه كفر بترك السجود، لا بجحوده.

(1)

رواه البخاري في الأذان، باب 119، حديث 791.

(2)

تقدم تخريجه ص/ 6، تعليق رقم 3.

ص: 28

وقيل: كفر لمخالفته الأمر الشفاهي من الله تعالى، فإنه سبحانه خاطبه بذلك.

قال الشيخ برهان الدين ولد صاحب "الفروع" في الاستعاذة له

(1)

: وقال جمهور الناس: كفر إبليس لأنه أبى واستكبر، وعاند، وطعن، وأصر، واعتقد أنه محق في تمرده، واستدل بأنا خير منه، فكأنه ترك السجود لآدم تسفيهًا لأمر الله تعالى وحكمته، وعن هذا الكبر عبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا يدخلُ الجنةَ منْ في قلبِهِ مثقالُ ذرةٍ من كبر"

(2)

.

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية الميموني: إنما أمر بالسجود، فاستكبر، وكان من الكافرين، والاستكبار كفر.

وقالت الخوارج: كفر بمعصية الله تعالى، وكل معصية كفر. وهذا قول باطل بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة.

(1)

ص/ 28.

(2)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 91، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، بلفظ:"من كان في قلبه. . .".

ص: 29

‌باب الأذان والإقامة وما يتعلق بهما من الأحكام

(وهو) أي: الأذان، لغة: الإعلام. قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(1)

أي: إعلام. وقال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}

(2)

أي: أعلمهم.

وقال الشاعر

(3)

: آذنتنا ببينها أسماء، أي: أعلمتنا، يقال: أذن بالشيء تأذينًا وأذانًا وأذينا، على وزن رغيف، إذا أعلم به. فهو اسم مصدر، وأصله من الأذن، وهو الاستماع؛ لأنه يلقي في آذان الناس ما يعلمهم به.

وشرعًا: (الإعلام بدخول وقت الصلاة، أو) الإعلام بـ (ـــقربه لفجر) في الجملة، لأنه يصح الأذان لها بعد نصف الليل، كما يأتي.

(وهي) أي: الإقامة في الأصل مصدر أقام، وحقيقته: إقامة القاعد، أو المضطجع، فكأن المؤذن إذا أتى بألفاظ الإقامة أقام القاعدين، وأزالهم عن قعودهم.

وشرعًا: (الإعلام بالقيام إليها) أي: إلى الصلاة (بذكر مخصوص فيهما) أي: في الأذان، والإقامة.

وهما مشروعان بالكتاب والسنة، أما الكتاب، فقوله تعالى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا}

(4)

و {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}

(5)

.

(1)

سورة التوبة، الآية:3.

(2)

سورة الحج، الآية:27.

(3)

هو الحارث بن حلزة. وهذا صدر بيت وتمامه: رب ثاوٍ يمل منه الثواء. انظر ديوانه ص/ 19.

(4)

سورة المائدة، الآية:58.

(5)

سورة الجمعة، الآية:9.

ص: 31

وأما السنة فهي شهيرة بذلك، ومنها:

حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: "لما أمَر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالناقوسِ يعملُ ليضربَ به للناسِ لجمع الصلاةِ، طافَ بي - وأنا نائمٌ - رجلٌ يحملُ ناقوسًا في يدهِ، فقلتُ: يا عَبْدَ اللهِ، أتبيع الناقوسَ؟ قال: وما تصنعُ بهِ؟ قلت: أدعو بِهِ إلى الصلاةِ. قال: أفلا أدلُّكَ على ما هُوَ خيرٌ من ذلك؟ فقلتُ: بلى. قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهدُ أن لا إلَهَ إلا الله، أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، أشهدُ أن محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أن محمدًا رسولُ الله، حي على الصلاةِ، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلا الله.

ثم استأخرَ عني غيرَ بعيدٍ، ثم قالَ: تقولُ - إذا قمتَ إلى الصلاةِ -: الله أكبر، الله أكبر، أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيِّ على الصلاة، حيِّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إلهَ إلا الله.

فلمَّا أصبحتُ، أتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهُ بما رأيتُ، فقال: إنها لرؤيا حقٍّ، - إن شاء الله -، فقمْ مع بلالٍ، فألقِهِ عليهِ، فليؤذنْ، فإنه أندَى صوتًا منكَ. فقمتُ مع بلالٍ، فجعلتُ ألقيهِ عليه ويؤذنُ به.

قال: فسمع ذلك عمرُ بنُ الخطابِ، - وهو في بيتهِ - فخرجَ يجر رداءَه، يقول: والذي بعثكَ بالحقِّ يا رسول اللهِ، لقد رأيتُ مثلَ الذي رأى، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: فللهِ الحمدُ" رواه أحمد، وأبو داود واللفظ له، وابن ماجه. وأخرج الترمذي

(1)

بعضه. وقال: حديث حسن صحيح.

(1)

أحمد (4/ 42، 43)، وأبو داود في الصلاة، باب 28، حديث 499، وابن ماجه في الأذان، حديث 706، والترمذي في الصلاة، باب 25، حديث 189. وأخرجه - أيضًا - البخاري في خلق أفعال العباد ص/ 34، 35 حديث 147، 148، =

ص: 32

وفي "الصحيحين" عن أنس قال: "لما كثرَ الناسُ، ذكروا أن يعلمُوا وقتَ الصلاة بشيء يعرفونَه، فذكروا أن يوقدُوا نارًا، أو يضربُوا ناقوسًا، فأمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة"

(1)

.

(وهو) أي: الأذان (أفضل من الإقامة) لزيادته عليها، (و) أفضل (من الإمامة).

ويدل ل‌

‌فضل الأذان

أحاديث كثيرة، منها:

حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناسُ ما في النداءِ، والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدُوا إلا أن يستَهِمُوا عليهِ لاستَهَمُوا عليه"

= وعبد الرزاق (1/ 460)، حديث 1788، وابن أبي شيبة (1/ 203)، والدارمي في الصلاة، باب 3، حديث 1190، وابن الجارود (158)، وابن خزيمة (1/ 191 - 192)، حديث 363، 371، وابن حبان "الإحسان"(4/ 572) حديث 1679، والدارقطني (1/ 241)، والبيهقي (1/ 390 - 391، 415).

قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 259):"وقال الترمذي في علله الكبير: سألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - عن هذا الحديث، فقال: هو عندي صحيح". اهـ. ولم نجد هذا القول في العلل الكبير المطبوع.

وقال الحاكم في مستدركه (3/ 336) في ترجمة عبد الله بن زيد رضي الله عنه: "هو الذي أري الأذان الذي تداوله فقهاء الإسلام بالقبول، ولم يخرج في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده، وأمثل الروايات فيه رواية سعيد بن المسيب، وقد توهم بعض أئمتنا أن سعيدًا لم يلحق عبد الله بن زيد، وليس كذلك، فإن سعيد بن المسيب كان فيمن يدخل بين علي وبين عثمان في التوسط، وإنما توفي عبد الله بن زيد في أواخر خلافة عثمان.

(1)

البخاري في الأذان، باب 2، حديث 606، ومسلم في الصلاة، حديث 378 (3).

ص: 33

متفق عليه

(1)

.

وحديث معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤذنُونَ أطولُ الناسِ أعناقًا يومَ القيامةِ" رواه مسلم

(2)

.

وحديث ابن عباس مرفوعًا قال: "من أذَّن سبع سنينَ محتسِبًا كتبتْ لهُ براءةٌ من النارِ" رواه ابن ماجه

(3)

.

ويشهد لفضلِ الأذان على الإمامة، حديث أبي هريرة يرفعه:"الإمامُ ضامِنٌ، والمؤذن مؤتمَنٌ، اللهم أرشد الأئِمةَ، واغفر للمؤذنينَ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(4)

.

(1)

البخاري في الأذان، باب 9، حديث 615، وفي الشهادات، باب 30، حديث 2689، ومسلم في الصلاة، حديث 437.

(2)

في الصلاة، حديث 387.

(3)

في الأذان، باب 5، حديث 727. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الصلاة باب 38، حديث 206، وابن السماك في التاسع من الفوائد ص/ 68 حديث 9، والطبراني في الكبير (11/ 78) حديث 11098، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 73)، والخطيب في تاريخه (1/ 247). وسنده ضعيف، فيه جابر الجعفي قال الترمذي:"حديث ابن عباس حديث غريب وجابر بن يزيد الجعفي ضعفوه، تركه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي". وذكر البغوي هذا الحديث في شرح السنة (2/ 280) بصيغة التمريض، وقال: وإسناده ضعيف. وأشار المنذري في الترغيب (1/ 252) حديث 382 إلى تضعيفه حيث قال: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

أحمد (2/ 232، 284، 377 - 378، 424، 464، 472، 514)، وأبو داود في الصلاة، باب 32، حديث 517، 518، والترمذي في الصلاة، باب 39، حديث 207.

ورواه - أيضًا - الطيالسي ص/ 316 حديث 2404، والشافعي "ترتيب مسنده" =

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (1/ 59)، وعبد الرزاق (1/ 477) حديث 1838، والحميدي (2/ 438) حديث 999، والبزار "كشف الأستار"(1/ 181)، وابن خزيمة (3/ 15) حديث 1528 - 1529، والطحاوي في شرح شكل الآثار (5/ 432) حديث 2186 - 2193، والطبراني في الصغير (1/ 107، 2/ 13)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 118) وفي أخبار أصبهان (1/ 341)، والبيهقي (1/ 430، 3/ 127) كلهم من طرق عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وفي بعض الطرق صرح الأعمش بالتحديث عن أبي صالح. وأعله البيهقي بالانقطاع حيث قال: وهذا الحديث لم يسمعه الأعمش باليقين من أبي صالح، وإنما سمعه من رجل عن أبي صالح. وتبعه النووي في المجموع (3/ 76) قال: ليس إسناده بقوي

لأنه من رواية الأعمش، عن رجل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورده الشوكاني في النيل (2/ 34) بقوله:"فيجاب عنه بأن ابن نمير قد قال: عن الأعمش، عن أبي صالح، ولا أراني إلا قد سمعته منه. رواه أبو داود [حديث 518]، وابن خزيمة [حديث 1529] وقال إبراهيم بن حميد الرؤاسي: قال الأعمش: وقد سمعته من أبي صالح، وقال هشيم: عن الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي هريرة [رواه الطحاوي في المشكل حديث 2187]، ذكر ذلك الدارقطني [العلل 10/ 195] فبينت هذه الطرق أن الأعمش سمعه عن غير أبي صالح، ثم سمعه منه، قال اليعمري: والكل صحيح، والحديث متصل".

قلنا: لم ينفرد الأعمش عن أبي صالح، بل تابعه سهيل بن أبي صالح، رواه الشافعي (ترتيب مسنده 1/ 58)، وعبد الرزاق (1/ 477) حديث 1839، وأحمد (2/ 419)، وابن خزيمة (3/ 16) حديث 1531، وابن حبان (الإحسان 4/ 560، حديث 1672)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص/ 339 رقم 257، كلهم من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وتابعه - أيضًا - أبو إسحاق السبيعي رواه الطبراني في الصغير (1/ 265) فالحديث صحيح لا غبار عليه.

ص: 35

والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد، وإنما لم يتول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده الأذان لضيق وقتهم عنه، قال عمر:"لولا الخليفى لأذنْتُ"

(1)

.

قال في "الاختيارات"

(2)

: وهما أفضل من الإمامة، وهو أصح الروايتين عن أحمد، واختيار أكثر الأصحاب.

وأما إمامته صلى الله عليه وسلم وإمامة الخلفاء الراشدين، فكانت متعينة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم، ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان، لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل.

(وله الجمع بينه) أي: الأذان (وبين الإمامة) بل ذكر أبو المعالي: أن الجمع بينهما أفضل، وقال أيضًا: ما صلح له فهو أفضل.

(وهو) أي: الأذن (والإقامة، فرضا كفاية للصلوات الخمس المؤداة، والجمعة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرت الصلاةُ، فليؤذنْ لكمْ أحدُكم، وليؤمكمْ أكبرُكم" متفق عليه

(3)

، والأمر يقتضي الوجوب على أحدهم.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (1/ 486) رقم 1869، وابن سعد (3/ 290)، وابن أبي شيبة (1/ 244، 225)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 41) رقم 1200، والبيهقي (1/ 426، 433)، بلفظ: لو كنت أطيق الأذان مع الخِلِّيفا لأذنت. وقال النووي في المجموع (3/ 78): رواه البيهقي بإسناد صحيح. وذكره الحافظ في المطالب العالية (1/ 130)، وعزاه إلى مسدد، وقال: صحيح.

(2)

ص/ 56.

(3)

البخاري في الأذان، باب 17، 18، 35، 49، 140، حديث 628، 631، 658، 685، 819 وفي الجهاد، باب 42، حديث 2848، وفي الأدب، باب 27، حديث 6008، وفي أخبار الآحاد، باب 1، حديث 7246. ومسلم في المساجد، حديث 674، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

ص: 36

وعن أبي الدرداء مرفوعًا: "ما منْ ثلاثةٍ لا يؤذَّنُ ولا تقامُ فيهم الصلاةُ، إلا استحوذَ عليهمُ الشيطانُ" رواه أحمد والطبراني

(1)

.

ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فكانا فرض كفاية، كالجهاد.

وذكر الجمعة، قال في "المبدع": لا يحتاج إليه لدخولها في الخمس.

(دون غيرها) أي: غير الخمس، فلا يشرع الأذان، والإقامة، لمنذورة، ولا نافلة، ولا جنازة، ولا عيد؛ لأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة على الأعيان، والقيام إليها، وهذا لا يوجد في غير الخمس المؤداة.

(للرجال جماعة) أي: عليهم، وهو متعلق بقوله: فرض كفاية، لما تقدم، فلا يجب على الرجل المنفرد بمكان، فعلم أن المراد بالجمع هنا اثنان فأكثر، قال في "المنتهى": الأحرار، إذ فرض الكفاية لا يلزم رقيقًا، أي: في الجملة. (في الأمصار، والقرى، وغيرهما حضرًا) لعموم ما سبق.

(ويكرهان للنساء، والخناثى، ولو بلا رفع صوت) قال في "الفروع": ويتوجه في التحريم جهرًا الخلاف في قراءة، وتلبية اهـ. ويأتي قوله: وتسر بالقراءة إن سمعها أجنبي، أي: وجوبًا، ولا فرق.

(1)

مسند أحمد (5/ 196)، (6/ 445، 446).

وأخرجه - أيضًا - بنحوه، أبو داود في الصلاة، باب 47، حديث 547، والنسائي في الإمامة، باب 48، حديث 846، وابن خزيمة (2/ 371) حديث 1486، وابن حبان "الإحسان"(5/ 457) حديث 2101، والحاكم (1/ 211)، والبيهقي (3/ 54)، والبغوي في شرح السنة (3/ 347) حديث 793، دون قوله:"لا يؤذن". وصحح إسناده النووي في الخلاصة (1/ 277) حديث 784، وفي المجموع (4/ 74)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 476) ورمز لصحته. ولم نجده في المعاجم الثلاثة للطبراني المطبوعة.

ص: 37

والأذان والإقامة (مسنونان لقضاء) فريضة من الخمس، لحديث عمرو بن أمية الضمري قال:"كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بعضِ أسفارِه، فنامَ عنِ الصبْحِ، حتى طلعت الشمسُ فاستيقظَ صلى الله عليه وسلم فقال: تنحوا عن هذا المكانِ. قال: ثم أمر بلالًا فأذَّنَ، ثم توضأ وصلى ركعتَي الفجرِ، ثم أمر بلالًا فأقامَ الصلاةَ، فصلى بهمْ صلاةَ الصبْحِ" رواه أبو داود

(1)

.

(و) يسن الأذان، والإقامة أيضًا (لمصل وحده، ومسافر، وراع ونحوه) لخبر عقبة بن عامر قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "يعجبُ ربُّك من راعي غنم في رأس الشظية

(2)

للجبل، يؤذن بالصلاة، ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن، ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة" رواه النسائي

(3)

.

(إلا أنه لا يرفع صوته به) أي: الأذان (في القضاء إن خاف تلبيسًا.

وكذا) لا يرفع صوته إذا أذن (في غير وقت الأذان) المعهود له عادة، كأوساط الوقت وأواخره، لما فيه من التلبيس.

(وكذا) لا يرفع صوته بالأذان (في بيته البعيد عن المسجد، بل يكره) له

(1)

في الصلاة، باب 11، حديث 444. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 254): حسن. ورواه أحمد (4/ 139، 5/ 287) مختصرًا.

(2)

قطعة مرتفعة من رأس الجبل. نهاية [2/ 476] ذكره في باب الشين مع الظاء المعجمة. "ش".

(3)

في الأذان، باب 26، حديث 665. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة باب 272، حديث 1203، وأحمد (4/ 145، 157 - 158)، وابن حبان "الإحسان" (4/ 545) حديث 1660، والطبراني (17/ 301)، حديث 833، والبيهقي (1/ 405). قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 50): رجال إسناده ثقات.

ص: 38

رفع الصوت إذن (لئلا يضيع من يقصد المسجد) إذا سمعهما وقصدهما جريًا على العادة.

(وليسا) أي: الأذان، والإقامة (بشرط للصلاة، فتصح) الصلاة (بدونهما) لأن ابن مسعود صلى بعلقمة، والأسود، بلا أذان ولا إقامة

(1)

، احتج به أحمد (مع الكراهة) ذكره الخرقي، وغيره، وذكر جماعة إلا بمسجد قد صلي فيه. ويأتي.

(ويشرعان) أي: يسنان (للجماعة الثانية في غير الجوامع الكبار، قاله أبو المعالي) وقال في "التلخيص": غير مسجدي مكة، والمدينة.

(وإن كان) من يقضي الصلاة (في بادية، رفع صوته) بالأذان. هذا معنى كلامه في "الرعاية"، وحسنه في "الإنصاف"؛ لأمن اللبس.

(ولا يشرعان) أي: الأذان، والإقامة (لكل واحد ممن في المسجد، بل حصلت لهم الفضيلة) بأذان أحدهم (كقراءة الإمام) تكون قراءة (للمأموم).

وهل صلاة من أذن لصلاته بنفسه أفضل، لأنه وجد منه فضل يختص الصلاة، أم هي وصلاة من أذن له سواء، لحصول سنة الأذان؟ ذكر القاضي أن أحمد توقف، نقله الأثرم (ولأنه قام بهما) أي: الأذان، والإقامة (من يكفي، فسقط عن الباقين) كسائر فروض الكفاية (وتكفيهم) أي: السامعين (متابعة المؤذن) في الأذان، والإقامة لما يأتي.

(فإن اقتصر المسافر) على الإقامة، لم يكره.

(1)

رواه مسلم في المساجد، حديث 534، والنسائي في المساجد، باب 27، حديث 718، وفي التطبيق حديث 1028 في حديث طويل. ورواه - أيضًا - باختصار عبد الرزاق (1/ 512) حديث 1961، 1962، وابن أبي شيبة (1/ 220)، والبيهقي (1/ 406، 3/ 67) ووقع في مصنف عبد الرزاق "عثمان" بدل علقمة.

ص: 39

(أو) اقتصر (المنفرد على الإقامة) لم يكره. نص عليه.

(أو صلى بدونها) أي: الإقامة (في مسجد صلي فيه، لم يكره) كما ذكره جماعة، وتقدم.

قلت: وعليه يحمل فعل ابن مسعود.

(وينادى لعيد، وكسوف، واستسقاء: الصلاة جامعة، أو الصلاة) قال في "الفروع": وينادى لكسوف، لأنه في "الصحيحين"

(1)

، واستسقاء وعيد: الصلاة جامعة أو الصلاة، بنصب الأول على الإغراء، والثاني على الحال، وفي "الرعاية": بنصبهما، ورفعهما. وقيل: لا ينادى، وقيل: لا ينادى في عيد، كجنازة، وتراويح، على الأصح فيهما. قال ابن عباس، وجابر:"لم يكن يؤذنُ يوم الفطرِ حين خروجِ الإمامِ ولا بعدما يخرجُ، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء" متفق عليه

(2)

(ويأتي بعضه) في مواضعه.

(ولا ينادى على الجنازة والتراويح) لأنه محدث. وأشد من ذلك ما يفعل عند الصلاة على الجنازة من إنشاد الشعر، وذكر الأوصاف التي قد يكون أكثرها كذبًا، بل هو من النياحة.

(1)

في "صحيح البخاري" الكسوف، باب 3، 8، حديث 1045، 1051، و"صحيح مسلم": الكسوف، حديث 910، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي: "إن الصلاة جامعة".

(2)

صحيح البخاري، العيدين، باب 7، حديث 960، وصحيح مسلم، العيدين، حديث 886 عن عطاء، عن ابن عباس، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر، ولا يوم الأضحى. وزاد مسلم:[قال ابن جريح]، ثم سألته - (أي عطاء) - بعد حين عن ذلك، فأخبرني، قال: أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري، أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعدما يخرج، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذ، ولا إقامة.

ص: 40

(فإن تركهما) أي: الأذان، والإقامة (أهل بلد، قوتلوا) أي: قاتلهم الإمام أو نائبه

(1)

لأنهما من أعلام الدين الظاهرة، فقوتلوا على تركهما، كصلاة العيد، وعلم منه: أنه إذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالبًا، أجزأ عن الكل، وإن كان واحدًا، نص عليه.

(ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما) لقوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص: "واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(2)

وحسنه. وقال

(3)

: العمل على هذا عند أهل العلم. وقال: وكرهوا أن يأخذ على أذانه أجرًا.

ولأنه يقع قربة لفاعله، أشبه الإمامة.

(ويجوز أخذ الجعالة) عليهما (ويأتي في الإجارة) مفصلًا.

(فإن لم يوجد متطوع بهما، رَزَقَ الإمام من بيت المال) أي أعطى من مال الفيء؛ لأنه المعد للمصالح. والرزق: العطاء، والرزق: ما ينفع ولو محرمًا. قال ابن الأثير

(4)

: الأرزاق نوعان: ظاهرة للأبدان، كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس، كالمعارف والعلوم (من يقوم بهما) لأن بالمسلمين حاجة إليهما، قال في "المغني" و"الشرح": لا نعلم خلافًا في جواز أخذ الرزق عليه.

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة: "حتى يفعلوهما".

(2)

مسند أحمد (4/ 21، 217)، وأبو داود في الصلاة، باب 40، حديث 531، والترمذي في الصلاة، باب 41، حديث 209، وقال: حديث حسن صحيح.

ورواه - أيضًا - النسائي في الأذان، باب 32، حديث 671، وابن ماجه في الأذان، باب 3، حديث 714، وابن خزيمة (1/ 221) حديث 423، والطحاوي (4/ 128) والحاكم (1/ 199، 201)، والبيهقي (1/ 429)، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

(3)

في سننه (1/ 410).

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 219).

ص: 41

(ولا يجوز بذل الرزق) من بيت المال لمن يقوم بهما (مع وجود المتطوع) بهما، لعدم الحاجة إليه.

(و‌

‌يسن أذان في أذن مولود

اليمنى، حين يولد، و) أن (يقيم في اليسرى) من أذنيه بعده، لأنه صلى الله عليه وسلم "أذنَ في أذنِ الحسنِ حينَ ولدتْه فاطمَةُ" رواه الترمذي

(1)

وقال: حسن صحيح، ولخبر ابن السني:"من ولدَ له مولودٌ، فأذنَ في أذنهِ اليمنَى، وأقامَ في أذنه اليُسْرى، لم تضره أم الصبْيانِ"

(2)

أي: التابعة

(1)

في الأضاحي، باب 17، حديث 1514، عن أبي رافع رضي الله عنه. ورواه - أيضًا - أبو داود في الأدب، باب 116، حديث 5105، والطيالسي ص/ 130 حديث 970، وعبد الرزاق (4/ 336) حديث 7986، وأحمد (6/ 9، 391، 392)، والطبراني في الكبير (1/ 313، 315) حديث 926، 931، (3/ 30) حديث 2578، 2579، وفي الدعاء (2/ 1243) حديث 944، والحاكم (3/ 179) في مناقب الحسين، وفيه: أنه "أذن في أذن الحسين" لا الحسن، والبيهقي في الكبرى (9/ 305)، وفي شعب الإيمان (6/ 389) حديث 8617، 8618، والبغوي في شرح السنة (11/ 273) حديث 2822، وقال الترمذي: حسن صحيح. وتعقبه المنذري في مختصر سنن أبي داود (8/ 8) بقوله: وفي إسناده عاصم بن عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد غمزه الإمام مالك، وقال ابن معين: ضعيف، لا يحتج به، وتكلم فيه غيرهما، وانتقد عليه أبو حاتم محمد بن حبان البستي رواية هذا الحديث وغيره. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: عاصم ضعف.

(2)

"عمل اليوم والليلة" لابن السني: حديث 628، عن حسين بن علي رضي الله عنهما. ورواه - أيضًا - أبو يعلى (12/ 150) حديث 6780، وابن عدي في الكامل (7/ 2656)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 390) حديث 8619، وابن عساكر في تاريخه (57/ 281)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 59) وقال: رواه أبو يعلى، وفيه مروان بن سالم الغفاري، وهو متروك. =

ص: 42

من الجن. وليكون التوحيد أول شيء يقرع سمعه حين خروجه إلى الدنيا، كما يلقن عند خروجه منها، ولما فيه من طرد الشيطان عنه، فإنه يفر عند سماع الأذان.

وفي مسند ابن رزين أنه صلى الله عليه وسلم "قرأ في أذنِ مولودٍ سورةَ الإخلاصِ"

(1)

والمراد أذنه اليمنى. قاله في "شرح المنتهى".

(ويسن كون المؤذن صيتًا) أي: رفيع الصوت، لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد:"قم مع بلالٍ فألقهِ عليهِ، فإنه أندَى صوتًا منكَ"

(2)

.

واختار أبا محذورة للأذان؛ لكونه صيتًا، ولأنه أبلغ في الإعلام.

(أمينًا) أي: عدلًا، لما روى أبو محذورة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أمناءُ الناسِ على صلاتِهِم وسحُورِهم المؤذنون" رواه البيهقي

(3)

، وفي إسناده يحيى بن عبد الحميد، وفيه كلام.

= وذكر هذا الحديث البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 91) وقال: هذا إسناد ضعيف لضعف يحيى بن العلاء.

بل هو متهم بالوضع. انظر الميزان (4/ 397)، والتقريب ص/ 1063.

(1)

لم نجده.

(2)

قطعة من حديث تقدم تخريجه (2/ 32) تعليق رقم 1.

(3)

في السنن الكبرى (1/ 426). وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (7/ 210) حديث 6743 بلفظ: "المؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم وسحورهم". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 2): "وإسناده حسن".

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 183): وفي إسناده يحيى الحماني مختلف فيه، وقال ابن عدي [7/ 2659]: لم أر في مسنده حديثًا منكرًا.

وله شاهد مرسل عن الحسن البصري رواه الشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 58)، والبيهقي (1/ 426)، وأشار إلى تقوية الحديث به.

ص: 43

ولأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة وغيرها، ولا يؤمن أن يغرهم بأذانه، إذا لم يكن كذلك.

ولأنه يعلو للأذان، فلا يؤمن منه النظر إلى العورات.

(بصيرًا) لأن الأعمى لا يعرف الوقت، فربما غلط، وكره ابن مسعود، وابن الزبير أذانه

(1)

، وكره ابن عباس إقامته

(2)

.

(عالمًا بالأوقات) ليتحراها، فيؤذن في أولها، وإذا لم يكن عارفًا بها، لا يؤمن منه الخطأ.

(ولو) كان المؤذن (عبدًا، ويستأذن سيده) قاله أبو المعالي. وذكر ابن هبيرة

(3)

أنه تستحب حريته اتفاقًا، لكن ما ذكره المصنف ظاهر كلام جماعة، أي: أنه لا فرق.

(ويستحب أن يكون) المؤذن (حسن الصوت) قاله في "المغني" وغيره؛ لأنه أرق لسامعه.

(وأن يكون بالغًا) خروجًا من الخلاف، ولأنه أكمل.

(وإن كان) المؤذن (أعمى، وله من يعلمه بالوقت، لم يكره نصًا)

(1)

أثر ابن مسعود رضي الله عنه: رواه عبد الرزاق (1/ 471) رقم 1818، وابن أبي شيبة (1/ 216) وابن المنذر في الأوسط (3/ 43) رقم 1202، عن قبيصة بن برمة، عن ابن مسعود أنه قال: ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، حسبته قال: ولا قراؤكم.

وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: رواه ابن أبي شيبة (1/ 217)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 43) رقم 1203، والبيهقي (1/ 427) أن ابن الزبير كان يكره أن يكون المؤذن أعمى. وقال البيهقي: وهذا والذي روي عن ابن مسعود في ذلك محمول على أعمى منفرد لا يكون معه بصير يعلمه الوقت.

(2)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 217)، وابن المنذر (3/ 43) رقم 1201.

(3)

الإفصاح (1/ 121).

ص: 44

لفعل ابن أم مكتوم

(1)

.

(فإن تشاحّ) من الشح وهو البخل مع حرص (فيه) أي: الأذان (اثنان فأكثر، قدم أفضلهما في ذلك) أي: في الخصال المذكورة، لأنه صلى الله عليه وسلم قدم بلالًا على عبدِ اللهِ، لكونه أندى صوتًا منهُ، وقسنا بقية الخصال عليه.

(ثم) إن استويا في ذلك، قدم (أفضلهما في دينه، وعقله) لما روى ابن عباس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليؤذنْ لكم خيارُكم، وليؤمكم أقرؤكم"

(2)

رواه أبو داود

(3)

، وغيره.

ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت، فبالأفضلية في ذلك أولى، لأن مراعاتهما أولى من مراعاة الصوت، لأن الضرر بفقدهما أشد.

(ثم) إن استووا في ذلك قدم (من يختاره الجيران المصلون، أو أكثرهم) لأن الأذان لإعلامهم، فكان لرضاهم أثر في التقديم، ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته، ومن هو أعف عن النظر.

(1)

روى البخاري في الأذان، باب 11، حديث 617، وفي الشهادات، باب 11، حديث 2656 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم"، ثم قال: وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت. ورواه مسلم في الصيام، حديث 1092 دون قوله: "ثم قال: وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت.

(2)

في "سنن أبي داود"، و"ابن ماجه":"قراؤكم".

(3)

في الصلاة، باب 61، حديث 590. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الأذان، باب 5، حديث 726، وأبو يعلى (4/ 232) حديث 2343، والطبراني (11/ 237) حديث 11603، والبيهقي (1/ 426)، وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 307): وفي إسناده الحسين بن عيسى الحنفي الكوفي، وقد تكلم فيه أبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان. وذكر الدارقطني [أطراف الغرائب والأفراد 3/ 228 رقم 2503] أن الحسين بن عيسى تفرد بهذا الحديث عن الحكم بن أبان.

ص: 45

(فإن استووا أقرع بينهم) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ ثم لم يجدُوا ألا أن يستَهِمُوا عليه، لاستهَمُوا" متفق عليه

(1)

.

وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية، فأقرع بينهم سعد

(2)

، ولأنها تزيل الإبهام.

(وإن قدم) من له ولاية التقديم (أحدهم بعد الاستواء) في الخصال السابقة (لكونه أعمر للمسجد، وأتم مراعاة له، أو لكونه أقدم تأذينًا، أو أبوه) أقدم تأذينًا، (أو لكونه من أولاد من جعل النَّبي صلى الله عليه وسلم الأذان فيه، فلا بأس) بذلك، وعلم منه أنه لا يقدم بهذه الخصال إلا إذا رآها من له ولاية التقديم، بخلاف الخصال التي قبلها.

(وبصير، وحر، وبالغ، أولى من ضدهم) فالبصير أولى من الأعمى، والحر أولى من العبد والمبعض، والبالغ أولى ممن دونه، لما تقدم.

(وتشترط ذكوريته) فلا يعتد بأذان امرأة وخنثى، قال جماعة: ولا يصح لأنه منهي عنه

(3)

، كالحكاية، وظاهر كلام جماعة صحته، لأن الكراهة لا تمنع

(1)

تقدم تخريجه (2/ 33 - 34)، تعليق 1.

(2)

علقه البخاري في كتاب الأذان بصيغة التمريض، باب 9، بقوله:(ويذكر أن أقوامًا اختلفوا في الأذان، فأقرع بينهم سعد)، وقال الحافظ في الفتح (2/ 96):"أخرجه سعيد بن منصور، والبيهقي (1/ 428 - 429). وهذا منقطع، وقد وصله سيف بن عمر في الفتوح، والطبري من طريقه". وقال في تغليق التعليق (2/ 266): وهذا منقطع، ولذلك مَرَّضَه.

(3)

لعله يشير إلى حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس على النساء أذان ولا إقامة، ولا جمعة، ولا اغتسال جمعة، ولا تقدمهن امرأة، لكن تقوم في وسطهن. رواه ابن عدي (2/ 620)، والبيهقي (1/ 408)، وضعفه. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 211): وفي إسناده الحكم بن عبد الله الأيلي، وهو ضعيف جدًّا.

ص: 46

الصحة، فيتوجه على هذا بقاء فرض الكفاية؛ لأنه لم يفعله من هو فرض عليه.

(وعقله) فلا يصح من مجنون، كسائر العبادات.

(وإسلامه) لاشتراط النية فيه، وهي لا تصح من كافر.

(وتمييزه) لما تقدم، فيجزئ أذان مميز، وقال في "الاختيارات"

(1)

: الأشبه أن الأذان الذي يسقط به الفرض عن أهل القرية، ويعتمد في وقت الصلاة، والصيام، لا يجوز أن يباشره صبي، قولًا واحدًا، ولا يسقط الفرض، ولا يعتمد في العبادات، وأما الأذان الذي يكون سنة مؤكدة في مثل المساجد التي في المصر، ونحو ذلك، فهذا فيه الروايتان، والصحيح جوازه.

(وعدالته، ولو مستورًا) فلا يعتد بأذان ظاهر الفسق، لأنه صلى الله عليه وسلم وصف المؤذنين بالأمانة

(2)

، والفاسق غير أمين، قال في "الشرح": فأما مستور الحال فيصح أذانه، بغير خلاف علمناه.

(ولا يشترط علمه) أي: المؤذن (بالوقت) لما تقدم في ابن أم مكتوم

(3)

.

(والمختار أذان بلال) بن رباح. وهو أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم (خمس عشرة كلمة، أي: خمس عشرة جملة، لا ترجيع فيه، والإقامة إحدى عشرة) جملة، لحديث عبد الله بن زيد

(4)

.

وكان بلال يؤذن كذلك، ويقيم، حضرًا، وسفرًا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى أن مات، وعليه عمل أهل المدينة.

(1)

ص/ 57 - 58.

(2)

انظر: ص/ 34، تعليق رقم 4، وص/ 43، تعليق رقم 3 من هذا الجزء.

(3)

تقدم تخريجه ص/ 45 تعليق رقم 1 من هذا الجزء.

(4)

تقدم تخريجه ص/ 32 تعليق رقم 1 من هذا الجزء.

ص: 47

قال أحمد

(1)

: هو آخر الأمرين وكان بالمدينة، قيل له: إن أبا محذورة بعد حديث عبد الله؛ لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة، فقال: أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأقر بلالًا على أذان عبد الله؟

ويعضده حديث أنس قال: "أمر بلالٌ أن يشفع الأذانَ، ويوترَ الإقامةَ" متفق عليه

(2)

، زاد البخاري:"إلا الإقامة".

وحديث ابن عمر قال: "إنما كان الأذانُ على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مرتيْنِ، مرتين، والإقامة مرة، مرة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" رواه أحمد، وأبو داود، وابن خزيمة

(3)

وصححه.

"فائدة" قوله: "الله أكبر" أي: من كل شيء، أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، وهو

(4)

بمعنى كبير.

وقوله: "أشهد" أي: أعلم.

(1)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 40)، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص/ 200 - 201.

(2)

البخاري في الأذان، باب 1، 2، 3 حديث 603، 605، 607، وفي أحاديث الأنبياء، باب 50، حديث 3457، ومسلم في الصلاة، حديث 378.

(3)

أحمد (2/ 85، 87)، وأبو داود في الصلاة، باب 29، حديث 510، وابن خزيمة (1/ 193). حديث 374. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الأذان، باب 2، 28، حديث 627، 667، والدارمي في الصلاة، باب 6، حديث 1195، وابن الجارود حديث 164، والدولابي في الكنى (2/ 106)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 274) حديث 959، والطحاوي (1/ 133)، وابن حبان "الإحسان" (4/ 565) حديث 1674، والدارقطني (1/ 239)، والحاكم (1/ 197)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 413)، والبغوي في شرح السنة (2/ 255) حديث 406، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(4)

في "ح" و"ذ": "أو هو".

ص: 48

وقوله: "حي على الصلاة" أي: أقبلوا إليها، وقيل: أسرعوا.

"والفلاح" الفوز، والبقاء؛ لأن المصلي يدخل الجنة إن شاء الله، فيبقى فيها ويخلد. وقيل: هو الرشد والخير، وطالبهما مفلح؛ لأنه يصير إلى الفلاح، ومعناه: هلموا إلى سبب ذلك. وختم بلا إله إلا الله، ليختم بالتوحيد، وباسم الله تعالى، كما ابتدأ به. وشرعت المرة، إشارة إلى وحدانية المعبود سبحانه.

(فإن رَجَّع في الأذان بأن يقول الشهادتين سرًا) بحيث يسمع من بقربه أو أهل المسجد، إن كان واقفًا، والمسجد متوسط الخط (بعد التكبير، ثم يجهر بهما) فالترجيع: اسم للمجموع من السر، والعلانية، سمي بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد أن تركه، أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما (أو ثنى الإقامة، لم يكره) لأن ترجيع الأذان فعل أبي محذورة، وعليه عمل أهل مكة إلى اليوم.

وعن أبي محذورة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "علمهُ الأذَانَ تسعَ عشرةَ كلمةً، والإقامة سبعَ عشرةَ كلمة" رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان

(1)

.

والحكمة أن يأتي بهما بتدبر وإخلاص، لكونهما المنجيتين من الكفر، المدخلتين في الإسلام.

(1)

أحمد (3/ 409، 6/ 401)، وأبو داود في الصلاة، باب 28، حديث 500، 502، والترمذي في الصلاة، باب 26، حديث 192، وابن خزيمة (1/ 195 - 196)، حديث 377 - 379، وابن حبان "الإحسان"(4/ 574)، حديث 1680 - 1682.

ورواه - أيضًا - النسائي في الأذان، باب 4، حديث 629، وفي الكبرى (1/ 497) حديث 1594، وابن ماجه في الأذان، باب 2، حديث 709، والطيالسي ص/ 193 حديث 1354، وعبد الرزاق (1/ 457 - 458)، وابن أبي شيبة (1/ 204، 206)، والدارمي في الصلاة، باب 7، حديث 1199، 1200، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 95) حديث 792، وابن الجارود: =

ص: 49

وأجاب الشارح بأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سرًا، ليحمل له الإخلاص بهما، فإنه في الإسرار أبلغ، وخص أبا محذورة بذلك؛ لأنه لم يكن مقرًا بهما حينئذ، فإن في الخبر

(1)

أنه كان مستهزئًا، يحكي أذَانَ مؤذن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسمعه، فدعاه، فأمره بالأذان، وقصد نطقه بهما ليسلم بذلك، وهذا لا يوجد في غيره. بدليل أنه لم يأمر به بلالًا ولا غيره ممن هو ثابت الإسلام.

ويعضده أن خبر أبي محذورة متروك بالإجماع، لعدم عمل الشافعي به

= حديث 162، والدولابي في الكنى (1/ 52)، والطحاوي (1/ 130، 135)، والطبراني في الكبير (7/ 171) حديث 6730، والدارقطني (1/ 237، 238)، والبيهقي (1/ 416، 417). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن خزيمة: فخبر ابن أبي محذورة ثابت صحيح من جهة النقل.

وأخرجه مسلم في الصلاة، حديث 379 بنحوه، دون ذكر الإقامة.

(1)

روى النسائي في الأذان، باب 5، حديث 631، وفي الكبرى (1/ 497) حديث 1596، وابن ماجه في الأذان، باب 2، حديث 708، والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 59)، وعبد الرزاق (1/ 457) حديث 1779، وأحمد (3/ 409)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 93) حديث 791، وابن خزيمة (1/ 200) حديث 385، وابن حبان "الإحسان"(4/ 574) حديث 1680، والطبراني في الكبير (7/ 172) حديث 6731، 6734، والدارقطني (1/ 233)، والبيهقي (1/ 393)، والبغوي في شرح السنة (2/ 259) حديث 407 عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: خرجت في نفر، فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون، فظللنا نحكيه ونهزأ به، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلينا

الحديث.

ص: 50

في الإقامة

(1)

، وأبي حنيفة في الأذان

(2)

.

(ولا يشرع) الأذان (بغير العربية)

لعدم وروده، قال في "الإنصاف": مطلقًا على الصحيح من المذهب.

(ويسن أن يقول في أذان الصبح: "الصلاة خير من النوم" مرتين بعد الحيعلة) أي: قول "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة:"فإذا كان أذانُ الفجر فقلْ: الصلاةُ خيرٌ من النَّوْمِ، مرتين" رواه أحمد، وأبو داود

(3)

.

وفي رواية "إن بلالًا جاءَ ذات يومٍ، فأراد أن يدعو رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إنه نائم، فصرخ بأعلى صوته: الصلاةُ خيرٌ من النومِ، مرتين"

(4)

. قال ابن

(1)

انظر الأم (1/ 85)، ومختصر المزني (8/ 12)، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/ 51)، والعزيز شرح الوجيز (1/ 411).

(2)

انظر كتاب الحجة على أهل المدينة (1/ 76)، شرح معاني الآثار (1/ 132)، والمبسوط (1/ 128)، بدائع الصنائع (1/ 147)، فتح القدير (1/ 241).

(3)

أحمد (3/ 408، 409)، وأبو داود في الصلاة، باب 28، حديث 500، 501. ورواه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان" (4/ 578) حديث 1682، والطبراني في الكبير (7/ 174) حديث 6735، والبيهقي (1/ 394، 421 - 422)، والبغوي (2/ 263)، حديث 408.

ورواه النسائي في الأذان، باب 6، حديث 632، وعبد الرزاق (1/ 472) حديث 1821، وابن أبي شيبة (1/ 204)، وابن خزيمة (1/ 201)، والدارقطني (1/ 234)، والبيهقي (1/ 422) بنحوه.

(4)

رواه ابن ماجه في الأذان، باب 3، حديث 716 عن بلال رضي الله عنه. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 153): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا، سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال، ورواه البيهقي [1/ 422] من طريق الزهري، عن حفص بن عمر بن سعد، قال: حدثني أهلي أن بلالًا أتى رسول الله =

ص: 51

المسيب: فأدخلت هذه الكلمةُ في التأذين إلى صلاةِ الفجرِ.

(سواء أذنَ مغلسًا، أو مسفرًا) لعموم ما سبق (وهو) أي: قول: "الصلاةُ خيرٌ من النومِ" يسمى: (التثويب) من ثاب بالمثلثة، إذا رجع، لأن المؤذن دعا للصلاة بالحيعلتين ثم عاد إليها. واختصت الفجر بذلك لأنه وقت ينام الناس فيه غالبًا.

(ويكره) التثويب (في غيرها) أي: غير الفجر، أي: أذانها، لقول بلال:"أمرني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن أثوبَ في الفجر، ونهاني أن أثوبَ في العشاء" رواه أحمد وغيره

(1)

.

= صلى الله عليه وسلم ليؤذن بصلاة الفجر، فقالوا: إنه نائم

الحديث. وهذا الإسناد ضعيف - أيضًا - فإن حفصًا لم يسم من حدثه.

ورواه الطبراني في الأوسط (5/ 93) حديث 4170 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن بلالًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان في الصبح فوجده نائمًا، فناداه: الصلاة خير من النوم، فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخله في الأذان

الحديث. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 330) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرد به مروان بن ثوبان، قلت: ولم أجد من ذكره. اهـ.

ورواه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (8/ 285) حديث 7579 عن عائشة رضي الله عنها بنحوه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 330): وفيه صالح بن أبي الأخضر، واختلف في الاحتجاج به، ولم ينسبه أحد إلى الكذب. اهـ.

وأخرجه عبد الرزاق (1/ 472) حديث 1820، وابن أبي شيبة (1/ 208)، والبيهقي (1/ 422)، عن ابن المسيب مرسلًا.

(1)

أحمد (6/ 14، 15)، وابن ماجه في الأذان، باب 3، حديث 715، وعبد الرزاق (1/ 473) حديث 1824، والدارقطني (1/ 243). وأخرجه - أيضًا - بنحوه الترمذي في الصلاة، باب 31، حديث 198، وضعفه، والطبراني في الكبير (1/ 355 - 357)، حديث 1081، 1092، والبيهقي (1/ 424) وأعله بالإرسال.

ص: 52

(و)

‌ يكره التثويب (بين الأذان، والإقامة)

لما روى مجاهد أنه "لما قدم عمر مكة أتاه أبو محذورة، وقد أذن، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، حي على الصلاة، حي على الفلاح، فقال: ويحك يا مجنون، أما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك حتى تأتينا"

(1)

.

ولأنه دعاء بين الأذان، والإقامة إلى الصلاة، فكان مكروهًا، كتخصيص الأمراء به.

(وكذا النداء بالصلاة بعد الأذان في الأسواق، وغيرها. مثل أن يقول: الصلاة، أو الإقامة أو الصلاة - رحمكم الله -.

قال الشيخ في شرح العمدة

(2)

: هذا إذا كانوا قد سمعوا النداء الأول) لعدم الحاجة إليه (فإن لم يكن الإمام، أو البعيد من الجيران قد سمع النداء الأول، فلا ينبغي أن يكره تنبيهه، و (قال) الشيخ (وقال ابن عقيل: فإن تأخر الإمام الأعظم، أو إمام الحي، أو أماثل الجيران، فلا بأس أن يمضي إليه منبه يقول له: قد حضرت الصلاة، انتهى) لاحتمال أنه لم يسمع الأذان.

(ويكره قوله) أي: المؤذن (قبل الأذان: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا. . .} الآية

(3)

) أي: اقرأها ونحوه.

(1)

ذكره في "كنز العمال"(8/ 340 - 341)، وجامع الأحاديث (14/ 186)، ورمزا له "ض" يعني الضياء المقدسي في المختارة، ولكن لم نجده في المطبوع منها. وليس فيهما لفظ:"ويحك يا مجنون". ورواه أبو داود في الصلاة، باب 45، حديث 538، والترمذي في الصلاة بصيغة التمريض عقب حديث 198، وعبد الرزاق (1/ 475) رقم 1832 عن مجاهد، قال: كنت مع ابن عمر رضي الله عنه، فثوب رجل في الظهر، أو العصر، قال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة.

(2)

(2/ 111).

(3)

سورة الإسراء، الآية:111.

ص: 53

(وكذلك إن وصله) أي: الأذان (بعده بذكر، قاله في شرح العمدة

(1)

) لأنه محدث.

(و) يكره (قوله قبل الإقامة: اللهم صل على محمد، ونحو ذلك) من المحدثات.

(ولا بأس بالنحنحة قبلهما) أي: قبل الأذان، والإقامة.

(و) لا بأس بـ (ــأذان واحد بمسجدين لجماعتين) لعدم المحذور فيه.

(ويستحب أن يؤذن) في (أول الوقت) ليصلي المتعجل، ويتأهب من يريد الصلاة.

(و) يسن (أن يترسل في الأذان) أي: يتمهل، ويتأنى، من قولهم: جاء فلان على رسله.

(و) أن (يحدر الإقامة) أي: يسرع فيها، لما روى جابر، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "يا بلالُ إذا أذنتَ فترسّلْ

(2)

، وإذا أقمتَ فاحدرْ" رواه الترمذي

(3)

وقال: لا نعرفه إلا من رواية عبد المنعم صاحب الشفاء

(4)

، وهو إسناد مجهول.

ورواه الحاكم في "مستدركه"

(5)

، وعن عمر، معناه، رواه

(1)

(2/ 112).

(2)

في الترمذي: فترسل في أذانك.

(3)

في الصلاة، باب 29، حديث 195. وأخرجه - أيضًا - ابن عدي (7/ 2649)، والبيهقي (1/ 428)، وضعفه.

(4)

كذا في الأصول: "صاحب الشفاء"، وفي سنن الترمذي وكتب التراجم "صاحب السقاء".

(5)

(1/ 204)، وقال: هذا حديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد، والباقون شيوخ البصرة، وهذه سنة غريبة لا أعرف لها إسنادًا غير هذا، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك.

ص: 54

أبو عُبيد

(1)

، ولأنه إعلام الغائبين، فالتثبت فيه أبلغ، والإقامة إعلام الحاضرين، فلا حاجة إليه فيها.

(ولا يعربهما) أي: الأذان، والإقامة (بل يقف على كل جملة) منهما، قال إبراهيم النخعي:"شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما: الأذان، والإقامة".

(و) يسن أن (يؤذن) قائمًا (و) أن (يقيم قائمًا) لما روى أبو قتادة، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبلال:"قمْ فأذنْ"

(2)

.

وكان مؤذنوه صلى الله عليه وسلم يؤذنون قيامًا، قال ابن المنذر

(3)

: أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السنة، لأنه أبلغ في الإسماع.

(ويكرهان من قاعد، وراكب، وماش لغير عذر) كالخطبة قاعدًا، فإن كان لعذر جاز، قال في "المبدع": ولم يذكروا الاضطجاع، ويتوجه الجواز، لكن يكره لمخالفة السنة.

و (لا) يكرهان (لمسافر راكبًا، وماشيًا) لأنه صلى الله عليه وسلم "أذنَ في السفرِ على راحلتِهِ" رواه الترمذي

(4)

وصححه.

(1)

في غريب الحديث (3/ 244 - 245). ورواه - أيضًا - الدارقطني (1/ 238)، والبيهقي (1/ 428). وفي سنده عبد العزيز مولى آل معاوية بن أبي سفيان القرشي البصري قال في نصب الراية (1/ 276): ذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه ابنه مرحوم، ولم يعرف بحاله، ولا ذكره غيره. وانظر الجرح والتعديل (5/ 400).

(2)

رواه البخاري في مواقيت الصلاة، باب 35، حديث 595.

(3)

انظر الإجماع ص/ 39، والأوسط (3/ 46).

(4)

في الصلاة، باب 303، حديث 411 عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقام

الحديث. قال الترمذي: هذا حديث غريب. =

ص: 55

(ويستحب أن يكون متطهرًا من الحدثين) الأصغر، والأكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤذنُ إلا متوضئٌ" رواه الترمذي، والبيهقي

(1)

مرفوعًا، من حديث

= ورواه - أيضًا - أحمد (4/ 173 - 174)، والدارقطني (1/ 380)، والبيهقي (2/ 7)، ولفظ أحمد والدارقطني: فأمر المؤذن، فأذن وأقام

الحديث. ولفظ البيهقي: فأمر المؤذن فأقام

الحديث. وقال البيهقي: "وفي إسناده ضعف، ولم يثبت من عدالة بعض رواته ما يوجب قبول خبره. . .".

وذكره الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 41) وسكت عنه. ونقل عنه ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 212) أنه قال: إسناده صحيح. وجود إسناده النووي في الخلاصة (1/ 289) حديث 823، والمجموع (3/ 103). وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 179):"والحديث المذكور يرويه ابن الرماح - وهو ثقة - عن كثير بن زياد أبي سهل - وهو ثقة - عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، عن جده، وعمرو بن عثمان لا تعرف حاله، وكذلك أبوه عثمان".

وروى عبد الرزاق (1/ 470) حديث 1817، والطبراني في الكبير (5/ 264) حديث 2587 عن زياد بن الحارث الصدائي، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضرت صلاة الصبح، فقال لي: أذّن يا أخا صداء. فأذنت، وأنا على راحلتي.

وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، قال فيه الحافظ في التقريب ص/ 578: ضعيف في حفظه.

وله شاهد مرسل رواه البيهقي (1/ 362) عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا في سفر فأذن على راحلته، ثم نزلوا فصلوا ركعتين

الحديث. وقال: هذا مرسل.

(1)

الترمذي في الصلاة، باب 33، حديث 200 من طريق الوليد بن مسلم، عن معاوية بن يحيى الصدفي، عن الزهري، عن أبي هريرة مرفوعًا، ثم روى الترمذي عقبه (201) من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: "لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ" موقوفًا.

وقال الترمذي: وهذا أصح من الحديث الأول، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه لم يرفعه ابن وهب، وهو أصح من حديث الوليد بن مسلم، والزهري لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه. اهـ. =

ص: 56

أبي هريرة، وموقوفًا عليه، وقالا: هو أصح.

وحكم الإقامة كذلك.

وفي "الرعاية": يسن أن يؤذن متطهرًا من نجاسة بدنه، وثوبه.

(فإن أذن محدثًا) حدثًا أصغر (لم يكره) أذانه كقراءة القرآن.

(و‌

‌تكره إقامة محدث)

للفصل بينها وبين الصلاة.

(و)

‌ يكره (أذان جنب)

للخلاف في صحته، ووجهها: أن الجنابة أحد الحدثين، فلم تمنع صحته، كالآخر.

(ويسن) أن يؤذن (على موضع عال) أي: مرتفع، كالمنارة ونحوها، لما روي عن امرأة من بني النجار قالت: "كان بيتي من أطولِ بيتٍ حول المسجدِ، وكان بلال يؤذنُ عليه الفجرَ، فيأتي بسحرٍ فيجلس على البيتِ، فينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطّى، ثم قال: اللهم إني أستعديك

(1)

وأستنصرُكَ على قريش

= ورواه البيهقي (1/ 397) من طريق الوليد بن مسلم، عن معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وقال: هكذا رواه معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف، والصحيح رواية يونس بن يزيد الأيلي، وغيره، عن الزهري، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ.

ورواه موقوفًا - أيضًا - ابن أبي شيبة (1/ 211) من طريق الأوزاعي، عن الزهري.

وقد تقدم قول الترمذي: إن الزهري لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، فالحديث ضعيف مرفوعًا، وموقوفًا.

وله شاهد رواه البيهقي (1/ 397) عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن إلا وهو طاهر، ولا يؤذن إلا وهو قائم. وقال: عبد الجبار بن وائل عن أبيه مرسل.

(1)

في "سنن أبي داود": اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش.

ص: 57

أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذنُ" رواه أبو داود

(1)

.

ويسن أن يكون (مستقبل القبلة) قال في "الشرح": قال ابن المنذر

(2)

: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبلة بالأذان. وذلك لأن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلةَ، فإن أخل باستقبال القبلة، كره له ذلك

(3)

.

(فإذا بلغ الحيعلة التفت) برأسه، وعنقه، وصدره. وظاهر المحرر: أنه لا يلتفت بصدره (يمينًا لحي على الصلاة، و) التفت (شمالًا لحي على الفلاح، في الأذان دون الإقامة) لحديث أبي جحيفة، ويأتي.

(ويقيم) أي: يأتي بالإقامة (في موضع أذانه) لقول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقْنِي بآمين"

(4)

لأنه لو كان يقيم بالمسجد لما خاف أن يسبقه بها، كذا استنبطه الإمام أحمد، واحتج به، ولقول ابن عمر: "كنا إذا سمعنا الإقامة

(1)

في الصلاة، باب 33، حديث 519. ورواه - أيضًا - ابن هشام في السيرة (2/ 142)، والبيهقي (1/ 425) وسكت عليه أبو داود، والمنذري، وضعفه النووي في المجموع (3/ 103)، وحسنه ابن دقيق العيد في الإمام كما في "نصب الراية" (1/ 287)، وابن حجر في فتح الباري (2/ 103)، وفي الدراية ص/ 120.

(2)

الإجماع ص/ 38، والأوسط (3/ 28).

(3)

في "ح" و"ذ" زيادة: "وصح".

(4)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 172، حديث 937، وعبد الرزاق (2/ 96)، حديث 2636، وأحمد (6/ 12، 15)، وابن خزيمة (1/ 287) حديث 573، والطبراني في الكبير (1/ 366) حديث 1124، 1125، وفي الأوسط (8/ 120) حديث 7239، والحاكم (1/ 219)، والبيهقي (2/ 23، 56)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

ص: 58

توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة"

(1)

ولأنه أبلغ في الإعلام، وكالخطبة الثانية.

(إلا أن يشق) على المؤذن أن يقيم في موضع أذانه (بحيث يؤذن في المنارة، أو) يؤذن (في مكان بعيد من المسجد، فيقيم في غير موضعه) الذي أذن فيه، أي: فيقيم في المسجد، لئلا يفوته بعض الصلاة، ودفعًا للمشقة.

(ولا يزيل قدميه) عند قوله "حي على الصلاة، حي على الفلاح" في الأذان، بل يلتفت يمينًا، وشمالًا، كما تقدم، ولو أعقبه له، لكان أولى. لحديث أبي جحيفة قال:"أتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في قبةٍ حمراءَ من أدمٍ، فخرجَ وتوضأ، وأذن بلالٌ، فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يقول يمينًا، وشمالًا: حي على الصلاة، حي على الفلاح" متفق عليه

(2)

. ورواه أبو داود، وفيه:"فلما بلغ حيَّ على الصلاةِ، حي على الفلاح لوى عنقه يمينًا وشمالًا، ولم يستدر"

(3)

.

(1)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 29، حديث 510، 511، والنسائي في الأذان، باب 28، حديث 667، وأحمد (2/ 85)، والدارمي في الصلاة، باب 6، حديث 1195، وابن الجارود حديث 164، والدولابي (2/ 106)، وابن خزيمة (1/ 193) حديث 374، والطحاوي (1/ 133)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 565) حديث 1674، والحاكم (1/ 197 - 198)، والبيهقي (1/ 413)، والبغوي في شرح السنة (2/ 255) حديث 406، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(2)

البخاري في الوضوء، باب 40، حديث 187، وفي الصلاة، باب 17، حديث 376، وفي الأذان، باب 19، حديث 634، وفي اللباس، باب 42، حديث 5859، ومسلم في الصلاة، حديث 503.

(3)

"سنن أبي داود": الصلاة، باب 34، حديث 520. ورواه - أيضًا - البيهقي (1/ 395). ورواه ابن خزيمة (1/ 202) حديث 387 بنحوه.

ص: 59

(قال القاضي) أبو يعلى (والمجد) عبد السلام بن تيمية (وجمع) منهم صاحب "الروضة" و"المذهب الأحمد"، و"الإفادات" و"المنور":(إلا في منارة ونحوها) قال في "الإنصاف": وهو الصواب، لأنه أبلغ في الإعلام، وهو المعمول به.

(و‌

‌يجعل إصبعيه السبابتين في أذنيه)

لما روى أبو جحيفة "أن بلالًا وضع إصبعَيه في أذنَيْهِ" رواه أحمد، والترمذي

(1)

وصححه.

وعن سعد القرظ "أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، أمر بلالًا بذلكَ. وقال: إنه أرفع

= ورواه الترمذي في الصلاة، باب 144، حديث 197، وعبد الرزاق (1/ 467) حديث 1806، وأحمد (4/ 308)، والدارمي في الأذان، باب 8، حديث 1202، والحاكم (1/ 202) بلفظ:"يؤذن ويدور".

ورواه النسائي في الأذان، باب 13، حديث 642، بلفظ:"فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينًا وشمالًا".

ورواه ابن ماجه في الأذان، باب 3، حديث 711، والبيهقي (1/ 395) بلفظ:"فأذن، فاستدار في أذانه"، وفي رواية للبيهقي:"وهو يلتوي في أذانه يمينًا وشمالًا" وفي سنده الحجاج بن أرطاة. قال البيهقي في الحجاج بن أرطاة: ليس بحجاج، والله يغفر لنا وله".

وقال ابن حجر في فتح الباري (2/ 115): "فأما قوله: "ويدور" فهو مدرج". وفصل فيه الكلام، فارجع إليه.

(1)

أحمد (4/ 308)، والترمذي في الصلاة، باب 30، حديث 197، وقال: حسن صحيح، وذكره البخاري معلقًا بصيغة التمريض في كتاب الأذان، باب 19.

ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (1/ 467)، وابن أبي شيبة (1/ 210)، وأبو عوانة (1/ 329)، والحاكم (1/ 202)، وقال: قد اتفق الشيخان على إخراجه

غير أنهما لم يذكرا فيه إدخال الإصبع في الأذنين والاستدارة في الأذان، وهو صحيح على شرطهما جميعًا، وهما سنتان مسنونتان.

ص: 60

لصوتك" رواه ابن ماجه

(1)

.

(و) يسن أن (يرفع وجهه إلى السماء فيه) أي: الأذان (كله) نص عليه في رواية حنبل، لأنه حقيقة التوحيد

(2)

، وكذا في الإقامة.

(ويتولاهما) أي: الأذان، والإقامة واحد (معًا، فلا يستحب أن يقيم غير من أذن) لما في حديث زياد بن الحارث

(3)

الصدائي، حين أذن قال: فأراد بلالٌ أن يقيم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يقيم أخو صدَاء، فإن منْ أذن فهو يقيمُ" رواه أحمد، وأبو داود

(4)

، قال الترمذي

(5)

: إنما نعرفه من طريق عبد الرحمن

(1)

في الأذان، باب 3، حديث 710. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في "الصغير" (2/ 142)، وابن عدي (4/ 1621)، والحاكم (3/ 607)، والبيهقي (1/ 396)، كلهم من طريق عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده. وقال البوصيري: هذا إسناد ضعيف لضعف أولاد سعد القرظ: عمار، وسعد، وعبد الرحمن. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 347): إن عبد الرحمن المذكور، وأباه، وجده كلهم لا تعرف لهم حال.

(2)

هذا حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه.

(3)

في المطبوع والمخطوط "يزيد بن الحارث"، والصواب "زياد بن الحارث" كما في كتب الحديث.

(4)

أحمد (4/ 169)، وأبو داود في الصلاة، باب 30، حديث 514، والترمذي في الصلاة، باب 32، حديث 199.

وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الأذان، باب 3، حديث 717، وعبد الرزاق (1/ 475) حديث 1833، وابن أبي شيبة (1/ 216)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 142)، والطبراني في الكبير (5/ 262) حديث 5285، والبيهقي (1/ 380 - 381)، وقال الترمذي: وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان، وغيره، قال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي، قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره، ويقول: هو مقارب الحديث. وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 297) حديث 848.

(5)

سنن الترمذي (1/ 384).

ص: 61

الإفريقي، وهو ضعيف عند أهل الحديث.

ولأنهما ذِكران يتقدمان الصلاة، فسن أن يتولاهما واحد، كالخطبتين.

(ولا يصح) الأذان، وكذا الإقامة (إلا مرتبًا) لأنه ذكر معتد به، فلا يجوز الإخلال بنظمه، كأركان الصلاة.

(متواليًا عرفًا) لأنه لا يحصل المقصود منه - وهو الإعلام بدخول الوقت - بغير موالاة، وشرع في الأصل كذلك، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم "علم أبا محذورة الأذان مرتبًا، متواليًا"

(1)

.

(منويًا) لحديث: "إنما الأعمال بالنيات"

(2)

.

(من واحد، فلو أتى) واحد (ببعضه، وكمله آخر، لم يعتد به) كالصلاة، قال في "الإنصاف": بلا خلاف أعلمه.

(ولو) كان ذلك (لعذر) بأن مات، أو جن، ونحوه من شرع في الأذان، أو الإقامة فكمله الثاني.

(وإن نكسه) أي: الأذان، أو الإقامة، بأن قدم بعض الجمل على بعض، لم يعتد به، لعدم الترتيب.

(أو فرق بينه بسكوت طويل، ولو بـ) ــسبب (نوم، أو إغماء، أو جنون.

أو) فرق بينه بـ (ــكلام كثير) لم يعتد به، لفوات الموالاة.

(أو) فرق بينه بكلام (محرم، كسب، وقذف، ونحوهما) وإن كان

(1)

انظر صحيح مسلم في الصلاة، حديث رقم 379. وقد تقدم تخريج حديث أبي محذورة مفصلًا ص/ 49 - 50 من هذا الجزء.

(2)

أخرجه البخاري في بدء الوحي، حديث 1، ومسلم حديث 1907 عن عمر رضي الله عنه.

ص: 62

يسيرًا، لم يعتد به؛ لأنه قد يظنه سامعه متلاعبًا أشبه المستهزئ، ذكره المجد.

(أو ارتد في أثنائه، لم يعتد به) لخروجه عن أهلية الأذان.

(ويكره فيه) أي: الأذان (سكوت يسير) بلا حاجة.

(و) كره فيه (كلام) مباح يسير (بلا حاجة) فإن كان لها، لم يكره؛ لأن سليمان بن صرد - وله صحبة - كان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه

(1)

(كإقامة) فيكره فيها سكوت يسير وكلام (ولو لحاجة).

قال أبو داود

(2)

: قلت لأحمد: الرجل يتكلم في أذانه؟ قال: نعم. قلت: يتكلم في الإقامة، قال: لا. ولأنه يستحب حدرها. وظاهر ما قدمه في "الإنصاف" وغيره: أن الإقامة كالأذان.

(وله رد سلام فيهما) أي: في الأذان، والإقامة، ولا يبطلان به، ولا يجب الرد؛ لأن ابتداء السلام إذن غير مسنون.

(و‌

‌يكفي مؤذن واحد في المصر، بحيث يحصل لأهله العلم)

لأن المقصود بالأذان الإعلام، وقد حصل. وفي "المستوعب": من أذن واحد سقط عمن صلى معه مطلقًا خاصة.

(ويكفي بقيتهم) أي: بقية أهل المصر الذي أذن فيه الواحد، بحيث حصل لأهله العلم (الإقامة) فلا يطلب الأذان من كل فرد، وكذا الإقامة لا تطلب من كل فرد، لكن يقيم لكل جماعة واحد.

(فإن لم يحصل الإعلام بـ) ــأذان (واحد، زيد بقدر الحاجة) ليحصل المقصود منه.

يؤذن (كل واحد من جانب) من البلد (أو) يؤذنون (دفعة واحدة بمكان

(1)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 212)، والبيهقي (1/ 398).

(2)

مسائل الإمام أحمد ص/ 29.

ص: 63

واحد) قاله في "الفروع"(ويقيم أحدهم) إن حصلت به الكفاية، وإلا أقام من يكفي، كما في "المنتهى".

وإن أذن اثنان، واحد بعد واحد، يقيم من أذن أولًا، قاله في "الفروع".

(ورفع الصوت به) أي: الأذان (ركن) ما لم يؤذن لحاضر، فبقدر ما يسمعه، قال في "الإنصاف": ويستحب رفع صوته (بقدر طاقته) لأنه أبلغ في الإعلام، وقوله (ليحصل السماع) متعلق بقوله "ورفع الصوت به ركن" على أنه علة له، أي: لأن المقصود من الأذان الإعلام، ولا يحصل إلا برفع الصوت.

(وتكره الزيادة) في رفع الصوت (فوق طاقته) خشية ضرر.

(وإن أذن لنفسه، أو) أذن (لحاضر) واحدًا كان أو جماعة (خُيّر) بين رفع الصوت وخفضه (ورفع الصوت أفضل) من خفضه.

(وإن خافتَ ببعضه، وجهر ببعضه، فلا بأس) قاله ابن تميم بمعناه. قال في "الإنصاف": والظاهر أن هذا مراد من أطلق، بل هو كالمقطوع به، وهو واضح، وقال في "الرعاية الكبرى": ويرفع صوته إن أذن في الوقت للغائبين، أو في الصحراء. فزاد: في الصحراء، وهي زيادة حسنة. وقال أبو المعالي: رفع الصوت بحيث يسمع من تقوم به الجماعة ركن.

(ووقت الإقامة إلى الإمام، فلا يقيم) المؤذن الصلاة (إلا بإذنه) أي: الإمام.

(و) وقت (أذان إلى المؤذن) فيؤذن إذا دخل الوقت، وإن لم يأذن الإمام. قال في "الجامع": وينبغي للمؤذن أن لا يقيم حتى يحضر الإمام، ويأذن له في الإقامة، نص عليه في رواية علي بن سعيد. وقد سأله عن حديث علي:"الإمام أملك بالإقامة"

(1)

فقال: الإمام يقع له الأمر، أو تكون له الحاجة، فإذا

(1)

أخرجه عبد الرزاق (1/ 476)، والبيهقي (2/ 19) وقال: وروي عن شريك، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وليس بمحفوظ.

ص: 64

أمر المؤذن أن يقيم أقام انتهى.

وفي "الصحيحين": "أن المؤذنَ كانَ يأتي النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم"

(1)

ففيه إعلام المؤذن للإمام بالصلاة وإقامتها.

وفيهما قول عمر: "الصلاة يا رسولَ الله، رقدَ النساءُ والصبيانُ"

(2)

.

وقال أبو المعالي: إن جاء الغائب للصلاة أقام حين يراه للخبر

(3)

.

(و‌

‌يحرم أن يؤذن غير) المؤذن (الراتب إلا

بإذنه، إلا أن يخاف فوت) وقت (التأذين) كالإمام، جزم به أبو المعالي.

(ومتى جاء) الراتب (وقد أذن) غيره (قبله، أعاد) الراتب الأذان، نص عليه. قال في "الإنصاف": استحبابًا.

(ولا يصح) الأذان (قبل دخول الوقت) لما روى مالك بن الحويرث، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا حضرت الصلاةُ فليؤذنْ لكم أحدُكم وليؤمكمْ أكبركم" متفق عليه

(4)

.

ولأنه شرع للإعلام بدخول الوقت، وهو حث على الصلاة، فلم يصح في وقت لا تصح فيه.

(1)

البخاري في الأذان، باب 15، حديث 626، وفي الوتر، باب 1، حديث 994، وفي التهجد، باب 3، حديث 1123، وفي الدعوات، باب 5، حديث 6310، ومسلم في المسافرين، حديث 736، عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

البخاري في مواقيت الصلاة، باب 24، حديث 569، ومسلم في المساجد، حديث 638، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

روى مسلم في المساجد، حديث 606، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان بلال يؤذن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج، أقام الصلاة حين يراه. ورواه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 44، حديث 537، والترمذي في الصلاة، باب 148، حديث 202 بنحوه.

(4)

تقدم تخريجه (2/ 36)، تعليق رقم 3.

ص: 65

(كالإقامة، إلا الفجر، فيباح) الأذان لها (بعد نصف الليل) لأن معظمه قد ذهب، وبذلك يخرج وقت العشاء المختار، ويدخل وقت الدفع من مزدلفة، ورمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة، فيعتد بالأذان إذن، سواء برمضان أو غيره، ولأن وقت الفجر يدخل على الناس، وفيهم الجنب، والنائم، فاستحب تقديم أذانه، حتى يتهيئوا لها، فيدركوا فضيلة أول الوقت.

(والليل هنا ينبغي أن يكون أوّله غروب الشمس، وآخره طلوعها، كما أن النهار المعتبر نصفه، أوله طلوع الشمس، وآخره غروبها) لانقسام الزمان إلى ليل، ونهار (قاله الشيخ

(1)

.

ولا يستحب تقدمه) أي: أذان الفجر (قبل الوقت كثيرًا) لما في "الصحيح" من حديث عائشة قال القاسم: "ولم يكنْ بين أذانهما، إلا أن ينزل ذا ويرقى ذا"

(2)

.

قال البيهقي

(3)

: مجموع ما روي في تقدم الأذان قبل الفجر، إنما هو بزمن يسير، وأما ما يفعل في زماننا من الأذان للفجر من الثلث الأخير، فخلاف السنة إن سلم جوازه، وفيه نظر. قاله في "المبدع".

(ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها) فلا يتقدم، ولا يتأخر، لئلا يغرّ الناس

(4)

.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 61.

(2)

أخرجه البخاري في الصوم، باب 17، حديث 1918، 1919، ومسلم في الصيام، حديث 1092 (38)، عن ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.

(3)

انظر المهذب في اختصار السنن الكبير (1/ 375) علمًا بأن هذا القول غير موجود في مظنته من الأصل [السنن الكبير].

(4)

وفي متن الإقناع (1/ 121) بعد كلمة كلها زيادة: "وأن يكون معه من يؤذن في الوقت، وأن يتخذ ذلك عادة؛ لئلا يغر الناس".

ص: 66

(و‌

‌يكره) الأذان (في رمضان قبل فجر ثان، مقتصرًا عليه)

أي: على الأذان قبل الفجر (أما إذا كان معه من يؤذن أول الوقت، فلا) يكره، لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إن بلالًا يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابنُ أم مكتوم" متفق عليه

(1)

، زاد البخاري:"وكان رجلًا أعمَى، لا ينادِي حتى يقالَ له: أصبحت أصبحت".

(وما سوى التأذين قبل الفجر) ويوم الجمعة (من التسبيح، والنشيد، ورفع الصوت بالدعاء، ونحو ذلك في المآذن) أو غيرها (فليس بمسنون، وما أحد من العلماء قال: إنه يستحب، بل هو من جملة البدع المكروهة) لأنه لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه، وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه (فليس لأحد أن يأمر به، ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به) لأنه إعانة على بدعة (ولا يلزم فعله، ولو شرطه واقف) لمخالفته السنة.

(وقال) عبد الرحمن (ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس

(2)

: قد رأيت من يقوم بليل كثيرًا على المنارة، فيعظ، ويذكر، ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات) انتهى.

(ويسن أن يؤخر الإقامة) بعد الأذان (بقدر) ما يفرغ الإنسان من (حاجته) أي: بوله وغائطه (و) بقدر (وضوئه، وصلاة ركعتين، وليفرغ الآكل من أكله، ونحوه) أي: كالشارب من شربه، لحديث جابر: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "اجعلْ بين أذانك وإقامتِك قدرَ ما يفرغُ الآكلُ من أكله، والشارب من

(1)

البخاري في الأذان، باب 11، 13، حديث 617، 622، 623، ومسلم في الصيام، حديث 1092، عن عائشة، وابن عمر رضي الله عنهم.

(2)

ص/ 133.

ص: 67

شربه، والمقتضِي

(1)

إذا دخل لقضاءِ حاجته" رواه أبو داود والترمذي

(2)

.

(و) يسن (في المغرب) أي: إذا أذن لها أن (يجلس قبلها) أي: الإقامة (جلسة خفيفة) لما سبق، ولما روى تمام في فوائده بإسناده عن أبي هريرة مرفوعًا:"جلوسُ المؤذنِ بين الأذانِ والإقامةِ سنةٌ في المغربِ"

(3)

ولأن الأذان شرع للإعلام، فسن تأخير الإقامة للإدراك، كما يستحب تأخيرها في غيرها.

(وكذا كل صلاة يسن تعجيلها) وقيده في "المحرر" وغيره (بقدر ركعتين) قال بعضهم: خفيفتين. وقيل: والوضوء.

(ثم يقيم) قال في "الإنصاف": والأول، أي: الجلوس جلسة خفيفة: هو المذهب انتهى.

قلت: فليست المسألة على قول واحد، كما توهمه عبارته، إلا أن يقال: الخلف لفظي، فيرجعان إلى قول واحد معنى.

(1)

في "سنن الترمذي" حديث 195، والكامل لابن عدي (7/ 2649)، و"المستدرك"(1/ 204)، و"السنن الكبرى" (1/ 428) للبيهقي:"المعتصر"، وقال ابن الأثير في النهاية (3/ 247):"هو الذي يحتاج إلى الغائط ليتأهب للصلاة قبل دخول وقتها، وهو من العَصْر، أو العَصَر، وهو الملجأ والمستخفى".

(2)

لم نجده في مظانه من سنن أبي داود، فلعل عزوه لأبي داود سبق قلم. وأخرجه الترمذي في الصلاة، باب 29، حديث 195، وهو تتمة الحديث الذي تقدم تخريجه:(2/ 54)، تعليق رقم 3، 5.

(3)

فوائد تمام (2/ 151) حديث 1401، وذكره الديلمي في فردوس الأخبار (2/ 175) حديث 2396 بلفظ: جلوس الإمام. . .، وذكر السيوطي في جامعه الصغير مع الفيض (3/ 350) بلفظ: جلوس الإمام، وعزاه إلى الديلمي، ورمز لضعفه، وقال المناوي في فيض القدير: وفيه هشيم بن بشير، أورده الذهبي في الضعفاء [325]، وقال: ثقة حجة يدلس، وهو في الزهري لين. وقال في التيسير (1/ 487): إسناده لين.

ص: 68

(ولا يحرم إمام وهو) أي: المقيم (في الإقامة) نص عليه، خلافًا لأبي حنيفة

(1)

.

(و‌

‌يستحب) الإحرام (عقب فراغه منها)

أي: الإقامة، وظاهره: لا تعتبر موالاة بين الإقامة، والصلاة، خلافًا للشافعي

(2)

، إذا أقام عند إرادة الدخول في الصلاة، لقول الصحابي لأبي بكر رضي الله عنهما:"أتصلي فأقيم؟ "

(3)

.

ولأنه صلى الله عليه وسلم "لما ذكر أنهُ جنبٌ ذهبَ فاغتسلَ"

(4)

وظاهره: طول الفصل، ولم يعدها، قاله في "الفروع".

(و‌

‌تباح ركعتان قبل) صلاة (المغرب)

بعد أذانه، فلا يكرهان، ولا يستحبان، وعنه يسن فعلهما للخبر الصحيح

(5)

، وعنه: بين كلِّ أذانينِ صلاةٌ

(1)

كتاب الأصل (1/ 18).

(2)

انظر المجموع للنووي (3/ 215).

(3)

رواه البخاري في الأذان، باب 48، حديث 684، وفي العمل في الصلاة، باب 3، 16، حديث 1201، 1218، وفي السهو، باب 9، حديث 1234، وفي الصلح، باب 1، حديث 2690. ومسلم في الصلاة، حديث 421 عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما في حديث طويل.

(4)

أخرجه البخاري في الغسل، باب 17، حديث 275، وفي الأذان، باب 24، حديث 639، ومسلم في المساجد حديث 605 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

روى البخاري في صحيحه في التهجد، باب 35، حديث 1183، والاعتصام، باب 27، حديث 7368 عن عبد الله المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلوا قبل صلاة المغرب. قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سنة". وفي رواية له في الأذان، باب 14، 16، حديث 624، 627، ومسلم في صلاة المسافرين حديث 838 عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بين كل أذانين صلاة - ثلاثًا - لمن شاء.

وروى البخاري في الأذان، باب 14، حديث 625، ومسلم في صلاة المسافرين، =

ص: 69

قاله ابن هبيرة

(1)

في غير المغرب (وفيهما) أي: الركعتين قبل المغرب (ثواب).

قلت: هذا يدل على استحبابهما، وجزم به في "المفردات"، لأن المباح لا ثواب في فعله ولا تركه.

(و‌

‌يحرم خروج من مسجد بعد الأذان، بلا عذر،

أو نية رجوع) لحديث عثمان بن عفان: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج، لم يخرج وهو لا يريد الرجعةَ فهو منافقٌ" رواه ابن ماجه

(2)

.

(إلا أن يكون قد صلى) نقل صالح

(3)

: لا يخرج، ونقل أبو طالب

(4)

: لا ينبغي، ونقل ابن الحكم

(4)

: أحب إليَّ أن لا يخرج، وكرهه أبو الوفاء، وأبو المعالي. وقال ابن تميم: يجوز للمؤذن أن يخرج بعد أذان الفجر، نص عليه (قال الشيخ

(5)

: إن كان التأذين للفجر قبل الوقت، لم يكره الخروج) أي: من

= حديث 837 عن أنس رضي الله عنه قال: "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين في المغرب. . . الحديث".

(1)

الإفصاح (5/ 262).

(2)

في الأذان، باب 7، حديث 734. وذكره الديلمي في فردوس الأخبار (4/ 229) حديث 6224، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 260) حديث 403 بصيغة التمريض، وضعفه البوصيرى في مصباح الزجاجة (1/ 156)، وابن حجر في الدراية (1/ 204).

وذكره السيوطي في الجامع الصغير مع الفيض (6/ 45) ورمز لحسنه، وتعقبه المناوي بقوله: وليس كما قال، فقد جزم الحافظ ابن حجر في تخريج الهداية بضعفه، وسبقه إليه المنذري وغيره، وسببه أن فيه عبد الجبار، ضعفه أبو زرعة وغيره، وقال البخاري: له مناكير، وحرملة بن يحيى، قال أبو حاتم: لا يحتج به.

(3)

مسائل الإمام أحمد (1/ 161) رقم 61.

(4)

الإنصاف (3/ 112).

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 59.

ص: 70

المسجد قبل الصلاة (نصًا) قال في "الإنصاف": الظاهر أن هذا مراد من أطلق.

(ويستحب أن لا يقوم) الإنسان (إذا أخذ المؤذن) أي: شرع (في الأذان بل يصير قليلًا) أي: إلى أن يفرغ، أو يقارب الفراغ (لأن في التحرك عند سماع النداء تشبهًا بالشيطان) حيث يفر عند سماعه، كما في الخبر

(1)

.

قال في "الاختيارات"

(2)

: إذا أقيمت الصلاة وهو قائم يستحب له أن يجلس، وإن لم يكن صلى تحية المسجد، قال ابن منصور: رأيت أبا عبد الله أحمد يخرج عند المغرب، فحين انتهى إلى موضع الصف أخذ المؤذن في الإقامة فجلس. انتهى. لما روى الخلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم:"جاءَ وبلالٌ في الإقامة فقعد".

(ومن جمع بين صلاتين) أذن للأولى، وأقام لكل منهما، سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية، لما روى جابر "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جمعَ بين الظهرِ والعصرِ بعرفةَ، وبين المغربِ والعَشاءِ بمزدلفة بأذانٍ وإقامتين" رواه مسلم

(3)

.

(أو قضى فوائت أذن لـ) ــلصلاة (الأولى فقط، ثم أقام لكل صلاة) لما روى أبو عبيدة، عن أبيه، عن ابن مسعود

(4)

"أن المشركين يوم الخندق

(1)

روى البخاري في الأذان، باب 4، حديث 608، وفي العمل في الصلاة، باب 18، حديث 1222، وفي السهو، باب 6، حديث 1231، وفي بدء الخلق، باب 11، حديث 3285، ومسلم في الصلاة، حديث 389، وفي المساجد حديث 83 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثوِّب أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل. . . الحديث".

(2)

ص/ 58.

(3)

في الحج، حديث 1218.

(4)

كذا في الأصول: "عن ابن مسعود"، والصواب بحذف "عن" لأن أبا عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ص: 71

شغلوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات، حتى ذهبَ من الليلِ ما شاء الله، فأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهرَ، ثم أقام فصلى العصرَ، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاءَ" رواه النسائي، والترمذي

(1)

واللفظ له وقال:

(1)

النسائي في المواقيت، باب 55، حديث 621، وفي الأذان، باب 22، 23، حديث 661، 662، والترمذي في الصلاة، باب 18، حديث 179.

وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (2/ 70، 14/ 272)، وأحمد (1/ 375، 423)، وأبو يعلى (5/ 39) حديث 2628، والبيهقي (1/ 403)، وقال الترمذي: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. وقال النووي في الخلاصة (1/ 301) حديث 864: وهو منقطع لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه.

وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لكن ليس فيه ذكر الأذان، رواه النسائي في الأذان، باب 21، حديث 660، والشافعي في الأم (1/ 75)، وابن أبي شيبة (2/ 70، 14/ 272)، وأحمد (3/ 25، 49، 67 - 68)، والدارمي في الصلاة، باب 186، حديث 1532، وأبو يعلى (2/ 471) حديث 1296، وابن خزيمة (2/ 88، 99، 3/ 100) حديث 974، 996، 1703، وابن حبان "الإحسان"(7/ 147) حديث 2890، والبيهقي (1/ 402) كلهم بلفظ: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام. . . الحديث.

وقال البيهقي: وهكذا رواه الشافعي في الجديد عن أبن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، ورواه أبو داود الطيالسي [ص/ 295 حديث 2231]، عن ابن أبي ذئب بمعناه، وقال في الحديث: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام لكل صلاة إقامة. ورواه الشافعي في القديم عن غير واحد عن ابن أبي ذئب لم يسم أحدًا منهم، وقال في الحديث: فأمر بلالًا فأذن، وأقام، فصلى الظهر. . . وهكذا رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه في هذه القصة في إحدى الروايتين عنه، إلا أن أبا عبيدة لم يدرك أباه، وهو مرسل جيد.

وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه صححه النووي في المجموع (3/ 82).

ص: 72

ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.

(و‌

‌يجزئ أذان مميز لبالغين)

لما روى ابن المنذر

(1)

بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال: "كان عمومتي يأمرونني أن أؤذن لهم، وأنا غلام لم أحتلم، وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك" ولأنه ذكر تصح صلاته، فصح أذانه، كالبالغ، وتقدم كلام الشيخ تقي الدين فيه.

(و) يصح أذان (ملحن) وهو الذي فيه تطريب، يقال: لحن في قراءته، إذا أطرب بها وغرد، لحصول المقصود به.

(و) يصح أذان (ملحون، إن لم يحل) لحنه (المعنى) كما لو رفع الصلاة، أو نصبها، لأن ذلك لا يمنع إجزاء القراءة في الصلاة فهنا أولى.

(مع الكراهة فيهما) أي: في الملحن والملحون. قال أحمد

(2)

: كل شيء محدث أكرهه، مثل التطريب.

(فإن أحال) اللحن (المعنى، كقوله: الله وأكبر) أي: بهمزة مع الواو، بدليل رسم الألف بعدها، وأما لو قلب الهمزة واوًا للوقف، لم يكن لحنًا، لأنه لغة، وقرئ به، كما يعلم من كتب القراءات (لم يعتد به) كالقراءة في الصلاة.

ويكره الأذان - أيضًا - من ذي لثغة فاحشة، فإن لم تكن فاحشة لم يكره، فقد روي أن بلالًا كان يبدل الشين سينًا

(3)

، والفصيح أحسن وأكمل، قاله في "الشرح".

(1)

الأوسط (2/ 41) بدون إسناد.

(2)

المسائل للكوسج (1/ 278) رقم 178.

(3)

ذكره العجلوني في "كشف الخفاء": برقم 695، وقال: قال في "الدرر": لم يرد في شيء من الكتب، وقال القاري: ليس له أصل

وقال المزي: إنه اشتهر على ألسنة العوام، ولم يرد في شيء من الكتب. =

ص: 73

(ولا يجزئ أذان فاسق) ظاهر الفسق، وتقدم تعليله.

(و) لا أذان (خنثى، وامرأة) لأن رفع صوتهما منهي عنه، فيخرج الأذان عن كونه قربة، فلم يصح كالحكاية.

(ويسن لمن سمع المؤذن ولو) سمع مؤذنًا (ثانيًا، وثالثًا، حيث سن) الأذان ثانيًا، وثالثًا، لسعة البلد، أو نحوها، قال في "المبدع": لكن لو سمع المؤذن، وأجابه وصلى في جماعة، لا يجيب الثاني، لأنه غير مدعو بهذا الأذان.

(حتى) إنه يستحب للمؤذن أن يجيب (نفسه نصًا) صرح باستحبابه جماعة، وظاهر كلام آخرين: لا يجيب نفسه، قال ابن رجب في القاعدة السبعين

(1)

: الأرجح أنه لا يجيب نفسه.

(أو) أي: ويسن لمن سمع (المقيم) حتى نفسه على ما تقدم (أن يقول متابعة) لـ (ــقوله

(2)

سرًا، كما يقول) المؤذن، أو المقيم (ولو) كان السامع (في طواف) فرض، أو نفل (أو) كان السامع (امرأة، أو تاليًا، ونحوه) كالذاكر (فيقطع القراءة) أو الذكر (ويجيب

(3)

) لعموم ما يأتي.

و (لا) يجيب السامع إن كان (مصليًا) فرضًا، أو نفلًا (و) لا إن كان

= وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (397 رقم 582): ولو كانت فيه لثغة لتوفرت الدواعي على نقلها، ولعابها أهل النفاق والضلال المجتهدين في التنقص لأهل الإسلام.

(1)

ص/ 125.

(2)

قوله: "متابعة قوله" الظاهر نصب قوله بيقول على معنى يقول مثل قوله، ونصب متابعة على الحال من فاعل يقول بمعنى متابعًا. والتقدير أن يقول قوله متابعًا إلخ. قوله يقول بدلًا من قوله، فتدبر، والله أعلم. شيخنا عثمان. "ش".

(3)

في "ذ": "ويجيبه".

ص: 74

(متخليًا) أي: داخلًا الخلاء، ونحوه، لقضاء حاجته.

(ويقضيانه) أي: يقضي المصلي، والمتخلي، ما سمعه من أذان، أو إقامة، إذا فرغ من صلاته، أو خرج من قضاء حاجته، على صفة ما يجيبه عقبه.

(فإن أجابه المصلي بطلت) الصلاة (بالحيعلة فقط) أي: إذا قال السامع مجيبًا للمؤذن، أو المقيم: حي على الصلاة، أو حي على الفلاح، بطلت صلاته، دون ألفاظ باقي الأذان

(1)

، لأنها أقوال مشروعة في الصلاة في الجملة، بخلاف الحيعلة، لأنها خطاب آدمي، ومثل الحيعلة إذا أجاب في التثويب: بـ "صدقت وبررت" فتبطل به الصلاة.

(إلا في الحيعلة) استثناء من قوله: كما يقول (فيقول) السامع للحيعلة (لا حول) أي: تحول من حال إلى حال (ولا قوة) على ذلك (إلا بالله) وقيل: لا حول عن معصية الله، إلا بمعونة الله، ولا قوة على طاعة الله، إلا بتوفيقه. والمعنى الأول أجمع وأشمل، قاله الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة"

(2)

.

(و) يقول المجيب (عند التثويب) أي: قول المؤذن في أذان الفجر "الصلاة خير من النوم": (صدقت وبررت)

(3)

بكسر الراء.

(و) إلا (في الإقامة) فيقول (عند لفظها: أقامها الله وأدامها) لما روى عمر، أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال المؤذنُ: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على

(1)

في "ح" و"ذ": "دون باقي ألفاظ الأذان".

(2)

ص/ 123 - 124.

(3)

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 211): "لا أصل له".

ص: 75

الفلاح، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله، مخلصًا من قلبه دخل الجنة" رواه مسلم

(1)

.

وإنما لم يتابعه في الحيعلة لأنه خطاب، فإعادته عبث، بل سبيله الطاعة، وسؤال الحول والقوة، وتكون الإجابة عقب كل جملة للخبر.

والأصل في استحباب إجابة المقيم، ما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "أن بلالًا أخذَ في الإقامةِ، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: أقامَها الله وأدامَها"

(2)

وقال في سائر ألفاظ الإقامة: كنحو حديث عمر في الأذان.

وإنما استحبت الإجابة للمؤذن والمقيم على ما تقدم، ليجمع بين أجر الأذان، والإقامة، والإجابة.

والحيعلة هي قول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، على أخذ الحاء والياء من "حي"، والعين واللام من "على"، كما يقال: الحوقلة في "لا حول ولا قوة إلا بالله" على أخذ الحاء من حول، والقاف من قوة، واللام من اسم الله تعالى، وتقدم معناها.

(1)

في الصلاة، حديث 385.

(2)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 37، حديث 528 عن محمد بن ثابت العبدى عن رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة، أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ومن طريقه رواه البيهقي (1/ 411). وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 285): في إسناده رجل مجهول، وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد، ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين. وقال النووي في المجموع (3/ 118): حديث ضعيف، لأن الرجل مجهول، ومحمد بن ثابت العبدي ضعيف بالاتفاق، وشهر مختلف في عدالته.

ص: 76

وقال ابن مسعود: "لا حول عن معصية الله، إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله، إلا بمعونته"

(1)

قال الخطابي

(2)

: هذا أحسن ما جاء فيه.

(و‌

‌لو دخل المسجد - والمؤذن قد شرع في الأذان

- لم يأت بتحية المسجد ولا بغيرها، بل يجيب) المؤذن (حتى يفرغ) من أذانه، فيصلي التحية بشرطه، ليجمع بين أجر الإجابة والتحية. قال في "الفروع":(ولعل المراد غير أذان الخطبة) أي: الأذان الذي يكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة (لأن سماعها) أي: الخطبة (أهم) من الإجابة، فيصلي التحية إذا دخل.

(ثم يصلي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد فراغه) من الأذان، وإجابته.

(ثم يقول) كل من المؤذن، وسامعه:(اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته) لما روى ابن عمر

(3)

مرفوعًا: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلَ ما يقولُ المؤذن، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا، ثم سلُوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنةِ، لا ينبغي أن تكونَ إلا لعبدٍ من عبادِ الله، وأرجو أن أكونَ أنَا هوَ، فمن سألَ لي الوسيلةَ حلتْ عليهِ

(1)

قد روي عنه مرفوعًا. رواه البزار في مسنده (5/ 374) حديث 2004، 2005، والعقيلي في الضعفاء (2/ 200)، وابن عدي في الكامل (1/ 270)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 323، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 446) حديث 664، والخطيب في تاريخه (12/ 362)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 99) وقال: رواه البزار بإسنادين أحدهما منقطع، وفيه عبد الله بن خراش، والغالب عليه الضعف، والآخر متصل حسن.

(2)

شأن الدعاء ص/ 162.

(3)

في "صحيح مسلم"(1/ 288) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

ص: 77

الشفاعةُ" رواه مسلم

(1)

.

وعن جابر: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوةِ التامةِ والصلاةِ القائمةِ، آت محمدًا الوسيلة والفضيلةَ، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، حلت له شفاعتي يوم القيامةِ" رواه البخاري

(2)

.

قال في "المبدع": ولم يذكر "والسلام" معه، فظاهره أنه لا يكره بدونه، وقد ذكر النووي أنه يكره.

"تتمة""اللهم" أصله: يا الله، والميم بدل من ياء، قاله الخليل وسيبويه

(3)

، وقال الفراء

(4)

: أصله يا الله أمنا بخير، فحذف حرف النداء، ولا يجوز الجمع بينهما إلا في الضرورة.

"والدعوة" - بفتح الدال - هي دعوة الأذان، سميت تامة لكمالها، وعظم موقعها، وسلامتها من نقص يتطرق إليها.

وقال الخطابي

(5)

: وصفها بالتمام لأنها ذكر الله، يدعى بها إلى طاعته، وهذه الأمور التي تستحق صفة الكمال والتمام، وما سواها من أمور الدنيا معرض للنقص والفساد. وكان الإمام أحمد يستدل بهذا على أن القرآن غير مخلوق. قال: لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص.

و"الصلاة القائمة" التي ستقوم، وتفعل بصفاتها.

(1)

في الصلاة، حديث 384 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(2)

في الأذان، باب 8، حديث 614، وفي التفسير، حديث 4719.

(3)

انظر كتاب سيبويه (2/ 196)، وتهذيب اللغة (6/ 426)، ولسان العرب (13/ 470).

(4)

انظر إعراب القرآن (1/ 202)، وتهذيب اللغة (6/ 425)، ولسان العرب (13/ 470).

(5)

شأن الدعاء ص/ 135.

ص: 78

"والوسيلة" منزلة عند الملك، وهي منزلة في الجنة.

"والمقام المحمود" الشفاعة العظمى في يوم القيامة، لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون.

والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى إظهار كرامته، وعظم منزلته، وقد وقع منكّرًا في الصحيح، تأدبًا مع القرآن، فيكون قوله "الذي وعدته" منصوبًا على البدلية، أو على إضمار فعل، أو مرفوعًا على أنه خبر لمبتدأ محذوف.

(ثم يسأل الله تعالى العافية في الدنيا، والآخرة.

ويدعو هنا) أي: عند فراغ الأذان، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يردُّ الدعاءُ بين الأذان، والإقامةِ" رواه أحمد، والترمذي

(1)

وحسنه.

(و) يدعو (عند الإقامة)

(2)

فعله أحمد، ورفع يديه.

(1)

أحمد (3/ 155، 225، 254)، والترمذي في الصلاة، باب 44، حديث 212، وفي الدعوات، باب 129، حديث 3595، من حديث أنس رضي الله عنه، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 35، حديث 521، والنسائي في عمل اليوم والليلة، حديث 67، وعبد الرزاق (1/ 495) حديث 1909، وابن أبي شيبة (10/ 226)، وأبو يعلى (6/ 353) حديث 3679، 3680، وابن خزيمة (1/ 222) حديث 425 - 427، وابن حبان "الإحسان"(4/ 593) حديث 1696، والطبراني في الدعاء حديث 484، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 102، والبيهقي (1/ 410)، والبغوي في شرح السنة (2/ 289) حديث 425، (5/ 165) حديث 1365، والضياء (4/ 392) حديث 1561 - 1563.

(2)

أي قبلها كما يأتي في باب صفة الصلاة ص/ 278.

ص: 79

(ويقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبالُ ليلكَ، وإدبارُ نهارِك، وأصواتُ دُعَاتِكَ، فاغفرْ لي) للخبر

(1)

.

(1)

روى أبو داود في الصلاة، باب 39، حديث 530، والترمذي في الدعوات، باب 127، حديث 3589، وعبد بن حميد (3/ 248) حديث 1541، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 601 حديث 649، والحاكم (1/ 199) كلهم من طريق أبي كثير، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: "اللهم. . . الحديث".

قال الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرف من هذا الوجه، وحفصة بنت أبي كثير لا نعرفها، ولا أباها.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح. ووافقه الذهبي. وذكره النووي في الخلاصة (1/ 294) حديث 842، في فصل الضعيف.

ص: 80

‌باب شروط الصلاة

الشروط: جمع شرط، كفلوس جمع فلس. والشرائط: جمع شريطة كفرائض وفريضة، والأشراط واحدها شرط بفتح الشين والراء، وسمي شرطًا لأنه علامة على المشروط، ومنه قوله تعالى:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}

(1)

.

‌وفي الاصطلاح:

هو ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم، كالإحصان مع الرجم، فالشرط ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده، وهو عقلي، كالحياة للعلم، ولغوي، كإن دخلت الدار فأنت طالق، وشرعي، كالطهارة للصلاة.

(وهي) أي: شروط الصلاة (ما يجب لها قبلها) بأن تتقدم على الصلاة وتسبقها (إلا النية) فإنه لا يجب أن تتقدم على الصلاة، بل الأفضل أن تقارن التكبير، ويأتي.

(ويستمر حكمه إلى انقضائها) أي: الصلاة، وبهذا المعنى فارقت الأركان.

(و‌

‌الشرط) الشرعي

(ما يتوقف عليه صحة مشروطه) صلاة كان، أو غيرها (إن لم يكن عذر) يعجز به عن تحصيل الشرط (ولا يكون) ما تتوقف عليه الصحة (منه) أي: من المشروط بخلاف الأركان، فإنها تتوقف عليها الصحة، لكنها من العبادة.

(فمتى أخل بشرط لغير عذر، لم تنعقد صلاته) لفقد شرطها (ولو) كان التارك للشرط (ناسيًا) له (أو جاهلًا) به.

(1)

سورة محمد، الآية:18.

ص: 81

(وهي) أي:‌

‌ شروط الصلاة (تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز)

وهذه الثلاثة شرط في كل عبادة، ولذلك أسقطها في "المقنع" وغيره، إلا التمييز في الحج؛ فإنه يصح ممن لم يميز، ولو أنه ابن ساعة، ويحرم عنه وليه، كما يأتي.

(و)

‌ الرابع: (الطهارة من الحدث)

الأكبر، والأصغر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبلُ اللهُ صلاةً بغير طهورٍ" الحديث، رواه مسلم

(1)

.

(وتقدمت) مفصلة (وتأتي بقيتها) أي: الشروط.

(و‌

‌الخامس: دخول الوقت)

لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}

(2)

، قال ابن عباس:"دلوكها إذا فاء الفيء"

(3)

ويقال: هو غروبها، وقيل: طلوعها، وهو غريب. قال عمر:"الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به"

(4)

وحديث جبريل حين أَمَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس، ثم قال:"يا محمدُ هذا وقتُ الأنبياءِ من قبلِك"

(5)

.

(1)

في الطهارة، حديث 224، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

سورة الإسراء، الآية:78.

(3)

رواه مالك في وقوت الصلاة، باب 4 (1/ 11) ومن طريقه ابن أبي شيبة (2/ 235) عن داود بن الحصين، قال أخبرني مُخْبر أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يقول:. . . الحديث.

قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 271): المخبر هاهنا عكرمة. . . وكان مالك يكتم اسمه لكلام سعيد بن المسيب فيه. وانظر الأوسط لابن المنذر (2/ 322) رقم 937، 941.

(4)

رواه ابن حزم في المحلى (2/ 239) وإسناده منقطع.

(5)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 2، حديث 393، والترمذي في الصلاة، باب 1، حديث 149، والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 50)، وعبد الرزاق (1/ 531) حديث 2028، وابن أبي شيبة (1/ 317)، وأحمد (1/ 333، 354)، وعبد بن حميد =

ص: 82

(وتجب الصلاة بدخول أول وقتها) في حق من هو من أهل الوجوب، وجوبًا موسعًا، بمعنى أنها تثبت في ذمته، يفعلها إذا قدر؛ لقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}

(1)

والأمر للوجوب على الفور؛ ولأن دخول الوقت سبب للوجوب، فترتب عليه حكمه عند وجوده، فالوقت سبب وجوب الصلاة لأنها تضاف إليه، وهي تدل على السببية، وتتكرر بتكرره، وهو سبب نفس الوجوب، إذ سبب وجوب الأداء الخطاب.

(والصلوات المفروضات) العينية (خمس) في اليوم والليلة، أجمع المسلمون على ذلك، وأن غيرها لا يجب إلا لعارض، كالنذر. وأما الوتر فسيأتي، والكلام على الجمعة يأتي في بابها.

(الظهر) واشتقاقها من الظهور، إذ هي ظاهرة في وسط النهار، والظهر لغة: الوقت بعد الزوال. وشرعًا: صلاة هذا الوقت، من تسمية الشيء باسم وقته.

= (1/ 594) حديث 702، وابن الجارود (149)، وأبو يعلى (5/ 134) حديث 2760، وابن خزيمة (1/ 168)، والطحاوي (1/ 146، 147)، والطبراني في الكبير (10/ 375 - 376) حديث 10752 - 10754، والدارقطني (1/ 258)، والحاكم (1/ 193، 196 - 197)، والبيهقي (1/ 364)، والبغوي في شرح السنة (2/ 181) حديث 348 عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي. وحسنه البغوي. وقال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي (1/ 251): وحديث ابن عباس هذا كلهم ثقات مشاهير، لا سيما وأصل الحديث صحيح في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم. وصححه النووي في المجموع (3/ 24، 28). وانظر التمهيد (8/ 28)، والتلخيص الحبير (1/ 173).

(1)

سورة الإسراء، الآية:78.

ص: 83

(وهي أربع ركعات) إجماعًا (وهي) أي: الظهر (الأولى) قال عياض

(1)

: هو اسمها المعروف لبداءة جبريل عليه السلام بها - لما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي البداءة بها إشارة إلى أن هذا الدين ظهر أمره، وسطع نوره، من غير خفاء، ولأنه لو بدأ بالفجر، لختم بالعشاء ثلث الليل، وهو وقت خفاء، فلذلك ختم بالفجر؛ لأنه وقت ظهور، وفيه ضعف، إشارة إلى أن هذا الدين يضعف في آخر الأمر.

وبدأ ابن أبي موسى، والشيرازي، وأبو الخطاب بالفجر، لبداءته صلى الله عليه وسلم بها السائل

(2)

، ولأنها أول اليوم.

فإن قيل: إيجابها كان ليلًا، وأول صلاة تحضر بعد ذلك هي الفجر، فلم لا بدأ بها جبريل؟

أجيب بأنه يحتمل أنه وُجد تصريح أن أول وجوب الخمس من الظهر، ويحتمل أن الإتيان بها متوقف على بيانها؛ لأن الصلوات مجملة، ولم تبين إلا عند الظهر.

(وتسمى الهجير) لفعلها وقت الهاجرة.

(ووقتها من زوال الشمس، وهو ميلها عن وسط السماء) أجمع العلماء على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس، حكاه ابن المنذر

(3)

، وابن

(1)

مشارق الأنوار (1/ 51).

(2)

إشارة إلى حديث أبي موسى رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم في الصلاة، حديث 614 (178)، وأبو داود في الصلاة، باب 2، حديث 395، والترمذي في الصلاة، باب 1، حديث 152، والنسائي في المواقيت، باب 15، حديث 522، وأحمد (4/ 416)، والطحاوي (1/ 148)، والدارقطني (1/ 263)، أنه صلى الله عليه وسلم أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئًا، قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر. . . الحديث.

(3)

الأوسط (2/ 326).

ص: 84

عبد البر

(1)

، لحديث جابر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "جاءه جبريل، فقال: قمْ فصل، فصلى الظهرَ حينَ زالتْ الشمسُ، ثم جاءه من الغدِ للظهرِ، فقال: قمْ فصلِّه، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم قال: ما بين هذين وقت" إسناده ثقات، رواه أحمد، والترمذي

(2)

، وقال البخاري

(3)

: هو أصح شيء في المواقيت. وصححه ابن خزيمة.

وللترمذي

(4)

وحسنه من حديث ابن عباس نحوه، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أمنِي جبريلُ عندَ البيتِ مرتيْنِ - وفيه - فصلى الظهرَ حين زالت الشمسُ وكانتْ قدرَ الشِّراكِ" - وهو بشين معجمة مكسورة، وراء مهملة، وبالكاف -: أحد سيور النعل.

(ويعرف ذلك) أي: ميل الشمس عن وسط السماء (بزيادة الظل بعد تناهي قصره) لأن الشمس إذا طلعت، رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب، ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص، فإذا انتهت الشمس إلى

(1)

التمهيد (8/ 70).

(2)

أحمد (3/ 330)، والترمذي في الصلاة، باب 1، حديث 150. وأخرجه - أيضًا - النسائي في المواقيت، باب 10، 17، حديث 512، 525، وابن حبان "الإحسان" (4/ 335) حديث 1472، والدارقطني (1/ 256)، والحاكم (1/ 195 - 196)، والبيهقي (1/ 368). ورواه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 182) حديث 353 مختصرًا. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال محمد - يعني البخاري -: أصح شيء في المواقيت حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحاكم: صحيح مشهور. ووافقه الذهبي.

(3)

سنن الترمذي (1/ 282).

(4)

في الصلاة، باب 1، حديث 149. وقد تقدم تخريجه (2/ 82) تعليق رقم 5.

ص: 85

وسط السماء، وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه، فإذا زاد الظل أدنى زيادة، دل على الزوال.

والظل أصله الستر، ومنه: أنا في ظل فلان، ومنه: ظل الجنة، وظل شجرها، وظل الليل: سواده، وظل الشمس: ما ستر الشخوص من سقطها، ذكره ابن قتيبة

(1)

قال: والظل يكون غدوة، وعشية، من أول النهار وآخره، والفئ لا يكون إلا بعد الزوال، لأنه فاء أي: رجع من جانب إلى جانب، (ولكن لا يقصر) الظل (في بعض بلاد خراسان لسير الشمس ناحية عنها، قاله ابن حمدان وغيره) فصيفها كشتاء غيرها، ولذلك أنيط الحكم بالزوال، دون زيادة الظل.

(ويختلف الظل باختلاف الشهر، والبلد) فيقصر الظل في الصيف، لارتفاعها إلى الجو، ويطول في الشتاء، لمسامتتها للمنتصب، ويقصر الظل جدًا في كل بلد تحت وسط الفلك، وذكر السامري وغيره: أن ما كان من البلاد تحت وسط الفلك، مثل مكة، وصنعاء، في يوم واحد، وهو أطول أيام السنة لا ظل، ولا فيء لوقت الزوال، بل يعرف الزوال هناك بأن يظهر للشخص فيء من نحو المشرق، للعلم بأنها قد أخذت مغربة.

(فأقل ما) أي: ظل للآدمي (تزول) الشمس عليه (في إقليم الشام، والعراق، وما سامتهما) أي: حاذاهما من البلاد (طولًا: على قدم وثلث) تقريبًا (في نصف حزيران) وذلك مقارب لأطول أيام السنة، وأطولها سابع عشر حزيران (وفي نصف تموز، وأيار، على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب، ونيسان، على ثلاثة) أقدام (وفي نصف آذار) بالذال المعجمة (و)

(1)

انظر تأويل مشكل القرآن ص/ 416، 418، وغريب الحديث (1/ 228).

ص: 86

نصف (أيلول على أربعة ونصف) قدم (وفي نصف سباط) بضم السين المهملة، قاله في حاشيته (و) نصف (تشرين الأول، على ستة) أقدام (وفي نصف كانون الثاني، وتشرين الثاني، على تسعة، وفي نصف كانون الأول، على عشرة أقدام وسدس) قدم، وذلك مقارب لأقصر أيام السنة، وأقصرها سابع عشر كانون الأول.

(وتزول) الشمس (على أقل) من ذلك (و) على (أكثر) منه (في غير ذلك) الوقت والإقليم، فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الأرض، وعلِّم الموضع الذي انتهى إليه ظلك، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى، وألصق عقبك بإبهامك، فإذا بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو وقت زوال الشمس، قاله في "المبدع" وغيره.

(وطول الإنسان ستة أقدام وثلثان بقدمه تقريبًا) وقد تنقص في بعض الناس يسيرًا، أو تزيد يسيرًا.

(ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد) الظل (الذي زالت عليه الشمس، إن كان) ثم ظل زالت عليه، لما تقدم، فتضبط ما زالت عليه الشمس من الظل، ثم تنظر الزيادة عليه، فإذا بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر.

(والأفضل تعجيلها) أي: الظهر. لما روى أبو برزة قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير، التي تدعونها الأولى، حين تدحضُ الشمسُ"

(1)

.

وقال جابر: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلي الظهرَ بالهاجرةِ" متفق عليهما

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري في المواقيت، باب 11، 13، حديث 541، 547، ومسلم في المساجد، حديث 647.

(2)

البخاري في المواقيت، باب 18، 21، حديث 560، 565، ومسلم في المساجد، حديث 646.

ص: 87

وقالت عائشة: "ما رأيت أحدًا أشد تعجيلًا للظهرِ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا من أبي بكرٍ، ولا من عمر"

(1)

حديث حسن.

(وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب لها) أو لغيرها مما يسن تعجيلها (إذا دخل الوقت) بأن يشتغل بأسباب الصلاة من حين دخول الوقت، لأنه لا يعد حينئذ متوانيًا ولا مقصرًا.

(إلا في شدة حر، فيسن التأخير، ولو صلى وحده حتى ينكسر) الحر، لحديث أبي هريرة مرفوعًا:"إذا اشتدّ الحرُّ فأبردوا بالصلاةِ، فإن شدة الحرِّ من فيحِ جهنمَ" متفق عليه

(2)

، وفي لفظ:"أبردوا بالظهرِ"

(3)

.

وفيح جهنم: هو غليانها، وانتشار لهبها ووهجها.

(1)

أخرجه الترمذي في الصلاة، باب 4، حديث 155، وفي العلل الكبير ص/ 64، وعبد الرزاق (1/ 543) رقم 2054، وأحمد (6/ 135)، والطحاوي (1/ 185)، وابن عدي (2/ 635)، والبيهقي (1/ 436)، كلهم من طريق حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به. وقال الترمذي: حديث حسن.

وقال في العلل الكبير ص/ 64: سألت محمدًا عن حديث حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. . . الحديث، فقال: يروى هذا - أيضًا - عن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، وهو حديث فيه اضطراب.

وحكى الدارقطني في العلل (5/ 127) أوجه الاختلاف، ورجح رواية من رواه عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، به.

ومدار الحديث على حكيم بن جبير، وهو ضعيف. انظر الكاشف (1/ 347)، تهذيب الكمال (7/ 165 - 168)، والتقريب (1468).

(2)

البخاري في المواقيت، باب 9، حديث 533، 536، ومسلم في المساجد، حديث 615.

(3)

أخرجه البخاري في المواقيت، باب 9، حديث 538، عن أبي سعيد رضي الله عنه. والنسائي في المواقيت، باب 5، حديث 500، عن أبي موسى رضي الله عنه.

ص: 88

(و) إلا (في غيم لمن يصلي) الظهر (في جماعة) فيؤخرها (إلى قرب وقت الثانية) أي: العصر، لما روى ابن منصور عن إبراهيم قال:"كانوا يؤخرونَ الظهرَ، ويعجلونَ العصرَ، في اليوم المتغيم"

(1)

.

ولأنه وقت يخاف فيه العوارض من المطر ونحوه، فيشق الخروج لكل صلاة منهما، فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين، ليقرب من الثانية، لكي يخرج لهما خروجًا واحدًا، طلبًا للأسهل المطلوب شرعًا.

(في غير صلاة جمعة، فيسن تعجيلها في كل حال بعد الزوال) حرًا كان، أو غيمًا، أو غيرهما، لقول سهل بن سعد:"ما كنا نقيلُ ولا نَتَغَدَّى إلا بعد الجمعةِ"

(2)

وقال سلمة بن الأكوع: "كنا نجمعُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثم نَرْجعُ فنتتبعُ الفيء"

(3)

متفق عليهما.

(وتأخيرها) أي: الظهر (لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها) أي: الجمعة أفضل من فعلها قبله.

(و) تأخير الظهر (لمن يرمي الجمرات) أيام منى (حتى يرميها أفضل) من فعلها قبله (ويأتي) ذلك في صفة الحج موضحًا.

(ثم يليه) أي: وقت الظهر (وقت العصر) من غير فصل بينهما، ولا اشتراك، والعصر العشي، قال الجوهري

(4)

: والعصران: الغداة، والعشي، ومنه سميت العصر، وذكر الأزهري

(5)

مثله، تقول: فلان يأتي فلانًا العصرين،

(1)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور.

(2)

رواه البخاري في الجمعة، باب 40، حديث 939، ومسلم في الجمعة، حديث 859.

(3)

رواه البخاري في المغازي، حدث 4168، ومسلم في الجمعة، حديث 860.

(4)

الصحاح (2/ 749).

(5)

تهذيب اللغة (2/ 13).

ص: 89

والبردين، إذا كان يأتيه طرفي النهار، فكأنها سميت باسم وقتها.

(وهي أربع ركعات) إجماعًا (وهي) الصلاة (الوسطى) قال في "الإنصاف": نص عليه الإمام أحمد، وقطع به الأصحاب، ولا أعلم عنه ولا عنهم فيها خلافًا اهـ.

وفي "الصحيحين": "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمسُ"

(1)

ولمسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر"

(2)

.

وعن ابن مسعود، وسمرة قالا: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الصلاةُ الوسطى صلاةُ العصرِ"

(3)

قال الترمذي: حسن صحيح، وقاله أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم.

والوسطى مؤنث الأوسط، وهو أي: الوسط الخيار. وفي صفة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم "أنه من أوسط قومه"

(4)

أي: خيارهم، وليست بمعنى متوسطة، لكون الظهر هي الأولى، بل بمعنى الفضلى.

(1)

البخاري في الجهاد، باب 98، حديث 2931، وفي المغازي، باب غزوة الخندق، حديث 4111، ومسلم في المساجد، حديث 627، عن علي رضي الله عنه.

(2)

صحيح مسلم "المساجد"، حديث 628، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(3)

أخرجه الترمذي في الصلاة، باب 19، حديث 181، 182، وفي تفسير سورة البقرة، حديث 2985، 2983، وحديث سمرة أخرجه - أيضًا - أحمد (5/ 7، 12، 13)، والطحاوي (1/ 174)، وحسنه البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 61).

(4)

روى الحاكم (2/ 444) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط بيت في قريش، ليس بطن من بطونهم إلا قد ولده. . . الحديث. وقال: صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي.

ورواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 185) بلفظ: كان واسط النسب في قريش.

ص: 90

(ووقتها) المختار: (من خروج وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، سوى ظل الزوال، إن كان) لأن جبريل صلاها بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ صارَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كلِّ شيء مثليْهِ، وقال: الوقت فيما بينَ هذينِ"

(1)

.

(وهو) أي: بلوغ ظل الشيء مثليه سوى ظل الزوال (آخر وقتها المختار) في اختيار الخرقي، وأبي بكر، والقاضي، وكثير من أصحابه، وقدمها في "المحرر" و"الفروع"، وقطع به في "المنتهى" وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس:"الوقتُ ما بين هَذيْن"

(1)

.

(وعنه: إلى اصفرار الشمس، اختاره الموفق، والمجد، وجمع) وصححها في "الشرح" وابن تميم، وجزم بها في "الوجيز". قال في "الفروع": وهي أظهر، لما روى ابن عمرو أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"وقتُ العصرِ ما لم تصفَرَّ الشمسُ" رواه مسلم

(2)

.

(وما بعد ذلك وقت ضرورة إلى غروبها) فتقع الصلاة فيه أداء، ويأثم فاعلها بالتأخير إليه لغير عذر.

(وتعجيلها أفضل بكل حال) في الحر والغيم وغيرهما، للأحاديث.

(ويسن جلوسه بعدها) أي: العصر (في مصلاه أبى غروب الشمس، وبعد فجر إلى طلوعها) لحديث مسلم "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقعدُ في مُصَلَّاهُ بعد صلاةِ الفجر حتى تطلع الشمس"

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 82) تعليق رقم 5.

(2)

في المساجد، حديث 612 (173).

(3)

رواه مسلم في المساجد، حديث 670، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما.

ص: 91

(ولا يستحب ذلك في بقية الصلوات) نص عليه، ذكره ابن تميم، واقتصر عليه في "المبدع" وغيره.

(ثم يليه) أي: يلي وقت الضرورة للعصر (وقت المغرب) وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس - بفتح الراء وضمها - غروبًا ومغربًا، ويطلق في اللغة على وقت الغروب، ومكانه، فسميت هذه الصلاة باسم وقتها، كما تقدم.

(وهي وتر النهار) لاتصالها به، فكأنها فعلت فيه، وليس المراد: الوتر المشهور، بل إنها ثلاث ركعات.

(ولا يكره تسميتها بالعشاء) قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب (و) تسميتها (بالمغرب أولى) قال المجد وغيره: الأفضل تسميتها بالمغرب.

(وهي ثلاث ركعات) إجماعًا، حضرًا وسفرًا.

(ولها وقتان)

(1)

قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب، وعليه

(1)

قوله: ولها وقتان على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.

فائدة: بلغار - بضم الباء الموحدة وإسكان اللام وبالغين المعجمة والراء المهملة - في أقصى بلاد الترك، وذكر بعضهم عمن أخبره أن الشمس إذا غربت عندهم من ههنا يطلع الفجر، ثم بعد قليل تطلع الشمس، سئل أبو حامد: كيف يصلون؟ فقال: يعتبر صومهم وصلاتهم بأقرب البلاد إليهم. وقال ابن العماد: والأحسن فيه - كما قال بعض الشيوخ - أنهم يقدرون ذلك، ويعتبرون الليل والنهار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الدجال إنه كسنة، وكشهر -: اقدروا له - حين سأله الصحابة عن الصوم والصلاة فيه - وبه يحصل الجواب عن تردد القرافي في قوم "لا تغيب الشمس عندهم إلا مقدار الصلاة، فهل يشتغلون بصلاة المغرب، أو يشتغلون بالأكل حتى يقووا على صوم الغد، إذا كان رمضان" اهـ نقله م ص في حاشية المنتهى. "ش".

ص: 92

جماهير الأصحاب (وقت اختيار، وهو إلى ظهور النجوم

(1)

) قال في "النصيحة" للآجري: من أخر حتى يبدو النجم، أخطأ (وما بعده) أي: بعد ظهور النجم إلى آخر وقتها (وقت كراهة) على ما تقدم. وقال في "المبدع": قد استفيد من كلامهم أن من الصلوات ما ليس له إلا وقت واحد، كالظهر والمغرب والفجر على المختار، وما له ثلاثة، كالعصر والعشاء، وقت فضيلة، وجواز، وضرورة، وفي كلام بعضهم: أن لها وقت تحريم أي: يحرم التأخير إليه، ومعناه: أن يبقى ما لا يسع الصلاة اهـ.

وكلامه لا ينافي ما تقدم عن "الإنصاف". لأن قوله: للمغرب وقتان؛ أي: وقت فضيلة وجواز، ومراد صاحب "المبدع": أن لها وقتًا واحدًا: نفي وقت الضرورة فقط.

(وتعجيلها) أي: المغرب (أفضل) قال في "المبدع": إجماعًا لما روى جابر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان يصلي المغربَ إذا وجبتْ"

(2)

.

وعن رافع بن خديج قال: "كنا نصلي المغربَ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أحدُنا وإنه ليبصرُ مواقعَ نبلِهِ"

(3)

متفق عليهما. ولما فيه من الخروج من الخلاف.

(إلا ليلة المزدلفة، وهي ليلة النحر لمن قصدها) أي: مؤلفة (محرمًا، فيسن له تأخيرها) أي: المغرب (ليصليها مع العشاء) جمع تأخير،

(1)

في "ح": النجم.

(2)

أخرجه البخاري في المواقيت، باب 18، 21، حديث 560، 565، ومسلم في المساجد، حديث 646.

(3)

أخرجه البخاري في المواقيت، باب 18، حديث 559، ومسلم في المساجد، حديث 637.

ص: 93

إن جاز له، لفعله صلى الله عليه وسلم

(1)

(إن لم يوافها) أي: مزدلفه (وقت الغروب) فإن حصل بها وقته لم يؤخرها، بل يصليها في وقتها، لأنه لا عذر له.

(و) إلا (في غيم لمن يصلي جماعة) فيسن تأخيرها إلى قرب العشاء، ليخرج لهما مرة واحدة، طلبًا للأسهل، كما تقدم في الظهر.

(و) إلا (في الجمع إن كان) التأخير (أرفق) به طلبًا للسهولة (ويأتي) في الجمع.

(ويمتد وقتها) أي: المغرب (إلى مغيب الشفق الأحمر) لأنه صلى الله عليه وسلم "صلى المغربَ حين غابتْ الشمسُ، ثم صلى المغربَ في اليوم الثاني حين غاب الشفق"

(2)

.

وعن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "وقتُ المغربِ ما لم يغيب الشفقُ"

(3)

رواهما مسلم.

وهذا بالمدينة، وحديث جبريل كان أول فرض الصلاة بمكة؛ فيكون منسوخًا على تقدير التعارض، أو محمولًا على التأكد والاستحباب. وقيد الشفق بالأحمر؛ لقول ابن عمر:"الشفق الحمرة"

(4)

.

(1)

أخرجه مسلم في الحج ضمن حديث طويل من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما برقم 1218.

(2)

رواه بمعناه مسلم في المساجد، حديث 614، عن أبي موسى رضي الله عنه.

(3)

رواه مسلم في المساجد، حديث 173، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (1/ 559) رقم 2122، وابن أبي شيبة (1/ 333)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 339) رقم 964. والدارقطني (1/ 269)، والبيهقي (1/ 373). وروي مرفوعًا، ولا يصح، انظر السنن الكبرى للبيهقي (1/ 373)، وتنقيح التحقيق (1/ 627)، ونصب الراية (1/ 232 - 234).

ص: 94

وقد قال الخليل بن أحمد وغيره

(1)

: البياض لا يغيب إلا عند طلوع الفجر.

(ثم يليه) أي: وقت المغرب ‌

(العشاء)

بكسر العين والمد: اسم لأول الظلام، سميت الصلاة بذلك لأنها تفعل فيه، ويقال لها عشاء الآخرة

(2)

، وأنكره الأصمعي، وغلطوه في إنكاره

(3)

.

(وهي أربع ركعات) إجماعًا.

(ولا يكره تسميتها بالعتمة)

لقول عائشة: "كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيبَ الشفقُ إلى ثلثِ الليلِ" رواه البخاري

(4)

.

والعتمة في اللغة: شدة الظلمة. والأفضل أن تسمى العشاء، قاله في "المبدع".

(ويكره النوم قبلها، ولو كان له من يوقظه، والحديث بعدها) لحديث أبي برزة الأسلمي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان يستحبُّ أن يؤخرَ العشاءَ التي تدعونهَا العتمة، وكان يكرهُ النومَ قبلها والحديثَ بعدها" متفق عليه

(5)

.

وعلله القرطبي

(6)

: بأن الله تعالى جعل الليل سكنًا، وهذا يخرجه عن ذلك.

(إلا) الحديث (في أمر المسلمين، أو شغل، أو شيء يسير، أو مع

(1)

انظر: معاني القرآن للفراء (3/ 251) ولسان العرب (10/ 108).

(2)

كذا في الأصول، والصواب:"العشاء الآخرة" كما في المجموع (3/ 39).

(3)

الأذكار للنووى مع شرحها الفتوحات الربانية (7/ 138)، والمجموع (3/ 39)، وفتح الباري (2/ 33).

(4)

في الأذان باب 162، حديث 864، وأخرجه مسلم في المساجد، حديث 638 بنحوه.

(5)

البخاري في المواقيت، باب 13، 39، حديث 547، 599، وفي الأذان، باب 104، حديث 771، ومسلم في المساجد، حديث 647.

(6)

الجامع لأحكام القرآن (12/ 138).

ص: 95

أهل، أو ضيف) فلا يكره؛ لأنه خير ناجز، فلا يترك لمفسدة متوهمة.

(و‌

‌آخر وقتها المختار: إلى ثلث الليل)

الأول، نص عليه

(1)

. واختاره الأكثر؛ لأن جبريل "صلاها بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في اليومِ الأولِ حين غابَ الشفقُ، وفي اليوم الثاني حين كان ثلثُ الليل الأول، ثم قال: الوقت فيما بين هذين" رواه مسلم

(2)

. وتقدم حديث عائشة

(3)

.

(وعنه): يمتد وقت العشاء المختار إلى (نصفه) أي: الليل (اختاره الموفق، والمجد، وجمع) منهم القاضي وابن عقيل، وقدمه ابن تميم. قال في "الفروع": وهو أظهر لما روى أنس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "أخرها إلى نصفِ الليلِ، ثم صلى، ثم قال: ألا صلى الناس ونامُوا، أما إنكم في صلاةٍ ما انتظرْتموها" متفق عليه

(4)

.

وعن ابن عمر مرفوعًا قال: "وقت العشاءِ إلى نصفِ الليلِ" رواه مسلم

(5)

.

(1)

انظر مسائل صالح (1/ 155) رقم 53، (2/ 173) رقم 739، ومسائل عبد الله (1/ 179، 181) رقم 221، 222.

(2)

لم نجد هذا اللفظ في "صحيح مسلم" في سياق حديث صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخرج مسلم هذا اللفظ في سياق حديث سائل عن وقت الصلاة، عن بريدة، وأبي موسى رضي الله عنهما برقم 613، 614.

وحديث جبريل أخرجه أبو داود وغيره. تقدم تخريجه (2/ 82) تعليق رقم 5.

(3)

انظر (2/ 95) تعليق رقم 4.

(4)

البخاري في المواقيت، باب 25، 40، حديث 572، 600، وفي الأذان، باب 36، 156، حديث 661، 847، وفي اللباس، باب 48، حديث 5869. ومسلم في المساجد، حديث 640.

(5)

في المساجد حديث 612 (172)، من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فهو في صحيح مسلم، حديث 639، بسياق آخر.

ص: 96

(ثم وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في النوم تفريطٌ إنما التفريطُ في اليقظةِ: أن يؤخر صلاةً إلى أن يدخل وقتُ صلاةٍ أخرى" رواه مسلم

(1)

من حديث أبي قتادة.

ولأنه وقت للوتر، وهو من توابع العشاء، فاقتضى أن يكون وقتًا لها؛ لأن التابع إنما يفعل في وقت المتبوع، كركعتي الفجر

(2)

.

(وهو) أي: الفجر الثاني: (البياض المعترض في المشرق، ولا ظلمة بعده) ويقال له: الفجر الصادق، والفجر الأول يقال له: الفجر الكاذب، وهو مستطيل بلا اعتراض، أزرق له شعاع، ثم يظلم، ولدقته يسمى: ذنب السرحان، أي: الذئب، قال محمد بن حسنويه

(3)

: سمعت أبا عبد الله يقول: الفجر يطلع بليل، ولكن تستره أشجار جنات عدن.

(وتأخيرها) أي: العشاء (إلي آخر وقتها المختار أفضل) لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لولا أنْ أشقَّ على أمتي لأمرتُهم أن يؤخِّرُوا العِشَاءَ إلى ثلثِ الليلِ، أو نصفهِ" رواه الترمذي

(4)

وصححه.

(1)

في المساجد، حديث 681، ولفظه: وإنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى.

وأخرجه أبو داود في الصلاة، باب 11، حديث 437، والترمذي في الصلاة، باب 16، حديث 177، وابن ماجه في الصلاة، باب 10، حديث 698، وأحمد (5/ 298)، بلفظ: إنما التفريط في اليقظة.

(2)

في هامش "ذ" زيادة بعد قوله: "كركعتي الفجر" وهي: "والحكم فيه حكم الضرورة في وقت العصر، فيحرم تأخيرها عن وقت الاختيار بلا عذر".

(3)

طبقات الحنابلة (1/ 293)، والمقصد الأرشد (2/ 398).

(4)

في الصلاة، باب 10، حديث 167، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الصلاة، باب 8، حديث 691، وعبد الرزاق (1/ 555) حديث =

ص: 97

(ما لم يشق) التأخير (على المأمومين، أو) على (بعضهم) فإنه يكره، نص عليه في رواية الأثرم، لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يأمرُ بالتخفيف رفقًا بهم"

(1)

قاله في "المبدع".

(أو يؤخر مغربًا لغيم، أو جمع، فتعجيل العشاء فيهن أفضل) من تأخيرها.

(ولا يجوز تأخير الصلاة) التي لها وقت اختيار، ووقت ضرورة (أو) تأخير (بعضها إلى وقت الضرورة ما لم يكن عذر) قال في "المبدع": ذكره الأكثر. (وتقدم) في كتاب الصلاة.

(وتأخير عادم الماء العالم) وجوده (أو الراجي وجوده) أو المستوي عنده الأمران (إلى آخر الوقت الاختياري) إن كان للصلاة وقتان (أو إلى آخر الوقت، إن لم يكن لها وقت ضرورة أفضل في) الصلوات (الكل، وتقدم في التيمم) موضحًا.

(وتأخير) الكل (لمصلي كسوف أفضل، إن أمن فوتها) لتحصيل فضيلة الصلاتين.

= 2106، وابن أبي شيبة (1/ 331)، وأحمد (2/ 250، 433)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 399، 405) حديث 1531، 1538 - 1540، والبيهقي (1/ 36)، وأخرجه الحاكم (1/ 146) بلفظ:"إلى نصف الليل" بغير شك. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعًا، وليس له علة. ووافقه الذهبي.

(1)

في صحيح البخاري، الأذان، باب 62، حديث 703، وصحيح مسلم، الصلاة، حديث 467 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم للناس فيخفف، فإن فيهم الضعيف، والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء. وانظر للمزيد في هذا الباب جامع الأصول (5/ 586 - 594).

ص: 98

(و) التأخير أيضًا أفضل (لمعذور كحاقن، وتائق ونحوه) حتى يزيل ذلك، ليأتي بالصلاة على أكمل الأحوال (وتقدم إذا ظن مانعًا من الصلاة) كحيض (ونحوه) كموت، وقتل، في كتاب الصلاة.

(ولو أمره والده بتأخيرها) أي: الصلاة (ليصلي به أخر، نصًا) إلى أن يبقى من الوقت الجائز فعلها فيه بقدر ما يسعها. قال في "شرح المنتهى": وظاهره أن هذا التأخير يكون وجوبًا (فـ) يؤخذ من نص الإمام ‌

(لا تكره إمامة ابن بأبيه)

لأن الكراهة تنافي ما طلب فعله شرعًا.

(ويجب التأخير) إلى أن يضيق الوقت على من لا يحسن الفاتحة، أو واجب الذكر (لتعلم الفاتحةِ وذكرٍ واجبٍ في الصلاة) حيث أمكنه التعلم، ليأتي بالصلاة تامة، من غير محذور بالتأخير.

(ثم يليه) أي: وقت الضرورة للعشاء ‌

(وقت الفجر)

سمي به لانفجار الصبح، وهو ضوء النهار إذا انشق عنه الليل، وقال الجوهري

(1)

: هو في آخر الليل كالشفق في أوله، تقول: قد أفجرنا، كما تقول: قد أصبحنا، من الصبح - مثلث الصاد - حكاه ابن مالك

(2)

، وهو ما جمع بياضًا وحمرة، والعرب تقول: وجه صبيح، لما فيه من بياض وحمرة.

(وهي ركعتان) إجماعًا، حضرًا، وسفرًا (وتسمى الصبح) وتقدم ما فيه.

(ولا يكره تسميتها بالغداة) قال في "المبدع": في الأصح، وهي من صلاة النهار، نص عليه (ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس) لما روى ابن عمرو أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"وقتُ الفجرِ ما لم تطلع الشمسُ" رواه مسلم

(3)

.

(1)

الصحاح (2/ 778).

(2)

إكمال الكلام بتثليث الكلام (2/ 355) رقم 852.

(3)

في المساجد، حديث 612 (172).

ص: 99

(وليس لها وقت ضرورة) وقال القاضي، وابن عقيل، وابن عبدوس: يذهب وقت الاختيار بالإسفار، ويبقى وقت الإدراك إلى طلوع الشمس.

(وتعجيلها) أول الوقت (أفضل) لقول عائشة: "كن نساء المؤمنات يشهدنَ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الفجرِ متلفعاتٍ بمروطهنَّ، ثم ينقلبنَ إلى بيوتهنَّ حين يقضينَ الصلاةَ، ما يعرفهنَّ أحدٌ من الغلس" متفق عليه

(1)

.

وعن أبي مسعود الأنصاري أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "غلس بالصبحِ ثم أسفرَ ثم لم يعد إلى الإسفارِ حتى مات" رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"

(2)

.

(1)

البخاري في مواقيت الصلاة، باب 27، حديث 578، ومسلم في المساجد، حديث 645.

(2)

أبو داود في الصلاة، باب 2، حديث 394، وابن خزيمة (1/ 181) حديث 352، في حديث طويل. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 41) حديث 1987، والطحاوي (1/ 176)، ابن حبان "الإحسان"(4/ 298، 362) حديث 1449، 1494، والطبراني في الكبير (17/ 259) حديث 716، والدارقطني (1/ 363 - 364)، والحاكم (1/ 192 - 193)، والبيهقي (1/ 364) والحازمي في الاعتبار ص/ 271، وقال: وهذا إسناد رواته ثقات، والزيادة عن الثقة مقبولة. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 233): وهذه الزيادة في قصة الإسفار رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة. وحسن إسناده النووي في المجموع (3/ 49). وقال في التعليق المغني (1/ 250 - 252): قال الخطابي: هو صحيح الإسناد، وقال ابن سيد الناس: إسناده حسن.

وقال الحافظ في الدراية (1/ 99): وأصل الحديث في الصحيحين. . . . غير مفسر الأوقات، وأخرجه أبو داود، وابن خزيمة، وابن حبان من هذا الوجه مطولًا مفسرًا، وهو من رواية أسامة بن زيد، عن الزهري، وفي أسامة ضعف.

وقال في الفتح (2/ 6) - بعد كلام -:. . . ووضح أن له أصلًا. . . . وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة، فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ. وانظر التمهيد (8/ 10 - 25)، ونصب الراية (1/ 223 - 224، 242).

ص: 100

قال الحازمي

(1)

: إسناده ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة. قال ابن عبد البر

(2)

: صح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ أنهمْ كانوا يُغَلِّسُونَ، ومحال أن يتركوا الأفضل، وهم النهاية في إتيان الفضائل.

وحديث: "أسفرُوا بالفجرِ فإنه أعظمُ للأجرِ" رواه أحمد

(3)

، وغيره.

وحكى

(4)

الترمذي عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق: أن معنى الإسفار أن يضيء

(5)

الفجر، فلا يشك فيه. قال الجوهري

(6)

: أسفر الصبح، أي:

(1)

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص/ 271.

(2)

التمهيد (4/ 340).

(3)

أحمد (3/ 465، 4/ 140، 142)، وأبو داود في الصلاة، باب 8، حديث 424، والترمذي في الصلاة، باب 3، حديث 154، والنسائي في المواقيت، باب 27، حديث 547، وابن ماجه في الصلاة، باب 2، حديث 672، والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 51 - 52)، والطيالسي ص/ 129، حديث 959، وعبد الرزاق (1/ 568) حديث 2159، والحميدي (409)، وابن أبي شيبة (1/ 321)، والدارمي في الصلاة، باب 21، حديث 1221، 1222، وابن المنذر في الأوسط (2/ 379) حديث 1063، والطحاوي (1/ 178، 179)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 355 - 358) حديث 1489 - 1491، والطبراني في الكبير (4/ 249 - 250) حديث 4283 - 4284، 4286 - 4288، 4290، والبيهقي (1/ 457)، والبغوى (2/ 196) حديث 354، والحازمي في الاعتبار ص/ 368 كلهم عن رافع بن خديج رضي الله عنه، وفي بعض الروايات:"أصبحوا بالصبح"، وفي رواية:"نوروا بالفجر". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال البغوي: حسن، وقال الحازمي: هذا حديث حسن على شرط أبي داود. وقال الحافظ في الفتح (2/ 55): وصححه غير واحد.

(4)

في "ح": "حكى" بدون واو.

(5)

في "سنن الترمذي": "أن يضح" من وضح. يقال: وضح الفجر يضح إذا أضاء.

(6)

الصحاح (2/ 686).

ص: 101

أضاء، يقال: أسفرت المرأة عن وجهها، إذا كشفته وأظهرته.

(و‌

‌يكره تأخيرها بعد الإسفار بلا عذر)

قاله في "الرعاية الصغرى"، وفرعه في "المبدع" على قول القاضي ومن تابعه، ومقتضى كلام الأكثر: لا كراهة.

(ويكره الحديث بعدها) أي: صلاة الفجر (في أمر الدنيا حتى تطلع الشمس) ويأتي له تتمة في صلاة التطوع.

ووقت المغرب في الطول والقصر يتبع النهار، فيكون الصيف أطول، ووقت الفجر يتبع الليل، فيكون في الشتاء أطول؛ لأن النورين تابعان للشمس

(1)

، هذا يتقدمها، وهذا يتأخر عنها، فإن

(2)

كان الشتاء طال زمن مغيبها، فيطول زمن الصوم التابع لها، وإذا كان الصيف طال زمن ظهورها، فيطول زمن النور التابع لها.

قال الشيخ تقي الدين

(3)

: ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء والصيف، فقد غلط غلطًا بينًا باتفاق الناس.

(ومن أيام الدجال، ثلاثة أيام طوال، يوم كسنة، فيصلى فيه صلاة سنة).

قلت: وكذا الصوم، والزكاة والحج.

(ويوم كشهر، فيصلى فيه صلاة شهر، ويوم كجمعة، فيصلى فيه صلاة جمعة) فيقدر للصلاة في تلك الأيام بقدر ما كان في الأيام المعتادة، لا أنه للظهر مثلًا بالزوال وانتصاف النهار، ولا للعصر بمصير ظل الشيء مثله، بل يقدر الوقت بزمن يساوي الزمن الذي كان في الأيام المعتادة.

(1)

أي النور الذي بين المغرب والعشاء، والنور الذي بين طلوع الفجر والشمس. "ش".

(2)

صححت في "ذ": بـ "فإذا".

(3)

الاختيارات ص/ 52.

ص: 102

قال ابن قندس: أشار إلى ذلك، يعني الشيخ تقي الدين في "الفتاوى المصرية". والليلة في ذلك كاليوم، فإذا كان الطول يحصل في الليل كان للصلاة في الليل ما يكون لها في النهار.

ص: 103

‌فصل فيما يدرك به أداء الصلاة، وحكم ما إذا جهل الوقت

(تدرك مكتوبة أداء كلها بتكبيرة إحرام في وقتها)

أي: وقت تلك المكتوبة، سواء أخرها لعذر، كحائض تطهر، ومجنون يفيق، أو لغيره، لحديث عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من أدرك سجدةً من العصر قبل أن تغرُبَ الشمسُ، أو من الصبحِ قبلَ أن تطلعَ الشمسُ فقد أدركها" رواه مسلم

(1)

، وللبخاري

(2)

: "فليتم صلاته" وكإدراك المسافر صلاة المقيم

(3)

، وكإدراك الجماعة.

(ولو) كانت المكتوبة (جمعة) وأدرك منها تكبيرة الإحرام في وقتها، فقد أدركها أداء، كباقي المكتوبات (ويأتي) ذلك في الجمعة.

(ولو كان) الوقت الذي أدرك فيه تكبيرة الإحرام (آخر وقت ثانية في جمع) وكبر فيه للإحرام فتكون التي أحرم بها أداء، كما لو لم يجمع.

(فتنعقد) الصلاة التي أدرك تحريمتها في وقتها (ويبني عليها) أي: على التحريمة.

(و‌

‌لا تبطل) الصلاة (بخروج الوقت وهو فيها،

ولو) كان (أخرها عمدًا)

(1)

في المساجد، حديث 609، وأدرج في آخر الحديث: والسجدة إنما هي الركعة. وأخرجه النسائي في المواقيت، باب 28، حديث 550، بلفظ:"من أدرك ركعة".

(2)

في المواقيت، باب 17، حديث 556، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

فإنه يتم صلاته ولا يقصرها. "ش".

ص: 104

لعموم ما سبق (قال المسجد: معنى قولهم: تدرك بتكبيرة، بناء

(1)

ما خرج منها عن وقتها على تحريمة الأداء في الوقت، وأنها لا تبطل، بل تقع الموقع في الصحة والإجزاء) وتبعه في مجمع البحرين وابن عبيدان، قال في الفروع: وظاهر كلامه في المغني، أنها مسألة القضاء والأداء الآتية بعد ذلك.

(و‌

‌من شك في دخول الوقت لم يصل)

حتى يغلب على ظنه دخوله؛ لأن الأصل عدم دخوله؛ (فإن صلى) مع الشك (فعليه الإعادة، وإن وافق الوقت) لعدم صحة صلاته، كما لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد. قال ابن حمدان: من أحرم بفرض مع ما ينافيه

(2)

لا مع ما ينافي الصلاة عمدًا

(3)

، أو جهلًا، أو سهوًا فسد فرضه، ونفله محتمل وجهين انتهى.

قلت: يأتي أنه يصح نفلًا إذا لم يكن عالمًا.

(فإن غلب على ظنه دخوله) أي: الوقت (بدليل من اجتهاد أو تقليد) عارف (أو تقدير الزمان بقراءة، أو صنعة) كمن جرت عادته بقراءة شيء إلى وقت الصلاة، أو بعمل شيء مقدر من صنعته إلى وقت الصلاة (صلى) أي: جاز له أن يصلي (إن لم يمكنه اليقين بمشاهدة) الزوال ونحوه (أو إخبار عن يقين) لأنه أمر اجتهادي، فاكتفي فيه بغلبة الظن كغيره، ولأن الصحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة الظن.

(والأولى: تأخيرها قليلًا احتياطًا) حتى يتيقن دخول الوقت، ويزول الشك (إلا أن يخشى خروج الوقت، أو تكون صلاة العصر في يوم غيم، فيستحب التبكير) لحديث بريدة قال: "كنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال: بكروا

(1)

في "ح": "بناء على ما خرج منها".

(2)

كالحدث، وعدم استقبال القبلة. "ش".

(3)

في "ح": زيادة "كالحدث".

ص: 105

بصلاة العصر في اليوم الغيم؛ فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله" رواه البخاري

(1)

.

قال الموفق: ومعناه - والله أعلم - التبكير بها إذا حل فعلها بيقين أو غلبة ظن، وذلك لأن وقتها المختار في زمن الشتاء ضيق، فيخشى خروجه. وقال في "الإنصاف": فعلى المذهب يستحب التأخير، حتى يتيقن دخول الوقت، قاله ابن تميم، وغيره.

(والأعمى ونحوه) كالمطمور (يقلد) العارف في دخول الوقت. وفي "الجامع" للقاضي: والأعمى يستدل على دخول وقت الصلاة، كما يستدل البصير في يوم الغيم، لأنه يساويه في الدلالة، وهو مرور الزمان، وقراءة القرآن، والرجوع إلى الصنائع الراتبة، فإذا غلب على ظنه دخول الوقت جاز له أن يصلي، والاحتياط التأخير، كما تقدم في البصير، ويفارق التوجه إلى القبلة، حيث قالوا: لا يجتهد له، لأنه ليس معه الآلة التي يدركها بها، وهي حاسة البصر، وليس كذلك دخول الوقت، لأنه يستدل عليه بمضي المدة، ومعناه في "المبدع".

(1)

في المواقيت، باب 15، 34، حديث 553، 594، بلفظ:"عن أبي المليح، قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك صلاة العصر، فقد حبط عمله".

وأخرجه - أيضًا - النسائي في الصلاة، باب 15، حديث 473، وأحمد (5/ 349، 357، 360)، والبيهقي (1/ 444).

وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف، فأخرجه ابن ماجه في الصلاة، باب 9، حديث 694. وأخرجه - أيضًا - أحمد (5/ 361)، والبيهقي (1/ 444) بنحوه. وسنده ضعيف فيه انقطاع. قال الحافظ في "الفتح"(2/ 32): والأول (يعني لفظ البخاري المذكور) هو المحفوظ.

ص: 106

(فإن عدم) الأعمى، ونحوه (من يقلده، وصلى، أعاد، ولو تيقن أنه أصاب) كمن اشتبهت عليه القبلة، فصلى بغير اجتهاد، قال في "المنتهى" و"شرحه": ويعيد أعمى عاجز عن معرفة وقت تلك الصلاة انتهى، فعلم منه: أن من قدر على الاستدلال - كما تقدم

(1)

- لا إعادة عليه.

(فإن أخبره) أي: الجاهل بالوقت - أعمى كان أو غيره - (مخبر) عارف بدخول الوقت (عن يقين

(2)

قبل قوله) وجوبًا (إن كان ثقة) لأنه خبر ديني، فقبل فيه قول الواحد، كالرواية.

(أو سمع أذان ثقة) يعني أنه يلزم العمل بأذان ثقة عارف؛ لأن الأذان شرع للإعلام بدخول وقت الصلاة، فلو لم يجز تقليد المؤذن، لم تحصل الحكمة التي شرع الأذان لها، ولم يزل الناس يجتمعون للصلاة في مساجدهم، فإذا سمعوا الأذان، قاموا إلى الصلاة، وبنوا على قول المؤذن من غير مشاهدة للوقت، ولا اجتهاد فيه، من غير نكير، فكان إجماعًا.

(و‌

‌إن كان) الإخبار بدخول الوقت (عن اجتهاد، لم يقبله)

لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد تفسه، وتحصيل مثل ظنه، أشبه حالة اشتباه القبلة، زاد ابن تميم وغيره:(إذا لم يتعذر عليه الاجتهاد، فإن تعذر) عليه الاجتهاد (عمل بقوله) أي: قول المخبر عن اجتهاد.

(ومنه): أي: من الإخبار بدخول الوقت عن اجتهاد (الأذان في غيم، إن كان عن اجتهاد) فلا يقبله، إذا لم يتعذر عليه الاجتهاد (فيجتهد هو) أي: مريد الصلاة، إن قدر على الاجتهاد، لقدرته على العمل باجتهاد نفسه.

(1)

وصلى بالاستدلال. "ش".

(2)

في "ذ": زيادة "لا ظن".

ص: 107

(وإن كان المؤذن يعرف الوقت بالساعات) وهو العالم بالتسيير، والساعات، والدقائق، والزوال، (أو) كان يؤذن بـ (ــتقليد عارف) بالساعات. (عمل بأذانه) إذا كان ثقة في الغيم وغيره.

(و‌

‌متى اجتهد) من اشتبه عليه الوقت (وصلى،

فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده، أجزأه) ذلك، فلا إعادة عليه؛ لأنه أدى ما خوطب به وفرض عليه (وإن وافق) ما (قبله) أي: الوقت (لم يجزئه عن فرضه) لأن المكلف إنما يخاطب بالصلاة عند دخول وقتها، ولم يوجد بعد ذلك ما يزيله، ولا ما يبرئ الذمة منه، فبقي بحاله (وكانت) صلاته (نفلًا، ويأتي) في باب النية (وعليه الإعادة) أي: فعل الصلاة إذا دخل وقتها.

(و‌

‌من أدرك من أول وقت) مكتوبة (قدر تكبيرة، ثم طرأ) عليه (مانع

من جنون، أو حيض، ونحوه) كنفاس (ثم زال المانع بعد خروج وقتها، لزمه قضاء) الصلاة (التي أدرك) التكبيرة (من وقتها فقط) لأن الصلاة تجب بدخول أول الوقت على مكلف، لم يقم به مانع، وجوبًا مستقرًا، فإذا قام به مانع بعد ذلك لم يسقطها، فيجب قضاؤها عند زوال المانع. ولا يلزمه غير التي دخل وقتها قبل طروء المانع؛ لأنه لم يدرك جزءًا من وقتها، ولا من وقت تبعها، فلم تجب، كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئًا. وفارق مدرك وقت الثانية، فإنه أدرك وقتًا يتبع الأولى، فإن الأولى تفعل في وقت الثانية متبوعة مقصودة يجب تقديمها والبداءة فيها بخلاف الثانية مع الأولى؛ فلا يصح قياس الثانية على الأولى. والأصل: أنه لا تجب صلاة إلا بإدراك وقتها.

(وإن بقي قدرها) أي: قدر التكبيرة (من آخره) أي: آخر الوقت (ثم زال المانع) من حيض، أو جنون، ونحوه (ووجد المقتضي) للوجوب (ببلوغ صبي، أو إفاقة مجنون، أو إسلام كافر، أو طهر حائض)، أو نفساء

ص: 108

(وجب قضاؤها وقضاء ما تجمع إليها قبلها، فإن كان) زوال المانع، أو طروء التكليف (قبل طلوع الشمس، لزمه قضاء الصبح) فقط؛ لأن التي قبلها لا تجمع إليها (وإن كان قبل غروبها، لزم قضاء الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر، لزم قضاء المغرب والعشاء) لما روى الأثرم، وابن المنذر، وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس أنهما قالا في الحائض - تطهر قبل طلوع الفجر بركعة -:"تصلي المغربَ والعشاءَ، فإذا طهرت في غروب الشمس، صلت الظهر والعصرَ جميعًا"

(1)

.

ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه قضاء فرضها، كما يلزمه فرض الثانية، وإنما تعلق الوجوب بقدر تكبيرة؛ لأنه إدراك فاستوى فيه القليل والكثير، كإدراك المسافر صلاة المقيم. وإنما اعتبرت الركعة في الجمعة للمسبوق؛ لأن الجماعة شرط لصحتها، فاعتبر إدراك الركعة، لئلا يفوته الشرط في معظمها.

(1)

أثر عبد الرحمن بن عرف، وأثر ابن عباس رضي الله عنهم أخرجهما ابن أبي شيبة (2/ 336، 337)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 243 - 244) رقم 824، 825، والبيهقي (1/ 387). وأثر عبد الرحمن أخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (1/ 333).

ص: 109

‌فصل في قضاء الفوائت وما يتعلق به

(ومن فاتته صلاة مفروضة فأكثر) من صلاة (لزمه قضاؤها) لحديث: "من نام عن صلاةٍ أو نسيَها فليصلِّها إذا ذكرها" متفق عليه

(1)

.

(مرتبًا) نص عليه في مواضع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغربَ فلما فرغَ قال: هل علمَ أحدٌ منكمْ أني صليتُ العصرَ؟ قالوا: يا رسول الله ما صليتها، فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصرَ، ثم أعاد المغرب" رواه أحمد

(2)

.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"

(3)

وقد رأوه قضى الصلاتين مرتبًا، كما رأوه يقرأ قبل أن يركع، ويركع قبل أن يسجد، ولوجوب الترتيب بين المجموعتين، ولأن القضاء يحكي الأداء.

(1)

البخاري في المواقيت، باب 37، حديث 597 - دون قوله:"من نام"، ومسلم في المساجد، حديث 684، عن أنس رضي الله عنه بلفظ:"من نسي صلاة أو نام عنها. . .".

(2)

"مسند أحمد"(4/ 106). ورواه - أيضًا - ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 153) رقم 2137، والطبراني في الكبير (4/ 23، حديث 3542)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 826) رقم 2168، عن أبي جمعة حبيب بن سباع. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 324)، وقال: وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف.

قلنا: وفيه - أيضًا - محمد بن يزيد وهو ابن أبي زياد الفلسطيني وهو مجهول. قاله أبو حاتم. انظر الجرح والتعديل (8/ 126)، ونصب الراية (2/ 164).

(3)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 18، حديث 631، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

ص: 110

(على الفور) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "فليصلِّها إذا ذكرها" فأمر بالصلاة عند الذكر، والأمر للوجوب. (إلا إذا حضر) من عليه فائتة (لصلاة عيد) فيؤخر الفائتة حتى ينصرف من مصلاه لئلا يقتدى به، (ما لم يتضرر في بدنه، أو ماله، أو معيشة يحتاجها) فيسقط عنه الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر لحديث:"لا ضرر ولا ضرار"

(1)

.

(1)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم:

أ - عن ابن عباس رضي الله عنهما. رواه ابن ماجه في الأحكام، باب 17، حديث 2341، وابن أبي شيبة كما في نصب الراية (4/ 384)، وأحمد (1/ 313)، وأبو يعلى (4/ 397) حديث 2520، والطبراني في الكبير (11/ 302) حديث 11806، والدارقطني (4/ 228) كلهم من طرق عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. وفي جميع طرقه مقال. انظر جامع العلوم والحكم (2/ 209).

ب - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. رواه ابن ماجه في الأحكام، باب 17، حديث 2340، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 326 - 327)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 344)، والبيهقي (6/ 157، 10/ 133). قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 33): هذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع. وقال الحافظ في الدراية (2/ 282): وفيه انقطاع. وانظر نصب الراية (4/ 384)، وجامع العلوم والحكم (2/ 208 - 209).

ج - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. رواه الدارقطني (3/ 77، 4/ 228)، والحاكم (2/ 57 - 58)، والبيهقي (6/ 69)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 159)، وفي الاستذكار (22/ 222) مرفوعًا. وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. ورواه مالك (2/ 745) في الأقضية عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه - مرسلًا - ورجحه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 208).

د - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. رواه الطبراني في الأوسط (6/ 91) حديث 5189، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 110) وقال: وفيه ابن إسحاق وهو ثقة، ولكنه مدلس. وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 209): وهذا =

ص: 111

وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

(1)

.

(ويجوز التأخير) أي: تأخير الفائتة (لغرض صحيح كانتظار رفقة، أو جماعة للصلاة) لفعله صلى الله عليه وسلم بأصحابه لما فاتتهم صلاة الصبح وتحولوا من مكانهم، ثم صلى بهم الصبح، متفق عليه

(2)

من حديث أبي هريرة - والظاهر أن منهم من فرغ من الوضوء قبل غيره.

(ولا يصح نفل مطلق) ممن عليه فائتة

(إذن) أي: في الوقت الذي أبيح

= الإسناد مقارب، وهو غريب. ورواه أبو داود في المراسيل رقم (407) عن واسع مرسلًا. قال ابن رجب: وهو أصح.

هـ - عن عائشة رضي الله عنها.

رواه الطبراني في الأوسط (1/ 193، 2/ 23) رقم 270، 1037، والدارقطني (4/ 227). وإسناده ضعيف، ضعفه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 209)، والهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 110).

و - عن أبي هريرة رضي الله عنه.

رواه الدارقطني (4/ 228). وإسناده - أيضًا - ضعيف، ضعفه ابن رجب (2/ 210).

ز - عن ثعلبة بن أبي مالك رضي الله عنه.

رواه الطبراني في الكبير (2/ 86) رقم 1387. وفي إسناده إسحاق بن إبراهيم مولى مزينة. لم نجد من ترجمه.

فهذه طرق حديث "لا ضرر ولا ضرار" التي عثرنا عليها.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 210 - 211): وقال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديث أسنده الدارقطني من طرق ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم، واحتجوا به، وقول أبي داود إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها يشعر بكونه غير ضعيف. والله أعلم.

(1)

سورة الحج، الآية:78.

(2)

"صحيح مسلم": المساجد، حديث 680. ولم نجده في "صحيح البخاري" من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. ومعناه عنده في التيمم، باب 6، حديث 344 من حديث عمران رضي الله عنه.

ص: 112

له فيه تأخير الفائتة، لكونه حضر لصلاة عيد، أو ينضرّ

(1)

في بدنه، أو نحوه، أو أخرها لغرض صحيح (لتحريمه) أي: النفل المطلق إذن (كأوقات النهي) لتعين الوقت للفائتة، وكما لو ضاق وقت الحاضرة، ومفهومه أنه يصح النفل المقيد، كالرواتب والوتر؛ لأنها تتبع الفرائض، فلها شبه بها.

(وإن قلت الفوائت قضى سننها) الرواتب (معها) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتتْه الفجرُ صلى سنَّتَها قبلها

(2)

.

(وإن كثرت) الفوائت (فالأولى تركها) أي: السنن؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق

(3)

لم ينقل أنه صلى بينها سنة، ولأن الفرض أهم، فالاشتغال به أولى، قاله في "الشرح".

(إلا سنة الفجر) فيقضيها، ولو كثرت الفوائت، لتأكدها وحث الشارع عليها.

(1)

في "ح": "أو يتضرر".

(2)

ثبت ذلك في صحيح مسلم "المساجد"، حديث 680 (310)، وحديث 681، من حديث أبي هريرة وأبي قتادة رضي الله عنهما، وفي سنن أبي داود في الصلاة، باب 11، حديث 437، 438، 443، 444، من حديث أبي قتادة، وعمران بن حصين، وعمرو بن أمية الضمري رضي الله عنهم.

(3)

روى الترمذي في الصلاة، باب 18، حديث 179، والنسائي في المواقيت، باب 55، حديث 621، وابن أبي شيبة (2/ 70، 14/ 272)، وأحمد (1/ 375، 423)، والطبراني في الأوسط (2/ 120) حديث 2230، والبيهقي (1/ 403)، وابن عبد البر (5/ 236) عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالًا، فأذن ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام، فصلى العصر، ثم أقام، فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.

وقال الترمذي: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. وقال البيهقي: وهو مرسل جيد. =

ص: 113

(ويخير في الوتر) إذا فات مع الفرض وكثر، وإلا قضاه استحبابًا.

(ولا تسقط الفائتة بحج، ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة): المسجد الحرام، ومسجده صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، فإذا صلى في أحد تلك المساجد وعليه فائتة لم تسقط بالمضاعفة.

(ولا) تسقط الفائتة بـ (ــغير ذلك) المذكور، سوى قضائها، لحديث مسلم:"من نام عن صلاةٍ أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"

(1)

والجملة مُعرَّفة الطرفين فتفيد الحصر.

(فإن خشي فوات الحاضرة، أو) خشي (خروج وقت الاختيار سقط وجوبه) أي: ما ذكر من الفور، والترتيب

(2)

(إذا بقي من الوقت قدر فعلها، ثم يقضي) الفائتة؛ لأن الحاضرة آكد، بدليل أنه يقتل بتركها، بخلاف الفائتة، ولئلا تصير الحاضرة فائتة.

(وتصح البداءة بغير الحاضرة مع ضيق الوقت) ويأثم.

= ورواه أبو يعلى (5/ 39) حديث 2628 من طريق آخر بنحوه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 4)، وقال: رواه أبو يعلى، وفيه يحيى بن أبي أنيسة، وهو ضعيف عند أهل الحديث، إلا أن ابن عدي قال: وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. رواه النسائي في الأذان، باب 21، حديث 660، والشافعي في الأم (1/ 75)، وأحمد (3/ 25، 49، 67 - 68)، والدارمي في الصلاة، باب 186، حديث 1532، وأبو يعلى (2/ 471) حديث 1296، وابن خزيمة (2/ 99، 3/ 100)، حديث 996، 1703، والطحاوي (1/ 321)، وابن حبان "الإحسان"(7/ 147) حديث 2890، والبيهقي (1/ 402)، ونقل الشوكاني (2/ 30) عن ابن سيد الناس أنه قال:"هذا إسناد صحيح جليل. . . وصححه ابن السكن".

(1)

تقدم تخريجه (2/ 110) تعليق رقم 1.

(2)

في "ح": زيادة "فيصلي الحاضرة".

ص: 114

و ‌

(لا) تصح (نافلة ولو راتبة) مع ضيق الوقت

(فلا تنعقد) لتحريمها، كوقت النهي، لتعين الوقت للفرض. وهكذا إذا استيقظ، وشك في طلوع الشمس، بدأ بالفريضة، نص عليه، لأن الأصل بقاء الوقت.

(و‌

‌إن نسي الترتيب بين الفوائت حال قضائها)

بأن كان عليه ظهر وعصر مثلًا، فنسي الظهر حتى فرغ من العصر (أو) نسي الترتيب (بين حاضرة وفائتة حتى فرغ) من الحاضرة (سقط وجوبه) أي: الترتيب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان" رواه النسائي

(1)

.

(1)

لم نجده في سنن النسائي لا في الصغرى، ولا في الكبرى. وقد روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رضوان الله عليهم -:

أ - عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه بن ماجه في الطلاق، باب 16، حديث 2045، والطحاوي (3/ 95)، والعقيلي (4/ 145)، وابن حبان "الإحسان"(16/ 202) حديث 7219، والطبري في الكبير (11/ 133) حديث 11274، وفي الصغير (1/ 270)، وابن عدي (5/ 1920 - 1921)، والدارقطني (4/ 170 - 171)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 356، 357).

واختلف في تصحيحه وتضعيفه، فصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وإليه مال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 154)، حيث قال: وصححه ابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين، وله طرق.

وصححه النووي في المجموع (8/ 346)، وحسنه في الأربعين حديث رقم 39.

وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 371: ومجموع هذه الطرق يظهر أن للحديث أصلًا، لا سيما وأصل الباب: حديث أبي هريرة في الصحيح: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به، أو تكلم به.

وأنكر الإمام أحمد هذا الحديث جدًا، وقال: ليس يروى فيه إلا عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر العلل ومعرفة الرجال (1/ 561، 562)، وجامع العلوم والحكم (2/ 361). =

ص: 115

وما تقدم في حديث إعادته صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب عام الأحزاب

(1)

: محمول على أنه ذكر صلاة العصر في أثنائها، بدليل أنه سأل عقب سلامه، كما تدل عليه الفاء، وجمعًا بين الأخبار.

(و‌

‌لا يسقط) الترتيب (بجهل وجوبه)

لقدرته على التعلم، فلا يعذر بالجهل لتقصيره، بخلاف النسيان (فلو صلى الظهر ثم الفجر جاهلًا) وجوب الترتيب (ثم صلى العصر في وقتها، صحت عصره) مع عدم صحة ظهره (لاعتقاده) حال صلاة العصر (أن لا صلاة عليه، كمن صلاها) أي: العصر (ثم تبين أنه صلى الظهر بلا وضوء) أو أنه كان ترك منها ركنًا أو شرطًا آخر، لأنه في معنى الناسي.

= وقال أبو حاتم: ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده. وإليه مال الحافظ حيث قال في بلوغ المرام (1113): رواه ابن ماجه، والحاكم، وقال أبو حاتم: لا يثبت. انظر التلخيص الحبير (1/ 282).

ب - عن أبي الدرداء رضي الله عنه، رواه الطبراني كما في نصب الراية (2/ 75)، وابن عدي (3/ 1172) ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 579) رقم 3092، عن أم الدرداء. وإسناده ضعيف. انظر جامع العلوم والحكم (2/ 364)، والتلخيص الحبير (1/ 282).

ج - عن ثوبان رضي الله عنه، رواه الطبراني في الكبير (2/ 97) حديث 1430، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 250)، وقال: وفيه يزيد بن ربيعة، وهو ضعيف.

د - عن أبي بكرة رضي الله عنه. رواه ابن عدي (2/ 572)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 90، 251)، وحكم عليه ابن عدي بالنكارة.

ورواه عبد الرزاق (6/ 409) رقم 11416، وسعيد بن منصور (1/ 275) رقم 1144 - 1146، وابن أبي شيبة (5/ 49) عن الحسن مرسلًا.

(1)

انظر ص/ 110 تعليق رقم 2.

ص: 116

(ولا يسقط) الترتيب (بخشية فوت الجماعة) بل يصلي الفائتة ثم الحاضرة، ولو وحده، ويسقط وجوب الجماعة للعذر.

(وعنه: يسقط) الترتيب بخشية فوت الجماعة (اختاره جماعة، لكن عليه فعل الجمعة) إن خشي فوتها لو اشتغل بالفائتة (وإن قلنا بعدم السقوط) أي: سقوط الترتيب بخشية فوت الجمعة (ثم يقضيها ظهرًا) على القول بعدم السقوط، قال في "المبدع": وظاهره لا فرق بين الحاضرة أن تكون جمعة أو غيرها، فإن خوف فوت الجمعة كضيق الوقت في سقوط الترتيب، نص عليه، فيصلي الجمعة قبل القضاء، وعنه: لا يسقط، قال جماعة: لكن عليه فعل الجمعة في الأصح، ثم يقضيها ظهرًا اهـ وقال في "المنتهى" في باب الجمعة: وتترك فجر فائتة لخوف فوت الجمعة.

(و‌

‌يسن أن يصلي الفائتة جماعة إن أمكن)

ذلك، لفعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم

(1)

.

(و‌

‌إن ذكر فائتة، وهو في حاضرة،

أتمها غير الإمام نفلًا، إما ركعتين، وإما أربعًا، ما لم يضق الوقت) عن فعل الفائتة ثم الحاضرة بعد إتمام ما شرع فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته، فليعد الصلاة التي نسي، ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام" رواه أبو يعلى الموصلي

(2)

بإسناد حسن، قاله في "الشرح".

(1)

(2/ 112) تعليق رقم 2.

(2)

ذكره ابن حجر في المطالب العالية (1/ 201) حديث 460، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 239)، حديث 1418، ولم نجده في المطبوع من مسند أبي يعلى، لكن رواه ابن عدي (3/ 1236) من طريقه. ورواه - أيضًا - الطحاوي (1/ 467)، وابن حبان في المجروحين (1/ 323)، والطبراني في الأوسط =

ص: 117

وروي موقوفًا على ابن عمر

(1)

. وألحق بالمأموم المنفرد لأنه في معناه.

(ويقطعها) أي: الحاضرة (الإمام) إذا ذكر فائتة (نصًا مع سعته) أي: الوقت؛ لئلا يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل.

(واستثنى جمع الجمعة) فلا يقطعها الإمام إذا ذكر الفائتة في أثنائها.

وإن ضاق الوقت بأن لم يتسع لسوى الحاضرة، أتمها الإمام وغيره، وإن اتسع للفائتة ثم الحاضرة فقط، قطعها أيضًا غير الإمام، لعدم صحة النفل إذن. وإن ذكر الإمام الفائتة قبل إحرامه بالجمعة استناب فيها، وقضى الفائتة. فإن أدرك الجمعة مع نائبه وإلا صلى ظهرًا.

(و‌

‌إن شك في صلاة هل صلى ما قبلها،

ودام) شكه (حتى فرغ) من صلاته (فبان أنه لم يصل، أعادهما) أي: الفائتة، ثم الحاضرة ليحصل الترتيب.

= (6/ 62)، حديث 5128، والبيهقي (2/ 221)، والخطيب في تاريخه (9/ 67)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 443) عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وقال البيهقي: والصحيح أنه من قول ابن عمر - موقوفًا -. وقال أبو زرعة - كما في علل ابن أبي حاتم (1/ 108): هذا خطأ - أي الرفع -، رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر، موقوف، وهو الصحيح.

وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية: قال الدارقطني: وهم في رفعه، والصحيح أنه موقوف من قول ابن عمر. وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 267) وقال في المجموع (3/ 68): ضعيف، ضعفه موسى بن هارون الحمال الحافظ، وقال أبو زرعة، ثم البيهقي: الصحيح أنه موقوف.

(1)

رواه مالك في الموطأ (1/ 168)، وعبد الرزاق (2/ 5) رقم 2254، والطحاوي (1/ 467)، والدارقطني (1/ 421)، والبيهقي (2/ 221، 222).

ص: 118

(وإن نسي صلاة من يوم) بليلته (يجهل عينها) بأن لم يدر أظهر هي أم غيرها؟ (صلى خمسًا بنية الفرض) أي: ينوي بكل واحدة من الخمس الفرض الذي عليه.

(ولو نسي ظهرًا وعصرًا من يومين، وجهل السابقة) منها (بدأ بإحداهما بالتحري) أي: الاجتهاد

(1)

(فإن لم يترجح عنده شيء، بدأ بأيهما شاء) للعذر.

(ولو علم أن عليه من يوم الظهرَ وصلاة أخرى، لا يعلم هل هي المغرب أو الفجر؟ لزمه أن يصلي الفجر، ثم الظهر، ثم المغرب) اعتبارًا بالترتيب الشرعي.

وإن ترك عشر سجدات من صلاة شهر قضى صلاة عشرة أيام، لجواز تركه كل يوم سجدة، ذكره أبو المعالي، وجزم بمعناه في "المنتهى".

ومن شك فيما عليه، وتيقن سبق الوجوب، أبرأ ذمته يقينًا، نص عليه. وإلا ما يتيقن وجوبه.

ولو شك مأموم هل صلى الإمام الظهر، أو العصر؟ اعتبر بالوقت، فإن أشكل، فالأصل عدم الإعادة.

(ولو توضأ) مكلف (وصلى الظهر، ثم أحدث، ثم توضأ وصلى العصر، ثم ذكر أنه ترك فرضًا) أو شرطًا (من إحدى الطهارتين

(2)

، ولم يعلم عينها، لزمه إعادة الوضوء) لاحتمال أن يكون المتروك من الوضوء الثاني (و) إعادة (الصلاتين) ليخرج من العهدة بيقين (ولو لم يحدث بينهما، ثم توضأ للثانية تجديدًا، لزمه إعادة الأولى فقط) لاحتمال أن يكون المتروك من

(1)

في "ح": "بالاجتهاد".

(2)

في "ذ": "طهارتيه".

ص: 119

الوضوء الأول، ولا يعيد الثانية لأنها صحيحة بكل حال، لأن المتروك إن كان من التجديد لم يضره تركه، وإن كان من الوضوء أولا، فالحدث ارتفع بالتجديد (من غير إعادة الوضوء) لما ذكر، وتقدم بعضه في الوضوء.

(وإن نام مسافر عن الصلاة حتى خرج الوقت، سن له الانتقال من مكانه)

لحضور الشيطان له فيه (ليقضي الصلاة في غيره) أي: غير المكان الذي نام فيه، لفعله عليه الصلاة والسلام لما نام عن صلاة الصبح، وتقدم

(1)

.

(1)

تقدم (2/ 112) تعليق رقم 2.

ص: 120

‌باب ستر العورة وأحكام اللباس

‌الستر:

- بفتح السين -، مصدر ستره أي: غطاه، - وبكسرها - ما يستر به.

‌والعورة لغة:

النقصان، والشيء المستقبح، ومنه كلمة عوراء أي: قبيحة.

(وهو) أي: ستر العورة (الشرط السادس) في الذكر. قال ابن عبد البر

(1)

: أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه، وهو قادر على الاستتار به، وصلى عريانًا، لقوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

(2)

لأنها وإن كانت نزلت بسبب خاص

(3)

، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمارٍ" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(4)

وحسنه من حديث عائشة. ورواه الحاكم وقال: على شرط مسلم. والمراد بالحائض: البالغ.

(1)

التمهيد (6/ 379).

(2)

سورة الأعراف، الآية:31.

(3)

قال الواحدي في أسباب النزول (259 - 260) بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى إن كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفليها سيورًا مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحُمُر من الذباب وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله. فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الحديث. "ش".

قلنا: هذا الأثر رواه مسلم في التفسير برقم 3028 عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.

(4)

تقدم (1/ 470) تعليق رقم 3.

ص: 121

والأحسن في الاستدلال أن يقال: انعقد الإجماع على الأمر به في الصلاة، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فيكون منهيًا عن الصلاة مع كشف العورة، والنهي في العبادات يدل على الفساد.

(والعورة سوأة الإنسان) أي: قبله ودبره. قال تعالى: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}

(1)

(وكل ما يستحى منه) على ما يأتي تفصيله، سميت عورة، لقبح ظهورها، ثم إنها تطلق على ما يجب ستره في الصلاة، وهو المراد هنا، وعلى ما يحرم النظر إليه، ويأتي في النكاح (فمعنى ستر العورة: تغطية ما يقبح ظهوره ويُسْتَحى منه) من ذكر وأنثى أو خنثى، حرًا وغيره.

(وسترها) أي: العورة (في الصلاة عن النظر، حتى عن نفسه) فلو كان جيبه واسعًا بحيث يمكن رؤية عورته منه، إذا ركع أو سجد، وجب زره ونحوه ليسترها، لعموم الأمر بستر العورة.

(و) حتى (خلوة) فيجب ستر العورة خلوة، كما يجب لو كان بين الناس، لحديث بَهْز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: "قلت: يا رسول الله، عوراتُنا، ما نأتي منها وما نذرُ؟ قال: احفظ عورتَك إلا من زوجتِك، أو ما ملكتْ يمينُكَ. قلت: فإذا كان القومُ بعضهم في بعضٍ؟ قال: فإن استطعتَ أن لا يراها أحدٌ، فلا يرينها.

قلت: فإذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيى

(2)

منه"

(3)

رواه أبو داود

(4)

.

(1)

سورة طه، الآية:121.

(2)

في "ح" و"ذ": "يستحى".

(3)

في "سنن أبي داود" بعد "منه" زيادة: من الناس.

(4)

تقدم (1/ 381) تعليق رقم 2.

ص: 122

و (لا) يجب ستر العورة عن النظر (من أسفل، ولو تيسر النظر) إليها من أسفل، بأن كان يصلي على مكان مرتفع، بحيث لو رفع رأسه من تحته لرأى عورته. وفي "المبدع" وغيره: والأظهر بلى، إن تيسر النظر.

(واجب) خبر قوله: وسترها (بساتر لا يصف لون البشرة، سوادها وبياضها) لأن ما وصف سواد الجلد أو بياضه ليس بساتر له.

(فإن) ستر اللون، و (وصف الحجم) أي: حجم الأعضاء (فلا بأس) لأن البشرة مستورة، وهذا لا يمكن التحرز منه.

(ويكفي في سترها - ولو مع وجود ثوب - ورق شجر، وحشيش، ونحوهما) كخوص مضفور؛ لأن المقصود سترها، وقد حصل. ولأن الأمر بسترها غير مقيد بساتر، فكفى أي ساتر (و) يكفي في سترها أيضًا (متصل به، كيده، ولحيته) فإذا كان جيبه واسعًا ترى منه عورته، فضمه بيده، أو غطته لحيته، فمنعت رؤية عورته، كفاه ذلك، لحصول الستر. وكذا لو كان بثوبه حذاء فخذه ونحوه خرق فوضع يده عليه.

(ولا يلزمه) ستر عورته (ببارية)

(1)

والمراد بها: ما يصنع على هيئة الحصير من قصب، وفي "القاموس"

(2)

: هي الحصير (وحصير، ونحوهما مما يضره) إذا لم يجد غيره، دفعًا للضرر والحرج.

(ولا) يلزمه أيضًا ستر عورته بـ (ــحفيرة، وطين، وماء كدر) لأن ذلك لا يثبت، وفي الحفيرة حرج، واختار ابن عقيل: يجب الطين لا الماء.

(ولا) يكفي سترها (بما يصف البشرة) لأنه ليس بساتر.

(1)

بموحدة وبعد الراء ياء مثناة تحتية مشددة. "ش".

(2)

ص/ 452.

ص: 123

قلت: لكن إن لم يجد غيره وجب، لحديث:"إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"

(1)

.

(ويجب سترها كذلك) أي: بما لا يصف البشرة، لا من أسفل - حتى خلوة - (في غير الصلاة، ولو في ظلمة، وحمام) لحديث بهز بن حكيم السابق

(2)

. قال في "الرعاية": يجب سترها مطلقًا حتى خلوة عن نظر نفسه، لأنه يحرم كشفها خلوة بلا حاجة، فيحرم نظرها، لأنه استدامة لكشفها المحرم، قال في "الفروع": ولم أجد تصريحًا بخلاف هذا، لا أنه يحرم نظر عورته حيث جاز كشفها، فإنه لا يحرم هو، ولا مسها اتفاقًا.

(ويجوز كشفها) أي: العورة لضرورة (و) يجوز (نظر الغير إليها لضرورة، كتداو، وختان، ومعرفة بلوغ، وبكارة، وثيوبة، وعيب، وولادة، ونحو ذلك) كحلق عانة من لا يحسنه. ويأتي توضيحه في النكاح.

(ويجوز كشفها) أي: العورة (ونظرها لزوجته، وعكسه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظْ عورتكَ إلا من زوجتِك أو ما ملكتْ يمينُك"

(3)

.

(و) يجوز كشفها ونظرها (لأمته المباحة، وهي لسيدها) أي: يجوز للأمة المباحة كشف عورتها لسيدها، ونظرها لعورته، لما تقدم. وخرج بالمباحة المجوسية، ونحوها، والمزوّجة، والمعتدة، والمستبرأة من غيره.

(و) يجوز (كشفها لحاجة، كتخل، واستنجاء، وغسل. وتقدم في الاستطابة، والغسل.

(1)

أخرجه البخاري في الاعتصام، باب 2، حديث 7288، ومسلم في الحج، حديث 1337 (412)، وفي الفضائل، حديث (130)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

ص/ 122 من هذا الجزء.

(3)

تقدم تخريجه: (1/ 381) تعليق رقم 2.

ص: 124

ولا يحرم عليه نظر عورته حيث جاز كشفها) لتداو، أو نحوه مما تقدم، لكن يكره، كما يأتي في الأنكحة، نقله عن "الترغيب" وغيره.

(وعورة الرجل) أي: الذكر البالغ (ولو) كان (عبدًا أو ابن عشر) حرًا، أو عبدًا: ما بين السرة والركبة، لحديث علي قال: قال لي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تبرِزْ فخذَكَ، ولا تنظرْ إلى فخذِ حيٍّ، أو ميتٍ" رواته ثقات، رواه ابن ماجه، وأبو داود

(1)

وقال: هذا الحديث فيه نكارة.

(1)

ابن ماجه في الجنائز، باب 8، حديث 1460، وأبو داود في الجنائز، باب 32، حديث 3140، وفي الحمام، باب 2، حديث 4015. وأخرجه - أيضًا - عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1/ 146)، والبزار في مسنده (2/ 274) حديث 694، وأبو يعلى (1/ 277) حديث 331، والطحاوي (1/ 474)، وفي شرح مشكل الآثار (4/ 401) حديث 1697، والهيثم بن كليب في مسنده كما في المطالب العالية (1/ 161) رقم 329، وابن عدي (7/ 2734)، والدارقطني (1/ 225)، والحاكم (4/ 180 - 181)، والبيهقي (2/ 228، 3/ 388) كلهم من طريق ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه.

قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.

وقال أبو حاتم في العلل (2/ 270) رقم 2308: ابن جريج لم يسمع هذا الحديث بذا الإسناد من حبيب، إنما هو من حديث عمرو بن خالد الواسطي، ولا يثبت لحبيب (تحرف في المطبوع لحسن) رواية عن عاصم، فأرى أن ابن جريج أخذه من الحسن بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب، والحسن بن ذكوان، وعمرو بن خالد ضعيفا الحديث.

وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 325).

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 279): ووقع في زيادات المسند، وفي سنن =

ص: 125

وعن جَرْهد الأسلمي قال: "مر الرسول صلى الله عليه وسلم وعليّ بردة، وقد انكشفتْ فخذِي فقال: غط فخذكَ، فإن الفخذَ عورةٌ" رواه مالك، وأحمد وغيرهما

(1)

، وفي إسناده اضطراب

(2)

، قاله في "المبدع"، وقال في "الشرح": رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن.

= الدارقطني، ومسند الهيثم بن كليب تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له، وهو وهم في تقديري. وقد تكلمت عليه في الإملاء على أحاديث مختصر ابن الحاجب. اهـ. ولكن له شواهد كما يأتي.

(1)

مالك في الموطأ "رواية أبي مصعب الزهري" 2122، وأحمد (3/ 478، 479)، والبخاري في التاريخ (2/ 248، 5/ 63)، وأبو داود في الحمام، باب 2، حديث 4014، والترمذي في الأدب، باب 40، حديث 2795، 2798، والطيالسي ص/ 162، حديث 1176، وعبد الرزاق (1/ 289، 11/ 27)، والحميدي، حديث 858، وابن سعد (4/ 298)، وابن أبي شيبة (9/ 118)، والدارمي في الاستئذان، باب 22، حديث 2653، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 341)، حديث 2377، وابن المنذر في الأوسط (5/ 67) حديث 2399، والطحاوي (1/ 475)، وفي مشكل الآثار (4/ 404 - 406) رقم 1701 - 1704، وابن حبان "الإحسان"(4/ 609)، حديث 1710، والطبراني في الكبير (2/ 271)، حديث 2138 - 2149، والدارقطني (1/ 224)، والحاكم (4/ 180)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 622) رقم 1679 - 1681، والبيهقي (2/ 228).

وحسنه الترمذي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وصححه - أيضًا - البيهقي، وتعقبه ابن التركماني بقوله: في حديث جرهد ثلاث علل، ثم بين ذلك. فارجع إليه.

(2)

انظر بيان الاضطراب في علل الدارقطني (4/ 91/ ب)، وبيان الوهم والإيهام (3/ 339)، "ونصب الراية"(4/ 243 - 244)، وتغليق التعليق (2/ 209 - 212)، و"التعليق المغني على الدارقطني"(1/ 225).

ص: 126

(و) عورة (الأمة ما بين السرة والركبة) لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا قال:"إذا زوجَ أحدُكم عبدَه أمتَه أو أجيرَه، فلا ينظرْ إلى شيءٍ من عورتِهِ، فإن ما تحتَ السرةِ إلى ركبتِه عورةٌ" رواه أحمد، وأبو داود

(1)

، يريد به الأمة، فإن الأجير، والعبد، لا يختلف حاله بالتزوبج وعدمه، وكان عمر ينهى الإماء عن التقنع، وقال:"إنما القناعُ للحرائرِ"

(2)

واشتهر ذلك ولم ينكر، فكان كالإجماع.

(وكذا أم ولد، ومعتق بعضها، ومدبرة، ومكاتبة، ومعلق عتقها على صفة) فعورتهن: ما بين السرة والركبة، لبقاء الرق فيهن، والمقتضي للستر بالإجماع هو الحرية الكاملة، ولم توجد، فبقين على الأصل.

(و) كذا عورة (حرة مراهقة، ومميزة) لمفهوم حديث: "لا يقبلُ اللهُ صلاةَ

(1)

أحمد (2/ 187)، وأبو داود في اللباس، باب 37، حديث 4114، ورواه في الصلاة، باب 26، حديث 496 بنحوه. وأخرجه - أيضًا - العقيلي (2/ 167 - 168)، وابن عدي (3/ 929)، والدارقطني (1/ 230 - 231)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 26)، والبيهقي (2/ 226 - 228 - 229، 229)، والخطيب في تاريخه (2/ 278). ورواه أبو داود - أيضًا - في اللباس حديث 4113، ومن طريقه البيهقي (2/ 226) بلفط: إذا زوج أحدكم عبده أمته، أو أجيره فلا ينظرن إلى عورتها.

وانظر ما قيل في الجمع بين الروايتين السنن الكبرى للبيهقي (1/ 226، 227) وأحكام النظر لابن القطان ص/ 133 - 134.

(2)

رواه عبد الرزاق (3/ 136) رقم 5064، وابن أبي شيبة (2/ 230 - 231)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 76) رقم 2414 عن أنس رضي الله عنه بمعناه.

ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (2/ 136) رقم 5062، والبيهقي (2/ 226 - 227) عن صفية بنت أبي عبيد بمعناه. وصححه ابن المنذر، والبيهقي، والحافظ في الدراية (1/ 124).

ص: 127

حائضٍ إلا بخمار"

(1)

.

(و) كذا عورة (خنثى مشكل) له عشر سنين فأكثر، لأنه لم تتحقق أنوثيته، فلم يجب عليه ما زاد على ذلك بالاحتمال.

(ويستحب استتارهن) أي: الأمة، وأم الولد، والمعتق بعضها، والمدبرة، والمكاتبة، والمعلق عتقها على صفة، والحرة المراهقة، والمميزة، والخنثى المشكل (كالحرة البالغة احتياطًا).

قال في "المبدع": في الأمة، يسن ستر رأسها في الصلاة. وقال في "شرح الهداية": والاحتياط للخنثى المشكل أن يستتر كالمرأة. وعلم مما سبق، أن السرة والركبة ليستا من العورة، بل العورة ما بينهما، لحديث عمرو بن شعيب، وتقدم. وحديث أبي أيوب أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أسفلُ السرَّةِ وفوق الركبتينْ من العورَةِ" رواه أبو بكر

(2)

، ولأنهما حدا العورة فلم يكونا منها.

(وابن سبع) وخنثى له سبع سنين (إلى عشر) سنين (عورته الفرجان فقط) لأنه دون البالغ.

(والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة، حتى ظفرها، وشعرها) لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "المرأةُ عورةٌ" رواه الترمذي

(3)

وقال: حسن صحيح.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 470) تعليق رقم 3.

(2)

تقدم التعريف به. وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (1/ 231)، ومن طريقه البيهقي (2/ 229)، وفي سنده سعيد بن أبي راشد، قال البيهقي: ضعيف، وقال: ابن حجر في "التلخيص"(1/ 228): وفيه عباد بن كثير - وهو متروك. وقال في الدراية (1/ 123): وإسناده ضعيف.

(3)

في الرضاع، باب 18، حديث 1173، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - البزار في مسنده (5/ 427، 428) حديث 2061، 2062، 2065، وابن خزيمة (3/ 93) حديث 1685، 1686، 1687، وابن حبان =

ص: 128

وعن أم سلمة أنها سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "أتصلي المرأةُ في درعٍ وخمارٍ، وليسَ عليهَا إزارٌ؟ قال: إذا كان الدرعُ سابغًا يغطي ظهورَ قدمَيْها" رواه أبو داود

(1)

، وصحح عبد الحق

(2)

وغيره أنه موقوف على أم سلمة.

(إلا وجهها) لا خلاف في المذهب أنه يجوز للمرأة الحرة كشف وجهها في الصلاة، ذكره في "المغني" وغيره.

= "الإحسان"(12/ 412، 413)، حديث 5598، 5599، والطبراني في الكبير (10/ 132) حديث 10115، وابن عدي (3/ 1259)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 172) رقم 7819 عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا.

وقال الترمذي: حسن غريب، وفي تحفة الأحوذي (4/ 337): حسن صحيح غريب. وصححه ابن القطان في أحكام النظر ص/ 138.

ورواه عبد الرزاق (3/ 150) رقم 5116، والطبراني في الكبير (9/ 208، 341) رقم 8914، 8980، 8982 موقوفًا. وصححه الدارقطني في العلل (5/ 314 - 315) كما صحح المرفوع - أيضًا -.

(1)

في الصلاة، باب 84، حديث 640. وأخرجه - أيضًا - مرفوعًا: الدارقطني (1/ 62)، والحاكم (1/ 250)، والبيهقي (2/ 233)، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.

وأخرجه أبو داود - أيضًا - حديث 639، ومالك في "الموطأ"، صلاة الجماعة، باب 10، (1/ 142)، وابن أبي شيبة (2/ 225)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 72) رقم 2405، والبيهقي (2/ 232) موقوفًا.

ومدار المرفوع والموقوف على أم محمد بن زيد، وهي مستورة، قاله الحافط في التقريب (8814). ورجح الموقوف الدارقطني في العلل كما في تنقيح التحقيق (1/ 748)، وعبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 317). انظر التلخيص الحبير (1/ 280)، والدراية (1/ 123)، وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 367، 368): وقد روي حديث أم سلمة مرفوعًا، والذين وقفوه على أم سلمة أكثر، وأحفظ. ثم قال: والإجماع في هذا الباب أقوى من الخبر فيه.

(2)

الأحكام الشرعية الصغرى (1/ 197).

ص: 129

(قال جمع: وكفيها) واختاره المجد، وجزم به في "العمدة" و"الوجيز"، لقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

(1)

قال ابن عباس، وعائشة:"وجهها وكفيها" رواه البيهقي

(2)

، وفيه ضعف. وخالفهما ابن مسعود

(3)

.

(وهما) أي: الكفان (والوجه) من الحرة البالغة (عورة خارجها) أي: الصلاة (باعتبار النظر، كبقية بدنها) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة"

(4)

.

(ويسن لرجل، والإمام أبلغ) أي: آكد، لأنه يقتدى به، وبين يدي المأمومين، وتتعلق صلاتهم بصلاته (أن يصلي في ثوبين) ذكره بعضهم إجماعًا، قال ابن تميم وغيره:(مع ستر رأسه) بعمامة وما في معناها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان كذلك يصلي، قاله المجد في "شرحه"، وقال إبراهيم: كانوا يستحبون إذا وسع الله عليهم أن لا يصلي أحدهم في أقل من ثوبين.

(1)

سورة النور، الآية 31.

(2)

السنن الكبرى (2/ 225، 226). وأثر ابن عباس رضي الله عنهما رواه - أيضًا - ابن أبي شيبة (4/ 2/ 284)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 70) رقم 2404. وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2574) رقم 14398.

وفي سند أثر عائشة عقبة الأصم، ضعفه ابن التركماني وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 299). قال الشيخ في الإمام: وعقبة الأصم تكلم فيه.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما روي من طريقين: عبد الله بن مسلم بن هرمز، والأعمش كلاهما عن سعيد من جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وابن هرمز ضعيف قاله الحافظ في التقريب (3616)، والأعمش مدلس، ولم يصرح بالسماع.

(3)

روى عبد الرزاق في تفسيره (2/ 56)، وابن أبي شيبة (4/ 2/ 283)، والطبري في تفسيره (8/ 117)، وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2574، عن عبد الله:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الثياب. وسنده صحيح.

(4)

تقدم تخريجه (2/ 128) تعليق رقم 3.

ص: 130

(ولا يكره) أن يصلي (في ثوب واحد، يستر ما يجب ستره)

من العورة، وأحد العاتقين في الفرض (والقميص أولى من الرداء إن اقتصر على ثوب واحد) لأنه أبلغ، ثم الرداء، ثم المئزر، أو السراويل، قاله في "الشرح".

وإن صلى في ثوبين، فأفضل ذلك ما كان أسبغ، فيكون الأفضل، القميص والرداء، ثم الإزار، أو السراويل مع القميص، ثم أحدهما مع الرداء، وأفضلهما مع الرداء الإزار؛ لأنه لبس الصحابة، ولأنه لا يحكي تقاطيع الخلقة، وأفضلهما تحت القميص السراويل، لأنه أستر، ولا يحكي خلقة في هذه الحالة، ذكره المجد في "شرحه".

(وإن صلى في الرداء، وكان واسعًا، التحف به، وإن كان) الرداء (ضيقًا، خالف بين طرفيه على منكبيه، كالقصار) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانَ الثوبُ ضيقًا فاشدُدْهُ على حقوك" رواه أبو داود

(1)

.

(فإن كان جيب القميص واسعًا، سُنَّ أن يزرّه عليه ولو بشوكة) لحديث سلمة بن الأكوع، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إني أكونُ في الصيدِ، وأصلِّي في القميص الواحدِ؟ قال:"نعمْ، وازرره ولو بشوكة" رواه ابن ماجه، والترمذي

(2)

، وقال: حسن صحيح.

(1)

في الصلاة، باب 82، حديث 634، عن جابر رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الزهد، حديث 3010 في حديث طويل، وأحمد (3/ 335).

وأخرجه البخاري في الصلاة، باب 6، حديث 361، وابن خزيمة (1/ 377) بنحوه.

(2)

لم نجده في "سنن ابن ماجه"، ولا في "سنن الترمذي". وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 296، 297 - 298)، وفي الصحيح معلقًا بصيغة التمريض في الصلاة، باب 2، وأبو داود في الصلاة، باب 81، حديث 632، والنسائي في القبلة، باب 15، حديث 764، والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 63)، وأحمد =

ص: 131

(ف‌

‌إن رؤيت عورته منه بطلت) صلاته،

لفوات شرطها، والمراد: أمكن رؤية عورته، وإن لم تر لعمى، أو ظلمة، أو خلوة، ونحوه، كما تقدم (فإن لم يزره) أي: الجيب (وشد وسطه عليه بما يستر العورة، أو كان ذا لحية تسد جيبه، صحت صلاته) لوجود الستر المأمور به (فإن اقتصر) الرجل، ومثله الخنثى (على ستر عورته، وأعرى العاتقين في نفل، أجزأه) دون الفرض، لأن مبنى النفل على التخفيف، ولذلك يتسامح فيه بترك القيام، والاستقبال في حال سفره مع القدرة، فسومح فيه بهذا القدر. ولأن عادة الإنسان في بيته، وخلواته، قلة اللباس، وتخفيفه، وغالب نفله يقع فيه، فسومح فيه لذلك، ولا كذلك الفرض. ويؤيده حديث عائشة "رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلّى في ثوبٍ واحدٍ بعضُهُ عليَّ" رواه أبو داود

(1)

.

والثوب الواحد لا يتسع لذلك مع ستر المنكبين.

(ويشترط في فرض مع سترها) أي: العورة (ستر جميع أحدهما) أي: العاتقين (بشيء من لباس) لحديث أبي هريرة: "لا يصلِّي الرجلُ في الثوبِ

= (4/ 49، 54)، والروياني في مسنده (2/ 260) حديث 1171، وابن خزيمة (1/ 381) حديث 777، 778، وابن المنذر في الأوسط (5/ 61) حديث 2389، والطحاوي (1/ 380)، وابن حبان "الإحسان"(6/ 71) حديث 2294، والطبراني في الكبير (7/ 29) حديث 6279، والحاكم (1/ 250)، والبيهقي (2/ 240)، والبغوي في شرح السنة (2/ 425) حديث 517. وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي. وحسنه النووي في الخلاصة (1/ 327 - 328)، والمجموع (3/ 164). وقال الإمام البخاري: في إسناده نظر. انظر تفصيله في بيان الوهم والإيهام (5/ 536 - 539)، والفتح (1/ 465 - 466)، وتغليق التعليق (2/ 202).

(1)

في الصلاة، باب 80، حديث 631، ولفظه:"صلى في ثوب واحد بعضه علي".

ورواه - أيضًا - أحمد (6/ 70، 251).

ورواه مسلم في صحيحه في الصلاة، حديث 514 بمعناه.

ص: 132

الواحِدِ ليسَ على عاتِقهِ منه شيءٌ" رواه البخاري

(1)

، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وتقدم الفرق بين الفرض والنفل.

واستدل أبو بكر على التفرقة بين الفرض والنفل بقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: "إذا كان الثوبُ ضيقًا فاشددْهُ على حِقْوِكَ" وفي لفظ: "فاتزر به" رواه البخاري

(2)

وقال: هذا في التطوع، وحديث أبي هريرة في الفرض، والمراد بالعاتق: موضع الرداء من المنكب.

وقوله: "بلباس" أي: سواء كان من الثوب الذي ستر به عورته، أم من غيره، ومحل ذلك إذا قدر عليه، فأي شيء ستر به عاتقه أجزأه (ولو وصف البشرة) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"ليسَ على عاتِقهِ منهُ شيءٌ" وهو يعم ما يصف، وما لا يصف (فلا يجزئ حبل ونحوه) لأنه لا يسمى لباسًا.

(ويسن للمرأة الحرة أن تصلي في درع، وهو القميص) وقال أحمد

(3)

: شبه القميص، لكنه سابغ يغطي قدميها، قاله في "المبدع"(وخمار) وهو غطاء رأسها، وتديره تحت حلقها (وملحفة) بكسر الميم (وهي الجلباب) روى ذلك محمد بن عبد الله الأنصاري في جزئه، عن عمر

(4)

،

(1)

في الصلاة، باب 5، حديث 359، 360.

وأخرجه - أيضًا - مسلم في الصلاة، حديث 516، ولفظهما:"على عاتقيه"، والإفراد هو لفظ النسائي في القبلة، باب 18، حديث 768، وعبد الرزاق (1/ 353)، وأخرجه أبو داود في الصلاة، باب 78، حديث 626، بلفظ:"منكبيه".

(2)

في الصلاة، باب 6، حديث 361 عن جابر رضي الله عنه. وقد تقدم تخريجه (2/ 131) تعليق رقم 1.

(3)

انظر المغني (1/ 330).

(4)

جزء محمد بن عبد الله الأنصاري ص/ 34 رقم 11. ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة (2/ 224)، وأحمد بن منيع - كما في إتحاف المهرة (2/ 284)، والمطالب =

ص: 133

بإسناد صحيح.

وروى سعيد بن منصور، عن عائشة "أنها كانتْ تقومُ إلى الصلاة في الخمارِ، والإزار، والدرع، فتسبل الإزار فتجلبب به، وكانت تقول: ثلاثةُ أثوابٍ لا بدَّ للمرأةِ منها في الصلاةِ إذا وجَدتْها: الخمارُ، والجلبابُ، والدرعُ"

(1)

ولأن المرأة أوفى من الرجل عورة، فكانت أكثر منه سترة.

(ولا تضم ثيابها) قال السامري: (في حال قيامها.

و‌

‌يكره) أن تصلي (في نقاب، وبرقع بلا حاجة)

قال ابن عبد البر

(2)

: أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة، والإحرام، ولأن ستر الوجه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف، ويغطي الفم، وقد نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجل عنه

(3)

، فإن كان لحاجة كحضور أجانب، فلا كراهة.

= (1/ 162) رقم 332، وابن المنذر في الأوسط (5/ 74) رقم 2410، والبيهقي (2/ 235) عن عمر رضي الله عنه قال: تصلي المرأة في ثلاث أثواب: درع، وخمار، وإزار. وصحح إسناده البوصيرى، وابن حجر - رحمهما الله -.

(1)

لم نجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور. ومن طريقه رواه ابن المنذر في الأوسط (5/ 74) رقم 2412 ورجال إسناده ثقات. ورواه ابن سعد (8/ 71) مختصرًا.

(2)

التمهيد (6/ 365)، والاستذكار (5/ 444).

(3)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 86، حديث 643، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 42، حديث 966، وابن خزيمة (1/ 379، 2/ 60) حديث 772، 918، وابن المنذر في الأوسط (5/ 57) حديث 2382، وابن حبان "الإحسان"(6/ 117) حديث 2353، وابن عدي (2/ 730)، والحاكم (1/ 253)، والبيهقي (2/ 242)، والبغوي (2/ 426) حديث 519، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل، وأن يغطي الرجل فاه.

ومال ابن المنذر في الأوسط (5/ 60) إلى تضعيفه. وقال الحاكم: صحيح على =

ص: 134

(وإن اقتصرت على ستر ما سوى وجهها، كأن صلت في درع، وخمار، أجزأها) قال أحمد

(1)

: اتفق عامتهم على الدرع، والخمار، وما زاد فهو خير وأستر، ولأنها سترت ما يجب عليها ستره. فاكتفي به.

(ولا تبطل الصلاة بكشف يسير من العورة) واليسير هو الذي (لا يفحش في النظر عرفًا) ويختلف الفحش بحسب المنكشف، فيفحش من السوأة ما لا يفحش من غيرها (بلا قصد) لقول عمرو بن سلمة الجرمي قال: "انطَلَقَ أبي وافِدًا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهُم الصلاةَ، وقال: يؤمّكُم أقرؤكُم، فكنتُ أقرأهم فقدموني، فكنتُ أؤمُّهم وعليَّ بردةٌ لي صفراء صغيرة، فكنت إذا سجدتُ انكشفتْ عني، فقالتْ أمرأةٌ من النساء: واروا عنا

= شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (3/ 179): رواه أبو داود بإسناد فيه الحسن بن ذكوان، وقد ضعفه يحيى بن معين، والنسائي، والدارقطني، لكن روى له البخاري في صحيحه، وقد رواه أبو داود ولم يضعفه.

والفقرة الأولى: "النهي عن السدل" رواها - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (2/ 293)، والترمذي في الصلاة، باب 161، حديث 378، وابن أبي شيبة (2/ 259)، وأحمد (2/ 295، 341، 345، 348)، والدارمي في الصلاة، باب 104، حديث 1386، وابن المنذر في الأوسط (5/ 60) حديث 2378، وابن حبان "الإحسان"(6/ 67) حديث 2289، والبيهقي (2/ 242)، والبغوي (2/ 426) حديث 518، وفي سنده عسل بن سفيان وهو ضعيف. كما في التقريب (676) لكن تابعه الحسن بن ذكوان كما تقدم.

ورواه أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 482) وعنه البيهقي (2/ 242) عن هشيم أخبرنا عامر الأحول قال: سألت عطاء عن السدل، فكرهه، فقلت: أعن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم.

قال البيهقي: وهذا الإسناد وإن كان منقطعًا، ففيه قوة للموصولين قبله.

(1)

المغني (1/ 330).

ص: 135

سوأةَ قارِئِكُم، فاشتروا لي قميصًا عمانيًا، فما فرحتُ بعدَ الإسلامِ بشيء فرحي بهِ".

وفي لفظ: "فكنت أؤمهم في بردةٍ موصلةٍ فيها فتقٌ، فكنتُ إذا سجدتُ فيها خرجتْ إستي" رواه أبو داود، والنسائي

(1)

.

وانتشر ذلك، ولم يبلغنا أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك، ولا أحد من أصحابه، ولأن ثياب الأغنياء، لا تخلو من فتق، وثياب الفقراء لا تخلو من خرق غالبًا، والاحتراز عن ذلك يشق، فعفي عنه (ولو) كان الانكشاف اليسير (في زمن طويل) لما مر.

(وكذا)

‌ لا تبطل الصلاة إن انكشف من العورة شيء (كثير في زمن قصير،

فلو أطارت الريح سترته ونحوه) أي: نحو الريح (عن عورته، فبدا) أي: ظهر (منها ما لم يعف عنه) لو طال زمنه لفحشه (ولو) كان الذي بدا (كلها) أي: كل العورة (فأعادها سريعًا بلا عمل كثير، لم تبطل) صلاته، لقصر مدته، أشبه اليسير في الزمن الطويل، فإن احتاج في أخذ سترته لعمل كثير، بطلت صلاته.

(وإن كشف يسيرًا منها) أي: العورة (قصدًا، بطلت) صلاته، لأن التحرز منه ممكن من غير مشقة، أشبه سائر العورة، وكذا لو فحش وطال الزمن، ولو بلا قصد.

(ومن صلى - ولو نفلًا - في ثوب حرير) أو منسوج بذهب، أو فضة (أو) صلى في ثوب (أكثره) حرير، وهو (ممن يحرم على) ذلك، لم تصح صلاته، إن كان عالمًا ذاكرًا.

(1)

"سنن أبي داود" الصلاة، باب 61، حديث 585، 586، والنسائي في القبلة، باب 16، والإمامة، باب 11، حديث 766، 788. وأخرجه - أيضًا - بنحوه البخاري في المغازي، باب 53، حديث 4302، في حديث طويل.

ص: 136

قال في "الاختيارات"

(1)

: وينبغي أن يكون على هذا الخلاف، الذي يجر ثوبه خيلاء في الصلاة، لأن المذهب أنه حرام، وكذلك من لبس ثوبًا فيه تصاوير.

قلت: لازم ذلك كل ثوب يحرم لبسه يجري على هذا الخلاف، وقد أشار إليه صاحب "المستوعب".

(أو) صلى في ثوب (مغصوب) كله (أو بعضه) لم تصح صلاته، إن كان عالمًا ذاكرًا، وظاهره مشاعًا كان أو معينًا، وذكره ابن عقيل، لأن بعضه يتبع بعضًا.

(أو) صلى في (ما ثمنه المعين حرام، أو بعضه) أي: بعض ثمنه المعين حرام، لم تصح صلاته، إن كان عالمًا، ذاكرًا، ويأتي في الغصب. إذا كان الثمن في الذمة وبذله من الحرام (رجلًا كان، أو امرأة، ولو كان عليه غيره) أي: غير الثوب المحرم (لم تصح صلاته، إن كان عالمًا ذاكرًا) لما روى أحمد عن ابن عمر: "من اشترَى ثوبًا بعشرةِ دراهم، وفيه درهمٌ حرامٌ لم يقبلْ الله لهُ صلاةً ما دامَ عليْه" ثم أدخل إصبعيه في أذنيه وقال: "صُمّتَا إن لم يكن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سمعتُه يقولهُ"

(2)

وفي إسناده هاشم، وبقية.

(1)

ص/ 62 - 63.

(2)

"مسند أحمد"(2/ 98). ورواه - أيضًا - عبد بن حميد (2/ 51) حديث 847، وابن حبان في المجروحين (2/ 37 - 38)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 142) حديث 6114، والخطيب (14/ 21، 22)، وابن عساكر (11/ 242، 244) وقد رواه ابن حبان في المجروحين في ترجمة عبد الله بن أبي علاج، واتهمه بالوضع، وضعفه البيهقي والنووي في المجموع (3/ 170)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 292) وقال: رواه أحمد من طريق هاشم عن ابن عمر، وهاشم لم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا على أن بقية مدلس. =

ص: 137

قال البخاري

(1)

: هاشم غير ثقة، وبقية مدلس.

ولحديث عائشة: "من عملَ عملًا ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ" رواه الجماعة

(2)

.

ولأن قيامه، وقعوده، ولبثه فيه، محرم منهي عنه، فلم يقع عادة كالصلاة في زمن الحيض، وكالنجس، وكذا لو صلى في بقعة مغصوبة ولو منفعتها، أو بعضها، أو حج بغصب.

(وإلا) أي: وإن لم يكن المصلي في حرير ممن يحرم عليه كالأنثى (صحت) صلاته، لأنه غير آثم (كما لو كان المنهي عنه خاتم ذهب، أو) كان المنهي عنه (دملجًا، أو عمامة، أو تكة سراويل، أو خفًا من حرير) أو ترك ثوبًا مغصوبًا في كمه، فإن صلاته صحيحة، لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة، أشبه ما لو غصب ثوبًا فوضعه في كمه.

(وإن جهل) كونه حريرًا، أو غصبًا (أو نسي كونه حريرًا، أو غصبًا) صحت صلاته، لأنه غير آثم.

= وانظر التحقيق في أحاديث الخلاف (1/ 320)، ونصب الراية (2/ 325)، وفيض القدير (6/ 64).

(1)

انظر الكامل لابن عدي (7/ 2576).

(2)

أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا في البيوع، باب 60، وفي الاعتصام، باب 20، ورواه موصولًا في الصلح، باب 5، حديث 2697، بلفظ:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد".

ورواه مسلم في الأقضية، حديث (1718)(17)، وأبو داود في السنة، باب 6، حديث 2606، وابن ماجه في المقدمة، حديث 14، بلفظ:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وأحمد (6/ 240، 270) بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا. .". ولم يروه الترمذي، ولا النسائي خلافًا لقول المؤلف: رواه الجماعة. والله أعلم.

ص: 138

(أو حبس بمكان غصب) أو نجس.

قال في "الاختيارات"

(1)

: وكذا كل مكره على الكون بالمكان النجس، والغصب، بحيث يخاف ضررًا من الخروج في نفسه، أو ماله، ينبغي أن يكون كالمحبوس.

(أو كان في جيبه درهم) أو دينار، أو غيره (مغصوب، صحت) صلاته، لما تقدم.

(ولو صلى على أرض غيره ولو مزروعة) بلا غصب، ولا ضرر، جاز (أو) صلى (على مصلاه) أي: الغير (بلا غصب، ولا ضرر) في ذلك (جاز) وصحت صلاته لرضاه بذلك عرفًا. قال في "الفروع": ويتوجه احتمال فيما إذا كانت لكافر، لعدم رضاه بصلاة مسلم في أرضه، وفاقًا لأبي حنيفة (ويأتي في الباب بعده.

ويصلي في حرير) ولو عارية (لعدم) غيره (ولا يعيد) لأنه مأذون في لبسه في بعض الأحوال، كالحكة، والجرب، وضرورة البرد، وعدم سترة غيره، فليس منهيًا عنه إذن.

(و)

‌ يصلي (عريانًا مع) وجود ثوب (مغصوب)

لأنه يحرم استعماله بكل حال، لعدم إذن الشارع في التصرف فيه مطلقًا، ولأن تحريمه لحق آدمي، أشبه من لم يجد إلا ماء مغصوبًا.

(و‌

‌لا يصح نفل آبق)

لأن زمن فرضه مستثنى شرعًا، فلم يغصبه، بخلاف زمن نفله. وقال ابن هبيرة في حديث جرير:"إذا أبق العبدُ لم تقبلْ له صلاةٌ" وفي لفظ "إذا أبق العبدُ من مواليهِ، فقد كفَرَ حتى يرجعَ إليهِمْ" رواهما مسلم

(2)

. قال: أراه على معنى إذا استحل الإباق. قال في "الفروع": كذا

(1)

ص/ 62.

(2)

في الإيمان، حديث 68، 70.

ص: 139

قال، وظاهره صحة صلاته عنده. وقد روى ابن خزيمة في صحيحه عن جابر مرفوعًا:"ثلاثةٌ لا تقبلُ لهم صلاةٌ، ولا تصعدُ لهم حسنةٌ: العبدُ الآبقُ، حتى يرجع إلى موالِيهِ فيضع يَدَهُ في أيديهم، والمرأةُ الساخِطُ عليها زوجُها، والسكرانُ حتى يصحُو"

(1)

.

(و‌

‌من لم يجد إلا ثوبًا نجسًا،

ولم يقدر على غسله، صلى فيه وجوبًا) لأن ستر العورة آكد من إزالة النجاسة، لتعلق حق الآدمي به في ستر عورته، ووجوب الستر في الصلاة وغيرها، فكان تقديم الستر أهم (وأعاد) ما صلاه في الثوب النجس وجوبًا؛ لأنه قادر على كل من حالتي الصلاة عريانًا، ولبس الثوب النجس فيها، على تقدير ترك الحالة الأخرى، وقد قدم حالة التزاحم آكدهما.

(1)

ابن خزيمة (2/ 69) حديث 940. وأخرجه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان" (12/ 178) حديث 5355، والطبراني في الأوسط (10/ 107) حديث 9227، وابن عدي (3/ 1074)، والبيهقي (1/ 389). وقال: تفرد به زهير. قال الذهبي في المهذب (1/ 382): هذا من مناكير زهير. وقال أبو حاتم "العلل" لابنه (1/ 174): هذا حديث منكر.

وللفقرة الأولى، والثانية من الحديث شاهد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه رواه الترمذي في الصلاة، باب 266، حديث 360، وابن أبي شيبة (1/ 408، 4/ 307)، والطبراني في الكبير (8/ 340، 343) حديث 8090، 8098، والبغوي (3/ 404) حديث 838، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وضعفه البيهقي (3/ 128)، وتعقبه النووي في الخلاصة (2/ 704) بقوله: وضعفه البيهقي، والأرجح هنا قول الترمذي.

وللفقرة الثانية شاهد - أيضًا - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 73، حديث 971، وابن حبان "الإحسان"(5/ 53) حديث. =

ص: 140

فإذا زال التزاحم بوجوده ثوبًا طاهرًا، أوجبنا عليه الإعادة، استدراكًا للخلل الحاصل بترك الشرط الذي كان مقدورًا عليه من وجه، بخلاف من حبس بالمكان النجس؛ لأنه عاجز عن الانتقال عن الحالة التي هو عليها من كل وجه، كمن عدم السترة بكل حال.

(فإن صلى عريانًا مع وجوده) أي: الثوب النجس (أعاد) الصلاة وجوبًا؛ لأنه فوت السترة مع قدرته عليها من وجه، ولو كان نجس العين كجلد ميتة، صلى عريانًا من غير إعادة، ذكره بعضهم، قاله في "المبدع".

(فإن كان معه ثوبان نجسان صلى) فرضه (في أقلهما) وأخفهما (نجاسة) لأن ما زاد على ذلك مقدور على اجتنابه، فوجب، لحديث:"إذا أمرتكم بأمرٍ فائتُوا منه ما استطعتُم"

(1)

.

وإذا كانت النجاسة في طرف الثوب وأمكنه أن يستتر بالطاهر منه، لزمه ذلك؛ لأن ملاقاتها وإن لم يحملها، وحملها وإن لم يلاقها: محذوران، وقد أمكنه اجتناب أحدهما، فلزمه.

= 1757، والطبراني في الكبير (11/ 449) حديث 12275، وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 191) وحسنه النووي في الخلاصة (2/ 703) وفي المجموع (4/ 154).

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم 2.

ص: 141

فصل

(ومن لم يجد إلا ما يستر عورته فقط، أو منكبه فقط، ستر عورته وصلى قائمًا) وجوبًا، وترك ستر منكبيه؛ لما روى جابر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان الثوبُ واسعًا فخالف بين طرفيهِ، وإن كان ضيقًا فاشدُدْهُ على حِقْوكَ" رواه أبو داود

(1)

، ولأن القيام متفق عليه، فلا يترك لأمر مختلف فيه.

(وإن كانت) السترة التي وجدها (تكفي عورته فقط، أو منكبه وعجزه فقط) بأن كانت إذا تركها على كتفه

(2)

وسدلها من ورائه تستر عجزه (ستر منكبه وعجزه، وصلى جالسًا استحبابًا) لكونه يستر معظمها، والمغلظ منها، وستر المنكب لا بدل له، فكان مراعاته أولى مع صحة الحديث بستر أحد المنكبين.

(فإن لم يكف جميعها) أي: العورة (ستر الفرجين) لأنهما أفحش، وهما عورة بلا خلاف، وغيرهما كالحريم التابع لهما (فإن لم يكف) ما وجده من السترة (إلا أحدهما) أي: الفرجين (خير) بين ستر القبل، أو الدبر، لاستوائهما في وجوب الستر بلا خلاف (والأولى ستر الدبر) لأنه أفحش، وينفرج في الركوع والسجود، وظاهره لا فرق بين أن يكون رجلًا، أو امرأة، أو خنثى، ويتوجه أنه يستر آلة الرجل إن كان هناك امرأة، وآلتها إن كان هناك رجل، قاله في "المبدع".

(ويلزمه) أي: العاري (تحصيل سترة بشراء، أو استئجار، بقيمة

(1)

تقدم تخريجه (2/ 131) تعليق رقم 1، (2/ 133) تعليق رقم 2.

(2)

في "ح" و"ذ": "كتفيه".

ص: 142

المثل) للعين أو المنفعة (وبزيادة يسيرة) على عرض المثل (كماء الوضوء) فيعتبر أن يكون فاضلًا عن حاجته.

(وإن بذلت له سترة لزمه قبولها عارية) لأن المنة لا تكثر فيها، فأشبه بذل الحبل، والدلو، لاستقاء الماء.

و (لا) يلزمه قبولها إن بذلت له (هبة) لما يلحقه من المنة، وعلم منه أنه لا يلزمه طلبها عارية.

(فإن عدم) السترة (بكل حال، صلى) ولا تسقط عنه بغير خلاف نعلمه، كما لو عجز عن استقبال القبلة، قاله في "المبدع"(جالسًا يومئ) بالركوع، والسجود (استحبابًا فيهما) أي: في الجلوس، والإيماء، لما روي عن ابن عمر "أن قومًا انكسرتْ بهمْ مركبُهم فخرجُوا عراةً - قال: يصلون جلوسًا، يومئُون إيماء برؤُسهم"

(1)

ولم ينقل خلافه، ويجعل السجود أخفض من الركوع (ولا يتربع، بل ينضام) نقله الأثرم والميموني (بأن يقيم إحدى فخذيه على الأخرى) لأنه أقل كشفًا (وإن صلى قائمًا، أو جالسًا، وركع وسجد بالأرض جاز) له ذلك، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"صل قائمًا"

(2)

.

وإنما قدم الجلوس على القيام؛ لأن الجلوس فيه ستر العورة، وهو قائم مقام القيام، فلو صلى قائمًا لسقط الستر إلى غير بدل، مع أن الستر آكد من القيام، لأنه يجب في الصلاة وغيرها، ولا يسقط مع القدرة بحال. والقيام

(1)

رواه ابن المنذر في الأوسط (5/ 78) رقم 2415، وفي سنده عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة الحمصي: ضعيف قاله الحافظ في التقريب (4111). وذكره ابن قدامة في "المغني"(2/ 312)، وعزاه إلى الخلال. وذكره الزركشي في شرحه (1/ 616) وعزاه إلى سعيد بن منصور.

(2)

أخرجه البخاري في تقصير الصلاة، باب 19، حديث 1117، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

ص: 143

يسقط في النافلة، ولأن القيام سقط عنهم، لحفظ العورة، وهي في حال السجود أفحش؛ فكان سقوطه أولى.

لا يقال: الستر كله لا يحصل، وإنما يحصل بعضه، فلا يفي ذلك بترك ثلاثة أركان: القيام، والركوع، والسجود؛ لأن العورة إن كانت الفرجان فقد حصل سترهما، وإلا حصل ستر أغلظها وأفحشها، وإذا صلى قائمًا، لزمه أن يركع ويسجد بالأرض.

(ولا يعيد العربان، إذا قدر على الستر) بعد الفراغ من الصلاة، سواء صلى قائمًا، أو جالسًا، كفاقد الطهورين، وفي "الرعاية": يعيد على الأقيس.

(وإن وجد) العاري (سترة مباحة قريبة منه عرفًا) أي: في مكان يعد في العرف أنه قريب (في أثناء الصلاة، ستر) ما يجب ستره (وجوبًا، وبنى) على ما صلاه عريانًا، كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة

(1)

استداروا إليها، وأتموا صلاتهم.

(وإن كانت) السترة (بعيدة) عرفًا، بحيث يحتاج إلى زمن طويل، أو عمل كثير (ستر) الواجب ستره (وابتدأ) أي: استأنف الصلاة، لأنه لا يمكن فعلها إلا بما ينافيها من العمل الكثير، أو بدون شرطها، بخلاف التي قبلها.

(وكذا لو عتقت) الأمة، ونحوها (في الصلاة، واحتاجت إليها) أي: إلى السترة، بأن كانت رأسها مكشوفة مثلًا، فإن كان الخمار بقربها، تخمرت

(1)

انظر حديث تحويل القبلة في البخاري الصلاة، باب 32، حديث 403، وفي تفسير سورة البقرة، باب 14، 16، 17، 19، 20، حديث 4488، 4490، 4491، 4493، 4494، وفي أخبار الآحاد، باب 1، حديث 7251. ومسلم في المساجد، حديث 526، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 144

به، وبنت، وإلا مضت إليه وتخمرت، واستأنفت. وكذا حكم من أطارت الريح سترته وهو في الصلاة.

(فلو جهلت العتق، أو) جهلت (وجوب الستر، أو) جهلت (القدرة عليه

(1)

، أعادت) الصلاة لتقصيرها (كخيار معتقة تحت عبد) إذا أمكنته من نفسها جاهلة العتق، أو ملك الفسخ، فإنه يسقط خيارها، ولا تعذر بالجهل، لتقصيرها في عدم التعلم.

(وتصلي العراة جماعة وجوبًا) إذا كانوا رجالًا، أحرارًا، لا عذر لهم يبيح ترك الجماعة، لأنهم قدروا عليها من غير عذر. أشبهوا المستترين.

ولا تسقط الجماعة بفوات السنة في الموقف، كما لو كانوا في ضيق لا يمكن تقدم إمامهم عليهم، ولأنهم أولى بالوجوب من أهل صلاة الخوف، ولا يسقط عنهم وجوب الجماعة.

(و) يكون (إمامهم في وسطهم، أي: بينهم) وإن لم يتساووا من عن يمينه وشماله (وجوبًا) لأنه أستر من أن يتقدم عليهم (فإن تقدمهم) الإمام (بطلت) قال في "المبدع": في الأصح (إلا في ظلمة) فيجوز أن يتقدم عليهم للأمن من رؤيتهم عورته، وكذا لو كانوا عميًا

(2)

، لئلا يرى بعضهم عورة بعض.

(فإن كان المكان ضيقًا، صلوا جماعتين فأكثر) بحسب ما يتسع له المكان، كالنوعين (فإن كانوا) أي: العراة (رجالًا ونساء، تباعدوا، ثم صلى كل نوع لأنفسهم) لأن المرأة إن وقفت خلف الرجل شاهدت عورته، ومعه خلاف سنة الموقف، وربما أفضى إلى الفتنة.

(1)

في "ح""على الستر"، وفي "ذ""عليها".

(2)

في "ح" زيادة "ولا إعادة عليهم"، وفي "ح" و"ذ" زيادة وهي:" (ويصلون) أي العراة صفًا واحدًا، وجوبًا، إلا في ظلمة، أو إذا كانوا عميانًا".

ص: 145

(وإن كانوا في ضيق) قال في "المبدع": بفتح الضاد مخففًا من ضيق، ويجوز فيه الكسر، على المصدر على حذف مضاف، تقديره: ذي ضيق (صلى الرجال واستدبرهم النساء، ثم صلى النساء وستدبرهن الرجال) لما في ذلك من تحصيل الجماعة، مع عدم رؤية الرجال النساء، وبالعكس (ف‌

‌إن بذلت لهم سترة، صلوا فيها،

واحدًا بعد واحد) لقدرتهم على الصلاة بشرطها (إلا أن يخافوا خروج الوقت، فتدفع إلى من يصلح للإمامة، فيصلي بهم، ويتقدمهم) كإمام المستورين (إن عينه ربها) بالعارية، لأن الحق له، فيخص به من يشاء.

(وإلا) أي: وإن لم يعين ربها واحدًا منهم (اقترعوا إن تشاحوا) فيقدم بها من خرجت له القرعة، لترجحه بها (ويصلي الباقون عراة) خشية خروج الوقت، هذا معنى كلامه في "الشرح" وغيره. قال في "المبدع": والأصح يقدم إمام مع ضيق الوقت. وجزم به في "المنتهى".

(فإن كانوا رجالًا، ونساء) المراد فيهما الجنس (فالنساء أحق) بالسترة من الإمام وغيره، لأن عورتها أفحش، وسترها أبعد من الفتنة (فإذا صلين فيها أخذها الرجال) وصلوا فيها إن اتسع الوقت، وإلا صلوا عراة.

(وإن كان فيهم) أي: العراة (ميت، صلى فيها) أي: السترة المبذولة لهم (الحي) فرضه، لا على الميت (ثم كفن بها الميت) ليجمع بين الحقين، وتقدم في التيمم.

(ولا يجوز) للعاري (انتظار السترة) ليصلي فيها (إن خاف خروج الوقت) بل يصلي عريانًا إذا خاف خروجه (فإن كانت) السترة (لأحدهم، لزمه أن يصلي فيها) لقدرته على السترة (فإن أعارها وصلى عريانًا، لم تصح صلاته) لأنه ترك السترة مع قدرته عليها.

ص: 146

(ويستحب) لرب السترة (أن يعيرها لهم بعد صلاته) لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

(1)

(ولا يجب) عليه إعارتها لهم، بخلاف بذل الطعام الفاضل عن الحاجة للمضطر (فيصلون فيها واحدًا بعد واحد) ولم يجز لهم الصلاة عراة، لقدرتهم على السترة (إلا أن يخافوا خروج الوقت، فيصلي) من خاف خروج الوقت على حسب حاله، ويصلي (بها) أي: السترة (أحدهم بين أيديهم) لاستتار عورته (والباقون) يصلون (عراة كما تقدم) خلفه صفًا واحدًا جلوسًا، يومئون استحبابًا بالركوع والسجود.

وكذا لو كانوا في سفينة، ولم يمكن جميعهم القيام، صلوا واحدًا بعد واحد، إلا أن يخافوا خروج الوقت، فيصلي واحد قائمًا، والباقون قعودًا، ذكره بمعناه في "الشرح".

(فإن امتنع صاحب الثوب من إعارته، فالمستحب أن يؤمهم) لتحصل له فضيلة الجماعة (ويقف بين أيديهم) أي: قدامهم لاستتار عورته (فإن كان أميًا) لا يحسن الفاتحة (وهم قراء) يحسنونها (صلوا) أي: العراة (جماعة) وجوبًا (و) صلى (صاحب الثوب وحده) لأنه يصح أن يؤمهم، لأنه عاجز عن فرض القراءة مع قدرتهم عليه، ولا أن يأتم بأحدهم لقدرته على ستر العورة مع عجزهم عنه.

(وإن أعاره) أي: الثوب صاحبه (لغير من يصلح للإمامة، جاز) لأن الحق له، فيخص به من شاء (وصار حكمه حكم صاحب الثوب) لملكه الانتفاع به، فيصلي وحده، ويصلون جماعة لأنفسهم.

(1)

سورة المائدة، الآية 2.

ص: 147

‌فصل "في أحكام اللباس في الصلاة وغيرها"

(يكره في الصلاة السدل، سواء كان تحته ثوب، أو لا) نقل محمد بن موسى: النهي فيه صحيح عن علي

(1)

. وخبر أبي هريرة

(2)

نقل مهنا: ليس بصحيح، لكن رواه أبو داود بإسناد جيد لم يضعفه أحمد، قاله في "الفروع".

(وهو) أي: السدل لغة: إرخاء الثوب، قاله الجوهري

(3)

: واصطلاحًا: (أن يطرح ثوبًا على كتفيه، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى) وقال ابن عقيل: هو إرسال الثوب على الأرض، وقيل: وضع وسط الرداء على رأسه، وإرساله من ورائه على ظهره، وهي لبسة اليهود. وقال القاضي: هو وضع الرداء على عنقه، ولم يرده على كتفيه.

(فإن رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى) لم يكره، لزوال معنى السدل. زاد في "الشرح":(أو ضم طرفيه بيديه، لم يكره) وهو رواية. ومقتضى ما قدمه في "الفروع" وغيره، وجزم بمعناه في "المنتهى": يكره لبقاء معنى السدل.

(1)

أثر علي أخرجه عبد الرزاق (1/ 364) رقم 1423، وأبو عبيد في غريب الحديث (3/ 481)، وابن أبي شيبة (2/ 259)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 58) رقم 2383، والبيهقي (2/ 243) عن علي رضي الله عنه أنه خرج، فرأى قومًا يصلون، قد سدلوا ثيابهم، فقال: كأنهم اليهود خرجوا من فُهْرهم. قال أبو عبيد: فُهْرهم هو موضع مدراسهم الذي يجتمعون فيه، كالعيد يصلون فيه، ويسدلون ثيابهم، وهي كلمة نبطية أو عَبرانية أصلها بُهر، فعربت بالفاء فقيل: فهر.

(2)

انظر تخريجه (2/ 134) تعليق رقم 3.

(3)

الصحاح (5/ 1728).

ص: 148

(وإن طرح القباء) بفتح القاف (على الكتفين من غير أن يدخل يديه في الكمين، فلا بأس بذلك، باتفاق الفقهاء، وليس من السدال المكروه، قاله الشيخ.

ويكره) في الصلاة (اشتمال الصماء) لحديث أبي هريرة وأبي سعيد: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "نهى عن اشتمال الصماء" رواه البخاري

(1)

.

(وهو) أي: اشتمال الصماء (أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره). والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر. وجاء ذلك مفسرًا في حديث أبي سعيد

(2)

؛ من رواية إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن عطاء بن يزيد عنه مرفوعًا "نهى عن لبستين، وهما اشتمالُ الصماءِ، وهو أن يضع ثوبه على أحدِ عاتقَيْه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوبٌ، والاحتباء: وهو أن يحتَبي به ليسَ على فرجهِ منه شيء" وعلم منه أنه إذا كان عليه ثوب آخر لم يكره؛ لأنها لبسة المحرم، وفعلها صلى الله عليه وسلم، وأن صلاته صحيحة، إلا أن تبدو عورته.

(و) يكره في الصلاة (تغطية الوجه) لما روى أبو هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "نهى أن يغطِّيَ الرجلُ فاهُ" رواه أبو داود

(3)

بإسناد حسن. ففيه تنبيه على كراهة تغطية الوجه، لاشتماله على تغطية الفم، ولأن الصلاة لها تحليل وتحريم، فشرع لها كشف الوجه كالإحرام.

(1)

في الصلاة، باب 10، حديث 367، 368.

(2)

رواه أبو داود في البيوع، باب 25، حديث 3377، 3378، وعبد الرزاق (9/ 226 - 227) رقم 14987، وأحمد (3/ 95)، والبيهقي (5/ 342).

(3)

في الصلاة، باب 86، حديت 643. وقد تقدم تخريجه مفصلًا (2/ 134) تعليق رقم 3.

ص: 149

(و) يكره في الصلاة (التلثم على الفم، والأنف) روي ذلك عن ابن عمر

(1)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"أمرتُ أن أسجدَ على سبعة أعظمٍ" متفق عليه

(2)

.

(ولف الكم بلا سبب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا أكفُّ شعرًا، ولا ثوبًا" متفق عليه

(3)

، زاد في "الرعاية": وتشميره.

(و) يكره (شد الوسط) بفتح السين (بما يشبه شد الزنار) بضم أوله، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم "عن التشبه بأهل الكتابِ" رواه أبو داود

(4)

. (ولو) كان شد الوسط بما يشبه شد الزنار (في غير صلاة، لأنه يكره التشبه بالكفار كل وقت) لما تقدم (قال الشيخ

(5)

: التشبه بهم) أي: الكفار (منهي عنه إجماعًا) لما تقدم (وقال: ولما صارت العمامة الصفراء، والزرقاء، من شعارهم حرم لبسها) اهـ.

(ويكره شد وسطه على القميص، لأنه من زي اليهود) نقله حرب، وظاهر ما قدمه في "الإنصاف": لا يكره (ولا بأس به) أي: بشد الوسط بمئزر،

(1)

أخرجه عبد الرزاق (2/ 455)، وابن أبي شيبة (2/ 346 - 347) وفي سنده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف كما في التقريب (ص/ 528).

(2)

البخاري في الأذان، باب 133، 134، 137، 138، حديث 809، 810، 812، 815، 816، ومسلم في الصلاة، حديث 490، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

جزء من الحديث السابق.

(4)

لم نجده في "سنن أبي داود" بهذا اللفظ، وإنما أخرجه أحمد (2/ 261، 356، 499)، وابن حبان "الإحسان"(12/ 87) حديث 5473، والبغوي، حديث 3175، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي في الاستئذان، باب 7، حديث 2695، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وضعفه.

(5)

الفتاوى الكبرى (4/ 560).

ص: 150

أو حبل، أو نحوه، مما لا يشبه الزنار (على القباء) لأنه من عادة المسلمين. قاله القاضي. وقال ابن تميم: لا بأس بشد القباء في السفر على غيره، نص عليه، واقتصر عليه، قاله في "الإنصاف". و (قال ابن عقيل: يكره الشد بالحياصة

(1)

) وهو رواية حكاها في "المبدع" وغيره. وظاهره: أن المقدم لا يكره.

(ويستحب) شد الوسط (بما لا يشبه الزنار) وفعله ابن عمر

(2)

، قاله المجد في "شرحه"، وقال: نص عليه، للخبر

(3)

(كمنديل، ومنطقة، ونحوها لأنه أستر للعورة) زاد ابن تميم: إلا أن يشده لعمل الدنيا، فيكره.

‌(ويكره لامرأة شد وسطها في الصلاة

ولو بغير ما يشبه الزنار) لأن ذلك يبين به حجم عجيزتها وتقاطيع بدنها، والمطلوب ستر ذلك، ومفهوم كلامه: أنه لا يكره لها شد وسطها خارج الصلاة بما لا يشبه شد الزنار، قال في "حاشية التنقيح": لأن شد المرأة وسطها معهود في زمن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقبله، كما صح "أن هاجر أم إسماعيلَ اتخذت منطقًا"

(4)

وكان لأسماء بنت أبي بكر

(1)

قال في القاموس ص/ 795: الحياصة - والأصل الحِوَاصة - سير يشد به حزام السرج.

(2)

رواه ابن أبي شيبة (2/ 261).

(3)

روى أبو داود في البيوع، باب 23، حديث 3369 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم حتى تقسم، وعن بيع النخل حتى تحرز من كل عارض، وأن يصلي الرجل بغير حزام". ورواه أحمد (2/ 387، 458، 472)، والبيهقي (2/ 240) بنحوه. وقال المنذري في مختصر السنن (5/ 42): في رجل مجهول.

(4)

أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 9، حديث 3364، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 151

نطاقان

(1)

. وأطلق في "المبدع" و"التنقيح" و"المنتهى": أنه يكره لها شد وسطها.

(وتقدم: لا تضم) المرأة (ثيابها) حال قيامها، لأنه تبين به تقاطيع بدنها، فيشبه الحزام.

(ولا بأس بالاحتباء مع ستر العورة) لما تقدم

(2)

من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ على فرجهِ منه شيء".

(ويحرم) الاحتباء (مع عدمه) أي: عدم ستر العورة، لما فيه من كشف العورة بلا حاجة (وهو) أي: الاحتباء (أن يجلس ضاما ركبتيه إلى نحو) أي: جهة (صدره، ويدير ثوبه من وراء ظهره إلى أن يبلغ ركبتيه، ثم يشده، فيكون) المحتبي (كالمعتمد عليه، والمستند إليه) أي: الثوب الذي احتبى به.

(ويحرم، وهو) أي: الإسبال (كبيرة) للوعيد عليه الآتي بيانه في الخبر (إسبال شيء من ثيابه، ولو عمامة خيلاء) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاءَ لم ينظر اللهُ إليهِ" متفق عليه

(3)

. وحديث ابن مسعود: "من أسبَل إزارَهُ في صلاتهِ خيلاءَ، فليسَ من الله في حلٍّ، ولا حرام" رواه أبو داود

(4)

(في غير حرب) لما

(1)

انظر "صحيح البخاري" الجهاد، باب 123، حديث 2979، وفي المناقب، باب 45، حديث 3907، وفي الأطعمة، باب 8، حديث 5388.

(2)

(2/ 149)، تعليق 2.

(3)

البخاري في اللباس، باب 1، 5، حديث 5783، 5791، ومسلم في اللباس، حديث 2085، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

في الصلاة، باب 83، حديث 637. ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (5/ 483) حديث 9680، والطيالسي ص/ 47، حديث 351، والبزار في مسنده (5/ 269) حديث 1884، والطبراني في الكبير (10/ 284) حديث 10559، والبيهقي =

ص: 152

ووي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "حين رأى بعضَ أصحابه يمشي بين الصفيْنِ يختالُ في مشيَتِهِ قال: إنها لمشيةُ يبغضُها الله إلا في هذا الموطنِ"

(1)

وذلك لأن الخيلاء غير مذموم في الحرب.

(فإن أسبل ثوبه لحاجة، كستر ساق قبيح من غير خيلاء أبيح) قال أحمد في رواية حنبل: جر الإزار، وإسبال الرداء في الصلاة، إذا لم يرد الخيلاء، فلا بأس (ما لم يرد التدليس على النساء) فإنه من الغش، وفي الخبر:"من غشّنَا فليس منَّا"

(2)

.

(ومثله) أي: مثل التدليس بإسبال ثوبه لستر ساق قبيح، (قصيرة

(3)

اتخذت رجلين من خشب، فلم تعرف) ذكره في "الفروع" توجيهًا.

(ويكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه) نص عليه (وتحت كعبه بلا حاجة) وعنه: "ما تحتهما فهو في النار" للخبر

(4)

، فإن كان لحاجة كقبح ساقه، فلا.

= (2/ 242) عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 52) رقم 8399 ورمز لحسنه. ورواه الطيالسي - أيضًا - وعنه البيهقي موقوفًا.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 104) حديث 6508، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1437) رقم 3642. وقال: الهيثمي في "مجمع الزوائد"(6/ 109)، وفيه من لم أعرفه. وذكره - أيضًا - ابن هشام في "السيرة"(3/ 300)، والطبري في "التاريخ"(2/ 511)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (1/ 245).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 166) تعليق رقم 1.

(3)

في "ح" و"ذ": "كقصيرة".

(4)

أخرجه البخاري في اللباس، باب 4، حديث 5787، والنسائي في الزينة، باب 103، حديث 5345، 5346، وأحمد (2/ 410، 461، 498) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أبو داود في اللباس، باب 30 حديث 4093، وابن ماجه في اللباس، باب 7، حديث 3573، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 153

(ولا يكره ما بين ذلك) أي: بين نصف الساق وفوق الكعب.

(ويجوز للمرأة زيادة ذيلها على ذيله) أي: الرجل (إلى ذراع، ولو من نساء المدن) لحديث أم سلمة قالت: "يا رسول الله كيف تصنعُ النساءُ بذيولهنَّ؟ قال: يرخينَ شبرًا، قالت: إذن تنكشفُ أقدامُهنَّ، قال: فيرخينَه ذِراعًا لا يزدنَ عليْهِ" رواه أحمد، والنسائي، والترمذي

(1)

وحسنه.

والظاهر: أن المراد بذراع اليد، وهو شبران، لما في سنن ابن ماجه عن ابن عمر قال:"رخصَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأمهاتِ المؤمنين شبرًا، ثم استزدنه فزادَهُنَّ شبرًا"

(2)

.

(ويحسن) وقال في "الإنصاف"، عن جماعة من الأصحاب: يسن. وجزم به في "شرح المنتهى"(تطويل كم الرجل إلى رؤوس أصابعه، أو أكثر يسيرًا)، لحديث أسماء بنت يزيد قالت: "كانت يدُ كمِّ قميصِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى

(1)

أحمد (6/ 293، 296)، والنسائي في الزينة، باب 105، حديث 5351 - 5354، والترمذي في اللباس، باب 9، حديث 1731، وقال: حسن صحيح. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في اللباس، باب 40، حديث 4117، 4118، وابن ماجه في اللباس، باب 13، حديث 3580، والدارمي في الاستئذان، باب 16، حديث 2644.

(2)

"سنن ابن ماجه" اللباس، باب 13، حديث 3581. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في اللباس، باب 40، حديث 4119، وابن أبي شيبة (8/ 220)، وأحمد (2/ 18، 90)، وابن عدي (3/ 1058).

ورواه النسائي في الكبرى (5/ 493) حديث 9733، من حديث عمر رضي الله عنه. وقال المندري في مختصر سنن أبي داود (6/ 63): وفي إسناد الحديثين: زيد العمي وهو أبو الحواري زيد بن الحواري العمي البصري قاضي هراة، لا يحتج بحديثه.

ص: 154

الرسغِ" رواه أبو داود

(1)

.

وعن ابن عباس قال: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس قميصًا قصير اليدين، والطولِ" رواه ابن ماجه

(2)

.

(1)

في اللباس، باب 3، حديث 4027. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في اللباس، باب 28، حديث 1765، وفي الشمائل ص/ 31، حديث 56، والنسائي في الكبرى (5/ 481) حديث 9666، وإسحاق بن راهويه (5/ 163) حديث 2284، والطبراني في الكبير (14/ 163) حديث 416، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 86)، حديث 247، والبغوي (12/ 7، 8) حديث 7072، 7073.

وقال الترمذي: حسن غريب.

وقال العراقي في تخريج الإحياء (2/ 372): وفيه شهر بن حوشب مختلف فيه.

لكن له شاهد من حديث أنس رضي الله عنه رواه البزار "كشف الأستار"(3/ 362)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 84) حديث 246، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 154) حديث 6169، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 121) وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات.

قلنا: في سنده قتادة وهو مدلس، وقد عنعن.

(2)

في اللباس، باب 10، حديث 3577. ورواه - أيضًا - ابن سعد (1/ 459)، وعبد بن حميد (1/ 548) حديث 638، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 117) حديث 182، والطبراني في الكبير (11/ 88) حديث 11136، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 154) حديث 6170، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 153، 183) حديث 199، 888.

ورواه ابن الأعرابي (1/ 118، 119) حديث 184، 187، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 82) حديث 245، والحاكم (4/ 195)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 347)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 155) حديث 6171 - 6172، بلفظ: كان يلبس قميصًا فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه. وفي لفظ: وكان كمه مع الأصابع. وفي لفظ: وكان كمه بدو الأصابع. =

ص: 155

(وتوسيعه قصدًا) أي: باعتدال من غير إفراط، فلا تتأذى اليد بحر، ولا برد، ولا يمنعها خفة الحركة والبطش. قال ابن القيم

(1)

: وأما هذه الأكمام الواسعة الطوال، التي هي كالأخراج، وعمائم كالأبراج، فلم يلبسها صلى الله عليه وسلم هو، ولا أحد من أصحابه، وهي مخالفة لسنته، وفي جوازها نظر، فإنها من جنس الخيلاء.

(و) يحسن (قصر كم المرأة) قال ابن حمدان: دون رؤوس أصابعها (وتوسيعه من غير إفراط.

ويكره لبس ما يصف البشرة) أي: مع ستر العورة بما يكفي في الستر، لما تقدم أول الباب، ويأتي (للرجل والمرأة، ولو في بيتها) نص عليه (إن رآها غير زوج، أو سيد تحل له) قال في "المستوعب": يكره للرجل، والمرأة لبس الرقيق من الثياب، وهو ما يصف البشرة غير العورة، ولا يكره ذلك للمرأة إذا كان لا يراها إلا زوجها، ومالكها. وصحح معناه في "الرعاية". وظاهر ما قدمه في "شرح المنتهى": يكره مطلقا.

(ولا يجزئ) ما يصف البشرة (كفنًا لميت) لأنه غير ساتر (ويأتي) في الجنائز.

(ويكره للنساء لبس ما يصف اللين، والخشونة، والحجم) لما روي عن أسامة بن زيد قال: "كساني الرسولُ صلى الله عليه وسلم قبطيةً كثيفةً، كانتْ مما أهدَى له دحيةُ الكَلبيُّ، فكسوتُها امرأتي فقال صلى الله عليه وسلم: ما لكَ لا تَلبَسُ القبطِيّة؟ قلت:

= وفي إسناد الجميع: مسلم بن كيسان الملائي، وهو ضعيف.

وصحح إسناده الحاكم. وتعقبه الذهبي بقوله: مسلم تالف. وضعفه العراقي في تخريج الإحياء (2/ 372)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 230): هذا إسناد فيه مسلم بن كيسان الكوفي وهو ضعيف.

(1)

زاد المعاد (1/ 140).

ص: 156

يا رسول الله كسوتُها امرأتي، فقال: مرها فلتجْعَل تحتَها غلالةً، فإني أخافُ أن تصفَ حجمَ عظامِهَا" رواه أحمد

(1)

.

(ويحرم عليهن لبس العصائب الكبار التي يتشبهن بلبسها بالرجال) لحديث أبي هريرة قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "صنفانِ من أهلِ النارِ، لم أرهُما بعدُ: نِساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مائلاتٌ مميلاتٌ، على رؤوسهن

(2)

أمثالُ أسنمةِ البختِ المائلةِ لا يريْنَ الجنةَ، ولا يجدنْ ريحَهَا، ورجالٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربونَ بها الناسَ" رواه مسلم

(3)

.

(ويكره للرجل الزيق العريض دون المرأة) فلا يكره لها ذلك.

والزيق لبنة الجيب

(4)

.

(1)

المسند (5/ 205). وأخرجه - أيضًا - بن سعد (4/ 64 - 65)، والبزار في مسنده (7/ 30) حديث 2579، والطبراني في "الكبير"(1/ 160) حديث 376، والبيهقي (2/ 234)، والضياء في المختارة (4/ 149 - 151)، حديث 1366 - 1368. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 137) وقال: رواه أحمد، والطبراني، وفيه عبد الله محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

وله شاهد من حديث دحية رضي الله عنه، رواه أبو داود في اللباس، باب 39، حديث 4116، والطبراني في الكبير (4/ 225) حديث 4199، والحاكم (4/ 187)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1013) حديث 2577، والبيهقي (2/ 234)، وابن عساكر (17/ 204 - 205) من طريق خالد بن يزيد بن معاوية، عن دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: فيه انقطاع. وسبب الانقطاع: أن خالد بن يزيد لم يدرك دحية.

(2)

في صحيح مسلم: "رؤوسهن كأسنمة البخت".

(3)

في اللباس، حديث 2128 (125)، وفي الجنة، حديث 2128 (52).

(4)

قال في القاموس ص/ 1152: "زيق القميص، بالكسر: ما أحاط بالعنق منه".

ص: 157

(و) يكره للرجل (لبس زي الأعاجم، كعمامة صماء، ونعل صرارة للزينة) للنهي عن التشبه بالأعاجم.

و (لا) يكره لبس نعل صرارة (للوضوء) قال أحمد: لا بأس أن يلبس للوضوء (ونحوه) كالغسل.

(ويكره لبس ما فيه شهرة) أي: ما يشتهر به عند الناس، ويشار إليه بالأصابع، لئلا يكون ذلك سببًا إلى حملهم على غيبته، فيشاركهم في إثم الغيبة (ويدخل فيه) أي: في ثوب الشهرة (خلاف) زيه (المعتاد، كمن لبس ثوبًا مقلوبًا، أو محولًا، كجبة، أو قباء) محول (كما يفعله بعض أهل الجفاء، والسخافة).

وعن أبي هريرة مرفوعًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم "نهى عن الشهرتَينِ، فقيل: يا رسول اللهِ، وما الشهرتانِ؟ قال: رقةُ الثيابِ، وغلظُها، ولينُها، وخشونَتُها، وطولُها، وقصرُها، ولكن سدادًا بين ذلك واقتصادًا"

(1)

.

وعن ابن عمر

(2)

مرفوعًا: "من لبسَ ثوبَ شهرةٍ ألبسهُ اللهُ ثوبَ مذلةٍ يوم

(1)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 169)، حديث 6231، وفي مسنده أبو نعيم، قال البيهقي: لا نعرفه.

قلنا: وقد أفاد الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الضعيفة (5/ 349) رقم 2326، أنه عمر بن الصبح بن عمران التميمي العدوي. . . وهو هالك أورده الذهبي في الضعفاء [228]، وقال: كذاب، اعترف بالوضع. اهـ.

وذكر السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير (6/ 317 مع الفيض) ورمز لضعفه.

وله شاهد رواه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 169) حديث 6229، وفي سننه (3/ 273) عن كنانة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشهرتين: أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر إليه فيها، أو الدنية أو الرثة التي ينظر إليه فيها. وقال: هذا مرسل.

(2)

في "ح": "وعن ابن عباس".

ص: 158

القيامةِ" حديث حسن رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه

(1)

.

وكان الحسن

(2)

يقول: "إن قومًا جعلوا خشوعهم في لباسهم، وشهروا أنفسهم بلباس الصوف، حتى إن أحدهم بما يلبس من الصوف، أعظم كبرًا من صاحب المطرف بمطرفه".

وقال ابن رشد المالكي

(3)

: كان العلم في صدور الرجال، فانتقل إلى جلود الضأن.

قلت: والآن إلى جلود السمور

(4)

.

(ويكره) لبس (خلاف زي) أهل (بلده، و) لبس (مزرٍ به) لأنه من الشهرة (فإن قصد به الارتفاع، وإظهار التواضع حرم، لأنه رياء)"ومن راءَى راءَى اللهُ به، ومن سمّع سمّع اللهُ به"

(5)

.

(1)

أحمد (2/ 92، 139)، وأبو داود في اللباس، باب 5، حديث 4029، وابن ماجه في اللباس، باب 24، حديث 3606، 3607. ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (5/ 460) حديث 9560، وأبو يعلى (10/ 62) حديث 5698، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 823) حديث 2234، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 168) حديث 6228، والبغوي (12/ 46) حديث 3116.

وحسنه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 297) رقم 1039، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 43)، والسيوطي في الجامع الصغير (6/ 218 مع الفيض).

ورواه أبو داود - أيضًا - عن ابن عمر رضي الله عنهما، موقوفًا. وقال أبو حاتم (العلل لابنه) (1/ 490 - 491): هذا الحديث موقوف أصح.

(2)

الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 169).

(3)

المقدمات الممهدات (1/ 49 - 50).

(4)

السمور (كتنّور): دابة يتخذ من جلدها فراء مثمنة. القاموس المحيط ص/ 525.

(5)

أخرجه البخاري في الرقاق، باب 36، حديث 6499، ومسلم في الزهد، حديث 2987، عن جندب رضي الله عنه. =

ص: 159

(وكره) الإمام (أحمد الكلة)

(1)

بالكسر (وهي قبة) أي: ستر رقيق يخاط شبه البيت، قاله في الحاشية (لها بكر، تُجرّ بها، وقال: هي من الرياء، لا ترد حرًا، ولا بردًا) ويشبهها البشخانة، والناموسية، إلا أن تكون من حرير، أو منسوج بذهب، أو فضة، فتحرم.

(ويسن غسل بدنه، وثوبه من عرق، ووسخ، ويكره ترك الوسخ فيهما) لخبر: "أما كان يجدُ هذَا ما يغسلُ به ثوبَه"

(2)

وخبر: "إن الله نظيفٌ يحبُّ النظافة"

(3)

.

= وأخرجه مسلم في الزهد، حديث 2986، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وأخرجه الترمذي في الزهد، باب 48، حديث 2381، وأحمد (3/ 40)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(1)

في "ذ": "الكلتة".

(2)

رواه أبو داود في اللباس، باب 17، حديث 4062، وأحمد (3/ 357)، وأبو يعلى (4/ 23) حديث 2026، وابن حبان "الإحسان"(12/ 294 حديث 5483، والحاكم (4/ 185 - 186)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 78). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(3)

رواه أبو يعلى (2/ 121) حديث 790، وابن حبان في المجروحين (1/ 279)، وابن عدي (3/ 878)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 223 - 224). وفي سنده خالد بن إلياس القرشي. قال فيه ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. . .، وقال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح. ثم ذكر كلام النقاد في خالد. وقال الحافظ في المطالب العالية (3/ 5) رقم 2225: فيه خالد ضعيف. ورواه الترمذي في الأدب، باب 41، رقم 2799، والبزار في مسنده (3/ 320) رقم 1114، وأبو يعلى (2/ 122 - 123) رقم 791، عن سعيد بن المسيب من قوله. وفي سنده - أيضًا - خالد بن إلياس.

ص: 160

(و) يكره (الإسراف في المباح)

وحرمه الشيخ تقي الدين

(1)

، لعموم {وَلَا تُسْرِفُوا}

(2)

.

(1)

انظر مجموع الفتاوى (3/ 17).

(2)

سورة الأعراف، الآية 31.

ص: 161

فصل

(ويحرم على ذكر وأنثى، لبس ما فيه صورة حيوان) لحديث أبي طلحة قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تدخلُ الملائكةُ بيتًا فيه صورةٌ، أو كلبٌ" متفق عليه

(1)

.

(وتعليقه) أي: ما فيه صورة (وستر الجدر به) لما تقدم.

(وتصويره كبيرة) للوعيد عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أصحابَ هذه الصورِ يعذبونَ يومَ القيامةِ، ويقال لهم: أحيُوا ما خلقتُم"

(2)

.

(حتى في ستر، وسقف، وحائط، وسرير، ونحوها) لعموم ما سبق (لا افتراشه وجعله) أي: المصور (مخدا) فيجوز (بلا كراهة) قال في الفروع: لأنه صلى الله عليه وسلم "اتكأ على مخدةٍ فيها صورة" رواه أحمد

(3)

، وهو في "الصحيحين"

(4)

(1)

البخاري في بدء الخلق، باب 7، 17، حديث 3225، 3226، 3322، وفي المغازي، باب 12، حديث 4002، وفي اللباس، باب 88، 92، حديث 5949، 5958، ومسلم في اللباس، حديث 2106.

(2)

رواه البخاري في التوحيد، باب 56، حديث 5758، عن ابن عمر رضي الله عنهما. ورواه مسلم في اللباس والزينة، حديث 2108 بنحوه.

ورواه البخاري في البيوع، باب 40، حديث 2105، وفي النكاح، باب 77، حديث 5181، وفي اللباس، باب 95، حديث 5961، في التوحيد، باب 56، حديث 7557، ومسلم في اللباس، حديث 107 (96)، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

المسند (6/ 247)، ولفظه:"فقطعته مرفقتين، فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة" من حديث عائشة رضي الله عنها.

(4)

انظر صحيح البخاري، المظالم، باب 32، حديث 2479، واللباس، باب 91، حديث 5954، وصحيح مسلم، اللباس، حديث 2107 عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 162

بدون هذه الزيادة.

(وتكره الصلاة على ما فيه صورة، ولو على ما يداس، والسجود عليها) أي: الصورة (أشد كراهة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلُ الملائكةُ بيتًا فيه صورةٌ. . ."

(1)

ويأتي ما فيه في صفة الصلاة.

(ولا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب، ولا صورة) للخبر السابق. قال في "المبدع": والمراد به: كلب منهي عن اقتنائه، وفي "الآداب"

(2)

: هل يحمل على كل صورة، أم صورة منهي عنها؟ اهـ.

قلت: الأظهر الثاني.

(ولا) تدخل بيتًا فيه (جرس) لحديث: "لا تدخلُ الملائكة بيتًا فيه جرس" رواه أبو داود

(3)

.

(ولا جنب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلُ الملائكةُ بيتًا فيه صورةٌ، ولا كلبٌ، ولا جنبٌ"

(4)

إسناده حسن. قاله في "المبدع"(إلا أن يتوضأ) لما تقدم أنه رخص

(1)

تقدم تخريجه (2/ 162) تعليق رقم 1.

(2)

الآداب الشرعية (3/ 157).

(3)

في الخاتم، باب 6، حديث 4231، عن عائشة رضي الله عنها. ورواه - أيضًا - أحمد (6/ 242)، وفي سنده بنانة مولاة عبد الرحمن بن حيان الأنصاري، قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 109) رقم 2364: وبنانة هذه لا يعرف أحد من هي، ولا روى عنها إلا ابن جريج. وقال النووي في المجموع (4/ 306): رواه أبو داود بإسناد جيد. ورمز له السيوطي بالصحة في الجامع الصغير (6/ 392).

وله شاهد من حديث أم سلمة رواه النسائي في الزينة، باب 54، حديث 5237، وفي سنده سليمان بن بابيه قال عنه الحافظ في التقريب (405): مقبول.

(4)

أخرجه أبو داود في الطهارة، باب 91، حديث 227، وفي اللباس، باب 48، حديث 4152، والنسائي في الطهارة، باب 168، حديث 261، وفي الصيد، باب 11، حديث 4292، وأحمد (1/ 80، 83، 85، 139)، والدارمي في =

ص: 163

له أن ينام إذا توضأ، وحمله بعضهم، على الجنب من حرام، وبعضهم على من يتركه عادة وتهاونًا.

(ولا تصحب) الملائكة (رفقة فيها جرس) أو كلب، لخبر أبي هريرة مرفوعًا:"لا تصحبُ الملائكة رفقةً فيها كلبٌ، أو جرسٌ" رواه مسلم

(1)

.

قال في الآداب

(2)

: ولو اجتمع في الطريق اتفاقًا بمن معه كلب، أو جرس، ولم يقصد رفقته، فهل يكون سببًا لعدم صحبة الملائكة، أم لا؟ أم إن أمكنه الانفراد فلم يفعل، كان سببًا، وإلا فلا؟ يتوجه احتمالات.

(وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى الحياة معه، كالرأس، أو لم يكن لها رأس، فلا بأس به) أي: فلا كراهة في المنصوص.

(ولا) بأس (بلعب الصغيرة بلعب غير مصورة)

أو مقطوع رأسها، أو مصورة بلا رأس (ولا) بأس بـ (شرائها نصًا) للتمرين (ويأتي في الحجر) مع زيادة على هذا.

(وتباح صورة غير حيوان، كشجر، وكل ما لا روح فيه، ويكره) جعل صورة (الصليب في الثوب، ونحوه) كالطاقية، والدراهم، والدنانير،

= الاستئذان، باب 34، حديث 2666، والبزار في مسنده (3/ 98 - 100) حديث 879، 880، 883، وأبو يعلى (1/ 444) حديث 592، ابن الأعرابي في معجمه (2/ 676) حديث 1353، 1354، وابن حبان "الإحسان"(4/ 5) حديث 1205، والحاكم (1/ 171) وصححه، ووافقه الذهبي.

قلنا: مدار الحديث على عبد الله بن نجي الحضرمي، وفيه كلام. انظر التهذيب (6/ 55) وأبوه نجي لم يرو عنه غير ابنه عبد الله، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد. ووثقه العجلي، وقال الذهبي: لا يدرى من هو؟ انظر التهذيب (10/ 422 - 423)، وميزان الاعتدال (4/ 248).

(1)

في اللباس، حديث 2113.

(2)

(3/ 157).

ص: 164

والخواتيم، وغيرها، لقول عائشة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم "كان لا يترك في بيتِه شيئًا فيهِ تصليبٌ إلا قَضَبَه" رواه أبو داود

(1)

. قال في "الإنصاف": ويحتمل تحريمه، وهو ظاهر نقل صالح

(2)

.

قلت: وهو الصواب.

(ويحرم على رجل، ولو كافرًا) لما تقدم أنه مخاطب بفروع الشريعة (و) على (خنثى، لبس ثياب حرير) لحديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسُوا الحريرَ، فإنه من لبِسَهُ في الدنيا لم يلبسْهُ في الآخرةِ" متفق عليه

(3)

.

(ولو) كان الحرير (بطانة) لعموم الخبر (و) لو (تكة سراويل، وشرابة) نص عليه.

قال في "الفروع": (والمراد شرابة مفردة، كشرابة البريد، لا تبعًا، فإنها كزر) فتباح، وما روي "أن عمر بعث بما أعطاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلي أخٍ له مشركٍ" متفق عليه

(4)

، ليس فيه أنه أذن له في لبسها، وقد بعث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى عمرَ، وعلي، وأسامة، رضي الله عنهم

(5)

ولم يلزم منه إباحة لبسه.

(ويحرم افتراشه) أي: الحرير لما روى حذيفة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "نهَى أن

(1)

في اللباس، باب 47، حديث 4151. وأخرجه - أيضًا - بنحوه للبخاري في اللباس، باب 90، حديث 5952.

(2)

مسائل صالح (1/ 252) برقم 191.

(3)

البخاري في اللباس، باب 25، حديث 5828 - 5830، 5834، 5835، ومسلم في اللباس، حديث 2069 (11)، واللفظ لمسلم.

(4)

البخاري في الجمعة، باب 7، حديث 886، وفي الهبة، باب 27، 29، حديث 2612، 2619، وفي الأدب، باب 9، حديث 5981. ومسلم في اللباس، حديث 2068 (6).

(5)

انظر "صحيح مسلم" اللباس، حديث 2068 (7).

ص: 165

يُلبَسَ الحريرُ، والديباجُ، وأن يجلَسَ علَيْه" رواه البخاري

(1)

.

(و) يحرم (استناده) أي: الرجل، والخنثى (إليه، واتكاؤه عليه، وتوسده، وتعليقه، وستر الجدر به) فيحرم استعماله على الرجال بكل حال، على ظاهر كلامه في "المستوعب"، وأبي المعالي في "شرح الهداية" وغيرهم، قال ابن عبد القوي: ويدخل في ذلك شرابة الدواة، وسلك المسبحة، كما يفعله جهلة المتعبدة اهـ. واختار الآمدي إباحة يسير الحرير مفردًا.

(غير الكعبة) المشرفة، فلا يحرم سترها بالحرير (وكلام أبي المعالي يدل على أنه محل وفاق) وتبعه في "المبدع".

(إلا من ضرورة) فلا يحرم معها لبس ما كله حرير، ولا افتراشه، ونحوه.

(وكذا ما غالبه حرير ظهورًا) فيحرم استعماله، كما تقدم، كالخالص؛ لأن الأكثر ملحق بالكل في أكثر الأحكام.

و (لا) يحرم ما كان من حرير وغيره (إذا استويا ظهورًا ووزنًا، أو كان الحرير أكثر وزنًا، والظهور لغيره) وكذا إذا استويا ظهورًا؛ لأن الحرير ليس بأغلب، وإذا انتفى دليل الحرمة، بقي أصل الإباحة.

(ولا يحرم خز وهو ما سدي بإبريسم) وهو الحرير (وألحم بوبر، أو صوف، ونحوه) كقطن، وكتان، لقول ابن عباس:"إنما نهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الثوبِ المصمَتِ من الحريرِ، أما السداء، والعلم، فلا نرى به بأسًا" رواه أحمد، وأبو داود

(2)

بإسناد حسن.

(1)

البخاري في اللباس، باب 27، حديث 5837 ولفظه: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه.

(2)

"مسند أحمد"(1/ 218، 313، 321)، وأبو داود في اللباس، باب 12، حديث 4055. ورواه - أيضًا - الطحاوي (4/ 255)، والطبراني في الكبير (11/ 434) حديث 11232، والحاكم (4/ 192)، والبيهقي (2/ 424، 3/ 270)، وفي =

ص: 166

قال في "الاختيارات"

(1)

: المنصوص عن أحمد، وقدماء الأصحاب: إباحة الخز، دون الملحم وغيره. ويلبس الخز، ولا يلبس الملحم ولا الديباج اهـ. والملحم ما سدي بغير الحرير وألحم به.

(وما عمل من سقط حرير، ومُشاقته، وما يلقيه الصانع من فيه من تقطيع الطاقات إذا دق وغزل ونسج، فكحرير خالص، وإن سمي الآن خزًا) فيحرم على الرجال والخناثي، لأنه حرير، وظاهر كلامهم: يحرم الحرير ولو كان مبتذلًا، بحيث يكون القطن والكتان أغلى قيمة منه للنص.

(ويحرم على ذكر وخنثى بلا حاجة ليس منسوج بذهب، أو فضة، أو مُموّه بأحدهما) لما فيه من الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين، وكالآنية.

(فإن استحال) أي: تغير (لونه، ولم يحصل منه شيء) بعرضه على النار (أبيح) لبسه، لزوال علة التحريم من السرف والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء (وإلا) أي: وإن لم يستحل لونه، أو استحال لكن يحصل منه شيء بعرضه على النار (فلا) يباح، لبقاء علة التحريم.

(ويباح لبس الحرير لحكة، ولو لم يؤثر لبسه في زوالها) لما في الصحيحين عن أنس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "رخص لعبدِ الرحمن بنِ عوفٍ، والزبيرِ في قميصِ الحريرِ في سفرٍ من حكةٍ كانتْ بهما"

(2)

وما ثبت في حق صحابي

= شعب الإيمان (5/ 138) حديث 6101، وفي الآداب حديث (715). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصححه الحافظ في الفتح (10/ 294).

(1)

ص/ 115.

(2)

صحيح البخاري في الجهاد، باب 91، حديث 2919، وفي اللباس، باب 29، حديث 5839، ومسلم في اللباس، حديث 2076.

ص: 167

ثبت في حق غيره، ما لم يقم دليل على اختصاصه به. والحكة قال في "المبدع": بكسر الحاء: الجرب.

(و) يباح لبس الحرير (لقمل) لما روى أنس "أن عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ والزبيرَ شكيَا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم القملَ فرخصَ لهما في قميص الحرير، فرأيتُهُ عليهِما في غزاةٍ" رواه البخاري

(1)

. وظاهره: ولو لم يؤثر لبسه في زواله.

(و) يباح لبس الحرير لـ (ــمرض) ينفع فيه لبس الحرير، على ظاهر كلامه في "المبدع"، قياسًا على الحكة، والقمل.

(و) يباح لبس الحرير (في حرب مباح، إذا تراءَى الجمعان إلى انقضاء القتال، ولو) كان لبسه (لغير حاجة) لأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء، وذلك غير مذموم في الحرب.

(و) يباح لبس الحرير (لحاجةٍ، كبطانة بيضة) أي: خوذة (ودرع، ونحوه) كجوشن. قال ابن تميم: من احتاج إلى لبس الحرير لحر، أو برد، أو تحصن من عدو، ونحوه، أبيح. وقال بعض أصحابنا: يجوز مثل ذلك من الذهب، كدرع مموه به لا يستغنى عن لبسه، وهو محتاج إليه.

(و‌

‌يحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل)

من اللباس من حرير، أو منسوج بذهب، أو فضة، أو مموه بأحدهما، لقوله صلى الله عليه وسلم "وحرِّم على ذكورِها"

(2)

.

(1)

في الجهاد، باب 91، حديث 2920. ورواه - أيضًا - مسلم في اللباس حديث 2076 (26).

(2)

روي من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: رواه الترمذي في اللباس، باب 1، حديث 1720، والنسائي في الزينة، باب 40، 76، حديث 5163، 5280. وابن وهب في جامعه (2/ 703) حديث 607، والطيالسي ص/ 69، حديث 506، وابن أبي شيبة (8/ 158، 194)، وأحمد (4/ 394، 407)، وعبد بن حميد (1/ 483) حديث 545، والبزار في مسنده (8/ 80) حديث 3078، والطحاوي (4/ 250)، وفي شرح مشكل الآثار (12/ 310، 311) حديث =

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 4823، 4824، وابن المقرئ في معجمه ص/ 412، حديث 1361، والبيهقي (2/ 425، 3/ 275) كلهم من طرق عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى رضي الله عنه.

ورواه أحمد (4/ 392، 393)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 174، عن سعيد بن أبي هند، عن رجل، عن أبي موسى.

ورجح هذا الوجه الدارقطني في علله (7/ 242) فقال: وهو أشبه بالصواب، لأن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى رضي الله عنه شيئًا.

وقال ابن حبان "الإحسان"(12/ 250): خبر سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى في هذا الباب معلول، لا يصح.

وقال الحافظ في الفتح (10/ 296): وأعله ابن حبان وغيره بالانقطاع، وأن رواية سعيد بن أبي هند لم تسمع من أبي موسى.

ومع هذا قال الترمذي: حسن صحيح.

وروي من حديث علي رضي الله عنه. رواه أبو داود في اللباس، باب 14، حديث 4057، والنسائي في الزينة، باب 40، حديث 5159 - 5162، وابن أبي شيبة (8/ 163)، وأحمد (1/ 96)، وعبد بن حميد (1/ 130) حديث 80، والبزار في مسنده (3/ 102) حديث 886، وأبو يعلى (1/ 235، 273) حديث 272، 325، والطحاوي (4/ 250) وفي شرح مشكل الآثار (12/ 304، 306) حديث 4815 - 4817، وابن حبان "الإحسان"(12/ 249) حديث 5434، والبيهقي (2/ 425).

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (4/ 184): وقال علي بن المديني في هذا الحديث: حديث حسن، ورجاله معروفون.

وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 179) بقوله: هكذا قال، وأبو أفلح مجهول، وعبد الله بن زرير مجهول الحال.

وليس الأمر كما قال ابن القطان، فأبو أفلح الهمداني روى عنه جمع، ووثقه العجلي كما في التهذيب (12/ 13)، وقال الذهبي في الكاشف (2/ 408): صدوق.

وعبد الله بن زرير ثقة، وثقه العجلي وابن سعد، وقال الحافظ في التقريب: ثقة، رمي بالتشيع. انظر التهذيب (5/ 216 - 217).

ص: 169

وعن جابر قال: "كنا ننزعُه عن الغلمَانِ، ونتركُه على الجوَارِي" رواه أبو داود

(1)

.

وشقق عمر، وابن مسعود، وحذيفة، "قُمُص الحرير على الصبيان" رواه الخلال

(2)

.

ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام، كتمكينهم من شرب الخمر، وكونهم محلا للزينة مع تحريم الاستمتاع بهم، أبلغ في التحريم.

(وصلاته) أي: الصبي (فيه) أي: في المحرم عليه لبسه (كصلاته) أي: الرجل، فلا تصح.

قلت: قد تقدم أن محل بطلان صلاة الرجل فيه، إذا كان عالمًا، ذاكرًا على المذهب، وعلى هذا فينبغي هنا الصحة، لأن النهي عائد على إلباسه، وتمكينه، وهو خارج عن الصلاة وشروطها

(3)

.

(1)

في اللباس، باب 14، حديث 4059.

(2)

أمر عمر رضي الله عنه. رواه ابن سعد (3/ 130)، وابن أبي شيبة (8/ 162)، والطحاوي (4/ 248)، وذكره في المطالب العالية (3/ 130) وعزاه إلى مسدد، وأحمد بن منيع.

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه. رواه عبد الرزاق (11/ 70) رقم 19937، وابن أبي شيبة (8/ 161)، والطبراني في الكبير (9/ 172) رقم 8786، 8787، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 135) رقم 6091، وذكره في المطالب العالية (3/ 18) وعزاه إلى مسدد.

وأثر حذيفة رضي الله عنه. رواه ابن أبي شيبة (8/ 161 - 162).

(3)

والجواب بالفرق بين الحالين، وهو أن فعل المكلف في الحالة المذكورة، غير مؤاخذ به أحد؛ فلذلك اغتفر صحة الصلاة، بخلاف مسألة الصبي، فإن الفعل الواقع فيها معصية مؤاخذ بها، وإن تعلقت بغير المصلي، فكأنه لشؤم أثر المعصية حكم ببطلان الصلاة، هذا ما ظهر، فليحرر. قاله شيخ شيخنا عثمان النجدي رحمه الله. "ش".

ص: 170

(وما حرم استعماله من حرير) كله أو غالبه (ومذهب) ومفضض، منسوج، أو مموه (ومصور، ونحوها) كالذي يتخذ لتشبه النساء بالرجال، وعكسه (حرم بيعه) لذلك (و) حرم (نسجه) لذلك (وخياطته) لذلك (وتمليكه) لذلك (وتملكه) لذلك (وأجرته لذلك) أي: للاستعمال (والأمر به) لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

(1)

ولأن الرسائل لها حكم المقاصد، فإن باعه، أو نسجه، أو خاطه، أو ملكه، أو تملكه لغير ذلك، كتجارة، وكراء، لمن يباح له، فلا.

(و‌

‌يحرم يسير ذهب تبعًا،

غير فص خاتم كالمفرد) وفي الآنية في "المبدع" وغيره: يحرم فص خاتم من ذهب، ويأتي ما فيه في زكاة الأثمان.

(ويحرم تشبه رجل بامرأة، وعكسه) أي: تشبه المرأة بالرجل (في لباس وغيره) ككلام، ومشي، وغيرهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "لعنَ المتشبهِينَ من الرجالِ بالنساءِ، والمتشبهاتِ من النساءِ بالرجالِ" رواه البخاري

(2)

.

ولعن أيضًا: "الرجل يلبسُ لبسَ

(3)

المرأةِ، والمرأة تلبسُ لبسَ

(3)

الرجلِ" قال في "الآداب الكبرى"

(4)

: إسناده صحيح، رواه أحمد، وأبو داود

(5)

.

(1)

سورة المائدة، الآية 2.

(2)

في اللباس، باب 61، حديث 5885، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

في "مسند أحمد" و"سنن أبي داود" لبسة.

(4)

(3/ 549).

(5)

أحمد (2/ 325)، وأبو داود في اللباس، باب 31، حديث 4098، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (5/ 397) حديث 9253، وابن حبان "الإحسان"(13/ 62 - 63) حديث 5751، 5752، والحاكم (4/ 194) وقال: صحيح على شرط مسلم. وسكت عنه الذهبي في مختصره، وقال في الكبائر ص/ 109: إسناده صحيح. وقال النووي في رياض الصالحين (461): رواه أبو داود بإسناد صحيح.

ص: 171

(ويباح علم حرير، وهو طراز الثوب) لما تقدم من قول ابن عباس: "إنما نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الثوبِ المصمَتِ، أما العلم وسدَى الثوبِ فليسَ به بأسٌ" رواه أبو داود

(1)

.

(و) يباح (رقاع منه) أي: من الحرير (وسجف الفراء) ونحوها، قاله في "الآداب"

(2)

، لقول عمر:"نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الحريرِ، إلا موضع إصبعينِ، أو ثلاث أو أربع" رواه مسلم

(3)

.

(و) يباح من الحرير (لبنة الجيب، وهي الزيق) المحيط بالعنق (والجيب: هو الطوق الذي يخرج منه الرأس) قال في "القاموس"

(4)

: وجيب القميص، ونحوه، بالفتح: طوقه. وقال في "المنتهى": الجيب ما يفتح على نحر، أو طوق (إذا كان) ما ذكر من العلم، والرقاع، والسجف، ولبنة الجيب (أربع أصابع) معتدلة على ما يأتي في مسافة القصر (مضمومة فما دون) بالبناء على الضم، لحذف المضاف إليه، ونية معناه، أي: فما دونها، لما تقدم من حديث عمر.

(و) يباح (خياطة بهِ) أي: بالحرير (و) يباح (أزرار) جمع زر: من الحرير، لأن ذلك يسير، وكيس المصحف، وتقدم.

(و‌

‌يباح الحرير للأنثى)

لما روى الترمذي، عن أبي موسى، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

تقدم تخريجه (2/ 166) تعليق رقم 2.

(2)

(3/ 508).

(3)

في اللباس، حديث 2069 (15). ورواه البخاري في اللباس، باب 25، حديث 5828، 5829 بلفظ: نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام.

(4)

ص/ 90.

ص: 172

قال: "أحلَّ الحريرُ والذهبُ للإناثِ من أمتِي، وحرِّم على ذكورِها"

(1)

.

(ويحرم كتابة مهرها فيه) أي: في الحرير في الأقيس، قاله في "الرعاية الكبرى" واختاره ابن عقيل، والشيخ تقي الدين

(2)

(وقيل: يكره) قال في "التنقيح": وعليه العمل. قال في "تصحيح الفروع": لو قيل بالإباحة لكان له وجه.

(ويباح حشو الجباب، و) حشو (الفرش به) أي: بالحرير، لأن ذلك ليس بلبس له. ولا افتراش، وليس فيه فخر، ولا عجب، ولا خيلاء.

(ولو لبس ثيابًا في كل ثوب) من الحرير (قدر يعفى عنه) من سجف، أو رقاع ونحوها (ولو جمع) ما فيها من الحرير (صار ثوبًا، لم يكره) ذلك، لأن كل ثوب يعتبر بنفسه غير تابع لغيره.

(ويكره للرجل) دون المرأة (لبس مزعفر) لقول أنس: "إن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يتَزَعفَر الرجلُ" متفق عليه

(3)

.

(و) يكره للرجل لبس (أحمر مُصْمت) لما ورد عن عبد الله بن عمر

(4)

قال: "مر على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ عليه ثوبانِ أحمرانِ، فسلمَ فلم يرد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه" رواه أبو داود

(5)

قال أحمد: يقال: أول من لبسه آل قارون، أو آل فرعون.

(1)

انظر تخريجه (1/ 168) تعليق رقم 2.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 327.

(3)

البخاري في اللباس، باب 33، حديث 5846، ومسلم في اللباس، حديث 2101.

(4)

في "سنن أبي داود" عبد الله بن عمرو، وكذلك في "سنن الترمذي".

(5)

في اللباس، باب 20، حديث 4069. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الأدب، باب 45، حديث 2807، والبزار في مسنده (6/ 366) حديث 2381، والحاكم (4/ 190) كلهم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. =

ص: 173

(ولو) كان الأحمر المصمت (بطانة) وخرج بالمصمت ما فيه حمرة وغيرها، فلا يكره، ولو غلب الأحمر، وعليه يحمل لبسه الحلة الحمراء، أو البرد الأحمر.

(و) يكره للرجل أيضًا لبس (طيلسان، وهو المقور) على شكل الطرحة، يرسل من فوق الرأس؛ لأنه يشبه لبس رهبان الملكيين من النصارى، وأما المدور فهو غير مكروه، بل ذكر استحبابه. وقد ذكرت كلام السيوطي فيه في "حاشية المنتهى"

(1)

.

(وكذا معصفر) فيكره للرجل، لما روى علي قال:"نهاني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن التختمِ بالذهبِ، وعن لباسِ القَسِّي، وعن القراءةِ في الركوعِ والسجودِ، وعن لباسِ المعصفَرِ" رواه مسلم

(2)

(إلا في إحرام، فلا يكره) للرجل لبس المعصفر، نص عليه، ويباح للنساء، لتخصيص الرجل بالنهي.

(و‌

‌يكره المشي في نعل واحدة)

بلا حاجة، (ولو يسيرًا سواء كان في

= وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 41): وفي إسناده أبو يحيى القتات

وهو كوفي، ولا يحتج بحديثه. وقال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو، ولا نعلم له طريقًا إلا هذا الطريق. وقال الحافظ في الفتح (10/ 306): وفيه أبو يحيى القتات، مختلف فيه.

(1)

ونصه: "قال الجلال السيوطي الشافعي - بعد ذكر النقول فيه -: فقد تبين بهذا القول أن كل من وقع في كلامه من العلماء كراهة الطيلسان، وكونه شعار اليهود؛ إنما أراد المقور الذي على شكل الطرحة، يرسل من وراء الظهر والجانبين من غير إدارة تحت الحنك، ولا إلقاء طرفيه على الكتفين، وأما المدور الذي يدار تحت الحنك، ويغطي الرأس، وأكثر الوجه، ويجعل طرفيه على الكتفين، فهذا لا خلاف أنه سنة"(حاشية المنتهى .. الجزء المحقق من قبل الشيخ عبد الباري الثبيتي ص/ 75).

(2)

في اللباس، حديث 2078 (31).

ص: 174

إصلاح الأخرى، أو لا) لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يمشي أحدكُم في نعلٍ واحدةٍ" متفق عليه

(1)

من حديث أبي هريرة. ولمسلم: "إذا انقطعَ شِسْعُ نعلِ أحدِكم، فلا يمشي في الأخرَى حتّى يصلِحَها"

(2)

. ورواه أيضًا من حديث جابر

(3)

، وفيه:"ولا خف واحد". ومشى علي في نعل واحدة، وعائشة في خف واحد، رواه سعيد

(4)

.

(و‌

‌يكره) المشي (في نعلين مختلفين)

كأن يكون أحدهما أصفر، والآخر أحمر (بلا حاجة) لأنه من الشهرة.

(ويسن استكثار النعال) لحديث مسلم عن جابر مرفوعًا: "استكثِرُوا من النعالِ، فإن أحدكم لا يزالُ راكبًا ما انتَعَلَ"

(5)

. قال القاضي: يدل على ترغيب اللبس للنعال، ولأنها قد تقيه الحر والبرد والنجاسة.

(و) يسن (تعاهدها عند أبواب المساجد) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: "فإذا جاء أحدُكم المسجدِ فليلقبْ نعليْه، ولينظرْ فيهما، فإن رأى

(1)

البخاري في اللباس، باب 40، حديث 5855، ومسلم في اللباس، حديث 2097 (68).

(2)

مسلم في اللباس، حديث 2098 (69).

(3)

مسلم في اللباس، حديث 2099 (71).

(4)

أثر علي أخرجه عبد الرزاق (11/ 166)، وابن أبي شيبة (8/ 229) وفيه راوٍ لم يسم.

وأثر عائشة رضي الله عنها رواه الترمذي في اللباس، باب 36، حديث 1778، وفي العلل الكبير (543)، وابن أبي شيبة (8/ 229) بلفظ: أنها مشت بنعل واحدة. وقال الترمذي: وهذا أصح. وقال في العلل: سألت محمدًا البخاري عن هذا الحديث، قال: الصحيح عن عائشة رضي الله عنها موقوف فعلها، وصحح إسناده الحافظ في الفتح (10/ 310) وقال: وكأنها لم يبلغها النهي.

(5)

مسلم في اللباس، حديث 2096.

ص: 175

خبثًا، فليمسحْه بالأرضِ، ثم ليصلِّ فيهمَا" رواه أبو داود

(1)

.

(و) تسن (الصلاة في الطاهر منها) أي: من النعال، قاله الشيخ تقي الدين

(2)

وغيره للأخبار، منها: عن أبي سلمة يزيد بن سعيد

(3)

قال: "سألتُ أنسًا: أكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي في نعليْه؟ قال: نعمْ" متفق عليه

(4)

. وقال صاحب "النظم": الأولى حافيًا.

(و)

‌ يسن (الاحتفاء أحيانًا)

لحديث فضالة بن عبيد قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمرُنا أن نحتفي أحيانًا" رواه أبو داود

(5)

، ويروى هذا المعنى عن عمر

(6)

.

(و) يسن (تخصيص الحافي بالطريق) بأن يتنحى المنتعل عن الطريق، ويدعها للحافي، رفقًا به.

(و‌

‌يكره كثرة الإرفاه)

أي: التنعم والدعة، ولين العيش، للنهي عنه

(7)

، ولأنه من زي العجم، وأرباب الدنيا.

(و‌

‌يستحب كون النعل أصفر، والخف أحمر)

وذكر أبو المعالي عن أصحابنا (أو أسود) قاله في "الفروع"، وأن يقابل بين نعليه "وكان لنعله صلى الله عليه وسلم

(1)

في الصلاة، باب 89، حديث 650، 651. ويأتي تخريجه مفصلًا (2/ 193) تعليق رقم 3.

(2)

انظر مجموع الفتاوى (22/ 166 - 169).

(3)

صوابه أبو مسلمة سعيد بن يزيد كما في كتب الحديث وكتب التراجم.

(4)

البخاري في الصلاة، باب 24، حديث 386، وفي اللباس، حديث 5850، ومسلم في المساجد، حديث 555.

(5)

في الترجل، باب 1، حديث 4160. وأخرجه - أيضًا - أحمد (6/ 22).

(6)

لم نجده.

(7)

النهي عن الإرفاه جاء في حديث الأمر بالاحتفاء أحيانًا المتقدم تخريجه آنفًا. ورواه - أيضًا - النسائي في الزينة، باب 7، 62، حديث 5073، 5254.

ص: 176

قِبالَان" - بكسر القاف - وهو السير بين الوسطى والتي تليها، وهو حديث صحيح، رواه الترمذي في "الشمائل"، وابن ماجه وغيرهما

(1)

.

(ويكره لبس الإزار) قائمًا (و) لبس (الخف) قائمًا (و) لبس (السراويل قائمًا) خشية انكشاف عورته.

و ‌

(لا) يكره (الانتعال) قائمًا،

وصحح القاضي وغيره الكراهة، واختلف قوله - أي: الإمام - في صحة الأخبار

(2)

، قاله في "الفروع".

(ويكره نظر ملابس حرير، وآنية ذهب، وفضة، ونحوها إن رغبه)

(1)

"الشمائل"، حديث 71. وأخرجه - أيضًا - في "سننه" اللباس، باب 33، حديث 1772، 1773، وقال: حسن صحيح. وابن ماجه في اللباس، باب 27، حديث 3615. وأخرجه - أيضًا البخاري في اللباس، باب 41، حديث 5857، والنسائي في الزينة، باب 116، حديث 5382، وأبو داود في اللباس، باب 44، حديث 4134، كلهم من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

روى أبو داود في اللباس، باب 44، حديث 4135 عن جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائمًا. وحسن إسناده النووي في رياض الصالحين (1651).

ورواه الترمذي في اللباس، باب 35، حديث 1775، وفي العلل الكبير ص/ 292، حديث 540، والعقيلي (1/ 218)، وابن عدي (2/ 610) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ونقل ابن عدي عن الإمام أحمد: أنه أنكره.

ورواه الترمذي - أيضًا - في سننه، حديث 1776، وفي العلل الكبير برقم 541، وأبو يعلى (5/ 312، 404) حديث 2936، 3077، عن أنس رضي الله عنه. وقال الترمذي: كلا الحديثين لا يصح عند أهل الحديث. ونقل قول الإمام البخاري: ولا يصح هذا الحديث، ولا حديث معمر عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة.

ورواه ابن ماجه في اللباس، باب 30، حديث 3619 عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 177

النظر إليها (في التزين بها والمفاخرة)، ذكره في "الرعاية" وغيرها.

وقال ابن عقيل: ريح الخمر، كصوت الملاهي، حتى إذا شم ريحها، كان بمثابة من سمع صوت الملاهي، وأصغى إليها، ويجب سد المنخرين والإسراع، كوجوب سد الأذنين عند الاستماع، وعلى هذا يحرم النظر إلى ملابس الحرير، وأواني الذهب والفضة، وإن دعت إلى حب التزين والمفاخرة حجب ذلك عنه، قاله في "الآداب الكبرى"

(1)

.

(و) يكره (التنعم) وتقدم؛ لأنه من الإرفاه.

(و) يكره (زي) بكسر الزاي أي: هيئة (أهل الشرك) لحديث ابن عمر مرفوعًا: "من تشبّه بقومٍ فهو منهم" رواه أحمد، وأبو داود

(2)

، وإسناده صحيح.

(1)

(3/ 525).

(2)

أحمد (2/ 50، 92)، وأبو داود في اللباس، باب 5، حديث 4031. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (5/ 313)، وعبد بن حميد (2/ 50) حديث 846، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 213) حديث 231، والدينوري في المجالسة (1/ 460) حديث 147، وابن الأعرابي في معجمه (2/ 576) حديث 1137، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 135) حديث 216، وتمام في فوائده (1/ 308) حديث 770، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 75) حديث 1199، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 142) حديث 766.

وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/ 509) بسنده، وقال: إسناده صالح. وجوّد إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 269). وصححه العراقي في تخريج الإحياء (2/ 676).

وضعفه السخاوي في المقاصد الحسنة (407)، والزركشي في التذكرة ص/ 102.

وقال ابن حجر في الفتح (6/ 98)، وفي التغليق (3/ 446): "وله شاهد مرسل =

ص: 178

قال الشيخ تقي الدين

(1)

: أقل أحواله - أي: هذا الحديث - أن يقتضي تحريم التشبه، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.

(و‌

‌يسن التواضع في اللباس)

لحديث أحمد، عن أبي أمامة مرفوعًا:"البذاذةُ من الإيمان"

(2)

رجاله ثقات. قال أحمد في رواية الجماعة: هو التواضع في اللباس.

= بإسناد حسن، أخرجه ابن أبي شيبة [4/ 322] من طريق الأوزاعي، عن سعيد بن جبلة عن طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قلنا: وأخرجه - أيضًا - مرسلًا عن طاووس بن المبارك في الجهاد (105)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 244) رقم 390.

وشاهد آخر مرسل عن الحسن أخرجه سعيد بن منصور (2/ 143) رقم 2370. وشاهد آخر مرفوع عن حذيفة رضي الله عنه. رواه البزار (7/ 368) حديث 2966، والطبراني في الأوسط (8/ 151) حديث 8323، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 271) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه علي بن غراب، وقد وثقه غير واحد وضعفه بعضهم، وبقية رجاله ثقات.

(1)

اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 270).

(2)

أحمد في المسند (7/ 876) طبعة عالم الكتب، (لسقوطه من الطبعة الميمنية) وفي "الزهد" ص 12. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الترجل، باب 1، حديث 4161، وابن ماجه في الزهد، باب 4، حديث 4118، والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 191) حديث 1531، والطبراني في الكبير (1/ 271، 272) حديث 788 - 791، والحاكم (1/ 9)، والبيهقي في الآداب (256)، والشهاب القضاعي في مسنده (357).

وقال الحافظ في الفتح (10/ 368): حديث صحيح. ونقل المناوي في فيض القدير (3/ 217) تصحيحه عن ابن حجر والديلمي، وتحسينه عن العراقي. وانظر التمهيد (24/ 12).

ص: 179

(و) يسن (لبس الثياب البيض) لحديث: "البسُوا من ثيابِكم البِيضَ، فإنها من خيرِ ثيابِكم، وكفنُوا فيهَا موتَاكُم" رواه أبو داود

(1)

.

(وهي) أي: الثياب البيض (أفضل) من غيرها.

(و)

‌ تسن (النظافة في ثوبه، وبدنه، ومجلسه)

لخبر: "إن الله نظيفٌ يحبُ النظافةَ"

(2)

، وكان ابن مسعود يعجبه إذا قام إلى الصلاة الريح الطيب

(3)

، والثياب النظيفة

(4)

.

(و) يسن (إرخاء الذؤابة خلفه) نص عليه (قال الشيح: إطالتها) أي: الذؤابة (كثيرًا من الإسبال) وإن أرخى طرفها بين كتفيه فحسن، قاله الآجري.

(1)

في الطب، باب 14، حديث 3878، وفي اللباس، باب 16، حديث 4061، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الجنائز، باب 19، حديث 994، وفي الشمائل ص/ 35، حديث 65، وابن ماجه في اللباس، باب 5، حديث 3566، وفي الجنائز، باب 12، حديث 1472، وعبد الرزاق (3/ 429) حديث 6200، 6201، والحميدي، حديث (520)، وابن سعد (1/ 450)، وابن أبي شيبة (3/ 266)، وأحمد (1/ 247، 274، 328، 355، 363)، وأبو يعلى (4/ 300) حديث 2410، (5/ 113) حديث 2727، وابن حبان "الإحسان"(12/ 242) حديث 5423، والطبراني في الكبير (12/ 64 - 67) حديث 12485 - 12490، 12492، 12493، والحاكم (1/ 354، 4/ 185)، والقضاعي في مسنده (2/ 232) حديث 1253، والبيهقي (3/ 245، 5/ 33)، والبغوي (5/ 314) حديث 1477.

قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه النووي في المجموع (7/ 196).

(2)

تقدم تخريجه (2/ 160) تعليق رقم 3.

(3)

في "ح" و"ذ": "الطيبة".

(4)

في "ح" و"ذ": "النقية".

ص: 180

وأرخاها ابن الزبير من خلفه

(1)

قدر ذراع

(2)

، وعن أنس نحوه

(3)

، ذكره في "الآداب"

(4)

.

(ويسن تحنيكها) أي: العمامة؛ لأن عمائم المسلمين كانت كذلك على عهده صلى الله عليه وسلم.

(ويجدد لف العمامة كيف شاء) قاله في "المبدع" وغيره.

وروى ابن حبان

(5)

في كتاب أخلاق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يعتَمُّ، يديرُ كورَ العمامةِ على رأسِهِ، ويغرِزها من ورائِه، ويرخي لها ذؤابةً بين كتفَيْه"

(6)

.

(ويباح السواد، ولو للجند) لأنه صلى الله عليه وسلم "دخل مكةَ عامَ الفتحِ وعليه عمامةٌ سوداءُ"

(7)

وكذا يباح الأخضر، والأصفر.

(1)

من خلفه ساقطة من "ح".

(2)

رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 813) رقم 2193.

(3)

رواه البيهقي في شعب الإيمان (5/ 176) رقم 6264.

(4)

(3/ 536).

(5)

كذا في الأصول "ابن حبان" والصواب: "ابن حبان".

(6)

رواه أبو الشيخ ابن حبان في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 195) حديث 306. ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 174) حديث 6252، وفي سنده أبو عبد السلام، قال: فيه أبو حاتم مجهول. (الجرح والتعديل 9/ 406).

ورواه الترمذي في اللباس، باب 12، حديث 1736 بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. وقال: هذا حديث حسن غريب.

(7)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1358، وأبو داود في اللباس، باب 24، حديث 4076، والنسائي في المناسك، باب 107، حديث 2869، وفي الزينة، باب 109، حديث 5359، والترمذي في اللباس، باب 11، حديث 1735، وابن ماجه في اللباس، باب 14، حديث 3585، وأحمد (3/ 363، 387)، عن جابر رضي الله عنه.

ص: 181

(و) يباح (فتل طرف الثوب) من رداء أو غيره (وكذا) يباح (الكتان) والقطن.

(و) يباح لبس (اليلمق) وهو القباء (ولو للنساء، والمراد: ولا تشبه) لما تقدم: أنه يحرم تشبه النساء بالرجال، وعكسه.

(ويسن السراويل) لما روى أحمد، عن أبي أمامة قال:"قلنا: يا رسولَ اللهِ، إن أهلَ الكتابِ يتسرْوَلُون ولا يأتَزِرُون، قال: تسرْوَلُوا واتزِرُوا، وخالِفُوا أهلَ الكتابِ"

(1)

.

(والتبان) بضم التاء، وتشديد الباء: سراويل قصير جدًّا. (في معناه) أي: معنى السراويل، لأنه يستر العورة المغلظة.

(و) يسن (القميص) لقول أم سلمة: "كان أحبَّ الثياب إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم القميصُ" رواه أبو داود

(2)

.

(1)

مسند أحمد (5/ 264). ورواه - أيضًا - الطبراني في الكبير (8/ 282) حديث 7924، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 131) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح، خلا القاسم، وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر. وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/ 354).

(2)

في اللباس، باب 3، حديث 4025. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في اللباس، باب 28، حديث 1762، 1764، وفي الشمائل ص/ 30 - 31، حديث 53، 54، والنسائي في الكبرى (5/ 482) حديث 9668، وإسحاق بن راهويه (4/ 111) حديث 1878، وعبد بن حميد (3/ 247) حديث 1538، وأبو يعلى (12/ 445) حديث 7014، والبيهقي (2/ 239)، والبغوي (12/ 4) حديث 3068 من طرق عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي عن عبد الله بن بريدة، عن أم سلمة رضي الله عنها. وقال الترمذي: حسن غريب.

ورواه أبو داود - أيضًا - حديث 4026، والترمذي حديث 1763، وابن ماجه في اللباس، باب 8، حديث 3575، وأحمد (6/ 317)، والطبراني في الكبير =

ص: 182

(و) يسن (الرداء) لفعله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

(ولا بأس بلبس الفراء) بكسر الفاء ممدودًا، جمع فرو، وبغير

(2)

هاء. قاله الجوهري

(3)

، وأثبتها ابن فارس

(4)

، ويدل له الحديث الآتي (إذا كانت) الفراء (من جلد مأكول، مذكى، مباح

(5)

، وتصح الصلاة فيها) كسائر الطاهرات.

وتقدم في الآنية: يحرم لبس جلود السباع، وأنه يباح دبغ جلد

(6)

نجس بموت، واستعماله بعده في يابس (ولا تصح) الصلاة (في غير ذلك) أي: غير

= (23/ 421) حديث 1018، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 75) حديث 240، والحاكم (4/ 192)، والبغوي (12/ 5) حديث 3069 من طريق أبي تميلة يحيى بن واضح، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أمه، عن أم سلمة رضي الله عنها بزيادة عن أمه، بين عبد الله بن بريدة، وبين أم سلمة رضي الله عنها.

وقال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث عبد الله بن بريدة، عن أمه، عن أم سلمة أصح.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 451): وهو إما منقطع، وإما متصل، بمن لا تعرف حاله. ثم ذكر الطريقين

وقال: فالأول منقطع، والثاني عن أم عبد الله بن بريدة - وحالها غير معروفة.

(1)

انظر صحيح البخاري، الاستسقاء، باب 1، حديث 1005، ومسلم، الاستسقاء حديث 894، والزكاة حديث 1057.

(2)

في "ذ""بغير" بدون واو.

(3)

الصحاح (6/ 2453).

(4)

مجمل اللغة (3/ 719).

(5)

ساقطة من "ح".

(6)

ساقطة من "ح".

ص: 183

جلد مأكول مذكى (كجلد ثعلب، وسمور، وفنك، وقاقم، وسنور، وسنجاب، ونحوه) كذئب، ونمر (ولو ذكي) أو دبغ، لأنه لا يطهر بذلك كلحمه.

(ويكره من الثياب ما تظن نجاسته لتربية) كثياب المرأة المربية للأطفال (ورضاع، وحيض، وصغر، وكثرة ملابستها) أي: النجاسة (ومباشرتها، وقلة التحرز منها في صنعة وغيرها، وتقدم بعضه) هكذا في "شرح المنتهى" وغيره. والمراد: أن الصلاة فيها خلاف الأولى، كما عبر به في "الشرح"، فلا ينافي ما تقدم في الآنية: أن ما لم تعلم نجاسته من ثياب الكفار، طاهر مباح.

(ويكره لبسه) جلدًا مختلفًا في طهارته (و) يكره (افتراشه جلدًا مختلفًا في طهارته) قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب انتهى. وقال في "الآداب"

(1)

: قال ابن تميم: إذا دبغ جلد الميتة، وقلنا: لا يطهر جاز أن يلبسه دابته، ويكره له لبسه، وافتراشه على الأظهر. قال: ولا يباح الانتفاع بجلد الميتة قبل الدبغ في اللباس وغيره، رواية واحدة انتهى. وهو معنى كلام المجد في "شرح الهداية"، لكنه لم يقل:"على الأظهر"، بل قطع بذلك.

(وله إلباسه) أي: الجلد المختلف في طهارته (دابته) لأنه كاستعماله في يابس.

(ويحرم إلباسها) أي: الدابة (ذهبًا أو فضة) قال الشيخ تقي الدين

(2)

: (وحريرًا) وقطع الأصحاب: له أن يلبسها الحرير، قاله في الآداب

(3)

. وقال: له أن يلبس دابته جلدًا نجسًا، ذكره في "المستوعب"، وقدمه في "الرعاية".

(1)

(3/ 519).

(2)

انظر مجموع الفتاوى (21/ 83).

(3)

(3/ 519).

ص: 184

(ولا بأس بلبس الحبرة) بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة، قال في "الشرح": وهي التي فيها حمرة وبياض، روى أنس، قال:"كان أحب الثياب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحِبَرَة" متفق عليه

(1)

.

(و) لا بأس بلبس (الأصوافِ، والأوبارِ، والأشعار، من حيوان طاهر، حيًا كان أو ميتًا) لقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}

(2)

ولحديث مسلم عن عائشة قالت: "خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات غداة، وعليه مِرطٌ مُرَجَّلٌ

(3)

من شعر أسود"

(4)

.

(وكذا) تباح (الصلاة عليها، وعلى ما يعمل من القطن، والكتان، وعلى الحصر) وغيرها من الطاهرات، لما في حديث أنس مرفوعًا قال:"ونُضِح بساط لنا، فصلى عليه"

(5)

صححه الترمذي، قال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم، لم يروا بالصلاة على البساط، والطنفسة بأسًا.

(1)

البخاري في اللباس، باب 18، حديث 5812، 5813، ومسلم في اللباس، حديث 2079.

(2)

سورة النحل، الآية 80.

(3)

في "ذ""مرحل" بالحاء المهملة، وكذا في "صحيح مسلم"، و"سنن أبي داود" في اللباس، حديث 4032. وعند ابن أبي شيبة (12/ 72)، وأحمد (6/ 162)، والحاكم (3/ 147) بلفط: "مرجل" ..

(4)

مسلم في اللباس، حديث 2081.

(5)

الترمذي في الصلاة، باب 131، حديث 333. ورواه - أيضًا - أحمد (3/ 119، 160، 164، 171، 184، 190، 212، 242، 248). ورواه البخاري في الأدب، باب 112، حديث 6203 بنحوه.

ص: 185

وعن المغيرة بن شعبة قال: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصر

(1)

والفروة المدبوغة"

(2)

.

(و‌

‌يباح نعل خشب)

قال أحمد: إن كان حاجة.

(ويسن لمن لبس ثوبًا جديدًا أن يقول: الحمد لله الذي كساني هذا، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة) للخبر

(3)

. وعن أبي سعيد قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمِهِ: عمامة، أو قميصًا، أو رداء، ثم يقول: اللهم لكَ الحمدُ، أنت كسوتَنِيه، أسألكَ خيرهُ وخيرَ ما صنعَ له، وأعوذ بكَ من شره وشرِّ ما صنعَ له" رواه الترمذي

(4)

. وفي نسخة: "وأن يتصدق بالخلق

(1)

في "ح" و"ذ": "الحصير".

(2)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 92، حديث 659، وأحمد (4/ 254)، وابن خزيمة (2/ 103) حديث 1006، والحاكم (1/ 259) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بذكر الفروة

ووافقه الذهبي. وأعله المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 331) فقال:

وعبيد الله بن سعيد الثقفي قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول.

(3)

روى البخاري في التاريخ الكبير (7/ 360 - 361)، وأبو داود في اللباس، باب 1، حديث 4023، والدارمي في الاستئذان، باب 55، حديث 2693، وأبو يعلى (3/ 62، 67) حديث 1488، 1498، والطبراني في الكبير (20/ 181) حديث 389، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 239، حديث 271، والحاكم (1/ 507) عن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:". . . ومن لبس ثوبًا، فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". لفظ أبي داود.

وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي. وحسنه الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 120).

(4)

في اللباس، باب 29، حديث 1767، وفي الشمائل ص/ 32، 33، حديث 59، وقال: حسن غريب صحيح. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في اللباس، باب 1، =

ص: 186

العتيق النافع".

"تتمة" قال عبد الله بن محمد الأنصاري:‌

‌ ينبغي للفقيه أن تكون له ثلاثة أشياء جديدة:

سراويله، ومداسه، وخرقة يصلي عليها.

= حديث 4020 - 4022، والنسائي في عمل اليوم والليلة ص/ 274، حديث 309، وابن سعد (1/ 460)، وابن أبي شيبة (10/ 403 - 404)، وأحمد (3/ 30، 50)، وعبد بن حميد (2/ 65) حديث 880، وأبو يعلى (2/ 337) حديث 1079، وابن حبان "الإحسان"(12/ 239، 240) حديث 5420، 5421، والطبراني في الدعاء (2/ 980) حديث 398، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 15 - 16، 239، حديث 14، 270، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 93، 95، 106) حديث 251، 252، 258، والحاكم (4/ 192)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 180) حديث 6284، والبغوي (12/ 40) حديث 3111، كلهم من طرق عن سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة ص/ 274، حديث 310، من طريق حماد بن سلمة عن الجريري، عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير - مرسلًا -. وقال: وحديث حماد أولى بالصواب.

وقال أبو داود (4/ 310): عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيه أبا سعيد، وحماد بن سلمة قال: عن الجريري، عن أبي العلاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحماد بن سلمة والثقفي سماعهما واحد.

وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/ 21): يعني أنهما أرسلاه.

وصحح المرفوع الترمذي كما تقدم. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

ووافقه الذهبي، وقال النووي في الأذكار ص/ 17: صحيح.

وتعقبهم الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 124) بقوله: وغفل ابن حبان، والحاكم عن علته، فصححاه

وكل من ذكرناه سوى حماد، والثقفي سمعوا من الجريري بعد اختلاطه، فعجب من الشيخ - أي النووي - كيف جزم بأنه حديث صحيح؟ ويحتمل أن يكون صحيح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن.

ص: 187

‌باب اجتناب النجاسة، ومواضع الصلاة

أي بيان المواضع التي لا تصح الصلاة فيها مطلقًا، وما تصح فيه الصلاة في بعض الأحوال، وما يصح فيه النفل دون الفرض، وما يتعلق بذلك، ومنه يعلم ما تصح فيه الصلاة مطلقًا.

(وهو) أي اجتناب النجاسة (الشرط السابع) للصلاة لتقدم ستة قبله (طهارة بدن المصلي، و) طهارة (ثيابه، و) طهارة (موضع صلاته، وهو محل بدنه، و) محل (ثيابه من نجاسة غير معفو عنها)، وعدم حملها (شرط لصحة الصلاة) لقوله صلى الله عليه وسلم:"تنزهُوا من البولِ، فإن عامةَ عذاب القبر منه"

(1)

وقوله صلى الله عليه وسلم حين مر بالقبرين: "إنهمَا ليعذبانِ وما يعذبانِ في كبيرٍ، أما أحدُهما فكانَ لا يستنثِرُ من البولِ"

(2)

بالمثلثة قبل الراء، قاله في "شرح المنتهى"،

(1)

أخرجه الدارقطني: (1/ 127)، وابن أبي حاتم في "العلل":(1/ 26)، عن أنس رضي الله عنه. وروي من حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم. وقد تقدم تخريجه في الطهارة (1/ 132) تعليق رقم 4.

(2)

أخرجه البخاري في الوضوء، باب 55، 56 حديث 216، 218، وفي الجنائز، باب 81، 88، حديث 1361، 1378، وفي الأدب، باب 26، 49، حديث 6052، 6055، ومسلم في الطهارة، حديث 292، والترمذي في الطهارة، باب 3، حديث 70، والنسائي في الكبرى (1/ 69) حديث 27، بلفظ: لا يستتر، وفي رواية لمسلم بلفظ: لا يستنزه. وأخرجه - أيضًا - بهذا اللفظ أبو داود في الطهارة، باب 11، حديث 20، والنسائي في الطهارة، باب 27، حديث 31، وابن ماجه في الطهارة، باب 26، حديث 347، ورواه النسائي في الجنائز، باب 116، حديث 2067، 2068 بلفظ: لا يستبرئ. كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. =

ص: 189

والصواب: أنه بالتاء المثناة، كما ذكره ابن الأثير في "النهاية"

(1)

في باب النون مع التاء المثناة، وفي رواية "لا يستنزه".

وقال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}

(2)

قال ابن سيرين، وابن زيد

(3)

: أمر بتطهير الثياب من النجاسة التي لا تجوز الصلاة معها، وذلك لأن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا يطهرون ثيابهم، وهذا أظهر الأقوال فيها، وهو حمل اللفظ على حقيقته، وهو أولى من المجاز، قاله في "المبدع".

لكن صح "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي قبلَ الهجرةِ في ظلِّ الكعبةِ، فانبعثَ أشقَى القومِ، فجاء بسلَا جزورِ بني فلان، ودمِها، وفرثها، فطرحَه بين كتفيْه، وهو ساجدٌ حتى أزالتْه فاطمَةُ" رواه البخاري

(4)

من حديث ابن مسعود.

= ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة (1/ 122، 3/ 375، 376، 377) وأحمد (1/ 225)، وهناد في الزهد، حديث 360، 1213، والدارمي في الطهارة، باب 60، حديث 745، وابن الجارود، حديث 130، وابن خزيمة (1/ 32) حديث 55، 56، وابن حبان "الإحسان"(7/ 398) حديث 3128، والآجري في الشريعة ص/ 362، والبيهقي (1/ 104، 2/ 412)، وفي إثبات عذاب القبر، حديث 117 - 119، والبغوي في شرح السنة (1/ 370) حديث 183 بلفظ:"لا يستتر، أو لا يستنزه، أو لا يستبرئ". ورواه عبد بن حميد (1/ 538) 619، بلفظ:"لا يتقي".

وأما لفظ: "لا يستنثر"، و"لا يستنتر" فلم نجد من خرجه.

(1)

انظر النهاية (5/ 12).

(2)

سورة المدثر، الآية:4.

(3)

انظر تفسير الطبري (29/ 147).

(4)

في الوضوء، باب 69، حديث 240، والصلاة، باب 109، حديث 520، وفي الجهاد، باب 98، حديث 2934، وفي الجزية، باب 21، حديث 3185، وفي مناقب الأنصار، باب 29، حديث 3854. وأخرجه - أيضًا - بنحوه مسلم في الجهاد، حديث 1794.

ص: 190

قال المجد: لا نسلم أنه أتى بدمها. ثم الظاهر أنه منسوخ، لأنه كان بمكة قبل ظهور الإسلام، ولعل الخمس لم تكن فرضت، والأمر بتجنب النجاسة مدني متأخر، بدليل خبر النعلين

(1)

، وصاحب القبرين

(2)

، والأعرابي الذي بال في طائفة المسجد

(3)

، وحديث جابر بن سمرة "أن رجلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أصلِّي في الثوب الذي آتي فيهِ أهلي؟ قال: نعمْ، إلا أن ترى فيه شيئًا فتغسلهُ" رواه أحمد، وابن ماجه

(4)

، وإسناده ثقات، إلى غير ذلك من الأحاديث.

(1)

يأتي تخريجه (2/ 193) تعليق 3.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 189) تعليق رقم 2.

(3)

تقدم تخريجه في الطهارة (1/ 44) تعليق 1.

(4)

أحمد: (5/ 89، 97)، وابن ماجه في الطهارة، باب 83، حديث 542.

ورواه - أيضًا - عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 97)، وأبو يعلى (13/ 454، 465) حديث 7460، 7479، وابن حبان "الاحسان"(6/ 102) حديث 2333، والطبراني في الكبير (2/ 215) حديث 1881، كلهم من طريق عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا. ورواه الطحاوي (1/ 53) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه موقوفًا من قوله.

وقال أحمد: هذا الحديث لا يرفع عن عبد الملك بن عمير. وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 192): كذا رواه مرفوع، وإنما هو موقوف.

وله شاهد من حديث أم حبيبة رضي الله عنها، رواه أبو داود في الطهارة، باب 133، حديث 366، والنسائي في الطهارة، باب 186، حديث 293، وابن ماجه في الطهارة، باب 83، حديث 540، وأحمد (6/ 325، 426، وعبد بن حميد (3/ 254) حديث 1553، والدارمي في الصلاة، باب 103، حديث 1383، وأبو يعلى (13/ 47) حديث 7126، وابن خزيمة (1/ 380) حديث 776، والطحاوي (1/ 50)، وابن حبان "الإحسان"(6/ 101) حديث 2331، والطبراني =

ص: 191

فثبت بها أنه مأمور باجتنابها، ولا يجب ذلك في غير الصلاة، فتعين أن يكون فيها، والأمر بالشيء نهي عن ضده، وهو يقتضي الفساد، وكطهارة الحدث، وعلم منه: أن النجاسة المعفو عنها، كأثر الاستجمار بمحله، ويسير الدم ونحوه، ونجاسة بعين، ليس اجتنابها شرطًا لصحة الصلاة. وتقدم تعريف النجاسة في أول كتاب الطهارة.

وحيث علم أن اجتناب النجاسة ما ذكره، وعدم حملها شرط للصلاة، حيث لم يعف عنها (فمتى) كان ببدنه، أو ثوبه نجاسة لا يعفى عنها، أو (لاقاها ببدنه، أو ثوبه) زاد في المحرر: أو حمل ما يلاقيها (أو حملها عالمًا) كان (أو جاهلًا، أو ناسيًا) لم تصح صلاته، لفوات شرطها. زاد في "التلخيص": إلا أن يكون يسيرًا.

وذكر ابن عقيل في سترته المنفصلة عن ذاته: إذا وقعت حال سجوده على نجاسة أنها لا تبطل، قاله في "المبدع".

(أو حمل) في صلاته (قارورة) من زجاج، أو غيره (فيها نجاسة، أو) حمل (آجرة) بمد الهمزة واحدة الآجر، وهو الطوب الأحمر (باطنها نجس، أو) حمل (بيضة مذرة، أو) بيضة (فيها فرخ ميت، أو) حمل (عنقود عنب حباته مستحيلة خمرًا، قادرًا على اجتنابها) أي النجاسة التي لاقاها، أو على عدم حمل ما حمله من ذلك (لم تصح صلاته) لأنه حامل لنجاسة في غير معدنها، أشبه ما لو كانت على بدنه، أو ثوبه، أو حملها في كمه.

= في الكبير (23/ 220 - 221) حديث 405، 406، 408، والبيهقي (2/ 410) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه سأل أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي كان يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير أذى.

ص: 192

و (لا) تبطل صلاته (إن مس ثوبه) أو بدنه (ثوبًا) نجسًا (أو) مس ثوبه، أو بدنه (حائطًا نجسًا لم يستند إليه) لأنه ليس بموضع لصلاته

(1)

، ولا محمول فيها، فإن استند إليها حال قيامه، أو ركوعه، أو سجوده، بطلت صلاته.

(أو قابلها) أي النجاسة (راكعًا، أو ساجدًا) من غير ملاقاة.

(أو كانت) النجاسة (بين رجليه من غير ملاقاة) فصلاته صحيحة، لأنه لم يباشر النجاسة، أشبه ما لو خرجت عن محاذاته.

(أو حمل حيوانًا طاهرًا، أو) حمل (آدميًا مستجمرًا) فصلاته صحيحة، لأنه صلى الله عليه وسلم "صلى وهوَ حاملٌ أمامةَ بنتَ أبي العاص" متفق عليه

(2)

؛ ولأن ما في باطن الحيوان، والآدمي من نجاسة في معدنها، فهي كالنجاسة بجوف المصلي، وأثر الاستجمار معفوّ عنه بمحله.

(أو سقطت) النجاسة (عليه، فأزالها) سريعًا.

(أو زالت) النجاسة (سريعًا، بحيث لم يطل الزمن) فصلاته صحيحة، لما روى أبو سعيد قال:"بينا النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، إذ خلعَ نعليهِ، فَوَضَعَهُمَا عن يسارهِ، فخلعَ الناسُ نعالهمْ، فلما قضَى صلى الله عليه وسلم صلاتَه، قال: ما حمَلكُم على إلقائكم نِعالكُم؟ قالوا: رأيناكَ ألقيت نعلَكَ فألقينَا نعالنَا، قال: إن جبريلَ أتاني فأخبرني أن فيهمًا قذرًا" رواه أبو داود

(3)

؛ ولأن من النجاسة ما

(1)

في "ح": "للصلاة".

(2)

البخاري في الصلاة، باب 106، حديث 516، وفي الأدب، باب 18، حديث 5996، ومسلم في المساجد، حديث 543، عن أبي قتادة رضي الله عنه.

(3)

في الصلاة، باب 89، حديث 650. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (1/ 388)، حديث 1516، وابن سعد (1/ 480)، وابن أبي شيبة (2/ 417، 418)، وأحمد (3/ 20، 92)، والدارمي في الصلاة، باب 103، حديث 1378. وأبو يعلى =

ص: 193

يعفى عن يسيرها، فعفي عن يسير زمنها، ككشف العورة.

(وإن طين أرضًا متنجسة) وصلى عليها (أو بسط عليها، ولو كانت النجاسة رطبة) شيئًا طاهرًا صفيقًا (أو) بسط (على حيوان نجس، أو) بسط (على حرير) كله أو غالبه من (يحرم جلوسه عليه) من ذكر، أو خنثى (شيئًا طاهرًا صفيقًا، بحيث لم ينفذ

(1)

) النجس الرطب (إلى ظاهره، وصلى عليه) صحت مع الكراهة. (أو) صلى (على بساط باطنه نجس، وظاهره طاهر، أو في علوٍ سفله غصب، أو على سرير تحته نجس، أو غسل وجه آجر نجس وصلى عليه صحت) صلاته، لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا مباشر لها.

قال في "الشرح": فأما الآجر المعجون بالنجاسة، فهو نجس؛ لأن النار لا تطهر، لكن إذا غسل طهر ظاهره، لأن النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة، وبقي الأثر، فطهر بالغسل، كالأرض النجسة، ويبقى الباطن نجسًا، لأن الماء لا يصل إليه (مع الكراهة) لاعتماده على النجاسة، أو الغصب.

ورأى ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم "يصلي على حمارٍ، وهو متوجه

(2)

إلى خيبر" رواه مسلم

(3)

.

= (2/ 409)، حديث 1194، وابن خزيمة (3/ 107) حديث 1017، وابن المنذر في الأوسط (2/ 164) حديث 732، والطحاوي (1/ 511)، وابن حبان "الإحسان"(5/ 560) حديث 2185، والحاكم (1/ 65)، وابن حزم في المحلى (1/ 92 - 93)، والبيهقي (2/ 402، 403، 431)، والبغويُّ (2/ 92) حديث 299.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه -أيضًا- النووي في الخلاصة (1/ 319) وقال في المجموع (1/ 144): حديث حسن رواه أبو داود بإسناد صحيح. وانظر علل الدارقطني (11/ 328 - 329)، والتلخيص الحبير (1/ 278).

(1)

في " ذ": "لا ينفذ".

(2)

في "صحيح مسلم": موجه.

(3)

في المسافرين، حديث 700 (35).

ص: 194

قال الدارقطني

(1)

: هو غلط من عمرو بن يحيى المازني. والمعروف صلاته على البعير والراحلة، لكنه من فعل أنس

(2)

، قاله في "المبدع". وفيه: فيما إذا بسط على حرير طاهر صفيقًا، فيتوجه إن صح، جاز جلوسه عليه، وإلا فلا، ذكره في "الفروع".

(وإن صلى على مكان طاهر من بساط) أو حصير ونحوه (طرفه نجس) صحت (أو) صلى، و (تحت قدميه حبل) أو نحوه (في طرفه نجاسة، ولو تحرك) الحبل، أو نحوه (بحركته: صحت) صلاته، لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا مصل عليها، وإنما اتصل مصلاه بها، أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة، متصلة بأرض نجسة (إلا أن يكون) الحبل، أو نحوه (متعلقًا به) أي المصلي، وهو مشدود بنجس ينجر معه إذا مشى.

(أو كان في يده، أو) كان (في وسطه حبل مشدود في نجس، أو) في (سفينة صغيرة) تنجر معه إذا مشى (فيها نجاسة) فلا تصح صلاته، ولو كان محل الرباط

(3)

طاهرًا.

(أو) كان في يده، أو وسطه حبل مشدود في (حيوان نجس، ككلب، وبغل، وحمار) وكل ما (ينجر معه إذا مشى) فلا تصح صلاته؛ لأنه مستتبع للنجاسة، أشبه ما لو كان حاملها.

(أو أمسك) المصلي (حبلًا، أو غيره ملقى على نجاسة، فلا تصح) صلاته على ما في "الإنصاف"، لحمله ما يلاقيها.

(1)

انظر شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 211)، وبين الإمامين مسلم والدارقطني ص / 185 - 192.

(2)

فعل أنس بن مالك رضي الله عنه رواه مسلم في المسافرين، برقم 702.

(3)

في "ح" و"ذ": "الربط".

ص: 195

ومقتضى كلام الموفق: الصحة فيما إذا كان طرفه ملقى على نجاسة يابسة، بلا شد، لأنه ليس بمستتبع للنجاسة.

وكذا حكم ما لو سقط طرف ثوبه على نجاسة، ذكره ابن تميم.

(وإن كان) المشدود فيه الحبل ونحوه (لا ينجر معه) إذا مشى (كالسفينة الكبيرة، والحيوان الكبير، الذي لا يقدر على جره إذا استعصى عليه، صحت) صلاته، سواء كان الشد في موضع نجس، أو طاهر، لأنه لا يقدر على استتباع ذلك، أشبه ما لو أمسك غصنًا من شجرة على بعضها نجاسة لم تلاق يده.

قلت: وإذا تعلق بالمصلي صغير به نجاسة لا يعفى عنها، وكان له قوة بحيث إذا مشى انجر معه، بطلت صلاته، إن لم يزله سريعًا، وإلا فلا.

(ومتى وجد عليه) وفي نسخة "عليها" أي البدن، والثوب، والبقعة (نجاسة) بعد الصلاة؛ و (جهل كونها) أي أنها كانت (في الصلاة؛ صحت) صلاته، أي لم يلزمه إعادتها؛ لأن الأصل عدم كونها في الصلاة، لاحتمال حدوثها بعدها، فلا نبطلها بالشك.

(وإن علم بعد سلامه أنها) أي النجاسة (كانت في الصلاة، لكنه جهل) في الصلاة (عينها) بأن أصابه شيء، ولم يعلم أنه نجس حال الصلاة، ثم علمه.

(أو) علم أنها كانت في الصلاة، لكن جهل (حكمها) بأن أصابته النجاسة، وعلمها، وجهل أنها مانعة من الصلاة، ثم علم بعد سلامه.

(أو) علم بعد سلامه أنها كانت في الصلاة لكن جهل (أنها كانت عليه) بأن لم يعلم بها وقت إصابتها إياه.

(أو) علم بعد سلامه أنه كان (ملاقيها) ولم يكن يعلم ذلك في صلاته،

ص: 196

أعاد؛ لأنها طهارة مشترطة فلم تسقط بالجهل، كطهارة الحدث.

وأجيب، بأن طهارة الحدث آكد لكونها لا يعفى عن يسيرها.

(أو) أصابته نجاسة وهو يصلي، و (عجز عن إزالتها) سريعًا (أو نسيها، أعاد) لما تقدم، وفيه ما سبق. (وعنه: لا يعيد، وهو الصحيح عند أكثر المتأخرين) اختاره الموفق، وجزم به في "الوجيز"، وقدمه ابن تميم، وصاحب "الفروع"، وقاله جماعة منهم ابن عمر، لحديث أبي سعيد

(1)

في خلع النعلين، ولو بطلت لاستأنفها النبي صلى الله عليه وسلم.

"تنبيه" ما حكاه من الخلاف -حتى فيما إذا جهل حكمها- تبع فيه "الرعاية"، وفي "الإنصاف" في هذه: عليه الإعادة عند الجمهور، وقطعوا به.

"فائدة" إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة، وأمكن إزالتها من غير عمل كثير، ولا زمن طويل، فالحكم فيها كما لو علم بعد الصلاة. فإن قلنا: لا تبطل، أزالها، وبنى. وقال ابن عقيل: تبطل رواية واحدة، وإن لم يمكن إزالتها إلا بعمل كثير، أو زمن طويل بطلت.

(وإن خاط جرحه، أو جبر ساقه ونحوه) كذراعه (بنجس من عظم، أو خيط، فجبر وصح) الجرح أو العظم (لم تلزمه إزالته) أي الخيط، أو العظم النجس (إن خاف الضرر) من مرض أو غيره (كما لو خاف التلف) أي تلف عضوه، أو نفسه، لأن حراسة النفس، وأطرافها من الضرر واجب، وهو أهم من رعاية شرط الصلاة، ولهذا لا يلزمه شراء سترة، ولا ماء للوضوء بزيادة كثيرة على ثمن المثل، فإذا جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله، فترك شرط مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 193) تعليق رقم 3.

ص: 197

(ثم إن غطاه اللحم لم يتيمم له) لتمكنه من غسل محل الطهارة بالماء (وإلا) بأن لم يغطه اللحم (تيمم له) لعدم غسله بالماء.

قلت: ويشبه ذلك الوشم إن غطاه اللحم، غسله بالماء، وإلا، تيمم له

(1)

(وإن لم يخف) ضررًا بإزالته (لزمته) إزالته، لأنه قادر على إزالته من غير ضرر، فلو صلى معه لم تصح (فلو مات من تلزمه إزالته) لعدم خوفه ضررًا (أزيل) وجوبًا، وقال أبو المعالي وغيره: ما لم يغطه اللحم، للمثلة (إلا مع مثلة) فلا يلزم إزالته؛ لأنه يؤذي الميت ما يؤذي الحي.

(وإن شرب) إنسان (خمرًا ولم يسكر، غسل فمه) لإزالة النجاسة عنه (وصلى، ولا يلزمه القيء) وكذا سائر النجاسات، إذا حصلت في الجوف، لحصولها في معدنها الذي يستوي فيه الطاهر والنجس من أصله.

(ويباح دخول البيع) جمع بيعة -بكسر الباء- (و) دخول (الكنائس التي لا صور فيها، و) تباح (الصلاة فيها، إذا كانت نظيفة) روي عن عمر

(2)

، وأبي موسى

(3)

لخبر: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا"

(4)

.

(1)

قال شيخا أحمد المقدسي حفظه الله: قد تقدم أنه كالنجاسة المعجوز عن إزالة لونها، فيعفى عنه، فانظر كلام م ص هناك. "ش".

(2)

روى ابن أبي شيبة (2/ 79) عن بكر [بن عبد الله المزني] قال: كتبت إلى عمر من نجران: لم يجدوا مكانًا أنظف ولا أجود من بيعة، فكتب: انضحوها بماء وسدر وصلوا فيها.

(3)

روى ابن أبي شيبة (2/ 80)، وابن المنذر (2/ 194) حديث 766 عن أزهر بن عبد الله الحرازي أن أبا موسى صلى في كنيسة بدمشق يقال لها كنيسة نحيا.

(4)

جاء عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

جابر رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التيمم باب 1، حديث 335، ومسلم في المساجد حديث 521.

وأبو هريرة: أخرجه مسلم في المساجد، حديث 523.

ص: 198

(وتكره) الصلاة (فيما فيه صور) بيعة كانت أو كنيسة، لما تقدم من حديث:"لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه صورةٌ"

(1)

.

وقال في "الإنصاف": وله دخول بيعة، وكنيسة، والصلاة فيهما من غير كراهة، على الصحيح من المذهب، وعنه: تكره، وعنه: مع صور. وظاهر كلام جماعة: يحرم دخوله معها. ووجه الجواز أنه صلى الله عليه وسلم: "صلى في الكعبة وفيها صورٌ"

(2)

ثم قد دخلت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فأينما أدركْتكَ الصلاةُ فصلِّ، فإنه مسجدٌ" متفق عليه

(3)

.

(وإن سقطت سنه) أي سن آدمي (أو) سقط (عضو منه فأعاده) أي ما ذكر، وفي نسخة:"فأعادها"(أو، لا) أي: أو لم يعدها؛ صحت صلاته بها لطهارتها (أو جعل موضعه) أي: موضع سنه (سن شاة، ونحوها مذكاة، وصلى به، صحت صلاته، ثبت أو لم يثبت لطهارته) أما سنه وعضوه، فلأن ما أبين من حي كميتته، وميتة الآدمي طاهرة، وأما سن المذكاة فواضح.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 162) تعليق رقم 1.

(2)

ورد في ذلك عدة آثار، أوردها الأزرقي في تاريخ مكة (1/ 159 - 169) ولا يصح منها شيء. انظر فتح الباري (8/ 17)، وما كتبه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله في مجلة البحوث الإسلامية عدد (5) ص / 271.

(3)

البخاري في الأنبياء، باب 40، حديث 3425، ومسلم في المساجد: حديث 520، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 199

‌فصل في بيان المواضع التي نهي عن الصلاة فيها

وما يتعلق به

(و‌

‌لا تصح الصلاة في مقبرة

قديمة أو حديثة، تقلبت، أو لا) لحديث سمرة بن جندب

(1)

مرفوعًا: "لا تتخذوا القبورَ مساجدَ، فإني أنهاكُم عن ذلك" رواه مسلم

(2)

.

(وهي مدفن الموتى) بني لفظها من لفظ القبر؛ لأن الشيء إذا كثر بمكان، جاز أن يبنى له اسم من اسمه، كقولهم:"مسبعة" لمكان كثر فيه السباع، و"مضبعة" لمكان كثر فيه الضباع.

وهي بفتح الميم مع تثليث الباء، لكن الفتح القياس، والضم المشهور، والكسر قليل، ويجوز كسر الميم وفتح الباء.

(ولا يضر قبر ولا قبران) أي لا يمنع من الصلاة، لأنه لا يتناولها اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدًا، نقله في "الاختيارات"

(3)

عن طائفة من أصحابنا، قال: وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق. قال:

(1)

كذا في الأصول: "سمرة بن جندب"، وفي "صحيح مسلم" وغيره ممن خرج هذا الحديث "جندب" وهو ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه.

(2)

في المساجد، حديث 532. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (6/ 328) حديث 11123، وابن سعد (2/ 240)، وأبو عوانة (1/ 401)، وابن حبان "الإحسان" (14/ 334) حديث 6425، والطبراني في الكبير (2/ 168)، حديث 1686، والحاكم (2/ 550)، والبيهقي في الدلائل (7/ 176 - 177) عن جندب رضي الله عنه.

(3)

الاختيارات الفقهية ص / 67.

ص: 200

وقال أصحابنا: وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبرر لا يصلى فيه.

(وتكره الصلاة إليه) أي إلى القبر (ويأتي) في الباب.

(ولا يضر) أي لا تمنع الصلاة في (ما أعد للدفن فيه، ولم يدفن فيه، ولا ما دفن بداره) وإن كثر، لأنه ليس بمقبرة.

(والخشخاشة): بيت في الأرض له سقف يقبر فيه جماعة، لغة عامية، قاله في "الحاشية"(فيها جماعة) من الموتى (قبر واحد) اعتبارًا بها، لا بمن فيها.

(وتصح صلاة جنازة فيها) أي المقبرة (ولو قبل الدفن، بلا كراهة) أي لا تكره الصلاة على الجنازة في المقبرة.

(والمسجد في المقبرة -إن حدث بعدها- كهي) أي لا تصح الصلاة فيه، غير صلاة الجنازة، لأنه من المقبرة.

(وإن حدثت) المقبرة (بعده) أي المسجد (حوله، أو) حدثت (في قبلته، فكصلاة إليها) أي إلى المقبرة، فتكره بلا حائل.

(ولو وضع القبر) أي دفن فيها، بحيث سميت مقبرة على ما تقدم (والمسجد معًا، لم يجز، ولم يصح الوقف، ولا الصلاة، قاله) ابن القيم (في الهدي) النبوي

(1)

، تقديمًا لجانب الحظر.

(ولا) تصح (في حمام داخله، وخارجه، وأتونه

(2)

، وكل ما يغلق عليه الباب، ويدخل في بيع) لشمول الاسم لذلك كله، وذلك لحديث أبي سعيد مرفوعًا قال:"جعلت لي الأرضُ كلّها مسجدًا إلا المقبرة والحمام" رواه أحمد،

(1)

زاد المعاد (3/ 572).

(2)

الأتون -بالتشديد- الموقد، والعامة تخففه، وجمعه أتاتين، وقيل هو مولد، مختار الصحاح ص / 4.

ص: 201

وأبو داود، والترمذي وصححه، وابن حبان، والحاكم

(1)

، وقال: أسانيده

(1)

أحمد (3/ 83، 96)، وأبو داود في الصلاة، باب 24، حديث 492، والترمذي في الصلاة، باب 119، حديث 317، وابن حبان "الإحسان"(4/ 598) حديث 1699، (6/ 89، 92) حديث 2316، 2321 والحاكم (1/ 251). وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في المساجد، حديث 745، والدارمي في الصلاة، باب 111، حديث 1397، وأبو يعلى (2/ 503) حديث 1350، وابن خزيمة (2/ 7) حديث 791، 792، وابن المنذر في الأوسط (2/ 182) حديث 758، وابن حزم (4/ 27 - 28)، والبيهقي (2/ 434 - 435)، والبغوى (2/ 409) حديث 506. كلهم عن يحيى بن عمارة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

ورواه ابن ماجه حديث 745، والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 67)، وعبد الرزاق (1/ 405) حديث 1582، وابن أبي شيبة (2/ 379)، وأحمد (3/ 83)، وأبو يعلى (2/ 503) حديث 1350 عن يحيى بن عمارة مرسلًا.

ولذا قال البغوي في شرح السنة (2/ 409): فهذا حديث فيه اضطراب.

وقد اختلفت أقوال أهل العلم في ترجيح الوصل والإرسال، فذهب الترمذي في سننه، والدارقطني في علله (11/ 321)، والبيهقي في سننه (2/ 435) إلى ترجيح الإرسال.

وأورد المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 268) كلام الترمذي، ولم يتعقبه بشيء. وقال النووي في الخلاصة (1/ 321 - 322): ضعفه الترمذي وغيره، قال: هو مضطرب.

وذهب الحاكم إلى تصحيح المرفوع على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي. وإليه مال ابن المنذر في الأوسط، وابن حزم في المحلى (4/ 28)، وابن دقيق العيد كما في نصب الراية (2/ 324)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 283)، وابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 434).

واكتفى النووي في المجموع (3/ 149 - 150)، والحافظ ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 113) والحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 529)، والتلخيص الحبير (1/ 277)، والدراية (1/ 246) بذكر الخلاف، دون ترجيح.

ص: 202

صحيحة. وقال ابن حزم: خبر صحيح

(1)

.

(و‌

‌لا) تصح الصلاة (في حش)

-بفتح الحاء وضمها- (وهو ما أعد لقضاء الحاجة) ولو مع طهارته من النجاسة، وهو لغة: البستان، ثم أطلق على محل قضاء الحاجة؛ لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، وهي الحشوش، فسميت الأخلية في الحضر حشوشًا (فيمنع من الصلاة داخل بابه، وموضع الكنيف وغيره سواء) لتناول الاسم له، لأنه لما منع الشرع من ذكر الله والكلام فيه، كان منع الصلاة فيه من باب أولى.

(ولا) تصح الصلاة (في أعطان إبل، وهي ما تقيم فيه، وتأوي إليه) واحدها عطن، بفتح الطاء، وهي المعاطن: جمع معطن بكسرها، والأصل في ذلك ما روى البراء بن عازب أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"صلوا في مرابضِ الغنمِ، ولا تصلُّوا في مباركِ الإبلِ" رواه أحمد، وأبو داود

(2)

، وصححه أحمد،

(1)

انظر المحلى (4/ 28).

(2)

أحمد (4/ 288، 303)، وأبو داود في الطهارة، باب 72، وفي الصلاة، باب 25، حديث 184، 493، بنحوه. وأخرجه -أيضًا- بنحوه الطيالسي ص / 100 حديث 735، وعبد الرزاق (1/ 407) حديث 1596، وابن الجارود حديث 26، والروياني (1/ 279) حديث 415، وابن خزيمة (1/ 22)، حديث 32، وابن المنذر (1/ 138) حديث 29، والطحاوي (1/ 384)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 410) حديث 1128، والبيهقي (1/ 159) وقال: وبلغني عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه الحنظلي أنهما قالا: قد صح في هذا الباب حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث البراء بن عازب، وجابر بن سمرة رضي الله عنهما.

وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه الترمذي في الصلاة، باب 142، حديث 349، وابن ماجه حديث 768، وأحمد (2/ 451، 491)، وصححه ابن خزيمة (2/ 8)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 224) حديث 1384، وقال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 203

وإسحاق. وقال ابن خزيمة: لم نر خلافًا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح.

(ولا بأس بـ) الصلاة في (مواضع نزولها) أي الإبل (في سيرها، و) لا في (المواضع التي تناخ) الإبل (فيها لعلفها، أو ورودها) الماء، لأن اسم الأعطان لا يتناولها، فلا تدخل في النهي.

(ولا) تصح الصلاة أيضًا (في مجزرة، وهو ما أعد للذبح) فيه (ولا في مزبلة، وهي مرمى الزبالة، ولو طاهرة، ولا في قارعة طريق، وهو ما كثر سلوكه، سواء كان فيه سالك أو لا) لما روى ابن عمر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "سبعُ مواطن لا تجوزُ فيها الصلاةُ: ظهرُ بيتِ اللهِ، والمقبرةُ، والمزبلةُ، والمجزرةُ، والحمامُ، ومعطنُ الإبلِ، ومحجةُ الطريقِ"

(1)

رواه ابن ماجه، والترمذي

(2)

، وقال: ليس إسناده بالقوي، وقد رواه الليث بن سعد، عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع عن ابن عمر

(3)

مرفوعًا

(4)

.

(1)

أي الجادة المسلوكة في السفر "ش".

(2)

ابن ماجه في المساجد، باب 4، حديث 746، والترمذي في الصلاة، باب 141، حديث 346. وأخرجه -أيضًا- عبد بن حميد (2/ 21) حديث 763، والطحاوي (1/ 383)، والعقيلي (2/ 71)، وابن عدي (3/ 1059)، والبيهقي (2/ 229 - 230)، كلهم من طريق زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الترمذي: إسناده ليس بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه. وقال ابن الجوزي في العلل (1/ 401): هذا حديث لا يصح. ثم ذكر كلام النقاد في زيد، وداود بن الحصين.

(3)

الذي في سنن الترمذي، وابن ماجه عن ابن عمر، عن عمر، وهو الصواب.

(4)

أخرجه ابن ماجه في المساجد، حديث 747، وأشار إليه الترمذي (2/ 179).

ورواه -أيضًا- البزار في مسنده (1/ 264) حديث 161، والعقيلي (2/ 71)، =

ص: 204

(ولا بأس بطريق الأبيات القليلة، وبما علا عن جادة الطريق يمنة ويسرة، نصًا) فتصح الصلاة فيه بلا كراهة، لأنه ليس بمحجة.

(ولا) تصح الصلاة (في أسطحتها) أي أسطحة المواضع التي قلنا لا تصح الصلاة فيها (كلها) لأن الهواء تابع للقرار، بدليل أن الجنب يمنع من اللبث على سطح المسجد، وأن من حلف لا يدخل دارًا يحنث بدخول سطحها.

(و)

‌ لا تصح الصلاة في (ساباط

(1)

على طريق) لأن الهواء تابع للقرار لما تقدم.

(ولا على سطح نهر) قال ابن عقيل: لأن الماء لا يصلى عليه، وقال غيره: هو كالطريق (قال القاضي: تجري فيه سفينة) كالطريق، وعلله بأن الهواء تابع للقرار، لما تقدم (والمختار) في الصلاة على سطح النهر (الصحة كالسفينة، قاله أبو المعالي وغيره) ومقتضى "المنتهى": لا تصح، وقد يفرق بينه وبين السفينة، بأنها مظنة الحاجة.

(ولو حدث طريق، أو غيره من مواضع النهي) كعطن إبل؛ وحش (تحت مسجد بعد بنائه صحت) الصلاة (فيه) أي في المسجد؛ لأنه لم يتبع ما حدث بعده.

(والمنع) من الصلاة (في هذه المواضع تعبد) ليس معللًا بوهم

= وأبو بكر النجاد في مسند عمر رضي الله عنه ص / 90 رقم 71، وفي سنده عبد الله بن عمر العمري، قال الترمذي: ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه منهم يحيى بن سعيد القطان. ووَهّى أبو حاتم في العلل لابنه (1/ 148) كلا السندين جميعًا. وانظر التلخيص الحبير (1/ 215).

(1)

الساباط: كما في القاموس المحيط ص / 864: "سقيفة بين دارين تحتها طريق".

ص: 205

النجاسة، ولا غيره، لنهي الشارع عنها، ولم يعقل معناه.

(ولا تصح) صلاة (في بقعة غصب من أرض، أو حيوان، بأن يغصبه) أي ما ذكر من الأرض، والحيوان (ويصلي عليه) الغاصب (أو غيره) لأنها عبادة أتى بها على الوجه المنهي عنه، فلم تصح، كصلاة الحائض

(1)

، (أو) من (سفينة) غصبها، أو غصب لوحًا فجعله سفينة، لم تصح الصلاة فيها.

(ولا فرق بين غصبه لرقبة الأرض) بأن يستولي عليها قهرًا ظلمًا (أو دعواه ملكيتها) أي ملكية رقبتها بغير حق (وبين غصب منافعها، بأن يدعي إجارتها ظالمًا، أو يضع يده عليها مدة) ظلمًا (أو يخرج ساباطًا في موضع لا يحل) إخراجه، كأن يخرجه في درب غير نافذ، بلا إذن أهله، أو في نافذ بغير إذن الإمام أو نائبه (ونحو ذلك.

ولو) كان المغصوب (جزءًا مشاعًا فيها) أي في البقعة، فلا تصح الصلاة فيها، فإن كان الغصب جزءًا معينًا تعلق الحكم به وحده، فإن صلى فيه لم تصح، وإن صلى في غيره صحت.

(أو) أي لا تصح الصلاة في البقعة الغصب، ولو (بسط عليها مباحًا، أو بسط غصبًا على مباح) جزم به في "المبدع" وغيره، بخلاف ما لو بسط طاهرًا صفيقًا على حرير، والفرق أنه لا يعد مستعملًا للحرير إذن، بخلاف البقعة، فإنه حال فيها، وإن كان تحته مباح.

(سوى جمعة، وعيد، وجنازة، ونحوها مما تكثر له الجماعة) ككسوف، واستسقاء (فيصح فيها) أي في المواضع المتقدمة، كالمقبرة،

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة "قال في المبدع: ويلحق به ما إذا أخرج ساباطًا في موضع لا يحل له". ويغني عنها ما سيأتي بعد قليل.

ص: 206

وقارعة الطريق ونحوها (كلها ضرورة)

(1)

أي لأجل الضرورة.

والذي في "المنتهى" و"الإنصاف"، ونقله عن الموفق في "المغني" والشارح، والمجد في شرحه، وصاحب "الحاوي الكبير" و"الفروع" وغيرهم: صحة ذلك في الغصب، وفي الطريق إذا اضطروا إليه. وأما الحمام، والحش، ونحوه فيبعد إلحاقه بذلك.

قال في "الشرح": قال أحمد

(2)

: يصلي الجمعة في موضع الغصب، يعني إذا كان الجامع، أو بعضه مغصوبًا، صحت الصلاة فيه؛ لأن الجمعة تختص ببقعة، فإذا صلاها الإمام في الموضع المغصوب، فامتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة، وكذلك من امتنع فاتته، ولذلك صحت خلف الخوارج، والمبتدعة، وصحت في الطريق لدعاء الحاجة إليه، وكذلك الأعياد والجنازة.

(وتصح) الصلاة (على راحلة في طريق) على ما يأتي تفصيله، لصلاته صلى الله عليه وسلم على البعير

(3)

.

(و)

‌ تصح الصلاة على (نهر جمد ماؤه)

جزم به ابن تميم، وقدم في "الإنصاف": أنه كالطريق.

(وإن غير هيئة مسجد فكغصبه) في صلاته فيه، قاله في "الرعاية" فيؤخذ منه: لو صلى غيره فيه صحت، لأنه مباح له.

(1)

قوله: "فتصح فيها كلها ضرورة" فيه نظر، ولعل في كلامه سقطًا، والأصل فتصح فيها كلها، وفي طريق ضرورة. ليوافق كلام غيره. ا هـ ح م ص. "ش".

(2)

انظر مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية الكوسج (1/ 478، 564) رقم 403، 543، ومسائل ابن هانئ (1/ 70) رقم 344.

(3)

يأتي تخريجه ص / 219 تعليق رقم 4 من هذا الجزء.

ص: 207

(وإن منع المسجد غيره وصلى هو فيه، أو زحمه، وصلى مكانه حرم) أي حرم عليه منعه الغير، لأنه ظلم (وصحت) صلاته؛ لأن المسجد مباح في الجملة، وإنما المحرم عليه منع الغير، أو مزاحمته لإقامته، فعاد النهي إلى خارج.

وقال في "التنقيح" فيمن أقام غيره وصلى مكانه: قواعد المذهب تقتضي عدم الصحة.

وفي "الرعاية": وإن لم يغير هيئته، لكن منع الناس الصلاة فيه صحت صلاته، مع الكراهة؛ وتبعه في "المبدع"، وزاد: في الأصح، ولا يضمنه بذلك.

(ومن وجبت عليه الهجرة من أرض) لكفر أهلها، وعجزه عن إظهار دينه، أو كونهم أهل بدعة ضالة كذلك (لم يجب عليه إعادة ما صلى بها) لأن النهي عن إقامته بها لا يختص الصلاة.

(ويصح الوضوء، والأذان، وإخراج الزكاة، والصوم، والعقود) كالبيع، والنكاح، وغيرهما، والفسوخ كالطلاق، والخلع، والعتق (في مكان غصب) لأن البقعة ليست شرطًا فيها، بخلاف الصلاة.

(وتصح صلاته في بقعة أبنيتها غصب، ولو استند) إلى الأبنية لإباحة البقعة المعتبرة في الصلاة، ومقتضى كلامه في "المبدع": وتكره. وفي معنى ذلك ما يبنى بحريم الأنهار من مساجد وبيوت، لأن المحرم البناء بها، وأما البقعة فعلى أصل الإباحة.

(و) تصح (صلاة من طولب برد وديعة، أو) رد (غصب، قبل دفعها إلى ربها) ولو بلا عذر، لأن التحريم لا يختص الصلاة.

(و) تصح (صلاة من أمره سيده أن يذهب إلى مكان، فخالفه وأقام) لما تقدم.

ص: 208

(ولو تقوى على أداء عبادة) من صلاة، أو صوم، ونحوه (بأكل محرم صحت) عبادته؛ لأن النهي لا يعود إلى العبادة، ولا إلى شروطها، فهو إلى خارج عنها، وذلك لا يقتضي فسادها، لكن لو حج بغصب عالمًا ذاكرًا، لم يصح حجه على المذهب

(1)

.

(ولو صلى على أرض غيره، ولو) كانت (مزروعة بلا ضرر) ولا غصب (أو) صلى (على مصلاه بلا غصب، ولا ضرر، جاز) وصحت صلاته (وتقدم في الباب قبله) ويأتي في الجمعة: لو صلى على مصلى مفروش لغيره، لم تصح، وجوابه.

(وإن صلى في غصب) من بقعة أو غيرها (جاهلًا) كونه غصبًا (أو ناسيًا كونه غصبًا، صحت) لأنه غير آثم (أو حبس به) أي المكان الغصب (صحت صلاته) لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيانِ، وما استكرهُوا عليه"

(2)

.

(ويصلى فيها) أي في المقبرة، والحمام، وغيرهما مما تقدم (كلها

(1)

لكن لو حج بغصب

إلخ: كأنه يشير إلى أن كلام المصنف ليس على إطلاقه، بل يستثنى من العبادات الحج، فإذا استعان عليه بمأكل محرم لم يصح حجه، كما قال في المنتهى:[1/ 166 مع حاشية الشيخ عثمان النجدي]"أو حج بغصب عالمًا ذاكرًا" وفيه نظر، فإن الاستعانة بأكل الحرام على الصلاة، أو الحج، عائدة فيهما إلى خارج، فإذا صحت الصلاة مع كونها آكد من الحج، فلأن يصح الحج أولى، فالأظهر بقاء كلام "الإقناع" على عمومه، وحمل كلام "المنتهى" على ما إذا طاف طواف الفرض في سترة مغصوبة، أو وقف على دابة مغصوبة، فإن ذلك لا يصح كالصلاة أما الأكل فهو خارج فيهما. فتدبر. قاله شيخ شيخنا عثمان في حاشيته على المنتهى. "ش".

(2)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم 1.

ص: 209

لعذر) كأن حبس بحمام، أو حش، ونحوه. قال في "المبدع": وظاهره أنه لا يصلي فيها من أمكنه الخروج، ولو فات الوقت (ولا يعيد) من صلى فيها لعذر لصحة صلاته. وظاهره: ولو زال العذر في الوقت وخرج منها، كالمتيمم يجد الماء بعد الصلاة.

(وتكره الصلاة إليها) أي إلى المقبرة وغيرها مما تقدم من المواضع المنهي عن الصلاة فيها، لما روى أبو يزيد

(1)

الغنوي: أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصَلُّوا إلى القبور، ولا تجلسُوا إليهَا" رواه مسلم

(2)

.

قال القاضي: ويقاس على ذلك جميع مواضع النهي، إلا الكعبة، وفيه نظر. لأن النهي عنده تعبدي، وشرط القياس فهم المعنى (ما لم يكن حائل، ولو كمؤخرة رحل، وليس كسترة الصلاة، فلا يكفي حائط المسجد) جزم به جماعة منهم المجد، وابن تميم، والناظم، وغيرهم، وقدمه في "الرعايتين" و"الحاويين"، وغيرهم، لكراهة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش. وظاهر ما قدمه في "الفروع" و"المبدع" وغيرهما: يكفي حائط المسجد. وتأول ابن عقيل النص على سراية النجاسة تحت مقام المصلي، واستحسنه صاحب "التلخيص".

(ولا) يكفي (الخط ونحوه) ولا ما دون مؤخرة رحل (بل) الحائل هنا (كسترة المتخلي) فيعتبر بمؤخرة الرحل.

(وإن غيرت أماكن النهي غير الغصب بما يزيل اسمها، كجعل الحمام دارًا، أو مسجدًا، أو نبش الموتى من المقبرة، وتحويل عظامهم، ونحو ذلك) كجعل المزبلة، أو المجزرة دارًا (صحت الصلاة فيها) لأنها

(1)

كذا في الأصول: "أبو يزيد" وفي "صحيح مسلم" وغيره "أبو مرثد"، وهو الصواب.

(2)

في الجنائز، حديث 972.

ص: 210

خرجت بذلك عن أن تكون من موضع

(1)

النهي.

(وتصح) الصلاة (في أرض السباخ) نص عليه. قال في "الرعاية": مع الكراهة.

(و) تصح الصلاة في (الأرض المسخوط عليها، كأرض الخسف، وكل بقعة نزل بها عذاب، كأرض بابل، وأرض الحِجْر، ومسجد الضرار) لأنه عليه السلام نهى عن الصلاة في أرض بابل، وقال إنها ملعونة

(2)

، ولأنها مواضع مسخوط عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم مر بالحجر:"لا تدخُلُوا على هؤلاءِ المعذَّبينَ إلا أن تكونُوا باكين، أن يصيبَكم مثلُ ما أصابهم"

(3)

.

(وفي المدبغة، والرحى، و) تصح الصلاة (عليها) أي على الرحى (مع الكراهة فيهن) أي في تلك المسائل.

(1)

في "ح" و"ذ""مواضع".

(2)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 24، حديث 490، 491. وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 148): في إسناد هذا الحديث مقال. وقال ابن عبد البر في التمهيد (5/ 223 - 224): وهذا إسناد ضعيف، مجتمع على ضعفه، وهو مع هذا منقطع غير متصل بعلي رضي الله عنه

إلخ. وأعله المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 267) بالانقطاع. وضعف إسناده الحافظ في الفتح (1/ 530).

وروي عن علي رضي الله عنه موقوفًا أنه كره الصلاة بخسف بابل. علقه البخاري في الصلاة، باب 53، بصيغة التمريض. ووصله عبد الرزاق (1/ 415) رقم 1623، وابن أبي شيبة (2/ 377)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (1/ 229) رقم 310، والبيهقي (2/ 451). وحسن إسناده ابن عبد البر في التمهيد (5/ 224).

(3)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 53، حديث 433، وفي أحاديث الأنبياء، باب 17، حديث 3380، 3381، وفي المغازي، باب 80، حديث 4419، 4420، وفي التفسير، تفسير سورة الحجر، باب 2، حديث 4702، ومسلم في الزهد، حديث 2980، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 211

(و) تصح الصلاة (على الثلج بحائل أو لا، إذا وجد حجمه) لاستقرار أعضاء السجود (وكذا حشيش، وقطن منتفش) تصح الصلاه عليه إذا وجد حجمه (وإن لم يجد حجمه، لم تصح) صلاته، لعدم استقرار الجبهة عليه (ولا يعتبر كون ما يحاذي الصدر مقرًّا، فلو حاذاه روزنة ونحوها) كطاق (صحت) صلاته؛ لأن الصدر ليس من أعضاء السجود (بخلاف ما تحت الأعضاء) التي يجب السجود عليها، فلا تصح إن حاذت روزنة ونحوها. (أو صلى في الهواء، أو في أرجوحة، ونحو ذلك، لأنه ليس بمستقر القدمين على الأرض، إلا أن يكون مضطرًا) إلى الصلاة كذلك (كالمصلوب) والمربوط للعذر.

(و‌

‌تكره) الصلاة (في مقصورة تحمى)

للسلطان وحده

(1)

(نصًّا) قال ابن عقيل: إنما كره المقصورة لأنها كانت تختص بالظلمة وأبناء الدنيا، فكره الاجتماع بهم، قال: وقيل: كرهها لقصورها على أتباع السلطان، ومنع غيرهم، وتصير كالموضع الغصب.

(و‌

‌يصلي في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه)

بأن حبس فيه (ويسجد بالأرض وجوبًا، إن كانت النجاسة يابسة) تقديمًا لركن السجود، لأنه مقصود في نفسه، ومجمع على فريضته

(2)

، وعلى عدم سقوطه، بخلاف ملاقاة النجاسة (وإلا) بأن كانتَ النجاسة رطبة (أومأ غاية ما يمكنه، وجلس على قدميه) لضرورة الجلوس (ولا يضع على الأرض غيرهما) أي غير القدمين، للاكتفاء بهما عما سواهما (وكذا من هو في ماء وطين) يومئ

(1)

في "ح""وجنده".

(2)

في "ح" و"ذ""فرضيته".

ص: 212

كمصلوب، ومربوط لحديث:"إذا أمرتكم بأمرٍ فائتوا منه ما استطعتم"

(1)

.

(ولا تصح الفريضة في الكعبة) المشرفة (ولا على ظهرها) لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}

(2)

والشطر: الجهة. ومن صلى فيها، أو على سطحها غير مسقبل لجهتها.

ولأنه يكون مستدبرًا من الكعبة ما لو استقبله منها وهو خارج صحت صلاته.

ولأن النهي عن الصلاة على ظهرها قد ورد صريحا في حديث عبد الله بن عمر فيما سبق

(3)

، وفيه تنبيه على النهي عن الصلاة فيها؛ لأنهما سواء في المعنى.

والجدار لا أثر له، إذ المقصود البقعة، بدليل أنه يصلي للبقعة حيث لا جدار (إلا إذا وقف على منتهاها) أي الكعبة، وفي نسخ:"منتهاه" أي البيت الحرام، أو ظهره (بحيث لم يبق وراءه شيء منها، أو صلى خارجها) أي الكعبة (وسجد فيها) فيصح فرضه، لأنه مستقبل لطائفة من الكعبة، غير مستدبر لشيء منها، كما لو صلى إلى أحد أركانها

(4)

.

(ويصح نذر الصلاة فيها) أي الكعبة (وعليها) كالنافلة. وقال في "الاختيارات"

(5)

: وإن نذر الصلاة في الكعبة جاز، كما لو نذر الصلاة على الراحلة، وإن نذر الصلاة مطلقًا، اعتبر فيها شروط الفريضة، لأن النذر

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم 1.

(2)

سورة البقرة، الآية 144.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 204) تعليق رقم 2.

(4)

في "ح" و"ذ""الشيء منها فصحت كما لو صلى".

(5)

الاختيارات الفقهية ص / 67.

ص: 213

المطلق يحذى به حذو الفرائض ا هـ. وعبارة "المنتهى": وتصح نافله، ومنذورة، فيها وعليها.

(و)

‌ تصح (نافلة) فيها وعليها

(بل يسن التنفل فيها، والأفضل) أن يتنفل (وجاهه إذا دخل) لحديث ابن عمر قال: "دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم البيتَ، وأسامةُ بن زيدٍ، وبلالٌ، وعثمانُ بن طلحة، فأغلقُوا عليهم، فلما فتحُوا كنتُ أولَ من ولجَ، فلقيتُ بلالًا، فسألتُه: هل صلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: ركعتين بين السارِيتين عن يسارِكَ إذا دخلتَ، ثم خرج فصلى في وجهِ الكعبةِ ركعتين" رواه الشيخان

(1)

، ولفظه للبخاري.

وأما ما روى الشيخان، عن أسامة أيضًا

(2)

، والبخاري عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم "لم يصلِّ في الكعبةِ"

(3)

فجوابه: أن الدخول كان مرتين، فلم يصل

(1)

البخاري في الصلاة، باب 30، 81، 96، حديث 397، 468، 504، 505، وفي التهجد، باب 25، حديث 1167، وفي الحج، باب 51، 52، حديث 1598، 1599، وفي الجهاد، باب 127، حديث 2988، وفي المغازي، باب 49، 77، حديث 4289، 4400. ومسلم في الحج، حديث 1329.

(2)

مسلم في الحج، حديث 1330. وأما البخاري فلم نجده في "صحيحه".

وعلق ابن حجر في "الفتح"(1/ 501) على حديث ابن عباس (398) بقوله: وذكر أبو العباس الطرقي في الأطراف له أن البخاري أخرجه عن إسحاق غير منسوب، وأخرجه الإسماعيلي، وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق شيخ إسحاق بن نصر فيه، بإسناده هذا، فجعله من رواية ابن عباس عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم.

(3)

البخاري في الصلاة، باب 30، حديث 398، وفي الحج باب 54، حديث 1601، وفي المغازي، باب 48، حديث 4288، ومسلم في الحج، حديث 1331.

ص: 214

في الأولى، وصلى في الثانية، كذا رواه أحمد في "مسنده"

(1)

، وذكره ابن حبان في "صحيحه"

(2)

.

(ولو صلى لغير وجاهه إذا دخل جاز) كما لو صلى وجاهه، لأن كل جهة من جهاتها قبلة (إذا كان بين يديه شيء منها شاخص، متصل بها، كالبناء، والباب، ولو مفتوحًا، أو عتبته المرتفعة، فلا اعتبار بالآجر المعبا من غير بناء، ولا بالخشب غير المسمور، ونحو ذلك) لأنه غير متصل (فإن لم يكن شاخص) متصل (وسجوده على منتهاها، لم تصح) صلاته، لأنه لم يصل إلى شيء من الكعبة (وإن كان بين يديه شيء منها) أي الكعبة (إذا سجد، ولكن ما ثم شاخص، لم تصح) صلاته (أيضًا، اختاره الأكثر) قاله في "التنقيح"(وعنه: تصح) صلاته، اختاره الموفق في "المغني"، والمجد في "شرحه" وابن تميم، وصاحب "الحاوي الكبير" و"الفائق"، وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة، ذكره في "الإنصاف"، وهو معنى ما قطع به في "المنتهى".

(والحجر) -بكسر الحاء- (منها) أي من الكعبة، لخبر عائشة

(3)

(وقدره ستة أذرع وشيء).

(1)

لم نجده.

(2)

"الإحسان"(7/ 483)، وانظر فتح الباري (3/ 469).

(3)

روى البخاري في الحج، باب 41، حديث 1584، وفي التمني، باب 9، حديث 7243، ومسلم في الحج حديث 1333، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر أمن البيت هو؟ قال: نعم

ورواه أبو داود في المناسك، باب 94، حديث 2028، والنسائي في الحج، باب 129، حديث 2912. والترمذي في الحج، باب 48، حديث 876، وقال: حسن صحيح. =

ص: 215

قال الشيخ تقي الدين

(1)

: الحجر جميعه ليس من البيت، وإنما الداخل في حدود البيت ستة أذرع وشيء، فمن استقبل ما زاد على ذلك لم تصح صلاته البتة ا هـ، وهذا بالنسبة لغير الطواف، ولا فلابد من خروجه عن جميعه احتياطًا، ويأتي (فيصح التوجه إليه) أي إلى ذلك القدر من الحجر، لأنه من البيت، أشبه سائره، وسواء كان المتوجه إليه مكيًّا أو غيره، وسواء كانت الصلاة فرضًا، أو نفلا.

(ويسن التنفل فيه) أي في الحجر، لخبر عائشة

(2)

(وأما الفرض فيه) أي الحج (فكـ) ـالفرض (داخلها) لا يصح إلا إذا وقف على منتهاه، بحيث لم يبق وراءه شيء منه، أو وقف خارجه وسجد فيه.

(و‌

‌لو نقض) أو سقط (بناء الكعبة، وجب استقبال موضعها،

وهوائها، دون أنقاضها) لأن المقصود البقعة، لا الأنقاض.

(ولو صلى على جبل يخرج عن مسامتة بنيانها) كأبي قبيس (صحت) الصلاة (إلى هوائها) وكذا لو حفر حفيرة في الأرض، بحيث ينزل عن مسامتة بنيانها، صحت إلى هوائها، لما تقدم أن المقصود البقعة لا الجدار.

(ويأتي حكم صلاة الفرض على الراحلة، وفي السفينة: أول) باب (صلاة أهل الأعذار) بعد الكلام على صلاة المريض.

= وأحمد (6/ 67، 92) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أحب أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأدخلني في الحجر، فقال: صلي في الحجر، إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت

الحديث.

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 74.

(2)

تقدم تخريجه في التعليق السابق.

ص: 216

(باب استقبال القبلة، و) بيان (أدلتها) وما يتعلق بذلك

قال الواحدي

(1)

: القبلة الوجهة، وهي الفعلة من المقابلة، والعرب تقول: ما له قبلة ولا دبرة، إذا لم يهتد لجهة أمره. وأصل القبلة في اللغة: الحالة التي يقابل الشيء غيره عليها، كالجلسة للحالة التي يجلس عليها، إلا أنها صارت كالعلم للجهة التي يستقبلها المصلي.

وسميت قبلة: لإقبال الناس عليها، أو لأن المصلي يقابلها، وهي تقابله.

والأدلة: جمع دليل، وتقدم في الخطبة.

(صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس عشر سنين بمكة) جزم به القاضي في "شرح الخرقي الصغير" والسامري في "المستوعب"، وهي المدة التي أقامها بمكة بعد البعثة، بناء على حديث أنس رضي الله عنه قال: "بعثَه اللهُ على رأسِ أربعينَ سنةً، فأقام بمكةَ عشرَ سنينَ، وبالمدينة عشر سنينَ

الحديث"

(2)

.

وما ذكره

(3)

من أنه كان يصلي بمكة قبل الهجرة إلى بيت المقدس هو أحد أقوال ثلاثة:

قال الفخر الرازي في "تفسيره"

(4)

: اختلفوا في صلاته إلى بيت المقدس،

(1)

الوسيط في تفسير القرآن المجيد (1/ 224).

(2)

أخرجه البخاري في المناقب، باب 23، حديث 3547، 3548، وفي اللباس، باب 68، حديث 5900.

(3)

في "ح" و"ذ": "ذكروه".

(4)

(4/ 110).

ص: 217

فقال قوم: كان بمكة يصلي إلى الكعبة، فلما صار إلى المدينة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا.

وقال قوم: بل كان بمكة يصلي إلى بيت المقدس، إلا أنه يجعل القبلة بينه وبينه.

وقال قوم: بل كان يصلي إلى بيت المقدس فقط بمكة، وبالمدينة أولًا سبعة عشر شهرًا، ثم أمره الله تعالى بالتوجه إلى الكعبة، لما فيه من الصلاح.

(و) صلى أيضًا صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس (ستة عشر شهرًا بالمدينة) رواه النسائي

(1)

عن البراء. وقيل: سبعة عشر شهرا، وقيل: ثمانية عشر شهرًا.

وجمع بينها بأن من عدها ستة عشر لم يعتبر الكسور. ومن عدها ثمانية عشر، اعتد بالشهرين الأول والآخر، ولم ينظر لما فيهما من الكسور. ومن عدها سبعة عشر، حسب كسور الأول والأخير، وألغى بقيتهما.

(ثم أمر) صلى الله عليه وسلم (بالتوجه إلى الكعبة) بقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ - الآية}

(2)

.

(وهو الشرط الثامن لصحة الصلاة) لأنه قد تقدم عليه، سبعة (فلا تصح) الصلاة (بدونه) أي الاستقبال، لقوله تعالى:{فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}

(3)

قال علي: "شطره: قبله"

(3)

.

(1)

في الصلاة، باب 22، حديث 488، وفي القبلة، باب 1، حديث 741. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الآحاد، باب 1، حديث 7252، والترمذي في الصلاة، باب 138، حديث 340، وأحمد: (4/ 304)، وزادوا: أو سبعة عشر شهرا.

(2)

سورة البقرة الآية: 144.

(3)

رواه ابن جرير في تفسيره (2/ 22)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 254)، والحاكم (2/ 269). وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

ص: 218

وقال ابن عمر: "بينما الناس بقباء في صلاةِ الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلةَ، فاستقبَلُوها، وكانت وجوهُهُم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبةِ" متَّفقٌ عليه

(1)

.

(إلا لمعذور) عاجز عن استقبال القبلة (كالتحام حرب) حال الطعن والكر والفر (وهرب من سيل، أو) من (نار، أو) من (سبع، ونحوه، ولو) كان العذر (نادرًا، كمريض عجز عنه) أي عن الاستقبال (و) عجز (عمن يديره إليها) أى القبلة (وكمربوط، ونحوه) أى كمصلوب إلى غير القبلة (فتصح) الصلاة (إلى غير القبلة منهم، بلا إعادة) لأنه شرط عجزوا عنه، فسقط، كستر العورة، وكالقيام.

(و) إلا (لمتنقل راكب، وماش في سفر، غير محرم، ولا مكروه، ولو) كان السفر (قصيرًا) لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}

(2)

قال ابن عمر: "نزلت في التطوع خاصة"

(3)

.

ولما روى هو أنه صلى الله عليه وسلم "كان يسبح على ظهر راحِلته حيث كان وجههُ يومئ برأسه" وكان ابن عمر يفعله. متفق عليه

(4)

، وللبخاري:"إلا الفرائض"

(5)

.

(1)

البخاري في الصلاة، باب 32، حديث 403، وفي تفسير سورة البقرة باب 14، 16، 17، 19، 20، حديث 4488، 4490، 4491، 4493، 4494، وفي أخبار الآحاد، باب 1، حديث 7251، ومسلم في المساجد، حديث 526.

(2)

سورة البقرة، الآية:115.

(3)

انظر: "صحيح مسلم": حديث 700، (33، 34)، والترمذي في التفسير، حديث 2958.

(4)

البخاري في تقصير الصلاة باب 9، 12، حديث 1098، 1105، ومسلم في المسافرين، حديث 700 (39).

(5)

هذه الزيادة في "صحيح مسلم" -أيضًا- بلفظ: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة.

ص: 219

ولم يفرق بين طويل السفر وقصيره؛ ولأن ذلك تخفيف في التطوع، لئلا يؤدي إلى تقليله أو قطعه، فاستويا فيه. وألحق الماشي بالراكب؛ لأن الصلاة أبيحت للراكب، لئلا ينقطع عن القافلة في السفر، وهو موجود في الماشي.

و (لا) يسقط الاستقبال (إذا تنفل في الحضر، كالراكب السائر في مصره) أو قريته، لأنه ليس مسافرًا.

(ولا) يسقط الاستقبال إذا لم يقصد المسافر جهة معينة كـ (ـراكب تعاسيف، وهو ركوب الفلاة وقطعها على غير صوب

(1)

) ومنه الهائم، والتائه، والسائح.

والسفر: قطع المسافة، وجمعه أسفار، سمي بذلك لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.

(فلو عدلت به) أي المسافر الذي يتطوع على راحلته (دابته عن جهة سيره) إلى غير جهة القبلة (لعجزه عنها، أو لجماحها، ونحوه) كحرنها، وطال، بطلت صلاته؛ لأنه بمنزلة العمل الكثير، وإن قصر لم تبطل.

(أو عدل هو) أي المسافر (إلي غير القبلة غفلة، أو نومًا، أو جهلًا، أو سهوًا، أو لظنه أنها جهة سيره، وطال، بطلت) صلاته؛ لأنه عمل كثير، فيبطلها عمده، وسهوه، وجهله.

(وإن قصر) عدوله لعذر (لم تبطل) صلاته، لأنه يسير.

(ويسجد للسهو، إن كان عذره السهو) لا الغفلة، والنوم، ونحوه، فيعايا بها

(2)

.

(1)

الصوب: الصواب، والقصد. القاموس المحيط ص/ 136.

(2)

فيقال: سجود سهو وجب لفعل غير المصلي، وليس إمامًا له، بل ولا مكلف. "ش".

ص: 220

(وإن كان غير معذور في ذلك) العدول (بأن عدلت) به (دابته وأمكنه ردها) ولم يردها، بطلت، طال ذلك أو قصر، إن لم يكن عدوله إلى جهة القبلة.

(أو عدل) بنفسه (إلى غير القبلة مع علمه) بأنها غير جهة سيره، وغير جهة القبلة (بطلت) صلاته، طال ذلك، أو قصر؛ لأنه ترك قبلته عمدًا.

(وإن انحرف عن جهة سيره، فصار قفاه إلى القبلة عمدًا، بطلت) لاستدباره القبلة، وكذا لو استدار بجملته عن جهة سيره إلى غير جهة القبلة، لتركه قبلته (إلا أن يكون انحرافه إلى جهة القبلة) في جميع ما تقدم، فلا تبطل صلاته لأن التوجه إليها هو الأصل.

(وإن وقفت دابته تعبًا، أو) وقف (منتظرًا رفقة، أو لم يسر لسيرهم) استقبل القبلة (أو نوى النزول ببلد دخله، استقبل القبلة) ويتمها لانقطاع السير، كالخائف يأمن.

(ولو ركب المسافر النازل) أي غير السائر (وهو في) صلاة (نافلة، بطلت) صلاته، سواء كان يتنفل قائمًا، أو قاعدًا؛ لأن حالته حالة إقامة، فيكون ركوبه فيها بمنزلة العمل الكثير من المقيم.

و (لا) تبطل صلاة (الماشي) بركوبه فيها (فيتمها) لأنه انتقل من حالة مختلف في صحة التنفل فيها، وهي المشي، إلى حالة متَّفق على صحة التنفل فيها، وهي الركوب، مع أن كلًا منهما حالة سير.

(وإن نزل) المسافر (الراكب في أثنائها) أي النافلة (نزل مستقبلًا وأتمها، نصًا) لأنَّه انتقل إلى حالة

(1)

إقامة، كالخائف إذا أمن.

(1)

في "ح" و"ذ": "حال".

ص: 221

(ويلزم الراكب) إذا تنفل على راحلته (افتتاحها) أي النافلة (إلى القبلة بالدابة) بأن يديرها إلى القبلة إن أمكنه بلا مشقة (أو بنفسه) بأن يدور إلى القبلة ويدع راحلته سائرة مع الركب (إن أمكنه) ذلك (بلا مشقة) لما روى أنس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان إذا سافرَ فأرادَ أن يتطوع استقبل بناقته القبلة، فكبر، ثم صلى حيثُ كانَ وجهة ركابِه"، رواه أحمد، وأبو داود

(1)

.

(وكذا إن أمكنه ركوع، وسجود، واستقبال) في جميع النافلة (عليها) أي الراحلة (كمن هو في سفينة أو مِحفّة) بكسر الميم (ونحوها) كعمارية، وهودج، فيلزمه ذلك لقدرته عليه بلا مشقة، (أو كانت راحلته واقفة)، لزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة، والركوع والسجود إن أمكنه، بلا مشقة (وإلا) أي: وإن لم يمكنه افتتاح النافلة إلى القبلة، بلا مشقة، كمن على بعير مقطور، ويعسر عليه الاستدارة بنفسه، أو يكون مركوبه حرونًا تصعب عليه إدارته، أو لا يمكنه الركوع ولا السجود (افتتحها) أي النافلة (إلى غيرها) أي غير القبلة، يعني إلى جهة سيره (وأومأ) بالركوع والسجود (إلى جهة سيره) طلبًا للسهولة عليه، حتى لا يؤديه إلى عدم التطوع.

(ويكون سجوده أخفض من ركوعه وجوبًا إن قدر) لما روى جابر قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرقِ،

(1)

أحمد (3/ 203)، وأبو داود في الصلاة، باب 277، حديث 1225. وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص/ 282 حديث 2114، وابن أبي شيبة (2/ 494)، وعبد بن حميد (3/ 117) حديث 1231، والدارقطني (1/ 396)، والبيهقي (2/ 5)، والضياء في المختارة (5/ 210 - 212) حديث 1838 - 1841. قال المنذري في مختصر السنن (2/ 59): إسناده حسن. وصححه ابن السكن كما في التلخيص الحبير (1/ 214)، وابن الملقن في مختصر البدر المنير (1/ 110).

ص: 222

والسجود أخفضُ من الركوع" رواه أبو داود

(1)

.

(وتعتبر فيه) أي في نفل المسافر، أي يشترط لصحته (طهارة محله) أي المصلى (نحو سرج، وإكاف) كغيره، لعدم المشقة فيه. فإن كان المركوب نجس العين، أو أصابت موضع الركوب منه نجاسة، وفوقه حائل طاهر، من برذعة، ونحوها، صحت الصلاة. قال في "شرح الهداية": وقال بعض أصحابنا: هو على الروايتين فيمن فرش طاهرًا على أرض نجسة، والصحيح الجواز هاهنا على الروايتين؛ لأن اعتبار ذلك يشق، فتفوت الرخصة، وذلك أن أبدان الدواب لا تسلم غالبًا من النجاسة، لتقلبها، وتمرغها على الزبل والنجاسات. والبغل منها نجسان في ظاهر المذهب، والحاجة ماسة إلى ركوبهما. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان يصلي على حماره التطوع"

(2)

وذلك دليل الجواز.

(وإن وطئت دابته نجاسة، فلا بأس) أى لم تبطل صلاته. وقال ابن حمدان: بلى، إن أمكن رده عنها، ولم يردها.

(وإن وطئها) أي النجاسة (الماشي عمدًا، فسدت صلاته) كغير المسافر.

(وإن نذر) المسافر السائر (الصلاة على الدابة، جاز) أي: انعقد نذره. ومثله: نذرها في الكعبة، وتقدم.

(1)

في الصلاة، باب 277، حديث 1227. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الصلاة، باب 143 حديث 351، وعبد الرزاق (2/ 576) حديث 4522، وابن أبي شيبة (2/ 494)، وأحمد (3/ 332) وأبو عوانة (2/ 375 - 376)، والدارقطني (1/ 397)، والبيهقي (2/ 5)، والبغوي (4/ 189) حديث 1038.

وقال الترمذى: حسن صحيح. وقال البغوي: هذا حديثٌ صحيحٌ.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 194) تعليق رقم 3.

ص: 223

(والوتر وغيره من النوافل) الرواتب وغيرها، وسجود التلاوة (عليها) أي الراحلة (سواء) لعدم الفارق، وقد كان صلى الله عليه وسلم "يوتر على دابته" متفق عليه

(1)

.

(ويدور في السفينة، والمحفة، ونحوهما) كالعمارية (إلى القبلة في كل صلاة فرض) لوجوب الاستقبال فيه لما تقدم.

و (لا) يلزمه أن يدور في (نفل) للحرج والمشقة (والمراد غير الملّاح) فلا يلزمه أن يدور في الفرض أيضًا (لحاجته) لتسيير السفينة.

(ويلزم الماشي أيضًا الافتتاح) أي افتتاح النافلة (إلي القبلة، و) يلزمه (ركوع وسجود) إلى القبلة بالأرض، لتيسر ذلك عليه من غير انقطاع عن جهة سيره (ويفعل الباقي) من الصلاة (إلى جهة سيره). وصحح المجد في "شرح الهداية": يومئ بالركوع والسجود إلى جهة سيره كالراكب.

(والفرض في القبلة لمن قرب منها -كمن بمكة- إصابة العين) أي عين الكعبة (ببدنه كله، بحيث لا بخرج شيء منه عنها) أي عن الكعبة، نص عليه، لأنه قادر على التوجه إلي عينها قطعًا، فلم يجز العدول عنه، فلو خرج ببعض بدنه عن مسامتتها لم تصح.

(ولا يضر علوّ) هُ على الكعبة، كما لو صَلَّى على أبي قبيس (ولا نزولـ) ــه عنها، كما لو صَلَّى في حفيرة تنزل عن مسامتتها؛ لأنَّ العبرة بالبقعة لا بالجدران. كما تقدم (إن لم يتعذَّر عليه إصابتها) أي إصابة العين ببدنه، كالمصلي داخل المسجد الحرام، أو على سطحه، أو خارجه، وأمكنه ذلك بنظره، أو علمه، أو خبر عالم بذلك، فإن من نشأ بمكة، أو أقام بها كثيرًا تمكن من الأمر اليقيني في ذلك، ولو مع حائل حادث كالأبنية.

(1)

البُخاري في تقصير الصَّلاة، باب 7، 9، حديث 1095، 1098، ومسلم في المسافرين، حديث 700 (38، 39)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 224

(فإن تعذرت) إصابة العين (بحائل أصلي من جبل ونحوه) كالمصلي خلف أبي قبيس (اجتهد إلى عينها) أي عين الكعبة، لتعذر اليقين عليه.

(ومع حائل غير أصلي كالمنازل) تحول بينه وبين الكعبة (لابد من اليقين) أي من تيقنه محاذاة الكعبة ببدنه (بنظر) هِ إلى الكعبة، (أو خبر) ثقة (ونحوه).

والأعمى المكي، والغريب إذا أراد الصَّلاة بدار، أو نحوها من مكة، ففرضه الخبر عن يقين، أو عن مشاهدة، مثل أن يكون من وراء حائل، وعلى الحائل من يخبره، أو أخبره أهل الدار أنَّه متوجه إلى عين الكعبة، فيلزمه الرجوع إلى قولهم، وليس له الاجتهاد، كالحكم إذا وجد النص.

(و) الفرض في القبلة (إصابة الجهة بالاجتهاد، ويعفى عن الانحراف قليلًا) يمنة أو يسرة (لمن بعد عنها) أي عن الكعبة (وهو) أي البعيد عنها (من لم يقدر على المعاينة) للكعبة (ولا على من يخبره عن علم) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين المشرقِ والمغربِ قبلة" رواه ابن ماجه، والترمذي

(1)

وصححه.

(1)

ابن ماجه في إقامة الصَّلاة، باب 56، حديث 1011، والترمذي في الصَّلاة، باب 139، حديث 342 - 344. ورواه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 362)، والعقيلي (4/ 309)، والطبراني في الأوسط (1/ 441) حديث 794، (3/ 438) حديث 2945، (10/ 67) حديث 9136، وابن عدي (5/ 1833 - 1834).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وله شاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما رواه الدارقطني (1/ 270، 271)، والحاكم (1/ 205، 206)، والبيهقي (2/ 9) من طريقين مرفوعًا.

وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

وقال أبو زرعة: كما في علل ابن أبي حاتم (1/ 184): هذا وهم .. الحديث =

ص: 225

ولأن الإجماع انعقد على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة.

وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو، لا يقال: مع البعد يتسع المحاذى؛ لأنَّه إنَّما يتسع مع التقوس لا مع عدمه (سوى المشاهد لمسجد النَّبي صلى الله عليه وسلم، والقريب منه، ففرضه إصابة العين) لأنَّ قبلته متيقنة لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ. وقد روى أسامة بن زيد أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "ركعَ ركعتين قبل القبلةِ، وقال: هذه القبلةُ"

(1)

.

قال الناظم: وكذا مسجد الكوفة لاتفاق الصّحابة عليه، لكن قال في "الشَّرح": في قول الأصحاب نظر؛ لأنَّ صلاة الصف المستطيل في مسجد النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صحيحة مع خروج بعضهم عن استقبال عين الكعبة، لكون الصف أطول منها.

وقولهم: إنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ: صحيح، لكن إنَّما الواجب عليه

= حديث ابن عمر رضي الله عنهما موقوف.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 213): وذكره الدارقطني في العلل، وقال: الصواب عن نافعٌ، عن عبد الله بن عمر، عن عمر قوله.

وقال البيهقي: المشهور رواية الجماعة: حماد بن سلمة، وزائدة بن قدامة، ويحيى ابن سعيد القطان وغيرهم عن عبيد الله عن نافعٌ عن ابن عمر عن عمر من قوله.

(1)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1330. ورواه البُخاريّ في الصَّلاة، باب 30، حديث 398 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وفي كلا الحديثين: أنَّه صلى الله عليه وسلم دخل البيت، ولم يصل فيه حتَّى خرج منه، فصلَّى ركعتين في قبل الكعبة، وقال: هذه القبلة.

وليس فيهما ما يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى في مسجده، وقال: هذه القبلة، كما يفهم من سياق المؤلف رحمه الله والله أعلم.

ص: 226

استقبال الجهة وقد فعله. وهذا الجواب عن الحديث المذكور اهـ.

وأجاب ابن قندس: بأنَّ استقبال الجهة إنما يجب عند تعذر إصابة العين، وهو صلى الله عليه وسلم متمكن من ذلك بالوحي، بل ذكر القاضي عياض في الباب الثَّاني من "الشفاء"

(1)

: أنه رفعت له الكعبة حين بنى مسجده صلى الله عليه وسلم.

قلت: لكن النظر الذي أورده الشارح باق، إلَّا أن يقال: مراد الأصحاب من إلحاقهم إياه بمن بمكة: أنَّه يضر انحرافه يمنة ويسرة عن محرابه صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره ممن بعد، فلا يضر انحرافه.

(والبعيد منه) أي من مسجد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يعني ومن مكّة: يجتهد (إلى الجهة) لتعذر إصابة العين بالاجتهاد، فتقوم الجِهة مقامها للضرورة (فإن أمكنه ذلك) أي معرفة ما هو مأمور بالتوجه إليه من عين أو جهة (بخبر ثقة

(2)

، مكلف، عدل ظاهرًا وباطنًا) حرًا كان أو عبدًا، رجلًا أو امرأة (عن يقين) مثل أن يخبره أن الشمس تطَّلع أو تغرب من جهةٍ عَيَّنَها، فيعلم أن الجهة بينها وبين مقابلتها مثلًا، أو يخبره أن النجم الذي تجاهه الجدي، فيعلم محل القبلة منه ونحوه، لزمه العمل به، ولا يجتهد، كالحاكم يقبل النص من الثقة ولا يجتهد.

وعُلم أنه لا يقبل خبر كافر، ولا غير مكلف، ولا فاسق، لكن قال ابن تميم: يصح التوجه إلى قبلته في بيته، ذكره في "الإشارات"، وجزم به في "المبدع". قال في "الرِّعاية الكبرى": قلت: وإن كان هو عملها فهو كإخباره اهـ، فلو شك في حاله، قَبِل قوله في الأصح، وإن شك في إسلامه، فلا. وأنه إذا أخبره عن اجتهاد لا يجوز تقليده، قال في "الفروع" و"المبدع": في

(1)

(1/ 43).

(2)

في "ح" و"ذ": "مسلم ثقة".

ص: 227

الأصح، وقيل: مع ضيق الوقت، ذكره القاضي ظاهر كلام أحمد، واختاره جماعة.

(أو) أمكنه معرفة القبلة (بالاستدلال بمحاريب المسلمين) جمع محراب، وهو صدر المجلس، ومنه محراب المسجد، وهو الغرفة. وقال المبرد: لا يكون محرابا إلَّا أن يرتقى إليه بدرج (لزمه العمل به) إذا علمها للمسلمين، عدولًا كانوا أو فساقًا؛ لأنَّ اتفاقهم عليها مع تكرر الأعصار إجماع عليها، ولا تجوز مخالفتها. قال في "المبدع": ولا ينحرف؛ لأنَّ دوام التوجه إليه كالقطع.

(وإن وجد محاريب) ببلد خراب (لا يعلمها للمسلمين، لم يلتفت إليها) لأنَّها لا دلالة فيها؛ لاحتمال كونها لغير المسلمين، وإن كان عليها آثار الإسلام، لجواز أن يكون الباني مشركًا، عملها ليغرّ بها المسلمين. قال في "الشرح": إلَّا أن يكون مما لا يتطرق إليه هذا الاحتمال، ويحصل له العلم أنه من محاريب المسلمين فيستقبله.

وعُلم منه: أنَّه إذا علمها للكفار لا يجوز له العمل بها؛ لأنَّ قولهم لا يرجع إليه؛ فمحاريبهم أولى. وفي "المغني" و"الشَّرح": إذا علمت قبلتهم كالنصارى إذا رأى محاريبهم في كنائسهم، علم أنها مستقبلة للمشرق.

ص: 228

فصل

(فإن اشتبهت عليه القبلة، فإن كان في قرية، ففرضه التوجه إلى محاريبهم) لما تقدم (فإن لم تكن) لهم محاريب، (لزمه السؤال عنها) أي عن القبلة. قال في "المبدع": ظاهره يقصد المنزل في الليل، فيستخبر (إن كان جاهلًا بأدلتها) أي القبلة (فإن وجد من يخبره عن يقين، ففرضه الرجوع إلى خبره) ولا يجتهد، كالحاكم يجد النص. (وإن كان) يخبره (عن ظن، ففرضه تقليده إن كان) المخبر (من أهل الاجتهاد فيها، وهو العالم بأدلتها) وضاق الوقت، وإلا لزمه العلم والعمل باجتهاده.

(وإن اشتبهت عليه) القبلة (في السفر، وكان عالمًا بأدلتها، ففرضه الاجتهاد في معرفتها) لأن ما وجب اتباعه عند وجوده، وجب الاستدلال عليه عند خفائه، كالحكم في الحادثة. (فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهة) أنها القبلة (صلى إليها) لتعينها قبلة له، إقامة للظن مقام اليقين، لتعذره.

(فإن تركها) أي الجهة التي غلبت على ظنه، (وصلى إلى غيرها أعاد) ما صلاه إلى غيرها (وإن أصاب) لأنه ترك فرضه، كما لو ترك القبلة المتيقنة.

(وإن تعذر عليه الاجتهاد لغيم ونحوه) كما لو كان مطمورًا (أو) كان (به مانع من الاجتهاد، كرمد ونحوه، أو تعادلت عنده الأمارات، صلى على حسب حاله بلا إعادة) كعادم الطهورين.

(وكل من صلى من هؤلاء) المذكورين (قبل فعل ما يجب عليه من استخبار) إن وجد من يخبره عن يقين (أو اجتهاد) إن قدر عليه، ولم يجد من يخبره عن يقين، (أو تقليد) إن لم يقدر على الاجتهاد، لعدم علمه بالأدلة،

ص: 229

أو عجزه عنه لرمد أو نحوه (أو تحرٍ) فيما إذا لم يجد الأعمى أو الجاهل من يقلده، (فعليه الإعادة، وإن أصاب) القبلة، لتفريطه بترك ما وجب عليه.

(و‌

‌يستحب أن يتعلم أدلة القبلة و) أدلة (الوقت)

من لا يعرفها. وقال أبو المعالي: يتوجه وجوبه، وقدمه في "المبدع" فقال: ويجب على من يريد السفر تعلم ذلك، ومنعه قوم؛ لأن جهة القبلة مما يندر التباسه، والمكلف يجب عليه تعلم ما يعم لا ما يندر.

(ويستدل عليها) أي القبلة (بأشياء: منها النجوم) وهي أصحها، قال تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}

(1)

وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا}

(2)

وقال عمر: "تعلموا من النجوم ما تعرفونَ به الوقتَ والطريقَ"

(3)

.

(وأثبتها) وأقواها: (القطب) بتثليث أوله، حكاه ابن سيده

(4)

(الشمالي) لأنه لا يزول عن مكانه، ويمكن كل أحد معرفته.

(ثم الجدي) نجم نير على ما ذكره جماعة من أصحابنا وغيرهم، خلافًا لأبي الخطاب (والفرقدان، والقطب: نجم خفي) شمالي

(5)

(حوله أنجم دائرة، كفراشة الرحى، أو كالسمكة في أحد طرفيها أحد الفرقدين). وفي "الشرح" و"شرح المنتهى": في أحد طرفيها الفرقدان (وفي الطرف الآخر

(1)

سورة النحل، الآية:16.

(2)

سورة الأنعام، الآية:97.

(3)

رواه ابن أبي شيبة (8/ 602) ومن طريقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله": (2/ 791) رقم 1474، بلفظ:"تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر، ثم أمسكوا".

(4)

انظر المحكم والمحيط الأعظم (6/ 177).

(5)

في "ذ" زيادة: "يراه حديد البصر إذا لم يكن القمر طالعًا، فإذا قوي نور القمر خفي".

ص: 230

الجدي). قالوا: وبين ذلك أنجم صغار منقوشة كنقوش الفراشة، ثلاثة من فوق، وثلاثة من تحت، تدور هذه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرحى حول سفودها، في كل يوم وليلة دورة، نصفها بالليل، ونصفها بالنهار في الزمن المعتدل، فيكون الفرقدان عند طلوع الشمس في مكان الجدي عند غروبها. ويمكن الاستدلال بها على أوقات الليل وساعاته، وغيره من الأزمنة لمن عرفها، وفهم كيفية دورانها.

(والقطب في وسط الفراشة لا يبرح من مكانه دائمًا) قدمه في "الشرح" وفي "شرح المنتهى": إلا قليلًا. قال في "الشرح": وقيل: إنه يتغير تغيرًا يسيرًا لا يؤثر (ينظره) أي القطب (حديد البصر في غير ليالي القمر) فإذا قوي نور القمر خفي (لكن يستدل عليه بالجدي والفرقدين، فإنه بينهما، وعليه تدور بنات نعش الكبرى).

قال في "حاشيته": بنات نعش: أربعة كواكب، وثلاثة تتبعها الأربعة نعش، والثلاثة بنات.

(وغيرها) أي غير بنات نعش الكبرى (إذا جعله) أي جعل الإنسان القطب (وراء ظهره كان مستقبلًا وسط السماء في كل بلد، ثم إن كان في بلد لا انحراف له عن مسامتة القبلة للقطب مثل آمد، وما كان على خطها فهو مستقبل القبلة، وإن كان البلد منحرفًا عنها) أي عن مسامتة القبلة للقطب (إلى جهة المغرب، انحرف المصلى إلى المشرق بقدر انحراف بلده، كبلاد الشام وما هو مغرب عنها، فإن انحراف دمشق إلى المغرب نحو نصف سدس الفلك يعرف ذلك الفلكية.

وكلما قرب إلى المغرب كان انحراف المصلي إلى المشرق بقدره،

ص: 231

وعكس ذلك بعكسه، فإذا كان البلد منحرفًا عن مسامتة القبلة للقطب إلى المشرق انحرف المصلي إلى المغرب بقدر انحرافه) أي بلده (وكلما كثر انحرافه إلى المشرق كثر انحراف المصلي إلى المغرب بقدره.

وإن جعل القطب وراء ظهره في الشام وما حاذاها، وانحرف قليلًا إلى المشرق، كان مستقبل القبلة.

قال الشيخ في شرح العمدة

(1)

: إذا جعل الشامي القطب بين أذنه اليسرى ونقرة القفا، فقد استقبل ما بين الركن الشامي والميزاب اهـ.

فمطلع سهيل) وهو نجم كبير مضيء، يطلع من مهب الجنوب، ثم يسير حتى يصير في قبلة المصلي، ثم يتجاوزها، فيسير حتى يغرب بقرب مهب الدبور (لأهل الشام قبلة، ويجعل القطب خلف أذنه اليمنى بالمشرق.

وقال الشيخ -أيضًا

(1)

-: العراقي إذا جعل القطب بين أذنه اليمنى ونقرة القفا، فقد استقبل قبلته اهـ. ويجعله) أي القطب (على عاتقه الأيسر بإقليم مصر).

ومن استدبر الفرقدين والجدي في حال علو أحدهما وهبوط الآخر، فهو كاستدبار القطب، وإن استدبر أحدهما، في غير هذا الحال، فهو مستقبل للجهة، لكنه إن استدبر الشرقي منهما انحرف إلى المشرق قليلًا، وإن استدبر الغربي انحرف قليلًا إلى المغرب، ليتوسط الجهة، ويكون انحرافه المذكور لاستدبار الجدي أقل من انحرافه لاستدبار الفرقدين، لأنه أقرب إلى القطب منهما. وإن استدبر بنات نعش كان مستقبلًا للجهة أيضًا، لكنه عن وسطها أبعد، فيجعل انحرافه إليه أكثر، قاله في "شرح الهداية".

(1)

انظر (2/ 554 - 555).

ص: 232

ومما يستدل به أيضًا: المجرة، فإنها تكون في الشتاء في أول الليل في ناحية السماء ممتدة شرقًا وغربًا على الكتف الأيسر من الإنسان، إذا كان متوجهًا إلى المشرق، ثم تصير من آخره ممتدة شرقًا وغربًا أيضًا على كتفه الأيمن، وأما في الصيف فإنها تتوسط السماء.

(ومنها) أي الأدلة (الشمس، والقمر، ومنازلهما؛ وما يقترن بها

(1)

) أي بمنازل الشمس والقمر (أو ما يقاربها

(2)

، كلها تطلع من المشرق على يسرة المصلي في البلاد الشمالية، وتغرب في المغرب عن يمنته).

والمنازل ثمانية وعشرون: أربعة عشر شامية، تطلع من وسط المشرق؛ أو مائلة عنه إلى الشمال، وأربعة عشر يمانية تطلع من المشرق مائلة إلى اليمن ولكل نجم من الشامية رقيب من اليمانية إذا طلع أحدهما غاب رقيبه.

(والقمر يبدو هلالًا أول الشهر) إلى ثلاثة (عن يمنة المصلي عند غروب الشمس، وفي الليلة الثامنة من الشهر يكون على القبلة عند غروب الشمس، وفي الليلة العاشرة على سمت القبلة وقت العشاء بعد مغيب الشفق، وفي ليلة ثنتين وعشرين على سمتها وقت طلوع الفجر تقريبًا فيهن بالشام.

ومنها) أي الأدلة (الرياح، والاستدلال بها عسر

(3)

في الصحاري، وأما بين الجبال والبنيان، فإنها تدور، فتختلف وتبطل دلالتها) ولهذا قال أبو المعالي: الاستدلال بها ضعيف اهـ.

وأمهاتها أربع: الجنوب، ومهبها قبلة أهل الشام من مطلع سهيل إلى

(1)

في "ح": "بهما".

(2)

في "ح": "أو ما يقاربهما".

(3)

في "ح" زيادة: "إلا".

ص: 233

مطلع الشمس في الشتاء، وبالعراق إلى بطن كتف المصلى اليسرى مارة إلى يمينه.

والشمال مقابلتها ومهبها من القطب إلى مغرب الشمس في الصيف.

والصبا: وتسمى القبول، ومهبها من يسرة المصلي بالشام؛ لأنه من مطلع الشمس صيفًا إلى مطلع العيوق، وبالعراق إلى خلف أذن المصلي اليسرى مارة إلى يمينه.

والدبور مقابلتها؛ لأنها تهب بالشام بين القبلة والمغرب، وبالعراق مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن.

وبين كل ريحين من الأربع المذكورات: ريح تسمى النكباء لتنكبها طريق الرياح المعروفة.

ولكل من هذه الرياح صفات وخواص تميز بعضها عن بعض عند ذوي الخبرة بها.

(ومنها) أي أدلة القبلة (الجبال الكبار، فكلها ممتدة عن يمنة المصلي إلى يسرته، وهذه دلالة قوية) تدرك بالحس (لكن تضعف من وجه آخر؛ وهو أن المصلي يشتبه عليه: هل يجعل الجبل الممتد خلفه أو قدامه؟ فتحصل الدلالة على وجهين، والاشتباه على جهتين. هذا إذا لم يعرف وجه الجبل) فإن عرفه استقبله (فإن وجوه الجبال إلى القبة، وهو) أي وجه الجبل (ما فيه مصعده، قاله في الخلاصة.

ومنها:) أى الأدلة (الأنهار الكبار، غير المخدودة) أي المحفورة (كدجلة، والفرات، والنهروان) وهو جيحون (وغيرها) كالنيل (فإنها تجري عن يمنة المصلي إلى يسرته، إلا نهرًا بخراسان، وهو المقلوب، و) إلا (نهرًا بالشام، وهو العاصي، يجريان عن يسرة المصلي إلى يمنته).

ص: 234

قال الموفق: وهذا لا ينضبط؛ لأن الأردن بالشام يجري نحو القبلة، وكثير منها يجري نحو البحر، يصب فيه.

(قلت: والاستدلال بالأنهار، فرع على الاستدلال بالجبال، فإنها تجري في الخلال التي بين الجبال ممتدة مع امتدادها) وهذا ظاهر في الجملة.

ص: 235

فصل

(وإذا اختلف اجتهاد رجلين) يعني أو امرأتين أو خنثيين، أو رجل وامرأة، ونحوه، ولو قال: مجتهدين، لعم الكل (فأكثر) من مجتهدين (في جهتين فأكثر) بأن ظهر لكل منهما جهة غير الجهة التي ظهرت للآخر (لم يتبع واحد) منهما (صاحبه) لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر، فأشبها العالمين المجتهدين في الحادثة إذا اختلفا، والقاصدين ركوب البحر إذا غلب على ظن أحدهما الهلاك، وعلى ظن الآخر السلامة، فيعمل كل منهما بغالب ظنه (ولم يصح اقتداؤه) أى أحدهما (به) أي بالآخر، لأنه تيقن باجتماعهما في الصلاة خطأ أحدهما في القبلة، فتبطل جماعتهما.

(فإن كان) اختلاف اجتهادهما (في جهه واحدة، بأن قال أحدهما: يمينًا، و) قال (الآخر: شمالًا، صح أن يأتم أحدهما بالآخر، لاتفاق اجتهادهما) في الجملة

(1)

، والواجب الاجتهاد إلى الجهة، وقد اتفقا عليها.

(ومن بان) أي ظهر (له الخطأ) في اجتهاده وهو إمام أو مأموم (انحرف) إلى الجهة التي تغير اجتهاده إليها، لأنها ترجحت في ظنه، فتعينت عليه (وأتم) صلاته، ولا يلزمه الاستئناف؛ لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.

(وينوي المأموم منهما) أي المجتهدين اللذين ائتم أحدهما بالآخر، ثم بان لأحدهما الخطأ (المفارقة) لإمامه (للعذر) المانع له من اقتدائه به، لما تقدم (ويتبعه من قلده) أي يلزم من قلد المجتهد الذي تغير اجتهاده أن يتبعه

(1)

في "ح" و"ذ": "الجهة".

ص: 236

إلى الجهة التي بانت له؛ لأن فرضه التقليد. قال في "الإنصاف": في أصح الوجهين (فإن اجتهد أحدهما ولم يجتهد الآخر لم يتبعه) حيث كان قادرًا على الاجتهاد، بل يجتهد.

(ويتبع) وجوبًا (جاهل بأدلة القبلة) وإن كان عالمًا في الأحكام أوثق المجتهدين.

(و) يتبع (أعمى وجوبًا أوثقهما) أي المجتهدين (في نفسه علمًا بدلائل القبلة) وإن لم يكن عالمًا بالأحكام الشرعية، لأنه الأقرب إصابة في نظره، ولا مشقة عليه في متابعته، وقد كلف الإنسان في ذلك باتباع غالب ظنه. قال المجد في "شرحه": بخلاف تكليف العامي تقليد الأعلم في الأحكام، فإن فيه حرجًا وتضييقًا، ثم مازال عوام كل عصر يقلد أحدهم لهذا المجتهد في مسألة، وللآخر في أخرى، ولثالث في ثالثة، وكذلك إلى ما لا يحصر

(1)

ولم ينقل إنكار ذلك عليهم، ولا أنهم أمروا بتحري الأعلم والأفضل في نظرهم.

(فإن تساويا) أي المجتهدان (عنده) أي عند الجاهل بأدلتها، أو الأعمى (خير) فيقلد أيهما شاء؛ لأنه لم يظهر لواحد منهما أفضلية على غيره حتى يترجح عليه (فإن أمكن الأعمى الاجتهاد بشيء من الأدلة) كالأنهار الكبار غير المخدودة، والجبال، ومهبات الرياح (لزمه) الاجتهاد (ولم يقلد) لقدرته على الاجتهاد.

(وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ، أو) صلى (الأعمى بلا دليل) بأن لم يستخبر من يخبره، ولم يلمس المحراب ونحوه، مما يمكن أن يعرف به

(1)

في "ح" و"ذ": "يحصى".

ص: 237

القبلة (أعادا) ولو أصاب أعمى أو اجتهد البصير، لأن الحضر ليس بمحل اجتهاد، لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها، ولوجود من يخبره عن يقين غالبًا، وإنما وجبت الإعادة عليهما لتفريطهما بعدم الاستخبار، أو الاستدلال بالمحاريب، مع القدرة عليه.

(فإن لم يجد الأعمى) من يقلده (أو) لم يجد (الجاهل) من يقلده (أو) لم يجد (البصير المحبوس

(1)

-ولو في دار الإسلام- من يقلده صلى بالتحري) إلى ما يغلب على ظنه أنه جهة القبلة (ولم يعد) أخطأ أو أصاب، لأنه أتى بما أمر به على وجهه، فسقطت عنه الإعادة كالعاجز عن الاستقبال.

(ومن صلى بالاجتهاد) إن كان من أهله (أو التقليد) إن لم يكن أهل اجتهاد (ثم علم خطأ القبلة بعد فراغه، لم يعد) لأنه أتى بالواجب عليه على وجهه، مع عدم تفريطه، فسقط عنه، ولأن خفاء القبلة في الأسفار يقع كثيرًا لوجود الغيوم وغيرها من الموانع، فإيجاب الإعادة مع ذلك فيه حرج، وهو منتف شرعًا.

(ولو دخل في الصلاة باجتهاد)

(2)

بعد أن غلب على ظنه جهة القبلة وأحرم (ثم شك، لم يلتفت إليه) أي إلى ذلك الشك، لأنه لا يساوي غلبة الظن التي دخل بها في الصلاة (وبنى) على صلاته.

(وكذا إن زاد

(3)

ظنه) الخطأ (ولم يبن له الخطأ ولا ظهر له جهة أخرى) فلا يلتفت إليه ويبني.

(ولو غلب على ظنه خطأ الجهة التي يصلي إليها) بأن ظهر له أنه

(1)

في "ح": "البصير والمحبوس".

(2)

في "ح": "باجتهاده".

(3)

في "ح" و"ذ" زيادة: "على".

ص: 238

يصلي إلى غير القبلة (ولم يظن جهة غيرها، بطلت صلاته) لأنه لا يمكنه استدامتها إلى غير القبلة، وليست له جهة يتوجه إليها، فبطلت لتعذر إتمامها.

(ولو أُخبر) من يصلي باجتهاد أو تقليد (وهو في الصلاة بالخطأ) في القبلة (يقينًا) وكان المخبر ثقة (لزمه قبوله) بأن يعمل به، ويترك الاجتهاد أو التقليد، كما لو أخبره بذلك قبل اجتهاده أو تقليده (وإلا) أي وإن لم يكن الإخبار عن يقين (لم يجز) للمجتهد قبول خبره ولا العمل به؛ لما تقدم من أنَّه لا يقلد مجتهد مجتهدًا خالفه.

(وإن أراد مجتهد صلاة أخرى) غير التي صلاها بالاجتهاد (اجتهد لها وجوبًا) فيجب الاجتهاد لكل صلاة؛ لأنها واقعة متجددة، فتستدعي طلبًا جديدًا، كطلب الماء في التيمم، وكالحادثة في الأصح فيها لمفت ومستفت.

قلت: فيؤخذ من التعليل الأول: أن المراد صلاة من الفرائض بخلاف النوافل، فلا يلزمه التحرى لكل ركعتين، لو أراد التنفل في وقت واحد، ويؤخذ من التعليل الثاني: أنَّه إذا كان مقلدًا لا يلزمه أن يجدد التقليد لكل صلاة، كما هو مفهوم مجتهد.

(فإن تغير اجتهاده عمل بـ) ـلاجتهاد (الثاني) لأنه ترجح في ظنه، فصار العمل به واجبًا، فيستدير إلى الجهة التي أداه اجتهاده إليها ثانيًا (ولم يعد ما صلى بـ) ـلاجتهاد (الأول) لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والعمل بالثاني ليس نقضًا للأول، بل لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة، فلم تجز له الصلاة إلى جهة غيرها، ولهذا قال عمر لما قضى في المشركة في العام الثاني بخلاف ما قضى به في الأول:"ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي"

(1)

إذا

(1)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 249) رقم 19005، والبيهقي (6/ 255)، وفي معرفة السنن (9/ 148).

ص: 239

تغير

(1)

ذلك، فيعمل بالاجتهاد الثاني (ولو) كان (في صلاة وبني) على ما عمله بالاجتهاد الأول (نصًا) فلو فرض أنَّه صلى بكل اجتهاد ركعة من الرباعية إلى جهة، صحت صلاته إلى الجهات الأربع لما تقدم.

(وإن أمكن المقلد) أي الجاهل بأدلة القبلة (تعلم الأدلة والاجتهاد، قبل خروج الوقت، لزمه ذلك) عند خفاء القبلة عليه. قال في "شرح المنتهي": قولًا واحدًا؛ لقصر زمنه. قال في "الشرح": فإن صلى قبل ذلك لم تصح صلاته؛ لأنه قدر على الصلاة باجتهاده، فلم يجز له التقليد كالمجتهد (فإن ضاق الوقت عنه) أي عن تعلم أدلة القبلة (فعليه التقليد) لأن القبلة يجوز تركها للضرورة، وفي شدة الخوف، ولا يعيد، بخلاف الطهارة.

(1)

في "ح" و"ذ": "تقرر".

ص: 240

‌باب النية وما يتعلق بها

(وهي الشرط التاسع) وبها تمت شروط الصلاة.

(وهي) لغة: القصد، يقال: نواك الله بخير، أي قصدك به.

و (شرعًا: عزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى) بأن يقصد بعمله الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح منهم أو نحوه، وهذا هو الإخلاص.

وقال بعضهم: هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.

وقال آخر: هو التوقي عن ملاحظة الأشخاص. وهو قريب من الَّذي قبله.

وقال آخر: هو أن يأتي بالفعل لداعية واحدة، ولا يكون لغيرها من الدواعي تأثير في الدعاء إلى ذلك الفعل. في الخبر:"الإخلاص سر من سرِّي استودعتُه قلبَ من أحببتُه من عبادِي"

(1)

.

و‌

‌درجات الإخلاص ثلاثة:

عليا: وهي أن يعمل العبد لله وحده امتثالًا لأمره، وقيامًا بحق عبوديته.

(1)

ذكره الديلمي في مسند الفردوس حديث رقم 4513 من حديث علي وابن عباس رضي الله عنهم. ورواه القشيري في الرسالة القشيرية (104). وأورده الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (4/ 365)؛ والزبيدي في الإتحاف (10/ 43) من طريق أحمد بن عطاء الهجيمي، عن عبد الواحد بن زيد، عن الحسن، عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله تعالى. وقال العراقي: وأحمد بن عطاء، وعبد الواحد كلاهما متروك، وهما من الزهاد. ورواه أبو القاسم القشيري في الرسالة من حديث علي بن أبي طالب بسند ضعيف. وقال الحافظ في الفتح (4/ 109): حديث واه جدًّا.

ص: 241

ووسطى: وهي أن يعمل لثواب الآخرة.

ودنيا: وهي أن يعمل للإكرام في الدنيا والسلامة من آفاتها

(1)

.

وما عدا الثلاث من الرياء وإن تفاوتت أفراده، ولهذا قال أهل السنة: العبادة ما وجبت لكونها مفضية إلى ثواب الجنّة، أو إلى البعد من عقاب النار، بل لأجل أنك عبد وهو رب. هذا ملخص. كلام الشمس العلقمي

(2)

في حاشية "الجامع الصغير".

(فلا تصح الصلاة بدونها) أي النية (بحال) لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}

(3)

والإخلاص: عمل القلب، وهو محض النية، وذلك بأن يقصد بعمله أنَّه لله وحده، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرِئٍ ما نوَى" متفق عليه

(4)

. ولأنها قربة محضة، فاشترطت لها النية كالصوم.

وقال الشيخ عبد القادر: هي قبل الصلاة شرط، وفيها ركن. واعترض بأنه يلزم أن يقال في بقية الشروط كذلك، ولا قائل به.

ومحلها القلب وجوبًا، واللسان استحبابًا

(5)

على ما تقدم.

(1)

جاء في حاشية "ح": "قال بعضهم: وفي هذه الثالثة نظر؛ لقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية. وقوله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.".

(2)

هو شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي العلقمي الشافعي المتوفى سنة 969 هـ -رحمه الله تعالى-. من مؤلفاته: الكوكب المنير بشرح الجامع الصغير. انظر الأعلام للزركلي (6/ 195).

(3)

سورة البينة، الآية:5.

(4)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم 2.

(5)

التلفظ بالنية بدعة، وليس على استحباب التلفظ بها دليل. انظر:"زاد المعاد"(1/ 201).

ص: 242

وزمنها مع أول واجب أو قبله بيسير.

وكيفيتها الاعتقاد في القلب. قال في "الاختيارات"

(1)

: النية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله، قصده ضرورة.

ويحرم خروجه لشكه في النية، لعلمه أنَّه ما دخل إلا بالنية.

(ولا يضر معها) أي النية (قصد تعليم الصلاة) لفعله

(2)

صلى الله عليه وسلم في صلاته على المنبر وغيره (أو) قصد (خلاص من خصم، أو إدمان سهر) قال في "الفروع": كذا وجدت ابن الصيرفي نقله (والمراد: لا يمنع الصحة بعد إتيانه بالنية المعتبرة، لا أنَّه لا ينقص ثوابه؛ ولهذا ذكره ابن الجوزي فيما ينقص الأجر. ومثله قصده مع نية الصوم هضم الطعام، أو قصده مع نية الحج رؤية البلاد النائية) أي البعيدة (ونحو ذلك) كقصده تجارة مع ذلك؛ لأنه قصد ما يلزم ضرورة (كنية التبرد، أو النظافة، مع نية رفع الحدث، وتقدم) هذا (في الوضوء).

ولا يشترط ذكر عدد الركعات، بأن يقول: نويت أصلي الصبح ركعتين، أو الظهر أربعًا. لكن إن نوى مثلًا الظهر ثلاثًا، أو خمسًا، لم تصح لتلاعبه. ولا يشترط أيضًا أن ينوي مع الصلاة الاستقبال، كستر العورة، واجتناب

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 74.

(2)

روى البخاري في الصلاة، باب 18، حديث 377، والجمعة، باب 26، حديث 917، ومسلم: المساجد: حديث 544، عن سهل بن سعد رضي الله عنه في حديث طويل، وفيه: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه (أي على المنبر) فكبر، وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر، ثم رفع، فنزل القهقرى حتَّى سجد في أصل المنبر، ثم عاد، حتَّى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس، إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي.

ص: 243

النجاسة.

(ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة من فرض، كظهر) أو جمعة، أو عصر، أو مغرب، أو عشاء، أو صبح، وكذا منذورة (ونفل مؤقت كوتر) وتراويح (وراتبة) وضحى؛ واستخارة، وتحية مسجد، فلابد من التعيين في هذا كله لتتميز تلك الصلاة عن غيرها؛ ولأنه لو كانت عليه صلوات، فصلى أربعًا ينويها مما عليه، فإنه لا يجزئه إجماعًا، فلولا اشتراط التعيين، لأجزأه (وإلا) أي وإن لم تكن الصلاة معينة كالنفل المطلق، كصلاة الليل (أجزأته نية الصلاة) لعدم

(1)

التعيين فيها.

(ولا يشترط نية قضاء في) صلاة (فائتة) فلو قال من عليه الظهر قضاء: أصلي الظهر فقط، كفاه ذلك؛ لأن كل واحد منهما يستعمل بمعنى الآخر، يقال: قضيت الدين، وأديته، وقال تعالى:{فَإِذَا قَضَيِتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}

(2)

أي أديتموها؛ ولأن أصل إيجاب ذلك يرجع إلى تعيين الوقت، وهو غير معتبر، بدليل أنَّه لا يلزم من عليه فائتة تعيين يومها؛ بل يكفيه كونها السابقة، أو الحاضرة.

(ولا) تشترط (نية فرضية في فرض) فلا يعتبر أن يقول: أصلي الظهر فرضًا، ولا معادة؛ فيما إذا كانت معادة، كما في "مختصر المقنع". كالتي قبلها.

(ولا) تشترط نية (أداء في حاضرة) لأنه لا يختلف المذهب أنَّه لو صلاها ينويها أداء، فبان وقتها قد خرج، أن صلاته صحيحة وتقع قضاء. وكذلك لو نواها قضاء فبان فعلها في وقتها وقعت أداء. قاله في "الشرح".

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة: "ما يقتضي".

(2)

سورة البقرة، الآية:200.

ص: 244

(ويصح قضاء بنية أداء) إذا بان خلاف ظنه (و) يصح (عكسه) أي الأداء بنية القضاء (إذا بان خلاف ظنه) كما تقدم.

و (لا) يصح ذلك (مع العلم) وقصد معناه المصطلح عليه، بغير خلاف، لأنه متلاعب.

(ولو كان عليه ظهران) مثلًا (حاضرة وفائتة، فصلاهما، ثم ذكر أنَّه ترك شرطًا) أو ركنًا (في إحداهما لا يعلم عينها) بأن لم يدر، أهي الفائتة أو الحاضرة (صلى ظهرًا واحدة ينوي بها ما عليه) لما تقدم من أنَّه لا يشترط نية الأداء في الحاضرة، والقضاء في الفائتة.

(ولو كان الظهران فائتتين، فنوى ظهرًا منهما) ولم يعينها (لم تجزئه) الظهر التي صلاها (عن إحداهما، حتَّى يعين السابقة؛ لأجل) اعتبار (الترتيب) بين الفوائت (بخلاف المنذورتين) فلا يحتاج إلى تعيين السابقة من اللاحقة؛ لأنه لا ترتيب بينهما.

(ولو ظن) مكلف (أن عليه ظهرًا فائتة، فقضاها في وقت ظهر اليوم، ثم بان أنه لا قضاء عليه لم يجزئه)

(1)

الظهر التي صلاها (عن) الظهر (الحاضرة) لأنه لم ينوها، أشبه ما لو نوى قضاء عصر، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"وإنما لكل امرئٍ ما نوى"

(2)

.

(وكذا لو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة) لم يجزئه عنها لما تقدم.

(ولا يشترط إضافة الفعل إلى الله تعالى في العبادات كلها) بأن يقول: أصلي لله، أو أصوم لله، ونحوه؛ لأن العبادات لا تكون إلا لله (بل يستحب) ذلك خروجًا من خلاف من أوجبه.

(1)

في "ح": "تجزيه"، وفي "ذ":"تجزه".

(2)

جزء من حديث عمر رضي الله عنه، تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم 2.

ص: 245

(ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام) إما مقارنة لها؛ أو متقدمة عليها بيسير، ومقارنتها للتكبير بأن يأتي بالتكبير عقب النية، وهذا ممكن لا صعوبة فيه، بل عامة الناس إنما يصلون هكذا.

وأما تفسير المقارنة: بانبساط أجزاء النية على أجزاء التكبير، بحيث يكون أولها مع أوله وآخرها مع آخره، فهذا لا يصح؛ لأنه يقتضي عزوب النية عن أول الصلاة، وخلو أول الصلاة عن النية الواجبة، وتفسيرها بحضور جميع النية مع حضور جميع أجزاء التكبير، فهذا قد نوزع في إمكانه فضلًا عن وجوبه، ولو قيل بإمكانه فهو متعسر، فيسقط بالحرج.

وأيضًا فمما يبطل هذا والذي قبله، أن المكبر ينبغي له أن يتدبر التكبير، ويتصوره، فيكون قلبه مشغولًا بمعنى التكبير لا بما يشغله عن ذلك من استحضار المنوي، ذكره في "الاختيارات"

(1)

.

(والأفضل مقارنتها) أي النية (للتكبير) خروجًا من خلاف من أوجبه، كالآجري، وغيره.

(فإن تقدمت) النية (عليه) أي التكبير (بزمن يسير بعد دخول الوقت في أداء وراتبة، ولم يفسخها) أي النية، وكان ذلك (مع بقاء إسلامه) بأن لم يرتد (صحت) صلاته؛ لأن تقدم النية على التكبير بالزمن اليسير لا يخرج الصلاة عن كونها منوية، ولا يخرج الفاعل عن كونه ناويًا مخلصًا كالصوم.

ولأن النية من شروط الصلاة، فجاز تقدمها كبقية الشروط.

ولأن في اعتبار المقارنة حرجًا ومشقة؛ فوجب سقوطه لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

(2)

.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 75.

(2)

سورة الحج، الآية:78.

ص: 246

ولأن أول الصلاة من أجزائها؛ فكفى استصحاب النية فيه كسائرها.

وعلم مما تقدم: أن النية لو تقدمت قبل وقت الأداء، أو الراتبة، ولو بيسير لم يعتد بها، للخلاف في كونها ركنًا للصلاة، وهو لا يتقدم كبقية الأركان.

وأول من اشترط لتقدم النية كونه في وقت المنوية: الخرقي، وتبعه على ذلك ابن الزاغوني

(1)

، والقاضي أبو يعلى، وولده أبو الحسين، وصاحب "الرعاية"، و"المستوعب"، و"الحاويين"، وجزم به في "الوجيز" وغيره. ولم يذكر هذا الشرط أكثر الأصحاب، فإما لإهمالهم، أو بناء منهم على الغالب. قال في "الإنصاف": وظاهر كلام غيرهم، أي غير من تقدم: الجواز، لكن لم أر الجواز صريحًا.

وعلم منه أيضًا: أنَّه إذا فسخها لم يعتد بها؛ لأنه صار كمن لم ينو.

وعلم منه أيضًا: أنَّه إذا ارتد لم يعتد بها؛ لأن الردة في أثناء العبادة مبطلة لها، كما لو ارتد في أثناء الصلاة، إذا تقرر ذلك فإنها تصح مع التقدم بالزمن اليسير بشرطه (حتى ولو تكلم بعدها) أي النية (وقبل التكبير) لأن الكلام لا ينافي العزم المتقدم، ولا يناقض النية المتقدمة، فتستمر إلى أن يوجد مناقض.

(وكذا لو أتى بها) أي النية (قاعدًا) في الفرض (ثم قام) فكبر؛ لأن الواجب استحضار النية عند دخوله في الصلاة، لا أن لا تتقدم.

وكذا لو نوى الصلاة وهو غير مستقبل، ثم استقبل وصلى، أو وهو مكشوف العورة، ثم سترها ودخل في الصلاة، أو وهو حامل نجاسة، ثم ألقاها ودخل في الصلاة.

(1)

في "ح": "ابن الزعفراني".

ص: 247

(ويجب استصحاب حكمها) أي النية (إلى آخر الصلاة) بأن لا ينوي قطعها دون استصحاب ذكرها، فلو ذهل عنها، أو عزبت عنه في أثناء الصلاة، لم تبطل؛ لأن التحرز من هذا غير ممكن، وقياسًا على الصوم وغيره.

وقد روى مالك في "الموطأ" عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاةُ أدبر الشيطانُ وله حُصاص

(1)

، فإذا قضي التثويب، أقبل حتَّى يخطر بين المرءِ ونفسِه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، حتَّى يضل

(2)

أحدُكم أن يدري كم صلّي؟ "

(3)

، وإن أمكنه استصحاب ذكرها، فهو أفضل.

(فإن قطعها) أي النية (في أثنائها) أي الصلاة بطلت؛ لأن النية شرط في جميعها، وقد قطعها، أشبه ما لو سلم ينوي الخروج منها.

(أو عزم عليه) أي على قَطع النية بطلت؛ لأن النية عزم جازم، ومع العزم على قطعها لا جزم، فلا نية.

(أو تردد فيه) أي في قطعها، بطلت الصلاة؛ لأن استدامة النية شرط لصحتها، ومع التردد تبطل الاستدامة.

(1)

بضم الحاء المهملة، قال في الصحاح [3/ 1033]: شدة العدو وسرعته، عن الأصمعي.

ثم قال: قال حماد بن سلمة: قلت لعاصم بن أبي النجود: ما الحصاص؟ قال: أما رأيت الحمار إذا صّر بأذنيه، ومصع بذنبه، وعدا، فذلك حصاصه. قال: أبو عبيد [غريب الحديث 4/ 181] يقال: هو الضراط في قول بعضهم. قال: وقول عاصم أعجب إلي، وهو قول الأصمعي وغيره. اهـ. "ش".

(2)

لفظ الموطأ: حتَّى يَظَلَّ الرجل إنْ يَدْرِي. وانظر فتح الباري (2/ 86).

(3)

مالك في "الموطأ": الصلاة، (1/ 69) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الأذان، باب 4، حديث 608، وفي العمل في الصلاة، باب 18، حديث 1222، وفي السهو، باب 6، 7، حديث 1231، 1232، وفي بدء الخلق، باب 11، حديث 3285، ومسلم في الصلاة، حديث 389.

ص: 248

(أو شك) في أثناء الصَّلاة (هل نوى، فعمل مع الشك عملًا) من أعمال الصَّلاة، كركوع، وسجود، ورفع منهما، وقراءة، وتسبيح، ونحوها (ثم ذكر أنَّه نوى) بطلت صلاته؛ لخلو ما عمله عن نية جازمة.

(أو شك في تكبيرة إحرام) بطلت، بمعنى وجب عليه استئناف الصلاة؛ لأته لا يدخل في الصَّلاة إلَّا بتكبيرة الإحرام، والأصل عدمها.

(أو شك هل أحرم بظهر، أو عصر) أي شك في تعيين الصَّلاة (ثم ذكر فيها) أي بعد أن عمل مع الشَّك عملًا فعليًا، أو قوليًا، بطلت صلاته؛ لخلو ما عمله عن نية جازمة.

(أو نوى أنه سيقطعها) أي النيَّة.

(أو علقه) أي قطع النيَّة (على شرط) كأن نوى إن جاء زيد، قطعها (بطلت) صلاته؛ لمنافاة ذلك للجزم بها.

(وإن شك هل نوى) الصلاة (فرضًا، أو نفلًا، أتمها نفلًا) لأنَّ الأصل عدم نية الفرض (إلا أن يذكر أنَّه نوى الفرض قبل أن يحدث عملًا) من أعمال الصَّلاة الفعلية والقولية (فيتمها فرضًا) لأنَّه لم يخل عمل من أعمالها عن النيَّة الجازمة (وإن ذكره) أي ذكر أنَّه نوى الفرض (بعد أن أحدث عملًا بطل فرضه) لخلو ما عمله عن نية الفرضية الجازمة.

(وإن أحرم بفرض) صلاة (رباعية، ثم سلم من ركعتين يظنها جمعة، أو فجرًا، أو التراويح، ثم ذكر) ولو قريبًا (بطل فرضه) وظاهره: تصح نفلًا (ولم يبن) علي الركعتين (نصًا) لقطع نية الرباعية بسلامه ظانًا ما ذكر (كما لو كان) سلم منها (عالمًا) لقطعه نية الصَّلاة.

(وإن أحرم بفرض، فبان عدمه، كمن أحرم بفائتة فلم تكن عليه، أو) أحرم بفرض فـ (ـبان قبل دخول وقته، انقلبت نفلًا) لأنَّ نية الفرض تشمل نية

ص: 249

النفل، فإذا بطلت نية الفرضية، بقيت نية مطلق الصَّلاة.

(وإن كان عالمًا) أن لا فائتة عليه، أو أن الوقت لم يدخل (لم تنعقد) صلاته (فيهما) لأنَّه متلاعب.

(وإن أحرم به) أي الفرض (في وقته المتسع، ثم قلبه نفلًا لغرض صحيح، مثل أن يحرم منفردًا ثم يريد الصَّلاة في جماعة، جاز) لأنَّ نية النفل تضمنتها نية الفرض، فإذا قطع نية الفرض، بقيت نية النفل (بل هو) أي قلب الفرض من المنفرد نفلًا، ليصليه في جماعة (أفضل) من إتمامه منفردًا، لأنَّه إكمال في المعنى، كنقض المسجد للإصلاح.

(ويكره) قلب الفرض نفلًا (لغير الغرض) الصَّحيح، لكونه أبطل عمله. وعن أحمد

(1)

فيمن صَلَّى ركعة من فرض منفردًا، ثم أقيمت الصَّلاة: أعجب إليَّ يقطعه ويدخل معهم. فعلى هذا يكون قطع النفل أولى.

(وإن انتقل من فرض) أحرم به كالظهر (إلى فرض) آخر كالعصر (بمجرد النيَّة من غير تكبيرة إحرام) للفرض (الثَّاني، بطل فرضه الأول) الذي انتقل عنه، لقطعه نيته (وصح) ما صلاه (نفلًا إن استمر) على نية الصَّلاة؛ لأنَّه قطع نية الفرضية بنيَّة انتقاله عن الفرض الذي نواه أولًا، دون نية الصَّلاة فتصير نفلًا.

(وكذا حكم ما يبطل الفرض فقط، إذا وجد فيه) أى في الفرض، فإنَّه يصير نفلًا (كترك القيام) بلا عذر يسقطه، فإن القيام ركن في الفرض دون النفل (و) كـ (ـالصلاة في الكعبة، والائتمام بمتنفل، وائتمام مفترض بصبي، إن اعتقد جوازه)؛ أي جواز ما يبطل الفرض (ونحوه) أي نحو اعتقاد جوازه، كما

(1)

انظر كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى (1/ 176).

ص: 250

لو اعتقد المتنفل مفترضًا، فتصح صلاته نفلًا؛ لأنَّ الفرض لم يصح، ولم يوجد ما يبطل النفل. فإن لم يعتقد جوازه ونحوه، بل فعله مع علمه بعدم جوازه، لم تنعقد صلاته فرضًا ولا نفلًا، لتلاعبه، كمن أحرم بفرض قبل وقته عالمًا (ولم ينعقد) الفرض (الثَّاني) الذي انتقل إليه بمجرد النية من غير تكبيرة إحرام؛ لأنها فتاحه، ولم توجد.

(وإن اقترن بـ) ـنية الفرض (الثَّاني تكبيرة إحرام له، بطل) الفرض (الأول) لقطعه نيته (وصح) الفرض (الثَّاني) كما لو لم يتقدمه غيره.

(و‌

‌من شرط الجماعة: أن ينوي الإمام والمأموم حالهما)

بأنَّ ينوي الإمام الإمامة وينوي المأموم الائتمام (فرضًا ونفلًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى"

(1)

(فينوي الإمام أنَّه مقتدى به، وينوي المأموم أنَّه مقتد) كالجمعة، لأنَّ الجماعة تتعلق بها أحكام وجوب الاتباع، وسقوط السَّهو عن المأموم، وفساد صلاته بفساد صلاة إمامه، وإنَّما يتميز الإمام عن المأموم بالنية، فكانت شرطًا لصحة انعقاد الجماعة.

(فلو نوى أحدهما دون صاحبه) بأنَّ نوى الإمام دون المأموم أو بالعكس، (أو نوى كل واحد منهما أنَّه إمام الآخر، أو) أنَّه (مأمومه) لم تصح لهما؛ لأنه أم من لم يأتم به، أو ائتم بمن ليس إمامًا.

(أو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه، كأمي) نوى أن يؤم قارئًا (أو) كـ (امرأة) نوت أن (تؤم رجلًا ونحوه) كعاجز عن شرط الصَّلاة، نوى أن يؤم قادرًا عليه، لم تصح صلاتهما؛ لأنَّ كلا من الإمامة والائتمام فاسدان.

(أو نوى الائتمام بأحد الإمامين لا بعينه) لم تصح صلاته؛ لعدم تعيينه.

(1)

جزء من حديث عمر رضي الله عنه تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم 2.

ص: 251

(أو) نوى الائتمام (بهما) أي بالإمامين، لم تصح صلاته، لأنَّه لا يمكنه الاقتداء بهما.

(أو) نوى الائتمام (بالمأموم، أو) بـ (ـالمنفرد) لم تصح صلاته؛ لأنَّه ائتم بغير إمام.

(أو شك في الصَّلاة أنَّه إمام، أو مأموم) لم تصح صلاته (لعدم الجزم بالنية) أي نية الإمامة أو الائتمام.

(أو أحرم بحاضر، فانصرف) الحاضر (قبل إحرامه) معه، ولم يعد، ولم يدخل غيره معه قبل رفعه من ركوعه، لم تصح صلاته؛ لأنَّه نوى الإمامة بمن لم يأتم به.

(أو عين إمامًا) بأنَّ نوى أنَّه يصلِّي خلف زيد، فأخطأ، لم تصح صلاته.

(أو) عين (مأمومًا، وقلنا: لا يجب تعيينهما) أي الإمام والمأموم (وهو) أي القول بعدم وجوب تعيينهما (الأصح) قاله فى "الفروع" وغيره (فأخطأ) لم تصح صلاته، قدمه في "الفروع" وغيره.

وعلم عن قوله: عين إمامًا أو مأمومًا، أنَّه لو ظنه من غير تعيين له، لصحت صلاته، وهو الصَّحيح.

وعلم أيضًا من قوله: وقلنا: لا يجب تعيينهما، أنا إذا قلنا يجب تعيينهما فعينهما وأخطأ، صحت صلاته؛ لأنَّه معذور في التعيين لصحة صلاته، والخطأ معفو له عنه.

(أو نوى الإمامة وهو لا يرجو مجيء أحد) يأتم به (لم تصح) صلاته، ولو حضر من ائتم به

(1)

.

(1)

في "ح" و"ذ": زيادة: "لأن الأصل عدم مجيئه".

ص: 252

(وإن نوى الإمامة ظانًا حضور مأموم) بأنَّ يغلب على ظنه حضور من يأتم به (صح) ذلك، كما لو علمه.

و (لا) تصح نية الإمامة (مع الشَّك) في حضور من يأتم به، كما لو علم عدم مجيئه؛ لأنَّه الأصل.

(فإن)

(1)

نوى الإمامة ظانًا حضور مأموم (فلم يحضر لم تصح) صلاته؛ لأنَّه نوى الإمامة بمن لم يأتم به، وكذا لو حضر ولم يدخل معه، لا إن دخل ثم انصرف قبل إتمامه صلاته، فإن صلاة الإمام لا تبطل، ويتمها منفردًا.

(وإن أحرم منفردًا، ثم نوى الائتمام) في أثناء الصَّلاة (أو) أحرم منفردًا، ثم نوى (الإمامة لم يصح، فرضًا كانـ) ـت الصَّلاة (أو نفلًا) كالتراويح، والوتر، لما تقدم. قال في "الإنصاف": هذا المذهب، وعليه الجمهور. قال في الفروع: اختاره الأكثر. قال المجد: اختاره القاضي، وأكثر أصحابنا.

(والمنصوص صحة الإمامة) ممن أحرم منفردًا (في النفل، وهو الصَّحيح) عند الموفق، ومن تابعه لحديث ابن عباس قال:"بتُّ عند خالتِي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليلِ، فقمتُ عن يساره، فأخذ بيدي فأدارَني عن يمينهِ" متَّفقٌ عليه

(2)

. وروى مسلم معناه من حديث أنس

(3)

،

(1)

في "ح": "أو"، وفي "ذ":"وإن".

(2)

البخاري في العلم، باب 41، حديث 117، والوضوء باب 5، 41، حديث 138، 183، وفي الأذان، باب 57 - 59، 77، 79، 161، حديث 697 - 699، 726، 728، 859، وفي الوتر، باب 1، حديث 992، وفي العمل في الصلاة، باب 1، حديث 1198، وفي تفسير سورة آل عمران، باب 17 - 20، حديث 4569 - 4572، وفي اللباس، باب 71، حديث 5919، وفي الدعوات، باب 10، حديث 6316، ومسلم في المسافرين، حديث 763.

(3)

صحيح مسلم، المساجد، حديث 660.

ص: 253

وجابر بن عبد الله

(1)

.

قلت: ولا دليل في ذلك؛ لاحتمال أنَّه صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة ابتداء، لظنه حضورهم.

(وإن أحرم مأمومًا ثم نوى الانفراد لعذر يبيح ترك الجماعة، كتطويل إمام، و) كـ (ـمرض، و) كـ (ـغلبة نعاس، أو) غلبة (شيء يفسد صلاته) كمدافعة أحد الأخبثين، (أو خوف على أهل أو مال، أو) خوف (فوت رفقة، أو خرج من الصف مغلوبًا) لشدة زحام (ولم يجد من يقف معه ونحوه) أي نحو ما ذكر من الأعذار (صح) انفراده، فيتم صلاته منفردًا؛ لحديث جابر قال:"صَلَّى معاذ بقومه، فقرأ سورة البقرة، فتأخر رجلٌ، فصلَّى وحدَه، فقيل له: نافقتَ. قال: ما نافقت، ولكن لآتينَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: "أفتان أنت يا معاذ؟ مرتين" متَّفقٌ عليه

(2)

.

وكذا لو نوى الإمام الانفراد لعذر.

ومحل إباحة المفارقة لعذر (إن استفاد) من فارق لتدارك شيء يخشى فوته، أو غلبة نعاس، أو خوف ضرر، ونحوه (بمفارقته) إمامه (تعجيل لحوقه لحاجته قبل فراغ إمامه) من صلاته، ليحصل مقصوده من المفارقة (فإن كان الإمام يعجل، ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل، لم يجز) له الانفراد، لعدم الفائدة فيه، وأمَّا من عذره الخروج من الصف، فله المفارقة مطلقًا، لأنَّ عذره خوف الفساد بالفذية، وذلك لا يتدارك بالسرعة.

(1)

صحيح مسلم، المسافرين، حديث 766.

(2)

البخاري في الأذان، باب 60، 63، حديث 700 - 701، 705، وفي الأدب، باب 74، حديث 6106، ومسلم في الصَّلاة، حديث 465.

ص: 254

(فإن زال العذر وهو) أي المأموم (في الصَّلاة، فله الدخول مع الإمام) فيما بقي من صلاته، ويتمه معه، ولا يلزمه الدخول معه (فإن فارقه) أي فارق المأموم الإمام لعذر ممَّا تقدم (في قيام قبل قراءته) أي الإمام (الفاتحة قرأ) المأموم لنفسه، لصيرورته منفردًا قبل سقوط فرض القراءة عنه بقراءة الإمام.

(و) إن فارقه المأموم (بعدها) أي بعد قراءة الفاتحة فـ (ـله الركوع في الحال) لأنَّ قراءة الإمام قراءة للمأموم.

(و) إن فارقه (في أثنائها) أي القراءة (يكمل ما بقي) من الفاتحة لما تقدم.

(وإن كان في صلاة سر) كظهر وعصر، أو في الأخيرتين من العشاء مثلًا، وفارق الإمام لعذر بعد قيامه (وظن أن إمامه قرأ، لم يقرأ) أي لم تلزمه القراءة، إقامة للظن مقام اليقين.

قلت: والاحتياط القراءة.

(وإن فارقه) لعذر (في ثانية الجمعة) وقد أدرك الأولى معه (أتم جمعة) لأنَّ الجمعة تدرك بركعة، وقد أدركها مع الإمام (فإن فارقه في) الرَّكعة (الأولى) من الجمعة (فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان) يتمها نفلًا، ثم يصلِّي الظهر.

(و‌

‌إن كان) انفراد المأموم عن الإمام (لغير عذر، لم يصح)

لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تختلفُوا على أئمتِكُم"

(1)

؛ لأنَّه ترك متابعة إمامه، وانتقل من الأعلى إلى

(1)

لم نجد من خرجه بهذا اللفظ. وقد أخرج البخاري في الأذان، باب 74، حديث 722، ومسلم في الصلاة، حديث 414، عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "إنَّما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه

" الحديث. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 195): "قال الرافعي: وفي رواية: لا تختلفوا على إمامكم" قلت: لم أرها كذلك، وما تقدم بمعناها". اهـ. انظر أيضًا التلخيص الحبير (2/ 38).

ص: 255

الأدنى بغير عذر، أشبه ما لو نقلها إلى النفل، أو ترك المتابعة من غير نية الانفراد.

(وإن أحرم إمامًا، ثم صار منفردًا لعذر، مثل أن سبق المأموم الحدث، أو فسدت صلاته لعذر أو غيره، فنوى الانفراد).

قلت: أو لم ينوه.

(صح) ويتم صلاته منفردًا. قال في "الفروع": وإذا بطلت صلاة المأموم، أتمها إمامه منفردًا، قطع به جماعة، لأنَّها لا ضمنها ولا متعلقة بها، بدليل سهوه وعلمه بحدثه. وعنه: تبطل، وذكره في المغني قياس المذهب.

(وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه) لارتباطها بها (لا عكسه) أي لا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم، لما تقدم (سواء كان) بطلان صلاة الإمام (لعذر، كأن سبقه الحدث

(1)

أو لغير عذر، كأن تعمد الحدث، أو غيره من المبطلات) للصلاة، لحديث علي بن طلق مرفوعًا:"إذا فسَا أحدكم في صلاته، فلينصرف، فليتوضأ، وليعد الصلاةَ" رواه أبو داود

(2)

بإسناد جيد

(1)

في "ح": زيادة "أو لمرض، أو حصر عن القراءة الواجبة، ونحو ذلك".

(2)

في الطهارة، باب 82، حديث 205، وفي الصَّلاة، باب 82، حديث 193.

ورواه -أيضًا- الدارمي في الطهارة، باب 113، حديث 1146، وابن حبان "الإحسان"(6/ 8) حديث 2237، والدارقطني (1/ 153)، والبيهقيّ (2/ 255)، والبغوي (3/ 277) حديث 752.

ورواه الترمذي في الرضاع، باب 12، حديث 1164، 1166، وفي العلل الكبير ص/ 44 رقم 41، والنسائي في الكبرى (5/ 324 - 325) حديث 9023 - 9026، وعبد الرَّزاق (1/ 139) حديث 529، (11/ 441) حديث 20950، وابن حبان "الإحسان"(9/ 514، 515) حديث 4199، 4201، والخطيب في تاريخه (10/ 398، 399) دون قوله: وليعد الصَّلاة. =

ص: 256

(فلا استخلاف للمأموم) إذا سبق إمامه الحدث، ولا استخلاف أيضًا للإمام (ولا يبني) المأموم (على صلاة إمامه) حينئذ، بل يستأنفها لبطلانها.

(وعنه: لا تبطل صلاة مأموم) إذا كان بطلان صلاة الإمام لعذر، بأن سبقه الحدث (ويُتمّونها) إذا قلنا بعدم بطلانها (جماعة بغيره) يستخلفونه، أو الإمام. قال في "الفروع": وكذا بجماعتين (أو) يتمُّونها (فرادى، اختاره جماعه) أي اختار القول بعدم بطلان صلاة المأموم ببطلان صَلَّاة إمامه لعذر جماعة من الأصحاب، وفاقًا للشافعي.

(فعليها) أي على رواية عدم البطلان (لو نوى) أي أحد المأمومين (الإمامة لاستخلاف الإمام له، إذا سبقه الحدث، صح) ذلك منه للعذر؛ لما روى البُخاريّ "أن عمرَ لما طعنَ أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه،

= قال الترمذي في السنن: حديث حسن. وقال في العلل: سألت محمدا [البُخاريّ] عن هذا الحديث فقال: علي بن طلق هذا أراه غير طلق بن علي، ولا أعرف لعلي بن طلق إلَّا هذا الحديث، وعيسى بن حطان الذيُّ روى عنه هذا الحديث رجل مجهول.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 149): رواه الثلاثة، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وكذا ابن السكن، وقال: روى من وجوه.

وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 62): قال ابن القطان في كتابه: وهذا حديث لا يصح، فإن مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك مجهول الحال.

ورواه الإمام أحمد (1/ 86) في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 385): ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل، والصحيح: أنَّه علي بن طلق.

انظر أطراف المسند المعتلي (4/ 474)، وإتحاف المهرة (11/ 627)، وفي إسناده -أيضًا- مسلم بن سلام الحنفي.

ص: 257

فأتم بهم الصَّلاة"

(1)

ولم ينكر، فكان كالإجماع، ولفعل علي، رواه سعيد

(2)

.

(وبطلت صلاة الإمام) لزوال شرطها، وهو الطهارة (كتعمده لذلك) الحدث.

(وله) أي الإمام إذا سبقه الحدث، بناء على الرّواية الثَّانية:(أن يستخلف من يتم الصَّلاة بمأموم، ولو) كان الذي يستخلفه (مسبوقًا) لم يدخل معه من أول الصَّلاة، (أو) كان الذي استخلفه (من لم يدخل معه في الصَّلاة) بأن استخلف من كان يصلِّي منفردًا (ويستخلف المسبوق) الذي استخلفه الإمام (من يسلم بهم، ثم يقوم فيأتي بما) بقي (عليه) من صلاته، وتكون هذه الصَّلاة بثلاثة أئمة.

(فإن لم يستخلف المسبوق) من يسلم بهم (وسلموا منفردين، أو انتظروا) المسبوق (حتَّى) يأتي بما عليه من صلاته، ثم (يسلم بهم، جاز) لهم ذلك، نص عليه.

وقال القاضي في موضع من "المجرد": يستحب انتظاره حتَّى يسلم بهم (ويبنى الخليفة الذي كان معه) أي الإمام (في الصَّلاة على فعل) أي ترتيب الإمام (الأول) المستخلف له، من حيث بلغ الأول؛ لأنَّه نائبه (حتَّى في القراءة يأخذ من حيث بلغ) لأنَّ قراءة الإمام قراءة له.

(والخليفة الذي لم يكن دخل معه) أي الإمام (في الصَّلاة يبتدئ الفاتحة) ولا يبني على قراءة الإمام؛ لأنَّه لم يأت بفرض القراءة، ولم يوجد ما يسقطه عنه؛ لأنَّه لم يصر مأمومًا بحال (لكن يسر ما كان قرأه الإمام منها) أي

(1)

البخاري في فضائل الصّحابة، باب 8، حديث 3700.

(2)

لم نجده في الجزء المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وقد رواه عبد الرزاق (2/ 353)، والبيهقيّ (3/ 114).

ص: 258

الفاتحة (ثم يجهر بما بقي) من القراءة ليحصل البناء على فعل مستخلفه، ولو صورة.

(فإن لم يعلم الخليفة) المسبوق أو الذي لم يدخل معه في الصلاة (كم صلى) الإمام (الأول؟ بنى) الخليفة (على اليقين) كالمصلي يشك في عدد الركعات (فإن سبح به المأموم، رجع إليه) ليبني على ترتيب الأول (فإن لم يستخلف الإمام) الذي سبقه الحدث (وصلوا) أي المأمومون (وُحدانا)

(1)

-بضم الواو-

(2)

أي فرادى (صح) ما صلوه (وكذا إن استخلفوا) لأنفسهم من يتم بهم الصلاة، فيصح كما لو استخلفه الإمام.

(ومن استخلف فيما لا يعتد به) بأن كان مسبوقًا دخل مع الإمام بعد رفعه من الركوع، ثم استخلفه الإمام في أثناء تلك الركعة فإنه لا يعتد بها؛ لأنه لم يدرك ركوعها (اعتد به المأموم) لأنه أدرك ركوعها مع الإمام قبل أن يحدث، ولغت الركعة بالنسبة للمسبوق المستخلف، قاله جماعة كثيرة، وقدمه في "الرعاية".

(وقال) أبو عبد الله الحسن (بن حامد) بن علي البغدادي: (إن استخلفه، يعني من لم يكن دخل معه في الركوع، أو) استخلفه (فيما بعده) أي بعد الركوع (قرأ) الخليفة (لنفسه) لأنه لم يقرأ، ولم يوجد ما يسقطها عنه، كما تقدم (وانتظره المأموم) حتى يقرأ (ثم ركع ولحق المأموم) ليحصل الاعتداد بالركعة لكل منهما (وهو) أي ما قاله ابن حامد (مراد غيره) من الأصحاب (ولابد منه) يعني إذا أراد الاعتداد بالركعة.

ومقتضى كلامه: أنه لا خلاف في المسألة، وأن كلام غيره محمول على

(1)

جمع واحد كشاب وشبان، كذا في الصحاح [2/ 548] وغيره. "ش".

(2)

في "ذ": "بكسر الواو"، وفي هامش "ح":"ويجوز الكسر".

ص: 259

كلامه، وهما كما في "الإنصاف" و"المبدع" قولان متقابلان، وليس اعتداده بتلك الركعة ضروريًا، إذ لا محذور في بنائه على ترتيب الإمام، ثم يأتي بما سبق به كما لو لم يستخلفه.

(وإن استخلف كل طائفة) من المأمومين (رجلًا) منهم فصلى بهم صح (أو استخلف بعضهم، وصلى الباقون فرادى، صح) ذلك، كما لو استخلف كلهم، أو لم يستخلفوا كلهم.

وإن استخلف امرأة، وفيهم رجل، أو أميًا، وفيهم قارئ، صحت صلاة المستخلف بالنساء والأميين فقط، ذكره في "المبدع".

(هذا) الذي ذكر من أحكام الاستخلاف (كله على الرواية) الثانية، وإنما ذكره المصنف كغيره مع كونه مفرعًا على ضعيف، على خلاف عادته؛ لأن الأصحاب فرعوا هذه المسائل على هذه الرواية، ثم قالوا: وكذا الاستخلاف لمرض ونحوه، مما يأتي، فاحتاج إلى بيان هذه ليعلم منها أحكام الاستخلاف للمرض ونحوه على المذهب.

(ومحله) أي محل ما تقدم من الاستخلاف لسبق الحدث: (فيما إذا كان ابتداء صلاة الإمام صحيحًا، وإن كان ابتداء صلاته (فاسدًا، كأن ذكر) الإمام (الحدث في أثناء الصلاة. فلا) استخلاف؛ لأن صلاته لم تنعقد ابتداء.

(وله) أي‌

‌ للإمام (الاستخلاف لحدوث مرض،

أو) حدوث (خوف، أو) لأجل (حصر عن القراءة الواجبة، ونحوه) كالتكبير، أو التسميع، أو التشهد، أو السلام، لوجود العذر الحاصل للإمام، مع بقاء صلاته وصلاة المأموم، بخلاف ما إذا سبق الإمام الحدث؛ لبطلان صلاته ثم صلاة المأمومين تبعًا له على المذهب، كما تقدم.

ص: 260

(وإن سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة) ثم سلم الإمام (فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما) صح.

(أو ائتم مقيم بمثله) فيما بقي من صلاتهما (إذا سلم إمام مسافر، صح) ذلك؛ لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى لعذر، فجاز كالاستخلاف. واستدل في "الشرح" بقضية أبي بكر حين تأخر وتقدم النَّبي صلى الله عليه وسلم

(1)

، قاله في "المبدع"، وفيه نظر. انتهى.

قلت: ليس غرض الشارح أن قضية أبي بكر هي هذه المذكورة بل تشبهها من حيث الانتقال من جماعة إلى جماعة؛ لأن الصحابة كانوا مؤتمين بأبي بكر، فصاروا مؤتمين به صلى الله عليه وسلم، فحصل بين ذلك وبين المسألة المذكورة الجامع، وهو المشابهة في الانتقال من جماعة إلى أخرى، ومحل صحة اقتداء المسبوق بمثله، إذا سلم الإمام (في غير جمعة) فـ (ـلا) يصح ذلك (فيها) أى في الجمعة (لأنها إذا أقيمت بمسجد مرة، لم تقم فيه) مرة (ثانية) قاله القاضي، وفيه نظر، إذ ليس في ذلك إقامة ثانية، وإنما هو تكميل لها بجماعة. وغايته: أنها فعلت بجماعتين، وهذا لا يضر، كما لو صليت الركعة الأولى منها بستين، ثم فارقه عشرون، وصليت الثانية بأربعين. وقيل: لعله لاشتراط العدد لها، فيلزم لو ائتم تسعة وثلاثون بآخر تصح.

(و) إن أم من لم ينوه أولا، ولو باستخلاف (بلا عذر السبق) والقصر

(1)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 48، حديث 684، وفي العمل في الصلاة، باب 3، 16، حديث 1201، 1218 وفي السهو، باب 9، حديث 1234، وفي الصلح، باب 1، حديث 2690، وفي الأحكام، باب 36، حديث 7190، ومسلم في الصلاة، حديث 421، من سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

ص: 261

المذكورين (لا يصح) لأن مقتضى الدليل منعه، وإنما ثبت جوازه في محل العذر لقضية عمر

(1)

، فيبقى فيما عداه على الأصل.

(وإن أحرم إمامًا، لغيبة إمام الحي) أي الإمام الراتب، سواء كان الإمام الأعظم، أو غيره (أو) لـ (ـإذنه) أي إذن إمام الحي له أن يؤم مكانه (ثم حضر) إمام الحي (في أثنائها) أي الصلاة (فأحرم بهم) أي بالمأمومين الذين أحرموا وراء نائبه (وبنى) إمام الحي (على) ترتيب (صلاة خليفته، وصار الإمام) الذي أحرم أولًا (مأمومًا، جاز) ذلك (وصح) لما روى سهل بن سعد "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذهبَ إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاةُ، فصلى أبو بكرٍ، فجاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم والناسُ في الصلاةِ، فتخلص حتى وقفَ في الصف، وتقدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فصلى ثم انصرفَ" متفق عليه

(2)

. والأصل عدم الخصوصية. (والأولى) للإمام (تركه) ذلك، ويدع الخليفة يتم بهم الصلاة، خروجًا من الخلاف.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 258)، تعليق رقم 1.

(2)

تقدم تخريجه آنفًا.

ص: 262

‌باب آداب المشي إلى الصلاة

أي التوجه إليها والخروج لها، وما يتعلق به من الأحكام

(يسن الخروج إليها) أي الصلاة (متطهرًا بخوف وخشوع) لحديث كعب بن عجرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد، فلا يشبك

(1)

بين أصابعه، فإنه في صلاة" رواه أبو داود

(2)

.

(1)

في "سنن أبي داود": فلا يشبكن يديه.

(2)

في الصلاة، باب 51، حديث 562. ورواه -أيضًا- الترمذي في الصلاة، باب 167، حديث 386، والطيالسي ص / 143، حديث 1063، وعبد الرزاق (2/ 272، 273)، حديث 3332، 3334، وأحمد (4/ 241، 242، 243)، وعبد بن حميد (1/ 328) حديث 369، والدارمي في الصلاة، باب 121، حديث 1411، 1412، وابن خزيمة (1/ 227، 228)، حديث 441 - 444، وابن حبان "الإحسان" (5/ 382) حديث 2036، والطبراني في الكبير (19/ 153) حديث 332 - 336، والبيهقي (3/ 230، 231) والبغوي (2/ 361) حديث 475.

وقد ضعفه النووي في الخلاصة (1/ 491 - 492) وفى المجموع (4/ 375). وقال الحافظ في الفتح (1/ 566):

وفى إسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه اهـ. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 278) حديث 447: رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد.

قلنا: رواه ابن حبان "الإحسان"(5/ 524) حديث 2150 من طريق سليمان بن عبيد الله، والبيهقي (3/ 330 - 231) من طريق عمرو بن قسيط، عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أنيسة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه مرفوعًا، وهذا إسناد حسن، سليمان بن عبيد الله هو أبو أيوب =

ص: 263

(و) يستحب (أن يقول إذا خرج من بيته، ولو لغير صلاة: باسم الله، آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل)

(1)

من الضلال، وهو ضد الهداية (أو أَزل أو أُزل) من الزلل (أو أَظلم أو أُظلم) من الظلم، وهو الجور (أو أَجهل، أو يُجهل عليَّ)

(2)

من الجهل، وهو إدراك الشيء على خلاف ما هو به، والفعل الأول في الكل مبني للفاعل، والثاني للمفعول.

= الرقي قال عنه ابن حجر في التقريب (410): صدوق ليس بالقوي. وتابعه عمرو بن قسيط أبو علي الرقي، وهو صدوق كما قاله الحافظ في التقريب (743).

(1)

في "ح" و"ذ": "أن أضل بالبناء للفاعل، أو أضل بالبناء للمفعول".

(2)

حديث مرفوع رواه أحمد (1/ 65)، والمحاملي في الدعاء ص/38، حديث 1، والخطيب (9/ 145) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفرًا أو غيره فقال -حين يخرج-: "باسم الله آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، إلا رزق خير ذلك المخرج، وصرف عنه شر ذلك المخرج". وفي إسناده رجل لم يسم.

ورواه أبو داود في الأدب، باب 112، حديث 5094، والترمذي في الدعوات، باب 35، حديث 3427، والنسائي في الاستعاذة، باب 30، 65، حديث 5501، 5554، وفي الكبرى (6/ 26)، حديث 9913 - 9915، وفي عمل اليوم والليلة (175) حديث 85، 86، وابن ماجه في الدعاء، باب 18، حديث 3884، والطيالسي ص / 24، حديث 1607، والحميدي (1/ 145) حديث 303، وابن أبي شيبة (10/ 211). وأحمد (6/ 306، 318، 322)، وعبد بن حميد (3/ 245) حديث 1534، والطبراني في الكبير (23/ 320، 321) حديث 726 - 728، 730 - 732، وفي الدعاء (2/ 986)، حديث 411، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 145، حديث 176، والحاكم (1/ 519)، والبيهقي (5/ 251)، وفي الدعوات الكبير (1/ 45) حديث 62، وأبو نعيم في الحلية =

ص: 264

(و) يستحب (أن يمشي إليها) أي الصلاة (بسكينة ووقار) بفتح الواو، قال القاضي عياض

(1)

، والقرطبي

(2)

: هو بمعنى السكينة، وذكر على سبيل التأكيد. وقال النووي

(3)

: الظاهر أن بينهما فرقًا، وأن السكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث، والوقار في الهيئة، كغض الطرف، وخفض الصوت، وعدم الالتفات .. والأصل في ذلك حديث "الصحيحين":"إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فاقضوا"

(4)

.

= (7/ 264 - 265، 8/ 125)، والخطيب في تاريخه (11/ 141) والقضاعى حديث 1469، كلهم عن الشعبي، عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعًا بلفظ: إذا خرج من بيته قال: اللهم إني أعوذ بك

إلخ. وزاد بعضهم في أوله: باسم الله، توكلت على الله، اللهم إني

إلخ.

وقال علي بن المديني في كتاب العلل، [كما في نتائج الأفكار (1/ 159)]: لم يسمع الشعبي من أم سلمة.

وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وربما توهم متوهم أن الشعبي لم يسمع من أم سلمة، وليس كذلك، فإنه دخل على عائشة، وأم سلمة جميعًا، ثم أكثر الرواية عنهما جميعًا. ووافقه الذهبي.

وتعقبه الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 159) فقال: هكذا قال، وقد خالف ذلك في علوم الحديث له [ص/ 111]، فقال: لم يسمع الشعبي من عائشة.

وصححه النووي في الأذكار (1/ 72).

(1)

انظر إكمال المعلم (2/ 553).

(2)

انظر المفهم لأبي العباس القرطبي (2/ 220).

(3)

شرح صحيح مسلم للنووي (5/ 100).

(4)

رواه البخاري في الأذان، باب 21، حديث 636، ومسلم في المساجد، حديث 602، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 265

(و)

‌ يستحب أن (يقارب خطاه)

لتكثر حسناته، فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لحديث زيد بن ثابت قال:"أقيمت الصلاةُ، فخرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا معه، فقارب في الخطى، ثم قال: تدري لم فعلتُ هذا؟ لتكثر خطاي في طلب الصلاة"

(1)

.

(ويكره) أن يشبك بين أصابعه من حين) وفى نسخه "من حيث"(يخرج) من بيته قاصدًا المسجد، لخبر كعب بن عجرة، وتقدم

(2)

.

(وهو) أي التشبيك بين الأصابع (في المسجد أشد كراهة) لحديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكنَّ، فإن التشبيكَ من

(1)

رواه البخاري في الأدب المفرد، حديث 458، وابن أبي شيبة في مسنده (1/ 107) حديث 133، وعبد بن حميد (1/ 240) حديث 256، والطبراني في الكبير (5/ 117 - 118) حديث 4797 - 4799. وذكره البوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة (1/ 349)، وقال: رواه ابن أبى شيبة، وعبد بن حميد، وأبو يعلى من طريق الضحاك بن نبراس، وهو ضعيف. وقال الحافظ في المطالب العالية (1/ 242): الضحاك ضعيف الحفظ. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 32): وفيه الضحاك بن نبراس - وهو ضعيف.

قلنا: لم ينفرد به الضحاك، بل تابعه محمد بن ثابت البناني، عند الطبراني في الكبير (5/ 118) حديث 4800، وهو ضعيف -أيضًا-، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 191): روى هذا الحديث جماعة عن ثابت البناني، فلم يصله أحد إلا الضحاك بن نبراس، والضحاك لين الحديث، وهو ذا يتابعه محمد بن ثابت، ومحمد ليس بقوي -أيضًا-، والصحيح موقوف.

والموقوف رواه عبد الرزاق (1/ 517) رقم 1983، والطبراني في الكبير (5/ 117) رقم 4796، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 286): رواه الطبراني في الكبير مرفوعًا، وموقوفًا على زيد، وهو الصحيح.

(2)

(2/ 263).

ص: 266

الشيطانِ، وإن أحدَكم لا يزالُ في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرجَ منه" رواه أحمد

(1)

، قال بعض العلماء: إذا كان ينتظر الصلاة، جمعًا بين الأخبار، فإنَّه ورد أنَّه "لما انفتل صلى الله عليه وسلم من الصلاةِ التي سلم قبل إتمامها شبك بين أصابعه"

(2)

.

(و) تشبيك الأصابع (في الصلاةِ أشد وأشد) كراهة، لقول كعب بن عجرة:"إن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج صلى الله عليه وسلم بين أصابعهِ" رواه الترمذي، وابن ماجه

(3)

.

وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك: "تلك صلاةُ المغضوب عليهم"

(4)

.

(ويسن أن يقول مع ما تقدم) ذكره إذا خرج من بيته: ما روى أبو سعيد قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: (اللهم إنى أسألك

(1)

المسند (3/ 43، 54). ورواه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 75) كلاهما من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن بن مَوْهَب، عن عمه، عن مولى لأبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه. وقال الحافظ في الفتح (1/ 566):

وفي إسناده: ضعيف ومجهول. اهـ.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 25)، وقال: رواه أحمد، وإسناده حسن.

(2)

ينظر البخاري في الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، (88)، حديث 482، عن أبى هريرة رضي الله عنه.

(3)

ابن ماجه في الإقامة، باب 42، حديث 967. ولم نجده في سنن الترمذي بهذا اللفظ، وإنما رواه في الصلاة، حديث 386 بلفظ: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه، فإنه في صلاة. انظر ص/263 تعليق رقم 2، من هذا الجزء.

(4)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 187، رقم 993، وسكت عليه المنذري في مختصر سنن أبي داود (1/ 458).

ص: 267

بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا) قال الجوهري: البطر: الأشر. وهو شدة المرح، والمرح شدة الفرح والنشاط (ولا رياء ولا سمعة) الرياء: إظهار العمل للناس، ليروه ويظنوا به خيرًا، والسمعة: إظهار العمل ليسمعه الناس (خرجت اتقاءَ سخطك) أي غضبك (وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) أقبل الله عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك" رواه أحمد، وابن ماجه

(1)

.

وأن يقول: (اللهم اجعلني من أوجهِ من توجهَ إليك، وأقرب من توسلَ إليك، وأفضلِ من سألك ورغبَ إليك

(2)

، اللهم اجعل في قلبي نورًا) أي

(1)

أحمد (3/ 21)، وابن ماجه في المساجد، باب 14، حديث 778. ورواه -أيضًا- ابن خزيمة في التوحيد (1/ 42)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2/ 791) رقم 2118، 2119، والطبراني في الدعاء (2/ 990) حديث 421، وابن السني (85)، والبيهقي في الدعوات الكبير (1/ 47) حديث 65. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 166): هذا إسناد مسلسل بالضعفاء: عطية هو العوفي، وفضيل بن مرزوق، والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق، فهو صحيح عنده.

قوله: ورواه ابن خزيمة في صحيحه .. ، فيه نظر فابن خزيمة رواه في كتاب التوحيد، وإليه عزاه ابن حجر في إتحاف المهرة.

وهذا الحديث ذكره الإمام النووي في الأذكار ص/ 83، وشيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص/ 215، 277 وضعفاه.

وقال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 271، 272): هذا حديث حسن.

ورواه ابن أبي شيبة (10/ 211) موقوفًا على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 184): موقوف أشبه.

(2)

روى الطبراني في كتاب الدعاء (2/ 991)، حديث 422 عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة يقول: اللهم اجعلني أقرب من =

ص: 268

عظيمًا كما يفيده التنكير (وفي قبري نورًا، وفي لساني) أي نطقي (نورًا) استعارة للعلم والهدى (وفي سمعي نورًا) ليتحلى بأنواع المعارف، ويتجلى له صنوف الحقائق (وفي بصري نورًا) لينكشف به الحق (وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وفوقي نورًا وتحتي نورًا) لأكون محفوفًا بالنور من جميع الجهات، وإيذانًا بتجاوز النور عن قلبه وسمعه وبصره إلى سائر جهاته، ليهتدي كل أتباعه (وفي عصبي نورًا، وفي لحمي نورًا، وفي دمي نورًا، وفي شعري نورًا، وفي بشري) أي جلدي (نورًا، وفي نفسي) أي ذاتي (نورًا) أي اجعل لي نورًا شاملًا للأنوار السابقة وغيرها (وأعظم لي نورًا) أي أجزلي

(1)

عن عطائك نورًا عظيمًا لا يكتنه كنهه (واجعلني نورًا، اللهم أعطني نورًا، وزدني نورًا).

روي عن ابن عباس، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول:"اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وأعطني نورًا" رواه مسلم

(2)

.

(و‌

‌إن سمع الإقامة لم يسع)

قال في "المصباح"

(3)

: سعى في مشيه،

= تقرب إليك، وأوجه من توجه إليك، وأنجح من سألك، وطلب إليك، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله. وفي إسناده: محمد بن زكريا الغلابي، وإسماعيل بن يعلى الثقفي وهما ضعيفان.

(1)

في "ح" و"ذ": "أجزل لي".

(2)

في صلاة المسافرين، حديث 763 (191)، وفيه زيادة:"واجعل في سمعي نورًا". ورواه البخاري في الدعوات، باب 10، حديث 6316 بلفظ: وكان يقول في دعائه

الحديث، دون قوله:"وفي لساني نورًا". وليس فيه ذكر "خرج إلي الصلاة". وانظر فتح الباري (11/ 117 - 118).

(3)

ص/ 105 و 151.

ص: 269

هرول وعدا في مشيه عدوًا، من باب قال، قارب الهرولة، وهو دون الجري، وذلك لخبر أبي هريرة، وتقدم

(1)

.

(فإن طمع في إدراك التكبيرة الأولى، وهو أن يدرك الصلاة) أي موقفه للصلاة (قبل) أن يكبر الإمام (تكبيرة الإحرام ليكون خلف الإمام إذا كبر للافتتاح، فلا بأس أن يسرع شيئًا، ما لم تكن عجلة تقبح) نص عليه

(2)

، واحتج بأنه جاء عن الصحابة وهم مختلفون.

(وإن خشي فوات الجماعة، أو الجمعة بالكلية، فلا ينبغي أن يكره) له (الإسراع؛ لأن ذلك لا ينجبر إذا فات، هذا معنى كلام الشيخ في "شرح العمدة"

(3)

. وتأتي فضيلة إدراك التكبيرة الأولى في) باب (صلاة الجماعة.

فإذا دخل المسجد، استحب له أن يقدم رجله اليمنى) في الدخول، لما تقدم أنَّه صلى الله عليه وسلم "كان يحب التيامن في شأنه كله"

(4)

.

(وأن يقول) عند دخول المسجد: (باسم الله) رواه أبو داود

(5)

(أعوذ

(1)

(2/ 265)، تعليق رقم 4.

(2)

انظر "الرسالة السنية في الصلاة وما يلزم فيها" للإمام أحمد ص/18، وهي مذكورة في طبقات الحنابلة (1/ 366).

(3)

(2/ 598).

(4)

تقدم تخريجه (1/ 150) تعليق رقم 2.

(5)

لم نجده عند أبي داود. وقد رواه ابن ماجه في المساجد، باب 13، حديث 771، وابن أبي شيبة (1/ 338، 10/ 405)، وأحمد (6/ 282)، والقاضي إسماعيل في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص/ 74، حديث 82 - 84، وأبو يعلى (12/ 121) حديث 6754، وابن السني ص / 78، حديث 87 عن فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنها، لفظه:"باسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لى ذنوبى، وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج، قال: باسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك". =

ص: 270

بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم) رواه أبو داود

(1)

، لكن ليس فيه:"وسلطانه القديم". (الحمد لله) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"

(2)

(اللهم صل وسلم على محمدٍ) رواه أبو

= ورواه الترمذي في الصلاة، باب 117، حديث 314، وعبد الرزاق (1/ 425)، حديث 1664، دون قوله:"باسم الله". وقال: حديث فاطمة حديث حسن، وليس بإسناده بمتصل

وضعفه الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 286). وقول الترمذي: حديث فاطمة حديث حسن أي لشواهده. انظر تحفة الأحوذي (2/ 255).

وقد روي عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: إذا دخل المسجد، قال: باسم الله اللهم صَلِّ على محمد. وإذا خرج، قال: باسم الله، اللهم صَلِّ على محمد، رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 80، حديث 88، عن شيخه الحسين بن موسى الرقي، قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر. انظر الميزان (1/ 549)، ولسان الميزان (3/ 144).

وروي -أيضًا- عن المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلًا، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد، قال:"باسم الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وسهل علي أبواب رزقك".

رواه عبد الرزاق (1/ 426)، حديث 1666. ورواه ابن أبي شيبة (10/ 405 - 406) دون ذكر التسمية.

(1)

في الصلاة، باب 18، حديث 466، ومن طريقه البيهقي في الدعوات الكبير ص/ 50، حديث 68، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفيه:"وسلطانه القديم" خلافًا لما ذكره المؤلف. وحسنه النووي في الخلاصة (1/ 314)، والأذكار ص/ 26، وقال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 281): هذا حديث حسن غريب، ورجاله موثقون ..

(2)

حديث رقم 86، عن عبد الله بن الحسن الكوفي، عن أمه، عن جدته. ولفظه: إذا دخل المسجد، حمد الله

وفي إسناده انقطاع كما في نتائج الأفكار (1/ 282).

ص: 271

داود

(1)

، وليس فيه:"وسلم"

(2)

(اللهم اغفر لي ذنوبي) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"

(3)

(وافتح لي أبواب رحمتك) رواه مسلم

(4)

.

(وإذا خرج قدم رجله اليسرى في الخروج) من المسجد (وقال باسم الله، اللهم صل وسلم صلى محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك)

(5)

(6)

. ويقول أيضًا: (اللهم إني أعوذُ بك من إبليس وجنودهِ) لما روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" عن أبي أمامة مرفوعًا قال: "إن أحدكم إذا أرادَ أن يخرجَ من المسجد تداعت جنودُ إبليسَ واجتلبتْ إليه، كما تجتمع النحل على يعسوبها، فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل:

(1)

في الصلاة، باب 18، حديث 465، عن أبي حميد، أو أبي أسيد، ولفظه: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل اللهم افتح لي

".

ورواه -أيضًا- ابن ماجه، حديث 772، والدارمي في الصلاة، باب 115، حديث 1401، وأبو عوانة (1/ 414)، وابن حبان "الإحسان"(5/ 397) حديث 2048، والبيهقي (2/ 441، 442). وصححه الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 276).

(2)

بلى فيه: "فيسلم" وليس في: "وصلِّ" خلافًا لما ذكره المؤلف.

(3)

ص/ 80 حديث رقم 89، عن ابن عمر رضي الله عنهما. ورواه -أيضًا- الطبراني في الأوسط (6/ 358) حديث 6612. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 32) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سالم بن عبد الأعلى، وهو متروك. وقال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 283): وسالم المذكور ضعيف جدًّا.

(4)

في صلاة المسافرين، حديث 713، عن أبي حميد أو عن أبي أسيد رضي الله عنهما.

(5)

تقدم تخريج ذلك قريبًا.

(6)

الأولى أن يقال: "اللهم إني أسألك من فضلك" لثبوت ذلك في صحيح مسلم. وأما رواية: "وافتح لي أبواب فضلك" ففيها انقطاع كما تقدم.

ص: 272

اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنودِه، فإنها لم تضره"

(1)

.

واليعسوب: ذكر النحل، وقيل: أميرها.

(فإذا دخل المسجد لم يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، إن كان في غير وقت نهي، ويأتي) ذلك (آخر الجمعة) لحديث أبي قتادة مرفوعًا: "إذا دخل أحدُكم المسجدَ، فلا يجلس حتَّى يركع ركعتين" متفق عليه

(2)

(ويجلس مستقبل القبلة لأنه خير المجالس) للخبر

(3)

.

(1)

عمل اليوم والليلة ص/ 133، رقم 155، وفيه: فإنه إذا قالها لم يضره. وضعفه الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 288 - 289).

وأصح منه قول: "اللهم أجرني من الشيطان الرجيم"، رواه ابن خزيمة (1/ 231) حديث 452، وابن حبان "الإحسان"(5/ 395) حديث 2047 وغيرهما، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية ابن ماجه في المساجد، باب 13، حديث 773:"اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم".

(2)

البخاري في الصلاة، باب 60، حديث 444، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 714.

(3)

روي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

1 -

ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: إن لكل شيء شرفًا، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة، رواه عبد بن حميد (1/ 571) حديث 674، والحارث "بغية الباحث"(2/ 967)، حديث 1070، وعبد الله ابن الإمام أحمد في زيادات الزهد ص/ 295، والعقيلي (4/ 340 - 341)، والطبراني في الكبير (10/ 389) حديث 10781، وابن عدي (7/ 2564)، والقضاعي في مسنده (2/ 123، 124) حديث 1020، 1021، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/ 260 - 261) كلهم من طريق أبي المقدام هشام بن زياد، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 62) وقال: وفيه هشام بن زياد، وهو متروك.

ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق (2/ 737) رقم 806، من طريق تمام بن بزيع =

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= السعدي، والحاكم (4/ 269 - 270) عن طريق مصادف بن زياد المديني، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 62) من طريق صالح بن حسان، والبيهقي (7/ 272) من طريق القاسم بن عروة، والعقيلي (3/ 387) من طريق عيسى بن ميمون، خمستهم عن محمد بن كعب، به. والخمسة كلهم لا يحتج بهم، فتمام بن بزيع متروك قاله الدارقطني - كما في ميزان الاعتدال (1/ 358). ومصادف مجهول - كما في ميزان الاعتدال (4/ 181) - وصالح بن حسان النضري متروك كما في التقريب (2849)، والقاسم بن عروة لم نجد من ترجمه، وعيسى بن ميمون هو المدني ضعيف، وقال البخاري: منكر الحديث "التقريب" ص/ 772، والتاريخ الكبير (6/ 401).

ورواه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 328)، حديث 1432 من طريق عمرو بن المهاجر، عن محمد بن كعب به، وعمرو بن المهاجر ثقة، ولكن الرواي عنه عبد الوهاب بن محمد الأوزاعي لم نجد من ترجمه.

وقال البيهقي: ولم يثبت في ذلك إسناد. وقال الزبلعي في نصب الراية (3/ 63): قال العقيلي: ليس لهذا الحديث طريق يثبت. انظر المقاصد الحسنة ص/ 142، وكشف الخفاء (1/ 192)، وفيض القدير (2/ 512) ..

2 -

ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: أكرم المجالس ما استقبل القبلة. رواه أبو يعلى كما في المطالب العالية (1/ 159) حديث 332، والخرائطي في مكارم الأخلاق (2/ 736) حديث 805، والطبراني الأوسط (9/ 165) حديث 8357، وابن عدي (2/ 785)، والسمعاني في أدب الإملاء (1/ 262) حديث 119.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 59) وقال: وفيه حمزة بن أبي حمزة وهو متروك.

ورواه ابن نعيم في أخبار أصبهان (2/ 344)، وأورده الديلمي في مسند الفردوس (2/ 179)، حديث 2901 بلفظ:"خير المجالس" وفي سنده زيد بن الحريش، قال ابن حبان: ربما أخطأ، وقال ابن القطان: مجهول الحال "لسان الميزان"(2/ 503).

3 -

أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: إن لكل شيء سيدا، وإن سيد المجالس قبالة =

ص: 274

(ولا يفرقع أصابعه) لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة.

(ويشتغل بالطاعة من الصلاة، والقراءة، والذكر، أو يسكت) إن لم يشتغل بذلك، والاشتغال بذلك أفضل.

(ويكره أن يخوض في حديث الدنيا) فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، كما في الخبر

(1)

(فمادام كذلك) أي مشتغلًا بالصلاة والذكر أو ساكتًا منتظرًا للصلاة (فهو في صلاة، والملائكة تستغفر له، ما لم يؤذ، أو يحدث) للخبر

(2)

.

= القبلة. رواه الطبراني في الأوسط (3/ 182) حديث 2375، وحسن إسناده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 639) حديث 4518، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 59)، وتبعهما السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 142. لكن في سنده إبراهيم بن محمد الحمصي شيخ الطبراني، قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 63): غير معتمد، وأقره الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/ 105).

(1)

أورده الغزالي في الإحياء (1/ 158) بلفظ: "الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش"، وقال العراقي: لم أقف له على أصل. وقال السبكي في طبقات الشافعية (6/ 294): لم أجد له إسنادًا وقال القاري نقلًا عن المختصر: لم يوجد. انظر: الأسرار المرفوعة ص/186، وكشف الخفاء (1/ 423).

(2)

روى البخاري في الصلاة، باب 87، حديث 477، ومسلم في المساجد، حديث 649، (272 - 276) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "

وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي -يعني عليه- الملائكة مادام في مجلسه الَّذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يؤذ، يحدث فيه" لفظ البخاري.

ص: 275

‌باب صفة الصلاة

وبيان ما يكره فيها، وأركانها، وواجباتها، وسننها، وما يتعلق بذلك

(يسن أن يقوم إمام) عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة (فمأموم غير مقيم إلى الصلاة) يقوم (عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة) كذا في "الكافي" وغيره؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان يفعلُ ذلك" رواه ابن أبى أوفى

(1)

؛ ولأنه دعاء إلى الصلاة، فاستحبت المبادرة إليها. قال ابن المنذر

(2)

: أجمع على هذا أهل الحرمين، وإنما استثني المقيم؛ لأنه يأتي بالإقامة كلها قائمًا، كالأذان.

ومحل استحباب قيام المأموم عند قوله: قد قامت الصلاة (إن كان الإمام في المسجد، ولو لم يره المأموم) قاله الموفق، وفي "الشرح": إن كان في

(1)

رواه أبو يعلي -كما في المطالب العالية (1/ 203 حديث 465) والبزار في مسنده (8/ 298) حديث 3271، وابن عدي (2/ 650) والبيهقي (2/ 22) وابن حزم في المحلى (4/ 117) كلهم من طريق حجاج بن فروخ، عن العوام بن حوشب، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان إذا قال بلال: قد قامت الصلاة، نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر.

قال البزار: لا نعلمه إلا عن ابن أبي أوفى بهذا الإسناد، وحجاج بن فروخ ضعيف.

وضعفه -أيضًا- البيهقي، وابن حزم، والنووى في المجموع (3/ 254). وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 5)، وقال: رواه الطبراني في الكبير من طريق حجاج بن فروخ -وهو ضعيف جدًا. وأورده السيوطي في الجامع الصغير (5/ 153 مع الفيض) ورمز لضعفه. قال المناوي في التيسير (2/ 255): إسناده واهٍ.

(2)

انظر الأوسط (4/ 166).

ص: 277

المسجد، أو قريبًا منه، قاموا قبل رؤيته، وإلا، فلا. وفي "الإنصاف" وجزم بمعناه في "المنتهى"، والصحيح من المذهب: أن المأموم لا يقوم حتى يرى الإمام، وعليه جمهور الأصحاب، وقدمه في "الفروع" وغيره، وصححه المجد، وغيره ا هـ. لقول أبي قتادة قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتَّى تروني قد خرجتُ" رواه مسلم

(1)

، والمراد بالقيام إليها، هو التوجه إليها، ليشمل جلوس العاجز عنه.

ولا يحرم الإمام حتَّى تفرغ الإقامة، نص عليه

(2)

، وهو قول جل أئمة الأمصار

(3)

.

(وإن كان) الإمام (في غيره) أي المسجد (ولم يعلم قربه، لم يقم حتَّى يراه) للخبر

(4)

، وتقدم ما فيه.

(و‌

‌ليس بين الإقامة والتكبير دعاء مسنون

نصًا) قيل لأحمد: قبل التكبير تقول شيئًا؟ قال لا

(5)

؛ إذ لم ينقل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه. ولأن الدعاء يكون بعد العبادة لقوله تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}

(6)

ومن هنا تعلم أن قولهم في باب الأذان: "ويدعو عند إقامة" أي قبلها قريبًا، لا بعدها، جمعًا بين الكلامين.

(1)

في المساجد، حديث 604. وأخرجه البخاري في الأذان، باب 22، حديث 637، 638، وفي الجمعة، باب 18، حديث 909، بنحوه.

(2)

مسائل عبد الله (1/ 206) رقم 266، ومسائل ابن منصور الكوسج (1/ 369) رقم 273.

(3)

الأوسط (4/ 169 - 170)، المجموع (3/ 216).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 65) تعليق رقم 3.

(5)

مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص/ 30.

(6)

سورة الشرح، الآية: 7 - 8.

ص: 278

(وإن دعا) بين الإقامة والتكبير (فلا بأس) به، إذ لا محذور فيه (فعله) الإِمام (أحمد، ورفع يديه) حكاه في "الفروع" و"المبدع" في الأذان بعينه

(1)

، ومقتضاه أن المقدم خلافه، كما هو اصطلاح صاحب "الفروع".

(ثم يسوي) أي يأمر، بدليل ما بعده (الإِمام الصفوف ندبًا بمحاذاة المناكب والأكعب، دون أطراف الأصابع، فيلتفت) الإِمام (عن يمينه قائلًا: اعتدلوا وسووا صفوفكم. وفي "المغني" وغيره) وتبعه في "شرح المنتهي" يقول: "استووا رحمكم الله، وعن يساره كذلك) وفي "الرعاية" "اعتدلوا رحمكم الله" وذلك لما روى محمَّد بن مسلم قال: "صليتُ إلى جنب أنس بن مالك يومًا فقال: هل تدري لم صنع هذا العودُ؟ فقلت: لا والله، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه، فقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره، وقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم" رواه أبو داود

(2)

. و (لأن تسوية الصف من تمام الصلاة) للخبر، متفق عليه من حديث أنس

(3)

(قال) الإمام (أحمد

(4)

: ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام) أي

(1)

في "ح" و"ذ": "بعنه".

(2)

في الصلاة باب 94، حديث 669، 670. ورواه -أيضًا- أحمد (3/ 254) وابن حبان "الإحسان" (5/ 542، 544) حديث 2168، 2170، والبيهقي (2/ 22) والبغوي (3/ 367) حديث 811. والحديث سكت عنه أبو داود، والمنذري وفي سنده مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن محمَّد بن مسلم بن السائب، ومصعب قال فيه ابن حجر في التقريب (6686): لين الحديث، ومحمد بن مسلم قال فيه (6292): مقبول.

(3)

البخاري في الأذان، باب 74، حديث 723، ومسلم في الصلاة، حديث 433، بلفظ:"سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة"، ولفظ مسلم:"من تمام الصلاة".

(4)

مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص/ 29.

ص: 279

موقفه، لحديث أبي هريرة قال:"إن كانت الصلاة لتقام للرسول صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناسُ مصافهم قبل أن يقوم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مقامه" رواه مسلم

(1)

.

(ويسن تكميل الصف الأولَ، فالأولَ) أي الذي يليه، وهكذا حتى ينتهوا، لما تقدم من حديث:"لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا على ذلك لاستهموا عليه"

(2)

وظاهره: حتى بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت الصلاة في محراب زيادة عثمان.

(و) يسن (تراص المأمومين، وسد خلل الصفوف) لتشبه صفوف المجاهدين (فلو ترك القادر) الصف (الأول، فالأول، كره) له ذلك، قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب، وهو المشهور أيضًا.

(والصف الأول) للرجال أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "لتكونوا في الذي يلينى"

(3)

(وهو) أي الصف الأول: (ما يقطعه المنبر) قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب اهـ، والمراد: أنه أول صف يلي الإِمام قطعه المنبر أولا (لا ما يليه) أي: لا أول صف يلي المنبر.

(ويمنة كل صف للرجال أفضل) من يسرته، أي صلاة المأمومين جهة

(1)

في المساجد، حديث 605 (159).

(2)

تقدم تخريجه (2/ 32 - 33) تعليق 1.

(3)

أخرجه الطيالسي (ص 75 حديث 555) وأحمد (5/ 140)، وعبد بن حميد (1/ 198) حديث 177، والطحاوي (1/ 226)، من حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه بلفظ: كونوا في الصف الذي يليني.

ورواه -أيضًا- النسائي في الإمامة، باب 23، حديث 807، وعبد الرزاق (2/ 53) حديث 2460، وابن خزيمة (3/ 33) حديث 1573، وابن حبان "الإحسان"(5/ 555) حديث 2181، والطبراني في الأوسط (4/ 25) حديث 3030، والحاكم (3/ 303 - 304)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 152)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

ص: 280

يمين الإِمام أفضل من صلاتهم جهة يساره، إذا كانوا رجالًا.

(وظاهر كلامهم) حيث أطلقوا أن يمينه لرجال أفضل (أن الأبعد عن اليمين أفضل ممن على اليسار، ولو كان) من على اليسار (أقرب) إلى الإِمام، لإطلاقهم أن يمينه لرجال أفضل (قال) قاضي القضاة

(1)

أحمد محب الدين (بن نصر الله) البغدادي (في شرح الفروع) أي شرحه لباب صفة الصلاة من كتاب "الفروع": (وهو أقوى عندي. انتهى).

قال في "الفروع": (وظاهر كلامهم: يحافظ على الصف الأول، وإن فاتته ركعة) أي بسبب مشيه إلى الصف الأول، ويتوجه من نصه: يسرع إلى الأولى للمحافظة عليها (لا إن خاف فوت الجماعة) قال في "الفروع": والمراد من كلامهم إذا لم تفته الجماعة مطلقًا، وإلا حافظ عليها، فيسرع لها. وقال في "النكت": لا يبعد القول بالمحافظة على الركعة الأخيرة، وإن كان غيرها مشى إلى الصف الأول. وقد يقال: يحافظ على الركعة الأولى والأخيرة، ولهذا قلنا: لا يسعى إذا أتى الصلاة للخبر المشهور

(2)

. قال الإمام أحمد

(3)

: فإن أدرك، أي طمع أن يدرك التكبيرة الأولى، فلا بأس أن يسرع، ما لم تكن

(1)

الأولى عدم التعبير بهذا، وقد ورد في النصوص النهي عن "شاه شاه، وملك الملوك" وهذا بمعناه. انظر الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (1/ 84)، فتح الباري (10/ 590)، فتح المجيد (2/ 711).

(2)

روى البخاري في الأذان، باب 20، حديث 635، ومسلم في المساجد، حديث 603 عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا في الصلاة، قال: فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة؛ فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا. لفظ البخاري.

(3)

رسالة الصلاة للإمام أحمد ص/35، وهي مطبوعة ضمن طبقات الحنابلة (1/ 366).

ص: 281

عجلة تقبح. قال: وقد ظهر مما تقدم، أنه يعجل لإدراك الركعة الأخيرة، لكن هل تقيد المسألتان بتعذر الجماعة؟ فيه تردد.

(وكلما قرب من الإمام فهو أفضل، وكذا قرب الأفضل) من الإمام أفضل، لحديث:"لِيَلِيَنّي منكم أولو الأحلام والنهى"

(1)

. (و) كذا قرب (الصف منه) أي من الإمام أفضل، وكذا قرب الصفوف بعضها من بعض

(و‌

‌الأفضل تأخير المفضول، كالصبي

لا البالغ) ولو عبده، أو ولده (والصلاة مكانه) أي مكان الصبي؛ لأن أُبيًّا نحى قيس بن عباد، وقام مكانه، فلما صلى قال:"يا بنيَّ لا يسوؤك الله، فإني لم آتك الذي أتيت بجهالةٍ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا: كونوا في الصفِّ الذي يليني، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك" إسناده جيد، رواه أحمد، والنسائي

(2)

.

قال في "شرح المنتهى": وهذا لا يدل على أنّه ينحيه عن مكانه، فهو رأي صحابي، مع أنه في الصحابة مع التابعين.

(وخير صفوف الرجال

(3)

: أولها وشرها آخرها

(4)

، عكس صفوف

(1)

رواه النسائي في الإمامة، باب 23، حديث 806، 811، وابن ماجه في الإقامة، باب 45، حديث 976، وأحمد (4/ 122)، والدارمي في الصلاة، باب 51، حديث 1270، عن أبي مسعود رضي الله عنه، ورواه مسلم في الصلاة، حديث 432 (122)، عن أبي مسعود رضي الله عنه، وحديث 432 (123) عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: ليلني منكم

وكذا رواه أبو داود في الصلاة، باب 96، حديث 674 عن أبي مسعود رضي الله عنه.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 280)، تعليق رقم 3.

(3)

أي أكثرها أجرًا، قاله ابن سيد الناس. "ش".

(4)

أقلها أجرًا، قاله ابن سيد الناس، وقال القاضي عياض:[إكمال المعلم 2/ 351]: قد يكون سمى الأخير شرًا لمخالفة أمره فيها، وتحذيرًا من فعل المنافقين بتأخرهم عنه وعن سماع ما يأتي به. "ش".

ص: 282

النساء) فخيرها آخرها، وشرها أولها، للخبر

(1)

. والمراد: إذا صلين مع الرجال، وإلا فكالرجال. قال ابن هبيرة

(2)

: وله -أي الصف الأول- ثوابه وثواب من وراءه ما اتصلت الصفوف لاقتدائهم به.

(ويسن تأخيرهن) أي النساء خلف صفوف الرجال لقوله صلى الله عليه وسلم: "أخروهن من حيث أخرهن الله"

(3)

(فتكره صلاة رجل بين يديه امرأة تصلي) لما تقدم من الخبر (وإلا) أي: وإن لم تكن تصلي (فلا) كراهة، لما تقدم من حديث عائشة في نواقض الوضوء

(4)

.

(ثم يقول) الإِمام ثم المأموم، وكذا المنفرد (وهو قائم مع القدرة) على القيام وعدم ما يسقطه مما يأتي، وتقدم بعضه (في الفرض: الله أكبر، مرتبًا متواليًا) وجوبًا (لا يجزئه غيرها) لحديث أبي حميد الساعدي قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة استقبل القبلة، ورفع يديه، وقال: الله أكبرُ" رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان

(5)

. وحديث علي يرفعه قال: "مفتاحُ الصلاة

(1)

روى مسلم في الصلاة، حديث 440، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها".

(2)

الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 414).

(3)

لم نجد من خرجه مرفوعًا، وإنما رواه عبد الرزاق (3/ 149 رقم 5115)، وابن خزيمة (3/ 99) رقم 1700، والطبراني في "الكبير"(9/ 342 رقم 9484) موقوفًا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وصحح إسناده الحافظ في الفتح (1/ 350). ورواه ابن خزيمة -أيضًا- (3/ 99) رقم 1700، بلفظ: أخروهن حيث جعلهن الله. ينظر نصب الراية (2/ 36)، والدراية (1/ 171)، وكشف الخفاء (1/ 69).

(4)

تقدم تخريجه (1/ 299) تعليق رقم 3.

(5)

ابن ماجه في الإقامة، باب 1، 15، 72، حديث 803، 862، 1061، وابن حبان "الإحسان"(5/ 178 - 180، 187 - 188) حديث 1865 - 1867، =

ص: 283

الطهور، وتحريمها التكبيرُ، وتحليلها التسليم" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(1)

، وروي مرسلًا

(2)

. قال الترمذي

(3)

: هذا أصح شيء في هذا

= 1869 - 1871، 1876. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الصلاة، باب 117، 181، حديث 730، 963) والدارمي في الصلاة، باب 92، حديث 1363، وابن خزيمة (1/ 297، 317) حديث 587، 625.

(1)

أحمد (1/ 123، 129)، وأبو داود في الطهارة، باب 31، حديث 61، وفي الصلاة باب 74، حديث 618. والترمذي في الطهارة، باب 3، حديث 3.

وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الطهارة، باب 3، حديث 275، -والشافعي "ترتيب مسنده"(1/ 70)، وعبد الرزاق (2/ 72) حديث 2539، وابن أبي شيبة (1/ 229)، والدارمي في الطهارة، باب 21، حديث 693، والبزار في مسنده (2/ 236) حديث 633، وأبو يعلى (1/ 456) حديث 616، وابن المنذر في الأوسط (3/ 75)، حديث 1261، والطحاوي (1/ 273)، وابن عدي (4/ 1448)، والدارقطني (1/ 360، 379)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 372)، والبيهقي (2/ 15، 173)، والخطيب في تاريخه (10/ 196 - 197)، والبغوي (3/ 17) حديث 558، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسن. وقال البغوي: هذا حديث حسن. وحسنه -أيضًا- النووي في الخلاصة (1/ 348)، والسيوطي في الجامع الصغير (5/ 527) مع الفيض، وصحح إسناده النووي في المجموع (3/ 289)، والحافظ في الفتح (2/ 322)، والمناوي في التيسير (2/ 377).

(2)

قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 307) قال في الإمام: ورواه الطبراني، ثم البيهقي من جهة أبي نعيم، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن الحنفية يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .... الحديث، قال: وهذا على هذا الوجه مرسل. اهـ.

قلنا: جاء في كتاب الصلاة لأبي نعيم حديث رقم 1، ومن طريقه في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 15) موصولًا.

(3)

سنن الترمذي (1/ 9).

ص: 284

الباب، والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.

وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "إذا قمتَ فكبر" متفق عليه

(1)

، ولم ينقل أنه كان يستفتحها بغير ذلك، فلا تنعقد بقول: الله الأكبر، أو الكبير، أو الجليل، ولا بالله أقبر؛ بالقاف، ولا الله فقط، ولا أكبر الله.

(فإن أتمه) أي التكبير (قائمًا) بأن ابتدأه قبل أن يقوم، وأتمه قائمًا (أو) ابتدأه قائما وأتمه (راكعًا، أو أتى به) أي التكبير (كله راكعًا، أو قاعدًا في غير فرض، صحت) صلاته، لأن القيام ليس ركنًا في النافلة (وأدرك الركعة) لما يأتي من أن من أدرك الركوع مع الإِمام، أدرك الركعة.

(و) إن أتم التكبير قائمًا، أو راكعًا، أو أتى به كله راكعًا، أو قاعدًا (فيه) أي في الفرض (تصح) صلاته (نفلًا إن اتسع الوقت) لإتمام النفل، ولفعل صلاة الفرض كلها بعده في الوقت، لما تقدم من أنه إذا أتى بما يفسد الفرض فقط، انقلب نفلًا، وإن لم يتسع الوقت استأنفها للفرض، لتعين الوقت له.

(فإن زاد على التكبير، كقوله: الله أكبر كبيرًا، أو الله أكبر وأعظم، أو) الله أكبر (وأجل، ونحوه، كره) له ذلك؛ لأنه محدث.

والحكمة في افتتاح الصلاة بهذا اللفظ، كما قاله القاضي عياض

(2)

: استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته، والوقوف بين يديه، ليمتلئ هيبة فيحضر قلبه، ويخشع ولا يغيب.

وسميت التكبيرة التي يدخل بها في الصلاة تكبيرة الإحرام؛ لأنه يدخل بها في عبادة يحرم فيها أمور. والإحرام: الدخول في حرمة لا تنتهك.

(1)

البخاري في الأذان، باب 95، 122، حديث 757، 793، وفي الاستئذان، باب 18، حديث 6251، وفي الأيمان والنذور باب 15، حديث 6667، ومسلم في الصلاة، حديث 397 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

وانظر حكمة أخرى في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 264).

ص: 285

(فإن مد) المحرم (همزة الله، أو) مد همزة (أكبر) لم تنعقد صلاته؛ لأنه يصير استفهامًا (أو قال: أكبار، لم تنعقد) صلاته؛ لأنه يصير جمع كبر، بفتح الكاف، وهو الطبل.

(ولا تضر زيادة المد على الألف بين اللام والهاء؛ لأنها) أي زيادة المد (إشباع) لأن اللام ممدودة، فغايته: أنه زاد في مد اللام، ولم يأت بحرف زائد (وحذفها) أي حذف زيادة المد (أولى؛ لأنه يكره تمطيطه) أي التكبير.

(فإن لم يحسن التكبير بالعربية، لزمه تعلمه) لأنه ذكر لا تصح الصلاة إلا به، فلزمه تعلمه، كقراءة الفاتحة (مكانه، أو ما قرب منه) فلا يلزمه السفر لتعلمه (فإن خشي فوات الوقت) كبر بلغته (أو عجز عن التعلم، كبر بلغته) لأنه عجز عن اللفظ، فلزمه الإتيان بمعناه، كلفظة النكاح (فإن كان يعرف لغات) فيها أفضل، كبر به (فالأولى تقديم السرياني، ثم الفارسي، ثم التركي أو الهندي) فيخير بينهما، لتساويهما (ولا يكبر قبل ذلك) أي قبل التعلم، حيث قدر عليه (بلغته) فلا تنعقد صلاته؛ لأنّه ترك فرضه بلا عذر.

(فإن عجز عن التكبير) بالعربية وغيرها (سقط عنه، كالأخرس) لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(1)

.

(و‌

‌لا يترجم عن) ذكر (مستحب)

بغير العربية، ولو عجز عنها، لأنه غير محتاج إليه (فإن فعل) أي ترجم عن الذكر المستحب (بطلت) صلاته؛ لأنه كلام أجنبي.

(وحكم كل ذكر واجب) كتشهد، وتسبيح ركوع وسجود (كتكبيرة الإحرام) لمساواته لها في الوجوب.

(1)

سورة البقرة، الآية:286.

ص: 286

(وإن أحسن البعض) من التكبير، أو الذكر الواجب، بأن أحسن لفظ الله، أو أكبر، أو سبحان، دون الباقي (أتى به) لحديث:"إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"

(1)

قال ابن نصر الله في "شرح الفروع": وكلامه يقتضي أنه لو قدر على الإتيان ببعض حروف إحدى الكلمتين دون بقيتها، لزمه الإتيان به، وفيه نظر اهـ، قال في "الشرح": فإن عجز عن بعض اللفظ، أو بعض الحروف، أتى بما أمكنه، كمن عجز عن بعض الفاتحة.

(و‌

‌الأخرس، ومقطوع اللسان، يحرم بقلبه)

لعجزه عنه بلسانه (ولا يحرك لسانه) كمن سقط عنه القيام، سقط عنه النهوض إليه، وإن قدر عليه؛ لأنه عبث، ولم يرد الشرع به، كالعبث بسائر جوارحه، وإنما لزم القادر ضرورة

(وكذا حكم القراءة، والتسبيح، وغيره) كالتحميد، والتسميع، والتشهد، والسلام، يأتي به الأخرس ونحوه بقلبه، ولا يحرك لسانه لما تقدم.

(ويسن جهر الإمام بالتكبير كله) ليتمكن المأموم من متابعته فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا كبرَ فكبروا"

(2)

(وبتسميع) ليحمد المأموم عقبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا قال: سمعَ الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمدُ"

(2)

.

و (لا) يسن جهر الإمام بـ (ـتحميد) لأنه لا يتعقبه من المأموم شيء؛ فلا فائدة في الجهر به.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم 2.

(2)

جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. رواه البخاري في الأذان، باب 82، حديث 734، ومسلم في الصلاة، حديث 414، 417. ومن حديث أنس رضي الله عنه رواه البخاري في الأذان، باب 82، 128، حديث 733، 805، ومسلم في الصلاة، حديث 411. وأوله: إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا

الحديث.

ص: 287

(و) يسن جهر الإمام (بسلام أول) أي بالتسليمة الأولى، ليتابعه المأموم في السلام (فقط) أي دون التسليمة الثانية، لحصول العلم بالسلام بالأولى، إذ من المعلوم أن الثانية تعقب الأولى.

(و) يسن جهر إمام بـ (قراءة في) صلاة (جهرية) كأولتي مغرب وعشاء، وكصبح، وجمعة، وعيد، ونحوها، لما يأتي.

ويكون الجهر في كل موضع قلنا: يستحب (بحيث يسمع من خلفه) أي جميعهم، إن أمكن (وأدناه) أي أدنى جهر الإمام به (سماع غيره) ولو واحدًا ممن وراءه؛ لأنه إذا سمعه واحد اقتدى به، واقتدى بذلك الواحد غيره فيحصل المقصود.

(ويسر مأموم ومنفرد به) أي بالتكبير (وبغيره) من التسميع

(1)

، والتحميد والسلام؛ لأن المنفرد لا يحتاج إلى إسماع غيره، وكذا المأموم إذا كان الإمام يسمعهم

(وفي القراءة تفصيل يأتي) عند الكلام على قراءة السورة.

(ويكره جهر مأموم) في الصلاة بشيء من أقوالها؛ لأنه يخلط على غيره (إلا بتكبير، وتحميد، وسلام لحاجة) بأن كان الإِمام لا يسمع جميعهم (ولو بلا إذن الإمام) له في الجهر بذلك، لدعاء الحاجة إليه (فيسن) لأحد المأمومين؛ لأن أبا بكر لما صلى هو والناس قيامًا، وصلى النَّبي صلى الله عليه وسلم في مرضه جالسًا، فكان أبو بكر يسمع الناس تكبيره

(2)

، قال في "شرح الفروع": إلا

(1)

في "ذ": "التسبيح".

(2)

رواه البخاري في الوضوء باب 45، حديث 198، والأذان، باب 39، 47، 51، 67، 68، حديث 664، 683، 687، 712، 713، ومسلم في الصلاة، حديث 418، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 288

المرأة، إذا كانت مع الرجال، أي فلا تجهر هي، بل أحدهم (قال الشيخ

(1)

: إذا كان الإمام يبلغ صوته المأمومين) كلهم (لم يستحب لأحد من المأمومين التبليغ، باتفاق المسلمين) لعدم الحاجة إليه

(وجهر كل مصل) من إمام، ومأموم، ومنفرد (في ركن) قولي، كقراءة الفاتحة، وتكبيرة إحرام (وواجب) قولي، كتكبير انتقال، وتشهد أول، وتسميع، وتحميد، (فرض بقدر ما يسمع نفسه) لأنه لا يكون آتيًا بشيء من ذلك بدون صوت، والصوت ما يتأتى سماعه، وأقرب السامعين إليه نفسه. واختار الشيخ تقي الدين

(2)

الاكتفاء بالحروف، وإن لم يسمعها. قال في "الفروع": ويتوجه مثله كل ما تعلق بالنطق، كطلاق وغيره اهـ، ويأتي في الطلاق: أنه يقع، وإن لم يسمع نفسه (إن لم يكن) به (مانع) من السماع، كصمم (فإن كان) مانع (فـ) ـإنه يجب الجهر بالفرض والواجب (بحيث يحصل السماع مع عدمه) أي المانع.

(ويرفع) المصلي (يديه) عند تكبيرة الإحرام (ندبًا) قال في "الشَّرح"، وفي "المبدع": بغير خلاف نعلمه، زاد في "المبدع": وليس بواجب اتفاقًا. وفي شرح "الفروع": خلافًا لابن حزم

(3)

في إيجابه هنا فقط.

(والأفضل) أن تكون يداه (مكشوفتين هنا، وفي الدعاء) لأن كشفهما أدل على المقصود، وأظهر في الخضوع

(أو) يرفع (إحداهما) أي إحدى اليدين (عجزًا) عن رفع اليد الأخرى؛ لمرضها، قال في "شرح الفروع": وكذا لو عجز عن رفعهما لمانع، يتوجه أن

(1)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 60.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 76.

(3)

انظر المحلى (3/ 234).

ص: 289

ينوي رفعهما لو كانا. ولم أجد من ذكره.

(ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء الكبير، وانتهاؤه) أي الرفع (مع انتهائه) أي التكبير؛ لما روى وائل بن حُجر أنَّه "رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير"

(1)

. ولأن الرفع للتكبير، فكان معه.

وتكون اليدان حال الرفع (ممدودتي الأصابع برؤوسهما) لقول أبي هريرة: "كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مدًّا"، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(2)

بإسناد حسن

(1)

أخرجه أبو داود في الصَّلاة، باب 116، حديث 725، وفي سنده راوٍ مجهول. وأخرجه -أيضًا- حديث 723 - 727، ومسلم في الصَّلاة، حديث 401، والنسائي في الافتتاح، باب 11، حديث 888، والتطبيق، باب 49، حديث 1101، وأحمد (4/ 317، 318)، بلفظ: "رفع يديه

فكبر" أو "فكبر ورفع يديه".

(2)

أحمد (2/ 375، 434، 500)، وأبو داود في الصَّلاة، باب 119، حديث 753، والترمذى في الصَّلاة، باب 63، حديث 240. وأخرجه -أيضًا- النسائى في الافتتاح، باب 6، حديث 882، والطيالسي (ص 313، 334 حديث 2374، 2562، والدرامي في الصَّلاة باب 23، حديث 1240)، وابن خزيمة (1/ 233، 234، 241) حديث 459، 460، 473، والطحاوي (1/ 195)، وابن حبان "الإحسان" (5/ 76) حديث 1777، والحاكم (1/ 234)، وتمام (2/ 64) حديث 1152، والبيهقي (2/ 27) من طرق عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي وقال المناوي في التيسير (2/ 255): إسناده صحيح.

ورواه الترمذي -أيضًا- حديث رقم 239، وابن خزيمة حديث رقم 458، وابن حبان "الإحسان"(5/ 66) حديث 1769، والحاكم (21/ 235)، والبيهقي (2/ 27) من طريق يَحْيَى بن اليمان، عن ابن أبي ذئب، به، بلفظ:"كان ينشر أصابعه نشرًا"، وقال الترمذي:"وأخطأ يحيى بن اليمان في هذا الحديث". وقال أبو حاتم في العلل لابنه (1/ 162): "إنَّما روى على هذا اللفظ يَحْيَى بن يمان، ووهم، وهذا باطل". وانظر سنن التِّرمذي (2/ 6).

ص: 290

(مضمومة) أصابعهما؛ لأنَّ الأصابع إذا ضمت تمتد (ويستقبل ببطونها القبلة) ويكون الرفع (إلى حذو) بالذال المعجمة (منكبيه برؤوسهما) الحذو: المقابل. والمنكب: -بفتح الميم وكسر الكاف- مجمع عظم العضد والكتف.

ومحل ذلك (إن لم يكن) للمصلي (عذر) يمنعه من رفعهما، أو رفع إحداهما إلى حذو منكبيه، لما روى ابن عمر قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم وإذا قام إلى الصَّلاة، رفع يديه، حتَّى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبر" متفق عليه

(1)

.

(ويرفعهما) المصلي (أقل) من ذلك (وأكثر) منه (لعذر) يمنعه منه، لحديث:"إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"

(2)

.

(ويسقط) ندب رفع اليدين (بفراغ التَّكبير كله) لأنَّه سنة فات محلها. وإن نسيه في ابتداء التكبير ثم ذكره في أثنائه أتى به فيما بقي؛ لبقاء محل الاستحباب.

(ورفعهما) أي اليدين (إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه) كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية، ذكره ابن شهاب

(3)

.

(ثم) بعد فراغ التكبير (يحطهما) أي يديه (من غير ذكر) لعدم وروده (ثم يقبض بكفه الأيمن كوعه الأيسر) نص عليه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم "وضع اليمنى على اليسرى" رواه مسلم

(4)

من حديث وائل. وفي رواية لأحمد، وأبي

(1)

البخاري في الأذان، باب 83 - 86، حديث 735، 736، 738، 739، ومسلم في الصَّلاة، حديث 390 (23).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم 2.

(3)

هو الحسن بن شهاب العكبري المتوفى سنة 428 هـ -رحمه الله تعالى-. انظر طبقات الحنابلة (2/ 186)، والمقصد الأرشد (1/ 320).

(4)

في الصلاة، حديث 401.

ص: 291

داود: "ثم وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، والرسغ، والساعد"

(1)

.

(ويجعلهما تحت سرته) روي عن علي، وأبي هريرة، لقول علي:"من السُّنة وضعُ اليمنى على الشمال تحت السُّرَّة" رواه أحمد، وأبو داود

(2)

. وذكر

(1)

أحمد (4/ 318)، وأبو داود في الصَّلاة، باب 116، حديث 727، ولفظهما:"ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد".

ورواه -أيضًا- النسائي في الافتتاح، باب 9، حديث 888، وابن الجارود، حديث 208، وابن خزيمة (1/ 243) حديث 480، وابن المنذر في الأوسط (3/ 93) حديث 1289، وابن حبان "الإحسان"(5/ 170) حديث 1860، والطبراني في الكبير (22/ 35) حديث 82، والبيهقي (2/ 28). وصحح إسناده النووي في الخلاصة (1/ 356)، والمجموع (3/ 248). وقال الحافظ في الفتح (2/ 224): وصححه ابن خزيمة وغيره.

(2)

أحمد (1/ 110)، وأبو داود في الصَّلاة، باب 120، حديث 756، بلفظ:"من السنة وضع الكف على الكف في الصَّلاة تحت السرة".

وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 391)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 94) حديث 1290، والدارقطني (1/ 286)، والبيهقيّ (2/ 31).

ورواه أبو داود -أيضًا- حديث 758، وابن المنذر رقم 1291 عن أبى هريرة رضي الله عنه موقوفًا. وفي سنديهما عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي.

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي.

وقال البيهقي في سننه (2/ 31 - 32): "عبد الرحمن بن إسحاق هذا هو الواسطي القرشي، جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري وغيرهم

وعبد الرحمن بن إسحاق متروك".

وقال في معرفة السنن والآثار (2/ 341): لم يثبت إسناده، تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو متروك.

وقال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 339): "وهذا لا يصح" ثم ذكر كلام النقاد فيه. =

ص: 292

ابن الجوزي في "التحقيق"

(1)

: أنه لا يصح. قيل للقاضي: هو عورة فلا يضعهما عليه كالعانة، والفخذ؟ فأجاب: بأن العورة أولى وأبلغ بالوضع عليه لحفظه (ومعناه) أي معنى وضع كفه الأيمن على كوعه الأيسر جعلهما تحت سرته: أن فاعل ذلك ذو (ذل بين يدي عز) نقله أحمد بن يَحْيَى الرقي

(2)

.

(ويكره) جعل يديه (على صدره

(3)

) نص عليه

(4)

، مع أنه رواه

(5)

، قاله في "المبدع".

(و‌

‌يستحب نظره إلى موضع سجوده في كل حالات الصَّلاة)

لما روى أحمد في الناسخ والمنسوخ عن ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يقلب بصره إلى السماء، فنزلت:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}

(6)

فطأطأ رأسه"

(7)

ورواه

= وقال النووي في شرح مسلم (4/ 115): "وأما حديث علي رضي الله عنه أنَّه قال: (من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة) ضعيف متَّفق على تضعيفه".

وضعفه -أيضًا- الحافظ في الفتح (2/ 224)، وفي الدراية (1/ 128).

انظر بيان الوهم والإيهام (5/ 26 - 27)، ونصب الراية (1/ 313 - 314).

(1)

(1/ 339).

(2)

طبقات الحنابلة (1/ 84).

(3)

بل الصواب استحباب ذلك. انظر كتاب الصلاة لابن القيم ص/ 195.

(4)

مسائل أبي داود ص/31.

(5)

في مسنده (5/ 226) عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن شماله، ورأيته يضع هذه على صدره (وصف يَحْيَى -يعني ابن سعيد القطان- اليمنى على اليسرى) فوق المفصل.

وقبيصة لم يرو عنه غير سماك بن حرب، وقال ابن المديني النسائي: مجهول.

وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن حجر في التقريب (798): مقبول.

(6)

سورة المؤمنون، الآية:2.

(7)

وأخرجه -أيضًا- أبو داود في المراسيل (45)، وابن أبي شيبة (2/ 240)، والطبري في تفسير (18/ 2)، والبيهقيّ (2/ 283)، والحازمي في الاعتبار ص / 202 =

ص: 293

سعيد بسنده أيضًا عنه وزاد فيه: "قال: كانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه" ولأنه أخشع وأكف لنظره.

(إلا في صلاة الخوف، إذا كان العدو في جهة القبلة، فينظر إلى العدو) للحاجة.

(وكذا إذا اشتد الخوف، أو كان خائفًا من سيل، أو سبع، أو فوات) وقت (الوقوف بعرفة، أو ضياع ماله، وشبه ذلك مما يحصل له به ضرر، إذا نظر إلى موضع سجوده).

قال في "المبدع": وحال إشارته في التشهد، فإنَّه ينظر إلى سبابته، لخبر ابن الزبير

(1)

.

وصلاته تجاه الكعبة فإنَّه ينظر إليها.

وفي الغنية: يكره إلصاق الحنك بالصدر، وعلي الثوب، وإنه يروى عن الحسن: أن العلماء من الصّحابة كرهته.

= بنحوه - مرسلا.

ورواه الحاكم (2/ 393)، والبيهقي (2/ 283)، والحازمي في الاعتبار ص/204 عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه -مرفوعًا، وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين -لولا خلاف فيه على محمد، فقد قيل عنه مرسلا- ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: الصحيح مرسل. وقال البيهقي: الصحيح هو المرسل. وقال -أيضًا-: هذا (المرسل) هو المحفوظ.

(1)

أخرجه أبو داود في الصَّلاة، باب 186، حديث 990، وابن خزيمة (1/ 355)، والبيهقيّ (2/ 132)، بلفظ:"لا يجاوز بصره إشارته". وأخرجه -أيضًا- أبو داود (988)، ومسلم في المساجد، حديث 579، والنسائي في السهو، باب 35، حديث 1269، دون قوله:"لا يجاوز بصره إشارته".

ص: 294

‌فصل (ثم يستفتح سرًا)

(فيقول: سبحانك) أي أنزهك تنزيهك اللائق بجلالك (اللهم) أي: يا الله (وبحمدك) قيل الواو عاطفة على محذوف، تقديره: سبحتك بكل ما يليق تسبيحك به، وبحمدك سبحتك، أي بنعمتك التي توجب عليَّ حمدًا سبحتك، لا بحولي وقوتي. وقال ثعلب: معناه سبحتك بحمدك. قال أبو عمر

(1)

: كأنه يذهب إلى أن الواو صلة

(2)

، أي زائدة. ويجوز أن يكون معناه: وبحمدك اللائق بك أحمدك.

(وتبارك) فعل لا يتصرف، فلا يستعمل منه غير الماضي (اسمك) أي دام خيره، والبركة: الزيادة والنماء، أى البركة تكسب وتنال بذكرك، ويقال: تبارك: تقدس، والقدس: الطهارة، ويقال: تعاظم.

(وتعالى جدك) بفتح الجيم، أي علا جلالك، وارتفعت عظمتك (ولا إله غيرك) قال الترمذي: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التّابعين وغيرهم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بذلك، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي

(3)

، ولفظه من حديث أبى سعيد، وهو من رواية علي بن علي الرفاعي، وقد وثقه

(1)

هو غلام ثعلب: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم البغوي، تلميذ ثعلب المتوفي سنة 345 هـ رحمه الله تعالى. انظر تاريخ بغداد (2/ 356).

(2)

انظر المطلع على أبواب المقنع ص/ 71.

(3)

أحمد (3/ 50، 69)، وأبو داود في الصَّلاة، باب 122، حديث 775، والترمذي في الصلاة، باب 65، حديث 242 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وأخرجه -أيضًا- النسائي في الافتتاح، باب 18، حديث 898، وفي الكبرى =

ص: 295

أبو زرعة، وابن معين، وتكلم فيه بعضهم، وعمل به عمر بين يدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

، ولذلك اختاره الإمام أحمد، وجوز الاستفتاح بغيره مما ورد

(2)

.

= (1/ 313 - 314) حديث 972، 973، وابن ماجه في الإقامة، باب 1، حديث 804، وعبد الرزاق (2/ 75) حديث 2554، وابن أبي شيبة (1/ 232)، والدارمي في الصَّلاة، باب 33، حديث 1242، وأبو يعلى (2/ 358) حديث 1108، وابن خزيمة (1/ 238) حديث 467، والطحاوي (1/ 197، 198)، والطبراني في الدعاء (2/ 1032) حديث 501، والدارقطني (1/ 298)، والبيهقي (2/ 34 - 35)، وفي معرفة السنن (2/ 348).

والحديث مختلف في صحته وضعفه، فضعفه النووي في الخلاصة (1/ 361)، وقال: وممن ضعفه أحمد بن حنبل، والترمذي، وروي الاستفتاح بسبحانك اللَّهم وبحمدك من رواية جماعة من الصحابة، وأحاديثه كلها ضعيفة، قال الحفاظ: وإنَّما هو صحيح عن عمر موقوف عليه. انظر سنن الترمذي (2/ 9 - 10) وصحيح ابن خزيمة (1/ 238)، والمجموع (3/ 255). وقال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 412): هذا حديث حسن

ثم فصل الكلام فيه، فارجع إليه.

وأثر عمر المشار إليه يأتي تخريجه بعد.

والحديث له شواهد كثيرة. انظر نصب الراية (1/ 320 - 323)، ونتائج الأفكار (1/ 414 - 415).

(1)

روى ابن أبي شيبة (1/ 230، 232)، والطحاوي (1/ 198)، والدارقطني (1/ 299)، والحاكم (1/ 235)، والبيهقي (2/ 34 - 35)، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين افتتح الصلاة كبر، ثم قال: سبحانك اللهم

الحديث. وصححه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 240)، والدارقطني، والحاكم، والذهبي في تلخيص المستدرك (1/ 235)، وابن القيم في زاد المعاد (1/ 205)، وابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 416). ورواه مسلم في الصلاة حديث 399 (52) بلفظ: أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللَّهم. . . الحديث.

(2)

في "ح" و"ذ" زيادة: "وهو معنى قول المصنف: ويجوز، ولا يكره بغيره مما ورد.

ص: 296

وقال الشيخ تقي الدين

(1)

: الأفضل أن يأتي بكل نوع أحيانًا، وكذا صلاة الخوف.

(ثم يتعوذ سرًا، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. . . الآية}

(2)

أي إذا أردت القراءة، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولها قبل القراءة

(3)

(وكيفما تعوذ من الوارد فحسن) كحديث أبي سعيد

(1)

الاختيارات الفقهية ص/77، ومجموع الفتاوى (22/ 348).

(2)

سورة النحل، الآية:98.

(3)

روي أبو داود في الصلاة، باب 121، حديث 764، 765، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب 2، حديث 807، والطيالسي ص/128 حديث 947، وابن أبي شيبة (1/ 231)، وأحمد (4/ 80، 82، 85) والبزار في مسنده (8/ 366) حديث 3446، وابن الجارود حديث 180، وأبو يعلى (13/ 393) حديث 7398، وابن خزيمة (1/ 239) حديث 468، 469، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1/ 292) حديث 107، وابن حبان "الإحسان"(5/ 78 - 79، 80) حديث 1779، 1780، (6/ 336)، حديث 2601، والطبراني في الكبير (2/ 134 - 135) حديث 1569، 1567، والحاكم (1/ 235)، وابن حزم في المحلى (3/ 248)، والبيهقي (2/ 35)، والبغوي (3/ 43) حديث 575، والحافظ في نتائج الأفكار (1/ 422) كلهم من طرق عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة قال: الله أكبر كبيرًا -ثلاثًا- الحمد لله كثيرًا -ثلاثًا- سبحان الله بكرة وأصيلًا -ثلاثًا- اللهم إني أعوذ بك من الشيطان: من همزه، ونفثه، ونفخه.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. ومال البزار إلى تضعيفه للاضطراب في إسناده.

وقال ابن خزيمة: وعاصم العنزي، وعباد بن عاصم [الراويان عن نافع] مجهولان، لا يدرى من هما، ولا يعلم الصحيح ما روى حصين، أو شعبة.

وذكر البخاري في التاريخ الكبير (6/ 488) الاختلاف فيه، وقال: وهذا لا يصح.

ص: 297

مرفوعًا: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم"

(1)

قال الترمذي: هو أشهر حديث في الباب. وهو متضمن للزيادة، والأخذ بها أولى، لكن ضعفه أحمد

(2)

، واختار ابن بطة وجوب الاستفتاح والتعوذ. واختار الشيخ تقي الدين

(3)

: التعوذ أول كل قربة

(4)

.

(ثم يقرأ البسملة)

أي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم (سرًا) لما روي نعيم المجمر قال: "صليت وراء أبي هريرة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، حتى بلغ: ولا الضالين، الحديث" ثم قال: "والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه النسائي

(5)

، وفي لفظ لابن خزيمة، والدارقطني: أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يسر بسم الله الرحمن الرحيم، وأبو بكر، وعمر" زاد ابن خزيمة: "في الصلاة"

(6)

فيسر بها (ولو قيل: إنها من الفاتحة) كما

(1)

هذا جزء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم تخريجه (2/ 295) تعليق رقم 3.

(2)

قال أحمد: لا يصح هذا الحديث. الجامع للترمذي (2/ 11).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/77، والفتاوى الكبرى (4/ 416).

(4)

كذا في الأصول "قربة" ولعل الصواب: "قراءة" كما في الاختيارات (77)، والفتاوى الكبرى (4/ 416).

(5)

في الافتتاح، باب 21، حديث 904. وأخرجه -أيضًا- أحمد (2/ 497) وابن الجارود (184)، وابن خزيمة (1/ 251، 342) حديث 499، 688 والطحاوي (1/ 199) وابن حبان "الإحسان" (5/ 100، 104) حديث 1797، 1801، والدارقطني (1/ 305، 306) والحاكم (1/ 232)، والبيهقي (2/ 46، 58). وقال الدارقطني: هذا صحيح، ورواته كلهم ثقات. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: إسناده صحيح، وله شواهد.

(6)

ابن خزيمة (1/ 250)، حديث 498 عن أنس رضي الله عنه. ورواه -أيضًا- الطحاوي (1/ 203)، والطبراني في الكبير (1/ 255) حديث 739، وفي الأوسط =

ص: 298

اختاره ابن بطة، وأبو حفص، وصححه ابن شهاب

(1)

.

(وليست) بسم الله الرحمن الرحيم (منها) أي من الفاتحة، جزم به أكثر الأصحاب، وصححه ابن الجوزي، وابن تميم، وصاحب "الفروع"، وحكاه القاضي إجماعًا سابقًا. و (كغيرها) أي وليست آية من غير الفاتحة، لحديث أبي هريرة، قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبدُ: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي - الحديث" رواه مسلم

(2)

، ولو كانت آية لعدها وبدأ بها، ولما تحقق التنصيف، لأن ما هو ثناء وتمجيد أربع آيات ونصف، وما هو لآدمي آيتان ونصف، لأنها سبع آيات إجماعًا، لكن حكى الرازي

(3)

، عن الحسن البصري: أنها ثمان آيات. وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في تبارك الَّذي بيده الملك: "إنها ثلاثون آية" رواه أحمد، وأبو داود والترمذي

(4)

، بإسناد حسن. ولم يختلف

= (9/ 129) حديث 8274، وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 108)، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله موثقون. ورواه الدارقطني (1/ 315) بلفظ: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، فلم أسمع أحدًا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وفي لفظ: فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وبنحوه رواه -أيضًا- مسلم في الصلاة، حديث 399.

(1)

انظر ما تقدم (2/ 291) تعليق رقم 3.

(2)

في الصلاة، حديث 395.

(3)

التفسير الكبير (1/ 202).

(4)

أحمد (2/ 299، 321)، وأبو داود في الصلاة، باب 327، حديث 1400، والترمذي في فضائل القرآن، باب 9، حديث 2891، عن طريق عباس الجشمي، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا -قال: سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} . قال الترمذي: حسن. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (6/ 178، 496) حديث 10546، 11612 وفي عمل اليوم والليلة، ص/ 433 حديث 710، وابن ماجه في الأدب، باب 52، حديث 3786. =

ص: 299

العادون أنها ثلاثون آية بدون البسملة قال الأصوليون

(1)

: وقوة الشبهة في بسم الله الرحمن الرحيم، منعت التكفير من الجانبين، فدل على أنها ليست من المسائل القطعية، خلافًا للقاضي أبي بكر

(بل) بسم الله الرحمن الرحيم بعض آية من النمل إجماعًا. و (آية من القرآن) فاعلة بين كل سورتين، فهي (مشروعة قبلها) أي الفاتحة (وبين كل سورتين، سوى براءة فيكره ابتداؤها بها) لنزولها بالسيف، وقيل: لأنها مع الأنفال سورة واحدة.

= وأبو عبيد في فضائل القرآن ص / 140، وعبد بن حميد (3/ 207) حديث 1443، وابن الضريس في فضائل القرآن ص 106، حديث 235، والفريابي في فضائل القرآن ص / 143، حديث 33، وابن حبان "الإحسان"، (3/ 67) حديث 787، وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث 683، والحاكم (1/ 565، 2/ 497 - 498)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 493) حديث 2506، وفي إثبات عذاب القبر ص/ 100، حديث 151، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 234): وأعله البخاري في التاريخ الكبير بأن عباسا الجشمي لا يعرف له سماع عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه رواه الطبري في الصغير (1/ 176) والأوسط (4/ 391)، حديث 3667، والضياء في المختارة (5/ 114) حديث 1738، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 127) وقال: رواه الطبراني في الصغير، والأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 234): رواه الطبراني في الكبير بإسناد صحيح. وأورده السيوطي في الجامع الصغير (4/ 115) حديث 4726، ورمز له بالصحة.

(1)

أصول السرخسي (1/ 280 - 281)، ومنتهى الوصول والأمل ص/ 46، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 163 - 165)، والكوكب المنير لابن النجار (2/ 122 - 127).

ص: 300

(فإن ترك الاستفتاح) وفي نسخة "الافتتاح"(ولو عمدًا، حتَّى تعوذ) سقط (أو) ترك (التعوذ حتَّى بسمل) سقط (أو) ترك (البسملة حتَّى شرع في القرآن) وفي نسخة "القراءة"(سقط) لأنه سنة فات محلها.

و‌

‌يسن كتابة البسملة أوائل الكتب،

كما كتبها سليمان، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية

(1)

، وإلى قيصر

(2)

وغيره، نص عليه. فتذكر في ابتداء جميع الأفعال، وعند دخول المنزل، والخروج منه، للتبرك، وهي تطرد الشيطان، وإنما تستحب إذا ابتدأ فعلًا تبعًا لغيرها لا مستقلة، فلم تجعل كالحمدلة وغيرها. ونقل ابن الحكم: لا تكتب أمام الشعر، ولا معه. وذكر الشعبي

(3)

: أنَّهم كانوا يكرهونه. قال القاضي: لأنه يشوبه الكذب والهجر غالبًا.

وأما حديث أنس المتفق عليه: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين"

(4)

، فمحمول على أن الَّذي يسمعه أنس منهم "الحمد لله رب العالمين"، وقد جاء ذلك مصرحًا به عن أنس

(5)

.

(1)

رواه البخاري في الشروط، باب 15، حديث 2731، 2732، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما، ومروان بن الحكم رحمه الله تعالى.

(2)

انظر: صحيح البخاري في بدء الوحي، حديث 7، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1773، عن ابن عباس، عن أبي سفيان رضي الله عنهم.

(3)

رواه ابن أبي شيبة (8/ 719)، رقم 6133.

(4)

البخاري في الأذان، باب 89، حديث 743، ومسلم في الصلاة، حديث 399 (52).

(5)

روى ابن خزيمة (1/ 250) حديث 498 من طريق الحسن، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وأبو بكر، وعمر.

وفي رواية له (1/ 250)، وعبد بن حميد (3/ 97) حديث 1189، والدارقطني (1/ 315) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان. =

ص: 301

ويخير في غير الصلاة بين الجهر بالبسملة وتركه، قال القاضي: كالقراءة (ثم يقرأ الفاتحة مرتبة، متوالية، مشددة) أي بتشديداتها، وهي ركن في كل ركعة؛ لحديث عبادة مرفوعًا:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب" متفق عليه

(1)

، وفي لفظ:"لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" رواه الدارقطني

(2)

، وقال: إسناده صحيح.

وعن أبي هريرة مرفوعًا: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، يقوله ثلاثًا" رواه مسلم

(3)

.

والخداج: النقصان في الذات، نقص فساد وبطلان، تقول العرب: أخدجت الناقة ولدها، أي ألقته وهو دم لم يتم خلقه. فإن نسيها في ركعة لم يعتد بها.

وسميت فاتحة: لأنه يفتتح بقراءتها في الصلاة، وبكتابتها في المصاحف.

وتسمى: الحمد، والسبع المثاني، وأم الكتاب، والراقية، والشافية، والأساس، والصلاة، وأم القرآن؛ لأن المقصود منه تقرير أمور الإلهيات، والمعاد والنبوة

(4)

، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى، فالحمد لله إلى الرحيم بدل على الإلهيات، و"مالك يوم الدين" يدل على المعاد، و"إياك نعبد وإياك

= ورواه النسائي في الافتتاح، باب 22، حديث 905 بلفظ: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى بنا أبو بكر، وعمر، فلم نسمعها منهما.

(1)

البخاري في الأذان، باب 95، حديث 756، ومسلم في الصلاة، حديث 394.

(2)

(1/ 321 - 322)، وقال: هذا إسناد صحيح.

(3)

في الصلاة، حديث 395 (41).

(4)

في "ح" و"ذ": "النبوات".

ص: 302

نستعين" يدل على نفي الجبر والقدر، وعلى أن الكل بقضاء الله و"اهدنا الصراط المستقيم" إلى آخرها، يدل على النبوات.

وتسمى: الشفاء، والشافية، والسؤال، والدعاء. وقال الحسن

(1)

: أودع الله فيها معاني القرآن كما أودع فيه معنى الكتب السابقة.

(والمستحب أن يأتي بها مرتلة، معربة) لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}

(2)

ويأتي لذلك تتمة في أحكام القراءة (يقف فيها) أي الفاتحة (عند كل آية) لقراءته صلى الله عليه وسلم

(3)

(وإن) أي: ولو (كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى

(1)

رواه البيهقي في شعب الإيمان، (5/ 308) رقم 2155.

(2)

سورة المزمل، الآية:4.

(3)

روى أبو داود في الحروف والقراءات، باب 1، حديث 4001، والترمذي في القراءات، باب 1، حديث 2927، وابن أبي شيبة (2/ 520 - 521، 10/ 524) وأحمد (6/ 302، 323)، وأبو يعلى (12/ 350، 451) حديث 6920، 7022 وابن أبي داود في المصاحف ص/105، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/ 6، 8) حديث 5405، 5406، والطبراني في الكبير (23/ 278، 392) حديث 603، 937، والدارقطني (1/ 312 - 313)، والحاكم (1/ 232)، والبيهقي (2/ 44)، كلهم من طريق ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته بقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف، وكان يقرؤها: ملك يوم الدين - لفظ الترمذي.

قال الدارقطني: إسناده صحيح، وكلهم ثقات.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وبه يقول أبو عبيد، ويختاره

وليس إسناده بمتصل؛ لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم سلمة، وحديث الليث أصح، وليس في حديث الليث: وكان يقرؤها: ملِكِ يوم الدين. =

ص: 303

تعلق الصفة بالموصوف) كالرحمن الرحيم، بعد الحمد لله رب العالمين (أو) كانت متعلقة بها (غير ذلك) التعلق، كتعلق البدل بالمبدل منه، كصراط الذين أنعمت، بعد اهدنا الصراط المستقيم.

(ويمكن حروف المد واللين) وهي الألف اللينة، والواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها، لقوله تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}

(1)

(ما لم يخرجه ذلك) التمكين (إلى التمطيط) فيتركه.

(وهي) أي الفاتحة (أعظم سورة في القرآن) وقال الشيخ تقي الدين

(2)

: هي أفضل سوره، وذكر ابن شهاب

(3)

وغيره معناه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيها: "أعظم سورةٍ في القرآن"

(4)

.

= وطريق الليث هذا أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 355، حديث 1466، والترمذي في فضائل القرآن، باب 23، حديث 2923، والنسائي في الافتتاح، باب 83، حديث 1021، وفي قيام الليل، باب 13، حديث 1628، وأحمد (6/ 294، 300)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/ 9) حديث 5408، والبيهقي (3/ 13) ضمن حديث، وفي: ثم نَعَتَتْ قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مَمْلَك، من أم سلمة رضي الله عنها.

(1)

سورة المزمل، الآية:4.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 79.

(3)

هو الزهري كما في الاختيارات.

(4)

رواه البخاري في تفسير سورة الفاتحة، حديث 4474، وتفسير سورة الأنفال، باب 2 حديث 4647، وتفسير سورة الحجر، باب 3، حديث 4703، وفي فضائل القرآن، باب 9، حديث 5006، عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث، وفيه: ثم قال لي: =

ص: 304

(وأعظم آية فيه) أي القرآن (آية الكرسي) كما رواه أحمد، ومسلم عنه صلى الله عليه وسلم

(1)

.

ومنه: يؤخذ أن بعض القرآن قد يكون أفضل من بعض باعتبار متعلقه من المعاني والبلاغة، وغير ذلك، ولا يمنع من ذلك كون الجميع صفة لله تعالى، لما ذكرنا من أن التفضيل باعتبار المتعلق لا بالذات. وللترمذي وغيره "أنها -أي آية الكرسي- سيدة آي القرآن"

(2)

.

(وفيها) أي الفاتحة (إحدى عشرة تشديدة) وذلك في: لله، ورب، والرحمن، والرحيم، والدين، وإياك، وإياك، والصراط، والذين، وفي الضالين ثنتان، وأما البسملة ففيها ثلاث تشديدات.

= "لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن، قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته".

(1)

أحمد (5/ 142)، ومسلم في المسافرين، حديث 810، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر أتدري أي آية في كتاب الله معك أعظم؟ "

قلت: الله لا إله لا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، وقال:"والله، ليهنك العلم أبا المنذر".

(2)

الترمذي في فضائل القرآن، باب 2، حديث 2878، وعبد الرزاق (3/ 376). حديث 6019، والحميدي:(2/ 437) حديث 994، وسعيد بن منصور (3/ 950) حديث 424، وابن عدي (2/ 637)، والحاكم (1/ 560، 2/ 259، 260)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 313، 327) حديث 2158، 2171، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير، وضعفه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، والشيخان لم يخرجا عن حكيم ابن جبير لوهن في رواياته، إنما تركاه لغلوه في التشيع. ووافقه الذهبي.

ص: 305

(فإن ترك ترتيبها) أي الفاتحة، بأن قدم بعض الآيات على بعض لم يعتد بها؛ لأن ترتيبها شرط صحة قراءتها، فإن من نكسها لا يسمى قارئًا لها عرفًا. وقال في "الشرح" عن القاضي: وإن قدم آية منها في غير موضعها عمدًا أبطلها، وإن كان غلطًا، رجع، فأتمها.

(أو) ترك (حرفًا منها) أي الفاتحة، لم يعتد بها؛ لأنه لم يقرأها، وإنما قرأ بعضها.

(أو) ترك (تشديدة) منها (لم يعتد بها) لأن التشديدة بمنزلة حرف، فإن الحرف المشدد قائم مقام حرفين، فإذا أخل بها فقد أخل بحرف. قال في "شرح الفروع": وهذا إذا فات محلها وبعد عنه، بحيث يخل بالموالاة، أما لو كان قريبًا منه فأعاد الكلمة أجزأه ذلك؛ لأنه يكون بمثابة من نطق بها على غير الصواب، فيأتي بها على وجه الصواب. قال: وهذا كله يقتضي عدم بطلان صلاته، ومقتضى ذلك: أن يكون ترك التشديدة سهوًا أو خطأ، أما لو تركها عمدًا فقاعدة المذهب: تقتضي بطلان صلاته -إن انتقل عن محله

(1)

-. كغيرها من الأركان، فأما مادام في محلها، وهو حرفها لم تبطل اهـ. وفيه نظر فإن الفاتحة ركن واحد محله القيام، لا أن كل حرف ركن.

تتمة: إذا أظهر المدغم، مثل أن يظهر "لام" الرحمن، فصلاته صحيحة، لأنه إنما ترك الإدغام، وهو لحن لا يحيل المعنى، ذكره في "الشرح".

(وإن قطعها) أي الفاتحة (غير مأموم) وهو الإمام أو المنفرد (بذكر) كثير (أو دعاء) كثير (أو قرآن كثير، أو سكوت طويل، عمدًا، لزمه استئنافها) لاختلال نظمها (لا إن كان) القرآن، أو الذكر، أو الدعاء (يسيرًا) فلا يلزمه

(1)

في "ح"، و"ذ":"محلها".

ص: 306

استئنافها، لعدم إخلاله بنظمها (أو) كان القرآن، أو: الذكر، أو الدعاء (كثيرًا سهوًا، أو نومًا) فلا يلزمه استئنافها؛ لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان"

(1)

.

(أو انتقل) عن الفاتحة (إلى) قراءة (غيرها غلطًا، فطال) ذلك فلا يلزمه استئنافها، لما تقدم (ولا يضر) القطع (في حق مأموم، إن كان القطع) مشروعًا (أو) كان (السكوت مشروعًا، كالتأمين، وسجود التلاوة، والتسبيح بالتنبيه) أي لأجل التنبيه (ونحوه) كالفتح على إمامه، إذا أُرْتِج عليه، أو غلط (أو) كان السكوت (لاستماع قراءة الإمام) فلا أثر للتقطيع في ذلك كله، لأنه مشروع (ويبني) المأموم على ما قرأه.

(ولا تبطل) القراءة (بنية قطعها، ولو سكت يسيرًا) فيبني على ما قرأه لأن القراءة باللسان، فلم تنقطع، بخلاف نية الصلاة (ويأتي في صلاة الجماعة: إذا لحن لحنًا يحيل المعنى، أو أبدل حرفًا بحرف ونحوه)، كإدغام ما لا يدغم.

(ويكره الإفراط في التشديد) بحيث يزيد على حرف ساكن؛ لأنها أقيمت مقامه، فإذا زادها عن ذلك، زادها عما أقيمت مقامه.

(و) الإفراط في (المد) لأنه ربما جعل الحركات حروفًا.

(و) يكره (أن يقول مع إمامه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ونحوه) لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}

(2)

.

(و {مَالِكِ} أحب إلى) الإمام (أحمد من {ملك}) لما في {مَالِكِ} من زيادة حرف الألف، ولأنه كما قال أبو عبيدة: أوسع وأجمع، لأنه يقال:

(1)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم 1.

(2)

سورة الأعراف، الآية:204.

ص: 307

مالك العبيد، والطير، والدواب، ولا يقال: ملك هذه الأشياء ا هـ. ولا يقال: مالك الشيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء ولا يملكه.

وقال قوم: ملك، أولى لأن كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكًا، وهذا غير مفيد هنا، لأن مالك الشيء ملك له وزيادة، والكلام هنا في مالك المضاف إلى يوم الدين، فإذا كان مالكه كان ملكًا له

(1)

.

(فإذا فرغ) من قراءة الفاتحة (قال: آمين، بعد سكتة لطيفة، ليعلم أنها ليست من القرآن) وإنما هي طابع الدعاء، ومعناه: اللهم استجب، وقيل: اسم من أسمائه تعالى.

(يجهر بها إمام، ومأموم معًا في صلاة جهر) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمينَ الملائكةِ غفر له" متفق عليه

(2)

. وروى أبو وائل

(3)

أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: "آمين" يمد بها صوتَه. رواه أحمد، وأبو داود، والدارقطني

(4)

وصححه. وقال عطاء: "كان ابن الزبير يؤمنُ

(1)

انظر تفسير القرطبي (1/ 140).

(2)

البخاري في الأذان، باب 111، حديث 780، وفي الدعوات، حديث 6402، ومسلم في الصلاة، حديث 410.

(3)

هكذا في الأصول، والصواب وائل، وهو ابن حجر، كما يأتي في تخريج الحديث.

(4)

أحمد (4/ 315 - 316)، وأبو داود في الصلاة، باب 172، حديث 932، والدارقطني (1/ 333 - 334). وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الصلاة، باب 70، حديث 248، وفي العلل الكبير ص/ 68 حديث 98، وابن أبي شيبة (2/ 425، و 10/ 525)، والطبراني في "الكبير"(22/ 44) حديث 111، والبيهقي (2/ 57)، والبغوي (3/ 58) حديث 586 كلهم من طريق سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر رضي الله عنه، به. =

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وتابعه العلاء بن صالح الأسدي، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين

الحديث. رواه أبو داود في الصلاة، حديث رقم 933، والترمذي في الصلاة، حديث رقم 249، وابن أبي شيبة (1/ 199)، والطبراني في الكبير (22/ 45) حديث 114. وقال الترمذي: حسن، وقال الدارقطني: هذا صحيح.

وتابعه -أيضًا- محمَّد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، أشار إليه الدارقطني، وقاله الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 237)، وخالفهم شعبة في متنه وإسناده، فروى الطيالسي ص/138 حديث 1024، وأحمد (4/ 316)، والطبراني في الكبير (22/ 43، 44) حديث 109، 110، والحاكم (2/ 232)، والبيهقي (2/ 57) كلهم من طرق عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، قال: سمعت علقمة بن وائل، -وزاد الطيالسي. وقد سمعت من وائل- أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين، خفض بها صوته. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: وسمعت محمدًا [البخاري] يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث

الخ.

وقال الترمذي -أيضًا-: وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث؟ فقال: حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة، قال: وروى العلاء بن صالح الأسدى عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان.

وقال الدارقطني في سننه (1/ 334): كذا قال شعبة: "وأخفى بها صوته" ويقال: إنه وهم فيه، لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة، فقالوا:"ورفع صوته بآمين"، وهو الصواب.

وقال ابن حجر في إتحاف المهرة (13/ 663): ولعل الوهم فيه ممن دون شعبة، فقد تقدم من رواية عبد الصمد وغيره عنه، [رواه ابن حبان "الإحسان" (5/ 109) حديث 1805]، وليس فيه: وأخفى صوته.

ورجح رواية سفيان على رواية شعبة البيهقي في السنن الكبرى (2/ 57 - 58) وفي مختصر الخلافيات (2/ 64) وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 236): =

ص: 309

ويؤمنونَ، حتى إن للمسجد للجة" رواه الشافعي

(1)

.

(و) يجهر بها (منفرد) إن جهر بالقراءة تبعًا لها (و) يجهر بها (غير مصل إن جهر بالقراءة) تبعًا لها.

(وإن تركه) أي التأمين (إمام) عمدًا، أو سهوًا، أتى به مأموم جهرًا (أو أسره) الإمام عمدًا، أو سهوًا (أتى به مأموم جهرًا، ليذكره) أي يذكر الناسي، وكسائر السنن إذا تركها الإمام أتى بها المأموم، ولم يتابعه في تركها.

="وسنده صحيح، وصححه الدارقطني، وأعله ابن القطان بحجر بن عنبس، وأنه لا يعرف، وأخطأ في ذلك، بل هو ثقة معروف، قيل: له صحبة"، ثم فصل الكلام فيه فارجع إليه، وانظر بيان الوهم والإيهام (3/ 274 - 375) وتهذيب السنن لابن القيم (1/ 438 - 439).

وقد روي من طريق أخرى موافقة لرواية سفيان الثوري. رواها النسائي في الافتتاح، باب 4، 36، حديث 878، 931، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب 14، حديث 855، وعبد الرزاق (2/ 95) حديث 2633، وابن أبي شيبة (2/ 425)، وأحمد (4/ 315، 318)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 130) حديث 1367، والطبراني في الكبير (22/ 20 - 23) حديث 30 - 37، 39 - 41، والدارقطني (1/ 334 - 335)، والبيهقي (2/ 58) كلهم من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الجبار ابن وائل، عن وائل رضي الله عنه مرفوعًا قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه، حتى حاذتا أذنيه، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، فلما فرغ منها قال: آمين، يرفع بها صوته. لفظ النسائي وقال الدارقطني: إسناده صحيح.

(1)

"ترتيب مسند الشافعي"(1/ 82) حديث 230. وذكره البخاري في الأذان، باب 111 معلقا بصيغة الجزم. ورواه -أيضًا- عبد الرزاق (2/ 69، 97) رقم (2640، 2643)، وابن أبي شيبة (2/ 427)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 132 رقم 370) وابن حزم في المحلى (3/ 164)، والبيهقي في (2/ 59)، وفي "معرفة السنن"(2/ 393).

ص: 310

(ويأتي المأموم أيضًا بالتعوذ، ولو تركه الإمام) وقياسه: الاستفتاح، والبسملة.

(فإن ترك) المصلي (التأمين، حتى شرع في قراءة السورة لم يعد إليه) لأنه سنة فات محلها.

(والأولى) في همزة آمين (المد) ذكره القاضي. وظاهره: أن الإمالة وعدمها سيان.

(ويجوز القصر في آمين) لأنه لغة فيه.

(يحرم تشديد الميم) لأنه يصير بمعنى قاصدين، قال في "المنتهى": وحرم، وبطلت إن شدد ميمها اهـ. مع أنه في "شرح الشذور"

(1)

حكى ذلك لغة فيها عن بعضهم.

(فإن قال: آمين رب العالمين، لم يستحب) قياسًا على قول أحمد في التكبير الله أكبر كبيرًا، لا يستحب.

(ويستحب سكوت الإمام بعدها) أي بعد قراءة الفاتحة (بقدر قراءة مأموم) الفاتحة في الصلاة الجهرية، لحديث أبي داود، وابن ماجه، عن سمرة

(2)

، وليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة مع الإنصات لقراءة الإمام.

(1)

شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب لابن هشام ص/118.

(2)

أبو داود في الصلاة، باب 123، حديث 779 - 780، وابن ماجه في الإقامة، باب 12، حديث 844، رواه -أيضًا- البخاري في جزء القراءة خلف الإمام ص/ 67، والترمذي في الصلاة، باب 186 حديث 251، وأحمد (5/ 7)، وابن خزيمة (3/ 35) حديث 1578، وابن حبان "الإحسان"(5/ 112) حديث 1807، والطبراني في الكبير (7/ 210، 211) حديث 6875، 6876، وفي مسند الشاميين (2/ 58) حديث 915، (4/ 31) حديث 2652، والحاكم (1/ 215)، =

ص: 311

(ويلزم الجاهل) يعني من لم يحسن الفاتحة (تعلمها) لأنها واجبة في الصلاة، فلزمه تحصيلها إذا أمكنه كشروطها (فإن لم يفعل) أي لم يتعلم الفاتحة (مع القدرة عليه، لم تصح صلاته) لتركه الفرض، وهو قادر عليه.

(فإن لم يقدر) على تعلم الفاتحة لبعد حفظه (أو ضاق الوقت عنه، سقط) كسائر ما يعجز عنه (ولزمه قراءة قدرها) أي الفاتحة (في عدد الحروف، والآيات، من غيرها) أي من أي سورة شاء من القرآن لمشاركته لها في القرآنية، وإنما اعتبر عدد الحروف، لأنها مقصودة، بدليل اعتبار تقدير الحسنات بها فاعتبرت كالآي.

(فإن لم يحسن) من القرآن (إلا آية واحدة منها) أي من الفاتحة (أو من

= والبيهقي (2/ 195 - 196، 196)، وفي معرفة السنن والآثار (3/ 91) حديث 3831 كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن أن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين تذاكرا، فحدث سمرة بن جندب أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، فحفظ ذلك سمرة، وأنكر عليه عمران بن حصين، فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب، فكان في كتابه إليهما، أو في رده عليهما، أن سمرة قد حفظ. لفظ أبي داود.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ

". ووافقه الذهبي.

وحسنه الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 22) وقال في الفتح (2/ 230): والسكتة التي بين الفاتحة والسورة ثبت فيها حديث سمرة عند أبي داود وغيره.

وقد رجح العلامة ابن القيم في كتاب الصلاة ص/ 198 أن السكتة الثانية في حديث سمرة رضي الله عنه بعد الفراغ من القراءة كلها، وقال: وهذا أرجح الروايتين. انظر زاد المعاد (1/ 207).

ص: 312

غيرها، كررها بقدرها) أي الفاتحة، مراعيًا عدد الحروف والآيات، كما تقدم (فإن كان يحسن آية منها) أي الفاتحة (و) يحسن (شيئًا من غيرها) أي آية فأكثر من باقي السور (كرر الآية) التي يحسنها من الفاتحة و (لا) يكرر (الشيء) الذي ليس من الفاتحة (بقدرها) متعلق بكرر، لأن الذي منها أقرب إليها من غيرها.

(فإن لم يحسن إلا بعض آية، لم يكرره، وعدل إلى غيره) سواء كان بعض الآية من الفاتحة، أو من غيرها؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم "أمر الذي لا يحسن الفاتحةَ أن يقول: الحمدُ لله" وغيرها مما يأتي، والحمد لله بعض آية من الفاتحة، ولم يأمره بتكرارها.

(فإن لم يحسن شيئًا من القرآن، حرم أن يترجم عنه) أي أن يقوله (بلغة أخرى) غير العربية (كعالم) بالعربية؛ لأن الترجمة عنه تفسير لا قرآن؛ لأن القرآن هو اللفظ العربي المنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}

(1)

وقال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}

(2)

.

(وترجمته) أي القرآن (بالفارسية أو غيرها لا تسمى قرآنًا، فلا تحرم على الجنب، ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ) لما تقدم، قال أحمد

(3)

: القرآن معجز بنفسه، أي بخلاف ترجمته بلغه أخرى، فإنه لا إعجاز فيها، فدل أن الإعجاز في اللفظ والمعنى، وفي بعض آية إعجاز

(4)

. ذكره القاضي وغيره.

(1)

سورة يوسف، الآية:2.

(2)

سورة الشعراء، الآية:195.

(3)

الكوكب المنير (2/ 115).

(4)

أي كل جزء منه له مدخل في التحدى، وإلا فالتحدي حاصل بسورة أو قدرها، ذكره شيخ الإسلام زكريا في "حاشية البيضاوي" وحينئذ فيمكن الجمع بين القولين لعدم التنافي بين ما له دخل في الإعجاز، وما هو معجز بنفسه. "ش".

ص: 313

وفي كلامه في التمهيد في النسخ وكلام أبي المعالي: لا.

(وتحسن للحاجة ترجمته) أي القرآن (إذا احتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة) وتكون تلك الترجمة عبارة عن معنى القرآن، وتفسيرًا له بتلك اللغة، لا قرآنًا، ولا معجزًا، كما تقدم (و) على هذا فإنما (حصل الإنذار بالقرآن) أي المعبر عن معناه بتلك اللغة (دون تلك اللغة، كترجمة الشهادة) أي كما لو ترجمت الشهادة للحاكم، فإن حكمه يقع بالشهادة، لا بالترجمة.

(ويلزمه) أي من لم يحسن آية من القرآن (أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) وذكر جماعة "ولا حول ولا قوة إلا بالله" لخبر أبي داود، عن ابن أبي أوفى قال:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن، فعلمني ما يجزئني منه، فقال: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" الحديث

(1)

.

(1)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 139، حديث 832. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الافتتاح، باب 32، حديث 923، والطيالسي ص / 109، حديث 813، وعبد الرزاق (2/ 121) حديث 2747، والحميدي (2/ 313) حديث 717، وأحمد (4/ 353، 356، 382)، وعبد بن حميد (1/ 468) حديث 523، وابن الجارود حديث 189، وإبن خزيمة (1/ 273) حديث 544، وابن حبان "الإحسان" (5/ 114 - 116) حديث 1808 - 1810، والدارقطني (1/ 313، 314)، والحاكم (1/ 241)، والبيهقي (2/ 381)، والبغوي في شرح السنة (3/ 88) حديث 610. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي. وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 383) وقال في المجموع (3/ 309): رواه أبو داود والنسائي، ولكنه من رواية إبراهيم السكسكي وهو ضعيف. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 236): وفيه إبراهيم السكسكي وهو من رجال البخاري، لكن عيب عليه إخراج حديثه، وضعفه النسائي، وقال ابن القطان: =

ص: 314

ومن أسقط "لا حول ولا قوة إلا بالله" اعتمد على حديث رفاعة بن رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "علم رجلًا الصلاة، فقال: إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا، فاحمد الله، وكبره، وهلله، ثم اركع" رواه أبو داود والترمذي

(1)

قال في "شرح الفروع": لكن يرد عليه إيجاب سبحان الله، فإنه ليس في حديث رفاعة الأمر بالتسبيح، وقد أوجبه، أخذًا بحديث ابن أبي أوفى، فوجب الأخذ بجميعه. ا هـ

(2)

.

قلت: ويجاب عنه: بأن الحمد لما كان مقارنًا للتسبيح غالبًا، فكأنه عبارة عنهما في حديث رفاعة، ودل عليه حديث ابن أبي أوفى، فكأنهما اتفقا عليه بخلاف الحوقلة، فإسقاطها من حديث رفاعة دليل على أن الأمر بها في حديث ابن أبي أوفى ليس للوجوب، ومع ذلك فالاحتياط الإتيان بها، للحديث، وخروجًا من الخلاف.

= ضعفه قوم فلم يأتوا بحجة

وقال ابن عدي: لم أجد له حديثا منكر المتن.

ثم قال الحافظ: ولم يتفرد به، بل رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه [الإحسان رقم حديث 1810] أيضًا من طريق طلحة بن مصرف، عن ابن أبي أوفى، ولكن في إسناده: الفضل بن موفق، ضعفه أبو حاتم.

قلنا: فالحديث بمجموع الطريقين حسن. وقال المنذري في الترغيب والترهيب حديث رقم 2305: إسناده جيد.

وله شاهد من حديث رفاعة الآتي.

(1)

أبو داود في الصلاة، باب 148، حديث 861، والترمذي في الصلاة، باب 110، حديث 302، وقال: حسن. ورواه -أيضًا- الطيالسي ص / 196 حديث 1372، وابن خزيمة (1/ 274) حديث 545، والبيهقي في جزء القراءة خلف الإِمام ص/ 88، حديث 183.

(2)

في "ذ" زيادة: "ذكره في شرح الفروع".

ص: 315

تنبيه: الحديث يدل على أن الذكر السابق يجزئه، وإن لم يكن بقدر الفاتحة، بخلاف القراءة من غيرها، خلافًا لابن عقيل، لأن هذا بدل من غير الجنس أشبه التيمم.

(فإن لم يحسن) المصلي (إلا بعض الذكر) المذكور (كرره) أي ما يحسنه (بقدر الذكر) مراعيًا لعدد الحروف، والجمل، على قياس ما سبق.

(فإن لم يحسن) المصلي (شيئًا منه) أي من الذكر (وقف بقدر الفاتحة كالأخرس) ومقطوع اللسان، لأن القيام ركن مقصود في نفسه، لأنه لو تركه مع القدرة عليه لم يجزئه، فمع القدرة تجب القراءة، والقيام بقدرها، فإذا عجز عن أحدهما، لزمه الآخر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"

(1)

.

(ولا يحرك لسانه) كما تقدم في تكبيرة الإحرام (ولم تلزمه) أي الذي لم يحسن الفاتحة (الصلاة خلف قارئ) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر السائل به في حديث ابن أبي أوفى السابق، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (لكن يستحب) له أن يصلي خلف قارئ، لتكون قراءة الإمام قراءة له، وخروجًا من خلاف من أوجبه.

(و‌

‌من صلى وتلقف القراءة من غيره، صحت)

صلاته، لأنه أتى بفرض القراءة، أشبه القارئ من حفظه، أو من مصحف.

تنبيه: يقال: لقفت الشيء وتلقفته: إذا تناولته

(2)

بسرعة، قاله الجوهري

(3)

وإنما اعتبر ذلك، أي سرعة التناول، لئلا تفوت الموالاة.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234) تعليق رقم 2.

(2)

في "ح": "تناوله".

(3)

انظر الصحاح (4/ 1428).

ص: 316

فصل

(ثم يقرأ البسملة سرًّا) نص عليه، كما في أول الفاتحة.

(ثم) يقرأ (سورة كاملة) قال في "شرح الفروع": لا خلاف بين أهل العلم في استحباب قراءة سورة مع الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة.

(وتجوز) أي تجزئ (آية، إلا أن) الإمام (أحمد استحب أن تكون) الآية (طويلة، كآية الدين، وآية الكرسي) لتشبه بعض السور القصار.

قلت: والظاهر عدم إجزاء آية لا تستقل بمعنى أو حكم نحو {ثُمَّ نَظَرَ}

(1)

{مُدْهَامَّتَانِ}

(2)

كما يأتي عن أبي المعالي في خطبة الجمعة.

(فإن قرأ من أثناء سورة، فلا بأس أن يبسمل نصًا) قال في "الرعاية": ويجوز قراءة آخر سورة، وأوسطها، فيسمي إذن اهـ. وظاهره حتى براءة. ولبعض القراء فيه تردد

(3)

.

(وإن كان) يقرأ (في غير صلاة، فإن شاء جهر بها) أي البسملة (وإن شاء خافت) بها، كما يخير في القراءة.

(و‌

‌يكره الاقتصار) في الصلاة (على) قراءة (الفاتحة)

لأنه خلاف السنة المستفيضة.

(و)

‌ يستحب أن (تكون) القراءة (في الفجر بطوال المفصل)

لحديث

(1)

سورة المدثر، الآية:21.

(2)

سورة الرحمن، الآية:64.

(3)

انظر جمال القراء (2/ 484)، والنشر في القراءات العشر (1/ 266)، والبرهان في علوم القرآن (1/ 460)، والإتقان في علوم القرآن (1/ 298).

ص: 317

جابر بن سمرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كان يقرأ في الفجر بـ ق والقرآن المجيد ونحوها، وكانت صلاته بعد إلى التخفيف" رواه مسلم

(1)

.

وكتب عمر إلى أبي موسى أن "اقرأ في الصبح بطوال المفصل، واقرأ في الظهر بأوساط المفصل، واقرأ في المغرب بقصار المفصل" رواه أبو حفص

(2)

.

وهو السبع السابع، سمي به لكثرة فصوله

(وأوله) أي المفصل سورة (ق) لما روى أبو داود عن أوس بن حذيفة قال: "سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث

(3)

، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة،

(1)

في الصلاة، حديث 458، ولفظه: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ ق والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعدُ تخفيفًا.

(2)

لعله الإمام الحافظ عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن شاهين، المتوفى سنة 385 هـ وهو من تلاميذ أبي بكر بن أبي داود. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (16/ 431). والأثر المذكور علقه الترمذي في ثلاثة مواضع من سننه (2/ 338، 339 - ، 341) مقطعًا، ورواه -أيضًا- عبد الرزاق (2/ 104) رقم 2672، وابن أبي شيبة (1/ 358، 359)، والطحاوي (1/ 215)، وابن أبي داود في المصاحف ص/ 173. وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حجر في التقريب (4734): ضعيف.

(3)

قوله: ثلاث إلخ أي ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل "ق" حتى تختم، فعلى هذا ينبغي أن يسبع كذلك، وإن تفاوت بعض الأسباع، لأن الاتباع خير من الابتداع، هكذا نقله الشيخ عبد الحي في شرحه للغاية في فصل تباح القراءة إلخ عند قول المصنف:"ويسن ختمه عندنا في كل أسبوع" وإذا حسبته وجدته مثل ما ذكره م ص، وأن أوله "ق" من البقرة، فظهر أن مراد "م" "ص" ما ذكره عبد الحي في قوله: ثلاث سور إلخ، فالله سبحانه وتعالى أعلم. "ش".

ص: 318

وحزب المفصل وحده"

(1)

.

وهذا يقتضي أن أول المفصل السورة التاسعة والأربعون من أول البقرة، لا من الفاتحة، وهي "ق"، قاله ابن نصر الله في "شرح الفروع"، وفي "الفنون": أوله الحجرات.

(ويكره) أن يقرأ (بقصاره في الفجر من غير عذر كسفر، ومرض، ونحوهما) كغلبة نعاس، وخوف؛ لمخالفته السنة.

(ويقرأ في المغرب من قصاره) أي المفصل، لما يأتي (ولا يكره) أن يقرأ في المغرب (بطواله) أي المفصل (إن لم يكن عذر) يقتضي التخفيف (نصًا) لما روى النسائي عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم:"قرأ في المغرب بالأعراف، فرَّقها في ركعتين"

(2)

.

(و) يقرأ (في الباقي) وهو الظهر والعصر، والعشاء (من أوساطه) أي

(1)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 326، حديث 1393. ورواه -أيضًا- ابن ماجه في الإقامة، باب 178، حديث 1345، والطيالسي ص / 151 حديث 1108، وابن أبي شيبة (2/ 501 - 502)، وفي المسند (2/ 29) رقم 539، وأحمد (4/ 9، 343)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (3/ 218، 219) رقم 1578، 1579، والطبرانى في الكبير (1/ 220) حديث 599، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 350) رقم 985.

وضعفه ابن معين كما في الاستيعاب (1/ 224)، وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/ 283): إسناده حسن.

(2)

رواه النسائي في الافتتاح، باب 67، حديث 990. ورواه -أيضًا- البيهقي (2/ 392) وقال النووي في الخلاصة (1/ 386): رواه النسائي بإسناد حسن.

ورواه البخاري في الأذان باب 98 حديث 764، وغيره، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه بنحوه.

ص: 319

المفصل، لما روى سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال:"ما رأيت رجلًا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان: فصليت خلفه، فكان يقرأ في الغداة بطوال المفصل، وفي المغرب بقصاره، وفي العشاء بوسط المفصل" رواه أحمد والنسائي

(1)

ولفظه له، ورواته ثقات. قاله في "المبدع"(إن لم يكن عذر) من مرض وسفر ونحوهما (فإن كان) ثم عذر (لم يكره) أن يقرأ (بأقصر منه) أي مما ذكر.

وقراءة السورة وإن قصرت أفضل من بعضها.

ولا يعتد بالسورة قبل الفاتحة.

(ويجهر الإمام بالقراءة) استحبابًا (في الصبح، وأولتي المغرب، و) أولتي (العشاء) إجماعًا، لفعله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف.

(ويكره) الجهر بالقراءة (لمأموم) لأنه مأمور بالإنصات؛ والأمر بالشيء نهي عن ضده.

(ويخير منفرد، وقائم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه، بين جهر) بالقراءة، (وإخفات) بها؛ لأنه لا يراد منه إسماع غيره ولا استماعه، بخلاف الإمام والمأموم.

(1)

أحمد (2/ 300 - 329 - 330، 532)، والنسائي في الافتتاح، باب 61، 62، حديث 981، 982. ورواه -أيضًا- ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 7، حديث 827، وابن خزيمة (1/ 261) حديث 520، وابن حبان "الإحسان" (5/ 145) حديث 1837، والبيهقي (2/ 388، 391).

قال النووي في الخلاصة (1/ 387): رواه النسائي بإسناد حسن. وقال في المجموع (3/ 316): بإسناد صحيح.

وصحح إسناده -أيضًا- الحافظ في بلوغ المرام (308).

ص: 320

(ولا بأس بجهر امرأة) في الجهرية (إذا لم يسمعها أجنبي) منها، بأن كانت تصلي وحدها، أو مع محرمها، أو مع النساء.

(وخنثى مثلها) أي مثل المرأة في الجهر وعدمه، وعلم منه: أنه إذا سمعها أجنبي أنها تسر، قال في "شرح المنتهى": وجوبًا، قال الإمام أحمد

(1)

: لا ترفع صوتها، قال القاضي: أطلق المنع.

(ويسر في قضاء صلاة جهر) كعشاء، أو صبح قضاها (نهارًا ولو جماعة) اعتبارًا بزمن القضاء (كصلاة سر) قضاها ولو ليلًا، اعتبارًا بالمقضية (ويجهر بالجهرية) كأولتي المغرب إذا قضاها (ليلًا في جماعة فقط) اعتبارًا بالقضاء، وشبهها بالأداء، لكونها في جماعة. فإن قضاها منفردًا أسرها لفوات شبهها بالأداء.

(ويكره جهره) أي المصلي (في نفل نهارًا) لحديث: "صلاةُ النهارِ عجماء"

(2)

.

(و) المتنفل (ليلًا يراعى المصلحة) فإن كان بحضرته أو قريبًا منه من يتأذى بجهره أسر، وإن كان من ينتفع بجهره جهر.

(والأظهر أن المراد هنا بالنهار من طلوع الشمس، لا من طلوع

(1)

الإنصاف (3/ 446).

(2)

رواه عبد الرزاق (2/ 493)، من قول الحسن، ومجاهد، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ورواه ابن أبي شيبة (1/ 364) من قول الحسن وأبي عبيدة.

قال النووي في الخلاصة (1/ 394): باطل لا أصل له، وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/ 36) رقم 1609: قال الدارقطني: لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول بعض الفقهاء. وانظر صحيح ابن خزيمة (2/ 337) ترجمة 662، ونصب الراية (2/ 1)، والدراية (1/ 160 - 161).

ص: 321

الفجر، وبالليل من غروبها) أي الشمس (إلى طلوعها، قاله ابن نصر الله) وتقدم في الأذان معناه عن الشيخ تقي الدين، عند قوله: ويصح لفجر بعد نصف الليل. لكن تقدم أن الصبح من صلاة النهار في المواقيت.

(وإن أسر في) محل (جهر، أو جهر في) محل (سر، بني على قراءته) لصحتها.

والجهر أو السر سنة لا يبطل تركه القراءة.

(ويستحب أن يقرأ كما في المصحف من ترتيب السور) قال أحمد في رواية مهنا: أعجب إلي أن يقرأ من البقرة إلى أسفل، لأن ذلك المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(و‌

‌يحرم تنكيس الكلمات)

أي كلمات القرآن، لإخلاله بنظمه (وتبطل به الصلاة) لأنه يصير بإخلال نظمه كلامًا أجنبيًا، يبطل الصلاة عمده وسهوه.

(و‌

‌يكره تنكيس السور)

كأن يقرأ ألم نشرح، ثم يقرأ بعدها والضحى، سواء كان ذلك (في ركعة أو ركعتين) لما روى عن ابن مسعود أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسًا فقال:"ذلك منكوسُ القلبِ"

(1)

وفسره أبو عبيد

(2)

بأن يقرأ سورة، ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها في النظم، ذكره ابن نصر الله في الشرح (كالآيات) أي كما يكره تنكيس الآيات، قال في "الفروع": وفاقًا. قال ابن نصر الله: ولو قيل بالتحريم في تنكيس الآيات كما يأتى من كلام الشيخ تقي الدين

(3)

: أنه واجب لما فيه من مخالفة النص، وتغيير المعنى، كان متجهًا،

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 323) رقم 7947، وابن أبي شيبة (10/ 564) وإسناده صحيح.

(2)

انظر غريب الحديث (4/ 103).

(3)

انظر مجموع الفتاوى (13/ 396).

ص: 322

ودليل الكراهة فقط غير ظاهر، والاحتجاج بتعلمه صلى الله عليه وسلم فيه نظر، فإنه كان للحاجة؛ لأن القرآن كان ينزل بحسب الوقائع.

و (قال الشيخ

(1)

: ترتيب الآيات واجب؛ لأن ترتيبها بالنص إجماعًا، وترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص، في قول جمهور العلماء، منهم المالكية، والشافعية، فتجوز قراءة هذه) السورة (قبل هذه) السورة، واختاره صاحب "المحرر" وغيره، واحتج أحمد بأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تعلم على ذلك.

(وكذا في الكتابة) أي تجوز كتابة هذه قبل هذه (ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها، لكن لما اتفقوا على المصحف زمن عثمان) بن عفان رضي الله عنه (صار هذا مما سنه الخلفاء الراشدون. وقد دل الحديث) أي حديث العرباض بن سارية الذي من جملته "فعليكم بسنتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذِ" الحديث

(2)

(على أن لهم سنة يجب اتباعها) لقوله: "فعليكم بسنتي، وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ".

(وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان) قال في "شرح الفروع": وظاهره: ولو وافق قراءة أحد من العشرة في أصح الروايتين (لم تصح صلاته.

ويحرم) قراءة ما خرج عن مصحف عثمان (لعدم تواتره.

وعنه يكره) أن يقرأ بما يخرج عن مصحف عثمان (و) على هذه الرواية (تصح) صلاته (إذا صح سنده) لأن الصحابة كانوا يصلون بقراءتهم في عصره صلى الله عليه وسلم، وبعده، وكانت صلاتهم صحيحة بغير شك.

(وتصح) الصلاة (بما وافق المصحف) العثماني (وإن لم يكن من

(1)

انظر مجموع الفتاوى (13/ 396).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 317) تعليق رقم 3.

ص: 323

العشرة نصًا) أو لم يكن في مصحف غيره من الصحابة، كسورة المعوذتين، وزيادة بعض الكلمات، زاد في "الرعاية": وصح سنده عن صحابي. قال في "شرح الفروع": ولابد من اعتبار ذلك.

والعشرة هم قراء الإسلام المشهورون، فمن أهل المدينة: اثنان، الأول أبو جعفر يزيد بن القعقاع، والثاني نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، ومن أهل مكة: عبد الله بن كثير، ومن الشام: عبد الله بن عامر، ومن البصرة: أبو عمرو ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، ومن الكوفة: عاصم بن أبي النجود بهدلة، وحمزة بن حبيب الزيات القسملي

(1)

، وأبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، وخلف بن هشام البزار.

(وكره) الإمام (أحمد قراءة حمزة، والكسائي

(2)

) لما فيهما من الكسر، والإدغام، والتكلف، وزيادة المد، وأنكرها السلف، منهم سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، قال في "الفروع": ولم يكره أحمد غيرهما، وعنه (والإدغام الكبير لأبي عمرو) للإدغام الشديد

(3)

.

(واختار) الإمام أحمد

(4)

(قراءة نافع من رواية إسماعيل بن جعفر) لأن إسماعيل قرأ على شيبة شيخ نافع (ثم قراءة عاصم من رواية أبي بكر بن

(1)

قوله: القسملي كذا في عدة نسخ، وفي "شرح الشاطبية" للفاسي هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات التيمي مولى بني عجل، وقيل مولى عكرمة. "ش".

(2)

مسائل ابن هانئ (1/ 102) رقم 507، وطبقات الحنابلة (1/ 74 - 75، 146 - 147، 229)، والعدة في أصول الفقه (5/ 1632).

(3)

انظر جمال القراء وكمال الإقراء (2/ 372)، وطبقات القراء (1/ 116، 117، 118).

(4)

مسائل ابن هانئ (1/ 102) رقم 510، وطبقات الحنابلة (1/ 212).

ص: 324

عياش) لأنه قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن على عثمان، وعلي، وزيد، وأُبي بن كعب، وابن مسعود، وظاهر كلام أحمد: أنه اختارها من رواية أبي بكر بن عياش، وهو أضبط من أخذها عنه، مع علم وعمل وزهد. وقال له الميموني: أي القراءة تختار لي فأقرأ بها؟ قال قراءة ابن العلاء، لغة قريش، والفصحاء من الصحابة.

وإن كان في قراءة زيادة حرف "مثل" فأزلهما، وأزالهما، ووصى وأوصى، فهي أولى؛ لأجل العشر حسنات، نقله حرب، واختار الشيخ تقي الدين

(1)

أن الحرف الكلمة.

(1)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 80.

ص: 325

‌فصل (ثم يرفع يديه)

إلى حذو منكبيه (كرفعه الأول) عند افتتاح الصلاة (بعد فراغه من القراءة) قال في "الشرح" و"المبدع": إذا فرغ من قراءته ثبت قائمًا، وسكت حتى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع، ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع، قاله أحمد

(1)

، لحديث سمرة في بعض رواياته:"فإذا فرغ من القراءة سكت" رواه أبو داود

(2)

.

ويكون رفع اليدين (مع ابتداء الركوع) استحبابًا في قول خلائق من الصحابة، ومن بعدهم؛ لما روى ابن عمر قال:"رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاةَ رفع يديه، حتى يحاذيَ منكبيه، إذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفعُ رأسه من الركوع" متفق عليه

(3)

.

وروى أحمد بإسناد جيد عن الحسن "أن أصحابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك"

(4)

.

(1)

انظر مسائل عبد الله بن أحمد (75 رقم 270)، ورسالة الصلاة ص/ 56.

(2)

في الصلاة، باب 123، حديث 778. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الإقامة، باب 12، حديث 844. وانظر ما تقدم (2/ 311)، تعليق رقم 2.

(3)

البخاري في الأذان، باب 83 - 86، حديث 735، 736، 738، 739، ومسلم في الصلاة، حديث 390.

(4)

لم نجده في كتب الإمام أحمد المطبوعة، ورواه ابن عبد البر في التمهيد (9/ 217) من طريقه. وأخرجه البخاري في جزء رفع اليدين ص/ 75 رقم 64، وابن أبى شيبة (1/ 235)، والبيهقى (2/ 75). وفي "معرفة السنن"(2/ 417)، وابن حزم في =

ص: 326

وكان ابن عمر

(1)

"إذا رأى رجلًا لا يرفع يديه حصبه، وأمره أن يرفعَ"

(2)

. ومضى عمل السلف على هذا.

(مكبرًا) لحديث أبي هريرة قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يكبرُ إذا قام إلى الصلاة، ثم يكبر حين يركع" متفق عليه

(3)

.

(فيضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ملقمًا كل يد ركبة) لما في حديث رفاعة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "وإذا ركعت فضعْ راحتيك على ركبتيك" رواه أبو داود

(4)

. وروى أحمد من حديث ابن

(5)

مسعود أنه صلى الله عليه وسلم "فرج أصابعه من وراء ركبتيه"

(6)

.

= المحلى (4/ 49)، وابن الجوزي في التنقيح (2/ 769)، عن قتادة، عن الحسن، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أيديهم المراوح، يرفعونها إذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم. انظر نصب الراية (1/ 416)، والدراية (1/ 154 - 155).

(1)

في "ح": "عمر".

(2)

أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين ص / 53 رقم 36، والحميدي (2/ 277) رقم 615، والأثرم كما في التمهيد (9/ 224)، وعبد الله بن أحمد في مسائله ص/ 70، والدارقطني (1/ 289)، والبيهقي في "معرفة السنن":(2/ 435) حديث 3361.

(3)

البخاري في الأذان، باب 115، 117، حديث 785، 789، ومسلم في الصلاة، حديث 392 (28).

(4)

في الصلاة، باب 148، حديث 859. ورواه -أيضًا- أحمد (4/ 340)، وابن حبان "الإحسان" (5/ 88) حديث 1787، والطبراني في الكبير (5/ 40) حديث 4530، والبيهقي (2/ 374).

(5)

كذا في الأصول: "ابن مسعود"، وهو تصحيف، والصواب:"أبي مسعود"، واسمه عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه.

(6)

رواه أحمد (4/ 119، 120)، وأبو داود في الصلاة، باب 148، حديث 863، والنسائي في التطبيق، باب 3 - 4، حديث 1035، 1036، والدارمي في الصلاة، =

ص: 327

(ويمد ظهر مستويًا)، ويجعل (رأسه حيال

(1)

) أي بإزاء (ظهره) لا يرفعه ولا يخفضه، لما روت عائشة قالت:"كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك" متفق عليه

(2)

. وروي أنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا ركع لو كان قدحُ ماء على ظهره ما تحرك، لإستواء ظهره" ذكره في "المغني" و"الشرح". قال في "المبدع": والمحفوظ ما رواه ابن ماجه، عن وابصة بن معبد قال:"رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلى، وكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر"

(3)

.

(ويجافي مرفقيه عن جنبيه) لما روى أبو حميد "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ركع فوضع

= باب 68، حديث 1310، والطحاوي (1/ 229)، وابن خزيمة (1/ 302) حديث 598، والطبراني في الكبير (17/ 240 - 242) حديث 668 - 673، والحاكم (1/ 224)، والبيهقي (2/ 121).

قال الحاكم: صحيح الإسناد، وفيه ألفاظ عزيزة، ولم يخرجاه لإعراضهما عن عطاء بن السائب. . . ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (3/ 392): رواه أبو داود، والنسائي، لكنه من رواية عطاء بن السائب، وكان اختلط في آخر عمره، والراوي عنه أخذ عنه في الاختلاط، فلا يحتج به.

قلنا: رواه عنه -أيضًا- زائدة بن قدامة عند أحمد، وهو ممن أخذ منه قبل الاختلاط كما في هدي الساري ص/ 425.

(1)

بكسر الحاء كما في المصباح [ص/ 61]"ش".

(2)

لم يخرجه البخاري. أخرجه مسلم فقط في الصلاة، حديث 498.

(3)

رواه ابن ماجه في الإقامة، باب 16، حديث 872، وقال البوصيري (1/ 178): هذا إسناد ضعيف، فيه طلحة بن زيد، قال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال أحمد وابن المديني: يضع الحديث. وقال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (7/ 166): وإسناده ضعيف جدا. وقد روي من طرق أخرى كلها ضعيفة. انظر مجمع الزوائد (2/ 123) ونصب الراية (1/ 374).

ص: 328

يديه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما، ووتر يديه، فنحاهما عن جنبيه" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه

(1)

.

(ويكره أن يطبق إحدى راحتيه على الأخرى، ويجعلهما بين ركبتيه) وهذا كَان في أول الإسلام، ثم نسخ، وقد فعله مصعب بن سعد، قال: فنهاني أبي، وقال:"كنا نفعل ذلك، فأمرنا أن نضعَ أيدينا على الركب" متفق عليه

(2)

.

(وقدر الإجزاء) في الركوع (انحناؤه يحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه، -نصًا- إذا كان وسطًا من الناس، لا طويل اليدين، ولا قصيرهما) لأنه لا يسمى راكعًا بدونه، ولا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به (وقدره) أي الانحناء، بحيت يمكنه مس ركبتيه بيديه لو كان من أوساط الناس (في حقهما) أي طويل اليدين وقصيرهما. قال في "الفروع": أو قدره من غيره، أي غير الوسط من الناس (قال المجد) عبد السلام بن تيمية الحراني: وضابط الإجزاء الذي لا يختلف (بحيث) عبارته: أن (يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل، أقرب منه إلى القيام المعتدل) ومقتضى كلامه في "الإنصاف" وغيره أنه قول مقابل للقول الذي مشى عليه المصنف، وقد أوضحت ذلك في الحاشية.

وإن كانت يداه عليلتين لا يمكنه وضعهما، انحنى، ولم يضعهما. وإن كانت إحداهما عليلة، وضع الأخرى. ذكره في "المغني" و"الشرح".

(1)

أبو داود في الصلاة، باب 117، حديث 734، والترمذي في الصلاة، باب 78، حديث 260. ورواه -أيضًا- الدارمي في الصلاة، باب 70، حديث 1313، والطحاوي (1/ 229 - 230) وابن خزيمة (1/ 298، 308) حديث 589، 608، وابن حبان "الإحسان" (5/ 188) حديث 1871، والبيهقي (2/ 73). وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

البخاري فى الأذان، باب 118، حديث 790، ومسلم في المساجد، حديث 535.

ص: 329

(وقدره) أي الركوع المجزئ (من قاعد، مقابلة وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة، وتتمتها) أي المقابلة (الكمال) أي كمال الركوع من القاعد، قاله أبو المعالي وغيره.

(ويقول) في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) لما روى حذيفة قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى" رواه الجماعة إلا البخاري

(1)

.

وعن عقبة بن عامر قال: "لما نزلت: "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ"، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت:" {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} "، قال: اجعلوها في سجودكم" رواه أحمد، وأبو داود

(2)

.

(1)

مسلم في المسافرين، حديث 772، وأبو داود في الصلاة، باب 151، حديث 871، والترمذي في الصلاة باب 79، حديث 262، والنسائي في الافتتاح، باب 77، حديث 1007، وابن ماجه في الإقامة، باب 20، حديث 888، وأحمد (5/ 382).

(2)

أحمد (4/ 155)، وأبو داود في الصلاة، باب 151، حديث 869. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الإقامة، باب 20، حديث 887، والطيالسي ص/ 135 حديث 1000، والدارمي في الصلاة باب 69، حديث 1311، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 502 - 503)، وابن خزيمة (1/ 303، 334) حديث 600، 601، 670، وابن المنذر في الأوسط (3/ 156) حديث 1401، والطحاوي (1/ 235)، وابن حبان "الإحسان" (5/ 225) حديث 1898، والطبراني في الكبير (17/ 321، 322) حديث 889، 891، والحاكم (1/ 225، 2/ 477)، والبيهقي (2/ 86)، وفي معرفة السنن والآثار (2/ 442، 443) حديث 3387، 3388. قال الحاكم: هذا حديث حجازي صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي في الموضع الثاني، وتعقبه في الموضع الأول بقوله: إياس ليس بمعروف. وقال النووي في الخلاصة (1/ 396)، والمجموع (3/ 353): إسناده حسن.

ورواه أبو داود -أيضًا- في الصلاة، باب 151، حديث رقم 870، والطبراني في =

ص: 330

والأفضل الاقتصار عليها من غير زيادة "وبحمده". والواجب مرة، كما يأتي.

والسنة (ثلاثًا، وهو أدنى الكمال) لما روى أبو داود، وابن ماجه، عن ابن مسعود، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"إذا ركع أحدكم فليقل: سبحان ربي العظيم ثلات مراتٍ، وذلك أدناه"

(1)

(وأعلاه) أي الكمال (في حق إمام إلى عشر) تسبيحات، لما روي عن

= الكبير (17/ 322) حديث 890 بمعناه، وزادا: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثا، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده، ثلاثا.

وفي سنده: رجل لم يسم.

وقال أبو داود: وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة. وقال الحافظ: في نتائج الأفكار (2/ 65): وفي سنده رجل مبهم.

(1)

أبو داود في الصلاة، باب 154، حديت 886، وابن ماجه في الإقامة، باب 20، حديث 890.

وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (1/ 405)، والترمذي في الصلاة، باب 79، حديث 261، والشافعي في "الأم"(1/ 96)، والطيالسي ص/46 حديث 349، وابن أبي شيبة (1/ 250)، والطحاوي (1/ 232)، والطبراني في الدعاء (2/ 1049) حديث 540، والدارقطني (1/ 343)، والبيهقي (2/ 86، 110). قال البخاري: مرسل. وقال الترمذي: حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل، عون بن عبد الله بن عتبة لم يلق ابن مسعود، والعمل على هذا عند أهل العلم. وانظر فتح الباري لابن رجب (7/ 175)، والمجموع للنووي (3/ 350، 375)، ونتائج الأفكار (2/ 62).

ورواه عبد الرزاق (2/ 156) رقم 2880، والطبراني في الدعاء رقم 540 عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه بنحوه، وزادا:"وبحمده" وهذا منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، قاله أبو حاتم في المراسيل ص/ 256 رقم 953.

ص: 331

أنس "أن عمرَ بن عبد العزيز كان يصلي كَصلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فحزروا ذلك بعشر تسبيحات"

(1)

.

وقال أحمد

(2)

: جاء عن الحسن: أن التسبيح التام سبع، والوسط خمس، وأدناه ثلاث

(3)

.

(و) أعلى التسبيح في حق (منفرد، العرف) وقيل: ما لم يخف سهوًا، وقيل: بقدر قيامه، وقيل: سبع.

(وكَذا سبحان ربي الأعلى في سجوده) أي حكمها حكم تسبيح الركوع فيما تقدم.

(والكمال في رب اغفر لي) بين السجدتين (ثلاث، ومحل ذلك: في غير صلاة الكسوف) في الكل، لما فيها من استحباب التطويل

(ولو انحنى لتناول شيء، ولم يخطر بباله الركوع، لم يجزئه) الانحناء (عنه) أي الركوع لعدم النية.

(1)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 154، حديث 888، والنسائي في التطبيق، باب 76، حديث 1134، وأحمد (3/ 162 - 163)، والبيهقي (2/ 110)، كلهم من طريق وهب به مأنوس، قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. . . الحديث.

قال النووي في الخلاصة (1/ 414): رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن. وحسنه الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 65)، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 169): وهب هذا مجهول الحال.

(2)

رسالة الإمام أحمد في الصلاة ص/ 46 مطبوعة ضمن مجموعة رسائل في الصلاة.

(3)

انظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 250).

ص: 332

(وتكره القراءة في الركوع، والسجود) لنهيه صلى الله عليه وسلم

(1)

، ولأنهما حال ذل وانخفاض، والقرآن أشرف الكلام.

(ثم يرفع رأسه مع رفع يديه كرفعه الأول) في افتتاح الصلاة، إلى حذو منكبيه، لما تقدم من حديث ابن عمر المتفق عليه

(2)

وغيره (قائلًا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، مرتبًا وجوبًا) لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يقول ذلك"

(3)

. وروى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة: "يا بريدة، إذا رفعت رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمدُ"

(4)

فلو قال: من حمد الله سمع له، لم يجزئه، لتغيير المعنى، فإن الأول صيغة تصلح للدعاء.

(ومعنى سمع: أجاب) أي استجاب. والثاني: صيغة شرط وجزاء، لا تصلح لذلك، فافترقا.

(ثم إن شاء أرسل يديه) من غير وضع إحداهما على الأخرى (وإن شاء وضع يمينه على شماله، نصًا) أي نص أحمد على تخييره بينهما

(5)

.

(فإذا استتم قائمًا قال: ربنا ولك الحمد) لما روى أبو هريرة قال: "كان

(1)

أخرجه مسلم في الصلاة، حديث 479، 480 عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه: ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا. وأخرجه مسلم -أيضًا- في الصلاة حديث 480 عن علي رضي الله عنه ولفظه: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا.

(2)

(2/ 326)، تعليق رقم 3.

(3)

ثبت هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. أخرجه البخاري في الأذان، باب 83، حديث 735، ومسلم في الصلاة، حديث 390 (25). ومن حديث أبي هريرة. أخرجه البخارى في الأذان باب 117، حديث 789، ومسلم، حديث 392.

(4)

رواه الدارقطني (1/ 339)، وفي سنده جابر الجعفي، وهو ضعيف.

(5)

مسائل الإمام أحمد. رواية صالح ص/178، رقم 615.

ص: 333

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد" متفق عليه

(1)

(ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) لما روى علي قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد" رواه أحمد، ومسلم، والترمذي

(2)

وصححه.

وفي "المحرر" و"الوجيز" و"المقنع" و"المنتهى": "ملء السماء" لأنه كذلك في حديث ابن أبي أوفى

(3)

. والمنفرد كالإمام، خصوصًا وقد عضده قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي"

(4)

.

(و) نقل عنه أبو الحارث: (إن شاء زاد على ذلك: أهل الثناء والمجد) قال أحمد: وأنا أقوله، وظاهره يستحب، واختاره أبو حفص، وصححه في "المغني" و"الشرح" وغيرهما، وتبعهم في "الإنصاف". وظاهر "التنقيح": لا يستحب. و"أهل" منصوب على النداء، أو مرفوع على الخبرية لمحذوف، أي أنت أهلهما (أحق ما قال العبدُ، وكلنا لك عبدٌ، لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا

(1)

تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

أحمد (1/ 94، 102)، ومسلم في المسافرين، حديث 771، والترمذي في الصلاة باب 82، حديث 266.

(3)

أخرجه مسلم في الصلاة حديث 476 (204). وفي رواية أخرى له، ولأبى داود في الصلاة، باب 144، حديث 846، ولابن ماجه في الإقامة، باب 18، حديث 878، بلفظ:"السماوات".

(4)

جزء من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه. أخرجه البخاري في الأذان، باب 18، حديث 631.

ص: 334

معطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه مسلم

(1)

من حديث أبي سعيد الخدري، أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله

(أو) يقول (غير ذلك مما ورد) ومنه: "اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء الباردِ، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ

(2)

"

(3)

. وقال المجد في "شرحه": الصحيح عندي أن الأولى ترك الزيادة لمن يكتفي في ركوعه وسجوده بأدنى الكمال.

(والمأموم يحمد) أي يقول: ربنا ولك الحمد (فقط في حال رفعه) من الركوع، لما روي أنس، وأبو هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد" متفق عليهما

(4)

فأما قول "ملء السماء" وما بعده، فلا يسن للمأموم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على أمرهم يقول:"ربنا ولك الحمد"، فدل على أنه لا يشرع لهم سواه.

(وللمصلي) إمامًا كان، أو مأمومًا، أو منفردًا (قول: ربنا لك الحمد، بلا واو) لورود الخبر به

(5)

(وبها) أي بالواو (أفضل) نص عليه للاتفاق عليه، من حديث ابن عمر

(6)

، وأنس (4)، وأبي هريرة (4)، ولكونه أكثر حروفًا، ويتضمن الحمد مقدرًا، ومظهرًا، فإن التقدير: ربنا حمدناك، ولك الحمد،

(1)

في الصلاة، حديث 477.

(2)

في "ذ": "الدنس" وكلاها ثابت في صحيح مسلم.

(3)

أخرجه مسلم في الصلاة، حديث 476 (204)، من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما.

(4)

تقدم تخريجهما (2/ 278)، تعليق رقم 2.

(5)

كما يأتي بعد.

(6)

رواه البخاري في الأذان، باب 83، 85، حديث 735، 738.

ص: 335

لأن الواو للعطف، ولما لم يكن في الظاهر ما يعطف عليه، دل على أن في الكلام مقدرًا

(وإن شاء) المصلي (قال: اللهم ربنا لك الحمد، بلا واو) نقله ابن منصور، لوروده في خبري ابن أبي أوفى

(1)

، وأبي سعيد الخدري

(2)

. (وهو) أي قول: "اللهم ربنا لك الحمد"(أفضل) منه مع الواو (وإن شاء) قاله (بواو) فيقول: "اللهم ربنا ولك الحمد" وذلك كله بحسب الروايات صحة وكثرة، وضدهما، من غير نظر لزيادة الحروف وقلتها.

"تنبيه" يجوز في "ملء السماوات" وما عطف عليه، النصب على الحال، أي مالئًا، والرفع على الصفة، أي حمدًا لو كان أجسامًا لملأ ذلك. وقوله:"من شيء بعد" أي كالكرسي وغيره، مما لا يعلم سعته إلا الله. ولمسلم وغيره:"وملء ما بينهما"

(3)

والأول أشهر في الأخبار، واقتصر عليه الإمام والأصحاب.

(وإن عطس) المصلي (حال رفعه) من الركوع (فحمد) الله (لهما جميعًا) بأن قال: "ربنا ولك الحمد" أو نحوه مما ورد، ناويًا به العطاس، وذكر الانتقال (لم يجزئه نصًا)،

(4)

، لأنه لم يخلصه للرفع، وصحح الموفق الإجزاء، كما لو قاله ذاهلًا. وإن نوى أحدهما تعين، ولم يجزئه عن الآخر (ومثل ذلك: لو أراد الشروع في الفاتحة فعطس، فقال: الحمد لله، ينوي

(1)

تقدم تخريجه (2/ 334)، تعليق رقم 3.

(2)

رواه مسلم في الصلاة حديث 477.

(3)

جزء من حديث علي رضي الله عنه. تقدم تخريجه (2/ 334) تعليق رقم 2.

(4)

في "ذ" بعد نصًا زيادة: "ولا تبطل به".

ص: 336

بذلك عن العطاس والقراءة) لم يجزئه، لما تقدم.

(ورفع اليدين في مواضعه من تمام) فضيلة (الصلاة) وسننها (ومن رفع) يديه في مواضعه، فهو (أتم صلاة ممن لم يرفع) يديه، لما تقدم من الأخبار، نص عليه

(1)

، وقال لمحمد بن موسى

(2)

: لا ينهاك عن رفع اليدين إلا مبتدع، فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم

(3)

.

ويرفع من صلى قائمًا، وجالسًا، فرضًا، ونفلًا، قاله في "الفروع".

(و‌

‌إذا رفع رأسه من الركوع، فذكر أنه لم يسبح في ركوعه،

لم يعد إلى الركوع، إذا ذكره بعد اعتداله) لأنه انتقل إلى ركن مقصود، فلا يعود إلى واجب (فإن عاد إليه) أي إلى التسبيح بعد اعتداله (فقد زاد ركوعًا، تبطل الصلاة بعمده) كما لو لم يكن نسي التسبيح (فإن فعله) أي عاد إلى التسبيح بعد الاعتدال (ناسيًا، أو جاهلًا، لم تبطل) صلاته بذلك (ويسجد للسهو) وجوبًا، لأنه زيادة فعلية (فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع) العائد به إلى التسبيح بعد الاعتدال ناسيًا، أو جاهلًا (لم يدرك الركعة) لأنه ملغى (ويأتي) ذلك (في سجود السهو) موضحًا.

(ثم يكبر، ويخر ساجدًا، ولا يرفع يديه) لقول ابن عمر: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" متفق عليه

(4)

(فيضع ركبتيه، ثم يديه) لما روى وائل ابن حجر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض

(1)

انظر مسائل صالح ص/ 324، رقم 1244.

(2)

هو ابن مشيش البغدادي من كبار أصحاب كتاب أحمد. طبقات الحنابلة (1/ 323).

(3)

انظر بدائع الفوائد (3/ 76).

(4)

البخاري في الأذان، باب 83، حديث 735، ومسلم في الصلاة، حديث 390.

ص: 337

رفع يديه قبلَ ركبتيه" رواه النسائي، وابن ماجه، والترمذي

(1)

، وقال: حسن غريب، لا نعرف أحدًا رواه غير شريك، والعمل عليه عند أكثرهم. ورواه

(1)

النسائي في التطبيق، باب 38، 93، حديث 1088، 1153، وابن ماجه في الإقامة، باب 19، حديث 882، والترمذي في الصلاة، باب 84، حديث 268. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الصلاة، باب 141، حديث 838، والترمذي في العلل الكبير ص/ 69 رقم 100، والدارمي في الصلاة، باب 74، حديث 1326، وابن خزيمة (1/ 318، 319) حديث 626، 629، وابن المنذر في الأوسط (3/ 165) حديث 1429، والطحاوي (1/ 255)، وابن حبان "الإحسان" (5/ 237) حديث 1912، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1/ 336) حديث 342، والطبراني في الكبير (22/ 39) حديث 97، والدارقطني (1/ 345)، والحاكم (1/ 226)، والبيهقي (2/ 98)، والبغوي (33/ 133) حديث 642، والحازمي في الاعتبار ص/ 222 كلهم من طريق يزيد بن هارون، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. وروى همام، عن عاصم هذا مرسلا، ولم يذكر فيه وائل بن حجر. وقال في العلل الكبير. . . وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم. وضعفه -أيضًا- الدارقطني في سننه. وصححه الحاكم على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

ورواه أبو داود في مراسيله رقم 42، والطحاوي (1/ 255)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 350)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1491) رقم 3789 عن عاصم بن كليب عن أبيه مرسلا، وقال الحازمي: وهو المحفوظ.

وفي سنده شقيق أبو ليث، ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 66) حديث 36. وقال الحافظ في التقريب (2819): مجهول. وانظر زاد المعاد لابن القيم (1/ 222 - 231).

ص: 338

أبو داود

(1)

بإسناد جيد من غير طريق شريك، ولأنه أرفق بالمصلي، وأحسن في الشكل ورأي العين.

وأما حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه، ولا يبرك بروك البعير" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي

(2)

، فقال

(1)

في الصلاة، باب 141، حديث 839. ورواه -أيضًا- ابن المنذر فى الأوسط (3/ 166) حديث 1432، والبيهقي (2/ 98 - 99) عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه. وهذا منقطع، قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 254): وعبد الجبار لم يسمع من أبيه.

(2)

أحمد (2/ 381)، وأبو داود في الصلاة، باب 141، حديث 840، والنسائى في التطبيق، باب 38، حديث 1090. وأخرجه -أيضًا- البخارى في التاريخ الكبير (1/ 139)، والدارمى فى الصلاة، باب 74، حديث 1327، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 254)، وفي شرح مشكل الآثار (1/ 168) حديث 182، والدارقطني (1/ 344، 345)، وابن حزم في المحلى (4/ 128 - 129)، والبيهقي (2/ 99)، والبغوي (3/ 134) حديث 643، والحازمي في الاعتبار ص / 219 - 220. وذكره الديلمي في مسند الفردوس برقم 1230. ورواه أبو داود -أيضًا- حديث 841، والترمذي في الصلاة باب 85، حديث 269، والنسائي حديث 1089، والبيهقي (2/ 100) مختصرًا بلفظ: يعمد أحدكم في صلاته، فيبرك كما يبرك البعير.

وقال الترمذي: غريب، وقال الحافظ ابن رجب فى فتح البارى (7/ 218): ولا يثبت. وَجّود إسناده النووى في الخلاصة (1/ 403). وقال الحافظ في بلوغ المرام (230): وهو أقوى من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه.

ورواه ابن أبى شيبة (1/ 263)، والبيهقي (2/ 100) بلفظ: إذا سجد أحدكم، فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الجمل.

وفي سنده: عبد الله بن سعيد، ضعفه البيهقي. وانظر زاد المعاد (1/ 223 - 231).

ص: 339

الخطابي

(1)

: حديث وائل أصح. وقال الحاكم

(2)

: هو على شرط مسلم. وبتقدير مساواته فهو منسوخ؛ لما روى ابن خزيمة عن أبي سعيد

(3)

قال: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين"

(4)

لكنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل، وقد تكلم فيه ابن معين

(5)

والبخاري

(6)

. والمراد باليدين هنا الكفان.

(ثم) يضع (جبهته وأنفه) قال في "المبدع": بغير خلاف (ويمكن جبهته وأنفه) من الأرض، لقول أبي حميد الساعدي:"كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض" رواه الترمذي

(7)

وصححه.

(1)

معالم السنن (1/ 208).

(2)

روى الحاكم (1/ 226) عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يضع يديه قبل ركبته، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(3)

كذا في الأصول "عن أبى سعيد"، والصواب:"عن سعد" كما في "صحيح ابن خزيمة"، و"فتح البارى"(2/ 340).

(4)

"صحيح ابن خزيمة"(1/ 319). ورواه -أيضًا- ابن المنذر في الأوسط (3/ 167) رقم 1433، والبيهقي (2/ 100)، والحازمي في الاعتبار ص / 220 - 221.

قال النووي فى الخلاصة (1/ 404)، وفى المجموع (3/ 362): ضعيف ظاهر الضعف، بين البيهقي وغيره ضعفه، وهو من رواية يحيى بن سلمة، وهو ضعيف باتفاقهم، قال البخاري: فى حديثه مناكير، وقال أبو حاتم: منكر الحديث.

وقال الحافظ في فتح الباري (2/ 291): وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع، ولكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، وهما ضعيفان.

(5)

تاريخ ابن معين رواية الدوري (2/ 648).

(6)

في التاريخ الكبير (8/ 277 - 278).

(7)

في الصلاة، باب 86، حديث، 270، وقال، حسن صحيح. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الصلاة، باب 117، حديث 734، وابن خزيمة (1/ 322، 323) =

ص: 340

(و) يمكن (راحتيه من الأرض) أي من مصلاه (ويكون على أطراف أصابع رجليه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعةِ أعظم"

(1)

ذكر منها أطراف القدمين (وتكون) أصابع رجليه (مفرقة، إن لم يكن في رجليه نعل أو خف) وتكون (موجهة إلى القبلة) لما في الصحيح "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف رجليه القبلة"

(2)

وفي رواية: "وفتخ أصابع رجليه"

(3)

. قوله: "فتخ" بالخاء المعجمة، قال في "النهاية"

(4)

: أي نصبهما. وفي "المستوعب": أنه يقيم قدميه، ويجعل أطراف أصابعهما على الأرض. وفيه: ويكره أن يلصق كعبه في سجوده.

"تتمة" إذا سقط على جنبه بعد قيامه من الركوع، ثم انقلب ساجدًا لم

= حديث 637، 640، وابن حبان "الإحسان"(5/ 188) حديث 1871، والبيهقي (2/ 73، 122). وصححه النووى في المجموع (3/ 366) وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 133) رقم 436.

(1)

أخرجه البخاري فى الأذان، باب 133، 134، 137، حديث 809، 810، 812، 815، 816، ومسلم في الصلاة، حديث 490، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

جزء من حديث أخرجه البخارى في الأذان، باب 145، حديث 828، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أبو داود فى الصلاة باب 117، 118، حديث 730، 763، والترمذي في الصلاة، باب 110، حديث 304، والنسائى في التطبيق، باب 48، حديث 1100، وابن ماجه في الإقامة، باب 72، حديث 1061، وأحمد (5/ 3424)، وابن الجارود حديث 192، وابن خزيمة (1/ 327، 341) حديث 65، 685، وابن حبان "الإحسان"(5/ 182) حديث 1867، والبيهقي (2/ 72).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وفي مسند الإمام أحمد، وابن الجارود، وابن خزيمة:"وفتح" بالحاء المهملة.

(4)

(3/ 408) وفيها: "أي نصبها، وغمز موضع المفاصل منها، وثناها إلى باطن الرجل".

ص: 341

يجزئه سجوده، حتى ينويه، لأنه خرج عن سنن الصلاة وهيئتها، وإن سقط منه ساجدًا، أجزأه بغير نية؛ لأنه على هيئتها، فلو قطع النية عن ذلك لم يجزئه، قال ابن تميم وغيره: ولا تبطل صلاته.

(ولو سقط إلى الأرض من قيام، أو ركوع، ولم يطمئن، عاد فأتى بذلك) أي بالركوع، والطمأنِينة فيه؛ لأنه لم يأتِ بما يسقط فرضه، ولا يلزمه أن يبتدئه عن انتصاب؛ لأن ذلك قد سبق منه.

(وإن) ركع و (اطمأن) ثم سقط (عاد) وجوبًا (فانتصب قائمًا ثم يسجد) ليحصل فرض الاعتدال بين الركوع والسجود، ولم يلزمه إعادة الركوع؛ لأنه سبق منه في موضعه.

(فإن) ركع واطمأن ثم (اعتل) بحيث لا يمكنه القيام (حتى سجد، سقط) عنه الرفع، لعجزه عنه، ويسجد عن الركوع، فإن زالت العلة قبل سجوده بالأرض، لزمه العود إلى القيام، لأنه قدر عليه قبل حصوله في الركن الذي بعده، فلم يفت محله.

(وإن علا موضع سجود رأسه على) موضع (قدميه، فلم تستعل الأسافل بلا حاجة، فلا بأس بيسيره) صححه فى "المبدع" وغيره (ويكره بكثيره) أي يكره الكثير من ذلك (ولا يجزئ) سجوده مع عدم استعلاء الأسافل (إن خرج عن صفة السجود) لأنه لا يعد ساجدًا.

(والسجود بالمصلى على هذه الأعضاء) السبعة: الجبهة، واليدين، والركبتين، والقدمين (مع الأنف، ركن مع القدرة) لما روى ابن عباس مرفوعًا: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" متفق عليه

(1)

. وقال: "إذا سجد

(1)

تقدم تخريجه (2/ 341) تعليق رقم 1.

ص: 342

أحدكم سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه" رواه مسلم

(1)

. وحديث "سجد وجهي" إلى آخره

(2)

، لا ينفي سجود ما عداه، وإنما خصه، لأن الجبهة هي الأصل؛ فمتى أخل بالسجود على عضو من هذه لم يصح.

(وإن عجز) عن السجود (بالجبهة أومأ ما أمكنه، وسقط لزوم باقي الأعضاء) لأن الجبهة هي الأصل في السجود، وغيرها تبع لها، فإذا سقط الأصل سقط التبع، ودليل التبعية: ما روى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن اليدين تسجدان كما يسجدُ الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائى

(3)

. وليس المراد: أن اليدين يوضعان بعد وضع الوجه، لما تقدم، وإنما المراد: أن السجود بهما تبع للسجود بالوجه، وباقي الأعضاء مثلهما في ذلك، لعدم الفارق.

(وإن قدر) على السجود (بها) أي الجبهة (تبعها الباقي) من الأعضاء المذكورة لما تقدم.

(ويجزئ) في السجود (بعض كل عضو منها) أي من الأعضاء المذكورة، إذا سجد عليه؛ لأنه لم يقيد في الحديث. ويجزئه (ولو على ظهر كف، و) ظهر (قدم ونحوهما) كما لو سجد على أطراف أصابع يديه أو

(1)

في الصلاة، حديث 491 عن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنه.

(2)

رواه مسلم في صلاة المسافرين حديث 771 عن علي رضي الله عنه.

(3)

أحمد (2/ 6)، وأبو داود في الصلاة، باب 155، حديث 892، والنسائى في التطبيق، باب 39، حديث 1091. ورواه -أيضًا- ابن الجارود حديث 201، وابن خزيمة (1/ 320) حديث 630، والحاكم (1/ 226 - 227)، والبيهقى (2/ 101، 102). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. ورواه مالك في الموطأ (1/ 163)، والبيهقي (2/ 101) عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا.

ص: 343

قدميه، لظاهر الخبر؛ لأنه قد سجد على قدميه أو يديه.

و (لا) يجزئه السجود (إن كان بعضها) أي بعض أعضاء السجود (فوق بعض) كوضع يديه تحت ركبتيه، أو جبهته على يديه، لأنه يفضي إلى تداخل أعضاء السجود.

(ويستحب مباشرة المصلى بباطن كفيه) بأن لا يكون عليهما حائل متصل به (وضم أصابعهما موجهة نحو القبلة، غير مقبوضة، رافعًا مرفقيه) لما روى البراء بن عازب قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إذا سجدت فضع كفيكَ وارفع مرفقيكَ"

(1)

.

(ولا يجب عليه) أي الساجد (مباشرة المصلى بشيء منها) أي من الأعضاء المذكورة (حتى الجبهة) أما سقوط المباشرة بالقدمين، والركبتين، فإجماع، لصلاته صلى الله عليه وسلم فى النعلين والخفين، رواه ابن ماجه

(2)

من حديث ابن مسعود

(3)

.

(1)

أخرجه مسلم فى الصلاة، حديث 494.

(2)

فى "ح"، زيادة:"وغيره".

(3)

في الإقامة، باب 66، حديث 1039. ورواه -أيضًا- ابن أبى شيبة (2/ 417) وأحمد (1/ 460 - 461)، والطحاوي (1/ 511)، والطبراني في الكبير (9/ 293) حديث 9262، وذكروا قصة إمامة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وخلع نعليه.

ورواه الطيالسي (ص/ 52 حديث 395) مختصرًا بلفظ: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين.

وفى الباب، ما رواه البخارى في الصلاة، باب 24، حديث 386، وفى اللباس، باب 37، حديث 5850، ومسلم في المساجد، حديث 555، عن أنس رضي الله عنه، أنه سئل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم.

ص: 344

وأما سقوط المباشرة باليدين، فقول أكثر أهل العلم؛ لما روى ابن عباس قال:"رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في يوم مطير، وهو يتقي الطين - إذا سجد - بكساء عليه، يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجدَ"، وفي رواية:"أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحدٍ متوشحًا به، يتقى بفضوله حرَّ الأرض وبردها" رواهما أحمد

(1)

.

وأما سقوط المباشرة بالجبهة، فلحديث أنس قال:"كنا نصلي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في شدةِ الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه" رواه الجماعة

(2)

. وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عمر

(1)

الرواية الأولى: رواها أحمد في مسنده (1/ 165)، ورواها - أيضًا - أبو يعلى (4/ 355) حديث 2470.

والرواية الثانية: رواها أحمد في مسنده (1/ 256)، ورواها - أيضًا - عبد الرزاق (1/ 350) حديث 1369، وابن أبي شيبة (1/ 269)، وأبو يعلى (4/ 334، 450) حديث 2446، 2576، و (5/ 86) حديث 2687، والطبراني في الكبير (11/ 210) حديث 11520، 11521، من طرق عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحسين ضعيف. كما في التقريب (1335). والحديث ضعفه النووي في الخلاصة (1/ 408 - 409)، وفي المجموع (3/ 367).

ورواه البيهقي (1/ 108) من طريق آخر عن عكرمة: عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه، وضعفه.

قلنا: في سنده الواقدي، وهو متروك مع سعة علمه، كما قاله الحافظ في التقريب (6215).

(2)

البخاري في الصلاة، باب 23، حديث 385، وفي مواقيت الصلاة، باب 11، حديث 542، وفي العمل في الصلاة، باب 9، حديث 1208، ومسلم في المساجد، حديث 620، وأبو داود في الصلاة، باب 93، حديث 660، والترمذي في أبواب السفر، باب 58، حديث 584، والنسائي في التطبيق، باب 59، حديث 1115، وابن ماجه في الإقامة، باب 64، حديث 1033.

ص: 345

"أنه كان يسجدُ على كور عمامتهِ"

(1)

. وفي "صحيح البخاري" عن الحسن قال: "كان القوم يسجدون على العمامةِ والقلنسوة"

(2)

.

(لكن يكره تركها) أي ترك المباشرة باليدين والجبهة (بلا عذر) من حر، أو برد، أو مرض، ونحوه، ليخرج من الخلاف، ويأتي بالعزيمة. وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة

(3)

(فلو سجد على متصل به غير أعضاء السجود، ككور عمامته) - بفتح الكاف -، يقال: كار عمامته يكورها كورًا، من باب قال (وكمه، وذيله، ونحوه، صحت) صلاته لما تقدم (ولم يكره لعذر، كحر، أو برد، ونحوه) لما تقدم، وإلا كره.

(ويكره كشف الركبتين) لأنه تبدو به العورة غالبًا (كـ) ــما يكره (ستر اليدين) للاختلاف في وجوب كشفهما.

(وتكره الصلاة بمكان شديد الحر، أو) شديد (البرد) مع إمكان غيره؛ لأنه يذهب بالخشوع، ويمنع كمال الصلاة (ويأتي) ذلك.

(1)

رواه تمام في فوائده (الروض البسام 1/ 351 رقم 342) عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا. وفي سنده سويد بن عبد العزيز، قال الحافظ في الدراية (1/ 145): سويد بن عبد العزيز واهٍ. وقال البيهقي في سننه (2/ 106): "وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود على كور العمامة، فلا يثبت شيء من ذلك، وأصح ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم". ثم ساق روايته. وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 231): "ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح، ولا حسن".

(2)

"صحيح البخاري": الصلاة، باب 23، معلقًا. ورواه عبد الرزاق (1/ 400) رقم 1566، وابن أبي شيبة (1/ 266)، والبيهقي (2/ 106) موصولًا.

(3)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 268) ولفظه: كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يسجد على كور العمامة.

ص: 346

(ويسن) للساجد (أن يجافي عضديه عن جنبيه، و) أن يجافي (بطنه عن فخذيه، و) أن يجافي (فخذيه عن ساقيه) لما روى عبد الله بن بُحينة: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا سجد تجنح في سجوده، حتى يرى وضح إبطيْه" متفق عليه

(1)

. وعن أبي حميد "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع يديه حذوَ منكبيْه" رواه أبو داود

(2)

. وقال أبو عبد الله في رسالته

(3)

: جاء عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة

(4)

، لنفذتْ"

(5)

، وذلك لشدة رفع مرفقيه وعضديه (ما لم يؤذ جاره) الذي بجانبه

(6)

بفعل ذلك، فيجب تركه، لحصول الإيذاء المحرم من أجل فعله.

(ويضع يديه حذو منكبيه) لما تقدم في حديث أبي داود (وله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال) سجوده، ليستريح بذلك.

(و) يسن أن (يفرق بين ركبتيه، ورجليه) لأنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا سجد فرق بينَ فخذيه"

(7)

.

(1)

مسلم في الصلاة، حديث 495، والبخاري بمعناه في الصلاة، باب 27، حديث 390، وفي الأذان، باب 130، حديث 807، وفي المناقب، باب 23، حديث 3564.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 340)، تعليق رقم 7.

(3)

رسالة الإمام أحمد بن حنبل في الصلاة، مطبوعة ضمن مجمومة رسائل في الصلاة ص/ 51.

(4)

لفظ رواية مسلم: بهمة وهي صغير أولاد الغنم، قالت ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه [لمرت]. "ش".

(5)

أخرج مسلم في الصلاة، حديث 496، وأبو داود في الصلاة، باب 158، حديث 898، والنسائي في التطبيق، باب 52، حديث 1108، وابن ماجه في الإقامة، باب 19، حديث 880 نحوه عن ميمونة رضي الله عنها.

(6)

في "ذ": "بجانبيه".

(7)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 117، حديث 735، بلفظ:"فرَّجَ" من حديث أبي حميد رضي الله عنه.

ص: 347

(ويقول: سبحان ربي الأعلى، وحكمه كتسبيح الركوع) وتقدم تفصيله.

(و‌

‌لا بأس بتطويل السجود لعذر)

لما روي أنه صلى الله عليه وسلم "خرج وهو حامل حسنًا أو حسينًا في إحدى صلاتي العشاءِ، فوضعه، ثم كبر، فصلى، فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناسُ: يا رسولَ الله، إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، وأنه

(1)

يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهتُ أن أعجله، حتى أقضي

(2)

حاجته" رواه أحمد، والنسائي

(3)

، واللفظ له.

(ثم يرفع رأسه مكبرًا) يكون ابتداؤه مع ابتدائه، وانتهاؤه مع انتهائه (ويجلس مفترشًا يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى، ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعها على الأرض مفرقة، معتمدًا عليها لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة) لقول أبي حميد في صفة صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "ثم ثنى رجله اليسرى وقعدَ عليها، واعتدل حتى رجع كل عظم في

(1)

في "مسند أحمد"(3/ 494)، و"سنن النسائي": حديث 1140: "أو أنه".

(2)

في "مسند أحمد"(3/ 494)، و"سنن النسائي": حديث 1140: "يقضي".

(3)

أحمد (3/ 493 - 494، 6/ 467)، والنسائي في التطبيق، باب 82، حديث 1140، عن شداد بن الهاد رضي الله عنه. ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة في مصنفه (12/ 100 - 101)، وفي مسنده (2/ 210) حديث 695، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 187) حديث 934، والطبراني في الكبير (7/ 270) حديث 7107، والحاكم (3/ 165 - 166، 626 - 627)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1457 حديث 3691). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال في الموضع الثاني: وإسناده جيد.

ص: 348

موضعه"

(1)

. وفي حديث عائشة "وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى" متفق عليه

(2)

.

(باسطًا يديه على فخذيه، مضمومة الأصابع) قياسًا على جلوس التشهد، ولأن هذا مما توارثه الخلف عن السلف.

(قائلًا: رب اغفر لي) لما روى حذيفة "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: ربِّ اغفرْ لي، ربِّ اغفرْ لي"،

(3)

، رواه النسائي، وابن ماجه

(4)

، وإسناده ثقات، قاله في "المبدع". وإن قال:"رب اغفر لنا" أو "اللهم اغفر لنا" فلا بأس، قاله في "الشرح"(ثلاثًا، وهو الكمال هنا، وتقدم) عند ذكر تسبيح الركوع. قال في "المبدع": ولا يكره في الأصح، ما ورد عن ابن عباس قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني،

(1)

تقدم تخريجه (2/ 283)، تعليق رقم 5.

(2)

أخرجه مسلم فقط في الصلاة حديث 498. وتقدم تخريجه (2/ 328) تعليق رقم 2.

(3)

ساقطة من "ح".

(4)

النسائي في التطبيق، باب 25، 86، حديث 1068، 1144، وابن ماجه في الإقامة، حديث 897. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 151، حديث 874، والترمذي في الشمائل، ص 132 حديث 271، والطيالسي ص/ 56، حديث 416، وأحمد (5/ 398)، والدارمي في الصلاة، باب 76، حديث 1330، والبزار (7/ 336) حديث 2935، وابن خزيمة (1/ 340) حديث 684، والطبراني في الدعاء (2/ 1042 - 1043) حديث 524، والحاكم (1/ 271، 321)، والبيهقي (2/ 121 - 122). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وانظر نتائج الأفكار (2/ 114).

ص: 349

واهدني، وارزقني، وعافني" رواه أبو داود

(1)

.

(ولا تكره الزيادة على قول: رب اغفر لي، ولا على: سبحان ربي العظيم، و) لا على: (سبحان ربي الأعلى، في الركوع، والسجود، مما ورد) من دعاء أو نحوه. ومنه ما روى أبو هريرة: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجلّه، وأوله وآخره، وسرَّه وعلانيته" رواه مسلم

(2)

. وقال صلى الله عليه وسلم: "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجابَ لكم" رواه مسلم

(3)

. ومعنى "قمن" حقيق وجدير.

(ثم يسجد)

‌ السجدة (الثانية كالأولى)

فيما تقدم من التكبير، والتسبيح، والهيئة؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

(1)

في الصلاة، باب 145، حديث 850. أخرجه - أيضًا - الترمذي في الصلاة، باب 95، حديث 284، وابن ماجه في الإقامة، باب 23، حديث 898، وأحمد (1/ 315، 371)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 190) حديث 1481، وابن حبان في المجروحين (2/ 227)، والطبراني في الكبير (12/ 20، 25) حديث 12349، 12363، وابن عدي (6/ 2101 - 2102)، والحاكم (1/ 262، 271). وقال الترمذي: هذا حديث غريب. . . وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلا (يعني منقطعا). وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي. وقال النووي في الخلاصة (1/ 415): رواه أبو داود والترمذي وآخرون بإسناد حسن. وقال في المجموع (3/ 379): بإسناد جيد. ومال الحافظان: ابن رجب في فتح الباري (7/ 275)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 116) إلى تضعيفه.

(2)

مسلم في الصلاة، حديث 483.

(3)

في الصلاة، حديث 479، عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: فاجتهدوا في الدعاء. واللفظ الذي ذكره المؤلف رواه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 304) حديث 602.

ص: 350

وإنما شرع تكرار السجود في كل ركعة دون غيره؛ لأن السجود أبلغ ما يكون في التواضع؛ لأن المصلي لما ترقى في الخدمة بأن قام، ثم ركع، ثم سجد، فقد أتى بغاية الخدمة، ثم أذن له في الجلوس في خدمة المعبود، فسجد ثانيًا شكرًا على اختصاصه إياه بالخدمة، وعلى استخلاصه من غواية الشيطان إلى عبادة الرحمن.

(ثم يرفع رأسه مكبرًا) لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يكبر في كل خفض ورفع"

(1)

(قائمًا على صدور قدميه، معتمدًا على ركبتيه بيديه) نص عليه، لحديث وائل بن حجر

(2)

. وعن ابن عمر قال: "نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة" رواه أبو داود

(3)

. ولأنه أشق، قكان أفضل، كالتجافي (إلا

(1)

أخرجه النسائي في التطبيق، باب 34، 83 حديث 1082، 1141، وفي السهو باب 70 حديث 1318، والترمذي في الصلاة، باب 74، حديث 253، والطيالسي ص/ 36، حديث 279، وابن أبي شيبة (1/ 239 - 240)، وأحمد (1/ 386، 394، 418، 426، 442، 443)، والدارمي في الصلاة، باب 40 حديث 1252، والبزار في مسنده (5/ 48، 49) حديث 1609، 1610، وأبو يعلى (9/ 39، 64، 228) حديث 5101، 5128، 5334، والطحاوي (1/ 220)، والطبراني في الكبير (10/ 150) حديث 10172، والدارقطني (1/ 357)، والبيهقي (2/ 177)، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 141، حديث 839، والبيهقي (2/ 98 - 99) من طريق محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه وائل بن حجر رضي الله عنه مرفوعًا: وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه.

وعبد الجبار لم يسمع من أبيه، قاله ابن معين. انظر جامع التحصيل للعلائي ص/ 267.

(3)

في الصلاة، باب 187، حديث 992 عن أربعة من مشايخه: أحمد بن حنبل، وأحمد بن محمد بن شبويه، ومحمد بن رافع، ومحمد بن عبد الملك الغزال. =

ص: 351

أن يشق عليه) الاعتماد على ركبتيه لكبر، أو ضعف، أو مرض، أو سمن، ونحوه (فيعتمد بالأرض) لما روى الأثرم عن علي قال:"من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض أن لا يعتمد بيديه على الأرض، إلا أن يكون شيخًا كبيرًا لا يستطيع"

(1)

.

(ويكره أن يقدم إحدى رجليه) إذا قام، ذكره في "الغنية"، وكذا في "رسالة أحمد"

(2)

. وفيها عن ابن عباس

(3)

وغيره: أنه يقطع الصلاة

(4)

، ذكره في "الفروع".

(ولا تستحب‌

‌ جلسة الاستراحة،

وهي جلسة يسيرة صفتها كالجلوس بين السجدتين) بعد السجدة الثانية من كل ركعة بعدها قيام، والاستراحة طلب الراحة؛ كأنه حصل له إعياء فيجلس ليزول عنه. والقول بعدم استحبابها

= كلهم عن عبد الرزاق، واختلفت ألفاظهم، وهذا لفظ الغزال. ولفظ أحمد بن حنبل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة، وهو معتمد على يده.

وقال ابن شبويه: نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة. وقال ابن رافع: نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده. رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(1/ 197) حديث 3054.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 395 - 396)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 200) رقم 1059، وابن عدي (4/ 1614)، والبيهقي (2/ 136). وفي سنده عبد الرحمن بن إسحاق. قال الحافظ في التقريب (3799): ضعيف.

(2)

ص/ 57.

(3)

روى ابن أبي شيبة (2/ 345) موصولا، وابن المنذر في الأوسط (3/ 200) معلقا عن ابن عباس رضي الله عنهما، في الرجل ينهض في الصلاة، فيقدم إحدى رجليه فكرهه، وقال: هذه خطوة ملعونة. وفي سنده محمد بن علي بن الوليد السلمي منكر الحديث، قاله الإسماعيلي في معجم شيوخه (1/ 45).

(4)

ص/ 57.

ص: 352

مطلقًا، هو المذهب المنصور عند الأصحاب؛ لما روى أبو هريرة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم:"كان ينهض على صدور قدميه" رواه الترمذي

(1)

بإسناد فيه ضعف، وروي ذلك عن عمر، وابنه، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس

(2)

. قال أحمد

(3)

: أكثر الأحاديث على هذا. قال الترمذي

(4)

: وعليه العمل عند أهل العلم، قال أبو الزناد

(5)

: تلك السنة. وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير

(1)

في الصلاة، باب 98، حديث 288، من طريق خالد بن إلياس، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: خالد بن إلياس ضعيف الحديث. ورواه - أيضًا - ابن عدي في ترجمة خالد (3/ 879)، وقال: ومع ضعفه يكتب حديثه. وفي سنده - أيضًا - صالح مولى التوأمة وهو مختلط. انظر: "نصب الراية"(1/ 389)، وضعف إسناده الحافظ في الفتح (2/ 303).

(2)

أثر عمر رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (1/ 394) ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (3/ 196) رقم 1502.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: رواه ابن أبي شيبة (1/ 394)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 196) رقم 1499، والبيهقي (2/ 125).

وأثر علي رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (1/ 394)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 196).

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: رواه عبد الرزاق (2/ 178، 179) رقم 2966، 2967، وابن أبي شيبة (1/ 394)، وابن المنذر في الأوسط (23/ 195، 196) رقم 1494، 1498، والبيهقي (2/ 125 - 126)، وصححه. وصححه - أيضًا - الحافظ في الفتح (2/ 303).

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: رواه عبد الرزاق (2/ 179) رقم 2968، وابن المنذر في الأوسط (3/ 296)، والبيهقي (2/ 125).

(3)

الأوسط لابن المنذر (3/ 197).

(4)

سنن الترمذي (2/ 80).

(5)

لعل الصواب ابن أبي الزناد، ففي الأوسط لابن المنذر (3/ 197): وقال بن أبي الزناد: السنة أن يعجل الإمام الوثوب من كل سجدة، ولا يجلس في الواحدة، والثالثة.

ص: 353

واحد من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك

(1)

، أي لا يجلس، قال في "شرح الفروع": وليس في شيء مما ذكر دليل صريح للمطلوب، كحديث إثبات جلسة الاستراحة، واختار الخلال رواية الجلوس لها، وقال

(2)

: رجع أبو عبد الله إلى هذا، لما روى مالك بن الحويرث: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود، قبل أن ينهض" متفق عليه

(3)

، وفي لفظ له أيضًا: أنه "رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا كان في وترٍ من صلاته، لم ينهض، حتى يستوي قاعدًا"

(4)

رواه الجماعة، إلا مسلمًا، وابن ماجه، وذكره أيضًا أبو حميد

(5)

في صفة صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن صحيح، فيتعين العمل به والمصير إليه.

وأجيب: بأنه كان في آخر عمره عند كبره جمعًا بين الأخبار.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 395) ولفظه: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة، قام كما هو، ولم يجلس.

(2)

المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (1/ 128).

(3)

البخاري بنحوه في الأذان، باب 45، 127، 143، حديث 677، 802، 824، ولم يروه مسلم.

(4)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 142، حديث 844، والترمذي في الصلاة، باب 97، حديث 287.

(5)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 117، حديث 730، والترمذي في الصلاة، باب 110، حديث 304، وابن ماجه في الإقامة، باب 72، حديث 1061، وابن أبي شيبة (1/ 235)، وأحمد (5/ 424)، والدارمي في الصلاة، باب 92، حديث 1363، وابن الجارود حديث (192)، وابن خزيمة (1/ 297، 341) حديث 587، 588، 685، وابن المنذر (3/ 204)، حديث 1514، وابن حبان "الإحسان"(5/ 182) حديث 1867، والبيهقي (2/ 72، 121، 123)، والبغوي (3/ 11 - 13) حديث 555، 556. وقال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 354

فصل

(ثم يصلي) الركعة (الثانية كـ) ــالركعة (الأولى) لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته لما وصف له الركعة الأولى: "ثم افعلْ ذلك في صلاتك كلها"

(1)

.

(إلا في تجديد النية) للاكتفاء باستصحابها، ولم يستثنه أكثرهم، لأنها شرط لا ركن، كما تقدم، وقد أوضحته في الحاشية.

(و) إلا في (تكبيرة الإحرام) فلا تعاد، لأنها وضعت للدخول في الصلاة، وقد تقدم.

(و) إلا في (الاستفتاح، ولو لم يأت به، ولو) كان عدم إتيانه به (عمدًا في الأولى) فلا يأتي به في الثانية، لما روى أبو هريرة قال:"كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا نهض إلى الركعة الثانية، استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت" رواه مسلم

(2)

، ولفوات محله.

(و) إلا في (الاستعاذة، إن كان استعاذ في الأولى) لظاهر خبر أبي هريرة المتقدم، ولأن الصلاة جملة واحدة، فاكتفى بالاستعاذة في أولها (وإلا) بأن لم يكن استعاذ في الأولى (استعاذ) في الثانية (سواء كان تركه لها) أي للاستعاذة (في الأولى عمدًا، أو نسيانًا) لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ

(1)

جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه المشهور بحديث المسيء صلاته، أخرجه البخاري في الأذان، باب 95، 122، حديث 757، 793، وفى الاستئذان، باب 18، حديث 6251، وفي الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6667، ومسلم في الصلاة، حديث 397.

(2)

في المساجد، حديث 599 معلقًا، وأخرجه أبو عوانة (2/ 99) متصلًا.

ص: 355

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}

(1)

.

(ثم يجلس) للتشهد إجماعًا (مفترشًا) كجلوسه بين السجدتين، لحديث أبي حميد في صفة صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب الأخرى"

(2)

رواه البخاري

(3)

. قال في "المبدع": (جاعلًا يديه على فخذيه) اليمنى على اليمنى، واليسرى على اليسرى، لأنه أشهر في الأخبار، ولا يلقمهما ركبتيه. وفي "الكافي"، واختاره صاحب "النظم": التخيير (باسطًا أصابع يسراه مضمومة) على فخذه اليسرى، لا يخرج بها عنها بل يجعل أطراف أصابعه مسامتة لركبته، وفي "التلخيص": قريبًا من الركبة (مستقبلًا بها القبلة؛ قابضًا من يمناه الخنصر والبنصر، محلقًا إبهامه مع وسطاه) لما روى وائل بن حجر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد من أصابعه الخنصر والتي تليها، وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الإبهام، ورفع السبابة يشير بها" رواه أحمد، وأبو داود

(4)

. وروى ابن عمر قال: "كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه

(1)

سورة النحل، الآية:98.

(2)

في "ح" و"ذ": كان إذا جلس. . . وفيهما زيادة: "وقعد على مقعدته".

(3)

في الأذان، باب 145، حديث 828.

(4)

أحمد (4/ 316، 316 - 317، 318، 319)، وأبو داود في الصلاة، باب 116، 180، حديث 726، 957 بنحوه.

وأخرجه - أيضًا - بنحوه النسائي في الافتتاح، باب 11، حديث 888، وفي التطبيق، باب 97 حديث 1158، وفي السهو، باب 30، 31، حديث 1263، 1264، وابن ماجه في الإقامة، باب 27، حديث 912، والطيالسي (ص 137) حديث 1020، وعبد الرزاق (2/ 68) حديث 2522، والحميدي (2/ 392) حديث 885، وابن أبي شيبة (2/ 485)، وابن خزيمة (1/ 345، 346، 353) =

ص: 356

على ركبتيه، ورفع إصبعه [اليمنى]

(1)

التي تلي الإبهام، فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته [اليسرى]

(1)

باسطها عليها" رواه مسلم

(2)

.

(ثم يتشهد) لخبر ابن مسعود وهو في الصحيحين وغيرهما

(3)

(سرًا، ندبًا) لقول ابن مسعود: "من السنة إخفاء التشهد" رواه أبو داود

(4)

(كتسبيح

= حديث 696، 698، 717، وابن المنذر في الأوسط (3/ 216) حديث 1535، وابن حبان "الإحسان"(5/ 272) حديث 1945، والطبراني في الكبير (22/ 33، 34، 35، 36، 37، 38) حديث 78 - 81، 83 - 85، 89، 90، والدارقطني (1/ 290 - 291)، والبيهقي (2/ 72، 131).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 184): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وله شاهد في صحيح مسلم وأبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 138): وصححه ابن حبان. وقال النووي في الخلاصة (1/ 427)، وفي المجموع (3/ 397): رواه البيهقي بإسناد صحيح.

(1)

ما بين المعكوفين من "صحيح مسلم".

(2)

في المساجد، حديث 580.

(3)

البخاري في الأذان، باب 148، 150، حديث 831، 835، وفي العمل في الصلاة، باب 4، حديث 1202، وفي الاستئذان، باب 3، 28، حديث 6230، 6265، وفي الدعوات، باب 17، حديث 6328، وفي التوحيد، باب 5، حديث 7381، ومسلم في الصلاة، حديث 402.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 182، حديث 968، والنسائي في التطبيق، باب 100، حديث 1161، والسهو، باب 41، حديث 1276، والترمذي في الصلاة، باب 99، حديث 289، والدارمي في الصلاة، باب 84، حديث 134، وغيرهم.

(4)

في الصلاة، باب 185، حديث 986.

وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الصلاة، باب 101، حديث 291، وابن خزيمة (1/ 349) حديث 706، وابن المنذر في الأوسط (3/ 207) حديث 1519، والطحاوي (1/ 262)، والحاكم في موضعين بسندين (1/ 230، 267)، =

ص: 357

ركوع، وسجود، وقول: رب اغفر لي) بين السجدتين، فيندب الإسرار بذلك، لعدم الداعي للجهر به.

(ويشير بسبابتها) أي سبابة اليمنى، لفعله صلى الله عليه وسلم. سميت سبابة: لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب.

و (لا) يشير (بغيرها) أي غير سبابة اليمنى (ولو عدمت) سبابة اليمنى، قال في "الفروع": ويتوجه احتمال، لأن علته التنبيه على التوحيد (في تشهده) متعلق بقوله: ويشير (مرارًا، كل مرة عند ذكر) لفظ (الله، تنبيهًا على التوحيد، ولا يحركها) لفعله صلى الله عليه وسلم

(1)

. قال في "الغنية": ويديم نظره إليها،

= والبيهقي (2/ 146)، والبغوي في شرح السنة (3/ 188 حديث 680).

قال الترمذي: حسن غريب. وصححه الحاكم في الموضع الأول على شرط الشيخين، وفي الموضع الثاني على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

وحسنه الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 181).

(1)

روى أبو داود في الصلاة، باب 186، حديث 989، والنسائي في السهو، باب 35، حديث 1269، وأبو عوانة (2/ 247)، والبيهقي (2/ 231 - 232)، والبغوي في شرح السنة (3/ 177) حديث 676 من طريق زياد بن سعد، عن محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها.

قال النووي في المجموع (3/ 398)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 139): رواه أبو داود بإسناد صحيح.

ورواه مسلم في المساجد، حديث 579 (113)، وأبو داود في الصلاة، باب 186، حديث 990، والنسائي في السهو، باب 39، حديث 1274 والحميدي (2/ 387) حديث 879، وابن أبي شيبة (2/ 485)، وأحمد (4/ 3)، والدارمي في الصلاة، باب 83، حديث 1344، وابن خزيمة (1/ 355) حديث 718، وابن المنذر في الأوسط (3/ 217) حديث 1537، وابن حبان "الإحسان" =

ص: 358

لخبر ابن الزبير، رواه أحمد

(1)

(و) يشير أيضًا بسبابة اليمنى (عند دعائه في صلاة وغيرها) لقول عبد الله بن الزبير: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها" رواه أبو داود، والنسائي

(2)

. وعن سعد بن أبي وقاص قال: "مر عليَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعي، فقال: أحد، أحد، وأشار بالسبابة" رواه النسائي

(3)

.

= (5/ 270، 271) حديث 1943، 1944، والدارقطني (1/ 349 - 350)، والبيهقي (2/ 131) كلهم من طرق عن ابن عجلان، به، بلفظ:"وأشار بأصبعه السبابة أو بنحوه. ولم يذكروا لفظ: "ولا يحركها".

ورواه مسلم - أيضًا - رقم 579 (112)، وأبو داود، حديث رقم 988، وابن خزيمة (1/ 345 حديث 696)، وأبو عوانة (1/ 241 - 242، 246)، والبيهقي (2/ 130) من طريق عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، بلفظ: وأشار بأصبعه السبابة.

فدلت هذه الروايات على شذوذ رواية "ولا يحركها" ولذا قال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 238 - 239): "وأما حديث أبي داود، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها" فهذه الزيادة في صحتها نظر. . . .".

(1)

المسند (4/ 3). وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 186، حديث 990، والبيهقي (2/ 132) بلفظ: لا يجاوز بصره إشارته.

(2)

تقدم تخريجه آنفًا.

(3)

في السهو، باب 37، حديث 1272. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 358، حديث 1499، والدورقي في مسند سعد بن أبي وقاص (ص 209) حديث 126، والبزار في مسنده (4/ 69) حديث 1236، وأبو يعلى (2/ 123) حديث 793، والطبراني في الدعاء (2/ 887) حديث 216، والحاكم (1/ 536)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (3/ 149) حديث (947) كلهم من =

ص: 359

(فيقول) تفسير للتشهد: (التحياتُ لله، والصلواتُ، والطيبات، السلام عليك أيها النَّبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللهِ الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله) لحديث ابن مسعود

(1)

، ولفظه قال: "كنا إذا جلسنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، فسمعنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله هو السلامُ، فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله - إلى آخره - ثم قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه

= طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن سعد رضي الله عنه. ورواه البزار في مسنده (4/ 69) حديث 1236 من طريق عبد الله بن داود، عن الأعمش، به. قال الحاكم: صحيح على شرطهما إن كان أبو صالح السمان سمع من سعد. ووافقه الذهبي.

قلنا: في سير أعلام النبلاء (5/ 36) في ترجمة أبي صالح: وسمع من سعد بن أبي وقاص. وفي تهذيب الكمال (8/ 513): سأل سعد بن أبي وقاص مسألة في الزكاة، وشهد الدار زمن عثمان رضي الله عنه.

ورواه الترمذي في الدعوات، باب 105، حديث 3557، والنسائي في السهو، باب 37، حديث 1271، وابن أبي شيبة (10/ 381، 382)، وأحمد (2/ 420، 520)، وأبو يعلى (10/ 421) حديث 6033، وابن حبان "الإحسان"(3/ 1663) حديث 884، والطبراني في الدعاء (2/ 887) حديث 215، والحاكم (1/ 536)، والبيهقي في الدعوات الكبير (2/ 36) حديث 265، وفي شعب الإيمان (2/ 49) حديث 1134، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي: حسن غريب. وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي. ورجح الدارقطني حديث سعد رضي الله عنه، حيث قال في العلل (4/ 397): وقول أبي معاوية أشبه بالصواب.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 357)، تعليق رقم 3.

ص: 360

إليه فيدعو" وفي لفظ: "علمني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم التشهد، كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن". قال الترمذي

(1)

: هو أصح حديث في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وليس في المتفق عليه حديث غيره. ورواه - أيضًا - ابن عمر

(2)

، وجابر

(3)

، وأبو هريرة

(4)

،

(1)

سنن الترمذي (2/ 82).

(2)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 182، حديث 971، والترمذي في العلل الكبير (ص/ 71) حديث 104، والطحاوي، (1/ 263، 264)، والدارقطني (1/ 351)، والبيهقي (2/ 139).

قال الدارقطني: هذا إسناد صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي، عن شعبة، ووقفه غيرهما. وانظر العلل الكبير للترمذي ص/ 71، والسنن الكبرى (2/ 139)، والتلخيص الحبير (1/ 267).

(3)

أخرجه الترمذي في العلل الكبير ص/ 72 حديث 105، والنسائي في التطبيق، باب 104، حديث 1174، وابن ماجه في الإقامة، حديث 902، والطيالسي ص/ 240 حديث 1741، وابن أبي شيبة (1/ 292)، وأبو يعلى (4/ 163) حديث 2232، والطحاوي (1/ 264)، وابن عدي (1/ 423)، والحاكم (1/ 266 - 267، 267)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 284)، والبيهقي (2/ 141)، وابن عساكر (10/ 50).

وصححه الحاكم على شرط البخاري، وقال: أيمن بن نابل احتج به البخاري. ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هو غير محفوظ، هكذا قال أيمن بن نابل، عن أبي الزبير، عن جابر وهو خطأ، والصحيح ما رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، وطاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر الأوسط لابن المنذر (3/ 211 - 212)، والمجموع (3/ 401)، وفتح الباري (2/ 316)، والتلخيص الحبير (1/ 265 - 266).

(4)

لم نجد من أخرجه، ولعل "أبو هريرة" تحرف، والصواب أبو موسى، ويدل له قول الترمذي في سننه (2/ 81): وفي الباب: عن ابن عمر، وجابر، وأبي موسى، وعائشة. وحديث أبي موسى رواه مسلم في الصلاة، حديث 404.

ص: 361

وعائشة

(1)

. ويرجح بأنه اختص بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يعلمه الناس، رواه أحمد

(2)

.

(وبأي تشهد تَشَهّدَ مما صح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، جاز) كتشهد ابن عباس، وهو:"التحياتُ المباركاتُ، الصلواتُ الطيباتُ لله" إلى آخره. ولفظ مسلم: "وأشهد أن محمدًا رسول الله"

(3)

.

وكتشهد عمر: "التحيات لله الزاكيات لله، الطيبات الصلواتُ لله، سلام عليك" إلى آخره

(4)

.

والتحيات: جمع تحية، وهي العظمة، وقال أبو عمر

(5)

: الملك. وقال ابن الأنباري

(6)

: السلام. وقيل: البقاء.

(1)

أخرجه مالك (1/ 91)، وابن أبي شيبة (1/ 293)، والبيهقي (2/ 144) موقوفًا.

(2)

أحمد (1/ 376)، وفي إسناده: خصيف الجزري قال فيه الحافظ في التقريب (1728): صدوق سيئ الحفظ خلط بأخرة ورمي بالإرجاء. وأبو عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود، وهو لم يسمع من أبيه. قال الحافظ في التقريب (8294): الراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه.

(3)

رواه مسلم في الصلاة، حديث 403.

(4)

رواه مالك في "الموطأ"(1/ 90)، والشافعي في "الرسالة"(738)، وعبد الرزاق (2/ 202)، حديث 3067، 3068، وابن أبي شيبة (1/ 293)، والطحاوي (1/ 261)، والدارقطني (1/ 351)، والبيهقي (2/ 142). وحسن إسناده الدارقطني. وصححه الزيلعي في نصب الراية (1/ 422).

ورواه عبد الرزاق (2/ 202) رقم 3069، وابن المنذر في الأوسط (3/ 210) رقم 1524، والحاكم (1/ 266)، والبيهقي (2/ 142)، وزادوا في أوله: باسم الله خير الأسماء. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وانظر علل الدارقطني (2/ 180 - 281).

(5)

في"ح"، و"ذ":"أبو عمرو" وهو الصواب. انظر تهذيب اللغة (5/ 290)، ولسان العرب (14/ 216).

(6)

الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 60).

ص: 362

والصلوات: هي الخمس. وقيل: الرحمة. وقيل: الأدعية. وقيل: العبادات.

والطيبات: هي الأعمال الصالحة. وقال ابن الأنباري

(1)

: الطيبات من الكلام.

ومن خواص الهيللة، أن حروفها كلها مهملة؛ تنبيهًا على التجرد من كل معبود سوى الله.

وجوفية ليس فيها شيء من الشفوية؛ إشارة إلى أنها تخرج من القلب.

وإذا قال: "السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين" نوى به النساء، ومن لا يشركه في صلاته في ظاهر كلامهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أصابت كلَّ عبد لله صالح في السماء والأرض"

(2)

.

(ولا تكره التسمية أوله) لما روي عن عمر أنه "كان إذا تشهد قال: باسم الله خير الأسماء"

(3)

، وعن ابن عمر أنه كان يسمي أوله

(4)

(وتركها) أي ترك التسمية أول التشهد (أولى) لأن ابن عباس سمع رجلًا يقول: "باسم الله" فانتهره

(5)

.

(1)

الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 61).

(2)

جزء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الأذان، باب 148، حديث 831، ومسلم حديث 402، وتقدم تخريجه (2/ 357) تعليق رقم 3.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 362) تعليق رقم 4.

(4)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 91)، والبيهقي (2/ 142)، موقوفًا.

(5)

رواه ابن المنذر في الأوسط (3/ 211) رقم 1526، والبيهقي (2/ 143)، ورجح ترك التسمية أول التشهد، وإليه يميل العلامة ابن القيم في زاد المعاد (1/ 244). وانظر المجموع (3/ 401).

ص: 363

(وذكر جماعة أنه لا بأس بزيادة "وحده لا شريك له") لفعل ابن عمر

(1)

.

(والأولى تخفيفه، وعدم الزيادة عليه) أي التشهد؛ لحديث أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود

(2)

؛ ولقول مسروق: "كنا إذا جلسنا مع أبي بكر كأنه على الرضف حتى يقوم" رواه أحمد

(3)

. وقال حنبل: رأيت أبا عبد الله يصلي، فإذا

(1)

أخرجه أبو داود: حديث 971، وتقدم تخريجه (2/ 361) تعليق رقم 2.

(2)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 188، حديث 995، والترمذي في الصلاة، باب 153، حديث 366، والنسائي في التطبيق، باب 105، حديث 1175، والطيالسي ص/ 44، حديث 331، وابن أبي شيبة (1/ 295)، وأحمد (1/ 386، 410، 428، 436، 460)، وأبو يعلى (9/ 149) حديث 5232، وابن المنذر (3/ 209) حديث 1521، والشاشي (2/ 332) حديث 923 - 928، والحاكم (1/ 269)، والبيهقي (2/ 134)، والبغوي (3/ 168) حديث 670، بلفظ:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف حتى يقوم"، لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. وتعقبه النووي في الخلاصة (1/ 436)، وفي المجموع (3/ 405) في تحسينه بقوله: وليس كما قال؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع أباه، ولم يدركه باتفاقهم، وقيل: ولد بعد موته، فهو منقطع. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 263): وهو منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.

وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي لكن قال: ينظر، هل سمع سعد من أبي عبيدة.

(3)

لم نجده في مسنده، ورواه ابن أبي شيبة (1/ 295) عن تميم بن سلمة بنحوه. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 263): إسناده صحيح. وروى الطحاوي (1/ 270) موصولا، والبيهقي (2/ 182) معلقا، عن مسروق قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يسلم عن يمينه، وعن شماله، ثم ينتقل ساعتئذ كأنه على الرضف.

ص: 364

جلسَ في الجلسة بعد الركعتين، أخف الجلوس، ثم يقوم كأنه كان على الرضف، أي الحجارة المحماة بالنار، قال: وإنما قصد الاقتداء بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه.

(وإن قال: وأن محمدًا) رسول الله (وأسقط "أشهد" فلا بأس) لأنه لا يخل بالمقصود من المعنى.

(وهذا التشهد الأول) في المغرب، والرباعية (ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط) فرضًا كانت أو نفلًا (أتى بالصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبما بعدها، فيقول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل

(1)

إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. هذا الأولى من ألفاظ الصلاة والبركة) عليه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله؛ لما روى كعب بن عجرة قال: خرج علينا الرسول صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليكَ، فكيف نصلي عليكَ؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيمَ، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيمَ، إنك حميد مجيد" متفق عليه

(2)

.

(ويجوز) أن يصلي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (بغيره) أي غير اللفظ (مما ورد) ومنه ما رواه أحمد، والترمذي وصححه، وغيرهما من حديث كعب، وفيه: "اللهم صل على محمد، وآل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وآل محمد، كما باركت على إبراهيم،

(1)

في "ح": "بدون آل".

(2)

البخاري في تفسير سورة الأحزاب، باب 10، حديث 4797، والدعوات، باب 32، حديث 6357، ومسلم في الصلاة، حديث 406 (66).

ص: 365

وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد"

(1)

.

(وآله: أتباعه على دينه) صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكونوا من أقاربه، قال تعالى:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}

(2)

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}

(3)

{وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ}

(4)

وقد يضاف آل الشخص إليه، ويكون داخلًا فيهم، كهذه الآيات.

(والصواب عدم جواز إبداله) أي آل (بأهل) لأن أهل الرجل أقاربه، أو زوجته، وآله أتباعه على دينه، فتغايرا.

(و‌

‌إذا أدرك) المسبوق (بعض الصلاة مع الإمام، فجلس الإمام في آخر صلاته، لم يزد المأموم على التشهد الأول،

بل يكرره) أي التشهد الأول

(5)

.

(ولا يصلي على النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدعو بشيء مما يدعى به في التشهد الأخير) لأنه لا يعقبه سلامه (فإن سلم إمامه) قبل أن يتمه (قام، ولم يتمه) لعدم وجوبه عليه (إن لم يكن واجبًا في حقه) بأن يكون محل تشهده الأول

(6)

فيتمه لوجوبه عليه.

(وتجوز الصلاة على غيره) أي غير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (منفردًا) عنه (نصًا) نص

(1)

رواه أحمد (4/ 244)، والترمذي في الوتر، باب 20، حديث 483، والنسائي في السهو، باب 51، حديث 1287. وأخرجه - أيضًا - بهذا اللفظ البخاري في الأنبياء، باب 10، حديث 3370.

(2)

سورة غافر، الآية:46.

(3)

سورة البقرة، الآية:49.

(4)

سورة البقرة، الآية:50.

(5)

في "ح" و"ذ" زيادة: "حتى يسلم الإمام".

(6)

كالمسبوق بركعة من مغرب، أو ركعتين من رباعية. "ش".

ص: 366

عليه في رواية أبي داود

(1)

، واحتج بقول علي لعمر: صلى الله عليك

(2)

. وذكر في "شرح الهداية": أنه لا يصلى على غيره منفردًا، وحكى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، رواه سعيد، واللالكائي عنه

(3)

. قال الشيخ وجيه الدين

(4)

: الصلاة على غير الرسول جائزة تبعًا لا مقصودة، واختار الشيخ تقي الدين

(5)

منصوص أحمد. قال: وذكره القاضي، وابن عقيل، وعبد القادر. قال: وإذا

(1)

مسائل أبي داود ص/ 77 - 78.

(2)

رواه ابن سعد (3/ 369 - 370)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 745)، وابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 937 - 938، 940)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 106) رقم 1314، وانظر جلاء الأفهام ص/ 654 - 655.

(3)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد، ورواه اللالكائي في أصول الاعتقاد (7/ 1396) رقم 2676. ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (2/ 216) رقم 3119، وابن أبي شيبة (2/ 519) وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص/ 69، رقم 75، والطبراني في الكبير (11/ 305) رقم 11813، والسهمي في تاريخ جرجان (ص/ 35)، والبيهقي (2/ 153)، وفي شعب الإيمان (2/ 218) رقم 1585، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 105) رقم 1309، 1310، وفي الموضح (2/ 368 - 369) عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لا تصلوا صلاة على أحد إلَّا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار. وفي لفظ: ما ينبغي الصلاة من أحد على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: يريد به الصلاة التي هي تحتية لذكره على وجه التعظيم، فأما صلاته على غيره فإنها كانت بمعنى الدعاء والتبريك، وتلك جائزة على غيره. وقال الحافظ في الفتح (8/ 534): إسناده صحيح.

(4)

هو: أسعد - ويسمى محمد - بن المُنَجّى بن بركات بن المؤمل التنوخي المعري، ثم الدمشقي القاضي أبو المعالي، له تصانيف، توفي سنة 606 رحمه الله تعالى. (المنهج الأحمد 4/ 81).

(5)

انظر مجموع الفتاوى (22/ 473) و (27/ 410)، الاختيارات الفقهية ص/ 84.

ص: 367

جازت، جازت أحيانًا على كل أحد من المؤمنين، فأما أنه يتخذ شعارًا لذكر بعض الناس، أو يقصد الصلاة على بعض الصحابة، دون بعض، فهذا لا يجوز، وهو معنى قول ابن عباس.

قال

(1)

: والسلام على غيره باسمه جائز من غير تردد.

(وتسن‌

‌ الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة)

فإنها ركن في التشهد الأخير، وكذا في خطبة الجمعة (بتأكد) لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}

(2)

الآية. والأحاديث بها شهيرة.

(وتتأكد) الصلاة عليه (كثيرًا عند ذكره) صلى الله عليه وسلم، بل قيل: بوجوبها إذن. وتقدم توضيحه في شرح الخطبة.

(وفي يوم الجمعة، وليلتها) للخبر

(3)

.

(1)

انظر مجموع الفتاوى (27/ 408).

(2)

سورة الأحزاب، الآية:56.

(3)

روى أبو داود في الصلاة، باب 207، 361، حديث 1047، 1531، والنسائي في الجمعة، باب 5، حديث 1373، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 79، حديث 1085، وفي الجنائز باب 65 حديث 1636، وابن أبي شيبة (2/ 516)، وأحمد (4/ 8)، والدارمي في الصلاة، باب 206، حديث 1580، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص/ 37 حديث 22، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 217) حديث 1577، وأبو بكر المروزي في كتاب الجمعة وفضلها (ص/ 40 حديث 13)، وابن خزيمة (3/ 118) حديث 1733، 1734، وابن حبان "الإحسان"(3/ 190) حديث 910، والطبراني في الكبير (1/ 216) حديث 589، والحاكم (1/ 278، 4/ 560)، والبيهقي (3/ 248 - 249)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 380) رقم 989، كلهم عن أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، فأكثروا علي من الصلاة في. . ." الحديث.

قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، وقال في الموضع الآخر: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي في الموضعين. وصححه النووي في الأذكار =

ص: 368

وأما الصلاة على الأنبياء، فقال ابن القيم في "جلاء الأفهام"

(1)

: هي مشروعة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد، منهم: النووي وغيره، والمسألة ذكرها النووي في أذكاره

(2)

، وذكر أن الملائكة مع الأنبياء في جواز الصلاة عليهم استقلالًا، وذكر أن الصلاة على الأنبياء مستحبة. قاله ابن قندس في "حاشية الفروع".

"تنبيه" إن قيل: إن المشبه دون المشبه به، فكيف تطلب صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتشبه بالصلاة على إبراهيم وآله؟

أجيب: بأنه يحتمل أن مراده أصل الصَّلاة بأصلها، لا القدر بالقدر كقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية

(3)

، ويحتمل أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل، لا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيكون "وعلى آله" متصلًا بما بعده، ومقدرًا له ما يتعلق به، والأول مقطوع عن التشبيه. قال في "المبدع"

(4)

: وفيهما

= ص/ 97. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/ 464): وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والنووي في الأذكار.

وأما الصلاة في ليلة الجمعة: فروى البيهقي (3/ 249) عن أبي إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرًا"، وأبو إسحاق السبيعي لا يصح له رؤية، ولا سماع من أنس رضي الله عنه، قاله أبو حاتم، كما في المراسيل لابنه (ص/ 146).

وله طريق أخرى رواها ابن عدي (3/ 968 - 969) وفي سنده درست بن زياد القشيري، ويزيد الرقاشي، وهما ضعيفان. انظر التقريب رقم (1825، 7683).

(1)

ص/ 457، 463.

(2)

ص/ 108.

(3)

سورة البقرة، الآية:183.

(4)

في "ح": "الفروع" وهو خطأ. انظر المبدع (1/ 466).

ص: 369

نظر، ويحتمل - وهو أحسنها - أن المشبه الصلاة على النَّبيِّ وآله، بالصلاة على إبراهيم وآله، فتقابلت الجملتان، ويقدر أن يكون لآل الرسول ما لآل إبراهيم الذين هم الأنبياء، فكأن ما توفر من ذلك حاصل للرسول صلى الله عليه وسلم والذي تحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان، ومن كانت في حقه البركات أفضل

(1)

.

(ويسن أن يتعوز فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح

(2)

الدجال، اللهم إني أعوذ بك من المأثم، والمغرم) لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم "كان يتعوذ من ذلك"

(3)

. والمحيا والممات: الحياة والموت، والمسيح - بالحاء المهملة على المعروف -.

(وإن دعا بما ورد في الكتاب والسنة، أو عن الصحابة والسلف، أو بغيره مما يتضمن طاعة، ويعود إلى أمر آخرته - نصا - ولو لم يشبه ما ورد، كالدعاء بالرزق الحلال، والرحمة، والعصمة من الفواحش، ونحوه، فلا

(1)

قال القرافي [الفروق 2/ 49]: وليس الأمر كذلك، بل إنما وقع التشبيه بين عطية تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن حصلت له قبل الدعاء، فإن الدماء إنما يتعلق بالمعدوم المستقبل، فهما كرجلين أعطي لأحدهما ألف، وللآخر ألفان، ثم طلب لصاحب الألفين مثل ما أعطي صاحب الألف، فوصل له ثلاثة آلاف، فلا يرد السؤال من أصله. "ش".

(2)

المسيح: بمعنى مفعول، لأنه ممسوح إحدى العينين، بخلاف المسيح ابن مريم عليهما السلام، فإنه بمعنى: فاعل؛ لأنه كان إذا مسح ذا عاهة، عوفي، ذكره الخطابي [غريب الحديث 3/ 234] بمعناه. "ش".

(3)

ورد من حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري في الأذان، باب 149، حديث 832، ومسلم في المساجد حديث 589. ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم في المساجد، حديث 588.

ص: 370

بأس) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو"

(1)

.

وعن أبي بكر أنه قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل: اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوب إلا أنت، فأغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" متفق عليه

(2)

.

وعن علي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررتُ وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدِّم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت" رواه الترمذي

(3)

وصححه.

وعن معاذ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك" رواه أحمد

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 150، حديث 835، ومسلم بنحوه في الصلاة، حديث 402 (56 - 58)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

البخاري في الأذان، باب 149، حديث 834، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 2705.

(3)

في الدعوات، باب 32، حديث 3421. وأخرجه - أيضًا - مسلم في المسافرين، حديث 770.

(4)

المسند (5/ 244 - 245، 247). وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 361، حديث 1522، والنسائي في السهو، باب 60، حديث 1302، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 187 حديث 109، وابن خزيمة (1/ 369) حديث 751، وابن حبان "الإحسان"(5/ 364 - 366)، حديث 2020، 2021، والطبراني في الكبير (20/ 60) حديث 110، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 62، حديث 118، والحاكم (1/ 273)، وصححه على شرطهما. ووافقه الذهبي. وتعقبهما الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 283) بقوله: أما صحيح، فصحيح، وأما الشرط ففيه نظر، فإنهما لم يخرجا لعقبة، ولا البخاري لشيخه، ولا أخرجا من رواية الصنابحي عن معاذ رضي الله عنه شيئًا. اهـ.

وقال النووي في المجموع (3/ 430): رواه أبو داود، والنسائي بإسناد صحيح.

ص: 371

وقال عبد الله

(1)

: سمعت أبي يقول في سجوده: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصن وجهي عن المسألة لغيرك. قال: وكان عبد الرحمن

(2)

يقوله. وقال: سمعت الثوري يقوله.

(ما لم يشق على مأموم) لحديث: "من أمَّ بالناس فليخفف"

(3)

.

(أو يخف سهوًا) وإن كان منفردًا.

(وكذا) حكم الدعاء (في ركوع، وسجود، ونحوهما) كالاعتدال، والجلوس بين السجدتين، وفي "المغني" وغيره: يستحب الدعاء في السجود للأخبار.

(ولا يجوز الدعاء بغير ما ورد، وليس من أمر

(4)

الآخرة، كحوائج دنياه وملاذِّها، كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء، وحلة خضراء، ودابة هملاجة

(5)

، ونحوه) كدار واسعة. (وتبطل) الصلاة بالدعاء (به) لأنه من كلام الآدميين

(6)

.

(1)

انظر حلية الأولياء (9/ 233) ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص/ 365.

(2)

ابن مهدي. "ش".

(3)

أخرجه البخاري في الأذن، باب 62، حديث 703، ومسلم في الصلاة، حديث 467، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

في "ح": "أمور".

(5)

قال في المصباح المنير ص/ 245: هملج البرذون هملجة: مشى مشية سهلة في سرعة، وقال في مختصر العين: الهملجة حسن سير الدابة.

(6)

يرد على هذا ما ثبت في صحيح البخاري، في الأذان، باب 150، حديث 835، وفي صحيح مسلم في الصلاة، حديث 402، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو.

قال النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 338): فيه: أنه يجوز الدعاء بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ما لم يكن إثمًا، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. . . إلخ. =

ص: 372

(ولا بأس بالدعاء) في الصلاة (لشخص معين) روي عن علي

(1)

وأبي الدرداء

(2)

؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قنوته: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة"

(3)

؛ ولأنه دعاء لبعض المؤمنين أشبه ما لو قال: رب اغفر لي ولوالديَّ. قال الميموني

(4)

: سمعت أبا عبد الله يقول لابن الشافعي: أنا أدعو لقوم منذ سنين في صلاتي، أبوك أحدهم (ما لم يأت بكاف الخطاب، فإن أتى به) أي بكاف الخطاب (بطلت) صلاته؛ لخبر تشميت العاطس

(5)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم لإبليس: "ألعنك بلعنة الله"

(6)

قبل التحريم، أو مؤول، أو من خصائصه (وظاهره لغير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كما في التشهد، وهو السلام عليك أيها

= وقال الحافظ في الفتح (2/ 321): واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (2/ 317)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 244)، والبيهقي (2/ 245).

(2)

رواه ابن أبي شيبة (2/ 441)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 244) رقم 1579، والبيهقي (2/ 245).

(3)

أخرجه البخاري في الأدب، باب 110، حديث 6200، ومسلم في المساجد، حديث 675، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

مناقب الإمام أحمد ص/ 357 - 358، تاريخ دمشق (51/ 376).

(5)

أخرجه مسلم في المساجد، حديث 537، عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. . . الحديث، وفي آخره: قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن.

(6)

أخرجه مسلم في المساجد، حديث 542، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

ص: 373

النَّبيِّ) فلا تبطل به، فيكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

(ولا تبطل بقوله) أي المصلي: (لعنه الله، عند ذكر إبليس، ولا بتعويذ نفسه بقرآن لحمَّى، ولا بحوقلة في أمر الدنيا، ونحوه) كمن لدغته عقرب فقال: باسم الله، ووافق أكثرهم على قول "باسم الله" لوجع مريض عند قيام وانحطاط (ويأتي) موضحًا.

ص: 374

‌فصل

(ثم يسلم وهو جالس)

بلا نزاع، قاله في "المبدع"، وأنه تحليلها، وهو منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وتحليلها التسليم"

(1)

، وليس لها تحليل سواه (مرتبًا معرفًا وجوبًا) لأن الأحاديث قد صحت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله كذلك، ولم ينقل عنه خلافه، وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"

(2)

.

(مبتدئًا ندبًا عن يمينه، قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله) روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وعمار، وابن مسعود

(3)

؛ لقول ابن مسعود: "إن

(1)

تقدم تخريجه (2/ 284) تعليق رقم 1.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 334) تعليق رقم 4.

(3)

أثر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: رواه ابن أبي شيبة (1/ 299) عن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه، وعن يساره، وأبو بكر، وعمر. وقد جاء ذكره في آخر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع. . ." وتقدم تخريجه (2/ 351) تعليق 1.

وأثر علي رضي الله عنه: رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 28، حديث 917، وعبد الرزاق (2/ 220) رقم 3133، وابن أبي شيبة (1/ 299)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 221) رقم 1543، 1544، والطحاوي (1/ 270، 271)، والبيهقي (2/ 178).

وأثر عمار رضي الله عنه: رواه عبد الرزاق (2/ 220) رقم 3134، وابن أبي شيبة (1/ 299)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 221) رقم 1545، والطحاوي (1/ 271).

ورواه الترمذي في العلل الكبير ص/ 72 رقم 107، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 28 رقم 916، والطحاوي (1/ 268)، والدارقطني (1/ 356) عنه - رضي الله =

ص: 375

النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خديه" رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي

(1)

وقال: حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم (فقط) لما تقدم.

= عنه - مرفوعًا. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 184): هذا إسناد حسن.

ونقل الترمذي عن الإمام البخاري: الصحيح. . . عن عمار رضي الله عنه فعله.

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (1/ 299).

(1)

أبو داود في الصلاة، باب 189، حديث 996، والنسائي في التطبيق، باب 83 حديث 1141، وفي السهو، باب 70، 71، حديث 1318 - 1324، والترمذي في الصلاة، باب 105، حديث 295.

وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الإقامة، باب 28، حديث 914، وعبد الرزاق (2/ 219) حديث 3127، 3130، وابن أبي شيبة (1/ 299)، وأحمد (1/ 386، 390، 394، 406، 408، 409، 418، 426، 438، 442، 443، 444، 448)، والبزار في مسنده (5/ 49) حديث 1610، وابن الجارود حديث 209، وأبو يعلى (9/ 40، 138، 228) حديث 5102، 5128، 5214، 5334، وابن خزيمة (1/ 359 - 360) حديث 728، والطحاوي (1/ 267، 268)، والشاشي (2/ 150، 151) حديث 695، 696، وابن حبان "الإحسان"(5/ 329، 331، 333، 334) حديث 1990، 1991، 1993، 1994، والطبراني (10/ 150، 151، 152) حديث 10172 - 10174، والدارقطني (1/ 356 - 357)، وفي العلل (5/ 11)، والبيهقي (2/ 177)، والبغوي (3/ 204) حديث 697 كلهم من طرق مختلفة.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 270): "وقال العقيلي [الضعفاء 1/ 178]: والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في تسليمتين، ولا يصح في تسليمة واحدة شيء.

ص: 376

(فإن زاد: "وبركاته" جاز) لفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود من حديث وائل

(1)

(والأولى تركه) كما في أكثر الأحاديث.

(فإن لم يقل "ورحمة الله" في غير صلاة الجنازة لم يجزئه) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله، وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"

(2)

وهو سلام في صلاة ورد مقرونًا بالرحمة، فلم يجزئه بدونها، كالسلام في التشهد.

(و) يسلم (عن يساره كذلك) لما تقدم، وأصح الروايات عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهما تسليمتان. فعن سعد قال:"كنت أرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه ويساره، حتى يرى بياض خده" رواه مسلم

(3)

.

(والالتفات سنة) قال أحمد

(4)

: ثبت عندنا من غير وجه "أنه كان صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه ويساره، حتى يرى بياض خده"

(5)

.

(ويكون) التفاته (عن يساره أكثر) لفعله صلى الله عليه وسلم. رواه يحيى بن محمد بن صاعد عن عمار قال: "كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر"

(6)

فيلتفت (بحيث يرى خداه.

(1)

أبو داود في الصلاة، باب 189، حديث رقم 997. وقال النووي في المجموع (3/ 422): إسناده صحيح. وقال الحافظ في بلوغ المرام ص/ 56 حديث رقم 339: رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(2)

تقدم تخريجه: (2/ 334) تعليق رقم 4.

(3)

في المساجد، حديث 582.

(4)

المغني (2/ 247).

(5)

تقدم تخريجه قريبًا من حديث عمار، وعبد الله بن مسعود، وسعد رضي الله عنهم. وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 299)، عن البراء رضي الله عنه. وروي عن سهل بن سعد، وطلق بن علي رضي الله عنهما. انظر:"مجمع الزوائد": (2/ 145).

(6)

رواه الدارقطني (1/ 156)، ورواه غيره بنحوه. تقدم تخريجه (2/ 374) تعليق رقم 3.

ص: 377

يجهر إمام بـ) ــالتسليمة (الأولى فقط) لأن الجهر في غير القراءة إنما كان للإعلام بالانتقال من ركن إلى ركن

(1)

، وقد حصل بالجهر بالأولى (ويسرهما) أي التسليمتين (غيره) وهو المنفرد والمأموم إلا لحاجة. وتقدم.

(ويستحب جزمه، و) هو (عدم إعرابه، فيقف على كل تسليمة) لأن المراد بالجزم هنا معناه اللغوي، أي قطع إعراب آخر الجلالة بحذف الجر منها، وبحذف الرفع منها

(2)

، وبحذف الرفع في راء "أكبر" في التكبير.

(وحذفه) أي: السلام (سنة) لقول أبي هريرة: "حذف السلام سنة"

(3)

(1)

في "ذ" زيادة: "آخر".

(2)

و"بحذف الرفع منها" ليس في "ذ".

(3)

أخرجه الترمذي في الصلاة، باب 107، حديث 297، وابن خزيمة (1/ 362) رقم 735، والحاكم (1/ 231)، والبيهقي (2/ 180) عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا من قوله. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ورواه أبو داود في الصلاة، باب 192، حديث 1004، وأحمد (2/ 532)، وابن خزيمة (1/ 362) حديث 735، والحاكم (1/ 231)، والبيهقي (2/ 180) مرفوعًا. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وقد اختلف رأي النقاد في رفع هذا الحديث ووقفه، فصحح الحاكم المرفوع، ومال إليه البيهقي؛ فإنه قال: وكأنه (أي الوقف) تقصير من بعض الرواة.

وذهب الإمام الترمذي إلى تصحيح الوقف، وإليه مال الإمام أبو داود حيث نقل - عقب روايته مرفوعًا - عن ابن المبارك، والإمام أحمد نهيهما عن رفعه. وقال الدارقطني في العلل (9/ 245) رقم 1736: والصحيح عن الأوزاعي أنه موقوف على أبي هريرة. وضعف الإمام أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 131) المرفوع، والموقوف فقال في المرفوع: ليته يصح عن أبي هريرة، وقال في الموقوف: حديث منكر.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 142 - 143): وهو لا يصح لا مرفوعًا هكذا، ولا موقوفًا. ثم فصل الكلام فيه. وإليه ذهب ابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 180).

ص: 378

وروي مرفوعًا عنه

(1)

، وصححه الترمذي.

(وهو) أي: حذف السلام (عدم تطويله، و) عدم (مده في الصلاة، وعلى الناس) قال أبو عبد الله

(2)

: هو أن لا يطول به صوته. وقال ابن المبارك

(3)

: معناه أن لا يمد مدًا.

(فإن نكر السلام) كقوله: سلام عليكم، أو عرفه بغير اللام، كسلامي، أو سلام الله عليكم.

(أو نكسه فقال: عليكم السلام، أو قال: السلام عليك، بإسقاط الميم، أو نكسه في التشهد، فقال: عليك السلام أيها النَّبيِّ، أو علينا السلام وعلى عباد الله، لم يجزئه) لمخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"

(4)

. ومن تعمد قولًا من هذه الصور التي قلنا إنها لا تجزئ، بطلت صلاته؛ لأنه يغير السلام الوارد، ويخل بحرف يقتضي الاستغراق، قاله في "شرح المنتهى".

(و‌

‌ينوي بسلامه الخروج من الصلاة

استحبابًا) لتكون النية شاملة لطرفي الصلاة، فإن لم ينوه جاز؛ لأن نية الصلاة قد شملت جميعها، والسلام من جملتها كتكبيرة الإحرام.

(فإن نوى معه) أي: مع الخروج من الصلاة: السلام (على) الملائكة (الحفظة، والإمام، والمأموم، جاز) نص عليه، لما روى سمرة بن جندب، قال: "أمرنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نردَّ على الإمام

(5)

، وأن يسلم بعضُنا على بعض" رواه

(1)

تقدم الكلام عليه مفصلًا في التعليق السابق.

(2)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 190)، والمغني (2/ 249).

(3)

سنن الترمذي (2/ 94).

(4)

تقدم تخريجه: (2/ 334) تعليق رقم 4.

(5)

في سنن أبي داود، وابن خزيمة، والحاكم، والبغوي زيادة:"وأن نتحاب".

ص: 379

أبو داود

(1)

، وإسناده ثقات (ولم يستحب) ذلك (نصًا، وكذا لو نوى ذلك) أي: السلام على الحفظة، والإمام، والمأموم، (دون الخروج) من الصلاة، فلا تبطل به، خلافًا لابن حامد.

(وإن كانت صلاته أكثر من ركعتين) كمغرب، ورباعية (نهض مكبرًا كنهوضه من السجود) قائمًا على صدور قدميه (إذا فرغ من التشهد الأول.

ولا يرفع يديه) حكاه بعضهم وفاقًا، قال في "الإنصاف": وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وعنه: يرفعهما، اختارها المجد، والشيخ تقي الدين

(2)

، وصاحب "الفائق"، وابن عبدوس، اهـ. قال في "المبدع": وهي أظهر، وقد صححه أحمد

(3)

وغيره عن النَّبيِّ

(1)

في الصلاة، باب 190، حديث 1001. وأخرجه - أيضًا - ابن خزيمة (3/ 104) حديث 1711، والدارقطني (1/ 360)، والحاكم (1/ 270)، والبيهقي (2/ 181)، والبغوي (3/ 208) حديث 700. وأخرجه ابن ماجه في الإقامة، باب 30، حديث 922، بنحوه.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 271): وإسناده حسن. وقال النووي في الخلاصة (1/ 447): حديث حسن أو صحيح. وقال في المجموع (3/ 480): رواه أبو داود، والدارقطني، والبيهقي، وفي إسناد أبي داود سعيد بن بشير، وهو مختلف في الاحتجاج به، والأكثرون لا يحتجون به، وإسناد روايتي الدارقطني والبيهقي حسن، واعتضدت طرق هذا الحديث، فصار حسنًا، أو صحيحًا.

وأعله ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 15) بضعف سعيد بن بشير. وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 414): الصحيح أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 83.

(3)

انظر نصب الراية (1/ 412)، والدراية (1/ 153).

ص: 380

- صلى الله عليه وسلم

(1)

. قال الخطابي

(2)

: وهو قول جماعة من أهل الحديث.

(وأتى بما بقي من صلاته كما سبق) لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"

(3)

(إلا أنه لا يجهر) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه (ولا يقرأ شيئًا بعد الفاتحة) قال ابن سيرين

(4)

: لا أعلمهم يختلفون فيه؛ لحديث أبي قتادة: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب"

(5)

.

وكتب عمر إلى شريح يأمره بذلك

(6)

. ويستثنى الإمام في صلاة الخوف،

(1)

رفع اليدين عند القيام إلى الركعة الثالثة قد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في الأذان، باب 86، حديث 739.

ومن حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الصلاة، باب 110، حديث 304، وغيره. وقد تقدم تخريجه (2/ 283) تعليق رقم 5.

ومن حديث علي رضي الله عنه: أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين (1، 9)، وأبو داود في الصلاة، باب 118، 121، حديث 744، 761، والترمذي في الدعوات، باب 32، حديث 3423، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 15، حديث 864، وأحمد (1/ 93)، وابن خزيمة (1/ 294) حديث 584، والطحاوي (1/ 222)، والدارقطني (1/ 287)، والبيهقي (2/ 136 - 137). وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

معالم السنن (1/ 194).

(3)

تقدم تخريجه: (2/ 355) تعليق رقم 1.

(4)

المغني (2/ 281 - 282).

(5)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 96، 107، حديث 759، 776، ومسلم في الصلاة، حديث 451 (155).

(6)

رواه ابن أبي شيبة (1/ 370)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 112) رقم 1330، عن شريح، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه: أن اقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.

ص: 381

إذا قلنا: ينتظر الطائفة الثانية في الركعة الثالثة، فيقرأ سورة معها.

(فإن قرأ) شيئًا بعد الفاتحة في ذلك (أبيح، ولم يكره) لفعله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم، من حديث أبي سعيد

(1)

.

(ثم يجلس في التشهد الثاني من ثلاثية فأكثر متوركًا) لحديث أبي حميد

(2)

، فإنه وصف جلوسه في التشهد الأول مفترشًا، وفي الثاني متوركًا. وهذا بيان الفرق بينهما، وزيادة يجب الأخذ بها، والمصير إليها، وحينئذ لا يسن التورك إلا في صلاة فيها تشهدان أصليان في الأخير منهما. وصفته كما رواه الأثرم عنه (يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويخرجهما عن يمينه ويجعل أليتيه على الأرض) لقول أبي حميد: "فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة" رواه أبو داود

(3)

. وفي لفظ: "جلس على أليتيه ونصب قدمه اليمنى"

(4)

. وذكر الخرقي، والقاضي، والسامري، أنه يجعل باطن قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى. وقدمه ابن تميم، وصححه المجد في "شرحه"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يفعله" رواه

(1)

في الصلاة، حديث 452 (157).

(2)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 117، 118، حديث 730، 963، 965، والترمذي في الصلاة، باب 227، حديث 304، 305، والنسائي في السهو، باب 29، حديث 1261، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 72، حديث 1061، وأحمد (5/ 424)، وابن خزيمة (1/ 297، 347) حديث 587، 700، وابن حبان "الإحسان"(5/ 178 - 180، 182 - 184، 187، 195)، حديث 1865، 1867، 1870، 1876. قال الترمذي: حسن صحيح.

(3)

في الصلاة، باب 117، 181، حديث 731، 965. ورواه - أيضًا - البيهقي (2/ 102).

(4)

رواه البيهقي: (2/ 128).

ص: 382

مسلم

(1)

من حديث ابن الزبير، قال في "الشرح": وأيهما فعل فحسن.

(ويأتي بالتشهد الأول؛ ثم بالصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مرتبًا وجوبًا) فلا يجزئ إن قدم الصلاة عليه على التشهد الأول؛ لإخلاله بالترتيب (ثم) يأتي (بالدعاء) أي التعوذ مما تقدم لما سبق (ثم يسلم كما سبق) لما مر.

(وإن سجد لسهو بعد السلام) ولو كان محله قبله فأخره (في ثلاثية فأكثر، تورك في تشهد سجوده) لأن تشهدها يتورك فيه، وهذا تابع له، قاله في "الشرح".

(و) إن سجد لسهو بعد السلام (في) صلاة (ثنائية) كصبح، وجمعة (و) في ركعة (وتر يفترش) لأنه تابع لجلوس التشهد، كما تقدم.

(والمرأة كالرجل في ذلك) المتقدم في صفة الصلاة لشمول الخطاب لها في قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتوني أصلي"

(2)

(إلا أنها تجمع نفسها في الركوع، والسجود، وجميع أحوال الصلاة) لما روى زيد

(3)

بن أبي حبيب: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: "إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل" رواه أبو داود في مراسيله"

(4)

. ولأنها عورة؛ فكان الأليق بها الانضمام.

(1)

في المساجد، حديث 579.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 334) تعليق رقم 4.

(3)

كذا في الأصول والصواب: "يزيد" كما في "مراسيل أبي داود": ص 103، و"تحفة الأشراف":(13/ 419)، وهو يزيد بن أبي حبيب - سويد - أبو رجاء الأزدي مولاهم المصري تابعي صغير ثقة. مات سنة 128، تهذيب التهذيب (11/ 318)، والخلاصة ص/ 430.

(4)

"المراسيل": ص/ 117، رقم 87. ورواه - أيضًا - البيهقي (2/ 223) وقال: حديث منقطع.

ص: 383

(وتجلس متربعة) لأن ابن عمر، كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة

(1)

(أو تسدل رجليها عن يمينها، وهو أفضل) من التربع، لأنه غالب فعل عائشة، وأشبه بجلسة الرجل (كرفع يديها) أي أنه أفضل لها في مواضعه؛ لأنه من تمام الصلاة لما تقدم.

(وخنثى كامرأة) لاحتمال أن يكون امرأة، وتقدم أنها تسر إن سمعها أجنبي.

(وينحرف الإمام إلى المأموم جهة قصده يمينًا أو شمالًا، وإلا) بأن لم يكن قاصدًا جهة (فـ) إنه ينحرف (عن يمينه) إكرامًا لليمين (فتلي يساره في انحرافه) إلى المأمومين (القبلة

(2)

.

ويستحب للإمام أن لا يطيل الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة) لقول عائشة: "إن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعدْ إلا مقدار ما يقول: اللهم أنتَ السلامُ ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلالِ والإكرامِ" رواه مسلم

(3)

.

(و) يستحب (أن لا ينصرف المأموم قبله) أي قبل الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم: "إني إمامكم فلا تسبقُوني بالركوع، ولا بالسجودِ، ولا بالقيامِ، ولا بالانصراف" رواه مسلم

(4)

.

(إلا أن يطيل) الإمام (الجلوس) فينصرف المأموم لإعراضه عن السنة.

(فإن كان رجال ونساء) مأمومين به (استحب لهن) أي للنساء (أن يقمن

(1)

رواه الإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله: رقم 282. وفي مصنف ابن أبي شيبة (1/ 270): كن نساء ابن عمر يتربعن في الصلاة.

(2)

في هامش "ح": لعله "عن القبلة".

(3)

في المساجد، حديث 592.

(4)

في الصلاة، حديث 426، من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 384

عقب سلامه) وينصرفن؛ لأنهنَّ عورة، فلا يختلطن بالرجال.

(و) استحب (أن يثبت الرجال قليلًا، بحيث لا يدركون من انصرف منهن) لحديث أم سلمة قالت: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم قام النساءُ حين يقضِي تسليمه، وهو يمكث في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم. قالت: نُرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساءُ قبل أن يدركهُنَّ الرجالُ" رواه أحمد، والبخاري

(1)

(ويأتي) ذلك (آخر صلاة الجماعة) بأوضح من هذا.

(1)

أحمد: (6/ 296، 310، 316)، والبخاري في الأذان، باب 152، 157، حديث 837، 849.

ص: 385

‌فصل

(يسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة)

المكتوبة (كما ورد) في الأخبار على ما ستقف عليه مفصلًا، قال ابن نصر الله في "الشرح": والظاهر أن مرادهم به أن يقول ذلك وهو قاعد، ولو قاله بعد قيامه، وفي ذهابه، فالظاهر أنه مصيب للسنة أيضًا، إذ لا تحجير في ذلك، ولو شغل عن ذلك، ثم تذكره فذكره، فالظاهر حصول أجره الخاص له أيضًا إذا كان قريبًا للعذر، أما لو تركه عمدًا، ثم استدركه بعد زمن طويل، فالظاهر فوات أجره الخاص، وبقاء أجر الذكر المطلق له.

(فيقول: أستغفر الله ثلاثًا، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) لما روى ثوبان أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كان إذا سلم استغفر ثلاثًا، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم

(1)

.

ومما ورد من الذكر: ما روي عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: (لا إله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون) قال ابن الزبير: "وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة" رواه مسلم

(2)

.

وعن المغيرة بن شعبة "أنه كتب إلى معاوية: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: في

(1)

في المساجد، حديث 591، ولفظه:"إذا انصرف من صلاته".

(2)

في المساجد، حديث 594.

ص: 386

دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد") متفق عليه

(1)

.

(ويسبح، ويحمد، ويكبر، كل واحدة) من التسبيح، والتحميد، والتكبير، (ثلاثًا وثلاثين) لما في الصحيحين من رواية أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، مرفوعًا:"تسبحون، وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين"

(2)

.

(والأفضل أن يفرغ منهن) أي من عدد الكل (معًا) لقول أبي صالح - راوي الحديث - "تقول: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى تبلغ من جميعهن ثلاثًا وثلاثين" (وتمام المائة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

ويعقده) أي يعقد العدد المتقدم بيده (و) يعقد (الاستغفار بيده، أي يضبط عدده بأصابعه، كما يأتي) لحديث بصرة

(3)

مرفوعًا "واعقدن بالأنامل، فإنهن مسئولات مستنطقات" رواه أحمد وغيره

(4)

.

(1)

البخاري في الأذان، باب 155، حديث 844، وفي الدعوات، باب 18، حديث 6330، وفي الرقاق، باب 22، حديث 6473، وفي القدر، باب 12، حديث 6615، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 3، حديث 7292، ومسلم في المساجد، حديث 593.

(2)

البخاري في الأذان، باب 155، حديث 843، وفي الدعوات، باب 18، حديث 6329، ومسلم في المساجد، حديث 595.

(3)

كذا في الأصول والصواب: "يُسيْرة"، كما في "المسند"، و"سنن أبي داود"، و"سنن الترمذي"، وهي: يُسَيْرة، ويقال أسيرة أم ياسر صحابية. انظر التقريب (8798).

(4)

أحمد (6/ 371). ورواه أيضًا أبو داود بنحوه في الصلاة، باب 359، حديث 1501، والترمذي في الدعوات، باب 121، حديث 3583. وابن سعد =

ص: 387

(قال الشيخ: و‌

‌يستحب الجهر بالتسبيح، والتحميد، والتكبير،

عقب الصلاة. انتهى) لقول ابن عباس: "كنتُ أعلم إذا انصرفوا بذلك، إذا سمعته"

(1)

وفي رواية: "كنت أعرف انقضاء صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالتكبير" متفق عليه

(2)

.

قال في "المبدع": ويستحب الجهر بذلك، وحكى ابن بطال

(3)

عن أهل المذاهب المتبوعة خلافه. وكلام أصحابنا مختلف، قاله في الفروع. قال: ويتوجه: يجهر لقصد التعليم فقط ثم يتركه. والمقصود من العدد: أن لا ينقص منه، وأما الزيادة فلا تضر شيئًا، لاسيما من غير قصد؛ لأن الذكر مشروع في الجملة، فهو يشبه المقدر في الزكاة، إذا زاد عليه.

(و) يقول (بعد كل من) صلاتي (الصبح، والمغرب، وهو ثان رجليه، قبل أن يتكلم، عشر مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) لخبر أحمد، عن شهر

= (8/ 310)، وابن أبي شيبة (10/ 289)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 73)، وعبد بن حميد (3/ 262) رقم 1568، وابن حبان "الإحسان"(3/ 122) رقم 842. والطبراني في الكبير (25/ 73 - 74) رقم 180، 181 والحاكم (1/ 547)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3465) رقم 7873.

قال الترمذي: حديث غريب. وحسنة النووي في الأذكار ص/ 14، والحافظ في نتائج الأفكار (1/ 84)، وسكت عليه الحاكم، وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح.

(1)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 155، حديث 841، ومسلم في المساجد، حديث 583 (122).

(2)

البخاري في الأذان، باب 155، حديث 842، ومسلم في المساجد، حديث 583.

(3)

انظر شرحه على صحيح البخاري (2/ 458).

ص: 388

ابن حوشب، عن عبد الرحمن بن غَنم مرفوعًا

(1)

.

ولهذا مناسبة، ويكون الشارع شرعه أول النهار والليل، ليحترس به من الشيطان فيهما.

والخبر رواه الترمذي

(2)

أيضًا، وقال: حسن صحيح، والنسائي

(3)

، ولم يذكر المغرب، فلهذا اقتصر في "المذهب" وغيره على الفجر فقط، قال في "الفروع": وشهر متكلم فيه جدًا

(4)

. اهـ.

ويقول أيضًا، وهو على الصفة المذكورة: (اللهم أجرني من النار، سبع

(1)

المسند (4/ 227). ورواه عبد الرزاق (2/ 235) رقم 3192، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 307)، وقال: وعبد الرحمن لا تثبت صحبته. وللحديث شاهد عن أبي أمامة رضي الله عنه أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 336) حديث 8075، والأوسط (8/ 97) حديث 7196. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 108) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الأوسط ثقات.

(2)

الترمذي في الدعوات، باب 63، حديث 3474، عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه، ولم يذكر "المغرب". وقال: حسن غريب صحيح.

(3)

في الكبرى (6/ 37) حديث 9955، وفي عمل اليوم والليلة، حديث 127، عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه. وأخرجه الحاكم (1/ 501)، والنسائي في عمل اليوم والليلة حديث 125، وابن حبان "الإحسان"(3/ 130) حديث 850، عن البراء بن عازب رضي الله عنه. ولم يذكر المغرب ولا الفجر، بلفظ:"من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، فهو كعتاق نسمة". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وتعقبه الذهبي بقوله: الحسن ضعفه الأزدي. وأخرجه النسائي - أيضًا - في عمل اليوم والليلة (126)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 123 حديث رقم 140، من حديث معاذ بنحو حديث أبي ذر رضي الله عنهما.

(4)

قال ابن حجر في التقريب (2846): شهر بن حوشب الأشعري صدوق كثير الإرسال والأوهام.

ص: 389

مرات) لما روي عن عبد الرحمن بن حسان، عن مسلم بن الحارث التميمي، عن أبيه - وقيل الحارث بن مسلم عن أبيه - أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه، فقال:"إذا انصرفت من صلاة المغرب، فقل: اللهم أجرْني من النار سبع مرات" وفي رواية: "قبل أن تكلم أحدًا، فإنك إذا قلت ذلك، ثم مت في ليلتك، كتب لك جوار منها، وإذا صليت الصبح فقل مثل ذلك، فإنك إن مت من يومك كتب لك جوار منها، قال الحارث: أسر بها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

ونحن نخص بها إخواننا" رواه أبو داود

(2)

، وعبد الرحمن تفرد عن هذا الرجل، فلهذا قال الدارقطني

(3)

: لا يعرف. وكذلك رواه أحمد

(4)

. وفي لفظ

(5)

: "قبل أن تكلم أحدًا من الناس".

(و) يقرأ (بعد كل صلاة آية الكرسي، والإخلاص) لخبر أبي أمامة:

(1)

لفظ أبي داود: "أسرها إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(2)

في الأدب، باب 110، حديث 5079، 5080، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 253)، وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(111)، وأحمد (4/ 234)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 417 - 418) رقم 1212، وابن حبان "الإحسان"(5/ 366) حديث 2022، والطبراني في الكبير (19/ 433) رقم 1051، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 72 رقم 139، وابن عساكر في تاريخه (11/ 477) رقم 1052. قال الحافظ في التهذيب (10/ 125 - 126): مسلم بن الحارث، ويقال: الحارث بن مسلم التميمي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء عند الانصراف من صلاة المغرب، روى حديثه عبد الرحمن بن حسان الفلسطيني، اختلف عليه فيه. وقال في نتائج الأفكار (2/ 310): هذا حديث حسن. وانظر الإصابة (9/ 194).

(3)

انظر سؤالات أبي بكر البرقاني للدارقطني ص/ 65 رقم 490، وتهذيب الكمال (27/ 498).

(4)

(4/ 234).

(5)

في "ح" و"ذ": "وفي لفظه".

ص: 390

"من قرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد، دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت" إسناده جيد، وقد تكلم فيه. ورواه الطبراني وابن حبان في صحيحه، وكذا صححه صاحب المختارة من أصحابنا

(1)

.

(و) يقرأ (المعوذتين) لما روي عن عقبة بن عامر قال: "أمرني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة" له طرق، وهو حديث حسن، أو صحيح،

(1)

رواه الطبراني في الكبير (8/ 134) حديث 7532، و"الأوسط"(9/ 31) رقم 8064، وفي الدعاء (2/ 1104) رقم 675. ولم نجده في صحيح ابن حبان، وإنما رواه ابن حبان في كتاب الصلاة دون قوله: "وقل هو الله أحد"، كما في إتحاف المهرة (6/ 259). ورواه النسائي في الكبرى (6/ 30) رقم 9928، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 182 رقم 100، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 65 رقم 124، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 354)، ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 397)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 278 - 279)، وقال المنذري في كتاب الترغيب والترهيب (2/ 448) بعد أن ذكر الحديث:"رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح، وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري وابن حبان في كتاب الصلاة، وصححه، وزاد الطبراني في بعض طرقه: "وقل هو الله أحد" وإسناده بهذه الزيادة جيد أيضًا". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 102): رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد أحدها جيد. وقال الحافظ في نتائج الأفكار (2/ 279): هذا حديث غريب. وقال العلامة ابن القيم في زاد المعاد (1/ 304): وقد روي هذا الحديث من حديث أبي أمامة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وفيها كلها ضعف. ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع تباين طرقها، واختلاف مخارجها دلت على أن الحديث له أصل، وليس بموضوع، وبلغني عن شيخنا أبي العباس بن تيمية - قدس الله روحه - أنه قال: ما تركها عقب كل صلاة.

ولم يطبع مسند أبي أمامة رضي الله عنه من كتاب الأحاديث المختارة حتى الآن.

ص: 391

رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي

(1)

، وقال: غريب. قال بعض أصحابنا: وفي هذا سر عظيم في دفع الشر من الصلاة إلى الصلاة، قاله في "الفروع".

(ويدعو) الإمام (بعد فجر وعصر، لحضور الملائكة)

(2)

أي: ملائكة الليل والنهار (فيهما فيؤمنون) على الدعاء، فيكون أقرب للإجابة (وكذا) يدعو بعد (غيرهما من الصلوات) لأن من أوقات الإجابة: أدبار المكتوبات.

(ويبدأ) الدعاء (بالحمد لله والثناء عليه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى

(3)

أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النَّبيِّ، ثم يدعو بما شاء" رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه

(4)

.

(1)

أحمد (4/ 155، 201) وأبو داود في الصلاة، باب 361، حديث 1523، والنسائي في السهو، باب 80، حديث 1335، والترمذي في فضائل القرآن، باب 12، حديث 2903، وقال: حسن غريب. ورواه ابن خزيمة (1/ 372) رقم 755، وابن حبان "الإحسان"(5/ 344) رقم 2004، والطبراني في الكبير (17/ 294 و 295) رقم 811، 812، وفي الدعاء (2/ 1105 - 1106) رقم 677، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 108 - 109 رقم 122، والحاكم (1/ 253)، والبيهقي في الدعوات الكبير (1/ 80 - 81) رقم 105، وصححه الحاكم على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وسكت عليه الحافظ في الفتح (9/ 62) فهو حسن عنده.

(2)

لم يثبت في السنة ما يدل على هذا. انظر زاد المعاد (1/ 257).

(3)

أي دعا. "ش".

(4)

أبو داود في الصلاة، باب 358، حديث 1481، والنسائي في السهو، باب 48، حديث 1283 بمعناه، والترمذي في الدعوات، باب 65، حديث 3477. وأخرجه - أيضًا - أحمد (6/ 18) وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص/ 88 رقم 106، وابن خزيمة (1/ 351) رقم 709، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 18) رقم 2242، وابن حبان "الإحسان" (5/ 290) رقم 1960، =

ص: 392

(ويختم) دعاءه (به) أي بالحمد، لقوله تعالى:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

(1)

.

(ويصلي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أوله وآخره) قال الآجري: ووسطه، لخبر جابر قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوني كقدح الراكبِ، فإن الراكب يملأ قدحه، ثم يضيعه

(2)

، ويرفعُ متاعه، فإن احتاج إلى شراب شربه، أو الوضوء توضأ، وإلا أهراقه، ولكن اجعلوني في أول الدعاء، وأوسطه، وآخره"

(3)

.

(ويستقبل) الداعي (غير إمام هنا القبلة) لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة

(4)

، (ويكره للإمام) استقبال القبلة (بل يستقبل) الإمام (المأمومين) لما تقدم: أنه ينحرف إليهم إذا سلم.

= والطبراني في الكبير (18/ 307، 309) رقم 791 - 795، والحاكم (1/ 230)، والبيهقي (2/ 147 - 148)، كلهم من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(1)

سورة يونس، الآية:10.

(2)

في "ح" و"ذ": "يضعه".

(3)

رواه عبد الرزاق (2/ 215) رقم 3117، وعبد بن حميد (3/ 65) رقم 1130، وابن أبي عاصم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما في جلاء الأفهام ص/ 176، 177، والبزار في كشف الأستار (4/ 45) رقم 3156، والعقيلي (1/ 61)، وابن حبان في المجروحين (2/ 236، 237)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 89) رقم 944، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 216، 217) رقم 1578، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 329) رقم 1695. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 155): رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. وذكره الدارقطني في الضعفاء والمتروكين ص/ 97 في ترجمة إبراهيم بن محمد بن الحارث التيمي وقال: لا يتابع عليه، روى عنه موسى بن عبيدة.

وذكره الصغاني في الموضوعات برقم 118، والفتني في تذكرة الموضوعات برقم 968. وانظر المطالب العالية (13/ 774).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 273) تعليق رقم 3.

ص: 393

(ويلح) الداعي في الدعاء، لحديث:"إن الله يحبُّ الملحين في الدعاءِ"

(1)

.

(ويكرره) أي الدعاء (ثلاثًا) لأنه نوع من الإلحاح.

(و) الدعاء (سرًّا أفضل) منه جهرًا، لقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}

(2)

ولأنه أقرب إلى الإخلاص.

(ويعم به) أي بالدعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم:"يا علي عمم" الحديث

(3)

.

(ومن آداب الدعاء، بسط يديه ورفعهما إلى صدره) لحديث مالك بن يسار مرفوعًا: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطونِ أكفكم، ولا تسألوه بظهورها" رواه

(1)

ذكره الحكيم الترمذي في نوادره ص/ 220. وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/ 452)، والطبراني في الدعاء (2/ 794) حديث 20، وابن عدي في الكامل (7/ 2621)، والقضاعي (2/ 145) حديث 1069، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 38)، حديث 1108، 1109، وأبو طاهر السلفي في معجم السفر ص/ 414، رقم 1403، وابن عساكر (32/ 368) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال أبو حاتم في "العلل" لابنه (2/ 199): هذا حديث منكر، نرى أن بقية دلسه عن ضعيف، عن الأوزاعي. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 95): تفرد به يوسف بن السفر، عن الأوزاعي، وهو متروك، وكان بقية ربما دلسه. وقال في الفتح (11/ 95): وأخرج الطبراني في الدعاء بسند رجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة بقية، عن عائشة مرفوعًا. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 292) مع الفيض، ورمز لضعفه.

(2)

سورة الأعراف، الآية:55.

(3)

رواه أبو داود في المراسيل ص/ 115 رقم 80، والبيهقي (3/ 130)، ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى علي بن أبي طالب وقد خرج لصلاة الفجر، وعلي يقول: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم تب علي، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على منكبه، وقال له: "عمم" ففضل ما بين العموم والخصوص كما بين السماء والأرض".

ص: 394

أبو داود

(1)

بإسناد حسن.

وتكون يداه مضمومتين، لما روى الطبراني في "الكبير"

(2)

عن ابن عباس:

(1)

في الصلاة، باب 358، حديث 1486. ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 410) رقم 2459، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 47)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2474) رقم 6024 و 6025، ومالك بن يسار مختلف في صحبته. وحسنه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 199 - 200).

وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

أ - عن ابن عباس رضي الله عنهما: رواه أبو داود في الصلاة، باب 358، حديث 1485، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 119، حديث 1181، والمروزي في صلاة الوتر ص/ 167 رقم 321، والطبراني في الكبير (10/ 319 - 320) رقم 10779، وابن حبان في المجروحين (1/ 368)، وابن عدي (4/ 1369)، والحاكم (1/ 536)، والبيهقي (2/ 212)، والبغوي (5/ 202 - 203) رقم 1399، وابن الجوزي في العلل المتناهية (3/ 140) رقم 1407. وقال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (2/ 351) رقم 2572: هذا حديث منكر.

ب - عن أبي بكرة رضي الله عنه: رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 224)، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 169): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقة، وقد أعل بالإرسال. انظر علل الدارقطني (7/ 157). ولم نجده في المعاجم الثلاثة المطبوعة.

ج - عن ابن محيريز مرسلًا: رواه ابن أبي شيبة (10/ 286)، وأحمد في معرفة الرجال (2/ 272) رقم 2227.

(2)

(11/ 435) رقم 12234، ولفظه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا جعل باطن كفه إلى وجهه" وضعف إسناده العراقي في تخريج الإحياء (1/ 313). وله شاهد من حديث خلاد بن السائب. رواه أحمد (4/ 56)، والطبراني في الكبير (7/ 141) رقم 6625، وتمام في فوائده (4/ 469) رقم 1606 كلهم من طريق ابن لهيعة. قال الهيثمي في المجمع (10/ 169): وفيه حفص بن هاشم بن عتبة مجهول.

ص: 395

"كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه، وجعل بطونهما مما يلي وجهه" وضعفه في المواهب

(1)

.

ويكون متطهرًا، ويقدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار (ويدعو بدعاء معهود) أي مأثور، إما من القرآن، أو السنة، أو عن الصحابة، أو التابعين، أو الأئمة المشهورين، ويكون جامعًا (بتأدب) في هيئته، وألفاظه، فيكون جلوسه إن كان جالسًا كجلوس أقل

(2)

العبيد بين يدي أعظم الموالي (وخشوع، وخضوع، وعزم، ورغبة، وحضور قلب، ورجاء) لحديث: "لا يستجاب من قلب غافل" رواه أحمد وغيره

(3)

.

ويتملق ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده.

ويقدم بين يدي دعائه صدقة.

(1)

المواهب اللدنية (4/ 483).

(2)

في "ح": "أذل".

(3)

أخرجه أحمد: (2/ 177)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه بلفظ:"القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عز وجل، أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل" قال الهيثمي في المجمع (10/ 148): رواه أحمد، وإسناده حسن. وقال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أحمد بإسناد حسن. وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. رواه الترمذي في الدعوات، باب 66، حديث 3479، وابن حبان في المجروحين (1/ 372)، والطبراني في الدعاء (2/ 812) رقم 62، وابن عدي (4/ 62)، والحاكم (1/ 493) ولفظه: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ.

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الحاكم: هذا حديث مستقيم الإسناد تفرد به صالح المري، وهو أحد زهاد البصرة، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: صالح متروك.

ص: 396

ويتحرى أوقات الإجابة، وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تنقضي الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة.

(وينتظر الإجابة) لحديث: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"

(1)

.

(ولا يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي) لما في "الصحيح" مرفوعًا: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قالوا: وكيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجبْ لي. فيستحسر عندَ ذلك ويدع الدعاء"

(2)

.

وينتظر الفرج، فهو عبادة أيضًا، قال ابن عيينة

(3)

: "لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي". وروى الترمذي وصححه من حديث عبادة: "ما على الأرض مسلمٌ يدعو الله بدعوةٍ إلا آتاه الله اياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. فقال رجل من القوم: إذن نكثر. قال: الله أكثر"

(4)

.

ولأحمد من حديث أبي سعيد مثله، وفيه: "إما أن يعجلها، أو يدخرها له

(1)

تقدم تخريجه في التعليق السابق.

(2)

رواه البخاري في الدعوات، باب 22، حديث 6340، ومسلم في الذكر والدعاء حديث 2735 (92)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

انظر تفسير القرطبي (5/ 165).

(4)

أخرجه الترمذي في الدعوات، باب 116، حديث 3573، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 339)، والبيهقي في شعب الإيمان (1131). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الحافظ في الفتح (11/ 96).

ص: 397

في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء مثلها"

(1)

.

ويبدأ في دعائه بنفسه.

(ولا يكره رفع بصره إلى السماء فيه) أي: الدعاء، خلافًا للغنية، لحديث المقداد:"أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني"

(2)

.

(و‌

‌لا بأس أن يخص نفسه بالدعاء

نصًا) لما في حديث أبي بكرة

(3)

،

(1)

رواه أحمد (3/ 18) وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد (2/ 174) رقم 710، وابن أبي شيبة (10/ 201)، وعبد بن حميد رقم 937، والبزار "كشف الأستار"(2/ 296) رقم 3143، 3144، وأبو يعلى (2/ 296) رقم 1019، والحاكم (1/ 493)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 48) رقم 1130، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 343 - 345) قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وجود المنذري إسناده في الترغيب والترهيب (2/ 475) رقم 2427.

وفي الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري في الأدب المفرد (2/ 176) رقم 711، وأحمد (2/ 448)، والحاكم (1/ 497)، والبيهقي في شعب الإيمان (1126).

(2)

أخرجه مسلم في الأشربة، مطولًا حديث 2055.

(3)

رواه البخاري في الأدب المفرد (701)، وأبو داود في الأدب، باب 110، حديث 5090، والنسائي في الكبرى (1/ 400) حديث 1270، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 146، 382 حديث 22، 572، والطيالسي ص/ 117 رقم 868، وابن أبي شيبة (10/ 205 - 206)، وأحمد (5/ 42)، وابن السني (69)، والحاكم (1/ 35) عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

ص: 398

وحديث أم سلمة

(1)

، وحديث سعد بن أبي وقاص

(2)

، إذ أولها:"اللهم إني أعوذ بك وأسألك" وذلك يخص نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ تقي الدين

(3)

: (والمراد) به أي بالدعاء الذي لا يكره أن يخص به نفسه: الدعاء (الذي لا يؤمن عليه كالمنفرد، وكـ) ــالدعاء (بعد التشهد) أو في السجود ونحوه (فأما ما يؤمن عليه، كالمأمومين مع الإمام، فيعم) بالدعاء (وإلا) بأن كان يؤمن عليه ولم يعمهم، فقد (خانهم، وكدعاء القنوت) فإنه إذا لم يعم به كان خائنًا لهم لخبر ثوبان فإن فيه: "لا يؤم رجلٌ قومًا فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم"

(4)

.

(1)

رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 32، حديث 925، وعبد الرزاق (2/ 234)، حديث 3191، وابن أبي شيبة (10/ 234)، وأحمد (6/ 294، 305، 318، 322)، وأبو يعلى (12/ 361) حديث 6930، والطبراني في الكبير (23/ 305) حديث 685 - 689، وفي الصغير (1/ 260)، وابن السني ص/ 100 حديث 110، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أسألك رزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا، وعلمًا نافعًا. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 111)، وقال: رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 185): هذا إسناد رجاله ثقات، خلا مولى أم سلمة، فإنه لم يسم، ولم أر أحدًا من صنف في المبهمات ذكره، ولا أدري ما حاله.

(2)

رواه البخاري في الجهاد، باب 25، حديث 2822، وفي الدعوات، باب 37، 41، 44، 56، حديث 6365، 6370، 6374، 6390، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أنه كان يأمر بهؤلاء الخمس، ويخبرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن. . . الحديث.

(3)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 86، الفتاوى الكبرى (1/ 211).

(4)

رواه البخاري في الأدب المفرد ص/ 375 رقم 1093، وأبو داود في الطهارة، باب 43، حديث 90، والترمذي في الصلاة، باب 148، حديث 357، وابن ماجه في الصلاة، باب 31، حديث 923، وأحمد (5/ 280). وقال البخاري: أصح ما =

ص: 399

(ويستحب أن يخففه) أي الدعاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الإفراط في الدعاء

(1)

. والإفراط يشمل كثرة الأسئلة.

(ويكره رفع الصوت به في صلاة وغيرها) قال في "الفصول"، في آخر الجمعة: الإسرار بالدعاء عقب الصلاة أفضل؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "نهى عن الإفراط في الدعاء" وهو يرجع إلى ارتفاع الصوت، وكثرة الدعاء، قال في "الفروع": كذا قال اهـ. قال ابن نصر الله: ولعل وجه التعقب: أن الإفراط لا يشمل الجهر، وإنما يتبادر منه الكثرة فقط (إلا لحاج) فإن رفع الصوت له أفضل، لحديث:"أفضل الحج: العجُّ والثجُّ"

(2)

.

وشرط الدعاء: الإخلاص، قال الآجري: واجتناب الحرام، قال في

= يروى في هذا الباب هذا الحديث. قال الترمذي: حديث ثوبان حديث حسن. وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: رواه أبو داود في الطهارة، باب 43، حديث 91.

وحديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا: رواه أحمد (5/ 250 و 260، 261). وانظر زاد المعاد (1/ 264).

(1)

رواه أبو داود في الطهارة، باب 45، حديث 96، وابن ماجه في الدعاء، باب 12، حديث 3864، وأحمد (4/ 86، 87، 5/ 55)، وابن حبان "الإحسان"(15/ 166 - 167) رقم 6763، 6764، والحاكم (1/ 540) عن عبد الله بن المغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء". قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصححه الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 144).

(2)

روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو بكر رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الحج، باب 14، حديث 827، وابن ماجه في المناسك، باب 16، حديث 2924، والدارمي في الحج، باب 8، حديث 1804، والبزار (1/ 142، 144) رقم 71، 72، والمروزي في مسند =

ص: 400

"الفروع": وظاهر كلام ابن الجوزي

(1)

وغيره: أنه من الأدب

(2)

. وقال شيخنا

(3)

: يبعد إجابته إلا مضطرًا أو مظلومًا. قال: وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، وظاهر كلام بعضهم: عكسه. وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم "إذا

= أبي بكر الصديق ص/ 151، 152 رقم 117، وأبو يعلى (1/ 108، 109) رقم 117، وابن خزيمة (4/ 175) رقم 2631، والدارقطني في العلل (1/ 279، 280)، والحاكم (1/ 450، 451)، والبيهقي (5/ 42)، قال أبو عيسى: حديث أبي بكر حديث غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

ب - ابن عمر رضي الله عنهما: رواه الترمذي في التفسير، باب 4، حديث 2998، وابن ماجه في المناسك، باب 6، حديث 2896، وابن أبي شيبة (4/ 90)، والدارقطني (2/ 217)، والبيهقي (5/ 58).

قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إبراهيم بن يزيد الخوزي من قبل حفظه.

ج - جابر رضي الله عنه: رواه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 14) رقم 1052.

قال الحافظ التلخيص الحبير (2/ 240): أشار إليه الترمذي، ووصله أبو القاسم في الترغيب والترهيب، وإسناده خطأ. وراويه متروك وهو إسحاق بن أبي فروة.

د - ابن مسعود رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة في مسنده (1/ 224) رقم 330، وأبو يعلى (9/ 19) رقم 5086، وأبو نعيم الأصبهاني في مسند أبي حنيفة ص/ 213.

قال الهيثمي في المجمع (3/ 224): رواه أبو يعلى، وفيه رجل ضعيف.

(1)

انظر زاد المسير (1/ 190).

(2)

في "ذ": "الآداب".

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 87.

ص: 401

اجتهد في الدعاء قال: يا حيُّ يا قيومُ" رواه الترمذي

(1)

من رواية إبراهيم بن الفضل، وهو ضعيف.

و‌

‌يجتنب السجع

(2)

.

(1)

في الدعوات، باب 40، حديث 3436، وأبو يعلى (11/ 423) رقم 6545، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال الترمذي: حديث حسن. وقال الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية لابن علان (4/ 6): ورجاله ثقات إلا إبراهيم بن الفضل مولى بني مخزوم فإنهم اتفقوا على ضعفه، وقال البخاري: منكر الحديث، وفي التقريب: متروك.

وفي الباب عن أنس رضي الله عنه من طرق: رواه الترمذي في الدعوات، باب 92، حديث 3524، والنسائي في الكبرى (6/ 147) حديث 10405، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 381، 397 رقم 570، 612، 613، والبزار (4/ 25) رقم 3107، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 48، 299، رقم 48، 337، والحاكم (1/ 545)، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 285، 291) رقم 213، 218، وابن طهمان في مشيخته ص/ 115 رقم 60.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع (10/ 117): رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير عثمان بن موهب، وهو ثقة.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: رواه الحاكم (1/ 509)، وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: عبد الرحمن لم يسمع من أبيه، وعبد الرحمن ومن بعده ليسوا بحجة.

(2)

جاء في حاشية "ح" ما نصه: "قوله: ويجتنب السجع: قال في مختار الصحاح [ص/ 287]: السجع الكلام المقفى، والجمع أسجاع وأساجيع. قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية في فتاواه المصرية [2/ 215]: يكره للرجل أن يقصد السجع في دعائه، وإن كان وقوعه اتفاقًا لا يضر؛ فإن اقتصاد السجع يشغل القلب عما هو المقصود بالدعاء من التضرع". انتهى. وقال أيضًا في الفتاوى المصرية (1/ 257): من الاعتداء في الدعاء، أن يقصد السجع، ويشهق، ويشدق.

ص: 402

‌فصل فيما يكره في الصلاة وما يباح أو يستحب فيها

وما يتعلق بذلك

(يكره في الصلاة، التفات يسير) لحديث عائشة قالت: "سألت النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاةِ العبْد" رواه البخاري

(1)

(بلا حاجة) فإن كان لحاجة (كخوف) على نفسه أو ماله (ونحوه) أي نحو الخوف كمرض، لم يكره، لحديث سهل بن الحنظلية قال:"ثوب بالصلاة، فجعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلي، وهو يلتفتُ إلى الشعبِ" رواه أبو داود

(2)

. قال: "وكان أرسل فارسًا إلى الشعب

(3)

يحرس" وعليه يحمل ما روى ابن عباس: "كان صلى الله عليه وسلم يلتفتُ يمينًا وشمالًا، ولا يلوي عنقه"

(4)

رواه

(1)

البخاري في الأذان، باب 93، حديث 751، وبدء الخلق، باب 11، حديث 3291.

(2)

في الصلاة، باب 168 حديث 916، وفي الجهاد، باب 17، حديث 2501. ورواه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 30)، والنسائي في الكبرى (5/ 273، 274) رقم 8870، وابن خزيمة (1/ 246) رقم 487، وأبو عوانة (5/ 98)، والطبراني في الكبير (6/ 115) رقم 5619، والحاكم (1/ 237)، (2/ 83، 84)، والبيهقي (2/ 13). وفي دلائل النبوة (5/ 126)، والحازمي في الاعتبار ص/ 203، 204، وصحح إسناده الحاكم. ووافقه الذهبي. وقال في الموضع الثاني: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (4/ 26): رواه أبو داود بإسناد صحيح. وحسنه الحازمي في الاعتبار ص/ 204. والحافظ في الفتح (8/ 27).

(3)

في "سنن أبي داود" زيادة: "بالليل".

(4)

في النسائي و"المسند" زيادة: "خلف ظهره".

ص: 403

النسائي

(1)

.

(وتبطل) الصلاة (إن استدار) المصلي (بجملته، أو استدبرها) أي القبلة، لتركه الاستقبال بلا عذر. (ما لم يكن في الكعبة) فلا تبطل، لأنه إذا استدبر جهة، فقد استقبل أخرى.

(أو) في (شدة خوف) فلا تبطل إن التفت بجملته أو استدبر القبلة، لسقوط الاستقبال إذن.

وكذا إذا تغير اجتهاده. ولم يستثنها المصنف، لعدم الحاجة إليها، لأنه لم يستدبر القبلة، بل استدار إليها، لأنها صارت قبلته.

(ولا تبطل) الصلاة (لو التفت بصدره مع وجهه) لأنه لم يستدر بجملته.

(و)

‌ يكره في الصلاة (رفع بصره إلى السماء)

لحديث أنس قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما بالُ أقوامٍ يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم - فاشتد قوله

(1)

في السهو، باب 11، حديث 1200. ورواه الترمذي في الصلاة، باب 413، حديث 587، وفي العلل الكبير ص/ 98 - 99 رقم 169، وأحمد (1/ 275، 306)، وأبو يعلى (4/ 463) رقم 2592، وابن خزيمة (1/ 245) رقم 485، (2/ 42) رقم 871، وابن المنذر في الأوسط (3/ 95 - 96) رقم 1295، وابن حبان "الإحسان" (6/ 66) رقم 2288، والحاكم (1/ 236 - 237، 256)، والدارقطني (2/ 83)، والبيهقي (2/ 13)، والحازمي في الاعتبار ص/ 202، 203.

قال الترمذي: حديث غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 196): الحديث صحيح، وإن كان غريبًا لا يعرف إلا من هذا الطريق. وقال النووي في الخلاصة (1/ 481)، وفي المجموع (4/ 25): رواه الترمذي بإسناد صحيح.

ص: 404

في ذلك حتى قال -: لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم" رواه البخاري

(1)

.

و (لا) يكره رفع بصره إلى السماء (حال التجشؤ) إذا كان (في جماعة) لئلا يؤذي من حوله بالرائحة.

(و) يكره في الصلاة (تغميضه) نص عليه، واحتج بأنه فعل اليهود، ومظنة النوم (بلا حاجة، كخوفه محذورًا، مثل إن رأى أمته عريانة، أو) رأى (زوجته) كذلك (أو) رأى (أجنبية) كذلك (بطريق الأولى) إذ نظره إلى الأجنبية حرام بخلاف أمته وزوجته.

(و) تكره (صلاته إلى صورة منصوبة) نص عليه

(2)

، قال في "الفروع": وهو معنى قول بعضهم: صورة ممثلة؛ لأنه يشبه سجود الكفار لها، فدل أن المراد صورة حيوان محرمة؛ لأنها التي تعبد، وفيه نظر. وفي "الفصول": يكره أن يصلي إلى جدار فيه صورة وتماثيل؛ لما فيه من التشبه بعبادة الأوثان والأصنام. وظاهره: ولو كانت صغيرة لا تبدو للناظر إليها، وأنه لا تكره إلى غير منصوبة، ولا سجوده على صورة، ولا صورة خلفه في البيت، ولا فوق رأسه في سقف، أو عن أحد جانبيه، خلافًا لأبي حنيفة

(3)

.

(و) يكره (السجود عليها) أي الصورة عند الشيخ تقي الدين

(4)

، وقدم في "الفروع" كما سبق: لا يكره. قال ابن نصر الله: لأنه لا يصدق عليه أنه صلى إليها، والأصحاب إنما كرهوا الصلاة إليها، لا السجود عليها.

(1)

في الأذان، باب 92، حديث 750.

(2)

مسائل عبد الله (1/ 213 - 214) رقم 282 و 283.

(3)

انظر المبسوط (1/ 211)، وبدائع الصنائع (1/ 116)، وفتح القدير (1/ 414).

(4)

انظر شرح العمدة (2/ 504، 505)، والاختيارات الفقهية ص/ 68.

ص: 405

(ويكره حمله فصًا) فيه صورة (أو) حمله (ثوبًا ونحوه) كدينار، أو درهم (فيه صورة) وفاقًا.

(و) ت‌

‌كره صلاته (إلى وجه آدمي)

نص عليه (وفي الرعاية: أو حيوان غيره) والأول أصح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يعرض راحلته ويصلي إليها"

(1)

.

(و) يكره استقبال (ما يلهيه) لأنه يشغله عن إكمال صلاته، وعن عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "صلَّى في خميصة لها أعلامٌ، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف، قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفًا عن صَلاتي" متفق عليه

(2)

. والخميصة: كساء مربع، والأنبجانية، كساء غليظ.

ويكره استقباله شيئًا (من نار، ولو سراجًا، وقنديلًا ونحوه، كشمعة موقدة) لأن فيه تشبهًا بعبدة النار.

(و) يكره (حمله مما يشغله) عن إكمال صلاته؛ لأنه يذهب بالخشوع.

(و) يكره (إخرج لسانه، وفتح فمه، ووضعه فيه شيئًا) لأن ذلك يخرجه عن هيئة الصلاة.

و (لا) يكره وضع شيء (في يده وكمه) إلا إذا شغله عن كمالها، فيكره كما تقدم.

(و) تكره الصلاة (إلى متحدث)

(3)

(و) إلى (نائم) "لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة

(1)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 98، حديث 507، ومسلم في الصلاة، حديث 502، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته وهو يصلي إليها.

(2)

رواه البخاري في الصلاة، باب 14، حديث 373، وفي الأذان، باب 93، حديث 752، ومسلم في المساجد، حديث 556.

(3)

في "ح" و"ذ" زيادة: "لأن ذلك يشغله عن حضور قلبه في الصلاة".

ص: 406

إلى النائم والمتحدث" رواه أبو داود

(1)

(وكافر) لأنه نجس

(2)

(واستناد)

(3)

إلى جدار أو نحوه؛ لأنه يزيل مشقة القيام (بلا حاجة) إليه، فلا يكره معها، لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "لما أسنَّ وأخذه اللحمُ اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمدُ عليه" رواه أبو داود"

(4)

(فإن سقط) المصلي (لو أزيل) ما استند إليه (لم تصح) صلاته، لأنه بمنزلة غير القائم.

(و) يكره ابتداء الصلاة فيـ (ــما يمنع كمالها، كحر) مفرط (وبرد) مفرط (ونحوه) كجوع شديد؛ لأن ذلك يقلقه، ويشغله عن حضور قلبه في الصلاة.

(و) يكره (افتراشه ذراعيه ساجدًا) لحديث جابر، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إذا سجد أحدكم فليعتدلْ، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب" رواه الترمذي

(5)

وقال: حسن صحيح.

(1)

في الصلاة، باب 106، حديث 694. وأخرجه ابن ماجه في الإقامة، باب 40، حديث 959، والحاكم (4/ 270)، والبيهقي (2/ 279)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الخطابي في معالم السنن (1/ 186): هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لضعف سنده. وقال البيهقي: وهذا أحسن ما روي في هذا الباب، وهو مرسل. وقال في معرفة السنن (3/ 198): ويذكر من أوجه كلها ضعيف.

وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه. رواه الطبراني في الأوسط (6/ 118) رقم 5242. قال الهيثمي في المجمع (2/ 62): وفيه محمد بن عمرو بن علقمة، واختلف في الاحتجاج به. وقال الحافظ في الفتح (1/ 587): حديث واهٍ.

(2)

في "ذ" زيادة: "يعبث به".

(3)

في "ح": "استناده".

(4)

في الصلاة، باب 177، حديث 948. ورواه الطبراني في الكبير (25/ 177) رقم 434، والحاكم (1/ 264، 265)، والبيهقي (2/ 288) كلهم عن وابصة بن معبد، عن أم قيس بنت محصن. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين غير أنهما لم يخرجا لوابصة بن معبد لفساد الطريق إليه. ووافقه الذهبي.

(5)

في الصلاة، باب 205، حديث 275، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 21، حديث 891، وعبد الرزاق (2/ 171) رقم 2930، (3/ 16، 17) رقم 4623، =

ص: 407

(و) يكره (إقعاؤه) لخبر الحارث عن علي قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْعِ بين السجدتين"

(1)

. وعن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا رفعت رأسك من السجود، فلا تقع كما يقعي الكلبُ" رواهما ابن ماجه

(2)

(وهو) أي الإقعاء (أن يفرش

= وابن أبي شيبة (1/ 258، 259)، وأحمد (3/ 305، 315، 389)، وأبو يعلى (4/ 10، 191) رقم 2008، 2285، وابن خزيمة (1/ 325) رقم 644، وابن حبان في كتاب الصلاة، كما في إتحاف المهرة (3/ 182)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 1070) رقم 3098.

قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة.

وفي الباب عن أنس رضي الله عنه: رواه البخاري في الأذان، باب 141، حديث 822، ومسلم في الصلاة، حديث 493.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: رواه أبو داود في الصلاة، باب 158، حديث 901، وابن خزيمة (1/ 328) رقم 653، وابن حبان "الإحسان"(5/ 244) رقم 1917، والبيهقي (2/ 115).

(1)

رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 22، حديث 894. والترمذي في الصلاة، باب 93، حديث 282، وأحمد (1/ 146)، وعبد بن حميد (1/ 121) رقم 67، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 479) رقم 6175، 6176، والبيهقي (2/ 120)، (3/ 212).

قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه من حديث علي إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وقد ضعف بعض أهل العلم الحارث الأعور.

وضعف الحديث عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 9، 10)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 14) رقم 653، والبيهقي (2/ 120)، والحافظ في التلخيص الحبير (1/ 226).

(2)

رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 22، حديث 896. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 180): هذا إسناد ضعيف، قال ابن حبان والحاكم: العلاء أبو محمد روى عن أنس أحاديث موضوعة، وقال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال ابن =

ص: 408

قدميه، ويجلس على عقبيه) كذا فسره الإمام أحمد

(1)

، واقتصر عليه في "المغني" و"المقنع" و"الفروع". قال أبو عبيد

(2)

: هذا قول أهل الحديث، فأما عند العرب: فهو جلوس الرجل على أليتيه، ناصبًا فخذيه مثل إقعاء الكلب. قال في "المغني": لا أعلم أحدًا قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة، وقد ذكرت ما في ذلك في الحاشية.

(و) يكره (ابتداؤها) أي الصلاة (حاقنا) بالنون، وهو (من احتبس بوله، أو حاقبًا) بالموحدة تحت، وهو (من احتبس غائطه، أو) ابتداؤها (مع ريح محتبسة ونحوه) أي نحو ما ذكر مما يزعجه ويشغله عن خشوع الصلاة (أو) ابتداؤها (تائقًا) أي شائقًا (إلى طعام، أو شراب، أو جماع) لما روت عائشة:

= المديني: كان يضع الحديث. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 226): وفيه العلاء بن زيد، وهو متروك، وكذبه ابن المديني.

ورواه أحمد (3/ 233)، والبزار في كشف الأستار (1/ 266) رقم 549، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 478) رقم 6174، والبيهقي (2/ 120) بنحوه.

وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البيهقي (2/ 120). وأعله عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 10)، والحافظ في التلخيص الحبير (1/ 226)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 80): وإسناده حسن. وقال النووي في المجموع (3/ 379): رواه البيهقي بإسناد ضعيف.

وروى مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، حديث 498 عن عائشة رضي الله عنها:"وكان ينهى عن عقبة الشيطان".

قال النووي في الخلاصة (1/ 418، 420): قال الحفاظ: ليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح إلا حديث عائشة رضي الله عنها.

(1)

مسائل الكوسج (1/ 331) رقم 229، والأوسط (3/ 193).

(2)

انظر غريب الحديث (1/ 108 - 109، 210).

ص: 409

أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة طعامٍ، ولا وهو يدافعُه الأخبثان" رواه مسلم

(1)

. وألحق بذلك: ما في معناه مما سبق ونحوه (فيبدأ بالخلاء) ليزيل ما يدافعه من بول، أو غائط، أو ريح (و) ويبدأ أيضًا (بما تاق إليه) من طعام، أو شراب، أو جماع (ولو فاتته الجماعة) لما روى البخاري "كان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصلاةُ، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءةَ الإمامِ"

(2)

(ما لم يضق الوقت فلا يكره) ابتداء الصلاة كذلك (بل يجب) فعلها قبل خروج وقتها في جميع الأحوال.

(ويحرم اشتغاله بالطهارة إذن) أي حين ضاق الوقت، وكذا اشتغاله بأكل أو غيره، لتعين الوقت للصلاة.

(و‌

‌يكره) للمصلي (عبثه)

لما روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يعبث في الصلاة فقال: "لو خشع قلبُ هذا لخشعتْ جوارحه"

(3)

.

(1)

في المساجد، حديث 560.

(2)

رواه البخاري في الأذان، باب 42، حديث 673.

(3)

أورده السيوطي في الجامع الصغير (3/ 456)، وعزاه إلى الحكيم الترمذي من حديث أبي هريرة، ورمز لضعفه. قال العراقي في طرح التثريب (2/ 372): وفيه سليمان بن عمرو مجمع على ضعفه. قال المناوي في فيض القدير (5/ 319): رواه الحكيم الترمذي في النوادر عن صالح بن محمد، عن سليمان بن عمرو، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يعبث في الصلاة. . فذكره. قال الزين العراقي في شرح الترمذي: وسليمان بن عمرو هو: أبو داود النخعي، متفق على ضعفه، وإنما يُعرف هذا عن ابن المسيب.

وأثر سعيد: رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق ص/ 419، رقم 1188، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 194) رقم 151، وعبد الرزاق (2/ 266) رقم 3308 و 3309، وابن أبي شيبة (2/ 289). وقال العراقي في طرح التثريب (2/ 372): وفي إسناده من لم يسم. وانظر نوادر الأصول ص/ 184، 317، 352.

ص: 410

(و)

‌ يكره (تقليبه الحصى ومسه)

أي الحصى، لحديث أبي ذر مرفوعًا:"إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه" رواه أبو داود

(1)

.

(و)

‌ يكره (وضع يده على خاصرته)

لقول أبي هريرة: "نهي أن يصلي الرجل متخصِّرًا" متفق عليه

(2)

ولفظه للبخاري، ولفظ مسلم "نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم".

(و)

‌ يكره (تروحه بمروحة ونحوها)

لأنه من العبث (إلا لحاجة، كغم شديد) فلا يكره للحاجة (ما لم يكثر) من التروح، فيبطل الصلاة إن توالى.

و (لا) تكره (مراوحته بين رجليه فتستحب) لما روى الأثرم

(3)

بإسناده عن

(1)

في الصلاة، باب 175، حديث 945. ورواه الترمذي في الصلاة، باب 162، حديث 379، والنسائي في السهو، باب 7، حديث 1190، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 62، حديث 1027، والطيالسي ص/ 64، رقم 476، وعبد الرزاق (2/ 38) رقم 2398، 2399، والحميدي (1/ 70) رقم 128، وابن أبي شيبة (2/ 410، 411)، وأحمد (5/ 150، 163، 179)، والدارمي في الصلاة، باب 110، حديث 1395، وابن الجارود (1/ 198) رقم 219، وابن خزيمة (2/ 59) رقم 913، 914، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 61) رقم 1426، 1427، 1428، وابن حبان "الإحسان" (6/ 49، 51) رقم 2273، 2274، والبيهقي (2/ 284)، والبغوي (3/ 157، 158) رقم 662. قال الترمذي: حديث حسن. وقال النووي في المجموع (4/ 28): إسناده جيد. وقال في الخلاصة (1/ 485): حديث حسن. وقال الحافظ في بلوغ المرام (254): رواه الخمسة بإسناد صحيح.

(2)

البخاري في العمل في الصلاة، باب 17، حديث 1220، ومسلم في المساجد، حديث 545، ولفظهما:"مختصرًا"، ولفظ "متخصرا" ذكره الحافظ في فتح الباري (3/ 88). فلعل في بعض روايات صحيح البخاري "متخصرا".

(3)

لعله في سننه، ولم تطبع. ورواه النسائي في الافتتاح، باب 13، حديث 891، 892، وفي الكبرى (1/ 311) وقم 966، 967. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (2/ 318 - 319)، والبيهقي (2/ 288)، وقال: وحديث أبي عبيدة عن أبيه مرسل.

ص: 411

أبي عبيدة قال: "رأى عبد الله

(1)

رجلًا يصلي صافًا قدميه، فقال: لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل" ورواه النسائي، وفيه قال: "أخطأ السنة، لو راوح بينهما كان أعجب".

(كـ) ــما يستحب (تفريقهما) قال الأثرم: رأيت أبا عبد الله يفرق بين قدميه، ورأيته يراوح بينهما.

(وتكره كثرته) أي كثرة أن يراوح بين قدميه، لما روى النجاد

(2)

بإسناده عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه، ولا يميل ميل اليهود"

(3)

قال في "شرح المنتهى": وهو محمول على ما إذا لم يطل قيامه.

(و) تكره (فرقعة أصابعه) لما روى الحارث، عن علي يرفعه قال:"لا تقعقع أصابعك وأنتَ في الصلاةِ" رواه ابن ماجه

(4)

.

(1)

ابن مسعود. "ش".

(2)

في "ذ": "البخاري".

(3)

لعله في سننه، ولم تطبع. وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 620)، وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 304)، عن أبي بكر رضي الله عنه، وذكره السيوطي في "الجامع الصغير"(1/ 413)، وعزاه إلى ابن عدى، وأبي نعيم في الحلية، ورمز لضعفه.

(4)

في إقامة الصلاة، باب 42، حديث 965، وفي سنده الحارث الأعور، وهو ضعيف. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 190): هذا إسناد فيه الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف، وقد اتهمه بعضهم.

وقال النووي في الخلاصة (1/ 493): الحارث كذاب مجمع على ضعفه. وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 87): وهو معلول بالحارث.

وفي الباب عن معاذ بن أنس رضي الله عنه. رواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص/ 296، وأحمد (3/ 438)، والطبراني في الكبير (20/ 189، 190) رقم 419، 420، والدارقطني (1/ 175)، والبيهقي (2/ 289). وضعفه النووي في الخلاصة (1/ 493). قال الزيلعي في نصب الراية (2/ 87): وهو حديث ضعيف. =

ص: 412

(و) يكره (تشبيكها) أي الأصابع، لما روى كعب بن عجرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "رأى رجلًا قد شبك أصابعه في الصلاةِ، ففرجَ بينَ أصابعه" رواه الترمذي، وابن ماجه

(1)

، وإسناده ثقات. وقال ابن عمر في الذي يصلي، وقد شبك أصابعه:"تلك صلاةُ المغضوبِ عليهم" رواه ابن ماجه

(2)

.

(و) يكره للمصلي (لمس لحيته) لأنه من العبث.

(و) يكره (نفخه) لما تقدم، وربما ظهر منه حرفان، فتبطل صلاته.

(و) يكره (اعتماده على يده في جلوسه) لقول ابن عمر: "نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمدٌ على يدهِ" رواه أحمد، وأبو داود

(3)

(من غير حاجة) تدعو إليه.

(و) تكره (صلاته مكتوفًا، وعقص شعره) أي ليه وإدخال أطرافه في أصوله (وكفه) أي الشعر (وكف ثوبه ونحوه) أي نحو كفه الثوب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ولا أكف شعرًا ولا ثوبًا"

(4)

. ونهى أحمد

(5)

رجلًا كان إذا سجد جمع ثوبه

= وعن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا -. رواه ابن أبي شيبة (2/ 344). وفي سنده شعبة بن دينار مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال فيه ابن حجر في التقريب (2807): صدوق سيئ الحفظ.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 267) تعليق رقم 3.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 267) تعليق رقم 4.

(3)

أحمد (2/ 147)، وأبو داود في الصلاة، باب 187، حديث 992. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (2/ 197)، والحاكم (1/ 230)، والبيهقي (2/ 135). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(4)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 133، حديث 809، 810، ومسلم في الصلاة، حديث 490.

(5)

انظر فتح الباري لابن رجب (7/ 270).

ص: 413

بيده اليسرى. ونقل عبد الله: لا ينبغي أن يجمع ثيابه، واحتج بالخبر. ونقل ابن القاسم

(1)

: يكره أن يشمر ثيابه، لقوله:"ترب ترب"

(2)

. ذكر بعض العلماء

(3)

حكمة النهي: أن الشعر ونحوه يسجد معه

(4)

.

(و)

‌ يكره (تشمير كمه)

قاله في "الرعاية" لما تقدم (ولو فعلهما) أي عقص الشعر، وكف الثوب، ونحوه (لعمل قبل صلاته) فيكره له إبقاؤهما كذلك، لما سبق، ولحديث ابن عباس "أنه رأى عبدَ اللهِ بنَ الحارثِ يصلي ورأسُهُ معقوصٌ من ورائه، فقام، فجعل يحله، فلما انصرف أقبلَ إلى ابن عباس فقال: مَا لكَ ولرأسِي؟ قال سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوفٌ" رواه مسلم

(5)

.

(1)

انظر المدونة (1/ 96).

(2)

لم نجد من أخرجه بهذا اللفظ، وأخرج الترمذي في الصلاة، باب 163، حديث 381، 382، وابن أبي شيبة (2/ 265)، وأحمد (6/ 301، 323)، وأبو يعلى (12/ 385) رقم 6954، والدولابي (1/ 158)، وابن حبان "الإحسان"(5/ 241) حديث (1913)، والطبراني في "الكبير"(23/ 324، 325) رقم 742، 743، 744، 745، والحاكم (1/ 271)، وعنه البيهقي (2/ 252)، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: رأى النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا لنا، يقال له أفلح، إذا سجد نفخ، فقال:"يا أفلح، ترب وجهك".

قال الترمذي: وحديث أم سلمة إسناده ليس بذاك. . .، وضعفه - أيضًا - البيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(3)

شرح صحيح مسلم (4/ 209)، وفتح الباري لابن رجب (7/ 271)، وعمدة القاري (6/ 91).

(4)

وقيل: لأنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر. انظر فتح الباري لابن رجب، (7/ 270)، وفتح الباري (2/ 296).

(5)

في الصلاة، حديث 492.

ص: 414

(و) يكره (جمع ثوبه بيده إذا سجد) لما تقدم

(1)

.

(و) يكره (أن يخص جبهته بما يسجد عليه، لأنه شعار الرافضة) أي من شعارهم، أو جُلها.

و (لا) تكره (الصلاة على حائل صوف، وشعر، وغيرهما) كوبر (من حيوان كـ) ــما لا تكره الصلاة على (ما تنبته الأرض) من حشيش، وزرع، وقطن، وكتان ونحوها، وتقدم موضحًا (ولا على ما يمنع صلابة الأرض) حيث حصل المقر لأعضاء السجود، وتقدم.

(ويكره التمطي) لأنه يخرجه عن هيئة الخشوع، ويؤذن بالكسل (وإن تثاءب كظم عليه، ندبًا) لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاءب أحدكم في الصلاةِ فليكظمْ ما استطاعَ، فإن الشيطان يدخلُ في فمه" رواه مسلم

(2)

(فإن غلبه) التثاؤب ولم يقدر على الكظم (استحب وضع يده على فيه) لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "فليضع يدَه على فيه" رواه الترمذي

(3)

.

(ويكره مسح أثر سجوده) لحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن من

(1)

(2/ 413 - 414).

(2)

في الزهد، حديث 2995، (59)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وليس فيه:"في فمه".

(3)

في الأدب، باب 7، حديث 2746، وابن ماجه في الإقامة، باب 42، حديث 968، والحميدي (2/ 290) حديث 1161، وابن حبان "الإحسان"(6/ 122) رقم 2358. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ورواه البخاري في الأدب المفرد ص/ 327، 328 رقم (949، 951)، ومسلم في الزهد والرقائق، حديث (2995) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بنحوه.

ص: 415

الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته" رواه ابن ماجه

(1)

، ولذلك ذكر في "المغني": يكره إكثاره منه، ولو بعد التشهد.

(و) يكره (أن يكتب) بالبناء للمفعول في قبلته شيء (أو) أن (يعلق في قبلته شيء) لأنه يشغل المصلي.

(لا) يكره (وضعه) شيئًا في قبلته (بالأرض، ولذلك) أي لأجل أنه يكره أن يكتب أو يعلق في القبلة شيء (كره التزويق) في المسجد (وكل ما يشغل المصلي عن صلاته) لأنه يذهب بالخشوع (قال) الإمام (أحمد

(2)

: كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئًا حتى المصحف).

(و) تكره (تسوية التراب بلا عذر) لحديث معيقيب أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: "إن كنتَ فاعلًا فواحدة" متفق عليه

(3)

. ولأنه عبث.

(و) يكره (تكرار الفاتحة في ركعة) لأنها ركن، وفي إبطال الصلاة بتكرارها خلاف، ولأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولم تبطل الصلاة بتكرارها لأنه لا يخل بهيئة الصلاة، بخلاف الركن الفعلي (وفي المذهب) بضم الميم لابن الجوزي (والنظم: تكره القراءة المخالفة عرف البلد، أي) تكره (للإمام في قراءة يجهر بها، لما فيه من التنفير للجماعة) هذا معنى كلام ابن نصر الله في "شرح الفروع".

(1)

في الإقامة، باب 42، حديث 964، وابن عدي (7/ 2586)، والبيهقي (2/ 286). قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 189): هذا إسناد ضعيف. وقال البيهقي: وقد روي من أوجه أخر كلها ضعيفة.

(2)

انظر مسائل الكوسج (1/ 386) رقم 292.

(3)

البخاري: العمل في الصلاة، باب 8، حديث 1207، ومسلم في المساجد، حديث 546.

ص: 416

(و‌

‌من أتى بالصلاة على وجه مكروه، استحب أن يأتي بها على وجه غير مكروه،

ما دام وقتها باقيًا) وظاهره: ولو منفردًا، أو وقت نهي، لكن ما يأتي في أوقات النهي لا يساعده (لأن الإعادة مشروعة لخلل في) الفعل (الأول) والإتيان بها على وجه مكروه خلل في كمالها. ومنه تعلم أن العبادة إذا كانت على وجه مكروه لغير ذاتها، كالصلاة التي فيها سدل، أو من حاقن ونحوه، فيها ثواب، بخلاف ما إذا كانت مكروهة لذاتها، كالسواك بعد الزوال للصائم، فإنه نفسه مكروه، فلا ثواب فيه، بل يثاب على تركه. أشار إليه صاحب "الفروع" في شروط الصلاة.

(و‌

‌لا يكره جمع سورتين فأكثر في ركعة،

ولو في فرض) لما في "الصحيح" "أن رجلًا من الأنصار كان يؤمُّهم، فكان يقرأ قبلَ كل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

(1)

، ثم يقرأ سورة أخرى معها، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما يحملك على لزومِ هذه السورة؟ قال: إني أحبها، فقال: حبك إياها أدخلك الجنة"

(2)

.

(1)

سورة الإخلاص، الآية:1.

(2)

علقه البخاري في الأذان مجزومًا به، باب 106، حديث 774. ووصله الترمذي في فضائل القرآن، باب 11، حديث 2901، وأحمد (3/ 141، 150)، وعبد بن حميد (3/ 150، 151، 175) رقم 1304، 1372، والدارمي في فضائل القرآن، باب 23، حديث 3438، وأبو يعلى (6/ 83) حديث 3335، وابن خزيمة (1/ 269) رقم 537، والحاكم (1/ 240، 241)، والبيهقي (2/ 60، 61) والبغوي (4/ 475) رقم 690، والخطيب في تاريخه (5/ 263)، والضياء في المختارة (5/ 127، 128، 129) رقم 1749، 1750، جميعهم من طرق عن أنس رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه. وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها بنحوه. رواه البخاري في التوحيد، باب 1، حديث 7375، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 813.

ص: 417

وعن ابن عمر "أنه كان يقرأ في المكتوبة سورتين في كل ركعة" رواه مالك في "الموطأ"

(1)

.

وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: "لقد عرفت النظائر التي كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة" متفق عليه

(2)

.

(كـ) ــما لا يكره (تكرار سورة في ركعتين) لما روى زيد بن ثابت أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما" رواه سعيد

(3)

.

(وتفريقها) أي السورة (فيهما) أي في الركعتين، فلا يكره، لما روي عن عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان يقسم البقرة في الركعتين" رواه ابن ماجه

(4)

.

(ولا تكره قراءة أواخر السور، وأوساطها، كأوائلها) لعموم قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}

(5)

ولما روى أحمد، ومسلم، عن ابن عباس، أن النَّبيَّ

(1)

(1/ 79)، ولفظه:". . . وكان يقرأ أحيانًا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة. . . ". وأخرجه - أيضًا - بنحوه البيهقي (2/ 60).

(2)

البخاري في الأذان، باب 106، حديث 775، ومسلم في المسافرين، حديث 822.

(3)

لم نجده في المطبوع من سننه. وقد رواه البخاري في الأذان، باب 98، حديث 764 بلفظ:"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين".

والأولى: الاستدلال على هذه المسألة بحديث قراءته صلى الله عليه وسلم في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما. رواه أبو داود في الصلاة، باب 134، حديت 816، والبيهقي (2/ 390).

(4)

لم نجده في مظانه من سنن ابن ماجه، وقد رواه أبو يعلى (8/ 320) حديث 4924، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 274)، وقال: ورجاله ثقات. وقال البوصيري في إتحاف المهرة (6/ 176) رقم 5611: هذا إسناد صحيح.

(5)

سورة المزمل، الآية:20.

ص: 418

- صلى الله عليه وسلم: "كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية

(1)

وفي الثانية الآية في آل عمران: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية

(2)

"

(3)

.

(و‌

‌لا) يكره (ملازمة سورة يحسن غيرها

مع اعتقاده جواز غيرها) لما تقدم من ملازمة ذلك الأنصاري على {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

(4)

.

(و‌

‌تكره قراءة كل القرآن في فرض واحد)

لعدم نقله، وللإطالة، ولا تكره قراءته كله في نقل؛ لأن عثمان رضي الله عنه "كان يختم القرآنَ في ركعةٍ"

(5)

.

و (لا) تكره (قراءة) القرآن (كله في الفرائض على ترتيبه) قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة اليوم سورة، وغدًا التي تليها؟ قال: ليس في هذا شيء، إلا أنه روي عن عثمان: أنه فعل ذلك في المفصل وحده.

(1)

سورة البقرة، الآية:136.

(2)

سورة آل عمران، الآية:64.

(3)

أحمد (1/ 230)، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 727.

(4)

سورة الإخلاص، الآية:1.

(5)

رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق ص/ 452، 453 رقم 1277، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص/ 90، وابن سعد في الطبقات (3/ 76)، وابن أبي شيبة (1/ 367)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (4/ 1271، 1272)، والطبراني في الكبير (1/ 87) رقم 130، وأبو نعيم في الحلية (1/ 57)، جميعهم من طريق محمد بن سيرين قال: قالت امرأة عثمان رضي الله عنه حين أطافوا به يريدون قتله: إن تقتلوه أو تتركوه، فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن.

قال الهيثمي في المجمع (9/ 94): رواه الطبراني وإسناده حسن. وحسنه الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن ص/ 257.

والأثر علقه الترمذي في سننه (5/ 197) بصيغة التمريض.

ص: 419

(و‌

‌يسن رد مارٍ بين يديه

بدفعه) أي المار (بلا عنف آدميًا كان) المار (أو غيره) فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا لحديث أبي سعيد قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتازَ بين يَدَيْهِ فليدفعه، فإن أبي فليقاتله، فإنما هو شيطان" متفق عليه

(1)

. وعن ابن عمر مرفوعًا: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعنَّ أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين" رواه مسلم

(2)

.

(ما لم يغلبه) المار (فإن غلبه، ومر، لم يرده من حيث جاء) لأن فيه المرور ثانيًا بين يديه.

(أو يكن محتاجًا أو يكن في مكة المشرفة، فلا) يرد المار بين يديه، لأنه صلى الله عليه وسلم:"صلى بمكة والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة" رواه أحمد

(3)

وغيره، وألحق في "المغني": الحرم بمكة.

(وتكره صلاته بموضع يحتاج فيه إلى المرور) ذكره في "المذهب" وغيره (وتنقص صلاته إن لم يرده) أي المار بين يديه، نص عليه، روي عن

(1)

البخاري في الصلاة، باب 100، حديث 509، ومسلم في الصلاة، حديث 505.

(2)

في الصلاة، حديث 506.

(3)

المسند (6/ 399)، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 7)، وأبو داود في المناسك، باب 89، حديث 2016، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 461)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 23، 25) رقم 2607، 2609، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 101)، والطبراني في الكبير (20/ 290) رقم 685، كلهم من حديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه.

وقال الحافظ في الفتح (1/ 576): ورجاله موثقون إلا أنه معلول.

ص: 420

ابن مسعود: "إن ممر الرجل ليضع نصف الصلاة"

(1)

قال القاضي: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله، أما إذا لم يمكنه الرد فصلاته تامة، لأنه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة، ولا يؤثر فيها ذنب غيره (فإن أبى) المار أن يرجع حيث رده المصلي (دفعه بعنف، فإن أصر، فله قتاله، ولو مشى) قليلًا، لما من قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن أبى فليقاتله"

(2)

و (لا) يقاتله (بسيف ولا بما يهلكه، بل بالدفع والوكز باليد، ونحو ذلك، قاله الشيخ، وقال: فإن مات من ذلك) أي من الدفع والوكز باليد ونحوه (فدمه هدر، انتهى) لأنه تسبب عن فعل مأذون فيه شرعًا، أشبه من مات في الحد (ويأتي نحوه في باب ما يفسد الصوم) إذا أكره زوجته على الوطء دفعته بالأسهل، فالأسهل، ولو أفضى إلى ذهاب نفسه.

(فإن خاف إفساد صلاته بتكرار دفعه) بأن احتاج إلى عمل كثير (لم يكرره) أي الدفع، لئلا يفسد صلاته (ويضمنه) أي يضمن المصلي المار إن قتله (إذن) أي مع خوف فسادها (لتحريم التكرار لكثرته) التي تؤدي إلى إفساد الصلاة المشروع إتمامها. وظاهر كلامهم: سواء كان بين يديه سترة فمر دونها، أو لم تكن فمر قريبًا منه.

(ويحرم مروره بين مصل وسترته، ولو بعد عنها) لما روى أبو جهم

(3)

عبد الله بن الحارث بن الصمة قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي

(1)

أخرجه عبد الرزاق (2/ 25)، حديث 2342، وابن أبي شيبة (1/ 282)، والطبراني في "الكبير": حديث 9290، بنحوه.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 420) تعليق رقم 1، 2.

(3)

كذا في الأصول، والصواب:"أبو جهيم" مصغرًا، كما في كتب الحديث والرجال، وانظر الجرح والتعديل (9/ 355)، وتهذيب الكمال (33/ 209).

ص: 421

المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين

(1)

خيرًا له من أن يمر بين يديه" قال أبو النضر - أحد رواته -: لا أدري قال: "أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سنة" متفق عليه

(2)

. ولمسلم "لأن يقف أحدكم مائة عامٍ خيرٌ من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي".

(ومع عدمها) أي السترة بأن كان يصلي إلى غير سترة (يحرم) المرور (بين يديه قريبًا) منه (وهو ثلاثة أذرع فأقل بذراع اليد) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يقف أحدكم مائة عام خير من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي".

(وفي "المستوعب": إن احتاج) المار (إلى المرور ألقى شيئًا) بين يدي المصلي يكون سترة له (ثم مر) من ورائه (انتهى) فيكون مروره من وراء السترة.

(فإن مر) المار (بين يدي المأمومين، فهل) يسن (لهم رده، وهل يأثم بذلك) المرور؟ (احتمالان، وصاحب الفروع يميل إلى أن لهم) أي المأمومين (رده، وأنه يأثم بذلك) لعموم ما سبق، وعلى هذا: فسترة الإمام سترة لمن خلفه بالنسبة إلى عدا قطع صلاتهم بمرور الكلب الأسود البهيم بين أيديهم فقط (كذا ذكره عنه) القاضي أحمد بن محب الدين (بن نصر الله) البغدادي (في شرح الفروع.

وليس وقوفه) بين يدي المصلي (كمروره) لظاهر ما تقدم من الأخبار.

قلت: وكذا تناوله شيئًا من بين يديه من غير مرور.

(وله) أي المصلي (عد التسبيح) بأصابعه (و) له عد (الآي بأصابعه بلا

(1)

في "ذ" زيادة: "خريفًا".

(2)

البخاري في الصلاة، باب 101، حديث 510، ومسلم في الصلاة، حديث 507.

ص: 422

كراهة فيهما) لما روى أنس قال: "رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه"

(1)

رواه محمد بن خلف

(2)

، وعد التسبيح في معنى عد الآي، وتوقف أحمد في عد التسبيح لأنه يتوالى لقصره، فيتوالى حسابه، فيكثر العمل بخلاف عد الآي (كـ) ــعد (تكبيرات العيد) وصلاة الاستسقاء فيباح.

(وله) أي المصلي (قتل حية وعقرب) لحديث أبي هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب" رواه الخمسة

(3)

، وصححه الترمذي.

(1)

لم نجده من حديث أنس رضي الله عنه، وروى ابن عدي (7/ 2499) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدُّ الآي في الصلاة"، وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 390)، والبيهقي (2/ 253) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح".

(2)

لعله: ابن راجح بن بلال المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفى سنة 618 هـ رحمه الله. انظر ذيل طبقات الحنابلة (2/ 124)، وسير أعلام النبلاء (22/ 156).

(3)

أبو داود في الصلاة، باب 169، حديث 921، والترمذي في الصلاة، باب 170، حديث 390، والنسائي في السهو، باب 12، حديث 1201، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 146، حديث 1245، وأحمد (2/ 233، 248، 255، 284، 473، 475، 490). ورواه - أيضًا - الطيالسي ص/ 331 حديث (2538، 2539)، وعبد الرزاق (1/ 449) حديث 1754، والدارمي في الصلاة، باب 178، حديث 1512، وابن الجارود (1/ 194، 195) حديث 213، وابن خزيمة (3/ 41) حديث 869، وابن حبان "الإحسان"(6/ 115 - 116) حديث 2351، 2352، والحاكم (1/ 256)، وابن حزم (3/ 85)، والبيهقي (2/ 266)، والبغوي (3/ 267، 268) حديث 744، 745. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ص: 423

(و) له قتل (قملة) لأن عمر، وأنسًا، والحسن البصري، كانوا يفعلونه

(1)

، ولأن في تركها أذى له إن تركها على جسده، ولغيره إن ألقاها، وهو عمل يسير، فلم يكره، وقال القاضي: التغافل عنها أولى، وفي معناها البرغوث.

(و) له (لبس ثوب، وعمامة، ولفها، وحمل شيء ووضعه) لما روى وائل بن حجر: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم التحف بإزاره وهو في الصلاة"

(2)

وتقدم حمله صلى الله عليه وسلم أمامة

(3)

، وكذا إن سقط رداؤه فله رفعه، ولأنه عمل يسير.

(و) له (إشارة بيد، ووجه، وعين) لما روى أنس: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة" رواه الدارقطني بإسناد صحيح، وأبو داود

(4)

، ورواه الترمذي من حديث ابن عمر

(5)

، وقال: حسن صحيح (ونحوه) أي نحو ما ذكر من الأعمال

(1)

أثر عمر رضي الله عنه، رواه ابن أبي شيبة (2/ 367). وأثر أنس رضي الله عنه، رواه ابن أبي شيبة (1/ 368)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 277) رقم 1649.

(2)

أخرجه مسلم في الصلاة، حديث 401.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 299)، تعليق رقم 4.

(4)

الدارقطني (2/ 84)، وأبو داود في الصلاة، باب 174، حديث 943. ورواه عبد الرزاق (2/ 258) حديث 3276، ومن طريقه أحمد (3/ 138)، وعبد بن حميد (3/ 85) حديث 1160، وأبو يعلى (6/ 266، 278) حديث 3569، 3588، وابن خزيمة (2/ 48) حديث 885، والبيهقي (2/ 262). وصححه النووي في المجموع (4/ 104).

(5)

الترمذي في الصلاة، باب 154، حديث 368، وأبو داود في الصلاة، باب 169، حديث 927، وابن أبي شيبة (2/ 74)، وأحمد (6/ 12)، والبزار في مسنده (4/ 194، 195) رقم 1353، 1354، 1355، وابن الجارود (1/ 195) رقم 215، والروياني (2/ 11، 19) رقم 738، 756، والطحاوي (1/ 453، 454)، والشاشي (2/ 351) رقم 947، والطبراني في الكبير (1/ 342) رقم 1027، والدارقطني (2/ 84)، والبيهقي (2/ 262) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت =

ص: 424

اليسيرة، كحك جسده يسيرًا (لحاجة) لأنه عمل يسير، أشبه حمل أمامة

(1)

، وفتح الباب لعائشة

(2)

(وإلا) يكن لحاجة (كره) لأنه عبث (ما لم يطل).

قال في "المبدع": راجع إلى قوله: وله رد المار بين يديه - إلى آخره (ولا يتقدر اليسير بثلاث ولا) بـ (ــغيرها من العدد، بل) اليسير ما عده (العرف) يسيرًا لأنه لا توقيف فيه، فيرجع للعرف، كالقبض، والحرز.

(وما شابه فعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم) في حمل أمامة، وفتحه الباب لعائشة، وتأخره في صلاة الكسوف وتقدمه

(3)

، (فهو يسير) لا تبطل الصلاة بمثله لأنه المشروع.

= لبلال وفي رواية: قلت لبلال أو لصهيب: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه، وهو في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 299) تعليق رقم 4.

(2)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 169، حديث 922، والترمذي في الصلاة، باب 68، حديث 601، والنسائي في السهو، باب 14، حديث 1205، والطيالسي ص/ 207 حديث 1468، وأحمد (6/ 31، 183، 234)، وأبو يعلى (7/ 374) حديث 4406، وابن حبان "الإحسان"(6/ 119) حديث 2355، والدارقطني (2/ 80)، والبيهقي (2/ 265، 266)، والبغوي (3/ 270) حديث 747 عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحت، فمشى ففتح لي، ثم رجع إلى مصلاه.

قال الترمذي: حديث حسن غريب.

(3)

روى البخاري في العمل في الصلاة، باب 11، حديث 1213، ومسلم في الكسوف، حديث 901 (3) في حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا - وفيه: ولقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت.

ص: 425

(وإن قتل القملة في المسجد أبيح دفنها فيه إن كان) المسجد (ترابًا ونحوه) كالحصى، والرمل، لأنه لا تقذير فيه، وهي طاهرة، على ما تقدم. قال في "المبدع": وظاهره: أنه يباح قتلها فيه، وهو المنصوص، وعليه أن يخرجها ويدفنها

(1)

. قيل للقاضي: يكره قتلها ودفنها فيه كالنخامة؟ فقال: دفن النخامة كفارة لها، فإذا دفنها كأنه لم يتنخم، فكذا القملة، وفيه نظر، لأن أعماقه تجب صيانتها عن النجاسة، كظاهره بخلافها اهـ. وهذا النظر إنما يتم على القول بنجاسة ميتة ما لا نفس له سائلة، والمذهب طهارتها فلا يتأتى التنظير.

(فإن طال عرفًا فعل فيها) أي في الصلاة، وكان ذلك الفعل (من غير جنسها غير متفرق أبطلها) إجماعًا، قاله في "المبدع"(عمدًا، كان أو سهوًا) أو جهلًا؛ لأنه يقطع الموالاة، ويمنع متابعة الأركان، ويذهب الخشوع فيها، ويغلب على الظن أنه ليس فيها، وكل ذلك مناف لها، أشبه ما لو قطعها (ما لم تكن ضرورة) فإن كانت (كحالة خوف، وهرب من عدو ونحوه) كسيل، وسبع، ونار، لم تبطل إلحاقًا له بالخائف (وعد) أبو الفرج عبد الرحمن (ابن الجوزي من الضرورة إذا كان به حك لا يصبر عنه).

وعلم مما تقدم: أن‌

‌ العمل المتفرق لا يبطل الصلاة،

لأنه صلى الله عليه وسلم "أم الناس في المسجد فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب، وإذا سجد وضعها" رواه مسلم

(2)

، وللبخاري

(3)

نحوه. و"صلَّى صلى الله عليه وسلم على المنبر وتكرر صعوده ونزوله

(1)

في هامش الأصل: "أي أو. . ."، وفي "ح":"أو يدفنها".

(2)

في المساجد، حديث 543.

(3)

في الصلاة، باب 106، حديث 516، والأدب، حديث 5996.

ص: 426

عنه" متفق عليه

(1)

.

(و‌

‌إشارة أخرس مفهومة، أو لا كعمل)

أي كفعله دون قوله؛ لأنه

(2)

فعل لا قول، فلا تبطل بها الصلاة إلا إذا كثرت عرفًا وتوالت.

(و‌

‌لا تبطل) الصلاة (بعمل القلب،

ولو طال) لعموم البلوى به (ولا بإطالة نظر في) شيء من (كتاب) أو غيره حتى (إذا قرأ) ما فيه (بقلبه ولم ينطق بلسانه) روي عن أحمد أنه فعله (مع كراهته) للخلاف في إبطاله الصلاة، ولأنه يذهب الخشوع.

(ولا أثر لعمل غيره)

أي المصلي (كمن مص ولدها) أو ولد غيرها (ثديها) رهي تصلي (فنزل لبنها) ولو كان كثيرًا، فلا تبطل صلاتها، لعدم المنافي.

(و‌

‌يكره السلام على المصلي)

قاله ابن عقيل، وقدمه في "الرعاية"، لأنه ربما غلط فرد بالكلام (والمذهب: لا) كره السلام على المصلي، نص عليه

(3)

، وفعله ابن عمر

(4)

، لقوله تعالى:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ}

(5)

أي أهل دينكم. ولأنه صلى الله عليه وسلم حين سلم عليه أصحابه لم ينكر ذلك

(6)

.

(1)

البخاري في الصلاة، باب 18، حديث 377، وفي الجمعة، باب 26، حديث 91، ومسلم في المساجد، حديث 544، عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

(2)

في "ح" و"ذ": "لأنها".

(3)

انظر مسائل أبي داود ص/ 37، ومسائل ابن هانئ (1/ 44) رقم 211، ومسائل الكوسج (1/ 368 - 369) رقم 271.

(4)

أخرجه مالك (1/ 168)، وعبد الرزاق (2/ 336)، رقم 3595، وابن أبي شيبة (2/ 74)، والبيهقي (2/ 259).

(5)

سورة النور، الآية:61.

(6)

تقدم تخريجه (2/ 424) تعليق رقم 5.

ص: 427

(وله) أي المصلي (رده) أي السلام (بإشارة) روى الترمذي وقال: حسن صحيح، عن ابن عمر، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "كان يشير في صلاته"

(1)

، وكذا روى أبو داود والدارقطني عن أنس

(2)

. وعلم منه: أنه لا يجب عليه رده إشارة، ولا يرده في نفسه، بل يستحب بعدها، لرده صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد السلام

(3)

.

(فإن رده) أي رد المصلي السلام (لفظًا، بطلت) الصلاة، لأنه خطاب آدمي، أشبه تشميت العاطس (ولو صافح) المصلي (إنسانًا بربد السلام عليه، لم تبطل) صلاته؛ لأنه عمل يسير، ولم يوجد منه كلام.

(وله) أي المصلي (أن يفتح على إمامه إذا أرتج) بالبناء للمفعول وتخفيف الجيم كأنه منع من القراءة، من أرتجت الباب إرتاجًا، أغلقته إغلاقًا وثيقًا (عليه) أي الإمام (أو غلط) في قراءة السورة، فرضًا كانت الصلاة أو نفلا،

(1)

تقدم تخريجه (2/ 424) تعليق رقم 5.

(2)

أبو داود في الصلاة، باب 174، حديث 943. والدارقطني (2/ 84). وتقدم تخريجه (2/ 424) تعليق رقم 4.

(3)

علقه البخاري مجزومًا به في التوحيد، باب 42، ورواه أبو داود في الصلاة باب 170، حديث 924، والنسائي في السهو، باب 20، حديث 1220، والطيالسي ص/ 33 حديث 245، والشافعي (1/ 119)، وعبد الرزاق (2/ 335)، حديث 3594، والحميدي (1/ 52) حديث 94، وابن أبي شيبة (2/ 73)، وأحمد (1/ 377، 435، 463)، وأبو يعلى (8/ 384) حديث 4971، والطحاوي (1/ 451، 455)، وابن حبان "الإحسان"(6/ 15، 17) رقم 2243، 2242، والطبراني في الكبير (10/ 134، 136) حديث 10120، 10124، والبيهقي (2/ 356)، والبغوي (3/ 234) حديث 723. قال النووي في المجموع (4/ 32): رواه أبو داود بهذا اللفظ بإسناد حسن.

ص: 428

روي ذلك عن عثمان، وعلي، وابن عمر

(1)

، لما روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم "صلى صلاة فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟ " رواه أبو داود

(2)

. قال الخطابي

(3)

: إسناده جيد. ولأن ذلك تنبيه في الصلاة بما هو مشروع فيها، أشبه التسبيح.

(ويجب) الفتح على إمامه إذا أرتج عليه، أو غلط (في الفاتحة) لتوقف صحة صلاته على ذلك (كـ) ــما يجب تنبيهه عند (نسيان سجدة، ونحوها) من الأركان.

(وإن عجز المصلي عن إتمام الفاتحة بالإرتاج عليه، فكالعاجز عن القيام في أثناء الصلاة، يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه، ولا يعيدها) كالأمي (فإن كان) من عجز عن إتمام الفاتحة في أثناء الصلاة (إمامًا صحت صلاة الأمي خلفه) لمساواته له (والقارئ يفارقه) للعذر (ويتم لنفسه) لأنه لا يصح ائتمام القارئ بالأمي، هذا قول ابن عقيل. وقال

(1)

أثر عثمان رضي الله عنه: رواه عبد الرزاق (2/ 142) حديث 2825، وابن أبي شيبة (2/ 72).

وأثر علي رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (2/ 72)

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: رواه عبد الرزاق (2/ 142، 143) حديث 2826، وابن أبي شيبة (2/ 73)

(2)

في الصلاة، باب 163، حديث 907، وابن حبان "الإحسان"(6/ 13، 14) حديث 2242، والطبراني في الكبير (12/ 313) حديث 13216، والبيهقي (3/ 212)، والبغوي (3/ 159، 160) حديث 665. وقد أعل هذا الحديث أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 77، 78) رقم 207، وأما النووي في الخلاصة (1/ 503) فقال: رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(3)

معالم السنن (1/ 216).

ص: 429

الموفق: والصحيح أنه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة تفسد صلاته، لأنه قادر على الصلاة بقراءتها، فلم تصح صلاته لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"

(1)

. ولا يصح قياس هذا على الأمي؛ لأن الأمي لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت، لم تصح صلاته بدونها، وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف فيه، ويصلي. ولا يصح قياسه على أركان الأفعال؛ لأن خروجه من الصلاة لا يزيل عجزه عنها، بخلاف هذا.

(وإن استخلف الإمام) الذي عجز عن إتمام الفاتحة في أثناء الصلاة (من يتم بهم) صلاتهم (وصلى معه، جاز) ذلك، لأنه محل ضرورة، وكذا لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام به كالركوع، فإنه يستخلف من يتم بهم، وكذا لو حصر عن قول من الواجباب، وتقدم في النية.

(و‌

‌لا يفتح) المصلي (على غير إمامه)

مصليًا كان أو غيره، لعدم الحاجة إليه (فإن فعل كره) لما مر (ولم تبطل) الصلاة به؛ لأنه قول مشروع فيها.

(و‌

‌يكره لعاطس الحمد بلفظه)

أي أن يتلفظ بالحمد، للخلاف في كونه مبطلًا للصلاة (ولا تبطل) الصلاة (به) لأنه من جنس الصلاة مشروع فيها في الجملة.

(ويحمد) العاطس (في نفسه). نقل أبو داود

(2)

: يحمد في نفسه ولا يحرك لسانه. ونقل صالح

(3)

: لا يعجبني صوته بها.

(ومن دعاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وجبت عليه إجابته في الفرض والنفل) لقوله

(1)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 95، حديث 756، ومسلم في الصلاة، حديث 394.

(2)

مسائل الإمام أحمد ص/ 37.

(3)

انظر مسائله (3/ 70) رقم 1359.

ص: 430

تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}

(1)

(وتبطل) الصلاة (به) أي بجوابه للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كتاب آدمي.

(و‌

‌يجيب) المصلي (والديه في نفل فقط)

(2)

لتقدم حقهما وبرهما عليه، بخلاف الفرض، (وتبطل) الصلاة (به) أي بجوابه لأبويه لما تقدم.

(و‌

‌يجوز إخراج الزوجة من النفل لحق الزوج)

لأنه واجب، فيقدم على النفل، بخلاف الفرض، وكذا حكم القنّ.

(فإن قرأ آية فيها ذكره صلى الله عليه وسلم) نحو {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}

(3)

(صلى عليه) صلى الله عليه وسلم استحبابًا لتأكد الصلاة عليه كلما ذكر اسمه (في نفل) نص عليه (فقط) قال في "الفروع": وأطلقه بعضهم (ولا يبطل الفرض به) أي بأن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم لأنه قول مشروع في الصلاة.

(ويجب رد كافر معصوم) بذمة، أو هدنة، أو أمان (عن بئر ونحوه) كحية تقصده (كـ) ـــرد (مسلم) عن ذلك بجامع العصمة.

(و) يجب (إنقاذ غريق ونحوه) كحريق (فيقطع الصلاة لذلك) فرضًا كانت أو نفلًا. وظاهره: ولو ضاق وقتها، لأنه يمكن تداركها بالقضاء، بخلاف الغريق ونحوه (وإن أبى قطعها) أي الصلاة لإنقاذ الغريق ونحوه أثم، و (صحت) صلاته، كالصلاة في عمامة حرير.

(وله) أي ا‌

‌لمصلي (إن فر منه غريمه، أو سرق متاعه،

أو ند بعيره، ونحوه) كما لو أبق عبده (الخروج في طلبه) لما في التأخير من لحوق الضرر له.

(1)

سورة الأنفال، الآية:24.

(2)

وجوبًا. "ش".

(3)

سورة الفتح، الآية:29.

ص: 431

(وإن نابه) أي أصابه (شيء في الصلاة مثل سهو إمامه، أو استئذان إنسان عليه: سبح رجل. ولا يضر) أي لا تبطل الصلاة بالتسبيح (لو كثر) لأنه قول من جنس الصلاة (وكذا لو كلمه إنسان بشيء فسبح) المصلي (ليعلم) المكلم له (أنه في صلاة، أو خشي) المصلي (على إنسان الوقوع في شيء، أو أن يتلف شيئًا، فسبح به ليتركه، أو ترك إمامه ذكرًا فرفع) المأموم (صوته به ليذكره ونحوه) لما روى سهل بن سعد قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا نابكم شيء في صلاتكم فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء" متفق عليه

(1)

. وعن علي قال: "كنت إذا استأذنت على النَّبي صلى الله عليه وسلم فإن كان في صلاة سبح، وإن كان في غير صلاة أذن"

(2)

.

(ويباح) التنبيه (بقراءة، وتكبير، وتهليل، ونحوه) كتحميد واستغفار، لأنه من جنس الصلاة.

(ويكره) التنبيه (بنحنحة) للاختلاف في إبطالها (و) يكره بـ (ــصفير كتصفيقه) لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}

(3)

.

(1)

البخاري في الأذان، باب 48، حديث 684، والعمل في الصلاة، حديث 1204، و 1218، ومسلم في الصلاة، حديث 421.

(2)

رواه النسائي في السهو، باب 17، حديث 1210، 1211، 1212، وأحمد (1/ 77) والبزار (3/ 100) حديث 881، 882، وأبو يعلى (1/ 444) حديث 592، وابن خزيمة (2/ 54) حديث 904، والبيهقي (2/ 247)، وقال: مختلف في إسناده ومتنه، فقيل: سبح، وقيل: تنحنح، ومداره على عبد الله بن نجي الحضرمي، قال البخاري: فيه نظر. وضعفه غيره. وقال أيضًا: "وكيف ما كان فعبد الله بن نُجي غير محتج به".

ورواية: "تنحنح" أخرجها ابن ماجه في الأدب، باب 17، حديث 2708، وابن أبي شيبة (2/ 342).

(3)

سورة الأنفال، الآية:35.

ص: 432

(وتسبيحها) أي: ويكره التنبيه من المرأة بالتسبيح، لحديث سهل بن سعد، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجالِ والتصفيقُ للنساءِ"

(1)

وعن أبي هريرة مثله

(2)

، متفق عليهما.

(وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى) معطوف على سبح رجل، وتقدم دليله، قال في "الفروع": وظاهر ذلك لا تبطل بتصفيقها على وجه اللعب، ولعله غير مراد، وتبطل به لمنافاته الصلاة، وفاقًا للشافعي

(3)

، والخنثى كامرأة.

(وإن كثر) التصفيق (أبطلها) لأنه عمل من غير جنس الصلاة، فأبطلها كثيره، عمدًا كان أو سهوًا.

(ولو عطس فقال: الحمد لله، أو لسعه شيء) من حية، أو عقرب، أو غيرهما (فقال: باسم الله، أو سمع) ما يغمه (أو رأى ما يغمه، فقال: إنا للهِ وإنا إليه راجعون، أو) سمع، أو (رأى ما يعجبه فقال: سبحان الله، أو قيل له: ولد لك غلام، فقال: الحمد لله، أو احترق دكانه ونحوه فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، كره) للاختلاف في إبطاله الصلاة (وصحت) للأخبار

(4)

. قاله في "المبدع".

(وكذا لو خاطب بشيء من القرآن كأن يستأذن عليه، فيقول:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}

(5)

أو يقول لمن اسمه يحيى: {يَايَحْيَى خُذِ

(1)

تقدم تخريجه (2/ 432) تعليق رقم 1.

(2)

البخاري في العمل في الصلاة، باب 5، حديث 1203، ومسلم في الصلاة، حديث 422.

(3)

انظر المجموع (4/ 12).

(4)

قد ورد في العطاس ما رواه مسلم في المساجد، حديث 537.

(5)

سورة الحجر، الآية:46.

ص: 433

الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}

(1)

) لما روى الخلال

(2)

بإسناده عن عطاء بن السائب قال: "استأذنا على عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يصلي فقال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}

(3)

، فقلنا: كيف صنعت؟ فقال: استأذنا على عبد الله بن مسعود وهو يصلي، فقال:{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}

(3)

" ولأنه قرآن، فلم تفسد به الصلاة، كما لو لم يقصد به التنبيه. وقال القاضي: إذا قصد بالحمد الذكر، أو القرآن لم تبطل، وإن قصد خطاب آدمي بطلت، وإن قصدهما فوجهان.

فأما إن أتى بما لا يتميز به القرآن من غيره كقوله لرجل اسمه إبراهيم: يا إبراهيم ونحوه، فسدت صلاته؛ لأن هذا كلام الناس، ولم يتميز عن كلامهم بما يتميز به القرآن، أشبه ما لو جمع بين كلمات مفرقة من القرآن، فقال: يا إبراهيم خذ الكتاب الكبير.

(وإن بدره) أي المصلي (مخاط، أو بزاق) ويقال: بالسين، والصاد أيضًا (ونحوه) كنخامة (في المسجد، بصق في ثوبه) وحك بعضه ببعض، إذهابًا لصورته، لحديث أنس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قام أحدُكم في صلاتِه فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن قبل قبلته، لكن عن يساره أو تحت قدمه. ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه، ثم رد بعضه على بعض" رواه البخاري

(4)

، ولمسلم معناه من حديث أبي هريرة

(5)

. ولما فيه من صيانة المسجد عن البصاق فيه.

(1)

سورة مريم، الآية:12.

(2)

لم نجده.

(3)

سورة يوسف، الآية:99.

(4)

البخاري في الصلاة، باب 33، حديث 405، 417

(5)

مسلم في المساجد، حديث 550. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الصلاة، باب 34، 38، حديث 408، 416.

ص: 434

(و) يبصق ونحوه (في غيره عن يساره، وتحت قدمه) وفي أكثر النسخ: "عن يساره تحت قدمه"، ولعل فيه سقط الواو، أو ليوافق الخبر وكلام الأصحاب، قال بعض الأصحاب:(اليسرى) لأن بعض الأحاديث مقيد بذلك، والمطلق يحمل على المقيد، وإكرامًا للقدم اليمنى (للحديث الصحيح)

(1)

وتقدم.

(و) بصقه (في ثوب أولى، إن كان في صلاة) قال في "الوجيز": يبصق في الصلاة، أو المسجد في ثوبه، وفي غيرهما يسرة. وفيه نظر، قاله في "المبدع".

(ويكره) بصقه ونحوه (أمامه وعن يمينه) لخبر أبي هريرة: "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها" رواه البخاري

(2)

. ولأبي داود بإسناد جيد عن حذيفة مرفوعًا: "من تفل تجاه القبلة، جاء يوم القيامة وتفلُه بين عينَيْه"

(3)

ويلزم - حتى غير باصق ونحوه - إزالة البصاق ونحوه من المسجد، وسن تخليق محله.

(وتسن صلاة غير مأموم) إمامًا كان أو منفردًا (إلى سترة) مع القدرة عليها

(1)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 34، 35، 36، حديث 408 - 411، 414، ومسلم في المساجد، حديث 548، من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد، فتناول حصاة فحكها، فقال: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى.

(2)

في الصلاة، باب 38، حديث 416.

(3)

رواه أبو داود في الأطعمة، باب 41، حديث 3824. وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 365)، وابن خزيمة (2/ 63)، وابن حبان "الإحسان" (4/ 518) حديث 1639، والبيهقي (3/ 76).

ص: 435

بغير خلاف نعلمه، قاله في "المبدع"(ولو لم يخش) المصلي (مارًا) حضرًا كان أو سفرًا، لحديث أبي سعيد يرفعه:"إذا صلى أحدُكم فليصلِّ إلى سترة، وليدنُ منْها" رواه أبو داود، وابن ماجه

(1)

. وليس ذلك بواجب، لحديث ابن عباس:"أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى في فضاءٍ ليس بينَ يديه شيءٌ" رواه أحمد، وأبو داود

(2)

.

والسترة ما يستتر بها

(3)

(من جدار، أو شيء شاخص، كحربة أو آدمي غير كافر) لأنه يكره استقباله كما تقدم (أو بهيم) يعرضه، ويصلي إليه (أو غير ذلك، مثل آخرة الرحل، تقارب طول ذراع فأكثر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرَّحْل فليصل، ولا يبالي من يمر وراء ذلك" رواه مسلم

(4)

.

(1)

أبو داود في الصلاة، باب 108، حديث 698، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 39، حديث 954، وتقدم تخريجه (2/ 420)، تعليق 1.

(2)

أحمد (1/ 224). ولم يروه أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وإنما رواه من حديث الفضل بن عباس، في الصلاة، باب 114، حديث 718، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ومعه عباس، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة

وسيأتي (2/ 441)، تعليق رقم 1.

وحديث عبد الله بن عباس أخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (1/ 278)، وأبو يعلى (4/ 469) حديث 2601، والطبراني في الكبير (12/ 149) حديث 12728، والبيهقي (2/ 273)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 63)، وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه ضعف، وأعله ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 384) رقم 384 بالانقطاع.

وله شاهد من حديث الفضل بن العباس سيأتي (2/ 441)، تعليق رقم 1.

(3)

في "ح" و"ذ": "به".

(4)

في الصلاة، حديث 499، من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

ص: 436

(فأما قدرها) أي السترة (في الغلظ: فلا حد له، فقد تكون غليظة كالحائط أو دقيقة كالسهم) لأنه صلى الله عليه وسلم "صلى إلى حربةٍ وإلى بعيرٍ" رواه البخاري

(1)

.

(ويستحب قربه منها قدر ثلاثة أذرع من قدميه) لأنه صلى الله عليه وسلم: "صلى في الكعبة وبين يديه الجدارُ نحو من ثلاثة أذرعٍ" رواه أحمد، والبخاري

(2)

. ولأنه أصون لصلاته، فإن كان في مسجد قرب من الجدار، أو السارية، نحو ذلك، وإن كان في الفضاء فإلى شيء شاخص مما سبق.

(و) يستحب (انحرافه عنها) أي السترة (يسيرًا) لفعله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد، وأبو داود

(3)

من حديث المقداد بإسناد لين. قال عبد الحق

(4)

: وليس إسناده

(1)

حديث صلاته صلى الله عليه وسلم إلى حربة، أخرجه البخاري في الصلاة، باب 90، 92، حديث 494، 498. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الصلاة، حديث 501، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم إلى بعير، أخرجه البخاري في الصلاة، باب 98، حديث 507. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الصلاة حديث 502 عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

أحمد (2/ 113، 138)، والبخاري في الصلاة، باب 97، حديث 506، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

أحمد (6/ 4)، وأبو داود في الصلاة، باب 105، حديث 693. ورواه - أيضًا - الطبراني في الكبير (20/ 259) حديث 610، والبيهقي (2/ 271، 272)، كلهم من حديث المقداد بن الأسود. قال النووي في المجموع (3/ 210): رواه أبو داود ولم يضعفه؛ لكن في إسناده الوليد بن كامل وضعفه جماعة. وقال في الخلاصة (1/ 519): رواه أبو داود وضعفه الحفاظ. وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 244): وليس إسناده بقوي لكن عمل به جماعة من العلماء على ما ذكر أبو عمر بن عبد البر [التمهيد 4/ 197].

(4)

الأحكام الوسطى (1/ 244).

ص: 437

بقوي، لكن عليه جماعة من العلماء، على ما ذكر ابن عبد البر

(1)

(فإن لم يجد شاخصًا) يصلي إليه (وتعذر غرز عصى ونحوها) كسهم وحربة (وضعها) بالأرض، وصلى إليها. قال في "المبدع": ويكفي العصا بين يديه عرضًا، لأنها في معنى الخط (وعرضًا) أي وضع العصا ونحوها عرضًا (أعجب إلى أحمد من الطول) قال أحمد

(2)

: ما كان أعرض فهو أعجب إليَّ، وذلك لما روى سمرة

(3)

أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "استترُوا في الصلاة ولو بسهْمٍ" رواه الأثرم

(4)

. وقوله: "ولو بسهم" يدل على أن غيره أولى.

(ويكفي) في السترة (خيط ونحوه، و) كل (ما اعتقده سترة، فإن لم يجد خط خطًا) نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليجعلْ تلقاءَ وجهه شيئًا، فإن لم يجد فلينصبْ عصًا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطًا،

(1)

انظر التمهيد (4/ 197).

(2)

مسائل أبي داود ص/ 44.

(3)

كذا في الأصول، والصواب:"سبرة". وهو سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه.

(4)

لعله في سننه، ولم نقف عليها. ورواه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 187)، وابن أبي شيبة (1/ 278)، وأحمد (3/ 404)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 31) حديث 2570، 2571، وأبو يعلى (2/ 239) حديث 941، وابن خزيمة (2/ 13) حديث 810، وابن المنذر في الأوسط (5/ 88) حديث 2434، والطبراني في الكبير (7/ 114) حديث 6539 - 6542، والحاكم (1/ 252)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1417) حديث رقم 3586، والبيهقي (2/ 270) من حديث سبرة رضي الله عنه. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه ابن خزيمة. وقال البغوي في شرح السنة (2/ 403): هذا حديث حسن. وقال الهيثمي في المجمع (2/ 58): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح.

ص: 438

ولا يضره ما مر بين يديه" رواه أحمد، وأبو داود من حديث أبي هريرة

(1)

، وذكر الطحاوي

(2)

أن فيه رجلًا مجهولًا، وقال البيهقي

(3)

: لا بأس به في مثل هذا.

وصفته (كالهلال) لا طولًا، لكن قال في "الشرح": وكيفما خط أجزأه.

(ولا تجزئ سترة مغصوبة) كالصلاة في ثوب مغصوب (فالصلاة إليها)

(1)

أحمد (2/ 249، 255، 266)، وأبو داود في الصلاة، باب 103، حديث 689. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (3/ 71 - 72)، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 36، حديث 943، والطيالسي ص/ 338 رقم 2592، والحميدي (993)، وعبد الرزاق (2/ 12)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1/ 312) رقم 295، وعبد بن حميد (3/ 91) رقم 2438، 2439، وابن خزيمة (2/ 13) رقم 811، 812، وابن المنذر في الأوسط (5/ 91) رقم 2438، 2439، وابن حبان "الإحسان" (6/ 125، 138) حديث 2361، 2376، والبيهقي (2/ 270، 271)، والبغوي (2/ 451) رقم 541. وهذا الحديث قد أعله بعضهم بالاضطراب. انظر تهذيب الكمال للمزي (5/ 567).

وقال النووي في شرح مسلم (4/ 217): رواه أبو داود، وفيه ضعف واضطراب. وقال في الخلاصة (1/ 520): قال الحفاظ: هو ضعيف لاضطرابه. وقال البغوي: وفي إسناده ضعف. وقال ابن عبد البر في التمهيد (4/ 199): وهذا الحديث عند أحمد بن حنبل ومن قال بقوله حديث صحيح، وإليه ذهبوا. ورأيت أن علي بن المديني كان يصحح هذا الحديث ويحتج به.

وانظر تهذيب التهذيب (2/ 235، 236)، والعلل للدارقطني (10/ 278، 283) رقم 2010، والتقييد والإيضاح للعراقي ص/ 125 - 127، وقد ذكره أبو عمرو بن الصلاح في كتاب علوم الحديث مثالًا للمضطرب. ودفع الحافظ ابن حجر وهم الاضطراب. انظر النكت على ابن الصلاح (2/ 772، 774)، وبلوغ المرام ص/ 249، والتلخيص الحبير (1/ 286).

(2)

انظر التمهيد (4/ 200).

(3)

السنن الكبرى (2/ 271).

ص: 439

أي إلى السترة المغصوبة (كـ) الصلاة إلى (القبر) أي فتكره؛ لأن السترة المغصوبة كالبقعة المغصوبة، والصلاة إليها كالصلاة إلى القبر (وتجزئ) سترة (نجسة) قال في "الإنصاف": الصواب أن النجسة ليست كالمغصوبة، وقال في "المبدع": وسترة مغصوبة، ونجسة، كغيرها، قدمه في "الفروع"، وفيه وجه، فالصلاة إليها كالقبر. قال صاحب "النظم": وعلى قياسه سترة الذهب.

(فإذا مر شيء من وراء السترة لم يكره) للأخبار السابقة.

(وإن مر بينه) أي المصلي (وبينها) أي سترته كلب أسود بهيم (أو لم تكن له سترة فمر بين يديه قريبًا) منه (كقربه من السترة) أي في ثلاثة أذرع فأقل من قدمه (كلب أسود بهيم، وهو ما لا لون فيه سوى السواد، بطلت صلاته) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فإن لم يكن فإنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود" قال عبد الله بن الصامت: "ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر، من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت النَّبي صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: الكلبُ الأسودُ شيطان" رواه مسلم، وأبو داود، وغيرهما

(1)

.

(ولا تبطل الصلاة بمرور امرأة) لأن زينب بنت أبي سلمة "مرت بين يدي النَّبيِّ فلم يقطعْ صلاته" رواه أحمد، وابن ماجه بإسناد حسن

(2)

،

(1)

مسلم في الصلاة، حديث 510، وأبو داود في الصلاة، باب 110، حديث 702، والترمذي في الصلاة، باب 136، حديث 338، النسائي في القبلة، باب 7، حديث 749، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 38، حديث 952، وأحمد (5/ 149)، وعبد الرزاق (2/ 26) حديث 2347، وابن أبي شيبة (1/ 281)، وابن خزيمة (2/ 21) حديث 830، عن أبي ذر رضي الله عنه.

(2)

أحمد (6/ 294)، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 38، حديث 948. ورواه ابن أبي شيبة (1/ 283)، والطبراني في الكبير (23/ 362) حديث 851 من حديث أم سلمة رضي الله عنها. قال البوصيرى في الزوائد (1/ 187): هذا إسناد ضعيف.

ص: 440

(و) لا بمرور (حمار) لما روى الفضل بن عباس قال "أتانا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في الصحراء ليس بين يديه سترة، وحمارٌ لنا وكلبة يعبثان، فما بالي بذلك" رواه أبو داود

(1)

.

(و) لا بمرور (بغل، وشيطان، وسنور أسود، ولا بالوقوف، والجلوس) ولو من كلب أسود (قدامه) من غير مرور، اقتصارًا على مورد النص.

(و‌

‌لا يستحب لمأموم اتخاذ سترة)

لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يصلي إلى سترة دون أصحابه"(فإن فعل) أي اتخذ المأموم سترة (فليست سترة؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه) قال القاضي عياض

(2)

: اختلفوا في سترة الإمام: هل هي سترة لمن خلفه، أو هي سترة له خاصة، وهو سترة لمن خلفه، مع الاتفاق على أنهم مصلون إلى سترة انتهى. والمعنى أن سترة الإمام، سترة للمأموم سواء صلى خلف الإمام كما هو الغالب، أو عن جانبيه، أو قدامه، حيث صحت، أشار إليه ابن نصر الله في "شرح الفروع" (فلا يضر صلاتهم) أي المأمومين (مرور شيء بين أيديهم) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "هبطنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من ثنية إلى أخرى، فحضرت الصلاة، فعمد إلى

(1)

في الصلاة، باب 114، حديث 718، ورواه النسائي في القبلة، باب 7، حديث 752، وأحمد (1/ 211)، وأبو يعلى (12/ 94) حديث 6726، والطحاوي (1/ 459، 460)، والطبراني في الكبير (18/ 294، 295) رقم 754، 756، والدارقطني (1/ 369)، والبيهقي (2/ 278) والبغوي (2/ 461) رقم 549.

قال ابن حزم في المحلى (4/ 13): وهذا باطل؛ لأن العباس بن عبيد الله لم يدرك عمه الفضل.

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 344): إسناده ضعيف.

وقال النووي في المجموع (3/ 212): رواه أبو داود بإسناد حسن.

(2)

انظر إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 418).

ص: 441

جدار فاتخذه قبلة، ونحن خلفه، فجاءت بهيمةٌ تمر بين يديه، فما زال يدارِئها

(1)

حتى لصق بطنه بالجدار، فمرتْ من ورائه" رواه أبو داود

(2)

. فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق.

(وإن مر مما يقطع الصلاة) وهو الكلب الأسود البهيم (بين الإمام وسترته، قطع صلاته وصلاتهم) لأنه مر بينهم وبين سترتهم.

قال في "المبدع": فظاهره أن هذا فيما يبطلها خاصة، وأن كلامهم في نهي الآدمي عن المرور على ظاهره، وكذا المصلي لا يدع شيئًا يمر بين يديه. وقال صاحب "النظم": لم أر أحدًا تعرض لجواز مرور الإنسان بين يدي المأمومين، فيحتمل جوازه اعتبارًا بسترة الإمام له حكمًا، ويحتمل اختصاص ذلك بعدم الإبطال، لما فيه من المشقة على الجميع، وتقدم كلام ابن نصر الله.

(وله) أي المصلي (القراءة في المصحف ولو حافظًا) لما روي عن عائشة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أنها

(3)

كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف في

(1)

قال الخطابي [معالم السنن 1/ 191]: مهموز من الدرء. وفه قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} ومن رواه "يداريها" غير مهموز فقد أحال المعنى؛ إذ لا معنى هنا للمداراة التي تجري مجرى المساهلة في الأمور. "ش".

(2)

في الصلاة، باب 111، حديث 708. وأخرجه - أيضًا - بنحوه أحمد (2/ 196)، والبيهقي (2/ 268)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 193).

قال النووي في الخلاصة (1/ 523): رواه أبو داود بإسناد صحيح. وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. رواه ابن خزيمة (2/ 20) حديث 727، وابن حبان "الإحسان"(6/ 134، 135) حديث 2371، والطبراني في الكبير (11/ 338) حديث 11937، والحاكم (1/ 254).

قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.

(3)

في "ح": "أنه".

ص: 442

رمضان" رواه البيهقي

(1)

. قال الزهري

(2)

: "كان خيارنا يقرأون في المصاحف". والفرض والنفل سواء، قاله ابن حامد.

(وله السؤال، والتعوذ في فرض، ونفل، عند آية رحمة، أو عذاب) فيه لف ونشر مرتب. روى حذيفة قال: "صليت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائةِ ثم مضى، إلى أن قال: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ" مختصر رواه مسلم

(3)

، ولأنه دعاء وخير (حتى مأموم نصًا، ويخفض صوته) نقل الفضل: لا بأس أن يقوله مأموم ويخفض صوته.

"تتمة" قال أحمد

(4)

: إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}

(5)

في صلاة وغيرها قال: سبحانك، فبلى

(6)

، في فرض ونفل. ومنع منه ابن عقيل فيهما.

(1)

السنن الكبرى (3/ 88)، وليس فيه ذكر المصحف، وعلقه البخاري في الأذان، باب 54 (2/ 184)، ورواه ابن أبي شيبة (2/ 338)، وابن أبي داود في المصاحف ص/ 191، 192، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (2/ 291)، وانظر فتح الباري لابن رجب (6/ 168، 169).

(2)

انظر كتاب المصاحف لابن أبي داود ص/ 193.

(3)

في المسافرين، حديث 772.

(4)

انظر مسائل ابن منصور الكوسج (1/ 257 - 258).

(5)

سورة القيامة، الآية:40.

(6)

روى أبو داود في الصلاة، باب 153، حديث 884، وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3389) حديث 19073، والبيهقي (2/ 310)، والبغوي (3/ 105) رقم 624، جميعهم من طريق شعبة عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته، وكان إذا قرأ:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} قال: سبحانك، فبلى، فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ =

ص: 443

"فائدة" سئل بعض أصحابنا عن القراءة بما فيه دعاء، هل يحصلان له؟ فتوقف. ويتوجه الحصول، لخبر أبي ذر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم، فإنهما صلاة، وقرآن، ودعاء" رواه الحاكم

(1)

وقال: على شرط البخاري.

= ابن كثير في تفسيره (8/ 309): تفرد به أبو داود، ولم يسم هذا الصحابي، ولا يضر ذلك. ورواه الطبراني (30/ 201) عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة.

وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رواه أبو داود في الصلاة، باب 154، حديث 887، والترمذي في التفسير، باب 84، حديث 3347، والحميدي (2/ 437) رقم 995، وأحمد (2/ 249)، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 387 رقم 436، والحاكم (2/ 510)، والبغوي (3/ 104 - 105) رقم 623. قال الترمذي: هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي، عن أبي هريرة، ولا يسمى.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. انظر ميزان الاعتدال (3/ 388)، ولسان الميزان (6/ 454).

(1)

المستدرك (1/ 562) موصولًا. ورواه الدارمي في فضائل القرآن حديث 3393، وأبو داود في مراسيله ص/ 120 رقم 91.

قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط البخاري، وقد رواه عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح مرسلًا). وتعقبه الذهبي بقوله: ومعاوية لم يحتج به البخاري.

ص: 444

‌فصل تنقسم أقوال الصلاة، وأفعالها، إلى ثلاثة أضرب

الأول: ما لا يسقط عمدًا، ولا سهوًا، ولا جهلًا، وبعضهم يسميه: فرضًا، وبعضهم يسميه ركنًا، تشبيهًا له بركن البيت الذي لا يقوم إلا به؛ لأن الصلاة لا تتم إلا به، والخلف لفظي.

والضرب الثاني: ما تبطل الصلاة بتركه عمدًا، لا سهوًا، أو جهلًا، ويجبر بالسجود، وأطلقوا عليه: الواجبات اصطلاحًا.

الضرب الثالث: ما لا تبطل بتركه ولو عمدًا، وهو السنن، وقد ذكرها على هذا الترتيب، فقال:

(أركان الصلاة أربعة عشر)

للاستقراء، وعدها في "المقنع" و"الوجيز" وغيرهما، اثني عشر

(1)

. وفي "البلغة": عشرة، وعد منها النية.

(وهي) أي الأركان جمع ركن، وهو جانب الشيء الأقوى. واصطلاحًا:(ما كان فيها) احتراز عن الشرط (ولا يسقط عمدًا) خرج به السنن (ولا سهوًا، ولا جهلًا) خرج به الواجبات.

أحد الأركان: (القيام في فرض لقادر) عليه، لقوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}

(2)

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران: "صل قائمًا"

(3)

.

(سوى عريان) لما تقدم في ستر العورة.

(1)

في "ذ": "عشرا".

(2)

سورة البقرة، الآية:238.

(3)

أخرجه البخاري في التقصير، باب 19، حديث 1117.

ص: 445

(و) سوى (خائف به) أي بالقيام، كالمصلي بمكان له حائط يستره جالسًا لا قائمًا، ويخاف بقيامه لصًا، أو عدوًا. فيصلي جالسًا للعذر.

(ولمداواة) لمريض يمكنه القيام، لكن لا تمكن مداواته مع قيامه، فيسقط عنه. ويأتي في صلاة أهل الأعذار: لمريض يطيق قيامًا الصلاة مستلقيًا لمداواة، بقول طبيب مسلم ثقة.

(وقصر سقف لعاجز عن الخروج) لحبس، أو توكل به ونحوه.

(ومأموم خلف إمام الحي العاجز عنه) أي عن القيام (بشرطه) وهو أن يرجى زوال علته، ويأتي في صلاة الجماعة مفصلًا.

(وحده) أي القيام (ما لم يصر راكعًا) قاله أبو المعالي وغيره (ولا يضر خفض الرأس على هيئة الإطراق) لأنه لا يخرجه عن كونه يسمى قائمًا.

(والركن منه) أي القيام (الانتصاب بقدر تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة في الركعة الأولى، وفيما بعدها) أي بعد الركعة الأولى (بقدر قراءة الفاتحة فقط) لما تقدم: أن من عجز عن القراءة، وبدلها من الذكر، وقف بقدرها، وفي "الخلاف" و"الانتصار": بقدر التحريمة، بدليل إدراك المسبوق فرض القيام بذلك، ورده في "شرح الفروع"، بأن ذلك رخصة في حق المسبوق خاصة، لإدراك فضيلة الجماعة.

(وإن أدرك) المأموم (الإمام في الركوع فـ) ــالركن من القيام (بقدر التحريمة) لما تقدم.

(ولو وقف غير معذور على إحدى رجليه كره، وأجزأه في ظاهر كلام الأكثر) خلافًا لابن الجوزي في "المذهب"، قال: لم يجزئه. ونقل خطاب بن بشر

(1)

: لا أدري.

(1)

هو ابن مطر أبو عمر البغدادي المذكر المتوفى سنة 264 هـ، كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان صالحة (طبقات الحنابلة 1/ 152). ولم نقف على مسائله.

ص: 446

(وما قام مقام القيام، وهو القعود ونحوه) كالاضطجاع (للعاجز) عن القيام، أو عنه وعن القعود، (و) كالقعود في حق (المتنفل، فهو ركن في حقه) لقيامه مقام الركن.

(و)

‌ الثاني: (تكبيرة الإحرام)

لحديث: "تحريمها التكبير"

(1)

. (وليست) تكبيرة الإحرام (بشرط) حتى تكون من خارج الصلاة، خلافًا للحنفية

(2)

(بل هي من الصلاة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن" رواه مسلم

(3)

.

(و)

‌ الثالث: (قراءة الفاتحة

في كل ركعة على الإمام، والمنفرد، وكذا على المأموم) لحديث:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"

(4)

(لكن يتحملها الإمام عنه) أي عن المأموم للخبر

(5)

. قال ابن قندس: الذي

(1)

تقدم تخريجه (2/ 284) تعليق 1.

(2)

انظر بدائع الصنائع (1/ 130)، تبيين الحقائق (1/ 103)، فتح القدير (1/ 274).

(3)

في المساجد، حديث 537، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري في الأذان، باب 95، حديث 756، ومسلم في الصلاة، حديث 394 عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

(5)

روى ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 13، حديث 850، وابن أبي شيبة (1/ 377)، وأحمد (3/ 339)، وعبد بن حميد (3/ 27)، والطحاوي (1/ 217)، وابن عدي (2/ 542)، (6/ 2107)، والدارقطني (1/ 331)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 334)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام ص/ 150 رقم 344، والدينوري في المجالسة (3523) عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة.

وقد ضعف هذا الحديث جماعة من الأئمة، انظر جزء القراءة خلف الإمام للبخاري ص/ 9، والقراءة خلف الإمام للبيهقي ص/ 156، ومصباح الزجاجة (1/ 175) رقم 313.

وانظر التمهيد (11/ 48)، والاستذكار (4/ 188، 189)، ومجموع الفتاوى =

ص: 447

يظهر أن قراءة الإمام إنما تقوم عن قراءة المأموم: إذا كانت صلاة الإمام صحيحة، احترازًا عن الإمام إذا كان محدثًا، أو نجسًا، ولم يعلم ذلك، وقلنا: بصحة صلاة المأموم، فإنه لا بد من قراءة المأموم لعدم صحة صلاة الإمام، فتكون قراءته غير معتبرة بالنسبة إلى ركن الصلاة، فلا تسقط عن المأموم، وهذا ظاهر، لكن لم أجد من أعيان مشايخ المذهب من استثناه، نعم وجدته في بعض كلام المتأخرين انتهى، وظاهر كلام الأشياخ والأخبار خلافه؛ للمشقة.

(و)

‌ الرابع: (الركوع)

إجماعًا، وسنده قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا}

(1)

وحديث المسيء في صلاته، وهو ما رواه أبو هريرة:"أن رجلًا دخل المسجد فصلى، ثم جاء فسلم على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فرد عليه، ثم قال: ارجعْ فصلِّ فإنك لم تصلِّ، فعل ذلك ثلاثًا، ثم قال: والذي بعثك بالحق ما أحسِن غيرَه، فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاةِ فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" رواه الجماعة

(2)

. ولمسلم، وعزاه عبد الحق

(3)

إلى البخاري: "إذا قمت

= لابن تيمية (23/ 265، 326). وتفسير ابن كثير (1/ 12)، وفتح الباري (2/ 242). والتلخيص الحبير (1/ 232)، وبيان الوهم والإيهام (2/ 242، 243).

وقد جاء هذا المعنى من حديث عبد الله بن شداد - أيضًا - وسيأتي تخريجه والكلام عليه في باب صلاة الجماعة.

(1)

سورة الحج، الآية:77.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 285) تعليق رقم 1.

(3)

الأحكام الوسطى (1/ 363).

ص: 448

إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر"

(1)

فدل على أن المسماة في الحديث لا تسقط بحال، فإنها لو سقطت لسقطت عن الأعرابي لجهله بها.

(إلا) الركوع (بعد) ركوع (أول في) صلاة (كسوف) فسنة، وكذا الرفع منه، والاعتدال عنه (وتقدم المجزئ منه) أي من الركوع.

(و) الخامس: (الاعتدال بعده) أي بعد الركوع الركن، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته:"ثم ارفعْ حتى تعتدل قائمًا" ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"

(2)

(فدخل فيه) أي في الاعتدال عن الركوع (الرفع منه) لاستلزامه له، هكذا فعل أكثر الأصحاب. وفرق في "الفروع" و"المنتهى" وغيرهما بينهما، فعدوا كلا منهما ركنًا، لتحقق الخلاف في كل منهما (وتقدم المجزئ منه) أي من الاعتدال في قوله فيما سبق: فإذا استوى قائمًا، وتقدم حد القيام.

(ولو طول الاعتدال لم تبطل) صلاته، قال محمد بن حسن الأنماطي: رأيت أبا عبد الله يطيل الاعتدال والجلوس بين السجدتين، لحديث البراء، متفق عليه

(3)

.

(و)

‌ السادس: (السجود)

إجماعًا.

(1)

صحيح مسلم الصلاة، حديث 397 (46)، والبخاري في الاستئذان، باب 18، حديث 6251.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 334) تعليق رقم 4.

(3)

البخاري في الأذان، باب 121، حديث 792، ومسلم في الصلاة، حديث 471. ولفظ مسلم: رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء.

ص: 449

(و)

‌ السابع: (الاعتدال منه)

يعني الرفع منه لما تقدم.

(و)

‌ الثامن: (الجلوس بين السجدتين)

لما روت عائشة قالت: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجودِ لم يسجد حتى يستوي قاعدًا" رواه مسلم

(1)

، ولو أسقط ما قبل هذا لدخل فيه كما فعل في الاعتدال من الركوع، والرفع منه.

(و)

‌ التاسع: (الطمأنينة في هذه الأفعال)

أي في الركوع، والاعتدال عنه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، لما سبق، ولحديث حذيفة:"أنه رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال له: ما صليت، ولو مت، مت على غير الفطرةِ التي فطر الله عليها محمدًا صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري

(2)

، وظاهره: أنها ركن واحد في الكل، لأنه يعم القيام، قاله في "المبدع".

(بقدر الذكر الواجب لذاكره، ولناسيه بقدر أدنى سكون، وكذا) هي أدنى سكون (لمأموم بعد انتصابه من الركوع، لأنه لا ذكر فيه) هذه التفرقة لم أجدها في "الفروع" ولا "المبدع" ولا "الإنصاف" ولا غيرها، مما وقفت عليه، وفيها نظر؛ لأن الركن لا يختلف بالذاكر والناسي، بل في كلام "الإنصاف" ما يخالفها، فإنه حكى في الطمأنينة وجهين، أحدهما: هي السكون وإن قل، وقال: على الصحيح من المذهب، والثاني: بقدر الذكر الواجب، قال المجد في "شرحه" وتبعه في "الحاوي الكبير": وهو الأقوى، وجزم به في "المذهب" ثم قال في "الإنصاف": وفائدة الوجهين: إذا نسي التسبيح في ركوعه، أو سجوده، أو التحميد في اعتداله، أو سؤال المغفرة في جلوسه، أو عجز عنه لعجمة، أو خرس، أو تعمد تركه، وقلنا: هو سنة

(1)

في الصلاة، حديث 498.

(2)

في الأذان، باب 119، حديث 791.

ص: 450

واطمأن قدرًا لا يتسع له، فصلاته صحيحة على الوجه الأول، ولا تصح على الثاني.

(و)

‌ العاشر: (التشهد الأخير)

هو قول عمر

(1)

، وابنه

(2)

، وأبي مسعود البدري

(3)

، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قعدَ أحدُكم في صلاته فليقل: "التحيات لله

الخبر" متفق عليه

(4)

. وعن ابن مسعود قال: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلامُ على اللهِ، السلام على جبريل وميكائيل، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا: التحيات لله - وذكره" رواه النسائي وإسناده ثقات والدارقطني

(5)

وقال: إسناده صحيح، وقال عمر:"لا تجزئ صلاة إلا بتشهدٍ" رواه سعيد، والبخاري في "تاريخه"

(6)

.

(1)

روى البخاري في تاريخه (3/ 131)، وعبد الرزاق (2/ 206) رقم 3080، وابن أبي شيبة (2/ 518)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 217) رقم 1538، والبيهقي (2/ 139)، عن حملة بن عبد الرحمن العكي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: لا صلاة إلا بتشهد، وفي لفظ: لا تجوز صلاة إلا بتشهد، وفي آخر: من لم يتشهد فلا صلاة له.

(2)

روى ابن أبي شيبة (2/ 518) عن عقبة بن نافع، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: ليس من صلاة إلا وفيها قراءة، وجلوس في الركعتين، وتشهد وتسليم، فإن لم تفعل ذلك، سجدت سجدتين بعد ما تسلم.

(3)

أثر أبي مسعود البدري لم نجده، وفي السنن الكبرى للبيهقي (2/ 139): وروينا عن ابن مسعود رضي الله عنه: لا صلاة إلا بتشهد.

(4)

البخاري في الأذان، باب 148، حديث 831، ومسلم في الصلاة، حديث 402.

(5)

النسائي في السهو، باب 41، حديث 1276، والدارقطني (1/ 350)، وتقدم تخريجه (2/ 357)، تعليق 3.

(6)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد، ورواه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 131)، وتقدم تخريجه آنفًا.

ص: 451

(والركن منه) أي من التشهد الأخير (ما يجزئ في التشهد الأول، وهو التحيات لله، سلام عليك أيها النَّبي، ورحمة الله، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أو أن محمدًا عبده ورسوله) لاتفاق جميع الروايات على ذلك، بخلاف ما عداه، فإنه أثبت في بعضها، وترك في بعضها.

(قال الشارح: قلت: وفي هذا القول نظر) لأن الذي ترك في بعض الروايات لم يترك إلى غير بدل، بل أثبت بدله، وذلك لا يدل على عدم وجوبه بالمرة، بل على وجوبه، أو وجوب بدله (وهو كما قال) أي الشارح لقوة ما علل به.

(و) الحادي عشر: (الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعده) أبي بعد التشهد الأول، فلا تجزئ إن قدمت عليه، لحديث كعب، وسبق

(1)

، ولقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ. . .}

(2)

والأمر للوجوب، ولا موضع تجب فيه الصلاة، أولى من الصلاة.

(والركن منه) أي المذكور فيما سبق من الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (اللهم صل على محمد) لظاهر الآية.

وعد المصنف الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ركنًا مستقلًا، تبع فيه صاحب "الفروع"، وأما صاحب "المنتهى"، وكثير من الأصحاب، فقد جعلوها من جملة التشهد الأخير.

(و)

‌ الثاني عشر: (الجلوس له) وللتسليمتين،

لمداومته صلى الله عليه وسلم على الجلوس لذلك، وقوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي"

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 365) تعليق رقم 2.

(2)

سورة الأحزاب، الآية:56.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 334) تعليق رقم 4.

ص: 452

(و) الثالث عشر: (التسليمتان) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وتحليلها التسليم"

(1)

وقالت عائشة: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يختم صلاته بالتسليم"

(2)

وثبت ذلك من غير وجه، ولأنهما نطق مشروع في أحد طرفيها، فكان ركنًا كالطرف الآخر.

(إلا في صلاة جنازة، وسجود تلاوة وشكر) فيخرج منها بتسليمة واحدة، ويأتي في محله.

(و) إلا في (نافلة فتجزئ) تسليمة (واحدة على ما اختاره جمع، منهم المجد) عبد السلام بن تيمية (قال في المغني والشرح: لا خلاف أنه يخرج من النفل بتسليمة واحدة، قال القاضي:) الثانية سنة في الجنازة والنافلة (رواية واحدة، انتهى) وظاهر ما قدمه في "المبدع" وغيره: أن النفل كالفرض، وهو ظاهر ما قطع به في "المنتهى".

(وهما) أي التسليمتان (من الصلاة) كسائر الأركان، فلا يقوم المسبوق قبلهما.

(و)

‌ الرابع عشر: (الترتيب)

أي ترتيب الأركان على ما ذكر هنا، أو في صفة الصلاة، فاللام فيه للعهد، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها مرتبة، وعلمها للمسيء في صلاته مرتبًا بثم، ولأنها عبادة تبطل بالحدث، فكان الترتيب فيها ركنًا كغيره.

(و) الضرب الثاني من أفعال الصلاة وأقوالها: (واجباتها التي تبطل بتركها عمدًا، وتسقط سهوًا وجهلًا، نصًا) خرج به الشروط والأركان (ولا تبطل) الصلاة (به) أي بتركها سهوًا أو جهلًا (ويجبره) أي تركها لذلك (السجود) أي سجود السهو (ثمانية:) خبر واجباتها، والموصول نعت،

(1)

تقدم تخريجه (2/ 284) تعليق رقم 1.

(2)

أخرجه مسلم في الصلاة، حديث 498.

ص: 453

وجعله خبرًا يؤدي إلى التعريف بالحكم، فيلزمه الدور.

أحدها: (التكبير) للانتقال (في محله) وهو ما بين انتقال وانتهاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر كذلك وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"

(1)

.

وعنه سنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

قلنا: ولم يعلمه التشهد ولا السلام، ولعله اقتصر على تعليمه ما أساء فيه.

(فلو شرع) المصلي (فيه) أي التكبير (قبل انتقاله) كأن يكبر للركوع أو السجود قبل هويه إليه (أو كمله) أي: التكبير (بعد انتهائه) بأن كبر وهو راكع أو ساجد بعد انتهاء هويه (لم يجزئه) ذلك التكبير؛ لأنه لم يأت به في محله (كتكميله واجب قراءة راكعًا، أو شروعه في تشهد قبل قعوده، وكما لا يأتي بتكبير ركوع، أو سجود فيه) أي في ركوعه، أو سجوده.

(ويجزئه فيما بين ابتداء الانتقال وانتهائه، لأنه في محله) قال المجد في "شرحه": وينبغي أن يكون تكبير الخفض، والرفع، والنهوض، ابتداؤه من ابتداء الانتقال، وانتهاؤه مع انتهائه، فإن كمله في جزء منه أجزأه؛ لأنه لم يخرج به عن محله، وإن شرع فيه قبله أو كمله بعده، فوقع بعضه خارجًا منه، فهو كتركه؛ لأنه لم يكمله في محله، فأشبه من تعمد قراءته راكعًا، أو أخذ في التشهد قبل قعوده، هذا قياس المذهب، ويحتمل أن يعفى عن ذلك لأن التحرز يعسر، والسهو به يكثر، ففي الإبطال به والسجود له مشقة.

(غير تكبيرتي إحرام، وركوع مأموم أدرك إمامه راكعًا، فإن الأولى)

(1)

تقدم تخريجه (2/ 334) تعليق رقم 4.

ص: 454

وهي تكبيرة الإحرام (ركن) لما تقدم (والثانية) وهي تكبيرة مأموم أدرك إمامه راكعًا (سنة) للاجتزاء عنها بتكبيرة الإحرام، والاستثناء من التكبير.

(و) الثاني من الواجبات: (التسميع) أي قول: سمع الله لمن حمده (لإمام، ومنفرد) دون مأموم لما تقدم.

(و)

‌ الثالث: (التحميد)

أي قول: ربنا ولك الحمد (لكلٍ) من إمام، ومأموم، ومنفرد، لما تقدم من النصوص، فعلًا له وأمرًا به.

(و)

‌ الرابع: (تسبيح ركوع).

(و)

‌ الخامس: تسبيح (سجود).

(و) السادس: (رب اغفر لي) بين السجدتين (مرة) مرة (وفيهن)

(1)

أي في التسميع، والتحميد، وسبحان ربي العظيم في ركوع، وسبحان ربي الأعلى في سجود، ورب اغفر لي بين السجدتين (ما في التكبير) من اعتبار الإتيان بهن في محلهن المعلوم مما تقدم في صفة الصلاة، فلو أتى بتسبيح الركوع، أو السجود في حال هويه لركوعه، أو سجوده، أو برب اغفر لي قبل قعوده بين السجدتين، لم يجزئه، والتسميع يأتي به في انتقاله، والتحميد يأتي به المأموم في رفعه، وغيره في اعتداله.

(و) السابع: (تشهد أول) لأنه صلى الله عليه وسلم فعله، وداوم على فعله، وأمر به، وسجد للسهو حين نسيه، وهذا هو الأصل المعتمد عليه في سائر الواجبات لسقوطها بالسهو، وانجبارها بالسجود، كواجبات الحج (على غير مأموم قام إمامه عنه سهوًا) فيتابعه، (ويأتي في سجود السهو، وتقدم المجزئ منه قريبًا) في الأركان.

(و)

‌ الثامن: (الجلوس له)

لما تقدم على غير مأموم قام إمامه عنه سهوًا.

(1)

في "ح" و"ذ": مرة مرة فيهن، دون الواو.

ص: 455

(وما عدا ذلك) المتقدم في الأركان، والواجبات (سنن أقوال، وأفعال وهيئات.

ف‌

‌سنن الأقوال سبعة عشر:

الاستفتاح، والاستعاذة، والبسملة، والتأمين، وقراءة السورة في كل من) الركعتين (الأوليين) من رباعية، أو مغرب (و) في (صلاة الفجر، والجمعة، والعيدين، والتطوع كله، والجهر والإخفات) في محلهما، وقد تبع في ذلك "المقنع"، وغيره، وناقش فيه بعض المتأخرين بأنهما هيئة للقول، لا قول، ولذلك عدهما فيما يأتي من سنن الهيئات، (وقول: ملء السماوات) وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد (بعد التحميد في حق من يشرع له قول ذلك) وهو الإمام والمنفرد، دون المأموم (وما زاد على المرة من تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين، والتعوذ) أي قول: أعوذ بالله من عذاب جهنم إلى آخره (في التشهد الأخير، والدعاء آخره) أي آخر التشهد الأخير، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود:"ثم ليتخير من الدعاء أحسنه إليه فيدعو"

(1)

ومقتضى كلامه فيما سبق: كصاحب "المنتهى" وغيره: أنه مباح لا مسنون، حيث قالوا: لا بأس به (والصلاة فيه) أي في التشهد الأخير (على آل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والبركة فيه عليه، وعليهم) أي قول: وبارك على محمد، وعلى آل محمد إلى آخره في التشهد الأخير (وما زاد على المجزئ من التشهد الأول) وتقدم (والقنوت في الوتر) لما يأتي في بابه.

(وما سوى ذلك) المذكور ‌

‌(سنن أفعال وهيئات،

سميت) أي سماها صاحب "المستوعب" وغيره (هيئة، لأنها صفة في غيرها) ككون الأصابع مضمومة ممدودة حال (رفع اليدين مبسوطة) أي ممدودة الأصابع (مضمومة

(1)

تقدم تخريجه (2/ 371)، تعليق رقم 1.

ص: 456

الأصابع مستقبل القبلة) ببطونها إلى حذو منكبيه (عند الإحرام، و) عند (الركوع، و) عند (الرفع منه) أي من الركوع (وحطهما) أي اليدين (عقب ذلك) أي عقب الفراغ من الإحرام، أو الركوع، أو الرفع منه.

(وقبض اليمين على كوع الشمال، وجعلهما تحت سرته

(1)

) بعد إحرامه (والنظر إلى موضع سجوده) في غير صلاة خوف ونحوها (وتفريقه بين قدميه) يسيرًا (في قيامه، ومراوحته بينهما) أي القدمين (يسيرًا) وتكره كثرته (والجهر) في محله (والإخفات) في محله، وتقدم أنه عدهما من سنن الأقوال (وترتيل القراءة، والتخفيف فيها) أي القراءة (للإمام) لحديث: "من أم بالناس فليخفف"

(2)

(والإطالة في) الركعة (الأولى، والتقصير في) الركعة (الثانية) في غير صلاة خوف في الوجه الثاني (وقبض ركبتيه بيديه) حال كون يديه (مفرجتي الأصابع في الركوع، ومد ظهره) مستويًا (وجعل رأسه حياله) فلا يخفضه ولا يرفعه، ومجافاة عضديه عن جنبيه في ركوعه (والبداءة بوضع ركبتيه قبل يديه في سجوده، ورفع يديه أولًا في القيام) من سجوده (وتمكين كل من جبهته، وأنفه، وكل بقية أعضاء السجود من الأرض في سجوده، ومجافاة عضديه عن جنبيه، و) مجافاة (بطنه عن فخذيه، و) مجافاة (فخذيه عن ساقيه) في سجوده (والتفريق بين ركبتيه) في سجوده (وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة فيه) أي في السجود (وفي الجلوس) بين السجدتين، أو للتشهد على ما سبق تفصيله (ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة) الأصابع إذا سجد، (وتوجيه أصابع يديه مضمومة نحو القبلة، ومباشرة المصلى بيديه وجبهته) بأن لا يكون ثم حائل

(1)

انظر ص/ 293، تعليق رقم 3 من هذا الجزء.

(2)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 61، 62، حديث 702، 703، ومسلم في الصلاة، حديث 466، 467، من حديث أبي مسعود، وأبي هريرة رضي الله عنهما.

ص: 457

متصل به (وعدمها) أي عدم المباشرة (بركبتيه، وقيامه إلى الركعة على صدور قدميه، معتمدًا بيديه على ركبتيه) إلا أن يشق فبالأرض (والافتراش في الجلوس بين السجدتين، و) الافتراش (في التشهد الأول، والتورك في) التشهد (الثاني، ووضع اليدين على الفخذين، مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلًا بها القبلة بين السجدتين، وكذا في التشهد) الأول والثاني (لكن يقبض من اليمين) وفي نسخة: اليمنى (الخنصر والبنصر، ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها) عند ذكر الله تعالى، وتسمى السباحة (والتفاته يمينًا وشمالًا في تسليمه، وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات، ونية الخروج من الصلاة) بالسلام، وتقدمت أدلة ذلك في مواضعها.

(والخشوع)، لقوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}

(1)

(وهو معنى يقوم بالنفس يظهر منه سكون الأطراف) لقوله صلى الله عليه وسلم في العابث بلحيته: "لو خشع قلبُ هذا لخشعتْ جوارِحه"

(2)

قال الجوهري

(3)

: الخشوع الخضوع. والإخبات: الخشوع، وقال البيضاوي

(4)

في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}

(5)

: أي خائفون من الله، متذللون له، ملزمون أبصارهم مساجدهم، وقال

(6)

في قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}

(7)

: أي المخبتين. والخشوع: الإخبات، ومنه الخشعة للرملة

(1)

سورة المؤمنون، الآية:2.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 410)، تعليق رقم 3.

(3)

الصحاح (3/ 1204) و (1/ 247).

(4)

تفسير البيضاوي (2/ 55).

(5)

سورة المؤمنون، الآية: 1 - 2.

(6)

تفسير البيضاوي (1/ 27).

(7)

سورة البقرة، الآية:45.

ص: 458

المتطامنة، والخضوع: اللين والانقياد، ولذلك يقال: الخشوع بالجوارح، والخضوع بالقلب.

(قال الشيخ

(1)

: إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة لا يبطلها) لأن الخشوع سنة، والصلاة لا تبطل بترك سنة، وذكر الشيخ وجيه الدين: أن الخشوع واجب، وعليه فتبطل صلاة من غلب الوسواس على أكثر صلاته، لكن قال في "الفروع": مراده - والله أعلم - في بعضها، وإن أراد في كلها فإن لم تبطل بتركه، فخلاف قاعدة ترك الواجب، وإن أبطل به، فخلاف الإجماع، وكلاهما خلاف الأخبار اهـ. ولم يأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العابث بلحيته بإعادة الصلاة، مع قوله:"لو خشع قلبُ هذا لخشعتْ جوارحُه"

(2)

قال في "شرح المنتهى": وهذا منه يدل على انتفاء خشوعه في صلاته كلها (وتقدم أنها) أي الصلاة (لا تبطل بعمل القلب ولو طال) وهو يدل على أنها لا تبطل بترك الخشوع (وقال ابن حامد، وابن الجوزي: تبطل صلاة من غلب الوسواس على أكثر صلاته) وهذا يقتضي أنه واجب عندهما.

(ولا يشرع السجود لترك سنة؛ ولو قولية) كالاستفتاح، والتعوذ، لأن السجود زيادة في الصلاة، فلا يشرع إلا بتوقيف (وإن سجد) لترك سنة قولية أو فعلية (فلا بأس؛ نصًا) لعموم حديث ثوبان مرفوعًا:"لكل سهو سجدتان" رواه أحمد، وابن ماجه

(3)

.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 90.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 410) تعليق رقم 3.

(3)

أحمد (5/ 280)، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 136، حديث 1219، وزاد:"بعد ما يسلم".

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 201، حديث 1038، والطيالسي ص/ 134 رقم 997، وعبد الرزاق (2/ 322) رقم 3533، وابن أبي شيبة =

ص: 459

(وإن اعتقد المصلي الفرض سنة أو عكسه) بأن اعتقد السنة فرضًا (أو لم يعتقد شيئًا) لا فرضًا ولا سنة (وأداها على ذلك) الوجه السابق المشتمل على الشروط، والأركان، والواجبات (وهو يعلم أن ذلك كله من الصلاة، أو لم يعرف الشرط من الركن، فصلاته صحيحة) قال أبو الخطاب: لا يضره أن لا يعرف الركن من الشرط، والفرض من السنة.

ورد المجد على من لم يصحح الائتمام بمن يعتقد أن الفاتحة نفل؛ بفعل الصحابة فمن بعدهم، مع شدة اختلافهم فيما هو الفرض والسنة؛ ولأن اعتقاد الفرضية والنفلية يؤثر في جملة الصلاة، لا تفاصيلها، لأن من صلى يعتقد الصلاة فريضة يأتي بأفعال تصح معها، بعضها فرض، وبعضها نفل، وهو يجهل الفرض من السنة، أو يعتقد الجميع فرضًا، صحت صلاته إجماعًا، قاله في "المبدع".

(خاتمة) إذا ترك شيئًا ولم يدر أفرض أم سنة؟

لم يسقط فرضه للشك في صحته؛ ولأنه لما تردد في وجوبه، كان الواجب عليه فعله احتياطًا للعبادة، وهذا بخلاف مَن ترك واجبًا جاهلًا حكمه بأن لم يخطر بباله قط أن عالمًا قال

= (2/ 33)، والطبراني في الكبير (2/ 99) رقم 1412، والبيهقي (2/ 337)، والمزي في تهذيب الكمال (9/ 407).

قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (3/ 278): وهذا حديث تفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بالقوي. وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 29): وليس إسناده مما تقوم به الحجة. وقال النووي في المجموع (4/ 62): حديث ضعيف ظاهر الضعف. وقال في الخلاصة (2/ 642): ضعفه البيهقي وغيره، وفي إسناده ضعيفان.

وقال الحافظ في بلوغ المرام ص/ 361: رواه أبو داود وابن ماجه بسند ضعيف. وحسنه ابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 338).

ص: 460

بوجوبه، فإن حكمه حكم تاركه سهوًا، فإن علم قبل فوات وقت سجود السهو، كفاه سجود السهو، ولم يلزمه إعادة الصلاة.

ص: 461

‌باب سجود السهو

قال في الحاشية: سها عن الشيء سهوًا: ذهل وغفل قلبه عنه، حتى زال عنه، فلم يتذكره. وفرقوا بين الساهي والناسي: أن الناسي إذا ذكرته تذكر، بخلاف الساهي اهـ.

وفي "النهاية"

(1)

: السهو في الشيء تركه من غير علم، والسهو عن الشيء تركعه مع العلم به اهـ. وبه يظهر الفرق بين السهو في الصلاة الذي وقع من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم غير ما مرة، والسهو عن الصلاة الذي ذم فاعله، كما أشار إليه بعضهم.

ولا مرية في‌

‌ مشروعية سجود السهو.

قال الإمام أحمد

(2)

: نحفظ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد، سلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من اثنتين ولم يتشهد.

وقال الخطابي

(3)

: المعتمد عليه عند أهل العلم: هذه الأحاديث الخمسة، يعني حديثي ابن مسعود

(4)

، وأبي

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 430).

(2)

المغني (2/ 403)، وانظر مسائل صالح (3/ 217 - 218) رقم 1679، ومسائل الكوسج (1/ 306، 400 - 402) رقم 203 و 309، ومسائل عبد الله (1/ 286 - 289) رقم 404.

(3)

معالم السنن (1/ 238).

(4)

يأتيان ص/ 466 تعليق رقم 1، وص/ 470 تعليق رقم 1 من هذا الجزء.

ص: 463

سعيد

(1)

، وأبي هريرة

(2)

، وابن بُحينة

(3)

.

(لا يشرع) سجود السهو (في العمد)

لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سَها أحدُكم فليسجُد"

(4)

فعلق السجود على السهو، ولأنه يشرع جبرانًا، والعامد لا يعذر،

(1)

رواه مسلم في المساجد، حديث 571 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته، ثم يدر كم صلى؟ ثلاثًا أم أربعًا؟ فيطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا، شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع، كانتا ترغيمًا للشيطان.

(2)

رواه البخاري في السهو، باب 7، حديث 1232، ومسلم في المساجد، حديث 389 (82) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان، فلَبَسَ عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم، فليسجد سجدتين، وهو جالس.

(3)

رواه البخاري في الأذان، باب 146، 147، حديث 829، 830، وفي السهو، باب 1، 5، حديث 1224، 1225، 1230، ومسلم في المساجد، حديث 570: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر، وعليه جلوس، فلمّا أتم صلاته سجد سجدتين، فكبر في كل سجدة، وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس.

(4)

جزء من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أخرجه الترمذي في الصلاة، باب 174، حديث 398، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 132، حديث 1209، وأحمد (1/ 190)، والبزار (3/ 208، 210) رقم 994، 995، 996، 999، والشاشي في مسنده (1/ 265) رقم 234، والطحاوي (1/ 433)، والحاكم (1/ 324)، والبيهقي (2/ 332، 339)، والبغوي (3/ 282) رقم 755. قال الترمذي: حسن صحيح، كذا جاء في نسخة الترمذي مع تحفة الأحوذي، (2/ 419)، وتحفة الأشراف (7/ 211)، وفي المطبوع: حسن غريب صحيح. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وروي مرسلًا. رواه ابن أبي شيبة (2/ 26 - 27)، وأحمد (1/ 193)، والدارقطني (1/ 369 - 370).

ص: 464

فلا ينجبر خلل صلاته بسجوده، بخلاف الساهي، ولذلك أضيف السجود إلى السهو (بل) يشرع (للسهو بوجود) شيء من (أسبابه، وهي زيادة، ونقص وشك) في الجملة؛ لأن الشرع إنما ورد به في ذلك.

(لفرض، ونافلة) أي يشرع سجود السهو بوجود أسبابه في فرض، ونفل، لعموم الأخبار، ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود، فشرع لها السجود كالفريضة.

(سوى صلاة جنازة) لأنه لا سجود في صلبها، ففي جبرها أولى.

(و) سوى (سجود تلاوة وشكر) لئلا يلزم زيادة الجبر على الأصل.

(و) سوى (حديث نفس) لعدم إمكان الاحتراز منه، وهو معفو عنه.

(و) سوى (نظر إلى شيء) ولو طال لمشقة التحرز منه.

(و) سوى (سهو في سجدتيه) إجماعًا، حكاه إسحاق

(1)

.

(أو بعدهما قبل سلامه، سواء كان سجوده) للسهو (بعد السلام أو قبله) لأنه يفضي إلى التسلسل.

(و) سوى (كثرة سهو) أي شك (حتى يصير كوسواس، فيطرحه، وكذا في الوضوء، والغسل، وإزالة النجاسة ونحوه) أي نحو ما ذكر، كالتيمم، لأن الوسواس يخرج به إلى نوع من المكابرة، فيفضي إلى زيادة في الصلاة مع تيقن إتمامها، فوجب اطراحه واللهو عنه لذلك.

(ولا) سجود للسهو (في صلاة خوف، قاله في الفائق) قال في "الإنصاف": ظاهر كلام المصنف أي الموفق وغيره: أنه يسجد للسهو في صلاة الخوف وغيرها، في شدة الخوف وغيره، وقال في "الفائق": ولا سجود سهو في الخوف، قاله بعضهم واقتصر عليه.

قلت: فيعايا بها. لكن لم أر أحدًا من الأصحاب ذكر ذلك في شدة

(1)

الأوسط لابن المنذر (3/ 327).

ص: 465

الخوف، وهو موافق لقواعد المذهب. وتأتي أحكام سجود السهو في صلاة الخوف إذا لم يشتد، في الوجه الثاني.

ثم أخذ في بيان تفصيل الأحوال الثلاثة وحكمها، وبدأ بالزيادة، ثم هي إما زيادة أفعال أو أقوال، وزيادة الأفعال قسمان، أحدهما: ما ذكره بقوله: (ف‌

‌متى زاد) المصلي فعلًا (من جنس الصلاة:

قيامًا، أو قعودًا، أو ركوعًا، أو سجودًا، عمدًا بطلت) صلاته إجماعًا، قاله في "الشرح"؛ لأنه بها يخل بنظم الصلاة، وبغير هيئتها، فلم تكن صلاة، ولا فاعلها مصليًا.

(و) إن زاد ذلك (سهوًا، ولو) كان الجلوس الذي زاده في غير موضعه (قدر جلسة الاستراحة) عقب ركعة، بأن جلس عقبها للتشهد، سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة، أو لم نقل به، لأنه لم يردها بجلوسه، إنما أراد التشهد سهوًا (سجد) له وجوبًا، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود:"فإذا زاد الرجلُ أو نقصَ في صلاتِهِ فليسجُدْ سجدتَين" رواه مسلم

(1)

، ولأن الزيادة سهو، فتدخل في قول الصحابي: سَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فسجدَ. بل هي نقص في المعنى، فشرع لها السجود لينجبر النقص.

(ومتى ذكر) من زاد في صلاته (عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير) لإلغاء الزيادة، وعدم الاعتداد بها.

وإذا رفع رأسه من السجود ليجلس للاستراحة، وكان موضع جلوسه للفصل، أو التشهد، ثم ذكر، أتى بذلك، ولا سجود عليه. ولو جلس للتشهد قبل السجود، سجد لذلك. وإن جلس للفصل يظنه التشهد وطوله، لم يجب السجود.

(1)

في المساجد، حديث 572 (96). وأخرجه - أيضًا - البخاري بنحوه، في الصلاة، باب 31، حديث 401، وفي الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6671.

ص: 466

(ولو نوى القصر) من يباح له (فأتم سهوًا، ففرضه الركعتان) قاله في "المبدع" وغيره (ويسجد للسهو) استحبابًا؛ لأن عمده لا يبطلها (ويأتي) في صلاة المسافر.

(وإن زاد ركعة) أي قام إلى ركعة زائدة، كثالثة في صبح، أو رابعة في مغرب، أو خامسة في ظهر، أو عصر، أو عشاء (قطع) تلك الركعة بأن يجلس في الحال (متى ذكر) بغير تكبير، نص عليه

(1)

؛ لأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمدًا، وذلك مبطل لها (وبنى على فعله قبلها) أي قبل الزيادة لعدم ما يلغيه (ولا يتشهد، إن كان تشهد، ثم سجد) للسهو (وسلم).

وإن كان تشهد ولم يصل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صلى عليه، ثم سجد للسهو، ثم سلم، ذكره في "الشرح" وغيره.

(ولا يعتد) أي لا يحتسب (بها) أي بالركعة الزائدة من صلاته (مسبوق) دخل مع الإمام فيها، أو قبلها؛ لأنها زيادة لا يعتد بها الإمام، ولا يجب على من علم الحال متابعته فيها؛ فلم يعتد بها للمأموم.

(ولا يصح أن يدخل معه) أي مع الإمام القائم لزائدة (فيها من علم أنها زائدة) لأنها سهو وغلط، وعلم منه: أنه لو دخل معه فيها مسبوق يجهل أنها زائدة: أنه تنعقد صلاته، وهو الصحيح من المذهب، ثم متى علم في أثناء صلاته أنها زائدة لم يعتد بها لما تقدم

(2)

، وإن علم بعد سلامه

(3)

فكترك ركعة، على ما يأتي.

(1)

انظر: مسائل عبد الله (1/ 289 - 290) رقم 405.

(2)

في هامش نسخة "ح" حاشية، هذا نصها:"وإن علم أنها زائدة بعد السلام وكان الفصل قريبًا ولم يأت بمناف، تمم صلاته وسجد للسهو، وإلا استأنف الصلاة من أولها".

(3)

في "ح" و"ذ": "السلام".

ص: 467

(وإن كان) الذي قام إلى زائدة (إمامًا أو منفردًا، فنبهه ثقتان فأكثر - ويلزمهم تنبيه الإمام على ما يجب السجود لسهوه -) لارتباط صلاتهم بصلاته، بحيث تبطل ببطلانها، وظاهره لا يجب على غير المأمومين تنبيهه، ولعله غير مراد، ولذلك قال في "المنتهى" و"المبدع" وغيرهما: ويلزمهم تنبيهه، فلم يقيدوا بالإمام - (لزمه الرجوع) جواب الشرط، وما بينهما اعتراض (سواء نبهوه لزيادة، أو نقص، ولو ظن خطأهما) نص عليه

(1)

، لأنه صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر

(2)

، وأمر صلى الله عليه وسلم بتذكيره

(3)

.

(ما لم يتيقن صواب نفسه، فيعمل بيقينه) ولا يجوز له الرجوع إليهما، كالحاكم لا يعمل بالبينة إذا علم كذبها.

(أو يختلف عليه المنبهون) له (فيسقط قولهم) كالبينتين إذا تعارضتا.

(ولا يلزمه) أي الإمام (الرجوع إلى فعلهم) أي المأمومين، كقيام، أو قعود (من غير تنبيه في ظاهر كلامهم) وقطع به في "المنتهى"، لأمر الشارع بالتنبيه.

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 75، 77) رقم 372، 374، 380، مسائل عبد الله (1/ 283 - 284) رقم 400، مسائل أبي داود ص/ 52، مسائل ابن منصور الكوسج (1/ 340 - 341) رقم 237.

(2)

في حديث ذي اليدين: "وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه

فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم. . .". رواه البخاري في الصلاة، باب 88، حديث 482، ومسلم في المساجد، حديث 573 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. كما سيأتي مفصلًا ص/ 476.

(3)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 31، حديث 401، وفي السهو، باب 2، حديث 1226، وفي الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6671، ومسلم في المساجد، حديث 572 (89)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في حديث طويل، وفيه:"فإذا نسيت فذكروني".

ص: 468

(ولا) يرجع (إلى تنبيه فاسقين) لعدم قبول خبرهما.

(ولا إذا نبهه واحد) نص عليه

(1)

، لأنه صلى الله عليه وسلم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده

(2)

(إلا أن يتيقن صوابه) فيعمل بيقينه لا بتنبيهه (والمرأة المنبهة كالرجل في ظاهر كلامهم) وإلا لم يكن في تنبيه المرأة فائدة، ولما كره تنبيهها بالتسبيح ونحوه، وفي المميز خلاف

(3)

، قاله في "الفروع".

(فإن لم يرجع إمام إلى قول الثقتين) المنبهين له (فإن كل) عدم رجوعه (عمدًا، وكان) رجوعه (لجبران نقص) بأن قام قبل أن يتشهد التشهد الأول، ونبه، فلم يرجع (لم تبطل) صلاته، لما روى أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، عن المغيرة بن شعبة "أنه نهض في الركعتين، فسح به من خلفه، فمضى، فلما أتم صلاته وسلم، سجد سجدتي السهوِ، فلما انصرف قال: رأيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يصنعُ كما صنعتُ"

(4)

ويأتي الكلام على ذلك بأتم من هذا.

(وإلا) أي وإن لم يرجع عمدًا، وكان لغير جبران نقص (بطلت صلاته)

(1)

انظر المراجع السابقة ص/ 468 تعليق رقم 1.

(2)

تقدم تخريجه آنفًا.

(3)

ومقتضى ما تقدم في الإخبار بنجاسة الماء، ودخول الوقت، والقبلة، أنه لا يعمل بتنبيهه. "ش".

(4)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 201، حديث 1036، 1037، والترمذي في الصلاة، باب 152، حديث 364 - 365. ورواه - أيضًا - ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 131، حديث 1207، والطيالسي ص/ 95 رقم 695، وعبد الرزاق (2/ 310) رقم 3483، وابن أبي شيبة (2/ 34)، وأحمد (4/ 247، 248، 253، 254)، والدارمي في الصلاة، باب 176، حديث 1509، والطحاوي (1/ 439 - 440)، والطبراني في الكبير (20/ 422) رقم 1019، والدارقطني (1/ 378)، والبيهقي (2/ 338، 343، 344). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال المنذري في مختصر السنن (1/ 469): وفي سنده المسعودي، استشهد به =

ص: 469

لأنه ترك الواجب عمدًا (و) بطلت (صلاة المأموم، قولًا واحدًا، قاله ابن عقيل) لتعمده إبطال صلاته.

(وإن كان) عدم رجوع الإمام إلى قول الثقتين لغير جبران نقص (سهوًا بطلت صلاته) أي الإمام؛ لتركه واجبًا وهو الرجوع إلى قول الثقتين (و) بطلت (صلاة من اتبعه) من المأموم (عالمًا) ببطلان صلاته ذاكرًا، لأنه اقتدى بمن يعلم بطلان صلاته، كما لو اقتدى بمن يعلم حدثه، و (لا) تبطل صلاة من اتبعه من المأمومين (جاهلًا أو ناسيًا) لأن الصحابة تابعوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في الخامسة حيث لم يعلموا، وتوهموا النسخ، ولم يؤمروا بالإعادة

(1)

(ووجبت

= البخاري، وتكلم فيه غير واحد. انظر الكواكب النيرات ص/ 287 - 288، وضعف إسناده النووي في المجموع (4/ 44)، والحافظ في بلوغ المرام رقم 359.

لكن له شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. رواه البزار (4/ 53) رقم 1217، وأبو يعلى (2/ 103، 119) رقم 759، 785، وابن خزيمة (2/ 116) رقم 1032، والحاكم (1/ 322 - 323)، والبيهقي (2/ 344) مرفوعًا. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

ورواه موقوفًا عبد الرزاق (2/ 310) رقم 3486، وابن أبي شيبة (2/ 34)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 288) رقم 1670، وأبو يعلى (2/ 14) رقم 760، والدارقطني في العلل (4/ 380).

ومن حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. رواه ابن أبي شيبة (2/ 35)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 288) رقم 1668، وابن حبان "الإحسان"(5/ 267) رقم 1940، والطبراني في الكبير (17/ 313، 314) رقم 867، 868، والحاكم (1/ 325) والبيهقي (1/ 344). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(1)

إشارة إلى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا. . .". رواه البخاري في الصلاة، باب 31، 32، حديث 401، 404، وفي السهو، باب 2، حديث 1226، وفي أخبار الآحاد، باب 1، حديث 7249، ومسلم في المساجد، حديث 572، (92).

ص: 470

مفارقته) أي الإمام القائم إلى زائدة على من علم ذلك، لاعتقاده خطأه (ويتم المفارق صلاته) لنفسه للعذر (وظاهره هنا: ولو قلنا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه) فتكون هذه كالمستثناة من كلامهم لعموم البلوى بكثرة السهو، وقال في "المنتهى"، تبعًا "للشرح" و"المبدع"، وغيره: فإن أباه إمام قام لزائدة بطلت صلاته، كمتبعه عالمًا ذاكرًا.

(و‌

‌يرجع طائف) في عدد الأشواط (إلى قول اثنين

نصًا) قال في رواية أبي طالب

(1)

: لو اختلف رجلان فقال أحدهما: طفنا سبعًا، وقال الآخر: ستًا، فقال: لو كانوا ثلاثة، فقال اثنان: طفنا سبعًا، وقال الآخر: طفنا ستًا، قبل قولهما؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل قول القوم، يعني في قصة ذي اليدين، ومنه أخذ الأصحاب وجوب الرجوع إلى تنبيه الثقتين، وإن لم يكونا معه في العبادة، لأن الطواف لا مشاركة فيه.

(ولو نوى ركعتين نفلًا نهارًا، فقام إلى ثالثة سهوًا، فالأفضل إتمامها أربعًا ولا يسجد للسهو) لإباحة التطوع بأربع نهارًا.

(وله أن يرجع ويسجد) للسهو.

(ورجوعه) إذا نوى ركعتين نفلًا (ليلًا) وقام إلى ثالثة سهوًا (أفضل) من إتمامها أربعًا؛ لأن إتمامها مبطل لها، كما يأتي، وعدم إبطال النفل مستحب، لأنه لا يجب إتمامه (ويسجد) للسهو (فإن لم يرجع) من نوى اثنتين ليلًا، وقام إلى ثالثة سهوًا (بطلت) صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنَى مثنَى"

(2)

ولأنها صلاة شرعت ركعتين، أشبهت صلاة الفجر. وهذا معنى قول

(1)

انظر الفروع (1/ 509).

(2)

رواه البخاري في الصلاة، باب 84، حديث 472، 473، وفي الوتر، باب 1، حديث 990، 993، وفي التهجد، باب 10، حديث 1137، ومسلم في صلاة المسافرين، حديث 749 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 471

"المنتهى" وغيره: وليلًا، فكقيامه إلى ثالثة بفجر، قال في "الشرح": نص عليه أحمد

(1)

، ولم يحك فيه خلافًا في المذهب. فإن قيل: الزيادة على ثنتين ليلًا مكروهة فقط، وذلك لا يقتضي بطلانها. قلت: هذا إذا نواه ابتداء، وأما هنا فلم ينو إلا على الوجه المشروع، فمجاوزته زيادة غير مشروعة، ومن هنا يؤخذ أن من نوى عددًا نفلًا، ثم زاد عليه، إن كان على وجه مباح فلا أثر لذلك، وإلا كان مبطلًا له.

ثم أشار إلى القسم الثاني من زيادة الأفعال بقوله: (وعمل متوال مستكثر في العادة، من غير جنس الصلاة؛ كمشي، وفتح باب، ونحوه) كلف عمامة، وخياطة، وكتابة (يبطلها) أي الصلاة (عمده، وسهوه، وجهله) لقطعه الموالاة بين الأركان (إن لم تكن ضرورة) كخوف، وهرب من عدو، أو سيل، ونحوه، فلا يبطل الصلاة؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات (وتقدم) في الباب قبله.

(ولا يبطل) الصلاة عمل من غير جنس الصلاة (يسير) عادة، لما تقدم من فتحه صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة

(2)

، وحمله أمامة ووضعها

(3)

، وكذا لو كثر العمل وتفرق.

(ولا يشرع له سجود) ولو فعله سهوًا؛ لأنه لم يرد السجود له، ولا يصح قياسه على ما وررد السجود له، لمفارقته إياه.

(ولا بأس به) أي بالعمل اليسير من غير جنسها (لحاجة) لما تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم.

(1)

مسائل عبد الله (1/ 290) رقم 406.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 425) تعليق رقم 2.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 299) تعليق رقم 4.

ص: 472

(ويكره) العمل اليسير من غير جنسها (لغيرها) أي غير حاجة إليه، لأنه يذهب الخشوع.

(و‌

‌إن أكل، أو شرب) في صلاة (عمدًا،

فإن كان) ذلك (في فرض بطلت) صلاته (قل) الأكل، أو الشرب (أو كثر) لأنه ينافي الصلاة. قال في "المبدع": وهو إجماع من نحفظ عنه في الفرض، إلا ما حكاه في "الرعاية" قولًا: أنها لا تبطل بيسير شرب، لكنه غير معروف.

(و) إن كان من أكل، أو شرب (في) صلاة (نفل) فإنه (يبطل كثيره عرفًا) لقطع الموالاة بين الأركان (فقط) أي دون اليسير من الأكل والشرب، فلا يبطل النفل كغيرهما، وهذا رواية. وعنه أن النفل كالفرض، قدمه جماعة، وصححه في "الشرح"، قال في "المبدع": وبه قال أكثرهم؛ لأن ما أبطل الفرض أبطل النفل، كسائر المبطلات. وعنه: لا يبطل بيسير الشرب فقط، وهي مفهوم ما قطع به في "المنتهى"، والمصنف في "مختصر المقنع". وقال ابن هبيرة

(1)

: إنه المشهور عنه. قال في "الفروع": والأشهر عنه بالأكل اهـ. أي يبطل النفل بيسير الأكل عمدًا، فعلم منه: أنه لا يبطل النفل بيسير الشرب، لما روي أن ابن الزبير

(2)

، وسعيد بن جبير

(3)

، شربا في التطوع. قال الخلال: سهّل أبو عبد الله في ذلك، وفي "المبدع": وهو المذهب؛ وذلك لأن مدَّ النفل وإطالته مستحبة، مطلوبة، فيحتاج معه كثيرًا إلى جرعة ماء لدفع العطش، كما سومح به جالسًا وعلى الراحلة.

(1)

الإفصاح (1/ 145).

(2)

رواه صالح في مسائله (2/ 389) رقم 1057، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2/ 724) رقم 1791، وابن المنذر في الأوسط (3/ 249) رقم 1590، وابن عساكر (28/ 174).

(3)

رواه عبد الرزاق (2/ 333) رقم 3582.

ص: 473

(وإن كان) الأكل أو الشرب (سهوًا، أو جهلًا) ولم يذكره جماعة (لم يبطل يسيره فرضًا كان) ما حصل ذلك فيه (أو نفلًا) لأن تركهما عماد الصوم، وركنه الأصلي، فإذا لم يؤثرا فيه حالة السهو، فالصلاة أولى، وكالسلام، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"عفي لأمتي عن الخطأ والنسيانِ"

(1)

قال في "الكافي": فعلى هذا يسجد؛ لأنه يبطل الصلاة تعمده، وعفي عن سهوه، فيسجد له، كجنس الصلاة، واقتصر عليه في "المبدع"

(2)

.

(ولا بأس ببلع ما بقي في فيه) من بقايا الطعام من غير مضغ (أو) بقي (بين أسنانه من بقايا الطعام بلا مضغ، مما يجري به ريقه وهو اليسير) لأن ذلك لا يسمى أكلًا (وما لا يجري به ريقه، بل يجري بنفسه، وهو ما له جرم تبطل) الصلاة (به) أي يبلعه، هذا مفهوم ما في "الرعاية" و"الفروع" و"الإنصاف" و"المبدع"، وصريح كلام المجد، حيث قال: وكذلك إذا اقتلع من بين أسنانه ما له جرم وأبتلعه، بطلت صلاته عندنا، وعلله بعدم مشقة الاحتراز، وقال في "التنقيح": ولا يبلع ما بين أسنانه بلا مضغ، ولو لم يجر به ريق، نصًا، وتبعه عليه تلميذه العسكري في قطعته، وتبع العسكري تلميذه الشويكي في "التوضيح"، وصاحب "المنتهى".

(وبلع ما ذاب بفيه من سكر ونحوه) كحلوى وشيرخشك

(3)

وترنجبيل

(3)

(كأكل) وكما لو فتح فاه فنزل فيه ماء المطر فابتلعه.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم 1.

(2)

ومقتضى ما جزم به في شرح المنتهى: لا يشرع له سجود. وهو مقتضى كلام المصنف فيما سبق. "ش".

(3)

نوعان من المنّ، وهو كل طل ينزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلًا ويجف جفاف الصمغ. انظر القاموس المحيط ص/ 1594، والألفاظ الفارسية المعربة ص/ 35.

ص: 474

ثم شرع يتكلم على زيادة الأقوال، وهي قسمان: أحدهما: ما يبطل عمده الصلاة كالسلام، وكلام الآدميين، ويأتي

و‌

‌الثاني: ما لا يبطلها مطلقًا،

وقد ذكره بقوله: (وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه غير سلام، ولو) كان إتيانه بالقول المشروع غير السلام (عمدًا كالقراءة في السجود، و) في (القعود، و) كـ (ــالتشهد في القيام، و) كـ (ــقراءة السورة في) الركعتين (الأخريين ونحوه) أي نحو ما ذكر، كالقراءة في الركوع (لم تبطل) الصلاة به، نص عليه؛ لأنه مشروع في الصلاة في الجملة.

(ويشرع) أي يسن (السجود لسهوه) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسيَ أحدُكم فليسجدْ سجدتيْنِ"

(1)

. وعلم منه: أنه إن أتى بذكر، أو دعاء، لم يرد الشرع به فيها، كقول: آمين رب العالمين، وفي التكبير: الله أكبر كبيرًا: أنه لا يشرع له سجود، وجزم به في "المغني" و"الشرح" وغيرهما؛ لأنه روي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول في الصلاة:"الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى"

(2)

ولم يأمره بالسجود.

(و‌

‌إن سلم قبل إتمام صلاته

عمدًا أبطلها) لأنه تكلم فيها، والباقي منها إما ركن، أو واجب، وكلاهما تبطل الصلاة بتركه تعمدًا.

(وإن كان) السلام قبل إتمامها (سهوًا) لم تبطل به، رواية واحدة، قاله في "المغني" لأنه صلى الله عليه وسلم فعله هو وأصحابه وبنوا على صلاتهم، ولأن جنسه مشروع

(1)

رواه مسلم في المساجد، حديث 572 (92) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

رواه أبو داود في الصلاة، باب 121، حديث 773، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنهما، ورواه البخاري في الأذان، باب 126، حديث 799، بنحوه، دون قوله:"كما يحب ربنا، ويرضى".

ص: 475

فيها، أشبه الزيادة فيها من جنسها.

(ثم) إن (ذكر قريبًا عرفًا أتمها) أي الصلاة (وسجد) للسهو (ولو) انحرف عن القبلة، أو (خرج من المسجد) لما روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال: "صلى بنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إحدَى صلاتَيْ العشي - قال ابن سيرين: قد سماها أبو هريرة لكن نسيت أنا - فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضَة في المسجدِ، فاتكأ عليها، كأنه غضبان، ووضع يدَه اليمنى على اليسرى، وشبَّكَ بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفِّه اليسرى، وخرجت السرعان

(1)

من باب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماهُ، وفي القوم رجل في يده طولٌ يقال له: ذو اليدين

(2)

، فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: أكما يقولُ ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدم، فصلى ما ترك، ثم سلم ثم كبر، وسجدَ مثل سجودِه أو أطولَ، ثم رفع رأسه وكبر. فربما سألوه، فيقول: أنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم" متفق عليه

(3)

ولفظه للبخاري.

(1)

قال الخطابي [إصلاح غلط المحدثين ص/ 28]: ترويه العامة مكسور السين ساكن الراء، وهو غلط، والصواب فتحهما، هكذا يقول الكسائي، وقال غيره: بسكون الراء. والأول أجود. فأما قولهم: "سرعان ما فعلت" ففي السين التثليث والراء ساكنة فيها. "ش".

(2)

يقال له الخرباق. "ش".

(3)

البخاري في الصلاة، باب 88، حديث 482، وفي الأذان، باب 69، حديث 714، وفي السهو، باب 5، حديث 1229، وفي الأدب، باب 45، حديث 6051، وفي أخبار الآحاد، باب 1، حديث 7250، ومسلم في المساجد، حديث 573.

ص: 476

(فإن لم يذكر) من مسلم قبل إتمامها (حتى قام) من مصلاه (فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي) من صلاته (عن جلوس مع النية) لأن هذا القيام واجب للصلاة، ولم يأت به لها.

(وإن لم يذكر) من سلم قبل إتمام صلاته (حتى شرع في صلاة غيرها، قطعها) مع قرب الفصل، وعاد إلى الأولى فأتمها، لتحصل الموالاة بين أركانها، ثم سجد للسهو. وفي "الفصول" - فيما إذا كانتا صلاتي جمع -: أتمهما، ثم سجد عقبهما للسهو عن الأولى؛ لأنهما كصلاة واحدة. واقتصر عليه في "الفروع".

(وإن كان سلامه) قبل إتمام صلاته (ظنًا أن صلاته قد انقضت، فكذلك)، أي يعود فيتمها إذا ذكر قريبًا عرفًا، لها تقدم (لا إن سلم من رباعية) كظهر (يظنها جمعة، أو فجرًا، أو التراويح) فيبطل فرضه؛ لأنه ترك استصحاب حكم النية، وهو واجب (وتقدم) ذلك (في) باب (النية، فإن طال الفصل) عرفًا بطلت؛ لأنها صلاة واحدة، فلم يجز بناء بعضها على بعض، مع طول الفصل، لتعذر البناء معه. قال في "المغني" و"الشرح": والمقاربة كمثل حاله صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين، إذ لم يرد بتحديده نص.

(أو أحدث) بطلت؛ لأن استمرار الطهارة شرط، وقد فات.

(أو تكلم لغير مصلحتها) أي الصلاة (كقوله: يا غلام اسقني ونحوه، بطلت) لما روي معاوية بن الحكم أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن صلاتنا هذه لا يصلحُ فيها شيء من كلامِ الآدميينَ" رواه مسلم، وأبو داود

(1)

، وقال مكان "لا يصلح":"لا يحل".

(1)

مسلم في المساجد، حديث 537، وأبو داود في الصلاة، باب 171، حديث 930.

ص: 477

(وإن تكلم) من سلم قبل إتمام صلاته سهوًا (يسيرًا) عرفًا (لمصلحتها) أي الصلاة (لم تبطل) صلاته، إمامًا كان أو مأمومًا، نص عليه في رواية جماعة

(1)

. قال الموفق: إنه الأولى، وصححه في "الشرح"، وهو ظاهر كلام الخرقي، وجزم به في "الإفادات" وقدمه ابن تميم، وابن مفلح في "حواشيه"؛ لأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وذا اليدين تكلموا وبنوا على صلاتهم

(2)

، فعلى هذا: إن أمكنه استصلاح الصلاة بإشارة ونحوها فتكلم، فذكر في "المذهب" وغيره: أنها تبطل صلاته.

وعنه: إن تكلم لمصلحتها سهوًا لم تبطل، وإلا بطلت، قال صاحب "المحرر": وهو أصح عندى؛ لأن النهي عام، وإنما ورد في حال السهو، فيختص به، ويبقى غيره على الأصل (و) قال القاضي علاء الدين المرداوي، المعروف بـ (ــالمنقح: بلى) تبطل صلاته، وإن تكلم يسيرًا لمصلحتها، قال في "الإنصاف": وهي المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، قاله المجد وغيره منهم: أبو بكر الخلال، وأبو بكر عبد العزيز، والقاضي، وأبو الحسين. قال المجد: وهي أظهر الروايات، وصححه الناظم، وجزم به في "الإيضاح"، وقدمه في "الفروع" و"المحرر" و"الفائق". وأجاب القاضي وغيره؛ عن قصة ذي اليدين بأنها كانت حال إباحة الكلام. وضعفه المجد، وغيره؛ لأن الكلام حرم قبل الهجرة عند ابن حبان، وغيره

(3)

، أو بعدها بيسير، عند الخطابي وغيره

(4)

.

(ككلامه في صلبها) أي الصلاة، فتبطل به (ولو) كان (مكرهًا) لأنه أتى

(1)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 77) رقم 380، طبقات الحنابلة (2/ 82).

(2)

تقدم تخريجه (2/ 468) تعليق رقم 2، وص/ 476 تعليق رقم 3.

(3)

انظر الإحسان (6/ 21، 26، 27 - 28)، وفتح الباري (3/ 74).

(4)

انظر معالم السنن (1/ 235).

ص: 478

بما يفسد الصلاة عمدًا؛ ولأن الإكراه نادر.

(لا إن تكلم مغلوبًا على الكلام) بأن خرجت الحروف منه بغير اختياره (مثل إن سلم سهوًا) فلا تبطل صلاته به، وتقدم.

(أو نام فتكلم) لرفع القلم عنه، ولعدم صحة إقراره وعتقه. وقد توقف أحمد

(1)

عن الجواب عنه.

(أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة لا من القرآن) لأنه لا يمكنه التحرز منه.

(أو غلبه سعال، أو عطاس، أو تثاؤب، فبان حرفان) فلا تبطل صلاته، لما مر.

(و‌

‌إن قهقه) في الصلاة (بطلت)

حكاه ابن المنذر إجماعًا

(2)

(ولو لم يبن حرفان) لما روى جابر أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "القهقهة تنقض الصلاةَ ولا تنقضُ الوضوء" رواه الدارقطني

(3)

بإسناد فيه ضعف.

ولأنه تعمد فيها ما ينافيها، أشبه خطاب الآدمي.

(1)

المغني (2/ 448).

(2)

انظر الأوسط (3/ 254). الإجماع ص/ 40.

(3)

سنن الدارقطني (1/ 173) ولفظه: الضحك ينقض الصلاة، ولا ينقض الوضوء.

ورواه - أيضًا - مرفوعًا الطبراني في الصغير (2/ 84)، والبيهقي (2/ 251)، والخطيب في تاريخه (11/ 345) بلفظ: لا يقطع الصلاة الكشر، ولكن تقطعها القهقهة. لفظ الطبراني. ورواه البخاري في الوضوء، باب 34، معلقًا مجزومًا به، وعبد الرزاق (2/ 377) رقم 3766، وابن أبي شيبة (1/ 387)، وأبو يعلى (4/ 204) رقم 2313، والدارقطني (1/ 173)، والبيهقي (1/ 144) عن جابر رضي الله عنه موقوفًا، بلفظ: إذا ضحك الرجل في الصلاة، فإنه يعيد الصلاة، ولا يعيد الوضوء. وصححه موقوفًا الدارقطني (1/ 172)، والبيهقي (1/ 145، 2/ 251)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 51)، والحافظ في الفتح (1/ 280).

ص: 479

و (لا) تبطل الصلاة (إن تبسم) فيها، وهو قول الأكثر، حكاه ابن المنذر

(1)

.

(وإن نفخ) فبان حرفان، فككلام، لما روى سعيد عن ابن عباس "من نفخ في صلاته فقد تكلم"

(2)

وعن أبي هريرة نحوه

(3)

. لكن قال ابن المنذر

(4)

: لا يثبت عنهما، وما روي من عدم الإبطال به عن ابن مسعود

(5)

، وغيره: الأولى حمله على ما إذا لم ينتظم منه حرفان.

(أو انتحب) أي رفع صوته بالبكاء (لا من خشية الله) فبان حرفان، فككلام لأنه من جنس كلام الآدميين، وظاهره: لا فرق بين ما غلب صاحبه وما لم يغلبه، لكن قال في "المغني" و"النهاية": إنه إذا غلب صاحبه لم يضره، لكونه غير داخل في وسعه، ولم يحكيا فيه خلافًا، قاله في "المبدع".

(أو تنحنح من غير حاجة، فبان حرفان، فككلام) لأنه إذا أبانهما كان متكلمًا أشبه ما لو أنَّ، أو تأوه لغير خشية الله، فبان حرفان. وظاهره: أنه إن تنحنح لحاجة لم تبطل، ولو بان حرفان، نقل المروذي ومهنا عن أحمد

(6)

: أنه كان يتنحنح في صلاته. ويعضده: ما روى أحمد، وابن ماجه، عن علي

(1)

الأوسط (3/ 253 - 254).

(2)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد، ورواه عبد الرزاق (2/ 189) رقم 3018، وابن أبي شيبة (2/ 264)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 246) رقم 1585، والبيهقي (2/ 252).

(3)

رواه عبد الرزاق (2/ 189) رقم 3019، وابن المنذر في الأوسط (3/ 246) رقم 1587.

(4)

الأوسط (3/ 247).

(5)

رواه ابن أبي شيبة (2/ 264)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 245) رقم 1583.

(6)

المغني (2/ 452).

ص: 480

قال: "كان لي مدخلان من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار، فإذا دخلت عليه وهو يصلي يتنحنح لي"

(1)

وللنسائي معناه، ولأنها صوت لا يدل بنفسه، ولا مع لفظ غيره على معنى لكونها حروفًا غير محققة، كصوت أغفل، ولا يسمى فاعلها متكلمًا بخلاف النفخ والتأوه.

"تنبيه" ما ذكره المصنف، وصاحب "المنتهى" ومن وافقهما: كالجمع بين كلام الإمام، والأصحاب، فإن الإمام كان يتنحنح في صلاته كما تقدم، والأصحاب جعلوا النحنحة، كالنفخ والقهقهة، وحملوا ما روي عن الإمام علي أنه لم يأت بحرفين، ورده الموفق بأن ظاهر حاله أنه لم يعتبر ذلك؛ لأن الحاجة تدعو إليها.

(و‌

‌يكره استدعاء البكاء

كـ) ــما يكره استدعاء (الضحك) لئلا يظهر حرفان فتبطل صلاته (ويأتي إذا لحن في الصلاة في) باب (صلاة الجماعة) مفصلًا.

"تتمة" علم مما سبق، أن الكلام المبطل للصلاة: ما انتظم حرفين فصاعدًا؛ لأن الحرفين يكونان كلمة، كأب وأخ، وكذلك الأفعال والحروف، لا تنتظم كلمة من أقل من حرفين، قاله في "الشرح"، ويرد عليه نحو: ق و ع

(2)

.

(1)

تقدم تخريجه ص/ 432 تعليق رقم 2.

(2)

وقد يقال المحذوف: لعله كالثابت "ش".

ص: 481

فصل في السجود عن نقص في صلاته

(من نسى ركنًا غير التحريمة)

أي تكبيرة الإحرام (لعدم انعقاد الصلاة بتركها) وكذا النية على القول بركنيتها (فذكره بعد شروعه في قراءة) الركعة (التي بعدها) أي بعد المتروك منها الركن (بطلت) الركعة (التي تركه منها فقط) نص عليه

(1)

؛ لأنه ترك ركنًا ولم يمكنه استدراكه لتلبسه بالركعة التي بعدها، فلغت ركعته، وصارت التي شرع فيها عوضًا عنها، ولا يعيد الاستفتاح، نص عليه في رواية الأثرم

(2)

. فإن كان الترك من الأولى صارت الثانية أولته، والثالثة ثانيته، والرابعة ثالثته، ويأتي بركعة، وكذا القول في الثانية والثالثة.

وعلم منه: أنه لا يبطل ما مضى من الركعات قبل المتروك ركنها، وقال ابن الزاغوني: بلى، وبعده ابن تميم وغيره.

(فإن رجع) إلى ما تركه (عالمًا عمدًا، بطلت صلاته) لأنه ترك الواجب عمدًا، وإن رجع سهوًا، أو جهلًا لم تبطل صلاته، لكنه لا يعتد بما فعله في الركعة التي تركه منها؛ لأنها فسدت بشروعه في قراءة غيرها، فلم تعد إلى الصحة بحال، ذكره في "الشرح".

(وإن ذكره) أي الركن المنسي (قبله) أي قبل شروعه في قراءة التي بعدها (عاد لزومًا، فأتى به) أي بالمتروك، نص عليه

(3)

؛ لكون القيام غير مقصود في

(1)

مسائل أبي داود ص/ 51.

(2)

انظر المغني (2/ 436).

(3)

انظر كتاب الإرشاد لابن أبي موسى ص/ 77، طبقات الحنابلة (1/ 415).

ص: 482

نفسه؛ لأنه يلزم منه قدر القراءة الواجبة وهي المقصودة، ولأنه أيضًا ذكره في موضعه، كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة فذكرها قبل السلام، فإنه يأتي بها في الحال (و) أتى (بما بعده نصًا) من الأركان والواجبات، لوجوب الترتيب (فلو ذكر الركوع وقد جلس أتى به وبما بعده) لما تقدم.

(وإن سجد سجدة ثم قام) قبل سجوده الثانية ناسيًا (فإن كان جلس للفصل) بين السجدتين (سجد الثانية ولم يجلس) للفصل، لحصوله في محله (وإلا) أي وإن لم يكن جلس للفصل (جلس) له (ثم سجد) الثانية تداركًا لما فاته.

(وإن كان جلس) بعد السجدة الأولى (للاستراحة لم يجزئه) جلوسه (عن جلسته للفصل، كنيّته بجلوسه نفلًا) فإنه لا يجزئه عن جلسة الفصل لوجوبها.

(فإن لم يعد) إلى الركن المتروك من ذكره قبل شروعه في قراءة الأخرى (عمدًا، بطلت صلاته) لتركه الواجب عمدًا.

(و) إن لم يعد (سهوًا أو جهلًا، بطلت الركعة فقط) لأنه فعل غير متعمد، أشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك، حتى شرع في القراءة.

(فإن علم) بالمتروك (بعد السلام فهو كتركه ركعة كاملة) لأن الركعة التي لغت بترك ركنها غير معتد بها، فوجودها كعدمها، فإذا سلم قبل ذكرها فقد سلم من نقص (يأتي بها) أي بالركعة (مع قرب الفصل عرفًا كما تقدم) ولو انحرف عن القبلة، أو خرج من المسجد، نص عليه

(1)

، ويسجد له قبل السلام، نقله حرب

(2)

، بخلاف ترك الركعة بتمامها، قاله في "المبدع".

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 76) رقم 378.

(2)

انظر المصدر السابق.

ص: 483

وإن طال الفصل، أو أحدث، بطلت لفوات الموالاة، كما لو ذكره في يوم آخر.

(فإن كان المتروك تشهدًا أخيرًا) أتى به وسجد وسلم.

(أو) كان المتروك (سلامًا أتى به وسجد) للسهو (وسلم) ولم يكن كترك ركعة. وظاهره أو صريحه: أن السجود هنا بعد السلام، مع أنه ليس من المسألتين الآتي استثناؤهما.

(وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات) من كل ركعة سجدة (وذكر في التشهد، سجد في الحال سجدة، فصحت له ركعة ثم أتى بثلاث ركعات، وسجد للسهو وسلم) لأن كل واحدة من الثلاث الأول بطلت بشروعه في قراءة التي بعدها، وبقيت الرابعة ناقصة، فيتمها بسجدة، فتصح، وتصير أولاه، ويأتي بالثلاث الباقية.

(وإن ذكر) أنه ترك أربع سجدات من أربع ركعات (بعد سلامه بطلت صلاته نصًا

(1)

) لأن الركعة الأخيرة بطلت أيضًا بسلامه فلم يصح له شيء من صلاته يبني عليه.

(وإن ذكر) ذلك (وقد قرأ في الخامسة، فهي أولاه) لأن الأولى بطلت بشروعه في قراءة الثانية، والثانية بطلت بشروعه في قراءة الثالثة، والثالثة بطلت بشروعه في قراءة الرابعة، والرابعة بطلت بشروعه في قراءة الخامسة فيبني عليها (وتشهده قبل سجدتي) الركعة (الأخيرة زيادة فعلية) يجب السجود لسهوها، ويبطل الصلاة عمدها، لأنه ليس محلًا للجلوس.

(و) تشهده (قبل السجدة الثانية زيادة قولية) يسن السجود لها سهوًا، ولا

(1)

انظر كتاب الإرشاد لابن أبي موسى ص/ 79، كتاب الروايتين والوجهين (1/ 145)، طبقات الحنابلة (1/ 23).

ص: 484

يبطل عمدها الصلاة، لأنه ذكر مشروع في الصلاة في الجملة، والجلوس له ليس بزيادة، لأنه بين السجدتين، فهو محل جلوس.

وإن نسي سجدتين، أو ثلاثًا من ركعتين جهلهما، أتى بركعتين، وثلاثًا، أو أربعًا من ثلاث جهلها، أتى بثلاث، وخمسًا من أربع، أو ثلاث أتى بسجدتين، ثم بثلاث ركعات أو بركعتين، ومن الأولى سجدة، ومن الثانية سجدتين

(1)

، ومن الرابعة سجدة أتى بسجدة ثم بركعتين.

(و‌

‌إن نسي التشهد الأول

وحده) بأن جلس له ولم يتشهد (أو) نسيه (مع الجلوس له ونهض، لزمه الرجوع والإتيان به) أي بما تركه من التشهد جالسًا (ما لم يستتم قائمًا) لما روى المغيرة بن شعبة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من الركعتينِ فلم يستتم قائمًا، فليجلسْ، وإذا استتم فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه

(2)

، من رواية جابر الجعفي، وقد تكلم فيه. ولأنه أخل بواجب، وذكره قبل الشروع في ركن، فلزمه الإتيان به، كما لو لم تفارق ركبتاه الأرض، وظاهره: أنه يرجع، ولو كان إلى القيام أقرب.

(ويلزم المأموم متابعته) أي الإمام إذا رجع إلى التشهد (ولو بعد قيامهم وشروعهم في القراءة) لحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"

(3)

ولا اعتبار بقيامهم قبله.

(1)

أي: وأتى بالثالثة تامة. "ش".

(2)

أحمد (4/ 252)، وأبو داود في الصلاة، باب 201، حديث 1036، وابن ماجه في الإقامة، باب 131، حديث 1208. وقد روي بنحوه من طريق آخر تقدم تخريجه في (2/ 469)، تعليق 4.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 287) تعليق رقم 2.

ص: 485

(وإن استتم قائمًا، ولم يقرأ) أي لم يشرع في القراءة (فعدم رجوعه أولى) من رجوعه، لما تقدم من حديث المغيرة، وإنما جاز رجوعه لأنه لم يتلبس بركن مقصود؛ لأن القيام ليس بمقصود في نفسه، ولهذا جاز تركه، عند العجز، بخلاف غيره من الأركان.

(ويتابعه) أي الإمام إذا قام سهوًا عن التشهد (المأموم) ويسقط عنه التشهد، والجلوس له إذن، كما تقدم. (ولو علم) المأموم (تركه) أي ترك الإمام التشهد (قبل قيامه) أي المأموم أو الإمام (ولا يتشهد) المأموم بعد قيام إمامه سهوًا، لحديث:"إنما جعل الإمامُ ليؤتم به، فلا تختلِفُوا عليه"

(1)

.

(وإن رجع) الإمام بعد أن استتم قائمًا ولم يقرأ، إلى التشهد (جاز) أي لم يحرم (وكره) خروجًا من خلاف من أوجب المضي لظاهر حديث المغيرة

(2)

، وصححه الموفق.

(وإن قرأ) ثم ذكر التشهد (لم يجز له الرجوع) إلى التشهد لحديث المغيرة، ولأنه شرع في ركن مقصود، كما لو شرع في الركوع.

وتبطل صلاة الإمام، إذا رجع بعد شروعه فيها، إلا أن يكون جاهلًا أو ناسيًا، ومتى علم بتحريم ذلك وهو في التشهد، نهض، ولم يتم الجلوس، وكذا حال المأمومين إن تبعوه، وإن سبحوا به قبل أن يعتدل، فلم يرجع تشهدوا لأنفسهم، وتبعوه. وقيل: بل يفارقونه، ويتمون صلاتهم (وعليه السجود لذلك كله) لحديث المغيرة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين"

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 287) تعليق رقم 2.

(2)

تقدم تخريجه في (2/ 469) تعليق رقم 4.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 464) تعليق رقم 4.

ص: 486

(وكذا حكم تسبيح الركوع، والسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين، وكل واجب تركه سهوًا ثم ذكره، فيرجع إلى تسبيح ركوع قبل اعتداله، لا بعده) ذكره القاضي، قياسًا على القيام من ترك التشهد. قال في "المبدع": وليس مثله؛ لأن التشهد واجب في نفسه، غير متعلق بغيره، بخلاف بقية الواجبات، لأنها تجب في غيرها كالتسبيح انتهى، وحيث جاز رجوعه فعاد إلى الركوع، أدرك المسبوق به الركعة به.

(وإن ترك ركنًا) كالركوع أو الطمأنينة فيه (لا يعلم موضعه) بأن جهل: أهو من الأولى أو غيرها؟ (بنى على الأحوط) ليخرج من العهدة بيقين (فلو ذكر في التشهد أنه ترك سجدة لا يعلم) أهي (من الأولى، أم من الثانية؟ جعلها من) الركعة (الأولى، وأتى بركعة) بدلها.

(وإن ترك سجدتين لا يعلم) أهما (من ركعة أو) من (ركعتين؟) جعلهما من ركعتين احتياطًا، فإن ذكرهما قبل الشروع في القراءة (سجد سجدة، وحصلت له ركعة) ثم يأتي بركعة، ليخرج من العبادة بيقين.

(وإن ذكره) أي المتروك، وهو سجدتان لا يعلم من ركعة، أو من ركعتين (بعد شروعه في قراءة الثالثة لغت الأولتان) لأن الأحوط كونهما من ركعتين، كما تقدم، وكل منهما تبطل بشروعه في قراءة التي بعدها.

(وإن ترك سجدة لا يعلم من أي ركعة، أتى بركعه كاملة) لاحتمال أن تكون من غير الأخيرة.

(ولو جهل عين الركن المتروك) بأن ذكر أنه ترك ركنًا وجهل عينه (بنى على الأحوط أيضًا، فإن شك في القراءة، والركوع) أي شك هل المتروك قراءة، أو ركوع؟ (جعله قراءة) فيأتي بها، ثم بالركوع، للترتيب.

(و‌

‌إن شك في الركوع والسجود جعله ركوعًا)

فيأتي به ثم بالسجود.

ص: 487

(ف‌

‌إن ترك آيتين متواليتين من الفاتحة

جعلهما من ركعة) عملًا بالظاهر (وإن لم يعلم تواليهما جعلهما من ركعتين) احتياطًا، لئلا يخرج من الصلاة وهو شاك فيها، فيكون مغررًا بها لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا غرار في الصلاة ولا تسليم" رواه أبو داود

(1)

.

قال الأثرم

(2)

: سألت أبا عبد الله عن تفسيره فقال: أما أنا فلا أراه يخرج منها إلا على يقين أنها قد تمت.

(1)

في الصلاة، باب 170، حديث 928، 929، ولفظه: لا غرار في صلاة ولا تسليم. وأخرجه - أيضًا - أحمد (2/ 461)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 274) رقم 1597، والحاكم (1/ 264)، والبيهقي (2/ 260، 261)، والبغوي (12/ 257) رقم 3299، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (4/ 104)، والخلاصة (1/ 511): رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(2)

انظر المغني (2/ 436). وروى معه أبو داود نحوه في سننه (1/ 570) ومسائله ص/ 52، وابن هانئ في مسائله (1/ 78). وقال في النهاية (3/ 356): الغرار: النقصان

ويريد بغرار الصلاة نقصان هيآتها وأركانها، وغرار التسليم أن يقول المجيب: وعليك، ولا يقول: السلام.

ص: 488

‌فصل: القسم الثالث مما يشرع له سجود السهو

الشك في بعض صوره

وقد ذكر بقوله: (من شك في عدد الركعات بنى على اليقين، ولو) كان الشاك (إمامًا) روي عن عمر

(1)

، وابنه

(2)

، وابن عباس

(3)

، لما روى أبو سعيد أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شكَّ أحدكم في صلاته، فلم يدرِ كم صلى؟

(4)

فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلمَ" رواه مسلم

(5)

. وكطهارة، وطواف، ذكره ابن شهاب؛ ولأن الأصل عدم ما شك فيه، وكما لو شك في أصل الصلاة، وسواء تكرر ذلك منه أو لا، قاله في "المستوعب" وغيره.

(وعنه: يبني إمام على غالب ظنه) والمنفرد على اليقين، ذكر في "المقنع": أن هذا ظاهر المذهب، وجزم به في "الكافي" و"الوجيز"، وذكر في "الشرح" أنه المشهور عن أحمد، وأنه اختيار الخرقي، ولأن للإمام من ينبهه ويذكره إذا أخطأ الصواب، بخلاف المنفرد.

(إن كان المأموم أكثر من واحد، وإلا) أي وإن لم يكن المأموم أكثر من واحد (بنى) الإمام (على اليقين) كالمنفرد، لأنه لا يرجع إليه، بدليل

(6)

المأموم

(1)

رواه ابن أبي شيبة (2/ 25).

(2)

رواه عبد الرزاق (2/ 306) رقم 3469 - 3471، وابن أبي شيبة (2/ 26).

(3)

رواه عبد الرزاق (2/ 308) رقم 3477.

(4)

في "صحيح مسلم" زيادة: ثلاثًا أم أربعًا.

(5)

في المساجد، حديث 571.

(6)

في "ذ" زيادة: "أن".

ص: 489

الواحد لا يرجع إلى فعل إمامه.

(اختاره) أي القول بأن الإمام يبني على غالب ظنه (جمع) منهم من سبق بيانه.

(ويأخذ مأموم عند شكه بفعل إمامه، إذا كان المأموم اثنين فأكثر) لأنه يبعد خطأ اثنين وإصابة واحد. قال في "المبدع": وأما المأموم فيتبع إمامه، مع عدم الجزم بخطئه، وإن جزم بخطئه لم يتبعه ولم يسلم قبله.

(و) المأموم (في فعل نفسه يبني على اليقين) لما تقدم (فلو شك) المأموم (هل دخل معه) أي الإمام (في) الركعة (الأولى، أو الثانية؟ جعله) أي الدخول معه (في الثانية) فيقضي ركعة إذا سلم إمامه احتياطًا.

(ولو أدرك) المأموم (الإمام راكعًا ثم شك بعد تكبيره) للإحرام (هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعًا؟ لم يعتد بتلك الركعة) لاحتمال رفعه من الركوع قبل إدراكه فيه.

(وحيث بنى) المصلي (على اليقين فإنه يأتي بما بقي عليه) من صلاته، ليخرج من عهدته (فإن كان مأمومًا أتى بما بعد سلام إمامه) كالمسبوق، ولا يفارقه قبل ذلك لعدم الحاجة إليه (وسجد للسهو) ليجبر ما فعله مع الشك، فإنه نقص في المعنى. (وإن كان المأموم واحدًا) وشك في عدد الركعات ونحوه (لم يقلد إمامه) لاحتمال السهو منه (كما لم يرجع صلى الله عليه وسلم لقول ذي اليدين) وحده (ويبني على اليقين) لما تقدم، فإذا سلم إمامه أتى بما شك فيه.

(ولا أثر لشكه) أي المصلي (بعد سلامه، وكذلك سائر العبادات لو شك فيها بعد فراغها) لأن الظاهر أنه أتى لها على الوجه المشروع. وتقدم في الطهارة.

(ومن شك) قبل السلام (في ترك ركن فهو كتركه) ويعمل باليقين؛ لأن

ص: 490

الأصل عدمه (ولا يسجد لشكه في ترك واجب) لأن الأصل عدم وجوبه، فلا يسجد بالشك (ولا) يسجد (لشكه هل سها) لأن الأصل عدمه

(1)

.

(أو) شكه (في زيادة) بأن شك في التشهد هل زاد شيئًا أو لا؟ لم يسجد؛ لأن الأصل عدم الزيادة.

(إلا إذا شك فيها وقت فعلها) بأن شك في الأخيرة هل هي زائدة أو لا؟ أو وهو ساجد هل سجوده زائد أو لا؟ فيسجد لذلك، جبرًا للنقص الحاصل فيه بالشك.

(ولا) يسجد (لشكه إذا زال) شكه (وتبين أنه مصيب فيما فعله) إمامًا كان أو غيره لزوال موجب السجود.

(ولو شك) من سها (هل سجد لسهوه أم لا؟ سجد) للسهو، وكفاه سجدتان.

(وليس على المأموم سجود سهو) لحديث ابن عمر يرفعه: "ليس على منْ خلفَ الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه" رواه الدارقطني

(2)

. وظاهره: ولو كان أتى بما محل سجوده بعد السلام.

(إلا أن يسهو إمامه فيسجد) المأموم (معه) سواء سها المأموم أو لا، حكاه إسحاق، وابن المنذر

(3)

، إجماعًا؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام

(1)

وإذا سجد لسهو ظنه ثم ذكر أنه لم يسه سجد على الصحيح، وهذه مسألة الكسائي مع أبي يوسف، ذكره في "مجمع البحرين"، وتبعه في "النكت" فإن الكسائي قال: يتقوى بالعربية على كل علم، فسأله أبو يوسف عن ذلك بحضرة الرشيد عن هذه المسألة فقال: المصغر لا يصغر. حاشية م ص. "ش".

(2)

(1/ 377)، ورواه البيهقي (2/ 352). معلقًا، وضعفه. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 6): وفيه خارجة بن مصعب وهو ضعيف.

(3)

الأوسط (3/ 322)، الإجماع ص/ 40.

ص: 491

ليؤتم بِه، فإذا سجد فاسجدوا"

(1)

. (ولو لم يتم) المأموم (التشهد، ثم يتمه) بعد سجوده مع إمامه متابعة له. (ولو) كان المأموم (مسبوقًا؛ سواء كان سهو إمامه فيما أدركه) المسبوق (معه أو قبله، وسواء سجد إمامه قبل السلام، أو بعده) لعموم ما تقدم.

(فلو قام) المسبوق لقضاء ما فاته (بعد سلام إمامه، رجع) وجوبًا إن لم يستتم قائمًا، (فسجد معه) لسهوه، وإن استتم قائمًا كره رجوعه (وإن شرع في القراءة لم يرجع) أي حرم رجوعه، كما لو نهض عن التشهد الأول. هذا معنى كلامه في "الشرح".

(وإن أدركه) المسبوق (في إحدى سجدتي السهو الأخيرة سجد معه) السجدة التي أدركه فيها، متابعة له (فإذا سلم) إمامه (أتى) المسبوق (بـ) ــالسجدة (الثانية) من سجدتي السهو، ليوالي بين السجدتين (ثم قضى) المسبوق (صلاته نصًا)

(2)

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا"

(3)

.

(وإن أدركه) المسبوق (بعد سجود السهو وقبل السلام، لم يسجد) المسبوق لسهو إمامه، لأن سهو الإمام قد انجبر بسجوده قبل دخوله معه، أشبه ما لو لم يَسْهُ.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 287) تعليق رقم 2.

(2)

انظر مسائل صالح (1/ 144، 392) رقم 38، 369، مسائل عبد الله (1/ 292) رقم 409، مسائل أبي داود ص/ 55، مسائل ابن هاني (1/ 77، 78) رقم 381، 386، مسائل ابن منصور الكوسج (1/ 345 - 346) رقم 243.

(3)

رواه البخاري في الأذان، باب 21، حديث 636، وفي الجمعة، باب 18، حديث 908، ومسلم في المساجد، حديث 602. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 492

(ويسجد مسبوق لسلامه مع إمامه سهوًا) لأنه صار منفردًا بسلام إمامه (و) يسجد مسبوق (لسهوه معه) أي مع إمامه.

(و) يسجد مسبوق لسهوه (فيما انفرد به) رواية واحدة، قاله في "المبدع"، وظاهره: ولو كان سجد مع إمامه لسهوه، كما يعلم مما صوروا به ست تشهدات في المغرب، ويأتي في الجماعة (حتى فيمن فارقه لعذر) أي لو سها الإمام، أو المأموم وهو معه، ثم فارقه لعذر يبيح المفارقة، فإنه يسجد للسهو، لأنه صار منفردًا.

(ولا يعيد) المسبوق (السجود إذا سجد مع إمامه لسهو إمامه) لأنه قد سجد وانجبرت صلاته، وظاهره: ولو كان من سُهي عليه فيما أدرك مع الإمام

(1)

.

(وإن لم يسجد) المسبوق (معه) أي مع إمامه لسهوه لعذر (سجد) المسبوق (آخر الصلاة) وجهًا واحدًا، قاله في "المبدع".

(وإن لم يسجد الإمام) لسهوه (سهوًا، أو عمدًا، لاعتقاده عدم وجوبه، سجد المأموم بعد سلامه والإياس من سجوده) لأن صلاته نقصت بسهو إمامه، فلزمه جبرها، وكما لو انفرد لعذر، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"فعليه وعلى من خلفه"

(2)

.

(لكن يسجد المسبوق) الذي لم يسجد إمامه لسهوه (إذا فرغ) من قضاء ما فاته؛ لأن محل سجود السهو آخر الصلاة، وإنما كان يسجد مع الإمام متابعة له.

(1)

في "ذ": ولو كان سها عليه فيما أدرك مع الإمام. وفي "ح" جعل على قوله "سهي" حرف ميم للدلالة على التكرار مما يدل على أن صواب العبارة: "ولو كان عليه سهو فيما أدركه مع الإمام، والله أعلم.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 491) تعليق رقم 2.

ص: 493

وإن ترك الإمام سجود السهو الواجب قبل السلام مع اعتقاده وجوبه عمدًا بطلت صلاة الإمام. قال في "المبدع": وفي صلاتهم روايتان، وفي "الشرح": وجهان. قلت: مقتضى ما تقدم بطلان صلاتهم، وإن كان محله بعد السلام لم تبطل صلاته ولا صلاتهم؛ لما يأتي.

ولما انتهى

(1)

الكلام على أسباب سجود السهو أخذ يتكلم على أحكامه، وكيفيته، وما يتعلق بذلك فقال:

(وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم ليسجدْ سجدتيْن"

(2)

والأصل في الأمر للوجوب

(3)

، ودخل فيما يبطل عمده: الزيادة، والنقصان، والشك في صوره المتقدمة (سوى نفس سجود سهو) محله (قبل السلام، فإنها) أي الصلاة (تصح مع سهوه) أي مع تركه سهوًا، كسائر الواجبات (وتبطل الصلاة)(بتركه) أي ترك سجود السهو قبل السلام عمدًا كترك غيره من الواجبات.

(ولا يجب السجود له) أي لا يجب السجود لتركه سهوًا، بل إن ذكره قريبًا أتى به بشرطه الآتي، وإلا سقط، لفوات محله.

(وسوى ما إذا لحن لحنًا يحيل المعنى سهوًا أو جهلًا) فإن عمده يبطل الصلاة، ولا يجب السجود لسهوه، أو فعله جهلًا (قاله المجد) عبد السلام بن تيمية (في شرحه) على الهداية (والمذهب: وجوب السجود) للحن المحيل للمعنى سهوًا، أو جهلًا، كسائر ما يبطل عمده الصلاة.

(1)

في "ذ": أنهى".

(2)

تقدم تخريجه (2/ 466) تعليق رقم 1.

(3)

في "ح": "الوجوب".

ص: 494

(ومحله) أي سجود السهو (ندبًا) قال القاضي: لا خلاف في جواز الأمرين، أي السجود قبل السلام وبعده، وإنما الكلام في الأولى والأفضل، فلا معنى لادِّعاء النسخ، (قبل السلام) لأنه إتمام للصلاة، فكان فيها كسجود صلبها.

(إلا في السلام قبل إتمام صلاته إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر) لحديث عمران بن حصين

(1)

وذي اليدين

(2)

، ولأنه من إتمام الصلاة، فكان قبل السلام كسجود صلبها. وقوله:"عن نقص ركعة فأكثر" تبع فيه صاحب "الخلاف" و"المحرر" وغيرهما حيث قالوا: عن نقص ركعة وإلا قبله

(3)

، نص عليه، ولم يقيده به في "المقنع" وغيره. قال في "المبدع": فظاهره لا فرق بين أن يسلم عن نقص ركعة أو أقل. ثم حكى ما تقدم عن "الخلاف"، و"المحرر" وغيرهما.

(و) إلا (فيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه إن قلنا به) وتقدم بيانه (فـ) ــإنه يسجد للسهو (بعده) أي بعد السلام (ندبًا أيضًا) لحديث علي

(4)

، وابن مسعود مرفوعًا: "إذا شك أحدكم في صلاته، فليتحرَّ الصوابَ فليتم

(1)

أخرجه مسلم في المساجد، حديث 574، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يقال له الخرباق، وكان في يده طول، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 476) تعليق رقم 3.

(3)

أي يكون السجود قبله. "ش".

(4)

أخرجه عبد الرزاق (2/ 305)، وابن أبي شيبة (2/ 25)، موقوفًا، قال: إذا كنت لا تدري أربعًا صليت أم ثلاثًا فتوخ الصواب، ثم قم فاركع ركعة، ثم اسجد سجدتين، فإن الله لا يعذب على الزيادة.

ص: 495

عليه، ثم ليسجدْ سجدتيْن" متفق عليه

(1)

، وفي البخاري:"بعد التسليم".

(وإن نسيه) أي سجود السهو (قبل السلام) أتى به بعده، ما لم يطل الفصل، لما روى ابن مسعود أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم "سجد بعد السلامِ والكلامِ" رواه مسلم

(2)

.

(أو) نسيه (بعده) أي بعد السلام أي عقبه (أتى به ما لم يطل الفصل عرفًا، ولو انحرف عن القبلة، أو تكلم) لما تقدم.

(فلو) نسي سجود السهو. و (شرع

(3)

في صلاة) ثم ذكر (قضاه إذا سلم) إن لم يطل الفصل.

(وإن طال الفصل) لم يسجد؛ لأنه لتكميل الصلاة، فلا يأتي به بعد طول الفصل، كركن من أركانها.

(أو خرج من المسجد) لم يسجد؛ لأن المسجد محل الصلاة، فاعتبرت فيه المدة، كخيار المجلس.

(أو أحدث لم يسجد) للسهو، لفوات شرط الصلاة (وصحت) صلاته لأنه جابر للعبادة، كجبرانات الحج، فلم تبطل بفواته.

(ويكفيه لجميع السهو سجدتان، ولو اختلف محلهما) أي محل السهوين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "سها فسلمَ، وتكلمَ بعد سلامِهِ، وسجد لهما سجودًا واحدًا" ولأنه شرع للجبر، فكفى فيه سجود واحد، كلما لو كان من جنس، ولأنه

(1)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 31، حديث 401، وفي سجود القرآن، باب 2، حديث 1226، ومسلم في المساجد، حديث 572.

(2)

في المساجد، حديث 572 (95).

(3)

في "ح": "حتى شرع".

ص: 496

إنما أخر ليجمع السهو كله.

وأما حديث ثوبان: "لكل سهو سجدتان بعد السلام"

(1)

فالسهو اسم جنس، ومعناه: لكل صلاة فيها سهو سجدتان يدل عليه قوله "بعد السلام" ولا يلزمه بعد السلام سجودان.

(و) إذا اجتمع سهوان، أحدهما قبل السلام، والآخر بعده فإنه (يغلب ما قبل السلام) على ما بعده؛ لأن ما قبل السلام آكد، ولسبقه.

(وإن شك في محل سجوده) بأن حصل له سهو وشك: هل السجود له قبل السلام أو بعده؟ (سجد قبل السلام) لأنه الأصل.

(ومتى سجد) للسهو (بعد السلام) سواء كان محله قبله أو بعده (كبر، ثم سجد سجدتين) كسجود صلب الصلاة (ثم جلس) مفترشًا في الثنائية، ومتوركًا في غيرها (فتشهد وجوبًا) التشهد الأخير ثم سلم. وهو قول جماعة، منهم ابن مسعود

(2)

، لحديث عمران بن حصين "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سها، فسجد سجدتين، ثم تشهدَ ثم سلم" رواه أبو داود، والترمذي وحسنه

(3)

.

ولأنه سجود يسلم له، فكان معه تشهد يعقبه كسجود الصلب (وتقدم)

(1)

تقدم تخريجه (2/ 459) تعليق رقم 3.

(2)

رواه عبد الرزاق (2/ 312، 314) رقم 3491، 3499، وابن أبي شيبة (2/ 30، 31)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 315) رقم 1710، والبيهقي (2/ 345) عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

(3)

أبو داود في الصلاة، باب 202، حديث 1039، والترمذي في الصلاة، باب 173، حديث 395. وأخرجه - أيضًا - النسائي في السهو، باب 23، حديث 1235، وابن الجارود (1/ 218) رقم 247، وابن خزيمة (2/ 134) رقم 1062 ابن حبان "الإحسان" (6/ 392، 394) حديث 2670، 2672، والحاكم (1/ 323) وتمام في فوائده (1/ 372) رقم 374، والبيهقي (2/ 254 - 255)، =

ص: 497

بعضه (في الباب قبله).

(وإن سجد قبله) أي قبل السلام (سجد سجدتين بلا تشهد بعدهما) ذكره في "الخلاف" إجماعًا.

(وسجود سهو) كسجود صلب الصلاة (وما يقول فيه) أي في سجود السهو (و) ما يقول (بعد الرفع منه، كسجود صلب الصلاة) لما تقدم في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين: "ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر"

(1)

.

(ومن ترك السجود الواجب) للسهو (عمدًا لا سهوًا بطلت) صلاته (بـ) ــترك (ما) محله (قبل السلام) لأنه ترك الواجب عمدًا كغيره من الواجبات، و (لا) تبطل (بـ) ــترك (ما) محله (بعده) أي بعد السلام (لأنه) جبر للعبادة خارج عنها (منفرد عنها) فلم تبطل بتركه، كجبرانات الحج، ولأنه (واجب لها كالأذان) يعني أنه يفرق بين الواجب في الصلاة والواجب لها؛ لأن الأذان واجب للصلاة كالجماعة، ولا تبطل بتركه، بخلاف الواجبات في الصلاة إذا ترك منها شيئًا.

= والبغوي (3/ 297) رقم 761. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وضعفه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 355)، وابن عبد البر في الاستذكار (4/ 382) وغيرهما.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 476) تعليق رقم 3.

ص: 498