المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز بفتح الجيم: جمع جنازة، بكسرها، والفتح لغة، وقيل: بالفتح - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ٤

[البهوتي]

فهرس الكتاب

‌كتاب الجنائز

بفتح الجيم: جمع جنازة، بكسرها، والفتح لغة، وقيل: بالفتح للميت، وبالكسر: للنعش عليه ميت، وقيل عكسه. فإن لم يكن عليه ميت، فلا يقال: نعش، ولا جنازة، وإنما يقال: سرير

(1)

.

وهي مشتقة من جَنَزَ من باب ضرب: إذا ستر.

وكان من حقِّ هذا الكتاب أن يذكر بين الوصايا والفرائض، لكن لما كان أهم ما يُفعل بالميت الصلاة عليه، أعقبه للصلاة.

(ترك الدواء أفضل)، نص عليه

(2)

؛ لأنه أقرب إلى التوكل. واختار القاضي، وأبو الوفاء، وابن الجوزي، وغيرهم فعله؛ لأكثر الأحاديث

(3)

، (ولا يجب) التداوي (ولو ظن نفعه) لكن يجوز اتفاقًا، ولا ينافي التوكل؛ لخبر أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أنزَل الداءَ والدواءَ، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً، فتَدَاووا، ولا تَدَاووا بالحرام)

(4)

.

(1)

انظر الصحاح (3/ 870)، ولسان العرب (5/ 324 - 325)، والمصباح المنير ص/43.

(2)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 143) رقم 1809، وكتاب الحدائق لابن الجوزي (3/ 419).

(3)

انظر التعليق الآتي رقم (4).

(4)

أخرجه أبو داود في الطب، باب 11، حديث 3874، والبيهقي (10/ 5)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 282) وعندهم جميعًا "ولا تتداووا بحرام".

قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود"(5/ 357): في إسناده إسماعيل بن عياش، وفيه مقال: وضعه النووي في "الخلاصة"(2/ 922) وفي المجموع =

ص: 7

(ويحرم) التداوي (بسمٍّ) لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(1)

.

"تتمة": يكره قطع الباسور، ومع خوف تلف بقطعه يحرم، وبتركه يباح.

(فإن كان الدواء مسمومًا، وغلبت منه السلامة، ورُجي نفعه، أُبيح؛ لدفع ما هو أعظم منه، كغيره من الأدوية) غير المسمومة، ودفعًا لإحدى المفسدتين بأخفَّ منها.

(و‌

‌لا بأس بالحمية)

نقله حنبل

(2)

. قال في "الفروع": ويتوجه: أنها مسألة التداوي، وأنه يستحب؛ للخبر:"يا عليُّ، لا تأكلْ من هذا، وكُلْ من هذا؛ فإنه أوفَقُ لك". ولهذا لا يجوز تناول ما ظنَّ ضرره. انتهى. والذي نهاه عنه: الرطب، والذي أمره بالأكل منه: شعير وسِلْق

(3)

، والحديث رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه،

= (5/ 106).

وفي الباب عن أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، بلفظ:"ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" أخرجه البخاري في الطب، باب 1، حديث 5678.

وعن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لكل داء دواء، فإذا أصاب دواء الداء، برأ بإذن الله عز وجل". رواه مسلم في السلام حديث رقم 2204.

وانظر نصب الراية للزيلعي (4/ 283 - 285).

(1)

سورة البقرة الآية: 195.

(2)

انظر: الفروع (2/ 167).

(3)

السِّلْق -بالكسر- نبت له ورق طوال. انظر تهذيب اللغة (8/ 405)، والمصباح المنير ص/ 108.

ص: 8

وغيرهم

(1)

، وقال الترمذي: حسن غريب.

(ويحرم) تداوٍ (بمحرَّم، أكلًا وشربًا، وكذا صوت مَلْهاة، وغيره) كسماع الغناء المحرَّم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تَتَداووا بالحرامِ"

(2)

.

وأخرج ابن عساكر عن أبي عثمان، والربيع، وأبي حارثة، عن عمر، أنه كتب إلى خالد بن الوليد:"إنه بَلغَنى أنكَ تدلكُ بالخمرِ، وإن اللهَ قدْ حرمَ ظاهرَ الخمرِ وباطِنَهَا، وقد حرَّم مسَّ الخمرِ، كما حرَّم شربها، فلا تُمسُّوهَا أجسَادَكم؛ فإنهَا نجسٌ"

(3)

.

ويأتي في كلامه في الجهاد: أنه يجوز الادهان بدهن غير مأكول. وقال في "المنتهى": يحرم بمحرَّم، فتناول الكلَّ. وذكر أبو المعالي: يجوز اكتحاله بميل ذهب وفضة. وذكره الشيخ تقي الدين

(4)

، قال:

(1)

أبو داود في الطب، باب 2، حديث 3856، والترمذي في الطب، باب 1، حديث 2037، وفي "الشمائل" حديث 182، وابن ماجه في الطب، باب 3، حديث 3442. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (8/ 422)، وابن أبي شيبة (8/ 79 - 80)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (5/ 199) حديث 2328، وأحمد (6/ 363 - 364)، والطبراني في الكبير (24/ 297) حديث 753، (25/ 99) حديث 258، والحاكم (4/ 204 - 205، 407)، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 399)، من حديث أُمِّ المنذر بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها، قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي رضي الله عنه، وعلي ناقِه، ولنا دوالٍ معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام علي ليأكل، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: مه، إنك ناقه. حتى كفَّ علي رضي الله عنه. قالت: وصنعت شعيرًا وسلقًا فجئت به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي، أصب من هذا، فهو أنْفَعُ لك" لفظ أبي داود.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 7)، تعليق رقم (4).

(3)

تاريخ دمشق (16/ 264) وانظر بغية الطلب في تاريخ حلب (7/ 3158).

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 15.

ص: 9

لأنها حاجة ويباحان لها.

(ولو أمره أبوه بشرب دواء بخمر، وقال: أمك طالق ثلاثًا إن لم تشربه، حَرُم شربه)، نقله هارون الحمال

(1)

؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

(وتحرم التميمة، وهي عَوذة، أو خَرَزة، أو خيط ونحوه، يتعلقها) فنهى الشارع عنه، ودعا على فاعله، وقال:"لا تزيدك إلا وهنًا، انبِذْها عنْك، لو متَّ وهي عليكَ ما أفلحتَ أبدًا"، روى ذلك أحمد وغيره

(2)

، والإسناد حسن. وقال القاضي: يجوز حمل الأخبار

(1)

الورع للمرُّوذى ص/168، طبقات الحنابلة (1/ 398)، ونقل ابن هانئ مثله في مسائله (2/ 144) رقم 1814.

(2)

أحمد (4/ 445)، وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الطب، باب 39، حديث 3531، والبزار في مسنده (9/ 32) حديث 3547، والروياني في مسنده (1/ 100) حديث 72، وابن حبان "الإحسان"(13/ 449، 453) حديث 6085، 6088، والطبراني في الكبير (18/ 159، 172، حديث 348، 391 والحاكم (4/ 216)، والبيهقي (9/ 350 - 351) والخطيب في الموضح (2/ 174) وابن عبد البر فى التمهيد (5/ 271) عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب"(4/ 204) وقال: رووه كلهم عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمران. ورواه ابن حبان أيضًا بنحوه من أبي عامر الخزاز عن الحسن عن عمران، وهذه جيدة إِلا أن الحسن اختلف فى سماعه من عمران، وقال ابن المديني وغيره: لم يسمع منه، وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أن الحسن سمع من عمران. والله أعلم.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 103) وقال: وفيه مبارك بن فضالة، وهو ثقة، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 223) حديث 1232: هذا إسناد حسن، مبارك هو ابن فضالة مختلف فيه. =

ص: 10

على اختلاف حالين، فنهى إذا كان يعتقد أنها النافعة له والدافعة عنه، وهذا لا يجوز؛ لأن النافع هو الله. والموضع الذي أجازه: إذا اعتقد أن الله هو النافع الدافع، ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية، كما تعتقد أن الدهر يغيرهم، فكانوا يَسبُّونه.

(ولا بأس بكَتْبِ قرآن، وذكر في إناء، ثم يسقى فيه

(1)

مريض

(2)

، وحامل لعسر الولد) أي: الولادة؛ لقول ابن عباس

(3)

.

= قلنا: لم ينفرد به مبارك بن فضالة عن الحسن، بل تابعه صالح بن رستم أبو عامر الخزاز عند البزار، والروياني، وابن حبان حديث رقم 6088، والطبراني (18/ 159) حديث 348، والحاكم، والبيهقي، وصالح بن رستم متكلم فيه -أيضًا- ولكنه صالح في المتابعة.

وأخرجه بنحوه عبد الرزاق (11/ 209) رقم 20344، وابن أبي شيبة (8/ 14) والخلال في السنة (5/ 64) رقم 1623 وابن بطة في "الإبانة"(2/ 860) رقم 1172 تحقيق رضا نعسان، والطبراني في الكبير (18/ 179) رقم 414 من حديث الحسن عن عمران بن حصين موقوفًا.

وأورده موقوفًا الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 103) وقال: رواه الطبراني وفيه إسحاق بن الربيع العطار، وثقه أبو حاتم، وضعفه عمرو بن علي، وبقية رجاله ثقات.

(1)

في "ذ": "منه".

(2)

في "ح": "لمريض".

(3)

أخرج ابن أبى شيبة (8/ 26)، وعبد الله في مسائله (3/ 1347) رقم 1866، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا عسر على المرأة ولدها، فيكتب هاتين الآيتين والكلمات في صحفة، ثم تغسل فتسقى منها: بسم الله لا إله إلا هو الحليم الكريم. سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات، الآية: 46]، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)} [الأحقاف، الآية: 35].

وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال الحافظ في التقريب =

ص: 11

(ويُسنُّ الإكثار من ذكر الموت، والاستعداد له) بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا}

(1)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذِم اللذاتِ"، رواه البخاري

(2)

. وهو بالذال المعجمة، أي: الموت.

= (6121): صدوق سيئ الحفظ جدًّا.

وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 619 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. وزاد فيه: "وينضح على بطنها وفرجها".

وفي إسناده عبد الله بن محمد بن المغيرة، قال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (5/ 158): ليس بقوي. وقال العقيلي في الضعفاء (2/ 301): يحدث بما لا أصل له. وقال ابن عدي في الكامل (4/ 1535): وسائر أحاديثه عامتها مما لا يتابع عليه.

(1)

سورة الكهف، الآية:110.

(2)

لم نقف عليه فى صحيح البخاري، وقد جاء هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه:

أخرجه الترمذي فى الزهد، باب 5، حديث 2307، والنسائي في الجنائز باب 3 حديث 1823، وابن ماجه في الزهد، باب 31، حديث 4258، ونعيم بن حماد في زوائده على الزهد لابن المبارك ص/ 37 حديث 146، وابن أبي شيبة (13/ 226)، وأحمد (2/ 292 - 293)، وابن حبان "الإحسان"(7/ 259 - 261) حديث 2992، 2993، 2994، 2995، والطبراني في الأوسط (9/ 255) حديث 8555، وابن عدي (5/ 1864)، والحاكم (4/ 321)، والقضاعي في مسند الشهاب حديث 669، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 354) حديث 10560، وفي الزهد الكبير، حديث 690، 691، والخطيب في تاريخه (1/ 384، 9/ 470) وابن الجوزي فى العلل المتناهية (2/ 884) حديث 1479.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وأعله الدارقطني بالإرسال، انظر: العلل له (8/ 39 رقم 1397). =

ص: 12

والتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم واجب فورًا، والمستحب إنما هو ملاحظته في ذلك الخوف من الله تعالى،

= ب - أنس بن مالك رضي الله عنه:

أخرجه البزار "كشف الأستار"(4/ 240) حديث 3623، والطبراني في الأوسط (1/ 395) حديث 695، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 498) حديث 826، 827، (4/ 214) حديث 4833، والضياء في المختارة (5/ 76 - 77) حديث 1701 و 1702، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 131) رقم 1883: هذا حديث باطل، لا أصل له. وقال البيهقي: وهو بهذا الإسناد غريب.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 308) وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط باختصار عنه، وإسنادهما حسن.

جـ - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 365) حديث 5776، وابن جميع في معجمه ص/ 244، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 351) حديث 10558، وابن عساكر في تعزية المسلم ص/ 44، حديث 51، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 309) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.

د - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:

أخرجه الترمذى في صفة القيامة، باب 26، حديث 2460، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 498) حديث 828، قال الترمذي: حسن غريب. وضعفه المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 134) رقم 4884.

وانظر المقاصد الحسنة للسخاوي ص/ 138.

هـ - عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 355). قال أبو نعيم: غريب من حديث مالك، تفرد به جعفر عن عبد الملك.

قلنا: وعبد الملك هذا هو ابن يزيد، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 667): لا يُدرى من هو. وانظر: لسان الميزان (4/ 474).

و - أسامة بن زيد رضي الله عنه:

أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 252) وقال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (2/ 131) رقم 1883: هذا حديث باطل، لا أصل له.

ص: 13

والعرض عليه والسؤال عنه وغيرَه مما يقع له بعد الموت بمشيئة الله تعالى.

(و) تسن ‌

(عيادة المريض)

لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "خمسٌ تجبُ للمسلمِ على أخِيهِ: ردُّ السلامِ، وتشميتُ العاطسِ، وإجابةُ الدعوةِ، وعيادةُ المريضِ، واتباعُ الجنَازَةِ" وفي لفظ: "حقُّ المسْلِمِ على المسلمِ ستٌّ" قيل: وما هنَّ يا رسول اللهِ؟ قال: "إذا لقيته فسلمْ عليه، وإذا دعاكَ فأجبه، وإذا استَنْصَحَكَ فانْصَحْ لهُ، وإذا عطس فحمدَ الله، فشمته، وإذا مَرضَ، فعُدْه، وإذا مَات، فاتبعهُ"، متفق عليهما

(1)

، إلا أن البخاري لم يذكر لفظ "الست"، ولا "النصيحة"

(2)

. (ونصه

(3)

: غير المبتدع) كرافضي. قال في "النوادر": تحرم عيادته. (ومثله من جهر بالمعصية) نقل حنبل

(4)

: "إذا علم من رجل أنه مقيم على معصية، لم يأثم إن هو جفاه، حتى يرجع، وإلا كيف يَبين للرجل ما هو عليه، إذا لم يرَ مُنْكِرًا عليه، ولا جفوة من صديق"؟ وخرج به من لا يجهر بالمعصية، فيعاد. قال صاحب "النظم": المستتر مَنْ فَعَلَه بموضع لا يعلمُ به غالبًا إما لبعده، أو نحوه غيرُ من حضره. وأما من فعله بموضع يعلم به جيرانُه، ولو في داره، فإن هذا معلنٌ مجاهر، غير مستتر.

وتكون العيادة (من أول مرضه) لعموم ما سبق. وقيل: بعد ثلاثة

(1)

البخاري في الجنائز باب 2، حديث 1240، ومسلم في السلام، حديث 2162.

(2)

قد ذكرهما في الأدب المفرد حديث 925.

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 153) رقم 1855، والسنة للخلال (3/ 494).

(4)

انظر: الفروع (2/ 185).

ص: 14

أيام؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، رواه ابن ماجه

(1)

بإسناد ضعيف عن أنس.

(وقال

(2)

ابن حمدان) في "الرعاية": (عيادته فرض كفاية. قال الشيخ

(3)

: الذي يقتضيه النصُّ وجوب ذلك) كردِّ السلام، وتشميت العاطس (واختاره جَمْعٌ) منهم الشيرازي، كما في "المبدع"، وقال تبعًا لجدِّه:(والمراد مرة) واختاره الآجري.

(وظاهره) أى: ما تقدم من استحباب عيادة المريض (ولو) كان مرضه (من وجع ضرس، ورمد، ودُمَّل) والواو بمعنى "أو"(خلافًا لأبي المعالي ابن المنجَّا) قال: ثلاثة لا تعاد، ولا يسمى صاحبها مريضًا: الضرس، والرمد، والدمل، واحتج بخبر ضعيف رواه النجاد

(4)

عن أبي هريرة مرفوعًا، بل ثبتت العيادة في الرمد عن زيد بن

(1)

في الجنائز، باب 1، حديث 1437، ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضًا إلا بعد ثلاث. ورواه -أيضًا- الطبراني في "الأوسط"(4/ 385) حديث 3655، وفي الصغير (1/ 293) حديث 484، وابن عدي (6/ 2317)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ص/ 236، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 542) حديث 9216.

قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 315): هو حديث باطل. وضعفه النووي في الخلاصة (2/ 907)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 258): هذا إسناد فيه مسلمة بن علي. قال البخاري وأبو حاتم، وأبو زرعة: منكر الحديث. وقال الحافظ في الفتح (10/ 113): هذا حديث ضعيف جدًا، تفرد به مسلمة ابن علي وهو متروك. وذكره السيوطى في الجامع الصغير (5/ 187 مع الفيض) ورمز لضعفه.

(2)

في "ح": "قال" بلا واو.

(3)

انظر الاختيارات الفقهية ص/128.

(4)

لعله في سننه، ولم تطبع، ورواه -أيضًا- العقيلي (4/ 212)، والطبراني في الأوسط (1/ 133) حديث 152، وابن عدي (6/ 2314)، والخليلي في =

ص: 15

أرقم، قال:"إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عادهُ لمرضٍ كان بعينهِ"، رواه أبو داود، وصححه الحاكم

(1)

. وفي "نوادر ابن الصيرفي"

(2)

: نقل عن إمامنا

(3)

= مشيخته كما في التدوين (1/ 133) والبيهقي في الشعب (6/ 535) حديث 9188، 9189، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 496) رقم 1720 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ثلاث لا يعادون، صاحب الضرس، وصاحب الرمد، وصاحب الدمل".

قلنا: في إسناده مسلمة بن علي الخشني، وهو متروك كما سلف.

قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع والحمل فيه على مسلمة بن علي الخشني، وتعقبه السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/ 338)، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/ 357): بأن مسلمة لم يتهم بالكذب، والحديث أخرجه البيهقي في الشعب وضعفه.

ورواه -أيضا- العقيلي (4/ 212)، والبيهقي في "الشعب"(6/ 535) رقم 9190، عن يحيى بن أبي كثير من قوله. وقال العقيلي: وهذا أولى. وقال البيهقي: وهو الصحيح.

(1)

أبو داود في الجنائز، باب 9، حديث 3102، والحاكم (1/ 342). وأخرجه -أيضا- البخاري في الأدب المفرد حديث 532، وأحمد (4/ 375)، والطبراني في الكبير (5/ 190) حديث 5052، والأوسط (6/ 441) حديث 5948، والبيهقي (3/ 381)، وفي شعب الإيمان (6/ 535) حديث 9191، والخطيب في تاريخه (8/ 411)، والذهبي في السير (9/ 331).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وصححه النووي في الخلاصة (2/ 909)، وفي المجموع (5/ 100).

وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود"(4/ 279): حديث حسن. وحسنه -أيضًا- الذهبي في السير.

(2)

هو أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني الفقيه المحدث المفتى ويعرف بابن الحُبيش، له مصنفات منها:"نوادر المذهب" توفي سنة 678 هـ رحمه الله تعالى. انظر العبر للذهبي (3/ 339). وذيل طبقات الحنابلة (2/ 297). وكتابه نوادر المذهب لم يطبع.

(3)

انظر الفروع (2/ 175).

ص: 16

رحمه الله ورضي عنه أنه قال له ولده: يا أبت، إن جارنا فلانًا مريض، فما نعوده؟ قال: يا بني، ما عادنا فنعوده. ويشبه هذا ما نقله عنه ابناه في السلام على الحُجاج، ويأتي إن شاء الله تعالى

(1)

.

(وتحرم عيادة الذمي) كبداءته بالسلام؛ لما فيه من تعظيمه، (ويأتي) ذلك في أحكام أهل الذمة.

(ويسأله) أي: العائد يسأل المريض (عن حاله) نحو: كيف تجدك؟ (وينفِّس له في الأجل بما يطيب نفسه) إدخالًا للسرور عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا دخلتم على المريض، فنفسوا له في أجله"

(2)

، لكنه

(1)

في كتاب الجهاد، وهو قول الإمام أحمد لابنَيْه: اكتبا لي اسم من سلَّم علينا ممن حجَّ، حتى إذا قدمنا سلَّمنا عليه.

(2)

أخرجه الترمذي في الطب، باب 35، حديث 2087، وفي "العلل الكبير" ص/ 317، حديث 591، وابن ماجه في الجنائز، باب 1، حديث 1438، وابن أبي شيبة (3/ 236 - 237)، وابن عدي (6/ 2343)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 541) حديث 9213، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 387 - 388) حديث 1459، عن موسى بن محمَّد بن إبراهيم عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقال في "العلل": سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي منكر الحديث، وأبوه صحيح الحديث. قلت له: أدرك محمَّد بن إبراهيم أبا سعيد الخدري؟ قال: لا. وقال أبو حاتم في العلل (2/ 241) -بعد أن ساق جملة من الأحاديث؛ ومنها هذا الحديث-: هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة، وموسى ضعيف الحديث، وأبوه محمَّد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من جابر، ولا من أبي سعيد.

وقال البيهقي: موسى بن محمد بن إبراهيم يأتي بالمنكرات بما لا يتابع عليه، والله أعلم.

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. =

ص: 17

ضعيف كما قاله في "الفروع".

"تتمة": روى ابن ماجه وغيره، عن ميمون بن مهران، عن عمر -ولم يدركه- مرفوعًا:"سلوهُ الدعاءَ؛ فإن دعاءه كدعاء الملائكةِ"

(1)

.

(ولا يطيل) العائد (الجلوس عنده) أي: عند المريض؛ خوفًا من الضجر. قال في "الفروع": ويتوجه اختلافه باختلاف الناس، والعمل بالقرائن، وظاهر الحال، ومرادهم في الجملة.

(وتكره) العيادة (وسط النهار نصًا) قال أحمد

(2)

عن قرب وسط النهار: ليس هذا وقت عيادة (وقال

(3)

: يعاد) المريض (بكرة

= وقال الحافظ في الفتح (10/ 121): في سنده لين.

(1)

ابن ماجه في الجنائز، باب 1، حديث 1441، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 336 حديث 557.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 259): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 166): رواته مشهورون، إلا أن ميمون بن مهران لم يسمع من عمر.

وقال النووي في الخلاصة (2/ 915): منقطع. وقال الحافظ في الفتح (10/ 122): بسند حسن لكن فيه انقطاع. انظر -أيضًا- الأذكار للنووي ص/ 119، والنكت الظراف (8/ 110 - 111).

وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/ 541) حديث 9214، وضعفه جدًا. في إسناده عبد الله بن حمدان ابن وهب الدِّينَوري قال الذهبي في الميزان (2/ 412): متهم. ويمان بن سعيد المصيصي، ضعفه الدارقطني وغيره كما في الميزان (4/ 460). وعمر بن موسى ابن وجيه متهم بالوضع. انظر لسان الميزان (4/ 332).

(2)

التمهيد لابن عبد البر (22/ 350)، وكتاب التمام (1/ 258).

(3)

انظر المبدع (2/ 215).

ص: 18

وعشيًا)، والواو بمعنى "أو".

(و) يعاد (في رمضان ليلًا) لأنه ربما رأى من المريض ما يضعفه.

(قال جماعة: ويَغِبُّ بها) وجزم به في "المنتهى" قال في "الفروع": وظاهر إطلاق جماعة خلافه، ويتوجه اختلافه باختلاف الناس، والعمل بالقرائن وظاهر الحال، ومرادهم: في الجملة. وهي تشبه الزيارة. قال: وقد ذكر ابن الصيرفي في "نوادره" الشعر المشهور

(1)

:

لا تُضجرنّ عليلًا في مساءلةٍ

إن العيادة يوم بين

(2)

يومين

بل سله عن حاله، وادع الإله له

واجلس بِقدرٍ فُواقٍ بَينَ حلبين

من زار غبًا أخًا دامت مودتُه

وكان ذاك صلاحا للخليلين

(ويخبر المريض بما يجده) من الوجع (ولو لغير طبيب بلا شكوى، بعد أن يحمد الله) لحديث ابن مسعود مرفوعًا: "إذا كان الشكرُ قبل الشكوى، فليس بشاكٍ"

(3)

. وكان أحمد أوّلا يحمد الله فقط،

(1)

نسبه الخطيب في تاريخه (5/ 146) وياقوت في معجم الأدباء (2/ 521) لمحمد بن الجهم السّمري. وانظر: الفروع (2/ 176).

(2)

صُححت في حاشية نسخة الشيخ حمود التويجري إلي: "بعد".

(3)

لم نجد من رواه موصولًا، وذكره ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة (1/ 208)، عن عبد الرحمن المتطبب، عن بشر الحافي، حدثنا المعافى بن عمران، عن سفيان بن سعيد، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، قالا: سمعنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان =

ص: 19

فلما دخل عليه عبد الرحمن طبيب السنة

(1)

، وحدثه الحديث عن بشر بن الحارث، صار إذا سأله قال: أحمد الله إليك، أجد كذا، أجد كذا

(2)

.

(ويستحب له) أي: المريض (أن يصبر) وكذا كل مبتلى؛ للأمر به في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}

(3)

، وقوله:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}

(4)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"والصبر ضياء"

(5)

. (والصبر الجميل: صبر بلا شكوى إلى المخلوق، والشكوى إلى الخالق لا تنافيه) أي: الصبر (بل) هي (مطلوبة) هذا معنى كلام الشيخ تقي الدين

(6)

. واقتصر ابن الجوزي

(7)

على قول الزجاج: إن الصبر الجميل لا جزع فيه، ولا شكوى إلى الناس

(8)

.

= الشكر

الحديث.

ورواه الخطيب في تاريخه (10/ 277) بسنده عن عبد الرحمن المتطبب، عن بشر الحافي، عن أزهر، عن ابن عون، عن ابن سيرين: إذا حمد العبد قبل الشكوى، لم تكن شكوى.

(1)

هو أبو الفضل البغدادي وهو طبيب الإِمام أحمد، وبشر الحافي، له مسائل حسان عن الإمام أحمد، انظر تاريخ بغداد (10/ 276)، وطبقات الحنابلة (1/ 208)، والمنهج الأحمد (2/ 199).

(2)

تاريخ بغداد (10/ 276) وطبقات الحنابلة (1/ 208)، ومناقب الإِمام أحمد لابن الجوزي ص/ 231.

(3)

سورة النحل، الآية:127.

(4)

سورة الزمر، الآية:10.

(5)

جزء من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه رواه مسلم في الطهارة، حديث 223.

(6)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 128، ومجموع الفتاوى (10/ 666) و (24/ 284).

(7)

في زاد المسير (4/ 193).

(8)

معاني القرآن وإعرابه (3/ 96).

ص: 20

وأجاب

(1)

عن قوله: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}

(2)

بوجهين، أحدهما: أنه شكا إلى الله، لا مِنهُ، واختاره ابن الأنباري، وهو من أصحابنا.

والثانى: أنه أراد به الدعاء؛ فالمعنى: يا رب ارحم أسفي على يوسف.

ومن الشكوى إلى الله: قول أيوب: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

(3)

، وقول يعقوب:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}

(4)

، قال سفيان بن عيينة: وكذلك من شكا إلى الناس، وهو في شكواه راض بقضاء الله، لم يكن ذلك جزعًا، ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل في مرضه:"أجدني مغمومًا، وأجدني مكروبًا"

(5)

،

(1)

يعني ابن الجوزي في زاد المسير (4/ 270).

(2)

سورة يوسف، الآية:84.

(3)

سورة الأنبياء، الآية:83.

(4)

سورة يوسف، الآية:86.

(5)

روي في حديث طويل رواه الشافعي في السنن المأثورة (2/ 45) رقم 387، والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 267) من طريق القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن علي بن الحسين. والقاسم هذا قال فيه ابن حجر في التقريب (5503): متروك رماه أحمد بالكذب.

ورواه الطبراني في الكبير (3/ 128) حديث 2890، وفي الدعاء (3/ 1372) حديث 1220، من طريق عبد الله بن ميمون القداح، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين رضي الله عنه.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 34 - 35) وقال: رواه الطبراني. وفيه عبد الله بن ميمون القداح، وهو ذاهب الحديث.

ورواه السهمي في تاريخ جرجان (362، 363) من حديث علي رضي الله عنه، وفي سنده محمَّد بن جعفر بن محمَّد بن علي الهاشمي الحسينى، ترجمه ابن =

ص: 21

وقوله: "بل أنا وارأساه"

(1)

؟ ذكره ابن الجوزي

(2)

.

(ويُحسن) المريض (ظنه بربه. قال بعضهم: وجوبًا) لما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: "أنا عندَ ظنِّ عبدي بي

(3)

" زاد أحمد: "إن ظنَّ بي خيرًا فله، وإن ظنَّ شرًا فله"

(4)

. وقال ابن هبيرة في حديث أبي موسى: "من أحب لقاء الله أحبَّ الله لقاءَه، ومن كره لقاءَ الله كره الله لقاءه"؛ متفق عليه

(5)

، قال: يدل على استحباب تحسين العبد ظنه عند إحساسه بلقَاء الله، لئلا يكره أحد لقاء الله، يود أن لو كان الأمر على خلاف ما يكره، والراجي المسرور يَوَدُّ زيادة ثبوت ما

= أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 220) وابن عدي (6/ 2232)، وسكتا عنه، وأشار ابن عدي إلى هذا الحديث ولم يعلق عليه. وقال الذهبي فى الميزان (3/ 500) تكلم فيه.

ورواه ابن سعد في الطبقات (2/ 258)، والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 210)، عن محمَّد بن علي بن الحسين مرسلا. ومع إرساله في سند ابن سعد رجل مبهم. وفي سند الدلائل: عبد الواحد بن سليمان الحارثي، عن الحسن بن علي، ولا يدرى من هما.

(1)

جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في المرض، باب 16، حديث 5666 وفي الأحكام، باب 51، حديث 7217، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

زاد المسير (5/ 378).

(3)

البخاري في التوحيد، باب 15، 35 حديث 7405، 7505، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 2675 (19).

(4)

أحمد (2/ 391). وأخرجه بهذه الزيادة -أيضًا- ابن حبان "الإحسان"(2/ 405) حديث 639. و (2/ 407) حديث 641، والطبراني في الكبير (22/ 87 رقم 209) وفي الأوسط (1/ 254) حديث 403، وأبو نعيم في الحلية (9/ 306) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.

(5)

البخاري في الرقاق، باب 41، حديث 6508، ومسلم في الذكر والدعاء، حديث 2686. =

ص: 22

يرجو حصوله.

(ويُغلِّبُ الرَّجاء) لقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}

(1)

، وفي "النصيحة"

(2)

: بغلب الخوف؛ لحمله على العمل. (ونصه

(3)

: يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غلب صاحبَه هلك. قال الشيخ: هذا العدل)

(4)

لأن من غلب عليه حال الخوف، أوقعه في نوع من اليأس والقنوط، إما في نفسه، وإما في أمور الناس، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف، أوقعه في نوع من الأمن بمكر

(5)

الله، إما في نفسه، وإما في الناس. والرجاء -بحسب رحمة الله التي سبقت غضبه- يجب ترجيحه، كما قال تعالى:"أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي خيرًا"

(6)

، وأما الخوف فيكون بالنظر إلى تفريط العبد وتَعَدّيه؛ فإن الله

(1)

سورة الأعراف، الآية:156.

(2)

في "ح" و"ذ": "الصحة".

(3)

مسائل ابن هانئ (2/ 178) رقم 1972.

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 129.

(5)

في "ح" و"ذ": "لمكر".

(6)

أخرجه ابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله حديث 84 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "قال الله: أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن بي خيرا فله الخير، فلا تظنوا بالله إلا خيرًا".

وروى البخاري في التوحيد، باب 15، 35، حديث 7405، 7505، ومسلم في الذكر، حديث 2675، بلفظ: أنا عند ظن عبدي بي وقد تقدم (4/ 22). ورواه ابن حبان "الإحسان"(2/ 405) حديث 639، وزاد: إن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًا فله وقد تقدم (4/ 22).

وروى ابن المبارك في الزهد (909) وأحمد (3/ 491) والدارمي (2/ 305) وابن حبان "الإحسان"(2/ 401، 402)، حديث 633، 634، والدولابي في الكنى (2/ 137، 138) والطبراني في الكبير (22/ 210) عن واثلة بن الأسقع =

ص: 23

عدل لا يأخذ

(1)

إلا بالذنب.

"فائدة": ينبغي للمريض أن يشتغل بنفسه، وما يعود عليه ثوابه، من قراءة، وذكر، وصلاة، واسترضاء خصم، وزوجة، وجار، وكل من بينه وبينه علقة، ويحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، ويصبر على مشقة ذلك، ويتعاهد نفسه بتقليم أظفاره، وأخذ عانته، ونحو ذلك، ويعتمد على الله فيمن يحب، ويوصي للأرجح في نظره.

(ويُكره الأنين) لأنه يترجم عن الشكوى، ما لم يغلبه.

(و) يكره (تمني الموت لضرٍّ نزل به) وكذا إن لم ينزل به ضرٌّ. ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنينَّ أحدُكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي" متفق عليه

(2)

، على الغالب من أحوال الناس (ولا يكره) تمني الموت (لضرر بدينه

(3)

) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أردتَ بعبادك فتنةً، فاقبضني إليكَ غيرَ مفتونٍ"

(4)

.

= رضي الله عنه، بلفظ: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء.

وفي رواية لابن حبان (2/ 405) حديث 641، بلفظ: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرًا، وإن ظن شرًا.

(1)

في "ذ": "لا يؤاخذ".

(2)

البخاري في المرضى، باب 19، حديث 5671، وفي الدعوات، باب 30، حديث 6351، ومسلم في الذكر والدعاء، حديث 2680، من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

في "ح" زيادة: "وخوف فتنة".

(4)

هو جزء من حديث طويل، أخرجه الترمذي في التفسير، باب 39، حديث 3235، وفي العلل الكبير (ص/ 356) حديث 661، وأحمد (5/ 243)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 542) حديث 321، والطبراني في الكبير (2/ 109) =

ص: 24

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حديث 216، وفي الدعاء (3/ 1459) حديث 1414، وابن عدي (6/ 2344)، والدارقطني في الرؤية حديث 229، وابن الجوزى في العلل المتناهية (1/ 19) حديث 13، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 203 - 206)، من طريق عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، عن مالك بن يخامر، أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح

وذكر الحديث. ووقع في بعض الروايات: عن أبي عبد الرحمن السكسكي، عن مالك بن يخامر، به. قال الدارقطني في العلل (6/ 57): وإنما أراد عن عبد الرحمن، وهو ابن عائش.

وأخرجه -أيضًا- ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 48) حديث 585، وفي السنة (1/ 169) حديث 388، والمروزى في قيام الليل كما في مختصره للمقريزي ص/22، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 533)، حديث 318، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 339 - 344) حديث 597، 598، وفي الدعاء (3/ 1463 - 1464) حديث 1418، 1419، والآجري في الشريعة (3/ 1549) حديث 1041، والدارقطني في الرؤية حديث 233 - 240، وابن منده في الرد على الجهمية حديث 75، والحاكم (1/ 520)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 72 - 74) حديث 144، وابن عبد البر في التمهيد (42/ 322 - 323)، والبغوي في شرح السنة (4/ 35 - 37) حديث 924، وابن الجوزي في العلل (1/ 31) حديث 11، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه -أيضًا- أحمد (4/ 66) و (5/ 378)، وابن خزيمة فى التوحيد (2/ 489) حديث 1121، وابن منده في الرد على الجهمية حديث 74، وابن الجوزى في العلل المتناهية (1/ 18) حديث 12، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

. الحديث.

وأخرجه -أيضًا- الترمذي في التفسير، باب 39، حديث 3233، وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 169)، وأحمد (1/ 368)، وعبد بن حميد (1/ 577) حديث =

ص: 25

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 681، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 540) حديث 320، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 102)، والدارقطني في الرؤية حديث 244، 245، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 21) حديث 14، عن أبي قلابة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

ورواه الترمذي في الموضع السابق، حديث 3234، وابن أبى عاصم في "السنة"(1/ 204) حديث 469، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 538) حديث 319، والآجري في الشريعة (3/ 1547) حديث 1039، عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس رضى الله عنهما، مرفوعًا.

وروى البيهقي فى الأسماء والصفات ص/ 300 عن البخاري قوله: عبد الرحمن ابن عائش له حديث واحد، إلا أنهم يضطربون فيه، وهو حديث الرؤيا. وقال محمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل ص/22: هذا حديث قد اضطربت الرواة في إسناده، وليس يثبت عند أهل المعرفة. وانظر النكت الظراف لابن حجر (4/ 382).

وقال الدارقطني عن روايات هذا الحديث بعد أن أوردها جميعًا في العلل (6/ 57): ليس فيها صحيح، وكلها مضطربة، وقال البيهقي: قد روى من أوجه أُخر وكلها ضعيف. وقال ابن الجوزي: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة.

وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 571): حديث ابن عائش عجيب غريب.

وأخرجه -أيضًا- البزار "كشف الأستار"(3/ 14) حديث 2129، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 178) وقال: وفيه سعيد بن سنان وهو ضعيف، وقد وثقه بعضهم، ولم يلتفت إليه في ذلك.

وأخرجه -أيضًا- ابن أبي عاصم في "السنة"(1/ 171) حديث 389، والطبراني في الكبير (8/ 290) حديث 8117، والدارقطني في الرؤية حديث 249، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 324)، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 179): رواه الطبراني، وفيه ليث بن أبي سليم وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجاله ثقات. =

ص: 26

(وتمنِّي الشهادة ليس من تَمنِّي الموت المنهي عنه، ذكره في الهدي

(1)

) بل مستحب، لاسيّما عند حضور أسبابها؛ لما في الصحيح:"من تمنَّى الشهادةَ خالصًا من قلبه، أعطاه الله منازل الشهداء"

(2)

.

= وقال ابن أبي حاتم فى المراسيل ص / 109 - 110: قيل ليحيى: عبد الرحمن ابن سابط سمع من سعد بن أبي وقاص؟ قال: لا، قيل: من أبي أمامة؟ قال: لا، قيل: من جابر؟ قال: لا، هو مرسل، قال ابن أبي حاتم: كان مذهب يحيى أن عبد الرحمن بن سابط يرسل عنهم، ولم يسمع منهم.

وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الدعاء (3/ 1462) حديث 1417، والدراقطني فى الرؤية حديث 253 - 256، والبغوي في شرح السنة (4/ 38) "حديث 925، عن أبي يحيى، عن أبي يزيد، عن أبي سلام الأسود، عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعًا.

وأخرجه البزار "كشف الأستار"(3/ 13) حديث 212، عن أبي يحيى، عن أبي أسماء، عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الهيثمي فى مجمع الزوائد (7/ 177): رواه البزار من طريق أبي يحيى عن أبي أسماء الرحبي، وأبو يحيى لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وأخرجه -أيضًا- البزار "كشف الأستار"(4/ 60) حديث 3197، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعًا. قال الهيثمي فى مجمع الزوائد (10/ 181): رواه البزار، وإسناده حسن.

قلنا: لكن فيه سعيد بن بشير الأزدي، قال محمد بن عبد الله بن نمير: منكر الحديث ليس بشيء، ليس بقوي الحديث، يروي عن قتادة المنكرات. ورواه الطبراني في الدعاء (3/ 1462) حديث 1416، والخطيب في تاريخه (8/ 151) من حديث أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

(1)

انظر زاد المعاد لابن قيم الجوزية (3/ 212).

(2)

أخرجه مسلم فى الإمارة حديث 1909، من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"من سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه".

ص: 27

(ويذكِّره) العائد (التوبةَ) لأنها واجبة على كل حال، والمريض أحوج إليها من غيره. قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يقبل توبةَ العبدِ ما لمْ يغرغر"

(1)

، أي: تبلغ روحه إلى حلقه.

(و) يذكّره (الوصية)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء

(1)

أخرجه الترمذي في الدعوات، باب 98، حديث 3537، وابن ماجه في الزهد، باب 30، حديث 4253، وأحمد (2/ 132، 153)، وعبد بن حميد (2/ 50) حديث 845، وأبو يعلى (9/ 462) حديث 5609، (10/ 81) حديث 5717، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 1173) حديث 3529، وابن حبان "الإحسان"(2/ 395) حديث 628، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 124) حديث 194، و (4/ 347) حديث 3519، وابن عدي (4/ 1592)، والحاكم (4/ 257)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 395، 396) حديث 7063، 7064، والبغوي في شرح السنة (5/ 90) حديث 1306، والذهبي في سير أعلام النبلاء (5/ 160) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ووقع في سنن ابن ماجه معزوا إلى عبد الله بن عمرو. وهو وهم، نبه عليه المزي في تحفة الأشراف (7/ 328).

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال الذهبي في السير: هذا حديث عالٍ صالح الإسناد.

وأخرجه الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 124) حديث 408، عن ابن سيرين عن أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

وأخرجه أحمد (3/ 425) والحاكم (4/ 258) عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا.

قال الهيثمي في المجمع (10/ 197): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن وهو ثقة. قلنا: قد ضعفه الحافظ في التقريب [3843].

وأخرجه الطبري في تفسيره (4/ 301 - 302) حديث 8858، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 154)، عن قتادة، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا. وإسناده منقطع، لأن قتادة لم يدرك عبادة بن الصامت.

ص: 28

يوصي بهِ يبيتُ ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عندهُ" متفق عليه

(1)

من حديث ابن عمر.

(و) يذكّره (الخروج من المظالم) لأنه شرط لصحة التوبة (ويرغِّبه في ذلك) أي: ما ذكر من التوبة، والوصية، والخروج من المظالم (ولو كان مرضه غير مَخُوفٍ) لأن ذلك مطلوب حتى من الصحيح.

(ويدعو) العائد للمريض (بالصلاح والعافية) لما يأتي.

(ولا بأس بوضع) العائد (يده عليه) أي: على المريض (و) لا بأس (برُقَاه) لما في الصحيحين: أنه كان يعود بعض أهله، ويمسح بيده اليمنى (ويقول في دعائه: "أذهب الباس، ربُّ الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادرُ) أي: يترك (سَقمًا

(2)

. ويقول: أسأل الله العظيم، ربِّ العرشِ العظيم أن يشفيك ويعافيك، سبع مرات)؛ لحديث ابن عباس، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما

(3)

. وفي بعض الروايات إسقاط: "ويعافيك".

(1)

البخاري فى الوصايا، باب 1، حديث 2738، ومسلم فى الوصية، حديث 1627.

(2)

رواه البخاري فى الطب، باب 20، 38، 40 حديث 5675، 5743، 5744، 5750، ومسلم فى السلام، حديث 2191. من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

أحمد (1/ 239، 243، 352)، وأبو داود في الجنائز، باب 12، حديث 3106. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الأدب المفرد حديث 536، والترمذي في الطب، باب 32، حديث 2083، والنسائي في الكبرى (6/ 258 - 259)، وفى عمل اليوم والليلة حديث 1043 - 1048، وابن أبى شيبة (8/ 46، 47) و (10/ 314)، وعبد بن حميد (1/ 602) حديث 717، وأبو يعلى (4/ 318، 366) حديث 2430، 2483، وابن حبان "الإحسان" (7/ 240، 243) حديث 2975، 2978، والطبراني في الكبير (11/ 448، 450) حديث 12272، 12277، و (12/ 150) حديث 12731، وفي الدعاء (2/ 1321 - 1324) =

ص: 29

ويستحب أن يقرأ عنده فاتحة الكتاب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "وما يدْريك أنها رقيةٌ"

(1)

.

وأن يقرأ عنده سورة الإخلاص والمعوذتين، فقد ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم

(2)

.

= حديث 1114 - 1120، وابن جُميع في معجمه حديث 222، والحاكم (1/ 342، 343) و (4/ 213، 416) والبغوي في شرح السنة (5/ 231) حديث 1419، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

وليس عندهم زيادة -لفظ: "ويعافيك"، خلا الحاكم (4/ 416)، وجاء عند الطبراني في إحدى رواياته في الدعاء، أن "يعافيك" بدل "أن يشفيك".

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال الحاكم فى الموضع الأول: هذا حديث شاهد صحيح. ووافقه الذهبي. وقال في الموضع الثاني: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وصححه النووي فى المجموع (5/ 99)، والسيوطي في الجامع الصغير (5/ 499 مع الفيض). وحسنه الحافظ ابن حجر، كما في الفتوحات الربانية (4/ 61).

(1)

أخرجه البخاري فى الإجارة، باب 16، حديث 2276، وفي فضائل القرآن، باب 9، حديث 5007، وفي الطب، باب 33، 39، حديث 5736، 5749، ومسلم في السلام، حديث 2201، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وليس فيه ما يدل على ما ذكره المؤلف.

(2)

روى البخاري في المغازي، باب 83، حديث 4439، وفي فضائل القرآن، باب 14، حديث 5016، وفي الطب، باب 32، 39، 41، حديث 5735، 5748، 5751، ومسلم في السلام، حديث 2192، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله، نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه، جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه، لأنها كانت أعظم بركة من يدي. لفظ مسلم. وليس فيه ما يدل على ما ذكره المؤلف.

ص: 30

وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رجلٌ يعودُ مريضًا فليقل: اللهم اشفِ عبدك؛ ينكأ لك عدوًّا، أو يمشي لك إلى صلاة"

(1)

.

وصح: أن جبريل عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "بسم الله أرقيك، من كل شيءٍ يؤذيك، من شر كل نفسٍ، أو عين حاسدٍ، الله يشفيك، باسمه أرقيك"

(2)

.

وأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على من يعوده قال: "لا بأس، طهورٌ إن شاء الله"

(3)

. وفي "الفنون": إن سألك وضع يدك على رأسه للتشفي،

(1)

أبو داود في الجنائز، باب 12، حديث 3107. وأخرجه -أيضًا- أحمد (2/ 172)، وعبد بن حميد (1/ 306) حديث 344، والعقيلي (1/ 320)، وابن حبان "الإحسان" (7/ 239) حديث 2974، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص/496) حديث 547، والحاكم (1/ 344 و 549)، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعًا. ولفط أحمد: ويمشي بدل أو يمشي.

قال الحاكم في الموضع الأول: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال فى الموضع الآخر: هذا حديث مصري صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وذكره السيوطي في "الجامع الصغير"(1/ 402 مع الفيض)، ورمز له بالصحة غير أن العقيلي نقل عن البخاري قوله: حيي بن عبد الله: فيه نظر، ثم قال: فى عيادة المريض أحاديث جيدة الأسانيد بغير هذا اللفظ.

وانظر الفتوحات الربانية (4/ 61 - 62).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ينكأ": قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار"(2/ 12): كذا الرواية بفتح الكاف، مهموز الآخر، وهي لغة، والأشهر: ينكي فى هذا، ومعناه: المبالغة في أذاه.

(2)

أخرجه مسلم في السلام، حديث 2186، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري في المناقب، باب 25، حديث 3616، وفى المرضي، باب =

ص: 31

فجدد توبة، لعله يتحقق ظنه فيك، وقبيح تعاطيك ما ليس لك، وإهمال هذا وأمثاله يعمي القلوب، ويخمر العيون

(1)

، ويعود بالرياء.

(فإذا نزل به) أي: نزل المَلَكُ بالمريض لقبض روحه، (سُنَّ أن يليه أرفق أهله به، وأعرفهم بمداراته، وأتقاهم لله) تعالى (و) أن (يتعاهد بلَّ حَلْقه بماء أو شراب، ويُندِّي شفتيه بقطنة) لأن ذلك يطفئ ما نزل به من الشدة، ويسهل عليه النطق بالشهادة (و) أن (يلقنه قول: لا إله إلا الله مرة) لما روى مسلم عن أبي سعيد مرفوعًا: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"

(2)

.

وأطلق على المحتضر ميتًا، باعتبار ما هو واقع لا محالة.

وعن معاذ مرفوعًا: "من كان آخرُ كلامه لا إلهَ إلا الله، دخلَ الجنة"، رواه أحمد، والحاكم

(3)

، وقال: صحيح الإسناد. واقتصر

= 10، 14 حديث 5656، 5662، وفي التوحيد، باب 31، حديث 7470 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(1)

في "ح": "العيوب". وفي الفروع (2/ 180) نقلًا عن الفنون: ويحمر العيون.

(2)

مسلم في الجنائز، حديث 916.

(3)

أحمد (5/ 233، 247)، والحاكم (1/ 351، 500) وفي معرفة علوم الحديث ص/ 76. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الجنائز، باب 20، حديث 3116، والبزار (7/ 77) حديث 2626، والشاشي (3/ 270) حديث 1372، 1373، والطبراني في الكبير (20/ 112) حديث 221، وفي الدعاء (3/ 1485) حديث 1471، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 108) حديث 94، و (6/ 545 - 546) حديث 9234 - 9237، والخطيب في تاريخه (10/ 335) وفي الموضح (2/ 185، 186) والمزي في تهذيب الكمال (13/ 74) و (19/ 101 - 102). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى. =

ص: 32

عليها؛ لأن إقراره بها إقرار بالأخرى، وفيه شيء. وفي "الفروع". احتمال وقال بعض العلماء: يلقن الشهادتين

(1)

؛ لأن الثانية تبع، فلهذا اقتصر في الخبر على الأولى.

(فإن لم يُجب) المحتضر من لقنه (أو تكلم بعدها) أي: بعد لا إله إلا الله (أعاد) الملقن (تلقينه) ليكون آخر كلامه ذلك (بلطف ومداراة)، ذكره النووي إجماعًا

(2)

؛ لأن ذلك مطلوب في كل موضع، فهنا أولى.

(وقال أبو المعالي: يُكره تلقين الورثة) أي: أحدهم (للمحتضر بلا عذر) بأن حضره غيره؛ لما فيه من تهمة الاستعجال. ولا يزاد في التلقين على ثلاث مرات؛ لئلا يضجره، ما لم يتكلم كما تقدم.

(ويُسنُّ أن يقرأ عنده: يس) لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا على موتاكم سورة يس"، رواه أبو داود، وابن ماجه

(3)

من حديث معقل بن يسار؛

= وحسَّن النووي إسناده في المجموع (5/ 99)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 206 مع الفيض)، ورمز لصحته. وانظر الفتوحات الربانية (4/ 108 - 109).

(1)

عبارة الفروع (3/ 191): ويتوجه احتمال كما ذكر جماعة من الحنفية والشافعية: يلقن الشهادتين.

(2)

شرح مسلم (6/ 219).

(3)

أبو داود في الجنائز، باب 24، حديث 3121، وابن ماجه في الجنائز، باب 4، حديث 1448. وأخرجه -أيضًا- النسائى في الكبرى (6/ 265) حديث 10913، وفي عمل اليوم والليلة حديث 1074، 1075، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص/ 126، وابن أبي شيبة (3/ 237)، وأحمد (5/ 26 - 27)، وابن حبان "الإحسان" (7/ 269) حديث 3002، والطبرانى في الكبير (20/ 219) حديث 510، والحاكم (1/ 565)، والبيهقي (3/ 383) وفي شعب الإيمان =

ص: 33

وفيه لين، قاله في "المبدع". وفي "شرح المنتهى": صححه ابن حبان

(1)

؛ ولأنه يسهل خروج الروح (و) أن يقرأ (الفاتحة) نص عليه

(2)

. وفي "المستوعب": ويقرأ تبارك.

(و) يسن (توجيهه إلى القبلة قبل النزول به وتيقُّن موته، وبعده) لقوله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام: "قبلتكم أحياءً وأمواتًا" رواه أبو داود

(3)

.

= (2/ 478 - 479) حديث 2457، والبغوي فى شرح السنة (5/ 295) حديث 1464، والمزي في تهذيب الكمال (34/ 75) من طريق سليمان التيمي، عن أبي عثمان -وليس بالنهدي- عن أبيه، عن معقل بن يسار رضي الله عنه مرفوعًا.

وعند بعضهم: عن أبي عثمان، عن معقل مرفوعًا، ولم يذكر: عن أبيه.

قال ابن القطان فى بيان الوهم والإيهام (5/ 49 - 50): وهو لا يصح، لأن أبا عثمان هذا لا يُعرف، ولا روى عنه غير سليمان التيمي، وإذا لم يكن هو معروفًا، فأبوه أبعد من أن يعرف، وهو إنما روى عنه.

وقال النووى في المجموع (5/ 99): وأما حديث معقل فرواه أبو داود وابن ماجه، بإسناد فيه مجهولان، ولم يضعفه أبو داود. وقال فى الأذكار ص/ 122: إسناده ضعيف.

وقال ابن حجر فى التلخيص الحبير (2/ 104): ولم يقل النسائي وابن ماجه: عن أبيه، وأعله ابن القطان بالاضطراب، وبالوقف، وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه، ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث. وانظر الفتوحات الربانية (4/ 119).

(1)

يعني رواه في صحيحه، وتقدم الكلام عليه في التعليق السابق.

(2)

انظر المغني (3/ 364) والإنصاف (6/ 16).

(3)

في الوصايا، باب 10، حديث 2875. وأخرجه -أيضًا- الطبري في تفسيره (5/ 39)، والعقيلي (3/ 45)، والطبراني في الكبير (17/ 48) حديث 101، والحاكم (1/ 59) و (4/ 259) والبيهقي (3/ 408 - 409)، والمزي في تهذيب الكمال (16/ 438 - 440)، عن يحيى بن أبى كثير، عن عبد الحميد بن =

ص: 34

ولقول حذيفة: "وجهوني"

(1)

. (و) توجيهه (على جنيه الأيمن إن كان المكان واسعًا أفضل) روى عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت لأم رافع: "استقبلي بى القبلة، ثم قامت فاغتسلت أحسن ما تغتسل،

= سنان، عن عبيد بن عمير، عن أبيه، مرفوعًا، ونقل العقيلي عن الإمام البخاري قوله: عبد الحميد بن سنان عن عبيد بن عمير، في حديثه نظر. وقال الحاكم (1/ 59): قد احتجا برواة هذا الحديث غير عبد الحميد بن سنان. قال الذهبي: لجهالته، ووثقه ابن حبان.

وقال أيضًا (4/ 259): هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 587): ورواته ثقات، وفي بعضهم كلام. وقال -أيضًا- (1/ 274): رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.

وقال الهيثمي فى مجمع الزوائد (1/ 48): رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

وأخرجه -أيضًا - الطبري في تفسيره (5/ 39)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 480) حديث 3339، والبيهقي (3/ 409)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 69 - 70) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا إلا الطبري فإنه رواه موقوفًا.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 59 - 60 مع الفيض) ورمز لصحته.

وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 252): ومداره على أيوب بن عتبة قاضي اليمامة، وهو ضعيف، وهكذا قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 102): وزاد: وقد اختلف عليه فيه.

وفي توجيه المحتضر إلى القبلة حديث آخر، رواه الحاكم (1/ 353 - 354) والبيهقي (3/ 384) من أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه فقالوا: توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول الله، وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصاب الفطرة

إلخ. قال الحاكم: صحيح

ولا أعلم في توجه المحتضر إلى القبلة غير هذا الحديث. ووافقه الذهبي على تصحيحه.

(1)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (12/ 296)، وابن العديم في بغية الطلب في =

ص: 35

ولبست ثيابًا جددًا وقالت: إني الآن مقبوضةٌ: ثم استقبلت القبلة متوسدةً يمينها"

(1)

(وإلا) بأن لم يكن المكان واسعًا، وجِّه (على ظهره) أي: مستلقيًا على قفاه، وأخمصاه إلى القبلة، كالموضوع على المغتسل.

= تاريخ حلب (5/ 2172) من طريق أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش أنه حدثهم: أن أخته -وهي امرأة حذيفة- قالت: لما كان ليلة توفي حذيفة جعل يسألنا: أي الليل هذا؟ فنخبره، حتى كان السَّحَر، قالت: فقال: أجلسوني. فأجلسناه، قال: وجهوني، فوجهناه، قال: اللهم إني أعوذ بك من صباح النار ومن مسائها.

(1)

أخرجه ابن سعد (8/ 27)، وأحمد (6/ 461) وفي فضائل الصحابة (2/ 725) حديث 1243، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (1/ 108 - 109)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة (2/ 629، 725) حديث 1074، 1244، والدولابي في الذرية الطاهرة (ص/112) حديث 215، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه حديث 646، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 260) حديث 419، وفي الموضوعات (3/ 617) حديث 1842، وفي التحقيق (2/ 6)، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 344)، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن أمه سلمى قالت: اشتكت فاطمة ....

قال النووي في المجموع (5/ 99): وأما حديث سلمى فغريب لا ذكر له في هذه الكتب المعتمدة. ورد عليه ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة (2/ 369) بقوله: وفاته أنه في مسند أحمد.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 129) والحسيني في الإكمال ص/ 632: وهو منكر.

ورد الحافظ ابن حجر في القول المسدد ص/ 100 - 101 على ابن الجوزي إيراده هذا الحديث في الموضوعات.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 211): رواه أحمد، وفيه من لم أعرفه.

ص: 36

(وعنه)

(1)

: يوجَّه (مستلقيًا على قفاه) واسعًا كان المكان، أو ضيقًا (اختاره الأكثر) وعليه العمل. (قال جماعة: يرفع رأسه) أي: المنخفض

(2)

إذا كان مستلقيًا (قليلًا؛ ليصير وجهه إلى القبلة، دون السماء.

واستحبَّ الموفق والشارح تطهير ثيابه قبل

(3)

موته) لأن أبا سعيد لما حضره الموت، دعا بثياب جدد، فلبسها، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الميتُ يبعثُ في ثيابه التي يموتُ فيها" رواه أبو داود

(4)

.

وذكر ابن الجوزي

(5)

أن بعض العلماء

(6)

قال: المراد بثيابه

(1)

مسائل أبي داود ص/138.

(2)

في "ح" و"ذ": "المحتضر".

(3)

في "ذ": "قبيل".

(4)

في الجنائز، باب 18، حديث 3114، وأخرجه -أيضًا- الحاكم (1/ 340)، والبيهقي (3/ 384)، وأخرج عبد الرزاق (3/ 430) حديث 6203، وابن حبان "الإحسان"(16/ 307) حديث 7316، المرفوع فقط. وأورده الديلمي في الفردوس (4/ 241).

قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 285): وفي إسناده يحيى بن أيوب وهو الغافقي المصري، احتج به البخاري ومسلم وغيرهما وله مناكير، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أحمد: سيِّئ الحفظ. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 279 مع الفيض) ورمز لصحته.

(5)

في كتاب الحدائق في علم الحديث والزهديات (3/ 450).

(6)

هو أبو حاتم ابن حبان رحمه الله. انظر "الإحسان"(16/ 308): وانظر -أيضًا- معالم السنن للخطابي (1/ 301)، والمجموع (5/ 272).

ص: 37

عمله. قال: واستدل بقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}

(1)

، ويؤيده أنه لم يفعله الأكثر.

(فإذا مات سُنَّ تغميض عينيه) لأنه صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة، وقال:"إنَّ الملائكة يؤمِّنونَ على ما تقولونَ"، رواه مسلم

(2)

. وعن شداد مرفوعًا: "إذا حضرتم الميت، فأغمضوا البصر، فإن البصرَ يَتْبَعُ الروح، وقولوا خيرًا؛ فإنه يؤمَّنُ على ما قال أهلُ الميت" رواه أحمد

(3)

. ولئلا يقبح منظره، ويساء به الظن.

(ويُكره) التغميض (من جنب وحائض، وأن يقرباه) -أي: الميت- حائض أو جنب، نص عليه

(4)

.

(1)

سورة المدثر، الآية:4.

(2)

في الجنائز، حديث 920، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

(3)

(4/ 125). وأخرجه -أيضًا- ابنُ ماجه في الجنائز، باب 6، حديث 1455، والبزار (8/ 402) حديث 3478، وابن حبان في المجروحين (2/ 216)، والطبراني في الكبير (7/ 291) حديث 7168، وفي الأوسط (2/ 14) حديث 1019، و (6/ 455) حديث 5972، وفى الدعاء (3/ 1343) حديث 1153، والإسماعيلي في معجمه (1/ 414)، والحاكم (1/ 352)، عن قَزَعة بن سويد، عن حُمَيد الأعرج، عن محمود بن لبيد، عن شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعًا. وجاء عند بعضهم:"أهل البيت" بدل: "أهل الميت". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن شداد بن أوس إلا من هذا الوجه.

وأعله ابن حبان في كتاب المجروحين (2/ 216) بقزعة وقال: إنه كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، حتى كثر ذلك في روايته فسقط الاحتجاج به. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 261): هذا إسناد حسن، قزعة بن سويد مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات.

(4)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 184) رقم 917.

ص: 38

(وللرجل أن يغمض ذات مَحْرَمه) كأمه، وأخته، وأم زوجته، وأخته من رضاع.

(و) للمرأة أن (تغمض ذا مَحْرمها) كأبيها، وأخيها، ويغمض الأنثى مثلها، أو صبي، وفي الخنثى وجهان.

(ويقول) حين تغميضه: (بسم الله، وعلى وفاة رسول الله) نص عليه

(1)

.

(ولا يتكلم مَن حضره إلا بخير) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "وقولوا خيرًا، فإنهُ يؤمَّنُ على ما قال أهل الميتِ"

(2)

.

(ويشدُّ لحييه) لئلا يدخله الهوام، أو الماء في وقت غسله. (ويُليِّن مفاصله عقب موته) قبل قسوتها؛ لتبقى أعضاؤه سهلة على الغاسل لينة. ويكون ذلك (بإلصاق ذراعيه بعضديه، ثم يعيدهما

(3)

، وإلصاق ساقيه بفخذيه، وفخذيه ببطنه، ثم يعيدهما، فإن شقَّ ذلك عليه، تركه) بحاله (وينزع ثيابه) لئلا يحمى جسده، فيسرع إليه الفساد ويتغير، وربما خرجت منه نجاسة فلوثتها.

(ويُسجَّى) أي: يغطى (بثوب) يستره؛ لما روت عائشة: "أن

(1)

جاء هذا عن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله تعالى رواه عبد الرزاق (3/ 389) رقم 6051، وابن أبي شيبة (3/ 240)، والبيهقي (3/ 385)، ولم يثبت في هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم. والمعروف قول ذلك وقت الدفن كما سيأتي (4/ 194) تعليق رقم (2، 3).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 38)، تعليق رقم (3).

(3)

في "ح": "يعيدها".

ص: 39

النبي صلى الله عليه وسلم حينَ توفيَ، سُجّيَ ببرد حِبَرة"، متفق عليه

(1)

.

(ويجعلُ على بطنه مرآة) -بكسر الميم-: التي ينظر فيها (من حديد، أو طينٌ، ونحوه) لقول أنس: "ضعوا على بطنه شيئًا من حديد"

(2)

، ولئلا ينتفخ بطنه. قال ابن عقيل: وهذا لا يتصور إلا وهو على ظهره. انتهى؛ لأنه إذا كان على جنبه

(3)

لا يثبت على بطنه شيء، فظاهره: أن الميت بعد موته يكون على ظهره؛ ليتصور وضع الحديدة ونحوها.

(ويوضع على سرير غَسْلِه) ليبعد عن الهوام، ويرتفع عن نداوة الأرض (متوجهًا) إلى القبلة؛ لما تقدم من حديث:"قبلتكم أحياء وأمواتًا"

(4)

(على جنبه الأيمن) كما يدفن (منحدرًا نحو رجليه) أي: يكون رأسه أعلى من رجليه؛ لينحدر عنه الماء، وما يخرج منه (ولا يدعه على الأرض) لما تقدم.

(ويجب أن يسارع في قضاء دينه، وما فيه إبراء ذمته، من إخراج كفَّارة، وحج، ونذر، وغير ذلك)، كزكاة، وردِّ أمانة، وغصب، وعارية؛ لما روى الشافعي، وأحمد، والترمذي وحسّنه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"نفسٌ المؤمنِ معلقةٌ بدَيْنهِ، حتى يقضى عنهُ"

(5)

.

(1)

البخاري في اللباس، باب 17، حديث 5814، ومسلم في الجنائز، حديث 942.

(2)

أخرجه ابن حبان في الثقات (4/ 28) والبيهقي (3/ 385).

(3)

في "ح": "جنبيه".

(4)

تقدم تخريجه (4/ 34) تعليق رقم (3).

(5)

الشافعي (2/ 190 ترتيب مسنده)، وفى الأم (3/ 188)، وأحمد (2/ 440، 475، 508)، والترمذي في الجنائز، باب 76، حديث 1078، 1079، =

ص: 40

(ويُسنّ تفريق وصيته) لما فيه من تعجيل الأجر. واقتضى ذلك تقديم الدين مطلقًا على الوصية؛ لقول علي: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية"

(1)

. وأما تقديمها في الآية؛ فلأنها لما أشبهت

= ورواه -أيضًا- ابن ماجه في الصدقات، باب 12، حديث 2413، والطيالسي حديث 2390، والدارمي في البيوع، باب 52، حديث 2591، وأبو يعلي (10/ 304، 416) حديث 5898، 6026، وابن حبان "الإحسان"(7/ 331) حديث 3061، والطبراني في الصغير (2/ 133) وابن عدي (5/ 1698)، والحاكم (2/ 26 - 27)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 172) و (9/ 14، 15)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 77) حديث 915، والبيهقي (4/ 61) و (6/ 49، 76)، وفي شعب الإيمان (4/ 401) حديث 5543، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 235 - 236)، والبغوي في شرح السنة (8/ 202) حديث 2147. قال ابن عبد البر: قال أحمد بن زهير: سئل يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال أبو نعيم: هذا حديث صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 584 مع الفيض)، ورمز لصحته.

وقال الترمذي والبغوي: هذا حديث حسن. وانظر: علل الدارقطنى (9/ 303) رقم 1780.

(1)

أخرجه الترمذي في الفرائض، باب 5، حديث 2094، وفي الوصايا باب 6، حديث 2122، وابن ماجه في الوصايا، باب 7، حديث 2715، والطيالسي ص/ 25 حديث 179، والشافعي في الأم (4/ 29)، وعبد الرزاق (10/ 249) رقم 19003، والحميدي (1/ 30) حديث 56، وابن أبي شيبة (10/ 160) و (11/ 402 - 403) وأحمد (1/ 79، 131، 144)، والبزار (3/ 74) حديث 839، وابن الجارود حديث 950، وأبو يعلى (1/ 257، 421) حديث 300، 625، والطبري في تفسيره (4/ 280 - 281)، والطبراني في الأوسط (5/ 226) حديث 5152، والدارقطني (4/ 86 - 87) وفي العلل (4/ 69 - 70)، والحاكم (4/ 336)، والبيهقي (6/ 267)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 419 - 420) من طريق أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي =

ص: 41

الميراث في كونها بلا عوض، كان في إخراجها مشقة على الوارث، فقُدّمت حثًّا على إخراجها. قال الزمخشري

(1)

: ولذلك جيء بكلمة: "أو" التي تقتضي التسوية، أي: فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع، وإن كان مقدمًا عليها.

(كل ذلك) أي: قضاء الدين، وإبراء ذمته، وتفريق وصيته (قبل الصلاة عليه) لأنه لا ولاية لأحد على ذلك إلا بعد الموت والتجهيز. وفي "الرعاية": قبل غسله. و"المستوعب": قبل دفنه، ويؤيد ما ذكره المصنف ما كان في صدر الإسلام من عدم صلاته صلى الله عليه وسلم على من عليه دين، ويقول:"صلوا على صاحبكم"

(2)

إلى آخره، كما يأتي في

= رضي الله عنه، به.

وعلقه البخاري في الوصايا، باب 9، قبل حديث 2750، بصيغة التمريض، فقال: ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.

قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث، والعملُ على هذا الحديث عند عامة أهل العلم.

وقال الحاكم: هذا حديث رواه الناس عن أبي إسحاق والحارث بن عبد الله على الطريق؛ لذلك لم يخرجه الشيخان، وقد صحت هذه الفتوى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 377): وهو إسناد ضعيف، لكن قال الترمذي: إن العمل عليه عند أهل العلم، وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على معناه، وإلا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به، وقد أورد في الباب ما يعضده أيضًا.

وقال في التلخيص الحبير (3/ 95): والحارث وإن كان ضعيفًا فإن الإجماع منعقد على وفق ما روى.

(1)

انظر الكشاف (1/ 509).

(2)

أخرجه البخاري في الحوالات، باب 3، حديث 2289، وفي الكفالة، باب 3، =

ص: 42

الخصائص

(1)

.

(فإن تعذَّر إيفاء دينه في الحال) لغيبة المال ونحوها (استُحبَّ لوارثه، أو غيره أن يتكفَّل به عنه) لربه، بأن يضمنه عنه، أو يدفع به رهنًا؛ لما فيه من الأخذ في أسباب براءة ذمته، وإلا، فلا تبرأ قبل وفائه، كما يأتي.

(ويُسنُّ الإسراع في تجهيزه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لجيفةِ مسلمٍ أن تُحبس ببن ظهراني أهلهِ" رواه أبو داود

(2)

، ولأنه أصون له، وأحفظ من التغير. قال أحمد: كرامة الميت تعجيله

(3)

(إن مات غير فجأة)

= حديث 2295 من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

(1)

في كتاب النكاح، فصل في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

في الجنائز، باب 33، حديث 3159، وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (4/ 29) حديث 3554، والبيهقي (3/ 386)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 272) من طريق عروة بن سعيد الأنصاري، عن أبيه، عن الحصين بن وَحْوَح، مرفوعًا.

ضعفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 125)، وابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 219).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 37): رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 24): في إسناد هذا الحديث عروة بن سعيد الأنصارى، ويقال عزرة عن أبيه، وهو وأبوه مجهولان.

وله شاهد عند الطبراني في الكبير (12/ 444) حديث 13613 من حديث ابن عمر مرفوعًا: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره

".

قال الحافظ في الفتح (3/ 184): إسناده حسن.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 44). وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف.

(3)

انظر المغني (3/ 366).

ص: 43

وتُيقن موتهُ.

(ولا بأس أن ينتظر به من يحضُره من وَليّ) أي

(1)

: وارث، (وكثرة جَمْعٍ إن كان قريبًا، ما لم يخشَ عليه) أي: الميت (أو يشقّ على الحاضرين) نص عليه

(2)

؛ لما يؤمل من الدعاء له إذا صُلِّي عليه (وفي موت فجأة) أي: بغتة (بصعقة، أو هدم، أو خوف من حرب أو سَبُع، أو تردٍّ من جبل، أو غير ذلك، وفيما إذا شكَّ في موته حتى يُعلم) موته يقينًا (بانخساف صُدغيه، وميل أنفه) وذكر جماعة: (وانفصال كفيه، وارتخاء رجليه، وغيبوبة سواد عينيه في البالغين، وهو أقواها) لأن هذه العلامات دالة على الموت يقينًا. زاد في "الشرح" و"الرعاية": وامتداد جلدة وجهه.

ووجه تأخيره إذا مات فجأة أو شُكَّ في موته (لاحتمال أن يكون عَرَض له سكتة) مرض معروف (ونحوها، وقد يُفيق بعد ثلاثة أيام بلياليها. و) قد (يعرف موت غيره) أي: غير من مات فجأة، أو شُكَّ في موته (بهذه العلامات -أيضًا- وبغيرها

(3)

) كتقلُّص خصيتيه إلى فوق، مع تدلي الجلدة.

(ويُكره النعي، وهو النداء بموته) نص عليه

(4)

. ونقل صالح: لا يعجبني؛ لحديث: "إياكم والنعي، فإن النعي من عملِ الجاهلية"، رواه الترمذي

(5)

عن ابن مسعود مرفوعًا.

(1)

في "ذ": "أو".

(2)

انظر الإنصاف (6/ 22).

(3)

في "ذ": "وغيرها".

(4)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 190) رقم 947، والإفصاح (1/ 203).

(5)

في الجنائز، باب 12، حديث 984، وقال حسن غريب. =

ص: 44

والنعي المعروف في مصر تفعله النساء بدعة محرمة، كما يُعلم مما يأتي.

(ولا بأس أن يُعلم به أقاربه، وإخوانه، من غير نداء) لإعلامه صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنجاشي في اليوم الذي مات فيه، متفق عليه

(1)

من حديث أبي هريرة. وفيه كثرة المصلين، فيحصل لهم ثواب ونفع للميت.

(قال الآجري فيمن مات عشية: يُكره تركه في بيت وحده، بل يبيت معه أهله) قال النخعي: كانوا لا يتركونه في بيت وحده، يقولون: يتلاعب به الشيطان.

"تتمة": قال أحمد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يموت بعرقِ الجبينِ"، ورواه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه، من حديث

= وأخرجه الترمذي -أيضًا- في الجنائز، باب 12، حديث 985، وابن أبي شبية (3/ 275)، والبزار (5/ 19) رقم 1575، والطبراني في الكبير (10/ 70) حديث 9978 وفي الأوسط (4/ 68) حدث 3085، والدارقطني في العلل (5/ 165) عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، بنحوه.

قال الترمذى: وهذا أصح.

وقال الدارقطني: والصحيح أنه من قول عبد الله -يعني موقوفًا-.

وله شاهد من حديث حذيفة رضي الله عنه عند الترمذي في الجنائز، باب 12، حديث 986، وابن ماجه في الجنائز، باب 14، حديث 1476، وابن أبي شيبة (3/ 274 - 275)، وأحمد (5/ 385)، أنه قال: إذا متُّ فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكون نعيًا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وحسن إسناده الحافظ في الفتح (3/ 117).

(1)

البخاري في الجنائز، باب 4، 55. 61، 65، حديث 1245، 1318، 1327، 1333، وفي مناقب الأنصار باب 38، حديث 3880، ومسلم في الجنائز، حديث 951.

ص: 45

بُريدة

(1)

.

(و‌

‌لا بأس بتقبيله، والنظر إليه)

ممن يباح له ذلك منه حال حياته (ولو بعد تكفينه) نص عليه

(2)

؛ لحديث عائشة قالت: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل عثمانَ بن مظعون وهو ميتٌ، حتَّى رأيتُ الدموعَ تسيلُ"

(3)

. وقال جابر: "لما قُتلَ أبي جعلتُ أكشفُ الثوبَ عن وجهه

(1)

أحمد (5/ 350) والنسائي في الجنائز، باب 5، حديث 1826، 1827، وفي الكبرى (1/ 602) حديث 1954، 1955، وابن ماجه في الجنائز، باب 5، حديث 1452، والترمذي في الجنائز، باب 10، حديث 982. وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 109 حديث 808، وابن حبان "الإحسان" (7/ 281) حديث 3011، والحاكم (1/ 361)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 223)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 254) حديث 10213، 10214. كلهم من طريق قتادة عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد قال بعض أهل العلم: لا نعرف لقتادة سماعًا من عبد الله بن بريدة.

وقال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(2)

انظر الفروع (2/ 152).

(3)

أخرجه أبو داود في الجنائز، باب 40، حديث 3163، والترمذي في الجنائز، باب 12، حديث 989، وابن ماجه في الجنائز، باب 7، حديث 1456، والطيالسي ص / 201 حديث 1415، وعبد الرزاق (3/ 596) حديث 6775، وابن سعد (3/ 396)، وابن أبي شيبة (3/ 385)، وإسحاق بن راهويه (3/ 376) حديث 921، وأحمد (6/ 43)، وعبد بن حميد (3/ 239) حديث 1524، وابن عدي (5/ 1867)، والحاكم (1/ 361)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 105) من طريق عاصم بن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقال ابن عدي: عاصم بن عبد الله ضعيف الحديث.

وقال الحاكم: هذا حديث متداول بين الأئمة إلَّا أن الشيخين لم يحتجا بعاصم =

ص: 46

وأبكي، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لا ينهاني"

(1)

. قال في "الشرح": والحديثان صحيحان.

فائدة: عرض الأديان على العبد عند الموت ليس عامًا لكل أحد، ولا منفيًا عن كل أحد، بل من النَّاس من تعرض عليه الأديان، ومنهم من لا تعرض عليه، وذلك كله من فتنة المحيا، والشيطان أحرص ما يكون على إغواء بني آدم وقت الموت. ذكره في "الاختيارات"

(2)

.

= ابن عبيد الله.

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 147): في إسناده عاصم بن عبيد الله، وقد تكلموا في حفظه.

وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (21/ 224)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (5/ 481) من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن يَحْيَى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. قال الذهبي: محمد بن عبد الله هذا المعروف بالمُحرم، ضعفوه.

وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ميت. رواه البُخاريّ في الجنائز، باب 3، حديث 1241.

(1)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 3 و 34، حديث 1244 و 1293، وفي الجهاد والسير، باب 20، حديث 2816، وفي المغازي، باب 25، حديث 4080. ومسلم في فضائل الصّحابة، حديث 2471.

(2)

ص / 128. وانظر مجموع الفتاوى (4/ 255)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص/ 494.

ص: 47

‌فصل في غسل الميت وما يتعلق به

(غسل الميت المسلم، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه متوجهًا إلى القبلة، وحمله فرض كفاية) لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وَقَصَتْه راحلتُه: "اغسلوهُ بماءِ وسدرٍ وكفِّنوهُ في ثوبيه"، متفق عليه

(1)

من حديث ابن عباس. وقال صلى الله عليه وسلم: "صلوا على من قال: لا إلهَ إلَّا الله"، رواه الخلَّال والدارقطني، وضعّف ابن الجوزي طرقه كلها

(2)

.

(1)

البُخاريّ في الجنائز، باب 20، 21، 22 حديث 1265، 1266، 1267، وفي جزاء الصيد باب 13، 20، 21، حديث 1839، 1849، 1850، 1851. ومسلم في الحج، حديث 1206.

(2)

لعله في كتاب الجامع ولم يطبع كتاب الجنائز منه، وأخرجه الدارقطني (2/ 56)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 422 - 424) حديث 712 - 716، وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (12/ 446) حديث 13622، وأبو نعيم في الحلية (10/ 320)، وفي أخبار أصبهان (2/ 317)، والخطيب في تاريخه (11/ 283) عن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وقد روى نحوه عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه الدارقطني (2/ 57)، وابن الجوزي في العلل (1/ 421) حديث 710، وفيه: "

والصلاة على من مات من أهل القبلة".

ب - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أخرجه الدارقطني (2/ 57) وأبو نعيم في الحلية (4/ 236) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 422)، حديث 711 وفيه: "

والصلاة على كل ميت من أهل التوحيد وإن كان قاتل نفسه".

جـ - واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب 31، حديث 1525، والدارقطني (2/ 57) وابن الجوزي في العلل المتناهية =

ص: 48

وقال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}

(1)

، ولأن في تركه أذى للناس، وهتكًا لحرمته، وحمله وسيلة لدفنه، وصرح في "المذهب" باستحبابه. وأمَّا اتباعه فسنة، ويأتي؛ لخبر البراء

(2)

.

(ويُكره أخذ أجرة على شيء من ذلك) يعني الغسل والتكفين والحمل والدفن. قال في "المبدع": كره أحمد للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله، إلا أن يكون محتاجًا، فيُعطى من بيت المال، فإن تعذَّر، أُعطي بقدر عمله. (ويأتي) في الإجارة أن ما يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، لا يجوز أخذ الأجرة عليه، بل ولا الرزق، ولا

= (1/ 425) حديث 720.

د - أبو هريرة رضي الله عنه أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 35، حديث 2533، والدارقطني (2/ 56)، والبيهقي (3/ 121)، و (4/ 19)، وفي معرفة السنن والآثار (4/ 214) حديث 5919 - 5920، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 425) حديث 718 - 719 من طريق مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا ولفظه:"صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر".

قال الدارقطني عقب حديث ابن عمر وعلي: وليس فيها شيء يثبت.

وقال البيهقي: قد روي في الصَّلاة على كل بر وفاجر، والصلاة على من قال لا إله إلَّا الله أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف وأصح ما روي في هذا الباب حديث مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه إلَّا أن فيه إرسالًا. وقال في معرفة السنن والآثار عن هذا الحديث: وهذا إسناد صحيح إلَّا أن فيه إرسالًا بين مكحول وأبي هريرة رضي الله عنه.

وقال الدارقطني: مكحول لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه ومن دونه ثقات.

وقال ابن الجوزي: هذه الأحاديث كلها لا تصح.

(1)

سورة عبس، الآية:21.

(2)

(4/ 172) تعليق رقم (2).

ص: 49

الجعالة على ما لا يتعدى نفعه، كالصلاة والصيام والحج.

(فلو دُفن قبل الغسل مَن أمكن غسلُه، لزم نبشُه)، وأن يُخرج ويغسل؛ تداركًا لواجب غسله (إن لم يُخَفْ تفسخه، أو تغيره) فإن خيف ذلك، ترك بحاله، وسقط غسله، كالحي يتضرر به.

قلت: وهل يُيَمَّمُ، كما لو تعذر غسله قبل دفنه، أو لا ينبش بالكلية؟ لم أر من تعرض له.

(ومثله) أي: مثل من دُفن بلا غسل أمكن (من دفن غير متوجه إلى القبلة) فينبش، ويُوجه إليها؛ تداركًا لذلك الواجب.

(أو) دفن (قبل الصَّلاة عليه) فينبش، ويُصلَّى عليه؛ ليوجد شرط الصَّلاة، وهو عدم الحائل. وقال ابن شهاب والقاضي: لا ينبش، ويصلى على القبر، وهو مذهب الأئمة الثلاثة

(1)

؛ لإمكانها عليه (أو) دفن (قبل تكفينه) فيخرج ويكفن، نص عليه

(2)

، كما لو دُفن بغير غسل؛ استدراكًا للواجب، وهو التكفين، ويُصلَّى عليه، ولو كان قد صُلي عليه؛ لعدم سقوط الفرض بالصلاة عليه عريانًا؛ لما روى سعيد، عن شريح بن عبيد الحضرمي، "أن رجالًا قبروا صاحبًا لهمْ لم يغسلوهُ، ولم يجدوا له كفنًا، ثم لقوا معاذَ بن جبل، فأخبروه، فأمرهم أن يخرجوه، فأخرجوه من قبرهِ، ثم غُسِّل وكُفنَ وحُنّط، وصُلِّي عليه"

(3)

.

(1)

انظر المبسوط (2/ 69، 73)، وفتح القدير (2/ 120 - 121)، وعقد الجواهر الثمينة (1/ 272)، والحاوي الكبير (3/ 62)، والمجموع (5/ 199).

(2)

انظر الفروع (2/ 280).

(3)

أورده الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 167) ونسبه إلى سعيد بن منصور في =

ص: 50

(ولو كُفّن بحرير، فـ) ـهل ينبش؟ فيه وجهان. قال في "الإنصاف": (الأَوْلى عدم نبشه) احترامًا له.

(ويجوز نبشه لغرض صحيح، كتحسين كفنه) لحديث جابر قال: "أتى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن أُبَيٍّ بعدما دفن، فأخرجه، فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه"، رواه الشيخان

(1)

. (و) كـ (ـدفنه في بقعة خير من بقعته) التي دُفن فيها، فيجوز نبشه لذلك (و) لـ (ـمجاورة صالح) لتعود عليه بركته

(2)

(إلا الشهيد) إذا دُفن بمصرعه، فلا ينقل عنه لغيره (حتَّى لو نُقل) منه (رُدَّ إليه

(3)

) ندبًا (لأن دفنه في مصرعه) أي: المكان الذي قتل به (سُنَّة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "تدفن الأجسادُ حيثُ تقبضُ الأرواح"

(4)

، فإنَّه محمول على الشهداء؛ لأنَّ السنة في غيرهم دفنهم في الصحراء؛ لفعله صلى الله عليه وسلم بعثمان بن مظعون وغيره

(5)

، (ويأتي)

= سننه، ولم نجده في المطبوع منه.

(1)

البخاري في الجنائز، باب 23، 78، حديث 1270، 1350، وفى الجهاد والسير باب 142، حديث 3008، وفى اللباس، باب 8، حديث 5795، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم، حديث 2773.

(2)

لم يثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا.

(3)

في "ح": "رده إليه".

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 396) عن يَحْيَى بن بهماه، عن جابر مرفوعًا. وأخرجه عبد الرَّزاق (3/ 516) رقم 6532، وابن سعد (2/ 293) عن يَحْيَى بن بهماه مرسلًا. وفي إسناد الموصول والمرسل جميعًا إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك، كما في التقريب رقم (274) وفي إسنادهما أيضًا يحيى بن بهماه، وهو مجهول، كما في الجرح والتعديل (9/ 132).

وقد تحرف "بهماه" في المطبوع من مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة إلى "بهمان".

(5)

أخرجه ابن سعد (3/ 397) والحاكم (3/ 189) قال الذهبي: سنده واه.

ص: 51

ذلك موضَّحًا.

(وحَمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه) لما نُقل عن عائشة أنَّه "لما مات عبدُ الرحمن بنُ أبي بكرِ بالحبش

(1)

-وهو مكان بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلًا ونُقل إلى مكة، أتت قبره، وقالت: والله لو حضرتك، ما دفنتك إلَّا حيثُ متَّ، ولو شهدتك، ما زرتكَ"، رواه التِّرمذيُّ

(2)

، وهو محمول على أنها لم تَرَ غرضًا صحيحًا في نقله، أو أنَّه تأذى به. فإن كان لغرض صحيح، فلا كراهة؛ لما في "الموطأ" عن مالك، أنَّه سمع غير واحد يقول:"إن سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق، فحملا إلى المدينة ودفنا بها"

(3)

. وقال سفيان بن عيينة: مات ابن عمر هاهنا، وأوصى أن لا

(1)

كذا في الأصول: "بالحبش" وفي سنن التِّرمذيُّ: "بحُبشيّ" وهو الصواب، قال في معجم البلدان (2/ 214): حبشي بالضم ثم السكون والشين معجمة والياء مشددة: جبل بأسفل مكّة بنعمان الأراك.

(2)

في الجنائز، باب 60، حديث 1055. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزَّاق (3/ 517، 518)، رقم 6535، 6539، وابن أبي شيبة (3/ 343 - 344)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 412) رقم 3106، والفاكهي في أخبار مكّة (4/ 205) رقم 2513 و (5/ 96) رقم 2903. والحاكم (3/ 476)، وابن عساكر (35/ 41).

قال ابن الملقِّن في تحفة المحتاج (2/ 35): رواه الترمذي بإسناد على شرط الصحيح.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 60) وقال: رواه الطّبرانيّ في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

(3)

الموطأ (1/ 232)، وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 147) من طريق مالك أنَّه =

ص: 52

يدفن هاهنا، وأن يدفن بسَرِفٍ، ذكره ابن المنذر

(1)

.

(ويجوز نبشه) أي: الميت (إذا دُفن لعذر بلا غسل ولا حنوط) فيغسل، ويحنط؛ لأنَّه غرض صحيح. (وكإفراده في قبر عمَّن دفن معه) أي: يجوز نبشه لذلك؛ لقول جابر: "دُفن مع أبي رجلٌ، فلم تطبْ نفسي حتى أخرجته، فجعلته في قبر على حدةٍ"

(2)

، وفي رواية:"كان أبي أول قتيل -يعني: يومَ أُحد- فدفن معه آخر في قبره، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستةِ أشهرٍ، فإذا هو كيوم وضعته غيرَ أذنهِ"

(3)

، رواهما البخاري.

(و‌

‌الحائض والجنب إذا ماتا، كغيرهما في الغسل،

يسقط غُسلُهما بغسل الموت) لتداخل الموجبات كما تقدم، فيما إذا اجتمعت أحداث توجب وضوءًا أو غسلًا، ونوي أحدها، ارتفع سائرها. وفي كلامه تلويح بالرد على "التنقيح"، حيث قال: وغسله فرض كفاية، فيتعين مع جنابة أو حيض، ويسقطان به، وحمله

= سمع غير واحد يقول: إن سعد بن أبي وقاص مات بالعقيق فحمل إلى المدينة، ودفن بها.

وأخرج الطّبرانيّ في الكبير (1/ 149) رقم 340 عن يَحْيَى بن بكير قال: توفي سعيد بن زيد

ودفن بالمدينة ومات بالعقيق

. .

(1)

في الأوسط (5/ 464). وسَرِف: بكسر الراء، موضع من مكة على عشرة أميال. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 362).

(2)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 77، حديث 1352.

(3)

البُخاريّ في الجنائز، باب 77، حديث 1351.

ص: 53

صاحب "المنتهى" على أنَّه ينتقل إلى ثواب فرض العين إذن؛ لأنَّ الغسل تعين على الميت قبل موته، ثم مات وهو في ذمته، فالذي يتولى غسله ينوب منابه في ذلك، فيكون ثوابه كثوابه.

(ويُشترط له) أي: لغسل الميت (ماء طهور) مباح، كغسل الحي.

(و) يشترط له أيضًا (إسلام غاسل) لأنَّه عبادة، وليس الكافر من أهلها.

(ونيته) لحديث: "إنَّما الأعمال بالنياتِ"

(1)

.

(وعقله) لأنَّ غير العاقل ليس أهلًا للنية.

(ويُستحبُّ أن يكون) الغاسل (ثقة، أمينًا، عارفًا بأحكام الغسل). ونقل حنبل

(2)

: لا ينبغي إلَّا ذلك. وأوجبه أبو المعالي (ولو) كان الغاسل (جنبًا وحائضًا) لأنَّ كلًّا منهما يصح منه الغسل لنفسه، فكذا لغيره (من غير كراهة) هو ظاهر "المنتهى" وغيره، حيث لم يذكروها، لكن تقدم

(3)

أنَّه يكره أن يقرباه.

(وإن حضره) أي: الميت (مسلم) عاقل، ولو مميزًا (ونوى غسله، وأمر كافرًا بمباشرة غسله، فغسله) الكافر (نائبًا عنه) أي: عن المسلمِ (فظاهر كلام) الإمام (أحمد

(4)

لا يصح) غسله له؛ لأنَّ الكافر نجس، فلا يُطهِّر غسله المسلم (وقدم في "الفروع" الصحة)

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم 2.

(2)

انظر الفروع (2/ 195).

(3)

(4/ 38).

(4)

انظر مسائل عبد الله (2/ 460) رقم 646، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 294) رقم 611، 612.

ص: 54

وجزم بمعناه في "المنتهى" وغيره. قال في "شرح المنتهى": صح غسله في أصح الوجهين، كَمُحْدِثٍ نوى رفع حديثه، وأمر كافرًا بغسل أعضائه.

(ويجوز أن يغسل حلال محرمًا، وعكسه) بأن يغسل محرم حلالًا؛ لأن الماء والسدر لا يحرم بالإحرام. (لكن لا يكفنه) أي: لا يكفن المحرمُ الحلال (لأجل الطيب، إن كان) في الكفن طيب؛ لأنَّه يحرم على المحرم.

(ويُكره) الغسل من مميز؛ لما فيه من الاختلاف في إجزائه. (ويصح) غسل الميت (من مميز) لصحة غسله لنفسه. قال في "الفروع": فدل أنه لا يكفي من الملائكة، وهو ظاهر كلام الأكثر. وفي "الانتصار": ويكفي إن علم، وكذا في "تعليق القاضي"، واحتج بغسلهم لحنظلة

(1)

، وبغسلهم لآدم

(1)

أخرجه ابن حبان "الإحسان"(15/ 495 - 496) حديث 7025، والحاكم (3/ 204 - 205) والبيهقيّ (4/ 15) عن محمد بن إسحاق، عن يَحْيَى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم تغسله الملائكة، فسألوا صاحبته، فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلك غسلته الملائكة.

قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقال البيهقي: مرسل وهو فيما بين أهل المغازي معروف وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله: مرسل صحابي، لأن ابن الزبير كان له يوم أحد سنتان، ومرسل الصحابي عندهم كالمتصل. وقال النووي في المجموع (5/ 209): رواه البيهقي بإسناد جيد من رواية عبد الله بن الزُّبير متصلًا، ورواه مرسلًا من رواية عباد بن عبد الله بن الزبير ورواية عبد الله بن الزبير، لهذا يكون مرسل صحابي رضي الله عنه، فإنَّه ولد قبل سنتين فقط، وهذه القصة كانت بأحد، =

ص: 55

عليه السلام

(1)

وبأن سعدًا لما مات أسرع النبي صلى الله عليه وسلم في المشي إليه،

= ومرسل الصحابي حجة على الصحيح، والله أعلم.

وأخرجه ابنُ إسحاق في السير والمغازي ص/ 332، وأبو نعيم في الحلية (1/ 357) عن عاصم بن عمر ابن قتادة، عن محمود بن لبيد رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقي (4/ 15) عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن صاحبكم تغسله الملائكة" يعني حنظلة

، قال البيهقي: مرسل.

وأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 391) حديث 12094 من طريق حجاج، والبيهقي (4/ 15)، وابن عساكر (6/ 442) من طريق أبي شيبة، كلاهما عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنبان، فقال رسول الله:"رأيت الملائكة تغسلهما" قال البيهقي: وأبو شيبة ضعيف.

وقال الهيثمي فى مجمع الزوائد (3/ 23): وإسناده حسن.

وقال الحافظ ابن حجر فى التلخيص الحبير (2/ 118): وفى إسناد الطبراني حجاج، وهو مدلس. وقال في الفتح (3/ 212): غريب في ذكر حمزة. وضعف إسناده الزيلعي في نصب الراية (2/ 317) ورواه الروياني (2/ 232) حديث 1112 عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. ورواه ابن سعد (3/ 16) عن الحسن مرسلًا.

(1)

أخرجه الطيالسي ص/ 24 حديث 549، والطبراني في الأوسط (5/ 214) حديث 4423، (9/ 122 - 123) حديث 8257، و (10/ 120) حديث 9255، وابن عدي (5/ 1817)، والدارقطني (2/ 71)، والحاكم (2/ 545)، والبيهقي (3/ 404)، وابن عساكر (7/ 405)، والضياء المقدسي في المختارة (4/ 20) حديث 1252 عن الحسن، عن عتي بن ضمرة، عن أبي بن كعب، مرفوعًا.

وسقط عتي بن ضمرة من كتاب المعجم الأوسط، طبعة دار المعارف التي اعتمدناها فى العمل، واستدركناه من طبعة دار الحرمين (8/ 157).

قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 42) و (8/ 199): رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين، في أحدهما: الحسين بن أبي السري، وثقه ابن حبان في الثقات [8/ 189]، وضعفه الجمهور، وكذلك روح بن أسلم في السند الآخر، وثقه ابن =

ص: 56

فقيل له؟ فقال: "خشيتُ أن تسبقنا الملائكة إلى غسله، كما سبقتنا إلى غسل حنظلة"

(1)

. قال في "الفروع": ويتوجه في مسلمي الجن كذلك، وأَولى لتكليفهم.

(و‌

‌أَولى الناس بغسل الميت

وصيُّه إن كان عدلًا) لأنه حق للميت، فقدم فيه وصيه على غيره، كباقي حقوقه؛ ولأن أبا بكر أوصى أن تغسله زوجته أسماء

(2)

، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين

(3)

.

= حبان في الثقات [8/ 243]، وضعفه الجمهور، وضعفه -أيضًا- النووي في الخلاصة (2/ 933) حديث 3317.

وأخرجه الطيالسي ص/ 24 حديث 549، وابن سعد (1/ 33)، وابن أبي شيبة (3/ 243) وعبد الله في زوائد المسند (5/ 136)، والدارقطني (2/ 71) وابن عساكر في تاريخه (7/ 456)، والضياء المقدسي في المختارة (4/ 19 - 20) حديث 1251 عن الحسن، عن عتي بن ضمرة، عن أبي بن كعب موقوفًا. قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 231): إسناد صحيح إليه.

(1)

أخرجه ابن سعد (3/ 424، 427)، وابن أبي شيبة (14/ 411)، وإسحاق ابن راهويه (2/ 549) حديث 1126. وأحمد في فضائل الصحابة (2/ 819) حديث 1489، كلهم عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري. وهو مرسل. وانظر ما تقدم (4/ 55) تعليق رقم (1).

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 398)، وعبد الرزاق (3/ 408) رقم 6117، و (3/ 410) رقم 6124، وابن سعد (3/ 203) و (8/ 283، 284)، وابن أبي شيبة (3/ 249)، والطبرى في تاريخه (2/ 349)، والحاكم (3/ 63) والبيهقي (3/ 397)، وقال: وهذا الحديث الموصول وإن كان راويه محمد بن عمر الواقدي صاحب "التاريخ والمغازي" فليس بالقوي، وله شواهد مراسيل عن ابن أبي مليكة، وعن عطاء ابن أبي رباح عن سعد بن إبراهيم، أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر رضي الله عنه وذكر بعضهم أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى بذلك ا هـ.

(3)

أخرجه ابن سعد (7/ 19، 25)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 206) =

ص: 57

(ثم أبوه) لحنوِّه وشفقته ثم جدُّه (وإن علا) لمشاركته الأب في المعنى (ثم ابنه، وإن نزل) لقربه (ثم الأقرب فالأقرب من عَصَبَاته نسبًا) فيقدم الأخ لأبوين، ثم لأب ثم ابن الأخ لأبوين، ثم لأب، ثم عم لأبوين، ثم لأب، وهكذا.

(ثم) عصباته (نعمة) فيقدم المعتق، ثم عصبته الأقرب فالأقرب.

(ثم ذوو أرحامه) كالأخ لأم، والجدّ لها، والعم لها، وابن الأخت، ونحوهم (كميراث.

ثم الأجانب، ويُقدَّم الأصدقاء منهم) قاله بعضهم. قال في "الفروع": فيتوجه منه تقديم الجار على أجنبي.

(ثم غيرهم) أى: غير الأصدقاء (الأدين الأعرف) فيقدم على غيره؛ لتلك الفضيلة. قال صلى الله عليه وسلم: "لِيَلِهِ أقربُكم إن كان يعلم، فإنْ لم يكن يعلم؛ فمَنْ تَرَون عنده حظًا من ورع وأمانة"، رواه أحمد

(1)

(الأحرار في الجميع) من عصبات النسب، والولاء، وذوي الأرحام، والأجانب.

(والأجانب أَولى من زوجة) للخروج من الخلاف في تغسيل أحد

= رقم 215، وأبو نعيم في الحلية (2/ 267).

(1)

(6/ 120). ورواه -أيضًا- الطبراني في الأوسط (4/ 350) حديث 3599، وابن عدي (3/ 1154 - 1155، 7/ 2690) وأبو نعيم في الحلية (6/ 192)، والبيهقي (3/ 396)، وفي شعب الإيمان (7/ 9) عن حديث عائشة رضي الله عنها.

قال أبو نعيم: غريب من حديث سلام عن جابر الجعفي.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 21)، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه جابر الجعفي، وفيه كلام كثير.

ص: 58

الزوجين الآخر. (وهي) أي الزوجية (أَولى من أم ولد) لبقاء علق الزوجية من الاعتداد، والإحداد، بخلاف أم الولد. (وأجنبيةٌ) بغسل امرأة (أولى من زوج) خروجًا من خلاف من منعه غسلها. (و) أجنبيةٌ أولى بغسل أَمَة من (سيد) للخروج من خلاف من لم يبح له غسلها.

(والسيد أحق بغسل عبده) لأنه مالكه ووليه (ويأتي.

ولا حق للقاتل في غسل المقتول -إن لم يرثه- عمدًا كان القتل، أو خطأ) لمبالغته في قطيعة الرحم، نقل في "الفروع" معناه عن أبي المعالي، قال: ولم أجد من ذكره غيره، ولا يتجه في قتل لا يأثم به. ولهذا قال في "المنتهى": وليس لآثم بقتل حقٌّ في غسل مقتول.

(ولا في الصلاة) عليه، (و) لا في (الدفن) لما سبق.

(وغسل المرأة أحق الناس به بعد وصيتها -على ما سبق- أُمُّها، وإن علت، ثم بنتها وإن نزلت، ثم القربى فالقربي كميراث. ويُقدّم منهن من يقدم من الرجال) فتقدم الأخت الشقيقة على الأخت لأب، كما في الرجال (وعمتها وخالتها سواء، كبنت أخيها، وبنت أختها). لاستوائهما في القرابة والمحرمية.

(ثم الأجنبيات) بعد ذوات الرحم، كما في الرجال.

(ولكل واحد من الزوجين -إن لم تكن الزوجة ذِمّية- غسل صاحبه، ولو) كان الموت (قبل الدخول، ولو وضعت) الزوجة (عقب موته) أي: موت زوجها (أو) كان الموت (بعد طلاق رجعي، ما لم تتزوج) المرأة التي وضعت عقب موت زوجها، فلا تغسله؛ لأنها بالتزوج صارت صالحة لأن تغسل الثاني لو مات، ولا يجوز أن تكون

ص: 59

غاسلة لزوجين في وقت واحد. والأصل في تغسيل كل من الزوجين الآخر ما تقدم من وصية أبي بكر بأن تغسله زوجتُه أسماء، فغسلته

(1)

. وغسَّل أبو موسى زوجته أم عبد الله

(2)

. ذكرهما أحمد

(3)

. وقول عائشة: "لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ، ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤُه". رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه

(4)

. وأوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته

(5)

، وأوصى عبد الرحمن بن الأسود امرأته أن تغسله

(6)

، رواهما سعيد في "سننه".

(1)

تقدم تخريجه (4/ 57)، تعليق رقم (2).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 409) رقم 6119، وابن أبي شيبة (3/ 250)، وابنُ المنذر في الأوسط (5/ 335) رقم 2944.

(3)

انظر المغني (3/ 461).

(4)

أحمد (6/ 267)، وأبو داود في الجنائز، باب 32، حديث 3141، وابن ماجه في الجنائز، باب 9، حديث 1464.

وأخرجه -أيضًا- الطيالسي، حديث 1530، والشافعي (ترتيب مسنده 1/ 206) وفي الأم (1/ 274)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (2/ 371) حديث 914، وابن سعد (2/ 276 - 277)، وابن الجارود حديث 517، وأبو يعلى (7/ 467) حديث 4494، وابن حبان "الإحسان"(14/ 595 - 597) حديث 6627، 6628، والحاكم (3/ 59 - 60)، والبيهقي (3/ 387، 398)، وفي الدلائل (7/ 242).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصحح إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 236).

(5)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 182)، وابن أبي شيبة (3/ 249).

(6)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد أخرج ابن أبي شيبة (3/ 250)، والبيهقي (3/ 397) عن عبد الرحمن بن الأسود أنه غسل امرأته حين ماتت.

ص: 60

وقوله: "إن لم تكن الزوجة ذِمية" احتراز عما لو كانت كذلك، فلا تغسله؛ لأنها ليست أهلًا لغسله كما تقدم.

و (لا) تغسل (مَن أبانها، ولو في مرض موته) المخوف فرارًا؛ لانقطاع الزوجية، وإنما ورثت؛ تغليظًا عليه بقصده حرمانها.

(ويَنظر من غسَّل منهما) أي: الزوجين (صاحبه، غير العورة). قال في "الفروع": وفاقًا لجمهور العلماء

(1)

، وجوَّزه في "الانتصار" وغيره بلا لذة، واللمس، والخلوة، ويتوجه أنه ظاهر كلام أحمد

(2)

، وظاهر كلام ابن شهاب، واختلف كلام القاضي في نظر الفرج، فتارة أجازه بلا لذة، وتارة منعه.

(وسيد وأمته -وطئها أَوْ لا- وأم ولده، كالزوجين) فلكل منهما أن يغسل الآخر، وينظر إلى غير العورة.

(ويغسِّل) السيد (مكاتبته، ولو لم يشترط وطأها) لأنه يلزمه كفنها، ومؤنة تجهيزها، ودفنها. (وتغسله) أي: تغسل المكاتبة سيدها (إن شرَطه) أي: وطْأها، لإباحتها له (وإلا) أي: وإن لم يشترط وطء مكاتبته (فلا) يباح لها أن تغسله؛ لحرمتها عليه من قبل الموت.

(ولا يُغسِّل) سيدٌ (أَمَته المزوَّجة، ولا) أَمَته (المعتدّة من زوج) تبع المصنف في ذلك صاحب "الفروع"، واستشكله في "الإنصاف"، وقال في "تصحيح الفروع" -ومعناه أيضًا في "الإنصاف"-: الذي

(1)

انظر المبسوط (2/ 70)، وبدائع الصنائع (1/ 304 - 305)، والمعونة على مذهب عالم المدينة (1/ 341)، والذخيرة (2/ 451)، والمجموع (5/ 109).

(2)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 184) رقم 916.

ص: 61

يظهر أن هذه المسألة من تتمة كلام أبي المعالي، وإلا كيف يقال: لا يغسل السيد أَمَته المزوجة والمعتدة من زوج، ثم يحكي خلافًا في الأولوية، فيما إذا اجتمع زوج وسيد؟ إلى أن قال: فيقال: الصحيح من المذهب صحة غسل السيد لأَمَته المعتدة والمزوجة، وهو الذي قدمه المصنف. وأبو المعالي يقول: لا يغسلهما، قال: وإن لم نحمله على هذا، يحصل التناقض.

(ولا) يغسل السيد (المعتَقَ بعضُها) لحرمتها عليه قبل موتها، ومثلها المشتركة. (ولا) يغسل (من هي في استبراءٍ واجب) بناء على أنه لا يغسل المعتدة؛ لأنها في معناها.

(ولا تغسله) أي: لا تغسل الأَمَةُ المزوِّجة، أو المعتدةُ من زوج، أو المعتق بعضها، أو مَنْ هي في استبراء واجب سيدَها، وفيه -في غير المعتَق بعضها- ما تقدم.

(وإن مات له أقارب) أو موالٍ الأَوْلى بهم غيرُه (دفعة واحدة، بهدم ونحوه) كغرق وطاعون (ولم يمكن تجهيزهم دفعة واحدة، استحب أن يبدأ بالأخوف فالأخوف) لئلا يفسد بتأخيره. (فإن استووا) في الخوف، أو عدمه (بدأ بالأب، ثم بالابن، ثم بالأقرب فالأقرب، فإن استووا كالإخوة والأعمام) المستوين (قدم أفضلهم، ثم أسنَّهم، ثم) إن استووا في جميع ذلك، فالتقديم (بقُرْعة) أي: يقرع بينهم، فمن خرجت له القرعة قدم؛ لعدم المرجح سواها.

(ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين) من ذكر وأنثى؛ لأنه لا حكم لعورته، بدليل: أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله

ص: 62

النساء

(1)

. (ولو) كان دون السبع سنين (بلحظة. و) لكل منهما (مس عورته، ونظرها) لأنه لا حكم لها. قال ابن المنذر

(2)

: أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة تغسل الصبي الصغير، فتغسله مجردًا من غير سترة، وتمس عورته، وتنظر إليها.

(وليس له) أي: الرجل (غسل ابنة سبع) سنين (فأكثر، ولو) كان (مَحْرَمًا) لها، كأبيها، وابنها، وأخيها؛ لأنها محل للشهوة، ويحرم النظر إلى عورتها المغلظة، أشبهت البالغة.

(ولا لها) أي: وليس للمرأة (غسل ابن سبع) سنين (ولو) كان (مَحْرَمًا) لها؛ لما تقدم (غير من تقدم فيهما) من تغسيل الرجل لزوجته، وأمته، وتغسيلهما له.

(وإن مات رجل بين نسوة لا رجل معهن) ممن لا يباح لهن غسله، بأن لم يكنَّ زوجاته ولا إماءه، يُمِّم بحائل. (أو عكسه) بأن ماتت امرأة بين رجال (ممن لا يباح لهم) أي: الرجال (غسله) أي: الميت، بأن لم يكن فيهم زوجها، ولا سيدها، يُمِّمَت؛ لما روى تمام في "فوائده" عن واثلة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا ماتت المرأةُ مع الرجالِ ليسَ بينها وبينهُم محرم، تُيَمَّم كما ييَمَّم الرجالُ"

(3)

. ولأنه لا

(1)

أخرج الزبير بن بكار في المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ص/58 - 60 فى قصه طويلة: أنَّ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قد غسلته أمُّ بردة واسمها خولة بنت المنذر زوج البراء بن أوس.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 59): وقد قيل: إنَّ الفضل بن العباس غسَّل إبراهيم، ونزل في قبره مع أسامة بن زيد.

(2)

انظر الإجماع ص/30 والأوسط (5/ 338).

(3)

تمام (2/ 100) حديث 494، وفي إسناده أيوب بن مدرك، عن مكحول، عن =

ص: 63

يحصل بالغسل من غير مس تنظيفٌ، ولا إزالةُ النجاسة، بل ربما كثرت.

(أو) مات (خُنثى مشكل) له سبع سنين فأكثر، ولم تحضره أمة له (يُمِّم) لما تقدم (بحائل) من خرقة ونحوها، يلُفُّها على يده، فيُيَمَّم بها الميت في الصور الثلاث، حتى لا يمسه. (ويحرم) أن ييمم (بدونه) أي: دون

(1)

الحائل (لغير مَحْرَم) لما فيه من المس.

(ورجل أَوْلى بتيمُّم خُنثى مشكل) من امرأة، إذا مات الخنثى بين رجال ونساء؛ لأن الصنفين قد اشتركا في المحذور، وامتاز الرجل بفضيلة الذكورية. لكن إذا ماتت المرأة مع الرجال فيهم

(2)

صبي لا شهوة له، علموه الغسل وباشره، نص عليه

(3)

. وكذا الرجل يموت مع نسوة فيهن صغيرة تطيق الغسل، ذكره في "شرح الهداية".

= واثلة مرفوعًا. قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/ 488): أيوب بن مدرك قال ابن معين: كذاب. وقال أبو حاتم والنسائي: متروك. وقال ابن حبان: روى أيوب بن مدرك عن مكحول نسخة موضوعة، ولم يره.

ورواه ابن عساكر في تاريخه (10/ 254) وفي إسناده بكار بن تميم، قال الذهبي في ميزان الاعتدل (1/ 340): مجهول.

وأخرجه الطبراني في الكبير (7/ 119) حديث 6497، من حديث سنان بن غرفة، مرفوعًا بنحوه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 23): رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد، وهو ضعيف.

وذكره البيهقي في سننه (3/ 398) معلقًا بصيغة التمريض.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 298، حديث 414 وعبد الرزاق (3/ 413) حديث 6135، والبيهقي (3/ 398) عن مكحول مرسلًا بنحوه.

(1)

في "ح": "بدون".

(2)

في "ذ": "وفيهم".

(3)

انظر الفروع (2/ 210).

ص: 64

قلت: وكذا الخنثى يموت مع رجال أو نسوة فيهن صغير، أو صغيرة تطيقه.

(وإن كانت له) أي: للخنثى المشكل (أَمَة، غسَّلته) لأنه إن كان أنثى، فلا كلام، وإن كان ذكرًا، فلأمته تغسيله

(1)

.

فصل

(وإذا أخذ) أي: شرع (في غسله، ستر عورته وجوبًا) وهي: ما بين سُرَّته وركبته، قاله في "المبدع" وغيره. وفي "الإنصاف": على ما تقدم في حدها، انتهى. وعليه: فيستر من ابن سبع إلى عشر الفرجان فقط؛ حذارًا من النظر إليها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حيِّ ولا ميتٍ" رواه أبو داود

(2)

(لا من له دون سبع) سنين، فلا بأس بغسله مجردًا؛ لما تقدم.

(ثم جرَّده من ثيابه ندبًا) لأن ذلك أمكن في تغسيله، وأبلغ في تطهيره، وأشبه بغسل الحي، وأصون له من التنجيس، إذ يحتمل خروجها منه؛ ولفعل الصحابة، بدليل قولهم:"لا ندري أنجرِّدُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما نجرِّد موتانا؟ "

(3)

والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم به، وأقرَّهم عليه، ذكره في "المبدع". (إلا النبي صلى الله عليه وسلم فلا) فإنهم لما اختلفوا هل يُجرِّدونهُ، أَوْ لا؟ أوقعَ الله تعالى عليهم النومَ، حتى ما منهم رجل،

(1)

في "ذ": "أن تغسله".

(2)

تقدم تخريجه (2/ 125) تعليق رقم (1).

(3)

جزء من حديث طويل لعائشة رضي الله عنها، وقد تقدم تخريجه (4/ 60) تعليق رقم (4).

ص: 65

إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحيةِ البيت، لا يدرون من هو: أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابُه، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغسلوه وعليه قميصٌ، يصبون الماءَ فوق القميص، ويدلكون بالقميصِ دونَ أيديهم. رواه أحمد وأبو داود

(1)

؛ ولأن فضلاته كلها طاهرة

(2)

، فلم يخش تنْجيس قميصه. (ولو غسَّله في قميص خفيف واسع الكمين، جاز) قال أحمد

(3)

: يعجبني أن يغسل وعليه ثوب، يدخل يده من تحت الثوب، وإن لم يكن واسع الكمين، توجه أن يفتق رؤوس الدخاريص

(4)

، ويدخل يده منها.

(و) يسن (ستره) أي: الميت حال

(5)

الغسل (عن العيون) لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته، أو تظهر عورته. وكان ابن سيرين يستحب أن يكون البيت الَّذي يغسل فيه الميت مظلمًا، ذكره أحمد

(6)

. وأن يغسل (تحت ستر أو سقف ونحوه) كخيمة؛ لئلا يستقبل السماء بعورته.

(ويُكره النظر إليه) أي: الميت (لغير حاجة، حتَّى الغاسل، فلا

(1)

أحمد (6/ 267)، وأبو داود في الجنائز، باب 32، حديث 3141، عن عائشة رضي الله عنها وقد تقدم تخريجه مستوفيً (4/ 60)، تعليق رقم (4).

(2)

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا.

(3)

مسائل عبد الله (2/ 450) رقم 633، والإفصاح (1/ 191).

(4)

الدخاريص: واحدها: الدخرص، والدخريص، والدخرصة، وهو ما يوصل بالبدن من القميص والدرع ليوسعه، وهو فارسي معرَّب. انظر: المعرب للجواليقي ص / 143، والمصباح المنير ص/72، ومعجم متن اللغة (2/ 386).

(5)

في "ذ": "حالة".

(6)

مسائل أبي داود ص/ 144.

ص: 66

ينظر إلَّا ما لابد منه. قال ابن عَقيل: لأن جميعه صار عورة) إكرامًا له (فلهذا شُرع ستر جميعه) أي: بالكفن

(1)

(انتهى) قال: فيحرم نظره.

ولا يجوز أن يحضره إلا من يعين في أمره، نقله عنه في "المبدع".

(و) كره (أن يحضره) أي: غسله (غير من يعين في غسله) لأنه ربما حدث ما يكره الحي أن يطلع منه على مثله، وربما ظهر منه شيء هو في الظاهر منكر، فيتحدث به، فيكون فضيحة، والحاجة غير داعية إلى حضوره، بخلاف من يعين الغاسل بصبٍّ ونحوه (إلا وليه، فله الدخول عليه كيف شاءَ) قاله القاضي وابن عقيل.

(ولا يغطِّي وجهه) نقله الجماعة

(2)

. والحديث المروي فيه

(3)

لا أصل له.

(1)

في "ذ": "بالتكفين".

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 450 - 451) رقم 634، والأوسط لابن المنذر (5/ 327)، والتمهيد لابن عبد البر (1/ 378).

(3)

يعني في تغطية وجه الميت عند غسله. وقد أخرج عبد الرزاق (3/ 398) رقم 6079 عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى قال: غُسْلُ المتوفى ثلاث مرات: فمن غسل ميتًا، فليُلق على وجهه ثوبًا

وأخرج -أيضًا- رقم 6081 عن معمر عن أيوب قال: رأيتُه يغسل ميتًا، فألقى على فرجه خرقة، وعلى وجهه خرقة أخرى ....

وأخرج -أيضًا- رقم 6087 عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين في الميت يغسل قال: يوضع خرقة على وجهه وأخرى على فرجه ....

قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 194) رقم 11004: يقال إن أعلم التابعين بغسل الميت ابن سيرين، ثم أيوب بعده، وكلاهما كان غاسلًا للموتى يتولى ذلك بنفسه.

ص: 67

(ويُستحبُّ خَضْبُ لحية رجل، ورأس امرأة، ولو غير شائبين بحنَّاء) لقول أنس: "اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم"

(1)

.

(ثم يرفع رأسه برفق في أول غسله إلى قريب من جلوسه، ولا يشق عليه، ويعصر بطن غير حامل بيده) ليخرج ما في بطنه من نجاسة، بخلاف الحامل؛ لخبر رواه الخلال

(2)

؛ ولأنه يؤذي الحمل

(1)

لم نقف عليه من قول أنس، قال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 369): بحثت عنه فلم أجده ثابتًا، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 106): هذا الحديث ذكره الغزالي في "الوسيط" بلفظ: "افعلوا بموتاكم ما تفعلون بأحيائكم". وتعقبه ابن الصلاح بقوله: بحثت عنه فلم أجده ثابتًا، وقال أبو شامة في كتاب السواك: هذا الحديث غير معروف. وقد روى ابن أبي شيبة [3/ 245] عن محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن بكر -هو ابن عبد الله المزني- قال: قدمت المدينة، فسألت عن غسل الميت، فقال بعضهم: اصنع بميتك كما تصنع بعروسك غير أن لا تجلو

. وإسناده صحيح، لكن ظاهره الوقف. ا. هـ

(2)

لم نجده في المطبوع من كتاب الجامع للخلال: وأخرجه الطبراني في الكبير (25/ 124 - 125) حديث 304، والبيهقى (4/ 5) عن أم سليم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توفيت المرأة، فأرادوا أن يغسلوها، فليبدؤوا ببطنها، فليمسح بطنها مسحًا رفيقًا إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى فلا تحركنها

". وعزاه المزي في تحفة الأشراف (13/ 85) وابن حجر في النكت الظراف والبيهقي في سننه إلى الترمذي.

قال صاحب الجوهر النقي: لم أجده في كتاب الترمذي، وما رأيت أحدًا غير البيهقي عزاه إليه.

قلنا: إنما أشار الترمذي إلى أنَّه من أحاديث الباب، فقال عقب الحديث 990: وفي الباب عن أم سليم، ولم يذكر الحديث.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 22): رواه الطبراني في الكبير بإسنادين في أحدهما ليث بن أبي سليم وهو مدلس ولكنه ثقة، وفي الآخر جنيد، وقد وثق، وفيه بعض كلام. وقال أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (1/ 360) حديث =

ص: 68

(عصرًا رفيقًا) لأن الميت في محل الشفقة والرحمة (ويكثر صبَّ الماء حينئذ) ليذهب ما خرج، ولا تظهر رائحته (ويكون ثَمَّ) أي: هنالك

(1)

في المكان الَّذي يغسل فيه (بَخُور) على وزن رسول؛ لئلا يتأذى برائحة الخارج (ثم يلفُّ) الغاسل (على يده خرقة خشنة، أو يدخلها) أي: يده (في كيس، فينجِّي بها أحد فرجيه، ثم) يأخذ خرقة (ثانية للفرج الثاني) فينجيه بها؛ إزالة للنجاسة، وطهارة للميت، من غير تعدي النجاسة إلى الغاسل، واعتبر لكل فرج خرقة؛ لأن كل خرقة خرج عليها شيء من النجاسة لا يعتدُّ بها، إلا أن تغسل. وظاهر "المقنع" و"المنتهى" وغيرهما: تكفيه خرقة، وقاله في "المجرد".

(و‌

‌لا يحل مس عورة من له سبع سنين فأكثر) بغير حائل (ولا النظر إليها)

لأن التطهير يمكن بدون ذلك، فأشبه حال الحياة. وذكر المروذي عن أحمد:"أن عليًّا حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم لفَّ على يدهِ خرقةً حينَ غسل فرجه"

(2)

.

= 1069: هذا حديث كأنه باطل، يشبه أن يكون كلام ابن سيرين.

(1)

في "ح": "هناك" وهو أقرب لغة.

(2)

مسائل المروذي لم تطبع، ولم نجده في المطبوع من كتب مسائل الإمام أحمد، وقد أخرج ابن سعد (2/ 280)، وابن أبي شيبة (3/ 240)، والطبراني في الكبير (1/ 229 - 230) حديث 629، والبيهقي (3/ 388) وابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 160) عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن عليًا رضي الله عنه غسَّل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم قميص، وبيد علي رضي الله عنه خرقة يتبع بها تحت القميص.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 36): وفيه يزيد بن أبي زياد، وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجاله ثقات.

وضعفه ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 222). =

ص: 69

(ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة) لفعل عليٍّ مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليأمن مس العورة المحرم مسها، ذكره في "المبدع". فحينئذ يُعِدُّ الغاسلُ ثلاث خرق: خرقتين للسبيلين، والثالثة لبقية بدنه.

(ولا يجب فعل الغسل، فلو ترك) الميت (تحت ميزاب ونحوه) مما يصب منه الماء (وحضر أهلٌ لغسله) وهو المسلم العاقل (ونوى) غسله (ومضى زمن يمكن غسله فيه) يعني وعَمَّه الماء (صحَّ) ذلك وأجزأ؛ لأن القصد تعميمه بالماء، وقد حصل كالحي، وهذا يردُّ ما سبق فيما إذا ماتت امرأة بين رجال وعكسه.

(ثم ينوي) غاسل الميت بعد تجريده، وستر عورته، وتنجيته (غسلَه) لتعذر النية من الميت، وقيام الغاسل مقامه (ونيته) أي: الغسل، (فرض) فلا يصح غسله بدونها؛ لحديث:"إنما الأعمال بالنيات"

(1)

، لكن عدّها شرطًا أنسب؛ لِما تقدم. (وكذا تعميم بدنه) أي: الميت (به) أي: بالماء؛ فإنه فرض كالحي.

(ثم يسمي) الغاسل، فيقول: بسم الله، لا يقوم غيرها مقامها.

(وحكمها) أي: التسمية هنا (حكم تسمية وضوء، وغسل حي) فتجب مع الذِّكر، وتسقط سهوًا، قياسًا على الوضوء.

(ثم يغسل) الغاسل (كفيه) أي: الميت ندبًا، كغسل الحي.

= وقد ذكر ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 106) أن الحاكم أخرجه، ولم نجده في المطبوع من المستدرك.

وعند الطبراني في الأوسط (3/ 431) حديث 2929 عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

ص: 70

(ويُعتير غسل ما عليه من نجاسة) لأن المقصود تطهيره، ولا يحصل إلا بذلك.

قلت: ومقتضى ما سبق في الحي: لا يجب غسل النجاسة قبل غسله، إن لم تمنع وصول الماء؛ لما تقدم من أنَّه يرتفع حدث قبل زوال حكم خبث.

(ولا يكفي مسحها) أي: النجاسة (ولا وصول الماء إليها) بل لابد من الغسل، وسواء كانت على السبيلين، أو غيرهما. لكن قال في "مجمع البحرين": قلت: فإن لم يَعْدُ الخارجُ أي: من السبيلين موضع العادة، فقياس المذهب أنَّه يكفي فيه الاستجمار.

(ويُستحبُّ أن يدخل أصبعيه السَّبَّابة والإبهام، عليهما خرقة) صيانة لليد، وإكرامًا للميت (خشنة مبلولة بالماء بين شفتيه، فيمسح أسنانه، و) في (منخريه، وينظفهما) لإزالة ما على تلك الأعضاء من الأذى. (ولا يدخله) أي: الماء (فيهما) أي: الفم والأنف؛ لأنه إذا وصل إلى جوفه، حرك النجاسة.

(ويتتبع ما تحت أظفاره) من وسخ (بعود) ليصل الماء إلى ما تحته (إن لم يمكن قلمها) فإن أمكن قَلَّمها.

(ويُسن) للغاسل (أن يوضئه في أول غسلاته كوضوء حَدَثٍ) لما في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم عطية في غسل ابنته: "ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها"

(1)

، وظاهره أنَّه يمسح رأسه. قاله

(1)

أخرجه البخاري في الوضوء، باب 31، حديث 167، وفي الجنائز، باب 9، 10، 11 حديث 1254، 1255، 1256، ومسلم في الجنائز، حديث 939 (42، 43).

ص: 71

في "المبدع". (ما خلا المضمضة والاستنشاق) لأنه لا يؤمن منهما وصول الماء إلى جوفه، فيفضي إلى المثلة، وربما حصل منه الانفجار، وبهذا علل أحمد، قاله في "المبدع". ومحل كون الوضوء في الغسلة الأولى دون باقي الغسلات (إن لم يخرج منه شيء، فإن خرج) منه شيء (أعيد وضوؤه). قال في "المبدع": وهو مستحب؛ لقيام موجبه، وهو زوال عقله. وظاهر كلام القاضي وابن الزاغوني: أنَّه واجب. (ويأتي حكم) إعادة (غسله) إذا خرج منه شيء.

(ويجزئ غسله مرة) كالحي (وكذا لو نوى) الغاسل (وسمَّى، وغمسَه في ماء كثير مرة واحدة) فإنه يجزئ، كغسل الحي. (ويكره الاقتصار عليها) -أي: على المرة الواحدة- في غسل الميت، نص

(1)

عليه؛ لقوله: "اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا"

(2)

.

(ويُسن ضرب سدر، ونحوه) كخطْمي (فبغسل برغوته) -بتثليث الراء- (رأسه ولحيته فقط) لأن الرأس أشرف الأعضاء، ولهذا جُعل كشفُه شعارَ الإحرام، وهو مجمع الحواس الشريفة؛ ولأن الرغوة تزيل الدرن، ولا تتعلق بالشعر، فناسب أن تغسل بها اللحية؛ لتزول الرغوة بمجرد جري الماء عليها، بخلاف ثفل السدر.

(و) يغسل باقي (بدنه بالثُّفْل) أي: ثفل السدر.

(ويقوم الخِطمي ونحوه مقام السدر) لحصول الإنقاء به (ويكون

(1)

الفروع (2/ 205)، والإنصاف (2/ 491).

(2)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 8، 9، 12، 13، 15، 18 حديث 1253، 1254، 1257، 1258، 1261، 1263، ومسلم في الجنائز، حديث 939 (36)، (39)، (40)، (41)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.

ص: 72

السدر في كل غسلة) من الثلاث فأكثر. واعتبر ابن حامد أن يكون السدر يسيرًا، وقال: إنه الَّذي وجد عليه أصحابنا؛ ليجمع بين العمل بالخبر، ويكون الماء باقيًا على إطلاقه. وقال القاضي وأبو الخطاب: يغسل أول مرة بماء وسدر، ثم يغسل عقب ذلك بالماء القَراح، فيكون الجميع غسلة واحدة، والاعتداد بالآخر منها؛ لأن أحمد

(1)

؛ شبه غسله بغسل الجنابة، ولأن السدر إن كثر سلب الطهورية، وإن لم يغيره، فلا فائدة في ترك يسير لا يغير.

(ويُسن تيامنه، فيغسل شقه الأيمن من نحو رأسه إلى نحو رجليه، يبدأ بصفحة عنقه، ثم) يده اليمنى (إلى الكتف، ثم) كتفه وشق صدره، وفخذه وساقه (إلى الرجل، ثم الأيسر كذلك) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأن بميامنها"

(2)

؛ ولأنه مسنون في غسل الحي، فكذا الميت. (ويقلِّبه) الغاسل (على جنبه مع غسل شقيه، فيرفع جانبه الأيمن، ويغسل ظهره ووركه وفخذه، ويفعل بجانبه الأيسر كذلك، ولا يكبه على وجهه) إكرامًا له. (ثم يفيض الماء القَراح على جميع بدنه، فيكون ذلك غسلة واحدة، يجمع فيها بين السدر، والماء القَراح) -كما تقدم عن القاضي وأبي الخطاب- (يفعل ذلك) المذكور فيما تقدم (ثلاثًا) لقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته: "اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا -إن رأيتنَّ ذلك- بماء وسدر

(2)

". (إلا أن الوضوء) يكون (في) المرة (الأولى فقط) من الغسلات، إن لم يخرج شيء -وتقدم- (يُمِرُّ) الغاسل (في كل مرة يده على بطنه) برفق؛ إخراجًا لما

(1)

الهداية لأبي الخطاب (1/ 59).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 72)، تعليق رقم (2).

ص: 73

تخلف، وأمنًا من فساد الغسل بما يخرج منه بعد. (فإن لم يُنَقَّ) الميت (بالثلاث) غسلات (غسَّله إلى سبع) لما تقدم. (فإن لم يُنَقَّ بسبع) غسلات، (فالأَوْلى غسله حتَّى ينقَّى) لقوله صلى الله عليه وسلم:"اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو أكثرَ من ذلك -إن رأيتن-"

(1)

. (ويقطع على وتر) لحديث: "إن الله وترٌ يحبُّ الوتر"

(2)

. (من غير إعادة وضوء) فإنه في الأولى خاصة -كما تقدم- إن لم يخرج شيء (وإن خرج منه) أي: الميت (شيء) من السبيلين، أو غيرهما (بعد الثلاث، أُعيد وضوؤه). قال في "المبدع" و"شرح المنتهى": وجوبًا

(3)

، كالجنب؛ لما سبق، إذا أحدث بعد غسله؛ لتكون طهارته كاملة. وعنه

(4)

: لا يجب الوضوء.

(ووجب غسله كما خرج) منه شيء (إلى سبع) لما سبق؛ لأن الظاهر أن الشارع إنما كرر الأمر بغسلها؛ من أجل توقع النجاسة، ولأن القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة، ألا ترى أن الموت جرى مجرى زوال العقل، ولا فرق بين الخارج من السبيلين وغيرهما. وعنه

(5)

في الدم: هو أسهل.

(1)

تقدم تخريجه (4/ 72) تعليق (2).

(2)

أخرجه البخاري في الدعوات، باب 68، حديث 6410 ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 2677 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (1/ 384) ما نصه: [قوله: "وجوبا" فيه نظر، وكذا القيد ببعد الثلاث، قال في المنتهى: بعد سبع، فراجعه اهـ. من خط ابن العماد].

(4)

انظر مسائل أبي داود ص/ 140 - 141.

(5)

انظر مسائل أبي داود ص/ 141.

ص: 74

(وإن خرج منه) أي: الميت (شيء من السبيلين، أو غيرهما بعد السبع، غسلت النجاسة) لما تقدم. وتقدم كلام "مجمع البحرين" في إجزاء الاستجمار (ووُضِّئ) لما تقدم.

(ولا غسل) أي: لا يعاد غسله بعد السبع؛ لظاهر الخبر. (لكن يحشوه) أي: المخرج (بالقطن، أو يلجم به) أي: القطن (كما تفعل المستحاضة) لأنه في معناه. (فإن لم يمسكه ذلك) أي: الحشو بالقطن، أو التلجم به (حُشي) المحل (بالطين الحر) بضم الحاء أي: الخالص (الَّذي له قوة تمسك

(1)

المحل) ليمنع الخارج. (ولا يكره حشو المحل إن لم يستمسك) لدعاء الحاجة إليه.

(وإن خيف خروج شيء) كدم (من منافذ وجهه) كفمه وأنفه (فلا بأس أن يحشى بقطن) دفعًا لتلك المفسدة.

(وإن خرج منه) أي: الميت (شيء بعد وضعه في أكفانه ولفها عليه، حُمل ولم يُعَد غسل ولا وضوء، سواء كان) ذلك (في السابعة، أو قبلها). وسواء كان الخارج قليلًا، أو كثيرًا؛ دفعًا للمشقة؛ لأنه يحتاج إلى إخراجه، وإعادة غسله، وتطهير أكفانه، وتجفيفها، أو إبدالها، فيتأخر دفنه وهو مخالف للسنة، ثم لا يؤمن مثل هذا بعده.

وإن وضع على الكفن ولم يلفّ، ثم خرج منه شيء، أعيد غسله، قاله ابن تميم.

(ويسن أن يجعل) الغاسل (في) الغسلة (الآخرة

(2)

كافورًا) لقوله

(1)

في "ذ": "يمسك".

(2)

فى "ذ": "الأخيرة".

ص: 75

- صلى الله عليه وسلم: "واجعلنَ في الأخيرة كافورًا"، متفق عليه

(1)

. ولأنه يصلب الجسم، ويبرده، ويطيبه، ويطرد عنه الهوام. (و) أن يجعل في الأخيرة (سدرًا) كسائر الغسلات؛ لما تقدم.

(وغسلُه) أي: الميت (بالماء البارد أفضل) لأن المسخن يرخيه، ولم ترد به السنة. (ولا بأس بغسله بماء حار) إن احتيج إليه لشدة برد؛ أو وسخ لا يزول إلا به. واستحبه ابن حامد؛ لأنه ينقي ما لا ينقي الماء البارد.

(و) لا بأس بـ (ـخِلالٍ) إن احتيج إليه لإزالة وسخ؛ لأن إزالته مطلوبة شرعًا. (والأولى أن يكون) الخلال (من شجرة لينة كالصفصاف) -بالفتح-: الخلاف، بلغة أهل الشام. قاله الأزهري

(2)

. (ونحوه مما ينقي ولا يجرح) لأنه يؤذي الميت ما يؤذي الحي. (وإن جعل) الغاسل ونحوه (على رأسه) أي: الميت (قطنا، فحسن) لشرفه. (ويزيل) الغاسل (ما بأنفه) أى: الميت (وصماخيه من أذى) تكميلًا لطهارته.

(و) لا بأس بغسله بـ (ـأُشنان إن احتيج إليهن) أي: الماء الحار والخلال والأشنان لوسخ أو نحوه. (وإلا) بأن لم يحتج إليهن (كره في الكل) لأن السنة لم ترد به، ومع عدم الحاجة يكون كالعبث.

(وإن كان الميت شيخًا

(3)

، أو به حدب، أو نحو ذلك، وأمكن تمديده بالتليين والماء الحار، فعل ذلك) إزالة للمثلة. (وإن لم يمكن)

(1)

تقدم تخريجه (4/ 72) تعليق رقم (2).

(2)

تهذيب اللغة (12/ 119).

(3)

في "ذ": "مشنجًا". وكذا في المغني (3/ 484).

ص: 76

ذلك (إلا بعسف، تركه بحاله) دفعًا لأذاه به.

(فإن كان) الميت (على صفة لا يمكن تركه على النعش إلا على وجه يشتهر بالمثلة، ترك في تابوت، أو) ترك في النعش (تحت مِكَبَّة كما يصنع بالمرأة) سترًا لذلك (ويأتي في فصل الحمل) أي: حمل الميت.

(ولا بأس بغسله في حمام) نص عليه

(1)

في رواية مهنا، وكالحي. لكن إن كان الماء حارًا، كره بلا حاجة.

(و) لا بأس (بمخاطبته) أي: الغاسل (له) أي: للميت (حال غسله، بنحو

(2)

: انقلب يرحمك الله) لقول الفضل وهو محتضن النبي صلى الله عليه وسلم: "أرحْنى، أرحْنى، فقد قطعتَ وَتِيني، إني أجدُ شيئًا يتنزل)

(3)

عليَّ"

(4)

. وقال علي لما لم يجد من النبي ما يجده من سائر الموتى: "يا رسول اللهِ، طبتَ حيًا وميتًا"

(5)

.

(1)

انظر الفروع (2/ 162).

(2)

في "ح" و"ذ": "نحو".

(3)

في "ذ": "ينزل".

(4)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 397) حديث 6077، وابن سعد (2/ 280)، وابن أبي شيبة (14/ 557)، والبيهقي (3/ 395) وفي الدلائل (7/ 245) عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين مرسلًا. ولفظ عبد الرزاق ويقول الفضل لعليٍّ: أرحني، أرحني

إلخ.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 105): وهو مرسل جيد.

قلنا: وما ذكره المؤلف هنا محل نظر؛ لأنه لا فائدة من مخاطبة الميت، وليس عليه دليل صحيح يُعتمد عليه.

(5)

أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب 10، حديث 1467، والحاكم (3/ 59)، والبيهقي (3/ 388) والخطيب في تاريخه (2/ 268) عن الزهري عن سعيد بن =

ص: 77

(ولا يغتسل غاسله) أي: الميت (بفضل ماء سخن له، فإن لم يجد غيره، تركه حتى يبرد) قاله أحمد

(1)

، ذكره الخلال

(2)

.

(ويقص شارب غير مُحرِم، ويُقلِّم أظفاره إن طالا، ويأخذ شعر إبطيه) لأن ذلك تنظيف لا يتعلق بقطع عضو، أشبه إزالة الأوساخ والأدران، ويعضد ذلك العمومات في سنن الفطرة. (ويجعل ذلك) أى: ما أخذ من الشارب والأظفار وشعر الإبطين (معه) أي: الميت (كعضو ساقط) لما روى أحمد في "مسائل صالح"، عن أم عطية قالت: "تغسل رأس الميتةِ، فما سقط من شعرها في أيديهم غسلوه،

= المسيب، عن علي قال: لما غسل النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذهب يلتمس منه ما يلتمس من الميت فلم يجده، فقال: بأبى الطيب، طبت حيًا وطبت ميتًا. واللفظ لابن ماجه. ولفظ الحاكم والبيهقي: فجعلت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئًا، وكان طيبًا حيًا، وميتًا صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 263): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وأخرجه أبو داود فى المراسيل حديث 415 وعبد الرزاق (3/ 403) رقم 6094، وابن سعد (2/ 281)، وابن أبى شيبة (3/ 246) و (14/ 558) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، مرسلًا. وذكره الدارقطني في العلل (3/ 219 - 220) موصولًا ومرسلًا، وقال: والمرسل أصح.

وأخرجه ابن سعد (2/ 280) عن عبد الله بن الحارث، أن عليًا لما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم قام فأرتج الباب

وجعل يقول: بأبي أنت وأمي طبت حيًا وميتًا.

وأخرجه ابن أبى شيبة (3/ 324) عن الشعبي قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم علي والفضل وأسامة ودخلوه [كذا بالأصل، ولعله: أدخلوه، كما في سنن أبى داود، حديث 3209] قبره، وجعل علي يقول: بأبى أنت وأمي طبت حيًّا وميتًا.

(1)

انظر الورع للمروذي ص/33.

(2)

لم نجده فى المطبوع من كتاب الجامع للخلال.

ص: 78

ثم ردُّوهُ في رأسها"

(1)

؛ ولأن دفن الشعر والظفر مستحب في حق الحي، ففي حق الميت أولى. (ويعاد غسله) أي: غسل ما أخذ من الميت، من شعر شارب، وأظفار، وشعر إبط؛ لقول أم عطية فيما تقدم:"غسلوهُ ثم ردوه. . . " إلى آخره، و (لأنه جزء منه) أي: الميت (كعضو) من أعضائه. (والمراد: يُستحبُّ) إعادة غسل المأخوذ. قال في "الفروع": للاكتفاء بغسله أولًا.

(وإن كان الميت مقطوع الرأس، أو) كانت (أعضاؤه مقطعة، لُفِّق بعضها إلى بعض بالتقميط والطين الحر، حنى لا يتبين تشويهه. فإن فقد منها) أي: أعضاء الميت (شيء، لم يجعل له شكل من طين ولا غيره) لأنه تصوير.

(وإن كان في أسنانه شيء) منها (يتحرك، وخيف سقوطه، تُرك) بحاله (ولم يُنزع، ونص

(2)

: أنه يربط بذهب) كالحي. (فإن سقط) شيء من أسنان الميت (لم يربط به) أي: بالذهب؛ لعدم الحاجة إليه، وجعل مع الميت -كما تقدم- (ويؤخذ) أي: ما على سنه من ذهب كان ربط به (إن لم يسقط) سنه بسبب ذلك، وإلا ترك حتى يبلى.

(ويَحرم حَلْق شعر عانته) لما فيه من لمس عورته، وربما احتاج

(1)

لم نجد في مسائل صالح قول أم عطية هذا، وروى نحوه من قول أم سليم رضي الله عنها: رواه الطبراني في الكبير (25/ 124) حديث 304، والبيهقي (4/ 4) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 22): رواه الطبراني في الكبير بإسنادين، في أحدهما: ليث بن أبي سليم، وهو مدلس ولكنه ثقة، وفي الآخر: جنيد، وقد وثق، وفيه بعض كلام. وجاء في مسائل أبي داود ص/ 145 من قول حفصة بنت سيرين ولفظه: يسرح رأس الميتة ويدفن ما خرج من شعرها معها.

(2)

انظر الفروع (2/ 163).

ص: 79

إلى نظرها وهو مُحرَّم، فلا يرتكب من أجل مندوب. (و) يحرم حلق شعر (رأسه) لأن ذلك إنما يكون لزينة أو نسك، والميت لا نسك عليه ولا يزين.

(و) يحرم (ختنه) إن كان أقلف؛ لأنه قطع لبعض عضو من الميت؛ ولأن التعبد بذلك قد زال؛ ولأن المقصود من الختان التطهير من النجاسة، وقد زال ذلك بموته.

(ولا يسرح شعره، قال القاضي: يكره) لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه. وروي عن عائشة: "أنها مرت بقوم يسرحونَ شعر ميتٍ، فنهتهمْ عن ذلك، وقالت: علامَ تنصُون ميتكمَ؟ "

(1)

. أي: لا تسرحوا رأسه بالمشط؛ لأنه يقطع الشعر وينتفه.

(ويُبقى عظم نجس جُبر به) الميت قبل موته (مع مُثْلَةٍ) وتقدم في اجتناب النجاسة

(2)

.

(وتزال

(3)

اللصوق) -بفتح اللام-: ما يُلصق على الجرح من الدواء، ثم أطلق على الخرقة ونحوها إذا شدت على العضو للتداوي، قاله في "الحاشية"(لغسل واجب، فيغسل ما تحتها)

(1)

أخرجه أبو يوسف في "الآثار" ص/ 78، رقم 382، ومحمد بن الحسن في "الآثار"(ص/ 46) رقم 227، وعبد الرزاق (3/ 437) رقم 6232، وأبو عبيد في غريب الحديث (4/ 314) عن طريق إبراهيم، عن عائشة رضي الله عنها. قال الحافظ ابن حجر في الدراية (1/ 230): وهو منقطع بين إبراهيم وعائشة. وعلقه البيهقي (3/ 390) عن عائشة، فقال: وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: علام تنصون. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 106 - 107).

(2)

(2/ 197).

(3)

في "ح": "ويزال".

ص: 80

ليحصل تعميم البدن بالغسل، وكالحي. (فإن خيف من قلعها مُثْلَة) بأن خيف سقوط شيء من الميت بإزالتها ونحوه (مسح عليها) كجبيرة الحي.

(ولا يُبقى خاتم ونحوه) كخلخال (ولو ببرده، كحلقة في أذن امرأة) لأن في ترك ذلك معه إضاعة للمال من غير غرض صحيح. و (لا) يزال عنه (أنف ذهب) لما في إزالته من المثلة، (ويأتي آخر الباب)

(1)

.

ويُسن ضفر شعر المرأة ثلاثة قرون، أي: ضفائر قرنيها وناصيتها، ويسدل خلفها) لقول أم عطية:"فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها" رواه البخاري

(2)

. (قيل لـ) لإمام (أحمد في العروس: تموت فتُجلى؟ فأنكره شديدًا

(3)

) لأنه بدعة، خصوصًا مع ما ينضم إليه في هذه الأزمنة.

(فإذا فرغ) الغاسل (من غسله، نشَّفه بثوب ندبًا) لأنه هكذا فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم

(4)

؛ لئلا يبتل كفنه، فيفسد به. (ولا يتنجس ما نُشف به)

(1)

(4/ 231).

(2)

في الجنائز، باب 16، 17، حديث 1262، 1263، ورواه مسلم في الجنائز حديث 939 (41) بلفظ: فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث: قرنيها وناصيتها.

(3)

انظر الفروع (2/ 163).

(4)

روى أحمد (1/ 260) فى حديث طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما: حتى إذا فرغوا من غسل النبي صلى الله عليه وسلم وكان يغسل بالماء والسدر، جففوه .... إلخ. وفي سنده حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي، قال الحافظ في التقريب (1335): ضعيف، وروى عبد الرزاق (3/ 422) رقم 6173، عن هشام بن عروة قال: لف النبي صلى الله عليه وسلم فى ثوب حِبَرة جفف فيه، ثم نزع

" الحديث.

ص: 81

الميت من ثوب أو نحوه (لعدم نجاسته بالموت)، لحديث: "سبحانَ اللهِ! المؤمنُ

(1)

لا ينجُسُ"

(2)

.

(ومُحرِم ميتٌ كهو) أي: كمحرم (حيّ) لبقاء إحرامه (فيُجنّب) المحرم الميت (ما يجنب) المحرم (في حياته؛ لبقاء الإحرام، لكن لا يجب الفداء على الفاعل به ما يوجب الفدية لو فعله حيًّا) فلو ألبسه أحد المخيط، أو طيبه، أو حلق رأسه، لم تلزمه الفدية.

(ويُستر) المحرم (على نعشه بشيء) كغيره (ويكفن في ثوبيه نصًّا)

(3)

لما في "الصحيحين" من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في محرم مات: "اغسلوه بماء وسدرٍ، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوهُ، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يومَ القيامة ملبيًا"

(4)

. وللنسائي: "ولا تمسوهُ بطيب؛ فإنهُ يبعث يومَ القيامةِ محرمًا"

(5)

.

(وتجوز الزيادة) على ثوبيه إذا كفن (كبقية كفن حلال) فى ثلاث لفائف (فيغسل بماء وسدر، ولا يُلبس ذكر المخيط، ويغطى وجهه ورجلاه وسائر بدنه، لا رأسه، ولا وجه أنثى ولا يقرب طيبًا) لحديث ابن عباس.

(1)

في "ح": "إن المؤمن" وهو الموافق للرواية.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 456) تعليق رقم 2.

(3)

مسائل أبي داود ص/ 140.

(4)

تقدم تخريجه (4/ 48) تعليق رقم (1).

(5)

النسائي في كتاب الجنائز، باب 41، حديث 1902 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهذا اللفظ في الصحيحين أيضًا، البخاري (1851)، ومسلم 1206 (99) ما عدا قوله:"محرمًا" فعند البخاري "ملبيًا" وعند مسلم "ملبدًا".

ص: 82

(ولا تمنع منه) أي: الطيب (معتدة ماتت) لأن منعها منه حال الحياة؛ لأنه يدعو إلى نكاحها، وقد فات ذلك بموتها.

(و‌

‌لا يوقف) المحرم (بعرفة إن مات قبله، ولا يطاف به)

بدليل المحرم الذي مات مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه لا يحس بذلك كما لو جنَّ.

فصل

(ويَحرم غسل شهيد المعركة المقتول بأيديهم) جزم به أبو المعالي، وحكي رواية

(1)

؛ لأنه أثر الشهادة والعبادة، وهو حي. قال في "التبصرة": لا يجوز غسله، وكلام الموفق وغيره يحتمل الكراهة والتحريم، ذكره في "الإنصاف"، وقال في "مجمع البحرين": لم أقف بتصريح لأصحابنا هل غسل الشهيد حرام، أو مكروه؟ فيحتمل الحرمة؛ لمخالفة الأمر. وقطع في "التنقيح" بأنه يكره، وتبعه في "المنتهى"، مع قولهما: ويجب بقاء دم شهيد عليه. (ولو) كان شهيد المعركة (غير مكلف، أو) كان (غالًّا) كتم من الغنيمة شيئًا (رجلًا) كان (أو امرأة) لعموم حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحدٍ في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصلِّ عليهم. رواه البخاري

(2)

، ولأحمد معناه

(3)

. وقد كان في شهداء أحد حارثة بن

(1)

انظر مسائل صالح (3/ 62) رقم 1342، ومسائل عبد الله (2/ 456) رقم 639، ومسائل ابن هانئ (1/ 186) رقم 930.

(2)

في الجنائز، باب 73، 74، 75، 76، 79، حديث 1343، 1345، 1346، 1347، 1348، 1353، وفي المغازي، باب 26، حديث 4079.

(3)

(3/ 299). ورواه -أيضًا- (1/ 247) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 83

النعمان وهو صغير، قاله في "الشرح"

(1)

.

لا يقال: إن ذلك خاص بهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك بعلة توجد في سائر الشهداء، قال:"والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ أحد في سبيل الله -والله أعلمُ بمن يُكلَم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة واللونُ لونُ الدم، والريح ريحُ المسكِ". متفق عليه

(2)

من حديث أبي هريرة. وقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}

(3)

، والحي لا يغسل.

وسمي شهيدًا؛ لأنه حيٌّ، وقيل: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل غير ذلك.

(إلا أن يكون) الشهيد (جنبًا) قبل أن يقتل، فيغسل؛ لما روى ابن إسحاق في "المغازي" عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن صاحبكم لتغسله الملائكةُ. يعني حنظلة، قالوا لأهله: ما شأنه؟ فقالت: خرجَ وهو جنبٌ حينَ سمعَ الهائعةَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لذلكَ غسلتهُ الملائكةُ"

(4)

، وفي "الكافي": إنه رواه

(1)

الشرح الكبير مع الإنصاف (6/ 97) والقول بأن حارثة بأن النعمان رضي الله عنه من شهداء أحد متعقب، فقد ذكر ابن سعد (3/ 488) أنه توفي في خلافة معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما. وانظر: الاستيعاب (2/ 269). والإصابة (2/ 190).

(2)

البخاري في الجهاد والسير، باب 10، حديث 2803، ومسلم في الإمارة، حديث 1876، (105).

(3)

سورة آل عمران، الآية:169.

(4)

المغازي ص/ 332 - 333، وقد تقدم تخريجه (4/ 55)، تعليق رقم (1).

ص: 84

أبو داود الطيالسي

(1)

.

(أو) يكون (حائضًا أو نفساء طهرتا) أي: انقطع دمهما (أو لا، فيغسل غسلًا واحدًا) لما تقدم في الجنب؛ ولأنه غسل واجب لغير الموت، فلم يسقط، كغسل الجنابة.

(وإن أسلم) شخص ذكرًا كان أو أنثى (ثم استُشهد قبل غسل الإسلام، لم يغسل) للإسلام؛ لأن أصرم بن عبد الأشهل أسلم يوم أحد، ثم قتل، فلم يأمر بغسله

(2)

. قطع به في "المغني" و"الشرح"، وصححه ابن تميم، والشيخ تقي الدين، وقدمه في "الرعاية الكبرى" و"المبدع". وقدم في "الفروع" و"الإنصاف"، وهو ظاهر "الوجيز": يجب كالجنب والحائض. قال في "الفروع": ولا فرق بينهم، وجزم به فى "المنتهى".

(وإن قُتل) شهيدًا (وعليه حدث أصغر، لم يوضأ) لأن الوضوء

(1)

لم نقف عليه عنده، والذي رواه الطيالسي في مسنده ص/ 74 غسل الملائكة لآدم عليه السلام، وتقدم (4/ 56) تعليق رقم (1).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 428 - 429)، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 202 - 303)، وأورده ابن هشام في السيرة (2/ 90)، وابن حجر في الإصابة (7/ 89 - 90)، من طريق ابن إسحاق، عن الحصين بن عبد الرحمن، عن محمود بن لبيد رضي الله عنه.

قال ابن حجر في الإصابة: هذا إسناد حسن.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 363): رواه أحمد، ورجاله ثقات.

وأخرجه بنحوه، أبو داود في الجهاد باب 39، حديث 2537، والطبراني في الكبير (17/ 39)، والحاكم (2/ 113) والبيهقي (9/ 167) من طريق حماد ابن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. رضي الله عنه. قال ابن حجر في الإصابة (7/ 90): هذا إسناد حسن.

ص: 85

تابع للغسل، وقد سقط.

(وتغسل نجاسته) أي: الشهيد، كالحى. (ويجب بقاء دم) شهيد (لا نجاسة

(1)

معه) لما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم بدفن قتلى أحد في دمائهم

(2)

. (فإن لم تزل) النجاسة (إلا بالدم، غُسِلا) أي: الدم والنجاسة؛ لأن درء المفاسد -ومنه غسل النجاسة- مقدم على جلب المصالح، ومنه بقاء دم الشهيد عليه.

(وينزع عنه السلاح والجلود، و) منها (نحو فروة وخُفٍّ. ويجب دفنه في ثيابه التي قتل فيها) لحديث ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ بقتلى أُحد أن ينزعَ عنهم الحديدُ والجلودُ، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم". رواه أبو داود وابن ماجه

(3)

، ولأنه أثر العبادة. (وظاهره

(1)

في "ذ": "لا نجاسته".

(2)

تقدم تخريجه (4/ 83)، تعليق رقم (2).

(3)

أبو داود فى الجنائز، باب 26، حديث 3134، وابن ماجه في الجنائز، باب 28، حديث 1515.

وأخرجه -أيضًا- أحمد (1/ 247)، والبيهقي (4/ 14).

قال المنذري في تهذيب السنن (4/ 294): في إسناده علي بن عاصم الواسطي وقد تكلم فيه جماعة، وعطاء بن السائب، وفيه مقال:

وقال النووي في المجموع (5/ 212): رواه أبو داود بإسناد فيه عطاء بن السائب، وقد ضعفه الأكثرون، ولم يضعف أبو داود هذا الحديث. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 262)، إسناده ضعيف.

وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 118): وفي إسنادهما [أي: أبي داود وابن ماجه] ضعف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، عنه -أي ابن عباس- وهو مما حدث به عطاء بعد الاختلاط.

وفي الباب عن جابر رضي الله عنه، قال: رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه، كما هو، قال: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه =

ص: 86

ولو كانت حريرًا) قال في "المبدع": ولعله غير مراد (فلا يزاد فيها) أي: في ثياب الشهيد (ولا ينقص) منها (ولو لم يحصل المسنون) بها، لنقصها أو زيادتها، وذكر القاضي في تخريجه: أنه لا بأس بهما، وأجاب القاضي عما روي:"أن صفية أرسلتْ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة، فكفنه في أحدهما، وكفَّنَ في الآخر رجلًا آخر"

(1)

: بأنه يحتمل أن ثيابه سلبت، أو أنهما ضما إلى ما كان عليه. وقد روى في "المعتمد" ما يدل عليه، ذكره في "المبدع".

= أبو داود في الجنائز باب 31، حديث 3133، والبيهقي (4/ 14)، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 118): أخرجه أبو داود، بإسناد على شرط مسلم.

(1)

أخرجه مطولًا أحمد (1/ 165)، والبزار (3/ 194) حديث 980، وأبو يعلى (2/ 45) حديث 686، والشاشي (1/ 104) حديث 44، والبيهقي (3/ 401 - 402)، والضياء في المختارة (3/ 69) حديث 874 من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 118): رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه: عبد الرحمن بن أبى الزناد، وهو ضعيف، وقد وثق.

وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 260)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 289 - 290) من طريق هشام بن عروة، عن عروة قال: جاءت صفية

فذكره مرسلًا.

وأخرجه عبد الرزاق (3/ 427) رقم 6194 والطبرانى في الكبير (11/ 406) حديث 12152، وفي الأوسط (4/ 26) حديث 3033، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 24) وعزاه للطبرانى في الأوسط، وقال: فيه عثمان الجزري المشاهد، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.

قلنا: عثمان الجزري هذا ترجمه ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 174) وقال: يقال له: عثمان المشاهد، روى عن مقسم، روى عنه معمر والنعمان بن راشد، ثم نقل عن أحمد بن حنبل أنه قال: روى أحاديث مناكير، زعموا أنه ذهب كتابه.

ص: 87

(فإن كان) الشهيد (قد سُلِبها) أي: الثياب (كفن بغيرها) وجوبًا، كغيره.

(ويستحب دفنه) أي: الشهيد (في مصرعه) الذي قتل فيه، وتقدم

(1)

.

(وإن سقط من شاهق) أي: مكان مرتفع، كجبل ونحوه، لا بفعل العدو فمات (أو) سقط عن (دابة لا بفعل العدو) فمات (أو رفسته) دابة (فمات، أو مات) في دار الحرب (حتف أنفه، أو عاد سهمه عليه) فقتله (أو) عاد (سيفه) عليه فقتله (أو وُجِدَ ميتًا، ولا أثر به، أو حُمل بعد جرحه، فأكل أو شرب، أو نام أو بال، أو تكلم، أو عطس، أو طال بقاؤه عرفًا، غُسِّل، وصُلي عليه وجوبًا).

أما من مات بغير فعل العدو؛ فلعدم مباشرتهم قتله وتسببهم فيه، فأشبه من مات بمرض.

وأما من وُجِدَ ميتًا ولا أثر به؛ فلأن الأصل وجوب الغسل والصلاة، فلا يسقط يقين ذلك بالشك في مسقطه، فإن كان به أثر، لم يغسل ولم يصلَّ عليه، زاد أبو المعالي: لا دمٌ من أنفه أو دبره أو ذكره؛ لأنه معتاد. قال القاضي وغيره: اعتبرنا الأثر هنا احتياطًا للغسل، ولم نعتبره في القسامة، احتياطًا لوجوب الدم.

وأما من حُمل بعد جرحه، فأكل ونحوه؛ فإنه يغسل؛ لتغسيله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ

(2)

؛ ولأن ذلك لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة،

(1)

(4/ 51).

(2)

لم نقف على ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم، لا سعد بن معاذ ولا غيره، والوارد في هذا ما أخرجه ابنُ سعد (3/ 427، 429)، =

ص: 88

والأصل وجوب الغسل والصلاة.

ومعنى قوله: حتف أنفه. أي بغير سبب يفضي إلى الموت من جرح أو ضرب أو غيره.

(ومن قُتل مظلومًا، حتى من قتله الكفار صبرًا في غير حرب

(1)

، أُلحق بشهيد المعركة) في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه؛ لقول سعيد بن زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قتل دون أهله فهو شهيدٌ". رواه أبو داود والترمذي وصححه

(2)

. ولأنهم

= وإسحاق بن راهويه (2/ 548 - 549)، وابن أبي شيبة (14/ 411) أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر سعدَ بن معاذ وهو يُغسَّل. وقد اختلف في وصله وإرساله.

(1)

في "ذ": "الحرب".

(2)

أبو داود في السنة، باب 32، حديث 4772، والترمذي في الديات. باب 22، حديث 1421. وأخرجه -أيضًا- النسائي في تحريم الدم، باب 22، 23، 24، حديث 4101، 4102، 4105، 4106، وفي الكبرى (2/ 310) حديث 3558، وابن ماجه في الحدود، باب 21، حديث 2580، والطيالسي ص 32، حديث 233، والشافعي "ترتيب مسنده" (2/ 101) حديث 236، وعبد الرزاق (10/ 114) حديث 18565، والحميدي (1/ 44) حديث 83، وابن أبي شيبة (9/ 456)، وأحمد (1/ 187 و 190)، وعبد بن حميد (1/ 115) حديث 106، والبزار (4/ 89) حديث 1260، وأبو يعلى (2/ 248). حديث 949، والخرائطي في مساوئ الأخلاق حديث 673، والشاشي (1/ 251) حديث 217، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 260)، وابن حبان "الإحسان"(7/ 467) حديث 3194، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 21) حديث 344، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 223) حديث 341، 342، والبيهقى (3/ 266) و (8/ 335)، والخطيب في تاريخه (10/ 81)، والضياء في المختارة (3/ 292، 293) حديث 1092، 1093، والمزى في تهذيب الكمال (17/ 300، 301)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (1/ 126)، =

ص: 89

مقتولون بغير حق، أشبهوا قتلى الكفار، فلا يغسلون.

(تتمة): قال ابن تميم:‌

‌ من قتله المسلمون أو الكفار خطأ، يغسل

رواية واحدة.

(والشهداء غير شهيد

(1)

المعركة) وهو من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال (بضعةٌ وعشرون) شهيدًا:

(المطعون) أي: الميت بالطاعون (والمبطون، والغريق، والشريق، والحريق، وصاحب الهدم) أي: من مات بانهدام شيء عليه، كمن ألقي عليه حائط ونحوه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"الشهداء خمسة: المطعونُ، والمبطونُ، والغريقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيل الله"

(2)

قال الترمذي

(3)

: حسن صحيح.

(و) صاحب (ذات الجَنْب، و) صاحب (السِّلِّ) بكسر السين (وصاحب اللَّقوة) -بفتح اللام-: داء في الوجه (والصابر في الطاعون، والمتردي من رؤوس الجبال) إن لم يكن بفعل الكفار، فإن كان كذلك، فمن شهداء المعركة.

(ومن مات في سبيل الله) تعالى، ومنه من مات في الحج، كما

= بعضهم بتمامه، وبعضهم مختصرًا وبعضُهم زاد في أول الحديث:"من ظلم من الأرض شبرًا طوَّقه الله يوم القيامة من سبع أرضين".

(1)

في "ح": "شهداء".

(2)

أخرجه البخاري في الأذان، باب 32، حديث 653، وفي الجهاد، باب 30 حديث 2829، ومسلم في الإمارة، حديث 1914، والترمذي في الجنائز، باب 65، حديث 1063 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

في السنن (3/ 377).

ص: 90

تقدم عن صاحب "الفروع"، ومن مات في طلب العلم، كما تقدم أيضًا عنه.

(ومن طلب الشهادة بنية صادقة، وموت المرابط، وأمناء الله في الأرض) وهم العلماء (والمجنون، والنفساء، واللديغ، ومن قُتل دون ماله، أو أهله، أو دينه، أو دمه، أو مظلِمته) بكسر اللام (وفريس السبع، ومن خرَّ عن دابته، ومن أغربها موتُ الغريب) لما رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، والدارقطني وصححه عن ابن عباس مرفوعًا:"موت الغريب شهادةٌ"

(1)

.

(1)

ابن ماجه في الجنائز، باب 61 حديث 1613، والدارقطني في الأفراد كما في أطراف الغرائب (3/ 239) رقم 2538. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الصغير (2/ 152)، والبزار كما ذكر الحافظ في التلخيص (2/ 141)، وأبو يعلى (4/ 269) حديث 2382، والدولابي في الكنى (2/ 131) والعقيلي (4/ 365)، والطبراني في الكبير (11/ 246) حديث 11628، والآجري في الغرباء حديث 49، وابن عدى (1/ 258) و (7/ 2584)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 201)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 173) حديث 9892، وابن الجوزى في العلل المتناهية (2/ 891) حديث 1486، وفي الموضوعات (2/ 132) وابن عساكر في تعزية المسلم ص/63، وفي إسناده الهذيل بن الحكم. قال ابن حبان في المجروحين (3/ 95): الهذيل بن الحكم منكر الحديث جدًا. وعَدَّ الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 294) هذا الحديث من مناكير الهذيل.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 289): هذا إسناد فيه الهذيل بن الحكم، قال فيه البخاري: منكر الحديث.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 141): إسناده ضعيف؛ لأنه من طريق الهذيل بن الحكم.

وقد وهم المؤلف في نسبة تصحيحه إلى الدارقطني، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 141): أن الدارقطني بعد أن ذكر الخلاف فيه على الهذيل إنما صحح قول من قال: عن الهذيل، عن عبد العزيز، عن نافع، عن =

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ابن عمر، ثم ذكر الحافظ أن عبد الحق [في الأحكام الوسطى (2/ 154)] اغتر بهذا، وادعى أن الدارقطني صححه من حديث ابن عمر، وتعقبه ابن القطان [في بيان الوهم والإيهام (5/ 242)]، فأجاد. اهـ.

وأخرجه الطبراني في الكبير مطولًا (11/ 57، 58) حديث 11034 بإسناد آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الحافظ في التلخيص: وفيه عمرو بن الحصين، وهو متروك. وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1/ 83 - 84) وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 606) حديث 1177، عن ابن عباس رضي الله عنهما -أيضًا- قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 119) عن ابن عباس رضي الله عنهما -أيضًا- وقال: غريب من حديث عمر [أى: ابن ذر] لم نكتبه إلا من هذا الوجه. وحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكره الدارقطني: أخرجه ابن عدي (7/ 2584).

وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه:

أخرجه العقيلي في الضعفاء (2/ 288)، والآجري في الغرباء حديث 51، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 227)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 391) وفي سنده أبو رجاء الخراساني، قال العقيلي: منكر الحديث.

وقال ابن الجوزي: لا يصح، ونقل عن أحمد قوله: هو حديث منكر.

ب - أنس رضي الله عنه:

أخرجه ابن عساكر في تعزية المسلم ص/63.

جـ - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:

أخرجه ابن عساكر في تعزية المسلم ص/ 64، ولفظه: موت المسافر شهادة. ثم قال: قال الصابوني: هذا حديث غريب.

د - عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أخرجه سمويه في فوائده، كما في كنز العمال (4/ 423).

هـ - عنترة أبو هارون رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 87) حديث 161. وفي إسناده: عبد الملك بن هارون بن عنترة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 301): وعبد الملك متروك. =

ص: 92

(وأغرب منه) ما ذكره أبو المعالي بن المنجى وبعض الشافعية

(1)

: (العاشق إذا عفَّ وكتم)، وأشاروا إلى الخبر المرفوع:"منْ عشقَ وعفَّ وكتمَ فماتَ، ماتَ شهيدًا". وهذا الخبر مذكور في ترجمة سويد بن سعيد فيما أنكر عليه، قاله ابن عدي والبيهقي

(2)

.

= قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 668): قد جاء في أن موت الغريب شهادة، جملةٌ من الأحاديث لا يبلغ شيء منها درجة الحسن فيما أعلم.

(1)

انظر روضة الطالبين (1/ 119)، ومغني المحتاج (1/ 350)، وتحفة المحتاج (1/ 166)، وأسنى المطالب (1/ 315).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخه (5/ 156، 262) و (6/ 50، 51) و (13/ 184)، وابن عساكر في تاريخه (43/ 195)، وأبو طاهر السلفي في الطيوريات ص/ 661 حديث 112، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 285)، وفي المشيخة (1/ 191) من طريق سويد بن سعيد الحدثاني، عن علي بن مسهر، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس، مرفوعًا.

قال ابن حبان في المجروحين (1/ 352) -بعد أن أورد هذا الحديث-: ومن روى مثل هذا الخبر الواحد عن على بن مسهر يجب مجانبة رواياته، ونقل عن ابن معين: لو كان لي فرس ورمح، لكنت أغزو سويد بن سعيد.

وقال أبو عبد الله الحاكم في المدخل إلى الصحيح (4/ 140): أنكر عليه حديث عن علي بن مسهر في العشق.

قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 286): هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا قال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 254)، وقال في المنار المنيف (ص/ 140): موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 262): أعله الأئمة، قال ابن عدي والحاكم والبيهقي وابن طاهر: هو أحد ما أنكر على سويد بن سعيد.

وقال ابن حجر في بذل الماعون (1/ 185): في سنده مقال.

وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 771) من طريق يعقوب بن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به، ونقل عن أحمد: يعقوب بن عيسى ليس =

ص: 93

(ذكر تعدادهم في "غاية المطلب") وعبارته: والشهيد -غير شهيد المعركة- بضعة عشرة: المطعون، والمبطون، والغريق، والشريق، والحريق، وصاحب الهدم، وذات الجَنْب، والمجنون، والنفساء، واللديغ، ومن قتل دون ماله أو أهله أو دينه أو دمه أو مظلمته، وفريس السبع، ومن خرَّ عن دابته، ومن أغربها موت الغريب، وأغرب منه العاشق إذا عفَّ وكتم. انتهى. فلم يستوعب ما ذكره المصنف.

(و‌

‌كل شهيد غسِّل، صُلِّي عليه وجوبًا،

ومن لا) يغسل (فلا) يُصلَّى عليه، ذكره في "المبدع" المذهب

(1)

.

(والشهيد بغير قتل كغريق ونحوه مما تقدم ذكره) غير من استثني (يُغسل ويُصلَّى عليه) لأنه ليس بشهيد معركة ولا ملحقًا به.

(وإذا وُلِد السِّقط لأكثر من أربعة أشهر) أي: لأربعة أشهر

= بشيء. وأخرجه الخطيب في تاريخه (12/ 479)، وفي المؤتلف والمختلف كما في لسان الميزان (1/ 292) من طريق أحمد بن محمد بن مسروق، عن سويد، عن علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا. قال الخطيب: رواه غير واحد عن سويد، عن علي بن مسهر عن أبى يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال: وهو المحفوظ.

وأحمد بن محمد بن مسروق هذا قال عنه الدارقطني كما في لسان الميزان (1/ 292): ليس بالقوي.

قال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 255): ومن المصائب التي لا تحتمل جعل الحديث من حديث هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعًا، ومن له أدنى إلمام بالحديث وعلله لا يحتمل هذا البتة.

(1)

في "ذ": "والمذهب" بزيادة الواو.

ص: 94

فأكثر، (غُسل وصلي عليه)، نص عليه في رواية حرب وصالح

(1)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "والسقْطُ يُصلَّى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمةِ" رواه أحمد وأبو داود

(2)

، ورواه النسائي والترمذي وصححه، ولفظهما:"والطفلُ يصلَّى عليه"

(3)

، واحتج به

(1)

مسائل صالح (3/ 176 - 177) رقم 1597، ومسائل عبد الله (2/ 482) رقم 672، ومسائل ابن هانئ (1/ 193) رقم 962، 963، 964، وطبقات الحنابلة (1/ 193)، والأوسط (5/ 405).

(2)

أحمد (4/ 248 - 249، 252)، وأبو داود في الجنائز، باب 49، حديث 3180، والنسائي في الجنائز، باب 55، 56، حديث 1941، 1942، والترمذي في الجنائر، باب 42، حديث 1031، ورواه -أيضًا- الطيالسي ص/ 96، حديث 702، والطبراني في الكبير (20/ 430) حديث 1042، 1043، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1/ 308)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 294 حديث 333، وابن حزم في المحلى (5/ 158)، والحاكم (1/ 363)، والبيهقي (4/ 8، 24 - 25) وابن عبد البر في التمهيد (12/ 97) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 7) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعًا. وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. وصححه أحمد، كما في زاد المعاد (1/ 513)، وانظر: علل الدراقطني (7/ 134).

وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 317)، وأحمد (4/ 249) عن المغيرة رضي الله عنه موقوفًا، قلنا: هو في حكم المرفوع، فإن مثل هذا لا يقال بالرأي.

(3)

النسائي في الجنائز، باب 55 حديث 1941، والترمذي في الجنائز، باب 42، حديث 1031، -ورواه -أيضًا- ابن ماجه في الجنائز، باب 26، حديث 1507، وابن أبي شيبة (3/ 280، 317)، وأحمد (4/ 247)، والطحاوي (1/ 508)، وابن حبان "الإحسان"(7/ 320) حديث 3049، والطبراني في الكبير (20/ 430، 431) حديث 1044، 1045، 1046 والحاكم (1/ 355، 363)، والبيهقي (4/ 8) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي.

ص: 95

أحمد

(1)

؛ ولأنه نسمة نفخ فيها الروح (ولو لم يستهل) أي: يصوت عند الولادة؛ لعموم ما سبق.

(ويُستحبُّ تسميته، ولو وُلِد قبل أربعة أشهر) لأنه يُبعث في ظاهر كلام أحمد

(2)

، فيُسمى، ليُدعى يوم القيامة باسمه.

(وإن جُهل أذكر أم أنثى؟ سُمي بصالح لهما، كطلحة وهبة الله) قاله الشيخ تقي الدين، وكثير من الفقهاء.

(ولو كان السقط من كافرين، فإن حكم بإسلامه) كما لو مات أحد أبويه بدارنا (فكمسلم) يغسل ويُصلى عليه، إذا وُلد لأربعة أشهر فأكثر (وإلا) أي: وإن لم يحكم بإسلامه (فلا) يغسل ولا يُصلى عليه؛ لأنه كافر.

(ويُصلَّى على طفل) من كافرين (حكم بإسلامه) لموت أحد أبويه بدار الإسلام أو سبيه منفردًا عنهما، أو عن أحدهما ونحوه. وكذا مجنون حكم بإسلامه بشيء مما سبق.

(ومن تعذر غسله لعدم ماء، أو عذرٍ غيره) كالحرق والجذام والتبضيع

(3)

، (يُمِّمَ) لأن غسل الميت طهارة على البدن، فقام التيمم عند العجز عنه مقامه، كالجنابة. (وكُفِّن) بعد التيمم (وصُلي عليه) كغيره.

(وإن تعذر غسل بعضه) غسل ما أمكن منه، و (يُمِّمَ له) أي: لما

(1)

انظر مسائل صالح (3/ 176، 177) رقم 1597.

(2)

المصدر السابق.

(3)

التبضيع هو التقطيع وصيرورته أبضاعًا. انظر لسان العرب (8/ 12) والقاموس المحيط ص/908.

ص: 96

تعذر غسله كالجنابة. (وأن أمكن صب الماء عليه بلا عرك، صُبَّ عليه) الماء بحيث يعمُّ بدنه (وترك عركه) لتعذره وتقدم أنه لا يجب الفعل، وإن لم يكن عذر.

(ثم إن يُمِّمَ) الميت (لعدم الماء وصلي عليه، ثم وُجد الماء قبل دفنه، وجب غسله) لإمكانه، وتعاد الصلاة عليه، ولو كانت بتيمم، والأولى بوضوء، وتقدم.

(وإن وجد) الماءُ (فيها) أي: في الصلاة على الميت وقد يُمِّمَ. (بطلت الصلاة) فيغسل، ثم يُصلَّى عليه، كالحي يجد الماء.

(ويلزم الوارث قَبول ماءٍ وُهِب للميت) ليغسل به؛ لأن المِنة فيه يسيرة و (لا) يلزمه قَبول (ثمنه) هبة؛ للمنة، كالحي.

(ويجب على الغاسل ستر قبيح رآه) لأن في إظهاره إذاعة للفاحشة. وفي الخبر مرفوعًا: "ليغسل موتاكم المأمونونَ" رواه ابن ماجه

(1)

. وعن عائشة مرفوعًا: "من غسل ميتًا وأدى فيه الأمانة، ولم

(1)

في الجنائز باب 8 حديث 1461. ورواه -أيضًا- ابن عدي (6/ 2411) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وأورده الديلمي في "الفردوس"(3/ 461) حديث 5427. ضعفه النووي في المجموع (5/ 157) وابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 15). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 261) حديث 523: هذا إسناد ضعيف بقية بن الوليد مدلس، وقد رواه بالعنعنة، وشيخه مبشر بن عبيد قال فيه أحمد بن حنبل: أحاديثه كذب موضوعة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك الحديث يضع الأحاديث ويكذب. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 393 مع الفيض)، ورمز لضعفه، وقال المناوي: وفيه بقية وقد مرَّ غير مرة، ومبشر بن عبيد الحمصي، قال في "الكاشف" (2/ 238): تركوه.

ص: 97

يُفْشِ عيبه، خرجَ من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه" رواه أحمد من رواية جابر الجعفي

(1)

.

(1)

أحمد (6/ 119، 122). وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى في معجمه ص/ 132 حديث 92، والطبراني في الأوسط (4/ 349) حديث 3599، (8/ 268) حديث 7541، وابن عدي (3/ 1154 - 1155) و (7/ 2690)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 192)، والبيهقي (3/ 396)، وفي شعب الإيمان (7/ 9) حديث 9266 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 21) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه جابر الجعفي، وفيه كلام كثير. وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو رافع رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 315) حديث 929، والحاكم (1/ 354، 362) والبيهقي (3/ 395) وفي معرفة السنن والآثار (5/ 228) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 234): رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح. وأورد الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 21): وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

ب - معاذ بن جبل رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (3/ 404) رقم 6089، وابن أبي شيبة (3/ 270) وفي إسناده عند عبد الرزاق: راوٍ مبهم، وليث بن أبي سليم، وقد قال الحافظ عنه في التقريب (5721): صدوق اختلط جدًا ولم يتميز حديثه فتُرك. وفي إسناده عند ابن أبى شيبة: عبد الكريم بن أبي المخارق، قال الحافظ في التقريب (4184): ضعيف.

جـ - علي رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب 8، حديث 1462 وابن حبان في المجروحين (2/ 169)، وابن عدى (5/ 1777)، والخطيب في تاريخه (8/ 457) وابن الجوزي في العلل المتناهية (3/ 897) حديث 1496، وقال: هذا حديث لا يصح. وقال النووي في الخلاصة (2/ 944): رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف. وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 261).

د- معاوية بن حُديج رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 275) وابن سعد (7/ 503) وأحمد (6/ 401). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 21): رواه أحمد، وفيه صالح أبو حجير: مجهول. =

ص: 98

(كطبيب) أى: كما يجب على الطبيب أن لا يحدث بشرٍّ؛ لما فيه من الإفضاح.

(ويُستحبُّ) للغاسل (إظهاره) أي: ما رآه من الميت (إن كان حسنًا) ليُترحَّم عليه. (قال جمع محققون: إلا على مشهور ببدعة مضلة، أو قِلَّة دين، أو فجور ونحوه) ككذب (فيستحب إظهار شره وستر خيره) ليرتدع نظيره.

ويحرم سوء الظن بالله، وبمسلم ظاهرِ العدالة، قاله القاضي وغيره. ويجب حسن الظن بالله تعالى، ويُستحب ظن الخير بالمسلم، ولا ينبغي تحقق ظنه في ريبة، ولا حرج بظن السوء بمن ظاهره الشر.

وحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إياكم والظن، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث"

(1)

محمول على الظن المجرد الذي لم تعضده قرينة تدل على صدقه.

وحديث: "احترسوا من الناسِ بسوءِ الظن"

(2)

المراد به الاحتراس بحفظ المال، كغلق الباب خوف السُّرَّاق، هذا معنى كلام القاضي.

= هـ - أبو أمامة رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 221) حديث 8077، 8078.

وأخرجه عبد الرزاق (3/ 404) حديث 6097، عن الشعبي مرسلًا.

(1)

أخرجه البخاري في النكاح، باب 45، حديث 5143 وفي الأدب، باب 57، 58 حديث 6064، 6066، وفي الفرائض، باب 2، حديث 6724، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2563.

(2)

إخرجه ابن أبي الدنيا في مداراة الناس ص/ 98 حديث 113، والطبراني في الأوسط (1/ 355) حديث 602، و (10/ 209) حديث 9454، وابن عدي =

ص: 99

ونرجو للمحسن، ونخاف على المسيء.

(ولا نشهد) بجنة أو نار (إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم) قال الشيخ تقي الدين

(1)

: أو اتفقت الأمة على الثناء أو الإساءة عليه. قال في "الفروع": ولعل مراده الأكثر، وأنه الأكثر ديانة، وظاهر كلامه: ولو لم تكن أفعال الميت موافقة لقولهم، وإلا لم تكن علامة مستقلة. انتهى. و‌

‌من جُهل إسلامه، ووجد عليه علامة المسلمين، وجب غسله والصلاة عليه،

ولو كان أقلف بدارنا، لا بدار حرب

(2)

، ولا علامة، نص على ذلك

(3)

. ونقل علي بن سعيد

(4)

: يستدل بثياب وختان

(5)

.

= (6/ 2398)، والهروي فى مشتبه أسامي المحدثين ص/34 - 35 من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا. قال الطبراني: تفرد به بقية. وأورده الهيثمي فى مجمع الزوائد (8/ 89) وقال: وفيه بقيه بن الوليد، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات. وقال الحافظ فى فتح الباري (10/ 531): أخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق أنس، وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى، وهو ضعيف، فله علتان، وصح من قول مطرف التابعي الكبير أخرجه مسدد. ا هـ.

وقول مطرف المشار إليه أخرجه أحمد فى الزهد ص/297، وابن أبي عاصم في الزهد ص/242، وأبو نعيم في الحلية (2/ 210)، والبيهقي (10/ 129)، وابن عساكر (58/ 330).

وأخرجه الخطابي في العزلة ص/ 60 من قول عمر رضي الله عنه، وأخرجه ابن سعد (1/ 177) من قول الحسن رحمه الله.

(1)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 129. ومجموع الفتاوى (2/ 484) (11/ 65).

(2)

في "ح": "الحرب".

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 183) رقم 914.

(4)

هو علي بن سعيد النسوي، أبو الحسن، روى عن الإمام أحمد جزأين مسائل، توفي سنة 257 هـ رحمه الله تعالى. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 224) والمقصد الأرشد (2/ 225) والمنهج الأحمد (2/ 133).

(5)

أحكام أهل الملل من كتاب الجامع للخلال (1/ 269).

ص: 100

‌فصل في الكفن

وتقدم أن تكفينه فرض كفاية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم: "كفنوه في ثوبيه"

(1)

.

(يجب كفن الميت في ماله) لما تقدم من الخبر؛ ولأن حاجة الميت مقدمة في ماله على ورثته، بدليل قضاء دينه.

(و) تجب (مؤنة تجهيزه) -أي الميت- بمعروف، قياسًا على الكفن (غير حنوط وطيب) كماء ورد وعود للكفن؛ فإنه مستحب غير واجب، كحال الحياة. (ويأتي) ذلك. وقوله: في ماله -أي الميت- متعلق بـ"يجب"؛ لما تقدم (لحق الله تعالى، وحق الميت) فلا يسقط لو أوصى أن لا يكفن؛ لما فيه من حق الله (ذكرًا كان) الميت (أو أنثي) أو خنثي صغيرًا كان أو كبيرًا، حرًا كان أو عبدًا (ثوب) بدل من "كفن"، أو خبر لمحذوف تقديره: والواجب ثوب (واحد يستر جميع البدن) لأن العورة المغلظة يجزئ في سترها ثوب واحد، فكفن الميت أولى.

(فلو وصَّى بأقلَّ منه) أي: مما يستر جميع البدن (لم تُسمع وصيته) لتضمنها إسقاط حقِّ الله تعالى.

(ويشترط أن لا يصف البشرة) لأنَّ ما يصفها غير ساتر، فوجوده كعدمه.

(ويجب) أن يكفن في (ملبوس مثله في الجُمع والأعياد) لأمر

(1)

تقدم تخريجه (4/ 48) تعليق رقم (1).

ص: 101

الشارع بتحسينه، رواه أحمد ومسلم

(1)

(ما لم يوصِ بدونه) فتتبع وصيته؛ لإسقاطه حقه مما زاد.

(مقدَّمًا هو) أي: الكفن (ومؤنة تجهيزه على دين، ولو بِرَهْن وأرش جناية) ولو كانت متعلقة برقبة الجاني (ووصية وميراث، وغيرهما) لأن المفلس يقدم بالكسوة على الدين، فكذا الميت، وإذا قُدِّم على الدين، فعلى غيره أولى. (ولا ينتقل إلى الورثة

(2)

من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية) من كفن ومؤنة تجهيز وقضاء دين، ولو لله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"كفنوه في ثوبيه"

(3)

.

(وإن أوصى) أن يكفن (في أثواب ثمينة لا تليق به، لم تصح) الوصية؛ لأنها بمكروه.

(والجديد أفضل من العتيق) لما تقدم من أمر الشارع بتحسينه (ما لم يوص بغيره) أي: غير الجديد فيمتثل؛ لما روي عن الصديق أنه قال: "كفنوني في ثَوبىَّ هذين؛ فإن الحيَّ أحوج إلى الجديد من الميت، وإنهما للمهنة

(4)

والترابِ" رواه البخارى

(5)

بمعناه.

(1)

أحمد (3/ 295)، ومسلم في الجنائز، حديث 943 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما

وقال: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسِّن كفنه".

(2)

في "ذ": "الوارث".

(3)

تقدم تخريجه (4/ 48) تعليق رقم (1).

(4)

كذا في الأصول: "للمهنة" وفي صحيح البخاري: "للمُهْلَة" وفي صحيح ابن حبان "الإحسان"(7/ 308) حديث 3036، جاء على الوجهين:"للمهنة أو للمهلة". والمهلة: صديد الميت. كما في القاموس المحيط ص/1059.

(5)

في الجنائز، باب 94، حديث 1387.

ص: 102

(ولا بأس باستعداد الكفن لحلٍّ أو لعبادة فيه. قيل لأحمد: يصلي فيه، أو يحرم فيه، ثم يغسله ويضعه لكفنه؟ فرآه حسنًا

(1)

) لما فيه من أثر العبادة والاستعداد للموت.

(ويجب كفن الرقيق) ذكرًا كان أو أنثى (على مالكه) كنفقته حال الحياة.

(فإن لم يكن للميت مال) بأن لم يخلف شيئًا، أو تلف قبل أن يجهز

(2)

(فعلى من تلزمه نفقته) لأن ذلك يلزمه حال الحياة، فكذلك بعد الموت (وكذلك دفنه) أو

(3)

مؤنته (وما لابد للميت منه) كحمله وسائر تجهيزه (إلا الزوج) فإنه لا يلزمه كفن امرأته، ولا مؤنة تجهيزها، نص عليه

(4)

؛ لأن النفقة والكسوة وجبت

(5)

في النكاح للتمكين من الاستمتاع -ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة- وقد انقطع ذلك بالموت، فأشبهت الأجنبية، وفارقت الرقيق؛ فإن نفقته تجب بحق الملك لا بالانتفاع؛ ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته. فتكفن الزوجة من مالها إن كان، وإلا فعلى من يلزمه نفقتها لو لم تكن مزوَّجة، من قريب ومولى.

(ثم) إن لم يكن للميت مال ولا من تلزمه نفقته، وجب كفنه ومؤنه تجهيزه (من بيت المال، إن كان) الميت (مسلمًا) كنفقته إذن،

(1)

مسائل أبي داود ص / 143، وانظر مسائل صالح (2/ 307) مسألة 927.

(2)

في "ح": "يجهزه".

(3)

في "ذ": "أي" وهو الأقرب.

(4)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 185 - 186) رقم 926، والأوسط لابن المنذر (5/ 363)، والإفصاح (1/ 195).

(5)

في "ذ": "وجبا".

ص: 103

قال أبو المعالي: وإن كفن من بيت المال فثوب، وفي الزائد للكمال وجهان. ويتوجه ثوب من الوقف على الأكفان، قاله في "الفروع" و"المبدع". وخرج الكافر ولو ذميًا، فلا يكفن من بيت المال؛ لأن الذمة إنما أوجت عصمتهم فلا نؤذيهم، لا لإرفاق بهم

(1)

.

(ثم) إن لم يكن بيت مال، أو كان وتعذَّر الأخذ منه، فكفنه ومؤنة تجهيزه (على مسلم عالم به) أي: بالميت

(2)

، كنفقة الحي وكسوته.

(ويكره) التكفين (في رقيق يحكي هيئة البدن) لرقته، ولو لم يصف البشرة. نص عليه

(3)

. كما يكره للحي لبسه.

(ويكره التكفين -أيضًا- (بشعر وصوف مع القدرة على غيره) لأنه خلاف فعل السلف.

(و) يكره التكفين (بمزعفر ومعصفر، ولو لامرأة حتى المنقوش، قطنًا كان أو غيره) لأنه غير لائق بحال الميت.

(ويحرم بجلود) لأمر النبي صلى الله عليه وسلم "بنزع الجلود عن الشهداء، وأن يدفنوا في ثيابهم"

(4)

.

(و) يحرم -أيضًا- بـ (ـحرير ومذهَّب) ومفضَّض (ولو لامرأة) لأنه إنما أبيح لها في حال الحياة؛ لأنها محلُّ الزينة والشهوة، وقد زال ذلك بموتها (و) لو لـ (ـصبي) كما يحرم عليه حال الحياة وأولى.

(1)

فى "ح" و"ذ": "لا إرفاقهم".

(2)

في "ح": "أي الميت".

(3)

انظر الورع للمرُّوذي ص/176.

(4)

تقدم تخريجه (4/ 86)، تعليق رقم (3).

ص: 104

(ويجوز) التكفين (فيهما) أي: في الحرير والمذهب (ضرورة) أي: عند عدم غيرهما لوجوب ستره (ويكون) الكفن إذن (ثوبًا واحدًا) يستر جميعه؛ لاندفاع الضرورة به.

(فإن لم يجد) من يلي الميت (ما يستر) الميت (جميعه، ستَرَ العورة) لتقدمها على سائر جسده (ثم) إن بقي شيء، سترَ به (رأسه وما يليه وجُعل على باقيه حشيش أو ورق) لما روي "أن مصعبًا قُتل يومَ أحدِ فلم يوجدْ له شيء يكفنُ فيه إلا نمرة، فكانت إذا وضعت على رأسه بدت رجلاهُ، وإذا وضعتْ على رجليه خرجَ رأسه، فأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن تُغطَّى رأسه، ويجعل على رجليه الإذخر". رواه البخاري

(1)

.

(فإن لم يوجد إلا ثوب واحد، ووُجِدَ جماعة من الأموات، جمع في الثوب ما يمكن جمعه) من الأموات (فيه) لخبر أنس في قتلى أُحد

(2)

. وقال ابن تميم: قال شيخنا يقسم بينهم ويستر عورة كل

(1)

في الجنائز، باب 27، حديث 1276، وفي مناقب الأنصار، باب 45 حديث 3897، 3914، وفي المغازي، باب 17، 26 حديث 4047، 4082، وفي الرقاق، باب 16، حديث 6448، ورواه -أيضًا- مسلم في الجنائز، حديث 940 من حديث خباب رضي الله عنه.

(2)

روى أبو داود في الجنائز، باب 31، حديث 3136، والترمذى في الجنائز، باب 31، حديث 1016، وابن سعد (3/ 14 - 15)، وابن أبي شيبة (14/ 391 - 392)، وأحمد (3/ 128)، وعبد بن حميد (3/ 85) حديث 1162، وأبو يعلى (6/ 364) حديث 3568، والطبراني في الكبير (3/ 158) حديث 2939، والحاكم (1/ 365)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 226)، والبيهقي (4/ 10 - 11).

كلهم من طرق عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه -في قصة شهداء أحد-:"فكان الرجل، والرجلان والثلاثة يكفنون فى الثوب الواحد". الحديث. قال الترمذي: حديث أنس حديث حسن، غريب. =

ص: 105

واحد، ولا يجمعون فيه.

(وأفضل الأكفان البياض) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وكفنوا فيه موتاكم"

(1)

. (وأفضله القطن.

ويُستحبُّ تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض من قطن) لحديث عائشة قالت: "كُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَحولية جدد يمانية، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، أُدرج فيها إدراجًا" متفق عليه

(2)

، زاد مسلم في رواية:"وأما الحلة فاشتبه على الناس فيها أنها اشتريتْ ليكفنَ فيها، فتركت الحلةُ، وكفن في ثلاثةِ أثواب بيض سَحولية". قال أحمد

(3)

: أصحُّ الأحاديث في كفن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديث عائشة؛ لأنها أعلم من غيرها. وقال الترمذي

(4)

: قد روي في كفن

= ورواه البخاري في الجنائز، باب 73، 74، 76، 79، حديث 1343، 1345، 1347، 1353، وفي المغازي باب 26 حديث 4079، وأبو داود في الجنائز، باب 31، حديث 3138، والترمذي في الجنائز، باب 46، حديث 1036، وابن ماجه في الجنائز، باب 28، حديث 1514، وغيرهم من طرق عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد. . . الحديث.

قال الترمذي (3/ 336): وسألت محمدًا [يعني] البخارى عن هذا الحديث، فقال: حديث الليث عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر، أصح.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 180)، تعليق رقم (1).

(2)

البخاري في الجنائز، باب 18، 23، 24، 94، حديث 1264، 1271، 1272، 1273، 1387، ومسلم فى الجنائز، حديث 941.

(3)

انظر شرح الزركشي على الخرقي (2/ 291).

(4)

في سننه في الجنائز، باب 20، عقب حديث 997.

ص: 106

النبي صلى الله عليه وسلم روايات مختلفة، وحديث عائشة أصحُّ الروايات التي رويت في كفنه. قال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم.

(و) يكون (أحسنها) أي: اللفائف (أعلاها؛ ليظهر للناس كعادة الحي) في جعله أحسن ثيابه أعلاها.

(وتكره

(1)

الزيادة) على الثلاث، قاله في "المستوعب" و"الشرح" وغيرهما؛ لما فيه من إضاعة المال المنهي عنها، وصحح ابن تميم، وقدَّمه في "الفروع": أنه لا يكره، بل في سبعة أثواب. ذكره في "المبدع".

(و) يكره (تعميمه) صوَّبه في "تصحيح الفروع".

(ويكفن صغير في ثوب) واحد (ويجوز) تكفين الصغير (في ثلاثة) ثياب (وإن ورثه) أي: الصغير (غير مكلف) من صغير ومجنون (لم تجز

(2)

الزيادة على ثوب لأنه تبرع، قاله المجد) وجزم بمعناه في "المنتهى".

(وقال) أبو الوفاء علي (بن عقيل: ومن أخرج فوق العادة، فأكثر الطيب والحوائج، وأعطى المقربين بين يدي الجنازة، وأعطى الحمَّالين، والحفار زيادة على العادة، على طريق المروءة، لا بقَدْرِ الواجب، فمتبرع) إن كان من ماله (فإن كان من التركة، فمن نصيبه. انتهى)

وكذا ما يُعطى لمن يرفع صوته مع الجنازة بالذِّكر ونحوه، وما يصرف في طعام

(3)

ونحوه ليالي جمع، وما يصنع في أيامها من البدع

(1)

في "ح": "يكره".

(2)

في "ح": "يجز".

(3)

في "ح": "الطعام".

ص: 107

المستحدثة خصوصًا إذا كان في الورثة قاصر أو يتيم.

(وتُكفَّن الصغيرة إلى بلوغ في قميص ولفافتين) لعدم حاجتها إلى خِمار في حياتها (وخنثى كأنثى) احتياطًا.

(فيبسط) من يكفن الرجل الميت (بعض اللفائف) الثلاث (فوق بعض) ليوضع الميت عليها مرة واحدة، ولا يحتاج إلى حمله، ووضعه على واحد بعد واحدة (ويجمرها بالعود) أو نحوه، أوصى به أبو سعيد

(1)

وابن عمر

(2)

وابن عباس

(3)

؛ ولأن هذا عادة الحي (بعد رشها

(1)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 430) رقم 6205، وابن عساكر (20/ 395) ولفظ عبد الرزاق:"لا يغلبنكم بنو أبي سعيد على جنازتي، واحملوني على قطيفة قيصرانية، وأجمروا عليَّ بأوقية مجمر".

(2)

لم نقف عليه.

(3)

لم نقف عليه. وقد رُوي في هذا حديث مرفوع عن جابر رضي الله عنه: "إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثًا"، أخرجه ابن سعد (2/ 68)، وابن أبي شيبة (3/ 265)، وأحمد (3/ 331)، والبزار (كشف الأستار 1/ 385) حديث 813، وأبو يعلى (4/ 197) حديث 2300، وابن حبان "الإحسان"(7/ 301) حديث 3031، والحاكم (1/ 355) والبيهقي (3/ 405)، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. . ووافقه الذهبي. وقال النووي في الخلاصة (2/ 957): وإسناده صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 26): رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال الصحيح.

وقال يحيى بن معين: لم يرفعه إلا يحيى بن آدم، ولا أظن ذا الحديث إلا غلطًا. تاريخ ابن معين برواية الدوري (3/ 307) وتعقبه النووي في الخلاصة (2/ 957) بقوله: وكأن ابن معين بناء على قاعدة أكثر المحدثين، أنه إذا رُوي الحديث مرفوعًا وموقوفًا حُكم بالوقف، والصحيحُ الحكم بالرفع؛ لأنه زيادة ثقة، ولا شك في توثيق يحيى بن آدم.

وقد أوصت بذلك -أيضًا- أسماء رضي الله عنها كما أخرجه مالك في الموطأ (1/ 226)، وعبد الرزاق (3/ 417) رقم 6152، وابن سعد (8/ 254)، وابن =

ص: 108

بماء ورد أو غيره؛ ليعلق به) رائحة البخور، إن لم يكن الميت مُحْرمًا.

(ثم يوضع) الميت (عليها) أي: اللفائف (مستلقيًا) لأنه أمكن لإدراجه فيها، والأولى أن يستر بثوب في حال حمله، وأن يوضع متوجهًا، (ويجعل الحنوط، وهو أخلاط من طيب) يعدُّ للميت خاصة (فيما بينها

(1)

) أي: يذرُّ بين اللفائف و (لا) يجعل من الحنوط (على ظهر) اللفافة (العليا) لكراهة عمر

(2)

وابنه

(3)

وأبي هريرة

(4)

ذلك.

(ولا) يوضع (على الثوب الذي) يجعل (على النعش) شيء من الحنوط، نص عليه

(5)

؛ لأنه ليس من الكفن.

(ويجعل منه) أي: الحنوط (في قطن يجعل) ذلك القطن (بين أليتيه) برفق، ويكثر ذلك ليرد ما يخرج عند تحريكه (ويشد فوقه) أي: القطن (خرقة مشقوقة الطرف كالتبان) وهو السراويل بلا أكمام (تجمع أليتيه ومثانته) ليردَّ ذلك ما يخرج، ويخفي ما يظهر من الروائح.

= أبي شيبة (3/ 265) وإسحاق بن راهويه (1/ 137) رقم 39، والبيهقي (3/ 405) وابن عساكر (69/ 28، 29) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء أنها قالت لأهلها:"أجمروا ثيابي إذا أنا مِتُّ، ثم كفِّنوني، ثم حنّطوني، ولا تذروا على كفني حناطًا" وصححه النووي في الخلاصة (2/ 956) والزيلعي في نصب الراية (2/ 264).

(1)

في "ح": "بينهما".

(2)

أخرجه ابن سعد (3/ 367) وابن أبي شيبة (3/ 257).

(3)

أخرج ابن أبي شيبة (3/ 270) عن ابن عمر أنه كره الحنوط على النعش.

(4)

أورده ابن المنذر في الأوسط (5/ 457) رقم 3209، وقد تقدم قول أسماء رضي الله عنها: لا تذُرُّوا على كفني حناطًا.

(5)

انظر مسائل أبي داود ص/143.

ص: 109

(وكذلك) يصنع

(1)

(في الجراح النافذة) لما ذكر (ويجعل الباقي) من القطن المحنط (على منافذ وجهه) كعينيه وفمه وأنفه، ويلحق بذلك أذناه (و) على (مواضع سجوده) كجبهته وأنفه ويديه وركبتيه، وأطراف قدميه، تشريفًا لها لكونها مختصة بالسجود (و) على (مغابنه) كطي ركبتيه، وتحت إبطه، وكذا سرته؛ لأن ابن عمر كان يتتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك

(2)

.

(ويطيب رأسه ولحيته) ولم يذكر ذلك في "المنتهى" وغيره (وإنْ طيَّب) من يليه (ولو بمسك بغير ورس وزعفران سائرَ بدنه غير داخل عينيه كان حسنًا) لأنّ أنسًا طُلي بالمسك

(3)

، وطلى ابنُ عمر ميتًا

(1)

فى "ذ": "يضع".

(2)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 414)، رقم 6140 وابن هانئ في مسائله (1/ 185) رقم 924، وأبو داود في مسائله ص / 147.

وأخرج البيهقي (3/ 406) عن نافع قال: لما مات سعيد بن زيد قالت أم سعيد لابن عمر: أتحنطه بمسك؟ فقال: وأي طيب أطيب من المسك؟ هاتي مسكك، فناولته إياه، قال: ولم يكن يصنع كما تصنعون، وكنا نتبع بحنوطه مراقه ومغابنه.

وأخرج ابن أبي شيبة (3/ 257)، والحاكم (1/ 362)، والبيهقي (3/ 405 - 406) عن أبي وائل، قال: كان عند علي رضي الله عنه مسك، فأوصى أن يحنط به، وقال: هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال النووى في الخلاصة (2/ 956): رواه البيهقي بإسناد حسن.

(3)

أخرجه ابن سعد (7/ 25)، وابن أبي عاصم فى الآحاد والمثاني (4/ 238) حديث 2231، وابن أبي شيبة (3/ 256) عن أنس أنه جعل في حنوطه صرة من مسك، أو مسك فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج ابن المنذر في الأوسط (2/ 294) رقم 890، والطبراني في الكبير (1/ 249) رقم 715، والبيهقي (3/ 406) عن أنس أنه جعل في حنوطه مسك فيه من عرق النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 110

بالمسك

(1)

.

(ويكره) أن يطيب (داخل عينيه) نص عليه

(2)

؛ لأنه يفسدهما.

(و) يكره أن يطيب (بورس وزعفران) لأنه ربما ظهر لونه على الكفن؛ ولأنه يستعمل غذاء وزينة، ولا يعتاد التطيب به.

(ويكره طليه) أي: الميت (بصبِر) بكسر الموحدة وتسكن في ضرورة الشعر (ليمسكه. و) يكره طليه أيضًا (بغيره) أي: غير الصبر مما يمسكه (ما لم ينقل) أي: ما لم يرد نقل الميت من مكان إلى آخر، فيباح ذلك للحاجة؛ لكن إنما يباح النقل لحاجة بلا مفسدة، بأن لا يخشى تفسخه أو تغيره (قاله المجد) عبد السلام بن تيمية، وجزم بمعناه في "المنتهى" وغيره.

(والطيب والحنوط غير واجبين، بل مستحبان) كحال الحياة وتقدم.

(ثم يردُّ طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم) يرد (طرفها الأيمن على) شقه (الأيسر) لأنه عادة لبس الحي في قباء ورداء ونحوهما.

(ثم) يرد (الثانية) من اللفائف (والثالثة) منها (كذلك) أي: كالأولى؛ لأنهما في معناها (ويجعل ما عند رأسه) أي: الميت من

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (3/ 257) عن نافع أن ابن عمر حنط ميتًا بمسك. وأخرج عبد الرزاق (3/ 414) رقم 6140، وابن المنذر في الأوسط (2/ 294) رقم 889 عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يطيب الميت بالمسك، يذرُّ عليه ذرورًا.

(2)

انظر مسائل أبي داود ص/143.

ص: 111

فاضل الكفن (أكثر مما عند رجليه لشرفه) ولأنه أحق بالستر من رجليه (و) يجعل (الفاضل عن وجهه ورجليه عليهما) يعني يعيد الفاضل على وجهه ورجليه (بعد جمعه) ليصير الكفن كالكيس، فلا ينتشر.

(ثم يعقدها) أي: اللفائف (إن خاف انتشارها، ثم تحلُّ العقد في القبر) لقول ابن مسعود: "إذا أدخلتم الميتَ اللحد فحلُّوا العقدَ" رواه الأثرم

(1)

(زاد أبو المعالي وغيره: ولو نسي) الملحد أن يحلها نبش ولو كان (بعد تسوية التراب قريبًا؛ لأنه) أي: حلُّها (سنة) فيجوز النبش لأجله، كإفراده عمن دفن معه (ولا يحل الإزار) في القبر إذا كفن في إزار وقميص ولفافة. نص عليه

(2)

.

(ولا يخرق الكفن) لأنه إفساد له وتقبيح، مع الأمر بتحسينه. قال أبو الوفاء:(ولو خيف نبشه) قال في "المبدع" وغيره: وهو ظاهر كلام غيره. وجوزه أبو المعالي. إن خيف نبشه (وكرهه) أي: تخريق الكفن الإمام (أحمد

(3)

) لما تقدم.

(وإن كفِّن في قميص) كقميص الحي (بكمين ودخاريص

(4)

، و)

(1)

لعله فى سننه ولم تطبع. وأخرج ابن سعد (4/ 279)، وابن أبي شيبة (3/ 326)، والبيهقي (3/ 407) عن خلف بن خليفة قال: سمعت أبي يقول -أظنه سمعه من مولاه معقل بْنِ يسار-: لما وضع رسول صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود في القبر، نزع الأخلة بفيه، يعني العقد. وأخرجه أبو داود فى المراسيل ص/ 301، حديث 419، عن خلف بن خليفة، عن أبيه قال: بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. وقد ضعفه النووي في الخلاصة (2/ 958).

(2)

مسائل أبي داود ص/158.

(3)

انظر مسائل أبي داود ص / 142 - 143.

(4)

تقدم تعريفها (4/ 66) تعليق رقم (4).

ص: 112

في (إزار ولفافة، جاز من غير كراهة. وظاهره: ولو لم تتعذر اللفائف ويجعل المئزر مما يلي جسده) لأنه صلى الله عليه وسلم: "ألبس عبدَ اللهِ بن أُبي قميصه لما مات" رواه البخاري

(1)

وعن عمرو بن العاص: "أن الميت يؤزر ويقمص ويلف بالثالثةِ

(2)

"

(3)

وهذا عادة الحي (ولا يزرُّ عليه) أي: الميت (القميص) لأنه لا يسن للحي زرُّه فوقَ إزار؛ لعدم الحاجة.

(و‌

‌يدفن في مقبرة مُسَبَّلة بقول بعض الورثة

؛ لأنه لا منّة) لجريان العادة بذلك (وعكسه الكفن والمؤنة) أي: مؤنة التجهيز، فلا يصرف ذلك من مسبَّل بقول بعض الورثة؛ لما فيه من المنة (ولو بذله بعض الورثة من نفسه لم يلزم بقيتهم قَبولُه) لما في ذلك من المنَّة عليهم وعلى الميت. وكذلك إن تبرَّع أجنبي بتكفين، فأبى الورثة أو بعضهم (لكن ليس للبقية) أي: بقية الورثة إذا تبرَّع به أحدهم (نقله) أي: الميت (و) لا (سلبه من كفنه) الذي تبرَّع به أحدهم (بعد دفنه) لأنه ليس في تبقيته إسقاط حق لأحد (بخلاف مبادرته) أي: بعض الورثة

(1)

فى الجنائز، باب 22، حديث 1269، 1270، وفي تفسير سورة التوبة، باب 12، 13 حديث 4670، 4671، 4672، ورواه مسلم -أيضًا- فى فضائل الصحابة حديث 2400، وفي صفات المنافقين، حديث 2774، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه -أيضًا- البخاري فى الجنائز، باب 22، 77 حديث 1270، 1350، وفي الجهاد والسير، باب 141، حديث 3008، وفي اللباس، باب 8، حديث 5795. ومسلم في صفات المنافقين، حديث 2773، من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

في "ح": "الثانية".

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 224)، وعبد الرزاق (3/ 426) رقم 6188، والبيهقي (3/ 402) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وليس كما ذكر المؤلف رحمه الله عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

ص: 113

(إلى ملك الميت) ودفنه فيه، فإنه ينقل بطلب باقيهم (لانتقاله) أي: الملك (إليهم) وفي إبقائه إسقاط لحقهم من التصرف فيه (لكن يكره لهم) نقله؛ لما فيه من هتك حرمته.

(ويُسنُّ تكفين امرأة في خمسة أثواب بيض) من قطن (إزار وخِمار ثم قميص وهو الدرع، ثم لفافتين) استحبابًا؛ لما روى أحمد وأبو داود -وفيه ضعف- عن ليلى الثقفية، قالت:"كنت فيمنْ غسلَ أمَّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول مَا أعْطَانَا الحِقاء ثم الدِّرع، ثم الخِمار، ثم المِلْحَفَة، ثم أدرجتْ بعد ذلك في الثوب الآخر"

(1)

. قال

(1)

أحمد (6/ 380)، وأبو داود في الجنائز، باب 36، حديث 3157. وأخرجه، أيضًا، البخاري فى التاريخ الصغير (1/ 19)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 28) حديث 3209، والدولابي في الذرية الطاهرة، حديث 78، والطبراني في الكبير (25/ 29) حديث 46، وفي الأوسط (3/ 246) حديث 2529، والبيهقي (4/ 6 - 7)، وفي معرفة السنن والآثار (5/ 243) حديث 7393، وفي السنن الصغير (2/ 13) حديث 1041، وابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 463)، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 259 - 260)، والمزي في تهذيب الكمال (30/ 42) عن ابن إسحاق، عن نوح بن حكيم الثقفي -وكان قارئًا للقرآن- عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له: داود، ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن ليلى بنت قانف الثقفية، قالت: كنت فيمن غسل. . . الحديث.

حسنه النووي في الخلاصة (2/ 954)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 257)، وضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 52 - 54)، وأعله بأن نوح بن حكيم مجهول الحال، ولم تثبت عدالته، وداود الله أعلم من هو؟ وقال المنذري في مختصر السنن (4/ 304): في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه، وفيه أيضًا من ليس بمشهور، والصحيح أن هذه القصة إنما كانت لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 110): =

ص: 114

أحمد: الحِقاء: الإزار، والدرع: القميص

(1)

. قال في "المبدع": فعلى هذا تؤزر بالمئزر، ثم تلبس القميص، ثم تخمر بمقنعة، ثم تلف باللفافتين (ونصه

(2)

-وجزم به جماعة-) منهم الخرقي وأبو بكر، وصاحب "المحرر": أن الخامسة (خرقة تشدُّ بها فخذاها، ثم مئزر، ثم قميص، ثم خِمار، ثم لِفافة. ولا بأس أن تنقب) ذكره ابن تميم وابن حمدان.

(وتسن تغطية نعش) لما فيه من المبالغة في ستر الميت وصيانته (بأبيض) لأنه خير الألوان. (ويكره) أن يغطى نعش (بغيره) أي: غير أبيض، ويحرم بحرير ومنسوج بذهب أو فضة.

(وإن مات مسافر، كفَّنه رفيقه من ماله، فإن تعذر) تكفينه من ماله (فمنه) أي: فإنه يكفنه من مال نفسه (ويأخذه من تركته) إن كانت (أو) يأخذه (ممن تلزمه نفقته) غير الزوج (إنّ نوى الرجوع) لأنه قام بواجب، فإن لم ينوِ الرجوع، فمتبرع (ولا حاكم، فإن وجد حاكم

= ورواه مسلم، فقال: زينب، ورواته أتقن وأثبت. قلنا: رواه مسلم في الجنائز، حديث 939، من حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها. قال الحافظ في "الفتح" (3/ 128): ويمكن الجمع بأن تكون أم عطية حضرتهما جميعًا، فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات.

وقد أخرج البخاري حديث أم عطية في الجنائز 1253، 1254، 1258، 1261 ولم يُصرح فيه باسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غسلتها، وجاء عقب الحديث 1261 قول محمد بن سيرين: ولا أدري أيّ بناته.

(1)

مسائل أبي داود ص/150.

(2)

مسائل عبد الله (2/ 465) رقم 650، مسائل أبي داود ص/ 150، ومسائل ابن هانئ (1/ 185) رقم 926.

ص: 115

وأذن فيه) لرفيقه (رجع) رفيقه بما كفنه به (وإن لم يأذن) الحاكم أو لم يستأذنه، ولو مع قدرته على استئذانه (ونوى الرجوع، رجع) على التركة، أو من تلزمه نفقته؛ لقيامه بواجب.

(وإن كان للميت كفن، وَثَمَّ حي مضطر إليه) أي: إلى كفن الميت (لبرد ونحوه) كدفع حَرٍّ (فالحيُّ أحقُّ به) أي: بكفن الميت، فله أخذه بثمنه؛ لأن حرمة الحي آكد (قال المجد وغيره: إن خشي التلف. وإن كان) الحي محتاجًا لكفن الميت (لحاجة الصلاة فيه، فالميت أحقُّ بكفنه ولو كان لِفافتين، ويصلي الحيُّ عريانًا عليه) وقال ابن عقيل وابن الجوزي: يصلي عليه عادم في إحدى لفافتيه.

(وإن نُبش) الميت (وسرق كفنه، كفن من تركته ثانيًا وثالثًا، ولو قسمت) تركته كما لو قسمت قبل تكفينه الأوَّل، ويؤخذ من كلِّ وارث بنسبة حصته من التركة (ما لم تصرف) تركته (في دين أو وصية) فإن وقع ذلك وتبرع أحد بكفنه، وإلا ترك بحاله.

(وإن أكله) أي: الميت (سبع، أو أخذه سيل، وبقي كفنه، فإن كان) كفنه (من ماله، فـ) ـهو (تركة) يقسم بين ورثته على قدر أنصبائهم؛ لاستغناء الميت عنه (وإن كان) الكفن (من) شخص (متبرع به، فهو له) أي: للمتبرع به (لا لورثة الميت) لأن تكفينه إياه ليس بتمليك، بل إباحة، بخلاف ما لو وهبه للورثة أولًا، فكفنوه به، ثم وجدوه، فإنه يكون لهم، ويأتي في السرقة ذلك وما فيه.

(وإن جُبِيَ كفنه

(1)

) أي: الميت لحاجة، وفضل منه شيء (فما فضل) منه (فلربه، أن عُلم) لأنه دفعه ظنًا منه أنه محتاج إليه، فتبين أنه

(1)

أي: ثمن كفنه، كما في المبدع (2/ 240).

ص: 116

مستغنى عنه، فيرد إليه (فإن جُهل) ربه -ولو باختلاطه وعدم تميزه- (فـ) ـإنه يصرف (في كفن آخر) إن أمكن (فإن تعذر) ذلك (تصدق به) قال فى "الفروع": وأطلق بعضهم أنه يصرف فى التكفين مطلقًا. نص عليه

(1)

، وفي "المنتخب": كزكاة في رقاب أو غرم. (ولا يُجبى كفن لعدم) ما يكفن به الميت (إن سُتر) أي: إن أمكن ستره (بحشيش). ذكره في "الفنون": صونًا للميت عن التبذل.

‌فصل فى الصلاة على الميت

وهي فرض كفاية، على غير شهيد معركة

(2)

ومقتول ظلمًا؛ لأمر الشارع بها فى غير حديث، كقوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا على أطفالكُم، فإنهمْ أفْراطُكم"

(3)

. وقوله في الغالِّ: "صلُّوا على صاحبكم"

(4)

. وقوله: "إن

(1)

الفروع (2/ 230).

(2)

فى "ح": "المعركة".

(3)

رواه ابن ماجه في الجنائز، باب 26، حديث 1509، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 8) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.

وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 114)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 269).

(4)

رواه أبو داود في الجهاد، باب 143، حديث 2710، والنسائي في الجنائز باب 66، حديث 1958، وفي الكبرى (1/ 636) حديث 2086، وابن ماجه في الجهاد، باب 34، حديث 2848، ومالك في الموطأ (2/ 458)، والشافعي في السنن (2/ 261 - 264) حديث 636، 637، وعبد الرزاق (5/ 244 - 245) رقم 9501، 9502، والحميدي في المسند (2/ 356) حديث 815، وابن أبي شيبة (12/ 492)، وأحمد (4/ 114، 5/ 192)، وعبد بن =

ص: 117

أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلُّوا عليه"

(1)

. وقوله: "صلُّوا على مَنْ قال: لا إله إلا الله"

(2)

. والأمر للوجوب وإنما تجب على مَنْ علم بالميت من المسلمين؛ لأن مَنْ لم يعلم به معذور.

(يسقط

(3)

فرضها بواحد، رجلًا كان أو امرأة أو خنثى) لأن الصلاة على الميت فرض تعلق به، فسقط بالواحد (كغسله) وتكفينه ودفنه.

= حميد (1/ 249)، حديث 272، والبزار (9/ 220) حديث 3764، 3765، 3766، وابن الجارود (3/ 338) حديث 1081، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 77، 78) حديث 78، 79، وابن حبان الإحسان (11/ 190) حديث 4853، والطبراني في الكبير (5/ 230 - 232) حديث 5174 - 5181، والحاكم (1/ 364، 2/ 127)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 262)، والبيهقي (9/ 101)، وفي شعب الإيمان (4/ 63) حديث 4332، وفي دلائل النبوة (4/ 255)، والبغوي في شرح السنة (11/ 117) حديث 729، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 17) حديث 900، من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه.

قال الحاكم في الموضع الأول: رواه الناس عن يحيى بن سعيد، أبو عمرة هذا رجل من جهينة معروف بالصدق، ولم يخرجاه. وقال في الموضع الثاني: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأظنهما لم يخرجاه. ووافقه الذهبي في الموضعين، قال أبو نعيم: صحيح متفق عليه من حديث يحيى بن سعيد، رواه عنه الناس. وانظر علل ابن أبى حاتم (1/ 366) رقم 1084. ولم يذكر في الموطأ برواية يحيي أبا عمرة وهو غلط من يحيي، كما ذكر ابن عبد البر في التمهيد (23/ 285).

(1)

رواه مسلم في الجنائز، حديث 953، من حديث عمران بن حصين رضى الله عنه. ورواه البخارى، في الجنائز، باب 55، حديث 1320، وفي مناقب الأنصار، باب 38، حديث 3877، ومسلم في الجنائز، باب 22، حديث 952، من حديث جابر رضي الله عنه، بنحوه.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 48) تعليق رقم (2).

(3)

في "ذ": "ويسقط".

ص: 118

(وتسن لها) أي: للصلاة عليه (الجماعة ولو لنساء) كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها هو وأصحابه، واستمر الناس على ذلك في جميع الأعصار، (إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فلا) أي: فإنهم لم يصلوا عليه بإمام (احترامًا له وتعظيمًا) لقدره. قال ابن عباس: "دخل الناسُ على النبي صلى الله عليه وسلم أرسالًا يصلونَ عليه، حتى إذا فرغوا أدخلوا النساءَ، حتى إذا فرغوا

(1)

أدخلوا الصبيان، ولم يؤمَّ الناسَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ". رواه ابن ماجه

(2)

. وفي البزار والطبراني: "أن ذلك كان بوصية منه صلى الله عليه وسلم"

(3)

.

(1)

في "ذ": "فرغن".

(2)

في الجنائز، باب 65، حديث 1628، وأخرجه -أيضًا- الطبري في تاريخه (3/ 213)، وابن عدي (2/ 760)، والبيهقي (4/ 30).

قال البوصيري فى مصباح الزجاجة (1/ 291): هذا إسناد فيه الحسين بن عبد الله بن عبيد بن عباس الهاشمي، تركه الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والنسائي. وقال البخاري: يقال إنه يتهم بالزندقة، وقواه ابن عدي، وباقي رجال الإسناد ثقات.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 124): إسناده ضعيف.

وأخرجه ابن سعد (2/ 290) بنحوه، وفي سنده ابن أبي سبرة قال ابن حجر في التقريب (8030): رموه بالوضع. والراوي عنه محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك (التقريب 6216).

ولبعض ألفاظ الحديث شاهد رواه ابن سعد (2/ 289)، وأحمد (5/ 81) عن أبي عسيب أو أبى عَسِيم، أنه شهد الصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلي عليه؟ قال: ادخلوا أرسالا أرسالا، قال: فكانوا يدخلون من هذا، فيصلون عليه، ثم يخرجون من الباب الآخر. . . الحديث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 37): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(3)

البزار في مسنده (5/ 494) رقم 2028، والطبراني في الأوسط (5/ 9) رقم 4008، وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (2/ 256)، والطبري في تاريخه =

ص: 119

(ولا يُطاف بالجنازة على أهل الأماكن؛ ليصلوا عليها، فهي كالإمام يُقْصَدُ) بالبناء للمفعول، (ولا يَقْصِد) بالبناء للفاعل.

(والأَولى بها) أي: بالصلاة على الميت إمامًا وصيُّه العدل؛ لإجماع الصحابة، فإنهم ما زالوا يوصون بذلك، ويقدمون الوصي، فأوصى أبو بكر أن يصلي عليه عمر

(1)

، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب

(2)

، وأوصت أم سلمة أن يصلي عليها سعيد بن زيد

(3)

، وأوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو برزة

(4)

. حكى ذلك كله

= (3/ 191 - 192)، والحاكم (3/ 60). وأبو نعيم في الحلية (4/ 168)، والخطيب في الموضح (2/ 145). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأشار البزار إلى أن فى إسناده انقطاعًا. وضعف إسناد الحافظ في الفتح (5/ 363). وأورده الهيثمي فى مجمع الزوائد (9/ 25)، وعزاه إلى البزار، ونقل كلامه في انقطاعه، ثم قال: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، وهو ثقة. رواه الطبراني في الأوسط، بنحوه. . . وذكر في إسناده ضعفاء منهم أشعث بن طابق [طليق]، قال الأزدي: لا يصح حديثه.

(1)

لم نجد من أخرجه. وروى عبد الرزاق (3/ 471) رقم 6364، وابن سعد (3/ 368) عن الزهرى قال: صلى عمر على أبي بكر وصلى صهيب على عمر.

(2)

ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (5/ 162) في ترجمة صهيب رضي الله عنه وعزاه إلى البخاري في تاريخه، لم نجده في المطبوع منه.

(3)

أخرجه ابن أبى شيبة (3/ 285)، والحاكم (4/ 19)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1921)، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 208): هذا منقطع، وقد كان سعيد توفي قبلها بأعوام، فلعلها أوصت في وقت، ثم عوفيت. وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 286) -أيضًا- بلفظ: أوصت أن يصلي عليها سوى الإمام. قال البيهقي: وهذا أصح.

(4)

لم نجد من رواه مسندا، وقد ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1615) وانظر تاريخ بغداد (8/ 47) وتاريخ ابن عساكر (62/ 218).

ص: 120

أحمد

(1)

. وقال غيره: عائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة

(2)

، وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير

(3)

. ولأنها ولاية تستفاد بالنسب، فصح الإيصاء بها، كالمال وتفرقته، فإن كان الوصي فاسقًا، لم تصح الوصية إليه.

ثم (بعد الوصي السلطان) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَؤُمَّنَّ الرجلَ في سلطانه - الحديث"، رواه مسلم وغيره

(4)

، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده كانوا يصلون على الموتى، ولم ينقل عن أحد منهم أنه استأذن العصبة. وعن أبي حازم قال:"شهدت حُسينًا حينَ ماتَ الحسنُ، وهو يدفعُ في قفا سعيد بن العاص أمير المدينة، وهو يقول: لولا السنةُ ما قدمتكَ"

(5)

وهذا يقتضي أنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنها

(1)

انظر مسائل صالح (3/ 137) رقم 1511، ومسائل أبي داود ص/154، والانتصار في المسائل الكبار (2/ 648).

(2)

لم نجد من أخرجه وروى عبد الرزاق (3/ 471) رقم 6366 عن نافع قال: صلَّيتُ على عائشة، والإمام يومئذ أبو هريرة.

(3)

أخرجه البيهقي (4/ 29)، وأورده الحافظ المزي فى تهذيب الكمال (16/ 127)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (1/ 499).

(4)

تقدم تخريجه (3/ 187) تعليق رقم (1).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 471) رقم 6369، والبزار (4/ 187) حديث 1345، والدولابي في الذرية الطاهرة ص/72 رقم 113، 114. وابن المنذر في الأوسط (5/ 399) رقم 3080، والطبراني فى الكبير (3/ 136) حديث 2912، والحاكم (3/ 171)، والبيهقي (4/ 29)، وفي معرفة السنن والآثار (5/ 283 - 284) رقم 7548.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 31)، وقال: رواه الطبرانى في الكبير والبزار، ورجاله موثقون.

ص: 121

صلاة يسن لها الاجتماع، فإذا حضرها السلطان، كان أولى بالتقديم، كالجمع، والأعياد.

(ثم نائبه الأمير) أي: أمير بلد الميت، إن حضر.

(ثم الحاكم، وهو القاضي؛ لكن السيد أولى برقيقه بها) أي: بالصلاة عليه إمامًا (من السلطان) ونوابه؛ لأنه مالكه (و) السيد -أيضًا- أولى (بغسل وبدفن) لرقيقه؛ لما تقدم.

(ثم) بعد السلطان ونوابه، الأَولى بالصلاة على الحُرِّ (أقربُ العصبة) يعني: الأب، ثم الجد له وإن علا، ثم الابن، ثم ابنه وإن نزل، ثم الأخ لأبوين، ثم لأب، وهكذا كالميراث.

(ثم ذوو أرحامه) الأقرب فالأقرب، كالغسل.

(ثم الزوج) ثم الأجانب.

(ومع التساوي) كابنين أو أخوين أو عمين، (يقدم الأولى بالإمامة) لما تقدم هناك. (فإن استووا في الصفات) بحيث لا أولوية لأحدهم على الآخر في الإمامة (أُقرع) كالأذان.

(ويقدم الحرُّ البعيد) كالعمِّ (على العبد القريب) كالأخ العبد؛ لأنه غير وارث.

(ويقدم العبد المكلف على الصبي) الحر؛ لأنه لا تصح إمامته للبالغين، (و) على (المرأة) لأنه لا تصح إمامتها للرجال. فعُلم منه أن هذا التقديم واجب.

(فإن اجتمع أولياء موتى، قُدِّم) منهم (الأولى بالإمامة) كغيرها من الصلوات. (ثم) إن تساووا في ذلك فـ (قرعة) لعدم المرجح.

ص: 122

(ولولي كل ميت أن ينفرد بصلاته على ميته إن أمن فسادًا) لعدم المحذور. (ومن قدَّمه وليٌّ، فهو بمنزلته) إن كان أهلًا للإمامة، كولاية النكاح. قال أبو المعالي: فإن غاب الأقرب بمكان تفوت الصلاة بحضوره وتحوَّلت للأبعد، أي: فله منع من قدم بوكالة ورسالة؛ لأنه إذا نزَّل شخصًا مكانه ثم غاب الغيبة المذكورة، سقط حقه، وتحوَّلت الولاية للأبعد، فيسقط حق الوكيل تبعًا لأصله، نقله عنه في "الفروع" وقال: كذا قال.

(فإن بدر أجنبي وصلى بغير أذن) الولي، أو صلى البعيد بغير إذن القريب، صح؛ لأن مقصود الصلاة الدعاء للميت وقد حصل، وليس فيها كبير افتيات تشح به الأنفس عادة، بخلاف ولاية النكاح.

(فإن صلى الولي خلفه، صار إذنًا) لدلالته على رضاه بذلك، كما لو قدمه للصلاة (وإلا) أي: وإن لم يصلِّ الولي وراءه (فله أن يعيد الصلاة؛ لأنها حقه) ويسن لمن صلى أن يعيد تبعًا له.

ولو مات بأرض فلاة، فقال في "الفصول": يقدم أقرب أهل القافلة إلى الخير، والأشفق. قال في "الفروع": والمراد كالإمامة.

(وإذا سقط فرضها) بصلاة مكلف فأكثر (سقط التقديم الذي هو من أحكامها)

(1)

لأنه تابع لفرضها، فسقط بسقوطه.

(وليس للوصي أن يقدم غيره) لتفويته على الموصي ما أمَّله في الوصي من الخير والديانة فإن لم يصلَّ الوصي، انتقل الحق لمن يليه.

(1)

في "ح": "أحكامه".

ص: 123

(و‌

‌لا تصح الوصية بتعيين مأموم

؛ لعدم الفائدة) فيه.

(ويستحب للإمام أن يصفَّهم، وأن يسوي صفوفهم) لعموم ما سبق في المراصَّة وتسوية الصفوف. (و) يستحب (أن لا ينقصهم عن ثلاثة صفوف) لخبر مالك بن هبيرة مرفوعًا: "ما من ميت يموتُ فيصلي عليه ثلاثةُ صفوف، إلا غُفرَ له"

(1)

. قال الترمذي: حديث حسن.

(والفذِّ هنا) أي: في صلاة الجنازة (كـ) الفذَّ في (غيرها) فلا تصح صلاته، إلا امرأة خلف رجل، على ما تقدم في باب الجماعة، خلافًا لابن عقيل والقاضي في "التعليق".

(ويسن أن يقوم إمام عند صدر رجل) روي عن ابن مسعود

(2)

.

(1)

رواه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 303)، وأبو داود في الجنائز، باب 43، حديث 3166، والترمذي في الجنائز، باب 40، حديث 1028، وابن ماجه في الجنائز، باب 19، حديث 1490، وابن سعد (7/ 420)، وابن أبي شيبة (3/ 322)، وأحمد (4/ 79)، وابن أبي عاصم فى الآحاد والمثاني (5/ 289) حديث 3816، وأبو يعلى (12/ 215) حديث 6831، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 44) حديث 987، والطبراني في الكبير (19/ 299) حديث 665، والحاكم (1/ 362) والبيهقي (4/ 30).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال النووي في المجموع (5/ 160): حديث مالك بن هبيرة حديث حسن.

(2)

روى سحنون في المدونة (1/ 175) عن أنس بن عياض، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن رجل يقول: سمعت إبراهيم النخعي يقول: كان ابن مسعود، إذا أُتي بالجنازة استقبل الناس، فقال: أيها الناس، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلُّ مئة أمةٌ، ولن تجتمع مئة لميت فيجتهدوا له بالدعاء، إلا وهب الله عز وجل ذنوبه لهم، وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم، فاجتهدوا له في الدعاء. ثم =

ص: 124

قال في "المقنع" وغيره: عند رأسه؛ للخبر

(1)

، وهو قريب من الأول؛ لقرب أحدهما من الآخر، فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر. (ووسط امرأة) نص على ذلك أحمد في رواية صالح

(2)

وأبي الحارث، وأبي طالب، وجعفر ومحمد بن القاسم، وابن منصور

(3)

، وأبي الصقر، وحنبل، وحرب، وسِندي الخواتيمي؛ لحديث أنس:"صلى على رجلٍ، فقام عند رأسه، ثم صلى على امرأة، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قامَ على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعمْ. فلما فرغَ قال: احفظوا"

(4)

قال الترمذي: هذا حديث حسن (وبين ذلك)

= يستقبل القبلة، فإن كان رجلًا، قام عند وسطه، وإن كانت امرأة قام عند منكبيها. . . الحديث. وفي إسناده راوٍ مبهم.

(1)

سيأتى قريبًا بعد أسطر.

(2)

لم نقف عليه فى مسائله المطبوعة.

(3)

في مسائله (1/ 504 - 505) رقم 449، وانظر مسائل ابن هانئ (1/ 187) رقم 934، وسنن الترمذى (3/ 353) والأوسط لابن المنذر (5/ 419)، وكتاب التمام (1/ 626) وشرح الزركشي 2/ 329 - 330.

(4)

رواه أبو داود في الجنائز، باب 53 حديث 3194، والترمذى فى الجنائز، باب 45، حديث 1034، وابن ماجه فى الجنائز، باب 21، حديث 1494 والطيالسي ص/ 286 حديث 2149، وابن أبي شيبة (3/ 312)، وأحمد (3/ 118، 3/ 204)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 419) حديث 3121، والطحاوي (1/ 491)، والبيهقي (4/ 33)، والضياء في المختارة (7/ 241، 242) حديث 2685 - 2687.

وروى البخاري فى الحيض، باب 29، حديث 232، وفي الجنائز، باب 63، 64، حديث 1331، 1332، ومسلم فى الجنائز، باب 27، حديث 964، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وصلى على أم كعب، ماتت وهي نفساء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها.

ص: 125

أي: بين الصدر والوسط (من خنثى) مشكل؛ لاستواء الاحتمالين.

(فإن اجتمع رجال موتى فقط) أي: لا نساء معهم ولا خَناثى (أو) اجتمع (نساء) موتى (فقط) لا رجال معهن ولا خناثى (أو) اجتمع (خَناثى) موثى (فقط) لا رجال ولا نساء معهم (سوِّي بين رؤوسهم) لأن موقفهم واحد. وإن اجتمع أنواع، سُوِّي بين رؤوس كل نوع. (ومنفرد كإمام) فيقف عند صدر رجل ووسط امرأة، وبين ذلك من خنثي.

(ويقدم إلى الإمام من كل نوع أفضلهم) أي: أفضل أفراد ذلك النوع؛ لأنه يستحق التقدم في الإمامة؛ لفضيلته، فاستحق تقديم جنازته، يؤيد ذلك:"أنه كان صلى الله عليه وسلم يقدِّم في القبر مَن كان أكثرَ قرآنًا"

(1)

.

(1)

أخرجه أبو داود في الجنائز، باب 71، حديث 3215 - 3217، والترمذي في الجهاد، باب 33، حديث 1713، والنسائي فى الجنائز، باب 90، 91، حديث 2014 - 2017، وفي الكبرى (1/ 648 - 650) حديث 2137، 2138، 2142، 2145، وعبد الرزاق (3/ 508) حديث 6501، وسعيد بن منصور (2/ 241) حديث 2582، وابن أبي شيبة (14/ 405 - 406)، وأحمد (4/ 19، 20)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 155، 156) وابن أبي عاصم فى الآحاد والمثاني (4/ 161) حديث 2144، وأبو يعلى (3/ 124، 127) حديث 1553، 1557، والطبري في تهذيب الآثار (2/ 524 - 526) حديث (748 - 752 مسند عمر) وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 193 - 194)، والطبراني في الكبير (22/ 172، 173) حديث 444 - 449، وأبو نعيم في الحلية (9/ 29 - 30)، وابن حزم في المحلى (5/ 116)، والبيهقي (3/ 413، 414)(4/ 34)، وفي شعب الإيمان (2/ 550) حديث 2684، وفي دلائل النبوة (3/ 296، 297) من حديث هشام بن عامر رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وانظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 353). والتلخيص الحبير (2/ 127). وإطراف المسند المعتلي (5/ 432). =

ص: 126

فيقدم إلى الإمام الحرُّ المكلف، ثم العبد المكلف، ثم الصبي، ثم الخنثى، ثم المرأة، نقله الجماعة

(1)

، كالمكتوبة (فإن تساووا) في الفضل (قدم أكبر) أي: أسنُّ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "كبِّر كبِّر"

(2)

. (فإن تساووا) فى السن (فسابق) أي: يقدم لسبقه (فإن تساووا) فى ذلك (فقرعة) فيقدم مَن تخرج له القرعة، كالإمامة.

(ويقدم الأفضل من الموتى أمام) أي: قدام (المفضولين في المسير) لأن حق الأفضل أن يكون متبوعًا لا تابعًا. (ويجعل وسط المرأة حذاء صدر الرجل، و) يجعل (خنثى بينهما) إذا اجتمعوا؛ ليقف الإمام أو المفرد من كل واحد من الموتى موقفه.

= وقد جاء هذا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - عبد الله بن ثعلبة بن صعير رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (2/ 241) رقم 2584، وأحمد (5/ 431) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 68) رقم 2608، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 96). ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: قدموا أكثرهم قرآنًا.

ب - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه البخاري، في الجنائز، باب 73، 76، 79، حديث 1343، 1347، 1348، 1353، وفي المغازي، باب 26، حديث 4079، ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذًا للقرآن. فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه فى اللحد.

(1)

مسائل ابن هانيء (1/ 188) رقم 942، ومسائل عبد الله (2/ 483) رقم 674، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 206، 207).

(2)

رواه البخاري في الجزية والموادعة، باب 12، حديث 3173، وفي الأدب، باب 89، حديث 6143، وفي القسامة، باب 22، حديث 6898، وفي الأحكام، باب 38، حديث 7192، ومسلم في القسامة، حديث 1669، من حديث سهل بن أبى حثمة رضي الله عنه.

ص: 127

(و‌

‌جمع الموتى في الصلاة عليهم أفضل من الصلاة عليهم منفردين)

أي: على كل واحد وحده؛ محافظة على الإسراع والتخفيف.

(والأولى) لمن يصلي على الميت (معرفة ذكوريته وأنوثيته واسمه، وتسميته) أي: الميت (في دعائه) له، (ولا يعتبر ذلك) أي: معرفة كونهم رجالًا أو نساء؛ لعدم اختلاف المقصود باختلاف ذلك. (ولا بأس بالإشارة حال الدعاء للميت) نص عليه

(1)

.

(ثم يحرم) بعد النية كما سبق في) باب (صفة الصلاة) فيقول قائمًا -مع القدرة: الله أكبر؛ لا يقوم غيرها مقامها، ولم ينبه على النية هنا اكتفاءً بما تقدم؛ لحديث:"إنما الأعمال بالنيات"

(2)

، وصفة النية هنا أن ينوي الصلاة على هذا الميت، أو هؤلاء الموتى إن كانوا جماعة، عرف عددهم أولا. (ويضع يمينه على شماله) بعد حطهما وفراغ التكبيرة، ويجعلهما تحت سرته، كما سبق. (ويتعوذ) ويبسمل (قبل الفاتحة) لما سبق في صفة الصلاة، (ولا يستفتح) لأنها مبنية على التخفيف؛ ولذلك لم يشرع

(3)

فيها قراءة سورة بعد الفاتحة، (و‌

‌يكبر أربع تكبيرات)

لما في الصحيح من حديث أنس وغيره: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كبرَ على الجنازة أربعًا"

(4)

. وفي "صحيح مسلم": "أن النبي

(1)

انظر مسائل ابن هانيء (1/ 187) رقم 931.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(3)

في "ذ" كما هنا، ثم صوبت هكذا:"تشرع".

(4)

ذكره البخاري في الجنائز، باب 64 معلقًا موقوفًا، ورواه البخاري في الجنائز، باب 64، حديث 1334، وفي مناقب الأنصار باب 38، حديث 3879، ومسلم فى الجنائز حديث 952 عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا.

ص: 128

- صلى الله عليه وسلم نعى النجاشيِّ في اليوم الذي ماتَ فيه، فخرجَ إلى المصلي، وكبَّر أربعَ تكبيراتٍ"

(1)

. وفيه عن ابن عباس: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد ما دُفِن، وكبر أربعًا"

(2)

. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"

(3)

. ‌

(يقرأ في) التكبيرة (الأولى: الفاتحة، فقط)

أي: من غير سورة؛ لما تقدم أن مبنى هذه الصلاة على التخفيف (سرًا ولو ليلًا) لما روى الزهري عن أبي أمامة بن سهل قال: "السنة في الصلاةِ على الجنائز أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتةً، ثم يكبر ثلاثًا، والسلام"

(4)

. وعن الزهري، عن محمد بن سويد الدمشقي، عن

(1)

مسلم في الجنائز، حديث 951، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الجنائز باب 4، 54، 60، 64، حديث 1245، 1318، 1328، 1333، وفي مناقب الأنصار، باب 38، حديث 3881.

(2)

مسلم في الجنائز، حديث 954. ورواه -أيضًا- البخاري فى الجنائز، باب 54 حديث 1319.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 110) تعليق رقم (3).

(4)

أخرجه النسائي في الجنائز، باب 77، حديث 1988، والشافعي في الأم (1/ 271)، وعبد الرزاق (3/ 489) حديث 6428، وابن أبى شيبة (3/ 298)، وابن الجارود (2/ 134) حديث 540، وابن المنذر في الأوسط (5/ 437) حديث 3165، والطحاوي (1/ 500) والطبراني في مسند الشاميين (4/ 160) حديث 3000، وابن حزم في المحلى (5/ 129)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (5/ 300) حديث 7608. قال النووي في الخلاصة (2/ 975): رواه النسائي بإسناد علي شرط الصحيحين. وصحح إسناده ابن القيم في جلاء الأفهام ص/ 193، والحافظ في الفتح (3/ 204).

وأبو أمامة هو أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري معدود في الصحابة له رؤية، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم (التقريب 406).

وقد روي عن الزهري، عن أبي أمامة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتي ص/ 130.

ص: 129

الضحاك بن قيس، نحوه

(1)

. رواهما النسائي، ولا تقاس على المكتوبة؛ لأنها مؤقَّتة، والجنازة غير مؤقتة، فأشبهت تحية المسجد ونحوها.

(ويصلي) سرًا (على النبي صلى الله عليه وسلم في) التكبيرة (الثانية) لما روى الشافعي والأثرم، بإسنادهما عن أبى أمامة بن سهل، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"أن السنةَ في الصلاةِ على الجنازة أن يكبر الإِمامُ، ثم يقرأ بفاتحة الكتابِ بعد التكبيرةِ الأولى سرًا في نفسِه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلصُ الدعاءَ للميتِ، ثم يسلم"

(2)

.

وتكون الصلاةُ عليه (كما في التشهد) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه: "كيف نصلي عليكَ؟ " علَّمَهُم ذلكَ

(3)

. وقال في "الكافي": لا تتعين صلاة؛ لأن القصد مطلق الصلاة، ومعناه في "الشرح". (ولا يزيد عليه) أي: على ما في التشهد، خلافًا للقاضي، فإنه استحب بعدها:"اللهم صل على ملائكتك المقربينَ، وأنبيائكَ المرسلين، وأهل طاعتِكَ أجمعينَ، من أهل السماواتِ وأهل الأرضين، إنكَ على كل شيء قدير"

(4)

.

(1)

النسائي فى الجنائز، باب 77، حديث 1989، وأخرجه -أيضًا- الشافعي فى الأم (1/ 270)، وفى المسند (ترتيبه 1/ 211)، وابن حزم في المحلى (5/ 129)، والبيهقي (4/ 39)، وفي معرفة السنن والآثار (5/ 300) رقم 7602.

(2)

الشافعي فى الأم (1/ 270)، وفي المسند (ترتيبه 1/ 210 - 211)، وأما الأثرم فلعله رواه في سننه ولم تطبع، ورواه أيضًا الحاكم (1/ 360)، والبيهقي (4/ 39)، وفي معرفة السنن والآثار (5/ 299) حديث 7601. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وانظر ما تقدم آنفًا.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 365) تعليق رقم (2).

(4)

انظر مسائل عبد الله (2/ 469، 470).

ص: 130

(ويدعو) للميت (في) التكبيرة (الثالثة سرًّا بأحسن ما يحضره) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم على الميتِ، فأخلِصوا له الدعاءَ" رواه أبو داود وابن ماجه

(1)

، وفيه ابن إسحاق. (ولا توقيت) أي: تحديد (فيه) أي: في الدعاء للميت. نص عليه

(2)

، لما سبق.

(ويُسن) الدعاء (بالمأثور) أي: الوارد في الدعاء للميت (فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنَا، وشاهِدنا) أي: حاضرنا (وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم متقلبنا ومثوانا، وأنتَ على كل شيء قدير، اللهم من أحييتهُ مِنا فأحْيِه على الإسلام، ومن توفَّيته منا فتوفَّه على الإيمان). هكذا في "الفروع"، وهو لفظ حديث أبي هريرة. وقال في "المقنع" وتبعه في "المنتهى" وغيره:"فأحْيِه على الإسلامِ والسنةِ، ومن توفيته منا فتوفه عليهِما". قال في "المبدع" و"شرح المنتهى": رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة، زاد ابن ماجه:"اللهم لا تحرمنا أجرَه، ولا تضلنا بعدَهُ"

(3)

. وفيه ابن

(1)

أبو داود في الجنائز، باب 56، حديث 3199، وابن ماجه في الجنائز، باب 23، حديث 1497. ورواه -أيضًا- ابن حبان الإحسان (7/ 345، 346) حديث 3076، 3077، والبيهقي (4/ 40).

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 122): وفيه ابن إسحاق وقد عنعن؛ لكن أخرجه ابن حبان من طريق أخري عنه مصرحًا بالسماع.

وانظر المحلى (5/ 130).

(2)

انظر المستوعب (3/ 127)، والفروع (2/ 238).

(3)

أحمد (2/ 368)، والترمذي في الجنائز، باب 38، عقب حديث 1024، وابن ماجه في الجنائز، باب 23، حديث 1498. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الجنائز، باب 54، حديث 3201، والنسائي في عمل اليوم والليلة ص/ 584 حديث 1080، 1081 وابن أبي شيبة (10/ 414)، وأبو يعلى (10/ 403 - 405) حديث 6009، 6010، والطحاوى في شرح مشكل الآثار (2/ 429، =

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 430) حديث 971، 973، وابن حبان الإحسان (7/ 339) حديث 3070، والطبراني في الدعاء (3/ 1351 - 1353) حديث 1172 - 1177، والحاكم (1/ 358)، وابن حزم في المحلى (5/ 132)، والبيهقي (4/ 41) عن طريق محمد بن إبراهيم ويحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. ولم نجد عند أحد ممن أخرج هذا الحديث قوله:"إنك تعلم متقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير".

وأخرجه عبد الرزاق (3/ 486) حديث 6419، وابن أبي شيبة (3/ 292، 10/ 410 - 411) عن أبى سلمة - مرسلًا، ورجحه أبو حاتم، قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 354): قال أبي: هذا [يعني المرفوع] خطأ، الحفاظ لا يقولون: أبو هريرة، إنما يقولون: أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال في (1/ 357): رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبى سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل، لا يقول: أبو هريرة، ولا يوصله عن أبى هريرة إلا غير متقن، والصحيح مرسل.

وأخرجه الترمذي في الجنائز، باب 38، حديث 1024، والنسائي في الجنائز، باب 77، حديث 1985، وفي عمل اليوم والليلة حديث 1084، 1085، وابن أبي شيبة (3/ 292، 10/ 410) وأحمد (4/ 170) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 203 - 204) حديث 2187، 2188، وابن الجارود حديث 1986، والطحاوي فى شرح مشكل الآثار (2/ 428) حديث 969، 970، والطبراني في الدعاء (3/ 1349 - 1350) حديث 1166 - 1170، والبيهقي (4/ 41)، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي إبراهيم الأشهلي، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه النسائي فى عمل اليوم والليلة، حديث 1079، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 429) حديث 972، والحاكم (1/ 358 - 359)، والبيهقي (4/ 41) من طريق عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة. وأشار إليه الترمذي عقب الحديث 1024، وأعلَّه بعكرمة بن عمار، فقال: وحديث عكرمة بن عمار غير محفوظ، وعكرمة ربما يهم في حديث يحيى. =

ص: 132

إسحاق، قال الحاكم: حديث أبي هريرة صحيح على شرط الشيخين، لكن زاد فيه المؤلف، أي: الموفق: "وأنتَ على كل شيءٍ قديرٌ"، ولفظة:"السنة".

(اللهم اغفرْ له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله) بضم الزاي، وقد تسكن (ووسع مدخله) بفتح الميم: موضع الدخول، وبضمها الإدخال (واغسله بالماء والثلج والبرد ونقِّه من الذنوب والخطايا كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار) رواه مسلم

(1)

من حديث عوف بن مالك: "أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلكَ على جنازة حتى تمنَّى أن يكونَ ذلكَ الميتَ"، وفيه رواية:"أهلًا خيرًا من أهله" وزاد الموفق لفظ: "من

= وصححه الحاكم على شرط مسلم، وجعله شاهدًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه النسائي فى عمل اليوم والليلة، حديث 1086، وأحمد (4/ 170)(5/ 299، 308) والطحاوي في شرح مشكل الآثار، حديث (966 - 968) والطبراني فى الدعاء، حديث (1171) والبيهقي (4/ 41) من طريق همام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن قتادة، عن أبيه، ثم نقل البيهقي عن البخاري قوله: وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة وأبي قتادة في هذا الباب غير محفوظ.

وقال الترمذى: سمعت محمدًا (يعني البخاري) يقول: أصحُّ الروايات في هذا حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه، وسألته عن اسم أبي إبراهيم، فلم يعرفه.

ونقل البيهقي عن البخاري قوله: أصح شيء في هذا الباب عوف بن مالك. قلنا سيذكره المؤلف قريبًا. وانظر التلخيص الحبير (2/ 123).

(1)

في الجنائز، حديث 963 (85) و (86).

ص: 133

الذنوب"

(1)

وتبعه المصنِّف وغيره. (وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه

(2)

) لأنه لائق بالمحلِّ.

(اللهم إنه عبدك ابن أَمتك نزل بك وأنت خير منزول به

(3)

) استحبه المجد، تبعًا للخرقي وابن عقيل وغيرهما، زاد الخرقي وابن عقيل وجماعة:(ولا أعلم إلا خيرًا) لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم يموتُ فيشهد له ثلاثة أبياتٍ من جيرانه الأدنينَ إلا قال الله تعالى: قد قبلت شهادةَ عبادي فيما علمُوا، وغفَرتُ له ما أعلَمُ" رواه أحمد

(4)

.

(1)

هذه الزيادة رواها ابن ماجه في الجنائز، باب 23، حديث 1500، والطيالسي ص/ 134 حديث 999. وفى سنده فرج بن فضالة قال عنه الحافظ في التقريب (5418): ضعيف. وشيخه عن ابن ماجه عصمة بن راشد، وهو مجهول، وعند الطيالسي أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف. انظر التقريب (4618، 8031).

(2)

أخرجه مسلم في الجنائز، حديث 920 من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 510) رقم 6506، والبيهقي (4/ 56) عن علي رضي الله عنه موقوفًا.

(4)

(2/ 384، 408) عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 4): وفيه راو لم يُسمَّ.

وله شاهد عن حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه أحمد 3/ 242، وأبو يعلى (6/ 199) حديث 3481، وابن حبان الإحسان (7/ 295) حديث 3026، والحاكم (1/ 378)، وأبو نعيم فى الحلية (9/ 252)، والضياء في المختارة (5/ 46)، بلفظ:"فيشهد له أربعة أهل أبيات". قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 4): ورجال أحمد رجال الصحيح.

وروى البخاري فى الجنائز، باب 86، حديث 1367، وفي الشهادات، باب 6، حديث 2642، ومسلم في الجنائز حديث 949 عن أنس رضي الله عنه =

ص: 134

(اللهم إن كان محسنًا فجازه بإحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده)

(1)

ذكره في "المبدع" عن جماعة، وزاد بعد "فتجاوز عنه":"اللهم إنا جئنا شفعاءَ له فشفعنا فيه"، وبعد "ولا تفتنَا بعدَه":"واغفر لنَا ولهُ؛ إنكَ غفورٌ رحيمٌ".

(وإن كان) الميت (صغيرًا ولو أنثى، أو بلغ مجنونًا واستمر) على جنونه حتى مات (جعل مكان الاستغفار له) بعد "فتَوفّه على الإيمان": (اللهم اجعله ذخرًا لوالديه وفَرَطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورَهما، وألحقه بصالحِ سلفِ المؤمنينَ، واجعله في كفالة إبراهيم، وقهِ برحمتِك عذابَ الجحيم) لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: "السِّقطُ يُصلى عليه، ويُدعَى لوالديه بالمغفرةِ والرحمةِ". وفي لفظ: "بالعافيةِ والرحمةِ" رواهما أحمد

(2)

.

وإنما لم يُسن الاستغفار له؛ لأنه شافع غير مشفوع فيه، ولا

= قال: مُرَّ بحنازة فأثنى عليها خيرًا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت. ومُرَّ بجنازة فأثنى عليها شرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجَبت، وجَبت. فقال عمر: فدّى لك أبى وأمي!. . . الحديث، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض.

(1)

رواه أبو يعلى (11/ 477) حديث 6598، وابن حبان "الإحسان"(7/ 342)، حديث 3073، والطبراني في الدعاء (3/ 1354)، حديث 1181، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 33) وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. ورواه مالك (1/ 228) وعبد الرزاق (3/ 488) رقم 6425، وابن أبي شيبة (3/ 295)، والطبراني في الدعاء (3/ 1362) حديث 1200، عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا عليه.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 95)، تعليق رقم (2).

ص: 135

جرى عليه قلم، فالعدول إلى الدعاء لوالديه أولى من الدعاء له. وما ذكر من الدعاء لائق بالمحل مناسب لما هو فيه، فشرع فيه كالاستغفار للبالغ.

وقوله: "فرطًا" أي: سابقًا مهيئًا لمصالح أبويه في الآخرة.

وقوله: "في كفالة إبراهيم" يشير به إلى ما أخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم في "تفسيره" عن خالد بن معدان قال: "إن في الجنة لشجرة يقال لها طوبى، كلها ضروعٌ، فمن ماتَ من الصبيان الذين يرضعونَ رضَع من طُوبى، وحاضنهُم إبراهيمُ خليلُ الرحمنِ عليه الصلاة والسلام"

(1)

.

(و‌

‌إن لم يعرف إسلام والديه دعا لمواليه)

فيقول: ذخرًا لمواليه - إلى آخره.

(ويقول في دعائه لامرأة: اللهم إن هذه أَمَتُك ابنة أَمتُك نزلت بك، وأنت خيرُ منزولٍ به) بدل ما تقدم من قوله في دعائه للرجل: اللهم إنّه عبدك - إلى قوله: وأنت خير منزول به. (ولا يقول: أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها، في ظاهر كلامهم) قاله في "الفروع".

(ويقول في) دعائه إذا كان الميت (خنثى): اللهم اغفر لـ (ـهذا الميت ونحوه) كهذه الجنازة؛ لأنه يصلح لهما.

(وإن كانّ يعلم من الميت غير الخير، فلا يقول: ولا أعلم إلا

(1)

لم نجده فيما بين أيدينا من المصادر، وأورده ابن كثير في التفسير في تفسير قوله تعالى:{طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} في سورة الرعد، آية:29، نقلًا عن ابن أبي حاتم. والسيوطي في الديباج (5/ 321) وفي الدر المنثور (4/ 60) وعزاه لابن أبي الدنيا في العزاء وابن أبي حاتم في تفسيره.

ص: 136

خيرًا) لأنه كذب.

(ويقف بعد) التكبيرة (الرابعة قليلًا) لما روى الجوزجاني

(1)

عن زيد ابن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعًا، ثم يقف ما شاء الله. فكنتُ أحسبُ هذه الوقفة لتكبيرِ آخرِ الصفوف

(2)

. (ولا يدعو) أي: لا يُشرع بعدها دعاء، نص عليه

(3)

، واختاره الخرقي وابن عقيل وغيرهما. ونقل جماعة

(4)

: يدعو فيها كالثالثة، اختاره أبو بكر والآجري والمجد في "شرحه"؛ لأن ابن أبي أوفى فعله وأخبر "أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله"

(5)

.

(1)

هو إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجاني من الحفاظ المصنفين، وصاحب المسائل عن الإمام أحمد، من كتبه أحوال الرجال، وأمارات النبوة، وهما مطبوعان. توفي سنة 256، وقيل 259 هـ رحمه الله تعالى. انظر طبقات الحنابلة (1/ 99)، وتهذيب الكمال (2/ 244).

(2)

لم نقف عليه بهذا اللفظ. وأخرجه مسلم في الجنائز حديث 957 بلفظ: كان زيد يكبر على جنائزنا أربعًا؛ لأنه كبر على جنازة خمسًا، فسأله فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها.

(3)

انظر مسائل صالح (1/ 214) رقم 154، 155، ومسائل عبد الله (2/ 470) رقم 655، ومسائل ابن هانئ (1/ 187) رقم 932، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 210).

(4)

انظر مسائل أبي داود ص/153، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 210).

(5)

أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب 24، حديث 1503، وعبد الرزاق (3/ 482) رقم 6404، والحميدي (2/ 313) حديث 718، وابن أبي شيبة (3/ 302) وأحمد (4/ 356)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 427) حديث 646، والبزار (8/ 287) حديث 3355، والطحاوي (1/ 495)، والحاكم (1/ 360)، والبيهقي (4/ 36).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وإبراهيم بن مسلم الهجري لم ينقم عليه بحجة. وتعقبه الذهبي بقوله: ضعفوا إبراهيم.

وقال البوصيري في مفتاح الزجاجة (1/ 268): في إسناده الهجري، واسمه =

ص: 137

قال أحمد

(1)

: هو من أصلح ما روي. وقال

(2)

: لا أعلم شيئًا يخالفه، فيقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، واختاره جمع، وحكاه ابن الزاغوني عن الأكثر، وصح أن أنسًا

(3)

كان لا يدعو بدعاء إلا ختمه بهذا. واختار أبو بكر: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله؛ لأنه لائق بالمحلِّ.

(ولا يتشهَّد ولا يسبِّح بعدها) أي: الرابعة (ولا قبلها) نص عليه

(4)

(ولا بأس بتأمينه) على الدعاء بعد الرابعة.

(ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه) نص عليه

(5)

. وقال

(6)

: عن ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

(7)

.

= إبراهيم بن مسلم الكوفي، ضعَّفه سفيان بن عيينة وابن معين والنسائي والأزدي وغيرهم.

قلنا: وقد توبع إبراهيم بن مسلم الهجري على روايته، فرواه البزار (8/ 277) حديث 3342، والبيهقي (4/ 35) من طريق وقدان العبدي، ورواه البزار -أيضًا- (8/ 288) حديث 3356 من طريق مجزأة بن زاهر، ورواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 320) من طريق أبي القاسم الشيباني، عن ابن أبي أوفى، فذكره.

(1)

انظر مسائل ابن منصور (1/ 468، 469).

(2)

انظر الأوسط لابن المنذر (5/ 443).

(3)

أخرجه مسلم في الجنائز، حديث 2690 (26) ولفظه:"وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه".

(4)

انظر مسائل أبي داود ص/ 153.

(5)

انظر مسائل عبد الله (2/ 476) رقم 665، ومسائل أبي داود ص / 153، ومسائل ابن هانئ (1/ 186 - 187) رقم 931، 932، ومسائل البغوي ص/ 75 رقم 61، وكتاب الإرشاد ص/ 121.

(6)

انظر المغني (3/ 418).

(7)

وهم: علي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، عبد الله بن عباس، وعبد الله =

ص: 138

ولقوله: "وتحليلُها التسليم"

(1)

. وروى عطاء بن السائب: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم على الجنازة تسليمة واحدة" رواه الجوزجاني

(2)

(يجهر بها) أي: التسليمة (الإمام) كالمكتوبة (ويجوز) أن يسلم (تلقاء وجهه)

= ابن عمر، وواثلة بن الأسقع، وأبو هريرة رضي الله عنهم.

1 -

أثر علي رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (3/ 307) وابن المنذر في الأوسط (5/ 446) رقم 3188، والبيهقي (4/ 43).

ب - أثر جابر رضي الله عنه: رواه ابن المنذر في الأوسط (5/ 446) رقم 3183.

جـ - أثر ابن عباس رضي الله عنهما: رواه عبد الرزاق (3/ 493) رقم 6444، وابن أبي شيبة (3/ 307) وابن المنذر في الأوسط (5/ 445) رقم 3182، والبيهقي (4/ 43).

د - أثر ابن عمر رضي الله عنهما: رواه عبد الرزاق (3/ 494) رقم 6450، وابن أبي شيبة (3/ 307) وابن المنذر في الأوسط (5/ 445) رقم 3179، 3180، والبيهقي (4/ 43).

هـ - أثر واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (3/ 308) وابن المنذر في الأوسط (5/ 446) رقم 3185.

و - أثر أبي هريرة رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (3/ 308) وابن المنذر في الأوسط (5/ 446) رقم 3184، والحاكم (1/ 360).

قال الحاكم: التسليمة الواحدة على الجنازة قد صحت الرواية فيه عن: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وعبد الله ابن أبي أوفى، وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمة واحدة.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 284) تعليق رقم (1).

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة. وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 301، رقم 418. وأورده البيهقي (4/ 43).

وله شاهد موصول بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الدارقطني (2/ 71)، والحاكم (1/ 360)، والبيهقي (4/ 43):"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، فكبَّر عليها أربعًا، وسلم تسليمة واحدة".

ص: 139

نص عليه

(1)

. أي: من غير التفات (ويجوز) تسليمة (ثانية عن يساره) لما ذكر الحاكم عن ابن أبي أوفى تسليمتين

(2)

. واستحبه القاضي. قال في "المبدع": ويتابع الإِمام في الثانية كالقنوت.

(ويرفع يديه مع كل تكبيرة) رواه الشافعي عن ابن عمر

(3)

، وسعيد عن ابن عباس

(4)

والأثرم عن عمر

(5)

، وزيد بن ثابت

(6)

؛ ولأنه لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود، فسُن فيها الرفع كتكبيرة الإحرام، وصفة الرفع وانتهاؤه كما سبق.

(ويُسن وقوفه) أي: المصلي (مكانه حتى ترفع) الجنازة، روي

(1)

انظر "الفروع"(2/ 240).

(2)

لم نجده عند الحاكم في المستدرك. وأخرجه -أيضًا- البيهقي (4/ 43)، وفي إسناده إبراهيم الهجري، وتقدم الكلام عليه (4/ 137). تعليق رقم (4).

(3)

في الأم (1/ 240)، وفي المسند (ترتيبه 1/ 211). وأخرجه -أيضًا- البخاري في جزء رفع اليدين ص / 154، حديث 183، وعبد الرزاق (3/ 470) رقم 6360، وابن أبي شيبة (3/ 296، 297) والبيهقي (4/ 44)، وفي معرفة السنن والآثار (5/ 301) حديث 7614.

قال ابن حجر في الدراية (1/ 236): أخرجه البخاري في الجزء المفرد بإسناد صحيح.

وقال في التلخيص الحبير (2/ 146): أخرجه البيهقي بسند صحيح.

(4)

لم نجده في المطبوع من سننه.

وأورده ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 147)، وعزاه لسعيد وصححه.

(5)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- البيهقي (3/ 293) وقال: هذا منقطع.

(6)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع، ولم نقف عليه عند غيره، وقد أخرج ابن أبي شيبة (3/ 296) عن موسى بن نعيم مولى زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: من السنة أن ترفع يديك في كل تكبيرة من الجنازة.

ص: 140

عن ابن عمر

(1)

ومجاهد

(2)

. قال الأوزاعي: لا تنفضُّ الصفوف، حتى ترفع الجنازة.

(والواجب من ذلك) المذكور في صفة الصلاة على الجنازة ستة أشياء:

‌أحدها: (القيام إن كانت الصلاة فرضًا)

كسائر الصلوات المفروضة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صل قائمًا"

(3)

. (ولا تصح) صلاة الجنازة فرضًا (من قاعد ولا راكب) لفوات ركنها، وهو القيام. وعلم منه: أن نفلها يصح من القاعد، كنفل سائر الصلوات، ومن الراكب المسافر.

(و)

‌ الثاني: (التكبيرات الأربع)

لما روي ابن عباس

(4)

وأبو هريرة

(5)

وجابر

(6)

: "أنه صلى الله عليه وسلم كبَّر أربعًا" متفق عليه. وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"

(7)

. (فإن ترك منها) أي: الأربع (غير مسبوق تكبيرة عمدًا، بطلت) صلاته، لتركه واجبًا (و) إن ترك تكبيرة منها فأكثر (سهوًا يكبِّر) ما تركه (ما لم يطل الفصل) كمن سلَّم عن نقص ركعة من صلاته (فإن طال) الفصل (أو وُجِد منافٍ من كلام ونحوه، استأنف) الصلاة، أي: ابتدأها؛ لما روي عن قتادة: "أن أنسًا صلى

(1)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 462) رقم 6323 وابن أبي شيبة (3/ 309).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 463) رقم 6325.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 445) تعليق رقم (3).

(4)

تقدم تخريجه (4/ 129) تعليق رقم (2).

(5)

تقدم تخريجه (4/ 129) تعليق رقم (1).

(6)

تقدم تخريجه (4/ 128) تعليق رقم (4).

(7)

تقدم تخريجه (2/ 110) تعليق رقم (3).

ص: 141

على جنازة فكبَّر عليها ثلاثًا، وتكلَّم، فقيل له: إنما كبرت ثلاثًا، فرجع فكبر أربعًا" رواه حرب في "مسائله" والخلال في "جامعه"

(1)

. وعوده إلى ذلك -لما أنكروه عليه- دليل إجماعهم على أنه لابد من أربع تكبيرات. وعن حميد الطويل قال: "صلى بنا أنسٌ، فكبَّر ثلاثًا ثم سلم. فقيل: إنما كبرت ثلاثًا، فاستقبَل القبلةَ، وكبر الرابعةَ" رواه البخاري

(2)

، فتحمل رواية حميد على عدم وجود المنافي، ورواية حرب والخلال على وجود المنافي، فإن فيها:"وتكلم".

(و)

‌ الثالث: قراءة (الفاتحة على إمام ومنفرد)

لما تقدم، من حديث:"لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب"

(3)

. ويتحملها الإمام عن المأموم.

(و)

‌ الرابع: (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

-) لقوله: "لا صلاة لمن لم يصل على نبيه"

(4)

. ذكره في "المبدع".

(1)

مسائل حرب لم نقف عليها، ولم نجده في القسم المطبوع من جامع الخلال. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 486) رقم 6417، وابن المنذر في الأوسط (5/ 432) رقم 3146.

(2)

في الجنائز باب 64 تعليقًا عن حميد الطويل بصيغة الجزم قبل حديث (1333).

(3)

تقدم تخريجه (2/ 302) تعليق رقم (1).

(4)

أخرجه ابن ماجه في الطهارة باب 41، حديث 400، والطبراني في الكبير (6/ 121) حديث 5699، والدارقطني (1/ 354)، والحاكم (1/ 269)، والبيهقي (2/ 379)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 402) من طريق عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جده سهل بن سعد.

قال الدارقطني: عبد المهيمن ليس بالقوي.

وقال الحاكم: ليس هذا الحديث على شرطهما، لأنهما لم يخرجا لعبد المهيمن.

وقال البيهقي: عبد المهيمن لا يحتج برواياته. =

ص: 142

(و) الخامس: (دعوة للميت) لأنه هو المقصود، فلا يجوز الإخلال به (ولا يتعين الدعاء للميت في) التكبيرة (الثالثة بل يجوز في) التكبيرة (الرابعة) نقله الزركشي عن الأصحاب؛ لأن ما تقدم من الأحاديث لا تعيين فيه (ويتعين غيره) أي: الدعاء (في محَالِّه) فتتعين القراءة في الأولى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية. صرّح به في "المستوعب" و"الكافي" و"التلخيص" و"البلغة". قال في "المبدع": وقدم في "الفروع" خلافه. ووجه الأول: ما روى الشافعي في "مسنده" عن أبي أمامة بن سهل: "أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن من السُّنةِ في الصلاةِ على الجنازة: أن يكبِّر الإمامُ، ثم يقرأ بفاتحة الكتابِ بعد التكبيرة الأولى، يقرأ في نفسِه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاءَ للجنازة في التكبيرات، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًا في نفسِه"

(1)

.

(و)

‌ السادس: (تسليمة)

لأنه صلى الله عليه وسلم: "كان يسلمُ على الجنائز"

(2)

= قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 262): إسناده ضعيف.

وله شاهد عند الدارقطني (1/ 354)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 402) من طريق جابر الجعفي، عن أبي جعفر، عن أبي مسعود رضي الله عنه مرفوعًا:"من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على أهل بيتي؛ لم تقبل منه". قال الدارقطني وابن الجوزي: جابر ضعيف.

(1)

تقدم تخريجه (4/ 130) تعليق رقم (2).

(2)

رواه الدارقطني (2/ 72، 77) والحاكم (1/ 360) والبيهقي (4/ 43) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر عليها أربعًا وسلم تسليمة. قال النووي في الخلاصة (2/ 982): غريب الإسناد.

وانظر ما تقدم (4/ 129) تعليق رقم (4).

ص: 143

وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"

(1)

(ولو لم يقل) في السلام من الصلاة على الجنازة (ورحمة الله، أجزأ، وتقدم في) باب (صفة الصلاة)

(2)

لما روى الخلال بإسناده عن علي بن أبي طالب: "أنه صلى على يزيد بن الملقف

(3)

، فسلم واحدة عن يمينهِ: السلام عليكم"

(4)

.

(و) يشترط لها (جميع ما يشترط لمكتوبة) كالإسلام، والعقل، والتمييز، والطهارة، وستر العورة مع أحد العاتقين، واجتناب النجاسة، واستقبال القبلة، والنية (مع حضور الميت بين يديه) أي: يدي المصلي (قبل الدفن) احترازًا عما بعد الدفن، ويأتي الكلام عليه (إلا الوقت) استثناء من قوله:"جميع ما يشترط لمكتوبة" أي: فالوقت مشروط للمكتوبة دون الجنازة.

(فلا تصح) الصلاة (على جنازة محمولة) على الأعناق أو على دابة، أو أيدي الرجال (لأنها) أي: الجنازة (كإمام) ولهذا لا صلاة بدون الميت. قال المجد وغيره: قربها من الإمام مقصود، كقرب المأموم من الإمام؛ لأنه يسن الدنوّ منها. وفي كتاب "الخلاف" للقاضي: صلاة الصف الأخير جائزة ولو حصل بين الجنازة وبينه مسافة بعيدة، ولو وقف في موضع الصف الأخير بلا حاجة؛ لم يجز.

(ولا) تصح الصلاة على الجنازة (من وراء حائل قبل الدفن

(1)

تقدم تخريجه (2/ 334) تعليق رقم (4).

(2)

(2/ 377).

(3)

كذا في الأصول، وصوابه: يزيد بن المكفف، كما في مصادر التخريج.

(4)

لم نجده في القسم المطبوع من جامعه، وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 307)، والبيهقي (4/ 43).

ص: 144

كحائط ونحوه) كنعش مغطى بخشب، كما قدمه في "الفروع" وغيره.

(ويشترط) أيضًا مع ما تقدم (إسلام ميت) لأن الصلاة عليه شفاعة، والكافر ليس من أهلها، ولا يستجاب فيه دعاء، قال تعالى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}

(1)

.

(و) يشترط أيضًا (تطهيره) أي: الميت (بماء) إن أمكن (أو تراب؛ لعذر) كفقد الماء ونحوه مما تقدم. وكذا يشترط تكفينه، فلا تصح الصلاة عليه قبل غسله وتكفينه.

(و‌

‌لا يجب أن يسامت الإمام الميت،

فإن لم يسامته، كره، قاله في "الرعاية".

و‌

‌لا يشترط معرفة عين الميت)

لعدم توقف المقصود على ذلك، (فينوي) الصلاة (على الحاضر) أو على هذه الجنازة ونحو ذلك.

(وإن نوى) الصلاة على (أحد الموتى، اعتبر تعيينه) لتزول الجهالة (فإن) نوى الصلاة على معين من موتى يريد به زيدًا، فـ (ـبان غيره، فجزم أبو المعالي أنها لا تصح. وقال) أي: أبو المعالي: (إن نوى) الصلاة (على هذا الرجل، فبان امرأة، أو عكس) بأن نوى على هذه المرأة، فبانت رجلًا (فالقياس: الإجزاء) لقوة التعيين على الصفة في باب الأيمان وغيرها. قال في "الفروع": وهو معنى كلام غيره.

(ولا تجوز الزيادة) في صلاة الجنازة (على سبع تكبيرات) قال في "الشرح": لا يختلف المذهب فيه. قال أحمد

(2)

: هو أكثر ما جاء

(1)

سورة التوبة، الآية:84.

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 472). رقم 657.

ص: 145

فيه؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كبَّرَ على حمزة سبعًا". رواه ابن شاهين

(1)

وكبَّر على

(2)

أبي قتادة سبعًا

(3)

. وعلى سهل بن حُنيف

(1)

في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 264، رقم 292. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 14)، والبزار "كشف الأستار" (2/ 327) حديث 1796، والطحاوي (1/ 503)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 154) حديث 2934، والحاكم (3/ 197 - 198)، والبيهقي (4/ 12) من طريق إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعًا.

قال البيهقي: لا أحفظه إلا من حديث ابن عياش عن يزيد، وكانا غير حافظين.

وقال الذهبي في التلخيص: ليسا بمعتمدين.

وقال ابن حجر في الدراية (1/ 243): في إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 118) وقال: رواه البزار والطبراني، وفي إسنادهما يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف.

وأخرجه أيضًا الدارقطني (4/ 115) من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس به.

قال ابن حجر في الدراية (1/ 242): في إسناده عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف.

(2)

كذا في الأصول والصواب: "وكبر عليٌّ على". انظر الشرح الكبير (6/ 167)، ومصادر التخريج الآتية.

(3)

أخرجه أبو داود في مسائله ص/ 152، وابن أبي شيبة (3/ 304)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 434) حديث 3154، والطحاوي (1/ 496)، والبيهقي (4/ 36) وقال: هو غلط؛ لأن أبا قتادة رضي الله عنه بقي بعد علي رضي الله عنه مدة طويلة.

وتعقبه ابن التركماني بقوله: قال الحسن بن عثمان مات أبو قتادة سنة أربعين، وقال الكلاباذي، قال ابن سعد أنا الهيثم بن عدي، قال: توفى بالكوفة وعلي بها، وهو صلى عليه.

وتعقبه -أيضًا- ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 120) وقال: وهذه علة غير قادحة؛ لأنه قد قيل: إن أبا قتادة قد مات في خلافة علي، وهذا هو الراجح.

ص: 146

ستًا

(1)

. وقال: إنه يروى أن عمر جمع الناس فاستشارهم، فقال بعضهم:"كبَّر النبي صلى الله عليه وسلم سبعًا". وقال بعضهم: "أربعًا"، فجمع الناسَ عمرُ على أربع تكبيرات. وقال: هو أطول الصلاة

(2)

. يعني: أن كل تكبيرة على الجنازة مقام ركعة من الصلاة ذات الركوع، وأطول المكتوبات أربع ركعات.

(ولا) يجوز (النقص عن أربع) تكبيرات؛ لما تقدم.

(والأولى أن لا يزيد على الأربع) من التكبيرات؛ لجمع عمر الناس عليه؛ لأن المداومة على الأربع تدل على الفضيلة، وغيرها يدل على الجواز.

(فإن زاد إمام) على رابعة، (تابعه مأموم) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما جُعل الإمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلِفوا عليه"

(3)

. (إلى سبع) لما تقدم عن أحمد أنه أكثر ما جاء فيه (ما لم تُظن بدعته) أي: الإمام (أو رفضه،

(1)

رواه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 97) والصغير (1/ 81)، وأبو داود في مسائله ص/ 152، وعبد الرزاق (3/ 480 - 481) 6399، 6403، وابن سعد (3/ 472) والطحاوي (1/ 497)، والحاكم (3/ 409)، والبيهقي (4/ 36)، وفى معرفة السنن والآثار (5/ 296)، وابن حزم في المحلى (5/ 126) وقال: هذا إسناد في غاية الصحة.

(2)

رواه عبد الرزاق (3/ 479) 6395، وابن أبي شيبة (3/ 302)، وابن الجارود في المنتقى حديث (532)، وأبو القاسم البغوي (1/ 290) حديث 97، وابن المنذر في الأوسط (5/ 430) حديث 3137، والطحاوي (1/ 495 - 496)، والبيهقي (4/ 37)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 334، 335). وضعفه ابن حزم في المحلى (5/ 125، 126)، واستبعد ذلك من عمر رضي الله عنه، وانظر العلل للدارقطني (2/ 159، 160).

(3)

تقدم تخريجه (3/ 200) تعليق رقم (1).

ص: 147

فلا يتابع) على ما زاد على أربع؛ لما في متابعته من إظهار شعارهم.

(ولا يدعو بعد) التكبيرة (الرابعة في المتابعة أيضًا) أي: كما لا يدعو لو كان يسلم عقبها (ولا يتابع) الإمام (فيما زاد على السبع) تكبيرات؛ لعدم وروده، كما تقدم.

(ولا تبطل) صلاة الجنازة (بمجاوزتها) أي: السبع تكبيرات (ولو عمدًا) لأنها زيادة قول مشروع في أصله داخل الصلاة، أشبه تكرار الفاتحة والتشهد، وسائر الأذكار. أو نقول: تكرار تكبيرة أشبه تكبير الصلوات. وعكسه زيادة الركعة؛ لأنها زيادة أفعال، ولهذا لو زاد ركوعًا أو سجودًا، أبطل الصلاة، وإن كان لا يقضي منفردًا؛ لكونه فعلًا.

(وينبغي أن يسبح بعدها) أي: السابعة (به) أي: بالإمام؛ لاحتمال سهوه، و (لا) ينبغي أن يسبح به (فيما) زاد على الأربع (دونها) أي: دون السابعة، أي: الخامسة

(1)

والسادسة والسابعة؛ للاختلاف فيها.

(ولا يسلِّم) المأموم (قبله) أي: قبل إمامه، ولو جاوز السبعَ تكبيرات، نص عليه

(2)

، فيحرم؛ لأنه ترك المتابعة من غير عذر؛ لما تقدم من أنها لا تبطل بمجاوزة السبع.

(ومنفرد كإمام في الزيادة) على السبع، وفي النقص عن أربع،

فلا يجوز له ذلك؛ لكن لا تبطل صلاته بمجاوزة السبع؛ لما سبق.

(1)

في "ح" و"ذ": "أي في الخامسة".

(2)

انظر مسائل أبي داود ص/153، واختلاف الفقهاء للمروزي ص/ 213، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 208).

ص: 148

(وإن كبَّر) إمام أو منفرد (على جنازة) تكبيرة واحدة (ثم جيءَ بـ) ـجنازة (أخرى، كبَّر) تكبيرة (ثانية ونواهما) أي: الجنازتين (فإن جِيءَ بـ) ــجنازة (ثالثة، كبَّر) التكبيرة (الثالثة، ونوى الجنائز الثلاث، فإن جِيءَ بـ) ــجنازة (رابعة، كبَّر) التكبيرة (الرابعة، ونوى) الجنائز (الكلَّ، فيصير مكبِّرًا على الأولى أربعًا، وعلى الثانية ثلاثًا، وعلى الثالثة اثنتينِ، وعلى الرابعة واحدة، فيأتي بثلاث تكبيرات أخر) تتمة السبع (فيتم) تكبيره (سبعًا، يقرأ) الفاتحة (في) التكبيرة (الخامسة، ويصلي) على النبي صلى الله عليه وسلم (في) التكبيرة (السادسة، ويدعو) للموتى (في) التكبيرة (السابعة) ثم يسلم (فيصير مكبِّرًا على) الجنازة (الأولى سبعًا، وعلى الثانية ستًا، وعلى الثالثة خمسًا، وعلى الرابعة أربعًا.

فإن جِيءَ) بعد التكبيرة الرابعة (بـ) ـــجنازة (خامسة، لم ينوها بالتكبير، بل يصلِّي عليها بعد سلامه) لئلا يؤدي إلى تنقيصها عن أربع، أو زيادة ما قبلها على سبع، وكلاهما محظور.

(وكذا لو جِيءَ بـ) ــجنازة (ثانية عقب التكبيرة الرابعة) لم يجز إدخالها في الصلاة (لأنه لم يبقَ من السبع) تكبيرات (أربع) بل ثلاث، فيؤدي إلى ما سبق.

(فإن أراد أهل الجنازة الأولى رفعها) بعد الأربع تكبيرات و (قبل سلام الإمام؛ لم يجز) لأن السلام ركن لا تتم الصلاة إلا به.

(وفي "الكافي") فيما إذا جِيءَ بأخرى فأكثر، فكبَّر ونواها لهما أو لهم وقد بقي من تكبيره أربع (يقرأ في الرابعة الفاتحة ويصلِّي) على النبي صلى الله عليه وسلم (في الخامسة، ويدعو لهم في السادسة) لتكمل الأركان لجميع الجنائز، وما قدمه المصنف قطع به في "الشرح" و"التنقيح"،

ص: 149

وتبعه في "المنتهى".

(ومن سُبق ببعض الصلاة، كبَّر ودخل مع الإمام) حيث أدركه (ولو بين تكبيرتين ندبًا) كالصلاة (أو) كان إدراكه له (بعد تكبيره الرابعة في السلام) فيكبِّر للإحرام معه (ويقضي ثلاث تكبيرات) استحبابًا.

(ويقضي مسبوق ما فاته) قبل دخوله مع الإمام (على صفته) لأن القضاء يحكي الأداء كسائر الصلوات، ويكون قضاؤه (بعد سلام الإمام) كالمسبوق في الصلاة. قلت: لكن إن حصل له عذر يبيح ترك جمعة وجماعة، صحَّ أن ينفرد ويتم لنفسه، قبل سلامه.

(فإن أدركه) المسبوق (في الدعاء، تابعه فيه) أي: الدعاء (فإذا سلَّم الإمام، كبَّر وقرأ الفاتحة) بعد التعوذ والبسملة (ثم كبَّر وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كبَّر وسلَّم) لما تقدم أن المقضي أول صلاته، فيأتي فيه بحسب ذلك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"وما فاتكُم فاقضُوا"

(1)

.

وقوله: "ثم كبَّر وسلَّم" هكذا في "الشرح" وغيره. وإنما يظهر إذا كان الدعاء بعد الرابعة أو بعد الثالثة، لكنه لم يأتِ بها لنوم أو سهو ونحوه، وإلا لزم عليه الزيادة على أربع، وتركها أفضل، فإن كان أدركه في الدعاء وكبَّر الأخيرة معه، فإذا سلَّم الإمام، كبَّر وقرأ الفاتحة، ثم كبَّر وصلَّى عليه صلى الله عليه وسلم، ثم سلَّم من غير تكبير؛ لأن الأربع تمت.

"تتمة": متى أدرك الإمامَ في التكبيرة الأولى، فكبَّر وشرع في

(1)

تقدم تخريجه (3/ 162) تعليق رقم (1).

ص: 150

القراءة، ثم كبَّر الإمام قبل أن يتمها، تابعه، وقطع القراءة، كالمسبوق في بقية الصلوات إذا أدرك الإمام قبل إتمامه القراءة.

(فإن خشي) المسبوق (رفعها) أي: الجنازة (تابع) أي: والى (بين التكبير من غير ذكر) أي: قراءة وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ولا دعاء، رفعت) الجنازة (أم لا) قدمه في"الفروع". وحكاه نصًّا

(1)

. (فإن سلَّم) المسبوق (ولم يقضِ) ما فاته (صحَّ) ذلك، أي: صحَّت صلاته؛ لحديث عائشة أنها قالت: "يا رسول الله إني أصلِّي على الجنازةِ، وَيخفى عليَّ بعضُ التكبيرِ؟ قال: ما سمعتِ فكبِّرِي وما فاتكِ فلا قضاء عليكِ"

(2)

. وهذا صريح في عدم وجوب القضاء، لكن يستحب؛ ولأنها تكبيرات متواليات حال القيام، فلم يجب قضاء ما فات منها، كتكبيرات العيد.

(ومتى رفعت) الجنازة (بعد الصلاة) عليها (لم توضع لأحد) يريد أن يصلي عليها، تحقيقًا للمبادرة إلى مواراة الميت. وعبارة "المنتهى": ولا توضع لصلاة بعد حملها (فظاهره: يكره) ويبادر بدفنها. وقال القاضي: إلا أن يرجى مجيء الولي فتؤخَّر، إلا أن يُخاف تغيره.

(ومن لم يصلِّ) على الجنازة لعذر أو غيره (استحب له إذا وضعت) الجنازة (أن يصلي عليها قبل الدّفن أو بعده، ولو جماعة على القبر) لحديث أبي هريرة: "أن امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجدَ -

(1)

انظر مسائل الكوسج (1/ 471) رقم 395، ومسائل عبد الله (2/ 475) رقم 661 و 663، ومسائل صالح (1/ 460) رقم 475، و (3/ 59) رقم 1336.

(2)

رواه بنحوه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 265، رقم 293. قلنا: وفي إسناده الحكم بن عبد الله بن سعد: ذاهب، متروك الحديث. انظر: الجرح والتعديل (3/ 121).

ص: 151

أو شابًا -ففقدها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أو فقده، فسأل عنها أو عنه، فقالوا: ماتت أو مات، فقال: أفلا كنتُم آذنْتُمُوني؟ قال: فكأنهم صغّرُوا أمرَها أو أمرَه، فقال: دلوني على قبرها أو على قبرِه، فدلُّوه فصلّى عليها أو عليهِ"

(1)

. وعن ابن عباس قال: "انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرٍ رطبٍ فصلى عليهِ، وصفوا خلفه وكبرَ أربعًا"

(2)

متفق عليهما. قال أحمد

(3)

: ومن يشك في الصلاة على القبر؟! يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه

(4)

، كلها حسان.

(1)

أخرجه البخارى في الصلاة، باب 72، 74، حديث 458، 460، وفي الجنائز، باب 67، حديث 1337، ومسلم في الجنائز، حديث 956.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 129) تعليق رقم (2).

(3)

انظر الأوسط لابن المنذر (5/ 413)، والتمهيد لابن عبد البر (6/ 261)، والاستذكار (8/ 7).

(4)

الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وتقدم تخريجه آنفًا.

والثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وتقدم تخريجه آنفًا.

والثالث: حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه: رواه مالك في الموطأ (1/ 226)، والشافعي في الأم (1/ 240)، والبيهقي (4/ 48).

والرابع: حديث يزيد بن ثابت وهو أكبر من زيد رضي الله عنهما: رواه النسائي في الجنائز، باب 94، حديث 2021، وابن ماجه في الجنائز، باب 32، حديث 1528، وابن أبي شيبة (3/ 256 - 275)، وأحمد (4/ 388) وأبو يعلى (2/ 236) حديث 937، وابن حبان "الإحسان"(7/ 352، 356، 360) حديث 3083، 3087، 3092، والطبراني في الكبير (22/ 239، 240) حديث 627، 628، والحاكم (3/ 591)، والبيهقي (4/ 35، 48).

والخامس: حديث أنس رضي الله عنه: رواه مسلم في الجنائز، حديث 955.

والسادس: حديث جابر رضي الله عنه: رواه النسائي في الجنائز، باب 94، حديث 2024. والخطيب في تاريخه (2/ 316). =

ص: 152

(وكذا غريق ونحوه) كأسير، فيصلى عليه إلى شهر، ويسقط شرط الحضور للحاجة والغسل؛ لتعذره، أشبه الحي إذا عجز عن الغسل والتيمم (إلى شهر من دفنه) لما روى الترمذي عن سعيد بن المسيب:"أن أم سعد ماتتْ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم غائبٌ، فلما قدم، صلَّى عليهَا، وقد مضى لذلكَ شهْرٌ"

(1)

وإسناده ثقات. قال أحمد: أكثر ما سمعت هذا

(2)

. ولأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه، فتقيَّد به (و) إلى (زيادة يسيرة)

= وفي الباب أحاديث أخر منها:

أ - حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه: رواه ابن ماجه في الجنائز، باب 32، حديث 1529، وابن أبي شيبة (3/ 361 - 362) وأحمد (3/ 444) وابن عبد البر في التمهيد (6/ 267، 268) قال البوصيرى في مصباح الزجاجة (1/ 271): إسناده حسن.

ب - حديث بريدة رضي الله عنه: رواه ابن ماجه في الجنائز، باب 32، حديث 1532. والبيهقي (4/ 48)، والمزي في تهذيب الكمال (28/ 598). قال البوصيرى في مصباح الزجاجة (1/ 271): هذا إسناد حسن، أبو سنان فمن دونه مختلف فيهم؛ وأصله في الصحيحين والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

جـ - حديث أبي سعيد رضي الله عنه: رواه ابن ماجه في الجنائز، باب 32، حديث 1533. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 272): هذا إسناد ضعيف، لضعف عبد الله بن لهيعة.

(1)

الترمذي في الجنائز، باب 47، حديث 1038. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 614)، وابن أبي شيبة (3/ 360)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 413، 414) حديث 3109، 3110، والطبراني في الكبير (6/ 20) حديث 5378، والبيهقي (4/ 48)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 16) حديث 899.

قال البيهقي: وهو مرسل صحيح، وقد روي عن ابن عباس موصولًا، والمشهور المرسل.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 125): إسناده مرسل صحيح.

(2)

انظر مسائل صالح (3/ 58) رقم 1335، وسنن الترمذي (3/ 356).

ص: 153

على الشهر، قال القاضي: كاليومين. وإنما لم تجز على قبره صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يتخذ مسجدًا.

(ويحرم) أن يصلى على قبر (بعدها) أي: بعد الزيادة اليسيرة، نص عليه

(1)

. وحديث الدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا: "أنه صلى على قبرٍ بعد شهرٍ"

(2)

، أجاب أبو بكر

(3)

: يريد شهرًا. كقوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}

(4)

أراد الحين. ويمكن حمله على الزيادة اليسيرة، قال في "المبدع": فأما إذا لم يدفن فإنه يصلى عليه، وإن مضى أكثر من شهر. وقيَّده ابن شهاب، وقدمه في "الرعاية" بشهر.

(وإن شكَّ في انقضاء المدة) التي يصلى فيها على القبر ونحوه (صلى عليه، حتى يعلم فراغها) لأن الأصل بقاؤها.

(ويصلِّي إمام) أعظم (وغيره على غائب عن البلد، ولو كان دون مسافة قصر، أو) كان (في غير جهة القبلة) أي: قبلة المصلي (بالنية إلى شهر) كالصلاة على القبر، لكن يكون الشهر هنا من موته، كما في "شرح المنتهى"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: "صلّى على النجاشي، فصفَّ وكبَّرَ

(1)

انظر العدة في أصول الفقه (2/ 478).

(2)

سنن الدارقطني (2/ 78)، وأخرجه -أيضًا- البيهقي (4/ 46).

قال الدراقطني: تفرد به بشر بن آدم، وخالفه غيره عن أبي عاصم.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/ 205) بعد أن ساق روايات الصلاة على القبر بعد الدفن: وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه صلى عليه صلى الله عليه وسلم صبيحة دفنه.

(3)

هو عبد العزيز غلام الخلال، تقدمت ترجمته (1/ 219).

(4)

سورة ص، الآية:88.

ص: 154

عليه أربعًا" متفق عليه

(1)

. لا يقال: لم يكن بأرض الحبشة من يصلي عليه؛ لأنه ليس من مذهب المخالف، فإنه يمنع الصلاة على الغريق والأسير، وإن لم يكن صلي عليه، مع أنه يبعد ذلك، فإن النّجاشي ملك الحبشة أَظهَر الإسلامَ، فيبعد أنه لم يوافقه أحد يصلي عليه، والقول بأن الأرض زويت له صلى الله عليه وسلم، وكشف له عن النجاشي، حتى رآه حين صلاته؛ لو كان له أصل لذكره لأصحابه، ولنقل

(2)

؛ لما فيه من المعجزة العظيمة، كما نقل إخباره لهم بموته يوم مات، و-أيضًا- لو تم ذلك في حقه لما تم في حق أصحابه.

و (لا) يصلي على من (في أحد جانبي البلد ولو كان) البلد (كبيرًا، ولو لمشقة مطر أو مرض) لأنه يمكن حضوره، أشبه ما لو كانا في جانب واحد، ويعتبر انفصاله عن البلد بما يعدُّ الذهاب إليه نوع سفر، وقال القاضي: يكفي خمسون خطوة. قال الشيخ تقي الدين

(3)

: وأقرب الحدود ما تجب فيه الجمعة؛ لأنه إذن من أهل الصلاة في البلد، فلا يعدُّ غائبًا عنها، وتقدم أنه‌

‌ لا يصلى على قبر وغائب وقت نهي.

(و‌

‌لا يصلى كل يوم على كل غائب)

لأنه لم ينقل، قاله الشيخ تقي الدين

(3)

.

(ومن صلَّى) على ميت (كُره له إعادة الصلاة) عليه. قال في "الفصول": لا يصليها مرتين كالعيد (إلا على من صلَّى عليه بالنية)

(1)

تقدم تخريجه (4/ 129) تعليق رقم (1).

(2)

انظر: فتح الباري (3/ 188).

(3)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 130.

ص: 155

كالغائب (إذا حضر) جزم به ابن تميم وابن حمدان. واقتصر عليه في "الفروع"(أو وجد بعض ميت، صلى على جملته، فتسن) إعادة الصلاة (فيهما) مرة ثانية (ويأتي)

(1)

ذلك (أو صلَّى عليه) أي: الميت (بلا إذن من هو أولى منه) بالصلاة (مع حضوره) أي: الأولى وعدم إذنه، ولم يصلِّ معه (فتعاد) الصلاة عليه (تبعًا) للولي؛ لأنها حقه، ذكر أبو المعالي. وظاهره: لا يعيد غير الولي. قاله فى "الفروع".

‌فصل

(ويحرم أن يغسل مسلم كافرًا ولو قريبًا،

أو يكفنه، أو يصلِّي عليه أو يتبع جنازته، أو يدفنه) لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}

(2)

وغسلهم ونحوه تولٍّ لهم، ولأنه تعظيم لهم، وتطهير، فأشبه الصلاة عليه، وفارق غسله في حياته، فإنه لا يقصد به ذلك (إلا أن لا يجد من يواريه غيره، فيوارى عند العدم) لأنه صلى الله عليه وسلم لما أخبِرَ بموتِ أبي طالب قال لعلي: "اذهبْ فوارِهِ". رواه أبو داود والنسائى

(3)

، وكذلك قتلى بدر أُلقوا في القليب

(4)

، ولأنه يتضرر بتركه ويتغير ببقائه (فإن أراد المسلم أن يتبع قريبًا له كافرًا

(1)

(4/ 161).

(2)

سورة الممتحنة، الآية:13.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 356)، تعليق رقم (1).

(4)

أخرجه البخارى فى الوضوء، باب 29، حديث 240، وفي الصلاة، باب 109، حديث 520، وفي الجهاد، باب 99 حديث 2934، وفي الجزية، باب 21، حديث 3185، وفي مناقب الأنصار، باب 29، حديث 3854، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1794 عن ابن مسعود رضي الله عنه.

ص: 156

إلى المقبرة، ركب) المسلم (دابته وسار أمامه) أي: قدام جنازته (فلا يكون معه) ولا متبعًا له.

(ولا يُصلِّى على مأكول في بطن سبع) قال في "الفصول": فأما إن حصل في بطن سبع؛ لم يصلَّ عليه، مع مشاهدة السبع (و) لا يصلى على (مستحيل بإحراق) لاستحالته (ونحوهما) أي: نحو أكيل السبع والمستحيل بإحراق، كأكيل تمساح، ومستحيل بِصيانةٍ

(1)

أو نحوها.

(ولا يُسن للإمام الأعظم، و) لا لـ (ـإمام كل قرية -وهو واليها في القضاء- الصلاة على غالٍّ، وهو: من كتم غنيمة أو بعضها) لأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على رجل من المسلمين. فقال: "صلُّوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه القومِ. فقال: إن صاحبكم غلَّ في سبيلِ اللهِ. ففتشنَا متاعَه فوجدْنا فيه خرزًا من خرزِ اليهود، ما يساوي درهَمين" رواه الخمسة إلا الترمذي

(2)

، واحتج به أحمد

(3)

.

(و) لا على (قاتل نفسه عمدًا) لما روى مسلم عن جابر بن سمرة: "أن رجلًا قتلَ نفسَه بمشاقِص، فلم يصَلِّ عليهِ"

(4)

. وفي رواية

(1)

في "ذ": "بصبَّانة" وهو الأقرب وظاهر السياق أنها المكان الذي يصنع فيه الصابون. وانظر ما تقدم (1/ 440).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 117)، تعليق رقم (4).

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 191) رقم 952، ومسائل صالح (1/ 353) رقم 319، ومسائل أبي داود ص/156، وقد نص فيها على عدم الصلاة على الغالِّ، ولم يرد فيها الاحتجاج بالحديث المذكور.

(4)

مسلم فى الجنائز، حديث 978.

ص: 157

للنسائي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فلا أصلي عليه"

(1)

والمشاقص جمع مشقص، قال في "القاموس"

(2)

: والمشقص كمنبر: نصل عريض أو سهم فيه ذلك، والنصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش. انتهى. فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغالِّ، وقاتل نفسه، وهو الإمام وأمَرَ غيرَه بالصلاة عليهما، وألحق به من ساواه في ذلك؛ لأن ما ثبت في حقه ثبت في حق غيره، ما لم يقم على اختصاصه به دليل. وأما تركه صلى الله عليه وسلم للصلاة

(3)

على مَدِينٍ لم يخلِّف وفاءً

(4)

. فكان في ابتداء الإسلام، ثم نسخ، كما يأتي في الخصائص.

(ولو صلى) الإمام الأعظم أو قاضيه (عليهما) أي: على الغالِّ وقاتل نفسه عمدًا (فلا بأس، كبقية الناس) لأن امتناعه من ذلك ردع وزجر؛ لا لتحريمه.

(وإن ترك أئمة الدين الذين يُقتدى بهم الصلاة على قاتل نفسه، زجرًا لغيره فهذا حق) لأن له شبهًا بما سبق وبإقامة الحدود.

(ويصلى على كل عاصٍ: كسارق، وشارب الخمر، ومقتول

(1)

النسائي في الجنائز، باب 68، حديث 1963، وفي الكبرى (1/ 638) حديث 2091.

(2)

مادة شقص ص/ 802.

(3)

في "ح": "الصلاة".

(4)

أخرجه البخاري في الكفالة، باب 5، حديث 2298، وفي الاستقراض، باب 11، حديث 2399، وفي النفقات، باب 15، حديث 5371، ومسلم في الفرائض، حديث 1619 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه فضلًا. فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء، صلى، وإلا قال للمسلمين: صلُّوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا، فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالًا، فلورثته".

ص: 158

قصاصًا أو حدًا، أو غيرهم) قال الإمام: ما نعلم أنه صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغالِّ وقاتل نفسه

(1)

.

(و) يصلي الإمام وغيره (على مدين لم يخلف وفاء) لما تقدم، ويأتي نسخ امتناعه صلى الله عليه وسلم منه.

(ولا يغسَّل) كل صاحب بدعة مكفِّرة (ولا يصلَّى على كل صاحب بدعة مكفِّرة نصًا

(2)

، ولا يورث، ويكون ماله فيئًا) كسائر المرتدين (قال) الإمام (أحمد

(3)

: الجهمية والرافضة لا يُصلَّى عليهم. وقال: أهل البدع إن مرضوا، فلا تعودوهم، وإن ماتوا، فلا تصلوا عليهم) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة بأدوَن من هذا، فأولى أن تترك الصلاة به. ولحديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل أمةٍ مجوسًا، وإن مجوسَ أمتي الذين يقولون: لا قدر، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهَدُوهم" رواه أحمد

(4)

. ويأتي قول

(1)

انظر مسائل صالح (1/ 353) رقم 319.

(2)

المبدع (2/ 262).

(3)

انظر مسائل أبي داود ص/268.

(4)

(2/ 86، 125). وأخرجه -أيضًا- عبد الله في السنة (2/ 418)، حديث 915، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 150) حديث 339، وابن بطة في الإبانة (2/ 96، 97) حديث 1510، 1511 - تحقيق الأثيوبي) وابن عدي (5/ 1694)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 145) حديث 227، وفي إسناده عمر بن عبد الله مولى غفرة.

قال ابن الجوزي: هذا لا يصح، قال ابن حبان: عمر مولى غفرة يقلب الأخبار؛ لا يحتج به.

وقال ابن عدي: قال النسائي عمر بن عبد الله مولى غفرة ضعيف.

وأخرجه أحمد (5/ 406 - 407) وابن بطة فى الإبانة (2/ 98) حديث 1513 - =

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تحقيق الأثيوبي) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 144) حديث 329، من طريق عمر مولى غفرة، عن رجل من الأنصار، عن حذيفة.

وأخرجه أبو داود في السنة، باب 17، حديث 4691، والحاكم (1/ 85)، والبيهقي (10/ 203)، وفي الاعتقاد ص/ 157، من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن ابن عمر.

قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر، ووافقه الذهبي.

وقال المنذري في تهذيب السنن (7/ 58): هذا منقطع، أبو حازم لم يسمع من ابن عمر، وقد روي هذا الحديث من طرق عن ابن عمر، وليس فيها شيء يثبت. وأخرجه البخارى في التاريخ الكبير (2/ 341) والصغير (2/ 247) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 150) حديث 340، والعقيلي (1/ 260)، والطبراني في الصغير (2/ 71) حديث 800، والآجري في الشريعة (2/ 804) حديث 383، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 145) حديث 226 من طريق الحكم بن سعيد، عن الجعيد بن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر.

قال ابن الجوزي: هذا لا يصح، قال البخاري: الحكم عن جعيد منكر الحديث.

وقال ابن حبان: كثُر وهم الحكم، فصار منكر الحديث؛ لا يحتج به.

وعَدَّ الذهبي فى الميزان (1/ 570) هذا الحديث من مناكيره.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 241) حديث 2515، والآجري في الشريعة (2/ 801 - 804) حديث 381، 382، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (4/ 707) حديث 1150، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 144) حديث 225 من طريق زكريا بن منظور، عن أبي حازم، عن نافع، عن ابن عمر.

قال ابن الجوزي: لا يصح، قال يحيى: زكريا بن منظور ليس بشيء، ونقل الذهبي في الميزان (2/ 78) عن البخاري قوله: منكر الحديث، وأورد له هذا الحديث. وقال ابن حبان في المجروحين (1/ 211): يروي زكريا عن أبي حازم ما لا أصل له.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 207) بعد أن أورد الحديث: رواه الطبراني =

ص: 160

المصنف وغيره في الشهادات: ويكفر مجتهدهم الداعية، وغيره فاسق.

(وإن وجد بعض ميت تحقيقًا) أي: يقينًا أنه من ميت (غير شعر وظفر وسن، غُسل وكفن، وصلِّي عليه، ودفن وجوبًا) لأن أبا أيوب صلَّى على رِجل

(1)

. قاله أحمد

(2)

. وصلى عمر على عظام بالشام

(3)

. وصلى أبو عبيدة على رؤوس بعد تغسيلها وتكفينها

(4)

. رواها عبد الله بن أحمد

(5)

وقال الشافعي: ألقى طائر يدًا بمكة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فصلي عليها أهل مكة

(6)

. واستثني الشعر والظفر والسن؛ لأنه لا حياة فيها. (وينوي) بالصلاة (ذلك البعض فقط) أي: دون الجملة، لأنها غير

= في الأوسط، وفيه زكريا بن منظور، وثقة أحمد بن صالح وغيره، وضعفه جماعة. وقال البيهقي في سننه (10/ 203): والذي روي عن ابن عمر، وحذيفة في تكفير القدرية نصًا، موجود دلالة ظاهرة في الحديث الثابت عن ابن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان، مع تبري ابن عمر ممن نفى القدر.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 356).

وأورده الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 144).

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 479) رقم (669).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 356)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 410) رقم 3101، وضعفه.

(4)

أخرجه الشافعي في الأم (1/ 238). وابن أبي شيبة (3/ 356)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 410) رقم 3100، والبيهقي (4/ 18) وفي معرفة السنن والآثار (5/ 261 - 262)، وضعفه ابن المنذر.

قال ابن التركماني في الجوهر النقي: "في سنده مجهول، وقال ابن المنذر في الإشراف: لا يصح ذلك عنه".

(5)

مسائل عبد الله (2/ 479) رقم (669).

(6)

ذكره الشافعي فى: الأم (1/ 238)، والبيهقي (4/ 18).

قال ابن التركماني: وسنده بلاغ. وانظر التلخيص الحبير (2/ 144).

ص: 161

حاضرة بين يديه، ومحلُّ وجوب الصلاة على ذلك البعض (إن لم يكن صلى على جملته، وإلا) بأن كان صلى على جملته (سنت الصلاة) على ذلك البعض (ولم تجب) لتقدم الصلاة على جملته، وجعل الأكثر كالكل (ثم إن وجد الباقي) من الميت غسل وكفن وجوبًا، و (صلِّي عليه ودفن بجنبه) أي: جنب قبره، أو في جانب القبر (ولم ينبش) ما تقدم دفنه، ليضاف إليه الباقي؛ احترامًا له.

(ولا يُصلَّى على ما بان) أي: انفصل (من حيٍّ، كيدِ سارق ونحوه) كقاطع طريق وجانٍ، ومقطوع ظلمًا مادام حيًا.

(ولا يجوز أن يدفن المسلم في مقبرة الكفار، ولا بالعكس) بأن يدفن الكافر في مقبرة المسلمين، لما يأتي في أحكام الذمة من وجوب تمييزهم عنا.

(ولو جعلت مقبرة الكفار المندرسة مقبرة للمسلمين) بعد نقل عظامها إن كانت (جاز) كجعلها مسجدًا، ولعدم احترامهم (فإن بقي عظم) حربي (دفن بموضع آخر، وغيرُها) أي: غير مقبرة الكفار الدفن فيه (أولى إن أمكن) تباعدًا عن مواضع العذاب.

و (لا) يجوز (العكس) بأن تجعل مقبرة المسلمين الدارسة مقبرة للكفار، ولا نقل عظام المسلمين لتدفن بموضع آخر؛ لاحترامها.

(وإن اختلط من يصلَّى عليه بمن لا يصلَّى) بأن اختلط أموات من المسلمين والكفار (واشتبه) من يصلى عليه بمن لا يصلي عليه (كمسلم وكافر) اشتبها، ولو من غير اختلاط (صلى على الجميع، ينوي) الصلاة على (من يُصلى عليه) منهم؛ لأن الصلاة على

ص: 162

المسلمين واجبة، ولا طريق إليها هنا إلا بالصلاة على الجميع. وصفةُ الصلاة عليهم: أن يصفَّهم بين يديه ويصلِّي عليهم دفعة واحدة، وينوي بالصلاة المسلمين منهم؛ لأن الصلاة على الكافر لا تجوز، فلم يكن بُدٌّ من ذلك (بعد غسلهم وتكفينهم) لأن الصلاة على الميت لا تصح إلا بعد غسله وتكفينه مع القدرة على ذلك، فوجب أن يغسلوا ويكفنوا كلهم، وسواء كان ذلك في دار الإسلام أو غيرها، كثر المسلمون منهم أو قلوا (ودفنوا منفردين) عن المسلمين والكفار، كل واحد بمكان وحده (إن أمكن) ذلك لئلا يدفن مسلم مع كافر (وإلا) أي: وإن لم يمكن إفرادهم (فـ) ـإنهم يدفنون (مع المسلمين) احترامًا لمن فيهم من المسلمين.

(وإن وجد ميت فلم يُعلم أمسلم هو أم كافر؟ ولم يتميز بعلامة من ختان وثياب وغير ذلك، فإن كان في دار إسلام، غسل وصلِّي عليه، وإن كان في دار كفر، لم يغسل ولم يصلِّ عليه) لأن الأصل أن من كان في دار فهو من أهلها، يثبت له حكمهم، ما لم يقم على خلافه دليل، ولو مات من نعهده ذميًا، فشهد عدل أنه مات مسلمًا؛ لم يحكم بشهادته في توريث قريبه المسلم، وحكم بها في الصلاة عليه؛ بناء على ثبوت هلال رمضان بواحد.

(وتباح الصلاة عليه) أي: الميت (في مسجد، إن أمن تلويثه) قال الآجري: السنة أن يصلى عليه فيه؛ لقول عائشة: "صلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاءَ في المسجدِ" رواه مسلم

(1)

، وصُلِّي على أبي

(1)

في الجنائز، حديث 973، وفيه:"سهيل". وفي أيضًا صلاته صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سُهيل وأخيه.

ص: 163

بكر

(1)

وعمر

(2)

فيه، رواه سعيد، ولأنها صلاة فلم تكره فيه كسائر الصلوات (وإلا) أي: وإن لم يؤمن تلويث المسجد (حَرُمَ) أن يصلى على الميت فيه؛ خشية تنجيسه.

(وإن لم يحضره) أي: الميت (غير نساء، صلَّين عليه وجوبًا) لأن عائشة "أمرت أن تؤتى بأم سعد"

(3)

وكسائر الصلوات، ولضرورة الخروج عن عهدة الفرض، ويسقط بهن فرضها، والمراد بواحدة.

وتسن لهن (جماعة) نص عليه

(4)

(ويقدم منهن) للإمامة (من يقدم من الرجال) فإن كان الميت أوصى لإحداهن، قدمت على سائرهن، وإلا فأمه ثم جدته

(5)

، ثم امرأة من عصباته القربى فالقربى، ثم من أرحامه، وإن كان فيهن قاضية أو والية، قدمت؛ لأن ولايتها وإن لم

(1)

ليس في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 526) رقم 6576، وابن أبي شيبة (3/ 364)، والبيهقى (4/ 52).

قال ابن التركماني في الجوهر النقي (4/ 52): رجاله ثقات. وأشار إلى صحته ابن حزم في المحلى (5/ 163).

(2)

ليس في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه -أيضًا- مالك في الموطأ (1/ 320)، وعبد الرزاق (3/ 526) رقم 6577، وابن أبي شيبة (3/ 364)، وابن المنذر فى الأوسط (5/ 415) حديث 3113، والبيهقي (4/ 52) وفي معرفة السنن والآثار (5/ 318) حديث 7682، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وصحح إسناده ابن حزم في المحلى (5/ 163).

وقال النووي في الخلاصة (2/ 965): رواه البيهقي بإسناد صحيح.

(3)

كذا فى الأصول، والصواب:"أمرت أن تؤتى بسعد بن أبي وقاص" كما في صحيح مسلم في الجنائز، حديث 973، والبيهقي (4/ 51) عنها رضي الله عنها أنها أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه.

(4)

انظر الإفصاح (1/ 201)، والفروع (2/ 231).

(5)

ألحق في هذا الموضع في هامش "ذ" قوله: "ثم بنته، ثم بنتها".

ص: 164

تصح، إلا أنه يسوغ فيها الاجتهاد، فهي مزية، ذكره ابن قندس عن "الفصول"(وتقف) إمامتهن (في صفهن كمكتوبة) استحبابًا (وأما إذا صلَّى الرجال) على الجنازة قبل النساء (فإنهن يصلين فرادى) في وجه، قاله في "المبدع" ومقتضاه أن المقدم خلافه.

(وله) أي: المصلى (بصلاة الجنازة قيراط) من أجر (وهو أمر معلوم عند الله) تعالى، وذكر ابن عقيل: أنه قيراط نسبته من أجر صاحب المصيبة (وله بتمام دفنها قيراط آخر، بشرط أن يكون معها من الصلاة حتى تدفن) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، فله قيراط، ومن شهدهَا حتى تدفن، فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثلُ الجبلينِ العظيمينِ"

(1)

. ولمسلم: "أصغَرُهما مثلُ أحدٍ"

(2)

، وفي حديث آخر:"فكانَ معها حتى يصلى عليهَا، ويفرغَ من دفنها"

(3)

.

وسئل أحمد

(4)

عمن يذهب إلى مصلى الجنائز، فيجلس فيه متصديًا للصلاة على من يحضر من الجنائز، فقال: لا بأس، قال في "الفروع": وكأنه يرى إذا تبعها من أهلها فهو أفضل، قال في حديث يحيى بن جعدة:"وتبعها من أهلها" يعني: من صلى على جنازة فتبعها من أهلها، فله قيراط.

(1)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 59، حديث 1325، ومسلم في الجنائز، حديث 945 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

مسلم في الجنائز، حديث 945 (53).

(3)

أخرجه البخاري في الإيمان، باب 35، حديث 47، ومسلم في الجنائز، حديث 945.

(4)

انظر مسائل أبي داود ص/ 152.

ص: 165

‌فصل

(حمله ودفنه من فروض الكفاية)

وتقدم

(1)

(وكذا مؤنتهما) أي: مؤنة الحمل والدفن، فهي فرض كفاية، إن لم يخلف شيئًا ولم يكن له وارث، ولم يمكن الأخذ من بيت المال، والمراد على من علم به من المسلمين، كباقي مؤن التجهيز.

(ولا يختص أن يكون الفاعل) لحمل الميت ودفنه (من أهل القُربة) أي: مسلمًا (فلهذا يسقط) الحمل (بكافر) كالتكفين والدفن؛ لعدم اعتبار النية لها، بخلاف الغسل والصلاة.

(ويكره أخذ الأجرة على ذلك) أي: الحمل والدفن؛ لأنه يذهب بالأجر. (و) كذا يكره أخذ الأجرة (على الغسل) والتكفين، وتقدم

(2)

(فيوضع الميت على النعش) بعد أن يغسل ويكفن (مستلقيًا) على ظهره؛ لأنه أمكن.

(ويستحب إن كان) الميت (امرأة أن يستر) النعش (بمكبَّة فوق السرير، تعمل من خشب، أو جريد، أو قصب، مثل القبة فوقها ثوب) قال بعضهم: أول من اتخذ له ذلك زينب أم المؤمنين

(3)

، وقال ابن عبد البر: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من غطي نعشها في

(1)

(4/ 48).

(2)

(4/ 49).

(3)

أورد هنا القول ابن الأثير في أسد الغابة (7/ 127) والنووي في المجموع (5/ 221) بصيغة التمريض.

ص: 166

الإسلام، ثم زينب بنت جحش

(1)

.

(ويُسن أن يحمله أربعة؛ لأنه يُسن التربيع في حمله) لما روى سعيد وابن ماجه عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: "من اتبعَ جنازةٌ فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنه من السنة، ثم إن شاء فليطوع، وإن شاء فليدَعْ"

(2)

إسناده ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، (وكرهه) أي: التربيع في حمله (الآجري وغيره، مع الازدحام) على الجنازة.

(1)

الاستيعاب (4/ 1898).

وقد روى أبو نعيم في الحلية (2/ 43)، والحاكم (3/ 162)، والبيهقي (4/ 34، 35) أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أوصت أن يتخذ لها ذلك، ففعلوه. وأورده ابن الأثير في أسد الغابة (7/ 226)، والذهبي في سير أعلام النبلاء 2/ 129، والمزي في تهذيب الكمال (35/ 252) النووي في المجموع (5/ 221) وقال: إن صح هذا الخبر، فهي قبل زينب بسنين كثيرة.

(2)

ليس في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ورواه ابن ماجه في الجنائز، باب 15، حديث 1478، وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص 44/ حديث 332، وعبد الرزاق (3/ 512) حديث 6517، وابن أبي شيبة (3/ 283)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 487) حديث 927، والشاشي (2/ 341) حديث 937، والطبراني في الكبير (9/ 319) حديث 9597، والبيهقي (4/ 19)، والمزي في تهذيب الكمال (19/ 238).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 264): هذا إسناد موقوف رجاله ثقات وحكمه الرفع إلا أنَّه منقطع فإن أبا عبيدة اسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته لم يسمع من أبيه شيئًا. قاله أبو حاتم وأبو زرعة وعمرو بن مرة وغيرهم.

وأورده النووي في الخلاصة (2/ 995) وضعفه.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 110): قال الدارقطني: اختلف في إسناده على منصور بن المعتمر. وانظر: علل الدراقطني (5/ 305).

ص: 167

(وهو) أي: التربيع (أفضل من الحمل بين العمودين) لما تقدم (وصفته) أي: التربيع (أن يضع قائمة النعش اليسرى المقدمة) في حال السير، وهي التي تلي يمين الميت (على كتفه اليمنى، ثم ينتقل إلى) قائمة السرير اليسرى (المؤخّرة) فيضعها على كتفه اليمنى أيضًا، ثم يدعها لغيره (ثم يضع قائمته) أي: النعش (اليمنى المقدمة) وهي التي تلي يسار الميت (على كتفه اليسرى) ثم يدعها لغيره، (وينتقل إلى) قائمة السرير اليمنى (المؤخرة) فيضعها على كتفه اليسرى، فتكون البداءة من الجانبين بالرأس، والختام من الجانبين بالرجلين. نقله الجماعة عن أحمد

(1)

؛ لما فيها من الموافقة لكيفية غسله، حيث يبدأ بشقه الأيمن إلى رجله، ثم بالأيسر كذلك. لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم "كان يحبُّ التيامن في شأنه كلِّه"

(2)

.

(وإن حمل) الميت (بين العمودين) وهما القائمتان (كل عمود على عاتق، كان حسنًا، ولم يكره) نص عليه

(3)

في رواية ابن منصور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "حمل جنازةً سعد بن معاذ بين العمودَين"

(4)

وروي عن سعد

(5)

(1)

انظر كتاب الروايتين والوجهين (1/ 205)، والأوسط لابن المنذر (5/ 374).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 150) تعليق رقم 2.

(3)

انظر الأوسط لابن المنذر (5/ 376)، والفروع (2/ 259).

(4)

أخرجه ابن سعد (3/ 431)، عن شيوخ من بني عبد الأشهل.

وضعَّف إسناده النووي في المجموع (5/ 219)، وفي الخلاصة (2/ 994).

(5)

أخرجه الشافعي في الأوسط (1/ 269)، وابن سعد (3/ 135)، وابن أبي شيبة (3/ 272)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 375) حديث 3021، والبيهقي (4/ 20)، وفي معرفة السنن والآثار (5/ 264)، وذكره النووى في الخلاصة (2/ 994) وقال: رواه الشافعي والبيهقي، بإسناد على شرط الشيخين. وصححه في المجموع (5/ 219).

ص: 168

وابن عمر

(1)

وأبي هريرة

(2)

أنهم فعلوا ذَلك. قال في "الرعاية": إِن حمل بين العمودين فمن عند رأسه، ثم من عند رجليه. وفي "المذهب": من ناحية رجليه لا يصلح إلا التربيع. انتهى. لأن المؤخر إن توسط بين العمودين لم يَرَ ما بين قدميه، فلا يهتدي إلى المشي. فعلى هذا يحمل السرير ثلاثة: واحد من مقدمه، يضع العمودين المقدمين على عاتقيه، ورأسه بينهما، والخشبة المعترضة على كاهله، واثنان من مؤخره، أحدهما من الجانب الأيمن، والآخر من الجانب الأيسر يضع كل منهما عمودًا على عاتقه.

(ولا بأس بحمل طفل على يديه. و) لا بأس (بحمل الميت بأعمدة للحاجة) كجنازة ابن عمر. (و) لا بأس بحمل الميت (على دابة لغرض صحيح، كبعد) قبره (ونحوه) كسمن مفرط. قال في "الفروع" و"المبدع": وظاهر كلامهم: لا يحرم حملها على هيئة مزرية، أو هيئة يخاف معها سقوطها. قال في "الفروع": ويتوجه احتمال، وفاقًا للشافعي

(3)

.

(و‌

‌لا بأس بالدفن ليلًا)

أبو بكر دفن ليلًا

(4)

، وعليٌّ دفن فاطمة

(1)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 212)، وفي الأم (1/ 269)، وابن أبي شيبة (3/ 272)، والبيهقي (4/ 20) وفي معرفة السنن والآثار (5/ 264).

قال النووي في المجموع (5/ 219): والآثار المذكورة عن الصحابة رضي الله عنهم رواها الشافعي والبيهقي بأسانيد ضعيفة إلا الأثر عن سعد بن أبي وقاص فصحيح، والله أعلم.

(2)

رواه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 212)، وفي الأم (1/ 269)، والبيهقي (4/ 20)، وفي معرفة السنن والآثار (5/ 264)، وذكره البغوي في شرح السنة (5/ 337)، وانظر قول النووي في التعليق السابق. وانظر: المجموع (5/ 218).

(3)

الأم (1/ 269)، المجموع (5/ 221).

(4)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 94، حديث 1387 عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 169

ليلًا

(1)

: قاله أحمد

(2)

، وعن ابن عباس، "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ قبرًا، فأسرجَ له سراجٌ، فأخذ من قبل القبلة، وقال: رحمك اللهُ، إن كنت لأوَّاهًا تلَّاءً للقرآنِ" قال الترمذي: حديث حسن

(3)

، والدفن بالنهار

(1)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 38، حديث 4240، 4241، ومسلم في الجهاد، حديث 1759 في حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 492) رقم 687، ومسائل أبي داود ص / 151، ومسائل صالح (1/ 454) رقم 464.

(3)

الترمذي في الجنائز، باب 62، حديث 1057، وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الجنائز، باب 30، حديث 1520، وابن أبي شيبة (3/ 328)، والطبري في تفسيره (11/ 50)، وابن حبان في المجروحين (1/ 227)، والطبراني في الكبير (11/ 141) حديث 11295، وابن عدى (6/ 2331)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص / 281، حديث 320، وأبو نعيم في الحلية (1/ 122) والبيهقي (4/ 55)، والبغوى في شرح السنة (5/ 398).

قال البيهقي: هذا إسناد ضعيف. وقال النووي في المجموع (5/ 255): هو حديث ضعيف، فإن قيل: قد قال فيه الترمذي: حديث حسن، قلنا: لا يقبل قول الترمذي في هذا لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف عند المحدثين. ويحتمل أنه اعتضد عند الترمذي بغيره فصار حسنًا.

وقال مثل ذلك في الخلاصة (2/ 1017)، وكذا قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 423)، والزيلعي في نصب الراية (2/ 300). وذكر الذهبي هذا الحديث في ميزان الاعتدال (4/ 416) في ترجمة يحيى بن اليمان وقال: حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف.

وفي الباب: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخرجه أبو داود في الجنائز، باب 41، حديث 3164، والطحاوي (1/ 513) والطبراني في الكبير (2/ 182) حديث 1743، والحاكم (1/ 368)(2/ 345) وأبو نعيم في الحلية (3/ 351) والبيهقي (4/ 31، 53) وفي شعب الإيمان (1/ 418) حديث 584، 585، ولفظه: رأى ناس نارًا في المقبرة، فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، =

ص: 170

أولى؛ لأنه أسهل على متبعي الجنازة، وأكثر للمصلين عليها، وأمكن لاتباع السنة في دفنه وإلْحَادِه.

(ويكره) الدفن (عند طلوع الشمس، و) عند (غروبها، و) عند (قيامها) لقول عقبة: "ثلاث ساعاتٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانَا عن الصلاة فيهن، وأن نقبر فيهن موتَانا: حين تطلع الشمسُ بازغة حتَّى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ، وحين تتضيف الشمسُ للغروب حتَّى تغربَ" رواه مسلم

(1)

. ومعنى "تتضيف": تجنح وتميل للغروب. من قولك: تضيفت فلانًا، إذا ملت إليه.

(ويسن الإسراع بها) أي: بالجنازة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أسرعُوا بالجنازةِ، فإن تكُ صالحةً، فخير تقدمونَها إليهِ، وإن كانت غيرَ ذلكَ، فشرٌّ تضعونَهُ عن رقابِكُم" متفق عليه

(2)

. ويكون (دون الخَبَبِ) نص عليه

(3)

. وفي "المذهب": وفوق السعي. وفي "الكافي": لا يفرط في الإسراع فيمخضها ويؤذي متبعها. وقال القاضي: يستحب أن لا يخرج عن المشي المعتاد، ولكن يراعي الحاجة، نص عليه

(3)

؛

= وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال في الموضع الثاني: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال النووى في المجموع (5/ 255): رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم. وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 28): إسناده على شرط الصحيح. وقال أبو نعيم: هذا الحديث من مفاريد محمد بن مسلم الطائفي.

(1)

في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 831.

(2)

البخاري في الجنائز، باب 51، حديث 1315، ومسلم في الجنائز، حديث 944 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

انظر الفروع (2/ 260).

ص: 171

لحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه مر عليه بجنازةٍ تمخضُ مخضًا، فقال: عليكمْ بالقصدِ في جنائزِكم" رواه أحمد

(1)

. فإن خيف عليه التغير، أسرع. والخبب: ضرب من العَدْوِ، وهو خطو فسيح، دون العَنَق -بفتحتين- ضرب من السير فسيح سريع (ما لم يخف عليها منه) أي: من الإسراع، فيمشي بحيث لا يضرها.

(واتباعها) أي: الجنازة (سنة) وفي آخر "الرعاية": اتباعها فرض كفاية؛ لأمر الشارع به في الصحيحين، من حديث البراء قال:"أمرنَا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز"

(2)

.

(1)

لم نجده عند أحمد من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وإنما هو عنده (4/ 403، 406) من حديث أبي موسى رضي الله عنه، وأخرجه -أيضًا- من حديث أبي موسى رضي الله عنه ابن ماجه في الجنائز، باب 15، حديث 1479، والطيالسي ص/ 71 حديث 522، وابن أبي شيبة (3/ 281)، والبزار (8/ 136) حديث 3147، والروياني في مسنده (1/ 324) حديث 491، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 424) حديث 629، والطحاوي (1/ 478)، والبيهقي (4/ 22)، والخطيب في تاريخه (11/ 222، 323)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 34). قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 265): هذا إسناد ضعيف رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة به، وعن زائدة عن ليث، وليث بن أبي سليم تركه يحيى القطان وابن معين وابن مهدي وغيرهم، ومع ضعفه قد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ما يخالفه: أسرعوا بالجنازة، الحديث. .

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 113): في إسناده ضعف.

(2)

البخاري في الجنائز، باب 2، حديث 1239، وفي المظالم والغصب، باب 5، حديث 2445، وفي النكاح باب 71، حديث 5175، وفي الأشربة، باب 28، حديث 5635، وفي المرضى، باب 4، حديث 5650، وفي اللباس، باب 36، 45، حديث 5849، 5863، في الأدب، باب 124، =

ص: 172

(وهو) أي: اتباع الجنازة (حق للميت ولأهله) قال الشيخ تقي الدين

(1)

: لو قدر لو انفرد، -أي: الميت- لم يستحق هذا الحق، لمزاحم أو لعدم استحقاقه، تبعه لأجل أهله، إحسانًا إِليهم، لتألف أو مكافأة أو غيره، وذكر فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أُبي

(2)

.

(وذكر الآجري: أن من الخير

(3)

أن يتبعها لقضاء حق أخيه المسلم) قال في "الشرح": و‌

‌اتباع الجنازة على ثلاثة أضرب:

أحدها: أن يصلي عليها ثم ينصرف.

الثاني: أن يتبعها إلى القبر ثم يقف، حتَّى تدفن.

الثالث: أن يقف بعد الدفن، فيستغفر له، ويسأل الله له التثبيت، ويدعو له بالرحمة.

(ويكره لامرأة) اتباع الجنازة؛ لحديث الصحيحين عن أم عطية قالت: "نهينا عن اتباع الجنائزِ، ولم يعزم علينا"

(4)

. أي: لم يحتم علينا ترك اتباعها، بل نهينا نهي تنزيه.

= حديث 6222، وفي الاستئذان، باب 8، حديث 6235، وفي الأيمان والنذور، باب 9، حديث 6654، ومسلم في اللباس، حديث 2066.

(1)

انظر الاختيارات الفقهية ص/87.

(2)

أخرجه البخاري في الجنائر، باب 22، 77 حديث 1270، 2350، وفى الجهاد والسير، باب 142، حديث 3008، وفي اللباس، باب 8، حديث 5795، ومسلم في كتاب صفات المنافقين، حديث 2773 عن جابر رضي الله عنه.

(3)

في هامش "ح""لعله: الجبران".

(4)

البخاري في الجنائز، باب 29، حديث 1278، ومسلم في الجنائز، حديث 938.

ص: 173

(ويستحب كون المشاة أمامها) قال ابن المنذر

(1)

: ثبت "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ كانُوا يمشونَ أمامَ الجنازَةِ" ورواه أحمد عن ابن عمر

(2)

.

(1)

انظر الأوسط (5/ 380).

(2)

المسند (2/ 8، 37، 122) ورواه -أيضًا- أبو داود في الجنائز، باب 44، حديث 3179، والترمذي في الجنائز، باب 26، حديث 1007، 1008 والنسائي في الجنائز، باب 56، حديث 1943، وفي الكبرى (1/ 632) حديث 2071، وابن ماجه في الجنائز، باب 16، حديث 1482، والطيالسي (ص 250) حديث 1817، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 213) وفي الأم (1/ 272) والحميدي (2/ 276) حديث 607، وابن أبي شيبة (3/ 277)، والروياني في مسنده (2/ 397) حديث 1388، وأبو يعلى (9/ 297، 368، 398) حديث 5431، 5482، 5532، وابن المنذر في الأوسط (5/ 380) حديث 3035، والطحاوي (1/ 479، 480)، وابن حبان "الإحسان"(7/ 317 - 320) حديث 3045، 3046، 3047، 3048، وفي الثقات (6/ 479)، والطبراني في الكبير (12/ 221) حديث 13133 - 13136، وابن عدي (5/ 1666) والإسماعيلي في معجمه ص/ 314، والدارقطني (2/ 70)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 308)، وابن حزم في المحلى (5/ 165)، والبيهقي (4/ 23)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 85، 86، 87، 89)، والرافعي في التدوين (4/ 55)، والبغوي في شرح السنة (5/ 232) حديث 1488، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 11)، كلهم من طريق ابن عيينة وغيره عن الزهري، عن سالم، عن أبيه -موصولًا- قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر يمشون أمام الجنازة.

ورواه الترمذي في الجنائز، باب 26، حديث 1009، وعبد الرزاق (3/ 444) رقم 6259، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 336) من طريق معمر، ومالك في الموطأ (1/ 225) ومن طريقه الطحاوي (1/ 480) والخطيب في الفصل للوصل (1/ 337)، عن الزهري مرسلًا.

ولذا؛ اختلفت أقوال أهل العلم في ترجيح الوصل والإرسال، فرجح الترمذي والنسائي وأحمد الإرسال، قال الترمذي في سننه (3/ 330) -بعد ذكره من =

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رواه موصولًا، ومن رواه مرسلًا-:"وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح" وذكر عن ابن المبارك قوله: "حديث الزهري في هذا مرسل أصح من حديث ابن عيينة".

ونقل في العلل الكبير ص/ 144 عن الإمام البخاري أنَّه قال: "الصحيح عن الزهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة".

وقال النسائي في سننه الصغرى عقب روايته موصولًا: هذا خطأ، والصواب مرسل.

وقال في الكبرى (1/ 632) بعد روايته من طريق ابن عيينة -موصولًا-: هذا الحديث خطأ، وهم فيه ابن عيينة، خالفه مالك، رواه عن الزهري مرسلًا، وقال -أيضًا- عقب روايته من طرق أخرى، عن الزهري -موصولًا-: وهذا -أيضًا- خطأ والصواب مرسلًا، وإنما أتى هذا لأن الحديث رواه الزهري عن سالم، عن أبيه أنه كان يمشي أمام الجنازة، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، وقال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم" إنما هو من قول الزهري. وبنحوه قال الإمام أحمد. انظر المعجم الكبير للطبراني (12/ 221) حديث رقم 13133.

وأيدهم الخطيب في الفصل للوصل (1/ 331) قال: والحديث ليس بمسند، وإنما أدرج فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر وعثمان، وذلك أن الزهري كان يرويه عن سالم، أن ابن عمر كان يمشى أمام الجنازة، ثم يقول الزهري: وقد مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر وعثمان أمامها.

ورجح البيهقي في السنن الكبرى (4/ 24) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 11) والنووي في الخلاصة (2/ 999) وابن التركماني في الجوهر النقي الموصول، وأيدهم العلامة ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (4/ 316) -بعد أن استبعد أن يكون ابن عيينة وهم في الحديث، وقد توبع من جماعة ثقات- قال: فلأي شيء يحكم للمرسلين على الواصلين، وقد كان ابن عيينة مصرًا على وصله، ونوظر فيه فقال: الزهري حدثنيه مرارًا، فسمعته من فيه، يعيده ويبديه عن سالم، عن أبيه.

وأورد الحديث ابن دقيق العيد في كتابه الإلمام (1/ 288) الذي شرط ألا يورد =

ص: 175

ولأنهم شفعاء، والشفيع يتقدم المشفوع له

(1)

.

(ولا يكره) كون المشاة (خلفها) أي: الجنازة، بل قال الأوزاعي

(2)

: إنه أفضل؛ لأنها متبوعة.

(و) لا يكره أن يمشوا (حيث شاؤوا) عن يمينها أو يسارها، بحيث يعدون تابعين لها.

(و) يستحب أن يكون (الركبان، ولو في سفينة خلفها) لما روى المغيرة بن شعبة مرفوعًا: "الراكبُ خلفَ الجنازةِ". رواه الترمذي

(3)

،

= فيه إلا الأحاديث الصحيحة، وأشار إلى تضعيف قول من رجح إرساله، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 112): وجزم بصحته -أيضًا- ابن المنذر، وابن حزم في المحلى. وقال -أيضًا- في التلخيص الحبير (2/ 111): وقد ذكر الدارقطني في العلل اختلافًا كثيرًا فيه على الزهري، قال: والصحيح قول من قال عن الزهرى، عن سالم عن أبيه أنه كان يمشي، قال: وقد مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر (انظر التمهيد 12/ 87 - 91). والتلخيص الحبير (2/ 111 - 112).

وللحديث شاهد من حديث أنس رضي الله عنه رواه الترمذي في الجنائز باب 26، حديث 1010، وفي العلل الكبير ص/144 حديث 248، وابن ماجه في الجنائز، باب 16، حديث 1483، من طريق محمد بن بكر، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن أنس، مثله.

قال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا حديث خطأ، أخطأ فيه محمد بن بكر، وإنما يروى هذا الحديث عن يونس، عن الزهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم. فذكره. وحديث أنس هذا رواه الطحاوي (1/ 481، 482) من طريق أبي زرعة، ومحمد بن بكر عن يونس بن يزيد، به، وزاد: وخلفها.

(1)

في "ح": "على المشفوع له".

(2)

انظر الأوسط لابن المنذر (5/ 383).

(3)

في الجنائز، باب 42، حديث 1031، ورواه - أيضًا - أبو داود في الجنائز، =

ص: 176

وقال: حسن صحيح. ولأن سيره أمامها يؤذي متبعها (فلو ركب وكان أمامها) أي: الجنازة (كره) قاله المجد. قال النخعي: كانوا يكرهونه. رواه سعيد

(1)

.

(ويكره ركوب) متبع الجنازة؛ لحديث ثوبان قال: "خرجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازةٍ، فرأى ناسًا ركبانًا، فقال: ألا تَسْتَحْيُون؟ إن ملائكةَ اللهِ على أقدامِهم، وأنتمْ على ظهورِ الدوابِّ! " رواه الترمذي

(2)

. (إلا لحاجة) كمرض، (و) إلا (لعود) فلا يكره؛ لما روى جابر بن سمرة: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تبعَ جنازةَ ابن الدحداحِ ماشيًا، ورجع

= باب 49، حديث 3180، والنسائي في الجنائز، باب 55، 56، حديث 1941، 1942، والطيالسي ص / 96، حديث 701، وأحمد 4/ 248، 252، والطبراني في الكبير (20/ 430، 431) حديث 1042، 1044، 1045، 1046، وأبو الشيخ في طبقات المحدثون (1/ 308)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 294، حديث 333، والحاكم (1/ 363)، والبيهقي (4/ 8، 24). قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط البخاري. ووافقه الذهبي. وانظر: علل الدارقطني (7/ 134).

(1)

لم نجده في المطبوع من سننه. وانظر النوادر والزيادات للقيرواني (1/ 570 - 571).

(2)

في الجنائز، باب 28، حديث 1012. ورواه -أيضًا- ابن ماجه في الجنائز باب 15، حديث 1480، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 273) حديث 476، (2/ 338) حديث 1452، والحاكم (1/ 356)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 118)، والبيهقي (4/ 23). قال الترمذي: حديث ثوبان قد روى عنه موقوفًا. قال محمد: الموقوف منه أصح. وقال البيهقي: ورواه ثور بن يزيد عن راشد بن سعد موقوفًا عن ثوبان، وفي ذلك دلالة على أن الموقوف أصح، وكذا قال البخاري. وضعَّفه النووي في الخلاصة (2/ 1002).

وأخرجه البيهقي (4/ 23) عن ثوبان موقوفًا، وقال: هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد موقوف.

ص: 177

على فرسٍ"

(1)

. قال الترمذي: حديث صحيح.

(والقرب منها أفضل) من البعد عنها (فإن بعد) عن الجنازة، فلا بأس (أو تقدم) الجنازة (إلى القبر، فلا بأس) بذلك، أي: لا كراهة فيه.

(و‌

‌يكره أن يتقدم) الجنازة (إلى موضع الصلاة عليها.

و) يكره (أن تتبع) الجنازة (بنار) للخبر

(2)

. قيل: سبب الكراهة كونه من شعار الجاهلية. وقال ابن حبيب المالكي

(3)

: تفاؤلًا بالنار (إلا لحاجة ضوء) فلا يكره إذن للحاجة (وأن تتبع بماء ورد ونحوه. ومثله التبخير عند خروج روحه) يكره في ظاهر كلامهم. وقاله مالك

(4)

وغيره؛ لأنه بدعة.

(ويكره جلوس من تبعها) أي: الجنازة (حتى توضع بالأرضِ للدفن) نص عليه

(5)

، ونقله الجماعة، لحديث أبي سعيد مرفوعًا: "إذا تبعتُم الجنائز

(6)

فلا تجلِسُوا حتى توضَعَ" رواه أبو داود

(7)

، وروي

(1)

رواه الترمذي في الجنائز، باب 29، حديث 1014. ورواه -أيضًا- ابن عدي (2/ 849). ورواه مسلم في الجنائز حديث 965، وغير واحد بنحوه.

(2)

سيأتي تخريجه (4/ 180) تعليق رقم (5).

(3)

انظر النوادر والزيادات للقيرواني (1/ 570)، والمنتقى في شرح الموطأ للباجي (2/ 10)، وشرح الموطأ للزرقاني (2/ 57).

(4)

انظر التاج والإكليل (2/ 238)، ومواهب الجليل (2/ 238).

(5)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 190) رقم 949، ومسائل صالح (2/ 132) رقم 698.

(6)

في "ح": "الجنازة" وهو الموافق لرواية أبي داود.

(7)

في الجنائز، باب 42، حديث 3173. ورواه -أيضًا- مسلم في الجنائز، حديث 995 (76)، ورواه البخارى في الجنائز، باب 49، حديث 1310، بنحوه.

ص: 178

عن أبي هريرة، وفيه:"حتى توضعَ بالأرضِ"

(1)

. (إلا لمن بعد عنها) أي: عن الجنازة، فلا يكره جلوسه قبل وضعها بالأرض، لما في انتظاره قائمًا من المشقة.

(وإن جاءت) الجنازة (وهو جالس، أو مرت به) وهو جالس (كره قيامه لها) لحديث علي قال: "رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قامَ فقُمْنا تبعًا لهُ، وقعد فقعدنا تبعًا له، يعنى: في الجنازةِ" رواه مسلم وأحمد

(2)

. وعن ابن سيرين قال: "مُرَّ بجنازةٍ على الحسنِ بن عليٍّ، وابن عباسٍ، فقام الحسنُ، ولم يقمْ ابنُ عباس، فقال الحسنُ لابن عباس: أما قَام لَها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ ابنُ عباسٍ: قامَ ثم قعد". رواه النسائي

(3)

.

(1)

رواه البيهقي (4/ 26) من طريق الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه ابن حبان "الإحسان"(7/ 373) حديث 3106، من طريق أبي معاوية عن سهيل بن أبي صالح، به، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مع الجنازة، لم يجلس حتى توضع في اللحد، أو حتى تدفن. ورواه الحاكم (1/ 356) من طريق أبي معاوية بالإسناد المذكور. ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مع الجنازة لم يجلس حتى يرفع أو يوضع. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ورجح أبو داود (3/ 519) والبيهقي رواية سفيان الثوري، قالا: وسفيان أحفظ من أبى معاوية.

ورواه النسائي في الجنائز، باب 45، حديث 1917، عن أبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهما بلفظ: ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط، فجلس حتى توضع.

(2)

مسلم في الجنائز، حديث 962، وأحمد (1/ 83).

(3)

في الجنائز، باب 47، حديث 1924. ورواه -أيضًا- أحمد (1/ 337). ورواه -أيضًا- النسائي، حديث 1923، وعبد الرزاق (3/ 460) 6313، وابن أبي شيبة (3/ 358 - 359)، وأحمد (1/ 200 - 201)، والطبراني في الكبير (3/ 88 - 89) 2743 - 2747 بنحوه. =

ص: 179

(وكان) الإمام (أحمد إذا صلى على جنازة -هو وليها- لم يجلس حتى تدفن) نقله المروذي.

(ونقل حنبل

(1)

: لا بأس بقيامه على القبر حتى تدفن؛ جبرًا وإكرامًا) ووقف عليٌّ على قبر، فقيل:"ألا تجلسُ يا أميرَ المؤمنينَ؟ فقال: قليلٌ على أخينَا قيامُنا على قبرِه"

(2)

. ذكره أحمد محتجًا به

(3)

.

(ويكره رفع الصوت والضجَّة

(4)

عند رفعها) لأنه محدث (وكذا) رفع الصوت (معها) أي: مع الجنازة (ولو بقراءة أو ذكر) لنهي النبي صلى الله عليه وسلم "أن تتبعَ الجنازةُ بصوتٍ أو نارٍ". رواه أبو داود

(5)

. (بل يسن)

= وأعل بالانقطاع، فإن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما. قال شعبة: أحاديث محمد بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما إنما سمعها محمد عن عكرمة لقيه أيام المختار، ولم يسمع ابن سيرين من ابن عباس شيئًا. وبنحوه قال الإمام أحمد. انظر المراسيل لابن أبي حاتم (186).

ورواه النسائي أيضًا في الجنائز، باب 47، حديث 1925، والبيهقي (4/ 28) عن أبي مجلز لاحق بن حميد، عن ابن عباس والحسن بن علي بنحوه.

(1)

انظر الفروع (2/ 262).

(2)

رواه ابن عبد البر في التمهيد (23/ 268 - 269).

ورواه ابن أبي شيبة (3/ 336) بلفظ: أن عليًّا قام على قبر حتى دفن، وقال: ليكن لأحدكم قيام على قبره حتى يدفن.

وقد روي في هذا المعنى حديث مرفوع عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على قبر حتى دفن. رواه ابن عبد البر في التمهيد (23/ 269 - 270)، وحسنه.

(3)

انظر الفروع (2/ 262).

(4)

قوله: "والضجة" ليس في "ح".

(5)

في الجنائز، باب 42، حديث 3171، ورواه -أيضًا- أحمد (2/ 427، 528، 532)، والبيهقي (3/ 394 - 395)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 418) حديث 1504، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. =

ص: 180

القراءة والذكر (سرًا) وإلا الصمت.

(ويُسن) لمتبع الجنازة (أن يكون متخشعًا، متفكرًا في مآله) أي: أمره الذي يؤول إليه، ويرجع (متعظًا بالموت، وبما يصير إليه الميت) قال سعد بن معاذ: "ما تبعتُ جنازةً فحدثتُ نفسي بغير ما هُو مفعولٌ

= قال ابن الجوزي: لا يثبت؛ في رجلان مجهولان.

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 138): وهذا إسناد منقطع.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 53): لا يصح وإن كان متصلًا للجهل بحال ابن عمير راويه عن رجل عن أبيه عن أبي هريرة.

وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 311) وابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 22): في إسناده رجلان مجهولان.

وقال النووي في الخلاصة (2/ 1003): رواه أبو داود عن مجهولين.

قال ابن التركماني: في الحديث ثلاثة مجاهيل: الراوي عن أبي هريرة، وابنه، وباب بن عمير، فسكت البيهقي عنهم.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير مع الفيض (6/ 387) ورمز لحسنه.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: رواه ابن أبي شيبة (3/ 272)، وأبو يعلى (5/ 38) حديث 2627، ولفظه: نهى أن يتبع الميت صوت أو نار.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 29) وقال: رواه أبو يعلى وفيه عبد الله بن المحرر، ولم أجد من ذكره. قلنا: قد ذكره الجوزجاني في أحوال الرجال (1/ 180) وقال: هالك. وقال الحافظ في التقريب (3598): متروك.

ب - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: رواه ابن أبي شيبة (3/ 272)، ولفظه: لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار. وفيه رجل مبهم. وانظر: علل الدارقطني (11/ 243).

جـ - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: رواه ابن ماجه في الجنائز، باب 51، حديث 1583، وعبد الرزاق (3/ 457) حديث 6302، وأحمد (2/ 92) والطحاوي (1/ 484)، وابن حبان في المجروحين (1/ 254)، والطبراني في الكبير (12/ 307، 310)، حديث 13484، 13498، وفي الأوسط =

ص: 181

بِهَا"

(1)

.

(ويكره) لمتبع الجنازة (التبسم، والضحك أشدُّ منه، والتحدث في أمر الدنيا.

وكذا مسحه بيديه

(2)

أو بشيء عليها تبركًا) وقيل بمنعه كالقبر، وأولى. قال أبو المعالي: هو بدعة، يخاف منه على الميت. قال: وهو قبيح في الحياة، فكذا بعد الموت، وفي "الفصول": يكره. قال: ولهذا منع أكثر العلماء من مس القبر، فكيف بالجسد؟! ولأنه بعد الموت كالحياة، ثم حال الحياة يكره أن يمس بدن الإنسان؛

= (10/ 210) حديث 9457، وأبو نعيم في الحلية (6/ 66) وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 529) حديث 1756، ولفظه: نهينا أن نتبع جنازة معها رانة. وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 282).

وذكره السيوطي في الجامع الصغير مع الفيض (6/ 349) ورمز لضعفه.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (13/ 377) والطبراني في الكبير (6/ 5 - 6) حديث 5321 - 5322، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 308) وقال: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما عن أبي سلمة مرسلًا، والآخر عن الماجشون منقطعًا، وفي إسناده من لم أعرفه.

وأخرج ابن المبارك في الزهد ص/ 82 رقم 243، وأحمد (4/ 351)، والطبراني في الكبير (1/ 205) حديث 554، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 259) حديث 880، والحاكم (3/ 288)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 11) حديث 9274، والضياء في المختارة (4/ 275) حديث 1470، وابن عساكر في تاريخه (9/ 89) عن عائشة رضي الله عنها أن أسيد بن حضير رضي الله عنه كان يقول: .. ما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بسوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 310) وقال: رواه الطبراني، وأحمد بنحوه، ورجاله وثقوا.

(2)

في "ح": "بيده".

ص: 182

للاحترام وغيره سوى المصافحة. وروى الخلال

(1)

في "أخلاق أحمد": أن علي بن عبد الصمد

(2)

الطيالسي مسح يده على أحمد، ثم مسحها على يديه، وهو ينظر، فغضب شديدًا، وجعل ينفض يده ويقول: عمن أخذتم هذا؟! وأنكره شديدًا.

(وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له، ونحوه بدعة) عند أحمد وكرهه (وحرَّمه أبو حفص) نقل ابن منصور: ما يعجبني

(3)

. وروى سعيد أن ابن عمر

(4)

وسعيد بن جبير

(5)

قالا لقائل ذلك: "لا غفر الله لك".

(ويحرم أن يتبعها مع منكر، وهو عاجز عن إزالته، نحو طبل ونياحة، ولطم نسوة، وتصفيق، ورفع أصواتهن) لأنه يؤدي إلى استماع محظور، ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك، وعنه: يتبعها وينكره بحسبه، وفاقًا لأبي حنيفة

(6)

. (فإن قدر) على إزالته، (تبع) الجنازة (وأزاله) أي: المنكر (لزومًا) لحصول المقصودين. قال في "الفروع": فيعايا بها (فلو ظن إن اتبعها أزيل المنكر؛ لزمه) اتباعها، إجراءً للظن مجرى العلم.

(1)

هو أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الإمام العلامة صاحب التصانيف وجامع علوم الإمام أحمد وأصحابه. توفي سنة 311 هـ رحمه الله. انظر طبقات الحنابلة (2/ 12)، وكتابه "أخلاق أحمد" لم يطبع. والقصة المذكورة في طبقات الحنابلة (1/ 228) في ترجمة علي بن عبد الله الطيالسي.

(2)

في طبقات الحنابلة (1/ 228): علي بن عبد الله.

(3)

انظر الفروع (2/ 264).

(4)

لم نجده في المطبوع من سننه، ولم نقف عليه عند غيره.

(5)

لم نجده في المطبوع من سننه. ورواه عبد الرزاق (3/ 439) رقم 6243، وابن أبي شيبة (3/ 273).

(6)

انظر بدائع الصنائع (1/ 310).

ص: 183

(وضرب النساء بالدف منكر منهي عنه اتفاقًا، قاله الشيخ)

(1)

ومن دعي لغسل ميت، فسمع طبلًا أو نَوْحًا، ففيه روايتان، نقل المروذي في طبل: لا

(2)

. ونقل أبو الحارث وأبو داود في نَوْح: يغسِّله، وينهاهم

(3)

. قال في "تصحيح الفروع": الصواب إن غلب على ظنه زوال الطبل والنَّوْح بذهابه، ذهب وغسَّله. وإلا، فلا.

‌فصل في دفن الميت

وتقدم أنه فرض كفاية، وقد أرشد الله قابيل إلى دفن أخيه هابيل، وأبان ذلك ببعث غراب يبحث في الأرض، ليريه كيف يواري سوأة أخيه، وقال تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}

(4)

أي: جامعة للأحياء في ظهرها بالمساكن، والأموات في بطنها بالقبور، والكفت: الجمع. وقال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}

(5)

قال ابن عباس: "معناه: أكرمه بدفنه"

(6)

.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 132.

(2)

الورع للمروذي ص/ 155، وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص/ 85، 86.

(3)

انظر مسائل أبي داود ص/ 139، وانظر كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص / 85، 86.

(4)

سورة المرسلات، الآية: 25، 26.

(5)

سورة عبس، الآية:21.

(6)

لم نقف عليه.

ص: 184

(ويسن أن يُدْخَل قبره من عند رجليه) أي: رجلي القبر (إن كان أسهل عليهم) لأنه صلى الله عليه وسلم "سُلَّ من قبلِ رأسهِ سلًّا"

(1)

وعبد الله بن يزيد

(2)

أدخل الحارث

(3)

قبره من قبل رجل القبر، وقال:"هذا من السنة" رواه أحمد

(4)

. ولأنه ليس بموضع توجه، بل دخول، فدخول الرأس أولى، كعادة الحي؛ لكونه مجمع الأعضاء الشريفة.

(وإلا) أي: وإن لم يكن إدخاله القبر من عند رجليه أسهل،

(1)

أخرجه الشافعي في مسنده (1/ 215 - ترتيبه)، ومن طريقه البيهقي (4/ 54)، والبغوي في شرح السنة (5/ 397) حديث 1514، عن الثقة، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه النووي في المجموع (5/ 242)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 269). وضعفه ابن التركماني قال: مشهور عند أهل هذا الشأن أن قولهم: عن الثقة، ليس بتوثيق، وعمر بن عطاء ضعفه يحيى والنسائي. وقال مرة: ليس بشيء.

وأخرجه -أيضًا- الشافعي في مسنده (1/ 215 - ترتيبه)، وعبد الرزاق (3/ 499) رقم 6469، والبيهقي (4/ 54)، عن ابن جريج، عن عمران بن موسى "أن رسول الله سُلَّ. . . ". وهو مرسل كما ذكر الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 128).

(2)

في "ح": "زيد" وهو خطأ، وعبد الله بن يزيد هو عبد الله بن يزيد بن زيد بن حِصْن، صحابي صغير، شهد بيعة الرضوان وهو صغير، قال الدارقطني: له ولأبيه صحبة. مات في زمن ابن الزبير. (انظر الإصابة 6/ 244).

(3)

وهو الأعور - كما جاء مصرحًا به في رواية عبد الرزاق، وهو ابن عبد الله صاحب علي رضي الله عنه، توفي في خلافة ابن الزبير. (التقريب 1036).

(4)

لم نقف عليه عند أحمد. وقد أخرجه أبو داود في الجنائز، باب 67، حديث 3211، وعبد الرزاق (3/ 498) رقم 6465، وابن سعد (6/ 169) وابن أبي شيبة (3/ 328)، والبيهقي (4/ 54)، وقال: هذا إسناد صحيح، وقد قال: هذا من السنة فصار كالمسند. وصححه ابن حزم في المحلى (5/ 178) والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 129).

ص: 185

أدخل (من حيث سهل) دفعًا للضرر والمشقة.

(ثم) إن سهل كل من الأمرين، فهما (سواء) من غير ترجيح لأحدهما على الآخر.

(و‌

‌لا توقيت في عدد من يدخله) القبر

(من شفع أو وتر، بل) يكون ذلك (بحسب الحاجة) كسائر أموره.

(ويكره أن يُسجَّى قبر رجل) لما روي عن علي: "أنه مرّ بقومٍ وقد دفنوا ميتًا، وبسطُوا على قبرِه الثوبَ، فجذَبَهُ، وقال: إنما يُصنَع هذَا بالنساء"

(1)

، ولأن كشفه أبعد من التشبه بالنساء، مع ما فيه من اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا لعذر مطر أو غيره) فلا يكره إذن.

(ويُسن) أن يسجى (لامرأة

(2)

) لأنها عورة، ولأنه لا يؤمن أن يبدو منها شيء، فيراه الحاضرون، وبناء أمرها على الستر. والخنثى كالأنثى في ذلك؛ احتياطًا.

(ومن مات في سفينة وتعذر خروجه إلى البر) لبعدهم عن الساحل

(1)

أخرجه البيهقي (4/ 54). عن علي بن الحكم، عن رجل من أهل الكوفة، عن علي رضي الله عنه، وقال: وهو في معنى المنقطع؛ لجهالة الرجل من أهل الكوفة.

ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 498، 500) رقم 6465، 6476، وابن سعد (6/ 169)، وابن أبي شيبة (3/ 326)، والبيهقي (4/ 54)، عن أبي إسحاق، قال: شهدت جنازة، فمدوا على قبره ثوبًا فكشفه عبد الله بن يزيد، قال: إنما هو رجُل. وقال البيهقي: وهذا إسناد صحيح، وإن كان موقوفًا.

وصححه -أيضًا- ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 270)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 129).

(2)

في "ذ""يسجى قبرٌ لامرأة".

ص: 186

مثلًا (ثُقل بشيء بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه) ليستقر في قرار البحر. نص عليه

(1)

(وألقي في البحر سلًّا، كإدخاله القبر.

وإن مات في بئر، أُخرِجَ) وجوبًا ليغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وإن أمكن معالجة البئر بالأكسية المبلولة تدار فيها، حتى تجتذب البخار، ثم ينزل من يطلعه، أو أمكن إخراجه بكلاليب ونحوها من غير مثلة، وجب ذلك؛ لتأدية فرض غسله، ويمتحن زوال البخار إذا شك فيه بسراج ونحوه، فإن انطفأ فهو باقٍ، وإلا فقد زال؛ لأن العادة أن النار لا تبقى إلا فيما يعيش فيه الحيوان. (فإن تعذر) إخراجه بالكلية، أو لم يمكن إلا متقطعًا ونحوه (طمت) البئر (عليه) لتصير قبرًا له؛ لأنه لا ضرورة إلى إخراجه متقطعًا. وهذا حيث لا حاجة إلى البئر (ومع الحاجة إليها، يخرج مطلقًا) أي: ولو متقطعًا؛ لأن مثلة الميت أخف ضررًا مما يحصل

(2)

بطم البئر وتعطيلها.

(وأولى الناس بتكفين) ميت مطلقًا (ودفن) رجل (أولاهم بغسل) الميت، وذكر المجد وابن تميم: أنه يستحب أن يتولى دفن الميت غاسله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم "ألحدهُ العباسُ وعليٌّ وأسامةُ" رواه أبو داود

(3)

. وكانوا هم الذين تولوا غسله، ولأن المقدم بغسله أقرب إلى

(1)

انظر مسائل عبد الله (2/ 459). رقم 643، ومسائل صالح (2/ 406) رقم 1085.

(2)

في "ذ""مما يحصل لهم بطم".

(3)

في الجنائز، باب 66، رقم 3209. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (2/ 300)، وابن أبي شيبة (3/ 324) و (14/ 557)، والبيهقي (4/ 53) من طريق عامر الشعبي مرسلًا، بلفظ "غسل رسول الله عليٌّ والفضلُ وأسامةُ بنُ زيد، وهم أدخلوه قبره" قال النووي في المجموع (5/ 238): وأسانيده مختلفة فيها ضعف. =

ص: 187

ستر أحواله، وقلة الاطلاع عليه.

(والأولى للأحق أن يتولاه بنفسه) لأنه أبلغ في ستره، وقلة الاطلاع عليه (ثم بنائبه) لقيامه مقامه إلا أن يكون وصيًا، على قياس ما تقدم في الصلاة عليه.

(ثم) الأولى (من بعدهم) أي: بعد المذكورين في تغسيل الرجل الأولى (بدفن رجل الرجال الأجانب) فيقدمون على أقاربه من النساء؛ لأنهن يضعفن عن إدخاله القبر، ولأن الجنازة يحضرها جموع الرجال غالبًا، وفي نزول النساء القبر بين أيديهن

(1)

تعريض لهن بالهتك والكشف بحضرة الرجال.

(ثم) الأولى (محارمه من النساء، ثم الأجنبيات) للحاجة إلى دفنه، وعدم غيرهن.

(و) الأولى (بدفن امرأة محارمها الرجال) الأقرب فالأقرب؛ لأن امرأة عمر لما توفيت قال لأهلها: "أنتمْ أحقُّ بها"

(2)

. ولأنهم أولى الناس بولايتها حال الحياة، فكذا بعد الموت.

(ثم) إن عدموا فالأولى (زوجها) لأنه أشبه بمحرمها من النسب

= وأخرج عبد الرزاق (3/ 475) رقم 6381، وابن أبي شيبة (3/ 324) من طريق الزهري عن ابن المسيب قال: ولي غسل النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه وإجنانه [أي: ستره] دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم ولحدوا له.

(1)

في "ح": "أيديهم" وهو الصواب.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 250 - 251، 363) عن مسروق قال: ماتت امرأة لعمر فقال: أنا كنت أولى بها إذ كانت حية، فأما الآن فأنتم أولى بها.

ص: 188

من الأجانب.

(ثم الرجال الأجانب) لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين ماتت ابنته "أمرَ أبا طلحةَ فنزلَ في قبرِهَا"

(1)

وهر أجنبي، ومعلوم أن محارمها كنَّ هناك كأختها فاطمة. ولأن تولي النساء لذلك لو كان مشروعًا لفعل في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر خلفائه، ولم ينقل.

(ثم محارمها النساء) القربى فالقربى منهن كالرجال (ويقدم من الرجال) بدفن امرأة (خصي، ثم شيخ، ثم أفضل دينًا ومعرفة، ومن بَعُد عهده بجماع أولى ممن قرب) عهده به.

قلت: والخنثى كامرأة في ذلك؛ احتياطًا.

(و‌

‌لا يكره للرجال) الأجانب (دفن امرأة، وثَمَّ محرم)

لها. نص عليه

(2)

، لما تقدم في قصة أبي طلحة، قال في "الفروع": ويتوجه احتمال بحملها من المغتسل إلى النعش، ويسلمها إلى من في القبر، ويحل عقد الكفن، وقاله الشافعي في "الأم"

(3)

، وبعض أصحابه

(4)

.

(واللحد) بفتح اللام، والضم لغة (أفضل) من الشق؛ لما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي مات فيه: "الحدُوا

(1)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 33، 72، حديث 1285، 1342، عن أنس رضي الله عنه.

(2)

انظر الفروع (2/ 267).

(3)

(1/ 283).

(4)

انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 102)، والمجموع (5/ 238 - 239)، ومغني المحتاج (1/ 352).

ص: 189

لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللبن نصبًا، كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم"

(1)

.

(وهو) أي: اللحد في الأصل: الميل، والمراد هنا (أن يحفر في أرض القبر) أي: في أسفل حائط القبر (مما يلي القبلة مكانًا يوضع فيه الميت) ولا يعمق تعميقًا ينزل فيه جسد الميت كثيرًا، بل بقدر ما يكون الجسد غير ملاصق لِلَّبِن.

(ويكره الشق) قال أحمد: لا أحب الشقَّ

(2)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اللحدُ لنا، والشقُّ لغيرنا". رواه أبو داود والترمذي وغيرهما

(3)

، لكنه ضعيف.

(1)

مسلم في الجنائز، حديث 966.

(2)

انظر المغني (3/ 428)، والفروع (2/ 268).

(3)

أبو داود في الجنائز، باب 65، حديث 3208، والترمذي في الجنائز، باب 53، حديث 1045، والنسائي في الجنائز، باب 85، حديث 2008، وابن المنذر في الأوسط (5/ 450) حديث 3192، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 266) حديث 2844، والطبراني في الكبير (12/ 29) حديث 12396، والبيهقي (3/ 408)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 297)، والبغوي في شرح السنة (5/ 389) حديث 1511 من طريق عبد الأعلى بن عامر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

واختلف قول النقاد فيه:

قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

ونقل ابن عدي (5/ 1953): عن الإمام أحمد أنه قال: عبد الأعلى بن عامر منكر الحديث عن سعيد بن جبير.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 211): كان ابن مهدي لا يحدث عنه ووصف اضطرابه، فأرى هذا الحديث لا يصح لأجله.

وقال النووي في المجموع (5/ 248) والخلاصة (2/ 1013): وإسناده ضعيف، لأن مداره على عبد الأعلى بن عامر، وهو ضعيف عند أهل الحديث. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 127): وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر، وهو ضعيف، وصححه ابن السكن. =

ص: 190

(وهو: أن يُبنى جانبا القبر بلبن أو غيره) ويسمونه ببلاد مصر: منامة (أو يشق) أي: يحفر (وسطه) أي: القبر (فيصير) وسطه (كالحوض، ثم يوضع الميت فيه) أي: في شبه الحوض (ويسقف عليه ببلاط أو غيره) كأحجار كبيرة.

(فإن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد، شق فيها للحاجة) وإن أمكن أن يجعل فيها شبه اللحد من الجنادل واللّبِن والحجارة،

= وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 401 مع الفيض) ورمز لصحته.

وله شاهد من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عند ابن ماجه في الجنائز، باب 39، حديث 1555، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (1/ 372) والطيالسي ص/ 92 حديث 669، وعبد الرزاق (3/ 477) حديث 6385، والحميدي (2/ 353) حديث 808، وابن سعد (2/ 294 - 295)، وابن أبي شيبة (3/ 322)، وأحمد (4/ 357، 359، 362)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 412) حديث 406، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 258 - 260) حديث 2828، 2830، 2831، والمحاملي في أماليه ص/ 349 حديث 383، 384، والطبراني في الكبير (2/ 317 - 318) حديث 2319 - 2326، وابن عدي (4/ 1329)، (5/ 1814) والدارقطني في العلل (4/ الورقة 109)، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين ص/ 40 رقم 25، وأبو نعيم في الحلية (4/ 203)، والبيهقي (3/ 408)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 297)، والخطيب في الموضح (2/ 263)، والبغوي في شرح السنة (5/ 390) حديث 1512.

قال النووي في المجموع (5/ 248): رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وإسناده أيضًا ضعيف. وضعفه الحافظ ابن حجر في الدراية (1/ 239) وفي التلخيص الحبير (2/ 127) وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 159 مع الفيض) بلفظ: ألحدوا، ولا تشقوا، فإن اللحد لنا، والشق لغيرنا. ورمز لضعفه. وذكره - أيضًا - (5/ 401 مع الفيض) مختصرًا ورمز لصحته. وانظر: نصب الراية (2/ 296).

ص: 191

جعل. نص عليه

(1)

، ولم يعدل إلى الشق؛ لما تقدم.

(ويسن تعميقه) أي: القبر بلا حدٍّ (وتوسعته بلا حدٍّ) لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: "احفرُوا وأوسعُوا وأعمقُوا". قال الترمذي: حديث حسن صحيح

(2)

. ولأن تعميق القبر أنفى لظهور الرائحة التي تستضر بها الأحياء، وأبعد لقدرة الوحش على نبشه، وآكد لستر الميت.

والتوسيع: الزيادة في الطول والعَرْض: روى البيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفار: "أوسعْ من قبلِ الرأسِ، ومن قبل الرجْليْن"

(3)

.

والتعميق - بالعين المهملة - الزيادة في النزول.

(وقال الأكثر: قامة وسطًا وبسطة، وهي بسط يده قائمة ويكفي ما) أي: التعميق

(4)

(يمنع الرائحة والسباع) لأنه لم يرد فيه تقدير، فيرجع فيه إلى ما يحصل المقصود.

(و) يسن أن (ينصب عليه) أي: على الميت بعد وضعه في اللحد (اللَّبِن نصبًا) لما تقدم عن سعد بن أبي وقاص

(5)

(وهو) أي: اللبن

(1)

انظر الفروع (2/ 268).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 126)، تعليق رقم (1). وهذه الفقرة رواها - أيضًا - ابن ماجه في الجنائز، باب 41، حديث 1560.

(3)

البيهقي (3/ 414) و (5/ 335). وأخرجه - أيضًا - أبو داود في البيوع، باب 3، حديث 3332، وعبد الرزاق (3/ 508) حديث 6500، وأحمد (5/ 408)، والدارقطني (4/ 285 - 286) من حديث رجل من الأنصار. وصححه النووي في المجموع (5/ 236)، والزيلعي في نصب الراية (4/ 168)، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 127).

(4)

في "ذ""تعميق".

(5)

(4/ 189 - 190).

ص: 192

(أفضل من القصب) لأنه من جنس الأرض، وأبعد من أبنية الدنيا، بخلاف القصب. واللَّبِن - واحدته لَبِنَة - ما ضرب من الطين مربَّعًا للبناء قبل أن يشوى بالنار، فإذا شوي بها، سمي آجُرًّا.

(ويجوز) تغطية اللحد (ببلاط) لأنه في معنى اللَّبِن فيما سبق (ويسد ما بين اللبن أو غيره) من الفرج (بطين؛ لئلا ينهار عليه التراب) وليس هذا بشيء، ولكن يطيب نفس الحي، رواه أحمد عن جابر مرفوعًا

(1)

.

(ويكره دفنه) أي: الميت (في تابوت ولو امرأة) لقول إبراهيم النخعي: "كانوا يستحِبُّون اللَّبِن ويكرهونَ الخشبَ، ولا يستحبُّون

(1)

لم نجده عند أحمد من حديث جابر رضي الله عنه، وهو عنده (5/ 254) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: لما وُضعت أمُّ كلثوم ابنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". . سدوا خلال اللبن. ثم قال: أما إنَّ هذا ليس بشيء، ولكنه يطيب بنفس الحي". وأخرجه أيضًا الحاكم (2/ 379)، والبيهقي (3/ 409) وضعفه، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: لم يتكلم عليه (يعني الحاكم) وهو خبر واهٍ، لأن علي بن يزيد متروك. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 43): رواه أحمد وإسناده ضعيف.

وفي الباب عن سيرين أخت مارية القبطية: رواه ابن سعد (8/ 215 - 216)، والطبراني في الكبير (24/ 306 - 307) حديث 775 و 776 في قصة وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه، وفيه: ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في اللبن فأمر بها تسد، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"أما إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنها تقر عين الحي" وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 162)، وقال: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما الواقدي، وفي الآخر محمد بن الحسن بن زبالة، وكلاهما متروك. وعن مكحول مرسلًا: رواه عبد الرزاق (3/ 508) رقم 6499، ولفظه: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على قبر ابنه، إذ رأى فرجة، فقال للحفار: ائتني بمدرة لأسدها، أما إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن يقر بعين الحي.

ص: 193

الدفنَ في تابوتٍ"

(1)

؛ لأنه خشب، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وفيه تشبُّه بأهل الدنيا، والأرض أنشف لفضلاته، ولهذا زاد بعضهم: أو في حجر منقوش.

(ويُكره إدخاله) أي: القبر (خشبًا إلا لضرورة. و) يكره إدخاله (ما مسته نار) تفاؤلًا، وحديد، ولو أن الأرض رخوة أو نديَّة.

(ويُستحب قول من يدخله) القبر (عند وضعه) فيه: (بسم الله وعلى ملة رسول الله) لما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضعتُمْ موتَاكم في القبرِ، فقولوا: بسمِ اللهِ وعلى ملةِ رسولِ اللهِ" رواه أحمد

(2)

. وفي لفظ: "كان إذا وضعَ الميت في القبرِ قال: بسم اللهِ وعلى ملةِ رسولِ اللهِ" رواه الخمسة إلا النسائي

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 338)، وليس فيه ذكر الدفن في تابوت.

وقال الشافعي في الأم (1/ 243): وبلغني أنه قيل لسعد بن أبي وقاص: نتخذ لك شيئًا كأنه الصندوق من الخشب؟ فقال: اصنعوا بي ما صنعتم برسول الله صلى الله عليه وسلم انصبوا علي اللبن، وأهيلوا علي التراب.

(2)

(2/ 27، 40 - 41، 59، 69، 127 - 128). وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (6/ 268) حديث 10927، وفي عمل اليوم والليلة، ص/ 586، حديث 1088، وعبد بن حميد (2/ 39) حديث 813، وابن الجارود (2/ 143) حديث 548، وأبو يعلى (10/ 130) حديث 5755، وابن حبان "الإحسان"(7/ 376)، حديث 3109، 3110، والحاكم (1/ 366)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 102)، والبيهقي (4/ 55) من طريق همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وعند بعضهم بلفظ:"على سنة رسول الله".

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وهمام بن يحيى ثبت مأمون إذا أسند مثل هذا الحديث لا يعلل بأحد إذا أوقفه شعبة. ووافقه الذهبي فقال: على شرطهما، وقد وقفه شعبة.

وقال الحافظ ابن حجر في الدراية (1/ 241): ورواته ثقات. وانظر ما بعده.

(3)

أبو داود في الجنائز، باب 69، حديث 3213، والترمذي في الجنائز، باب =

ص: 194

(وإن أتى عند وضعه وإلحاده بذكر أو دعاء يليق) بالحال (فلا بأس) به. قال سعيد بن المسيب: "حضرتُ ابنَ عمر في جنارة، فلما وضعها في اللحد، قال: اللهم أجرْها من الشيطان، ومن عذاب القبرِ، اللهم جافِ الأرضَ عن جنبيْها، وصعدْ روحهَا، ولقِّها منكَ رضوانًا". وقال ابن عمر: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه ابن ماجه

(1)

.

= 54، حديث 1046، وابن ماجه في الجنائز، باب 38، حديث 1550، 1553، ولم نجد هذا اللفظ في مسند الإمام أحمد.

وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (12/ 274) حديث 13094، وفي الأوسط (8/ 171) حديث 7343، و (9/ 154) حديث 8332، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 584، والحاكم (1/ 366)، والبيهقي (4/ 55). وجاء في بعض الروايات زيادة:"بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى. . ." وجاء في بعضها: "وعلى سنة. . . ." بدل "وعلى ملة. . . .". وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 268) رقم 10928، وابن أبي شيبة (3/ 329)، والحاكم (1/ 366)، والبيهقي (4/ 55) موقوفًا.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر موقوفًا.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 129): رجح الدارقطني، وقبله النسائي الوقف، ورجح غيرهما رفعه.

وقال الحاكم (1/ 366): وحديث البياضي وهو مشهور في الصحابة شاهد لحديث همام عن قتادة مسندًا. ثم رواه بسنده عن البياضي، ولفظه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: الميت إذا وضع في قبره، فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد: باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله.

(1)

في الجنائز، باب 38، حديث 1553. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (2/ 274) حديث 13094، وابن عدي (2/ 659)، والبيهقي (4/ 55)، وضعف إسناده. ونقل ابن أبي حاتم في العلل (1/ 363) من أبيه: "الحديث منكر". وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 274): هذا إسناد فيه حماد =

ص: 195

وعن بلال: "أنه دخل مع أبي بكرٍ في قبرٍ، فلما خرج قيل لبلال: ما قال؟ قال: قال: أسلَمهُ إليك الأهلُ والمالُ والعشيرةُ والذنبُ العظيمُ، وأنت غفورٌ رحيمٌ فاغفرْ له" رواه سعيد

(1)

.

(ويُستحب الدعاء له) أي: للميت (عند القبر بعد دفنه واقفًا) نص عليه

(2)

. وقال: قد فعله علي

(3)

والأحنف بن قيس

(4)

، لحديث عثمان بن عفان قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغَ من دفنِ الميتِ وقفَ عليهِ، وقال: استغفرُوا لأخيكمُ، وسلُوا له التثبيت، فإنه الآنَ يسألُ" رواه أبو داود

(5)

.

= ابن عبد الرحمن، وهو متفق على تضعيفه.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 129): "وهو مجهول، واستنكره أبو حاتم من هذا الوجه".

(1)

لم نجده في المطبوع عن سنن سعيد بن منصور، وكذا لم نقف عليه في مصدر آخر، وقد جاء قريب من هذا عن عمر رضي الله عنه. فأخرج عبد الرزاق (3/ 509) رقم 6505، وابن أبي شيبة (3/ 329) وابن المنذر في الأوسط (5/ 456) رقم 3205، والبيهقي (4/ 56)، والطبراني في الدعاء (3/ 1363) رقم 1215 عن كثير بن مدرك أن عمر رضي الله عنه كان إذا سوى على الميت قال:"اللهم أسلم إليك الأهل والعيال والمال والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له"(لفظ البيهقي).

(2)

انظر مسائل صالح (1/ 309) رقم 259.

(3)

روى عبد الرزاق (3/ 510) رقم 6506، وابنُ أبي شيبة (3/ 330، 331، 10/ 436) والبيهقي (4/ 56) عن عمير بن سعيد النخعي، قال: كبر علي على يزيد بن المكفف أربعًا، وجلس على القبر وهو يدفن، قال: اللهم عبدك وولد عبدك، نزل بك اليوم وأنت خير منزول به، اللهم وسع له في مدخله، واغفر له ذنبه، فإنا لا نعلم منه إلا خيرًا، وأنت أعلم به.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 331).

(5)

في الجنائز، باب 73، حديث 3221. وأخرجه - أيضًا - عبد الله بن أحمد في السنة حديث 1353، وفي زوائده على الزهد ص/ 160، وفي زوائده على =

ص: 196

وعن ابن مسعود: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على القبرِ بعدما يسوى عليهِ، فيقول: اللهم نزل بكَ صاحبنا وخلَّف الدنيا خلفَ ظهرهِ، اللهم ثبتْ عند المسألةِ منطقه، ولا تبتلِه في قبرهِ بما لا طاقة له به" رواه سعيد في "سننه"

(1)

. والأخبار بنحو ذلك كثيرة

(2)

.

وقال أكثر المفسرين في قوله تعالى في المنافقين: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}

(3)

معناه: بالدعاء له والاستغفار، بعد الفراغ من دفنه. فيدل على أن ذلك كان عادة النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين.

ونقل محمد بن حبيب النجار

(4)

قال: "كنت مع أحمد بن حنبل

= فضائل الصحابة (1/ 475) حديث 773، والبزار (2/ 91) حديث 445، وابن المنذر في الأوسط (5/ 458) حديث 3210، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 585، والحاكم (1/ 370)، والبيهقي (4/ 56)، والضياء في المختارة (1/ 522) حديث 388، والرافعي في التدوين (1/ 205).

وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال النووي في الخلاصة (2/ 1028): رواه أبو داود بإسناد حسن. وقال في المجموع (5/ 242): رواه أبو داود والبيهقي بإسناد جيد. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 151 مع الفيض) ورمز لحسنه، وقال البغوي في شرح السنة (5/ 418): هذا حديث غريب.

(1)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ورواه سحنون في المدونة (1/ 176)، عن إبراهيم، قال: وقيل له (ابن مسعود) أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر إذا فرغ منه؟ قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه، ثم قال: اللهم نزل بك صاحبنا

الحديث.

وفي سنده إسماعيل بن رافع المدني قال الحافظ في التقريب (446): ضعيف الحفظ. وفيه أيضًا رجل لم يسم. وانقطاع بين إبراهيم، وبين ابن مسعود رضي الله عنه فإنه لم يسمع منه. انظر المراسيل لابن أبي حاتم ص/ 8.

(2)

انظر السنن الكبرى للبيهقي (4/ 56).

(3)

سورة التوبة، الآية:84.

(4)

كذا في الأصول، وصوابه البزار، وهو أبو عبد الله محمد بن حبيب البزّار، =

ص: 197

في جنازة، فأخذ بيدي فقمنا ناحية، فلما فرغ الناس من دفنه وانقضى الدفن، جاء إلى القبر، وأخذ بيدي وجلس ووضع يده على القبر، وقال: اللهم إنك قلت في كتابك: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}

(1)

، وقرأ إلى آخر السورة، ثم قال: اللهم وإنا نشهد أن هذا فلان ابن فلان ما كذب بك، ولقد كان يؤمن بك وبرسولك، فاقبل شهادتنا له. ودعا له وانصرف"

(2)

.

(واستحب الأكثر تلقينه بعد دفنه، فيقوم الملقن عند رأسه بعد تسوية التراب عليه، فيقول: يا فلان ابن فلانة، ثلاثًا. فإن لم يعرف اسم أمه، نسبه إلى حواء، ثم يقول: اذكر ما خرجتَ عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآن إمامًا، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانًا، وأن الجنة حقٌّ، وأن النار حقٌّ، وأن البعث حقٌّ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور)؛ لحديث أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدُكمْ فسويتُم عليه الترابَ، فليقم على

(3)

رأسِ قبرِه، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعُ ولا يجيبُ، ثم ليقلْ: يا فلان ابن فلانة، ثانية، فإنه

= سمع من الإمام أحمد، وكان رجلًا معروفًا، جليل القدر، وعنده عن أبي عبد الله جزء مسائل حسان (توفي سنة 291 هـ رحمه الله). انظر تاريخ بغداد (2/ 278 - 279)، وطبقات الحنابلة (1/ 293 - 294)، والمقصد الأرشد (2/ 398 - 399).

(1)

سورة الواقعة، الآية: 88، 89.

(2)

طبقات الحنابلة (1/ 293 - 294)، وكتاب التمام (1/ 266 - 267)، والمقصد الأرشد (2/ 399)، والمنهج الأحمد (1/ 261).

(3)

في "ذ"(فليقم أحدكم على).

ص: 198

يستوي قاعدًا، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أَرشدْنَا - يرحمك اللهُ -، ولكن لا تسمعونَ. فيقول: اذكر ما خرجتَ عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيتَ بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآنِ إمامًا. فإن منكرًا ونكيرًا يقولان: ما يقعدنا عنده وقد لُقِّن حجته؟ فقال رجلٌ: يا رسول اللهِ، فإن لم يعرف اسم أمهِ؟ قال: فلينسبْه إلى حواءَ"

(1)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 249 - 250)، حديث 7979، وفي الدعاء (3/ 1368) حديث 1214 وابن عساكر (24/ 73).

وضعفه ابن الصلاح في فتاويه (1/ 261)، والنووي في المجموع (5/ 258)، وابن القيم في زاد المعاد (1/ 523)، والعراقي في تخريج الإحياء (4/ 492)، والهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 324) و (3/ 45)، والحافظ ابن حجر فيما نقله عنه ابن علان في الفتوحات الربانية (4/ 196)، والصنعاني في سبل السلام (2/ 114).

لكن، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 135 - 136): إسناده صالح، وقد قواه الضياء في أحكامه، وأخرجه عبد العزيز في الشافي، والراوي عن أبي أمامة: سعيد الأزدي، بيض له ابن أبي حاتم، ولكن له شواهد، منها ما رواه سعيد بن منصور من طريق راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وغيرهما، قالوا: إذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه، كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن لا إله إلا الله، ثلاث مرات، قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، ثم ينصرف. وروى الطبراني من حديث الحكم بن الحارث السلمي أنه قال لهم: إذا دفنتموني ورششتم على قبري الماء، فقوموا على قبري واستقبلوا القبلة وادعوا لي، وروى ابن ماجه من طريق سعيد بن المسيب عن ابن عمر في حديث سيق بعضه، وفيه: فلما سوَّى اللبن عليها قام إلى جانب القبر، ثم قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيها، وصعد روحها، ولقها منك رضوانًا، وفيه أنه رفعه، ورواه الطبراني. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص أنه قال لهم في حديث عند موته: إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى =

ص: 199

قال أبو الخطاب: هذا الحديث رواه أبو بكر عبد العزيز في "الشافي". وقال في "الفروع": رواه أبو بكر في "الشافي"،

= أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع رسل ربي، وقد تقدم ص/ 196، حديث: واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل.

وتعقبه الألباني رحمه الله في الإرواء (3/ 204 - 205) بقوله: "قلت: وفي كلام الحافظ هذا ملاحظات:

أولًا: كيف يكون إسناده صالحًا، وفيه ذلك الأزدي أو الأودي، ولم يوثقه أحد، بل بيض له ابن أبي حاتم كما ذكر الحافظ نفسه، ومعنى ذلك أنه مجهول لديه لم يقف على حاله؟!

ثانيًا: أنه يوهم أن ليس في غير ذلك الأزدي، وكلام شيخه الهيثمي صريح بأن فيه جماعة لا يعرفون، وقد وقفت على إسناده عند الضياء المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 5/ 2) رواه من طريق علي بن حجر ثنا حماد بن عمرو عن عبد الله بن محمد القرشي عن يحيى بن أبي كثير عن سعد الأودي قال:"شهدت أبا أمامة الباهلي. . ." ورواه ابن عساكر (8/ 151/ 2) من طريق إسماعيل بن عياش نا عبد الله بن محمد به.

قلت: وعبد الله هذا لم أعرفه، والظاهر أنه أحد الجماعة الذين لم يعرفهم الهيثمي.

ثالثًا: أن قوله: "له شواهد" فيه تسامح كثير! فإن كل ما ذكره من ذلك لا يصلح شاهدًا؛ لأنها كلها ليس فيها من معنى التلقين شيء إطلاقًا، إذ كلها تدور حول الدعاء للميت! ولذلك لم أسقها في جملة كلامه الذي ذكرته، اللهم إلا ما رواه سعيد بن منصور، فإنه صريح في التلقين، ولكنه مع ذلك فهو شاهد قاصر، إذ الحديث أشمل منه وأكثر مادة إذ مما فيه "أن منكرًا ونكيرًا يقولان: ما نقعد عند من لقن حجته؟ " فأين هذا في الشاهد؟! ومع هذا فإنه لا يصلح شاهدًا، لأنه موقوف بل مقطوع، ولا أدري كيف يخفي مثل هذا على الحافظ عفا الله عنا وعنه.

قلنا: ومما يدلُّ على ضعفه: نسبة الرجل إلى أمه، والله جَلَّ وعلا يقول:"ادعوهم لآبائهم" الأحزاب (5).

ص: 200

والطبراني، وابن شاهين، وغيرهم، وهو ضعيف

(1)

.

وللطبراني أو لغيره فيه: "وأن الجنة حقٌّ، وأن النارَ حقٌّ، وأن البعثَ حقٌّ، وأن الساعة آتية لا ريبَ فيها، وأن الله يبعثُ من في القبورِ". وفيه: "وأنكَ رضيت بالإسلام دينًا، وبالكعبة قبلةً، وبالمؤمنين إخوانًا".

وقال الأثرم

(2)

: قلت لأبي عبد الله: هذا الذي يصنعون إذا دفن الميت يقف الرجل، ويقول: يا فلان ابن فلانة، اذكر ما فارقتَ عليه: شهادة أن لا إله إلا الله؟ فقال: ما رأيتُ أحدًا نقل هذا إلا أهل الشام، حين مات أبو المغيرة، جاء إنسان، فقال ذاك، وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن أشياخهم، أنهم كانوا يفعلونه

(3)

.

(قال أبو المعالي: لو انصرفوا قبله، لم يعودوا) لأن الخبر يلقنونَه قبلَ انصرافِهمْ، ليتذكرَ حجّته.

(و‌

‌هل يلقَّن غير المكلف؟)

وجهان. وهذا الخلاف (مبني على نزول الملكين إليه) النفي قول القاضي وابن عقيل، وفاقًا للشافعي

(4)

. والإثبات قول أبي

(5)

حكيم وغيره، وحكاه ابن عبدوس عن

(1)

كتاب الشافي لم يطبع، وابن شاهين رواه في كتاب ذِكْر الموت، كما في المغني (2/ 192) ولم يطبع.

(2)

المغني (3/ 438)، والفروع (2/ 275).

(3)

انظر زاد المعاد لابن القيم (1/ 523)، والتلخيص الحبير لابن حجر (2/ 136).

(4)

انظر: روضة الطالبين (2/ 138)، ومغني المحتاج (1/ 367)، وإعانة الطالبين (2/ 140).

(5)

في "ح": "ابن" والمثبت هو الصواب، وهو أبو حكيم، إبراهيم بن دينار النَّهرُواني الحنبلي، أحد أئمة بغداد. إمام زاهد ورع خَيِّر حليم، إليه المنتهى =

ص: 201

الأصحاب (المرجح النزول) فيكون المرجح تلقينه (وصححه الشيخ

(1)

) واحتج بما رواه مالك وغيره عن أبي هريرة

(2)

، وروي مرفوعًا:"أنه صلى على طفلٍ لم يعمل خطيئةً قط، فقال: اللهمَّ قهِ عذابَ القبرِ وفتنةَ القبرِ"

(3)

. قال في "الفروع": ولا حجة فيه، للجزم بنفي التعذيب، فقد يكون أبو هريرة يرى الوقف فيهم. انتهى.

وكذلك أجاب ابن القيم في كتاب "الروح"

(4)

بأنه ليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل قطعًا؛ لأن الله لا يعذب أحدًا بلا ذنب عمله، بل المراد الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله.

وقال

(5)

الآخرون - أي: القائلون بأنه لا يُسأل -: السؤال إنما يكون لمن يعقل الرسول والمرسل، فيسأل هل آمن بالرسول وأطاعه

= في علم الفرائض. توفى سنة (556 هـ رحمه الله) سير أعلام النبلاء 20/ 396.

(1)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 134.

(2)

مالك في الموطأ (1/ 228)، وعبد الرزاق (3/ 533) رقم 6110، وابن أبي شيبة (3/ 317)، وهناد في الزهد (1/ 213) رقم 351، وعبد الله بن أحمد في السنة (2/ 596) رقم 1419، وابن المنذر في الأوسط (5/ 406) رقم 3096، والطحاوي (1/ 509)، والبيهقي (4/ 9)، والخطيب في تاريخه (11/ 374) من طريق سعيد بن المسيب، قال: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط، فسمعتُه يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر.

(3)

رواه الخطيب في تاريخه (11/ 374) وقال: تفرد برواية هذا الحديث هكذا مرفوعًا علي بن الحسن، عن أسود بن عامر، عن شعبة، وخالفه غيره فرواه عن أسود موقوفًا. قال الدارقطني: وهو الصواب. انظر العلل للدارقطني (9/ 205 - 206).

(4)

ص/ 88.

(5)

في "ح": "قال: وقال".

ص: 202

أم لا؟ فأما الطفل الذي لا تمييز له بوجه فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ولو رد إليه عقله في القبر، فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، فلا فائدة في هذا السؤال.

(قال ابن عبدوس: يُسأل الأطفال عن الإقرار الأول حين الذرية) يشير به إلى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

(1)

وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}

(2)

. قال بعضهم: وهو سؤال تكريم، وسؤال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - إن ثبت - فهو سؤال تشريف وتعظيم، كما أن التكاليف في دار الدنيا البعض

(3)

تكريم، والبعض امتحان ونكال. (والكبار يُسألون عن معتقدهم في الدنيا، و) عن (إقرارهم الأول) حين الذرية.

(ويسن وضعه في لحده على جنبه الأيمن) لأن هذه سنة النائم، وهو يشبهه (ووضع لبنة أو حجر أو شيء مرتفع) تحت رأسه (كما يضع الحي تحت رأسه) قال في "المنتهى" و"شرحه": ويوضع تحت رأسه لبنة، فإن لم توجد، فحجر، فإن عدم، فقليل من تراب. لا آجرة؛ لأنه مما مسته النار.

ويفضى بخده الأيمن إلى الأرض، بأن يزال الكفن عنه، ويلصق بالأرض؛ لأنه أبلغ في الاستكانة والتضرع، ولقول عمر: "إذا أنا

(1)

كذا بالجمع وكسر التاء في الأصل وباقي النسخ، وهي قراءة الجميع؛ عدا الكوفيين وابن كثير فقرؤوا:(ذُرِّيَّتَهُمْ) بالإفراد، وفتح التاء. انظر الإقناع في القراءات السبع (2/ 651)، وتفسير القرطبي (7/ 317 - 318).

(2)

سورة الأعراف، الآية:172.

(3)

في "ذ": "لبعض".

ص: 203

متُّ فأفضُوا بخدِّي إلى الأرضِ"

(1)

.

(وتكره مخدة) بكسر الميم، تجعل تحت رأسه. نص عليه

(2)

، لأنه لم ينقل عن أحد من السلف، وغير لائق بالحال. (والمنصوص: و) تكره (مَضْرَبة

(3)

وقطيفة تحته) قال أحمد: ما أحب أن يجعلوا في الأرض مضربة، ولأنه روي عن ابن عباس: أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شيء، ذكره الترمذي

(4)

. وعن أبي موسى،

(1)

رواه أحمد في الزهد ص/ 30 وأحمد بن منيع، كما في المطالب العالية (1/ 328) رقم 849 وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 488): رواه أحمد بن منيع بسند ضعيف، لضعف مجالد.

(2)

انظر المغني (3/ 428)، والفروع (2/ 269).

(3)

المضربة القطعة من القطن. انظر: القاموس المحيط ص/ 108.

(4)

في الجنائز، باب 55، عقب حديث 1048، وذكره - أيضًا - البيهقي (3/ 408) عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس رضي الله عنهما معلقًا.

ورواه - موصولًا - عبد الرزاق (3/ 478) رقم 6390، ومسدد، كما في المطالب العالية (1/ 329) رقم 852، والبلاذري في أنساب الأشراف (1/ 536)، وأبو يعلى (13/ 27) رقم 7110، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 55) رقم 2822، من طريق عبد الله بن عبد الله بن أخي يزيد بن الأصم، عن عمه، قال: ماتت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بسَرف، فأخذت ردائي فبسطته تحتها فأخذه ابن عباس فرمى به.

وأخرجه ابن سعد (8/ 140)، وأبو يعلى (13/ 22) رقم 7105، وابن حبان "الإحسان"(9/ 442) رقم 4134، والحاكم (4/ 31) من طريق أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، به، وفيه أن يزيد وضع الرداء تحت رأسها رضي الله عنها. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 249): رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 487): رواه مسدد موقوفًا بسند صحيح على شرط مسلم.

ص: 204

قال: "لا تجعلُوا بيني وبينَ الأرض شيئًا"

(1)

. والقطيفة التي وضعت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وضعها شقران

(2)

. ولم يكن

(1)

أخرجه أحمد (4/ 397)، وابن حبان "الإحسان"(7/ 422) رقم 3150، والبيهقي (3/ 395)، ولفظه: ولا تجعلوا على لحدي شيئًا يحول بيني وبين التراب.

(2)

أخرجه الترمذي في الجنائز، باب 55، رقم 1047، وعبد الرزاق (3/ 477) رقم 6387، وابن سعد (2/ 299)، وابن أبي شيبة (3/ 336)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 345) رقم 468، من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال:

والذي ألقى القطيفة تحته شُقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (4/ 268)، والترمذي في الجنائز، باب 55، رقم 1047، وإبن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 345) رقم 468، من طريق جعفر بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله في القبر، وأخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (1/ 348) والطبراني في الكبير (8/ 75) رقم 7409)، والمزي في تهذيب الكمال (12/ 546) من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت شقران. وقال المزي: ورواية من قال: عن أبيه، أولى بالصواب، قال الترمذي: حديث شقران حديث حسن غريب.

وسئل أبو حاتم عن حديث شقران: أنا والله طرحت

فقال: هذا حديث منكر. انظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 356).

وأخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب 65، رقم 1628، والطبري في تاريخه (2/ 239) والطبراني في الكبير (11/ 166) رقم 11515، والبيهقي (3/ 408) عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 291 - 292): هذا إسناد فيه الحسين بن عبد الله بن عبيد بن عباس الهاشمي، تركه الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والنسائي، وقال البخاري: يقال إنه يتهم بالزندقة، وقواه ابن عدي، وباقي رجال الإسناد ثقات. وقال الحافظ ابن حجر في الدراية (1/ 239): وفي إسناده ضعف. وأخرج مسلم في الجنائز، حديث 967، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جعل في قبر رسول الله قطيفة حمراء. وعن الحسن مرسلًا: أخرجه ابن سعد (2/ 299) قال المناوي في فيض القدير (2/ 21): إسناده حسن، وله شواهد.

ص: 205

ذاك

(1)

عن اتفاق من الصحابة. (ونصه) أي: الإمام: (لا بأس بها) أي: المَضرَبة أو القطيفة (من علَّة.

ويُسند) الميت (خلفه) بتراب؛ لئلا ينقلب (و) يسند (أمامه بتراب؛ لئلا يسقط) فينكب على وجهه، وينبغي أن يدنى من الحائط؛ لئلا ينكبَّ على وجهه.

(ويجب استقباله) أي: أن يدفن مستقبل (القبلة) لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة: "قبلتكُم أحياءً وأمواتًا"

(2)

ولأن ذلك طريقة المسلمين، بنقل الخلف عن السلف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا دفن.

(ويُسن لكل من حضر) الدفن (أن يحثو التراب فيه) أي: القبر (من قبل رأسه أو غيره ثلاثًا) أي: ثلاث حثيات (باليد، ثم يُهال عليه التراب) لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلى على جنازةٍ، ثم أتى قبرَ الميتِ، فحثى عليهِ من قبلِ رأسهِ ثلاثًا" رواه ابن ماجه

(3)

. وعن

(1)

في "ح" و"ذ": "ذلك".

(2)

تقدم تخريجه (4/ 34) تعليق رقم (3).

(3)

في الجنائز، باب 44، حديث 1565، رواه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (5/ 342) حديث 4670، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 169)، والمزي في تهذيب الكمال (11/ 312).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 277): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال النووي في المجموع (5/ 255): حديث جيد الإسناد. وقال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (1/ 169): هذا حديث باطل.

وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 131): إسناده ظاهره الصحة، ورجاله ثقات، ونَقل عن ابن أبي داود في كتابه الأفراد أنه روى هذا الحديث وصححه، ثم قال الحافظ ابن حجر: لكن أبو حاتم إمام لم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبين له.

ص: 206

عامر بن ربيعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلّى على عثمانَ بنِ مظعون، فكبَّرَ عليه أربعًا، وأتى القبرَ، فحثى عليه ثلاث حثياتٍ، وهو قائمٌ عندَ رأسِهِ" رواه الدارقطني

(1)

. ولأن مواراته فرض كفاية، وبالحثي يصير ممن شارك فيها، وفي ذلك أقوى عبرة وتذكار، فاستحب لذلك.

(1)

(2/ 76). ورواه أيضًا البيهقي (3/ 410)، وقال: إسناده ضعيف، إلا أن له شاهدًا من جهة جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 35): رواه الطبراني في الكبير، وفيه القاسم بن عبد الله العمري، وهو متروك.

والشاهد الذي أشار إليه البيهقي أخرجه الشافعي في الأم (1/ 245)، وفي المسند (ترتيبه 1/ 216). بلفظ:"أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعًا".

وله شاهد آخر - أيضًا - رواه أبو داود في المراسيل حديث 420، والطبراني في الكبير (22/ 337، 338) حديث 846، والبيهقي (3/ 410) عن زيد بن تغلب عن أبي المنذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثى في قبر ثلاثًا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 276): وفيه يزيد بن ثعلب، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وقال أبو حاتم، كما في المراسيل لابنه ص/ 253: زيد وأبو المنذر مجهولان. وأخرج البيهقي (3/ 410) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: توفي رجل فلم تصب له حسنة إلا ثلاث حثيات حثاها في قبر فغفرت له ذنوبه.

قال البيهقي: وهذا موقوف حسن.

تنبيه: زيد بن تغلب، اختلف في اسمه، فعند أبي داود، والبيهقي: زياد بن ثعلب، وعند الطبراني: يزيد بن ثعلب، ولعل الصواب زيد بن تغلب كما في مراسيل ابن أبي حاتم، انظر الجرح والتعديل (3/ 557).

ص: 207

فصل

(ويستحب رفع القبر) عن الأرض (قدر شبر) ليعرف أنه قبر، فيتوقى، ويترحم على صاحبه. وقد روى الشافعي عن جابر:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر"

(1)

. وعن القاسم بن محمد قال: قلت لعائشةَ: يا أمَّه، اكشفِي لي عنْ قبر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وصاحِبَيْهِ، فكشفتْ لي عن ثلاثَةِ قبورٍ، لا مشرفَةً ولا لاطئةً، مبطوحةً ببطحَاءِ العرصةِ الحمراءِ. رواه أبو داود

(2)

.

(ويكره) رفع القبر (فوقه) أي: فوق شبر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تدعْ تمثالًا إلا طمستَهُ، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيتَهُ" رواه مسلم وغيره

(3)

. والمشرف: ما رفع كثيرًا، بدليل ما سبق عن القاسم بن

(1)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الشافعي المطبوعة. وقد رواه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان"(14/ 602) حديث 6635، والبيهقي (3/ 410)، عن الفضيل بن سليمان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلحد ونُصب عليه اللَّبن نصبًا، ورُفِعَ قبره من الأرضِ نحوًا من شِبر. قال البيهقي: كذا وجدته. ثم روى (3/ 411) من طريق عبد العزيز عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبره الماء، ووضع عليه حصباء من حصباء العرصة، ورفع قبره قدر شبر، وقال: وهذا مرسل.

(2)

في الجنائز، باب 72، حديث 3220. وأخرجه - أيضًا - ابن سعد (3/ 209 - 210)، وأبو يعلى (8/ 53) حديث 4571، والطبري في تاريخه (2/ 349)، والحاكم (1/ 369 - 370)، والبيهقي (4/ 3)، وابن حزم في المحلى (5/ 134). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصححه - أيضًا - ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 271) والنووي في المجموع (5/ 295) وفي الخلاصة (2/ 1024).

(3)

مسلم في الجنائز، حديث 969، والترمذي في الجنائز، باب 56، حديث 1049، وأبو داود في الجنائز، باب 72، حديث 3218، وأحمد (1/ 96).

ص: 208

محمد: "لا مشرفة ولا لاطئة"

(1)

.

(وتسنيمه) أي: القبر (أفضل من تسطيحه) لقول سفيان التمار: "رأيتُ قبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنَّمًا" رواه البخاري

(2)

، وعن الحسن مثله

(3)

؛ ولأن التسطيح أشبه بأبنية أهل الدنيا (إلا بدار حرب، إذا تعذر نقله) أي: الميت (فالأولى تسويته) أي: القبر (بالأرض، وإخفاؤه) أولى من إظهاره وتسنيمه؛ خوفًا من أن ينبش، فيمثَّل به.

(ويُسنَّ أن يرشَّ عليه) أي: القبر (الماء، ويوضع عليه حصى صغار يُجلل به؛ ليحفظ ترابه) لما روى جعفر بن محمد، عن أبيه "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رشَّ على قبر ابنه إِبراهيمَ ماءً، ووضعَ عليه حصباءَ" رواه الشافعي

(4)

. ولأن ذلك أثبت له، وأبعد لدروسه، وأمنع لترابه من أن

(1)

تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

في الجنائر، باب 96، عقب حديث 1390.

(3)

لم نقف عليه.

(4)

في الأم (1/ 273) وفي مسنده (ترتيبه - 1/ 215)، ومن طريقه أخرجه البيهقي (3/ 411) عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن جعفر، عن أبيه، مرسلًا. وضعفه النووي في المجموع (5/ 248) وفي الخلاصة (2/ 1024). ورواه أبو داود في المراسيل ص/ 304 حديث 424 والبيهقي (3/ 411) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 19) عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، بنحوه.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 272): رواه الشافعي والبيهقي بإسناد ضعيف مرسل. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 133): رجاله ثقات مع إرساله.

وفي الباب: عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه: رواه البزار (9/ 273) حديث 3822، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على قبر عثمان بن مظعون بعدما دفنه، وأمر برش الماء. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 45): رواه البزار ورجاله =

ص: 209

تذهبه الرياح. والحصباء: صغار الحصى.

(ولا بأس بتطيينه) أي: القبر؛ لما تقدَّم من قول القاسم بن محمد في وصف قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه: "مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء"

(1)

.

(و) لا بأس - أيضًا - بـ (تعليمه بحجر أو خشبة أو نحوهما) كلوح؛ لما روى أبو داود بإسناده عن المطلب قال: "لمّا ماتَ عثمانُ بنُ مظعون أُخرج بجنازَتِه فدفنَ، أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نأتِيه بحجَرٍ، فلم نستطِعْ حملَهُ، فقامَ صلى الله عليه وسلم فحسرَ عن ذراعيْهِ، فحمَلَها، فوضعَها عندَ رأسِه، وقال: أعلِّم بها قبرَ أخِي؛ أدفنُ إليهِ مَنْ ماتَ من أهلِي"

(2)

. ورواه ابن ماجه من رواية أنس

(3)

.

= موثقون، إلا أن شيخ البزار محمد بن عبد الله: لم أعرفه.

وعن عائشة رضي الله عنها: رواه الطبراني في الأوسط (7/ 87) حديث 6142، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 45): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني.

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه مرسلًا أن الرش على القبر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البيهقي (3/ 411) وصحح إسناده النووي في الخلاصة (2/ 1024).

(1)

تقدم تخريجه 4/ 208، تعليق رقم (2).

(2)

أبو داود في الجنائز، باب 63، حديث 3206. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (3/ 334)، والبيهقي (3/ 412). قال النووي في الخلاصة (2/ 1010): رواه أبو داود بإسناد حسن، وهو متصل ليس مرسلًا، لأن المطلب بين في كلامه أنه أخبر به صحابي هذه القصة، والصحابة كلهم عدول.

وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 133): وإسناده حسن. وضعفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 148)، وانظر: تحفة المحتاج (2/ 29) وخلاصة البدر المنير (1/ 272).

(3)

في الجنائز، باب 42، حديث 1561. ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة (3/ 344) =

ص: 210

(ويُكره البناء عليه) أي: القبر (سواء لاصق البناء الأرض، أَوْ لا، ولو في ملكه من قبة أو غيرها؛ للنهي عن ذلك) لحديث جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصصَ القبرُ، وأن يُبنَى عليهِ، وأن يُقْعدَ عليهِ". رواه مسلم والترمذي

(1)

وزاد: "وأن يكتبَ عليهِ"

(2)

.

= وابن عدي (6/ 2089)، من طريق الدراوردي عن كثير بن زيد، عن زينب بنت نبيط، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 277): هذا إسناد حسن، كثير بن زيد مختلف فيه، وله شاهد من حديث المطلب بن أبي وداعة، رواه أبو داود في سننه.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 348): سألت أبا زرعة عن حديث رواه الدراوردي عن كثير بن زيد، عن زينب، عن أنس

قال: هذا خطأ. يخالف الدراوردي فيه، يرويه حاتم وغيره عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، وهو الصحيح.

ورواه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (4/ 528) حديث 3898 من طريق إسماعيل بن مرسال، عن الزهري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال: لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا إسماعيل بن مرسال، تفرد به عمرو بن خلف، وذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 133 - 134)، وقال: ورواه الطبراني من حديث أنس بإسناد آخر فيه ضعف.

(1)

مسلم في الجنائز، حديث 970، والترمذي في الجنائز، باب 58، حديث 1052.

(2)

هذه الزيادة رواها أيضًا أبو داود في الجنائز، باب 76، حديث 3226، والنسائي في الجنائز، باب 96، حديث 2026، وفي الكبرى (1/ 652)، حديث 2154، وابن ماجه في الجنائز، باب 43، حديث 1563، وابن أبي شيبة (3/ 335) وعبد ابن حميد (3/ 38) حديث 1073، والطحاوى (1/ 515 - 516)، وابن حبان "الإحسان"(7/ 434) حديث 3164، والطبراني في الأوسط (8/ 341)، حديث 7695، والحاكم (1/ 370)، والبيهقي (4/ 4). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث على شرط مسلم، وقد خرج بإسناده غير الكتابة، فإنها لفظة صحيحة غريبة، وكذلك رواه أبو معاوية، عن ابن جريج. ووافقه الذهبي.

ص: 211

وقال: حسن صحيح.

(وقال ابن القيم في) كتابه (إغاثة اللهفان) في مكايد الشيطان"

(1)

: (يجب هدم القباب التي على القبور؛ لأنها أُسست على معصية الرسول. انتهى. وهو) أي: البناء (في) المقبرة (المُسبَّلة أشد كراهة) لأنه تضييق بلا فائدة، واستعمال للمسبلة فيما لم توضع له. (وعنه

(2)

: منع البناء في وقف عام) وفاقًا للشافعي

(3)

وغيره. وقال: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يُبنى. وما ذكره المصنف هو معنى كلام ابن تميم. قال في "الفروع": فظاهر ما ذكره ابن تميم: أن الأشهر: لا يمنع. وليس كذلك؛ فإن المنقول في هذا: ما سأله أبو طالب عمن اتخذ حجرة في المقبرة، قال

(4)

: لا يدفن فيها. والمراد: لا تختص به، وهو كغيره. وجزم ابن الجوزي

(5)

بأنه يحرم حفر قبر في مسبلة قبل الحاجة إليه، فها هنا أولى.

(قال الشيخ

(4)

): من بنى ما يختص به فيها، فـ (ــهو غاصب). وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقال أبو المعالي: فيه تضييق على المسلمين. وفيه: في ملكه إسراف وإضاعة مال، وكلٌّ منهيٌّ عنه.

(قال أبو حفص: تحرم الحجرة، بل تُهدم، وهو) أي: القول بتحريم البناء في المسبلة (الصواب) لما يأتي في الوقف أنَّه يجب صرفه للجهة التي عينها الواقف.

(1)

(1/ 210).

(2)

انظر الفروع (2/ 272).

(3)

الأم (1/ 772).

(4)

انظر الاختيارات الفقهية ص/ 132.

(5)

ذيل طبقات الحنابلة (1/ 357).

ص: 212

(وكره أحمد

(1)

الفسطاط والخيمة على القبر) لأن أبا هريرة "أوصى حينَ حضرهُ الموتُ أن: لا تضربُوا عليَّ فسطاطًا" رواه أحمد في "مسنده"

(2)

، وقال البخاري في "صحيحه"

(3)

: "ورأى ابنُ عمرَ فسطاطًا على قبرِ عبدِ الرحمن فقال: انزعْهُ يا غلامُ، فإنمَا يظلُّه عملُهُ". ولأن الخيام بيوت أهل البَرِّ، فكرهت كما كرهت بيوت أهل المدن.

(وتغشية قبور الأنبياء والصالحين - أي: سترها بغاشية - ليس مشروعًا في الدين، قاله الشيخ

(4)

. وقال في موضع آخر

(5)

: في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أن هذا منكر، إذا فُعل بقبور الأنبياء والصالحين، فكيف بغيرهم؟.

وتكره الزيادة على تراب القبر من غيره) لحديث جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبرِ، أو يزادَ عليه". رواه النسائي وأبو داود

(6)

. وعن عقبة بن عامر قال: "لا يجعلُ على القبرِ من الترابِ أكثرُ

(1)

انظر المغني (3/ 439)، والفروع (2/ 272).

(2)

(2/ 292، 474). ورواه - أيضًا - الطيالسي ص/ 307 رقم 2336، وعبد الرزاق (3/ 418) رقم 6154، وابن سعد (4/ 338)، والبيهقي (4/ 21)، وابن عساكر (67/ 381)، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 444).

وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الإصابة (12/ 78).

(3)

في الجنائز معلقًا، باب 82، قبل حديث 1361.

(4)

في الاختيارات الفقهية ص/ 139.

(5)

انظر مجموع الفتاوى (27/ 147).

(6)

النسائي في الجنائز، باب 96 حديث 2025، وفي الكبرى (1/ 652) حديث 2154، وأبو داود في الجنائز، باب 76، حديث 3226. ورواه - أيضًا - البيهقي (3/ 410) (4/ 4) وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 341): وسليمان بن موسى لم يسمع من جابر بن عبد الله، فهو منقطع. =

ص: 213

مما خرج

(1)

منهُ حينَ حُفرَ". رواه أحمد

(2)

. ولأن العادة أن يفضل من التراب عن مساواة الأرض لمكان الميت من القبر ما يكفي لسنة التسنيم، لا حاجة إلى الزيادة (إلا أن يحتاج إليه) أي: الزائد، فلا كراهة.

(ويُكره المبيت عنده) أي: القبر (وتجصيصه، وتزويقه، وتخليقه، وتقبيله، والطواف به

(3)

، وتبخيره، وكتابة الرقاع إليه، ودسها في الأنقاب

(4)

، والاستشفاء بالتربة من الأسقام) لأن ذلك كله من البدع.

(و) تكره (الكتابة عليه) لما تقدم من حديث جابر

(5)

.

(و) يكره (الجلوس) عليه؛ لما روى أبو مَرْثد الغَنوي: "أن النبيَّ

= قلنا: لم ينفرد به سليمان بن موسى، بل تابعه أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه، وقد مال البيهقي إلى تصحيحه حيث قال (3/ 410) بعد روايته:"ورواه أبان بن أبي عياش، عن الحسن، وأبي نضرة، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولا يزاد على حفيرته التراب. وفي الحديث الأول كفاية، أبان ضعيف". انتهى.

(1)

في "ذ": "يخرج".

(2)

لم نجده من رواية عقبة، إنما نص عليه الإمام أحمد في مسائل أبي داود ص/ 158.

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (27/ 10 - 11): فلا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين

ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع، فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة

فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها فهو كافر مرتد يستتاب

فكيف بمن يتخذها مكانًا يطاف به، كما يطاف بالكعبة، والطواف بغير الكعبة لم يشرعه الله بحال.

(4)

في هامش الأصل: "في نسخة: الأثقاب".

(5)

تقدم تخريجه (4/ 211)، تعليق رقم (2).

ص: 214

- صلى الله عليه وسلم قال: لا تجلسُوا على القُبورِ، ولا تصلُّوا إليهَا" رواه مسلم

(1)

، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يجلسَ أحدُكم على جمرةٍ فتحرقَ ثيابَه، فتخلُصَ إلى جلْدِه، خيرٌ له من أن يجلسَ على قبرِ مسلمٍ". رواه مسلم

(2)

.

(و) يكره (الوطء عليه) أي: على القبر؛ لقول الخطابي

(3)

: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهَى أن توطأ القبورُ"

(4)

. (قال بعضهم: إلا لحاجة) إلى ذلك.

(و) يكره (الاتكاء عليه) لما روي أنه صلى الله عليه وسلم: "رأى رجلًا قد اتكأ على قبرٍ، فقال: لا تؤذِ صاحبَ القبرِ"

(5)

.

(1)

في الجنائز، حديث 972.

(2)

في الجنائز، حديث 971.

(3)

لم تقف عليه في مظانه من كتب الخطابي المطبوعة، وانظر: معالم السُّنن (1/ 316) والمغني (3/ 515 - 516).

(4)

رواه الترمذي في الجنائز، باب 58، حديث 1052، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وتقدم تخريجه 4/ 211، تعليق رقم (1).

(5)

أخرجه أحمد (39/ 476، 477) طبعة مؤسسة الرسالة. وقد سقط من جميع طبعات المسند التي وقفنا عليها، وأثبت في هذه الطبعة اعتمادًا على إطراف المسند المعتلي (5/ 131). كما أخرجه الطحاوي (1/ 515) وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 200 - 201)، وابن عساكر في تاريخه (45/ 471)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 20) حديث 916، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 215) من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه.

قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 1342)، والحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/ 224 - 225): إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد - أيضًا - (39/ 475) طبعة مؤسسة الرسالة، وابن عساكر في =

ص: 215

(ويحرم التخلي عليها) أي: القبور (وبينها) لحديث عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن أطأ على جمرةٍ أو سيفٍ أحبُّ إليَّ من أن أطأ على قبرِ مسلمٍ، ولا أبالي أوسطَ القبورِ قضيتُ حاجتِي، أو وسطَ السوقِ". رواه الخلال وابن ماجه

(1)

.

(والدفن في صحراء أفضل) من الدفن بالعمران؛ لأنه أقل ضررًا على الأحياء من الورثة، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم تزل الصحابة والتابعون فمن بعدهم يقبرون في الصحراء (سوى النبي صلى الله عليه وسلم) فإنه قُبِرَ في بيته، قالت عائشة:"لئلا يُتَّخَذَ قبرُهُ مسجدًا" رواه البخاري

(2)

. ولأنه روى: "تدفنُ الأنبياءُ حيثُ

= تاريخه (45/ 303) من طريق ابن لهيعة، حدثنا بكر بن سوادة، حدثني زياد بن نعيم، أن ابن حزم إما عمرو، وإما عمارة، وقال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث، ورواه الحاكم (3/ 590) من طريق ابن لهيعة - به - عن عمارة بن حزم دون شك.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 61) من حديث عمارة بن حزم وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وقد وثق.

(1)

لم نجده في مظانه من كتب الخلال المطبوعة، ورواه ابن ماجه في الجنائز، باب 45، حديث 1567. وأخرجه - أيضًا - الروياني في مسنده (1/ 154) حديث 171، والذهبي في سير أعلام النبلاء (9/ 138). وقال: إسناده صالح.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 280): إسناده جيد.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 278): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 256 مع الفيض) ورمز لضعفه، وانظر حديث أبي هريرة السالف (4/ 215)، تعليق رقم (1).

وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 338) موقوفًا على عقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.

(2)

في الجنائز، باب 62، 96، حديث 1330، 1390، وفي المغازي، باب 83، =

ص: 216

يموتونَ"

(1)

. مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع، وفعله أولى من فعل غيره، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك؛ صيانة له عن كثرة الطرَّاق، وتمييزًا له عن غيره صلى الله عليه وسلم (واختار صاحباه) أبو بكر وعمر

= حديث 4441. ورواه - أيضًا - مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 529.

(1)

لم نجد من رواه بهذا السياق، وقد روي معناه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعًا، وموقوفًا.

أما المرفوع فرواه الترمذي في الجنائز، باب 33، حديث 1018، وفي الشمائل ص/ 182 حديث 372، وابن ماجه في الجنائز، باب 65، حديث 1628، وعبد الرزاق (3/ 516) حديث 6534، وأحمد (1/ 7)، والبزار (1/ 70، 130، 186) حديث 18، 60، 61، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر الصديق ص/ 66، 70، 80، 143، حديث 26، 27، 43، 105، 136، وأبو يعلى (1/ 31، 32، 46) حديث 22، 23، 45، والطبري في تاريخه (2/ 239)، وابن عدي (2/ 760)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 398، 399)، والبغوي في شرح السنة (14/ 48) حديث 3832، كلهم من طرق عن أبي بكر رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض" هذا لفظ ابن ماجه.

وإسناد الحديث عند الجميع ضعيف. انظر سنن الترمذي (3/ 338)، ومصباح الزجاجة (1/ 291)، وفتح الباري (1/ 529). وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 459، مع الفيض) ورمز لحسنه.

وأما الموقوف فرواه الترمذي في الشمائل ص/ 184 رقم 379، والنسائي في الكبرى (4/ 263) رقم 7119، وعبد بن حميد (1/ 320) رقم 365، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 12) رقم 1299، والبيهقي (4/ 30)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 397)، عن سالم بن عبيد الأشجعي، عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قيل له: فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: في المكان الذي قبض فيه روحه؛ فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب. قال الحافظ في الفتح (1/ 529): إسناده صحيح، لكنه موقوف.

ص: 217

- رضي الله عنهما (الدفن معه؛ تشرفًا وتبركًا، ولم يزد عليهما؛ لأن الخرق يتسع، والمكان ضيق، وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع) ذلك

(1)

. (ذكره المجد وغيره. ويحرم إسراجها) أي: القبور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن اللهُ زواراتِ القبورِ، والمتخذات

(2)

عليها المساجدَ

(1)

أخرج مالك في الموطأ (1/ 232)، وابن سعد (2/ 293 - 294) والطبراني في الكبير (23/ 48) رقم 127، وفي الأوسط (7/ 193) رقم 6369، والحاكم (3/ 60، 4/ 395) وابن عبد البر في التمهيد (24/ 47، 48) عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها، قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك، وهو خيرها.

قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وقال في الموضع الثاني: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي في الموضعين كليهما. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 38): رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير رجال الصحيح.

وأخرجه الحاكم (3/ 61) والطبراني كما في مجمع الزوائد (7/ 185) - أيضًا - من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا قال: هل رأى أحد منكم رؤيا اليوم؟ قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض. فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها، قال لها أبو بكر رضي الله عنه: هذا أحد أقمارك وهو خيرها. ثم توفي أبو بكر وعمر فدفنا في بيتها.

ولم يتكلم عليه الحاكم بشيء، وتعقبه الذهبي بقوله: هو من رواية عمر بن حماد بن سعيد الأبح، أحد الضعفاء، تفرد به عنه موسى بن عبد الله السلمي لا أدري من هو.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 185): رواه الطبراني، وفيه عمر بن سعيد الأبح وهو ضعيف.

(2)

في "ذ": "والمتخذين" وهو الموافق للرواية المشهورة.

ص: 218

والسُّرُج" رواه أبو داود والنسائي بمعناه

(1)

. ولو أبيح، لم يلعن النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن فعله، ولأن في ذلك تضييعًا للمال من غير فائدة، ومغالاة في تعظيم الأموات، يشبه تعظيم الأصنام.

(1)

أبو داود في الجنائز، باب 82، حديث 3236، والنسائي في الجنائز، باب 104، حديث 1042، وفي الكبرى (1/ 657) حديث 2170 من طريق أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج.

ورواه - أيضًا - بهذا السياق: الترمذي في الصلاة، باب 121، حديث 320، وأحمد (1/ 229، 287، 324، 337). والطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 178، 179) حديث 4741، 4742، وابن حبان "الإحسان"(7/ 454) حديث 3180، والطبراني في الكبير (12/ 115) حديث 12725، وابن جُميع في معجمه ص/ 266، والحاكم (1/ 374)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 232)، والخطيب في تاريخه (8/ 70)، والبغوي في شرح السنة (2/ 416) حديث 510، ورواه ابن شاهين في ناسخ الحديث ص/ 273 حديث 307، بلفظ:"زوارات القبور، والمتخذين. . ." إلخ. ورواه ابن أبي شيبة (2/ 376، 3/ 344)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 648) حديث 1550، وابن حبان "الإحسان"(7/ 452) حديث 3179، والبيهقي (4/ 78) بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذات عليها المساجد والسرج.

وأما السياق الذي ذكره المؤلف فرواه الطيالسي ص/ 357 حديث 2733. ومداره عند الجميع على أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 274 - مع الفيض) ورمز لصحته.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 137): والجمهور على أن أبا صالح هو مولى أم هانئ - وهو ضعيف - وأغرب ابن حبان، فقال: هو أبو صالح راوي هذا الحديث اسمه ميزان، وليس هو مولى أم هانئ.

وللفظ "زوارات القبور" شواهد يأتي تخريجها في محله. انظر: (4/ 244) تعليق رقم (3).

ص: 219

(و) يحرم (اتخاذ المسجد عليها) أي: القبور (وبينها) لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ اللهُ اليهودَ اتخذُوا قبورَ أنبيائِهمْ مساجِدَ". متفق عليه

(1)

(وتتعين إزالتها) أي: المساجد، إذا وضعت على القبور، أو بينها (وفي كتاب "الهَدي) النبوي"

(2)

لابن قيم الجوزية (لو وضع المسجد والقبر معًا، لم يجز، ولم يصح الوقف، ولا الصلاة) تغليبًا لجانب الحظر (وتقدم) ذلك (في) باب (اجتناب النجاسة

(3)

.

ويكره المشي بالنعل فيها) أي: في المقبرة؛ لما روى بشير بن الخصاصية، قال:"بينَا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجلٌ يمشي في القبورِ، عليه نعلانِ، فقال له: يا صاحبَ السِّبْتيَّتين! ألقِ سِبْتيَّتَيْك فنظر الرجلُ، فلما عرفَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، خلعهُما فرمَى بهمَا" رواه أبو داود

(4)

.

(1)

البخاري في الصلاة، باب 55، حديث 437، ومسلم في المساجد، حديث 530 (20) بلفظ: قاتل الله اليهود. . . إلخ، وفي رواية لمسلم حديث 530 (21): لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

(2)

زاد المعاد (3/ 572).

(3)

(2/ 201).

(4)

في الجنائز، باب 78، حديث 3230. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد حديث 775، 829، والنسائي في الجنائز، باب 107، حديث 2046، وابن ماجه في الجنائز، باب 46، حديث 1568، والطيالسي حديث 1124، وابن أبي شيبة (3/ 396)، وأحمد (5/ 83 - 84)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 270) حديث 1651، والطحاوي (1/ 510)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 88)، وابن حبان "الإحسان" (7/ 441) حديث 3170، والطبراني في الكبير (2/ 43) حديث 1230، والحاكم (1/ 373)، وابن حزم في المحلى (5/ 136)، والبيهقي (4/ 80)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 78، 79)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 90 - 91). =

ص: 220

وقال أحمد: إسناده جيد

(1)

. ولأن خلع النعلين أقرب إلى الخشوع، وزي أهل التواضع، واحترام أموات المسلمين (حتى التُّمُشْك - بضم التاء والميم وسكون الشين) المعجمة (لأنه) أي: التمشك (نوع منها) أي: من النعال، فيتناوله ما سبق، وهو معروف ببغداد.

و (لا) يكره المشي بين القبور (بخفٍّ) لأنه ليس بنعل ولا في معناه، ويشق نزعه، وروي عن أحمد

(2)

، أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه

(3)

.

وأما وطء القبر نفسه، فمكروه مطلقًا؛ لما سبق

(4)

. وفي عبارة "المنتهى" إبهام.

(ويسن خلع النعل إذا دخلها) لما سبق (إلا خوف نجاسة أو شوك ونحوه) مما يتأذى به، كحرارة الأرض؛ لأنه عذر.

(ومن سبق إلى) مقبرة (مُسبَّلة، قُدِّم) عند التزاحم وضيق المحلِّ، كما لو تنازعا في رحاب المساجد، ومقاعد الأسواق (ويقرع إن جاءا

= وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (5/ 269) وفي الخلاصة (2/ 1070): رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 398) وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه

ورجاله رجال الصحيح غير خالد بن سمير وهو ثقة. وانظر تهذيب السنن لابن القيم (4/ 343).

(1)

انظر: المغني (3/ 514).

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 490) رقم 681.

(3)

في "ح": "خفين".

(4)

تقدم (4/ 215).

ص: 221

معًا) فيقدم من خرجت له القرعة؛ لأنها وضعت لتمييز ما أبهم.

(ولا بأس بتحويل الميت ونقله إلى مكان آخر بعيد؛ لغرض صحيح، كبقعة شريفة، ومجاورة صالح مع أَمْنِ التغير) لما في "الموطأ" لمالك: أنه سمع غير واحد يقول: "إن سعدَ بن أبي وقَّاص وسعيدَ بن زيدٍ ماتا بالعقيقِ، فحملا إلى المدينة، ودفنا بها"

(1)

. وقال سفيان بن عيينة: "مات ابنُ عمر هاهنا، وأوصى أن لا يدفنَ هاهنا، وأن يدفنَ بسرف". ذكره ابن المنذر، وتقدم بعضه

(2)

.

(إلا الشهيد) إذا دفن بمصرعه فلا ينقل منه، ودفنه به سنة (حتى لو نقل) من مصرعه (رُدَّ إليه) قال أحمد

(3)

: أما القتلى فعلى حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادفنُوا القتلَى في مصارِعِهمْ"

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه (4/ 53) تعليق رقم (1).

(2)

تقدم (4/ 52) تعليق رقم (3).

(3)

انظر المغني (3/ 442).

(4)

رواه أبو داود في الجنائز، باب 42، حديث 3165، والترمذي في الجهاد، باب 38، حديث 1717، والنسائي في الجنائز، باب 83، حديث 2002، 2003، وابن ماجه في الجنائز، باب 28، حديث 1516، والطيالسي ص/ 246 حديث 1780، وعبد الرزاق (3/ 548) حديث 6658 و (5/ 278) حديث 9604، والحميدي (2/ 544) حديث 1298، وسعيد بن منصور (2/ 240) حديث 2580، وابن سعد (3/ 562)، وابن أبي شيبة (3/ 395)، وأحمد (3/ 297، 308، 398 - 399)، والدارمي في المقدمة، باب 7، حديث 45، وابن الجارود حديث 553، وأبو يعلى (3/ 372) حديث 1842، وابن حبان "الإحسان"(7/ 456، 457) حليث 3183، 3184، والبيهقي (4/ 57)، والخطيب في تاريخه (2/ 290) كلهم من طريق نُبيح عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ونبيح ثقة. وقال النووي في =

ص: 222

(ويجوز نبشه) أي: الميت (لغرض صحيح، كتحسين كفنه) لحديث جابر قال: "أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن أبيٍّ بعد ما دفِنَ، فأخرجَهُ فنفثَ فيه من ريقِه، وألبسَه قميصَه". أخرجه الشيخان

(1)

.

(و) يجوز نقله لـ (ــبقعة خير من بقعته، كـ) ــنبشه لـ (ــإفراده عمن دفن معه) لقول جابر: "دُفِنَ مع أبي رجلٌ، فلم تطِبْ نفسي حتى أخرجتهُ، فجعلتُه في قبرٍ على حدةٍ". وفي رواية: "كان أبي أولَ قتيلٍ - يعني: يوم أحد - فدفنَ معهُ آخرُ في قبرهِ، ثم لم تطِبْ نفسي أن أتركَهُ مع الآخر، فاستخرجتُه بعد ستةِ أشهرٍ، فإذا هو كيوم وضعتُه غير أذنِه" رواهما البخاري

(2)

(وتقدم) ذلك أول الغسل.

(ويستحب جَمْعُ الأقارب) الموتى في المقبرة الواحدة، ويقارب بين قبورهم؛ لأنه أسهل لزيارتهم، وأبعد لاندراس قبورهم، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم لما دفن عثمان بن مظعون وعلَّم قبره:"أدفنُ إليه مَنْ ماتَ من أهلي"

(3)

.

ويستحب أيضًا الدفن (في البقاع الشريفة) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "أن موسى عليه السلام لما حضرهُ الموتُ، سأل ربَّه أن يُدنيَه من الأرضِ المقدسةِ رميةَ حجرٍ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنتُ ثَمَّ،

= المجموع (5/ 270): رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 230 مع الفيض) ورمز لصحته. وذكره - أيضًا - في الجامع الصغير (4/ 32 مع الفيض) ورمز لحسنه.

(1)

البخاري في الجنائز، باب 22، 77، حديث 1270، 1350، وفي اللباس، باب 8، حديث 5795، ومسلم في صفات المنافقين، حديث 2773.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 53) تعليق رقم (2) و (3).

(3)

تقدم تخريجه (4/ 210) تعليق رقم (2) و (3).

ص: 223

لأريتُكم قبرَه، عند الكثِيب الأحمَرِ"

(1)

.

وقال عمر: "اللهم، ارزقنِي شهادةً في سبيلكَ، واجعَلْ موتي في بلدِ رسولك". متفق عليهما

(2)

.

(و) يستحب - أيضًا - الدفن فيـ (ــما كثر فيه الصالحون) لتناله بركتهم؛ ولذلك التمس عمر الدفن عند صاحبيه، وسأل عائشة حتى أذنت له

(3)

.

(و‌

‌يحرم قطع شيء من أطراف الميت، وإتلاف ذاته، وإحراقه)

لحديث: "كسرُ عظمِ الميتِ ككسرِ عظمِ الحيِّ"

(4)

، ولبقاء حرمته

(1)

رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 32، حديث 3407، ومسلم في الفضائل، حديث 2372.

(2)

البخاري في فضائل المدينة، باب 12، رقم 1890، ولم نقف عليه عند مسلم.

(3)

رواه البخاري في الجنائز، باب 96، رقم 1392، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب 8، رقم 3700، عن عمرو بن ميمون الأودي في قصة شهادته رضي الله عنه.

(4)

أخرجه أبو داود في الجنائز، باب 64، حديث 3207، وابن ماجه في الجنائز، باب 63، حديث 1616، وعبد الرزاق (3/ 444) حديث 6256 - 6258، وإسحاق بن راهويه حديث 1006، وأحمد (6/ 58، 105، 168 - 169، 200، 264)، وابن الجارود حديث 551، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 308، 309) حديث 1273، 1274، 1275، 1276، وابن حبان "الإحسان"(7/ 437) حديث 3167، وابن عدي (3/ 1189)، والدارقطني (3/ 188، 189)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 186)، وفي الحلية (7/ 95)، وتمام (2/ 111) حديث 507، وابن حزم في المحلى (11/ 40)، والبيهقي (4/ 58)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 143)، والخطيب في تاريخه (12/ 106، 13/ 120) عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

ورواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 150)، ومالك في الموطأ (1/ 238) =

ص: 224

(ولو أوصى به) أي: بما ذكر من القطع والإتلاف والإحراق، فلا تتبع وصيته؛ لحق الله تعالى (ولا ضمان فيه) أي: الميت إذا قطع طرفه أو أتلف أو أحرق (ولوليه) أي: الميت (أن يحامي عنه) أي: يدفع عنه من أراد قطع طرفه ونحوه بالأسهل فالأسهل، كدفع الصائل (وإن آل ذلك إلى إتلاف الطالب، فلا ضمان) على الدافع، كما في دفع الصائل.

(و‌

‌من أمكن غسله فدفن قبله، لزم نبشه)

تداركًا للواجب (و) لزم (تغسيله) وتكفينه والصلاة عليه (وتقدم) ذلك في الغسل

(1)

.

(ويحرم دفن اثنين فأكثر في قبر واحد) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدفنُ كلَّ ميتٍ في قبرٍ

(2)

، وعلى هذا استمر فعل الصحابة ومن بعدهم (إلا لضرورة أو حاجة) ككثرة الموتى وقلة من يدفنهم، وخوف الفساد عليهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد:"ادفنُوا الاثنين والثلاثةَ في قبرٍ واحدٍ" رواه النسائي

(3)

، وإذا دفن اثنين فأكثر في قبر واحد فـ (ـإن شاء سوَّى بين رؤوسهم، وإن شاء حفر قبرًا طويلًا، وجعل رأس كل واحد) من

= بلاغًا، وأحمد (6/ 100)، عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا، ورجحه البخاري حيث قال: وغير مرفوع أكثر. ورجح الدارقطني في العلل (5/ ق 100) المرفوع حيث قال: والصحيح من سعد بن سعيد، وعن حارثة - وليس بالقوي - عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وله شاهد من حديث أم سلمة رضي الله عنها يأتي تخريجه (4/ 232) تعليق رقم (2).

(1)

(4/ 50).

(2)

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 136): قوله: الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر، كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم أره هكذا، لكنه معروف بالاستقراء.

(3)

في الجنائز، باب 86، 87، 90، 91، حديث 2009، 2010، 2014، 2015، 2016، 2017، من حديث هشام بن عامر رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه (4/ 126) تعليق (1).

ص: 225

الموتى (عند رِجْل

(1)

الآخر، أو) عند (وسطه، كالدَّرَج، ويجعل رأس المفضول عند رجلي الفاضل، ويسن حجزه بينهما بتراب) ليصير كل واحد كأنه في قبر منفرد.

(والتقديم إلى القبلة كالتقديم إلى الإمام في الصلاة، فيسن) أن يقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة في القبر؛ لحديث هشام بن عامر قال: "شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرةُ الجراحات يومَ أحدٍ، فقال: احفرُوا، ووسعُوا، وأحسنُوا، وادفنُوا الاثنين والثلاثَة في قبرٍ واحدٍ، وقدِّمُوا أكثرهُم قرآنًا". رواه الترمذي

(2)

، وقال: حسن صحيح. (وتقدم) ذلك في (صلاة الجماعة) عند بيان موقف الإمام والمأموم

(3)

.

(ولا ينبش قبر ميت باقٍ لميت آخر) أي: يحرم ذلك؛ لما فيه من هتك حرمته (ومتى علم) أن الميت بلي وصار رميمًا (- ومرادهم) أي: الأصحاب (ظُنَّ - أنه بلي، وصار رميمًا، جاز نبشه، ودفن غيره فيه) أي: القبر مكانه، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والهواء، وهو في البلاد الحارة أسرع منه في الباردة (وإن شك في ذلك) أي: في أنه بلي وصار رميمًا (رجع إلى قول أهل الخبرة) أي: المعرفة بذلك (فإن حفر فوجد فيها) أي: الأرض (عظامًا، دفنها) أي: العظام، أي: أبقاها مكانها، وأعاد التراب كما كان، ولم يجز دفن ميت آخر عليه، نصًا

(4)

(وحفر في مكان آخر) خالٍ من الأموات.

(1)

في "ح": "رجلي".

(2)

في الجهاد، باب 33، حديث 1713، وقد تقدم تخريجه (4/ 126) تعليق (1).

(3)

(3/ 225).

(4)

انظر مسائل أبي داود ص/ 157.

ص: 226

(وإذا صار) الميت (رميمًا، جازت الزراعة وحرثه) أي: موضع الدفن (وغير ذلك) كالبناء، قاله أبو المعالي (وإلا) أي: وإن لم يصر رميمًا (فلا) يجوز ذلك، قال في "الفروع":(والمراد) أي: بقول أبي المعالي: تجوز الزراعة والحرث ونحوهما، إذا صار رميمًا (إذا لم يخالف شرط واقف؛ لتعيينه الجهة) بأن عيَّن الأرض للدفن، فلا يجوز حرثها ولا غرسها.

و‌

‌تحرم عمارة القبر إذا دثر

الذي غلب على الظن بلاء صاحبه، وتسوية التراب عليه في المقبرة المسبلة؛ لئلا يتصور بصورة الجديد، فيمتنع الناس من الدفن فيه؛ قياسًا على تحريم الحفر فيها قبل الحاجة إليه.

(ويجوز نبش قبور المشركين ليتخذ مكانها مسجد

(1)

) لأن موضع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان قبورًا للمشركين، فأمر بنبشها، وجعلها مسجدًا

(2)

. (أو) أي: ويجوز نبش قبور المشركين (لمال فيها، كقبر أبي رِغال) لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا قبرُ أبي رغال، وآية ذلك: أن معه غصنًا من ذهبٍ، إن أنتم نبشتُم عنهُ، أصبتُمُوه معهُ، فابتدره الناسُ فاستخرجُوا الغصنَ"

(3)

.

(1)

في "ح" و"ذ": "مسجدًا".

(2)

انظر صحيح البخاري، الصلاة، باب 48، حديث 428، وفضائل المدينة، باب 1، حديث 1868، ومناقب الأنصار، باب 46، حديث 3932، وصحيح مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، حديث 524، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

أبو داود في الخراج والإمارة والفيء، باب 41، حديث 3088، ورواه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان"(14/ 78) حديث 6198، والطبراني في الأوسط =

ص: 227

ونقل المرُّوذي

(1)

فيمن أوصى ببناء داره مسجدًا، فخرجت مقبرة، فإن كانوا مسلمين لم يخرجوا، وإلا أُخرجت عظامهم.

"تنبيه" أبو رغال: يرجم قبره، وكان دليلًا للحبشة حيث توجهوا إلى مكة، فمات في الطريق. قاله في "الصحاح"

(2)

.

(ولو وصَّى بدفنه في ملكه، دفن مع المسلمين؛ لأنه) أي: دفنه بملكه (يضر الورثة) لمنعهم في التصرف فيه، فيكون منفيًا؛ لحديث:"لا ضررَ ولا ضرارَ"

(3)

.

(و‌

‌لا بأس بشرائه موضع قبره، ويوصي بدفنه فيه)

فعله عثمان

(4)

وعائشة

(5)

. قال في "الفروع": فلهذا حمل صاحب "المحرر" الأول

= (3/ 377) حديث 289 و (9/ 242) حديث 8528، والبيهقي (4/ 156)، والمزي في تهذيب الكمال (4/ 10 - 11)، والذهبي في الميزان (1/ 297) من طريق بجير بن أبي بجير، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا. قال المزي: وهو حديث حسن عزيز، ورواه عبد الرزاق في تفسير (2/ 232) عن إسماعيل بن أمية مرسلًا. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 149) مرسلًا، ومرفوعًا، وقال: تفرد به بجير بن أبي بجير هذا، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية. قال شيخنا: فيحتمل أنه وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه والله أعلم.

(1)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال 1/ 293 - 294.

(2)

(4/ 1711) مادة: رغل.

(3)

تقدم تخريجه (2/ 111)، تعليق رقم (1).

(4)

انظر الإصابة (6/ 393)، ومعجم ما استعجم (2/ 451) فقد ذُكر أن عثمان اشترى حُشّ كوكب [موضع بالمدينة عند بقيع الغرقد، كما في معجم البلدان 2/ 262] فوسَّع به البقيع، وكان أول من دفن به.

(5)

لم نقف على من قال: إن عائشة اشترت موضع قبرها، بل قيل: إنها دفنت بالبقيع. =

ص: 228

على أنه لم يخرج من ثلثه. وما قاله متَّجه، وبعَّده بعضهم. وفي "الوسيلة": فإن أذنوا، كره دفنه فيه. نص عليه

(1)

. انتهى. ومراد صاحب "الفروع" بالأول: ما إذا أوصى بدفنه في ملكه.

قلت: الأَولى حملُ الأول على ملك في العمران، كما يدل عليه كلامه في "الوسيلة" والتعليل السابق. وحمل الثاني على شرائه موضع قبره في مقبرة غير مسبَّلة، كما يدل عليه ما استدلوا به من فعل عثمان وعائشة، فإنهما في البقيع.

(ويصح بيع ما دفن فيه من ملكه) لبقاء ماليته (ما لم يجعل) ما دفن فيه مقبرة، بأن وقف للدفن فيه (أو يَصرْ مقيرة) بأن تكثر فيه الموتى. وعبارة "المنتهى" مع "شرحه": ما لم يجعل، أي: يصير مقبرة، نص عليه

(2)

. ومنع ابن عقيل بيع موضع القبر مع بقاء رمَّته. قال في "الفنون": لأنها ما لم تَسْتَحِل ترابًا، فهي محترمة. قال: وإن نقلت العظام، وجب الرد؛ لتعينه لها.

(ويحرم حفره في) مقبرة (مُسبَّلة قبل الحاجة) إلى الدفن

(3)

، كمن يتخذ قبرًا؛ ليدفن فيه من سيموت. ذكره ابن الجوزي. وإن ثبت قول بجواز بناء بيت ونحوه، فهاهنا كذلك وأولى. ويتوجه هنا ما سبق في المصلى المفروش. قاله في "الفروع".

= انظر الطبقات لابن سعد (8/ 76 - 77).

(1)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 190) رقم 948.

(2)

انظر: طبقات الحنابلة (1/ 396).

(3)

في "ذ": "قبل الحاجة إليه، أي: الدفن".

ص: 229

(و) يحرم (دفنه في مسجد ونحوه

(1)

) كمدرسة، ورباط؛ لتعيين الواقف الجهة لغير ذلك (وبنبش) مَنْ دفن بمسجد ونحوه، ويخرج. نصًا

(2)

؛ تداركًا للعمل بشرط الواقف.

(و) يحرم دفن (في ملك غيره) بلا إذن ربه؛ للعدوان (وللمالك إلزام دافنه بنقله) ليفرغ له ملكه عما شغله به بغير حق (والأولى) للمالك (تركه) أي: الميت، حتى يبلى؛ لما فيه من هتك حرمته. وكرهه أبو المعالي لذلك.

(ويحرم أن يدفن مع الميت حلي أو ثياب غير كفنه، كإحراق ثيابه وتكسير أوانيه ونحوها) لأنه إضاعة مال بلا فائدة.

(وإن وقع في القبر ما لَهُ قيمة عرفًا، أو رماه ربه فيه، نُبش) القبر (وأخذ) ذلك منه؛ لما روي: "أن المغيرةَ بنَ شعبة وضع خاتمهُ في قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: خاتَمِي، فدخلَ وأخذَه، وكان يقول: أنا أقربُكم عهدًا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم"

(3)

. وقال أحمد

(4)

: إذا نسي الحفار مسحاته في القبر، جاز أن ينبش. انتهى. ولتعلق حق ربه بعينه، مع عدم الضرر في أخذه.

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى"(22/ 194): اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجدٌ على قبر

وأنه لا يجوز دَفْن ميت في مسجد.

(2)

انظر الفروع (2/ 279).

(3)

أخرجه ابن سعد (2/ 302 - 303)، والحاكم (3/ 448)، وابن عساكر في تاريخه (60/ 29) وقال: قال ابن شاهين: هذا حديث غريب. وقال النووي في المجموع (5/ 253): ضعيف غريب. وقال في الخلاصة (2/ 1025): قال الحاكم أبو أحمد وغيره: هو حديث باطل.

(4)

انظر المغني (3/ 499)، الفروع (2/ 282).

ص: 230

(وإن كفن بثوب غَصْبٍ) وطلبه ربه، لم ينبش، وغرم ذلك من تركته؛ لإمكان دفع الضرر مع عدم هتك حرمته. (أو بلع مال غيره بغير إذنه وتبقى ماليته، كخاتم، وطلبه ربه، لم ينبش، وغرم ذلك مِن تركته) صونًا لحرمته مع عدم الضرر (كمن غصب عبدًا فأبق، تجب قيمته) على الغاصب (لأجل الحيلولة) أي: حيلولته بين المال وربه. (فإن تعذر الغرم) أي: غرم الكفن المغصوب أو المال الذي بلعه الميت (لعدم تركة ونحوه، نُبش) القبر (وأخذ الكفن) الغصب، فدفع لربه (في) المسألة (الأولى، وشق جوفه في) المسألة (الثانية، وأخذ المال) فدفع لربه (إن لم يبذل له قيمته) أي: إن لم يتبرع وارث أو غيره ببذل قيمة الكفن أو المال لربه، وإلا، فلا ينبش؛ لما سبق.

(وإن بلعه) أي: مال الغير (بإذن ربه، أُخذ إذا بلي) الميت؛ لأن مالكه هو المسلط له على ماله بالإذن له (ولا يعرض له) أي: للميت (قبله) أي: قبل أن يبلى؛ لما تقدم، (ولا يضمنه) أي: المال الذي بلعه بإذن ربه، فلا طلب لربه على تركته؛ لأنه الذي سلطه عليه.

(وإن بلع مال نفسه، لم ينبش قبل أن يبلى) لأن ذلك استهلاك لمال نفسه في حياته، أشبه ما لو أتلفه (إلا أن يكون عليه دَيْن) فينبش، ويشق جوفه فيخرج ويوفى دينه؛ لما في ذلك من المبادرة إلى تبرئة ذمته من الدين.

(ولو مات وله أنف ذهب، لم يقلع) لما فيه من المثلة (لكن إن كان بائعه لم يأخذ ثمنه، أخذه من تركته) كسائر الديون. (ومع عدم التركة يأخذه) ربه (إذا بلي) الميت؛ جمعًا بين المصلحتين.

(وإن ماتت حامل بمن يرجى حياته، حرم شق بطنها) من أجل

ص: 231

الحمل، مسلمة كانت أو ذمية؛ لما فيه من هتك حرمة متيقنة؛ لإبقاء حياة موهومة؛ لأن الغالب والظاهر أن الولد لا يعيش. واحتج أحمد على ذلك في رواية أبي داود

(1)

بما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَسْر عظم الميتِ ككسرِ عظم الحيِّ" رواه أبو داود

(2)

ورواه ابن ماجه من رواية أم سلمة

(3)

، وزاد:"في الإثم". (وتسطو عليه القوابل) أو غيرهن من النساء فيدخلن أيديهن في فرجها (فيخرجنه) من بطنها. والذي تُرجى حياته: هو الذي تمَّ له ستة أشهر، وكان يتحرك حركة قوية، وانتفخت المخارج. (فإن لم يوجد نساء، لم يَسْطُ الرجال عليه) لما فيه من هتك حرمتها. (فإن تعذَّر) عليهن إخراجه (ترك حتى يموت) ولا يشق بطنها؛ لما تقدم (ولا تدفن قبله) أي: قبل موت حملها؛ لما يلزمه من دفنه معها (ولا يوضع عليه ما يموته) لعموم النواهي عن قتل النفس المحرمة.

(ولو خرج بعضه) أي: الحمل (حيًّا، شق) بطنها (حتى يخرج) باقي الحمل؛ لتيقن حياته بعد أن كانت موهومة (فلو مات) الحمل (قبل خروجه، أخرج وغسل) كغيره (وإن تعذر خروجه) أي: خروج باقي الحمل (ترك) بحاله (وغسل ما خرج منه) لأن له حكم السقط (وأجزأ) غسله (وما بقي) من الحمل في جوفها (ففي حكم الباطن،

(1)

مسائل أبي داود ص/ 150.

(2)

في الجنائز، باب 58 حديث 3207، وتقدم تخريجه (4/ 224)، تعليق رقم (4).

(3)

ابن ماجه في الجنائز، باب 63، حديث 1617، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 290): هذا إسناد فيه عبد الله بن زياد مجهول، ولعله: عبد الله بن زياد بن سمعان المدني أحد المتروكين.

ص: 232

لا يحتاج إلى التيمم من أجله) لأنه في حكم الحمل (وصُلِّيَ عليه) أي: على مَنْ خرج بعضه (معها) أي: مع أمه، بأن ينوي الصلاة عليهما، حيث تمَّ له أربعة أشهر فأكثر.

(وإن ماتت ذمية) أو كافرة غيرها (حامل بمسلم، دفنها مسلم وحدها) أي: في مكان غير مقابر المسلمين وغير مقابر الكفار. نص عليه

(1)

، وحكاه عن واثلة بن الأسقع

(2)

(إن أمكن) دفنها وحدها (وإلا) بأن لم يمكن دفنها وحدها (فـ) ــإنها تدفن (مع المسلمين) لأن ذلك أولى من دفن المسلم الذي هو الجنين مع الكفار، وكما لو اشتبه مسلم بكافر (وجعل ظهرها) أي: الكافرة (إلى القبلة) وتدفن (على جنبها الأيسر) ليكون الجنين على جنبه الأيمن مستقبل القبلة؛ لأن ظهره لوجه أمه (ولا يصلى عليه) أي: جنين نحو الذمية (لأنه غير مولود ولا سقط) وكالمأكول ببطن الآكل.

(و‌

‌يصلى على مسلمة حامل. و) على (حملها بعد مضي زمن تصويره)

وهو أربعة أشهر، فينويهما بالصلاة (وإلا) أي: وإن لم يمضِ زمن تصويره، صلى (عليها دونه) وإنما صحت الصلاة عليه معها بعد مضي زمن تصويره، تبعًا لها، بخلاف الكافرة.

(ويلزم‌

‌ تمييز قبور أهل الذمة) عن مقابر المسلمين،

كحال الحياة وأولى (ويأتي) في أحكام الذمة.

(1)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 302، 304)، والمغني (3/ 513 - 514).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 528) رقم 6586، (6/ 132) رقم 10241، وابن أبي شيبة (3/ 355) والبيهقي (4/ 59).

ص: 233

(و‌

‌لا تكره القراءة على القبر، و) لا (في المقبرة،

بل تستحب)

(1)

لما روى أنس مرفوعًا قال: "من دخلَ المقابرَ فقرأ فيهَا يس، خفَّف اللهُ عنهُمْ يومئذٍ، وكان لهُ بعددِهمْ حسناتٌ"

(2)

، وصح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها

(3)

. ولهذا

(1)

ذهب الأئمة: أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في أكثر الروايات عنه إلى كراهة قراءة القرآن عند القبور؛ لأنه محدث لم ترد به السنة، والقراءة تشبه الصلاة، والصلاة عند القبور منهي عنها، فكذلك القراءة.

انظر: "تحفة الملوك"(1/ 283)، و"حاشية الطحطاوي"(1/ 413)، و"مواهب الجليل"(2/ 543)، و"مجموع الفتاوى"(24/ 298)، و"شرح العقيدة الطحاوية"(2/ 675).

(2)

رواه الثعلبي في تفسيره (8/ 119) من طريق أحمد الرياحي، ثنا أبي، ثنا أيوب بن مدرك، عن أبي عبيدة، عن الحسن، عن أنس، به مرفوعًا.

قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (3/ 397): هذا إسناد مظلم هالك مسلسل بالعلل:

الأولى: أبو عبيدة. قال ابن معين: مجهول.

الثانية: أيوب بن مدرك متفق على ضعفه وتركه، بل قال ابن معين: كذاب

قلت: هو آفة هذا الحديث.

الثالثة: أحمد الرياحي

قال البيهقي: مجهول. كما في اللسان. اهـ.

وعزاه السخاوي في الفتاوى الحديثية ص/ 192، والسيوطي في شرح الصدور ص/ 312، والمباركفوري في تحفة الأحوذي (3/ 340) لعبد العزيز صاحب الخلال.

(3)

أخرجه يحيى بن معين في تاريخه (2/ 345) رقم 5238 و (2/ 379 - 380) رقم 5413، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (6/ 1227) رقم 2174، والبيهقي (4/ 56)، والمزي في تهذيب الكمال (22/ 538) عن مبشر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن العلاء، عن العلاء بن اللجلاج، عن عبد الله بن عمر، موقوفًا عليه. وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:

1 -

عبد الرحمن بن العلاء: مجهول. =

ص: 234

رجع أحمد عن الكراهة

(1)

. قاله أبو بكر.

لكن قال السامري: يستحب أن يقرأ عند رأس القبر بفاتحة البقرة، وعند رجليه بخاتمتها

(2)

.

(وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضه كالنصف ونحوه) كالثلث أو الربع (لمسلم حي أو ميت، جاز) ذلك (ونفعه ذلك؛ لحصول الثواب له، حتى لرسول الله

(3)

صلى الله عليه وسلم) ذكره المجد (من) بيان لكل قربة (تطوع وواجب، تدخله النيابة، كحج ونحوه) كصوم نذر (أو لا) تدخله النيابة (كصلاة، وكدعاء، واستغفار، وصدقة) وعتق (وأضحية، وأداء دين، وصوم، وكذا قراءة وغيرها) قال أحمد:

= ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 90). وقال الذهبي في الميزان (2/ 579): ما روى عنه سوى مبشر بن إسماعيل الحلبي.

وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: مقبول. أي: حيث يتابع، ولم يتابع.

2 -

أنه قد اضطرب فيه عبد الرحمن هذا، فروي عنه كما تقدم موقوفًا.

ورواه الطبراني في الكبير (9/ 220) رقم (491) عن (علي بن بحر، ودحيم الدمشقي، ومحمد بن أبي أسامة) ثلاثتهم عن مبشر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن العلاء، عن أبيه، عن جده اللجلاج، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا. مبشر: ثقة، انظر تهذيب الكمال (27/ 192) فالحمل فيه على عبد الرحمن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا إنما كان عند الدفن، فأما بعد ذلك فلم ينقل عنهم شيء من ذلك، ولهذا فرق (أي أحمد) في القول الثالث بين القراءة حين الدفن، والقراءة الراتبة بعد الدفن، فإن هذا بدعة لا يعرف لها أصل. "مجموع الفتاوى"(24/ 317).

(1)

مسائل عبد الله (2/ 494) رقم (691)، والأمر بالمعروف ص/ 124 - 126.

(2)

لا دليل على هذا الاستحباب، ولا على هذا التخصيص.

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية ص/ 138: ولا يستحب إهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم، بل هو بدعة، هذا الصواب المقطوع به.

ص: 235

الميت يَصلُ إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه

(1)

. ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعًا.

وقال الأكثر: لا يصل إلى الميت ثواب القراءة، وأن ذلك لفاعله، واستدلوا بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}

(2)

، و {لَهَا مَا كَسَبَتْ}

(3)

، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابنُ آدمَ، انقطَع عملهُ" الخبر

(4)

.

وجوابه عن الآية الأولى: بأن ذلك في صحف إبراهيم وموسى. قال عكرمة

(5)

: هذا في حقهم خاصة، بخلاف شرعنا؛ بدليل حديث الخثعميَّة

(6)

، أو بأنها منسوخة بقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}

(7)

أو أنها مختصة بالكافر، أي: ليس له من الخير إلا جزاء

(1)

انظر كتاب الوقوف من الجامع للخلال (2/ 564 - 565) رقم (252)، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 212 - 214)، ومسائل عبد الله (2/ 494) رقم 691 والروح لابن القيم ص/ 10، والمقصد الأرشد (2/ 488).

(2)

سورة النجم، الآية:39.

(3)

سورة البقرة، الآية:286.

(4)

أخرجه مسلم في الوصية، حديث 1631، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

انظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد للواحدي (4/ 203 - 204)، وتفسير البغوي (4/ 254)، وزاد المسير (8/ 81).

(6)

وهو ما رواه البخاري في الحج، باب 1، 23 حديث 1513، 1854، ومسلم في الحج، حديث 1334، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع، قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوى على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال نعم. ويأتي مفصلًا في الحج إن شاء الله تعالى.

(7)

سورة الطور، الآية:21.

ص: 236

سعيه، يوفاه في الدنيا، وماله في الآخرة من نصيب، أو أن معناها: ليس للإنسان إلا ما سعى عدلًا، وله ما سعى غيرُه فضلًا، أو أن اللام بمعنى "على"، كقوله تعالى:{أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ}

(1)

.

وعن الثانية: بأنها تدل بالمفهوم، ومنطوق السنة بخلافه.

وعن الحديث: بأن الكلام في عمل غيره، لا عمله.

ولا يضرُّ جهل الفاعل بالثواب؛ لأن الله يعلمه. وقول المصنف: "أو لا، كصلاة": هو معنى قول القاضي: إذا صلى فرضًا وأهدى ثوابه، صحت الهدية، وأجزأ ما عليه. قال في "المدع": وفيه بُعْدٌ. وعُلِم مما تقدم: أنه إذا جعلها لغير مسلم، لا ينفعه. وهو صحيح؛ لنصٍّ ورد فيه

(2)

. قاله في "المبدع" فعلى هذا، لا يفتقر أن ينويه حال القراءة. نص عليه

(3)

.

(واعتبر بعضهم) في حصول الثواب للمجعول له (إذا نواه حال

(1)

سورة الرعد، الآية:25.

(2)

لعله يشير إلى حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك، (وفي رواية): فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك" رواه أبو داود، في الوصايا، باب 16، حديث (2883)، وابن أبي شيبة (3/ 386 - 387)، وأحمد (2/ 182)، والبيهقي (6/ 279) وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 328 مع الفيض) ورمز لحسنه.

(3)

انظر المبدع (2/ 282).

ص: 237

الفعل) أي: القراءة أو الاستغفار ونحوه (أو) نواه (قبله) أي: قبل الفعل دون ما نواه بعده. نقله في "الفروع" عن "مفردات" ابن عقيل، وردَّه.

(ويُستحب إهداء ذلك، فيقول: اللهم اجعل ثواب كذا لفلان) وذكر القاضي أنه يقول: اللهم إن كنتَ أثبتني على هذا، فاجعله أو ما تشاء منه لفلان، و (قال ابن تميم: والأولى أن يسأل الأجر من الله تعالى، ثم يجعله له) أي: للمهدى له (فيقول: اللهم أثبني برحمتك على ذلك، واجعل ثوابه لفلان) وللمهدي ثواب الإهداء. وقال بعض العلماء

(1)

: يثاب كل من المهدي والمهدى له، وفضل الله واسع.

(ويسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم ثلاثًا) أي: ثلاثة أيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنَعُوا لآلِ جعفرٍ طعامًا، فقد أتاهُم ما يشغَلُهم" رواه الشافعي، وأحمد، والترمذي وحسنه

(2)

. قال الزبير:

(1)

انظر: حاشية ابن عابدين (2/ 243)، وحاشية الجمل (2/ 210).

(2)

الشافعي في الأم (1/ 278) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 216)، وأحمد (1/ 205)، والترمذي في الجنائز، باب 21، حديث 998، وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الجنائز، باب 25، حديث 3132، وابن ماجه في الجنائز، باب 59، حديث 1610، وعبد الرزاق (3/ 550) حديث 6665، والحميدي (1/ 464) حديث 547، إسحاق بن راهويه (5/ 41) حديث 2144، والبزار "كشف الأستار"(6/ 204)، وأبو يعلى (12/ 173) حديث 6801، والطبراني في الكبير (2/ 108) حديث 1472، والدارقطني (2/ 78)، والحاكم (1/ 372)، والبيهقي (4/ 61)، وفي دلائل النبوة (4/ 371)، وفي بيان من أخطأ على الشافعي ص/ 198، والبغوي في شرح السنة (5/ 461) حديث 1552، والضياء في المختارة (9/ 166 - 167) حديث 141 و 142 من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وصححه ابن السكن كما في التلخيص الحبير (2/ 138) وحسنه البغوي، =

ص: 238

"فعمدتْ سلمَى مولاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعير فطحنتهُ، وأدمتهُ بزيتٍ جعل عليهِ، وبعثتْ بهِ إليهم"

(1)

، ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال:"فما زالت السنةُ فينا حتى تركها من تركهَا"

(2)

. وسواء كان الميت حاضرًا أو غائبًا وأتاهم نعيه، وينوى فعل ذلك لأهل الميت (لا لمن يجتمع عندهم، فيكره) لأنه معونة على مكروه، وهو اجتماع الناس عند أهل الميت. نقل المروذي عن أحمد

(3)

: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديدًا، ولأحمد وغيره: عن جرير، وإسناده ثقات، قال:"كنّا نعدُّ الاجتماعَ إلى أهلِ الميتِ وصنعةَ الطعامِ بعد دفنه من النياحةِ"

(4)

.

(ويُكره فعلهم) أي: فعل أهل الميت (ذلك) أي: الطعام (للناس) الذين يجتمعون عندهم؛ لما تقدم (قال الموفق وغيره)

= وانظر: بيان الوهم والإيهام (3/ 405)، وميزان الاعتدال (1/ 630).

(1)

أخرجه الواقدي في المغازي (2/ 766 - 767) والبيهقي في دلائل النبوة (4/ 371)، وابن عساكر في تاريخه (27/ 257).

(2)

أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب 59، عقب حديث 1611، وبحشل في تاريخ واسط ص/ 200، والبيهقي في دلائل النبوة (4/ 370 - 371) بنحوه. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 288): هذا إسناد ضعيف، أم عيسى مجهولة لم تسم، وكذلك أم عون.

(3)

مسائل أبي داود ص/ 139.

(4)

أحمد (2/ 204)، وابن ماجه في الجنائز، باب 60، حديث 1612 من طريقين، والطبراني في الكبير (2/ 307) حديث 2279. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 289): إسناد صحيح رجال الطريق الأولى على شرط البخاري، والطريق الثانية على شرط مسلم. وصحح إسناده النووي في المجموع (5/ 286)، والشوكاني في نيل الأوطار (4/ 104)، والمباركفوري في تحفة الأحوذي (4/ 67).

ص: 239

كالشارح (إلا من حاجة) تدعو إلى فعلهم الطعام للناس (كأن يجيئهم من يحضر ميتهم من أهل القرى البعيدة، ويبيت عندهم، فلا يمكنهم) عادة (إلا أن يطعموه) فيصنعون ما يطعمونه له.

(ويُكره الأكل من طعامهم، قاله في "النظم". وإن كان من التركة، وفي الورثة محجور عليه) أو من لم يأذن (حرم فعله، و) حرم (الأكل منه) لأنه تصرُّف في مال المحجور عليه، أو مال الغير بغير إذنه.

(ويُكره الذبح عند القبر والأكل منه) لخبر أنس: "لا عقرَ في الإسلامِ" رواه أحمد، بإسناد صحيح

(1)

. قال في "الفروع": رواه أحمد وأبو داود، وقال: قال عبد الرزاق: "وكانوا يعقرُون عند القبرِ بقرةً أو شاةً"

(2)

.

(1)

(3/ 197)، وأخرجه - أيضًا - أبو داود في كراهية الذبح عند القبر، باب 68، حديث 3222، وعبد الرزاق (3/ 560) حديث 6690، وعبد بن حميد (3/ 125) حديث 1251، وابن حبان "الإحسان"(7/ 415) حديث 3146، والبيهقي (4/ 57)، والضياء في المختارة (5/ 165 - 167) حديث 1785 و 1786 و 1787.

قال النووي في الخلاصة (2/ 1031): رواه أبو داود، والترمذي، والبيهقي بأسانيد صحيحة. اهـ.

وقال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (1/ 369): هذا حديث منكر جدًا.

وعزو النووي إلى الترمذي فيه نظر، لأن الترمذي لم يخرِّج الحديث بهذا اللفظ في سننه، بل أخرج طرفًا منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"من انتهب فليس منا" وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أنس. انظر سنن الترمذي، كتاب كراهية النهبة، باب 40، حديث 1601.

(2)

سنن أبي داود بعد حديث 3222، والبيهقي (4/ 57).

ص: 240

وقال أحمد في رواية المروذي

(1)

: كانوا إذا مات لهم الميت، نحروا جزورًا، فنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وفسَّره غير واحد بغير هذا

(2)

.

(قال الشيخ): يحرم الذبحُ (والتضحيةُ) عند القبر

(3)

(ولو نذر ذلك ناذر، لم يكن له أن يوفي به) كما يأتي في نذر المكروه والمحرَّم (فلو شرطه واقف، لكان شرطًا فاسدًا، وأنكر) أي: أدخل في المنكر (من ذلك) أي: من الذبح عند القبر والأكل منه (أن يوضع على القبر الطعام والشراب، ليأخذه الناس وإخراج الصدقة مع الجنازة) كالتي يسمونها بمصر: كفارة (بدعة مكروهة) إن لم يكن في الورثة محجور عليه، أو غائب، وإلا فحرام (وفي معنى ذلك) أي: الذبح عند القبر (الصدقة عند القبر) فإن ذلك محدث، وفيه رياء.

(1)

انظر المحدث الفاصل ص/ 252 - 253، واقتضاء الصراط المستقيم (1/ 266)، والفروع (2/ 297).

(2)

انظر: تاريخ ابن معين رواية الدوري (4/ 393) رقم (4947)، والسنن الكبرى للبيهقي (9/ 314)، والمجموع (8/ 342 - 343).

(3)

"مجموع الفتاوى"(26/ 306)(27/ 495).

ص: 241

فصل

(يسن لذكور زيارة قبر مسلم) نص عليه

(1)

، وحكاه النووي إجماعًا

(2)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها" رواه مسلم والترمذي

(3)

. وزاد: "فإنهَا تذكرُ الآخرةَ". وقال أبو هريرة: "زار النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبرَ أمِّه، فبكَى وأبكَى من حولَه، وقال: استأذنتُ ربِّي أن أستغفرَ لها فلم يُؤذنْ لي، واستأذنْتهُ أن أزورَ قبرَها فأذِن لي، فزوروا القبورَ، فإنها تذكركُم الموت" متفق عليه

(4)

. (بلا سفر) لحديث: "لا تشدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ"

(5)

.

(وتباح) الزيارة (لقبر كافر) والوقوف عند قبره كزيارته. قال في "شرح المنتهى" وغيره: لزيارته صلى الله عليه وسلم قبر أمه، وكان بعد الفتح، وأما قوله تعالى:{وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}

(6)

فإنما نزل بسبب عبد الله بن أُبي

(7)

في

(1)

انظر مسائل أبي داود ص/ 158، ومسائل ابن هانئ ص/ 192 رقم 958.

(2)

شرح صحيح مسلم (7/ 46 - 47).

(3)

مسلم في الجنائز، حديث 977، والترمذي في الجنائز، باب 60، حديث 1054 عن بريدة رضي الله عنه.

(4)

مسلم في الجنائز، حديث 976، ولم نقف عليه عند البخاري.

(5)

رواه البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب 1 حديث 1189، ومسلم في الحج، حديث 1397، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه البخاري - أيضًا - في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب 6، حديث 1197، وفي جزاء الصيد باب 26، حديث 1864، وفي الصوم باب 65، حديث 1995، ومسلم في الحج حديث 415 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(6)

سورة التوبة: الآية 84.

(7)

رواه البخاري في الجنائز باب 85، حديث 1366، وفي تفسير سورة التوبة =

ص: 242

آخر التاسعة

(1)

، على أن المراد عند أكثر المفسرين

(2)

: القيام للدعاء والاستغفار.

(ولا يسلم) من زار قبر كافر (عليه) كالحي (بل يقول) الزائر لكافر (له: أبشر بالنار)

(3)

وفي استعمال البشارة تهكُّم به، على حدِّ قوله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}

(4)

.

= باب 12 حديث 4671، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورواه - أيضًا - في الجنائز باب 23، حديث 1269، وفي التفسير باب 12 حديث 4670، ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2400 عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(1)

انظر المغازي للواقدي (2/ 1075) وفيه: أن عبد الله بن أبي ابن سلول مرض في ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة، بعد مَقْدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة تبوك في رمضان سنة تسع.

(2)

انظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد للواحدي (2/ 516)، وزاد المسير (3/ 481)، وتفسير ابن كثير (2/ 378).

(3)

جاء في حديث رواه ابن ماجه في الجنائز، باب 48، حديث 1573، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"حيثما مررت بقبر مشرك، فبشره بالنار". قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 279): هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. ورواه البزار "كشف الأستار"(1/ 64) حديث 93، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 145) حديث 326، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 546 حديث 595، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 191)، والضياء في المختارة (3/ 204) حديث 1005 عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 118)، وقال: رواه البزار، والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

ورواه عبد الرزاق (10/ 454) حديث 19687، عن معمر، عن الزهري مرسلًا. وقال أبو حاتم - كما في العلل لابنه (2/ 256): وهو الأشبه. وقال الدارقطني في العلل (4/ 335): وهو الصواب. وتعقبه الضياء بقوله: وهذه الرواية التي رويناها تقوي المتصل.

(4)

سورة الدخان الآية 49.

ص: 243

(ولا يمنع كافر من زيارة قريبه المسلم) حيًّا كان أو ميتًا؛ لعدم المحظور.

(وتُكره) زيارة القبور (للنساء)

(1)

لما روت أم عطية قالت: "نهينَا عن زيارةِ القبورِ ولم يعزم علينَا" متفق عليه

(2)

(فإن علم أنه يقع منهن محرَّم، حرمت) زيارتهن القبور، وعليه يحمل قوله:"لعن اللهُ زوَّارات القبورِ" رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي

(3)

.

(1)

والقول الآخر: "تحرم زيارة القبور للنساء" انظر: "مجموع الفتاوى"(24/ 348).

(2)

البخاري في الجنائز، باب 29، حديث 1278، ومسلم في الجنائز، حديث 938.

(3)

أخرجه الترمذي في الجنائز باب 61، حديث 1056، وابن ماجه في الجنائز باب 49، حديث 1576، والطيالسي ص/ 311 حديث 2358، وأحمد (2/ 337، 356)، وأبو يعلى (10/ 314) حديث 5908، وابن حبان "الإحسان"(7/ 452)، حديث 3178، وابن عدي (5/ 1698)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 273 حديث 306، والبيهقي (4/ 78)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 234) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحسنه - أيضًا - ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 511).

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 274 مع الفيض) ورمز لصحته. انظر ميزان الاعتدال (3/ 201).

وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الجنائز باب 49، حديث 1574، وابن أبي شيبة (3/ 345)، وأحمد (3/ 442 - 443)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 101)، حديث 2071، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 199)، والطبراني في الكبير (4/ 42)، حديث 3591، 3592، والحاكم (1/ 374)، والبيهقي (4/ 78) من حديث حسان بن ثابت رضي الله عنه بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 280): =

ص: 244

(غير قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقبرِ صاحبيه) أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (فيسن) زيارتها للرجال والنساء؛ لعموم الأدلة في طلب زيارته صلى الله عليه وسلم

(1)

.

(وإن اجتازت امرأة بقبر في طريقها) ولم تكن خرجت له (فسلمت عليه ودعت له، فحسن) لأنها لم تخرج لذلك.

(ويقف الزائر أمام القبر) أي: قدامه (ويقرب منه) كعادة الحي (ولا بأس بلمسه) أي: القبر (باليد. وأما التمسح به، والصلاة عنده، أو قصده لأجل الدعاء عنده معتقدًا أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره، أو النذر له، أو نحو ذلك، قال الشيخ

(2)

: فليس هذا من دين المسلمين، بل هو مما أحدث من البدع القبيحة التي هي من شعب الشرك) قال في "الاختيارات"

(3)

: اتفق السلف والأئمة على أن من سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين، فإنه لا يتمسَّح بالقبر ولا يقبله، بل اتفقوا على أنه لا يستلم ولا يقبل إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يستلم ولا يقبَّل على الصحيح. قلت: بل قال إبراهيم الحربي: يستحب تقبيل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(ويسن إذا زارها) أي: قبور المسلمين (أو مرَّ بها أن يقول

= هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه حديث 1575 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد تقدم تخريجه مفصلًا (4/ 219) تعليق رقم (1).

(1)

لا دليل على هذا الاستثناء.

(2)

مجموع الفتاوى (27/ 145).

(3)

ص/ 138.

(4)

الاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ما ذكره إبراهيم الحربي رحمه الله.

ص: 245

معرِّفًا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) للأخبار الواردة بذلك، فمنها حديث مسلم عن أبي هريرة وهو:"السلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنا إن شاء اللهُ بكمُ لاحِقُون"

(1)

. قال في "الشرح": وفي حديث عائشة: "ويرحمُ اللهُ المستقدمين منكم والمستأخِرِين"

(2)

. وروى مسلم من حديث بريدة قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلمهُم إذا خرجُوا إلى المقابر، أن يقولَ قائلهُم: السلام عليكمُ أهلَ الديارِ من المؤمنينَ والمسلمينَ، وإنّا إنْ شاءَ اللهُ بكم لاحِقُون، نسألُ اللهَ لنا ولكمُ العافيةَ"

(3)

وقد دل هذا الحديث على أن اسم الدار يقع على المقابر، وإطلاق الأهل على ساكن المكان، من حي وميت. وروى أحمد من حديث عائشة:"اللهمَّ لا تحرمْنَا أجرَهم ولا تفتِنا بعدَهم"

(4)

.

وروى الترمذي من حديث ابن عباس قال: "مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

مسلم في الطهارة، حديث 249.

(2)

رواه مسلم في الجنائز، حديث 974 (103).

(3)

مسلم في الجنائز، حديث 975.

(4)

أحمد (6/ 71، 76، 111)، وأخرجه - أيضًا - أبو داود كما في طبعة محمد عوامة (4/ 70) حديث 3231، وانظر: تحفة الأشراف (11/ 449)، وابن ماجه في الجنائز، باب 36، حديث 1546، والطيالسي حديث 1429، وابن سعد (2/ 203)، وأبو يعلى (8/ 69، 85 - 87، 190 - 191) حديث 4593، 4619 - 4620، 4748، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 591، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 241). وحسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/ 221).

ص: 246

بقبور المدينةِ، فأقبل عليهمْ بوجهِهِ، فقال: السلامُ عليكمْ يا أهل القبورِ، يغفرُ الله لنَا ولكُمْ، أنتم سلفُنا ونحن بالأَثرِ"

(1)

. قال الترمذي: حديث غريب. وقوله: "إنا

(2)

إن شاءَ اللهُ بكم لاحِقون" الاستثناء للتبرك، قاله العلماء، وفي "البغوي"

(3)

: أنه يرجع إلى اللحوق لا إلى الموت. وفي "الشافي": أنه يرجع إلى البقاع. (ونحوه) أي: أو يقول نحو ذلك مما ورد، ومنه:"اللهم ربَّ هذه الأجسادِ الباليةِ، والعظامِ النخرَةِ التي خرجتْ من دارِ الدنيا، وهي بك مؤمنةٌ، صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، وأنزل بهمْ روحًا منك وسلامًا منِّي"

(4)

ذكره في "المستوعب".

(ويخير بين تعريفه) أي: السلام (وتنكيره في سلامه على الحي) لأن النصوص صحت بالأمرين

(5)

. وقال ابن البناء: سلام التحية

(1)

الترمذي في الجنائز، باب 59، حديث 1053، وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (12/ 107) حديث 12613، والضياء في المختارة (9/ 541) حديث 532. عن قابوس بن أبي ظَبْيان، عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعًا. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن، ورجاله رجال الصحيح غير قابوس فمختلف فيه. انظر الفتوحات الربانية (4/ 220).

(2)

قوله: "إنا" ليس في "ح" و"ذ".

(3)

شرح السنة (5/ 470 - 471)، ونصه: (

وقيل: الاستثناء يرجع إلى استصحاب الإيمان إلى الموت أي نلحق بكم مؤمنين إن شاء الله، ولا يرجع إلى نفس الموت).

(4)

أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 593، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا. وأورده السيوطي في الجامع الصغير (5/ 130 مع الفيض) ورمز لضعفه.

(5)

فبالتنكير قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} (سورة الرعد، الآية: 24). =

ص: 247

منكَّر، وسلام الوداع معرَّف.

(وابتداؤه) أي: السلام (سنة، ومن جماعة سنةُ كفاية. والأفضل: السلام من جميعهم) لحديث: "أفشُوا السلامَ"

(1)

، وغيره (فلو سلَّم عليه جماعة فقال: وعليكم السلام، وقصد الرد عليهم) أي: على الذين سلموا عليه (جميعًا، جاز) ذلك (وسقط الفرض في حق الجميع) لحصول الرد المأمور به.

(ورفع الصوت بابتداء السلام سنة؛ ليسمعه المسلَّم عليهمْ سماعًا محقَّقًا) لحديث: "أفشُوا السلامَ بينكم"

(2)

.

(وإن سلَّم على أيقاظ عندهم نيام، أو) سلَّم (على مَنْ لا يعلم هل هم أيقاظ أو نيام؟ خفض صوته، بحيث يسمع الأيقاظ، ولا يوقظ النِّيام) جمعًا بين الفرضين.

(ولو سلَّم على إنسان، ثم لقيه على قرب، سُنَّ أن يسلِّم عليه ثانيًا وثالثًا وأكثر) من ذلك؛ لعموم حديث: "أفشوا السلام".

= وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال: سلام عليكم

الحديث رواه ابن حبان "الإحسان"(2/ 246) حديث 493.

وبالتعريف حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لما خلق الله آدم أمره أن يسلم على الملائكة، فقال: السلام عليكم

الحديث رواه البخاري في الاستئذان باب 1 حديث 6227، ومسلم في الجنة حديث 2841، وغير ذلك من الأحاديث، انظر جامع الأصول (6/ 600 - 606).

(1)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 54 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

تقدم تخريجه آنفًا.

ص: 248

(ويسن أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام) للخبر

(1)

.

واختلف في‌

‌ معنى السلام،

فقال بعضهم: هو اسم من أسماء الله

(1)

أخرج الترمذي في الاستئذان والآداب، باب 11، حديث 2699، وأبو يعلى (4/ 48) حديث 2059، وابن عدي (6/ 2210)، وابن جميع في معجمه حديث 371، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 56) حديث 34، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 78)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 232) حديث 1197، والمزي في تهذيب الكمال (10/ 438) عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن محمد بن زاذان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"السلام قبل الكلام".

قال الترمذي: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدًا يقول: عنبسة بن عبد الرحمن ضعيف في الحديث ذاهبٌ، ومحمد بن زاذان منكر الحديث.

وقال ابن عدي: أحاديث محمد بن زاذان كلها مضطربة، وقال النووي في الأذكار ص/ 214: حديث ضعيف. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 149 مع الفيض) ورمز لضعفه. وانظر: التلخيص الحبير (3/ 57).

وفي الباب: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 214، وأبو نعيم في الحلية (8/ 199)، عن بقية بن الوليد، عن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه".

قال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (2/ 294): هذا حديث باطل، ليس من حديث ابن أبي رواد. وقال أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (2/ 331): هذا حديث ليس له أصل، لم يسمع بقية هذا الحديث من عبد العزيز، إنما هو عن أهل حمص، وأهل حمص لا يميزون هذا.

وقال الحافظ ابن حجر: حديث غريب أخرجه ابن السني، ورجاله من أهل الصدق، ولكن بقية بن الوليد أحدَ رواته مدلس وقد عنعنه. انظر الفتوحات الربانية (5/ 325).

وقال في التلخيص الحبير (4/ 95): إسناده لا بأس به. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 150 مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 249

تعالى. وهو نص أحمد في رواية أبي داود

(1)

. ومعناه: اسم الله عليك، أي: أنت في حفظه. كما يقال: الله يصحبك، الله معك. وقال بعضهم: السلام بمعنى: السلامة، أي: السلامة ملازمة لك. قاله في "الآداب الكبرى"

(2)

.

(ولا يترك السلام إذا كان يغلب على ظنه أن المسلَّم عليه لا يرد) السلام؛ لعموم: "أفشوا السلام"

(3)

.

(وإن دخل على جماعة فيهم علماء، سلم على الكل، ثم سلم على العلماء سلامًا ثانيًا) تمييزًا لمرتبتهم، وكذا لو كان فيهم عالم واحد.

(وردُّه فرض عين على) المسلَّم عليه (المنفرد) أي: الذي انفرد بالسلام عليه، بأن خصه المسلِّم بالسلام، وإن كان في جماعة. (و) فرض (كفاية على الجماعة) المسلَّم عليهم، فيسقط برد واحد منهم (فورًا) أي: يجب الرد فورًا بحيث يعد جوابًا للسلام، وإلا لم يكن ردًّا (ورفع الصوت به) أي: برد السلام (واجب، قدر الإبلاغ) أي: إبلاغ المسلِّم، (وتزاد الواو في رد السلام وجوبًا) قدمه المصنف في "شرح منظومة الآداب". وعزاه للشيخ وجيه الدين في "شرح الهداية". وقيل: لا تجب. وقدمه في "شرح المنتهى". قال في "الآداب الكبرى"

(4)

: وهو أشهر وأصح.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 279 - 280.

(2)

الآداب الشرعية (1/ 403).

(3)

تقدم تخريجه (4/ 248)، تعليق رقم (1).

(4)

(1/ 358).

ص: 250

"تتمة":‌

‌ لو قال: سلام، لم يجبه،

قاله الشيخ عبد القادر؛ لأنه ليس بتحية الإسلام؛ لأنه ليس بكلام تام، ذكر في "الآداب الكبرى"

(1)

، والمصنف في "شرح المنظومة".

قلت: وفيه نظر.

وقالا: وإن قال: وعليك، أو: وعليكم، فقط وحذف المبتدأ، فظاهر كلام الناظم في "مجمع البحرين": أنه يجزئ. كذا الشيخ تقي الدين

(2)

. وقال: كما ردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الأعرابي

(3)

، وهو ظاهر الكتاب؛ فإن المضمر كالمظهر. ومقتضى كلام ابن أبي موسى وابن عقيل: لا يجزئ. وكذا قال الشيخ عبد القادر قال: ويكره الانحناء في السلام. وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان"

(4)

: يحرم.

(ويكره أن يسلم على امرأة أجنبية) أي: غير زوجة له ولا محرم، (إلا أن تكون عجوزًا) أي: غير حسناء، كما يعلم مما تقدم

(5)

في حضورها الجماعة. (أو) إلا أن تكون (بَرْزَة) أي: فلا يكره السلام عليها والمراد: لا تشتهى؛ لأمن الفتنة.

(1)

(1/ 361).

(2)

لم نقف عليه.

(3)

أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6667، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا دخل المسجد يصلي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد، فجاء فسلم عليه، فقال له:"ارجع فصل، فإنك لم تصل". فرجع فصلى، ثم سلم فقال:"وعليك، ارجع فصل فإنك لم تُصل. . ." الحديث.

(4)

(2/ 308).

(5)

(3/ 148 و 177).

ص: 251

(ويكره) السلام (في الحَمَّام) وتقدم في باب الغسل

(1)

. وتقدم كلام "الشرح" فيه.

(و) يكره السلام (على مَنْ يأكل أو يقاتل) لاشتغاله. (وفيمن يأكل نظر) قاله في "الآداب الكبرى"

(2)

. أي: في كراهة السلام عليه نظر. قال: وظاهر التخصيص أنه لا يكره على غيرهما، ومقتضى التعليل خلافه، أي: تعليلهم باشتغالهما.

(و) يكره السلام (على تالٍ) للقرآن (و) على (ذاكر) لله تعالى (و) على (مُلَبٍّ ومُحَدِّث) أي: مُلْقٍ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (وخطيب وواعظ، وعلى مَنْ يستمع لهم) أي: للمذكورين من التالي ومَنْ بعده. (و) يكره السلام على (مُكَرِّرِ فقه ومدرِّس) في أي علم كان. ولَعَلَّ المراد: إذا كان مشروعًا أو مباحًا. (وعلى مَنْ يبحثون في العلم، وعلى مَنْ يؤذن أو يقيم) وتقدم حكم المصلي

(3)

، وأن المذهب: لا يكره السلام عليه (وعلى مَنْ هو على حاجته) ويكره أيضًا رده منه. نص عليه

(4)

، وتقدم في باب الاستنجاء

(5)

. وقدم في "الرعاية الكبرى": لا يكره، ذكره في "الآداب"

(6)

(أو يتمتع بأهله، أو مشتغل بالقضاء ونحوهم) أي: نحو المذكورين مع كل مَنْ له شغل عن رد السلام.

(ومن سلَّم في حالة لا يُستحب فيها السلام) كالأحوال السابقة

(1)

(1/ 383).

(2)

(1/ 351).

(3)

(2/ 427).

(4)

مسائل عبد الله (1/ 111) رقم 138.

(5)

(1/ 120).

(6)

(1/ 355).

ص: 252

(لم يستحق جوابًا) لسلامه.

(ويكره أن يخص بعض طائفة لقيهم) أو دخل عليهم ونحوه (بالسلام) لأن فيه مخالفة للسنة في إفشاء السلام، وكسرًا لقلب مَنْ أعرض عنهم.

(و) يكره (أن يقول: سلام الله عليكم) لمخالفته الصيغة الواردة.

"تتمة": قال المصنف في "شرح منظومة الآداب": ويكره أن يقول: عليك سلام الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كرهه. انتهى. قال في "الفروع": وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "عليك السلام تحية الموتى"

(1)

على

(1)

أخرجه مطولًا ومختصرًا أبو داود في اللباس، باب 28، حديث 4084، والترمذي في الاستئذان، باب 28، حديث 2721 - 2722، والنسائي في الكبرى (5/ 486) حديث 9694، و (6/ 88) حديث 10150 - 10152، وفي عمل اليوم والليلة حديث 317 - 318، وعبد الرزاق (10/ 384) حديث 19434، وابن أبي شيبة (8/ 617)، وأحمد (3/ 482 - 483)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 392) حديث 1183، والدولابي في الكنى والأسماء (1/ 66)، والطبراني في الكبير (7/ 65 - 66) حديث 6386 - 6387، 6389، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 236، والحاكم (4/ 186)، والبيهقي (10/ 236) وفي شعب الإيمان (6/ 252، 457) حديث 8050، 8884، 8885، والخطيب في الجامع (1/ 242) حديث 231، وابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 225) عن أبي تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم، مرفوعًا، وفي بعض الروايات: عن أبي تميمة الهجيمي، عن رجل من قومه، مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وصححه النووي في المجموع (4/ 463)، وفي الأذكار ص/ 214 وابن القيم في زاد المعاد (2/ 420).

وقال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه ابن علان في الفتوحات الربانية (5/ 322): حديث صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، كلهم مدارهم فيه على أبي =

ص: 253

عادتهم في تحية الأموات، يقدمون اسم الميت في الدعاء. ذكره صاحب "المحرر". وفعلوا ذلك؛ لأن المسلِّم على قوم يتوقع جوابًا، والميت لا يتوقع منه، فجعلوا السلام عليه كالجواب.

(والهجر المنهي عنه) وهو: هجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام

(1)

(يزول بالسلام) لأنه سبب التحابب للخبر

(2)

، فيقطع الهجر، وروي مرفوعًا: السلامُ يقطعُ الهجرانَ

(3)

.

= غفار، ثم منهم من طوَّله ومنهم من اقتصر على بعضه، ومنهم من سمَّى أبا جُريّ جابر بن سليم، ومنهم من سماه: سليم بن جابر، وأخرجه الترمذي والنسائي أيضًا عن خالد الحذاء، عن أبي تميمة، عن رجل من قومه. وانظر العلل لابن أبي حاتم (2/ 325).

(1)

أخرج البخاري في الأدب، باب 62، حديث 6077، وفي الاستئذان، باب 9، حديث 6237، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2560، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. . .".

(2)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم في الإيمان حديث 54 عن أبي هريرة رضي الله عنه كما تقدم (4/ 248).

(3)

لم نقف عليه، ولكن أخرج البخاري في الأدب المفرد ص/ 112، حديث 414، وأبو داود في الأدب، باب 55، حديث 4912، والبيهقي (10/ 63) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لرجل أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاثة أيام، فإذا مرت به ثلاثة أيام فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد برئ المسلِّم من الهجرة" وزاد أبو داود: "وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم".

وصححه ابن حجر في الفتح (10/ 495)، وانظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/ 269 - 270).

ص: 254

(و‌

‌يُسن السلام عند الانصراف) عن القوم

(1)

.

(و)

‌ يُسن السلام (إذا دخل على أهله)

للخبر

(2)

.

(1)

أخرج البخاري في الأدب المفرد، حديث 986، 1007، 1008، وأبو داود في الأدب، باب 150، حديث 5208، والترمذي في الاستئذان، باب 15، حديث 2706، والنسائي في الكبرى (6/ 99، 100) حديث 10200 - 10203، والحميدي (2/ 490) حديث 1162، وأحمد (2/ 230، 287، 439، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 380) حديث 1350 - 1354، وابن حبان "الإحسان"(2/ 246 - 249) حديث 493 - 496، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 131)، والبغوي في شرح السنة (12/ 293) حديث 3328، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا، قال:"إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة" لفظ أبي داود. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وحسنه - أيضًا - البغوي، والسيوطي في الجامع الصغير (1/ 305 مع الفيض).

(2)

أخرج الترمذي في الاستئذان، باب 10، حديث 2698، وأبو يعلى (6/ 309) حديث 3924، (7/ 197) حديث 4183، والعقيلي (2/ 106)، وابن حبان في المجروحين (2/ 192)، والطبراني في الأوسط (3/ 385) حديث 2829، وفي الصغير (2/ 32)، وابن عدي (5/ 2019)، و (6/ 2086)، والسهمي في تاريخ جرجان (1/ 452)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 427) حديث 8758 - 8759، 8761، 8763، والذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 137) من طرق عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا:"يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك" لفظ الترمذي.

وقال: هذا حديث حسن غريب.

وقال العقيلي: وهذا المتن لا يعرف له طريق عن أنس يثبت. وقال الذهبي: هذا حديث منكر.

وأخرج البخاري في الأدب المفرد حديث 1095، والطبري في تفسيره (18/ 173)، وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2650) حديث 14895، عن جابر رضي الله عنه أنه قال: إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة. ورجال إسناده ثقات لكنه موقوف.

ص: 255

(فإن دخل بيتًا خاليًا، أو) دخل (مسجدًا خاليًا، قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) للخبر

(1)

.

(وإذا ولج) أي: دخل (بيته، فـ) ــليقدم رجله اليمنى، و (ليقل: اللهم إني أسألك خير المولِج وخير المخرج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم يسلم على أهله) لخبر أبي مالك الأشعري مرفوعًا، رواه أبو داود

(2)

. قال في

(1)

أخرج البخاري في الأدب المفرد، حديث 1055، وابن أبي شيبة (8/ 648)، عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا قال: إذا دخل البيت غير المسكون، فيقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. لفظ البخاري.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 398): رواه سعيد بإسناد حسن. وحسن إسناده - أيضًا - الحافظ في الفتح (11/ 20).

وأخرج عبد الرزاق في تفسيره (2/ 66) والطبري في تفسيره (18/ 174) والفاكهي في أخبار مكة (2/ 129 - 130) وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2650) حديث 14894، والحاكم (2/ 401)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 446) حديث 8836، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] قال: هو المسجد، يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 179): وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الاستئذان بسند صحيح عن ابن عباس، لكن قيده بالمسجد.

(2)

في الأدب، باب 123، حديث 5096. وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير (3/ 296) حديث 3452، وفي مسند الشاميين (2/ 447) حديث 1674. من طريق محمد بن إسماعيل بن عياش، عن أبيه، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا. قال النووي في الأذكار حديث 60: لم يضعفه أبو داود. وتعقبه الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 172) بقوله: يريد في السنن، وإلا فقد ضَعَّف راويه في أسئلة الآجري، فقال: =

ص: 256

"الآداب"

(1)

: حديث حسن.

(ولا بأس به) أي: السلام (على الصبيان؛ تأديبًا لهم) هذا معنى كلام ابن عقيل. وذكر القاضي في "المجرد"، وصاحب "عيون المسائل" فيها، والشيخ عبد القادر: أنه يستحب. وذكره في "شرح مسلم"

(2)

إجماعًا. والصبيان - بكسر الصاد، وضمها لغة - قاله في "الآداب"

(3)

.

(وإن سلم على صبي، لم يجب رده) أي: رد الصبي السلام؛ لحديث: "رفعَ القلمُ عن ثلاثٍ"

(4)

.

(و‌

‌إن سلم على صبي وبالغٍ، رده البالغ،

ولم يكفِ رد الصبي؛ لأن فرض الكفاية لا يحصل به) هذا معنى كلام أبي المعالي في "شرح الهداية". قال في "الآداب": ويتوجه تخريج من الاكتفاء بأذانه وصلاته على الجنازة.

(وإن سلم صبي على بالغ، وجب الرد) على البالغ (في وجه، وهو الصحيح) لأنه مكلف.

(ويجزئ في السلام) قول المسلِّم: (السلام عليكم، ولو) كان

= محمد بن إسماعيل بن عياش ليس بذاك وسألت عنه عمرو بن عثمان فدفعه. وقال الحافظ أيضًا: وإسماعيل وإن كان فيه مقال لكن هذا من روايته عن شامي فتقبل عند الجمهور، وقال أيضًا: وفي السند علة أخرى: قال أبو حاتم: رواية شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري مرسله. اهـ.

(1)

الآداب الشرعية (1/ 452).

(2)

شرح صحيح مسلم للنووي (14/ 149).

(3)

الآداب الشرعية (1/ 380).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2).

ص: 257

السلام (على مفرد

(1)

) أي: شخص واحد، ذكرًا كان أو أنثى، إما هو وملائكته

(2)

، أو تعظيمًا له. وإن قال: السلام عليك، أجزأ. (و) يجزئ (في الرد: وعليكم السلام) على ما تقدم.

(وتسن مصافحة الرجل الرجل، و) مصافحة (المرأة المرأة) لحديث قتادة، قال:"قلت لأنسٍ: أكانت المصافحةُ في أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعمْ". رواه البخاري

(3)

، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا التقى المسلمانِ فتصافَحَا، تناثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كما يتناثرُ ورقُ الشجَرِ"

(4)

.

(1)

في "ذ": "منفرد".

(2)

في هامش نسخة الشيخ حمود التويجري رحمه الله (1/ 418) ما نصّه: [يعني: أنه يأتي بضمير الجمع قاصدًا به مَن لقيه، ومن معه من الملائكة الحفظة].

(3)

في الاستئذان، باب 27، حديث 6263.

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 184) حديث 247، وابن شاهين في فضائل الأعمال (2/ 350) حديث 427، عن يعقوب الحرقي، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. ورواه - أيضًا - البيهقي في شعب الإيمان (6/ 473) حديث 8953، عن ابن أبي ليلى، عن حذيفة، بنحوه. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 423)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورواته لا أعلم فيهم مجروحًا. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 36): ويعقوب جد العلاء روى عنه غير واحد ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات.

وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا رواه بحشل في تاريخ واسط (178)، ولفظه:"إذا لقي المسلم أخاه المسلم فأخذه بيده فصافحه تناثرت خطاياهما من بين أصابعهما كما يتناثر ورق الشجر بالشتاء".

وفي سنده عبد الله بن سفيان الواسطي قال العقيلي (2/ 262): لا يتابع على حديثه.

ص: 258

وروي: "تحاتَّت خطايَاهُمَا، وكان أحقهما بالأجرِ أبشُّهمَا بصاحِبِهِ"

(1)

.

(ولا بأس بمصافحة المردان لمن وثق من نفسه، وقصد تعليمهم حسن الخلق) ذكره في "الفصول" و"الرعاية"؛ لما فيه من المصلحة، وانتفاء المفسدة.

(و‌

‌لا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية الشابة)

لأنها شر من النظر، أما العجوز، فللرجل مصافحتها على ما ذكره في "الفصول"

(1)

لم نجد من رواه بهذا السياق، والفقرة الأولى رواها البزار "كشف الأستار"(2/ 420) حديث 2005، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 473) حديث 8591، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة:"إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر" قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 37): رواه البزار وفي مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان، وضعفه الجمهور.

ورواها الطبراني في الكبير (6/ 256) حديث 6150 والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 473) حديث 8950، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه مرفوعًا.

قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 425): رواه الطبراني بإسناد حسن. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 36): رجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلان، وهو ثقة.

أما الفقرة الثانية منه فقد جاء معناها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 328) حديث 7668، والخطيب في تاريخه (5/ 440) وابن عساكر (53/ 326) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتساءلا أنزل الله بينهما مئة رحمة، تسعة وتسعين لأبشهما، وأطلقهما، وأبرهما، وأحسنهما مساءلة بأخيه". قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 424): رواه الطبراني بإسناد فيه نظر.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 36): وفيه الحسن بن كثير بن عدي ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ص: 259

و"الرعاية"، وأطلق في رواية ابن منصور: تكره مصافحة النساء. قال محمدُ بن عبد الله بن مهران: سئل أبو عبد الله عن الرجل يصافح المرأة؟ قال: لا، وشدَّد فيه جدًّا. قلت: فيصافحها بثوبه؟ قال: لا. قال الرجل: فإذا كان ذا رحم؟ قال: لا. قلت: ابنته؟ قال: إذا كانت ابنته فلا بأس

(1)

. والتحريم مطلقًا اختيار الشيخ تقي الدين، ويتوجه التفصيل بين المَحْرَم وغيره، فأما الوالد فيجوز. قاله في "الآداب"

(2)

.

(وإن سلَّمت شابة على رجل، ردَّه عليها) كذا في "الرعاية"، ولعل في النسخة غلطًا، ويتوجه: لا. وهو مذهب الشافعي

(3)

. قاله في "الآداب"

(4)

.

(وإن سلَّم) الرجل (عليها) أي: على الشابة (لم تردَّه) أي: السلام عليه؛ دفعًا للمفسدة. ولعل المراد غير المَحْرَم.

(وإرسال السلام إلى الأجنبية وإرسالها) السلام (إليه) أي: إلى الأجنبي (لا بأس به، للمصلحة وعدم المحذور) أي: لما فيه من المصلحة مع عدم المحذور.

(ويسن أن‌

‌ يسلِّم الصغير والقليل والماشي والراكب على ضدهم)

فيسلِّم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والماشي على الجالس، والراكب على الماشي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليسلِّم الصغير على

(1)

انظر الآداب الشرعية (2/ 246).

(2)

الآداب الشرعية (2/ 269).

(3)

انظر المجموع (4/ 420)، وأسنى المطالب (4/ 184)، ونهاية المحتاج (8/ 52).

(4)

الآداب الشرعية (1/ 374).

ص: 260

الكبيرِ، والمارّ على القاعد، والقليلُ على الكثير"

(1)

وفي حديث آخر: "يسلم الراكبُ على الماشي"

(2)

. رواهما البخاري.

(فإن عكس) بأن سَلَّم الكبير على الصغير، والكثير على القليل، والقاعد على الماشي، والماشي على الراكب (حصلت السنة) للاشتراك في الأمر بإفشاء السلام، والأول أكمل في السنة؛ لامتيازه بخصوص الأمر السابق.

(هذا) الذي تقدم بيانه (إذا تلاقَوْا في طريق) ونحوها (أما إذا وردوا على قاعد، أو قعود، فإن الوارد يبدأ مطلقًا) صغيرًا كان، أو راكبًا، أو قليلًا، أو ضدَّهم.

(وإن سلَّم على مَن وراء جدار) وجبت الإجابة عند البلاغ (أو) سلَّم (الغائب عن البلد برسالة، أو كتابة، وجبت الإجابة عند البلاغ. ويستحب أن يسلِّم على الرسول، فيقول: وعليك وعليه السلام) لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال له رجل: "أبي يقرئُك السلامَ، فقال: عليكَ وعلى أبيكَ السلامُ"

(3)

. وقيل لأحمد: إن فلانًا يقرئك السلام، فقال: عليك

(1)

رواه البخاري في الاستئذان، باب 4، 7، حديث 6231، 6234، ومسلم في السلام حديث 2160، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري في الاستئذان، باب 5، 6، حديث 6232 - 6233، ومسلم في السلام حديث 2160، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء، باب 5، حديث 2934، وفي الأداب، باب 154، حديث 5231، والنسائي في الكبرى (6/ 101) حديث 10205، وفي عمل اليوم والليلة حديث 373، وابن أبي شيبة (9/ 122)، وأحمد (5/ 366)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 642) حديث 1527، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 238، وابن عدي (6/ 2035) وأبو نعيم في الحلية (7/ 258)، والبيهقي (6/ 361)، وفي شعب =

ص: 261

وعليه السلام. وقال في موضع آخر

(1)

: وعليه السلام. وقال في موضع آخر: وعليك وعليه السلام

(2)

.

(وإن بعث) إنسان (معه السلام) ليبلِّغه لمن عَيَّنه له (وجب) على الرسول (تبليغه إن تحمله) لعموم الأمر بأداء الأمانة، وإلا فلا.

(ويُستحبُّ لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على الابتداء بالسلام) لقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناسُ أفشوا السلامَ، وأطعِمُوا الطعَام، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا والناس نيام، تدخلُوا الجنة بسلامٍ"

(3)

قال

= الإيمان (6/ 465) حديث 8920، والخطيب في تاريخه (10/ 434) من طريق غالب القطان، عن رجل، عن أبيه، عن جده مرفوعًا. قال المنذري في مختصر السنن (4/ 196): في إسناده مجاهيل، وغالب القطان قد وثقه غير واحد من الأئمة، واحتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما. وقال فيه ابن عدي: في حديثه بعض النكرة. وقال النووي في المجموع (4/ 462): إسناده ضعيف.

(1)

طبقات الحنابلة (1/ 332).

(2)

انظر الآداب الشرعية (1/ 419).

(3)

أخرجه الترمذي في صفة القيامة، باب 42، حديث 2485، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 174، حديث 1334، وفي الأطعمة، باب 29، حديث 3251، وابن سعد (1/ 235)، وابن أبي شيبة (8/ 536، 624)، و (14/ 95)، وأحمد (5/ 451)، وعبد بن حميد، (1/ 444) حديث 495، والدارمي في الصلاة، باب 157، حديث 1460، وفي الاستئذان، باب 4، حديث 2632، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 264)، وابن أبي عاصم في الأوائل حديث 79، ومحمد بن نصر في قيام الليل كما في مختصره للمقريزي حديث 20، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 132)، والطبراني في مكارم الأخلاق حديث 153، وفي الأوائل حديث 34، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 215 والحاكم (3/ 13، 4/ 160)، وتمام (3/ 399) حديث 1174، 1175، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 418) حديث 719، والبيهقي (2/ 502)، وفي شعب الإيمان (6/ 424) حديث 8749، والبغوي في شرح السنة =

ص: 262

الترمذي: حديث صحيح.

(فإن التقيا وبدأ كل واحد منهما صاحبه معًا) بالسلام (فعلى كل واحد منهما الإجابة) لعموم الأوامر برد السلام. فإن قاله أحدهما بعد الآخر، فقال الشاشي من الشافعية

(1)

: كان جوابًا. قال النووي

(2)

: وهذا هو الصواب. قال في "الآداب الكبرى"

(3)

: وما قاله صحيح. وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب، كما هو ظاهر الآية، قال: وقال الشيخ وجيه الدين وبعض الشافعية

(4)

: ولو قال كل منهما لصاحبه: وعليكم السلام، ابتداءً لا جوابًا، لم يستحق الجواب؛ لأن هذه صيغة جواب، فلا تستحق جوابًا.

(ولو سلَّم على أصم، جمع بين اللفظ والإشارة) وإلا، لم يجب

= (4/ 39) حديث 926 والضياء في المختارة (9/ 431 - 434) حديث 399 - 404 من طريق عوف، عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وقال البغوي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال النووي في الأذكار ص/ 207: أسانيده جياد. وقال الحافظ كما في "الفتوحات الربانية"(5/ 277): هذا حديث حسن أخرجه أحمد والطبراني والحاكم، كل هؤلاء تنتهي أسانيدهم إلى عوف بن أبي جميلة، وفي تصحيح الترمذي له نظر، فإن زرارة وإن كان ثقة، لا يعرف له سماع من عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فلعله أطلق الصحة لما للمتن من الشواهد، يعني فيكون حسنًا لذاته صحيحًا لغيره، وأما تصحيح الحاكم فلعله تبع الترمذي. اهـ.

(1)

حلية العلماء (2/ 286).

(2)

الأذكار ص/ 213، وانظر: روضة الطالبين (10/ 228).

(3)

(1/ 427).

(4)

انظر: الأذكار للنووي ص/ 213، وروضة الطالبين (10/ 227)، ومغني المحتاج (4/ 215).

ص: 263

الرد، قاله في "الآداب"

(1)

(كرده سلامه) أي: سلام الأصم، فيجمع الرادُّ عليه بين اللفظ والإشارة.

(وسلام الأخرس) بالإشارة (وجوابه) أي: الأخرس (بالإشارة) لقيامها مقام نطقه. وقال المرُّوذي: إن أبا عبد الله لما اشتد به المرض كان ربما أذن للناس، فيدخلون عليه أفواجًا أفواجًا يسلمون عليه، فيرد بيده

(2)

.

(و‌

‌آخِرُ السلام ابتداءً وردًّا وبركاته)

أي: استحبابًا. وتقدم

(3)

ما يجزئ منه.

(و‌

‌يجوز أن يزيد الابتداء على الرد وعكسه)

أي: أن يزيد الرد على الابتداء.

(و‌

‌سلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال)

لعموم الأدلة.

(ولا ينزع يده من يد من يصافحه حتى ينزعها) أي: يده من يده؛ لما في نزع يده قبل ذلك من الإعراض عنه (إلا لحاجة، كحيائه) منه (ونحوه) كمضرة بالتأخير.

(و‌

‌لا بأس بالمعانقة)

وقال أبو المعالي في "شرح الهداية": يستحب زيارة القادم، ومعانقته، والسلام عليه.

قال: وإكرام العلماءِ وأشرافِ القوم بالقيام سنةٌ مستحبةٌ. قال:

(1)

الآداب الشرعية (1/ 427).

(2)

انظر مناقب الإمام أحمد بن حنبل لابن الجوزي ص/ 404.

(3)

(4/ 257).

ص: 264

ويكره أن يَطمع في قيام الناس له. انتهى.

وقال ابن تميم: لا يستحب القيام إلا للإمام العادل والوالدين، وأهل العلم، والدِّين والورع، والكرم والنسب، وهو معنى كلامه في "المجرد" و"الفصول". وكذا ذكر الشيخ عبد القادر، وقاسه على المهاداة لهم. قال: ويُكره لأهل المعاصي والفجور. والذي يقام إليه ينبغي أن لا تستكبر

(1)

نفسه إليه ولا تطلبه، والنهي قد وقع على السرور بذلك الحال، فإذا لم يُسرَّ بالقيام إليه وقاموا إليه، فغير ممنوع منه. ذكره في "الآداب"

(2)

.

(و)

‌ لا بأس (بتقبيل الرأس واليد لأهل العلم والدين ونحوهم)

لحديث عائشة قالت: "قدمَ زيدُ بن حارثةَ المدينةَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاهُ، فقرعَ البابَ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتنَقَه وقَبَّلَهُ"

(3)

. حسنه الترمذي.

وفي حديث ابن عمر في قصة قال فيها: "فدنَونَا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

كذا في الأصول "تستكبر" وفي الآداب الشرعية (1/ 431): "تستشرف" وهو الأقرب.

(2)

الآداب الشرعية (1/ 458).

(3)

رواه الترمذي في الاستئذان والآداب، باب 32، حديث 2732، والطحاوي (4/ 281)، والعقيلي (4/ 428)، وابن المقرئ في تقبيل اليد ص/ 88.

وأبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 686) حديث 462، عن إبراهيم بن يحيى بن محمد الشجري، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال العقيلي: يحيى بن محمد في أحاديثه مناكير وأغاليط كان ضريرًا، فيما بلغني أنه يلقَّن. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 407): هذا حديث منكر تفرد به إبراهيم عن أبيه.

ص: 265

فقبّلْنَا يدَه". رواه أبو داود

(1)

.

وعن صفوان بن عسال قال: "قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فأَتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألاهُ عن تسعِ آياتٍ بيناتٍ، فذكر الحديث إلى قوله: فقبلوا

(2)

يدَهُ ووجلَهُ وقالا: نشهدُ أَنكَ نبيٌّ". رواه الترمذي

(3)

، فيباح تقبيل اليد والرأس؛ تدينًا وإكرامًا واحترامًا، مع

(1)

في الجهاد، باب 106، حديث 2647، وفي الأدب، باب 159، حديث 5223، وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد حديث 972، وابن ماجه في الأدب، باب 16، حديث 3704، وابن سعد (4/ 145) وابن أبي شيبة (8/ 749 - 750) و (12/ 536) وأحمد (2/ 23، 70)، وأبو يعلى (9/ 448) حديث 5597، و (10/ 104) حديث 5737، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 357، 358) حديث 900 - 902، والبيهقي (7/ 101)، والخطيب في الجامع (1/ 190) حديث 314، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه الترمذي في الجهاد، باب 36، حديث 1716، وليس فيه ذكر تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد. قال المنذري في مختصر السنن (3/ 439): أخرجه الترمذي وابن ماجه، ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد من الأئمة.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 42): رواه أبو يعلى، وفيه يزيد بن أبي زياد وهو لين الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(2)

في "ح" و"ذ": "فقبلا" وكلاهما ورد في روايتي الترمذي.

(3)

في الاستئذان والأدب، باب 33، حديث 2733، وفي تفسير القرآن، باب 18، حديث 3144، ورواه - أيضًا - النسائي في تحريم الدم، باب 18، حديث 4089، وفي الكبرى (2/ 306) حديث 3541، و (5/ 198) حديث 8656، وابن ماجه في الأدب، باب 16، حديث 3705 مختصرًا، والطيالسي ص/ 160 حديث 1164، وابن أبي شيبة (8/ 562)(14/ 289)، وأحمد (4/ 239 - 240)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 83) رقم 4286، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 414 - 415) حديث 2465 - 2466، وفي =

ص: 266

أمن الشهوة، وظاهره عدم إباحته لأمر الدنيا، وعليه يحمل النهي. قال

(1)

المصنف في "شرح المنظومة" (و‌

‌يكره تقبيل فم غير زوجته وجاريته) المباحة له

؛ لأنه قل أن يقع كرامةً.

(وإذا تثاءب، كظم) ندبًا أي: أمسك فمه؛ لئلا ينفتح (ما استطاع، فإن غلبه التثاؤب، غطى فمه بكمه أو غيره) كيده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاءب أحدُكم، فليكْظِمْ ما استطاعَ"

(2)

. وفي رواية: "فليضَع

= الجهاد (2/ 649) حديث 275، والطبري في تفسيره (15/ 172، 173)، والطحاوي (3/ 215)، وفي شرح مشكل الآثار (1/ 57، 58)، حديث 63، 64، 65، والعقيلي (2/ 261) وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 11)، والطبراني في الكبير (8/ 70) حديث 7396، والحاكم (1/ 9)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 97 - 98)، والبيهقي (8/ 166)، والخطيب في الموضح (1/ 328)، عن عبد الله بن سَلِمَة عن صفوان بن عسال مرفوعًا.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقال النسائي: هذا الحديث أحسن الأحاديث وأجودها، والله تعالى أعلم.

وقال العقيلي: ولا يحفظ هذا الحديث من حديث صفوان بن عسال إلا من هذا الطريق.

وقال الحاكم: حديث صحيح، لا نعرف له علة بوجه من الوجوه، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101]: هو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون. والله أعلم.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 93): رواه أصحاب السنن بإسناد قوي.

(1)

في "ح" و"ذ": "قاله".

(2)

رواه البخاري في بدء الخلق باب 11، حديث 3289، وفي الأدب باب 125، 128، حديث 6223، 6226، ومسلم في الزهد، حديث 2994، واللفظ له =

ص: 267

يدَه على فمهِ؛ فإن الشيطان يدخلُ مع التثاؤُب"

(1)

.

(وإذا عطَس) بفتح الطاء (خمَّر) أي: غطَّى (وجهه) لئلا يتأذى غيره ببصاقه (وغضَّ) أي: خفض (صوته) لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كانَ إذا عَطسَ، غطَّى وجهَهُ بثوبِهِ ويدِهِ، ثم غضَّ بها صوْتَه"

(2)

. حديث صحيح، قاله في "شرح المنظومة". قال الشيخ عبد القادر:(ولا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، وحمد الله) قال ابن هبيرة

(3)

: إذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفسه على صحة بدنه،

= عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

رواه مسلم في الزهد والرقائق، حديث 2995، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظه: إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل. ورواه الترمذي في الأدب باب 7 حديث 2746، عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه. وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

أخرجه أبو داود في الأدب، باب 98، حديث 5029، والترمذي في الأدب، باب 6، حديث 2745، والحميدي (2/ 489)، حديث 1157، وأحمد (2/ 439)، وأبو يعلى (12/ 17) حديث 6663، والطبراني في الأوسط (2/ 505)، حديث 1870، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 265، والحاكم (4/ 293)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 346)، و (8/ 389)، والبيهقي (2/ 290)، وفي شعب الإيمان (7/ 31 - 32) حديث 935، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 335)، والبغوي في شرح السنة (12/ 314) حديث 3346.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي. وأخرجه - أيضًا - الحاكم (4/ 264)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 31)، حديث 9353، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 335) بلفظ:"إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه وليخفض صوته". قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(3)

الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 323).

ص: 268

وجودة هضمه، واستقامة قوته، فينبغي له أن يحمد الله؛ ولذلك أمره صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله. وفي البخاري:"إن الله يحبُّ العطاسَ ويكرهُ التثاؤُبَ"

(1)

؛ لأن العطاس يدل على خفة بدن ونشاط، والتثاؤب غالبًا لثقل البدن وامتلائه واسترخائه، فيميل إلى الكسل، فأضافه إلى الشيطان؛ لأنه يرضيه، أو من تسببه؛ لدعائه إلى الشهوات.

ويكون حمده (جهرًا بحيث يسمع جليسه) حمده (ليشمته) بالشين والسين (وتشميته فرض كفاية) كرد السلام (فيقول له) سامعه: (يرحمك الله، أو: يرحمكم الله، ويرد عليه العاطس) وجوبًا (فيقول: يهديكم الله ويصلح بالَكُم) نص عليه

(2)

في رواية أبي طالب. وقال في رواية حرب

(3)

: هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه

(4)

. زاد في "الرعاية": ويدخلُكُم الجنةَ عرَّفَها لَكُمْ

(5)

. قال في "شرح المنتهى": أو يقول: يغفر الله لنا ولكم

(6)

.

(1)

في الأدب، باب 125، 128، حديث 6223 و 6226، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 280، ومسائل ابن هانئ (2/ 181) رقم 1992.

(3)

انظر الآداب الشرعية (2/ 346).

(4)

منها ما رواه البخاري في الأدب باب 126، حديث 6324، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم".

(5)

لم نقف عليه.

(6)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 107)، والنسائي في عمل اليوم والليلة، حديث 229، وأحمد (6/ 7)، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن رجل من آل خالد بن عرفطة، عن آخر، عن سالم بن =

ص: 269

(ويكره أن يشمت مَنْ لم يحمد الله) لحديث أبي موسى مرفوعًا: "إذا عَطسَ أحدُكم فحمدَ الله، فشمِّتوهُ، فإذا لم يحمد الله، فلا تشمِّتُوه" رواه أحمد ومسلم

(1)

.

(وإن نسي لم يذكره) أي: لم يسن تذكيره؛ لظاهر الخبر السابق. وروى المروذي

(2)

: أن رجلًا عطس عند أحمد، فلم يحمد الله، فانتظره أن يحمد الله فيشمته، فلم يحمد الله، فلما أراد أن يقوم قال له أبو عبد الله: كيف تقول إذا عطست؟ قال: أقول: الحمد لله، فقال له

= عبيد الأشجعي رضي الله عنه، به. وأخرجه. أبو داود في كتاب الأدب، باب 99، حديث 5031، والترمذي في كتاب الاستئذان، باب 37، حديث 3740، والنسائي في عمل اليوم والليلة حديث 225 و 226 و 227 عن جرير، وسفيان، وإسرائيل عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سالم بن عبيد، فذكره.

وأخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب 99، حديث (5032) والنسائي في عمل اليوم والليلة حديث 231 عن (إسحاق، ويزيد) عن ورقاء، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن خالد بن عرفجة، عن سالم بن عبيد، به.

وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة حديث 228 عن سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن رجل، عن سالم، به.

وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (230) عن سفيان، عن منصور، عن هلال، عن رجل، عن خالد بن عرفطة، عن سالم بن عبيد، به.

قال علي بن المديني كما في التاريخ الصغير للبخاري (2/ 232): لم أجد على جرير في حديث منصور إلا في هذا.

قال الترمذي: هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور، وقد أدخلوا بين هلال بن يساف وسالم رجلًا.

(1)

أحمد (4/ 412)، ومسلم في الزهد والرقائق حديث 2992.

(2)

انظر الآداب الشرعية (2/ 357).

ص: 270

أبو عبد الله: يرحمك الله. (لكن يعلم الصغير أن يحمد الله، وكذا حديث عهد بإسلام ونحوه) كمن نشأ ببادية بعيدة عمن يتعلم منه؛ لأنه مظنة الجهل بذلك.

(ولا يستحب تشميت الذمي) نص عليه

(1)

، وهل يكره، أو يباح، أو يحرم؟ أقوال، قاله في "شرح المنظومة". (فإن قيل له) أي: للذمي (يهديكم الله، جاز) ذلك؛ لأنه لا محذور فيه.

(ويقال للصبي إذا عطس: بورك فيك، وجبرك الله) قاله الشيخ عبد القادر، وروي "أنه عطسَ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم غلامٌ لم يبلغ الحُلمَ. فقال: الحمدُ لله ربِّ العالمينَ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: بارك اللهُ فيكَ يا غلام" رواه الحافظ السلفي في "انتخابه"

(2)

.

(وتشمِّت المرأةُ المرأةَ، و) يشمِّت (الرجلُ الرجلَ. و) يشمِّت الرجل (المرأة العجوز البرزة)

(3)

لأمن الفتنة (ولا يشمِّت الشابة، ولا تشمِّته) كما في ردِّ السلام، ولعل المراد الأجنبية.

(فإن عطس ثانيًا) وحمد (شمَّته، و) إن عطس (ثالثًا) وحمد، (شَمَّتَه) قال صالح لأبيه

(4)

: يشمَّت العاطس في مجلس ثلاثًا، قال: أكثر ما قيل فيه ثلاث. وروى ابن ماجه، وإسناده ثقات عن سلمة بن

(1)

انظر كتاب أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 465).

(2)

وهو المسمى بالطيوريات، ص/ 375 حديث 672 من طريق هارون بن الجهم، عن جعفر عن أبيه مرفوعًا. وهارون بن الجهم قال في العقيلي (4/ 363): يخالف في حديثه، وليس بمشهور بالنقل، وجعفر، وأبوه لا يدرى من هما.

(3)

البرزة: المرأة التي أَسنَّت، وخرجت عن حدِّ المحجوبات. المصباح المنير ص/ 44.

(4)

انظر الآداب الشرعية (2/ 353).

ص: 271

الأكوع، مرفوعًا:"يشمَّت العاطس ثلاثًا، فما زادَ فهو مزْكُومٌ"

(1)

.

(1)

ابن ماجه في الأدب باب 20 حديث 3714، ورواه الترمذي في الأدب باب 5، حديث 2743، وأحمد (4/ 50) بلفظ: عطس رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحمك الله، ثم عطس الثانية والثالثة - ولفظ أحمد: أو الثالثة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا رجل مزكوم".

وفي رواية للترمذي أنه قال له في الثالثة: "أنت مزكوم" وقال: هذا أصح. ورواه الطبراني في الكبير (7/ 13) حديث 6234، وابن عدي (5/ 1914)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 326)، وفي الاستذكار (27/ 165) حديث 40648، بلفظ: عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته، ثم عطس فشمته، ثم عطس فقال له في الثالثة: إنك مزكوم.

ورواه البخاري في الأدب المفرد حديث 935، ومسلم في الزهد والرقائق حديث 2993، وأبو داود في الأدب باب 100، حديث 5037، والنسائي في الكبرى (6/ 64) حديث 10051، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 239 حديث 223، ابن أبي شيبة (8/ 497)، وأحمد (4/ 46)، وابن حبان "الإحسان"(2/ 365) حديث 603، والطبراني في الدعاء (3/ 1696) حديث 2002، وابن السني في عمل اليوم والليلة حديث 249، وابن عدي (5/ 1911 - 1912)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 32) حديث 9357، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 326)، والبغوي في شرح السنة (12/ 313) حديث 3345، بلفظ:"عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يرحمك الله، ثم عطس أخرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مزكوم". هذا لفظ البخاري ومسلم.

فظهر من هذا التفصيل أن في لفظ حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه اختلافًا شديدًا، فرواية أن العاطس في حالة تكرار العطاس ثلاث مرات، بعده يقال: مزكوم. ورواية يشمت مرتين، ورواية مرة واحدة.

ولذا اختلفت آراء العلماء فيه، فقد تقدم أن الترمذي رجح رواية من قال: في الثالثة على رواية من قال: في الثانية، وبه ذهب النووي في الأذكار ص/ 233، قال: إذا تكرر العطاس متتابعًا فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ =

ص: 272

(و) إن عطس (رابعًا، دعا له بالعافية، ولا يشمَّت) للرابعة؛ لما تقدم (إلا إذا لم يكن شمَّته قبلها) ثلاثًا؛ فالاعتبار بفعل التشميت، لا بعدد العطسات، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات، شمَّته بعدها إذا لم يتقدَّم تشميت. قال في "شرح المنظومة": قولًا واحدًا.

= ثلاث مرات.

ورجح ابن حجر رواية من قال: يشمت مرة واحدة. قال في الفتح (10/ 605) بعد ذكره طرق الحديث: وهذا اختلاف شديد في لفظ هذا الحديث، لكن الأكثر على ترك ذكر التشميت بعد الأولى، ثم ساق رواية ابن ماجه التي تفيد تكرير التشميت. وقال: وهي رواية شاذة مخالفة جميع أصحاب عكرمة بن عمار في سياقه، ولعل ذلك من عكرمة المذكور لما حدث به وكيعًا، فإن في حفظه مقالًا، فإن كانت محفوظة فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة، ويستفاد منه مشروعية تشميت العاطس ما لم يزد على ثلاث، إذا حمد الله.

وقال العلامة ابن القيم في تهذيب السنن (7/ 310) بعد ذكره لفظ رواية ابن ماجه: وهذا يوافق رواية أبي هريرة، وعبيد بن رفاعة في حد ذلك بالثلاث. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري في الأدب المفرد حديث 939، وأبو داود في الأدب باب 100، حديث 5034 موقوفًا، وفي رواية لأبي داود مرفوعًا قال:"شمت أخاك ثلاثًا، فما زاد فهو زكام".

وحديث عبيد بن رفاعة أخرجه أبو داود حديث 5036، والترمذي في الأدب باب 5، حديث 2744 مرفوعًا قال:"يشمت العاطس ثلاثًا، فإن شئت أن تشمته، فشمته وإن شئت، فكف".

قال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده مجهول، وقال المنذري في مختصر السنن (7/ 309): هذا مرسل، عبيد بن رفاعة ليست له صحبة، وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن، وهو أبو خالد المعروف بالدالاني، وقد تقدم، الاختلاف في الاحتجاج به. اهـ.

ص: 273

(ولا يجيب المتجشئ بشيء، فإن حمد) الله (قال) له سامعه: (هنيئًا مريئًا، أو هنَّأك الله و

(1)

أمرأك) ذكره في "الرعاية الكبرى" وابن تميم، وكذا ابن عقيل، وقال: ولا يعرف فيه سنة، بل هو عادة موضوعة. قال أحمد في رواية مهنا

(2)

: إذا تجشَّأ الرجل، ينبغي أن يرفع وجهه إلى فوق؛ لكيلا يخرج من فيه رائحة يؤذي بها الناس، وروى أبو هريرة:"أن رجلًا تجشَّأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كفَّ عنَّا جشاءَك، فإن أكثرَهم شبعًا أطولُهمْ جوعًا يومَ القيامة"

(3)

.

(1)

في "ح": "أو".

(2)

انظر الآداب الشرعية (2/ 357).

(3)

رواه الترمذي في صفة القيامة باب 37، حديث 2478، وابن ماجه في الأطعمة باب 50، حديث 3350، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 27) حديث 5646، والمزي في تهذيب الكمال (18/ 164) عن ابن عمر رضي الله عنهما وليس عن أبي هريرة رضي الله عنه كما قال المؤلف.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب، ونقل المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 70) والمزي، والمناوي في فيض القدير (5/ 8) عن الترمذي أنه قال: حديث حسن. وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 139): هذا حديث منكر. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 8 مع الفيض)، ورمز لحسنه.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فرواه ابن عدي (5/ 1795) في ترجمة عمرو بن بكر السكسكي بلفظ: أطول الناس جوعًا يوم القيامة أكثرهم شبعًا في الدنيا، وأطول الناس صمتًا يوم القيامة أكثرهم جشأ في الدنيا. وقال: ولعمرو بن بكر هذا أحاديث مناكير عن الثقات.

وله شاهد من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه رواه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 31)، وابن أبي الدنيا في الجوع حديث 4، 19، والبزار "كشف الأستار"(4/ 258) حديث 3670، والطبراني في الكبير (22/ 126، 132) حديث 327، 351، وفي الأوسط (4/ 448، 9/ 428) حديث 3758، =

ص: 274

(ويجب الاستئذان على كل من يريد الدخول عليه من أقارب وأجانب) قطع به ابن أبي موسى، والسامري، وابن تميم، وهو معنى كلام ابن الجوزي

(1)

في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}

(2)

قال: لا يجوز لك أن تدخل بيت غيرك إلا بالاستئذان لهذه الآية. وقدم في

= 8924، والحاكم (4/ 121)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 26) حديث 5642، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/ 328) كلهم من طرق عن أبي جحيفة قال:"أكلت ثريدة من خبز بر ولحم سمين، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ فقال: "ما هذا؟ كف من جشائك، فإن أكثر الناس في الدنيا شبعًا، أكثرهم في الآخرة جوعًا". هذا لفظ الحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: فهد بن عوف قال ابن المديني: كذاب، وعمر هالك. كما تعقبه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 70) بقوله: بل واه جدًا، فيه فهد بن عوف، وعمر بن موسى، لكن رواه البزار بإسنادين رواة أحدهما ثقات. وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 478) خرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر، وخرجه الحاكم من حديث أبى جحيفة وفي أسانيدها كلها مقال.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد في موضعين (5/ 31، 10/ 323) قال في الأول منها: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بأسانيد، وفي أحد أسانيد الكبير محمد بن خالد الكوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وقال في الموضع الثاني: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات.

وضعفه الإمام أحمد، كما في الفتح (11/ 288) وإتحاف المهرة (13/ 695)، وضعفه - أيضًا - الحافظ في الفتح (9/ 528).

(1)

زاد المسير (6/ 28).

(2)

سورة النور: الآية (27).

ص: 275

"الرعاية": يسن أن يستأذن. قال في "الآداب الكبرى"

(1)

: ولا وجه لحكاية الخلاف، فيجب في الجملة على غير زوجة وأمة. انتهى. وروى سعيد عن أبي موسى قال:"إذا دخَل أحدكُم على والديْه فليستأذِنْ"

(2)

. وعن ابن مسعود

(3)

، وابن عباس مثله

(4)

(فإن

(5)

أذن له) في الدخول، دخل (وإلا) أي: وإن لم يؤذن له في الدخول (رجع).

ويسن أن يكون استئذانه ثلاثًا، إلا أن يجاب قبلها (ولا يزيد) في استئذان (على ثلاث) مرات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"الاستئذانُ ثلاثٌ، فإن أُذِنَ لكَ، وإلا فارجعْ" متفق عليه

(6)

(إلا أن يظن عدم سماعهم) للاستئذان، فيزيد بقدر ما يظن أنهم سمعوه. قال المصنف في "شرح المنظومة": و‌

‌صفة الاستئذان:

السلام علكيم أأدخل؟ واستأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمِه: "اخْرُجْ إلى هذَا فعلمه الاستئذانَ، فقال له: قل: السلامُ عليكمُ، أأدخلُ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخَلَ" رواه أبو داود

(7)

بإسناد صحيح.

(1)

(1/ 417).

(2)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ولم نقف عليه في مصدر آخر.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 399)، والطبري في تفسيره (18/ 110) والبيهقي (7/ 97).

(4)

أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 111) وصححه الحافظ في الفتح (11/ 25).

(5)

في "ح": "فإذا".

(6)

البخاري في الاستئذان، باب 13، حديث 6245، ومسلم في الآداب، حديث 2153 (34)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.

(7)

في الأدب، باب 126، حديث 5176 - 5179، ورواه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد، حديث 1084، والنسائي في عمل اليوم والليلة حديث 316، =

ص: 276

وهذا الذي ذكره الشيخ عبد القادر، وابن الجوزى، وابن حمدان، وقيل: يقول: سلام عليكم، فقط. انتهى.

ويجلس حيث انتهى به المجلس للأخبار

(1)

، ولَعنَ صلى الله عليه وسلم من جلس

= وابن أبي شيبة (8/ 606)، وأحمد (5/ 369)، والبيهقي (8/ 340)، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن رجل من بني عامر: أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم

وذكر الحديث.

قال ابن حجر في الفتح (11/ 3): أخرجه أبو داود وابن أبي شيبة بسند جيد، وصححه الدارقطني. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 422): إسناده حسن.

(1)

روي من حديث حابر بن سمرة والحسن بن علي رضي الله عنهم والكلام عليهما كما يلي:

أ - حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أخرجه البخاري في الأدب المفرد حديث 1141، وأبو داود في الأدب، باب 16، حديث 4825، والترمذي في الاستئذان، باب 59، حديث 2725، والنسائي في الكبرى (3/ 453) حديث 5899، والطيالسي، حديث 780، وأحمد (5/ 91، 107) وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (5/ 98) وأبو يعلى (13/ 449) حديث 7453، وابن حبان "الإحسان"(14/ 345) حديث 6433، والطبراني في الكبير (2/ 229) حديث 1951، والبيهقي (3/ 231)، والخطيب في الجامع (1/ 259) حديث 263، عن شريك، عن سِماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال:"كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي".

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقد رواه زهير بن معاوية عن سماك أيضًا. قلنا: ولم نقف على رواية زهير بن معاوية هذه.

ب - حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: أخرجه الترمذي في الشمائل حديث 330، وابن سعد (1/ 424)، وابن حبان في الثقات (2/ 149)، والطبراني في الكبير (22/ 158) حديث 414، وفي الأحاديث الطوال حديث 29، والحاكم (3/ 640) ولم يسق لفظه، وأبو نعيم في دلائل النبوة (1/ 806)، حديث 565، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 156)، حديث =

ص: 277

وسطَ الحلقة. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصحَّحه

(1)

. قال في "الآداب"

(2)

: يتوجه: تحريم ذلك.

ولا يفرق بين اثنين بغير إذنهما؛ للحديث، رواه أبو داود

(3)

.

= 1430، وفي دلائل النبوة (1/ 290)، عن جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، عن رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله، عن ابنٍ لأبي هالة، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، وكان وصافًا، عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئًا، فقال:

وذكر حديثًا طويلًا في وصفه عليه الصلاة والسلام وفيه: ". . . وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك. . .". قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 274): رواه الطبراني وفيه من لم يُسمَّ.

(1)

أحمد (5/ 384، 398، 401)، وأبو داود في الأدب، باب 17، حديث 4826، والترمذي في الأدب، باب 12، حديث 2753. ورواه - أيضًا - الطيالسي ص/ 58 حديث 435 - 436، والبزار (7/ 359) حديث 2957، وابن عدي (1/ 381)، والحاكم (4/ 281)، والبيهقي (3/ 234 - 235)، والخطيب في تاريخه (12/ 9 - 10)، وفي الجامع (1/ 262)، حديث 270، وابن السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء ص/ 127، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 222) حديث 1183، من طريق قتادة، عن أبي مجلز، عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا.

وقال أحمد في المسند (5/ 398)، قال حجاج: قال شعبة: لم يدرك أبو مجلز حذيفة.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 274 مع الفيض) ورمز لصحته، وحسنه المناوي.

(2)

(1/ 457).

(3)

في الأدب، باب 24، حديث 4845. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد، حديث 1142، والترمذي في الأدب، باب 11، حديث 2752، =

ص: 278

فصل

(ويُستحبُّ تعزية أهل المصيبة بالميت قبل الدفن أو بعده حتى الصغير، و) حتى (الصديق) للميت (ونحوه) كجار الميت؛ لعموم ما روى عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده

(1)

، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من مؤمنٍ يعزِّي أخاهُ بمصيبةٍ إلا كساه الله عز وجل من حللِ الكرامةِ يومَ القيامةِ" رواه ابن ماجه

(2)

.

= وأحمد (2/ 213)، والخطيب في الجامع (1/ 264)، حديث 275، وابن السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء ص/ 129، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما".

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وأورده السيوطي في الجامع الصغير (6/ 447 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وأخرجه أبو داود في الأدب، باب 24، حديث 4844، والطبراني في الأوسط (4/ 390) حديث 3660، والبيهقي (3/ 232)، عن عامر الأحول، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل بين الرجلين إلا بإذنهما".

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 458): وهما حديثان حسنان. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 351، 390، مع الفيض) ورمز لحسنه.

(1)

في الأصول: "عبد الله بن محمد بن أبي بكر، عن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده" وهو خطأ، والصواب ما أثبت كما في سنن ابن ماجه، الجنائز، باب 56، حديث 1601. وانظر تهذيب التهذيب (5/ 164).

(2)

في الجنائز، باب 56، حديث 1601، ورواه - أيضًا - عبد بن حميد (1/ 259) حديث 287، والطبراني في الدعاء (3/ 1375) حديث 1225، وفي الأوسط (6/ 143) حديث 5292، والبيهقي (4/ 59)، وفي شعب الإيمان (7/ 12) حديث 9279، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 22) حديث 923، =

ص: 279

وعن ابن مسعود: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عزَّى مصابًا، فلهُ كمثلِ أَجْرِه" رواه ابن ماجه، والترمذي وقال: غريب

(1)

. ويبدأ بخيارهم،

= والرافعي في التدوين (2/ 250)، عن قيس أبي عمارة مولى الأنصار، عن عبد الله بن أبي بكر، بالإسناد المذكور.

قال النووي في الأذكار ص/ 126: إسناده حسن. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 495 مع الفيض) ورمز لحسنه. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 286): هذا إسناد فيه مقال، قيس أبو عمارة ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الكاشف: ثقة، قال البخاري: فيه نظر، قلت: وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم اهـ. وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 114 - 115): وهؤلاء كلهم ثقات إلا قيسًا أبا عمارة ففيه لين.

(1)

ابن ماجه في الجنائز، باب 56، حديث 1602، والترمذي في الجنائز، باب 72، حديث 1073، وأخرجه - أيضًا - أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 454) حديث 5930، والبزار (5/ 64) حديث 1632، والعقيلي (2/ 345)(3/ 247)، والشاشي في مسنده (1/ 423) حديث 440 - 441، وابن حبان في المجروحين (1/ 254)، والطبراني في الدعاء (3/ 1374) حديث 1223، وتمام (2/ 115 - 116) حديث 510، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 239 - 240) حديث 378 - 379، والبيهقي (4/ 59)، وفي شعب الإيمان (7/ 14)، حديث 9285، والخطيب في تاريخه (4/ 25)، و (11/ 450 - 451)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 526) حديث 1753، وفي التحقيق (2/ 22) عن علي بن عاصم، عن محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم، وروَى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفًا ولم يرفعه، ويقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم بهذا الحديث، نقموا عليه. وقال العقيلي: لم يتابعه عليه ثقة.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 138): وكل المتابعين لعلي بن عاصم أضعف منه بكثير، وليس فيها رواية يمكن التعلق بها إلا طريق إسرائيل، فقد ذكرها صاحب الكمال من طريق وكيع عنه، ولم أقف على إسنادها بعد. =

ص: 280

والمنظور إليه منهم؛ ليستن به غيره، وبالضعيف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها.

(و) حتى (من شق ثوبه) فيعزى كغيره، ولا يترك حقًّا لباطل (لزوال المحرَّم وهو الشق) والباقي أثرُه. (وإن نهاه) عن العود لمثل ذلك (فحسن، ويكره) لمن شق ثوبه (استدامة لبسه) لأنه أثر المعصية.

= ورواية إسرائيل أخرجها الخطيب في تاريخه (11/ 451)، عن إبراهيم بن مسلم، قال: حضرت وكيعًا وعنده أحمد بن حنبل وخلف المخرمي، فذكروا علي بن عاصم، فقال خلف: إنه غلط في أحاديث، فقال وكيع: وما هي؟ فقال: حديث محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عزى مصابًا. . ." فقال وكيع: حدثنا قيس بن الربيع، عن محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال وكيع: وحدثنا إسرائيل بن يونس، عن محمد بن سوقة عن إبراهيم، عن الأسود عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من عزى. . ." قال وكيع: ومن يسلم من الغلط؟

قال الحافظ العلائي في النقد الصحيح ص/ 34: "ذكر الخطيب أن هذا الحديث رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع بن الجراح، عن قيس بن الربيع عن محمد بن سوقة، وإبراهيم بن مسلم هذا ذكره ابن حبان في الثقات ولم يتكلم فيه أحد، وقيس بن الربيع صدوق تكلموا فيه، وحديثه يصلح متابعًا لرواية علي بن عاصم، والذي يظهر أن الحديث يقارب درجة الحسن ولا ينتهي إليه، بل فيه ضعف محتمل، والله تعالى أعلم". وقال النووي في الأذكار ص/ 126: إسناده ضعيف.

وقال المناوي في فيض القدير (6/ 179): "وقال الزركشي في تخريج الرافعي بعد ما ساق للحديث عدة طرق: هذا كله يرد على ابن الجوزي حيث ذكر الحديث في الموضوعات، وقال العلائي: له طرق لا طعن فيها، وليس واهيًا فضلًا عن كونه موضوعًا". وانظر علل الدارقطني (5/ 12) وتحفة المحتاج (1/ 614).

ص: 281

وتكون التعزية (إلى ثلاث) ليالٍ بأيامها. (وكرهها) أي: التعزية (جماعة) منهم ابن شهاب والآمدي، وأبو الفرج (بعدها) أي: بعد الثلاث، واختاره صاحب "المحرر"، وقال: لم أجد في آخرها كلامًا لأصحابنا. وقال أبو المعالي: اتفقوا على كراهتها بعدها، إلا أن يكون غائبًا، فلا بأس بتعزيته إذا حضر. واختاره صاحب "النظم"، وزاد: ما لم تنسَ المصيبة. وقوله (لإذن الشارع في الإحداد فيها) أي: في الثلاث؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لامرأة تؤمن باللهِ واليَومِ الآخرِ أن تحدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثةِ أيامٍ، إلا على زوجها أربعة أشهرٍ وعشرًا"

(1)

تعليلٌ للتحديد بالثلاث.

(ويُكره تكرارها) أي: التعزية (فلا يعزي عند القبر من عزى قبل ذلك) قال أحمد

(2)

: أكره التعزية عند القبر، إلا لمن لم يعزِّ، فيعزِّي إذا دفن الميت أو قبله.

(ويُكره الجلوس لها) أي: للتعزية بأن يجلس المصاب في مكان ليعزُّوه، أو يجلس المعزي عند المصاب للتعزية؛ لما في ذلك من استدامة الحزن. قال أحمد في رواية أبي داود

(3)

: وما يعجبني أن تقعد أولياء الميت في المسجد يُعزَّون؛ أخشى أن يكون تعظيمًا للموت، أو قال: للميت. وقال في رواية أبي الحارث

(4)

: ما أحب

(1)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 31، حديث 1280، 1281، وفي الطلاق، باب 46، 47، 50، حديث 5334، 5339، 5345، ومسلم في الطلاق، حديث 1486 عن أم حبيبة رضي الله عنها.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 139.

(3)

مسائل أبي داود ص/ 138.

(4)

انظر الإنصاف (6/ 272).

ص: 282

الجلوس مع أهل الميت والاختلاف إليهم بعد الدفن ثلاثة أيام. وهذا

(1)

تعظيم للموت. وقال بعضهم: إنما المكروه البيتوتة عند أهل الميت، وأن يجلس إليهم من عزى مرة، أو يستديم المعزِّي الجلوسَ زيادةً كثيرة على قدر التعزية.

(و) يُكره (المبيت عندهم) أي: عند أهل الميت لما تقدم (وفي "الفصول": يُكره الاجتماع بعد خروج الروح، لتهييجه الحزن).

(ويُكره) تعزية الرجل (لشابة أجنبية) أي: غير مَحْرَم له؛ خشية الفتنة. وينبغي أن يراد: الحسناء؛ عجوزًا كانت أو شابة، بخلاف غيرها كما تقدم

(2)

.

(و‌

‌لا بأس بالجلوس بقرب دار الميت

ليتبع جنازته، أو) لـ (ـــيخرج وليه، فيعزيه) وسواء كان جلوسه خارجًا عن دار الميت بمسجد أو غيره، لكن إن كان الجلوس خارج المسجد على حصير من المسجد أو بساط منه، كره. نص عليه في رواية المرُّوذي وغيره

(3)

. ونقل عنه عبد الله وأبو طالب

(4)

جوازه؛ لأنه انتفاع بها في عبادة، أشبه ما لو قعدوا عليها داخله. قال في "شرح الهداية": والأول أصح؛ لأنها

(1)

في "ح": "هذا" بلا واو.

(2)

(3/ 148، 4/ 259، 271).

(3)

انظر كتاب الورع ص/ 32، وفيه: سألت أبا عبد الله عن بواري المسجد، ترى أن يقعد عليها خارج المسجد لجنازة تكون؟ قال: لا يقعد عليها خارج المسجد، ورأيت أبا عبد الله قد جاء يعزي رجلًا، وبارية على الباب، فلم يقعد مع الناس على البارية، وقعد على التراب اهـ. والباريَّة: الحصير المنسوج، كما في القاموس المحيط ص/ 452.

(4)

انظر مسائل عبد الله (2/ 487 - 488)، رقم 678.

ص: 283

وُقِفت ليُصلى عليها وينتفع بها فيه خاصة.

(و‌

‌معنى التعزية:

التسلية والحث) أي: حثُّ المصاب (على الصبر

(1)

بوعد الأجر، والدعاء للميت) إن كان مسلمًا (والمصاب) أي: والدعاء للمصاب.

(ولا تعيين فيما يقوله) المعزِّي. قال الموفق: لا أعلم في التعزية شيئًا محدودًا، إلا أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم "عزَّى رجلًا"، فقال: رحِمَك اللهُ وآجرَكَ" رواه أحمد

(2)

.

(ويختلف) ما يقوله المعزي (باختلاف المعزين، فإن شاء) المعزِّي (قال في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك) أي: رزقك الصبر الحسن (وغفر لميتك، وفي تعزيته) أي: المسلم (بكافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك) ويمسك عن الدعاء للميت؛ لأن الدعاء والاستغفار له منهيٌّ عنه.

(و‌

‌تحرم تعزية الكافر)

سواء كان الميت مسلمًا أو كافرًا؛ لأن فيها تعظيمًا للكافر، كبُداءته بالسلام.

(ويقول المعزَّى) بفتح الزاي مُشَدَّدة: (استجاب الله دعاءك، ورحمنا وإياك) بهذا القول رد الإمام أحمد

(3)

، وكفى به قدوة.

(1)

في هامش "ذ" زيادة "على المصيبة".

(2)

لم نقف عليه في مسند الإمام أحمد، وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 385 - 386)، والبيهقي (4/ 60) من حديث أبي خالد الوالبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلًا فقال: "يرحمه الله ويأجرك". قال البيهقي: وهذا مرسل.

(3)

انظر المغني (3/ 487).

ص: 284

(ولا يُكره أخذه) أي: المعزِّي (بيد من عزاه) قال أحمد

(1)

: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية، وإن شئت فلا.

(و‌

‌لا بأس أن يجعل المصاب عليه علامة يعرف بها،

ليعزَّى) لتتيسر التعزية المسنونة بذلك على كل أحد.

(ويُسنّ) للمصاب (أن) يسترجع فـ (ــيقول: إنا لله) أي: نحن عبيده يفعل بنا ما يشاء (وإنا إليه راجعون) أي: نحن مقرُّون بالبعث والجزاء على أعمالنا (اللهم أجُرني في مصيبتي وأخلِف لي خيرًا منها)

(2)

أجُرني مقصور، وقيل ممدود. وأخلِف: بقطع الهمزة، وكسر اللام. يقال لمن ذهب منه ما يتوقع مثله: أخلف الله عليك مثله. ومن ذهب منه ما لا يتوقع مثله: خلف الله عليك. أي: كان الله لك خليفة منه عليك.

(ويصلِّي ركعتين) قاله الآجرِّي وجماعة، قال في "الفروع": وهو متجه؛ فعله ابن عباس

(3)

، وقرأ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ

(1)

مسائل أبي داود ص/ 139.

(2)

ثبت مرفوعًا، أخرجه مسلم في الجنائز، حديث 918 عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلِف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها".

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2/ 632) حديث 231، والطبري في تفسيره (1/ 260)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 114) حديث 9682، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 393)، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، أن ابن عباس نعي إليه أخوه قُثَم وهو في مسير، فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق، ثم صلى ركعتين فأطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: الآية 45] وحسَّن إسناده =

ص: 285

وَالصَّلَاةِ}

(1)

ولم يذكرها جماعة. ولأحمد وأبي داود عن حذيفة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبهُ أمرٌ، صلى"

(2)

. قال في "القاموس"

(3)

: وحزبه الأمر: نابه واشتد عليه، أو ضغطه. ولمسلم عن أم سلمة مرفوعًا:"إذا حضرتُم المريضَ أو الميتَ فقولوا خيرًا، فإن الملائكةَ يؤمِّنُونَ على ما تقولُون، فلما ماتَ أبو سلمة قال: قولي: اللهمَّ اغفرْ لي ولَه وأعقبني عقبةً حسنةً"

(4)

.

(و) يُسنّ للمصَاب أن (يصبر) والصبر: الحبس، قال تعالى:

= الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 172).

وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (3/ 156)، وسعيد بن منصور (2/ 509، 634) حديث 189، 232، عن خالد بن صفوان، عن زيد بن علي، عن ابن عباس أنه كان في مسير فنعي إليه ابن له، فنزل فصلى. . . فذكر الحديث. ولفظ البخاري: أنه أصابته مصيبة فصلى. وأخرجه الحاكم (3/ 270)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 114) حديث 9681، عن خالد بن صفوان، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، أن ابن عباس أتاه نعي بعض أهله. . . الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(1)

سورة البقرة، الآية:45.

(2)

أحمد (5/ 388)، وأبو داود في الصلاة، باب 312، حديث 1319. وأخرجه - أيضًا - محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (1/ 231) والطبري في تفسيره (1/ 260)، وأبو عوانة (4/ 320) حديث 6842، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 189)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 451 - 452)، وفي شعب الإيمان (3/ 154) حديث 3181، والخطيب في تاريخه (6/ 274).

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/ 172): رواه أبو داود بإسناد حسن.

(3)

ص/ 73.

(4)

مسلم في الجنائز، حديث 919 ولفظ آخره:"وأعقبني منه عقبى حسنة".

ص: 286

{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}

(1)

وقال صلى الله عليه وسلم: "والصبرُ ضياءٌ"

(2)

وفي الصبر على موت الولد أجر كبير، وردت به الأخبار، منها ما في "الصحيحين": أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يموتُ لأحدٍ منَ المسلمينَ ثلاثةٌ منَ الولدِ فتمسَّه النارُ، إلا تحلَّةَ القسم"

(3)

يشير إلى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

(4)

والصحيح: أن المراد به المرور على الصراط. وأخرج البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمنِ جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه منْ أهلِ الدنيا، ثم احتسبَهُ، إلا الجنّة"

(5)

. قال في "شرح المنتهى": واعلم أن الثواب في المصائب على الصبر عليها، لا على المصيبة نفسها، فإنها ليست من كسبه، وإنما يثاب على كسبه، والصبر من كسبه.

والرضا بالقضاء فوق الصبر، فإنه يوجب رضا الله سبحانه وتعالى (ويجب منه) أي: الصبر (ما يمنعه من محرَّم) إذ النهي عن شيءٍ أمرٌ بضده.

ولا يلزم الرضى بمرضٍ وفقرٍ وعاهةٍ، خلافًا لابن عقيل، بل يسن.

(1)

سورة الأنفال، الآية:46.

(2)

أخرجه مسلم في الطهارة، حديث 223 عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء. . . ." الحديث.

(3)

البخاري في الجنائز، باب 6، حديث 1251، وفي الأيمان والنذور، باب 9، حديث 6656، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2632، واللفظ لمسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

سورة مريم، الآية:71.

(5)

في الرِّقاق، باب 6، حديث 6424 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 287

ويحرم الرضا بفعل المعصية، ذكره ابن عقيل إجماعًا. وذكر الشيخ تقي الدين

(1)

: أنه إذا نظر إلى إحداث الرب لذلك للحكمة التي يحبها ويرضاها، رضي لِله بما رضيه لنفسه، فيرضاه ويحبه مفعولًا مخلوقًا لله، ويبغضه ويكرهه فعلًا للمذنب المخالف لأمر الله، وهذا كما نقول فيمن خلقه من الأجسام الخبيثة. قال: فمن فهم هذا الموضع، انكشف له حقيقة هذا الأمر، الذي حارت فيه العقول.

(ويُكره له) أي: المصاب (تغيير حاله) أي: هيئته (من خلع ردائه ونعله، وغلق حانوته، وتعطيل معاشه ونحوه) لما في ذلك من إظهار الجَزَع. قال ابن الجوزي

(2)

في قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}

(3)

: اعلم أنه من علم أن ما قضي لا بد وأن يصيبه، قلَّ حزنه وفرحه. وقال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء من كل أمة أن من لم يتمشَّ مع القدر، لم يتهنَّ بعيش

(4)

.

(ولا يُكره البكاء) قال الجوهري

(5)

: البكاء يمد ويقصر، فإذا مددت، أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت، أردت الدموع وخروجها (على الميت قبل الموت وبعده) لكثرة الأخبار بذلك، فمنها: ما في "الصحيحين" أنه صلى الله عليه وسلم فاضتْ عيناهُ، لمَّا رُفع إليهِ ابنُ بنتِه، ونفسه تقعقع كأنها في شنةٍ - أي: لها صوت وحشرجة

(1)

انظر مجموع الفتاوى (10/ 484).

(2)

زاد المسير (8/ 173).

(3)

سورة الحديد، الآية 22.

(4)

رواه الخطيب في تاريخه (6/ 30).

(5)

الصحاح (6/ 2284).

ص: 288

كصوت ما ألقي في قِربة بالية - قال له سعد: ما هَذا يا رسولَ الله؟ قال: هذه رحمةٌ جعلَها الله في قلوبِ عبادِهِ، وإنما يرحَمُ اللهُ من عبادِه الرحماء

(1)

. قال جماعة: والصبر عنه أجمل. وذكر الشيخ تقى الدين في "التحفة العراقية"

(2)

: البكاء على الميت على وجه الرحمة، حسن مستحب. وذلك لا ينافي الرضا، بخلاف البكاء عليه؛ لفوات حظه منه. وقال في "الفرقان"

(3)

: الصبر واجب باتفاق العقلاء، ثم ذكر في الرضا قولين، ثم قال

(4)

: وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة: لما يرى من إنعام الله عليه بها. نقله عنه في "الآداب الكبرى"

(5)

.

(ولا يجوز الندب؛ وهو البكاء مع تعديد محاسن الميت) بلفظ النداء، مع زيادة الألف والهاء في آخره. كقوله: واسيداه، واجبلاه، وَاانْقِطاع ظهراه.

(ولا) تجوز (النياحة؛ وهي رفع الصوت بذلك برنَّة) لما في "الصحيحين" عن أم عطية قالت: "أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا نَنُوحَ"

(6)

.

(1)

البخاري في الجنائز، باب 33، حديث 1284، وفي المرض، باب 9، حديث 5655، وفي الأيمان والنذور، باب 9، حديث 6655، وفي التوحيد، باب 2 و 25، حديث 7377 و 7448، ومسلم في الجنائز، حديث 923 عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

(2)

انظر مجموع الفتاوى (10/ 47).

(3)

انظر مجموع الفتاوى (10/ 39).

(4)

انظر مجموع الفتاوى (10/ 43).

(5)

(2/ 195) وما بعدها.

(6)

البخاري في الجنائز، باب 46، حديث 1306، وفي التفسير، باب 3، حديث 4892، وفي الأحكام، باب 49، حديث 7215، ومسلم في الجنائز، =

ص: 289

وفي "صحيح مسلم": "أنه صلى الله عليه وسلم لعنَ النائحةَ والمستمِعَة"

(1)

.

= حديث 936.

(1)

لم نقف عليه عند مسلم. وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 66)، وأبو داود في الجنائز، باب 29، حديث 3128، وأحمد (3/ 65)، والبيهقي (4/ 63)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 281)، والمزي في تهذيب الكمال (6/ 212) عن محمد بن الحسن بن عطية العوفي، عن أبيه، عن جده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

قال البخاري: محمد بن الحسن بن عطية، لم يصح حديثه. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 251): رواه أبو داود، وليس فيه من تُرك. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 272 مع الفيض) ورمز لصحته. وقال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (1/ 369): هذا حديث منكر. وضعفه النووي في الخلاصة (2/ 1053).

ب - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطَّرَسُوسي في مسند عبد الله بن عمر ص/ 25، وابن حبان في المجروحين (2/ 198)، والبيهقي (4/ 63)، عن عفير بن معدان اليحصبي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال ابن حبان: عفير بن معدان، يروي المناكير عن أقوام مشاهير، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بأخباره، وروى عن ابن معين قوله: ليس بشيء.

جـ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي (5/ 1678)، عن عمر بن يزيد، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال ابن عدي: حديث غير محفوظ، وعمر منكر الحديث.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 139) بعد أن ذكر رواية أبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر: وكلها ضعيفة.

د - ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 376) =

ص: 290

(و‌

‌لا) يجوز (شَقُّ الثياب، ولطم الخدود، وما أشبه ذلك

من الصراخ، وخمش الوجه) وتسويده (ونتف الشعر ونشره وحلقه) لما في "الصحيحين" أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ليسَ منّا منْ لطمَ الخدودَ، وشقَّ الجيُوبَ، ودعَا بدعْوَى الجاهِليَّة"

(1)

، وفيهما:"أنه صلى الله عليه وسلم بَرِئَ مِن الصَّالِقَةِ والحَالِقَةِ والشّاقّةِ"

(2)

.

فالصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، ويقال: السالقة بالسين المهملة.

والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.

والشاقة: التي تشق ثيابها.

ولما في ذلك من إظهار الجَزَع وعدم الرضا بقضاء الله والسخط من فعله. وفي شق الجيوب إفساد للمال لغير حاجة.

(وفي "الفصول": يحرم النحيب والتعداد) أي: تعداد المحاسن والمزايا (وإظهار الجزع؛ لأن ذلك يشبه التظلم من الظالم، وهو عدل

= حديث 793، والطبراني في الكبير (11/ 145) حديث 1309، عن الصباح أبي عبد الله، عن جابر، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 13): رواه البزار والطبراني في الكبير، وفيه الصباح أبو عبد الله، ولم أجد من ذكره.

(1)

البخاري في الجنائز، باب 36، 39، 40، حديث 1294، 1297، 1298، وفي المناقب، باب 8، حديث 3519، ومسلم في الإيمان، حديث 103، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

البخاري في الجنائز، باب 38، حديث 1396، ومسلم في الإيمان، حديث 104، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

ص: 291

من الله تعالى) لأن له أن يتصرف في خلقه بما شاء؛ لأنهم ملكه.

(ويُباح يسير الندبة الصدق، إذا لم يخرج مخرج النوح، ولا قصد نظمه، نحو قوله: يا أبتاه، يا ولداه). وفي نسخة: يا والداه. (ونحو ذلك) هذا تتمة كلام "الفصول". ومقتضى ما قدمه: تحريمه.

(وجاءت الأخبار الصحيحة بتعذيب الميت بالنياحة والبكاء عليه)

(1)

. فحمله ابن حامد على من أوصى به؛ لأن عادة العرب الوصية بفعله، فخرج على عادتهم. وفي "شرح مسلم"

(2)

: هو قول الجمهور. وهو ضعيف؛ فإن سياق الخبر يخالفه، وحمله الأثرم على من كَذَّب به حين يموت. وقال في "التلخيص": يتأذى بذلك إن لم يوصِ بتركه، كما كان السلف يوصون، ولم يعتبر كون النياحة عادة أهله. واختار صاحب "المحرر" أن من هو عادة أهله، ولم يوصِ بتركه، عُذِّب؛ لأنه متى ظن وقوعه ولم يوصِ، فقد رضي، ولم يَنْهَ مع قدرته. وقال ابن القيم في كتاب "الروح"

(3)

: يتألم من ذلك ويتوجع منه لا أنه يعاقب بذنب الحي {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ

(1)

من ذلك ما أخرجه البخاري في الجنائز، باب 33، 34، حديث 1287، 1290، 1292، ومسلم في الجنائز حديث 927 عن عمر رضي الله عنه.

وما أخرجه البخاري في الجنائز، باب 33، حديث 1286، ومسلم في الجنائز، حديث 928، 930 عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الميت ليعذَّب ببكاء أهله عليه".

وما أخرجه البخاري في الجنائز، باب 34، حديث 1291، ومسلم في الجنائز حديث 933 عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

(2)

النووي (6/ 228).

(3)

ص/ 80.

ص: 292

أُخْرَى}

(1)

، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:"السفرُ قطعةٌ من العذَابِ"

(2)

فالعذاب أعم من العقوبة، وهو اختيار الشيخ تقي الدين

(3)

.

وأنكرت عائشة حمل ذلك على ظاهره، ووافقها ابن عباس، وقالت:"واللهِ ما حدَّثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إن اللهَ ليعذبُ المؤمنَ ببكاءِ أهلِهِ عليْه، ولكن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إن اللهَ ليزيدُ الكافرَ عذابًا ببكاءِ أهلِه عليهِ"

(4)

. وقالت لما بلغها رواية عمر وابنه في ذلك: إنكم لتحدثُونَ عن غيرِ كاذِبَيْن ولا متهمين، ولكن السمعَ يخطئُ، وقالت: حسبُكم القرآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(5)

.

(و‌

‌ما هيَّج المصيبة من وَعْظ أو إنشاد شعر، فمِن النياحة)

قاله الشيخ تقي الدين

(6)

، ومعناه لابن عقيل في "الفنون" فإنه لما توفي ابنه عقيل قرأ قارئ:{يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فبكى ابن عقيل، وبكى الناس، فقال للقارئ: يا هذا إن كان يهيج الحزن، فهو نياحة بالقرآن، ولم يُنزل للنوح، بل لتسكين الأحزان.

(1)

سورة الأنعام، الآية: 164، وسورة الإسراء، الآية: 15، وسورة فاطر، الآية:18.

(2)

أخرجه البخاري في العمرة، باب 19، حديث 1804، وفي الجهاد والسير، باب 136، حديث 3001، وفي الأطعمة، باب 30، حديث 5429، ومسلم في الإمارة، حديث 1927 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

انظر مختصر فتاوى ابن تيمية ص/ 211.

(4)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 32، حديث 1288، ومسلم في الجنائز، حديث 929 (23).

(5)

أخرجه مسلم في الجنائز، حديث 929.

(6)

الاختيارات الفقهية ص/ 90.

ص: 293

"فائدة": قال المصنف في "الحاشية": مذهب أهل السنة أن الروح هي النفس الناطقة المستعدة للبيان وفهم الخطاب، ولا تفنى بفناء الجسد، وأنه

(1)

جوهر لا عَرَض. انتهى، وتجتمع أرواح الموتى فينزل الأعلى إلى الأدنى لا العكس، قاله في "الاختيارات"

(2)

، قال: ومذهب سلف الأمة وأئمتها: أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعَّمة أو معذَّبة. و - أيضًا - تتصل بالبدن أحيانًا، فيحصل له معها النعيم أو العذاب. ولأهل السنة قول آخر: إن النعيم والعذاب يكون للبدن دون الروح. انتهى. وقال ابن عقيل وابن الجوزي: هو واقع على الروح فقط. وقال ابن الجوزي - أيضًا -: من الجنائز - أيضًا

(3)

- أن يجعل الله للبدن تعلقًا بالروح، فتعذب في القبر، ويسمع الميت الكلام؛ بدليل حديث السلام على أهل المقابر

(4)

، قال الشيخ تقي الدين

(5)

: واستفاضت الآثار بمعرفة الميت بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يعرض عليه

(6)

. وجاءت الآثار بأنه يرى أيضًا، وبأنه يدري بما فُعل

(1)

في "ذ": "فإنه"، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة كما هنا.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 90.

(3)

قوله: "أيضًا" ليس في "ح" و"ذ".

(4)

أخرجه مسلم في الطهارة، حديث 249 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

الاختيارات الفقية ص/ 90.

(6)

جاء ذلك من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أنس رضي الله عنه، أخرجه أحمد (3/ 165) عن عبد الرزاق، عن سفيان، عمن سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا". قال الهيثمي في مجمع الزوائد =

ص: 294

عنده، ويُسَرُّ بما كان حسنًا، ويتألم بما كان قبيحًا

(1)

، وكان

= (2/ 328): رواه أحمد وفيه رجل لم يسمَّ.

ب - جابر رضي الله عنه، أخرجه الطيالسي مرفوعًا حديث 1794، ولفظه:"إن أعمالكم تعرض على عشائركم وأقربائكم في قبورهم، فإن كان خيرًا استبشروا بذلك، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك".

جـ - أبو أيوب رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 129) حديث 3887، وفي الأوسط (1/ 130) حديث 148، وفي مسند الشاميين (2/ 382 - 383) حديث 1544 مرفوعًا، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 327): وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. وقال النسائي والدارقطني والبرقاني: متروك الحديث. انظر تهذيب الكمال (27/ 570).

وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد حديث 443، وابن أبي الدنيا في المنامات ص/ 20 رقم 3، عن ثور بن يزيد، عن أبي رهم السماعي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه موقوفًا.

د - أبو الدرداء رضي الله عنه، أخرجه نعيم بن حماد في زوائده على الزهد لابن المبارك، رقم 165، وابن أبي الدنيا في المنامات ص/ 21 رقم 4. عن عبد الله بن جبير بن نفير، أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يقول: إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساؤون، قال: يقول أبو الدرداء: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملًا يُخْزى به عبد الله بن رواحة.

(1)

منها ما أخرجه مسلم في الإيمان، باب 54، حديث 121، وفيه أن عمرو بن العاص رضي الله عنه أوصى وهو على فراش الموت، فقال: فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنًا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ما أُراجع به رسل ربي.

ومنها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه أحمد (3/ 3، 62 - 63)، والخطيب في تاريخه (12/ 212)، وفي الموضح (2/ 264)، عن سعيد بن عمرو بن سليم، قال: سمعت رجلًا منا يحدث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يعرف من يحمله ومن يغسله ومن يدلِّيه في قبره".

وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (8/ 221) حديث 7434، وأبو نعيم =

ص: 295

أبو الدرداء يقول: "اللهمَّ إني أعوذُ بك أن أعملَ عملًا أخزَى بهِ عندَ عبدِ الرحمن بن رواحة"

(1)

وكان ابن عمه. ولما دفن عمر عند عائشة كانت تستتر منه، ويقول:"إنما كانَ أبي وزوْجي، فأما عمرُ فأجنبيٌّ"

(2)

.

= في أخبار أصبهان (1/ 208)، عن إسماعيل بن عمرو البجلي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 21): رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه رجل لم أجد من ترجمه. وتعقبه المناوي بقوله: وظاهر كلامه أنه لم يرَ ممن يحمل عليه إلا ذلك المجهول، وهو غير مقبول؛ ففيه: إسماعيل بن عمرو البجلي - أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: ضعفوه - عن فضيل بن مرزوق - وقال، أعني الذهبي: وضعفه ابن معين - عن عطية، فإن كان العوفي فضعفوه أيضًا، أو ابنَ عارض فلا يعرف، أو الظفاري فضعفه الأزدي وغيره. وضعفه السيوطي أيضًا. انظر فيض القدير (2/ 398).

ومنها حديث أبي أيوب وأبي الدرداء السابقين، وفيهما: ان الأموات يسرون ويساؤون حين تعرض عليهم أعمال الأحياء.

ومنها ما أخرجه ابن المبارك في الزهد حديث 447، عن سعيد بن جبير أنه قال: ما من أحد له حميم إلا يأتيه أخبار أقاربه، فإن كان خيرًا، سُرَّ به وفرح به وهنئ به، وإن كان شرًا ابتأس بذلك وحزن.

(1)

أخرجه نعيم بن حماد في زوائده على الزهد لابن المبارك، رقم 165. وقوله: عبد الرحمن، صوابه: عبد الله، والله أعلم.

(2)

أخرجه أحمد (6/ 202)، والحاكم (3/ 61) و (4/ 7). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 26) و (9/ 37): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه - أيضًا - أبو يعلى (8/ 368 - 372) حديث 4962، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 33): وفي إسناد أبي يعلى عوبد بن أبي عمران، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وقال بعضهم: متروك. =

ص: 296

كتاب الزكاة

ص: 299

‌كتاب الزكاة

واشتقاقها لغة: من زكا يزكو، إذا نما، أو تطهَّر. يقال: زكا الزرع، إذا نما وزاد، وقال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}

(1)

أي: طهَّرها عن الأدناس.

وتطلق على المدح، قال تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}

(2)

.

وعلى الصلاح، يقال: رجل زكيّ، أي: زائد الخير، من قوم أزكياء، وزكّى القاضي الشهود: إذا بين زيادتهم في الخير.

وسُمِّي المال المُخرج زكاة؛ لأنه يزيد في المخرج منه، ويقيه الآفات.

وأصل التسمية قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}

(3)

، وقيل: لأنها تطهر مؤديها من الإثم، وتنمّي أجره.

وقال الأزهري

(4)

: إنّها تنمي الفقراء.

(وهي أحد أركان الإسلام) ومبانيه المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: "بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ"

(5)

فذكر منها: "وإيتاء الزكاة"

(1)

سورة الشمس، الآية:9.

(2)

سورة النجم، الآية:32.

(3)

سورة التوبة، الآية:103.

(4)

لم نقف عليه في كتابيه: تهذيب اللغة، ولا في الزاهر في غريب ألفاظ الإمام الشافعي.

(5)

أخرجه البخاري في الإيمان، باب 2، حديث 8، وفي تفسير سورة البقرة، باب 30، حديث 4514، ومسلم في الإيمان، حديث 16، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 301

(وفُرضت بالمدينة) ذكره صاحب "المغني" و"المحرر" والشيخ تقي الدين

(1)

. قال في "الفروع": ولعل المراد طلبها، وبعث السُّعاة لقبضها، فهذا بالمدينة، ولهذا قال صاحب "المحرر": إنّ الظواهر في إسقاط زكاة التجارة معارضة بظواهر تقتضي وجوب الزكاة في كل مال، كقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}

(2)

واحتج في أن

(3)

الصلاة لا تجب

(4)

على كافر فعلها. ويعاقب بها بقوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}

(5)

والسورة مكية، مع أنّ أكثر المفسرين

(6)

فسروا الزكاة فيها بالتوحيد. انتهى.

وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي

(7)

: إنّها فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر، بدليل قول قيس بن سعد بن عبادة:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاةِ الفطرِ قبلَ نزولِ آيةِ الزكواتِ"

(8)

.

(1)

مجموع الفتاوى (7/ 425، 606).

(2)

سورة المعارج، الآية:24.

(3)

في "ح": "بأن".

(4)

في "ح": "لا يجب". وهو الأنسب للسياق.

(5)

سورة فصلت، الآيتان: 6 - 7.

(6)

انظر تفسير الطبري (24/ 92)، وتفسير ابن كثير (6/ 161 - 162).

(7)

هو: أبو محمد، عبد المؤمن بن خلف الدِّمياطي. حافظ، من أكابر علماء الشافعية. من كتبه: المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح، كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى وقبائل الخزرج، وفضل الخيل. تُوفي 705 هـ رحمه الله تعالى. انظر: طبقات الشافعية الكبرى (10/ 102) والدرر الكامنة (3/ 30).

(8)

أخرجه الترمذي في العلل الكبير ص/ 120، حديث 205، والنسائي في الزكاة، باب 35، حديث 2506، وفي الكبرى (2/ 26) حديث 2286، وابن ماجه في الزكاة، باب 21، حديث 1828، وعبد الرزاق (3/ 322) حديث =

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 5801، وأحمد (3/ 421)(6/ 6) وابن زنجويه في الأموال (3/ 1239) حديث 2363، والبزار (9/ 198) حديث 3746، وأبو يعلى (3/ 24) حديث 1434، وابن خزيمة (4/ 81) حديث 2394، والطحاوي (2/ 74) وفي شرح مشكل الآثار (6/ 37، 38) حديث 2262، 2263، والطبراني في الكبير (18/ 348 و 349) حديث 886، 887، والحاكم (1/ 410)، والبيهقي (4/ 159). وابن عبد البر في التمهيد (14/ 321) من طريق الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي عمار الهمداني، عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله. هذا لفظ النسائي.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في الفتح (3/ 267): "إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، إلا أبا عمار الراوي له عن قيس بن سعد، وهو كوفي، اسمه: عريب - بالمهملة المفتوحة - ابن حميد، وقد وثقه أحمد، وابن معين". وقال في (3/ 368): في إسناده رجل مجهول. وقال النووي في المجموع (6/ 48): هذا الحديث مداره على أبي عمار، ولا يعلم حاله في الجرح والتعديل.

ورواه الترمذي في العلل الكبير ص/ 119، حديث 204، والنسائي في الزكاة، باب 35، حديث 2505، وفي الكبرى (2/ 26، 158) حديث 2285، 2842 والطيالسي ص/ 168، حديث 1211، والبزار (9/ 198) حديث 3745، والطحاوي (2/ 75) وفي شرح مشكل الآثار (6/ 36، 37) حديث 2258 - 2261، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 347) والطبراني في الكبير (18/ 349) حديث 888، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2309) حديث 5695، وفي الحلية (6/ 84) وابن عبد البر في التمهيد (14/ 322) عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد، قال: كنا نصوم عاشوراء، ونؤدي زكاة الفطر. فلما نزل رمضان، ونزلت الزكاة، لم نؤمر به ولم ننه عنه، وكنا نفعله. قال الترمذي في العلل الكبير: سألت محمدًا (وهو البخاري) عن هذا الحديث، وقلت له: حديث الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عمرو بن شرحبيل، عن قيس بن سعد أصح، أو حديث سلمة بن =

ص: 303

وفي "تاريخ ابن جرير الطبري"

(1)

: أنها فرضت في السنة الرابعة من الهجرة. وقيل: فرضت قبل الهجرة، وبينت بعدها.

(وهي) أي: الزكاة شرعًا (حقٌّ واجب) يأتي تقديره في أبواب المزكيات (في مال مخصوص) يأتي بيانه قريبًا في كلامه (لطائفة مخصوصة) وهم الأصناف الثمانية المشار إليهم بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}

(2)

الآية (في وقت مخصوص) وهو تمام الحول في الماشية والأثمان وعروض التجارة، وعند اشتداد الحب في الحبوب، وعند بدوِّ صلاح الثمرة التي تجب فيها الزكاة، وعند حصول ما تجب في الزكاة من العسل، واستخراج ما تجب فيه من المعادن، وعند غروب الشمس من ليلة الفطر، لوجوب زكاة الفطر.

وخرج بقوله: "واجب" الحق المسنون، كابتداء السلام، واتباع الجنازة، وبقوله:"في مال" رد السلام ونحوه، وبقوله:"مخصوص" ما يجب في كل

(3)

الأموال كالديون والنفقات، وبقوله:"لطائفة مخصوصة" نحو الدية؛ لأنها لورثة المقتول، وبقوله:"في وقت مخصوص" نحو النذر والكفارة.

= كهيل، عن القاسم، عن أبي عمار، عن قيس بن سعد؟ فقال: لم أسمع أحدًا يقضي في هذا بشيء، إلا أن حديث سلمة بن كهيل أشبه عندي، إلا أن هذا خلاف ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر، قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر. وقال النسائي: سلمة بن كهيل خالف الحكم في إسناده، والحكم أثبت من سلمة بن كهيل.

(1)

لم نقف عليه في حوادث السنة الرابعة من تاريخ الطبري.

(2)

سورة التوبة، الآية:60.

(3)

قوله: "كل" ليس في "ح".

ص: 304

ثم أشار إلى المال المخصوص بقوله: (وتجب) الزكاة (في السائمة من بهيمة الأنعام) وهي الإبل والبقر والغنم.

سُميت بهيمة؛ لأنّها لا تتكلم. ويأتي بيان السوم

(1)

.

(و) تجب الزكاة - أيضًا - في (الخارج من الأرض) من الحبوب والثمار، وما في معناها، والمعادن (وما في حكمه) أي: حكم الخارج من الأرض (من العسل) الخارج من النحل.

(و) تجب الزكاة - أيضًا - في (الأثمان) وهي الذهب والفضة.

(و) تجب الزكاة - أيضًا - في (عروض التجارة، ويأتي بيانها) أي: المزكيات المذكورة (في أبوابها) مفصلة مرتبة كذلك.

(وتجب) الزكاة (في متولد بين وحشي وأهلي) من بقر أو غنم (تغليبًا) للوجوب (واحتياطًا) لتحريم قتله، وإيجاب الجزاء فيه على المُحْرِم، والنصوص تتناوله (فتضم إلى جنسها الأهلي) في تكميل النصاب.

(وتجب) الزكاة (في بقر وحش وغنمه) بشرطه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "خذْ من كلِّ ثلاثين من البقر تبيعًا"

(2)

. قال القاضي وغيره: وتُسمَّى بقرًا حقيقة، فتدخل تحت الظاهر. وكذلك يقال في الغنم. (واختار الموفق وجمع) وصححه الشارح (لا تجب) الزكاة في بقر الوحش وغنمه؛ لأنّها تفارق الأهلية صورة وحكمًا، والإيجاب من الشرع ولم

(1)

(4/ 344).

(2)

يأتي تخريجه (4/ 363)، تعليق رقم (1).

ص: 305

يرد، ولم يصح القياس؛ لوجود الفارق.

(ولا تجب) الزكاة (في سائر) أي: باقي (الأموال إذا لم تكن للتجارة، حيوانًا كان) المال (كالرقيق، والطيور، والخيل، والبغال، والحمير، والظباء، سائمة كانت أو لا، أو غير حيوان، كاللآلئ، والجواهر، والثياب، والسلاح، وأدوات) أي: آلات (الصُّناع، وأثاث البيوت، والأشجار، والنبات، والأواني، والعقار من الدور، والأرضين للسكنى وللكراء) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المسلِم في عبدهِ وفرسِه صدقَةٌ". متفق عليه

(1)

، ولأبي داود:"ليس في الخيلِ والرقيقِ زكاةٌ إلا زكاة الفِطر"

(2)

. وقيس على ذلك باقي المذكورات؛ ولأن الأصل عدم الوجوب إلا لدليل، ولا دليل فيها.

(ولا تجب) الزكاة فيما تقدم من الأموال (إلّا بشروط خمسة: الإسلام والحرية، فلا تجب) الزكاة (بمعنى الأداء) أي: بمعنى أنّه لا

(1)

البخاري في الزكاة، باب 45، 46، حديث 1463، 1464، ومسلم في الزكاة، حديث 982، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أبو داود في الزكاة، باب 10، حديث 1594، وفيه:". . . إلا زكاة الفطر في الرقيق". ورواه - أيضًا - أبو يعلى (10/ 523) حديث 6139، وابن عدي (5/ 1989)، والدارقطني (2/ 127) والبيهقي (4/ 117) وابن عبد البر في التمهيد (17/ 135) والخطيب في تاريخه (14/ 114) من طرق مختلفة. قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 206): في إسناده رجل مجهول، وقد أخرج مسلم [982 (10)] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس في العبد صدقة، إلا صدقة الفطر". قلنا: قد رواه غير أبي داود من طرق مختلفة ليس فيها رجل مجهول، وبعضها أصح من بعض، انظر علل الدارقطني (11/ 128)، والسنن الكبرى للبيهقي (4/ 117).

ص: 306

يجب عليه أداء الزكاة حال كفره، لا بمعنى أنّه لا يعاقب عليها؛ لما تقدم

(1)

أنّ الكفار يعاقبون على سائر فروع الإسلام، كالتوحيد (على كل كافر) أي: فرد من أفراد الكفار على اختلاف أنواعهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ - حين بعثه إلى اليمن -: "إنّكَ تأتِي قومًا أهلَ كتاب، فادعهمْ إلى أن يشهدُوا أنْ لا إله إلا اللهُ، وأنّ محمدًا رسولُ اللهِ. . . فإن هم أطاعوا لكَ بذلِك، فأَعلمهم أنّ اللهَ قد افترضَ عليهمْ صدقةً تؤخذُ من أغنيَائِهمْ، فتردُّ على فقَرائِهمْ". متفق عليه

(2)

؛ ولأنّها أحد أركان الإسلام، فلم تجب على كافر، كالصيام، (ولو) كان الكافر (مرتدًّا) سواء حكمنا ببقاء الملك مع الردة أو زواله؛ لعموم قوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}

(3)

. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلامُ يجبُّ ما قبلَهُ"

(4)

.

(1)

(2/ 11).

(2)

البخاري في الزكاة، باب 1، 41، 63، حديث 1395، 1458، 1496، وفي المغازي، باب 61، حديث 4347، وفي التوحيد، باب 1، حديث 7372، ومسلم في الإيمان حديث 19، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

سورة الأنفال، الآية:38.

(4)

رواه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 311 - 312)، وأحمد (4/ 198، 199، 204، 205)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص/ 279، 280، والحارث "بغية الباحث" ص/ 307، حديث 1033، والطبري في تاريخه (3/ 29 - 31)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 442) حديث 507، والبيهقي (9/ 123)، وفي دلائل النبوة (4/ 346 - 348) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 351) وعزاه إلى أحمد والطبراني، وقال: ورجالهما ثقات.

وقد رواه مسلم في الإيمان ضمن حديث طويل 192 (121) بلفظ: "أما =

ص: 307

(ولا) تجب الزكاة على (عبد؛ لأنّه لا يملك بتمليك) من سيد

(1)

أو غيره (ولا غيره) أي: غير تمليك، فلا مال له، وكذا الأَمَة. (وزكاة ما بيده) أي: الرقيق غير المكاتب (على سيده، ولو مُدبَّرًا، أو أم ولد) لأنّه ملك السيد.

(ولا) تجب الزكاة (على مكاتب؛ لنقص ملكه) فهو ضعيف لا يحتمل المواساة، ويؤيده حديث جابر مرفوعًا:"ليسَ في مالِ المكاتبِ زكاةٌ حتى يعتقَ". رواه الدارقطني

(2)

، وقاله جابر

(3)

وابن عمر

(4)

، ولم يعرف لهما مخالف، فكان كالإجماع

(5)

؛ ولأنّ تعلق حاجته إلى فكّ رقبته عن الرق بماله أشد من تعلق حاجة الحر المفلس بمسكنه، وثياب بذلته، فكان بإسقاط الزكاة عنه أولى وأحرى.

= علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله".

(1)

في "ذ": "سيده".

(2)

(2/ 108). قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 72): وروي عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح رفعه، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 396) في ترجمة عبد الله بن بزيع وجعله من مناكيره. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 159): وفي إسناده ضعيفان، ومدلس. وانظر: بيان الوهم والإيهام (3/ 429).

(3)

رواه عبد الرزاق (4/ 71) رقم 7004، وأبو عبيد في الأموال ص/ 556 و 561، رقم 1336 و 1348، وابن أبي شيبة (3/ 160) وابن زنجويه في الأموال (3/ 1004 و 1015) رقم 1845 و 1859، والبيهقي (4/ 109) وقال: وروي ذلك في المكاتب عن عبد الله بن بزيع، عن ابن جريج مرفوعًا - وهو ضعيف، والصحيح موقوف -.

(4)

رواه عبد الرزاق (4/ 71) رقم 7009، وابن أبي شيبة (3/ 160)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1004) رقم 1843، والبيهقي (4/ 109).

(5)

الإجماع لابن المنذر ص/ 49.

ص: 308

(بل) تجب الزكاة على (معتَقٍ بعضُه) بقدر ملكه (فيزكي) المبعّض (ما ملك) من مال زكويّ (بحريته) أي: بجزئه الحر؛ لأن ملكه عليه تام، أشبه الحر.

(ولو اشترى عبدًا) أو أَمَة (ووهبه شيئًا) زكويًّا (ثم ظهر أنّ العبد) أو الأمة (كان حرًّا، فله) أي: السيد (أن يأخذ منه ما) كان (وهبه له) لأنّه إنّما وهبه له: بناء على أنّه ملكه، فإذا تبين خلافه، رجع به (ويزكيه) أي: المال السيدُ لما مضى؛ لأنّه ماله لم يخرج عن ملكه (فإن تركه) السيد للموهوب له بعد علمه حريته (زكَّاه الآخذ له) لأنّه مالك تام الملك ويستقبل به حولًا من حين الترك؛ لأنّه وقت دخوله في ملكه.

(و‌

‌تجب) الزكاة (في مال الصبي والمجنون)

وهو قول علي

(1)

، وابن عمر

(2)

، وجابر بن عبد الله

(3)

،

(1)

رواه البخاري في التاريخ الصغير (1/ 101)، والشافعي في الأم (7/ 170)، وعبد الرزاق (4/ 67) رقم 6986، وأبو عبيد في الأموال ص/ 548، رقم 1305، وابن أبي شيبة (3/ 149)، والدارقطني (2/ 112)، والبيهقي (4/ 108، 6/ 285) وفي معرفة السنن والآثار (6/ 68) رقم 8019، وابن حزم في المحلى (5/ 208). وليس في هذا الأثر؛ ولا في الآثار الآتية ذِكْر للمجنون.

(2)

رواه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 225)، وعبد الرزاق (4/ 69، 70، 98، 99) رقم 6992، 6998، 7108، 7109، وأبو عبيد في الأموال ص/ 549، حديث 1308، وابن أبي شيبة (3/ 149)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 992، 993) رقم 1813، 1814، وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 537) رقم 742، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 990) رقم 2861. والدارقطني (2/ 111)، والبيهقي (4/ 108، 149) و (6/ 3، 285) وفي معرفة السنن والآثار (6/ 69) رقم 8025.

(3)

رواه عبد الرزاق (4/ 66) رقم 6981 وأبو عبيد في الأموال ص/ 549، =

ص: 309

وعائشة

(1)

، والحسن بن علي

(2)

، حكاه عنهم ابنُ المنذر

(3)

، وكذا رواه مالك في "موطّئه"، والشافعي في "مسنده" عن عمر

(4)

.

ورواه الأثرم في "سننه"

(5)

عن ابن عباس، ولم يعرف لهم مخالف، وقد قالوه في أوقات مختلفة، واشتهر فلم ينكر، فصار كالإجماع، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ - حين بعثه إلى اليمن -: "أعلِمْهُمْ أنَّ عليْهِمْ

= رقم 1310، وابن أبي شيبة (3/ 149)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 540) رقم 747، وابن حزم في المحلى (5/ 208)، وصححه الحافظ في الدراية (1/ 249).

(1)

رواه مالك في الموطأ (1/ 251)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 224، 225)، وعبد الرزاق (4/ 66، 67) رقم 6983، 6984، وأبو عبيد في الأموال ص/ 549، حديث 1307، وابن أبي شيبة (3/ 149 و 150)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 992) رقم 1812، وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 539) رقم 745، والبيهقي (4/ 108، 6/ 3، 285)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 68) رقم 8023، وابن حزم في المحلى (5/ 207).

(2)

رواه ابن زنجويه في الأموال (3/ 993) رقم 1815.

(3)

نقله عنه النووي في المجموع (5/ 283).

(4)

مالك (1/ 251)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 224). وأخرج - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (2/ 331)، وعبد الرزاق (4/ 68 - 69) رقم 6989، 6990، 6993، وأبو عبيد في الأموال ص/ 548 رقم 1301 - 1304، وابن أبي شيبة (3/ 150)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 990، 991) رقم 1808، 1809، وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 541) رقم 748، وسحنون في المدونة (1/ 205)، والدارقطني (2/ 110)، وابن حزم في المحلى (5/ 208)، والبيهقي (4/ 107)، و (6/ 2)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 66)، وعبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 180) عن عمر رضي الله عنه موقوفًا بلفظ:"ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة". قال الدارقطني في العلل: (2/ 157): حديث عمر أصح، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح. انظر: نصب الراية (2/ 333).

(5)

سنن الأثرم لم تطبع، ولم نقف عليه في غيره من المصادر.

ص: 310

صدقَةً تؤخذُ من أغنيَائِهمْ، فتردُّ على فُقَرائِهِمْ". رواه الجماعة

(1)

. ولفظة: "الأغنياء" تشمل الصغير والمجنون، كما شملتهما لفظة:"الفقراء".

وروى الشافعي في "مسنده" عن يوسف بن ماهك، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انتمُوا

(2)

في أموَالِ اليتَامَى لا تذهِبُهَا أو لا تستهلكها الصدقَةُ"

(3)

. ولا يضر كونه مرسلًا؛ لأنّه حجة عندنا، وقد رواه الدارقطني

(4)

مسندًا من حديث ابن عمر

(5)

، لكن من طرق ضعيفة.

(ولا تجب) الزكاة (في المال المنسوب إلى الجنين) أي: الذي وقف له في إرث أو وصية وانفصل حيًّا؛ لأنه لا مال له ما دام حملًا.

(1)

البخاري في الزكاة، باب 1، 41، 63، حديث 1395 و 1458 و 1496، وفي المغازي، باب 61، حديث 4347، وفي التوحيد، باب 97، حديث 7372. ومسلم في الإيمان، حديث 19، وأبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1584، والترمذي في الزكاة، باب 6، حديث 625، والنسائي في الزكاة، باب 1، حديث 2434، وابن ماجه في الزكاة، باب 1، حديث 1783، وأحمد (1/ 233).

(2)

كذا في الأصول "انتموا" وصوابه: "ابتغوا" كما في مصادر التخريج.

(3)

الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 224)، وفي الأم (2/ 28) ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 66) رقم 6982، وأبو عبيد في الأموال ص/ 547، حديث 1300، وابن حزم في المحلى (5/ 208)، والبيهقي (4/ 107، 6/ 2)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 66) رقم 8008، عن ابن ماهك، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وقال النووي في المجموع (5/ 329): ورواه الشافعي والبيهقي بإسنادٍ صحيح عن يوسف بن ماهك، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا؛ لأن يوسف تابعي. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 158): ولكن أكده الشافعي بعموم الأحاديث في إيجاب الزكاة مطلقًا.

(4)

(2/ 110). ورواه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (2/ 6) حديث 1002.

(5)

كذا في الأصول "ابن عمر" وفي سنن الدارقطني والأوسط للطبراني "عبد الله بن عمرو بن العاص" رضي الله عنهم.

ص: 311

واختار ابن حمدان: تجب؛ لحكمنا له بالملك ظاهرًا، حتى منعنا باقي الورثة.

(الثالث) من شروط الزكاة: (ملك نصاب) للنصوص، ولا فرق بين بهيمة الأنعام وغيرها. ولا يرد الرِّكاز؛ لأنّ شبهه بالغنيمة أكثر من الزكاة، ولهذا وجب فيه الخمس، ولم يمنعه الدَّين (فـ) النصاب (في أثمان وعروض تقريبٌ) لا تحديد (فلا يضر نقص حبتين) لأنّه لا ينضبط غالبًا، فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين، ولأنّه لا يخل بالمواساة؛ لأنّ النقص اليسير لا حكم له في أشياء كثيرة، كالعمل اليسير في الصلاة، وانكشاف يسير من العورة، والعفو من

(1)

يسير الدم، فكذا هنا، فإنْ كان النقص بيّنًا كالدانق والدانقين

(2)

، لم تجب.

(و) النصاب (في ثمر وزرع تحديد) كالماشية، فلو نقص يسيرًا، لم تجب (وقيل:) النصاب في ثمر وزرع (تقريب) كالأثمان (فلا يؤثر نقص نحو رطلين) بنحو البغدادي (ومدَّين، ويؤثران) أي: نقصهما (على) القول (الأول) وعليه المعوّل (وعليهما) أي: القولين (لا اعتبار بنقص بتداخل في المكاييل كالأوقية) فلا يمنع نقصها الوجوب.

(وتجب) الزكاة (فيما زاد على النصاب بالحساب) لعموم ما يأتي في أبوابه (إلّا في السائمة، فلا زكاة في وقصها) لما روى أبو عبيد في "غريبه" مرفوعًا: "ليسَ في الأوقاصِ صدقَةٌ"

(3)

. وقال: الوقص:

(1)

في "ح" و"ذ": (عن) وهي الأنسب للسياق.

(2)

الدّانق: بفتح النون وكسرها سدس الدرهم، انظر: القاموس المحيط ص/ 884.

(3)

غريب الحديث (4/ 141). كما رواه - أيضًا - في الأموال ص/ 474، =

ص: 312

ما بين النصابين.

وفي حديث معاذ: أنّه قيل له: "أمرتَ في الأوقاصِ بشيءٍ؟ قال: لا، وسأسألُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألهُ، فقال: لا". رواه الدارقطني

(1)

.

= رقم 1022، عن معاذ رضي الله عنه "أنه أتي بوقص وهو باليمن فقال: لم يأمرني فيه رسول الله بشيء". وأخرجه بهذا اللفظ مرفوعًا أبو داود في المراسيل ص/ 129 رقم 107، ومالك (1/ 259)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 237)، وعبد الرزاق (4/ 22، 23) رقم 6843، 6848، وأحمد (5/ 230 و 231 و 248)، وابن زنجويه (2/ 841) رقم 1463، والشاشي (3/ 296 - 298) رقم 1405 و 1406 و 1407 و 1408 و 1409، والطبراني في الكبير (20/ 124، 168، 170) حديث 249، 356، 363، والدارقطني (2/ 99)، وابن حزم في المحلى (6/ 12)، والبيهقي (4/ 98). قال الدارقطني في العلل (6/ 66): طاوُس لم يسمع من معاذ. وقال الحافظ في الفتح (3/ 348): وهذا منقطع. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 373 مع الفيض) ورمز لضعفه. وقال الشافعي في الأم (2/ 9): وطاوُس عالم بأمر معاذ، وإن كان لم يلقه، على كثرة من لقي ممن أدرك معاذًا من أهل اليمن، فيما علمت. وانظر: نصب الراية (2/ 349، 351).

وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (3/ 129)، عن معاذ رضي الله عنه موقوفًا، وانظر التعليق الآتي.

(1)

(2/ 99). وأخرجه - أيضًا - البزار "كشف الأستار"(1/ 422) حديث 892، والبيهقي (4/ 98، 99)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 274)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 26)، من حديث طاوُس عن ابن عباس عن معاذ رضي الله عنهم.

قال البزار: إنما يرويه الحفاظ عن الحكم عن طاوُس مرسلًا، ولم يتابع بقية على هذا أحد، ورواه الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن طاوُس، عن ابن عباس. والحسن لا يحتج بحديثه إذا انفرد. قال ابن عبد البر: وقد رواه أقوام عن طاوُس عن ابن عباس عن معاذ، إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه.

ص: 313

فعلى هذا: لو كان له تسع من الإبل مغصوبة، فأخذ منها بعيرًا بعد الحول، زكّاه بخمس شاة.

(الرابع) من شروط الزكاة: (تمام الملك) في الجملة، قاله في "الفروع"؛ لأنّ الملك الناقص ليس نعمة كاملة، وهي إنما تجب في مقابلتها، إذ الملك التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق به حق غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره، وفوائده حاصلة له. قاله أبو المعالي.

"تنبيه": قال في "الفروع": النصاب الزّكوي سبب لوجوب الزكاة، وكما يدخل فيه تمام الملك، يدخل فيه من تجب عليه، أو يقال: الإسلام والحرية شرطان للسبب، فعدمهما مانع من صحة السبب وانعقاده. وذكر غير واحد هذه الأربعة شروطًا للوجوب كالحول، فإنّه شرط للوجوب، بلا خلاف، لا أثر له في السبب.

(فلا زكاة في دين الكتابة) لعدم استقراره؛ لأنه يملك تعجيز نفسه، ويمتنع من الأداء، ولهذا لا يصح ضمانها.

(و‌

‌لا) زكاة (في السائمة وغيرها الموقوفة على غير معين،

كالمساكين، أو على مسجد ورباط ونحوهما) كمدرسة؛ لعدم ملكهم لها (كمالٍ موصى به في وجوه برّ) أي: خيرات من غزو ونحوه (أو) مال موصى به (يُشترى به ما يوقف).

(فإن اتّجر به وصي قبل مصرفه) فيما وصّى به (فربح) المال (فربحه مع أصل المال) يصرف (فيما وصي فيه) لتبعية الربح للأصل (ولا زكاة فيهما) لعدم المالك المعيّن. (وإن خسر) المال (ضمن)

ص: 314

الوصي (النقص) لمخالفته إذن.

(وتجب) الزكاة (في سائمة) موقوفة على معين، كزيد أو عمرو: للعموم، وكسائر أملاكه. وقال في "التلخيص": الأشبه أنّه لا زكاة. وقدمه في "الكافي" لنقصه.

(و) تجب الزكاة في (غلة أرض، و) غلة (شجر موقوفة على معين) إنْ بلغت الغلة نصابًا، نصّ عليه

(1)

؛ لأنّ الزرع والثمر ليس وقفًا، بدليل بيعه.

(ويخرج من غير السائمة) كالزرع والثمر؛ لأنه ملكه، بخلاف السائمة، فلا يخرج منها؛ لأنّ الوقف لا يجوز نقل الملك فيه.

(فإن

(2)

كانوا) أي: الموقوف عليهم المعينون (جماعة، وبلغ نصيب كل واحد من غلته) أي: الموقوف من أرض أو شجر (نصابًا، وجبت) الزكاة، وكذا لو بلغت حصة بعضهم نصابًا، وجبت عليه (وإلّا) أي: وإنْ لم تبلغ حصة أحد منهم نصابًا (فلا) زكاة عليهم؛ لأنّه لا أثر للخلطة في غير الماشية.

(ولا في حصة مضارب) من الربح (قبل القسمة، ولو ملكت) أي: ولو قلنا: تملك (بالظهور) لعدم استقرارها (فلا ينعقد عليها الحول قبل استقرارها) بالقسمة أو ما أُجري مجراها.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 80، وكتاب الوقوف من الجامع للخلال (2/ 520 - 523) رقم 197 - 202.

(2)

في "ح": "وإن".

ص: 315

(ويزكي رب المال حصته منه) أي: من الربح (كالأصل) أي: رأس المال (لملكه) الربح (بظهوره) وتبعيته لماله، بخلاف المضارب. ولا يجب على رب المال زكاة حصة المضارب من الربح؛ لأنَّه غير مالك لها.

(فلو دفع) حر مسلم (إلى رجل ألفًا مضاربة، على أنّ الربح بينهما نصفين، فحال الحول وقد ربح) المال (ألفين، فعلى رب المال زكاة ألفين) رأس المال وحصته من الربح (فإن أدّاها) أي: زكاة الألفين (منه) أي: من مال المضاربة (حسب) ما أداه (من المال والربح، فينقص ربع عشر رأس المال) وهو خمسة وعشرون، فيصير رأس المال تسعمائة وخمسة وسبعين.

(والمال الموصى به) لمعين (يزكيه مَنْ حال الحولُ وهو على ملكه) سواء الموصي أو الموصى له.

(ولو وصى بنفع نصاب سائمة، زكاها مالك الأصل) كالمؤجرة.

(ومن له دين على مليء) أي: قادر على وفائه (باذل) للدين (من قرض أو دين عروضِ تجارة أو مبيع، لم يقبضه) كموصوف في الذمة (بشرط الخيار أَوْ لا، أو دين سلم إن كان) دين السلم (للتجارة، ولم يكن أثمانًا) هكذا عبارة "الإنصاف" و"الفروع" و"المبدع"، وذكر في "المنتهى": لا تجب في دين سلم ما لم يكن أثمانًا أو للتجارة. انتهى. وعليه يحمل كلام المصنف بجعل الواو للحال، أي: إن كان للتجارة في حال كونه غير أثمان، فإنْ كان أثمانًا لم يعتبر كونها للتجارة (أو

ص: 316

ثمن مبيع أو رأس مال مسلم

(1)

قبل قبض عوضهما) أي: عوض ثمن المبيع، وهو المبيع، وعوض رأس مال سلم، وهو المسلم فيه، وإنما يتصور ذلك في رأس مال السلم ما داما بالمجلس، ولم ينبه عليه للعلم به، مما يأتي في بابه.

(ولو انفسخ العقد) أي: عقد البيع أو المسلم بإقالة أو غيرها، فلا تسقط زكاته (أو) دين من (صداق، أو عوض خلع، أو أجرة) بأن تزوجها على مائة في ذمته، أو سألته الخلع بذلك، أو استأجر منه شيئًا كذلك، فيجري ذلك في حول الزكاة (بالعقد قبل القبض، وإن لم تُستوفَ

(2)

المنفعةُ) المعقود عليها في النكاح أو الإجارة لملك هذه الأشياء بالعقد.

(وكذا كل دين لا في مقابلة مال، أو) في مقابلة (مال غير زكوي، كموصى به، وموروث، وثمن مسكن، ونحو ذلك) كقيمة عبد متلف، وجُعل بعد عمل، ومصالح به عن دم عمد (جرى في حول الزكاة من حين ملكه، عينًا كان أو دينًا) لأنّ الملك في جميعه مستقر، وتعريضه للزوال لا تأثير له، وهو ظاهر إجماع الصحابة، ذكره في "المبدع" في الصداق وعوض الخلع والأجرة. والصداق، وعوض الخلع إذا كان مبهمًا، استقبل به حول من تعيينه (من غير بهيمة الأنعام، لا) إن كان الدين (منها) أي: من بهيمة الأنعام، فلا زكاة فيه، كما لو اشترى أربعين شاة موصوفة في الذمة (لاشتراط السوم) فيها. (فإن عينت،

(1)

في "ح" و"ذ": "سلم".

(2)

في هامش "ذ" زيادة: (منه).

ص: 317

زكيت كغيرها، وكذا الدية الواجبة لا تزكى، لأنَّها لم تتعين مالًا زكويًا) لأن الإبل في الدية أحد الأصول الخمسة.

وقوله: (زكَّاه) أي: الدين المذكور (إذا قبضه، أو) قبض (شيئًا منه) جواب قوله: (ومن له دين) لجريانه في حول الزكاة لما سبق. (فكلما قبض شيئًا) من الدين (أخرج زكاته) لما مضى (ولو لم يبلغ المقبوض نصابًا) حيث بلغ أصله نصابًا ولو بالضم إلى غيره. روى أحمد عن علي

(1)

، وابن عمر

(2)

، وعائشة

(3)

: "لا زكاةَ في الدَّينِ حتّى يُقبَضَ". ذكره أبو بكر بإسناده، ولم يعرف لهم مخالف. (أو أبرأ منه) أي: من الدين أو بعضه، فيزكيه (لما مضى) وسواء (قصد ببقائه) أي: الدين (عليه) أي: المدين (الفرارَ من الزكاة، أو لا) وسواء كان المدين يزكّيه أو لا.

(ويجزئ إخراجها) أي: زكاة الدين (قبل قبضه) لقيام الوجوب

(1)

رواه أحمد، كما في مسائل ابنه عبد الله (2/ 532) رقم 734. ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 100) رقم 7116، وأبو عبيد في الأموال ص/ 528 رقم 1220، 1221، وابن أبي شيبة (3/ 163)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 954) حديث 1719، والبيهقي (4/ 150)، وصححه ابن حزم في المحلى (6/ 103).

(2)

رواه أحمد، كما في مسائل ابنه عبد الله (2/ 533) رقم 736. ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 99) حديث 7112، وابن أبي شيبة (3/ 162)، والبيهقي (4/ 150).

(3)

رواه أحمد، كما في مسائل ابنه عبد الله (2/ 534) رقم 737، 738. ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 100، 103) حديث 7115، 7124، وابن أبي شيبة (3/ 163).

ص: 318

على رب الدين، وعدم إلزامه بالإخراج قبل قبضه رخصة، فليس كتعجيل الزكاة.

(ولو كان في يده) أي: الحر المسلم (بعض نصاب، وباقيه دين، أو غصب، أو ضالٌّ، زكّى ما بيده) لتمكنه من إخراج زكاته وتمام النصاب (ولعلّه فيما إذا ظن رجوعه) أي: الضال، وإلّا لم يتحقق ملك النصاب.

(وكل دين) من صداق أو غيره (سقط قبل قبضه) حال كونه (لم يتعوَّض عنه) أي: لم يأخذ عنه عوضًا، ولم يبرأ منه (كنصف صداق) سقط عن الزوج (قبل قبضه بطلاق) أو نحوه قبل الدخول (أو) كصداق سقط (كلّه لانفساخه من جهتها) كفسخها لعيبه قبل الدخول (فلا زكاة فيه) لأنّها وجبت على سبيل المواساة، ولم يقبض الدين ولا بَدله، ولا أبرأ منه، فلم يلزمه إخراجها. وكذا لو اشترى مكيلًا أو موزونًا ونحوه بنصاب أثمان، وحال عليها الحول، ثم تلف المبيع قبل قبضه، انفسخ البيع، وسقطت الزكاة؛ لسقوط الثمن عن المشتري، بلا إبراء ولا إسقاط. وكذا لو تعلق بذمة رقيق دين، ثم اشتراه رب الدين سقط، وسقطت زكاته، لما ذكر.

(وإن أسقطه) أي: الدين (ربه) بأن أبرأ منه (زكاه، وإن أخذ به) أي: الدين (عوضًا أو أحال) عليه (أو احتال) به (زكّاه) لأنّ ذلك كقبضه (كعين) تجب فيها الزكاة وديعة أو نحوها (وهبها) مالكها بعد الحول لمن كانت عنده، فلا تسقط زكاتها عنه؛ لاستقرارها عليه.

ص: 319

(وللبائع إخراج زكاة مبيع) مشروط (فيه خيار منه) أي: من المبيع؛ لسبق تعلق الزكاة به على المبيع (فيبطل البيع في قدره) أي: قدر ما أخرجه عن الزكاة: لتفويته إيَّاه على المشتري.

(وإن زكَّت) المرأة (صداقها كله، ثم تنصف) الصداق (بطلاقه

(1)

) أو نحوه (رجع) الزوج (فيما بقي) من الصداق (بكل حقه) وهو النصف تامًّا؛ لقوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}

(2)

والزكاة فاتت عليها؛ لأنَّ الملك كان لها.

(ولا يجزئها) أي: المطلَّقة (زكاتها منه) أي: من الصداق (بعد طلاقه

(3)

) أو نحوه عما ينصِّفه (لأنّه مشترك) فلا تتصرف فيه بغير إذن الشريك قبل القسمة. (ومتى لم تزكه) ثم طلق أو نحوه قبل الدخول، (رجع بنصفه كاملًا) للآية (وتزكيه) أي: الصداق كله (هي) لجريانه في ملكها إلى الحول. وكذا لو سقط كله لفسخها لعيبه

(4)

ونحوه قبل الدخول، فيرجع عليها بجميع الصداق، وزكاته إن مضى حول فأكثر عليها.

(وتجب) الزكاة (أيضًا في دين على غير مليء) وهو المعسر (و) دين (على مماطل، وفي) دين (مؤجّل، و) في دين (مجحود ببيّنة أو لا) لصحة الحوالة به والإبراء منه، فيزكي ذلك إذا قبضه، لما مضى

(1)

في "ذ": "بطلاق".

(2)

سورة البقرة، الآية:237.

(3)

في "ذ": "طلاق".

(4)

في "ذ": "لعيب".

ص: 320

من السنين، رواه أبو عبيد عن علي

(1)

وابن عباس

(2)

، للعموم كسائر ماله.

(وتجب) الزكاة أيضًا (في مغصوب في جميع الحول، أو) في (بعضه) بيد الغاصب أو من انتقل إليه من الغاصب. وكذا لو كان تالفًا؛ لأنَّه مال يجوز التصرف فيه بالإبراء منه والحوالة به وعليه، أشبه الدين على المليء، فيزكيه مالكه إذا قبضه، لما مضى من السنين.

(ويرجع المغصوب منه على الغاصب بالزكاة) أي: زكاة المال المغصوب زمن غصبه (لنقصه) أي: المال (بيده) أي: الغاصب (كتلفه) أي: تلف المغصوب بيد الغاصب، فإنه يضمنه، فكذا نقصه.

(وتجب) الزكاة (في) مال (ضائع كلقطة، فـ) زكاة (حول التعريف على ربها) أي: اللقطة إذا وجدها (و) زكاة (ما بعده) أي: بعد حول التعريف (على ملتقط) لدخول اللقطة في ملكه بمضي حول التعريف بشرطه، كالإرث، فتصير كسائر أمواله.

(فإن أخرج الملتقط زكاتها) أي: اللقطة (عليه) أي: حال كون الزكاة على الملتقط، وذلك ما بعد حول التعريف (منها) أي: اللقطة (ثم أخذها) أي: اللقطة (ربها، رجع) ربها (عليه) أي: الملتقط (بما

(1)

تقدم تخريجه (4/ 318) تعليق رقم (1).

(2)

رواه أبو عبيد في الأموال ص/ 528 رقم 1222. ورواه - أيضًا - ابن زنجويه في الأموال (3/ 955) رقم 1721.

ص: 321

أخرج) من اللقطة؛ لتصرفه فيه وصيرورتها مضمونة عليه بمضي حول التعريف، كما لو تلفت، وإن أخرج الملتقط الزكاة لحول التعريف، لم يجز عن ربها، ويضمنها أيضًا إن أخرجها منها لتعدِّيه.

(وتجب) الزكاة أيضًا (في مسروق، ومدفون منسي في داره أو غيرها، أو) مال (مذكور) أي: معروف له لكن (جُهل عند مَن هو؟ وفي موروث) ولو جهله، أو عند مَن هو (ومرهون. ويخرجها الراهن منه) أي: من المرهون (إن أذن له المرتهن، أو لم يكن له مال يؤدّي منه) الزكاة غير المرهون، كأرش جناية العبد المرهون على دينه (وإلا) بأن كان للمراهن

(1)

مال يؤدي منه الزكاة غير الرهن (فـ) إِنّه يؤديها (من غيره) لتعلق حقّ المرتهن به.

(وتجب في مبيع ولو كان في خيار) ولو (قبل القبض) أي: قبض المشتري إيّاه، قال في "المبدع": وتجب في مبيع قبل القبض

(2)

، جزم به جماعة، فيزكّيه المشتري مطلقًا. انتهى. وهذا معنى ما تقدم. وسواء كان دينًا أو عينًا؛ لأنَّ زكاة الدين على مَن هو له، لا على مَن هو عليه (فيزكي بائع مبيعًا غير متعين ولا متميز) كالموصوف في الذمة، بأن باعه مثلًا أربعين شاة موصوفة في الذمة، وعنده أربعون بهذه الصفة، فزكاتها على البائع حتى يقبضها المشتري؛ لعدم دخولها في ملكه، لكن تسميتها مبيعة، فيه تَسَمُّحٌ؛ لأنّها على صفة المبيع. وإنما المبيع في الذمة، أي شيء سلمه عنه بالصفات، لزم قبوله.

(1)

في "ذ": "للمرتهن"، وفي الهامش قال:"لعله: للراهن".

(2)

في "ح": "قبضه".

ص: 322

ومحله أيضًا: إذا لم ينقص النصاب بها، وإلَّا، فيأتي: لا زكاة على من عليه دين ينقص النصاب. ولا زكاة على المشتري للمبيع في المثال؛ لأن دين بهيمة الأنعام لا زكاة فيه: لعدم السّوم كما تقدم.

وأمَّا إنْ كان المبيع الموصوف في الذمة ذهبًا أو فضة أو عروض تجارة، فزكاته على المشتري، كما تقدم. ويزكي البائع ما بيده بأوصافه سوى ما يقابله على ما سبق. (ومشتر يزكّي غيره) أي: مبيعًا متعيّنًا أو متميّزًا. ومثَّل ابن قندس المتعين بنصاب سائمة معين أو موصوف من قطيع معين، والمتميز بهذه الأربعين شاة. قال: فكل متميزة متعينة، وليس كل متعينة متميزة. وذكر في "شرح المنتهى": أنَّ غير المتميز كنصفٍ مشاعًا في زبرة فضة وزنها أربعمائة درهم، يزكيه البائع. انتهى. وفيه نظر ظاهر.

(وتجب) الزكاة (في مال مودع) بشرطه كغيره (وليس للمودع إخراجها) أي: الزكاة (منه) أي: المودع (بغير إذن مالكها) أي: الوديعة؛ لأنَّه افتيات عليه.

(و) تجب الزكاة (في) مال (غائب مع عبده أو وكيله) لما تقدَّم.

(ولو أسر رب المال أو حبس ومنع من التصرف في ماله، لم تسقط زكاته) لعدم زوال ملكه عنه.

(و‌

‌لا زكاة في مال من عليه دين يستغرق النصاب)

سواء حجر عليه للفلس، أو لا (أو) عليه دين (ينقصه) أي: النصاب (ولا يجد ما

ص: 323

يقضيه به سوى النصاب، أو) يجد (ما) يقضي به الدين غير النصاب، لكنه (لا يستغني عنه) كمسكنه، وكتب علم يحتاجها، وثيابه، وخادمه، فلا زكاة عليه.

(ولو كان الدين من غير جنس المال) المزكّى (حتى دين خراج، و) حتى (أرش جنابة عبيد التجارة، و) حتى (ما استدانه لمؤنة حصاد وجذاذ ودياس) ينبغي حمل ذلك على ما استدانه لذلك قبل وجوب الزكاة في الزرع والثمر، وإلَّا، فلا. قال في "الفروع" في باب زكاة الزرع والثمر: ولا ينقص النصاب بمؤنة حصاد ودياس وغيرهما منه؛ لسبق الوجوب. وقال صاحب "الرعاية": يحتمل ضده، كالخراج. انتهى. وجزم في "المنتهى" بمعنى ما قدمه في "الفروع"، وجزم به أيضًا المصنف فيما يأتي.

(و) حتى دين (كراء أرض) أي: أجرتها (ونحوه) كأجرة حرث (لا دينًا بسبب ضمان) كالضامن والغاصب إذا غصبت منه العين وتلفت عند الثاني ونحوهما، فلا يمنع هذا الدين وجوب الزكاة عن الضامن، ولا عن الغاصب الأول، وإن كان المالك متمكنًا من مطالبتهما؛ لأنَّ منع الدين في أكثر من قدره إجحاف بالفقراء، وتوزيعه على الجهتين لا قائل به، فتعين مقابلته بجهة الأصل، لترجّحها، لا سيما إذا كان الضامن ممن يرجع إذا أدى؛ لأنه لا قرار عليه.

إذا تقرر أن الدين مانع من وجوب الزكاة، (فيمنع) الدين (وجوبها)

ص: 324

أي: الزكاة (في قدره - حالًّا كان الدين أو مؤجلًا - في الأموال الباطنة كالأثمان وقيم عروض التجارة والمعدن، و) الأموال (الظاهرة كالمواشي والحبوب والثمار) لقول عثمان: "هذا شهرُ زكاتِكم، فمن كانَ عليهِ دينٌ فليقضِهِ وليزكِّ ما بَقِيَ". رواه سعيد وأبو عبيد

(1)

، واحتجَّ به أحمد

(2)

.

(ومعنى قولنا: يمنع) الدين وجوب الزكاة (بقدره: أنّا نسقط من المال بقدر الدين) المانع (كأنه غير مالك له) لاستحقاق صرفه لجهة الدين (ثم يزكي) المدين (ما بقي) من المال إنْ بلغ نصابًا (فلو كان له مائة من الغنم، وعليه ما) أي: دين (يقابل ستين) منها (فعليه زكاة الأربعين) الباقية؛ لأنّها نصاب تام (فإن قابل) الدين (إحدى وستين، فلا زكاة عليه؛ لأنّه) أي: الدين (ينقص النصاب) فيمنع الزكاة.

(ومن كان له عرض قنية يباع، لو أفلس) أي: حجر عليه لفلس، كعقار وأثاث لا يحتاجه، وكان ثمنه (يفي بما عليه من الدين) ومعه مال زكوي (جُعل) الدين (في مقابلة ما معه) من المال الزكوي (فلا

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ورواه أبو عبيد في الأموال ص/ 534 حديث 1247. ورواه - أيضًا - بنحوه مالك في الموطأ (1/ 253)، ومسدد، كما في المطالب العالية (1/ 355)، ويحيى بن آدم في الخراج ص/ 159، والشافعي في الأم (5012) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 226) وعبد الرزاق (4/ 92) رقم 7086، وابن أبي شيبة (3/ 194)، والبيهقي (4/ 148)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 151) رقم 8323، والبغوي في شرح السنة (6/ 54) رقم 1585، وصححه النووي في المجموع (6/ 105)، وقال الحافظ في المطالب العالية (1/ 355): إسناده صحيح.

(2)

انظر: المبدع (2/ 300).

ص: 325

يزكيه) لئلا يخل بالمواساة، ولأنَّ عرض القنية كملبوسه في أنّه لا زكاة فيه، فكذا فيما يمنعها.

(وكذا من بيده ألف، وله على مليء) دين (ألف، وعليه) دين (ألف) فيجعل الألف الذي بيده في مقابلة ما عليه، فلا يزكيه، وأما الدين فيزكيه إذا قبضه.

"تتمة": لو كان له مالان من جنسين، وعليه دين يقابل أحدهما، جعله في مقابلة ما يقضي منه، وإن كانا من جنس، جعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته، تحصيلًا لحظهم، قاله في "الكافي".

(ولا يمنع الدين خمس الركاز) لأنّه بالقيمة أشبه، ولذلك لم يعتبر له نصاب ولا حول.

(ومتى أبرئ المدين) من الدين (أو قضى) الدين (من مال مستحدث) من إرث أو وصية أو هبة ونحوها (ابتدأ) أي: استأنف بما في يده من المال الزكويّ (حولًا) من حين البراءة؛ لأنَّ ما منع وجوب الزكاة، منع انعقاد الحول وقطعه.

(وحكم دَين الله) تعالى (من كفارة وزكاة ونذر مطلق ودين حج ونحوه) كإطعام في قضاء رمضان (كدين آدمي) في منعه وجوبَ الزكاة في قدره؛ لوجوب قضائه، وقوله صلى الله عليه وسلم:"دَينُ اللهِ أحقُّ أنْ يقْضَى"

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري في الصوم، باب 42، حديث 1953، ومسلم في الصيام، =

ص: 326

(فإن قال: لله علي أن أتصدق بهذا) مشيرًا إلى نصاب زكويّ (أو) قال: (هو صدقة، فحال الحول) قبل إخراجه (فلا زكاة فيه) لزوال ملكه عنه، أو نقصه.

(وإن قال: لله علي أن أتصدق بهذا النصاب، إذا حال عليه الحول، وجبت الزكاة) فيه إذا حال عليه الحول قبل إخراجه؛ لأنَّ ملكه عليه تام؛ لأنّه لا يلزمه إخراجه قبل الحول (وتجزئه الزكاة منه، ويبرأ) الناذر (بقدرها) أي: الزكاة (من الزكاة والنذر إن نواهما معًا) لأنَّ كلًّا منهما صدقة، كما لو نوى بركعتين التحية والراتبة.

(وكذا لو نذر الصدقة ببعض النصاب) فيكون كما لو نذر الصدقة به كلّه، فلو نذر أنْ يتصدق بعشر من الأربعين وحال الحول، فلا زكاة فيها. وإن نذر أنْ يتصدق بالعشر إذا حال الحول، وجبت الزكاة، وأجزأته منها، وبرئ بقدرها من الزكاة والنذر إنْ نواهما معًا.

(الخامس) من شروط وجوب الزكاة: (مضي الحول) وفي نسخ: (شرط على نصاب تام) لحديث عائشة مرفوعًا: "لا زكاةَ في مالٍ حتى يحولَ عليهِ الحولُ" رواه ابن ماجه

(1)

من رواية حارثة بن محمد،

= حديث 1148 (155) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(1)

في الزكاة، باب 5، حديث 1792. ورواه - أيضًا - أبو عبيد في الأموال ص/ 505 حديث 1131، وابن زنجويه في الأموال (3/ 921) رقم 1638، والعقيلي (1/ 289)، وابن عدي (2/ 834)، والدارقطني (2/ 91)، والبيهقي (4/ 95، 103)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 28) حديث 938. قال البيهقي: وحارثة لا يحتج بخبره. وقال ابن الجوزى: حارثة ضعيف جدًا، وقال النووي في المجموع (5/ 307): حديث ضعيف. وقال البوصيري في مصباح =

ص: 327

وقد ضعَّفه جماعة، وقال النسائي: متروك. وروى الترمذي

(1)

معناه من

= الزجاجة (1/ 316): هذا إسناد فيه حارثة، وهو ابن أبي الرجال: ضعيف. وروي موقوفًا على عائشة رضي الله عنها، رواه ابن أبي شيبة (3/ 159)، والدارقطني (2/ 92)، والبيهقي (4/ 103).

قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1/ 1372): وهذا أصح. وصححه ابن حزم في المحلى (6/ 85).

وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه ابن عدى (2/ 779)، والدارقطني (2/ 91) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 28)، حديث 937، وفيه حسان بن سياه، ضعفه ابن حجر. انظر: التلخيص الحبير (2/ 156).

ومن حديث علي رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1573، والبيهقي (4/ 95)، مرفوعًا.

وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 58 و 159)، وأحمد (1/ 148)، موقوفًا، وصححه النووي في المجموع (5/ 307). وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 156): حديث علي لا بأس بإسناده، والآثار تعضده، فيصلح للحجة، والله أعلم.

(1)

في الزكاة، باب 10، حديث 631. وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (2/ 90)، والبيهقي (4/ 104)، والبغوي في شرح السنة (6/ 28) حديث 1576، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 27)، من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استفاد مالًا، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه. قال الترمذي: "وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث، ضعفه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وغيرهما من أهل الحديث، وهو كثير الغلط". وقال البيهقي: عبد الرحمن ضعيف لا يحتج به.

وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (2/ 90)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 28)، من طريق بقية، عن إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بنحوه. قال البيهقي (4/ 104): وليس بصحيح. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 156): وفيه إسماعيل بن عياش، وحديثه عن غير أهل الشام ضعيف. =

ص: 328

حديث ابن عمر من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد تكلم فيه غير واحد. ورفقًا بالمالك، وليتكامل النماء فيواسي منه.

(ويعفى عن) نقص (نحو ساعتين) وكذا نصف يوم، قطع به في "المبدع" و"المنتهى"، وصححه في "تصحيح الفروع" وفي "المحرر"، وقاله

(1)

جماعة: لا يؤثر في نقصه دون اليوم؛ لأنَّه لا ينضبط غالبًا، ولا يسمى في العرف نقصًا (إلا في الخارج من الأرض) وما في حكمه كالعسل؛ لقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}

(2)

وذلك ينفي اعتباره في الثمار والحبوب، وأما العسل والمعدن والركاز فبالقياس عليهما؛ ولأنّ لهذه الأشياء نماء في نفسها، تؤخذ الزكاة منها عند وجودها، ثم لا تجب فيها زكاة ثانية؛ لعدم إرصادها للنماء، إلَّا المعدن من الأثمان، فتجب فيها عند كل حول؛ لأنّها مظنة النماء من حيث إنها قيم الأموال.

= وأخرجه موقوفًا الترمذي في الزكاة، باب 10، حديث 632، ومالك (1/ 246)، والشافعي في الأم (2/ 17)، وفي المسند (ترتيبه 1/ 225)، وعبد الرزاق (4/ 77) رقم 7030، 7031، وأبو عبيد في الأموال ص/ 503 رقم 1123، وابن أبي شيبة (3/ 159)، والدارقطني (2/ 92)، وابن حزم في المحلى (5/ 276). والبيهقي (4/ 103، 104)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 55) رقم 7980.

قال الترمذي: وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف. وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 172): والصحيح أنه قول ابن عمر رضي الله عنهما.

(1)

في "ذ": "وقال" وهو الأقرب.

(2)

سورة الأنعام، الآية:141.

ص: 329

(فإذا استفاد مالًا، ولو) كان المال (من غير جنس ما يملكه، فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول) لما تقدم (إلَّا نتاج السائمة) بكسر النون (و) إلّا (ربح التجارة فإن حوله) أي: ما ذكر من الربح والنتاج (حول أصله) فيُضَمَّان إليه (إن كان أصله نصابًا) لقول عمر: "اعتدَّ عليهمْ بالسخْلَةِ، ولا تأخذْهَا منْهُمْ"، رواه مالك

(1)

: ولقول علي: "عدَّ عليهم الصغارَ والكبارَ"

(2)

، ولا

(3)

يعرف لهما مخالف في الصحابة؛ ولأنَّ السائمة تختلف في وقت ولادتها، فإفراد كل واحدة يشق، فجعلت تبعًا لأمهاتها؛ ولأنَّها تابعة لها في الملك فتتبعها في الحول، وربح التجارة كذلك معنًى، فوجب أن يكون مثله حكمًا.

(وإن لم يكن) الأصل (نصابًا، فحوله من حين كمل النصاب) لأنّه حينئذٍ يتحقق فيه التبعية، فلذا وجبت فيه الزكاة، وقبل ذلك لا تجب فيه الزكاة؛ لنقصانه عن النصاب.

(1)

في "الموطأ"(1/ 265). وأخرجه - أيضًا - الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 238)، وعبد الرزاق (4/ 10) رقم 6806، وابن أبي شيبة (3/ 134)، والطبراني في الكبير (7/ 68) رقم 6395، والبيهقي (4/ 100 - 101)، وصححه النووي في المجموع (5/ 317)، وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 249)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 75): رواه الطبراني في الكبير، وفيه رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات.

(2)

قول علي رضي الله عنه لم نقف على من أخرجه، قال ابن حجر في التلخيص الحبير:(2/ 156): وأما قول عليّ، فلم أره. وروى ابن خزيمة (4/ 16) حديث 2262 عنه رضي الله عنه مرفوعًا في حديث طويل بلفظ: ويعد صغيرها، وكبيرها.

(3)

في "ذ": "ولم".

ص: 330

(ويضمّ المستفاد إلى نصاب بيده من جنسه) كما لو ملك عشرين مثقالًا ذهبًا في المُحرَّم، ثم ملك عشرة مثاقيل في صَفَر، فتُضم إلى العشرين الأولى، (أو في حكمه) أي: حكم ما هو من جنسه، كمئة درهم فضة ملكها بعد عشرين مثقالًا ذهبًا.

(ويزكى كل مال إذا تم حوله) لوجود النصاب، ولو بالضم ومضي الحول. (ولا يعتبر النصاب في المستفاد) اكتفاء بضمه إلى جنسه، أو ما في حكمه.

(وإن كان) المستفاد (من غير جنس النصاب ولا في حكمه، فله حكم نفسه) فإن بلغ نصابًا زكاه، إذا تم حوله، وإلَّا، فلا. فلو ملك أربعين شاة في المحرم، ثم ثلاثين بقرة في صفر، زكّى كلًّا عند تمام حوله، بخلاف ما لو ملك عشرين بقرة (فلا يضم) المستفاد من غير الجنس (إلى ما عنده في حول ولا نصاب) لمخالفته له في الحكم حقيقة وحكمًا (ولا شيء فيه) أي: المستفاد المذكور (إن لم يكن نصابًا) لفقد شرط الزكاة.

(ولا يبني وارث على حول مورث) نص عليه في رواية الميموني

(1)

(بل يستأنف حولًا) من حين ملكه.

(وإ‌

‌ن ملك نصابًا صغارًا، انعقد عليه الحول من حين ملكه)

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعينَ شاةً شاةٌ"

(2)

لأنها تقع على الكبير

(1)

انظر: مسائل صالح (2/ 319) رقم 948، والمستوعب (3/ 189).

(2)

جزء من حديث طويل، أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في الزكاة، باب 4، =

ص: 331

والصغير، ولقول أبي بكر:"لو منعوني عناقًا كانُوا يؤدُّونَها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهمْ على مَنعِهَا"

(1)

وهي لا تجب في الكبار.

(فلو تغذّت) الصغار (باللبن فقط، لم تجب) الزكاة (لعدم السوم) اختاره المجد، وقيل: تجب لوجوبها فيها تبعًا للأُمَّات

(2)

.

(ولا ينقطع) الحول (بموت الأُمَّات، والنصاب تام بالنتاج) - الجملة حالية - فإن لم يكن النصاب تامًّا، انقطع لنقص النصاب.

(ولا) ينقطع الحول (ببيع فاسد) لأنه لا ينقل الملك، إن لم

= حديث 1568، 1569، والترمذي في الزكاة، باب 4، حديث 621، وابن ماجه في الزكاة، باب 13، حديث 1805، 1807، وابن أبي شيبة (3/ 131)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 853) حديث 1499، والدارمي في الزكاة، باب 4، حديث 1627، وأبو يعلى (9/ 359) حديث 5470، وابن خزيمة (4/ 19) حديث 2267، والحاكم (1/ 392)، والبيهقي (4/ 88)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال الترمذي: حديث ابن عمر حديث حسن. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وحسَّنه النووي في المجموع (5/ 383). وانظر تغليق التعليق (3/ 17).

وأخرجه الدارمي في الزكاة، باب 4، حديث 1621، والحاكم (1/ 396)، والبيهقي (4/ 89)، من حديث عمرو بن حزم.

وأخرجه بنحوه البخاري في الزكاة، باب 38، حديث 1454، من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

(1)

جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في الزكاة، باب 1، 40، حديث 1400، 1456، وفي استتابة المرتدين، باب 3، حديث 6925، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 2، حديث 7285، ومسلم في الإيمان، حديث 20، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

الأُمَّات: جمع أُمّ؛ لمن لا يعقل خاصَّة. انظر: القاموس المحيط ص/ 1076 مادة (أمم).

ص: 332

يحكم به من يراه.

(ومتى نقص النصاب في بعض الحول) انقطع؛ لأن وجود النصاب في جميع الحول شرط للوجوب، ولم يوجد. وظاهره: سواء كان النقص في وسط الحول أو طرفيه، وعدم العفو عنه مطلقًا، لكن اليسير معفو عنه، كالحبة والحبتين في الأثمان، وعروض التجارة؛ لما تقدم

(1)

(أو باعه) أي: النصاب بغير جنسه، ولو بشرط الخيار (أو أبدله بغير جنسه) كمن باع أو أبدل أربعين شاة بثلاثين من البقر، انقطع الحول؛ لما تقدم (أو ارتد مالكه) أي: النصاب (انقطع الحول) لفوات أهليته للوجوب (إلَّا في إبدال ذهب بفضة وعكسه) كإبدال فضة بذهب (وعروض تجارة) أبدلت بأثمان، أو عروض تجارة (و) إلا في (أموال الصيارف) فلا ينقطع الحول في هذه بالإبدال؛ لأنها في حكم الجنس الواحد في ضم بعضها إلى بعض، ولذلك تجزئ زكاة الذهب من الفضة وعكسه. وعروض التجارة الزكاة في قيمتها لا عينها، كما يأتي. وعطف أموال الصيارف على ما تقدم من عطف الخاص على العام؛ لأنها لا تخرج عنه.

(ويخرج) الزكاة (مما معه عند وجوب الزكاة) أي: تمام الحول ذهبًا كان أو فضة، وعروض التجارة يخرج من قيمتها كما يأتي.

(و‌

‌لا ينقطع الحول فيما أبدله بجنسه مما تجب الزكاة في عينه)

كالغنم والبقر، وخمس وعشرين. فأكثر من إبل (حتى لو أبدل نصابًا

(1)

(4/ 312).

ص: 333

من السائمة بنصابين) كثلاثين بقرة أبدلها بستين بقرة (زكاهما) إذا تَمَّ حَوْل الأول، كنِتاج، نص عليه

(1)

. قال أحمد بن سعيد

(2)

: سألت أحمد عن الرجل يكون عنده غنم سائمة، فيبيعها بضعفها من الغنم، أعليه أن يزكيها كلها، أم يعطي زكاة الأصل؟ قال: بل يزكيها، على حديث عمر

(3)

في السخلة يروح بها الراعي؛ لأن نماءها معها. قلت: فإن كانت للتجارة؟ قال: يزكيها كلها

(4)

على حديث حِماس

(5)

.

فأما إن باع النصاب بدون النصاب، انقطع الحول، وإن كان

(1)

انظر الفروع (2/ 341).

(2)

هو: أحمد بن سعيد بن إبراهيم الزهري، أبو إبراهيم. قال الخلال: كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان. تُوفي 273 هـ رحمه الله تعالى انظر: طبقات الحنابلة (1/ 46)، والمنهج الأحمد (1/ 244).

(3)

تقدم تخريجه (4/ 330) تعليق رقم (1).

(4)

انظر: المغني (4/ 135 - 136).

(5)

أخرجه الشافعي في المسند (ترتيبه 1/ 229 - 230)، وعبد الرزاق (4/ 96) رقم 7099، وأبو عبيد في الأموال (2/ 556) حديث 1179، ومسدد كما في المطالب العالية (1/ 363)، وابن أبي شيبة (3/ 183)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 941) رقم 1687، وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 556) رقم 766 والدارقطني (2/ 125)، وابن حزم في المحلى (5/ 234)، والبيهقي (4/ 147)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 148، 149) رقم 8312، 8313، عن حِماس قال: كنت أبيع الأُدم والجعاب، فمرَّ عمر بن الخطاب فقال لي: أَدِّ صدقة مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين: إنما هو في الأُدم، قال: قَوِّمه، ثم أخرِج صدقته.

قال ابن حزم: وأما حديث عمر رضي الله عنه فلا يصح: لأنه عن أبي عمرو بن حِماس، عن أبيه، وهما مجهولان. وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 259).

ص: 334

عنده مائتان، فباعها بمائة، فعليه زكاة مائة.

(ولو أبدل نصاب سائمة بمثله، ثم ظهر على عيب بعد أن وجبت الزكاة) أو تم الحول (فله الردُّ) للعيب (ولا تسقط الزكاة عنه) لاستقرارها بمضي الحول، كما لو تلف النصاب. (فإن أخرج) الزكاة (من النصاب، فله رد ما بقي) منه لعيبه (ويرد قيمة المخرج) لأنه فوته على ربه (والقول قوله) بيمينه (في قيمته) حيث لا بينة؛ لأنه غارم.

(وإن أبدله بغير جنسه) كغنم ببقر (ثم رد عليه بعيب ونحوه) كغبن، أو تدليس، أو خيار شرط، أو اختلاف في الصفة (استأنف الحول) من حين الرد؛ لأنه ابتداء ملكه، كما لو رد هو لذلك.

"تنبيه": عطف

(1)

الإبدال على البيع: دليل على أنهما غيران. قال أبو المعالي: المبادلة، هل هي بيع؟ فيه روايتان. ثم ذكر نصه بجواز إبدال المصحف لا بيعه، وقول أحمد

(2)

: المعاطاة بيع، والمبادلة معاطاة. وبعض أصحابنا عبر بالبيع، وبعضهم بالإبدال، ودليلهم يقتضي التسوية، قاله في "المبدع".

(ومتى قصد ببيع ونحوه) مما تقدم كإتلاف (الفرار من الزكاة بعد مضي أكثر الحول، حرم، ولم تسقط) الزكاة بذلك؛ لقوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}

(3)

الآيات، فعاقبهم تعالى

(1)

في "ح" و"ذ": "عطفه".

(2)

انظر: الفروع (2/ 342)، والمبدع (2/ 305).

(3)

سورة القلم، الآية:17.

ص: 335

بذلك؛ لفرارهم من الزكاة، ولأنه قصد به إسقاط حق غيره، فلم يسقط، كالمطلِّق في مرض موته.

وقوله: (بعد مضي أكثر الحول) هو ما صححه ابن تميم. وفي "المقنع": عند قرب وجوبها. وفي "الرعاية": قبل الحول بيومين. وقيل: أو بشهرين، لا أزيد. قال في "المبدع": والمذهب: أنه إذا فعل ذلك فرارًا منها، لا تسقط مطلقًا، أطلقه أحمد. انتهى. وتبعه في "المنتهى".

(ويزكي) البائع ونحوه (من جنس المبيع لذلك الحول) الذي وقع الفرار فيه، دون ما بعده؛ لعدم تحقق التحيل فيه.

(وإن قال) من باع النصاب ونحوه: (لم أقصد الفرار) من الزكاة، (فإن دلت قرينة عليه) أي: على الفرار، عمل بها، ورُدَّ قوله (وإلا) بأنْ لم تكن ثَمَّ قرينة (قُبل قوله) في قصده؛ لأنه لا يعلم إلا منه، ولا يستحلف.

(و‌

‌إذا تمَّ الحول، وجبت الزكاة في عين المال)

الذي تجزئ زكاته منه، كالذهب والفضة، والبقر والغنم السائمة، وخمس وعشرين فأكثر من الإبل، والحبوب والثمار، والمعدن من النقدين؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}

(1)

. وقوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاةً شاةٌ"

(2)

. وقوله: "فيما سقتِ السماءُ العُشْر"

(3)

. وقوله: "هاتوا

(1)

سورة المعارج، الآية:24.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 331) تعليق رقم (2).

(3)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 55، حديث 1483، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 336

صدقة الرِّقة من كل أربعين درهمًا درهمًا"

(1)

و"في" للظرفية، و"من" للتبعيض، ولأن الزكاة تختلف باختلاف أجناس المال وصفاته، حتى وجب في الجيد والوسط والرديء ما يليق به، فعلم أنها متعلقة بعينه لا بالذمة؛ تحقيقًا لمعنى المواساة فيها، وعكس ذلك زكاة الفطر.

و (لا) يجب إخراج الزكاة (من عينه) أي: عين المال المزكى، فيجوز إخراجها من غيره، وذلك لا يمنع تعلقها بالعين، كالعبد الجاني إذا فداه سيده.

(1)

أخرجه أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1574، والترمذي في الزكاة، باب 3، حديث 620، وابن ماجه في الزكاة، باب 4، حديث 1790، وأحمد (1/ 92، 145)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 904) حديث 1604، والدارمي في الزكاة، باب 7، حديث 1629، وأبو يعلى (1/ 423)، حديث 561، والبيهقي (4/ 117 - 118، 134)، والبغوي في شرح السنة (6/ 47)، حديث 1582، عن علي رضي الله عنه. قال البغوي: هذا حديث حسن. وقال النووي في المجموع (6/ 4): رواه أبو داود وغيره، بإسناد حسن أو صحيح. وحسَّن إسناده الحافظ في الفتح 3/ 327. انظر سنن الترمذي (3/ 16).

وأخرجه - بمعناه - النسائي في الزكاة، باب 18، حديث 2476، والطيالسي ص/ 19 حديث 124، وعبد الرزاق (4/ 89) حديث 7077، وأبو عبيد في الأموال، ص/ 562، حديث 1356، وعبد بن حميد، (1/ 119)، حديث 65، وأحمد (1/ 132، 146)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 932) حديث 1663، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1/ 113)، والبزار (2/ 265 - 266) 678 - 679، وابن خزيمة (4/ 28، 34) حديث 2284، 2297، والدارقطني في العلل (3/ 160)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 133)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 33)، والضياء في المختارة (2/ 140) حديث 511، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

ص: 337

وحيث تقرر أن الزكاة تجب في عين النصاب (فإذا مضى حولان فأكثر على نصاب) فقط (لم يؤد زكاته، فزكاة واحدة) أي: زكاة عام واحد، ولو كان يملك مالًا كثيرًا من غير جنس النصاب الذي وجبت فيه الزكاة، ولم يكن عليه دين؛ لأن الزكاة تعلقت في الحول الأول بقدرها من النصاب، فلم يجب فيه فيما بعد الحول الأول زكاة؛ لنقصه عن النصاب.

(وإن كان) المزَكّى (أكثر من نصاب) كاثنين وأربعين شاة (نقص من زكاته لكل حول بقدر نقصه) أي: المال (بها) أي: بالزكاة؛ لأن مقدار الزكاة صار مستحقًّا للفقراء، فهو كالمعدوم. ففي المثال: لو مضى خمسة أحوال، فعليه ثلاث شياه فقط. ولو كان له أربعمائة درهم فضة، ومضى عليها حولان، وجب تسعة عشر درهمًا ونصف درهم وربعه؛ للحول الأول عشرة، والباقي للحول الثاني، ونقص الربع؛ لتعلق حق أهل الزكاة بالعشرة، فتسقط عنه زكاتها في الحول الثاني، وهكذا (إلَّا ما كان زكاته الغنم من الإبل) وهو ما دون خمس وعشرين (فـ) ــتجب زكاته (في الذمة) كعروض التجارة؛ لأن الفرض يجب من غير المال المزكى، فلا يمكن تعلقه بعينه.

(وتتكرر) زكاته (بتكرار الأحوال) لعدم تعلقها بالمال (ففي خمسة وعشرين بعيرًا لثلاثة أحوال) مضت (لأول حول بنت مخاض) لعدم المعارض (ثم) عليه (ثمان شياه، لكل حول أربع شياه) وكذا لو مضى بعد ذلك أحوال، ولو بلغت قيم الشياه الواجبة أكثر من خمس

ص: 338

من الإبل، إلا أن تكون دينًا عليه، ولا مال له غيرها، فتمنع فيما يقابلها كما تقدم. (فلو لم يكن له إلّا خمس من الإبل، امتنعت زكاة الحول الثاني؛ لكونها دينًا) فينقص بها النصاب، فلا ينعقد عليها الحول.

(ولو باع) من وجبت عليه الزكاة (النصاب كله، تعلقت الزكاة بذمته، وصح البيع) كبيع السيدِ عبدَه الجاني (ويأتي قريبًا.

وتعلق الزكاة بالنصاب) حيث تعلقت به (كتعلق أرش جناية) برقبة العبد الجاني، وكتعلق الدين بالتركة (لا كتعلق دين برهن) أي: مرهون (ولا) كتعلق دين الغرماء (بمال محجور عليه لفلس، ولا) كـ (تعلق شركة) فلا تصير الفقراء شركاء رب النصاب فيه، ولا في نمائه، إذا تقرر أن تعلق الزكاة كأرش الجناية (فله) أي: المالك (إخراجها) أي: الزكاة (من غيره) أي: النصاب، كما أن للسيد فداء عبده الجاني، بخلاف تعلق الشركة.

(والنماء بعد وجوبها) أي: الزكاة (له) أي: للمالك، لا يشاركه فيه الفقراء، ككسب الجاني.

(ولو أتلفه) أي: أتلف المالك النصابَ بعد وجوب الزكاة (لزمه ما وجب في التالف) وهو قدر زكاته (لا قيمته) أي: النصاب، كما لو قتل السيد عبده الجاني، وكان

(1)

أرش الجناية دون قيمته، بخلاف الراهن إذا أتلف المرهون، تلزمه قيمته مكانه.

(1)

في "ذ": "ولو كان".

ص: 339

(ويتصرف) المالك (فيه) أي: النصاب (ببيع وغيره) كما يتصرف السيد في الجاني، بخلاف الراهن والمحجور عليه لفلس، والشريك.

(ولا يرجع بائع بعد لزوم بيع في قدرها) أي: الزكاة، حيث قدر على إخراجها من غيره (ويخرجها) أي: الزكاةَ البائعُ، كما لو باع السيد عبده الجاني لزمه فداؤه، ولزم البيع (فإن تعذَّر) على البائع إخراج الزكاة من غير المبيع (فسخ في قدرها) أي: الزكاة، لسبق وجوبها. ومحلُّ ذلك (إن صدَّقه مشتر) على وجوب الزكاة قبل البيع، وعجزه عن إخراجها من غيره، أو ثبت ذلك ببينة، وإلا، لم يقبل قول البائع عليه.

(ولمشتر الخيار) إذا رجع البائع في قدر الزكاة بشرطه؛ لتفرُّق الصفقة في حقه (فتجب) الزكاة (بمضي الحول) على النصاب في ملك الحر المسلم التام الملك. (ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء) لمفهوم: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"

(1)

. فإنه يدل على الوجوب بعد الحول مطلقًا، ولأنّها حق للفقير

(2)

، فلم يعتبر فيها إمكان الأداء، كدين الآدمي، ولأنه لو اشترط، بل ينعقد الحول الثاني حتى يتمكن من الأداء، وليس كذلك، بل ينعقد عقب الأول إجماعًا، ولأنها عبادة، فلا يشترط لوجوبها إمكان الأداء، كسائر العبادات، فإن الصوم يجب على المريض والحائض والعاجز عن

(1)

تقدم تخريجه (4/ 327) تعليق رقم (1).

(2)

في "ح": "للفقراء".

ص: 340

أدائه (لكن لو كان النصاب غائبًا عن البلد) أو مغصوبًا أو ضالًّا ونحوه (لا يقدر على الإخراج منه، لم يلزمه إخراج زكاته، حتى يتمكن من الأداء منه) لما تقدم. فإمكان الأداء شرط لوجوب الإخراج لا لوجوب الزكاة.

(و‌

‌لو أتلف

(1)

المال بعد الحول قبل التمكن) من إخراجها (ضمنها)

لاستقرارها بمضي الحول.

(ولا تسقط بتلف المال) لأنها عين تلزمه مؤنة تسليمها إلى مستحقها، فضمنها بتلفها في يده، كعارية وغصب، وكدين الآدمي، فلا يعتبر بقاء المال (إلا الزرع والثمر، إذا تلف بجائحة قبل حصاد وجذاذ) أو بعدهما قبل وضع في جرين ونحوه؛ لعدم استقرارها قبل ذلك. (ويأتي) في باب زكاة الخارج من الأرض.

(و) إلا (ما لم يدخل تحت اليد، كالديون) إذا سقطت بلا عوض، ولا إسقاط، فتسقط زكاتها. (وتقدم معناه) آنفًا. وكذا لا يضمن زكاة دينه إذا مات المدين مفلسًا.

(وديون الله تعالى من الزكاة والكفارة والنذر غير المعين، ودين حج سواء) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "دَينُ اللهِ أحقُّ أن يُقضى

(2)

"

(3)

. (فإذا مات مَنْ عليه منها) أي: من ديون الله (زكاة أو غيرها بعد وجوبها، لم

(1)

في "ح" و"ذ": "تلف".

(2)

في "ذ": "بالقضاء" وكلا اللفظين عند مسلم.

(3)

تقدم تخريجه (4/ 326) تعليق رقم (1).

ص: 341

تسقط) لأنها حق واجب تصح الوصية به، فلم تسقط بالموت، كدين الآدمي (وأخذت من تركته) نص عليه

(1)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فدينُ الله أحقُّ بالقضاء"

(2)

، (فيخرجها وارث) لقيامه مقام مورثه (فإن كان) الوارث (صغيرًا، فوليه) يخرجها؛ لقيامه مقامه، ثم الحاكم، وسواء وصى بها أوْ لا، كالعشر

(3)

.

(فإن كان معها) أي: الزكاة ونحوها من ديون الله تعالى (دين آدمي) بلا رهن (وضاق ماله) أي: الميت (اقتسموا) التركة (بالحصص) كديون الآدميين إذا ضاق عنها المال (إلا إذا كان به) أي: دين الآدمي (رهن فيقدم) الآدمي بدينه من الرهن، فإن فضل شيء، صرف في الزكاة ونحوها.

(وتقدم أضحية معينة عليه) أي: على الدين، فلا يجوز بيعها فيه، سواء كان له وفاء أو لم يكن؛ لأنه تعين ذبحها، فلم تبع في دينه، كما لو كان حيًّا، وتقوم ورثته مقامه في ذبحها وتفرقتها.

(ويقدم نذر بمعين

(4)

على الزكاة وعلى الدين) لله تعالى، أو لغيره، فيصرف فيما عين له، دون الزكاة والدين (وكذا لو أفلس حي) نَذَرَ الصدقة بمعيَّنٍ، وعيَّن أضحية، وعليه زكاة ودين.

(1)

انظر المستوعب (3/ 206)، والفروع (2/ 350).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 326) تعليق رقم (1).

(3)

في "ح": "كعشر".

(4)

في "ذ": "معين".

ص: 342

‌باب زكاة بهيمة الأنعام

وهي الإبل البَخَاتي والعراب، والبقر الأهلية والوحشية، والغنم كذلك، سميت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم. قال عياض

(1)

: النعم: الإبل خاصة. فإذا قيل: الأنعام، دخل فيه البقر والغنم.

وبدأ بها اقتداء بكتاب الصديق الذي كتبه لأنس رضي الله عنهما، أخرجه البخاري

(2)

بطوله مفرقًا.

(ولا تجب) الزكاة (إلا في السائمة منها) لحديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في كل إبلٍ سائمةٍ في كلِّ أربَعِين ابنةُ لبونٍ" رواه أحمد وأبو داود والنسائي

(3)

.

(1)

مشارق الأنوار (2/ 17).

(2)

في الزكاة، باب 33، 35، 38، 39، حديث 1448، 1450، 1451، 1453، 1454، 1455، وفي الشركة، باب 2، حديث 2487، وفي الحيل، باب 3، حديث 6955.

(3)

أحمد (5/ 2، 4)، وأبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1575، والنسائي في الزكاة، باب 4، 7، حديث 2442، 2447، وفي الكبرى (2/ 8، 11) حديث 2224، 2229. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 18) حديث 6824، وأبو عبيد في الأموال ص/ 387، حديث 986، وابن أبي شيبة (3/ 122)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 833) حديث 1443، والدارمي في الزكاة، باب 36، حديث 1677، وابن الجارود حديث 341، والروياني (2/ 109) حديث 913 وابن خزيمة (4/ 18) حديث 2266، والطحاوي (2/ 9، 3/ 297) والطبراني في الكبير (19/ 410 و 411) حديث 984 و 985 و 986 و 987 و 988، والحاكم (1/ 398)، وابن حزم في المحلى (6/ 57)، والبيهقي (4/ 105، =

ص: 343

وفي كتاب الصديق عنه صلى الله عليه وسلم: "وفي الغنَمِ في سَائِمتِهَا، إذا كانتْ أربعينَ، فَفِيهَا شاةٌ. . ." الحديث

(1)

. فذِكْره السومَ يدلّ على نفي الوجوب في غيرها (للدر والنسل) زاد بعضهم: والتسمين دون العوامل، وتأتي.

(وهي) أي: السائمة (التي ترعى مباحًا كل الحول، أو أكثره، طرفًا أو وسطًا) يقال: سامت تسوم سومًا، إذا رعت، وأَسَمْتُها، إذا رعيتها، ومنه قوله تعالى:{فِيهِ تُسِيمُونَ}

(2)

وإنَّما اعتبر السوم أكثر

= 116)، والخطيب في تاريخه (9/ 448)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 57). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على ما قدمنا ذكره في تصحيح هذه الصحيفة، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ونقل البيهقي (4/ 105) عن الشافعي قال: ولا يثبت أهل العلم بالحديث أن تؤخذ الصدقة وشطر إبل الغال لصدقته، ولو ثبت قلنا به.

وقال النووي في المجموع (5/ 284): وإسناده إلى بهز بن حكيم صحيح على شرط البخاري ومسلم، وأما بهز، فاختلفوا فيه فقال يحيى بن معين: ثقة. وسئل - أيضًا - عنه عن أبيه عن جده فقال: إسناد صحيح إذا كان دونه ثقة، وقال ابن المديني: ثقة وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال أبو زرعة: صالح. وقال الحاكم: ثقة. وروى البيهقي عن الشافعي رحمه الله أنه قال: هذا لا يثبته أهل العلم بالحديث، لو ثبت قلنا به، هذا تصريح من الشافعي بأن أهل الحديث ضعفوا هذا الحديث.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 296): لا أعلم له علة غير بهز، والجمهور على توثيقه كما قاله النووي في تهذيبه [1/ 137]. انظر التلخيص الحبير (2/ 160 - 161).

(1)

رواه البخاري في الزكاة باب 38، حديث 1454 ضمن حديث طويل. ولفظه: وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة.

(2)

سورة النحل، الآية:10.

ص: 344

الحول؛ لأن علف السوائم يقع في السنة كثيرًا عادة، ووقوعه في جميع فصولها من غير عارض يقطعه أحيانًا، كمطر أو ثلج أو برد أو خوف، أو غير ذلك نادر، فاعتبار السوم في كل العام إجحاف بالفقراء، والاكتفاء به في البعض إجحاف بالملاك، وفي اعتبار الأكثر تعديل بينهما، ودفع لأعلى الضررين بأدناهما، وقد ألحق الأكثر بالكل في أحكام كثيرة.

(فلو اشترى لها ما ترعاه، أو جمع لها ما تأكل) من مباح (أو اعتلفت بنفسها، أو علفها غاصب، أو) علفها (ربها ولو حرامًا، فلا زكاة) فيها؛ لعدم السوم.

(ولا تجب) الزكاة (في العوامل أكثر السنة، ولو لإجارة، ولو كانت سائمة، نصًّا

(1)

، كالإبل التي تكرى) أي: تؤجر، وكذا البقر التي تتخذ للحرث أو الطحن ونحوه؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم "ليسَ في العواملِ صدقةٌ" رواه الدارقطني

(2)

.

(1)

انظر مسائل عبد الله (2/ 605) رقم 824، ومسائل صالح (1/ 198) رقم 120.

(2)

(2/ 103)، ولفظه:"ليس في الإبل العوامل صدقة". وأخرجه - أيضًا - ابن عدي (6/ 2035)، والبيهقي (4/ 116) وفي إسنادة: غالب القطان، قال ابن عدي: الضعف على أحاديثه بين. وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 360): غالب لا يعتمد عليه. وله شاهد عن علي رضي الله عنه رواه الدارقطني (2/ 94 - 95) ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 33) حديث 954، وضعفه. ورواه أبو داود في الجنائز، باب 4، حديث 1572، والدارقطني (2/ 103)، والبيهقي (4/ 99 و 116) من طريق أبي إسحاق عن الحارث وعاصم عن علي مرفوعًا بنحوه. وصحَّح إسناده ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 285)، وقال: لم أعنِ إلا رواية عاصم، لا رواية الحارث، وكل من في هذا الإسناد =

ص: 345

(ولو نوى بالسائمة العمل لم تؤثر نيته، ما لم يوجد العمل) لأن الأصل عدمه، فلا يصار إليه بمجرد النية لضعفها (ولو سامت بعض الحول، وعلفت بعضه، فالحكم للأكثر) فإن كان الأكثر السوم، وجبت، وإلا، لم تجب. وتقدم معناه.

(و‌

‌تجب) الزكاة (في متولد بين سائمة ومعلوفة)

تغليبًا واحتياطًا.

(و‌

‌لا يعتبر للسوم والعلف نية،

فلو سامت) الماشية (بنفسها أو أسامها غاصب، وجبت) الزكاة (كغصبه حبًّا وزرعه في أرض ربه، ففيه العشر على مالكه كما لو نبت بلا زرع) أو حمله سيل إلى أرض ربه فصار زرعًا.

وينقطع السوم شرعًا بقطعها عنه بقصد قطع الطريق بها ونحوه، كحول التجارة بنية قنية عبيدها لذلك، أو ثيابها الحرير للبس محرَّم.

(وهي) أي: بهيمة الأنعام (ثلاثة أنواع) كما تقدم:

(أحدها: الإبل) بدأ بها لبداءة الشارع حين فرض زكاة الأنعام، ولأنها أهم؛ لكونها أعظم النعم أجسامًا وقيمة، وأكثر أموال العرب، ووجوب الزكاة فيها مما أجمع عليه علماء الإسلام

(1)

(فلا زكاة فيها

= ثقة. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 157): صححه ابن القطان على قاعدته في توثيق عاصم بن ضمرة، وعدم التعليل بالوقف والرفع.

ورواه عبد الرزاق (4/ 22) رقم 6842، وابن أبي شيبة (3/ 103)، والدارقطني (2/ 103) والبيهقي (4/ 116) عن علي رضي الله عنه موقوفًا.

قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص/ 201: الراجح وقفه.

(1)

الإجماع لابن المنذر ص/ 46، والإقناع له (1/ 165)، والإفصاح (1/ 204)، والمغني (4/ 10).

ص: 346

حتى تبلغ خَمسًا) فهي أقل نصابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "منْ لم يكنْ عندَه إلا أربعٌ من الإبل، فليس فيها صدقةٌ"

(1)

، و"ليسَ فيما دونَ خمس ذَود صدقةٌ"

(2)

(فتجب فيها) أي: الخمس (شاة) إجماعًا

(3)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغَتْ خمسًا ففِيهَا شاةٌ". رواه البخاري

(4)

. (بصفة الإبل) المزكاة (جودة ورداءة)، ففي كرام سمان كريمة سمينة، والعكس بالعكس.

(فإن كانت الإبل معيبة) لا تجزئ في الأضحية (فالشاة) الواجبة فيها (صحيحة تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل) كشاة الغنم، فلو كان عنده خمس من الإبل مراضًا وحال عليها الحول، فيقال: لو كانت صحاحًا كانت قيمتها مائة، وكانت الشاة التي تجب فيها قيمتها خمس، ثم قومت الإبل مراضًا بثمانين، فقد نقصت خمس قيمتها لو كانت صحاحًا، فتجب فيها شاة قيمتها أربع، بحسب نقص الإبل، وهو الخمس عن قيمة الشاة. (فإن أخرج شاة معيبة) لا تجزئ في الأضحية، لم تجزئه، كإخراجها عن الغنم. (أو) أخرج (بعيرًا، لم

(1)

جزء من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رواه البخاري في الزكاة، باب 38، حديث 1454.

(2)

جزء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الزكاة، باب 4، 32، 42، 56، حديث 1405، 1447، 1459، 1484، ومسلم في الزكاة، حديث 979.

ورواه مسلم - أيضًا - في الزكاة، حديث 980 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(3)

الإجماع لابن المنذر ص/ 46، والتمهيد لابن عبد البر (20/ 137)، والاستذكار (9/ 15) والإفصاح (1/ 205)، والمغني (4/ 11).

(4)

في الزكاة، باب 38، حديث 1454، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ص: 347

يجزئه) لأنه عدل عن المنصوص عليه إلى غير جنسه، فلم يجزئه (كـ) ــما لو أخرج (بقرة، وكنصفي شاتين) لأن فيه تشقيصًا على الفقراء، يلزم منه سوء الشركة الذي شرعت الشفعة لإزالته. وسواء كانت قيمة البعير أو البقرة أكثر من قيمة الشاة أو لا، وكما لو أخرج ذلك عن أربعين شاة.

(وفي العشر) من الإبل (شاتان، وفي خمس عشرة) بعيرًا (ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه) إجماعًا

(1)

في ذلك كله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكر: "في أربعٍ وعشرِينَ من الإبِل فما دونَهَا، في كلِّ خمسٍ شاةٌ"

(2)

.

(فإن كانت الشاة من الضأن، اعتبر أن يكون لها ستة أشهر، فأكثر، وإن كانت) الشاة (من المعز، فـ) المعتبر أن يكون لها (سنة فأكثر) كالأضحية (وتكون) الشاة (أنثى، فلا يجزئ الذكر) كشاة الغنم (وكذلك شاة الجبران) تكون أنثى، تم لها ستة أشهر، إن كانت من الضأن، أو سنة إنْ كانت من المعز (وأيهما أخرج) أي: ثني من المعز، أو جذع من الضأن (أجزأه) لتناول الشاة لهما.

(ولا يعتبر كونها) أي: الشاة (من جنس غنمه، ولا) من (جنس غنم البلد) لإطلاق الأخبار.

(1)

مراتب الإجماع لابن حزم ص/ 65، والإفصاح (1/ 205)، والمغني (4/ 11)، والمجموع للنووي (5/ 333).

(2)

رواه البخاري في الزكاة باب 38، حديث 1454 عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ص: 348

(فإذا بلغت) الإبل (خمسًا وعشرين، ففيها بنت مخاض) قال في "الشرح": لا نعلم فيه خلافًا، إلا ما حكي عن علي:"في خمسٍ وعشرينَ خمسُ شياهٍ"

(1)

.

قال ابن المنذر

(2)

: ولا يصح ذلك عنه، وحكاه إجماعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا بلغَتْ خمسًا وعشرِينَ إلى خمسٍ وثلاثِينَ، ففيها بنتُ مخاضٍ"

(3)

. وهي التي (لها سنة) ودخلت في الثانية (سميت بذلك؛ لأن أمها قد حملت غالبًا، وليس) حمل أمها (بشرط) في إجزائها، ولا تسميتها بذلك، وإنما ذكر تعريفًا بغالب حالها. (والماخض: الحامل).

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 5) رقم 6794، وابن أبي شيبة (3/ 122)، وابن حزم في المحلى (6/ 15، 21، 38 و 39)، والبيهقي (4/ 93) موقوفًا.

وأخرجه على الشك في رفعه أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1572، والبيهقي (4/ 93، 94). وقال (4/ 94): وفيه، وفي كثير من الروايات عنه:"في خمس وعشرين خمس شياه". وقد أجمعوا على ترك القول به لمخالفة عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن عليّ الروايات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الصدقات في ذلك. وقال النووي في المجموع (5/ 343): متفق على ضعفه ووهائه. وقال الحافظ في الفتح (3/ 319): أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه موقوفًا ومرفوعًا، وإسناد المرفوع ضعيف. وذكره الدارقطني في العلل (4/ 74، 75) وصوب الموقوف. وصحح ابن حزم وقفه على علي رضي الله عنه. وانظر الأموال لأبي عبيد ص/ 451، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي (6/ 33).

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة، وانظر قوله وحكايته الإجماع في المجموع للنووي (5/ 364).

(3)

جزء من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه رواه البخاري في الزكاة، باب 38، حديث 1454.

ص: 349

(فإن كانت) بنت المخاض (عنده، وهي أعلى من الواجب) عليه فيما بيده (خيّر بين إخراجها وبين شراء بنت مخاض بصفة الواجب) عليه، فيخرجها، ولا يجزئه ابن لبون، لمفهوم ما يأتي.

(فإن عدمها) أي: بنت المخاض (أي: ليست في ماله، أو فيه لكن معيبة، أجزأه ابن لبون) لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنْ لم يكنْ فيهَا بنتُ مخاضٍ، فابنُ لبون ذكرٌ". رواه أبو داود

(1)

، وفي لفظ: "فإن لم تكنْ

(1)

في الزكاة، باب 4، حديث 1567. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الزكاة، باب 5، 10 حديث 2446، 2454، وفي الكبرى (2/ 9، 13) حديث 2227، 2235، وابن ماجه في الزكاة، باب 10، حديث 1800، وأحمد (1/ 11)، والبزار (1/ 102 - 103) حديث 40، 41، والمروزي في مسند أبي بكر ص/ 111 - 116 رقم 70، وابن الجارود (2/ 10) حديث 342، وأبو يعلى (1/ 115)، حديث 127، وابن خزيمة (4/ 14، 27) حديث 2261، 2281، وابن حبان "الإحسان" (8/ 57) حديث 3266، والدارقطني (2/ 113 - 114)، والحاكم (1/ 390 - 391)، والبيهقي (4/ 85، 86) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 24) حديث 929، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه هكذا. ووافقه الذهبي.

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 3) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 88)، والدارقطني (2/ 115)، من حديث أنس رضي الله عنه.

وأخرجه ابن ماجه في الزكاة، باب 9، حديث 1799، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وأخرجه ابن حبان "الإحسان"(14/ 501) حديث 6559، والحاكم (1/ 395 - 396)، وابن حزم في المحلى (6/ 33) والبيهقي (4/ 89)، والمزي في تهذيب الكمال (11/ 419) من حديث عمرو بن حزم. ونقل البيهقي عن الإمام أحمد قوله: أرجو أن يكون صحيحًا. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 71 - 72)، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه سليمان بن داود الحرسي، =

ص: 350

عندَه بنتُ مخاضٍ على وجهِهَا"

(1)

؛ ولأن المعيبة وجودها كالعدم، فجاز له الانتقال إلى البدل. (أو خنثى ولد لبون) لأن أقل أحواله أن يكون ذكرًا وهو مجزئ.

(وهو) أي: ابن اللبون (الذي له سنتان) لما سيأتي، فيجزئ (ولو نقصت قيمته) عن بنت المخاض؛ لعموم الخبر.

(ويجزئ - أيضًا - مكانها) أي: بنت المخاض (حق) له ثلاث سنين. (أو جذع) له أربع سنين (أو ثني) له خمس سنين (و) ذلك

= وثقه أحمد، وتكلم فيه ابن معين، وقال أحمد: إن الحديث صحيح، قلت: وبقية رجاله ثقات".

وأخرجه ابن ماجه في الزكاة، باب 9، حديث 1798، والشافعي في الأم (2/ 4)، والدارمي في الزكاة، باب 6، حديث 1633، وأبو أمية الطرسوسي في مسند ابن عمر، حديث 51، والروياني حديث 1406، والدارقطني 2/ 112، والبيهقي (4/ 88)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ونقل البيهقي عن الترمذي قوله: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظًا. وانظر ما يأتي (4/ 377) تعليق رقم (3).

ورواه عبد الرزاق (4/ 4) حديث 6793، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - مرسلا -.

وأخرجه أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1572، وابن حزم في المحلى (6/ 70)، والضياء في المختارة (2/ 151) حديث 527، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، على الشك في رفعه.

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 5) رقم 6794، وابن حزم في المحلى (6/ 14، 21، 38، 39) عن علي رضي الله عنه موقوفًا. وصوب الدارقطني في العلل (4/ 75) وقفه.

(1)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 33، حديث 1448، من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

ص: 351

(أولى) بالإجزاء من ابن اللبون (لزيادة السن، ولا جبران) له، ولا عليه، إذا أخرج ابن اللبون فما فوقه؛ لعدم وروده في ذلك. ويجزئ الحق أو الجذع أو الثني عن بنت المخاض وبنت لبون، ولها جبران، (ولو وجد ابن لبون) لزيادة سنه.

(فإن عدم ابن لبون) فما فوقه (لزمه شراء بنت مخاض) ولا يجزئه ابن لبون يشتريه إذن؛ لأنهما استويا في العدم، فلزمه بنت مخاض؛ لترجحها بالأصالة.

(ولا يجبر فقد الأنوثية بزيادة سن الذكر المخرج في غير بنت مخاض، فلا يخرج عن بنت لبون حقًا، إذا لم تكن في ماله، ولا عن الحقة جذعًا) ولا عن الجذعة ثنيًّا، مع وجودهما أو عدمهما؛ لأنَّه لا نص في ذلك، ولا يصح قياسه على ابن اللبون، مكان بنت المخاض؛ لأن زيادة سن ابن اللبون على بنت المخاض يمتنع بها من صغار السباع، ويرعى الشجر بنفسه، ويرد الماء، ولا يوجد هذا في الحق مع بنت اللبون؛ لأنهما مشتركان في هذا، فلم يبق إلا مجرد زيادة السن، فلم يقابل الأنوثية، ولأن تخصيصه في الحديث بالذكر دون غيره يدل على اختصاصه بالحكم، بدليل الخطاب.

(وفي ست وثلاثين) بعيرًا (بنت لبون) لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر أبي بكر: "فإذا بلغتْ ستًّا وثلاثين إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لبون أنثى"

(1)

. وهي التي (لها سنتان، سميت به؛ لأن أمها وضعت) غالبًا (فهي ذات

(1)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 38، حديث 1454.

ص: 352

لبن) وليس شرطًا، بل تعريفًا لها بغالب أحوالها، كما تقدم.

(وفي ست وأربعين حقةٌ) لحديث الصديق: "فإذا بلغَتْ ستًّا وأربعين إلى ستين ففيها حقّةٌ طروقَةُ الفحلِ"

(1)

، وهي التي (لها ثلاث سنين) ودخلت في الرابعة (سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن تُركب ويحمل عليها، ويطرقها الفحل).

(وفي إحدى وستين جذعةٌ) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصدقة: "فإذا بلغَتْ إحدى وستِّينَ إلى خمسٍ وسبْعِينَ، ففيهَا جَذعَةٌ"

(1)

. وهي التي (لها أربع سنين) ودخلت في الخامسة (سميت بذلك؛ لإسقاط سنها) فتجذع عنده، وهي أعلى سن يجب في الزكاة. (وتجزئ عنها ثنيةٌ، لها خمس سنين بلا جبران، سميت بذلك؛ لأنها ألقت ثنيتها.

وفي ست وسبعين بنتا لبون) إجماعًا

(2)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "فإذا بلغتْ ستًّا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتَا لبونٍ

(1)

.

(وفي إحدى وتسعين حقتان) إجماعًا

(2)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا بلغَتْ إحدى وتسْعِينَ (إلى عشرينَ ومائةٍ) ففيهَا حقّتَانِ طَرُوقَتَا الفَحْل"

(1)

.

(فإذا زادت واحدة) على العشرين والمائة (ففيها ثلاث بنات لبون) لظاهر خبر الصديق: "فإذا زَادتْ على عشرِين ومائةٍ ففي كلِّ أربَعِينَ بنتُ لَبُونٍ، وفي كل خَمْسِين حقّةٌ"

(1)

وبالواحدة حصلت

(1)

أخرجه البخاري في الزكاة باب 38، حديث 1454.

(2)

مراتب الإجماع لابن حزم ص/ 65، والإفصاح (1/ 206)، والمغني (4/ 16)، والمجموع للنووي (5/ 352).

ص: 353

الزيادة. وقد جاء مصرحًا به في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عند آل عمر بن الخطاب، رواه أبو داود والترمذي

(1)

.

(1)

أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1570، والترمذي من غير طريق أبي داود كما يأتي. ورواه - أيضًا - أبو عبيد في الأموال ص/ 449 رقم 935، والدارقطني (2/ 116)، والحاكم (1/ 393) والبيهقي (4/ 90)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 17) ولم يسق اللفظ - كلهم من طريق يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة - وهي عند آل عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله بن عمر - فذكر الحديث، قال: فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة، ففيها ثلاث بنات لبون. . الخ.

ورواه الترمذي في الزكاة، باب 4، حديث 621، والشافعي في الأم (2/ 5) وفي المسند (ترتيبه 1/ 235)، وابن أبي شيبة (3/ 121)، وأحمد (2/ 15)، والدارمي في الزكاة، باب 6، حديث 1626، وأبو يعلى (9/ 359)، حديث 5470، وابن خزيمة (4/ 19) حديث 2267، والحاكم (1/ 392)، والبيهقي (4/ 88)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 14) من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم عن أبيه - بنحوه - مرفوعًا -.

ورواه - أيضًا - بنحوه مرفوعًا ابن ماجه في الزكاة، باب 9، حديث 1798، وأبو عبيد في الأموال ص/ 449 رقم 937، وابن عدي (3/ 1136) من طريق سليمان بن كثير، عن الزهري، به.

وحسَّن المرفوع الترمذي، ولكنه أعله بالإرسال حيث قال: وقد روى يونس بن يزيد، وغير واحد عن الزهري، عن سالم بهذا الحديث، ولم يرفعوه، وإنما رفعه سفيان بن حسين.

وقال الحاكم: ويصححه على شرط الشيخين حديث عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري - وإن كان فيه أدنى إرسال - فإنه شاهد صحيح لحديث سفيان بن حسين. وتعقبه ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 17) بقوله: =

ص: 354

وقال: هو حديث حسن؛ فإن فيه: "فإذا كانت إحْدَى وعشْرِينَ ومائة، ففيهَا ثلاثُ بنَاتِ لَبُونٍ".

(ثم تستقر الفريضة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) لخبر الصديق. رواه البخاري

(1)

. ففي مائة وثلاثين حقةٌ وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وفي مائة وثمانين حقتان وابنتا لبون، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون (ولا أثر لزيادة بعض بعير) في شيء مما تقدم، (أو) زيادة بعض (بقرة، أو) بعض (شاة) لما تقدم ويأتي من الأخبار.

(فإذا بلغت) الإبل (مائتين، اتفق الفرضان) فإن فيها أربع خمسينات وخمس أربعينات (إن شاء أخرج أربع حقاق، وإن شاء أخرج خمس بنات لبون) لوجود المقتضي لكل واحد من الفرضين، فيخير المالك؛ للأخبار

(2)

. ونص أحمد

(3)

على نظيره في زكاة البقر.

= قلت: بل هو علته. ثم فصل فيه الكلام فارجع إليه.

(1)

في الزكاة، باب 38، حديث 1454 عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

(2)

منها ما جاء في حديث أبي بكر الطويل "في كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة" وقد تقدم تخريجه آنفًا.

وما جاء في حديث ابن عمر الطويل: "فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون"، وقد تقدم تخريجه (4/ 354) تعليق رقم (1).

(3)

انظر الفروع (2/ 364) والإنصاف (6/ 410).

ص: 355

ونص أحمد

(1)

: عليه في الحقاق. وقاله القاضي في "الشرح". وتأوله الشارح على أنها عليه بصفة التخيير.

(إلا أن يكون النصاب كله بنات لبون، أو) بكون النصاب كله (حقاقًا فيخرج منه، ولا يكلف إلى غيره) أي: لا يكلفه الإمام ولا الساعي إلى تحصيل غير ما عنده. ولم يتضح لي هذا الاستثناء، ولم أره لغيره، كما ذكرته في "الحاشية".

(أو يكون) النصاب (مال يتيم أو مجنون) أو سفيه (فيتعين) على وليه (إخراج أدون مجزئ) مراعاة لحظ المحجور عليه؛ لأنه ليس له التبرع من ماله.

(وكذا الحكم في أربعمائة) فيخير بين إخراج ثمان حقاق، أو عشر بنات لبون؛ لأن فيها ثمان خمسينات وعشر أربعينات (وإن أخرج عنها

(2)

) أي: الأربعمائة (من النوعين بلا تشقيص، كـ) أَن أخرج عنها (أربع حقاق وخمس بنات ليون) أجزأ (أو) أخرج (عن ثلاثمائة حقتين وخمس بنات لبون، صح) ذلك لعدم التشقيص (أما مع الكسر، فلا، كحقتين وبنتي لبون ونصف عن مائتين) لما فيه من التشقيص، الذي لم يرد به الشرع في زكاة السائمة، إلا من حاجة، ولذلك جعل لها أوقاصًا، دفعًا للتشقيص عن الواجب فيها، وعدل فيما دون خمس وعشرين من الإبل عن الجنس إلى الغنم، فلا يجوز القول بجوازه مع إمكان العدول عنه إلى فريضة كاملة.

(1)

انظر كتاب الروايتين والوجهين (1/ 227)، والفروع (2/ 364).

(2)

في "ذ": "منها".

ص: 356

(وإن وجد أحد الفرضين كاملًا، و) الفرض، (الآخر ناقصًا، لا بد له من جبران، مثل: أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق، فيتعيّن) الفرض (الكامل، وهو بنات اللبون) لأن الجبران بدل، فلا يجوز مع المبدل، كالتيمم مع القدرة على استعمال الماء.

(وإن كان كل واحد) من الفرضين (يحتاج إلى جبران، مثل: أن يجد أربع بنات لبون، وثلاث حقاق، فهو مخير: أيهما شاء أخرج مع الجبران) لعدم ما يوجب رجحان أحدهما على الآخر (فإن بذل حقة وثلاث بنات لبون مع الجبران) لكل واحدة من بنات اللبون (لم يجزئه؛ لعدوله عن الفرض مع وجوده) وهو الحقتان الباقيتان من الثلاث (إلى الجبران) وهو إنما يعدل إليه مع عدم الفرض (وإن لم يجد إلا حقة وأربع بنات لبون، أداها) أي: الحقة وأربع بنات اللبون (وأخد الجيران) لدفعه الحقة عن بنت لبون (ولم يكن له دفع ثلاث بنات لبون وحقة مع الجبران) لعدوله عن الفرض مع وجوده، كما تقدم.

(وإن كان الفرضان) أي: الحقاق وبنات اللبون في المائتين ونحوهما (معدومين أو معيبين، فله العدول عنهما مع الجبران، فإن شاء أخرج أربع جذعات، وأخذ ثمان شياه، أو ثمانين درهمًا. وإن شاء أخرج خمس بنات مخاض، ومعها عشر شياه أو مائة درهم)، لما في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس:"ومن بلغتْ عنده صدقةُ الحقةِ وليست عنده، وعنده الجذعة، فإنها تقبَلُ منه الجذعةُ، ويعطيهِ المصدِّقُ شاتَيْنِ أو عشْرِينَ درهمًا. . ." الحديث،

ص: 357

متفق عليه

(1)

.

(ولا يجوز أن يخرج بنات المخاض عن الحقاق هنا) أي: حيث اتفقت الفريضتان (ويضعف الجبران) بأن يخرج أربع بنات مخاض مع ستة عشر شاة، أو مائة وستين درهمًا؛ لأنّه انتقال عن بدل البدل مع القدرة على البدل، أشبه الانتقال عن الأصل مع القدرة عليه.

(ولا) يجوز - أيضًا - أن يخرج هنا (الجذعات عن بنات اللبون، ويأخذ الجبران مضاعفًا) لما سبق.

(ولا) يجوز أيضًا هنا (أن يخرج أربع بنات لبون مع جبران) لكل واحدة، فتكون معه بدل حقة؛ لأن بنات اللبون هنا فرض، فلا يجوز العدول عنه مع وجوده، فيخرج بنات اللبون الأربع مع بنت مخاض أو جذعة، ويعطي أو يأخذ جبرانًا (ولا) أن يخرج (خمس حقاق، ويأخذ الجبران) لتمكنه من إخراج الفرض أربع حقاق، فلا يعدل إلى البدل.

(وليس فيما بين الفريضتين شيء) لما تقدم في الباب قبله. (وهو) أي: ما بين الفريضتين (الأوقاص) جمع وقص - بفتحتين - وقد يسكن، قاله في "الحاشية" (فهو عفو) أي: معفو عنه، ويسمى - أيضًا - العفو والشنق - بالشين المعجمة وفتح النون - ومعنى ذلك: أنه (لا تتعلق به الزكاة، بل) تتعلق (بالنصاب فقط) فلو كان له تسع إبل مغصوبة حولًا، فخلص منها بعيرًا، لزمه خمس شاة؛ لما

(1)

البخاري في الزكاة، باب 37، حديث 1453، ولم يخرجه مسلم.

ص: 358

روى أبو عبيد في "الأموال" عن يحيى بن الحكم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الأوقاصَ لا صدقَةَ فِيها"

(1)

ولأن العفو مال ناقص عن نصاب يتعلق به فرض مبتدأ، فلم يتعلق به الوجوب قبله، كما لو نقص عن النصاب الأول، وعكسه: زيادة نصاب السرقة؛ لأنها وإن كثرت لا يتعلق بها فرض مبتدأ، وفي مسألتنا له حالة منتظرة يتعلق بها الوجوب، فوقف على بلوغها.

(ومن وجبت عليه سن) في الزكاة (فعدمها، خيِّر المالك) دون الساعي، أو الفقير ونحوه (في الصعود) إلى ما يليها في ملكه، ثم إلى ما يليه إن عدمه، كما يأتي (و) في (النزول) إلى ما يليها في ملكه، ثم إلى ما يليه، على ما يأتي، فإذا وجبت عليه بنت لبون مثلًا (فإن شاء أخرج سنًّا أسفل منها) بأن يخرج بنت مخاض (ومعها شاتان، أو عشرون درهمًا، وإن شاء) المالك (أخرج أعلى منها، وأخذ مثل ذلك من الساعي) لما تقدم من كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس

(2)

. (إِلَّا وَليّ يتيم ومجنون) وسفيه (فيتعين عليه إخراج أدون مجزئ) أي: أقل الواجب، فيشتريه إن لم يكن في مال المحجور عليه طلبًا لحظِّه، ولا يعطي أسفل مع جبران، ولا أعلى ويأخذه (ويُعتبر كون ما عدل إليه) المالك (في ملكه) لأن جواز العدول إلى الجبران تسهيل على المالك.

(1)

أبو عبيد في الأموال ص/ 474 رقم 1023 وهو مرسل، وروي موصولًا عن معاذ رضي الله عنه، ويأتي تخريجه 4/ 366 تعليق رقم (1).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 358) تعليق رقم (1).

ص: 359

(فإن عدمهما) أي: الأسفل والأعلى، أو كانا معيبين (حصل الأصل) أي: الواجب أصالة؛ لأنه إذا كان لا بد من تحصيل، فالأصل لا يعدل عنه إلى بدله.

(فإن عدم ما يليها) أي: السن التي وجبت عليه؛ بأن لم تكن في ماله أو كانت معيبة (انتقل إلى الأخرى) أي: التي تلي التي تليها من أسفل أو فوق (وضاعف الجبران) الذي يعطيه أو يأخذه (فإن عدمه - أيضًا - انتقل إلى ثالث كذلك) أي: من فوق إلى أسفل، وأخذ أو أعطى ثلاث جبرانات، فمن وجبت عليه بنت مخاض وعدمها وعدم بنت اللبون، وعدم الحقة، وعنده جذعة، أخرجها، وأخذ ثلاث جبرانات، وعكسه: لو وجبت عليه جذعة، وعدمها، وعدم الحقة وبنت اللبون، وعنده بنت مخاض، أخرجها وثلاث جبرانات، ولا يزيد على ذلك.

(وحيث جاز تعدد الجبران) كالأمثلة السابقة (جاز جبرانٌ غنمًا، وجبرانٌ دراهمَ) كما في الكفارة، له إخراجها من جنسين (ويجزئ إخراج جبران واحد، و) جبران (ثان، و) جبران (ثالث النصف دراهم، والنصف شياه) لما سبق؛ ولأن الشارع جعل الشاة مقام عشرة دراهم، فإذا اختار إخراجها وعشرة دراهم، جاز (فلو كان النصاب) من الإبل (كله مراضًا، وعدمت الفريضة فيه، فله) أي: المالك (دفع السن السفلى) بأن وجبت عليه بنت لبون، فأخرج عنها بنت مخاض (مع الجبران، وليس له دفع) السن (الأعلى) كحقة (وأخذ جبران، بل) إن اختار دَفعها (مجانًا) لأن الجبران جعله

ص: 360

الشارع وفق ما بين الصحيحين، وما بين المريضين أقل منه، فإذا دفع الساعي في مقابلة ذلك جبرانًا، كان ذلك حيفًا على الفقراء، وذلك لا يجوز. وإذا دفعه المالك مع السن الأسفل، فالحيف عليه، وقد رضي به، فأشبه إخراج الأجود من المال.

(فإن كان المخرج) للزكاة (وليَّ يتيم أو مجنون) أو سفيه (لم يجز له - أيضًا -) أي: كما لا يجوز له دفع الأعلى؛ لما تقدم، لا يجوز له (النزول) أي: أنْ يدفع سنًّا أنزل، مع دفع جبران (لأنه لا يجوز له) أي: الولي (أن يعطي الفضل) أي: الزائد على الواجب (من مالهما) أي: مال الصغير والمجنون، ومثلهما السفيه (فيتعين) على الولي (شراء الفرض من غير المال) لتعينه طريقًا لأداء الواجب.

(و‌

‌لا مدخل للجبران في غير الإبل)

لأن النص إنما ورد فيها، فيقتصر عليه، وليس غيرها في معناها، لكثرة قيمتها، ولأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها. وما بين الفريضتين في البقر يخالف ما بين الفريضتين في الإبل، فامتنع القياس. فلو جبر الواجب بشيء من صفته، فأخرج الرديء عن الجيد، وزاد قدر ما بينهما من الفضل، لم يجز؛ لأن القصد من غير الأثمان النفع بعينها، فيفوت بعض المقصود، ومن الأثمان القيمة. وقال المجد: فياس المذهب: جوازه في الماشية وغيرها.

(فمن عدم فريضة البقر، أو) فريضة (الغنم ووجد دونها، حرم إخراجها) ولزمه تحصيل الفريضة وإخراجها (وإن وجد أعلى منها فدفعها بغير جبران) كمسنة عن تبيع (قبلت منه) ولو مع وجود التبيع؛

ص: 361

لأنه أخرج الواجب، وزيادة تنفع ولا تضر. (وإن لم يفعل) أي: يدفع الأعلى من الواجب، (كلِّف شراءها) أي: الفريضة (من غير ماله) لكونه طريقًا إلى أداء الواجب.

‌فصل

(النوع الثاني: البقر)

وهو اسم جنس. والبقرة تقع على الذكر والأنثى، ودخلت الهاء على أنها واحدة من جنس، والبقرات الجمع، والباقر جماعة البقر مع رعاتها. وهي مشتقة من بقرت الشيء إذا شققته؛ لأنها تبقر الأرض بالحراثة.

والأصل في وجوبها: الإجماع في الأهلية، ودليله حديث أبي ذر مرفوعًا: "ما من صاحبِ إبلٍ ولا بقرٍ ولا غنمٍ لا يؤدِّي زكاتَهَا إلا جاءتْ يوم القيَامةِ أعظمَ ما كانَتْ وأسمَنه، تنطَحه بقرُونِهَا، وتطؤُه بأخفَافِهَا، كلما قعَدَتْ

(1)

أخرَاهَا عادَتْ أُولاهَا، حتى يُقْضَى بيْنَ النَّاسِ" متفق عليه

(2)

.

(ولا زكاة فيها حتى تبلغ ثلاثين) فهي أقل نصابها (فيجب فيها تبيع أو تبيعة، لكل منهما سنة) سميا بذلك؛ لأنهما يتبعان أمهما. والتبيع الذي استوى قرناه (قد حاذى قرنه أذنه غالبًا، وهو جذع البقر. ويجزئ إخراج مسن عنه) أي: عن التبيع، وظاهره: ولو كان

(1)

كذا في الأصول، وصوابه:"نفذت"، كما في صحيح مسلم. ولفظ البخاري "جازت".

(2)

البخاري في الزكاة، باب 43، حديث 1460، ومسلم في الزكاة، حديث 990.

ص: 362

التبيع عنده؛ لأنه أنفع منه.

(وفي أربعين) بقرة (مسنة، وهي ثنية البقر، ألقت سنًّا غالبًا) وهي التي (لها سنتان، ويجوز إخراج أنثى أعلى منها) أي: من المسنة، (بدلها) كالثنية عن الجذعة في الإبل، و (لا) يجزئ (إخراج مسن عنها) أي: عن المسنة، كإخراج حق عن بنت لبون.

(وفي الستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة) لحديث معاذ بن جبل قال: "بعثني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأمرَني أنْ آخذَ منْ كلِّ ثلاثينَ من البقَرِ تبيعًا أو تبيعةً، ومن كلِّ أربعِينَ مسنة" رواه الخمسة

(1)

، وحسنه الترمذي.

(1)

أبو داود، في الزكاة، باب 4، حديث 1578، وفي الخراج والإمارة، باب 30، حديث 3038، والترمذي في الزكاة، باب 5، حديث 623، والنسائي في الزكاة، باب 8، حديث 2449، 2452، وفي الكبرى (2/ 12) حديث 2232، 2233، وابن ماجه في الزكاة، باب 12، حديث 1803، 1818، وأحمد (5/ 230، 233، 240، 247). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 21) حديث 6841، وابن زنجويه في الأموال (1/ 125) حديث 105 و (2/ 837) حديث 1454، والدارمي في الزكاة، باب 5، حديث 1631، 1632، والبزار (7/ 96) حديث 2654، وابن الجارود (2/ 12) حديث 343، وابن خزيمة (4/ 19) حديث 2268، والشاشي (3/ 249، 252) حديث 1347، 1351، وابن حبان "الإحسان"(11/ 244) حديث 4886، والطبراني في الكبير (20/ 128 - 130) حديث 260 - 265، والدارقطني (2/ 102)، والحاكم (1/ 398)، والبغوي في شرح السنة (6/ 19) حديث 1571.

قال الترمذي: حديث حسن، وروى بعضهم هذا الحديث عن مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا

وهذا أصح.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. قال ابن حزم في =

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المحلى (6/ 16): وجدنا حديث مسروق إنما ذُكر في فعل معاذ باليمن في زكاة البقر، وهو بلا شك قد أدرك معاذًا، وشهد حكمه وعمله المشهور المنتشر، فصار نقله لذلك - ولأنه عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلا عن الكافة عن معاذ بلا شك فوجب القول به.

وحكم ابن عبد البر في التمهيد (2/ 275): على إسناده بأنه متصل صحيح ثابت. وقال في الاستذكار (9/ 100، 156) والحديث عن معاذ ثابت متصل من رواية معمر، والثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق، عن معاذ.

وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 575) بعد ذكره كلام ابن عبد البر وكلام ابن حزم في الحديث: ولم أقل بعد: إن مسروقا سمع من معاذ، وإنما أقول: إنه يجب على أصولهم أن يحكم لحديثه عن معاذ بحكم حديث المتعاصرين اللذين لم يعلم انتفاء اللقاء بينهما: فإن الحاكم فيه أن يحكم له بالاتصال له عند الجمهور.

وقال ابن حجر في الفتح (3/ 324): في الحكم بصحته نظر: لأن مسروقًا لم يلقَ معاذًا.

وقال في التلخيص الحبير (2/ 160): رجح الترمذي والدارقطني الرواية المرسلة، ويقال: إن مسروقًا لم يسمع معاذًا.

والرواية المرسلة التي أشار إليها الترمذي عن مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا

رواها الطيالسي ص/ 77 حديث 567، وأبو يوسف في الخراج ص/ 77، وعبد الرزاق (6/ 89) حديث 10099 و (10/ 330) حديث 19268، وأبو عبيد في الأموال ص/ 26، حديث 64، وابن أبي شيبة (3/ 126) والشاشي (3/ 250، 252، 253) حديث 1348، 1350، 1352.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 129، حديث 108، ومالك في الموطأ (1/ 259)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 237)، وعبد الرزاق (4/ 26) حديث 6856، وأحمد (5/ 230)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 841) حديث 1463، والشاشي (3/ 298) حديث 1409، والطبراني في الكبير (20/ 348) والبيهقي (4/ 98)، والبغوي في شرح السنة (6/ 20) حديث 1572 من طرق عن طاوس عن معاذ رضي الله عنه، أنه "أخذ عن ثلاثين بقرة =

ص: 364

وقال ابن عبد البر

(1)

: هو حديث متصل ثابت.

وروى يحيى بن الحكم أن معاذًا قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذَ من البقرِ من كلِّ ثلاثين تبيعًا، ومن

= تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسنة .. الحديث.

قال الشافعي: طاوس عالم بأمر معاذ، وإن لم يلقه لكثرة من لقيه ممن أدرك معاذًا. وقال ابن عبد البر (2/ 274): وحديث طاوس عندهم عن معاذ غير متصل، ويقولون: أن طاوسًا لم يسمع من معاذ شيئًا.

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 163): طاوس لم يدرك معاذًا.

وقال البيهقي: طاوس وإن لم يلقَ معاذًا إلا أنه يماني، وسيرة معاذ بينهم مشهورة.

وأخرجه موصولًا: البزار "كشف الأستار"(1/ 422) حديث 892، والدارقطني (2/ 99)، وابن حزم (6/ 6)، والبيهقي (4/ 99) من طريق بقية، عن المسعودي، عن الحكم، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن

الحديث.

قال البزار: إنما يرويه الحفاظ عن الحكم عن طاوس مرسلًا، ولم يتابع بقية على هذا أحد، ورواه الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن طاوس، من ابن عباس، والحسن لا يحتج بحديثه إذا تفرد به.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 274): وقد رواه قوم عن طاوس عن ابن عباس عن معاذ إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه. وقال أيضًا: لم يسنده عن المسعودي عن الحكم غير بقية، وقد اختلفوا في الاحتجاج بما ينفرد به بقية عن الثقة، وله روايات عن مجهولين لا يعرج عليهم، وقد رواه الحسن بن عمارة عن الحكم، عن طاوس، عن ابن عباس عن معاذ كما رواه بقية عن المسعودي، عن الحكم، والحسن مجتمع على ضعفه.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 152) عن طريق بقية عن المسعودي: هذا موصول، لكن المسعودي اختلط، وقد رواه ابن عمارة عن الحكم، لكن الحسن بن عمارة ضعيف.

(1)

التمهيد (2/ 275)، والاستذكار (9/ 100، 156).

ص: 365

كل أربعين مسنةً، فعرضوا عليَّ أن آخذ مَا بينَ الأربعِينَ والخمسِينَ، وما بين السِّتِّينَ والسبْعِينَ، وما بين الثمانِينَ والتسْعينَ، فأبيْتُ ذلكَ، وقلتُ لهم: حتى أسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلكَ، فقدمْتُ، فأخبرته، فأمرَني أن آخذ من كلِّ ثلاثينَ تبيعًا، ومن كلِّ أربَعِينَ مُسنَّةً، ومن الستِّينَ تبيعينِ، ومن السبعينَ مسنةً وتبيعًا، ومن الثمانِينَ مسنتينِ، ومن التسعينَ ثلاثةَ أتباعٍ، ومن المائةِ مسنةً وتبيعينِ، ومن العشرةِ ومائةٍ مسنتَيْنِ وتبيعًا، ومن العِشْرينَ ومائةٍ ثلاثَ مسناتٍ أو أربعَة أتْبَاعٍ. قال: وأمرَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن لا آخذَ فِيمَا بينَ ذلكَ شيئًا، إلا أن يبْلُغَ مسنةً أو جذعًا، وزعمَ أنَّ الأوقاصَ لا فريضةَ فيهَا". رواه أحمد في "مسنده"

(1)

.

(1)

(5/ 240). وأخرجه - أيضًا - أبو عبيد في الأموال ص/ 474 حديث 1021، وابن زنجويه في الأموال (2/ 838 و 841) حديث 1456 و 1462، والطبراني في الكبير (20/ 124 و 170) حديث 249 و 363، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 26) حديث 933 من طريق سلمة بن أسامة، عن يحيى بن الحكم أن معاذًا قال: بعثني

الحديث، قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 1364، 1365): حديث يحيى بن الحكم عن معاذ فيه إرسال، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وسلمة بن أسامة ويحيى غير مشهورين، ولم يذكرهما ابن أبي حاتم في كتابه.

ووهَّم الحافظ في تعجيل المنفعة (1/ 597) من قال: سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم لا يعرفان.

وذكر في تعجيل المنفعة أيضًا (2/ 353) أن يحيى بن الحكم لم يدرك معاذًا: لأن وفاته قديمة.

وقال ابن عبد الهادي: قوله في الحديث في بعض رواياته: "فقدمتُ فأخبرتُ النبي صلى الله عليه وسلم": ليس بصحيح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي قبل أن يقدم معاذ بن جبل. وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 163): الصحيح أن معاذًا قدم بعدما =

ص: 366

(فإذا بلغت) البقر (مائة وعشرين اتَّفق الفرضان، فيخير بين ثلاث مسنات وأربعة أتبعة) للخبر.

(ولا يجزئ الذكر في الزكاة) إذا كانت ذكورًا وإناثًا؛ لأن الأنثى أفضل؛ لما فيها من الدر والنسل. وقد نص الشارع على اعتبارها في الإبل وفي الأربعين من البقر (غير التبيع في زكاة البقر) للنص السابق. ولأنه أكثر لحمًا، فيعادل الأنوثة. (و) غير (ابن لبون، أو ذكر أعلى منه) كحِق، فما فوقه (مكان بنت مخاض، إذا عدمها. وتقدم) في الفصل قبله موضحًا، لكن ابن اللبون فما فوقه ليس بأصل لكونه لا يجزئ مع وجود بنت المخاض، بخلاف التبيع، فيجزئ في الثلاثين وما تكرر منها كالستين، وأما الأربعون وما تكرر منها كالثمانين، فلا يجزئ في فرضها إلا الإناث؛ لنص الشارع عليها. (إلّا أن يكون النصاب كله ذكورًا، فيجزئ فيه ذكر في جميع أنواعها) من إبل أو بقر أو غنم؛ لأن الزكاة وجبت مواساة، فلا يكلفها من غير ماله.

(ويؤخذ من الصغار صغيرة في غنم) نص عليه

(1)

؛ لقول أبي بكر: "واللهِ لو منَعُونِي عناقًا. . ." الخبر

(2)

. ويتصور أخذها فيما إذا أبدل الكبار بالصغار، أو نتجت، ثم ماتت الأمات، بناء على ما تقدم أن حولها حول أصلها (دون إبل وبقر، فلا يجزئ إخراج فصلان) جمع فصيل: ولد الناقة (وعجاجيل) جمع عجل: ولد البقرة (فيقوَّم

= توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر نصب الراية (2/ 349)، والدراية (1/ 252).

(1)

انظر كتاب الروايتين والوجهين (1/ 225 - 226) والفروع (2/ 371).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 332) تعليق رقم (1).

ص: 367

النصاب) إذا كان كله فصلانًا أو عجاجيل أن لو كان (من الكبار، ويقوَّم فرضه) الواجب فيه (ثم تقوَّم الصغار، ويؤخذ عنها) أي: الصغار، أي: عن فريضتها (كبيرة بالقسط، والتعديل بالقيمة، مكان زيادة السن) ليندفع بذلك محذور الإجحاف بالمالك، مع المحافظة على الفرض المنصوص عليه، وإنما لم تجز الفصلان والعجاجيل بخلاف الغنم؛ لكون الشارع فرَّق بين فرض خمس وعشرين وست وثلاثين بزيادة السن، وكذلك فرَّق بين فرض ثلاثين وأربعين من البقر.

(ولو كانت دون خمس وعشرين من الإبل صغارًا، وجب في كل خمس) منها (شاة كالكبار) فتكون جذعًا من الضأن، أو ثنيًّا من المعز.

(وتؤخذ من المراض) من إبل أو بقر أو غنم (مريضة) لأن الزكاة وجبت مواساة، وليس منها أن يكلف غير الذي في ماله، ولا اعتبار بقلة العيب وكثرته؛ لأن القيمة تأتي على ذلك؛ لكون المخرج وسطًا في القيمة.

(فإن اجتمع صغار وكبار، وصحاح ومعيبات، وذكور وإناث، لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة، على قدر قيمة المالين) للنهي عن أخذ الصغيرة والمعيبة والكريمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكنْ من وَسطِ أمْوَالِكُمْ"

(1)

، ولتحصل المواساة. فإذا كان قيمة المال المخرج -

(1)

جزء من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه؛ أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 31)، وأبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1582، وابن سعد (7/ 21) والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 269 - 270)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 300) حديث 1062، وابن قانع في معجم =

ص: 368

إذا كان المزكى كله كبارًا صحاحًا - عشرين، وقيمته بالعكس عشرة، وجبت كبيرة صحيحة، قيمتها خمسة عشر، مع تساوي العددين، فلو كان الثلث أعلى والثلثان أدنى، فكبيرة، قيمتها ثلاثة عشر وثلث، وبالعكس: قيمتها ستة عشر وثلثان. (إلا إذا لزمه شاتان في مالٍ كلُّه معيب إلا واحدة، كمائة وإحدى وعشرين شاة الجميع معيب إلا واحدة، أو كانت المائة وإحدى وعشرون سخالًا، إلا واحدة كبيرة، فيخرج في الأولى الصحيحة ومعيبة معها، وفي الثانية الشاة) الكبيرة (وسخلة معها) لما تقدم من أن الزكاة وجبت مواساة، وليس منها تكليفه ما ليس في ماله.

(فإن كانت) السائمة (نوعين، كالبَخاتي) الواحد: بُخْتي، والأنثى: بختية. قال عياض

(1)

: هي إبل غلاظ ذات سنامين (والعِراب) هي جرد ملس حسان الألوان كريمة. (و) كـ (ـالبقر

= الصحابة (2/ 102) حديث 553، والطبراني في الصغير (1/ 201)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1784) حديث 4528، والبيهقي (4/ 96)، وفي شعب الإيمان (3/ 187) حديث 3297، والمزي في تهذيب الكمال (16/ 164). قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 198): أخرجه منقطعًا، وذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة مسندًا، وذكره أيضًا أبو القاسم الطبراني وغيره مسندًا. وعبد الله بن معاوية هذا، له صحبة وهو معدود في أهل حمص. وقيل إنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا.

وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 362): لم يصل أبو داود به سنده، ووصله الطبراني والبزار.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 155): رواه الطبراني وجوّد إسناده، وسياقه أتم سندًا ومتنًا. وانظر: عون المعبود (4/ 463).

(1)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 215).

ص: 369

والجواميس) واحدها جاموس. قال موهوب

(1)

: هو أعجمي، تكلمت به العرب

(2)

. (و) كا (لضأن والمعز، و) كـ (المتولد

(3)

بين وحشي وأهلي، أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين) المزكيين، فإذا كان النوعان سواء، وقيمة المخرج من أحدهما اثنا عشر، وقيمة المخرج من الآخر خمسة عشر، أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف. وكذا لو كانت البقر والغنم أهلية ووحشية، على ما تقدم من وجوب الزكاة فيها. وعلم منه: أن أنواع الجنس يضم

(4)

بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة.

(فإن كان فيه) أي: المال المزكى (كرام) قال عياض

(5)

في قوله صلى الله عليه وسلم: "واتَّقِ كَرائمَ أمْوَالِهمْ"

(6)

: إنها جمع كريمة، وهي الجامعة للكمال الممكن في حقها، من غزارة لبن، أو جمال صورة، أو كثرة لحم أو صوف.

وقيل: هي التي يختصها مالكها لنفسه ويؤثرها.

(ولئام) واحدها لئيمة، وهي ضد الكريمة (وسمان ومهازيل،

(1)

هو: أبو منصور، موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقي، إمام في النحو واللغة، له:"المعرَّب" و"شرح أدب الكاتب" و"التكملة في لحن العامة". توفي سنة (540 هـ) رحمه الله تعالى. انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 89).

(2)

المعرَّب ص/ 152.

(3)

في "ح": "والمتولد".

(4)

في "ح" و"ذ": "تضم".

(5)

نقله النووي في شرح مسلم (1/ 197) عن صاحب المطالع. وانظر مشارق الأنوار (1/ 339).

(6)

تقدم تخريجه (4/ 307) تعليق رقم (2).

ص: 370

وجب الوسط بقدر قيمة المالين) نص

(1)

عليه؛ طلبًا للتعديل.

(وإن أخرج عن النصاب من غير نوعه ما ليس في ماله منه) كما لو كان ماله ثلاثين بقرة، لا جاموس فيها، فاشرى تبيعًا من الجاموس وأخرجه عنها (جاز، إن لم تنقص قيمة المخرَج عن النوع الواجب) عليه في ملكه؛ لأن القيمة مع اتحاد الجنس هي المقصودة، ولم تفت، ولا شيء منها، بخلاف ما لو نقصت قيمة المخرَج عن الواجب.

‌فصل

(النوع الثالث: الغنم،

ولا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين) وهي أقل نصابها إجماعًا

(2)

(فتجب فيها شاة) إجماعًا

(2)

(إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان) إجماعًا

(2)

(إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه) وفاقًا

(3)

(إلى أربعمائة، فيجب فيها أربع شياه، ثم في كل مائة شاة شاة) لما روى أنس في كتاب الصدقات الذي كتبه له أبو بكر أنه قال: "في صدقَةِ الغنمِ في سائمتها، إذا كانتْ أربَعِينَ إلى مائةٍ وعشرِينَ شاةٌ، فإذا زادتْ على عشرينَ ومائةٍ ففيهَا شَاتَانِ، إلى مائتيْن، فإذا زادتْ على مائتينِ إلى ثلاثمائةٍ ففيها ثلاثُ شياهٍ، فإذا زَادتْ على ثلاثماثةٍ ففي كلِّ مائةِ شاةٍ شاةٌ. وإذا كانتْ

(1)

انظر: كتاب الروايتين والوجهين (1/ 226) والفروع (2/ 374).

(2)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 46 - 47.

(3)

انظر: المبسوط (2/ 182) والاستذكار (9/ 146)، والمجموع للنووي (5/ 363).

ص: 371

سائمة الرجل ناقصةً من

(1)

أربَعِينَ شاةً شاةٌ واحدة، فليس فيها صدقةٌ إلا أن يشَاءَ ربُّهَا" مختصرًا، رواه البخاري

(2)

، وعلى هذا لا تتغير بعد مائتين وواحدة، حتى تبلغ أربعمائة، فتجب

(3)

في كل مائةِ شاةٍ شاةٌ. فالوقص ما بين مائتين وواحدة إلى أربعمائة، وهو مائة وتسعة وتسعون.

(ويؤخذ من معز ثنيٌّ، ومن ضأن جذعٌ هنا) في زكاة الغنم (وفي كل موضع وجبت فيه شاة) كزكاة ما دون خمس وعشرين من الإبل، وكذا لو نذر شاة وأطلق (على ما يأتي بيانه في الأضحية. وتقدم بعضه)

(4)

لما روى سويد بن غفلة قال: "أتانا مصدّقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأنِ والثنيّةَ منَ المعزِ"

(5)

، ولأنهما يجزئان في الأضحية، فكذا هنا.

(1)

في "ذ": "عن".

(2)

في الزكاة، باب 38، حديث 1454.

(3)

في "ح" و"ذ": "فيجب".

(4)

(4/ 348).

(5)

لم نجد من خرجه بهذا اللفظ عن سويد بن غفلة رحمه الله وإنما روي منه: "أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فجلست إليه، فسمعته وهو يقول: إن في عهدي أن لا آخذ من راضع لَبَن، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع. وأتاه رجل بناقة كوماء، فقال: خذها، فأبى أن يأخذها". أخرجه أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1580، والنسائي في الزكاة، باب 12، حديث 2455، وفي الكبرى (2/ 14) حديث 2237، وابن ماجه في الزكاة، باب 11، حديث 1801، وأبو عبيد في الأموال ص/ 481 حديث 1052، وابن سعد (6/ 68)، وابن أبي شيبة (3/ 126) و (13/ 50)، وأحمد (4/ 315)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 881) حديث 1556، والدارمي في الزكاة، باب 8، حديث 1630، وبحشل في تاريخ واسط ص/ 118 - 119، وأبو القاسم =

ص: 372

(ولا يؤخذ تيس) ولو أجزأ الذكر؛ لنقصه وفساد لحمه (إلا فحل ضراب) فيؤخذ (لخيره برضا ربه، حيث يؤخذ ذكر) بأن كان النصاب كله ذكورًا (ويجزئ) أخذه إذن.

= البغوي في الجعديات (2/ 823) حديث 2235، والمحاملي في الأمالي، حديث 152، والطبراني في الكبير (7/ 91) حديث 6473، والدارقطني (2/ 104)، وابن حزم في المحلى (5/ 278)، والبيهقي (4/ 101 و 106) واللفظ المذكور لأحمد. وحسَّن إسناده النووي في المجموع (5/ 342). قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 142):"أخرجه الدارقطني والبيهقي، وفي إسناده هلال بن خباب، وقد وثقه غير واحد، وتكلم فيه بعضهم".

قلنا: وليس في رواية سويد عند واحد منهم مقصود الباب، وإنما جاء قريب منه عن سعر الديلي رضي الله عنه قال:"كنت في ناحية مكة، فجاء رجل مسلم وأنا بين ظهراني غنمي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا رسول رسول الله. فقلت: مرحبًا برسول رسول الله وأهلًا فما تريد؟ قال: أريد صدقة غنمك. قال: فجئته بشاة ماخض حين ولدت، فلما نظر إليها قال: ليس حقنا في هذه. قلت: ففيم حقك. قال: في الثنية والجذعة". أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 199 - 200)، وأبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1581، والنسائي في الزكاة، باب 15، حديث 2460، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 239)، وأبو عبيد في الأموال ص/ 495 حديث 1090، وأحمد (3/ 414) وابن زنجويه في الأموال (3/ 883) حديث 1560، والحربي في غريب الحديث (2/ 901)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 212) حديث 967، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 316) رقم 385، والطبراني في الكبير (7/ 170) حديث 6727، وفي الأوسط (9/ 42) حديث 8091، والبيهقي (4/ 96) وفي معرفة السنن والآثار (6/ 49، 50) حديث 7960، 7961، 7963، والخطيب في الموضح (2/ 233).

قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 142): أخرجه الطبراني، وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص، ورجال إسناده ثقات. انظر التلخيص الحبير (2/ 153).

ص: 373

(ولا) تؤخذ (هرمة) أي: كبيرة طاعنة في السن.

(ولا ذات عَوار) بفتح العين المهملة (وهي المعيبةُ، بذهاب عضو أو غيره، عيبًا يمنع التضحية بها) لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}

(1)

وفي كتاب أبي بكر: "ولا يخرج في الصدقةِ هرمةٌ ولا ذاتُ عَوارٍ، ولا تَيْسٌ إلا ما شاءَ المصدِّقُ". رواه البخاري

(2)

. وكان أبو عبيد يرويه بفتح الدال من المصدق

(3)

، يعني: المالك، فيكون الاستثناء راجعًا إلى التيس. وخالفه عامة الرواة، فقالوا بكسرها، يعني: الساعي، ذكره الخطابي

(4)

(إلا أن يكون النصاب كله كذلك) لما تقدم من أن الزكاة وجبت مواساة، وليس منها تكليفه ما ليس في ماله.

(ولا) تؤخذ (الرُّبَّى) بضم الراء (وهي التي لها ولد تربِّيه) قاله أحمد

(5)

. وقيل: التي تربى في البيت لأجل اللبن.

(ولا) تؤخذ (حامل) لقول عمر: "لا تؤخذ الربى ولا الماخِضُ ولا الأكولَةُ"

(6)

.

(1)

سورة البقرة، الآية:267.

(2)

في الزكاة، باب 39، حديث 1455.

(3)

الأموال ص/ 391 حديث 1053.

(4)

معالم السنن (2/ 184).

(5)

مسائل ابن هانئ (1/ 121) رقم 593.

(6)

أخرجه مالك (1/ 265)، والشافعي في الأم (2/ 13) وفي المسند (ترتيبه 1/ 238)، وعبد الرزاق (4/ 11) رقم 6808، وأبو عبيد في الأموال ص/ 389 رقم 1045، وابن أبي شيبة (3/ 134 - 135)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 857) رقم 1509، والطبراني في المعجم الكبير (7/ 68) رقم 6395، والبيهقي (4/ 100) وصححه النووي في المجموع (5/ 376)، وجوَّد إسناده =

ص: 374

(ولا طروقةُ الفحل: لأنها تحمل غالبًا، ولا خِيارُ المال) أي: نفيسه؛ لشرفه، ولحقِّ المالك.

(ولا الأكولة، وهي السمينة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكنْ من وسَطِ أمْوَالِكُمْ، فإنَّ الله لَمْ يسألْكُم خيرَهُ، ولم يأمرْكُم بشرِّهِ" رواه أبو داود

(1)

، ولهذا قال الزهري: إذا جاء المصدق قسم الشاء أثلاثًا: ثلث خيار، وثلث وسط، وثلث شرار، وأخذ من الوسط

(2)

.

(ولا سنٌّ من جنس الواجب أعلى منه إلا برضا ربه، كبنت لبون عن بنت مخاض) وحقة عن بنت لبون.

(ولا يجزئ إخراج القيمة، سواء كان حاجة، أو مصلحة، أو

(3)

في الفطرة، أو لا) لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"خذ الحبَّ من الحبِّ، والإبلَ من الإبلِ، والبقرَ من البقرِ، والغنمَ من الغنمِ". رواه أبو داود وابن ماجه

(4)

. والأمر بالشيء نهي عن ضده، فلا يؤخذ من غيره. قال

= الحافظ ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 249).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 75): رواه الطبراني، وفيه رجل لم يسمَّ، وبقية رجاله ثقات.

(1)

في الزكاة، باب 4، حديث 1582، وقد تقدم تخريجه (4/ 368)، تعليق رقم (1).

(2)

ذكره الترمذي في سننه، عقب حديث 621.

(3)

قوله: "أو" ليس في "ح".

(4)

أبو داود في الزكاة، باب 11، حديث 1599، وابن ماجه في الزكاة، باب 16 حديث 1814. وأخرجه أيضًا ابن زنجويه في الأموال (3/ 899) رقم 1598 والدارقطني (2/ 100)، والحاكم (1/ 388)، والبيهقي (4/ 112) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 32) بلفظ: "خذ الحب من الحب، والشاة من =

ص: 375

أبو داود

(1)

: قيل لأحمد: أعطي دراهم في صدقة الفطر؟ فقال: أخاف أن لا يجزئ، خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(وإن أخرج سنًّا أعلى من الفرض من جنسه، أجزأ) لحديث أُبَيِّ بن كعب: "أنّ رجلًا قدمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيَّ الله، أتانِي رسولُكَ، ليأخذَ مني صدقةَ مالي، فزعَمَ أنَّ ما عليَّ منهُ

(2)

بنتُ مخاضٍ، فعرضْتُ عليهِ ناقةً فتيّةً سمينةً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ذاكَ الذي وجبَ عليْكَ، فإن تطوعْتَ بخيرٍ، آجرَك اللهُ فيهِ، وقبلناهُ منكَ، فقال: هَا هي ذه. فأمر بقبضِهَا، ودعَا لَهُ بالبركَةِ" رواه أحمد وأبو داود

(3)

. ولأنه زاد على الواجب من جنسه، فأجزأ، كما لو زاد في العدد. وعلم منه: أنه لا

= الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر". قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء بن يسار من معاذ بن جبل فإني لا أتقنه. وتعقبه الذهبي بقوله: لم يلقه. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 170: لم يصح، لأنه ولد بعد موته أو في سنة موته، أو بعد موته بسنة، وقال البزار: لا نعلم أن عطاء سمع من معاذ، وانظر الجوهر النقي (4/ 112) بهامش السنن الكبرى.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 85.

(2)

في مسند أحمد، وسنن أبي داود:"فيه".

(3)

أحمد (5/ 142)، وأبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1583. وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (4/ 24) حديث 2277، وابن حبان "الإحسان" (8/ 64) حديث 3269، والحاكم (1/ 399 - 400)، والبيهقي (4/ 96)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 27) حديث 934، والضياء في المختارة (4/ 24) حديث 1254.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (5/ 399): رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح أو حسن.

قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 144): صححه الحاكم، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وخلاف الأئمة في حديثه مشهور إذا عنعن، وهو هنا قد صرَّح بالتحديث.

ص: 376

يجزئ من غير الجنس؛ لأنه عدول عن المنصوص عليه (فيجزئ مسن عن تبيع، و) تجزئ

(1)

(أعلى من المسنة عنها، و) تجزئ (بنت لبون عن بنت مخاض، و) تجزئ (حقة عن بنت لبون، و) تجزئ (جذعة عن حقة، ولو كان الواجب عنده) لما تقدم (وتقدم

(2)

بعض ذلك) في الباب. (وتجزئ ثنية وأعلى منها عن جذعة) فما دونها، ولو كانت عنده، وتقدم

(2)

. (ولا جبران) لعدم وروده.

فصل

(الخلطة) بضم الخاء: الشركة (في المواشي) دون غيرها من الأموال (لها تأثير في الزكاة إيجابًا وإسقاطًا) وتغليظًا وتخفيفًا (فتصير الأموال كالمال الواحد) لما روى الترمذي عن سالم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتَاب الصدقَةِ:"لا يجمعُ بينَ متفرِّقٍ، ولا يفرَّقُ بينَ مجتَمِعٍ خشيةَ الصدقَةِ، وما كانَ منْ خليطين فإنهما يَتراجَعَانِ بينَهُمَا بالسويةِ"

(3)

.

(1)

في "ح" و"ذ": "ويجزئ".

(2)

(4/ 351).

(3)

الترمذي في الزكاة، باب 4 حديث 621. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1568 - 1570، وابن ماجه في الزكاة، باب 13، حديث 1805، ومالك (2/ 314)، والشافعي في الأم (2/ 4) وفي المسند (ترتيبه 1/ 235) حديث 645، وابن أبي شيبة (3/ 121)، وأحمد (2/ 15)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 862) حديث 1519، وأبو يعلى (9/ 359 - 362) حديث 5470، 5471، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 20) حديث 5820، والحاكم (1/ 392 - 393)، والبيهقي (4/ 88، 106)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 25) حديث 930، وابن حجر في تغليق التعليق =

ص: 377

ورواه البخاري

(1)

من حديث أنس. وإنما تؤثر الخلطة (في نصاب الزكاة) فيضم أحد المالين إلى الآخر فيه، كما يأتي (دون الحول) فلا تؤثر الخلطة فيه، بل يزكى كل مال عند حوله، ويأتي بيانه.

فإذا اختلط نفسان) لأن أقل من ذلك الواحد، ولا خلطة معه (أو أكثر) من نفسين (من أهل الزكاة) فلو كان أحدهما مكاتبًا أو ذميًّا، فلا أثر لها؛ لأنه لا زكاة في ماله، فلم يكمل به النصاب (في نصاب) فلو كان المجموع دون نصاب، لم تؤثر، سواء كان له مال غيره أو لا، وعلم منه: التأثير فيما زاد على النصاب، بطريق أولى (من الماشية) فلا تؤثر الخلطة في غيرها، ويأتي (حولًا) كاملًا بحيث (لم يثبت لهما) ولا لأحدهما (حكم الانفراد في بعضه) لأن الخلطة معنى يتعلق

= (3/ 14 - 15)، من طرق عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكره البخاري تعليقًا في الزكاة، باب 34، قبل حديث 1450، وقال الحافظ في الفتح (3/ 314): أورده شاهدًا لحديث أنس الذي وصله البخاري في الباب. قال الترمذي: حديث ابن عمر حديث حسن. وحسنه النووي في المجموع (5/ 406). ونقل البيهقي عن الترمذي في العلل أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال: أرجو أن يكون محفوظًا. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الزكاة، باب 13، حديث 1807 من طريق أبي هند، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 4)، وفي المسند (ترتيبه 1/ 233 - 234) رقم 644، وعبد الرزاق (4/ 7) رقم 6798، وابن زنجويه في الأموال (2/ 862) رقم 1521، والبيهقي (4/ 87)، من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما موقوفًا. وانظر ما تقدم (4/ 350) تعليق رقم (1).

(1)

في الزكاة، باب 34، 35، حديث 1450، 1451، وفي الشركة، باب 2، حديث 2487، وفي الحيل، باب 3، حديث 6955.

ص: 378

به إيجاب الزكاة، فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب (فحكمهما) أي: النفسين فأكثر (في الزكاة حكم) الشخص (الواحد) لأنه لو لم يكن كذلك، لما نهى الشارع عن جمع المتفرِّق وعكسِه خشيةَ الصدقة (سواء كانت خلطة أعيان، بأن يملكا مالًا) أي: نصابًا من الماشية (مُشاعًا بإرث أو شراء أو هبة أو غيره) كالوصية والجعالة والإصداق والمخالعة (أو خلطة أوصاف، بأن يكون مال كل واحد منهما متميزًا) بصفة أو صفات. (فلو استأجر لرعي بشاة منها، فحال الحول ولم يفردها) أي: المستأجر أو الأجير (فهما خليطان) فعلى الأجير من الزكاة بنسبة شاته.

(ولو كانت لأربعين) نفسًا ذكورًا أو إناثًا أو مختلفين (من أهل الزكاة) لما تقدم أنّه لا أثر لخلطة مَن ليس من أهلها (أربعون شاة مختلطة، لزمتهم شاة) بالسوية (ومع انفرادهم لا يلزمهم شيء) لنقص النصاب.

(ولو كان لثلاثة أنفس مائة وعشرون) شاة (لكل واحد) منهم (أربعون شاة، لزمتهم شاة واحدة) على كل منهم ثلثها، كالشخص الواحد (ومع انفرادهم) عليهم (ثلاث شياه) على كل واحد شاة.

(ويوزع الواجب) على الخليطين، فأكثر (على قدر المال) المختلط (مع الوقص، فستة أبعرة مختلطة مع تسعة) في الجميع ثلاث شياه (يلزم رب الستة شاة وخمس شاة، ويلزم رب التسعة شاة وأربعة أخماس شاة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وما كانَ منْ خلِيطَينِ فإنهما يترَاجَعانِ

ص: 379

بينهما بِالسويةِ"

(1)

.

(ويشترط في) تأثير (خلطة أوصاف اشتراكهما في مُراح - بضم الميم - وهو المبيت والمأوى أيضًا، ومسرح، وهو مكان اجتماعهما؛ لتذهب إلى المرعى، ومشرب) بفتح الميم والراء (وهو مكان الشرب فقط) أي: دون زمانه. وتبع المصنف في اعتبار المشرب "المقنع" وأبا الخطاب، وصاحب "التلخيص"، و"الوجيز"، ولم يذكره الأكثر، قال في "المنتهى" تبعًا "للتنقيح": لا اتحاد مشرب وراع (ومحلب) بفتح اللام والميم (وهو موضع الحلب) والمحلب بكسر الميم: الإناء، والمراد الأول؛ لأنه ليس المقصود خلط اللبن في إناء واحد؛ لأنه ليس بمرفق، بل مشقة؛ لما فيه من الحاجة إلى قسم اللبن، وربما أفضى إلى الربا (وفحل) مُعَدّ للضراب. (و) اشتراكه (هو عدم اختصاصه في طرقه بأحد المالين إن اتحد النوع) فليس المراد أن يكون متحدًا ولا مشتركًا. (فإن اختلف) النوع (كالضأن والمعز، و) كـ (الجاموس والبقر، لم يضر اختلاف الفحل؛ للضرورة) لاختلاف النوعين. (ومرعى، وهو: موضع الرعي ووقته) ففيه استعمال المشترك في معنييه (وراع) قاله أبو الخطاب. وفي "المقنع" و"الوجيز" و"المستوعب": (على منصوص أحمد

(2)

، والحديث) أي: حديث سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الخليطان: ما اجْتَمَعَا على الحوضِ والفحْلِ والرَّاعِي". رواه الخلال والدارقطني

(3)

،

(1)

تقدم تخريجه (4/ 377) تعليق رقم (3).

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 604) رقم 822، ومسائل صالح (3/ 228) رقم 1704.

(3)

الخلال لعله رواه في جامعه ولم نقف عليه في القسم المطبوع منه، والدارقطني =

ص: 380

ورواه أبو عبيد

(1)

، وجعل بدل "الراعي":"المرعى"، وضعفه أحمد

(2)

؛ فإنه من رواية ابن لهيعة. قال في "الفروع": فيتوجه العمل بالعرف في ذلك. وقدَّم عدم اعتبار الراعي، وتقدَّم كلام "المنتهى". (ويظهر أن اتحاده) أي: الراعي (كما في الفحل) يعتبر مع اتحاد النوع، دون اختلافه.

(ولا تعتبر نية خلطة كالأوصاف والأعيان) - الكاف زائدة - قال في "المبدع": وظاهره: أنه لا يشترط للخلطة نية، وهو في خلطة

= (2/ 104). ورواه - أيضًا - ابن زنجويه في الأموال (2/ 866) حديث 1529، والبيهقي (4/ 106) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 29).

(1)

في الأموال ص/ 393، 395، حديث 1060، 1067. وأخرجه - أيضًا - ابن زنجويه في الأموال (2/ 863)، حديث 1522، والشاشي (1/ 125) حديث 62، وابن حزم في المحلى (6/ 55 - 56) من طريق ابن لهيعة قال: كتب إليَّ يحيى بن سعيد أنه سمع السائب بن يزيد يقول: صحبت سعد بن أبي وقاص زمانًا فما تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق في الصدقة، والخليطان ما اجتمع على الفحل والمرعى والحوض".

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 219): قال أبي: هذا حديث باطل عندي، ولا أعلم أحدًا رواه غير ابن لهيعة، ويروى من كلام سعد فقط. وضعفه النووي في المجموع (5/ 385 - 386).

وقال ابن معين: هذا حديث باطل، وإنما هو من قول يحيى بن سعيد هكذا حدث به الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد من قوله. وبنحوه قال العقيلي (2/ 295). انظر التلخيص الحبير (2/ 155).

قلنا: وقد أخرجه من قول يحيى بن سعيد سحنون في المدونة (2/ 334)، وأبو عبيد في الأموال ص/ 486 رقم 1068، وابن زنجويه في الأموال (2/ 866) رقم 1530، عن الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، قال: الخليطان. . . إلخ وانظر الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 336).

(2)

انظر الفروع (2/ 382).

ص: 381

الأعيان إجماع، وكذا في خلطة الأوصاف في الأصح. واحتج المؤلف - أي: الموفق - بنية السوم. وفائدة الخلاف: في خلط وقع اتفاقًا، أو فعله راع وتأخرت النية عن الملك. (ولا) يعتبر أيضًا (خلط اللبن) لما تقدم.

(ولا أثر لخلطة مَن ليس من أهل الزكاة، كالكافر والمكاتب والمدين) دينًا يستغرق ما بيده؛ لأنه لا زكاة في ماله (ولا) أثر لخلطة (فيما دون نصاب، ولا) لـ (خلطة الغاصب) ماله (بمغصوب) لإلغاء تصرفه في المغصوب.

(فإن اختلّ شرط منها) أي: من الشروط المتقدمة للخلطة، بطل حكمها؛ لفوات شرطها، وصار وجودها كالعدم، فيزكي كل واحد ماله إن بلغ نصابًا، وإلا، فلا (أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول، كأن اختلطا في أثناء الحول في نصابين بعد انفرادهما، زُكِّيا زكاة المنفردين فيه) فلو ملك كل من رجلين أربعين شاة في المحرَّم، ثم اختلطا وتم الحول، فعلى كل منهما شاة؛ تغليبًا للانفراد؛ لأنه الأصل (و) يزكيان (فيما بعده) أي: بعد الحول الأول (زكاة الخلطة) لعدم الانفراد في شيء من الحول.

(وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده، مثل أن يكون لرجل نصاب) أربعون شاة مثلًا (ولآخر دونه) كعشرين (ثم اختلطا في أثناء الحول، فإذا تم حول الأول) منذ ملك النصاب (فعليه شاة) زكاة ماله (وإذا تم حول الثاني) من الخلطة (فعليه زكاة الخلطة) وهي ثلث شاة في المثال، إن لم يكن الأول أخرج الشاة من المال، فيلزم الثاني

ص: 382

عشرون جزءًا من تسعة وخمسين جزءًا من شاة.

(أو يملك نفسان كل واحد أربعين شاة، فخلطاها في الحال من غير مضيّ زمن) قبل الخلط (إن أمكن) ذلك (ثم باع أحدهما نصيبه) شخصًا (أجنبيًّا) غير شريكه، فشريك المشتري ثبت له حكم الانفراد، والمشتري لم يثبت له.

(أو يكون لأحدهما نصاب منفرد، فيشتري الآخر نصابًا ويخلطه به في الحال كما تقدم، فإن المشتري) في المثالين (ملك أربعين مختلطة، لم يثبت لها حكم الانفراد) في وقت من الحول (فإذا تم حول الأول، لزمه زكاة انفراد شاة، وإذا تم حول الثاني، وهو المشتري، لزمه زكاة خلطة) لكونه لم يزل مخالطًا (نصف شاة، إن كان الأول أخرجها) أي: الشاة (من غير المال) المخلوط (وإن كان) الأول (أخرجها) أي: الشاة (منه) أي: من المال (لزم الثاني أربعون جزءًا منع تسعة وسبعين جزءًا من شاة) لأن حوله قد تم على تسعة وسبعين شاة، له منها أربعون شاة، فلزمه من الشاة أربعون جزءًا (ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة) لأنها موجودة في جميع الحول بشرطها (كما تم حول أحدهما، فعليه) من الزكاة (بقدر ما له منهما) ولا ينتظر الأول حول الثاني؛ لأن الزكاة بعد حَوَلان الحول لا يجوز تأخيرها، ولا يجب على المشتري تقديم زكاته إلى رأس حول شريكه؛ لأن تقديمها قبل حولان الحول غير واجب، ولو كان للأول أربعون شاة وللثاني ثمانون، فعلى الأول ثلث شاة، وعلى الثاني ثلثاها، ذكره ابن المنجَّى.

ص: 383

(وأَبْيَنُ) أي: أوضح (من هذين المثالين) السابقين (لو ملك نصابين) أي: ثمانين شاة (شهرًا) أو أقل أو أكثر (ثم باع أحدهما مُشاعًا، كما يأتي قريبًا) فيثبت له حكم الانفراد، بخلاف المشتري.

(ومن كان بينهما نصاب خلطة ثمانون شاة، فباع كل منهما غنمه بغنم صاحبه، واستداما الخلطة، لم ينقطع حولهما) لأن إبدال المال بجنسه لا يقطعه، كما تقدم (ولم يزل خلطهما) لعدم انقطاع الحول؛ لأن الزكاة إنما تجب فيما اشتري، ببنائه على حول المبيع، فيجب أن يُبنى عليه في الصفة التي كان عليها، وهي صفة الخلطة (وكذا لو تبايعا البعض) من ذلك (بالبعض) لما سبق (قلَّ) المبيع (أو كثر) أو تبايعا الكل بالبعض؛ لعدم الفرق.

(ولو ملك رجل نصابًا شهرًا) مثلًا (ثم باع نصفه) مثلًا (مُشاعًا، أو أعلم على

(1)

بعضه) أي: عيَّنه (وباعه مختلطًا، انقطع الحول، ويستأنفانه من حين البيع) لأنه قد انقطع في النصف المبيع، فصار كأنه لم يجر في حول الزكاة أصلًا، فلزم انقطاع الحول في الثاني. (وإن أفرد بعضه وباعه ثم اختلطا، انقطع الحول، قلَّ زمن الانفراد أو كثر) حتى ولو قيل: لا ينقطع في التي قبلها.

(ولو ملك) حرٌّ مسلم (نصابين شهرًا، ثم باع أحدهما مُشاعًا) بأن باع نصف الثمانين (ثبت للبائع حكم الانفراد) لما تقدم (وعليه) أي: البائع (عند تمام حوله زكاة منفرد) لثبوت حكم الانفراد له،

(1)

قوله: "على" سقط من "ح".

ص: 384

وعلى المشتري إذا تم حوله زكاة خليط (ولو كان المال ستين في هذه المسألة، والمبيع ثلثها، زكى البائع) إذا تم حوله زكاة انفراد (بشاة) وزكى المشتري إذا تم حوله بثلث شاة، إن أخرج الأول من غير المال. ولو كان المبيع في المثال نصفها، انقطع حول البائع، واستأنفا حولًا.

(وإذا ملك نصابًا شهرًا، ثم ملك) نصابًا (آخر لا يتغير به الفرض، مثل أن يملك أربعين شاة في المحرَّم، وأربعين) شاة (في صفر، فعليه زكاة الأول عند تمام حوله) وهي شاة؛ لانفرادها في بعض الحول (ولا شيء عليه في الثاني) لأن الجميع ملك واحد، فلم يزد فرضه على شاة، كما لو اتفقت أحواله، وللعموم في الأوقاص.

(وإن كان الثاني يتغير به الفرض، مثل أن يكون مائة شاة، فعليه زكاته إذا تم حوله) كما لو اتفقت أحواله؛ لأنه إما أن يجعلا كالمال الواحد لمالك، أو كمالين، وعلى التقديرين يجب شاة أخرى، بخلاف التي قبلها (وقدرها) أي: زكاة الثاني (بأن تنظر إلى زكاة الجميع) وهو في المثال مائة وأربعون، وزكاته شاتان (فتُسقط منها ما وجب في الأول) وهو شاة، (ويجب الباقي في الثاني، وهو شاة) فيخرجها.

(وإن كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ نصابًا، مثل أن يملك ثلاثين من البقر في المحرَّم، وعشرًا) من البقر (في صَفَر، فعليه) في الثلاثين إذا تم حولها تبيع، أو تبيعة، و (في العَشر إذا تم حولها، زكاة خلطة ربع مسِنة) لأن الفريضة الموجبة للمسنة قد كملت، وقد

ص: 385

أخرج زكاة الثلاثين، فوجب في العشر بقسطها من المسنة، وهو ربعها.

(وإن ملك ما لا يبلغ نصابًا، ولا يغير الفرض، كخمس) من البقر بعد أربعين أو ثلاثين منها (فلا شيء فيها) أي: الخمس؛ لأنها وقص، وكما لو ملكهما دفعة واحدة. (ومثله لو ملك عشرين شاة بعد أربعين) منها (أو ملك عشرًا من البقر بعد أربعين منها، فلا شيء فيها) لما تقدم.

(وإذا كان بعض مال الرجل) أو الخنثى أو المرأة (مختلطًا، و) كان (بعضه الآخر منفردًا أو مختلطًا مع مال لرجل آخر، فإنه يصير ماله كله كالمختلط، إن كان مال الخلطة نصابًا، وإلا) أي: وإن لم يكن مال الخلطة نصابًا (لم يثبت حكمها) لأنها لا تؤثر فيما دون نصاب. (وإذا كان لرجل ستون شاة) بمحل واحد، أو محال متقاربة دون مسافة القصر (كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر، فعلى) الشركاء (الجميع شاة، نصفها على صاحب الستين) لأن له نصف المال (ونصفها على خلطائه، على كل واحد) منهم (سدس شاة) لأن كل واحد منهم له عشرون، وهي سدس مجموع المال (ضَمًّا لمال كل خليط التي مال الكل، فيصير) جميع المال (كمالٍ واحد) قاله الأصحاب. ذكره في "المبدع".

(وإن كانت كل عشر منها) أي: من الستين (مختلطة بعشر لآخر، فعليه) أي: رب الستين (شاة، ولا شيء على خلطائه؛ لأنهم لم يختلطوا في نصاب) فلم تؤثر الخلطة؛ لفوات شرطها.

ص: 386

(وإذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين فأكثر لا تقصر بينهما الصلاة، فهي كالمجتمعة) يضم بعضها إلى بعض ويزكيها. قال في "المبدع": لا نعلم فيه خلافًا.

(وإن كان بينهما مسافة قصر، فلكل مال حكم نفسه) فإن كان نصابًا، وجبت الزكاة، وإلا فلا؛ لجعل التفرقة في البلدين كالتفرقة في الملكين، فلهذا قال (كما لو كانا لرجلين) احتج أحمد

(1)

بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمعُ بين متفرِّقٍ" الخبر

(2)

. وعندنا أن من جمع أو فرق خشية الصدقة، لم يؤثر ذلك، قاله في "المبدع". ولأن كل مال ينبغي تفرقته ببلده، فتعلق الوجوب به، لكن قال ابن المنذر

(3)

: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد.

(ولا تؤثر تفرقة البلدان في غير الماشية) لعدم

(4)

الأدلة (ولا الخلطة في غير السائمة) نص عليه

(5)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمعُ بينَ متفرِّقٍ خشيةَ الصدقَةِ"(2). لأنه إنما يكون في الماشية؛ لأن الزكاة تقل بجمعها تارة وتكثر أخرى، وسائر الأموال تجب فيما زاد على النصاب بحسابه، فلا أثر لجمعها، ولأنّ خلطة الماشية تؤثر نفعًا تارة، وضررًا أخرى، وغير الماشية لو أثرت فيه الخلطة لأثرت ضررًا

(1)

انظر المستوعب (3/ 245 - 246)، والفروع (2/ 395).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 377) تعليق رقم (3).

(3)

لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة. وانظر المبدع (2/ 335).

(4)

في "ح" و"ذ": "لعموم".

(5)

انظر: الفروع (2/ 398).

ص: 387

محضًا برب المال؛ لعدم الوقص فيها.

(و) يجوز (للساعي أخذ الفرض من مال أيِّ الخليطين شاء) لأنّ الجميع كالمال الواحد (مع الحاجة) بأن تكون الفريضة عينًا واحدة، لا يمكن أخذها إلّا من أحد المالين، أو يكون أحدهما صغارًا والآخر كبارًا (وعدمها) أي: عدم الحاجة بأن يجد فرض كل من المالين فيه. نص أحمد

(1)

على ذلك (ولو بعد قسمة في خلطة أعيان، وقد وجبت الزكاة) قبل القسمة (مع بقاء النصيبين) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وما كانَ من خليطين فإنّهما يتراجَعانِ بالسويةِ"

(2)

. أي: إذا أخذ الساعي الزكاة من مال أحدهما، ولأنّ المالين قد صارا كالمال الواحد في وجوب الزكاة، فكذا في إخراجها. وعلم منه أنّهما إذا افترقا في خلطة الأوصاف بعد وجوب الزكاة، ليس للساعي أنْ يأخذ من مال أحدهما عن الآخر.

(ويرجع المأخوذ منه على خليطه) للخبر (بقيمة حصته يوم أخذت) لزوال ملكه إذن، ولأنّها ليست من ذوات الأمثال (فإذا) كان المال أثلاثًا، و (أخد) الساعي (الفرض من مال رب الثلث، رجع) رب الثلث (بقيمة ثلثي المخرج على شريكه) صاحب الثلثين (وإنْ أخذه) أي: أخذ الساعي الفرض (من الآخر) رب الثلثين (رجع) على شريكه (بقيمة ثلثه) أي: المخرج؛ لأنّ له ثلث المال.

(فإن اختلفا في) قدر (قيمة المأخوذ، فـ) القول (قول المرجوع

(1)

انظر المغني (4/ 59 - 60)، والفروع (2/ 398).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 377) تعليق رقم (3).

ص: 388

عليه) لأنه غارم (مع يمينه) لاحتمال صدق شريكه (إذا احتمل صدقه) فيما ذكره قيمة، وإلَّا، ردّ؛ لتكذيب الحس له (و) محله إذا (عدمت البينة) لأنّها ترفع النزاع، فيجب العمل بما تقوله.

(وإذا أخذ الساعي أكثر من الفرض بلا تأويل، كأخذه عن أربعين) شاة لاثنين (مختلطة شاتين من مال أحدهما، أو عن ثلاثين بعيرًا جذعة، رجع) المأخوذ منه (على خليطه في الأولى) أي: مسألة الأربعين شاة (بقيمة نصف شاة، و) رجع (في الثانية) أي: في مسألة ثلاثين بعيرًا (بقيمة نصف بنت مخاض، ولم يرجع) على خليطه (بالزيادة؛ لأنّها ظلم، فلا يرجع بها على غير ظالمه) وخليطه لم يظلمه، ولم يتسبب في ظلمه.

(وإذا أخذه) أي: أخذ الساعي الزائد (بتأويل، كأخذه صحيحة عن مراض، أو) أخذه (كبيرة عن صغار، أو) أخذه (قيمة الواجب، رجع) المأخوذ منه (عليه) أي: على خليطه بحصته مما أخذ؛ لأنّ الساعي نائب الإمام، فعله كفعله؛ ولهذا لا ينقض لكونه مختلفًا فيه، كما في الحاكم، قال في "المغني" والشرح": ما أداه اجتهاده إليه، وجب دفعه، وصار بمنزلة الواجب. وقال غيره: لأنّ فعله في محل الاجتهاد سائغ نافذ، فترتب عليه الرجوع لسوغانه.

(ويجزئ) أخذ الساعي القيمة (ولو اعتقد المأخوذ منه عدم الإجزاء) لما تقدم من أنّ الساعي نائب الإمام، وفعله كحكمه، فيرفع الخلاف.

ص: 389

(ومن بذل الواجب) عليه، خليطًا كان أو غيره (لزم) الساعي (قبوله) منه (ولا تبعة عليه) لأدائه ما وجب عليه.

(ويجزئ إخراج بعض الخلطاء) الزكاة (بدون إذن بقيتهم، مع حضورهم وغيبتهم) لأنّ عقد الخلطة جعل كل واحد منهم كالآذن لخليطه في الإخراج عنه (والاحتياط) أنْ يكون إخراج أحدهم (بإذنهم) خروجًا من خلاف من قال: لا يجزئ إلّا به، كابن حمدان.

(ومن أخرج منهم) أي: الخلطاء (فوق الواجب، لم يرجع بالزيادة) على خلطائه؛ لعدم الإذن لفظًا وحكمًا.

"تتمة": إذا أخذ الساعي فرضًا مجمعًا عليه، لكنه مختلف فيه، هل هو عن الخليطين أو عن أحدهما؟ عمل كل في التراجع بمذهبه؛ لأنّه لا نقص فيه، لفعل الساعي، فعشرون شاة خلطة بستين فيها ربع شاة، فإذا أخذ الشاة من الستين، رجع ربّها بربع الشاة

(1)

، وإنْ أخذها هن العشرين، رجع ربها بثلاثة أرباعها، لا بقيمتها كلها، ولا تسقط زيادة مختلف فيها بأخذ الساعي مجمعًا عليه، كمائة وعشرين خلطة بينهما، تلف ستون عقب الحول، فأخذ نصف شاة بناء على تعلق الزكاة بالنصاب والعفو، وجعله للخلطة تأثيرًا، لزمهما إخراج نصف شاة. ذكرهما في "منتهى الغاية".

(1)

في "ح": "شاة".

ص: 390

‌باب زكاة الخارج من الأرض

من الزروع والثمار والمعدن والركاز، وما هو في حكم ذلك، كعسل النحل.

والأصل في وجوب الزكاة في ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}

(1)

. والزكاة تسمى نفقة؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

(2)

. وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}

(3)

. قال ابن عباس: "حقه الزكاة، مرة العشر، ومرة نصف العشر"

(4)

.

والسنة مستفيضة بذلك، ويأتي بعضه.

وأجمعوا على وجوبها في البر والشعير، والتمر والزبيب، حكاه ابن المنذر

(5)

.

(1)

سورة البقرة، الآية:267.

(2)

سورة التوبة، الآية:34.

(3)

سورة الأنعام، الآية:141.

(4)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 56، ويحيى بن آدم في الخراج ص/ 124 - 125، رقم 397 - 398، وسعيد بن منصور (5/ 103) رقم 928، وابن أبي شيبة (3/ 185)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 794) رقم 1375، والطبري في تفسيره (8/ 53)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1398) رقم 7952، والنحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 323) رقم 471، والبيهقي (4/ 132) وضعفه.

(5)

الإجماع ص/ 47.

ص: 391

(تجب الزكاة في كل مكيل مدّخر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ فيما دون خمسةِ أوسقٍ صدقَةٌ"

(1)

فدل على أنّ ما لا يدخله التوسيق، ليس مرادًا من عموم الآية والخبر، وإلَّا، لكان ذِكْر الأوسق لغوًا؛ ولأنّ غير المدخر لا تكمل فيه النعمة؛ لعدم النفع به مآلًا (من قوت) كالحنطة والشعير والأرز والدُّخْن (وغيره) أي: غير القوت، ممَّا يأتي بيانه.

(فتجب) الزكاة (في كل الحبوب: كالحنطة، والشعير، والسُّلت) بالضم، قاله في "القاموس"

(2)

(وهو نوع من الشعير لونه لون الحنطة، وطَبْعه طبع الشعير في البرودة) قال في "الفروع": لأنّه أشبه الحبوب به، أي: الشعير في صورته (والذُّرَة، والقطنيات) بكسر القاف وفتحها وضمها، وتشديد الياء وتخفيفها، قاله في "الحاشية"(كالباقِلَاء، والحِمَّص، واللُّوبيا) يمد ويقصر (والعَدَس، والماش

(3)

، والتُّرمُس) بوزن بُنْدُق، قاله في "الحاشية"(حب عريض أصغر من الباقِلَاء، والدُّخْنِ، والأَرُزّ، والهَرْطَمان) حب متوسط بين الحنطة والشعير، قاله في "الحاشية" (وهو الجُلْبانة

(4)

،

(1)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 4، 32، 42، 56، حديث 1405، 1447، 1459، 1484، ومسلم في الزكاة، حديث 979، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

ص/ 197.

(3)

الماش: حب معروف مدور، أصغر من الحمص، أسمر اللون، ويميل إلى الخضرة، يكثر بالشام، كما يُزرع في الهند، وله عيون كعيون اللوبياء. انظر: المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 471، ومعجم أسماء النباتات للدمياطي ص/ 142.

(4)

الجُلبانة: واحدة الجُلبان، نبت يشبه الماش، وهو حب أغبر أكدر، يُطبخ، =

ص: 392

والكَرْسَنَة

(1)

، والحُلْبة، والخَشْخاش، والسِّمسِم) سمي ذلك قطنية: من قطن يقطن

(2)

في البيت؛ لأنّها تمكث فيه، ومنه قولهم: فلان قاطن بمكان كذا. (ولا يجزئ الإخراج من شَيْرَجه

(3)

) أي: السمسم، كإخراج قيمته (وكبزر البقول كلها: كالهِندَبا

(4)

، والكَرْفَس

(5)

، والبصل، وبزر قَطُونا

(6)

) بفتح القاف وضم الطاء، يمد ويقصر

= قضبانه مربعة، ينبسط على الأرض، ورقه ملتوٍ على القُضب، نواره أحمر فيها حب قريب الشبه بالدائري. انظر: معجم أسماء النباتات ص/ 35، المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 70.

(1)

الكَرْسَنة: وقيل: الكِرْسِنَّة، شجرة صغيرة لها ثمر في غُلُف، مُصدِّع، مُسهل، مبوِّل للدم، مُسمّن للدواب، نافع للسعال. القاموس المحيط ص/ 1227، مادة (كرسن).

(2)

قوله: "يقطن" ليس في "ح".

(3)

الشيرج: معرب من شَيَره وهو دهن السِّمسِم، وربما قيل للدهن الأبيض وللعصير قبل أن يتغير. المصباح المنير ص/ 308، مادة (شرج).

(4)

الهندباء: بقل يؤكل، وأهل البادية يسمونه هِندب، وهو صنفان، بري وبستاني، والبستاني نوعان: صغير الورق دقيقه وزهره أصفر، وهو هندبا البقل، والآخر عريض الورق خشن، قليل المرارة، ذو جذر طويل وتدي، وساق متفرعة، وأزهاره زرق.

انظر: معجم أسماء النباتات ص/ 156، وتذكرة أولي الألباب لداود الأنطاكي ص/ 336.

(5)

الكرفس: شجرة تنبت في المياه الدائمة، غليظة الساق والأغصان، وعليها رطوبة لزجة، تلزق باليد، منه: جبلي وبري وبستاني، وهو خمسة أنواع: نبطي ورومي وجزري وبري ومائي. انظر: معجم أسماء النباتات للدمياطي ص/ 133، والتذكرة لداود الأنطاكي ص/ 470.

(6)

بزر قطونا: نبات ورقه عليه زغب، وقضبانه طولها شبر، وابتداء جمته في وسط النبات، وفي أعلاه رأسان أو ثلاثة، مستدير، وفي الرأس بزر كالبراغيث، =

ص: 393

(ونحوها، وبزر الرياحين جميعها

(1)

، وأبازير القِدْر

(2)

، كالكُزْبُرَة) بضم الباء وقد تفتح. وأظنه معرَّبًا، قاله في "الحاشية"(والكَمُّون، والكَرَاوْيَا، والشُّونيز) يقال له: الحبة السوداء. قاله في "الحاشية" (وكذا حب الرازَيانَج

(3)

، وهو الشَّمَر، والأنيسون، والشَّهْدانَج) بفتح النون (وهو حب القِنَّب، والخردل، وبزر الكَتان) بفتح الكاف (و) بزر (القطن، واليقطين) وهو القرع (والقرطم) بكسر القاف والطاء، وضمهما لغة: حب العُصْفر. قاله في "الحاشية"(و) حب (القِثَّاء، والخِيار، والبطيخ) بأنواعه (و) حب (الرَّشاد، والفُجْل، وبزر البَقْلَة الحمقاء ونحوه) كبزر الباذنجان والخس والجزر ونحوهما.

(وتجب) الزكاة (في كل ثمر يكال ويدَّخر) نقل صالح

(4)

: ما كان يكال ويدخر ويقع فيه القفيز، ففيه العشر، وما كان مثل الخيار والقثاء والبصل والرياحين والرمان، فليس فيه زكاة إلّا أنْ يباع، ويحول على ثمنه حول (كالتمر، والزبيب، واللوز، والفستق، والبندق،

= أسود وصُلب، وهو المستعمل، وينبت في الأرض المحروثة، منه: الأبيض والأحمر والأسود، كان ينسج من هذا النبات ثياب الكتان.

انظر: المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 21، والتذكرة لداود الأنطاكي ص/ 73.

(1)

في "ح" و"ذ": "جميعًا".

(2)

أبازير القدر: الأبازير جمع البِزْر وهو التابل، وقيل جمع البِزْر: أبزار، وأبازير جميع الجمع. وأبازير القِدر: التوابل.

انظر: لسان العرب (4/ 56) مادة (بزر)، والمصباح المنير (1/ 66).

(3)

في "ح": "الزاريانج" وهو تصحيف، والصواب ما في المتن. انظر: المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 182.

(4)

مسائل صالح (1/ 278، 293 - 294) رقم 221، 272.

ص: 394

والسُّمَّاق).

و (لا) تجب الزكاة (في عُنَّاب وزيتون) لأنّ العادة لم تجر بادّخاره، وهو شرط، ذكره في "المبدع". (وقطن، وكتان، وقِنَّب، وزعفران، ووَرْسٍ، ونِيل، وفُوَّة، وغُبَيراء) وبَقَّم (وحناء، ونأرَنجيل

(1)

) بالهمز، ويجوز تخفيفه، وهو جوز الهند، الواحدة نارجيلة

(2)

؛ وشجرته شبيهة بالنخلة، لكنها تميل بصاحبها حتى تدنيه من الأرض لينًا، قاله في "الحاشية". (وجَوْز) نصّ عليه

(3)

وعلل بأنّه معدود (وسائر الفواكه، كالتين، والمشمش) بكسر الميمين (والتوت، والأظهر وجوبها في العُنَّاب، والتين، والمشمش، والتوت) هذا معنى كلامه في "الفروع". وجزم في "الأحكام السلطانية" و"المستوعب" و"الكافي" بوجوب الزكاة في العنّاب، واختاره الشيخ تقي الدين

(4)

في التين: لأنّه يدخر كالتمر.

(ولا تجب في التفاح، والإجّاص، والخوخ) ويسمى الفِرْسِك، (والكُمُّثرى) بضم الميم مثقلة في الأكثر، الواحدة كمثراة، ذكره في "الحاشية"(والسَّفَرْجَل، والرمان، والنَّبْق، والزُّعرور) يشبه النبق (والمَوْز) لأنّها ليست مكيلة. وقد روي أنّ عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفِرْسِك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافًا،

(1)

في "ذ" والإقناع (1/ 413): نأرجيل.

(2)

في "ح": "نارنجيلة".

(3)

انظر الإرشاد ص/ 127، والأحكام السلطانية ص/ 134.

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 149.

ص: 395

فكتب إليه عمر: "ليسَ فيها عشرٌ، هِيَ من العِضَاه". رواه الأثرم

(1)

.

(ولا في قصب السكر، والخضر: كبِطيخ، وقِثَّاء، وخيار، وباذنجان) بفتح الذال (ولفت) بكسر اللام (وهو السَّلْجم) بوزن جعفر (وسِلق، وكُرْنُب، وقُنَّبيط، وبصل، وثوم، وكُرَّاث، وجَزَر، وفُجل، ونحوه) لحديث علي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ في الخضْرَاوَاتِ صدَقةٌ"

(2)

وعن عائشة

(3)

معناه، رواهما الدارقطني.

(1)

لعله رواه في سننه، ولم تطبع. وقد أخرجه - أيضًا - يحيى بن آدم في الخراج ص/ 155، رقم 548، ومن طريقه البيهقي (4/ 125) عن بشر بن عاصم وعثمان بن عبد الله بن أوس:"أن سفيان كتب إلى عمر بن الخطاب. . .".

(2)

رواه الدارقطني (2/ 94 - 95). وأخرجه - أيضًا - ابن حبان في المجروحين (1/ 375)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 498) حديث 822، وفي التحقيق (2/ 36)، من طريق الصقر بن حبيب، عن أبي رجاء العطاردي، عن ابن عباس، عن علي رضي الله عنهم مرفوعًا.

قال ابن حبان: ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يعرف هذا بإسناد منقطع فقلب هذا الشيخ [أي: الصقر، ويقال له الصعق] على أبي رجاء، عن ابن عباس، عن علي رضي الله عنهم.

وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 357): والصقر ضعيف، وأحمد بن الحارث الراوي عن الصقر هو الغساني، قال أبو حاتم الرازي [الجرح والتعديل 2/ 47] هو متروك الحديث. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 165): وفيه الصقر بن حبيب وهو ضعيف جدًّا.

وأخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص/ 156، رقم 554، 556، وعبد الرزاق (4/ 120) رقم 7188، وابن أبي شيبة (3/ 140)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 502) رقم 1171، 1172، و (2/ 293) رقم 2306، والبيهقي (4/ 129، 130)، عن علي رضي الله عنه موقوفًا.

(3)

رواه الدارقطني (2/ 95)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 38)، من طريق صالح بن موسى، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها =

ص: 396

(ولا في البقول كالهِنْدَبا) قال ابن السكيت

(1)

: تفتح الدال فتقصر، وتكسر فتمد (والكرفس) قال في "البارع" و"التهذيب": بفتح الراء وسكون الفاء، وفي "الصحاح": بوزن جعفر

(2)

. (والنعناع،

= مرفوعًا. قال ابن الجوزي: وقال يحيى بن معين: صالح بن موسى ليس حديثه بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث. انظر الضعفاء الصغير للبخاري ص/ 60، والضعفاء والمتروكين للنسائي ص/ 57. وقد روي هذا الحديث عن معاذ وطلحة، وأنس، ومحمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنهم مرفوعًا، وكلها معلولة.

وعن عمر رضي الله عنه موقوفًا. انظر علل الدارقطني (4/ 203 - 204)، ونصب الراية (2/ 386 - 389).

قال الترمذي في الزكاة، باب 13، عقب حديث 638: وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. مرسلًا، والعمل على هذا عند أهل العلم، أن ليس في الخضروات صدقة.

قلنا: ومرسل موسى بن طلحة أخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص/ 147، 154 حديث 502، 503، 542، وعبد الرزاق (4/ 119) حديث 7185، وأبو عبيد في الأموال ص/ 602، حديث 1506، والدارقطني (2/ 98)، والبيهقي (4/ 129) قال الدارقطني: وأصحها كلها المرسل.

وقال أبو البركات في منتقى الأخبار (2/ 132): وهو من أقوى المراسيل لاحتجاج من أرسله به. وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 387): وهو مرسل حسن. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 165): والمشهور عن موسى مرسل. وقال الشوكاني في نيل الأوطار (9/ 170) من هذا الحديث: طرقه يقوي بعضها بعضًا.

(1)

انظر إصلاح المنطق ص/ 183.

(2)

لم نجد هذا الضبط في المطبوع من تهذيب اللغة ولا في الصحاح، ولعله موجود في نسخ أخرى، كما صرَّح بذلك صاحب المصباح المنير ص/ 529 حيث قال: الكرفس بقلة معروفة، وهو مكتوب في نسخ من الصحاح: وزان جعفر، ومكتوب في البارع والتهذيب: بفتح الراء وسكون الفاء. اهـ. وانظر =

ص: 397

والرّشاد، وبقلة الحمقاء، والقَرَظ، والكُزْبُرَة، والجَرْجير ونحوه.

ولا في المسك، والزهر: كالورد، والبنفسج، والنَّرجِس، واللَّيْنَوْفَر، والخِيري وهو المَنْثُور، ونحوه) كالزنبق.

(ولا في طلع الفحّال - بضم أوله وتشديد ثانيه - وهو ذكر النخل، ولا في السَّعف، وهو أغصان النخل) أي: جريد النخل الذي لم يجرد عنه خُوصه، فإنْ جُرِّدَ خُوصه عنه فجريد (ولا في الخُوص وهو ورقه) أي: ورق السعف (ولا في قشور الحب، والتبن، والحطب، والخشب، وأغصان الخِلَاف، وورق التوت، والكلأ، والقصب الفارسي، ولبن الماشية وصوفها ونحو ذلك) كالوبر والشعر (وكذا الحرير، ودود القز) لأنّ ذلك كله ليس منصوصًا عليه، ولا في معنى المنصوص عليه، فبقي على الأصل.

(وتجب الزكاة في صَعْتَر، وأُشنان، وحَبِّ ذلك، وكل) ورق (مقصود: كورق سِدْر، وخَطْمِيٍّ، وآسٍ، وهو المَرْسِين) لأنّه نبات مكيل مدّخر.

= تهذيب اللغة (10/ 424)، والصحاح (2/ 968). ومادة (كرفس) ليست في القسم المطبوع من البارع.

ص: 398

فصل

(ويعتبر لوجوبها) أي: الزكاة فيما تقدم مما تجب فيه (شرطان أحدهما: أنْ يبلغ نصابًا قدره بعد التصفية في الحبوب، و) بعد (الجفاف في الثمار) والورق (خمسة أوسقٍ) فلا تجب في أقل من ذلك: لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيمَا دونَ خمسةِ أوسقٍ من تمرٍ ولا حبٍّ صدَقةٌ" رواه أحمد ومسلم

(1)

.

فتقديره بالكيل يدل على إناطة الحكم به، واعتبر كونُ النصاب بعد التصفية في الحبوب؛ لأنّه حال الكمال والادخار، والجفاف في الثمار والورق؛ لأنّ التوسيق لا يكون إلّا بعد التجفيف، فوجب اعتباره عنده. فلو كان عشرة أوسق عنبًا لا يجيء منه خمسة أوسق زبيبًا، لم يجب شيء، وتقدم أنه لا يعتبر الحول هنا؛ لتكامل النماء عند الوجوب، بخلاف غيره.

(والوسق) بكسر الواو وفتحها (ستون صاعًا) حكاه ابن المنذر

(2)

بغير خلاف، وروى الأثرم

(3)

بإسناده عن سلمة بن صخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوسْقُ ستُّونَ صَاعًا" وعن أبي سعيد

(4)

(1)

أحمد (3/ 59، 73، 97)، ومسلم في الزكاة، حديث 979 (4، 5) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ورواه البخاري - أيضًا - في الزكاة باب 42، حديث 1459، دون قوله:"ولا حب".

(2)

انظر الإقناع له (1/ 173).

(3)

لعله في سننه ولم تطبع، ولم نقف على من أخرجه بهذا اللفظ.

(4)

ابن ماجه في الزكاة، باب 23، حديث 1832. ورواه - أيضًا - أبو داود في =

ص: 399

وجابر

(1)

نحوه، رواه ابن ماجه.

(والصاع خمسة أرطال وثلث) رطل (بالعراقي؛ فيكون النصاب في الكل) من الحبوب والثمار والأوراق (ألفًا وستمائة رطل عراقي،

= الزكاة، باب 1، حديث 1559، وأبو عبيد في الأموال ص/ 516، حديث 1589، وأحمد (3/ 59، 83)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1040) حديث 1917، وابن خزيمة (4/ 38) حديث 2310، والدارقطني (2/ 98 - 99)، والبيهقي (4/ 121) من طريق أبي البختري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

قال أبو داود: أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد.

وقال ابن خزيمة: باب ذكر مبلغ الوسق إن صح الخبر، ولا خلاف بين العلماء في مبلغه على ما روي في هذا الخبر، إلا أن أبا البختري لا أحسبه سمع من أبي سعيد.

وأخرجه أبو يعلى (2/ 306) حديث 1034، وابن حبان "الإحسان"(8/ 76) حديث 3282، والدارقطني (2/ 129) من طريق عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 301): وهذا صحيح متصل كالشمس.

(1)

ابن ماجه في الزكاة، باب 23، حديث 1833. ورواه - أيضًا - ابن عدي (7/ 2687)، والدارقطني (2/ 98).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 321): هذا إسناد ضعيف، فيه محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك الحديث.

قلنا: تابعه زيد بن أبي أنيسة عند ابن عدي، والدارقطني، لكن في سند ابن عدي يحيى بن يزيد أبو شيبة الرهاوي، قال فيه ابن حجر في التقريب (7724): مقبول. وفي سند الدارقطني يزيد بن سنان الرهاوي قال في التقريب (7778): ضعيف.

وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 138)، وعبد الله ابن الإمام أحمد في مسائله (2/ 573) رقم 786 عن جابر رضي الله عنه موقوفًا.

ص: 400

وهو) أي: النصاب (ألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلًا وأربعة أسباع رطل مصري، وما وافقه) كالمكي والمدني.

(و) النصاب (ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلًا وستة أسباع رطل دمشقي، وما وافقه) في الزنة.

(و) النصاب (مائتان وخمسة وثمانون رطلًا وخمسة أسباع رطل حلبي، وما وافقه) في الزنة كالحمصي.

(ومائتان وسبعة وخمسون رطلًا وسبع رطل قدسي، وما وافقه) كالنابلسي.

(ومائتان وثمانية وعشرون رطلًا وأربعة أسباع رطل بَعْلي، وما وافقه) في وزنه.

"فائدة": الإردبّ، كيل معروف بمصر، وهو أربعة وستون مَنًّا، وذلك أربعة وعشرون صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الأزهري

(1)

. والجمع الأرادب، قاله في "الحاشية"، ولعل هذا باعتبار ما كان أوّلًا، والآن الإردب أربعة وعشرون ربعًا، والربع أربعة أقداح، قال شيخ الإسلام زكريا في "شرح المنهج"

(2)

: والصاع قدحان. اهـ.

فالإردب ثمان

(3)

وأربعون صاعًا، فيكون النِّصاب ستة أرادب

(1)

تهذيب اللغة (14/ 104).

(2)

(2/ 243).

(3)

في "ح": "ثمانية".

ص: 401

وربع إردب تقريبًا. وقال الشمس العلقمي

(1)

في "حاشية الجامع الصغير": الصاع قدحان إلا سبعي مدّ، بالقدح المصري.

(والوسق والصاع والمد، مكاييل نقلت إلى الوزن) أي: قدرت بالوزن (لتحفظ) فلا يزاد، ولا ينقص منها (وتنقل) من الحجاز إلى غيره، وليست صنجًا

(2)

.

(والمكيل يختلف في الوزن، فمنه ثقيل) كتمر وأرز (و) منه (متوسط، كَبُرٍّ وعدس، و) منه (خفيف، كشعير وذرة) وأكثر التمر أخفّ من الحنطة على الوجه الذي يكال شرعًا؛ لأنّ ذلك على هيئة غير مكبوس (فالاعتبار في ذلك) المذكور من المكيلات (بالمتوسط نصًّا

(3)

) قال في "الفروع": ونص أحمد

(4)

وغيره من الأئمة: على أنّ الصاع خمسة أرطال وثلث بالحنطة، أي: بالرزين من الحنطة، وهو الذي يساوي العدس في وزنه (ومثلِ مكيله من غيره) أي: غير المتوسط، وهو الثقيل والخفيف (وإن لم يبلغ) المكيل غير المتوسط (الوزن) المذكور لخفته (نصًّا)

(5)

فالمعتبر بلوغه نصابًا بالكيل، دون الوزن.

(1)

تقدم التعريف به (2/ 242) تعليق رقم (2).

(2)

الصَّنْج: واحدها صَنْجة، كِفَّة الميزان. انظر: المصباح المنير ص/ 476، والقاموس المحيط ص/ 196، مادة صنج.

(3)

انظر المغني (4/ 168).

(4)

مسائل صالح (1/ 189، 381) رقم 108، 359، و (2/ 18) رقم 544، ومسائل عبد الله (2/ 581، 583، 584) رقم 797، 801، 803، ومسائل أبي داود ص/ 84، ومسائل ابن هانئ (1/ 118، 127) رقم 551، 618.

(5)

انظر الفروع (2/ 412).

ص: 402

(فمن اتخذ وعاء يسع خمسة أرطال وثلثًا عراقية من جيّد البر) أي: رزينه (ثم كال به ما شاء) من ثقيل، أو خفيف (عرف) به (ما بلغ حد الوجوب من غيره) الذي لم يبلغ نصابًا. (فإن شكّ في بلوغ قدر النصاب، ولم يجد ما يقدره) أي: المكيل (به، احتاط وأخرج) الزكاة ليخرج من عهدتها (ولا يجب) عليه الإخراج إذن؛ لأنّه الأصل، فلا يثبت بالشك.

(ونصاب علس

(1)

) بفتح العين المهملة وسكون اللام وفتحها، (وهو نوع من الحنطة، و) نصاب (أرز، يدّخران) أي: العلس والأرز (في قشريهما عادة لحفظهما) لأنّهما إذا خرجا من قشرهما لا يبقيان بقاء ما

(2)

في القشر. (عشرةُ أوسق، إذا كان) العلس أو الأرز (في بلد قد خبره) أي: امتحنه وجرَّبه (أهله، وعرفوا أنّه يخرج منه مصفى النصفُ) عملًا بالعادة (لأنّه يختلف في الخفَّة والثقل، فيرجع إلى أهل الخبرة) بذلك (ويؤخذ بقدره) للحاجة. (وإن صفِّيًا، فنصاب كل منهما خمسة أوسق) كسائر الحبوب.

(فإن شكّ في بلوغهما نصابًا) وهما في قشرهما: لعدم انضباط العادة (خيِّر بين أنْ يحتاط ويخرج عشره قبل قشره، وبين قشره واعتباره بنفسه كمغشوش أثمان) حتى يخرج من العهدة.

(ولا يجوز تقدير غيره) أي: العلس (من الحنطة في قشره، ولا

(1)

في "ح": "العلس".

(2)

في "ذ": "بقاءهما".

ص: 403

إخراجه

(1)

قبل تصفيته) لأنّ العادة لم تجرِ به، ولم تدعُ الحاجة إليه، ولا يعلم قدر ما تخرج منه.

(وتضم ثمرة العام الواحد) إذا اتحد الجنس، ولو اختلف النوع (و) يضم (زرعه) أي: زرع العام الواحد (بعضها) أي: الثمرة (إلى بعض) في تكميل النصاب، وبعض الزرع إلى بعض (في تكميل النصاب) إذا اتحد الجنس (ولو اختلف وقت إطْلاعه، و) وقت (إدراكه بالفصول) كما لو اتحد؛ لأنّه عام واحد (وسواء تعدّد البلد أو لا) نصّ عليه

(2)

. فيأخذ عامل البلد حصته من الواجب في محل ولايته.

(فإنْ كان له نخل تحمل في السنة حملين، ضم أحدهما إلى الآخر) لأنّها ثمرة عام واحد، فضم بعضها إلى بعض (كزرع العام الواحد) وكالذرة التي تنبت في السنة مرتين، ولأنّ الحمل الثاني يضم إلى الحمل المنفرد، كما لو لم يكن حمل أول، فكذلك إذا كان؛ لأنّ وجود الحمل الأول لا يصلح أن يكون مانعًا، بدليل حمل الذرة، وبهذا يبطل ما ذكروه من انفصال الثاني عن الأول. وفي "المبدع": ليس المراد بالعام هنا اثني عشر شهرًا، بل وقت استغلال المغل من العام عرفًا، وأكثره ستة أشهر بقدر فصلين.

(ولا تضم ثمرة عام واحد ولا زرعه) أي: زرع عام (إلى) ثمرة عام (آخر) ولا إلى زرع عام آخر؛ لانفصال الثاني عن الأول.

(1)

في (ح): "وإخراجه".

(2)

انظر كتاب الروايتين والوجهين (1/ 240)، والفروع (2/ 416).

ص: 404

(وتضم أنواع الجنس) من حبوب أو ثمار من عام واحد (بعضها إلى بعض في تكميل النصاب) كأنواع الماشية والنقدين (فالسلت نوع من الشعير، فيضم إليه، والعلس نوع من الحنطة، فيضم إليها) وكذا سائر أنواع جنس.

(و‌

‌لا يضم جنس إلى آخر)

كبُرٍّ إلى شعير، أو دخن أو ذرة أو عدس ونحوه؛ لأنّها أجناس يجوز التفاضل فيها، فلم يضم بعضها إلى بعض (كأجناس الثمار، و) أجناس (الماشية) ولا يصح القياس على ضم العلس إلى الحنطة؛ لأنّه نوع منها، وإذا انقطع القياس، لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم.

(ولا تضم الأثمان إلى شيء منها) أي: من الحبوب أو الثمار أو الماشية؛ لما تقدم (وإلّا إلى عروض التجارة)، فتضم الأثمان إلى قيمتها، (ويأتي) ذلك (في الباب بعده).

الشرط (الثاني) لوجوب الزكاة فيما يخرج من الأرض من الحبوب والثمار (أن يكون النصاب مملوكًا له) أي: للحرّ المسلم (وقت وجوب الزكاة) فيه، وهو وقت اشتداد الحب وبدوّ صلاح الثمر، وإنْ لم يزرعه (فتجب) الزكاة (فيما نبت بنفسه مما يزرعه الآدمي، كمن سقط له حب في أرضه، أو أرض مباحة) فنبت؛ لأنّه يملكه وقت الوجوب، وفعل الزرع ليس شرطًا.

(ولا تجب) الزكاة (فيما يكتسبه اللقّاط، أو يوهب له) بعد بدوّ صلاحه، أو يشتريه ونحوه بعد ذلك (أو يأخذه) الحصَّاد ونحوه (أجرة

ص: 405

لحصاده ودِياسه ونحوه) كأجرة تصفيته، أو نطارته

(1)

.

(ولا فيما يملك من زرع وثمرة بعد بدوّ صلاحه بشراء أو إرث أو غيرهما) كصداق وعوض خلع وإجارة وعوض صلح؛ لأنّه لم يكن مالكًا له وقت الوجوب، بخلاف العسل؛ للأثر

(2)

.

(ولا) زكاة (فيما يجتنيه من مباح كبُطْم وَزعْبَل) بوزن جعفر (وهو شعير الجبل، وبزر قطونا، وكُزبرة، وعَفْص، وأُشنان، وسُمَّاق ونحوه) كبزر النمَّام، والحبة الحمقاء (سواء أخذه من موات أو نبت في أرضه؛ لأنّه لا يملك إلا بأخذه) فلم يكن وقت الوجوب في ملكه.

فصل

(ويجب العشر) وهو (واحد من عشرة) إجماعًا

(3)

(فيما سقي بغير مؤنة) أي: كلفة (كالغيث، وهو المطر، و) كـ (السيوح) جمع سيح، وهو الماء الجاري على وجه الأرض (كالأنهار والسواقي) التي يجري فيها الماء من الأنهار بلا آلة (وما يشرب بعروقه، وهو البعل.

(ولا يؤثر

(4)

) مؤنة (حفر الأنهار) وحفر (السواقي) في نقص الزكاة؛ لأنّه من جملة إحياء الأرض، ولا يتكرر كل عام.

(1)

الناطر والناطور: حافظ الكرم والنخل

والفعل: النَّطْر والنِّطارة. انظر: القاموس المحيط ص/ 622، مادة (نطر).

(2)

انظر ما يأتي (4/ 434) تعليق رقم (3).

(3)

انظر الإجماع لابن المنذر ص/ 52، والاستذكار (9/ 238).

(4)

في "ذ": "تؤثر".

ص: 406

(و) لا تؤثر - أيضًا - مؤنة (تنقيتها) أي: الأنهار والسواقي (و) لا مؤنة (سقي) أي: من يسقي بماء الأنهار والسواقي (في نقص الزكاة؛ لقلة المؤنة، وكذا من يُحوِّل الماء في السواقي؛ لأنّه كحرث الأرض) ولأنّه لا بد منه حتى في السقي بكلفة.

(وإن اشترى ماء بركة أو حَفيرة، وسقى به سيحًا، فـ) الواجب (العشر، وكذا إن جمعه وسقى به) سيحًا فيجب العشر؛ لندرة هذه المؤنة، وهي في ملك الماء له، لا في السقي به، فإنْ كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض، ويستقر في مكان قريب من وجهها، إلّا أنّه يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من غَرْب

(1)

أو دولاب

(2)

، فهو من الكلفة المسقطة لنصف العشر.

(ويجب نصف العشر فيما سقي بكلفة، كالدوالي، جمع دالية، وهي الدولاب تديره البقر) ويسمونها بمصر ساقية (والناعورة يديرها الماء، والسانية) بالنون (و) هي (النواضح واحدها ناضح وناضحة، وهما البعير يستقى عليه، وما يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض) أي: رفعه إليها (إلى آلة من غرب أو غيره) فكل ذلك فيه نصف العشر؛ لما روى ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماءُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا العشر، وما سُقِي بالنضْحِ نصف العشر" رواه البخاري

(3)

. سمي

(1)

الغَرْب: الدلو العظيمة يستقى على السانية، قاله في "المصباح المنير" ص/ 230.

(2)

الدُّولابُ بالضم ويفتح: شكل كالناعورة يستقى به الماء، مُعَرَّبُ. القاموس المحيط ص/ 107.

(3)

في الزكاة، باب 55، حديث 1483.

ص: 407

عثريًّا؛ لأنّهم يجعلون في مجرى الماء عاثورًا، فإذا صدمه الماء ترادَّ، فدخل تلك المجاري فتسقيه؛ ولأنّ للكلفة تأثيرًا في إسقاط الزكاة في المعلوفة، ففي تخفيفها أولى.

(وقال الشيخ

(1)

: وما يديره الماء من النواعير ونحوها مما يصنع من العام إلى العام، أو) يصنع (في أثناء العام، ولا يحتاج إلى دولاب تديره الدواب، يجب فيه العشر؛ لأن مؤنته خفيفة، فهي كحرث الأرض وإصلاح طرق الماء) فلا يؤثر في نقص الزكاة.

"تتمة": إذا سقيت أرض العشر بماء الخراج، لم يؤخذ منها خراج، أو عكسه، لم يسقط خراجها، ولا يمنع من سقي كل واحدة بماء الأخرى، نص على ذلك

(2)

.

(فإن سقي بكلفة وبغير كلفة سواء) بأن سقي نصف الستة بهذا ونصفها بهذا (وجب ثلاثة أرباع العشر) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأنّ كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه، فإذا وجد في نصفه أوجب نصفه.

(فإن سقي بأحدهما أكثر) من الآخر (اعتبر أكثرهما) نصّ عليه

(3)

؛ لأنّ اعتبار قدر ما يسقى

(4)

به في كل وقت يشقّ، فاعتبر الأكثر كالسوم.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 101.

(2)

انظر الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 170، والفروع (2/ 420).

(3)

انظر المغني (4/ 166)، والفروع (2/ 421).

(4)

في "ح": "سقي".

ص: 408

(فإن جهل المقدار) أي: مقدار السقي، فلم يعلم هل سقي سيحًا أكثر؟ أو بكلفة أكثر؟ أو جهل أكثرهما نفعًا ونموًّا؟ (وجب العشر) نص عليه

(1)

: لأنّ الأصل وجوبه كاملًا؛ ولأنّه خروج عن عهدة الواجب بيقين.

(والاعتبار بالأكثر) من السقي بكلفة أو بغيرها (نفعًا ونموًّا) نصًّا

(1)

و (لا) اعتبار (بالعدد والمدة) أي: عدد السقيات ومدّة السقي.

(ومن له حائطان) أي: بستانان (أو) له (أرضان، ضُمَّا) أي: الحائطان أو الأرضان، أي: ضمّت ثمارهما وزروعهما بعضها إلى بعض، مع اتحاد الجنس والعام، كما تقدم (في) تكميل (النصاب، ولكل منهما حكم نفسه في سقيه بمؤنة أو بغيرها) فيخرج مما يشرب بمؤنة نصف عشره، ومما يشرب بغيرها عشره. (ويصدَّق المالك فيما سقى به بلا يمين) لأنّ الناس لا يستحلفون على صدقاتهم؛ لأنّها حق لله فلا يستحلف فيه كالصلاة والحد.

(وإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمرة، فـ) ـــبدو الصلاح (في فستق وبندق ونحوه) كلوز (انعقاد لُبِّه، وفي غيره) أي: غير ما ذكر من الثمار كالتمر والعنب (كبيع) أي: ظهور نضجه وطيب أكله، على ما يأتي بيانه في بيع الأصول والثمار (وجبت الزكاة) لأنّه يقصد للأكل والاقتيات كاليابس، ولأنّه وقت خرص الثمرة، لحفظ الزكاة ومعرفة قدرها، بدليل أنّه لو أتلفه لزمته زكاته، ولو باعه أو وهبه قبل الخرص

(1)

انظر المغني (4/ 166)، والفروع (2/ 421).

ص: 409

وبعده، فزكاته عليه، دون المشتري والموهوب له.

(فإن قطعها) أي: الثمرة (قبله) أي: قبل بدو صلاحها (لغرض صحيح، كأكل أو بيع أو تخفيف) أصلها (أو تحسين بقيتها: فلا زكاة فيه) أي: المقطوع قبل بدوّ صلاحه، كما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول (وإن فعله) أي: القطع قبل بدو الصلاح (فرارًا من الزكاة، أثم ولزمته) الزكاة؛ لتفويته الواجب بعد انعقاد سببه، أشبه القاتل والمطلِّق ثلاثًا في مرض موته.

(ولو باعه) بعد بدوّ صلاحه (أو وهبه، خرص أم لا، فزكاته عليه) أي: البائع أو الواهب، كما لو باع السائمة بعد الحول. و (لا) تجب زكاته (على المشتري، و) لا (الموهوب له) لعدم ملكه وقت الوجوب.

(ولو مات) مالك الزرع والثمر بعد الاشتداد وبدوّ الصلاح (وله ورثة لم تبلغ حصة واحد منهم نصابًا، لم يؤثر ذلك) في سقوط الزكاة، كموت رب الماشية بعد الحول. (ولو ورثه) أي: الحب المشتد أو الثمر بعد بدو صلاحه (من عليه دين، لم يمنع دينُه الزكاة) لأنّها وجبت على المورّث قبل موته، فتؤخذ من تركته، لا على الوارث المدين.

(ولو كان ذلك) المذكور من البيع أو الهبة أو موت المالك عمن لم تبلغ حصة واحد من ورثته نصابًا، أو عن مدين (قبل صلاح الثمر، و) قبل (اشتداد الحبّ، انعكست الأحكام) فتكون الزكاة في مسألتي البيع والهبة على المشتري والموهوب له، إن كان من أهل الوجوب،

ص: 410

وتسقط في مسألتي الموت.

(ولو باعه) أي: الحب المشتد أو الثمر بعد بدوّ صلاحه (وشرط) البائع (الزكاة على المشتري، صحّ) البيع والشرط؛ للعلم بالزكاة، فكأنه استثنى قدرها، ووكله في إخراجه

(1)

. (فإن لم يخرجها المشتري، وتعذر الرجوع عليه، أُلزم بها البائع) لوجوبها عليه. (ويفارق إذا استثنى زكاة نصاب ماشية) فإنّه لا يصح، بل يبطل البيع (للجهالة) بالمستثنى، واستثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولًا. (أو اشترى ما لم يبد صلاحه) من زرع وثمر (بأصله) الذي هو أرضه، أو شجره (فإنه لا يجوز شرط المشتري زكاته على البائع) لأنّه لا تعلق لها بالعوض الذي يصير إليه.

(ولا يستقر الوجوب إلّا بجعلها) أي: الحبوب والثمار (في جرين وبيدر ومسْطاح) قال في "الإنصاف": الجرين يكون بمصر والعراق، والبيدر بالشرق

(2)

والشام، والمِرْبَد يكون بالحجاز، وهو الموضع الذي تجمع فيه الثمرة ليتكامل جفافها، والجَوْجان يكون بالبصرة، وهو موضع تشميسها وتيبيسها، ذكره في "الرعاية" وغيرها، ويسمى بلغة آخرين المسطاح، وبلغة آخرين الطبابة. انتهى. فدلّ أنّ مسمى الجميع واحد.

(فإن تلفت) الحبوب أو الثمار التي تجب الزكاة فيها (قبله) أي:

(1)

في "ح": "إخراجها".

(2)

في "ح": "والبيدر يكون بالشرق".

ص: 411

قبل الوضع بالجرين ونحوه (بغير تعدّ منه، سقطت الزكاة، خرصت) الثمرة (أو لم تخرص) لأنّه في حكم ما لا

(1)

تثبت اليد عليه، بدليل أنّ من اشترى ثمرة فذهبت بعطش أصابها ونحوه، رجع على البائع بثمنها، والخرص لا يوجب، وإنّما يفعله الساعي؛ ليتمكن المالك من التصرّف، فوجب سقوط الزكاة مع وجوده، كعدمه.

(وإن تلف البعض) من الزرع أو الثمر قبل الاستقرار (زكّى) المالك (الباقي إن كان نصابًا) لوجود الشرط (وإلّا) أي: وإن لم يكن الباقي نصابًا (فلا) زكاة فيه، قدّمه في "الفروع". وقال في "شرح المنتهى": في الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقةٌ"

(2)

. وهذا يعمّ حالة الوجوب ولزوم الأداء. انتهى. وقال في "المبدع": قاله القاضي، والمذهب: إنْ كان التلف قبل الوجوب، فهو كما قال القاضي، وإن كان بعده، وجب في الباقي بقدره مطلقًا، وهو أحد وجهين، ذكرهما ابن تميم، وصححه الموفق.

(وإن تلفت) الزروع، أو

(3)

الثمار (بعد الاستقرار) أي: الوضع في الجرين ونحوه (لم تسقط) زكاتها، كتلف النصاب بعد الحول، وكذا لو أتلفها أو تلفت بتفريطه بعد الوجوب، ولو قبل الاستقرار، فإنّه يضمن نصيب الفقراء، صرح به في "الكافي" و"الشرح"؛ لأنّه متعدّ أو مفرط. (وإن ادّعى) رب الزروع أو الثمار (تلفها) بغير تفريط

(1)

في "ذ": "ما لم".

(2)

تقدم تخريجه (4/ 399) تعليق رقم (1).

(3)

في "ح": "و".

ص: 412

(قُبل قوله بغير يمين) نصّ عليه

(1)

؛ لأنّه خالص حق الله، فلا يستحلف عليه، كالصلاة. (ولو اتُّهم) في دعواه التلف (إلّا أن يدعيه) أي: التلف (بجائحة ظاهرة تظهر عادة) كحريق وجراد (فلا بد من بينة) تشهد بوجود ذلك الظاهر (ثم يصدق) المالك (في قدر التالف) من المال المزكى بلا يمين.

(ويجب إخراج زكاة الحب مصفّى) من قشره وتبنه (والثمر يابسًا) لحديث عَتَّاب بن أَسِيْد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم "أمره

(2)

أنْ يخرصَ العنَب زبيبًا، كما يخرص النخل، وتؤخذَ زكاتُه زبِيبًا، كما تؤخَذُ زكاةُ النخلِ تَمرًا"

(3)

.

(1)

انظر الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 134.

(2)

في "ح" و"ذ": "أمر". وهو الموافق للرواية.

(3)

أخرجه أبو داود في الزكاة، باب 13، حديث 1603، 1604، والترمذي في الزكاة، باب 17، حديث 644، وفي العلل الكبير ص/ 104، حديث 181، والشافعي في الأم (2/ 31) وفي المسند (ترتيبه 1/ 243)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 404) حديث 563، وابن الجارود (2/ 17) حديث 351، وابن خزيمة (4/ 41) حديث 2316، والطحاوي (2/ 39)، وابن حبان "الإحسان"(8/ 74) حديث 3279، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 270)، والطبراني في الكبير (17/ 162) حديث 424، وفي الأوسط (9/ 386) حديث 8832، والدارقطني (2/ 132 - 133)، والحاكم (3/ 595)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2224) رقم 5535، والبيهقي (4/ 122، 7/ 6)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 470)، من طرق عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن عتاب، به.

قال أبو داود: وسعيد لم يسمع من عتاب شيئًا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: حديث ابن جريج غير محفوظ، وحديث ابن المسيب عن عتاب بن أسيد أثبت وأصح. =

ص: 413

ولا يسمى زبيبًا وتمرًا حقيقة إلّا اليابس، وقيس عليهما الباقي؛ ولأنّ ذلك حالة كماله، ونهاية صفات ادخاره، ووقت لزوم الإخراج منه.

(فلو خالف وأخرج سنبلًا ورطبًا وعنبًا، لم يجزئه) إخراجه (ووقع نفلًا) إن كان الإخراج للفقراء (فلو كان الآخد) لذلك (الساعي، فإن جففه) أي: الرطب والعنب (وصفّاه) أي: السنبل (وجاء قدرَ الواجب) في الزكاة (أجزأ) المالك (وإلّا) بأن زاد على الواجب أو نقص عنه (ردّ) الساعي (الفضل) لمالكه؛ لبقائه في ملكه.

(وإن زاد) ما كان دفعه (وأخذ) الساعي من المالك (النقص) أي: ما بقي من الواجب (إن نقص) المخرج عنه (وإن كان) المخرج

= وأخرجه النسائي في الزكاة، باب 100، حديث 2617، وابن أبي شيبة (3/ 195، 14/ 194)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1071) حديث 1987، وابن خزيمة (4/ 41) حديث 2317، والبيهقي (4/ 122)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 469) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا. قال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (1/ 213): الصحيح عندي والله أعلم: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا. وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 178): ولا يتصل من طريق صحيح. وقال النووي في المجموع (5/ 407): رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيدهم عن سعيد بن المسيب، عن عتاب بن أسيد، وهو مرسل. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 171): وقال ابن السكن: لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه غير هذا.

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 127) رقم 7214، عن الزهري مرسلًا. قال أبو زرعة: الصحيح عندي: عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر العلل لابن أبي حاتم (2/ 213).

وانظر ما يأتي (4/ 419) تعليق رقم (1).

ص: 414

(بحاله) بيد الساعي لم يجففه ولم يُصَفِّه (ردّه) لمالكه؛ لفساد القبض، ويطالبه بالواجب (وإن تلف) بيد الساعي (ردّ بدله) لمالكه، فيكون مضمونًا على الساعي.

(وإن احتيج إلى قطع ثمر يجيء منه تمر وزبيب مثلًا، بعد بدوّ صلاحه، وقبل كماله) أي: الثمر، وقوله:(لضعف أصل ونحوه، كخوف عطش أو تحسين بقيته) علة لـ "احتيج"(جاز) قطعه؛ لما فيه من المصلحة. (وعليه زكاته يابسًا) إنْ بلغ نصابًا يابسًا (كما لو قطع لغرض البيع بعد خرصه) نصّ عليه

(1)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يخرص العنبُ فتؤخذُ زكاتهُ زبيبًا"

(2)

. ولأنّه حال الكمال فاعتبر.

(ويحرم قطعه مع حضور ساع)، قال في "المبدع": إنْ كان (إلّا بإذنه) لحق أهل الزكاة فيها، وكون الساعي كالوكيل عنهم.

قلت: قد تقدم أنّ تعلق الزكاة كتعلق أرش الجناية، لا كتعلق شركة، فلا يتم التعليل.

(وإنْ كان) الثمر (رطبًا لا يجيء منه تمر، أو) كان (عنبًا لا يجيء منه زبيب، وجب قطعه) رطبًا وعنبًا؛ لما في تركه من إضاعة المال المنهيّ عنها (وفيه الزكاة إنْ بلغ نصابًا يابسًا) بالخرص، فيخرج زكاته (من غيره تمرًا أو زبيبًا مقدرًا بغيره) مما يصير تمرًا أو زبيبًا (خرصًا) لما تقدم في المسألة قبلها (وإلّا) أي: وإنْ لم نقل بقطع الرطب والعنب الذي لا يجيء منه تمر ولا زبيب (فمستحيل) عادة (أنْ يُخرج

(1)

انظر المستوعب (3/ 263).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 413) تعليق رقم (3).

ص: 415

من عينه تمرًا أو زبيبًا، إذا

(1)

لم يجئ منه تمر أو زبيب) بحسب العادة (أو يخرج منه) أي: مما قطعه للحاجة إلى قطعه أو لوجوبه (رطبًا وعنبًا، اختاره القاضي، وجماعة) منهم الموفق والمجد، وصاحب "الفروع"؛ لأنّ الزكاة وجبت مواساة، ولا مواساة بإلزامه ما ليس في ملكه، (و) على ما اختار القاضي وجماعة (له أنْ يخرج الواجب منه) أي: من الرطب أو العنب (مُشاعًا) بأنْ يسلّمه العشر مثلًا، سائعًا (أو مقسومًا بعد الجذاذ، أو قبله بالخرص، فيخيّر الساعي بين مقاسمة رب المال الثمرة قبل الجذاذ، فيأخذ نصيب الفقراء شجرات مفردة، وبين مقاسمته بعد جذّها بالكيل) في الرطب والوزن في العنب.

(وله) أي: الساعي (بيعها) أي: الزكاة (منه) أي: من رب المال (أو من غيره) ويقسم ثمنها؛ لأنّ رب المال يبذل فيها عوض مثلها، أشبه الأجنبي.

لا يقال: الرطب والعنب الذي لا يجيء منه تمر ولا زبيب، لا يدّخر، فهو كالخضروات لا زكاة فيه؛ لأنّا نقول: بل يدّخر في الجملة، وإنّما لم يدخر هنا، لأنّ أخذه رطبًا أنفع، فلم تسقط زكاته بذلك.

(والمذهب) المنصوص (أنّه لا يخرج عنه إلّا يابسًا) لما تقدم. قال في "التنقيح": والمذهب لا يخرج إلّا يابسًا. (فإن أتلف النصاب ربّه، بقيت الزكاة في ذمته، تمرًا أو زبيبًا) لعدم سقوطها بإتلافه (وظاهره) أي: ظاهر القول بأنّه لا يخرج إلّا يابسًا أنه يلزمه زكاته إذا

(1)

في "ذ": "إذ".

ص: 416

تلف (ولو لم يتلفه) أي: يتعد عليه أو يفرط فيه، فلا يتوقف الاستقرار فيه على الوضع بالمسطاح؛ لأنه لا يتأتى وضعه فيه، لكونه لا يتمر ولا يزبب، فيكون استقرارها بمجرد انتهاء نضجه.

(فإن لم يجدَّهما) أي: التمر والزبيب (بقيا في ذمته، فيخرجه) أي: ما بقي في ذمته (إذا قدر عليه) كباقي الواجبات التي لا بدل لها. (والمذهب أيضًا: أنه يحرم.

ولا يصح شراؤه زكاته، ولا صدقته) لما روي عن عمر قال:"حملتُ على فرس في سبيلِ اللهِ، فأضاعَه الذي كان عنده، وأردتُ أنْ أشتريهُ، وظننتُ أنه يَبيعه برخصٍ، فسألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تشترهِ، ولا تعدْ في صدقَتِكَ، وإنْ أعطَاكَهُ بِدرهمٍ، فإنَّ العائِدَ في صدَقَتِهِ كالعَائِدِ في قَيئِهِ" متفق عليه

(1)

. ولأن شراءها وسيلة إلى استرجاع شيء منها؛ لأنَّه يستحيي أن يماكسه في ثمنها، وربما سامحه طمعًا منه بمثلها، أو خوفًا منه إذا لم يبعها أن لا يعود يعطيه في المستقبل، وكل هذه مفاسد، فوجب حسم المادة، و (سواء اشتراها ممن أخذها منه، أو من غيره) لظاهر الخبر. ونقله أبو داود في فرس حميل

(2)

.

وظاهر التعليل يقتضي الفرق، وظاهر كلامهم أنّ النهي يختص

(1)

البخاري في الزكاة، باب 59، حديث 1490، وفي الهبة، باب 30، 36، حديث 2623، 2636، وفي الجهاد والسير، باب 118، 137، حديث 2970، 3003، ومسلم في الهبات، حديث 1620.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 232.

ص: 417

بعين الزكاة. ونقل حنبل

(1)

: وما أراد أنْ يشتريه أو شيئًا من نتاجه، فلا.

(وإن رجعت إليه) زكاته أو صدقته (بإرث) طابت له بلا كراهة، لحديث بريدة "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أتَتْهُ امرأةٌ فقالتْ: إنِّي تصدقْتُ على أمِّي بِجاريَةٍ، وإنهَا ماتَتْ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجَبَ أجرُكِ، وردَّهَا عليْكِ المِيرَاثُ" رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي

(2)

(أو) عادت إليه بـ (ــهبة أو وصية، أو أخذها من دينه) طابت له؛ لأن ذلك كالإرث (أو ردها) أي: الزكاة (له الإمام بعد قبضها منه، لكونه) أي المالك (من أهلها) اي: الزكاة، جاز له أخذها (كما يأتي) في الباب؛ لأنها عادت إليه بسبب آخر، فهو كما لو عادت إليه بميراث.

(1)

انظر الفروع (2/ 646).

(2)

مسلم في الصيام، حديث 1149، وأبو داود في الزكاة، باب 31، حديث 1656، وفي الوصايا، باب 12، حديث 2877، والترمذي في الزكاة، باب 31، حديث 667، وابن ماجه في الصفات، باب 3، حديث 2394، وأحمد (5/ 349، 351، 359، 361).

ص: 418

فصل

(ويسنّ أنْ يبعث الإمام ساعيًا خارصًا) لحديث عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعَثُ عبدَ اللهِ بنَ رواحةَ إلى يهود، ليخرصَ عليْهم النخلَ قبلَ أنْ يؤْكَلَ". متفق عليه

(1)

. وفي رواية لأحمد وأبي داود: "لكَيْ يحصيَ الزكاةَ قبلَ أنْ تؤْكَلَ الثمارُ وتفرَّقَ"

(2)

.

(1)

لم نقف عليه في الصحيحين، ورواه أبو داود في الزكاة، باب 15، حديث 1606، وأبو عبيد في الأموال ص/ 582، حديث 1438. وانظر تخريجه في التعليق الآتي.

(2)

أحمد (6/ 163)، وأبو داود في البيوع، باب 36، حديث 3413. ورواه - أيضًا - بهذه الزيادة عبد الرزاق (4/ 129) حديث 7219، وإسحاق بن راهويه (2/ 363) حديث 904، وابن خزيمة (4/ 41) حديث 2315، والدارقطني (2/ 134)، وابن حزم في المحلى (5/ 255)، والبيهقي (4/ 123)، كلهم من طريق ابن جريج قال: أُخْبرتُ عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها. وعند عبد الرزاق، وابن راهويه، وابن خزيمة: ابن جريج، عن ابن شهاب، به.

قال الترمذي (3/ 37): وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، وسألت محمدًا [يعني البخاري] عن هذا الحديث، فقال: حديث ابن جريج غير محفوظ. وقال ابن خزيمة: إن صح الخبر، فإني أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمع هذا الخبر من ابن شهاب. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 213): وفي إسناده رجل مجهول. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 171): وهذا في جهالة الواسطة، وقد رواه عبد الرزق والدارقطني من طريقه عن ابن جريج، عن الزهري، ولم يذكر واسطة، وهو مدلس.

وللحديث شاهد من حديث جابر رضي الله عنه: رواه أبو داود في البيوع، باب 36، حديث 3415، وعبد الرزاق (4/ 124) حديث 7305، وأبو عبيد في =

ص: 419

وعن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يبعثُ على الناسِ من يخرصُ عليهِمْ كرُومَهُمْ وثمارَهُمْ". رواه الترمذي وابن ماجه

(1)

.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنهُ خرصَ عَلى امرأةٍ بوادِي القرَى حديقةً لهَا". وحديثُها في "مسند أحمد"

(2)

.

وقول المانع: إنه خطر وغرر، يرد بأنه اجتهاد في معرفة الحق بغالب الظن، وذلك جائز في تقويم المتلفات والمجتهدات في الشرعيات، وسائر الظواهر المعمول بها، وإن احتملت الخطأ.

(إذا بدا صلاح الثمر) لأنه وقت دعاء الحاجة إلى الخرص.

(ويعتبر أن يكون) الخارص (مسلمًا أمينًا خبيرًا، غير متهم) لأن

= الأموال ص/ 98، حديث 193، وابن أبي شيبة (3/ 194)، وأحمد (3/ 296، 367) والدارقطني (2/ 133)، والبيهقي (4/ 123)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 143) قال: أفاء الله على رسوله خيبر، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم. هذا لفظ أبي داود.

(1)

الترمذي في الزكاة، باب 17، حديث 644، وابن ماجه في الزكاة، باب 18، حديث 1819. ورواه - أيضًا - الشافعي في الأم (2/ 31) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 243) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 404) حديث 562، وابن حبان "الإحسان" (8/ 73) حديث 3278، والدارقطني (2/ 133) والبيهقي (4/ 121) والمزي في تهذيب الكمال (19/ 285)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وانظر ما تقدم (4/ 413) تعليق رقم (3).

(2)

(5/ 424 - 425). وأخرجه - أيضًا - البخاري في الزكاة، باب 54، حديث 1481، ومسلم في الفضائل، باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 1392 بعد حديث 2281، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

ص: 420

من ليس كذلك لا يعول على قوله. والمتهم: هو من كان من عمودي نسب المالك (ولو) كان (عبدًا) كالفتوى ورؤية هلال رمضان، واعتبر أن يكون خبيرًا؛ لئلا تفوت الحكمة التي شرع لها الخرص.

(ويكفي خارص واحد) لحديث عائشة

(1)

؛ ولأنه ينفذ ما يؤدّي إليه اجتهاده، كقائف وحاكم.

(وأجرته) أي: الخارص (على رب النخل والكرم) وفي "المبدع": أجرته على بيت المال. انتهى.

قلت: لو قيل: من سهم العمال، لكان متجهًا.

(فيخرص ثمرهما) أي: النخل والكرم (على أربابه) لما تقدم.

(ولا تخرص الحبوب) بلا خلاف، ذكره في "شرح المنتهى". (ولا ثمرٌ غيرهما) أي: غير النخل والكرم، كالبندق واللوز؛ لأن النص إنما ورد بخرصهما، مع أن ثمرهما مجتمع في العذوق والعناقيد فيمكن أنْ يأتي الخرص عليه غالبًا، والحاجة إلى أكلهما رطبة أشد من غيرهما، فامتنع القياس، وذكر أبو المعالي بن المنجَّى أن نخل البصرة لا يخرص، وأنه أجمع عليه الصحابة وفقهاء الأمصار، وعلل بالمشقة وبغيرها. قال في "الفروع": كذا قال.

(والخرص) بفتح الخاء مصدر، ومعناه هنا (حزر مقدار الثمرة في رؤوس النخل والكرم وزنًا، بعد أن يطوف) الخارص (به) أي: بالنخل أو الكرم (ثم يقدره تمرًا) أو زبيبًا (ثم يعرِّف) الخارص

(1)

تقدم تخريجه (4/ 419) تعليق رقم (1).

ص: 421

(المالك قدر الزكاة) فيه (ويخيره بين أنْ ينصرف بما شاء) من بيع أو غيره (ويضمن قدرها) أي: الزكاة (وبين حفظها) أي: الثمار (إلى وقت الجفاف) ليؤدّي ما وجب فيها (فإن لم يضمن) المالك زكاتها (وتصرّف) فيها (صحّ تصرفه) لما تقدم أنْ تعلّق الزكاة كأرش الجناية لا يمنع التصرف (وكره) قاله في "الرعاية". أي: تصرفه من غير ضمان زكاتها؛ خروجًا من خلاف من منعه.

(وإنْ حفظها) أي: حفظ المالك الثمار (إلى وقت الجفاف، زكّى الموجود فقط، وافق قول الخارص أو لا، وسواء اختار حفظها ضمانًا بأنْ يتصرّف، أو أمانة) من غير تصرف؛ لأنّها أمانة، كالوديعة. وإنّما يعمل بالاجتهاد مع عدم تبيّن الخطأ؛ لأنّ الظاهر الإصابة.

(وإنْ أتلفها) أي: الثمرة (المالك، أو تلفت بتفريطه، ضمن زكاتها بخرصها تمرًا) أو زبيبًا؛ لأنّ الظاهر عدم الخطأ. قال في "الشرح": وإنْ أتلفها أجنبي، فعليه قيمة ما أتلف. والفرق أنّ رب المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب، بخلاف الأجنبي، انتهى. وقوله: قيمة ما أتلف. قواعد المذهب أنّ عليه مثله؛ لأنَّه مثلي، فيضمن بمثله.

(وإنْ ترك الساعي شيئًا من الواجب، أخرجه المالك) لأنّ الواجب لا يسقط بترك الخارص له.

(فإن لم يبعث) الإمام (ساعيًا، فعلى رَبِّ المال من الخرص ما يفعله الساعي، إنْ أراد) المالك (التصرف) في الثمرة (ليعرف قدر

ص: 422

الواجب قبل تصرفه) فيها.

(ثم إنْ كان) المخروص (أنواعًا، لزم) الساعي (خرص كل نوع وحده؛ لاختلاف الأنواع وقت الجفاف) فمنها: ما يزيد رطبه على تمره، ومنها: ما يزيد تمره على رطبه. وتختلف الزيادة والنقصان بحسب اختلافهما في اللحم

(1)

والماوية

(2)

، كثرة وقلة. (وإنْ كان) المخروص (نوعًا واحدًا فله خرص كل شجرة وحدها، وله خرص الجميع دفعة واحدة) لأنّ النوع الواحد لا يختلف غالبًا، ولما فيه من المشقّة بخرص كل شجرة على حدة.

(وإن ادّعى رب المال غلط الخارص غلطًا محتملًا) كالسدس (قُبل قوله بغير يمين، كما لو قال: لم يحصل في يدي غير كذا) فإنّه يقبل قوله؛ لأنَّه قد يتلف بعضه بآفة لا يعلمها. (وإنْ فحش) ما ادّعاه من الغلط كالنصف والثلث (لم يقبل) لأنّه لا يحتمل، فيعلم كذبه (وكذا إن ادّعى) رب المال (كذبه) أي: الخارص (عمدًا) فلا يقبل قوله؛ لأنّه خلاف الظاهر.

(ويجب) على الخارص (أنْ يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع، فيجتهد الساعي) في أيّهما يترك (بحسب المصلحة) لحديث سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرصْتُمْ فخُذوا ودَعُوا الثُّلثَ، فإنْ لم تدَعُوا الثُلثَ، فدَعُوا الربعَ" رواه الخمسة إلّا ابن

(1)

لَحْمُ كل شيء: لُبُّهُ. القاموس المحيط، مادة (لحم) ص/ 1157.

(2)

الماوية: نسبة إلى الماء. لسان العرب (موه)(13/ 543).

ص: 423

ماجه، ورواه ابن حبان والحاكم

(1)

، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وهذا توسعة على رب المال؛ لأنَّه يحتاج إلى الأكل هو وأضيافه وجيرانه وأهله، ويأكل منها المارة، وفيها الساقطة، فلو

(1)

أبو داود في الزكاة، باب 14، حديث 1605، والترمذي في الزكاة: باب 17، حديث 643، والنسائي في الزكاة، باب 26، حديث 2489، وفي الكبرى (2/ 22) حديث 2270، وأحمد (3/ 448)(4/ 2، 3)، وابن حبان "الإحسان"(8/ 75) حديث 3280، والحاكم (1/ 402).

ورواه - أيضًا - الطيالسي ص/ 171، حديث 1234، وأبو عبيد في الأموال ص/ 485، حديث 1448، وابن أبي شيبة (3/ 194)(14/ 195)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1073) حديث 1992، 1993، والدارمي في البيوع، باب 76، حديث 2619، والبزار (6/ 279) حديث 2305، وابن الجارود (2/ 17)، حديث 352، وابن خزيمة (4/ 42) حديث 2320، والطحاوي (2/ 39)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 269)، وابن حزم في المحلى (5/ 255)، والبيهقي (4/ 123)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 38) حديث 972. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. ثم قال الحاكم: وله شاهد بإسناد متفق على صحته: أن عمر بن الخطاب أمر به، ثم روى بسنده عن سهل بن أبي حثمة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه إلى خرص التمر وقال: إذا أتيت أرضًا فاخرصها، ودَعْ لهم قدر ما يأكلون. وقال النووي في المجموع (5/ 436): رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وإسناده صحيح إلا عبد الرحمن فلم يتكلموا فيه بجرح ولا تعديل، ولا هو مشهور، ولم يضعفه أبو داود، والله تعالى أعلم.

وأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا: أخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 129) رقم 7221، وأبو عبيد في الأموال ص/ 486، حديث 1449، ومسدد، كما في المطالب العالية (1/ 365) حديث 946، وابن أبي شيبة (3/ 194)، والطحاوي (2/ 40)، وابن حزم في المحلى (5/ 259)، والبيهقي (4/ 124). قال الحافظ في المطالب العالية (1/ 365): إسناده صحيح. وانظر بيان الوهم والإيهام (4/ 215) والتلخيص الحبير (2/ 172).

ص: 424

استوفى الكل أضرَّ بهم.

(ولا يكمل بهذا القدر المتروك النصاب إن أكله) نصّ عليه

(1)

؛ لاستهلاكه على وجه مأذون فيه، كما لو تلف بجائحة (وإنْ لم يأكله، كمل به) النصاب (ثم يأخذ) الساعي (زكاة الباقي سواء بالقسط) فلو كان ثمره كله خمسة: أوسق، ولم يأكل شيئًا، كمل النصاب بالربع الذي كان له أنْ يأكله، وأخذت منه زكاة ما سواه، وهو ثلاثة أوسق، وثلاثة أرباع وسق.

(وإن لم يترك الخارص شيئًا) من الثمرة (فلربّ المال الأكل هو وعياله بقدر ذلك) الذي كان يترك له. نص عليه

(2)

. (ولا يحتسب عليه) بما أكله إذن، فلا تؤخذ منه زكاته، كما لو تركه الخارص له.

(ويأكل هو) أي: المالك وعياله (من حبوب ما جرت به العادة: كفريك ونحوه، وما يحتاجه، ولا يحتسب به عليه) في نصاب ولا زكاة كالثمار. (ولا يهدي) من الحبوب قبل إخراج زكاتها شيئًا، وأمَّا الثمار فالثلث أو الربع الذي يترك له يتصرف فيه كيف شاء.

(ولا يأكل من زرع وثمر مشترك شيئًا إلّا بإذن شريكه) كسائر الأموال المشتركة.

(ويؤخذ العشر من كل نوع على حدته بحصته ولو شقّ) ذلك (لكثرة الأنواع واختلافها) لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء، فينبغي أن

(1)

انظر الفروع (2/ 433).

(2)

انظر المغني (4/ 178)، والفروع (2/ 434).

ص: 425

يتساووا في كل نوع، بخلاف السائمة، لما فيه من التشقيص، كما تقدم

(1)

.

(و‌

‌لا يجوز إخراج جنس عن جنس آخر)

لقوله صلى الله عليه وسلم: "خُذِ الحبَّ من الحبِّ، والإبلَ من الإبلِ، والبقرَ من البقرِ، والغنمَ من الغنمِ" رواه أبو داود وابن ماجه

(2)

.

(فإن أخرج الوسط عن جيد ورديء بقدر قيمتي الواجب منهما) لم يجزئه؛ لأنّه عدل عن الواجب إلى غيره، كما لو أخرج القيمة، وإنّما اغتفر ذلك في السائمة؛ دفعًا للتشقيص (أو أخرج الرديء عن الجيد بالقيمة) بأن زاد في الرديء بحيث يساوي

(3)

قيمة الواجب من الجيد (لم يجزئه) بخلاف النقدين؛ لأنّ القصد من غير الأثمان النفع بعينها، فيفوت بعض المقصود، ومن الأثمان القيمة، وتقدم قول المجد: قياس المذهب جوازه في الماشية وغيرها. وإن تطوّع رب المال بإخراج الجيد عن الرديء، جاز، وله أجر ذلك، ولا يجوز أخذه عنه بغير رضاه.

(ويجب العشر) أو نصفه، أو ثلاثة أرباعه، ولو عبَّر بالزكاة، كـ "المنتهى" لشملها (على المستأجر والمستعير دون المالك) أي: إذا استأجر إنسان من أهل الزكاة، أو استعار أرضًا، فزرعها، أو غرسها ما أثمر مما تجب فيه الزكاة، فهي على المستأجر والمستعير، دون

(1)

(4/ 358).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 375) تعليق رقم (4).

(3)

في "ح": "يبلغ".

ص: 426

مالك الأرض، وهو معيرها أو مؤجرها؛ لقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}

(1)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقتِ السماءُ العشر. . ."

(2)

الحديث. وكتاجر استأجر حانوتًا، أو استعارها لبيع عروضه، وفي إيجابه على المالك إجحاف ينافي المواساة، وهي من حقوق الزرع، بدليل أنها لا تجب أن لم تزرع، وتتقيد بقدره.

(والخراج عليه) أي: على مالك الأرض (دونهما) أي: دون المستأجر والمستعير؛ لأنّه من حقوق الأرض.

(و‌

‌لا زكاة في قدر الخراج إذا لم يكن له مال يقابله

؛ لأنّه كدين آدمي، ولأنّه من مؤنة الأرض، كنفقة زرعه) كأجرة الحرث ونحوه، بخلاف مؤنة الحصاد والدياس؛ لأنّها بعد الوجوب.

(وإذا لم يكن له) أي: لمالك الأرض (سوى غلة الأرض، وفيها ما فيه زكاة) كتمر وزبيب وبر وشعير (و) فيها (ما لا زكاة فيه كالخضر) من بطيخ ويقطين وقثاء ونحوها (جعل الخراج في مقابلته) أي: ما لا زكاة فيه إن وفى به (لأنه أحوط للفقراء) وزكّى الباقي مما تجب فيه الزكاة، وإن لم يكن له غلة إلّا ما تجب فيه الزكاة، أدى الخراج من غلتها، وزكّى ما بقي.

(ولا ينقص النصاب بمؤنة الحصاد، و) مؤنة (الدياس وغيرهما) كالجذاذ والتصفية (منه) أي: من الزرع والثمر (لسبق الوجوب ذلك) أي: لأنها تجب بالاشتداد وبدو الصلاح، وذلك سابق للحصاد

(1)

سورة الأنعام، الآية:141.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 407) تعليق رقم (3).

ص: 427

والدياس والجذاذ ونحوها. وتقدم في كتاب الزكاة التنبيه على ذلك

(1)

.

(وتلزم الزكاة في المزارعة الفاسدة من حكم) بـ (أن الزرع له) لأن الزكاة على المالك (وإن كانت) المزارعة (صحيحة، فعلى من بلغت حصته منهما) أي: المالك والعامل (نصابًا) بنفسها، أو ضمّها إلى زرع له آخر (العشر) أو نصفه، أو ثلاثة أرباعه، على ما سبق. وكذا الحكم في المساقاة، بخلاف المضاربة، فإنّه لا زكاة على العامل في حصته، ولو بَلغت نصابًا؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال.

(ومتى حصد غاصب الأرض زرعه، استقر ملكه) عليه، فلا يتملكه رب الأرض (وزكَّاه) لاستقرار ملكه عليه. (وإن تملّكه رب الأرض قبل اشتداد الحب، زكّاه) لثبوت ملكه عليه وقت وجوبها، وإنْ تملّكه بعد اشتداده، فقيل: يزكيه الغاصب؛ لأنه يملكه وقت الوجوب، وقطع به المصنّف في الغصب. وقدم في "الفروع" و"المبدع" وغيرهما: يزكيه ربّ الأرض؛ لأنّ ملكه استند إلى أول زرعه؛ لأنّه يتملكه بمثل بذره، وعوض لواحقه، فكأنّه أخذه إذن.

(وكره الإمام أحمد) رضي الله عنه (الحصاد والجذاذ ليلًا

(2)

) لحديث الحسين: "نهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الجذاذِ بالليلِ، والحصادِ بالليلِ". رواه البيهقي

(3)

.

(1)

(4/ 324).

(2)

مسائل صالح (1/ 454) رقم 464.

(3)

(4/ 133). ورواه - أيضًا - أبو داود في المراسيل ص/ 139، حديث 127، وأحمد بن منيع، كما في المطالب العالية (1/ 366) حديث 948، والحارث =

ص: 428

(ويجتمع العشر والخراج في كل أرض خراجية) نصّ عليه

(1)

؛ لعموم الأخبار (فالخراج في رقبتها) مطلقًا، والعشر (في غلتها إن كانت لمسلم) لأنّ سبب الخراج التمكين من النفع؛ لوجوبه وإنْ لم تزرع، وسبب العشر الزرع كأجرة المتجر، مع زكاة التجارة؛ ولأنّهما شيئان مختلفان لمستحقين، فجاز اجتماعهما، كالجزاء والقيمة في

= ابن أبي أسامة، كما في بغية الباحث ص/ 102، حديث 283، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1/ 117، 491) حديث 76، 603، والخطيب في تاريخه (12/ 372) من طرق عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، مرسلًا، ولم يسموا الجدَّ، غير الخطيب فقد قال: عن جده. يعني الحسين.

وأخرجه البيهقي (9/ 289) - أيضًا -، وأبو داود في المراسيل ص/ 140، حديث 128، 129، ويحيى بن آدم في الخراج ص/ 130، حديث 422، 423، وأبو عبيد في غريب الحديث (3/ 7) وفي الناسخ والمنسوخ من القرآن العزيز ص/ 33، حديث 45، ومسدد، كما في المطالب العالية (1/ 366) حديث 948، من طرق عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين مرسلًا. ففي هذه الروايات صرح بأن المراد بالجد هو علي بن الحسين، لا الحسين بن علي، وهو أولى بالصواب؛ فإن محمدًا لم يدرك جده الحسين، فقد وُلِدَ عام 56، وقيل: 60، واستشهد الحسين رضي الله عنه عام 61. انظر تهذيب التهذيب (9/ 351). وقال الدارقطني في العلل (3/ 104): وكذلك رواه أصحاب جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين وهو الصواب.

وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه البزار "كشف الأستار"(1/ 419) حديث 884، وقال: لا نعلمه عن عائشة إلا من هذا الوجه، وعنبسة حدث بأحاديث لم يتابع عليها وهو لين الحديث.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 77): رواه البزار وفيه عنبسة بن سعيد البصري وهو ضعيف، وقد وثق.

(1)

انظر مسائل أبي داود ص/ 80، والأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 169، والفروع (2/ 438).

ص: 429

الصيد المملوك. والحديث المروي: "لا يجتمِعُ العشرُ والخراجُ في أرضِ مسْلمٍ"

(1)

ضعيف جدًّا. قال ابن حبان

(2)

: ليس هذا الحديث من كلام النبوّة. ثم يحمل على الخراج الذي هو الجزية، ولو كان عقوبة، لما وجب على مسلم كالجزية.

(وهي) أي:‌

‌ الأرض الخراجية ثلاثة أضرب:

إحداها: (ما فتحت عنوة، ولم تقسم) بين الغانمين.

(و) الثانية: (ما جلا عنها أهلها خوفًا منا.

(و) الثالثة: (ما صولحوا) أي: أهلها (عليها، على أنّها لنا، ونقرّها معهم بالخراج) الذي يضربه عليها الإمام، على ما يأتي بيانه في الأراضي المغنومة.

(والأرض العشرية لا خراج عليها) لأنّها ملك لأربابها (وهي)

(1)

أخرجه ابن عدي (7/ 2710)، والبيهقي (4/ 132)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 129) حديث 8249، من طريق يحيى بن عنبسة عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال ابن عدي: وهذا الحديث لا يرويه غير يحيى بن عنبسة بهذا الإسناد عن أبي حنيفة، وإنما يروى هذا من قول إبراهيم، ويحكيه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله .... وجاء يحيى بن عنبسة فرواه عن أبي حنيفة فأوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبطل فيه

ويحيى بن عنبسة هذا مكشوف الأمر في ضعفه لروايته عن الثقات الموضوعات. وقال البيهقي: هذا حديث باطل وَصْله ورفعه، ويحيى بن عنبسة متهم بالوضع. وقال النووي في المجموع (5/ 454): وأما الجواب عن حديث: "لا يجتمع عشر وخراج" فهو أنه حديث باطل مجمع على ضعفه انفرد به يحيى بن عنبسة.

(2)

المجروحين (3/ 124).

ص: 430

أي: الأرض العشرية (الأرض المملوكة) وهي خمسة أضرب:

الأولى: (التي أسلم أهلها عليها كالمدينة) المنوّرة (ونحوها) كجُواثَى من قرى البحرين.

(و) الثانية: (ما أحياه المسلمون واختطّوه، كالبصرة) بتثليث الباء، قال في "حاشيته": بنيت في خلافة عمر رضي الله عنه، في سنة ثمان عشرة، بعد وقف السواد، ولهذا دخلت في حدِّه، دون حكمه.

(و) الثالثة: (ما صالح أهلها على أنها لهم بخراج يضرب عليها كاليمن).

(و) الرابعة: (ما أقطعها الخلفاء الراشدون) من السواد (إقطاع تمليك) قال أحمد

(1)

في رواية ابن منصور: والأرضون التي يملكها أربابها ليس فيها خراج، مثل هذه القطائع التي أقطعها عثمان في السواد لسعد، وابن مسعود، وخباب

(2)

. قال القاضي: وهو محمول

(1)

انظر الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص/ 163، والفروع (2/ 442).

(2)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 62، وعبد الرزاق (8/ 99) رقم 14470، وأبو عبيد في الأموال ص/ 278، رقم 689، وسعيد بن منصور، كما في تغليق التعليق (3/ 301) وابن أبي شيبة (12/ 354)، والطحاوي (4/ 114) والبيهقي (6/ 145) عن موسى بن طلحة: أن عثمان أقطع خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير، وسعدًا، وابن مسعود، وأسامة بن زيد، وخبَّاب بن الأرت. قال: فكان جاري منهم ابن مسعود وخباب. لفظ أبي عبيد.

ورواه يحيى بن آدم في الخراج ص/ 78، رقم 248 عن موسى بن طلحة قال: أقطع عمر بن الخطاب خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: سعد بن أبي وقاص، =

ص: 431

على أنّه أقطعهم منافعها وخراجها.

و‌

‌للإمام إسقاط الخراج على وجه المصلحة

(1)

. قال في "الفروع": ولعل ظاهر كلام القاضي هذا أنهم لم يملكوا الأرض بل أقطعوا المنفعة، وأسقط الخراج للمصلحة، ولم يذكر جماعة هذا القسم من أرض العشر. انتهى. وهو ظاهر على القول بأنّ السواد وقف، فلا يمكن تمليكه، لكن يأتي أنه يصح بيعه من الإمام، ووقفه له؛ فلذلك أبقى الأكثر كلام الإمام على ظاهره، وأنه تمليك.

(و) الخامسة: (ما فتح عنوة وقسم كنصف خيبر) بلدة معروفة على نحو أربع مراحل من المدينة إلى جهة الشام ذات نخيل، ومزارع، وحصون، وهي بلاد طيئ، فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل سنة سبع

(2)

، قاله في "حاشيته".

(وللإمام إسقاط الخراج) عمن بيده أرض خراجية (على وجه المصلحة) يبذل لأجلها من مال الفيء؛ لأنه لا فائدة في أخذه منه، ثم رده أو مثله إليه (ويأتي) في إحياء الموات.

(ويجوز لأهل الذمة شراء أرض عشرية من مسلم) لأنها مال

= وعبد الله بن مسعود، وخبابًا، وأسامة بن زيد قال: وأراه قال الزبير، قال: فأما أسامة فباع أرضه.

(1)

انظر الأحكام السلطانية، لأبي يعلى ص/ 163، والفروع (2/ 442).

(2)

أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (4/ 194) من حديث موسى بن عقبة، ولفظه:"ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة أو قريبًا منها، ثم خرج منها غازيًا إلى خيبر، وكأن الله وعده إياها وهو بالحديبية".

ص: 432

مسلم يجب الحق فيه لأهل الزكاة، فلم يمنع الذمي من شرائه (كـ) الأرض (الخراجية) فللذمي شراؤها من مسلم، إذا حكم به من يراه أو كان الشراء من الإمام (ولا عشر عليهم) أي: على أهل الذمة إذا اشتروا الأرض العشرية؛ لأنهم ليسوا من أهل الزكاة (كالسائمة وغيرها) من سائر ما تجب فيه الزكاة (فإنه لا زكاة فيها) على الذمي، لكن إن كان تغلبِيًّا فعليه فيما يزكى زكاتان، يصرفان مصرف الجزية لا مصرف الزكاة، وإذا أسلم سقط عنه إحداهما، وصرفت الأخرى مصرف الزكاة. (لكن يكره للمسلم بيع أرضه من ذمي وإجارتها، نصًّا

(1)

) وكذا إعارتها منه (لإفضائه إلى إسقاط عشر الخارج منها؛ إلا لتغلبي، فلا يكره ذلك) لعدم إفضائه إلى ذلك؛ لأنه يؤخذ منه عشران يصرفان كما تقدم.

(ولا شيء) أي: زكاة

(2)

(على ذميّ فيما اشتراه من أرض خراجية) على ما تقدم إذا زرعه أو غرسه (ولا) زكاة عليه أيضًا (فيما استأجره أو استعاره من مسلم إذا زرعه) أو غرسه، وخرج منه ما تجب فيه الزكاة (ولا فيما إذا جعل) الذمي (داره بستانًا أو مزرعة، ولا فيما إذا رضخ الإمام له أرضًا من الغنيمة، أو أحيا) الذمي (مواتًا) ثم زرعه أو غرسه، ويأتي في إحياء الموات: على ذمي خراج ما أحيا من موات عنوة.

(1)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال ص/ 81، 82 رقم 222، 223.

(2)

في "ذ": "أي لا زكاة".

ص: 433

‌فصل

(وفي العسل العشر)

قال الأثرم: سئل أبو عبد الله: أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال: نعم، أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر، قد أخذ عمر

(1)

منهم الزكاة. قلت: ذلك على أنهم يطوعون؟ قال: لا، بل أخذ منهم

(2)

.

(سواء أخذه من موات) كرؤوس الجبال (أو) أخذه (من ملكه) أي: من أرض مملوكة له، عشرية كانت أو خراجية (أو) من أرض (ملك غيره؛ لأنه) أي: العسل (لا يملك بملك الأرض، كالصيد) والطائر يعشش بملكه.

والأصل في وجوب الزكاة فيه ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانَ يؤخذُ في زمَانِهِ من قِرَبِ العسَلِ من كلِّ عشْرِ قِرَبٍ قِربَةٌ من أوسَطِهَا". رواه أبو عبيد والأثرم وابن ماجه

(3)

.

(1)

يأتي تخريجه ص/ 437 تعليق رقم (3).

(2)

لعلَّ الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. وذكره عبد الله في مسائله (2/ 562) رقم 776، وأبو داود في مسائله ص/ 79 مختصرًا.

(3)

أبو عبيد في الأموال ص/ 598، حديث 1489، والأثرم لعله رواه في سننه، ولم تطبع، وابن ماجه في الزكاة، باب 20، حديث 1824 مختصرًا بلفظ: أنه صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر ورواه - أيضًا - ابن زنجويه في الأموال (3/ 1089) حديث 2014. وأخرج أبو داود في الزكاة، باب 12، حديث 1600 - 1602، والنسائي في الزكاة، باب 29، حديث 2498، وابن زنجويه في =

ص: 434

وعن سليمان بن أبي

(1)

موسى، عن أبي سيارة المُتَعي قال:"قلتُ يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ لي نحْلًا. قال: فأدِّ العشور. قال قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، احمِ لي جَبَلَهَا، قال: فحمَى لي جَبَلَهَا". رواه أحمد وابن ماجه

(2)

.

= الأموال (3/ 1089) حديث 2015، وابن الجارود (2/ 16) حديث 350، وابن خزيمة (4/ 45) حديث 2324 و 2325، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (3/ 1373)، والبيهقي (4/ 126 - 127)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 123 - 124) حديث 8223، 8224 كلهم من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء هلال أحد بني مُتْعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي له واديًا يقال له سلبة، حمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك، فكتب عمر رضي الله عنه أن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة، وإلا، فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء. ورواه ابن أبي شيبة (3/ 141) من طريق يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب مرسلًا. ضعفه ابن زنجويه في الأموال (3/ 1095) وتردد في تصحيحه ابن خزيمة. انظر صحيح ابن خزيمة، والأموال لابن زنجويه، وفتح الباري (3/ 348) والتلخيص الحبير (2/ 168).

(1)

كذا في الأصول "بن أبي موسى" والصواب "سليمان بن موسى". كما في مصادر التخريج، وكتب التراجم.

(2)

أحمد (4/ 236)، وابن ماجه في الزكاة، باب 20، حديث 1823. وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 169، حديث 1214، وعبد الرزاق (4/ 63) حديث 6973، وأبو عبيد في الأموال ص/ 597، حديث 1488، وابن أبي شيبة (3/ 141)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 563) حديث 777، والدولابي في الكنى والأسماء (1/ 37)، والطبراني في الكبير (22/ 351، 352) حديث 880، 881، وفي مسند الشاميين (1/ 183، 184) حديث 317، 318، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2922) حديث 6844، والبيهقي (4/ 126)، وابن الأثير في أسد الغابة (6/ 161). قال الترمذي في سننه (3/ 25): ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء، وقال في العلل ص/ 102: سألت محمد =

ص: 435

ورواته ثقات إلّا سليمان الأشدق، قال البخاري

(1)

: عنده مناكير، وقد وثَّقه ابن معين

(2)

. قال الترمذي

(3)

: هو ثقة عند المحدثين. غير أنه لم يدرك أبا سيارة. ولذلك احتيج أحمد بقول عمر.

قال ابن المنذر

(4)

: ليس في وجوب الصدقة في العسل حديث يثبت، ولا إجماع.

قال المجد: القياس عدا الوجوب لولا الأثر، وفرق العسل واللبن، بأن الزكاة واجبة في أصل اللبن، وهو السائمة، بخلاف العسل. وبأنّ العسل مأكول في العادة متولد من الشجر، يكال ويدخر، فأشبه التمر، وذلك أن النحل يقع على نوْرِ الشجر فيأكله، فهو متولد منه.

= ابن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حديث مرسل، سليمان لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن حزم في المحلى (5/ 232): وأما حديث أبي سيارة المتعي فمنقطع. وقال البيهقي: هذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه، وهو منقطع. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 320): هذا إسناد ضعيف. وانظر: الفروع (2/ 448) ونصب الراية (2/ 390).

(1)

انظر: التاريخ الكبير (4/ 38)، وقال في التاريخ الصغير (1/ 305): عنده عجائب. ونقل الترمذي في كتابه العلل الكبير ص/ 257، عن البخاري أنه قال: وسليمان بن موسى منكر الحديث، أنا لا أروي عنه شيئًا، روى أحاديث عامتها مناكير.

(2)

تهذيب الكمال (3/ 304)، وتهذيب التهذيب (2/ 111).

(3)

انظر عارضة الأحوذي (7/ 56).

(4)

انظر الإقناع لابن المنذر (1/ 173)، والمجموع للنووي (5/ 414)، والمغني (4/ 183).

ص: 436

(ونصابه) أي: العسل (عشرة أفراق) نص عليه

(1)

(كل فرَق - بفتح الراء - ستة عشر رطلًا عراقية) لما روى الجوزجاني

(2)

عن عمر: "أن ناسًا سألُوهُ، فقالُوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطَعَ لنَا واديًا باليمنِ، فِيه خلايَا مِن نحل، وإنا نَجِدُ ناسًا يسرقُونهَا. فقال عمرُ: إن أديْتُمْ صدَقَتَهَا من كل عشرةِ أفراقٍ فَرقًا، حمينَاهَا لَكُمْ

(3)

. وهذا تقدير من عمر، يجب المصير إليه.

والفرق: مكيال معروف بالمدينة، ذكره الجوهري

(4)

وغيره. فحَمْل كلام عمر على المتعارف ببلده أَولى، وهو بتحريك الراء: ستة أقساط: وهي ثلاثة آصع، فتكون اثني عشر مدًّا. وأما الفرق بسكون الراء: فمكيال ضخم من مكاييل أهل العراق، قاله الخليل

(5)

، قال ابن قتيبةَ وغيره: يسع مائة وعشرين رطلًا. قال المجد: لا قائل به هنا. وذكره بعضهم قولًا.

(فيكون) نصاب العسل: (مائة وستين رطلًا) عراقية.

قلت: ومائة واثنان وأربعون رطلًا وستة أسباع رطل مصري.

(1)

انظر مسائل أبي داود ص/ 79.

(2)

تقدمت ترجمته (4/ 137).

(3)

لعل الجوزجاني رواه في مسائله، ولم تطبع. وأخرجه عبد الرزاق (4/ 63) رقم 6970، عن عطاء الخراساني عن عمر رضي الله عنه بنحوه. ورواه ابن أبي شيبة (3/ 141) عن عطاء الخراساني، عن عمر رضي الله عنه بلفظ:"في العسل عشر". وانظر: ما تقدم (4/ 434) تعليق رقم (2).

(4)

الصحاح (4/ 1540).

(5)

العين (5/ 148).

ص: 437

وأربعة وثلاثون رطلًا وسبعا رطل دمشقي، وثمانية وعشرون رطلًا وأربعة أسباع رطل حلبي. وخمسة وعشرون رطلًا وخمسة أسباع رطل قدسي. واثنان وعشرون رطلًا وستة أسباع رطل بعلي.

(ولا تتكرر زكاة مُعَشرات) فمتى زكاها فلا زكاة عليه بعد ذلك، (ولو بقيت) عنده (أحوالًا) لأنها غير مرصدة للنماء، فهي كعرض القنية، بل أولى؛ لنقصها بأكل ونحوه (ما لم تكن للتجارة) فتقوَّم عند كل حول بشرطه، كسائر عروض التجارة؛ لأنها حينئذ مرصدة للنماء كالأثمان.

(ولا شيء في المن، والترنجبيل

(1)

، والشيرخشك

(2)

ونحوه، مما ينزل من السماء كاللاذن

(3)

: وهو طلٌّ وندى ينزل على نبت تأكله

(4)

المعزى، فتتعلق) تلك (الرطوبة بها فتؤخذ) لعدم النص، مع أنّ الأصل عدم الوجوب. وقال ابن عقيل: فيه العشر كالعسل.

(1)

في "ذ": "النرنجبيل"، والترنجبيل والترنجبين: طلٌّ يقع من المساء، وهو ندى شبيه بالعسل، جامد متحبب. انظر: المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 50.

(2)

الشيرخشك: أفضل أصناف المن، طلٌّ يقع من السماء على الشجر، حلو إلى الاعتدال. انظر: المعتمد في الأدوية المفردة ص/ 21.

(3)

اللاذن: رطوبة تتعلق بشعر المعزى ولحاها، إذا رعت نباتًا يعرف بقَلْسُوس أو قَسْتُوس وما علق بشعرها، جيد مسخن ملين مفتح للسدد وأفواه العروق، مدر نافع للنزلات، والسعال، ووجع الأذن، وما علق بأظلافها رديء. "القاموس المحيط" ص/ 1230، مادة "لذن".

(4)

في "ح": "ترعاه".

ص: 438

(و‌

‌تضمين أموال العشر والخراج) بقدر معلوم (باطل،

وعلله في "الأحكام السلطانية"

(1)

) للقاضي أبي يعلى (وغيرها، بأن ضمانها بقدر معلوم يقتضي الاقتصار عليه في تملك ما زاد) عن القدر المضمون به (و) يقتضي (غرم ما نقص) عنه (وهذا مناف لموضوع العمالة، و) لـ (ـحكم الأمانة) سئل أحمد

(2)

في رواية حرب عن تفسير حديث ابن عمر: "القبالات ربًا"

(3)

قال: هو أن يتقبل بالقرية، وفيها العلوج والنخل. فسماه ربًا، أي: في حكمه في التحريم والبطلان. وعن ابن عباس: "إياكم والربا، ألا وهي القبالات، ألا وهي الذل والصغار"

(4)

. قال أهل اللغة: القبيل: الكفيل، والعريف، وقد قبل به يقبل، ويقبل قبالة، ونحن في قبالته، أي: عرافته

(5)

.

(1)

ص/ 186.

(2)

انظر الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 186.

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 90، حديث 179، وابن زنجويه في الأموال (1/ 214) رقم 265 عن ابن عمر موقوفًا عليه.

(4)

أخرجه ابن زنجويه في الأموال (1/ 215) رقم 266، وأخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 90 رقم 178 بلفظ: القبالات حرام.

(5)

القاموس المحيط ص/ 1350 مادة (قبل).

ص: 439

فصل

(في المعدن) أي: في بيان حكمه من حيث الزكاة.

وهو بكسر الدال، سمي به لعدون ما أودعه الله فيه، أي: لإقامته، يقال: عدن بالمكان يعدن عدونًا، والمعدِن: المكان الذي عدن فيه الجوهر ونحوه.

(وهو) أي: المعدن (كل متولد في الأرض من غير جنسها، ليس نباتًا، فمن استخرج من أهل الزكاة) أي: أهل وجوبها، ولو صغيرًا (من معدن في أرض مملوكة له، أو) أرض (مباحة) كموات (أو) أرض (مملوكة لغيره، إن كان) المعدن (جاريًا) له مادة لا تنقطع؛ لأنه لا يملك بملك الأرض، كالماء، بخلاف الجامد، كما يأتي. (ولو) كان المعدن مستخرجًا (من داره، نصاب) - مفعول استخرج - مضاف إلى (ذهب، أو فضة، أو) استخرج (ما يبلغ قيمة أحدهما) أي: نصاب الذهب، أو نصاب الفضة (من غيره) أي: المذكور من ذهب وفضة؛ لأنهما قيم الأشياء (بعد سبكه وتصفيته) متعلق بـ "يبلغ"(منطبعًا كان) المعدن (كصُفْر ورصاص) - بفتح الراء - (وحديد، أو غير منطبع، كياقوت، وعقيق، وبَنَفْش

(1)

،

(1)

البَنَفْش: هو حجر كريم يشبه الياقوت بعض الشبه، إلا أنه لا يضيء غالبًا حتى يُقعر من تحته بالحفر ليشف عن البطائن، ويُعدُّ البنفش من أرخص الأحجار الكريمة لوفرته. انظر: نُخب الذخائر في أحوال الجواهر لابن الأكفاني ص/ 17.

ص: 440

وزَبَرْجَد

(1)

، وموميا) قال في "منهاج البيان"

(2)

: هي معدن في قوة الزفت. (ونُورة، ويَشْم

(3)

، وزاج

(4)

، وفيروزج) حجر أخضر مشوب بزرقة يوجد بخراسان. وزعم بعض الأطباء: أنه يصفو بصفاء الجو، ويتكدر بتكدره (وبِلَّور، وسَبَج

(5)

، وكحل، ومَغْرَة

(6)

، وكبريت، وزفت، وزئبق) - بكسر الزاي والباء وبهمزة ساكنة، ويجوز تخفيفها فارسي معرب، قاله في "الحاشية". (وزجاج) بتثليث الزاي بخلاف زجاج، جمع زجِّ الرمح، فإنه بالكسر لا غير، (وملح، وقار، وسَنْدَرُوس

(7)

، ونفط) بكسر النون وفتحها وسكون الفاء (وغيره)

(1)

الزبرجد: حجر كريم يُشبه الزُّمرد، فُستقي اللون، شفَّاف؛ لكنه سريع الانطفاء لرخاوته. انظر: نخب الذخائر في أحوال الجواهر لابن الأكفاني ص/ 53.

(2)

اسمه الكامل: "منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان من الأدوية المفردة والمركبة"، ليحيى بن عيسى بن جزلة البغدادي، المتوفى سنة 493 هـ رحمه الله تعالى. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 188)، وكشف الظنون (2/ 1870)، والأعلام (8/ 161) وكتابه المذكور لم يطبع.

(3)

اليَشْم: ويقال: اليشب، حجران فضيان، وكيانهما قريب بعضه من بعض، ويتكونان في معادن الفضة، وهو نوعان: معدني أصفر، وهو الجيد الخالص، والآخر مصنوع أبيض، يُصنع بالصين. انظر: أزهار الأفكار في جواهر الأحجار للتيفاشي ص/ 194.

(4)

الزاج: ضرب من ضروب الملح الشريفة الكثيرة التصريف، يكون في الأغوار عن كبريت صابغ وزئبق يسير رديئين. انظر: تذكرة داود للأنطاكي (1/ 172).

(5)

السَبَج: حجر أسود سريع الإنكسار، تصنع منه المرايا، وفصوص الخواتم والخرز. انظر: أزهار الأفكار في جواهر الأحجار لليتفاشي ص/ 186.

(6)

المَغْرَة: طينٌ أحمر تُصبغ به الثياب. انظر: النهاية في غريب الحديث (4/ 345)، تاج العروس (14/ 142) مادة (مغر).

(7)

السَنْدروس: شجرةٌ تُشدخ وتُترك يسيل منها سائل، ويجمد أولًا فأولًا؛ ولهذا =

ص: 441

أي: غير ما ذكر (مما يسمى معدنًا) قال أحمد

(1)

: كل ما وقع عليه اسم المعدن ففيه الزكاة، حيث كان في ملكه، أو في البراري. وقال القاضي عما يروى مرفوعًا:"لا زكاة في حجرٍ"

(2)

إن صح؛ محمول على الأحجار التي لا يرغب فيها عادة، فدل على أن الرخام والبِرام ونحوهما - كحجر المسن - معدن. وجزم بذلك في "الرعاية" وغيرها (ففيه الزكاة) لقوله تعالى:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}

(3)

؛ ولما روى ربيعةُ بن [أبي]

(4)

عبد الرحمن عن غير واحد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعَ بلالَ بنَ الحارثِ المعادنَ

(5)

القَبَلية. قال: فتلك لا يؤخَذُ منْهَا إلا الزكاةُ إلى اليومِ". رواه مالك وأبو داود

(6)

.

= يوجد فيه ما وقع عليه من حيوان وغيره. انظر: كتاب الجماهر في معرفة الجواهر، للبيروني ص/ 212.

(1)

انظر: الفروع (2/ 484).

(2)

أخرجه ابن عدي (5/ 1681)، والبيهقي (4/ 146) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال البيهقي: رواة هذا الحديث عن عمرو كلهم ضعيف. والله أعلم، وقال النووي في المجموع (5/ 464): ضعيف جدًّا، رواه البيهقي وبيَّن ضعفه. انظر: نصب الراية (2/ 382)، والتلخيص الحبير (2/ 181).

(3)

سورة البقرة، الآية:267.

(4)

ما بين المعكوفين ليس في الأصول، والمثبت من مصادر التخريج.

(5)

كذا في الأصول: "المعادن" وصوابه: "معادن" كما في مصادر التخريج.

(6)

مالك في الموطأ (1/ 248)، وأبو داود في الخراج، باب 36، حديث 3061. وأخرجه - أيضًا - أبو عبيد في الأموال، ص/ 423 حديث 864، وابن زنجويه في الأموال (2/ 740) حديث 1264، والبيهقي (4/ 152) و (6/ 151) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غير واحد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وأخرجه ابن خزيمة (4/ 44) حديث 2323، والحاكم، (1/ 404)، والبيهقي (4/ 152، =

ص: 442

وقال أبو عبيد

(1)

القبلية: بلاد معروفة بالحجاز. ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى، ففيه الزكاة لا الخمس، كسائر الزكوات (في الحال) لأنه مال مستفاد من الأرض فلم يعتبر له حول كالزرع (ربع العشر من قيمتها) إن لم تكن أثمانًا (أو) ربع العشر (من عينها إن كانت أثمانًا) لما يأتي في الباب بعده

(2)

.

(وما يجده في ملكه، أو موات) من معدن (فهو أحق به) من غيره (فإن استبق اثنان إلى معدن في موات، فالسابق أولى به ما دام يعمل) لحديث: "منْ سبقَ إلى مباحٍ فهوَ أحقُّ بِهِ"

(3)

. (فإن تركه) أي: العمل

= 6/ 148)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 237) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن الحارث بن بلال بن الحارث، عن أبيه، موصولا، بلفظ:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من معادن القبلية الصدقة، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق .. الحديث". قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأعله ابن خزيمة بقوله: إن صح الخبر، فإن في القلب من اتصال هذا الإسناد. وانظر التحقيق لابن الجوزي (2/ 48).

(1)

الأموال ص/ 423.

(2)

في "ذ": "بعد".

(3)

لم نجد من خرجه بهذا اللفظ. وقد أخرج أبو داود في الخراج، باب 36، حديث 3071، وابن سعد (7/ 73)، والطبراني في الكبير (1/ 280) حديث 814، والبيهقي (6/ 142) والضياء في المختارة (4/ 227) حديث 1434، عن أسمر بن مضرس رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فقال: "من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له" وحسن إسناده الحافظ في الإصابة (1/ 62)، وانظر التلخيص الحبير (3/ 63).

وأخرج أبو داود، حديث 3077، وأحمد (5/ 12، 21) والطيالسي ص/ 122، حديث 906، وابن الجارود، حديث 1015، والطبراني في الكبير (7/ 208، 209) حديث 6863، 6864 والبيهقي (6/ 142، 148) عن سمرة =

ص: 443

(جاز لغيره العمل فيه)؛ لأنه مباح لم يملكه الأول.

(وما يجده) من المعادن (في) مكان (مملوك يعرف مالكه، فهو لمالك المكان، إن كان) المعدن (جامدًا) لأنه جزء من أجزاء الأرض، فيملك بملكها.

فإن قيل: فلمَ لا يزكيه مالكُ الأرض إذا وجد لما مضى من السنين؟

أجيب: بأن الموجود فيه لعله مما يُخلَق شيئًا فشيئًا، فلا يتحقق سبق الملك فيه.

(وأما) المعدن (الجاري فمباح على كل حال) سواء كان بموات أو مملوكة؛ لأنه ليس من أجزاء الأرض، بل كالماء.

(ولا يُمنَع الذمي من) استخراج (معدن، ولو بدارنا) كإحيائه الموات (ولا زكاة فيما يخرجه) الذمي من معدن (كالمكاتب المسلم؛ لأنهما ليسا من أهل الزكاة) وكذا مدين فيما يقابل الدين. (ويأتي ذكر المعادن في) باب (بيع الأصول) وتفصيلها.

(ووقت وجوبها) أي: زكاة المعدن (بظهوره) لأنه مستفاد من الأرض، فلا يعتبر في وجوب حقه حول، كالزروع والثمار (و) وقت (استقرارها، بإحرازه) كالثمرة والزرع، فتسقط زكاته إن تلف قبل الإحراز، لا بعده، وما باعه ترابًا، زكَّاه. ويصح بيع تراب المعدن،

= ابن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحاط حائطًا على أرض فهي له".

ص: 444

كتراب صاغة. وتجب الزكاة في المعدن بشرطه (سواء استخرجه في دفعة أو دفعات، لم يترك العمل بينها ترك إهمال) لأنه لو اعتبر دفعة واحدة؛ لأدى إلى عدم الوجوب فيه؛ لأنه يبعد استخراج نصاب دفعة واحدة.

(وحدُّه) أي: حدُّ ترك الإهمال (ثلاثة أيام) حكاه في "المبدع" عن ابن المنجَّى (إن لم يكن عذر) في الترك (فإن كان) ثَمَّ عذر (فبزواله) أي: زوالا العذر، أي: يعتبر مضي ثلاثة أيام بعد زوال العذر كما في "المنتهى". (فلا أثر لتركه) العمل (لإصلاح آلة ومرض وسفر يسير، واستراحة ليلًا أو نهارًا مما جرت به العادة، أو اشتغاله بتراب خرج بين النَّيلين) أي: الإصابتين (أو هرب عبده أو أجيره ونحوه) لأن ذلك ليس إعراضًا، ولا يُعتبر كل عرق بنفسه (فيضم الجنس الواحد بعضه إلى بعض، ولو من معادن في تكميل نصاب) كالزروع والثمار.

(ولا يضم جنس إلى آخر غير نقد) كالحبوب وغيرها (ولو كانت) المعادن (متقاربة، كقارٍ ونفط وحديد ونحاس، ولو من معدن واحد) لما تقدم (ولا ضم مع الإهمال) ثلاثة أيام فأكثر، بلا عذر، فإن أخرج دون نصاب، ثم ترك العمل مهمِلًا، ثم أخرج دون نصاب، فلا شيء فيهما.

قلت: إن لم يكن حيلة.

(ولا يجوز إخراجها) أي: زكاة المعدن منه (إذا كانت) المعادن (أثمانًا إلّا بعد سبك وتصفية) لأنه قبل ذلك لا يتحقق إخراج

ص: 445

الواجب، فلم يجز كالحبوب (فإن وقت الإخراج عقبهما) أي: السبك والتصفية، وإن كان وقت الوجوب هو وقت الاستخراج (فإن أخرج) زكاة المعدن من عينه (قبل ذلك، لم يجز) لما تقدم (ورد عليه إن كان) المأخوذ (باقيًا، أو قيمته إن تلف) لفساد القبض (فإن اختلفا في القيمة أو القدر) أي: قيمة المأخوذ ترابًا، أو قدره (فالقول قول القابض مع يمينه) لأنه غارم.

(فإن صفَّاه آخذه، فكان قدر الواجب، أجزأ، وإن نقص، فعلى المخرج النقص، وإن زاد) على الواجب (رد) القابض (الزيادة عليه، إلا أن يسمح به) وهذا - إذا كان القابضُ الساعيَ - واضح. وإن كان القابضُ الفقيرَ، فلَا، كما تقدم في الحبوب والثمار. (ولا يرجع) القابض (بتصفيته) أي: بمؤنتها على رب المعدن؛ لأنه بغير إذنه.

(ومؤنة تصفيته، و) مؤنة سبكه (على مستخرجِه) كمؤنة حصاد وجذاذ (كمؤنة استخراجه) فإنها على مستخرجِه، كمؤنة الحرث (فلا يحتسب) المستخرج (بذلك) أي: لا يسقطه من المعدن، ويزكي ما عداه (كالحبوب، فإن كان ذلك دينًا، احتسب عليه) قال في "المبدع": على الصحيح (كما يحتسب بما أنفق على الزرع).

قلت: هذا واضح في مؤنة الاستخراج، لا في مؤنة سبك وتصفية؛ لأنهما بعد الوجوب كمؤنة حصاد ودياس.

(ولا تتكرر زكاته) أي: المعدن كالزرع والثمر (إذا لم يقصد به التجارة إلا أن يكون نقدًا) فإن كان نقدًا، أو غيره، وقَصد به التجارة

ص: 446

عند الاستخراج، زكَّاه أيضًا كلّما حال عليه الحول بشرطه.

(وإن استخرج أقل من نصاب، فلا شيء فيه) لفقد شرط الزكاة.

(ولا زكاة فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان) هو نبات حجري متوسط في خلقه بين النبات والمعدن، ومن خواصه: أن النظر إليه يشرح الصدر ويفرح القلب. (والعنبر وغيره) لقول ابن عباس: "ليسَ في العنبرِ شيءٌ، إنما هو شَيءٌ دسرَهُ

(1)

البحرُ"

(2)

.

وعن جابر نحوه

(3)

، رواهما أبو عبيد. ولم تأت فيه سنَّة صحيحةٌ، والأصل عدم الوجوب؛ ولأن الغالب فيه وجوده من غير مشقة، فهو كالمباحات الموجودة في البر.

(و) لا زكاة فيما يخرج من البحر من (الحيوان) بأنواعه (كصيد بر.

وإن كان المعدن بدار حرب، ولم يقدر على إخراجه إلا بقوم لهم

(1)

دسره البحر: أي: دفعه موج البحر وألقاه إلى الشط. لسان العرب (4/ 285).

(2)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 433، رقم 885، ولفظه:"ليس في العنبر خمس؛ لأنه إنما ألقاه البحر". وأخرجه - أيضًا - البخاري في الزكاة، باب 65، تعليقًا مجزومًا به، ولفظه:"ليس العنبر بركاز، وإنما هو شيء دسره البحر". وأخرجه موصولًا الشافعي في الأم (2/ 42) وفي المسند (ترتيبه 1/ 229)، وابن أبي شيبة (3/ 142)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 752) رقم 1287، والبيهقي (4/ 146)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 145) رقم (8307)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 35 - 36). وصححه النووي في المجموع (5/ 464)، والحافظ في التلخيص الحبير (2/ 177).

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 433، رقم 884. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (3/ 143)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 753) وقم 1289، ولفظه: ليس العنبر بغنيمة، وهو لمن أخذه.

ص: 447

منعة، فغنيمةٌ يُخمَّس بعد) إخراج (ربع العشر) من عينه. إن كان نقدًا، أو قيمته إن كان غيره؛ لأن قوتهم أوصلتهم إليه، فكان غنيمة كالمأخوذ بالحرب.

ولا زكاة في مسكٍ وزَباد

(1)

.

فصل

(ويجب في الركاز الخمس) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "وفي الركَازِ الخمسُ". متفق عليه

(2)

، قال ابن المنذر

(3)

: لا نعلم أحدًا خالف في هذا الحديث، إلا الحسنَ، فإنه قال:"في أرضِ الحربِ الخمسُ، وفي أرضِ العربِ الزكَاةُ"

(4)

(في الحال) فلا يعتبر له حول كالمعدن، ولأنه ليس بزكاة، بل فيء. (أيَّ نوع كان من المال، ولو غير نقد) كالحديد والرصاص؛ لأنه مال مظهور عليه من مال الكفار، فوجب فيه الخمس كالغنيمة (قلَّ) ذلك الموجود (أو كثر) بخلاف المعدن والزرع؛ لكونهما يحتاجان إلى كلفة، فاعتبر لهما النصاب تخفيفًا.

(1)

الزَّبَاد: طيب يؤخذ من دابة تُشبه السِّنور. وهو رَشح يجتمع تحت ذنبها على المخرج. "القاموس المحيط" ص/ 285 مادة "زبد".

(2)

البخاري في الزكاة، باب 66، حديث 1499، وفي المساقاة، باب 3، حديث 2355، وفي الديات، باب 28، 29، حديث 6912، 6913، ومسلم في الحدود، حديث 1710.

(3)

انظر "الإجماع" ص/ 49، و"المغني"(4/ 232).

(4)

ذكره البخاري في الزكاة، باب 66، ورواه ابن أبي شيبة (3/ 225) موصولًا.

ص: 448

(ويجوز إخراج الخمس من غيره) كزكاة الحبوب وغيرها (ويصرف) خمس الركاز (مصرف الفيء المطلق للمصالح كلها) لفعل عمر. رواه سعيد

(1)

عن هشيم، عن مجالد، عن الشعبي. ولأنه مال مخموس، كخمس الغنيمة.

(ويجوز للإمام رد خمس الركاز، أو) رد (بعضه لواجده بعد قبضه) ويجوز له (تركه له قبل قبضه كالخراج) إذا رده أو تركه لمستحقه. (وكما) أن (له) أي: للإمام (رد خمس الفيء والغنيمة) على الغانمين.

(وله)، أي: للإمام (أيضًا رد الزكوات على من أخذت منه، إن كان من أهلها؛ لأنه أخذ بسبب متجدد، كإرثها وقبضها عن دين، كما تقدم في الباب. فإن تركها) أي: ترك الإمام الزكاة (له) أي: لمن وجبت عليه (من غير قبض، لم يبرأ) من تركت له منها؛ لعدم الإيتاء.

(ويجوز لواجده) أي: الركاز (تفرقته بنفسه) نص عليه

(2)

، واحتج

(1)

لم نجده في القسم المطبوع من سننة. وأخرجه - أيضًا - أبو عبيد في الأموال، ص/ 428 رقم 874، وابن زنجويه في الأموال، (2/ 749) رقم 1279، وابن حزم في المحلى (7/ 326) عن الشعبي: أن رجلًا وجد ألف دينار مدفونة خارجًا من المدينة، فأتى بها عمر بن الخطاب، فأخذ منها الخمس مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة، فقال عمر: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه، فقال له عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك"، والشعبي لم يسمع من عمر رضي الله عنه، كما في المراسيل لابن أبي حاتم ص/ 160، رقم 592.

(2)

انظر المغني (4/ 238).

ص: 449

بقول علي

(1)

؛ لأنه أدى الحق إلى مستحقه. ولا يجوز لواجد الركاز المعدن أن يمسك الواجب فيهما لنفسه.

(وباقيه) أي: الركاز (له) أي: لواجده، لفعل عمر وعلي:"دفَعَا باقِي الركازِ لواجدِهِ"

(2)

؛ ولأنه مال كافرٍ مظهور عليه، فكان لواجده بعد الخمس، كالغنيمة. (ولو) كان واجده (ذميًّا، ومستأمنًا بدارنا، ومكاتبًا، وصغيرًا، ومجنونًا) كغيرهم (ويخرج عنهما الولي) الخمس كزكاة مالهما، ونفقةٍ تجب عليهما. (إلا أن يكون واجده أجيرًا فيه) أي: في طلبه (لطالبه) أي: الركاز (فـ) الباقي إذن (لمستأجره) لأن الواجد نائب عنه.

(ولو استؤجر لحفر بئر أو هدم شيء) من حائط وغيره (فوجده)

(1)

أخرج البيهقي (4/ 157)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 175) عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من قومه: أن رجلًا سقطت عليه جرّة من دير بالكوفة فأتى بها عليًّا رضي الله عنه فقال: اقسمها أخماسًا، ثم قال: خذ منها أربعة أخماس ودع واحدًا. ثم قال: في حيِّك فقراء ومساكين؟ قال: نعم. قال: خذها فاقسمها فيهم.

(2)

فعل عمر تقدم تخريجه (4/ 449) تعليق رقم (1)، وأما فعل علي رضي الله عنه فروى الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 249)، وأبو عبيد في الأموال، ص/ 427 رقم 876، وابن أبي شيبة (3/ 325)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 749) رقم 1280، وابن حزم في المحلى (7/ 325)، والبيهقي (4/ 157)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 174) عن الشعبي قال: جاء رجل إلى علي رضي الله عنه، فقال: إني وجدت ألفًا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد، فقال علي أما لأقضين فيها قضاء بينا، إن كنت وجدتها في قرية تؤدي خراجها قرية أخرى، فهي لأهل تلك القرية، وإن وجدتها في قرية ليست تؤدي خراجها قرية أخرى فلك أربعة أخماسه، ولنا الخمس، ثم الخمس لك.

ص: 450

أي: الركاز (فهو له) أي: لواجده (لا لمستأجره) لأنه من كسب الواجد.

قلت: فلو استأجره لطلب ركاز، فوجد غيره، فهو لواجده؛ لأنه ليس أجيرًا لطلب ما وجده.

(وإن وجده عبد، فهو من كسبه) فيكون (لسيده) كسائر كسبه.

(وإن وجده واجده في موات أو شارع، أو أرض لا يعلم مالكها، أو) وجده (على وجه هذه الأرض) التي لا يعلم مالكها (أو) وجده (في طريق غير مسلوك)(أو) في (خربة، أو في ملكه الذي أحياه) أي: فهو لواجده في جميع هذه الصور.

(وإن عَلم) واجدُ الركاز (مالكَها) أي: الأرض التي وجد بها

(1)

الركاز (أو كانت) الأرض (منتقلة إليه) أي: إلى واجد الركاز (فهو له) أي: لواجده (أيضًا إن لم يدَّعه المالك) للأرض ملكًا (لأن الركاز لا يملك بملك الأرض) لأنه مودع فيها للنقل عنها. (فلو ادعاه) أي: الركاز مالكُ الأرض التي وجد بها (بلا بينة) تَشهد له به (ولا وصف) يصفه به (فـ) ــالركاز (له) أي: لمالك الأرض (مع يمينه) لأن يد مالك الأرض على الركاز، فرجح بها. وكذلك لو ادعاه من انتقلت عنه الأرض؛ لأن يده كانت عليها.

(وإن اختلف الورثة) أي: ورثة مالك الأرض (فادعى بعضهم أنه) أي: الركاز (لمورِّثهم، وأنكر البعضُ) الآخرُ أنه لمورِّثهم (فحُكْم

(1)

في "ح": "فيها".

ص: 451

من أنكر في نصيبه حُكم المالك الذي لم يعترف به) أي: لم يدَّعِ الركاز، فيكون نصيبه لواجده (وحكم المدعين حكم المالك المعترف) فيحلفون ويأخذون نصيبهم، وكذا ورثة من انتقلت عنه. ومتى دفع إلى مدعيه، بعد أن أخرج واجده خمسه باختياره، غرم بدل خمسه لمدعيه لتفويته عليه.

(وإن وجد فيها) أي: الأرض المملوكة (لقطة، فواجدها أحقُّ) بها (من صاحب الملك) أي: الأرض، فيملكها واجدها بعد التعريف، ورب الأرض أحقُّ بركاز ولقطةٍ من واجد متعدٍّ بدخوله.

(وكذا حكم المستأجر والمستعير، يجد في الدار ركازًا، أو لقطة) فيكونان أحق بهما (فإن ادعى كل منهما) أي: من المؤجر والمستأجر (أنه وجده أوَّلًا، أو) أنه ملكه، وأنه (دفنه فـ) القول (قول مكتر، لزيادة اليد) وكذا معير ومستعير اختلفا (إلا أن يصفه) أي: ما اختلف فيه من ركاز أو لقطة (أحدهما، فيكون له) ترجيحًا له بالوصف (مع يمينه) لاحتمال صدق صاحبه، فإن وصفاها، تساقطا، ورجح مكتر لزيادة اليد.

(والركاز) مشتق من ركز يركز، كغرز يغرز، إذا أُخفي. ومنه: ركزت الرمح إذا أخفيت أصله. ومنه الركز: وهو الصوت الخفي، فهو لغة: المال المدفون في الأرض.

واصطلاحًا: (ما وجد من دفن الجاهلية) بكسر الدال، أي: مدفونهم (أو) دفن (من تقدم من كفار) وإن لم يكونوا جاهلية (في

ص: 452

الجملة) فلا ينافي أنه قد يكون ظاهرًا، إذا كان بطريق غير مسلوك، أو خربة (في دار إسلام، أو) دار (عهد، أو دار حرب، وقَدر عليه) بدار الحرب (وحده، أو بجماعة، لا منعة لهم، فإن لم يقدر عليه في دار الحرب إلا بجماعة لهم منعة، فغنيمة) لأن قوتهم أوصلت إليه، فكان غنيمة، كالمأخوذ بالحرب. (عليه) أي: الركاز (أو على بعضه علامة كفر) كأسمائهم، وأسماء ملوكهم، وصورهم، وصلبهم وصور أصنامهم (فقط) والجملة صفة "ما" في قوله:(ما وجد من دفن الجاهلية)، إن كانت نكرة، وحال إن كانت موصولة.

(فإن كان عليه) أي: الدفن (أو على بعضه علامةُ المسلمين) كاسم النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد من خلفاء المسلمين، أو آية من القرآن، فهو لقطة (أو لم تكن عليه علامة، كالأواني، والحلي، والسبائك، فهو لقطة) لا يملك إلّا بعد التعريف؛ لأنه مال مسلم، لم يعلم زوال ملكه عنه، وتغليبًا لحكم دار الإسلام.

ص: 453