المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب زكاة الذهب والفضة وهما الأثمان، فلا تدخل فيها الفلوس، ولو - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ٥

[البهوتي]

فهرس الكتاب

‌باب زكاة الذهب والفضة

وهما الأثمان، فلا تدخل فيها الفلوس، ولو رائجة (وحكم التحلي) بالذهب والفضة وغيرهما للرجال والنساء.

(تجب زكاتهما) بالإجماع، وسنده قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}

(1)

الآية.

والسنة مستفيضة بذلك، ومنه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منْ صاحِبِ ذهبٍ ولا فضَّةٍ لا يؤدِّي منهَا حقّهَا إلا إذا كَانَ يومُ القيامةِ صُفِّحَتْ له صفَائِحُ من نَارٍ، يُحمَى عليْهَا في نارِ جهنَّم، فيكوَى بِهَا جنْبُه وجَبِينه وظهرهُ، كلَّما بردتْ أُعيدَتْ لَهُ، في يومٍ كانَ مقدَارُه خمسِينَ ألفَ سنةٍ، حتى يُقْضَى بيْنَ العبَادِ" رواه مسلم

(2)

.

(ويُعتبر) لهما (النصاب) إجماعًا

(3)

(ف‌

‌نصاب الذهب عشرون مثقالًا)

لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليسَ في أقلَّ من عشرِينَ مثقالًا من الذَّهَبِ، ولا فِي أقلَّ منْ مائَتي درهَمٍ صدَقَةٌ" رواه أبو عبيد

(4)

. وعن ابن عمر، وعائشة أن النبي

(1)

سورة التوبة، الآية 34.

(2)

في الزكاة، حديث 987.

(3)

انظر الإجماع لابن المنذر ص/ 48.

(4)

في الأموال، ص/ 501، حديث 1113. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (3/ 117)، والدارقطني (2/ 93)، وابن حزم في المحلى (6/ 69) وقال (6/ 71): =

ص: 5

- صلى الله عليه وسلم "كان يأخذُ من كلِّ عشرينَ مثقالًا نصف مثقالٍ". رواه ابن ماجه

(1)

. وعن علي نحوه، رواه سعيد والأثرم

(2)

.

‌(زِنَة المثقال

درهم وثلاثة أسباع درهم) إسلامي (ولم تتغير) المثاقيل (في جاهلية ولا إسلام) - قال ابن كثير في "تاريخه"

(3)

: "وفي هذا نظر" - بخلاف الدراهم.

(وهو) أي: المثقال (ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة، وقيل:

= أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده فصحيفة مرسلة، ورواه أيضًا ابن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 173): وإسناده ضعيف، وقال أيضًا (2/ 292): وهو وإن كان سنده ضعيفًا، فهو صحيح باعتبار ما له من الشواهد.

وله شاهد عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب عمر في الصدقة أن الذهب لا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ عشرين دينارًا. . . الحديث أخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 500، حديث 1106.

(1)

في الزكاة، باب 4، حديث 1791، ولفظه:"من كل عشرين دينار فصاعدًا، نصف دينار". وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (2/ 92).

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 316): هذا إسناد فيه إبراهيم بن إسماعيل، وهو ضعيف.

(2)

لم نجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ولعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1573، والبيهقي (4/ 137)، والضياء في المختارة (2/ 153) حديث 528 مرفوعًا ولفظه:"فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء - يعني: في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك". وانظر (4/ 337) تعليق رقم (1).

(3)

البداية والنهاية (12/ 264).

ص: 6

اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة من الشعير المطلق) أي: غير المقيد بالمتوسط (ولا تنافي بينهما) أي: بين القولين، لإمكان الجمع.

(وزِنة العشرين مثقالًا بالدراهم) الإسلامية (ثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم. وبدينار الوقت الآن الذي زِنته درهم وثُمْن درهم) على التحديد (خمسة وعشرون دينارًا وسُبْعا دينار وتُسْعه) وهو دينار زمننا هذا، إلّا أن المائة دينار من دار الضَّرْب مائة وثلاثة عشر درهمًا، فيزيد الدينار على ما ذكره نصف جزء من مائة وثلاثة عشر

(1)

جزءًا من درهم. ولا يكاد ذلك يظهر في الوزن.

(و‌

‌نصاب الفضة مائتا درهم)

لما في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ فيما دُونَ خمْسِ أواقٍ صدَقةٌ"

(2)

والأوقية أربعون درهمًا (و) هي (بالمثاقيل مائة وأربعون مثقالًا.

وفيهما) أي: الذهب والفضة (رُبْع العُشر) لما تقدم عن ابن عمر وعائشة

(3)

. وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الرِّقَة ربعُ العشْرِ". متفق عليه

(4)

(مضروبين) كان الذهب والفضة (أو غير مضروبين)

(1)

قوله: "وثلاثة عشر" شطب عليها في الأصل، فجاء الكلام هكذا:(من مائة جزء من درهم).

(2)

البخاري في الزكاة، باب 4، 32، 42، 56 حديث 1405، 1447، 1459، 1484، ومسلم في الزكاة، حديث 979.

(3)

(5/ 6) تعليق رقم (1).

(4)

هو جزء من حديث أنس الطويل، أخرجه البخاري في الزكاة باب 38، حديث 1454، ولم يروه مسلم.

ص: 7

لعموم ما تقدم، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا كانَتْ مائتي درهَمٍ فَفِيهَا خمسَةُ دَرَاهِمَ"

(1)

.

(والاعتبار بالدرهم الإسلامي الذي زِنَته ستة دوانق، والعشرة دراهم: سبعة مثاقيل، فالدرهم نصف مثقال وخُمْسه) أي: خمس مثقال. قال في "شرح مسلم"

(2)

: قال أصحابنا: أجمع أهل العصر الأول على هذا التقدير: أن الدرهم ستة دوانق

(وكانت الدراهم في صدر الإسلام صنفين: سوداء، وهي البَغْلية، نسبة إلى مَلِك، يُقال له: رأس البغل، الدرهم منها ثمانية دوانق. والطَّبرية: نسبة إلى طبرِيَّة الشام) بلدة معروفة بالأرض المقدسة (الدِّرهم) عنها (أربعة دوانق، فجمعتهما بنو أمية وجعلوهما) أي: البغلية والطَّبرِية (درهمين متساويين، كل درهم ستة دوانق) قال القاضي عياض

(3)

: لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو موجب الزكاة في أعداد منها، وتقع بها المبايعات والأنكحة، كما في الأخبار الصحيحة. وهو يبين أن قول من يزعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان، فإنه جمعها برأي العلماء، وجعل وزن الدرهم ستة دوانق، قول باطل، وإنما معنى ما نُقل من ذلك: أنه لم يكن شيء منها من ضَرْبِ الإسلام، وعلى صفة لا تختلف، فرأوا صرفها إلى ضَرْب الإسلام

(1)

تقدم تخريجه (4/ 337) تعليق رقم (1).

(2)

للنووي (7/ 52).

(3)

إكمال المعلم (3/ 464).

ص: 8

ونقشه، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم. (فيُردُّ ذلك كله إلى المثقال، والدرهم الإسلامي) وكذلك الدراهم الخراسانية، وهي دانق أو نحوه، واليمنية وهي دانقان ونصف، وما أشبه ذلك.

(ولا زكاة في مغشوشِهما، حتى يبلغ قَدْرَ ما فيه من الخالص) ذهبًا كان أو فضة (نصابًا) نقل حنبل

(1)

في دراهم مغشوشة، فلو خلصت نقصت الثلث أو الربع، لا زكاة فيها؛ لأن هذه ليست بمائتين مما فَرَض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تمت، ففيها الزكاة.

(فإن شكَّ هل فيه) أي: المغشوش من ذهب أو فضة (نصاب خالص؟ خُيِّرَ بين سَبْكه وإخراج قَدْرِ زكاة نَقْده، إن بلغ) نَقْده (نصابًا، وبين استظهاره) أي: احتياطه (وإخراج زكاته بيقين) ومتى ادَّعى ربُّ المال أنه علم الغش، أو أنه استظهر، وأخرج الفرض، قُبل منه بلا يمين.

(وإن وجبت الزكاة) في المغشوش لتيقن بلوغ خالصه نصابًا (وشكَّ في زيادة) المغشوش على نصاب (استظهر) أي: احتاط، ليبرأ بيقين (فألْفٌ ذَهَبٌ وفضة مختلطة ستمائةٍ من أحدهما) وأربعمائة من الآخر (واشتبه عليه من أيهما؟) الستمائة (وتعذر التمييز، زكَّى ستمائة ذهبًا، وأربعمائة فضة) لأنه يبرأ بذلك بيقين.

(وإن أراد) ربُّ المال (أن يزكي المغشوشة منها، وعلم قَدْر الغش في كل دينار) أو درهم (جاز) إخراج زكاتها منها، للعلم بأداء الواجب (وإلا) أي: وإن لم يعلم قَدْر ما في كل دينار أو درهم من

(1)

الفروع (2/ 455).

ص: 9

الغش (لم يجزئه) إخراج زكاتها منها؛ لأنه لا طريق له إذن إلى العلم بأداء الواجب (إلّا أن يستظهر، فيخرج) منها (قَدْر الزكاة بيقين) فيجزئه؛ لانتفاء المانع. (وإن أخرج) عنها (ما لا غش فيه، فهو أفضل) لأنه أنفع للفقراء.

(ويُعرف قَدْر غشه حقيقة، بأن يدع ماء في إناء) أسفله كأعلاه (ثم يدع فيه ذهبًا خالصًا زنة المغشوش، ويعلِّم علوَّ الماء) الذي في الإناء (ثم يرفعه) أي: الذهب، أي: يخرجه من الماء (ويدع بدلَه) في الماء (فضة خالصة زنة المغشوش، ويعلِّم علوَّ الماء، وهو) أي: العلو عند وضع الفضة (أعلى من) العلو (الأول) عند وضع الذهب (لأن الفضة أضخم من الذهب، ثم يرفعها) أي: الفضة (ويدع المغشوش) في الماء (ويعلِّم علوَّ الماء، ثم يمسح) من المساحة، أي: يقيس (ما بين) العلامة (الوسطى) وهي علامة المغشوش (و) بين العلامة (العليا) علامة الفضة (و) يمسح (ما بين العلامة الوسطى و) العلامة (السفلى) وهي علامة الذهب (فإن كان الممسوحان سواء، فنصف المغشوش ذهب، ونصفه فضة، وإن زاد) ذلك (أو نقص، فبحسابه، فعلى هذا لو كان ما بين العليا إلى الوسطى ثلثي ما بين العلامتين) للذهب والفضة الخالصتين (وما بين السفلى إلى الوسطى ثلثه، كانت الفضة ثلثين، والذهب الثلث، وبالعكس) بأن يكون ما بين العليا إلى الوسطى ثلث ما بين العلامتين، وما بين السفلى إلى الوسطى ثلثاه (الذهب الثلثان) والفضة الثلث؛ إذ الارتفاع للفضة لضخامتها، والانخفاض للذهب لثقله.

ص: 10

(والأَولى أن يكون الإناء ضيقًا) لأن علوَّ الماء فيه يظهر ويتضح (ويتعيَّن) في الإناء (أن يكون أعلاه وأسفله في السعة والضيق سواء، كقصبة) فارسية (ونحوها) ليتأتى ذلك العمل.

(ولا زكاة في غشها) أي: الدنانير أو الدراهم المغشوشة (إلا أن يكون) الغش (فضة، فَيُضم إلى ما معه من النقد، فضة كان أو ذهبًا) لما يأتي من أن أحد النقدين يُضم إلى الآخر في تكميل النصاب.

(ويُكره ضَرْب نَقْدٍ مغشوش، واتخاذه، نص عليه) قال في رواية محمد بن عبيد الله المنادي

(1)

: ليس لأهل الإسلام أن يضربوا إلا جيدًا

(2)

. (وتجوز المعاملة به) أي: بالنقد المغشوش (مع الكراهة، إذا أعلمه بذلك) أي: بكونها مغشوشة (وإنْ جهل قَدْر الغش) وكذا لو كان غشها معلومًا، كما يعلم مما يأتي في الربا. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاملون بدراهم العجم، وكان إذا زافت عليهم، أتوا بها إلى السوق، فقالوا: منْ يبِيعُنَا بهَذِهِ؟ ذلك أنه لم يضرب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا معاوية رضي الله عنهم. قال في "الفروع": ولعل عدم الكراهة، أي: في ضَرْب المغشوش ظاهرُ ما ذكره جماعة. قلت: فكذا في المعاملة، خصوصًا حيث عمَّت البلوى بها.

(1)

هو الإمام المحدث، الثقة، شيخ الوقت، أبو جعفر، البغدادي، نقل عن الإمام أحمد "مسائل" وغيرها، حدَّث عنه البخاري، وأبو القاسم البغوي، وأبو داود وغيرهم. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 302)، وسير أعلام النبلاء (12/ 555).

(2)

الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 181، والفروع (2/ 457).

ص: 11

(قال الشيخ

(1)

: الكيمياء غش، وهي تشبيه المصنوع من ذهب أو فضة بالمخلوق) ذهبًا أو فضة (باطلة في العقل) لاستحالة قلب الأعيان (محرمةٌ بلا نزاع بين علماء المسلمين) لحديث:"من غشَّنا، فليس منَّا"

(2)

. (ولو ثبتت على الروباص) أي: ما يُستخرج به غش النقد (ويقترن بها كثيرًا السيمياء التي هي من السحر. ومن طلب زيادة المال بما حرَّمه الله) تعالى (عُوقب بنقيضه، كالمرابِي) قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}

(3)

.

(وهي) أي: الكيمياء (أشد تحريمًا منه) لتعدي ضررها (ولو كانت حقًّا مباحًا، لوجب فيها خُمْسٌ) كالرِّكاز (أو زكاة) كالزرع والثمر والمعدن (ولم يوجب عالم فيها شيئًا) فدلَّ على بطلانها. (والقول بأن قارون عملها باطل، ولم يذكرها، أو يعملها إلا فيلسوف، أو اتحادي، أو مَلِك ظالم).

و (قال) الشيخ

(4)

: (ينبغي للسلطان أن يضرب لهم) أي: الرعايا (فلوسًا تكون بقيمة العدل في معاملاتهم، مِن غير ظلم لهم) تسهيلًا عليهم، وتيسيرًا لمعاشهم.

(ولا يتَّجر ذو السلطان في الفلوس؛ بأن يشتري نُحاسًا، فيضربه، فيتجر فيه) لأنه تضييق (ولا بأن يُحرِّم عليهم الفلوس التي بأيديهم

(1)

مجموع الفتاوى (29/ 368 - 371).

(2)

رواه مسلم في الإيمان، حديث (101)(102) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

سورة البقرة، الآية:276.

(4)

مجموع الفتاوى (29/ 469).

ص: 12

ويضرب لهم غيرها) لأنه إضرار بالناس، وخسران عليهم (بل يضرب) النحاس فلوسًا (بقيمته من غير رِبْح فيه للمصلحة العامة، ويعطي أجرة الصُّناع من بيت المال؛ فإن التجارة فيها ظلم عظيم، من أبواب ظلم الناس وكل أموالهم بالباطل؛ فإنه إذا حرم المعاملة بها، صارت عرضًا، وإذا ضرب لهم فلوسًا أخرى، أفسد ما كان عندهم من الأموال بنقص أسعارها، فظلمهم فيما يضربه بإغلاء سعرها).

قلت: وقد وقع ذلك في زمننا مرات، وفسدت به أموال كثيرين، وزاد عليهم الضرر.

(وفي السنن) لأبي داود وابن ماجه، ورواه أيضًا أحمد والحاكم عن عبد الله المزني (عنهُ "صلى الله عليه وسلم أنهُ نَهَى عَنْ كسْرِ سكَّةِ المسْلِمِينَ الجائِزَةِ بينَهُمْ إلا مِنْ بَأسٍ"

(1)

نحو أن يُختلف في شيء منها، هل هو جيد أو رديء؟

(1)

أبو داود في البيوع، باب 50، حديث 3449، وابن ماجه في التجارات، باب 52، حديث 2263، وأحمد (3/ 419)، والحاكم (3/ 31)، ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة (7/ 215)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 337) حديث 1106، والعقيلي (4/ 125)، والطبراني في الأوسط (9/ 31) حديث 8063، وابن عدي (2، 512، 6/ 2178 - 2179)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 208 - 209)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 227) حديث 1600، وابن عبد البر في الاستذكار (19/ 224)، والخطيب في تاريخه (6/ 346)، وابن عساكر في تاريخه (8/ 122).

وصحح الحاكم إسناده فيما حكاه عنه الحافظ في "إتحاف المهرة"(9/ 677)، والسخاوي في "الأجوبة المرضية"(1/ 8).

وقال ابن عبد البر: وهو حديث لا يجئ إلا من وجه واحد، وإسناده فيه لين.

وقال البيهقي: "وهذا الحديث إنما رواه محمد بن فضاء، وليس بالقوي". =

ص: 13

(فإذا كانت) الفلوس (مستوية الأسعار بسعر النحاس، ولم يشتر وليُّ الأمر النحاسَ والفلوس الكاسدة ليضربها فلوسًا، ويتجر في ذلك، حصل المقصودُ من الثمنية. وكذلك الدراهم. انتهى) ولا مزيد على حسنة.

(و‌

‌لا يُضرب لغير السلطان)

قال ابن تميم: يُكره. قال في "الفروع": كذا قال، و (قال أحمد

(1)

) في رواية جعفر بن محمد: (لا يَصلح ضَرْب الدراهم إلا في دار الضَّرْب بإذن السلطان؛ لأن الناس أن رُخِّص لهم، ركبوا العظائمَ) قال القاضي في "الأحكام السلطانية"

(2)

: فقد منع من الضرب بغير إذن السلطان؛ لما فيه من الافتيات عليه.

(ويُخرج عن جيدٍ صحيح ورديء من جنسه) أي: فيخرج عن جيد صحيح جيدًا صحيحًا؛ لأن إخراج غير ذلك خبيث، فلم يجز، وكالماشية. ويخرج عن الرديء رديئًا؛ لأنها مواساة.

(و) إن كان المال أنواعًا، أخرج (من كل نوع بحصته) كالحب والثمر.

= ومحمد بن فضاء قال فيه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 209): كان سليمان بن حرب يسيء الرأي فيه يقول: كان يبيع الشراب، يروي عن أبيه.

وقال ابن حبان في المجروحين (2/ 274): كان قليل الحديث منكر الرواية حدث بدون عشرة أحاديث كلها مناكير لم يتابع على شيء منها، فبطل الاحتجاج به. وقال ابن حجر في التقريب (6263): ضعيف.

(1)

انظر الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 181، والفروع (2/ 457).

(2)

ص/ 181.

ص: 14

(وإن أخرج بقدر الواجب من الأعلى، كان أفضل) لأنه أنفع للفقراء.

(وإن أخرج عن الأعلى مكسرًا، أو بهرجًا، وهو الرديء، زاد قَدْر ما بينهما من الفضل، وأجزأ) هـ ذلك؛ لأنه أدى الواجب عليه قَدْرًا وقيمة، أشبه ما لو أخرج من عينه.

(وإن أخرج من الأعلى بقَدْرِ القيمة) أي: قيمة الواجب في الرديء (دون الوزن) كما لو أخرج ثُلث دينار جيد عن نصف رديء بقيمته (لم يجزئه) ذلك؛ لمخالفة النص.

(ويجزئ) إخراج (قليل القيمة عن كثيرها مع الوزن) لتعلق الوجوب بالنوع، وفد أخرج منه.

(ويجزئ) إخراج (مغشوش عن جيد) مع الفضل بينهما (و) إخراج (مكسر عن صحيح) مع الفضل بينهما (و) إخراج (سود عن بيض مع الفضل بينهما) لأنه أدى الواجب قَدْرًا وقيمة، وكما لو أدى من عينه، والربا لا يجري بين العبد وربه، كما لا يجري بين العبد وسيده.

(ولا يلزم قَبول رديء عن جيد في عقد وغيره) كقيمة متلف، وأرش جناية؛ لانصراف الإطلاق إلى الجيد.

(ويثبت الفسخ) في البيع ونحوه إذا بان عوضه المعين معيبًا، كالمبيع.

(ويُضم أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب، ويخرج عنه)

ص: 15

لأن مقاصدهما وزكاتهما متفقة، فهما كنوعي الجنس الواحد، ولا فرق بين حاضر ودَيْنٍ (ويكون الضَّم بالأجزاء) كالنصف والربع، و (لا) يكون الضم (بالقيمة) لأن الضم بالأجزاء متيقن، بخلاف القيمة، فإنه ظنٌّ وتخمين (فعشَرَة مثاقيلَ ذهبًا نصفُ نصاب، ومائة درهم) فضة (نصف) نصاب (فإذا ضُمَّا) أي: النصفان (كَمَل النصاب) فتجب الزكاة، بخلاف عشرة مثاقيل وتسعين درهمًا تبلغ قيمتها عشرة مثاقيل، فلا ضمّ.

(وإن بلغ أحدهما نصابًا، ضُم إليه ما نقص عن الآخر) وإن اختار المالك الدفع من جنس الواجب، وأراد الفقير من غيره، ولو لضرر يلحقه، لم يلزم المالك إجابته؛ لأنه أدَّى ما فرض عليه، فلم يُكلَّف سواه.

(ولا يجزئ إخراج الفلوس عنهما) أي: عن الذهب والفضة؛ لأنها عروض.

(وتضم قيمة العروض) التي للتجارة (إلى كلٍّ منهما) قال الموفق: لا أعلم فيه خلافًا. كمن له عشرة مثاقيل ومتاع، قيمته عشرة أخرى، أو له مائة درهم ومتاع قيمته مثلها؛ لأن الزكاة إنما تجب في قيمة العروض، وهي تقوَّم بكلٍّ منهما، فكانا مع القيمة جنسًا واحدًا. (و) تُضمُّ قيمة العروض أيضًا (إليهما) فلو كان له ذهب وفضة وعروض، ضم الجميع في تكميل النصاب؛ لأن العَرْضَ مضموم إلى كل واحد منهما، فوجب ضمهما إليه.

ص: 16

(ويُضمُّ جيدُ كلِّ جنس ومضروبه إلى رديئه وتِبْرِه) كالمواشي والحبوب والثمار، ولأنه إذا ضم أحد الجنسين هنا إلى الآخر، فضم أحد النوعين أَولى.

فصل

(ولا زكاة في حَلْي مباح لرجل وامرأة من ذهب وفضة، مُعدّ لاستعمال مباح أو إعارة، ولو لم يُعر أو يلبس) حيث أعد لذلك (أو ممن يحرم عليه، كرجل يتخذ حلي النساء لإعارتهن، وامرأة

(1)

تتخذ حَلْي الرجال لإعارتهم) لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ في الحلي زكاةٌ" رواه الطبري

(2)

(3)

.

(1)

في "ح": "أو امرأة".

(2)

هو القاضي، أبو الطيب، طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي، فقيه بغداد، توفي سنة 450 هـ رحمه الله تعالى.

له من المؤلفات: التعليقة الكبرى في الفروع، ولم تطبع (انظر تاريخ بغداد (9/ 358)، وسير أعلام النبلاء (17/ 668).

(3)

هذا الحديث رواه الديلمي في مسند الفردوس (3/ 439) حديث 5240، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 42) حديث 981، وذكره الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي (2/ 497) من طريق أبي الطيب الطبري، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن المظفر، حدثنا أحمد بن عمر بن حوصلة، حدثنا إبراهيم بن أيوب، حدثنا عافية بن أيوب، عن ليث بن سعد عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 144): "والذي يرويه بعض فقهائنا مرفوعًا: ليس في الحلي زكاة، لا أصل له، إنما يروى عن جابر من قوله غير مرفوع. والذي يروى عن عافية بن أيوب، عن الليث، عن أبي الزبير، عن =

ص: 17

وهو قول ابن عمر

(1)

= جابر مرفوعًا باطل ولا أصل له، وعافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به مرفوعًا كان مغررًا بدينه داخلًا فيما نعيب به المخالفين في الاحتجاج برواية الكذابين، والله يعصمنا من أمثاله".

ومال ابن الجوزي إلى تصحيحه: فإنه قال: قالوا: عافية ضعيف، قلنا: ما عرفنا أحدا طعن فيه. قالوا: فقد روي هذا الحديث موقوفًا على جابر، قلنا: الراوي قد يسند الشيء تارة، ويفتي به أخرى.

وقال ابن عبد الهادي: الصواب وقف هذا الحديث على جابر، وعافية لا نعلم أحدا تكلم فيه، وهو شيخ محله الصدق.

وقال الزركشي: ضعيف من قبل عافية. وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 374): وقال الشيخ في الإمام: رأيت بخط شيخنا المنذري رحمه الله: وعافية بن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه. قال الشيخ: ويحتاج من يحتج به إلى ذكر ما يوجب تعديله. انتهى. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 306): ومال إلى تصحيحه مرفوعًا ابن الجوزي في تحقيقه، ثم المنذري، وفيه نظر.

ورواه الشافعي في الأم (2/ 35) وفي المسند (ترتيبه 1/ 228)، وعبد الرزاق (4/ 82) رقم 7046، 7048، وأبو عبيد في الأموال ص/ 442 رقم 1275، وابن أبي شيبة (3/ 155) وابن زنجويه في الأموال (3/ 978، 983) رقم 1778، 1779، 1794، والدارقطني (2/ 107)، والبيهقي (4/ 138)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 139) رقم 8279، عن جابر رضي الله عنه موقوفًا. قال النووي في المجموع (6/ 31): إسناده صحيح.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 82) رقم 7047، وابن أبي شيبة (3/ 154)، وسحنون في المدونة (2/ 248)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 979) رقم 1780، والدارقطني (2/ 109)، والبيهقي (4/ 138).

وروى مالك في الموطأ (1/ 250)، والشافعي في الأم (2/ 35)، وفي المسند (ترتيبه 1/ 228) رقم 628، وأبو عبيد في الأموال ص/ 442، رقم 1276، وابن زنجويه في الأموال (3/ 979) رقم 1781، والبيهقي (4/ 138)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 139) رقم 8278، عن نافع أن عبد الله بن عمر =

ص: 18

وعائشة

(1)

وأسماء

(2)

بنتي أبي بكر، ولأنه مرصد للاستعمال المباح، فلم يجب فيه الزكاة، كالعوامل، وثياب القُنْية، وما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة في يدِها سوارانِ منْ ذَهبٍ:"هل تُعْطِينَ زكاةَ هذا؟ قالت: لا. قال: أيَسُرُّكَ أَنْ يسوِّركِ اللَّهُ بسوَارَيْنِ منْ نارٍ" رواه أبو داود

(3)

، فهو ضعيف. قاله

= رضي الله عنهما كان يحلي بناته وجواريه، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة. وصححه الحافظ في الدراية (2/ 260).

(1)

أخرج مالك في الموطأ (1/ 250)، والشافعي في الأم (2/ 34 - 35)، وفي المسند (ترتيبه 1/ 227 - 228) رقم 626 - 627، وعبد الرزاق (4/ 83) رقم 7051، 7052، وأبو عبيد في الأموال ص/ 442، رقم 1278، وابن أبي شيبة (3/ 155)، وأحمد في مسائل عبد الله (2/ 559) رقم 772، وسحنون في المدونة (2/ 247) وابن زنجويه في الأموال (3/ 979) رقم 1782، 1784، والبيهقي (4/ 138) وفي معرفة السنن والآثار (6/ 139) رقم 8276، 8277، أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تحلي بنات أخيها الذهب، وكانت لا تخرج زكاته.

وصححه النووي في المجموع (5/ 490)، وابن حجر في الدراية (2/ 260).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 155)، وأحمد في مسائل عبد الله (2/ 560) رقم 774، وابن زنجويه في الأموال (3/ 981) رقم 1788، والدارقطني (2/ 109)، والبيهقي (4/ 138)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 140) رقم 8282، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أنها كانت تحلي بناتها بالذهب ولا تزكيه، نحوًا من خمسين ألفًا.

(3)

في الزكاة، باب 3، حديث 1563. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الزكاة، باب 12، حديث 637، والنسائي في الزكاة، باب 19، حديث 2478، وعبد الرزاق (4/ 85) حديث 7065، وأبو عبيد في الأموال ص/ 439، حديث 1260، وابن أبي شيبة (3/ 153)، وأحمد (2/ 178، 204، 208)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 973) حديث 1762، وابن حبان في المجروحين (2/ 73)، والدارقطني (2/ 108)، والبيهقي (4/ 140)، وفي معرفة السنن والآثار =

ص: 19

أبو عبيد

(1)

، والترمذي

(2)

. وما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "في الرِّقَةِ ربعُ العشْرِ"

(3)

فجوابه: أنها الدراهم المضروبة. قال أبو عبيد

(4)

: لا يعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب إلا على الدراهم المضروبة ذات السِّكة السائرة بين المسلمين، وعلى تقدير الشمول يكون مخصوصًا بما ذكرنا.

و (لا) تسقط الزكاة عمن اتخذ حليًا (فارًّا منها) أي الزكاة، بل تلزمه.

(وإن كان) الحَلْي (ليتيم لا يلبسه) اليتيم (فلوليه إعارته، فإن

= (6/ 142) حديث 6292، والبغوي في شرح السنة (6/ 48) حديث 1583، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 43) حديث 982.

وأخرجه النسائي - أيضًا - في الزكاة، باب 19، حديث 2479، وفي الكبرى (2/ 20) حديث 2259، عن عمرو بن شعيب مرسلًا، وصوَّبه.

قال الترمذي: وهذا حديث قد رواه المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب نحو هذا، والمثنى وابن لهيعة يضعَّفان في الحديث، ولا يصح في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.

وتعقبه النووي في المجموع (5/ 489)، فقال: وهذا التضعيف الذي ضعفه الترمذي بناه على انفراد ابن لهيعة والمثنى بن الصباح به، وليس هو منفردًا، بل رواه أبو داود وغيره من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب، وحسين ثقة بلا خلاف، روى له البخاري ومسلم.

وصححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 366)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 306)، وحسنه النووي في المجموع (5/ 489)، وقال الحافظ في بلوغ المرام ص/ 205: إسناده قوي. وانظر نصب الراية (2/ 370).

(1)

انظر الأموال ص/ 544.

(2)

انظر سنن الترمذي عقب حديث 637.

(3)

تقدم تخريجه (5/ 7) تعليق رقم (4).

(4)

في الأموال ص/ 542، عقب حديث 1291.

ص: 20

فعل) أي: أعاره (فلا زكاة) فيه (وإلا ففيه الزكاة نصًا

(1)

) ذكره جماعة.

(فأما الحلي المحرَّم، كطَوق الرَّجُلِ، وسواره، وخاتمه الذهب، وحلية مراكب الحيوان، ولباس الخيل، كاللُّجُم والسُّروج، وقلائد الكلاب، وحلية الركاب، والمرآة، والمُشط، والمُكْحُلة، والمِيل، والمِسْرجة، والمِروحة، والمَشربة، والمُدْهُنة

(2)

، والمُسعط، والمِجمرة، والمِلعقة، والقنديل، والآنية، وحلية كتب العلم) بخلاف المصحف فيكره تحليته (و) حلية (الدواة والمِقلمة، وما أُعد لكراء، كحلي المواشط نصًّا

(3)

حل له) أي لمتخذه لكراء (لُبْسُه أَوْ لا) أي: أو لم يحل له (أو أُعد للتجارة، كحلي الصيارف، أو) أُعد لـ (قُنْية أو ادخار، أو نفقة إذا احتاج إليه، أو لم يقصد به شيئًا، ففيه الزكاة) إن بلغ نصابًا؛ لأنها إنما سقطت في المباح المعد للاستعمال لصرفه جهة النماء، فيبقى ما عداه مقتضى الأصل.

(و‌

‌لا زكاة في الجوهر واللؤلؤ،

وإن كثرت قيمته، أو كان في حلي) كسائر العروض (إلا أن يكون) الحلي (لتجارة، فيقوم جميعه) أي: ما فيه من جوهر ولؤلؤ وغيرهما (تبعًا لنقد) أي: لما فيه من نقد.

(و‌

‌الفلوس كعروض التجارة، فيها زكاة القيمة)

كباقي العروض،

(1)

انظر: مسائل عبد الله ص 158، 164.

(2)

المُدْهُنة: بضم الميم والهاء، وعاء يُجعل فيه الدُّهن. المصباح المنير ص/ 257، مادة (دهن).

(3)

انظر: الفروع (2/ 463).

ص: 21

ولا يجزئ إخراج زكاتها منها (قال المجد: وإن كانت) الفلوس (للنفقة، فلا) زكاة فيها، كعرض القُنْيةِ.

(والاعتبار في نصاب الكل) أي: ما تقدم من مباح تجب فيه ومحرم (بوزنه) لعموم "ليسَ فيما دون خمسِ أواقٍ صدقةٌ"

(1)

(إلا) الحلي (المباح المعد للتجارة، ولو نقدًا، فالاعتبار بقيمته، نصًّا)

(2)

كسائر أموال التجارة (فيقوَّم النقد) المُعدّ للتجارة (بنقد آخر، إن كان أحظ للفقراء، أو نقص عن نصاب؛ لأنه عرض) أي: مال تجارة.

(وإن انكسر الحلي، وأمكن لُبْسه، كانشقاقه ونحوه، فهو كالصحيح) إلا أن ينوي ترك لُبْسه (وإن لم يمكن لُبْسه، فإن لم يحتج في إصلاحه إلى سبك وتجديد صنعة ونوى إصلاحه، فلا زكاة فيه) كالصحيح. هذا قول القاضي، وجزم به المجد في "شرحه"، ولم يذكر نية إصلاح ولا غيرها، وذكره ابن تميم وجهًا، فقال: ما لم ينوِ كسره فيزكيه. قال في "الفروع": والظاهر أنه مراد غيره. وعند ابن عقيل أنه يزكيه، ولو نوى إصلاحه. وصحَّحه في "المستوعب"، وجزم به الموفق، ولم يذكر نية إصلاح ولا غيرها، قاله في "الإنصاف". قال في "الكافي" و"الشرح" و"شرح المنتهى": فإن انكسر الحلي كسرًا لا يمنع اللبس، فهو كالصحيح، إلا أن ينوي ترك لُبْسه، وإن كان كسرًا يمنع الاستعمال، ففيه الزكاة؛ لأنه صار كالنُّقْرة

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه (5/ 7) تعليق رقم (2).

(2)

انظر الفروع (2/ 465).

(3)

هي القطعة المذابة من الفضة، وقبل الذوب هي تِبْر، قاله في المصباح =

ص: 22

(وإن نوى كَسْره) أي: الحلي (أو لم ينوِ شيئًا، ففيه الزكاة) كالنقرة (وإن احتاج إلى تجديد صنعة، زكَّاه) إلى أن يجدد صنعته، كالسبيكة التي يريد جعلها حليًا.

(والاعتبار في الإخراج من الحلي المحرَّم بوزنه) ولو زادت قيمته؛ لأنها حصلت بواسطة صنعة مُحرَّمة يجب إتلافها شرعًا، فلم تُعتبر.

(وإن كان) الحلي (للتجارة) فالاعتبار في الإخراج بقيمته؛ لأنه مال تجارة (أو كان) الحلي (مباحَ الصناعة، ووجبت زكاته لعدم استعمال، أو لعدم إعارة ونحوه) كنيَّته به القُنْية (فالاعتبار في الإخراج) منه (بقيمته) لأنه لو أخرج ربع عشره وزنًا، لفاتت الصنعة المتقوِّمة شرعًا على الفقراء، وهو ممتنع.

(فإن أخرج منه مشاعًا) أجزأ؛ لأنه أخرج الواجب (أو) أخرج (مثله وزنًا مما يقابل جودتُه زيادةَ الصنعة، جاز) لأنه أخرج قَدْر الواجب وزنًا وقيمة (وإن أراد كَسْره) لإخراج زكاته (لم يجز؛ لأن كَسْره ينقص قيمته) ففيه إضاعة مال بلا مصلحة.

(و‌

‌يباح للذَّكَر من الفضة خاتم)

لأنه صلى الله عليه وسلم: "اتخذ خاتمًا من ورِق" متفق عليه

(1)

. قال أحمد

(2)

في خاتم الفضة للرجل: ليس به بأس.

= المنير ص/ 319.

(1)

البخاري في اللباس، باب 45، 46، 50، حديث 5865، 5866، 5873، ومسلم في اللباس، حديث 2091 (54) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 262.

ص: 23

واحتج بأن ابن عمر كان له خاتم، رواه أبو داود

(1)

. وظاهر ما نقل عن أحمد

(2)

: أنه لا فضل فيه. وجزم به في "التلخيص" وغيره. وقيل: يُستحب. قدَّمه في "الرعاية". وقيل: يُكره لقصد الزينة، جزم به ابن تميم.

(ولُبْسه) أي: الخاتم (في خِنصر يسارٍ أفضل) من لُبْسه في خِنصر اليمين، نص عليه في رواية صالح والفضل

(3)

، وأنه أقرُّ وأثبت. وضعَّف في رواية الأثرم وغيره التختم في اليمنى

(4)

.

قال الدارقطني وغيره

(5)

: المحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره، وأنه إنّما كان في الخِنصر

(6)

؛ لكونه طرفًا، فهو أبعد في

(1)

في الخاتم، باب 5، حديث 4228. ورواه - أيضًا - ابن أبي شيبة (8/ 284)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 202) رقم 6363 - 6364، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 112)، عن نافع أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى. قال ابن رجب في أحكام الخواتيم ص/ 147: وقد ثبت لبس الخاتم عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر. وقال في عون المعبود (11/ 225): هذا حديث موقوف وسنده صحيح، والله أعلم.

(2)

انظر أحكام الخواتيم لابن رجب ص/ 64.

(3)

مسائل صالح (2/ 208)، رقم 782.

(4)

الآداب الشرعية (3/ 502)، وأحكام الخواتيم لابن رجب ص/ 161.

(5)

لم نجده في مظانه من كتب الدارقطني المطبوعة، وانظر: العلل المتناهية لابن الجوزي (2/ 206)، والآداب الشرعية (3/ 502)، وأحكام الخواتيم لابن رجب ص/ 155.

(6)

روى مسلم في اللباس حديث 2095 عن أنس رضي الله عنه قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه. وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى. وروى مسلم - أيضًا - في المساجد حديث 640 عن أنس رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى وبيص =

ص: 24

الامتهان، فيما تتناوله اليد؛ ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله.

(و) الأفضل أن (يجعل فَصَّه مما يلي كفّه) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يفعلُ ذَلكَ"

(1)

. وكان ابن عباس وغيره يجعله مما يلي ظهر كفه

(2)

، قاله في "الفروع".

(ولا بأس بجعله مثقالًا فأكثر) لأنه لم يرد فيه تحديد (ما لم يخرج عن العادة) وإلا؛ حَرُم؛ لأن الأصل التحريم، خرج المعتاد؛ لفعله صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة.

(و) له (جَعْل فَصِّه منه، أو من غيره) لأن في البخاري من حديث أنس: "كان فَصُّه منهُ"

(3)

، ولمسلم:"كان فَصُّهُ حبَشِيًّا"

(4)

.

(ولو) كان فَصُّه (من ذهب، إن كان يسيرًا) فيباح - وإن لم نقل

= خاتمه من فضة. ورفع أصبعه اليسرى بالخنصر. ورواه النسائي في الزينة، باب 79، حديث 5300، أنهم سألوا أنسا عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه من فضة. ورفع إصبعه اليسرى الخنصر. وانظر فتح الباري (10/ 327).

(1)

رواه البخاري في اللباس، باب 46، حديث 5866، ومسلم في اللباس، حديث 2091، عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه مسلم في اللباس والزينة، حديث 2094، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أبو داود في الخاتم، باب 5، حديث 4229، والترمذي في اللباس، باب 16، حديث 1742، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 206)، رقم 6376، وقال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري -: حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد الله بن نوفل حديث حسن صحيح.

(3)

البخاري في اللباس، باب 48، حديث 5870.

(4)

مسلم في اللباس، حديث 2094.

ص: 25

بإباحة يسير الذهب - في اختيار أبي بكر عبد العزيز، والمجد والشيخ تقي الدين

(1)

. وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في العَلَمِ

(2)

، وإليه ميلُ ابن رجب

(3)

، ذكره في "الإنصاف"، وقال: وهو الصواب، والمذهب على ما اصطلحناه. واختار القاضي وأبو الخطاب التحريم، وقطع به في "شرح المنتهى" في باب الآنية.

(ويُكره لُبْسه في سبابة ووسطى) للنهي الصحيح عن ذلك

(4)

(وظاهره: لا يُكره) لبسه (في الإبهام والبِنصر) وإن كان الخنصر أفضل، اقتصارًا على النص، ذكره في "الفروع". والبِنصر: بكسر الباء والصاد، قاله في "حاشيته".

(ويُكره أن يكتب عليه) أي: الخاتم (ذِكْرَ الله من القرآن أو غيره) نصًّا

(5)

. قال إسحاق بن راهويه

(6)

: لما يدخل الخلاء فيه. قال في "الفروع": ولعل أحمد كرهه لذلك. قال: ولم أجد للكراهة دليلًا سوى هذا، وهي تفتقر إلى دليل، والأصل عدمه.

(و‌

‌يَحرم أن ينقش عليه صورةَ حيوان)

لما تقدم في تحريم التصوير

(7)

.

(1)

مجموع الفتاوى (25/ 64).

(2)

انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 146) رقم 1822.

(3)

أحكام الخواتيم ص/ 99.

(4)

أخرج مسلم في اللباس، حديث 2078 (65)، عن علي رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم في إصبعي هذه أو هذه. قال: فأومأ إلى الوسطى والتي تليها.

(5)

الآداب الشرعية (3/ 503)، وانظر كتاب الورع للإمام أحمد ص/ 138.

(6)

انظر أحكام الخواتيم ص/ 103.

(7)

(2/ 162).

ص: 26

(ويَحرم لُبْسه) أي: الخاتم (وهي) أي: الصورة (عليه) كالثوب المصوَّر.

(ويُباح التَّختم بالعقيق) قال ابن رجب

(1)

: ظاهر كلام أكثر الأصحاب: لا يُستحب. وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية مُهنَّا، وقد سأله: ما السُّنة، يعني في التختم؟ قال: لم تكن خواتيم القوم إلا من الفضة. قال العقيلي

(2)

: لا يصح في التختم بالعقيق عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء. وقد ذكرها كلها ابن رجب في كتابه

(3)

، وأعلَّها. واستحبه صاحب "المستوعب" و"التلخيص" وابن تميم، وقدَّمه في "الرعاية" و"الآداب"

(4)

، وتبعهم في "المنتهى"، وحديث:"تختَّموا بالعقِيقِ، فإنهُ مبَاركٌ" ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات"

(5)

. قال في "الفروع": وهذا الخبر في إسناده يعقوب بن إبراهيم الزهري المدني

(1)

أحكام الخواتيم ص/ 92.

(2)

الضعفاء (4/ 449).

(3)

أحكام الخواتيم ص/ 92 - 94.

(4)

الآداب الشرعية (3/ 501).

(5)

(3/ 233) حديث 1461. وأخرجه - أيضًا - العقيلي (4/ 449)، وابن حبان في المجروحين (3/ 138) وابن عدي (7/ 2604، 2605)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 201) حديث 6357، والخطيب في تاريخه (11/ 251) وابن عساكر في تاريخه (13/ 318)، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

وذكره الديلمي في الفردوس (2/ 57) حديث 2323. قال العقيلي: ولا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء. وأورده السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 153، رقم 321، وقال: له طرق كلها واهية، والشوكاني في الفوائد المجموعة ص/ 194، وقال: قال ابن حجر: موضوع. والسيوطي في الجامع الصغير (3/ 235 مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 27

الذي قال ابن عدي

(1)

: ليس بالمعروف. وباقيه جيد، ومثل هذا لا يظهر كونه من الموضوع.

(ويُكره لرَجُل وامرأة خاتمُ حديد وصُفْر، ونحاس ورصاص) نص عليه في رواية الجماعة

(2)

. ونقل مُهنَّا

(3)

: أكره خاتم الحديد؛ لأنه حِلْية أهل النار

(4)

.

(1)

الكامل في الضعفاء (7/ 2604).

(2)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 147) رقم 1827، وأحكام الخواتيم ص/ 80، 85، 90.

(3)

انظر أحكام الخواتيم ص/ 80.

(4)

وروي مرفوعًا: رواه البخاري في الأدب المفرد، حديث 1021، وأحمد (2/ 163، 179، 211)، والطحاوي (4/ 261)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتمًا من ذهب فأعرض عنه، فألقاه واتخذ خاتمًا من حديد، فقال: "هذا شر، هذا حلية أهل النار. فألقاه فاتخذ خاتمًا من ورق، فسكت عنه".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 151): رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي أحمد ثقات.

وأخرجه بنحوه أبو داود في الخاتم، باب 4، حديث 4223، والترمذي في اللباس، باب 43، حديث 1785، والنسائي في الزينة، باب 46، حديث 5210، وفي الكبرى (5/ 449) حديث 9508، وابن حبان "الإحسان"(12/ 299) حديث 5488، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 199) حديث 6350 عن بريدة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقال النسائي في السنن الكبرى (5/ 449): هذ حديث منكر. وقال أحمد - كما في أحكام الخواتيم لابن رجب ص/ 80: هو حديث منكر. وقال المنذري في مختصر السنن (6/ 115): وعبد الله بن مسلم - راوي الحديث - قال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به. انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/ 165).

ص: 28

(وكذا دُمْلُوج

(1)

) من حديد أو صُفْر أو نحاس أو رصاص؛ لأنه في معنى الخاتم، وجوَّزه أبو الخطاب.

(ويُباح له) أي: الذَّكَر (من الفضة: قَبيعة سيف) لقول أنس: "كانتْ قَبيعَةُ سيفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فضَّةً". رواه الأثرم

(2)

. والقَبيعة:

(1)

الدُّمْلُوج: ما أحاط بالعَضُدِ من الحلي. انظر "تاج العروس"(5/ 579) مادة (دملج).

(2)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الجهاد، باب 71، حديث 2583، 2585، والترمذي في الجهاد، باب 16، حديث 1691، وفي الشمائل حديث 99، والنسائي في الزينة، باب 120، حديث 5389، وفي الكبرى (5/ 508) حديث 9813، وابن سعد (1/ 487)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 239، 543)، حديث 312، 1288، والدارمي في الجهاد، باب 21، حديث 2457، والدولابي في الكنى (1/ 140)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 20) حديث 1398 - 1400، والعقيلي (1/ 199)، وابن عدي (2/ 550)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي ص/ 140، والبيهقي (4/ 143)، والبغوي في شرح السنة (10/ 397) حديث 2655 - 2656، والضياء في المختارة (6/ 347) حديث 2375 من طريق قتادة عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الجهاد، باب 71، حديث 2584، والترمذي في الشمائل حديث 100، والنسائي في الزينة، باب 120، حديث 5390، وفي الكبرى (5/ 508) حديث 9814، وابن سعد (1/ 487)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 239، 543)، حديث 312، 1288، والدولابي في الكنى (1/ 140)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 21)، حديث 1401، والعقيلي (1/ 199)، والبيهقي (4/ 143)، عن قتاة، عن سعيد بن أبي الحسن البصري مرسلًا.

واختلف النقاد في ترجيح الرفع والإرسال. فقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى كما في نصب الراية (4/ 232): =

ص: 29

ما يجعل على طرف القبضة؛ ولأنها حِلْية معتادة للرجل، أشبهت الخاتم.

(و) يُباح له (حِلْية مِنْطَقَة) وهي ما شَدَدتَ به وَسطك قاله الخليل

(1)

. وتسميها العامة: حياصة؛ لأن الصحابة اتخذوا المناطق محلاة بالفضة، وهي كالخاتم. قال في "الاختيارات"

(2)

: وكتابة القرآن على الحياصة والدرهم والدينار مكروهة.

(و) يُباح له من الفضة حلية (جوشن وبيضة، وهي: الخوذة، و) حلية (خف، وحلية ران، وهي: شيء يلبس تحت الخف، وحمائل) واحدتها حمالة، قاله الخليل

(3)

(ونحو ذلك، كالمغفر، والنعل، ورأس الرمح، وشعيرة السكين، والتَّركَاش

(4)

، والكلاليب بِسَيْر، ونحو ذلك) لأنه يساوي المِنْطقة معنى، فوجب أن يساويها حكمًا.

= الذي أسنده ثقة.

ورجح الإرسال النسائي كما في تحفة الأشراف (1/ 301)، وأحمد، والدارمي والبيهقي، وغيرهم. انظر نصب الراية (4/ 232) والتلخيص الحبير (1/ 52). وله شاهد من حديث أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه أخرجه النسائي في الزينة، باب 120، حديث 5388، وفي الكبرى (5/ 508)، حديث 9815.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 52): إسناده صحيح. وحسنه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 25).

(1)

العين (5/ 104).

(2)

ص/ 153.

(3)

العين (3/ 241).

(4)

التركاش: التَّرْكَش: الجُعبة والكِنانة. انظر: الألفاظ الفارسية المعربة ص/ 36، والمعجم العربي الفارسي لمحمد هنداوي ص/ 132.

ص: 30

وعلَّل المجد بأنّه يسير فضة في لباسه، ولأنه يسير تابع، والتَّرْكاش والكلاليب ذكره الشيخ تقي الدين

(1)

. قال: وغشاء القوس والنشاب والقوقل

(2)

، وحلية المهماز الذي يحتاج إليه لركوب الخيل. وقال: لا حَدَّ للمباح من ذلك.

(ولو اتَّخذ لنفسه عدة خواتيم، أو) عدة (مناطق) ونحوها (فالأظهر جوازه) إن لم يخرج عن العادة (و) الأظهر (عدم) وجوب (زكاته) لأنه حلي أُعِد لاستعمال مباح.

(و) الأظهر (جواز لُبْس خاتمين فأكثر، جميعًا) إن لم يخرج عن العادة، كحلي المرأة.

(و‌

‌تحرم حِلية مسجد ومِحراب بنَقْد)

ذهب أو فضة؛ لأنه سرف، ويفضي إلى كسر قلوب الفقراء.

(ولو وَقَف على مسجد ونحوه) كمدرسة ورباط (قنديلًا من ذهب أو فضة، لم يصح) وقفه؛ لأنه لا يُنتفع به مع بقاء عينه (ويحرم) ذلك؛ لأنه من الآنية (وقال الموفق) والشارح: (هو) أي: وَقْفه (بمنزلة الصدقة) به على المسجد (فيُكسر، ويُصرف في مصلحة المسجد وعمارته) تصحيحًا لكلام المكلف، حيث أمكن.

(و‌

‌يَحرم تَمويه سقف وحائط) ونحوه (بذهب أو فضة)

لأنه

(1)

الفتاوى الكبرى (4/ 437).

(2)

كذا في الأصول: "القوقل" وصوابه: "القِرْقِل" كما في الفتاوى الكبرى (4/ 437)، وهو نوعٌ من الدروع. انظر: المُطلع ص/ 390.

ص: 31

سرف، ويفضي إلى الخيلاء وكَسْر قلوب الفقراء (وتجب إزالته) كسائر المنكرات (و) تجب (زكاته) إن بلغ نصابًا بنفسه، أو ضمَّه إلى غيره؛ لعموم ما سبق.

(وإن استُهلك) النقد فيما مُوِّه به (فلم يجتمع منه شيء) بالعرض على النار (فله استدامته، ولا زكاة فيه؛ لعدم المالية) فلا فائدة في إتلافه وإزالته. ولما وُلِّي عمر بن عبد العزيز الخلافة أراد جَمْع ما في مسجد دمشق مما مُوِّه به من الذهب، فقيل له: إنّه لا يجتمع منه شيء، فتركه

(1)

.

(ولا يُباح من الفضة إلا ما استثناه الأصحاب على ما تقدم) بيانه (فلا يجوز لذكر وخُنثى لُبْس منسوج بذهب أو فضة، أو مموَّه بأحدهما، وتقدم في) باب (ستر العورة) مفصَّلًا

(2)

.

(ويُباح له) أي: الذَّكَر (من الذهب قَبيعةُ السيف) لأن عمر كان له سيف فيه سبائك من ذهب

(3)

، وعثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار

(1)

انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (2/ 276 - 277)، معجم البلدان (2/ 468 - 469).

(2)

(2/ 167).

(3)

أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 256)، رقم 325، عن سعيد بن مسلمة بن هشام، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان سيف عمر بن الخطاب الذي شهد بدرًا فيه سبائك من ذهب. وسعيد بن مسلمة قال البخاري عنه: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن عدي: أرجو أن لا يترك. انظر: ميزان الاعتدال (2/ 158).

ص: 32

من ذهب

(1)

، ذكرهما أحمد. (وذكر ابن عقيل: أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية مثاقيل) وحكاه في "المبدع" عن الإمام قال: فيحمل أنّها كانت ذهبًا وفضة، وقد رواه الترمذي

(2)

كذلك.

(و) يُباح لذكر من ذهب (ما دعت إليه ضرورة كأنف) وإن أمكن اتخاذه من فضة؛ لأن عرفجةَ بنَ أسعدَ قُطعَ أنفُهُ يومَ الكُلابِ، فاتخذَ أنفًا من فضةٍ فأنتنَ عليهِ، فأمرهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاتخذَ أنفًا منْ ذهَبٍ. رواه أبو داود وغيره

(3)

،

(1)

أثر عثمان بن حنيف لم نقف عليه، ولعله سهل بن حنيف، فقد أخرج ابن أبي شيبة (8/ 287) عن عثمان بن حكيم قال: رأيت في قائم سيف سهل بن حنيف مسمار ذهب. وسهل وعثمان رضي الله عنهما أخوان صحابيان.

(2)

في الجهاد باب 16، حديث 1690 عن مزيدة رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة، قال طالب - راوي الحديث - فسألته عن الفضة، فقال: كانت قبيعة السيف فضة.

ورواه - أيضًا - الطبراني في الكبير (20/ 346) حديث 813.

قال الترمذي: حسن غريب. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 34): وإسناده ليس بالقوي.

(3)

أبو داود في الخاتم، باب 7، حديث 4232 - 4234. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (7/ 64 - 65)، والترمذي في اللباس، باب 31، حديث 1770، وفي العلل الكبير ص/ 290 حديث 533، والنسائي في الزينة، باب 41، حديث 5176 - 5177، وفي الكبرى (5/ 440) حديث 9463 - 9464، والطيالسي ص/ 177، حديث 1258، وابن سعد (7/ 45)، وابن أبي شيبة (8/ 499)، وأحمد (5/ 23)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 258) حديث 2810 - 2811، وأبو يعلى (3/ 69 - 70) حديث 1501 - 1502، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 1114) حديث 3264، والطحاوي (4/ 257 - 258)، وفي شرح مشكل الآثار (4/ 30 - 32) =

ص: 33

وصححه الحاكم

(1)

. والحكمة في الذهب أنه لا يصدأ، بخلاف الفضة (وكربط سِنٍّ أو أسنان به) لما روى الأثرم عن موسى بن طلحة وأبي جمرة الضبعي، وأبي رافع، وثابت البناني، وإسماعيل بن زيد بن ثابت، والمغيرة بن عبد الله "أنهم شدُّوا أسنانهم بالذهب"

(2)

، وهي ضرورة فأُبيح كالأنف.

= حديث 1406 - 1408، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 53، 281)، وابن حبان "الإحسان"(12/ 276) حديث 5462، والطبراني في الكبير (17/ 145 - 146) حديث 369 - 371، والبيهقي (2/ 425)، وفي شعب الإيمان (5/ 193) حديث 6329، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 192)، عن عبد الرحمن بن طرفة، أن جده عرفجة بن أسعد أصيب أنفه. . . الحديث. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 609): لا يصح. ومال المزي إلى تصحيحه. وقال الحافظ في الدراية (2/ 224): وصححه ابن حبان، وانتقده ابن القطان. وانظر نصب الراية (4/ 236).

(1)

لم نجده في مظانه من كتب الحاكم المطبوعة، وذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث في إتحاف المهرة، ولم يعزه إلى الحاكم.

(2)

الأثرم لعله روى عن هؤلاء في سننه ولم تطبع، وأثر موسى بن طلحة رواه ابن سعد (5/ 163)، وابن أبي شيبة (8/ 498)، والطحاوي (4/ 258) وفي شرح مشكل الآثار (4/ 36) وأبو نعيم في الحلية (9/ 35).

وأثر أبي جمرة الضبعي رواه الطحاوي (4/ 259)، وفي شرح مشكل الآثار (4/ 37)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 591، 624) رقم 1336، 1338، 1463.

وأثر أبي رافع رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 38).

وأثر ثابت البناني رواه ابن أبي شيبة (8/ 499).

أما أثر إسماعيل بن زيد بن ثابت فلم نقف على من أخرجه.

وأثر المغيرة بن عبد الله رواه ابن أبي شيبة (4/ 36)، وأحمد (5/ 23)، والطحاوي (4/ 259)، وفي شرح مشكل الآثار (4/ 36).

ص: 34

(و‌

‌يُباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتُهن بلُبْسه،

كطوق وخَلْخَال، وسوار، ودُمْلُجٍ

(1)

، وقُرط) في أذن (وعِقْد) بكسر أوله (وهو - القلادة -، وتاج وخاتم، وما في المخانق

(2)

والمقالد من حرائز وتعاويذ وأُكَر

(3)

، وما أشبه ذلك

(4)

قلَّ أو كَثُر، ولو زاد على ألف مثقال، حتى دراهم ودنانير معرَّاة). أي: ذات عُرى جمع عروة (أو في مرسلة) أي: قلادة طويلة تقع على الصدر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّ الذهب والحرير للإناث من أُمَّتي، وحُرِّم على ذكُورِها"

(5)

وهي محتاجة إلى التجمُّل والتزين لزوجها. وظاهره: أن ما لم تَجْرِ العادة بلبسه، كالنعال المذهَّبة، لا يباح لهن؛ لانتفاء التجمُّل، فلو اتخذته، حَرُم، وفيه الزكاة.

(و‌

‌يُباح للرَّجُل والمرأة التحلِّي بالجوهر ونحوه)

كاللؤلؤ والياقوت (ولو في حلي، ولا زكاة فيه) لأنه معدّ للاستعمال، كثياب البذلة (إلا أن يعدَّ) الجوهر ونحوه (فيه) أي: في الحَلْي (للكِراء أو للتجارة) فيقوَّم ما فيه من الجوهر ونحوه، تبعًا للنقد؛ لأنه مال تجارة (كما

(1)

سبق التعريف به (5/ 29) تعليق رقم (1).

(2)

المخانق: جَمْع "مِخْنَقة" وهي القلادة الواقعة على المُخنَّق. "لسان العرب"(10/ 92) مادة (خنق).

(3)

الأُكر: جمع كرة، والمراد بها ما يتخذ للزينة من عقيق ونحوه، يجعل على شكل كرات. انظر: لسان العرب (5/ 220)، مادة (كرا) وقرى الضيف (1/ 449).

(4)

الذي عليه المحققون من أهل العلم تحريم اتخاذ وتعليق الأحرار ونحوها. وقد سبق التنبيه على ذلك (1/ 108) تعليق رقم (2).

(5)

تقدم تخريجه (2/ 168) تعليق رقم (2).

ص: 35

تقدم) في الباب

(1)

.

(ويَحرُم تشبُّه رجل بامرأة، و) تشبُّه (امرأة برَجُل في لباس وغيره) ككلام، واحتج أحمد

(2)

بلعن المتشبِّهات من النساء بالرجال

(3)

. وجزم جماعة بالكراهة (ويجب إنكاره) باليد، فإن عجز فباللسان مع أمْنِ العاقبة، فإن عَجَز فبقلبه كسائر المنكرات (وتقدم) في ستر العورة

(4)

أنه يَحرم تشبُّه كل منهما بالآخر.

(1)

(5/ 23).

(2)

الفروع (2/ 480).

(3)

أخرج البخاري في اللباس، باب 61، 62، حديث 5885، 5886، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.

(4)

(2/ 171).

ص: 36

‌باب زكاة عُروض التجارة

‌العُروض:

جمع عَرْض - بإسكان الراء - وهو ما عدا الأثمان من الحيوان والثياب - وبفتحها - كثرة المال والمتاع.

وسُمِّي عَرْضًا؛ لأنه يعرض ثم يزول، ويفنى.

وقيل: لأنه يُعْرض ليباع ويشترى؛ تسمية للمفعول باسم المصدر، كتسمية المعلوم علمًا

(1)

.

‌وفي اصطلاح المتكلمين:

العَرَض - بفتحتين - ما لا يبقى زمانين

(2)

.

وبوَّب عليه في "المحرر" و"الفروع" تبعًا للخرقي بزكاة التجارة، وهي أشمل لدخول النقدين في ذلك، كما تقدم، لكن عدل المؤلف عنه: لأنه عَبَّر في أول كتاب الزكاة عند تعداد أموال الزكاة بالعروض، ولذلك قال:

(وهي ما يُعدُّ لبيعٍ وشراء، لأجل ربح غير النقدين غالبًا) فلا يَرِدُ أن النقدين قد يُعدَّان كذلك؛ لأنه من غير الغالب.

(تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نِصابًا) في قول الجماهير، وادَّعاه ابن المنذر إجماعَ أهل العلم

(3)

. وقال المجد: هو

(1)

انظر لسان العرب (7/ 169، 170).

(2)

انظر "المواقف" للإيجي (ص 96، 101).

(3)

الإجماع ص/ 51.

ص: 37

إجماع متقدم، لقوله تعالى:{فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}

(1)

وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}

(2)

ومال التجارة أعمُّ الأموال، فكان أولى بالدخول، ولحديث أبي ذرٍّ مرفوعًا: "وفي البَزِّ

(3)

صدقَةٌ" رواه أحمد، ورواه الحاكم

(4)

من طريقين، وصحَّح إسنادهما وقال: إنه

(1)

سورة المعارج، الآية:24.

(2)

سورة التوبة، الآية:103.

(3)

بالباء المفتوحة والزاي كما صرح به الدارقطني في سننه (2/ 101) وغيره وهي الثياب التي هي أمتعة البزاز، وتصحف في بعض كتب الحديث إلى البُر -بضم الباء وبالراء- وهو خطأ. انظر تهذيب الأسماء واللغات (2/ 26) والمجموع (6/ 47).

(4)

أحمد (5/ 179) من طريق ابن جريج، والحاكم (1/ 388) من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، وابن جريج، عن عمران بن أبي أنس، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن أبي ذر رضي الله عنه.

ورواه -أيضًا- الترمذي في العلل الكبير ص/ 100 حديث 171، والدارقطني (2/ 102) من طريق ابن جريج. والبزار (9/ 340، 341) حديث 3895، 3896، والدارقطني (2/ 100) والبيهقي (4/ 147) من طريق موسى بن عبيدة، عن عمران بن أبي أنس، عن مالك بن أوس، عن أبي ذر رضي الله عنه.

واختلف قول النقاد فيه، فصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وخالفهما غير واحد:

فقال الترمذي: سألت محمدًا [هو البخاري] عن هذا الحديث، فقال: ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس، يقول: حدَّثت عن عمران بن أبي أنس. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 55): فيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. وقال -أيضًا- (2/ 388) بعد نقل كلام الترمذي المذكور: فالحديث على هذا منقطع، وابن جريج لم يقل: حدثنا عمران، وهو مدلس. وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 259): رواه أحمد وفي إسناده انقطاع. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 309): رواه الدارقطني والبيهقي =

ص: 38

على شرط الشيخين. واحتج أحمد

(1)

يقول عمر لحِماس -بكسر الحاء المهملة-: "أدِّ زكاةَ مَالِكَ، فقال: ما لي إلا جِعابٌ وأدُمٌ، فقال: قوِّمْهَا وأدِّ زكاتهَا". رواه أحمد، وسعيد، وأبو عبيد، وأبو بكر ابن أبي شيبة

(2)

وغيرهم. وهو مشهور، ولأنه مال نامٍ، فوجبت فيه الزكاة، كالسائمة. وقوله صلى الله عليه وسلم:"عفوتُ لكم عن صدقةِ الخيْلِ والرقيقِ"

(3)

المراد به زكاة العين لا القيمة، على أن خبرنا خاص، وهو مقدَّم على العام. وقال داود

(4)

: لا زكاة في عُرُوض التجارة.

(ويؤخذ) الواجب (منها) أي: من القيمة (لأنها مَحلُّ الوجوب) رُبع العُشْر، وما زاد على النصاب فبحسابه، ويُعتبر الحول كما تقدم التنبيه عليه. و (لا) يؤخذ (من العروض) لأنها ليست مَحلَّ الوجوب، فإخراجها كالإخراج من غير الجنس.

(ولا تصير) العروض (للتجارة إلا) بشرطين:

أحدهما (أن يملِكَها بفعله) بخلاف الإرث ونحوه، مما يدخل قهرًا؛ لأنه ليس من جهات التجارة.

= بأسانيد فيها مقال. وقال ابن حجر في إتحاف المهرة (14/ 182): كأنه دلسه ابن جريج عن موسى بن عبيدة، فالحديث حديثه، ومداره عليه، وهو ضعيف. وانظر نصب الراية (2/ 376).

(1)

انظر الفروع (2/ 502، 503).

(2)

تقدم تخريجه (4/ 35)، تعليق رقم (7).

(3)

تقدم تخريجه (4/ 38) تعليق رقم (2).

(4)

انظر المحلى (5/ 209، 234، 235) والمغني (4/ 248) والمجموع للنووي (6/ 4).

ص: 39

الثاني المنبَّه عليه بقوله: (بنيَّة التجارة حال التملُّك، بأن يقصِدَ التكسُّب بها) لأن الأعمال بالنية، والتجارة عمل، فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال؛ ولأنها مخلوقة في الأصل للاستعمال، فلا تصير للتجارة إلا بالنية، كعكسه. وتعتبر النية في جميع الحول؛ لأنه شرط أمكن اعتباره في جميعه، فوجب، كالنصاب.

ثم أخذ يفصل ملكه إياها فقال: (إما بمُعاوضَةٍ محضة) أي: خالصة (كالبيع، والإجارة، والصُّلح عن المال بمال، والأخذ بالشُّفعة، والهِبة المقتضية للثواب) أي: المشروط فيها عِوض معلوم (أو استردَّ ما باعه) بإقالة أو إعسار المشتري بالثمن ونحوه، بنية التجارة (أو) بمعاوضة (غير محضة، كالنكاح، والخُلع، والصلح عن دم العمد) وعِوض الخُلْع (أو بغير معاوضة، كالهبة المطلقة) التي لم يشترط فيها ثواب (والغنيمة، والوصية، والاحتشاش، والاحتطاب والاصطياد) لعموم خبر سَمُرة قال: "أما بعدُ، فإن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يأمرُنا أن نخرِجَ الصدقة مما نعدُّهُ للبيعِ". رواه أبو داود

(1)

، وفي إسناده

(1)

في الزكاة، باب 2، حديث 1562. وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (7/ 235، 257) حديث 7029، 7047، والدارقطني (2/ 128)، والبيهقي (4/ 146 - 147)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 130 - 131)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 47) حديث 993 كلهم من طريق جعفر بن سعد بن سمرة، حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

وضعفه ابن حزم في المحلى (5/ 334) لجهالة بعض رواته. وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 171): خبيب هذا ليس بمشهور، ولا أعلم روى عنه إِلا جعفر بن سعد بن سمرة، وليس جعفر هذا ممن يعتمد عليه. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 138): ما من هؤلاء من يعرف حاله. وقال الذهبي =

ص: 40

جعفر وخُبَيْب مجهولان، قال الحافظ عبد الغني: إسناد مقارب

(1)

.

(فإن ملكها بإرثٍ) ومثله عودها إليه بطلاق قبل الدخول، وفسخ من قِبَلها قَبِلَه، ومُضي حولِ التعريف في اللُّقطة، لم تَصِرْ للتجارة؛ لأنه ملكه بغير فعله، فجرى مجرى الاستدامة (أو ملكها بفعله بغير نية) التجارة (ثم نوى التجارة بها، لم تَصِرْ للتجارة) لفقد الشرط الثاني (إلا أن يكون اشتراها بعَرْضِ تجارة، فلا يحتاج إِلى نية) التجارة، بل يكفيه استصحاب حكمها، بأن لا ينويها للقُنْية.

(وإن كان عنده عَرْض للتجارة، فنواه للقُنْية) -بضم القاف وكسرها-: الإمساك للانتفاع دون التجارة (ثم نواه للتجارة، لم يَصِرْ للتجارة) لأن القُنْية هي الأصل، فيكفي في الرد إليه مجرد النية، كما لو نوى المسافر الإقامة؛ ولأن نية التجارة شرط للوجوب فيها، فإذا نوى القُنْية زالت نية التجارة، ففات شَرْطُ الوجوب، بخلاف السائمة إذا نوى علفها؛ فإن الشرط السوم دون نيته (إلا حلي اللبس، إِذا نوى به التجارة، فيصير لها بمجرَّد النية لأن التجارة الأصل

(2)

فيه) أي: في الحلي، فإذا نواه للتجارة، فقد ردَّه إلى الأصل.

= في ميزان الاعتدال (1/ 407): هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم. وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/ 259): رواه أبو داود والدارقطني بإسناد غريب. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 179): وفي إسناده جهالة. وقال في الدراية (1/ 260): وفيه ضعف. وحسَّن إسناده ابن عبد البر في التمهيد، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 1435).

(1)

عمدة الأحكام الكبرى ص/ 186.

(2)

فى "ح": "أصل".

ص: 41

(وتقوَّم العروض) التي تجب الزكاة في قيمتها (عند) تمام (الحول) لأنه وقت الوجوب (بالأحظِّ لأهل الزكاة وجوبًا من عين) أي: ذهب (أو وَرِق) قال الجوهري

(1)

: الورق: الدراهم المضروبة. وفيه أربع لغات: وَرِق كَوَتِد، وَوَرْق كَفَلْس، وَوَرَق كَقَلَم، وَرِقَة كعِدَة. (سواءٌ كان) الأحظ لأهل الزكاة (من نَقْدِ البلد، وهو الأَولى) لأنه أنفع للآخذ (أو لا) أي: أو من غير نَقْد البلد؛ لأن التقويم لحظ أهل الزكاة، فتقوّم بالأحظ لهم.

(وسواء بلغت قيمتها) أي: العروض (بكلِّ منهما) أي: العين والورق (نصابًا، أو) بلغت نصابًا (بأحدهما) دون الآخر (ولا يُعتبر ما اشتُريت به) من عين أو ورق، لا قَدْرًا ولا جنسًا، رُوي عن عمر

(2)

؛ لأن في تقويمها بما اشتريت به إبطالاً للتقويم بالأنفع، فإن بلغت قيمتها نصابًا بالدراهم فقط، قوِّمت بها، وإن كان اشتراها بالذهب وكذا عكسه.

(ولا عِبرةَ بنقصه) أي: ما قُوِّمت به (بعد تقويمه) إذا كان التقويم عند تمام الحول؛ لأن الزكاة قد استقرت كما لو تلف النصاب وأَوْلى.

(ولا) عِبرة (بزيادته) أي: زيادة ما قُوِّمت به بعد الحول بالنسبة لما قبل، لتجدده بعد الحول، بل يعتدُّ به في القابل (إلَّا المُغنِّيةَ، فتقوَّم ساذجة) لأن صفة معرفة الغناء لا قيمة لها، وكذا الزامرة

(1)

الصحاح (4/ 1564).

(2)

تقدم قول عمر لحِماس: "قوِّمها وأدِّ زكاتها"(4/ 35) تعليق رقم (7).

ص: 42

والضاربة على آلة لَهْو، وكل ذي صناعة محرَّمة.

(ولا عِبرة بقيمة آنية ذهب أو فضة) لتحريمها، وكذا رِكاب وسرج ولجام ونحوه محلًّى.

(ويقوَّم الخصي) عبدًا أو غيره (بصفته) لأن المحرَّم الفعل -وقد انقطع- لاستدامته

(1)

.

(وإن اشترى) أو باع (عرضًا) للتجارة (بنصاب من الأثمان، أو من العروض، بَنَى على حَوْله) أي: حول الأول وفاقًا؛ لأن الزكاة في الموضعين تتعلق بالقيمة، وهي الأثمان، والأثمان يبنى حول بعضها على بعض، ولأن وَضْعَ التجارة للتقلُّب والاستبدال بثمن وعَرْض، فلو لم يَبْنِ، بطلت زكاة التجارة. وإن لم يكن النقد نصابًا، فحوله من حين كَمُلت قيمته نصابًا، لا من حين اشتراه.

(وإن اشتراه) أي: عرض التجارة (بنصاب من السائمة أو باعه) أي: عَرْض التجارة (بنصاب منها) أي: السائمة (لم يَبْنِ على حوله) لاختلافهما في النصاب والواجب.

(وإن اشترى نصابَ سائمة لتجارة بنصابِ سائمة لقُنْية، بَنَى) على حوله؛ لأن السَّوم سببٌ للزكاة، قُدِّم عليه زكاة التجارة لقوَّته، فبزوال المعارض ثبت حكم السوم ولظهوره.

(وإن مَلَكَ نصاب سائمة لتجارة، فحال الحولُ) عليه (والسَّومُ

(1)

في "ذ": "لا استدامته".

ص: 43

ونية التجارة موجودان، فعليه زكاة تجارة، دون) زكاة (سوم) لأن وضع التجارة على التقليب، فهي تزيل سبب زكاة السوم، وهو الاقتناء لطلب النماء معه. واقتصر في "المغني" و"الشرح" على التعليل بالأحظ.

(ولو سبق حول سَوْم وقتَ وجوب زكاة التجارة، مثل إن ملك أربعين شاة قيمتها دون مائتي درهم، ثم صارت قيمتها في نصف الحول مائتي درهم، زكَّاها زكاةَ تجارة إذا تمَّ حولُها؛ لأنه أنفع للفقراء) من زكاة السوم (فإن لم تبلُغ قيمتها نصاب التجارة، فعليه زكاةُ السوم) قال في "المبدع": بلا خلاف؛ لوجود سبب الزكاة فيه، بلا معارض. فلو ملك أربعين شاة للتجارة، لا تبلغ قيمتها نصاب نقد، زكاها للسّوم عند تمام الحول.

(ولو ملك سائمةٌ للتجارة نصفَ حول، ثم قطع نية التجارة) فيها (استأنف) بها (حولًا) مِن قطْع النية؛ لأن حول التجارة انقطع بقطع النية، وحول السوم لا ينبني على حول التجارة.

(وإن اشترى أرضًا لتجارة بزَرْعِها) وبلغت قيمتها نصابًا، زكى الجميع زكاةَ قيمة (أو) اشترى أرضًا للتجارة، و (زَرعها ببذر تجارة) زكَّى الجميع زكاةَ قيِمة، إن بلغت قيمتها نصابًا (أو اشترى شجرًا لتجارة، تجب في ثمره الزكاة) كالنخل والكرم (فأثمر، واتفق حولاهما، بأن يكون بُدُوُّ الصلاح في الثمرة، واشتداد الحبِّ عند تمام الحول) أي: حول التجارة. وفي تسمية بُدُوِّ الصلاح واشتداد

ص: 44

الحب حولًا تَسمُّحٌ. (وكانت قيمة الأصل) أي:) الشجر (تبلغ نصاب التجارة، زكَّى الجميع زكاة قيمة) لأنه مال تجارة، فوجبت زكاتها كالسائمة، ولا شك أن الثمر والزرع جزء الخارج منه، فوجب أن يقوَّم مع الأصل، كالسخال، والربح المتجدد، إذا كانت الأصول للتجارة.

(و) كذا (لو سبق وجوبُ العُشْر) بأن كان بُدُوُّ صلاح الثمرة واشتداد الحبِّ قبل تمام حول التجارة، فيزكَّى زكاة قيمة (ولا عُشْر عليه) لأنه لو وجب لاجتمع في مال واحد زكاتان، وفيه ضررٌ بالمالك، وهو منفيٌّ شرعًا (ما لم تكن قيمتُها) أي: الأرض بزرعها أو الشجر (دون نصاب، كما تقدَّم) في السائمة (فإن كانت) قيمتها (دون نصاب، فعليه العُشر) لوجود سببه من غير معارض وهو أحظُّ للفقراء.

(ولو زرع بَذْرَ القُنية في أرض التجارة، فواجب الزرع العُشر) لأنه للقُنْية، وجزم به في "المبدع"(وواجب الأرض زكاة القيمة) لأنها مال تجارة، ومقتضى "المنتهى" أن الكلَّ يُزكَّى زكاة قيمة؛ لأن الزرع تابع للأرض. (وإن زرع بَذْرَ التجارة في أرض القُنية، زَكَّى الزرع زكاةَ قيمة) لأنه مال تجارة.

(ولو كان الثمر مما لا زكاة فيه، كالسَّفَرْجل والتفاح، ونحوهما) كالمِشْمِش والزيتون والكُمَّثرى (أو كان الزرع لا زكاة فيه، كالخضراوات) من بطيخ وقثاء وخيار (أو كان لعقار التجارة

ص: 45

وعبيدها) ودوابها (أجرة، ضمَّ قيمة الثمرة والخضروات والأُجرة إلى قيمة الأصل في الحول، كالربح) لأنه نماء.

(ولو أكثر من شراء عقارٍ فارًّا من الزكاة، زكَّى قيمته) قدَّمه في "الرعايتين" و"الفائق". قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب: معاملةً له بضدِّ مقصوده، كالفارِّ من الزكاة ببيع أو غيره، وظاهر كلام الأكثر، أو صريحه: لا زكاة فيه، قاله في "الفروع".

(و‌

‌لا زكاة فيما أُعِدَّ للكراء

من عقار وحيوان وغيرهما) لأنه ليس بمال تجارة.

(و‌

‌لو اشترى شِقْصًا للتجارة بألف، فصار عند الحول بألفين، زكَّاهما)

أي: الألفين؛ لأنهما قيمته عند تمام الحول (وأخَذَه الشفيعُ بألف) لأنه الذي وقع عليه العقد، والشفيع يأخذ به، وكذا لو ردّه المشتري لعيب فيه، ردّه بألف. (ولو اشتراه بألفين، فصار عند حوله بألف، زكَّى ألفًا) لأنه قيمته عند تمام الحول (وأخَذَه الشفيعُ بألفين) لأنه يأخذه بما وقع عليه العقد. وكذا لو ردَّه لعيبه، ردَّه بألفين.

(وإن اشترى صباغٌ ما يصبغ به، ويبقي) أثره (كزعفران ونِيْل وعُصفر ونحوه) كلُكٍّ

(1)

وبَقَّمٍ

(2)

وَفُوَّةٍ

(3)

(فهو عرض تجارة، يقوَّم

(1)

هو نبات يُصبغ به، واللَّكَّاء: الجلود المصبوغة باللُّكِّ. "القاموس المحيط" ص/ 952 مادة (لكك).

(2)

هو خشب شجره عِظام، وورقه كورق اللوز، وساقه أحمر، يُصبغ بطبيخه. "القاموس المحيط" ص/ 1080 مادة (بقم).

(3)

هو عروق يُصبغ بها. "القاموس المحيط" ص/ 1322 مادة (فوو).

ص: 46

عند) تمام (حَوْله؛ لاعتياضه) أي: الصباغ (عن صِبغٍ قائم بالثوب، ففيه معنى التجارة. ومثله ما يشتريه دبَّاغ ليدبغ به، كعَفص وقَرَظ، وما يدهن به، كسمن وملح) ذكره ابن البناء. وجزم في "منتهى الغاية" بأنه لا زكاة فيه، وعلل بأنه لا يبقى له أثر. ذكره في "الفروع".

(ولا زكاة فيما لا يبقى له أثرٌ، كما يشتريه قصَّار من حطب وقِلْي

(1)

ونُورَة وصابون وأشنان ونحوه) كنَطْرُون

(2)

؛ لأنه لا يعتاض عن شيء يقوم بالثوب، وإنما يعتاض عن عمله.

(ولا زكاة في آلات الصُّنَّاع، وأمتعة التجارة، وقوارير العطار، والسَّمَّان، ونحوهم) كالزيات والعسال (إلا أن يريد بيعَها) أي: القوارير (بما فيها) فيزكَّى الكل؛ لأنه مال تجارة (وكذا آلات الدَّوابِّ إن كانت لحفظها) فلا زكاة فيها؛ لأنها للقُنْية (وإن كان يبيعها معها فهي مال تجارة) يزكِّيها.

(ولو لم يكن ما ملكه) للتجارة (عَيْنَ مال، بل منفعةَ عينٍ، وجبت الزكاة) في قيمتها، إن بلغت نصابًا بنفسها أو بضمّها إلى غيرها، كالأعيان؛ لأنها مال تجارة.

(ولو قتل عبدَ تجارة خطأ أو عمدًا، فصالح سيِّدَه على مال، صار) المال (للتجارة) باستصحاب نية التجارة، كما لو اعتاض عنه.

(1)

هو شيء يتخذ من حريق الحمض، وهو رماد الغضى والرمث يحرق رطبًا ويرش بالماء فينعقد قليًا. "تاج العروس"(10/ 303).

(2)

هو حجر ملحي أصفر، يتولد من الأحجار السّبخة، وقد يتركب منها ومن الماء كالملح "كتاب الجوهرتين"(ص/ 68)، "تذكرة داود"(1/ 87).

ص: 47

(ولو اتَّخذ عصيرًا للتجارة فتخمَّر) العصير (ثم تخلَّل، عاد حكم التجارة) باستصحاب اليد، كالرهن.

(ولو اشترى عرض تجارة بعرض قُنية، فرُدَّ عليه بعيب) أو غيره (انقطع الحول) لقطعه نية التجارة، بخلاف ما لو استردَّه هو لعيب الثمن ونحوه بنية التجارة، وتقدم.

(وإذا أذِنَ كلُّ واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته) أي: الآذن (فأخرجاها معًا، أو جُهِلَ السَّبْقُ، ضَمِن كلُّ واحد منهما نصيب صاحبه؛ لأنه انعزل حكمًا، ولأنه لم يبق عليه زكاة)

(1)

والعزل حكمًا، العلم فيه وعدمه سواء، بدليل ما لو وكَّله في بيع عبد، فباعه الموكَّل، أو أعتقه، وحينئذ يقع الدفع إلى الفقير تطوعًا، ولا يجوز الرجوع عليه به، فيتحقق التفويت بفعل المخرج، وهذا التعليل لما إِذا أخرج كل منهما زكاة نفسه في آن واحد.

وأما إذا سبق أحدهما بالإخراج، وجهل أو نسي، فلأن الأصل أن إخراج المخرج عن نفسه وقع الموقع، بخلاف المخرج عن غيره.

وأيضًا: الأصل في القابض لمال غيره الضمان.

(وإن أخرج أحدُهما قبل الآخر) وعلم ولم يَنسَ (ضمن الثاني) أي: الذي أخرج ثانيًا (نصيبَ) المخرج (الأول، علم) الثانى بإخراج الأول (أو لم يعلم) به؛ لأنه انعزل بذلك بطريق

(2)

الحكم والعزل،

(1)

في "ذ" زيادة: "كما لو علم، ثم نسي".

(2)

في "ح": "من طريق".

ص: 48

كذلك لا يختلف بذلك، كما لو مات المالك.

و (لا) يضمن (إن أدَّى دينًا بعد أداء موكله، ولم يَعلم) بأداء موكله؛ لأنه غرَّه (و) لأنه هنا لم يتحقق التفويت، بدليل أنه (يَرجع الموكِّلُ على القابض بما قبض من الوكيل) ونظير هذا في مسألة الزكاة: لو كان القابض منهما الساعي والزكاة بيده، فإن الموكل يأخذها منه مادامت بيده، ولا يضمن وكيله له شيئًا، لعدم التفويت.

(ولو أذِنَ غير شريكين، كلُّ واحد منهما) أذِنَ (للآخر في إخراج زكاته، فـ) هما (كالشريكين فيما سبق) من التفصيل للتساوي في المعنى المقتضي للضمان أو عدمه.

(و‌

‌لا يجب) على الوكيل (إخراج زكاته أولًا)

أي: قبل أن يخرج عن موكله، بخلاف حج النائب عن غيره قبل أن يحج عن نفسه؛ لأنّه عبادة بدنية، بخلاف الزكاة فإنها مالية، كقضاء دين غيره قبل دينه (بل يُستحبُّ) أن يبدأ بإخراج زكاته أوَّلًا مسارعة للخير، وهذا إذا لم يُخِلَّ بالفورية، مع عدم العُذر، وإلا، فيأتي أن إخراج الزكاة واجب فورًا.

(ويُقبَلُ قول الموكِّل أنه أخرج زكاته قبل دَفْعِ وكيله إلى الساعي): لأنه مؤتمن في أداء ما وجب عليه. (و) يقبل (قول من دَفَعَ زكاة ماله إليه) أي: إلى الساعي (ثم ادعي أنه كان أخرجها) قبل الدفع إلى الساعي (وتؤخذ من الساعي) في الصورتين (إن كانت بيده) لتبين أنها ليست بزكاة (فإن تلفت) بيد الساعي (أو كان) الساعي (دفعها إلى الفقير، أو كانا) أي: الوكيل في الصورة الأولى وربُّ المال في الثانية

ص: 49

(دَفَعا إليه) أي: إلى الفقير (فلا) رجوع؛ لأنها انقلبت تطوُّعًا، كمن دفع زكاة يعتقدها عليه، فلم تكن.

(ومَن لزمه نَذْر وزكاة، قدَّم الزكاةَ) لوجوبها بأصل الشرع، (فإن قدَّم النذرَ، لم يصِرْ زكاةً) لحديث: "وإنمَا لكلِّ امرئٍ ما نوَى"

(1)

وإنما خُولف ذلك في الحج

(2)

؛ لدليل خاص

(3)

.

(وله) أي: لمن وجبت عليه زكاة (الصدقة تطوعًا قبل إخراج زكاته) كالصدقة قبل قضاء دينه، إن لم يضرَّ بغريمه.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(2)

"إذا نذر أن يحج، وكانت عليه حجة الإسلام، فحج عن النذر، وقعت عن حجة الإسلام". ش.

(3)

وهو حديث ابن عباس: ". . . . حج عن نفسك، ثم عن شبرمة" وسيأتي تخريجه في الحج إن شاء الله تعالى. وأخرج الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 281)، والبيهقي (4/ 339) عن زيد بن جبير قال: إني لعند عبد الله بن عمر، وسئل عن هذه، فقال: هذه حجة الإسلام، فليلتمس أن يقضي نذره. يعنى لمن كان عليه الحج، ونَذَرَ حجًّا.

ص: 50

‌باب زكاة الفطر

هو اسم مصدر من قولك: أفطر الصائم إفطارًا. وأضيفت إلى الفِطر؛ لأنه سبب وجوبها، فهو من إضافة الشيء إلى سببه. وقيل لها: فِطرة؛ لأن الفطرة الخلقة، قال تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}

(1)

وهذه يُراد بها الصدقة عن البدن والنفس، وهي -بضم الفاء

(2)

- كلمة مولَّدة. وقد زعم بعضهم

(3)

: أنه مما يلحن فيه العامة، وليست كذلك لاستعمال الفقهاء لها، قاله في "المبدع".

(وهي صدقة تجب بالفطر من رمضان، طُهرةً للصائم من اللَّغو والرَّفَث) لما روى ابن عمر قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرِ صاعًا من بُرٍّ

(4)

، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ، على العبدِ والحُرِّ، والذَّكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبير من المسلمينَ، وأمرَ بها أن تؤدى قبل خروج الناسِ إلى الصلاة". متفق عليه

(5)

، ولفظه للبخاري.

(1)

سورة الروم، الآية:30.

(2)

قال الإمام النووي في المجموع (6/ 48) يقال: زكاة الفطر، وصدقة الفطر، ويقال للمُخرج: فطرة -بكسر الفاء- لا غير، وهي لفظة مولدة لا عربية ولا معربة، بل اصطلاحية للفقهاء، وكأنها من الفطرة التي هي الخلقة، أي زكاة الخلقة. وانظر المطلع ص/137.

(3)

هو عبد اللطيف بن يوسف البغدادي فى كتابه ذيل الفصيح ص/13.

(4)

في "ح": "تمر"، وهو الموافق لما فى الصحيحين.

(5)

البخاري في الزكاة، باب 70، 71، 74، 76، 77، 78، حديث 1503، 1504، 1507، 1509، 1511، 1512، مسلم في الزكاة، حديث 984.

ص: 51

وعن ابن عباس قال: "فرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكَاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصائم من اللغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمسَاكين، فمن أدَّاها قبلَ الصلاةِ فهيَ زكاةٌ مقبُولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصلاةِ فهيَ صدقةٌ من الصدَقاتِ". رواه أبو داود وابن ماجه

(1)

.

ودعوى أن "فَرَض" بمعنى "قدَّر" مردود

(2)

بأن كلام الراوي لا يُحمل إلا على الموضوع الشرعي؛ بدليل الأمر بها في الصحيح -أيضًا- من حديث ابن عمر

(3)

.

(1)

أبو داود في الزكاة، باب 17، حديث 1609، وابن ماجه في الزكاة، باب 21، حديث 1827. وأخرجه -أيضًا- الدارقطني (2/ 138)، والحاكم (1/ 409)، والبيهقي (4/ 163)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 50) حديث 1000، والقَزويني في التَّدوين (4/ 201)، والمزي في تهذيب الكمال (12/ 311)، من طريق مروان بن محمد، عن أبي يزيد الخولاني، عن سيار بن عبد الرحمن عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.

قال الدارقطني: ليس فيهم مجروح. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 313). وتعقبه ابن عبد الهادي في المحرر (1/ 350)، وفي تنقيح التحقيق (2/ 1454) قال: ليس كما قال؛ فإن سيَّارا وأبا يزيد لم يخرج لهما الشيخان، وأبو يزيد الخولاني قال فيه مروان بن محمد: شيخ صدق.

وقال ابن دقيق العيد في الإلمام (1/ 324): وفيما قاله الحاكم نظر، فإن أبا يزيد وسيارًا لم يخرج لهما الشيخان، وكأن الحاكم أشار إلى عكرمة، فإن البخاري احتج به.

وحسَّن إسناده ابن قدامة في المغني (4/ 284)، والنووي في المجموع (6/ 126).

(2)

في "ذ": "مردودة".

(3)

روى البخاري في الزكاة باب 74، حديث 1507، ومسلم في الزكاة، حديث =

ص: 52

وذهب الأصمُّ وابن عُليَّةَ وجماعة إلى أنها سُنة مؤكَّدة

(1)

، وقول سعيد بن المسيب

(2)

وعمر بن عبد العزيز

(3)

في {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}

(4)

إنها زكاة الفِطر، رُدَّ بقول ابن عباس:"إنها تُطهِّر من الشركِ"

(5)

والسورة مكية، ولم يكن بها زكاة ولا عيد. قال في "المبدع": والظاهر أن فرضها مع رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وتقدم في أول الزكاة

(6)

ما يُعلم منه ذلك.

(ومصرِفُها) أي: زكاة الفِطر (كزكاة) المال، لعموم:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية

(7)

.

(وهي واجبة) لما تقدم (وتُسمى فرضًا) لقول

(8)

جمهور الصحابة.

و-أيضًا- فالفرض إن كان بمعنى الواجب، فهي واجبة، وإن كان

= 984 (15) أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعًا من تمر .. الخ.

وفي لفظ للبخاري في الزكاة، باب 76، حديث 1509، ولمسلم في الزكاة، حديث 986 "أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة".

(1)

"المجموع"(6/ 48).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 367).

(3)

أورده ابن كثير في تفسيره (4/ 105).

(4)

سورة الأعلى، الآية:14.

(5)

أخرجه الطبري في تفسيره (30/ 156) وفيه: من تَزكَّى من الشرك. وذكره السيوطي في الدر المنثور (6/ 339)، وعزاه -أيضًا- إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(6)

(4/ 302).

(7)

سورة التوبة، الآية:60.

(8)

في "ذ": "كقول".

ص: 53

بمعنى المتأكد فهي متأكدة (على كل مسلم) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "من المسلمين"(حُرٍّ، ولو من أهل البادية) لعموم ما سبق، خلافًا لعطاء

(1)

والزهري

(2)

، وربيعة، والليث

(3)

في قولهم: "لا تلزَمُ أهلَ البَوَادِي"(ومكاتَب) لوجوب نفقته في كسبه، فكذا فِطرته، (ذَكرٍ وأُنثى، كبيرٍ وصغير) لما سبق من الخبر

(4)

(ولو يتيمًا) فتجب في ماله، نص عليه

(5)

، كزكاة المال (ويُخرِج عنه) أي: اليتيم (من ماله وليُّه) كما ينفق عليه، وعلى من تلزمه نفقته.

(و)

‌ تجب زكاة الفطر على (سيِّدٍ مسلِمٍ عن عبده المسلِم،

وإن كان) العبد (للتجارة) فلا يضرُّ اجتماع زكاتين فيه؛ لأنهما بسببين مختلفين، فإن زكاة الفِطر تجب على بدن المسلم طُهرةً له؛ وزكاة التجارة تجب عن قيمته شكرًا لنعمة الغنى، مواساة للفقراء، وإنما الممتنع إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد. ومتى كان عبيد التجارة بيد المضارب ففطرتهم في مال المضاربة؛ لأن مؤنتهم منها. قاله في "الشرح".

و (لا) تجب على السيد (الكافر) لو هَلَّ شوال وفي ملكه عبد مسلم؛ لفقد شرط وجوبها، وهو الإِسلام. وقال في "المبدع" في

(1)

رواه عبد الرزاق (3/ 321) رقم 5797، وابن أبي شيبة (3/ 200).

(2)

رواه عبد الرزاق (3/ 321) رقم 5799.

(3)

ذكر قولَهما ابن عبد البر في التمهيد (14/ 330).

(4)

أي حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم (5/ 52)، تعليق رقم (3).

(5)

انظر: المبدع (2/ 386).

ص: 54

هذه: الأظهر وجوبها علي الكافر.

(و‌

‌تجب في مالِ صغيرٍ تلزمُه مؤنةُ نفسه)

لغناه بمال أو كسب، ويخرجها أبوه منه.

(و) تجب (في العبد المَرهون، و) العبد (المُوصَى به على مالكه وقت الوجوب) أي: عند غروب الشمس من آخر رمضان (وكذا) العبد (المبيع في مدة الخيار) تجب فِطرته على من حكم له بالملك، وهو المشتري على المذهب.

(فإن لم يكن للراهن شيءٌ غيرَ العبد) المرهون (بيع منه بقَدر الفِطرة) كأرش جنايته.

(إذا فَضَلَ عنده) أي: عند المسلم الذي تلزمه مؤنة نفسه (عنْ قُوته وقوتِ عياله يوم العيد وليلته صاع) لأن ذلك أهم، فيجب تقديمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ابدأ بنفْسِك ثم بِمَن تَعُول"

(1)

فظاهره أنه لا يُعتبر

(1)

لم نقف على من خرجه بهذا اللفظ. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 184): لم أره هكذا. وروى البيهقي (10/ 309) من حديث جابر رضي الله عنه، مرفوعًا: "

إذا كان أحدكم فقيرًا فليبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول

". وأصله في مسلم في الزكاة، حديث 997، ولفظه: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا" وروى البخاري في الزكاة، باب 18، حديث 1427، ومسلم في الزكاة، حديث 1034 عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". وأخرج البخاري في الزكاة، باب 18، حديث 1426 عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: =

ص: 55

لوجوبها ملك نصاب. وقاله الأكثر.

"تتمة": قال في "الاختيارات"

(1)

: من عجز عن صدقة الفِطر وقت وجوبها عليه، ثم أيسر فأدَّاها، فقد أحسن.

(ويُعتبر كون ذلك) أي: الصاع بعد قُوته، وقُوت عياله يوم العبد وليلته (فاضلًا بعد ما يحتاجه لنفسه ولمن تلزمه مؤنته، من مسكن وخادم ودابة وثياب بِذلة) -كسدرة-: ما يمتهن من الثياب في الخدمة، والفتح لغة، قاله في "الحاشية"(ودار يحتاج إلى أجرها لنفقته) ونفقة عيال

(2)

(وسائمةٍ يَحتاج إلى نمائها) من در ونسل ونحوهما (وبضاعة يحتاج إلى ربحها ونحوه). لأن هذه الأشياء مما تتعلق به حاجته الأصلية، فهو كنفقته يوم العيد (وكذا كتب) علم (يحتاجها للنظر والحفظ، وحَلْي المرأة للبسها، أو لكِراء تحتاج إليه) لأن ذلك أهم من الفطرة، فيقدم عليها، لكن ما ذكره من الكتب وحَلي المرأة، ذكره الموفق والشارح.

قال في "الفروع": ولم أجد هذا في كلام أحد قبلَه، ولم يستدل عليه. قال: وظاهر ما ذكره الأكثر من الوجوب، واقتصارهم على ما سبق من المانع، أي ما يحتاجه من مسكن، وعبد، ودابة، وثياب

= "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول" وروى مسلم في الزكاة، حديث 1036 عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى".

(1)

ص / 151.

(2)

في "ح" و"ذ": "عياله".

ص: 56

بِذْلة، أن هذا لا يمنع وجوب زكاة الفِطر. وذكر احتمالًا أن الكتب تمنع، بخلاف الحَلي؛ للحاجة إلى العلم وتحْصيله، قال: ولهذا ذكر الشيخ -أي: الموفق-: أن الكتب تمنع في الحج والكفارة، ولم يذكر الحلي، وهذا الاحتمال هو مقتضى كلام "المنتهى". وعلى ما ذكره الموفّق والشارح: هل يمنع ذلك من أخذ الزكاة؟ قال في "الفروع": يتوجه احتمالان. قال في "الإنصاف"، و"تصحيح الفروع": الصواب أن ذلك لا يمنع من أخذ الزكاة.

(وتلزم المُكاتَب فِطرة زوجته، و) فِطرة (قريبه ممن تلزمه مؤنته) كولده التابع له في الكتابة (و) فطرة (رقيقه) كفِطرة نفسه؛ لدخوله في عموم النص؛ ولأنه مسلم تلزمه نفقة من ذكر، فلزمته فِطرته، كالحُرِّ، لا على سيده.

(وإن لم يفضُل) مع من وجبت عليه زكاة الفِطر (إلا بعض صاع، لزمه إخراجُه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمرٍ فائتوا منه ما استطعتم"

(1)

؛ ولأنها طُهرة، فهي كالطهارة بالماء، والفرق بينها وبين الكفارة: أن للكفارة بدلا بخلاف هذه، فيخرج ما وجده (عن نفسه) لحديث:"ابدأ بنَفْسِك"

(2)

ويُكمِّله من تلزمه فطرته؛ لو عجَز عن جميعها.

(فإن فَضَل) عنده (صاعٌ وبعضُ صاع، أخرج الصاع عن نفسه) للحديث السابق (و) أخرج (بعضَ الصاع عمَّن تلزمه نفقته) من زوجة

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234)، تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (5/ 55) تعليق رقم (1).

ص: 57

ونحوها (ويكمله المخرَج عنه) إن قدر؛ لأنه الأصيل والمخرِج متحمل، وليس من أهله فيما عجز عنه.

(و‌

‌يلزم المسلم فِطرةُ من يَمونُه من المسلمين)

من الزوجات والإماء، والأقارب، والموالي، فلا تلزمه فِطرة من يَمونه من الكفار لأنها طُهرة للمخرَج عنه، ولا يُطهِّره إلا الإِسلام، وكذا عبد عبده (حتى زوجةِ عبده الحرَّة) كنفقتها (و) حتى (مالك نَفع قِنٍّ فقط) وهو الموصى له بنفعه، فتجب فِطرته عليه كنفقته، لا على مالك الرقبة، (و) حتى (خادم زوجَته، إن لزِمته نفقتُه) لأن الفطرة متابعة للنفقة، وكذا مريض لا يحتاج نفقة؛ لعموم حديث ابن عمر قال:"أمرنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقَةِ الفطْرِ عن الصغِيرِ، والكبيرِ، والحر، والعبدِ، ممن تمُونُونَ" رواه الدارقطني

(1)

. وروى أبو بكر في "الشافي" نحوه من

(1)

(2/ 141). وأخرجه -أيضًا- البيهقي (4/ 161)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 48) حديث 996. قال الدارقطني: رفعه القاسم وليس بقوي والصواب موقوف. وقال البيهقي: إسناده غير قوي. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 1442): هذا إسناد لا يثبت لجهالة بعض رواته. وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 172)، والدارقطني (2/ 141)، بنحوه موقوفًا. وتقدم قول الدارقطني:"والصواب موقوف".

وفي الباب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (4/ 161)، قال:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل صغير أو كبير، حر أو عبد، ممن يمونون صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، عن كل إنسان". قال البيهقي: وهو مرسل. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 184) وفي الفتح (3/ 369): وفيه انقطاع.

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 53) وفي المسند (ترتيبه 1/ 251) حديث 676، عن جعفر الصادق، عن أبيه، مرسلًا. =

ص: 58

حديث أبي هريرة

(1)

.

(ولا تلزم) الفِطرة (الزوجَ لبائن حامل؛ لأن النفقة للحمل لا لها) من أجل الحمل، والحمل لا تلزم فطرته.

(ولا) تلزم الفِطرة (من استأجر أجيرًا، أو ظئرًا بطعامه وكسوته، كضيف) لأن الواجب هاهنا أجرة تعتمد الشرط في العقد، فلا يزاد عليها، كما لو كانت دراهم، ولهذا تختص بزمن مقدَّر، كسائر الأُجَر.

(ولا) تجب فطرة (من وَجَبت نفقتُه في بيت المال، كعبد الغنيمة قبل القسمة، و) عبد (الفيء ونحو ذلك) كاللقيط؛ لأن ذلك ليس بإنفاق، وإنما هو إيصال المال في حقه.

(ولا من تلزمُه نفقةُ زوجته الأمَة ليلًا فقط، بل هي على سيدها) أي: لو تزوج أمَةَ، وتسلمها ليلًا فقط، ففطرتها على السيد دون الزوج؛ لأنها وقت الوجوب

(2)

في نوبة السيد.

= ورواه عبد الرزاق (3/ 315) رقم 5773، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1244) رقم 2375، والدارقطني (2/ 152)، والبيهقي (4/ 161) عن علي رضي الله عنه قال: على من جرت عليه نفقتك نصف صاع بر، أو صاع من تمر. قال البيهقي: هذا موقوف، وعبد الأعلى: غير قوي، إلا أنه إذا انضم إلى ما قبله قويا فيما اجتمعا فيه.

(1)

كتاب "الشافي" لأبي بكر لم يطبع. ورواه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 324) رقم 5813، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1244 و 1259) رقم 2376 و 2423، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (9/ 46) رقم 3428، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يخرج زكاة الفطر عن كل إنسان يعول: من صغير وكبير، أو حر، أو عبد، وإن كان نصرانيا، مدين من قمح، أو صاعًا من تمر.

(2)

"لأنها تابعة للصوم" ش.

ص: 59

(وترتيبها) أي: الفِطرة (كالنفقة) لتبعيتها لها (فإن لم يجد) من يَمون جماعةً (ما يؤدي عن جميعهم، بدأ لزومًا بنفسه) لما تقدم من أنها تنبني على النفقة، ونفقة نفسه مقدمة فكذا فِطرته. (ثم بامرأته ولو أَمَة) تسلمها ليلا ونهارًا؛ لوجوب نفقتها مطلقًا بخلاف الأقارب، وقدمت على غيرها لآكديتها؛ ولأنها معاوضة. (ثم برقيقه) لوجوب نفقته مع الإعسار. وقال ابن عقيل: يحتمل تقديمه على الزوجة؛ لئلا تسقط بالكلية (ثم بأُمِّه) لتقديمها على الأب في البِرِّ؛ لحديث: "من أبرُّ؟ "

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 15، حديث 3، وأبو داود في الأدب، باب 129، حديث 5139، والترمذي في البر والصلة، باب 1، حديث 1897، وعبد الرزاق (11/ 132) حديث 20121، وأحمد (5/ 3، 5)، وهناد في الزهد (2/ 476) حديث 965، والطحاوي في شرح شكل الآثار (4/ 367) حديث 1667، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 71)، وابن حبان في الثقات (8/ 344)، والطبراني في الكبير (19/ 406) حديث 962، والحاكم (3/ 642، 4/ 150)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 68)، والبيهقي (4/ 179) وفي شعب الإيمان (6/ 180) حديث 7839، 7840، والخطيب في تاريخه (3/ 265، 10/ 376)، والبغوي في شرح السنة (13/ 5) حديث 3417، والمزي في تهذيب الكمال (7/ 203، 204)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (9/ 484، 485) عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال: قلت: ثم من؟ قال: أمك، قال: قلت: ثم من؟ قال: أمك، قال: قلت: ثم من؟ قال: ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب.

قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في الأدب، باب 2، حديث 5971، ومسلم في البر والصلة: حديث 2548، بلفظ: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ وفي رواية لمسلم: من أبر؟. الحديث.

ص: 60

(ثم بأبيه) لحديث: "أنتَ ومالُكَ لأبيك

(1)

".

(1)

روي من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه في التجارات، باب 64، حديث 2291، والطحاوي (4/ 158) وفي شرح مشكل الآثار (4/ 277) حديث 1598، والطبراني في الأوسط (4/ 322) حديث 3558 و (7/ 373) حديث 6724، وفي الصغير (2/ 63)، والبيهقي مطولا في دلائل النبوة (6/ 304)، والخطيب في الموضح (2/ 140) من طرق عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا.

صححه ابن القطان في بيان "الوهم والإيهام"(5/ 102) وحكى هو وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 203) تصحيحه عن البزار. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 25): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري. ورواه الشافعي في الرسالة ص / 467، وفي المسند (ترتيبه 2/ 180)، وعبد الرزاق (9/ 130) رقم 16628، وسعيد بن منصور (2/ 121) رقم 2290، وابن أبي شيبة (14/ 196)، والبيهقي (7/ 480) وفي معرفة السنن والآثار (1/ 166) رقم 263 و (11/ 298) رقم 15587 عن طريق ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر - مرسلًا.

قال الشافعي في الرسالة ص / 468: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورجح المرسل أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (1/ 466) رقم 1399، والبيهقي قال: هذا منقطع، وقد رُوي موصولًا من أوجه أخر، ولا يثبت مثلها. وقال في معرفة السنن والآثار: وقد رواه بعض الناس موصولا بذكر جابر فيه، وهو خطأ. وتعقبة ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله: قد رُوي موصولا من وجه صحيح.

ب - عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه أبو داود في البيوع، باب 79، حديث 3530، وابن ماجه في التجارات، باب 64، حديث 2292، وابن أبي شيبة (7/ 161، 14/ 197)، وأحمد (2/ 179، 204، 214)، وابن الجارود (3/ 251) حديث 995، والطحاوي (4/ 158)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 22)، والبيهقي (7/ 480) والخطيب في تاريخه (12/ 49). قال الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف (3/ 203): رواه أبو داود، وابن ماجه من طريق =

ص: 61

(ثم بولده) لوجوب نفقته في الجملة.

(ثم على ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب) لأن الأقرب أولى من غيره، فقُدِّم كالميراث.

= الحجاج بن أرطاة، عن عمرو، وحجاج مدلس، وفيه ضعف.

ج - عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن حبان "الإحسان"(2/ 142) حديث 410 و (10/ 74) حديث 4262. وصححه البزار وعبد الحق وابن الملقن كما في خلاصة البدر المنير (2/ 203).

د - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخرجه خيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فوائده ص / 70، والطبراني في الكبير (10/ 81) حديث 10019، وفي الأوسط (1/ 67) حديث 57، وفي الصغير (1/ 8)، وابن عساكر (22/ 13).

قال الطبراني في الصغير: لا يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن ذي حماية، وكان من ثقات المسلمين.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 154). رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات. وقال الحافظ في التلخص الحبير (3/ 189): فيه معاوية بن يحيى، وهو ضعيف.

هـ - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن معين في تاريخه، برواية الدُّوري (2/ 124) رقم 3685، وأبو يعلى (10/ 98) حديث 5731.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 154): رواه أبو يعلى وفيه: أبو حريز، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن حبان، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات.

و - سمرة رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 84) حديث 1260، والعقيلي (2/ 234)، والطبراني في الكبير (7/ 230) حديث 6961، وفي الأوسط (8/ 42) حديث 7084. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 154): رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عبد الله بن إسماعيل الجوداني، قال أبو حاتم: لين، وبقية رجال البزار ثقات.

ز - أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (7/ 481) وضعفه.

قال الحافظ في الفتح (5/ 211): فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة وجواز الاحتجاج به، وانظر: التلخيص الحبير (3/ 189).

ص: 62

(وإن استوى اثنان فأكثر) كولدين أو أولاد، أو إخوة

(1)

(ولم يفضل غير صاع، أُقرع) بينهم؛ لتساويهم وعدم المرجِّح، فلم يبقَ إلا القُرعة.

(ولا تجب) الفِطرة (عن جنين) ذكره ابن المنذر

(2)

إجماع من يُحفظ عنه من علماء الأمصار؛ لأنها لو تعلَّقت به قبل ظهوره، لتعلّقت الزكاة بأجنة السوائم؛ ولأنه لا يثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية، بشرط خروجه حيًّا (بل تُستحبُّ) الفِطرة عن الجنين، لفعل عثمان

(3)

. وعن أبي قلابة قال: "كان يعجِبهم أنْ يعطُوا زكاةَ الفِطرَةِ عن الصغيرِ والكبيرِ، حتى في الحملِ في بطنِ أمِّه" رواه أبو بكر في "الشافي"

(4)

.

(و‌

‌من تبرَّع بمؤنة مسلم شهرَ رمضان كله، لزمته فطرته)

نصَّ عليه في رواية أبي داود

(5)

وغيره؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "أدُّوا صدقَةَ الفِطرِ عمَّن تمونون"

(6)

. وروى أبو بكر بإسناده عن علي قال: "زكاةُ الفطرِ

(1)

في "ذ""أو أولاد إخوة".

(2)

الإجماع ص / 50.

(3)

رواه ابن أبي شيبة (3/ 219)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1243) رقم 2374 وعبد الله في مسائله (2/ 585) رقم 806، وابن حزم في المحلى (6/ 132).

(4)

كتاب "الشافي" لأبي بكر لم يطبع. وراوه -أيضًا- بنحوه ابن أبي شيبة (3/ 173، 219)، وأورده ابن حزم في المحلى (6/ 132) بمثله من عبد الرزاق، عن أيوب، عن أبي قلابة وقال: أبو قلابة أدرك الصحابة وصحبهم وروى عنهم.

(5)

مسائل أبي داود ص / 87.

(6)

تقدم تخريجه (5/ 58) تعليق رقم (1).

ص: 63

عَلى من جرَتْ عليهِ نفَقَتُكَ"

(1)

. وهذا يَعمُّ من يمونه وينفق عليه تبرعًا؛ فإن تبرع بمؤنته بعض رمضان ولو آخره، لم تلزمه؛ لظاهر النص. و (لا إن مَانَهُ جماعة) فلا يلزمهم فِطرته؛ لعدم إمانة أحدهم له جميع الشهر.

(وإذا كان رقيقٌ واحد بين شركاء) فعليهم صاع واحد بحسب ملكهم فيه، كنفقته (أو بعضه حُرٌّ) وبعضه رقيق، فعليه وعلى سيده صاع بحسب الحرية والرِّق (أو) كان (قريب، أو) عتيق (تلزم نفقتُهُ اثنين) كولديه أو أخويه، أو معتقه، أو ابني معتقه، فأكثر، ففطرته عليهم كنفقته، لكن لو كان أب وأم أو جدة، انفرد بها الأب كالنفقة (أو ألحقت القافةُ واحدًا باثنين فأكثر) على ما يأتي بيانه في اللقيط (فعليهم صاعٌ واحدٌ) لأن الشارع إنمّا أوجب عن

(2)

الواحد صاعًا، فأجزأ؛ لظاهر الخبر، وكالنفقة وماء طهارته.

(ولا تدخل الفِطرة في المُهايَأة فيمن بعضُه حُرٌّ) لأنها حق لله، كالصلاة، والمُهايأة معاوضة كسب بكسب (فإن كان يوم العيد نوبةُ العبد المُعتقِ نصفه مثلًا، اعتُبر أن يفضل عن قوته نصفُ صاع) فإن عجز عنه لم يلزم سيده سوى نصف الصاع، كما لو عجز مكاتب عنها (وإن كانت نوبة السيد) يوم العيد (لزم العبد -أيضًا- نصفُ صاع) ولو لم يملك غيره؛ لأن مؤنته على غيره.

(1)

كتاب "الشافي" لأبي بكر لم يطبع، وتقدم بنحوه (5/ 58) تعليق رقم (1).

(2)

في "ذ": "على".

ص: 64

(ومن عَجَزَ منهم) أي: الشركاء في قن أو من وُرَّاث لقريب أو عتيق، أو من ألحق بهم ولد (عمَّا) وجب (عليه) من الفطرة المشتركة (لم يلزم الآخر سوى قسطه، كشريك ذمي) فلا يلزم المسلم قسط الذمي.

(وإن عَجَزَ زوج المرأة عن فِطرتها فـ) ـهي (عليها وإن كانت حُرَّة، وعلى سيدها إن كانت أَمَة) لأن الزوج كالمعدوم (ولا ترجع) الزوجة (الحُرة، و) لا (السيد بها) أي: الفِطرة (على الزوج إذا أيسر) لأنها لم تكن وجبت عليه قبل؛ لعدم أهليته للتحمل والمواساة.

(ومن له عبد آبقٌ أو ضال، أو مغصوب، أو محبوس كأسير، فعليه فِطرته) للعموم، ولوجوب نفقته؛ بدليل رجوع من رد الآبق بنفقته على سيده، ولا فرق بين أن يرجو رجعته أو ييأس منها، ولا يلزمه إخراجها حتى يعود إليه، زاد بعضهم: أو يعلم مكان الآبق. قاله في "المبدع"(إلا أن يشك) السيد (في حياته) أي: الآبق ونحوه (فتسقط) فِطرته، نص عليه في رواية صالح

(1)

؛ لأنه لا يعلم بقاؤه، والأصل براءة الذمة، والظاهر موته، وكالنفقة؛ ولأنه لو أعتقه عن كفارته لم يجزئه (فإن علم سيدُه حياتَه بعد ذلك، أخرج لما مضى) لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الماضي، فوجب الإخراج، كمال غائب بانت سلامته.

(ولا يلزم الزوجَ فِطرة) زوجة (ناشز وقت الوجوب) أي: وجوب

(1)

لم نقف عليه في مسائل صالح المطبوعة، وهو في مسائل أبي داود ص / 87.

ص: 65

زكاة الفطر (ولو) كانت (حاملًا) لأن النفقة للحمل، ولا تلزم فِطرته.

(ولا يلزم الزوج) -أيضًا- فِطرة (من لا تلزمه نفقتُها، كغير المدخول بها إذا لم تُسلَّم إليه) أي: تبذل التسليم هي أو وليها. (والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاعُ بها) أي: بنت دون تسع؛ لأن الفِطرة تابعة للنفقة، كما تقدَّم.

(وتلزمه فِطرة مريضةٍ ونحوها لا تحتاج إلى نفقة) لأن عدم احتياجها للنفقة لا لخلل في المقتضي لها، بخلاف ما قبل.

(ومن لزم غيرَه فِطرته) كالزوجة (فأخرج عن نفسه بغير إذنه) أي: إذن من وجبت عليه (أجزأ) إخراجه (كما لو أخرج بإذنه) لأنه أخرج عن نفسه، فأجزأه، كمن وجبت عليه (لأن الغير متحمِّل) لكونها طهرة (لا أصيل) وإن كان مخاطبًا بها.

(ولو لم يخرج من تلزمه فطرة غيره مع قدرته) كالزوج القادر إذا لم يخرج فطرة زوجته (لم يلزم الغير) الذي هو الزوجة في المثال (شيء) لعدم خطابها بها (وله) أي: الغير الذي وجبت فطرته على غيره (مطالبته بالإخراج) كنفقته.

قلت: وظاهره: ولو ولدًا، فيطالب والده بها، كالنفقة.

(و‌

‌لو أخرج العبد) فِطرته (بغير إذن سيده، لم يجزئه)

لأنه تصرَّف في مال سيده بغير إذنه.

(وإن أخرج) من يصح تبرُّعه (عمن لا تلزمه فِطرته) كأجنبي

ص: 66

(بإذنه، أجزأ) إخراجه عنه (وإلا، فلا). قال الآجري: هذا قول فقهاء المسلمين.

(ولا يمنع الدين وجوب الفطرة، إلا أن يكون مطالبًا به) لتأكدها، بدليل وجوبها على الفقير، وشمولها لكل مسلم قدر على إخراجها، فجرى مجرى النفقة، بخلاف زكاة المال؛ فإنها تجب بالملك، والدين يؤثر فيه، والفطرة تجب على البدن، وهو غير مؤثر فيه، فإن كان مطالبًا به منع وجوبها؛ لوجوب أدائه عند المطالبة، وتأكده بكونه حق آدمي لا يسقط بالإعسار، أشبه من لا فضل عنده.

(وتجب) زكاة الفطر (بغروب شمس ليلة) عيد (الفطر) لقول ابن عباس: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقَةَ الفطرِ طهرةً للصائِم من اللَّغْو والرفَثِ، وطعمَةً للمَساكينِ". رواه أبو داود والحاكم

(1)

، وقال: على شرط البخاري، فأضاف الصدقة إلى الفطر فكانت واجبة به؛ لأن الإضافة تقتضي الاختصاص، وأول فطر يقع من جميع رمضان بمغيب الشمس من ليلة الفطر.

(فمن أسلم بعد ذلك) أي: بعد الغروب (أو تزوج) امرأة بعده (أو ولد له ولد) بعده (أو ملك عبدًا) بعده (أو كان معسرًا وقت الوجوب، ثم أيسر بعده، فلا فطرة) عليه، لعدم وجود سبب الوجوب (وإن وجد ذلك) بأن أسلم أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبدًا أو أيسر (قبل الغروب، وجبت) الفطرة؛ لوجود السبب، فالاعتبار

(1)

تقدم تخريجه (5/ 52)، تعليق رقم (1).

ص: 67

بحال الوجوب.

(وإن مات قبل الغروب) هو أو زوجته، أو رقيقه أو قريبه ونحوه (أو أعسر، أو أبان الزوجة، أو أعتق العبد ونحوه) كما لو باعه أو وهبه (لم تجب) الفطرة؛ لما تقدم.

(و‌

‌لا تسقط) الفطرة (بعد وجوبها

بموت ولا غيره) كإبانة زوجة، أو عتق عبد أو بيعه؛ لاستقرارها، وذكره المجد إجماعًا في عتق عبد.

(ويجوز تقديمها) أي: الفطرة (قبل العيد بيوم أو يومين) نص عليه

(1)

؛ لقول ابن عمر: "كانُوا يعطُونَ قبلَ العيدِ بيوم أو يومَينِ". رراه البخاري

(2)

(فقط) فلا تجزئ قبله بأكثر من يومين؛ لفوات الإغناء المأمور به في قوله صلى الله عليه وسلم: "أغنُوهُم عنِ الطّلَبِ هذا اليومَ". رواه الدارقطني

(3)

، من رواية أبي معشر، وفيه كلام، من حديث ابن عمر، بخلاف زكاة المال.

(1)

انظر: مسائل صالح (2/ 138)، ومسائل عبد الله (2/ 589).

(2)

في الزكاة، باب 77، حديث 1511.

(3)

(2/ 152). ورواه -أيضًا- ابن زنجويه في الأموال (3/ 1251) حديث 2397، وابن حزم في المحلى (6/ 121) من طريق أبي معشر المدني، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال ابن حزم: وأبو معشر المدني هذا نجيح مطرح يحدث بالموضوعات عن نافع وغيره. وانظر (3/ 409) تعليق رقم (1).

ورواه ابن سعد (1/ 148) عن عائشة، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم مرفوعًا بنحوه، وفي سنده محمد بن عمر الواقدي متروك، كما قاله الحافظ في التقريب (6215).

ص: 68

(وآخر وقتها غروب الشمس يوم الفطر) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهُم عنِ الطلَب هذا اليومَ"(فإن أخّرها عنه) أي: عن يوم الفطر (أثم) لتأخيره الواجب عن وقته؛ ولمخالفته الأمر (وعليه القضاء) لأنها عبادة، فلم تسقط بخروج الوقت، كالصلاة.

(والأفضل إخراجها) أي: الفطرة (يوم العيد قبل الصلاة، أو قدرها) في موضع لا يصلى فيه العيد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: "أمرَ بها أن تؤَدَّى قبلَ خروجِ الناس إلى الصَّلاةِ" في حديث ابن عمر

(1)

. وقال جمع: الأفضل أن يخرجها إذا خرج إلى المصلى.

(ويجوز) إخراجها (في سائره) أي: باقي يوم العيد؛ لحصول الإغناء المأمور به (مع الكراهة) لمخالفته الأمر بالإخراج قبل الخروج إلى المصلى.

(ومن وجبت عليه فطرة غيره) من زوجة أو عبد أو قريب (أخرجها مكان نفسه) مع فطرته؛ لأنها طهرة له، بخلاف زكاة المال، (ويأتي) في الباب بعده.

(1)

رواه البخاري في الزكاة باب 70، 76، حديث 1503، 1509، ومسلم في الزكاة، حديث 986.

ص: 69

فصل

(والواجب فيها) أي: الفطرة (صاع عراقي) لأنه الذي أخرج به في عهده صلى الله عليه وسلم. وعبارة "المبدع" صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات بكفَّي رجل معتدل القامة. وحكمته: كفاية الصاع للفقير في أيام العيد. انتهى. وهو قدَحَان، كما تقدم. (من البر، أو مثل مكيله من التمر أو الزبيب) قال في "المبدع": إجماعًا

(1)

(ولو) كان التمر والزبيب (منزوعي العجم) لعموم الخبر (أو الشعير) ذكره في "المبدع" إجماعًا.

(وكذا الأقط) ويأتي بيانه

(2)

(ولو لم يكن) الأقط (قوته و) لو (لم تعدم الأربعة) أي: التمر والزبيب والبر والشعير؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: "كنا نخرج زكاةَ الفِطر إذ كانَ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من زبيبٍ، أَو صاعًا من أقطٍ". متفق عليه

(3)

.

(أو) صاعًا (من مُجمَّع من ذلك) أي: من التمر والزبيب والبر

(1)

الإجماع لابن المنذر ص / 51، والتمهيد لابن عبد البر (4/ 135) والاستذكار (9/ 357) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 47)، وبداية المجتهد (2/ 134)، وشرح مسلم للنووي (7/ 60) في التمر والشعير فقط. وأما البر والزبيب فقد ذكر فيهما ابن عبد البر والنووي الخلاف.

(2)

(5/ 73).

(3)

البخاري في الزكاة، باب 72، 73. 75، حديث 1505، 1506، 1508، 1510، ومسلم في الزكاة، حديث 985.

ص: 70

والشعير والأقط، فإذا جمع منها صاعًا وأخرجه، أجزأه، كما لو كان خالصًا من أحدها (ولو لم يكن المخرج قوتًا له) أي: للمخرج كالتمر بمصر؛ فإنه ليس قوتًا بها غالبًا، ويجزئ إخراجه؛ لعموم ما سبق.

(ولا عبرة بوزن تمر وغيره، مما يخرجه سوى البر) لأن الصاع مكيال -لا صَنجة

(1)

- كما تقدم

(2)

.

(فإذا بلغ) المخرَج من غير البُرِّ (صاعًا بالبرِّ) بأن اتخذ ما يسع صاعًا من جيد البر، وأخرج به من غيره صاعًا (أجزأ) لأنه أخرج الواجب عليه (وإن لم يبلغ) المخرَج (الوزن) أي: وزن الصاع؛ لخفته كالشعير (ويحتاط في الثقيل فيزيد على الوزن) أي: وزن الصاع (شيئًا يعلم أنه) أي: الثقيل (قد بلغ صاعًا) كيلًا (ليسقط الفرض بيقين) فيخرج من العهدة.

(ولا يجزئ نصف صاع من بُرٍّ) لما تقدم من حديث أبي سعيد

(3)

. وأما ما رواه أحمد وغيره من حديث الحسن عن ابن عباس: "نصفُ صاعٍ من بُرّ"

(4)

ففيه مقال؛ لأن الحسن لم يسمع

(1)

تقدم تعريفها (4/ 402) تعليق رقم (2).

(2)

(1/ 369).

(3)

تقدم تخريجه (5/ 70) تعليق رقم (3).

(4)

أحمد (1/ 228، 351). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الزكاة، باب 20، حديث 1622، والنسائي في العيدين، باب 23، حديث 1578، وفي الزكاة، باب 36، حديث 2506، وفي الكبرى (1/ 553) حديث 1802، (2/ 26، 28) حديث 2287، 2294، وابن أبي شيبة (3/ 170، 223)، والبزار "كشف الأستار"(1/ 430) حديث 908، والعقيلي (4/ 416، 417) والدارقطني =

ص: 71

منه. قاله ابن معين

(1)

وابن المديني

(2)

.

(ويجزئ صاع دقيق وسويق، ولو مع وجود الحَبِّ) نص عليه

(3)

. واحتج بزيادة انفرد بها ابن عيينة، من حديث أبي سعيد:"أو صاعًا من دقيق". قيل لابن عيينة: إن أحدًا لا يذكره فيه، قال: بل هو فيه. رواه الدارقطني

(4)

. قال المجد: بل أولى بالإجزاء؛ لأنه كفى مؤنته،

= (2/ 152)، والبيهقي (4/ 168)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 53).

قال النسائي: الحسن لم يسمع من ابن عباس. وروى البيهقي بسنده عن ابن المديني أنه سئل عن حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر، فقال: حديث بصري، وإسناده مرسل، وقال: الحسن لم يسمع من ابن عباس، وما رآه قط

الخ. وقال البيهقي (4/ 170): وردت أخبار في نصف صاع، ولا يصح شيء من ذلك.

وصحَّح إسناده الدارقطني فيما حكاه عنه الحافظ في إتحاف المهرة (7/ 36). وقال النووي في المجموع (6/ 143). ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصف صاع من بُرٍّ، والمروي في ذلك ضعيف. وانظر التنقيح لابن عبد الهادي (2/ 1470، 1475) فإنه ذكر طرق الحديث، وأعلّها كلها، وانظر الجوهر النقي بهامش السنن الكبرى (4/ 168)، والتمهيد (4/ 125).

(1)

التاريخ برواية الدُّوري (2/ 111) رقم 4095 و (4/ 230) رقم 4095.

(2)

العلل ص / 51.

(3)

انظر مسائل عبد الله (2/ 583) رقم 802، ومسائل أبي داود ص / 84.

(4)

(2/ 146). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في الزكاة، باب 19، حديث 1618، والنسائي في الزكاة، باب 39، حديث 2512، وفي الكبرى (2/ 28) حديث 2293. والطحاوى في شرح مشكل الآثار (9/ 36) رقم 3420، والبيهقي (4/ 172)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 129)، عن ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا، وزاد الدارقطني: قال له علي بن المديني: يا أبا محمد -يعني ابن عُيينة- أحد لا يذكر في هذا الدقيق، قال: بلى هو فيه. قال النسائي: ثم شك سفيان فقال: =

ص: 72

كتمر نُزعَ حبه

(1)

.

(والسويقُ: برٌّ أو شعيرٌ يحمَّص) وعبارة "المبدع": يقلى (ثم يطحن. وصاع الدقيق) يعتبر بـ (وزن حبه) نص عليه

(2)

؛ لتفرق الأجزاء بالطحن، وكذا السويق.

(ويجزئ) دقيق (بلا نخل) كقمح بلا تنقية.

(والأَقْط: لبنٌ جامد يجفف بالمصل) أي: بسبب المصل الذي

= دقيق أو سلت. ونقل أبو داود في الزكاة، باب 19، عقب حديث 1618 أن سفيان ترك هذه الزيادة لما أنكروها عليه، ثم قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة. قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 1482): هذا إسناد حسن، لكن ذكر الدقيق قد أنكر على سفيان، ونقل عن أبي داود عن شيخه حامد بن يحيى: فأنكروا عليه فتركه سفيان. وقال البيهقي: رواه جماعة عن ابن عجلان، منهم: حاتم بن إسماعيل، ومن ذلك الوجه: أخرجه مسلم في الصحيح، ويحيى القطان وأبو خالد الأحمر، وحماد بن مسعدة وغيرُهم فلم يذكر أحد منهم الدقيق غير سفيان، وقد أنكروا عليه فتركه.

ولهذه الزيادة شاهد: أخرجه البزار (كشف الأستار)(1/ 430) حديث 908 من طريق الحسن، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال: ولم يسمع الحسن من ابن عباس.

وأخرجه ابن خزيمة (4/ 88) حديث 2415، والدارقطني (2/ 144) من طريق ابن سيرين، عن ابن عباس، لكن فيه: وأحسبه قال: ومن أدى دقيقًا قُبِلَ منه. وأخرجه ابن خزيمة (4/ 89) رقم 2417 من طريق ابن سيرين عن ابن عباس، موقوفًا. قال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (2/ 216): هذا حديث منكر. وقال البيهقي: ليس بثابت. وذكر الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 185) أن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس في قول الأكثر.

(1)

في "ح": "نواه".

(2)

انظر الفروع (2/ 535).

ص: 73

يسيل منه (يعمل من اللبن المخيض) وقيل: من لبن الإبل خاصة.

(ولا يجزئ غير هذه الأصناف الخمسة، مع قدرته على تحصيلها) كالدّبس، والمصل، والجبن؛ للأخبار المتقدمة

(1)

(ولا) إخراج (القيمة) لأن ذلك غير المنصوص عليه، وكما تقدم في زكاة الأموال.

(فإن عدم المنصوص عليه) من الأصناف الخمسة (أخرج ما يقوم مقامه من حب وثمر يقتات إذا كان مكيلًا، كالذرة والدُّخْن والمَاش

(2)

ونحوه) كالأرز

(3)

والتوت اليابس؛ لأن ذلك أشبه بالمنصوص عليه، فكان أولى.

(ولا يجزئ إخراج حب معيب، كمسوَّس ومبلول، وقديم تغير طعمه ونحوه) لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}

(4)

ولأن السوس يأكل جوفه، والبلل ينفخه، فالمخرج لصاع منه ليس هو الواجب شرعًا. (ولا خبز) لأنه خرج عن الكيل والادخار، وفيه شبه بإخراج القيمة. وقال ابن عقيل: يجزئ.

(فإن خالط المُخرَج) الجيد (ما لا يجزئ وكثر، لم يجزئه) ذلك؛ لما تقدم (وإن قل) الذي لا يجزئ (زاد بقدر ما يكون المصفى صاعًا) لأنه ليس عيبًا؛ لقلة مشقة تنقيته (وأحبَّ) الإمام (أحمد تنقية الطعام)

(1)

(5/ 70) تعليق رقم (3).

(2)

تقدم التعريف به (4/ 392) تعليق رقم (3).

(3)

في "ح" و"ذ": "كالأرز، والتين، والتوت".

(4)

سورة البقرة، الآية:267.

ص: 74

وحكاه عن ابن سيرين

(1)

ليكون أكمل.

(وأفضل مخرج تمر) لفعل ابن عمر، رواه البخاري

(2)

، وقال له أبو مجلز:"إن الله قَدْ أوسَعَ، والبُرُّ أفضَلُ، فقال: إن أصحَابِي سلَكوا طَرِيقًا، فأنَا أحِبُّ أنْ أسْلُكَهُ" رواه أحمد

(3)

، واحتج به

(4)

، ولأنه قوت وحلاوة، وأقرب تناولًا وأقل كلفة (ثم زبيب) لأنه في معنى التمر فيما تقدم (ثم بر) لأنه أنفع في الاقتيات، وأبلغ في دفع حاجة الفقير (ثم أنفع) للفقير (ثم شعير، ثم دقيق بُرٌ، ثم دقيق شعير، ثم سويقهما) أي: سويق البر ثم الشعير (ثم أَقْط).

(ويجوز أن يعطي الجماعة) من الفقراء ونحوهم (ما يلزم الواحد) من فطرة أو زكاة مال، قال في "الشرح" و "المبدع": لا نعلم فيه خلافًا، إذا أعطى من كل صنف ثلاثة؛ لأنه دفع الصدقة إلى مستحقها (لكن الأفضل أن لا ينقصه) أي: كل واحد من الآخذين (عن مُدِّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره) ليحصل إغناؤه في ذلك اليوم المأمور به، كما تقدم (و) يجوز (أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة) نص عليه

(5)

؛

(1)

مسائل صالح (3/ 17) رقم 1235.

(2)

في الزكاة، باب 77، حديث 1511.

(3)

لم نجده في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة. وقد رواه ابن زنجويه في الأموال (3/ 1249) رقم 2390، والفريابي كما في فتح الباري (3/ 376)، وابن حزم في المحلى (6/ 127).

وأخرج عبد الرزاق (3/ 317) رقم 5783، وابن أبي شيبة (3/ 173) عن أبي مجلز، أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يستحب أن يعطي التمر في زكاة الفطر.

(4)

انظر: الفروع (2/ 539).

(5)

انظر: الفروع (2/ 540).

ص: 75

لأنها صدقة لغير معين، فجاز صرفها لواحد، كالزكاة.

(ولفقير إخراج فطرة وزكاة عن نفسه إلى من أخذتا منه) لأنه رد بسبب متجدد، أشبه ما لو عادت إليه بميراث (ما لم يكن حيلة) كأن يشرط عليه عند الإعطاء أن يردها إليه عن نفسه (وكذا الإمام أو نائبه، إذا حصلتا) أي: الفطرة وزكاة المال (عنده، فقسمهما، ردَّهما) أي: جاز للإمام أن يردهما (إلى من أُخذتا منه، وتقدم بعض ذلك) وتوضيحه

(1)

.

(وكان عطاء يعطي عن أبويه صدقة الفطر، حتى مات. وهو تبرع استحسنه) الإمام (أحمد)

(2)

رحمهما الله تعالى.

(1)

(4/ 449).

(2)

مسائل أبي داود ص / 86.

ص: 76

‌باب إخراج الزكاة وما يتعلق به من حكم النقل، والتعجيل ونحوه

(لا يجوز تأخيرُه) أي: تأخير إخراج زكاة المال (عن وقت وجوبها مع إمكانه، فيجب إخراجها على الفور، كنذر مطلق، وكفَّارة) لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}

(1)

والمراد الزكاة، والأمر المطلق للفور، بدليل أن المؤخِّر يستحق العقاب، ولو جاز التأخير، لكان إما إلى غاية، وهو مناف للوجوب، وإما إلى غيرها، ولا دليل عليه، بل ربما يفضي إلى سقوطها إما بموته، أو تلف المال، فيتضرر الفقير بذلك، فيختل المقصود من شرعها؛ ولأنها للفور بطلب الساعي، فكذا بطلب الله تعالى، كعين مغصوبة، وفي "المغني" و"الشرح": لو لم يكن الأمر للفور، لقلنا به هنا. ولأنها عبادة تتكرر، فلم يجز تأخيرها إلى دخول وقت مثلها، كالصلاة، (ويأتي) حكم النذر المطلق والكفَّارة في الأيمان.

(إلا أن يخاف) من وجبت عليه الزكاة (ضررًا) فيجوز له تأخيرها نص عليه

(2)

؛ لحديث: "لا ضرَرَ"

(3)

. (كرجوع ساعٍ) عليه إذا أخرجها هو بنفسه، مع غيبة الساعي (أو خوفه على نفسه أو ماله ونحوه) لما

(1)

سورة الأنعام، الآية:141.

(2)

انظر المغني (4/ 147)، والفروع (2/ 542).

(3)

تقدم تخريجه (2/ 111)، تعليق رقم (1).

ص: 77

في ذلك من الضرر، وإذا جاز تأخير دين الآدمي لذلك، فهي أَولى.

(أو كان) المالك (فقيرًا محتاجًا إلى زكاته، تَختلُّ كفايته ومعيشته بإخراجها) نص عليه

(1)

. (وتؤخذ منه) الزكاة (عند يساره) لما مضى؛ لزوال المعارض

(2)

.

(أو أخَّرها) أي: الزكاة (ليُعطيَها لمن حاجته أشدُّ) من غيره (أو) ليعطيها (لقريب أو جار) نقله يعقوب فيمن حاجته أشد، وقيَّده جماعة بالزمن اليسير للحاجة، وإلا، لم يجز ترك واجب لمندوب. وظاهر كلام جماعة المنع. قال في "المبدع": وينبغي أن يقيد الكل بما إذا لم يشتد ضرر الحاضر.

(أو) أي: ويجوز تأخير الزكاة (لتعذُّر إخراجها من النّصَاب لغيبة) المال (ونحوها) كالمنع من التصرف فيه؛ لعدم الإمكان إذن (ولو قدر على الإخراج من غيره) أي: غير المال المزكَّى، فلا يلزمه؛ لأن الأصل إخراج زكاة المال منه، وجواز الإخراج من غيره رخصة فلا ينقلب تضييقًا (وتقدم) ذلك (في كتاب الزكاة

(3)

.

أو) أي: ويجوز تأخيرها (لغيبة المستحِقِّ، أو) غيبة (الإمام عند خوف رجوعه) عليه بها للضرر.

(وكذا للإمام والساعي التأخير) أي: تأخير الزكاة (عند ربها؛

(1)

انظر الفروع (2/ 542).

(2)

في "ذ": "العارض".

(3)

(4/ 341).

ص: 78

لعذر قَحْطٍ ونحوه) كمجاعة، احتج أحمد بفعل عمر

(1)

.

(فإن جَحَد) المسلم الحر المكلف (وجوبَها) أي: الزكاة (جهلًا به -ومثلُه يجهلُه- كقريب عهد بإسلام، أو نُشوئه ببادية بعيدة) بحيث (يخفى عليه) وجوب الزكاة (عُرِّف ذلك) أي: وجوبها؛ ليرجع عن الخطأ، ولم يحكم بكفره؛ لأنه معذور (ونُهي عن المعاودة) لجَحْد وجوبها؛ لزوال عذره.

(فإن أصرَّ) على جَحْد الوجوب بعد أن عُرِّف (أو كان عالمًا بوجوبها، كَفَرَ) إجماعًا؛ لأنه مكذِّب لله ورسوله وإجماع الأمة، ولو أخرجها. وهذا إذا جحد وجوب الزكاة على الإطلاق، وأما إن جحده في مال خاص ونحوه، فإن كان مجمعًا عليه، فكذلك، وإلا، فلا، كمال الصغير والمجنون، وعروض التجارة، وزكاة الفِطر، وزكاة العسل، وما عدا البُرِّ والشعير والتمر والزبيب من الحبوب والثمار؛ لأنه مختلف فيه، ولم ينبه على ذلك للعلم به مما يأتي (وأُخذت) الزكاة (منه إن كانت وجبت عليه) قبل كفره؛ لكونها لا تسقط به، كالدَّين

(2)

(واستُتِيبَ ثلاثة أيام وجوبًا) كغيره من المرتدين (فإن لم يَتب) بأن يقر بوجوبها مع الإتيان بالشهادتين (قُتل كفرًا وجوبًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ أن

(1)

روى أبو عبيد في الأموال ص / 464، رقم 981، وابن سعد (3/ 323)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 829) رقم 1435 و (3/ 1188) رقم 2232، وعمر ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 745) أن عمر رضي الله عنه أخَّر الصدقة عام الرمادة. قال: فلما أحيا الناسُ بعثني، فقال: اعقلْ عليهم عقالين، فاقسم فيهم عقالًا، وائتني بالآخر. واللفظ لأبي عبيد.

(2)

"وهذا بيان للمنفي، لا للنفي". ش.

ص: 79

أقاتل الناسَ حتى يقولُوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاةَ، ويؤْتُوا الزكاةَ"

(1)

. وقال أبو بكر الصديق: "لأقاتِلَنَّ من فرَّقَ بينَ الصلاةِ والزكاةِ"

(2)

. متفق عليهما.

(ومن منعها) أي: الزكاة (بُخلًا بها، أو تهاونًا، أُخذت منه) قهرًا، كدين الآدمي، وكما يؤخذ منه العشر؛ ولأن للإمام طلبه بها فهي كالخراج، بخلاف الاستنابة في الحج، والتكفير بالمال، وظاهره أنه لا يحبس حتى يؤدي؛ لعدم النية في العبادة من الممتنع (وعزَّره إمام عَدْل فيها) أي: في الزكاة يضعها مواضعها. وظاهره: وإن لم يكن عدلًا في غيرها. (أو) عزَّره (عامل زكاة) لقيامه مقام الإمام فيها، وإنما عُزِّر؛ لتركه الواجب، وهي معصية لا حَدَّ فيها ولا كفارة (ما لم يكن) مانع الزكاة بخلًا أو تهاونًا (جاهلًا) بتحريم ذلك، فلا يُعزَّر؛ لأنه معذور.

(وإن فَعَله) أي: منع الزكاة (لكون الإمام غير عَدْل فيها، لا يضعُها مواضعَها، لم يعزَّر) لأنه ربما اعتقد ذلك عذرًا في التأخير.

(وإن غيَّب) من وجبت عليه الزكاة (ماله، أو كَتَمه) أي: غلَّه (وأمكن أخذها) بأن كان في قبضة الإمام (أُخذت) من وجبت عليه

(1)

رواه البخاري في الإيمان، باب 17، حديث 25، ومسلم في الإيمان، حديث 22، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

رواه البخاري في الزكاة، باب 1، حديث 1400، وفي استتابة المرتدين، باب 3، حديث 6925، وفي الاعتصام، باب 1، حديث 7285، ومسلم في الإيمان، حديث 20، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 80

الزكاة (منه من غير زيادة) عليها؛ لأن الصِّدِّيق مع الصحابة لما منعته العرب الزكاة لم ينقل أنه أخذ منهم زيادة عليها؛ ولأنه لا يزاد على أخذ الحقوق من الظالم كسائر الحقوق.

وأما حديث بَهْز بن حكيم، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: "في كلِّ إبلٍ سائمةٍ في كلِّ أربعينَ ابنةُ لبونٍ، لا تُفرَّق إبلٌ عن حسابها، من أعْطاهَا مؤتجِرًا، فلهُ أجْرُها، ومنْ منَعَهَا فإنّا آخذُوها وشطرَ إبلِهِ، عَزْمة

(1)

من عزماتِ ربِّنَا، لا يحلُّ لآلِ محمدٍ منها شيءٌ". رواه أحمد والنسائي وأبو داود

(2)

. وقال: "شطر ماله" وهو ثابت إلى بهز، وقد وثقه الأكثر.

فجوابه: أنه كان في بدء الإسلام، حيث كانت العقوبات بالمال، ثم نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصِّدِّيق:"ومن سُئِلَ فوقَ ذلك، فَلَا يُعْطه"

(3)

ولأن منع الزكاة كان في خلافة الصِّدِّيق مع توفر الصحابة، ولم ينقل عن أحد منهم أخذ زيادة، ولا قول به.

(وإن لم يمكن أخذها) أي: الزكاة بالتغييب أو غيره (استُتِيبَ ثلاثة أيام وجوبًا) لأنّ الزكاة من مباني الإسلام فيُستتاب تاركها، كالصلاة (فإن تاب) و (أَخرج) كُفَّ عنه (وإلا) أي: وإن لم يُخرِج

(1)

"بتقديم العين المهملة على الزاي، قال في "النهاية" [3/ 232]: أي: حق من حق الله، وواجب من واجباته تعالى" ش.

(2)

أحمد (5/ 2، 4)، والنسائي في الزكاة، باب 4، 7، حديث 2443، 2448، وفي الكبرى (2/ 8، 11) حديث 2224، 2229، وأبو داود في الزكاة، باب 4، حديث 1575. وقد تقدم تخريجه (4/ 343)، تعليق رقم (3).

(3)

جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في الزكاة، باب 38، حديث 1454.

ص: 81

(قُتل) لاتفاق الصحابة على قتال مانعها (حدًّا) لا كفرًا؛ لقول عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يروْنَ شيئًا من الأعْمَالِ تَرْكُه كفر إلا الصَّلاةَ". رواه الترمذي

(1)

. وما حكى أحمد عن ابن مسعود: "ما مَانِعُ الزكاةِ بِمسْلِم" رواه الأثرم

(2)

، معناه: التغليظ، ومقاربة الكفر، دون حقيقته. (وأخذت من تَرِكَتِه) من غير زيادة؛ لأن القتل لا يسقط حق الآدمي، فكذا الزكاة.

(وإن لم يمكن أخذُها) أي: الزكاة من مانعها (إلا بقتال، وجب على الإمام قتاله، إنْ وضعها مواضعَها) لاتفاق الصِّدِّيق مع الصحابة على قتال مانعي الزكاة، وقال:"والله لوْ مَنَعُوني عَنَاقًا -وفي لفظ: عقالًا- كانوا يؤدُّونهُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لقاتَلْتُهُمْ عليها" متفق عليه

(3)

. فإن لم يضعها مواضعَها لم يقاتله؛ لاحتمال أن منعه إياها لاعتقاده ذلك عذرًا.

(و‌

‌لا يكفُرُ) مانع الزكاة تهاونًا أو بخلًا (بقتاله له)

أي: للإمام؛ لما تقدم عن عبد الله بن شقيق (1)، ولأن عمر وغيره امتنعوا ابتداء من قتال مانعي الزكاة

(4)

، ولو اعتقدوا كفرهم ما امتنعوا منه، ثم اتفقوا

(1)

في الإيمان، باب 9، رقم 2622. وتقدم تخريجه (2/ 6) تعليق رقم (3).

(2)

لعله رواه في سننه ولم تطبع.

وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 114)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 373) رقم 812، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 117) رقم 882، وابن بطة في الإبانة (2/ 681) رقم 891.

(3)

تقدم تخريجه (5/ 80) تعليق رقم (2).

(4)

روى البخاري في الزكاة، باب 1، حديث 1399، وفي استتابة المرتدين، =

ص: 82

على القتال، فبقي عدم التكفير على اعتقادهم الأول. وما رُوي عن الصِّدِّيق أنه لما قاتل مانعي الزكاة، وعضتهم الحرب قالوا: نؤديها قال

(1)

. "لا أقبَلُهَا حتى تشْهَدُوا أن قَتْلانَا في الجنَّةِ وقَتلاكُم في النارِ"

(2)

. يحتمل أنه فيمن منعها جحودًا، ولَحِقَ بأهل الرِّدة منهم، فقد كان فيهم طائفة كذلك. على أنه لا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر، بدليل العصاة من هذه الأمة. وفرَّق القاضي بين الصلاة وغيرها من العبادات بتعذّر النيابة فيها. والمقصود الأعظم دفع حاجة الفقير، وهو حاصل بأدائها مع القتال.

(ومن طُولب بها) أي: بالزكاة (فادَّعى ما يمنع وجوبها من نقصان الحول، أو) نقصان (النِّصاب، أو انتقاله) أي: ملك النصاب (في بعض الحول ونحوه، كادِّعائه أداءها، أو تجدد ملكه قريبًا، أو) ادعى (أن ما بيده) من المال (لغيره، أو) ادعى (أنه منفرد، أو) أنه (مختلط،

= باب 3، حديث 6924، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 2، حديث 7284، ومسلم في الإيمان، حديث 20، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس

الحديث.

(1)

في "ح": "فقال".

(2)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص / 254، رقم 510، وسعيد بن منصور (2/ 361) رقم 2934، وابن أبي شيبة (12/ 263)، وأحمد في فضائل الصحابة (2/ 893) رقم 1698، والخلال في السنة (2/ 355) رقم 475، والبيهقي (8/ 335) عن طارق بن شهاب.

وأصله في البخاري في الأحكام، باب 51، حديث 7221 عن طارق بن شهاب، عن أبي بكر رضي الله عنه، وانظر فتح الباري (13/ 210).

ص: 83

قُبل قوله) لأن الأصل براءة ذِمَّته (بلا يمين) نص عليه

(1)

؛ لأنها عبادة هو مؤتمن عليها، فلا يُستحلف فيها

(2)

، كالصلاة. نقل حنبل

(3)

: لا يسأل المتصدق عن شيء، ولا يَبحث، إنما يأخذ ما أصابه مجتمعًا. وكذا الحكم إن مَرَّ بِعَاشِرٍ وادعى أنّه عشَّره آخر.

(وإن أقرَّ

(4)

بقَدْر زكاته، ولم يُخبر بقَدْر ماله، أُخذت منه بقوله، ولم يكلَّف إحضار ماله) لما مرَّ.

(والصبيُّ والمجنون) تجب الزكاة في مالهما

(5)

؛ لما تقدم

(6)

. (ويُخرِج عنهما وليُّهما من مالهما) لأنها حق واجب عليهما، فوجب على الولي أداؤها عنهما (كنفقة أقاربهما وزوجاتهما، وأُروش جناياتهما) وتعتبر النية من الولي في الإخراج، كَرَبِّ المال.

(ويُستحب للإنسان تفرقة زكاته، و) تفرقة (فِطرته بنفسه، بشرط أمانته، وهو أفضل من دَفْعها إلى إمام عادل) لقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} الآية

(7)

وكالدَّين. ولأن القابض رشيد، قبض

(1)

انظر مسائل أبي داود ص / 79، والأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص / 131.

(2)

في "ذ": "عليها".

(3)

انظر مسائل أبي داود ص / 79، والأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى ص / 131.

(4)

في "ح": "أخبر".

(5)

في "ح": "ماليهما".

(6)

(4/ 309).

(7)

سورة البقرة، الآية:271.

ص: 84

ما يستحقه، وليكون على ثقة من إيصالها إلى مستحقِّها، ولا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة.

(وله) أي: ربّ المال (دفعُها إلى الساعي وإلى الإمام، ولو فاسقًا يضعُها في مواضعها) لما روى سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال:"أتيتُ سعدَ بنَ أبي وقَّاص، فقلت: لي مَالٌ، وأريدُ إخراجَ زَكاتِهِ، فَما تَأمرني؟ فقال: ادْفَعْهَا إليهِمْ، فأتيتُ ابنَ عمرَ، وأبَا هريرةَ، وأبَا سَعِيدٍ، فقالُوا مِثلَ ذلكَ". رواه سعيد

(1)

. ولأنه نائب عن مستحقِّها، فجاز الدفع إليه، كولي اليتيم. (وإلا) أي: وإن لم يكن يضعها مواضعها (حَرُم) دفعها إليه.

(ويجوز) وعبارة "الأحكام السلطانية"، وكثير من النسخ:"ويجب" وهي أنسب بما

(2)

قبله (كَتْمُها إذن) وهذا قول القاضي في "الأحكام السلطانية"

(3)

. ونص الإمام على خلافه

(4)

، قال في "الشرح": لا يختلف المذهب أنَّ دفعها للإمام جائز، سواء كان عدلًا أو غير عدل، وسواء كانت من الأموال الظاهرة، أو الباطنة، ويبرأ بدفعها، سواء تلفت في يد الإمام أَوْ لا، أو صرفها في مصارفها أو لم

(1)

ليس في القسم المطبوع من سننه. ورواه -أيضًا- بنحوه عبد الرزاق (4/ 46) رقم 6922، وأبو عبيد في الأموال ص / 679، رقم 1791، وابن أبي شيبة (3/ 156)، وسحنون في المدونة (1/ 285)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1148) رقم 2132، 2133. والبيهقي (4/ 115).

(2)

في "ذ""مما".

(3)

ص / 130.

(4)

انظر الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص / 130.

ص: 85

يصرفها. انتهى. وقيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور؟ فقال:"ادْفَعْهَا إليهِمْ". حكاه عنه أحمد

(1)

، وفي لفظٍ عنه:"ادفَعُوهَا إلى مَن غَلَبَ"

(2)

. وفي لفظ آخر: "ادْفَعُوهَا إلى الأمَراء، وإن كَرعُوا بها لُحومَ الكِلابِ عَلى مَوَائِدِهمْ"

(3)

. رواهما عنه أبو عبيد. وقال أحمد

(4)

في رواية حنبل: كانوا يدفعون الزكاة إلى الأمراء، وهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرون بدفعها؛ وقد علموا فيما ينفقونها، فما أقول أنا؟.

(ويبرأ) دافع الزكاة إلى الساعي أو الإمام (بدفعها إليه، ولو تلفت في يده، أو لم يصرفها في مصارفها) لما سبق.

(ويجزئ دفعها إلى الخوارج والبُغْاة؛ نص عليه

(5)

في الخوارج، إذا غلبوا على بلد، وأخذوا منه العُشْرَ وَقَع موقِعه) وقال القاضي في موضع: هذا محمول على أنهم خرجوا بتأويل. وقال في موضع آخر:

(1)

الأحكام السلطانية ص / 130. ورواه بنحوه ابن أبي شيبة (3/ 156)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1150) رقم 2139.

(2)

رواه أبو عبيد في الأموال ص / 680، رقم 1797، 1798. ورواه -أيضًا- بنحوه ابن أبي شيبة. (3/ 156)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1149) رقم 2134، والبيهقي (4/ 115).

(3)

أبو عبيد في الأموال ص / 681، رقم 1799. وفيه:"وإن تمزعوا بها". وأخرج -أيضًا- نحوه عبد الرزاق (4/ 46) رقم 6924، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1150) رقم 2139.

(4)

انظر مسائل عبد الله (2/ 515) رقم 711، 712، وذيل طبقات الحنابلة (1/ 336)، والمغني (2/ 92).

(5)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 115) رقم 570.

ص: 86

إنما يجزئ أخذهم إذا نصبوا لهم إمامًا.

(وكذلك مَن أخذها) أي: الزكاة (من السلاطين قهرًا أو أختيارًا عَدَلَ فيها أو جار. ويأتي في) باب (قتال أهل البغي).

(وللإمام طلب النذر والكفَّارة) نص عليه

(1)

في كفَّارة الظِّهَار، وكالزكاة.

(و) للإمام (طلب الزكاة من المال الظاهر) كالمواشي والحبوب والثمار (والباطن) كالأثمان وعروض التجارة (إن وضعها في أهلها، ولا يجب الدفع إليه إذا طلبها) بل لربها تفرقتها بنفسه، وهو أفضل، كما تقدم

(2)

.

(وليس له) أي: الإمام (أن يقاتل على ذلك إذا لم يَمنع) مَن هي عليه (إخراجَها بالكلية) إذ الواجب الإخراج، لا الدفع إلى الإمام.

(1)

انظر الفروع (2/ 558، 559).

(2)

(5/ 84).

ص: 87

فصل

(ولا يجزئ إخراجُها إلا بنيِّة) لحديث: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوى"

(1)

(من مكلَّف) لا صغير ومجنون؛ لعدم أهليته لأداء الواجب (وغير المكلَّف ينوي عنه وَليُّه) لقيامه مقامه (فينوي الزكاةَ، أو الصدقة الواجبة، أو صدقة المال، أو) صدقة (الفِطر فلو لم ينوِ) لم يجزئه ما أخرجه ولو تصدَّق بجميع ماله؛ لأن صرف المال إلى الفقير له جهات: من زكاة، وكفَّارة، ونذر، وصدقة تطوع، ولا قرينة تعين، فاعتُبرت نية التمييز. (أو نوى صدقة مطلقة، لم يجز) ما أخرجه (عمَّا في ذمته، حتى ولو تصدق بجميع المال) كما لو نوى الصلاة وأطلق، و (كصدقته بغير النصاب من جنسه.

والأَولى مقارنتها) أي: النية (للدفع) خروجًا من خلاف من أوجبه.

(وتجوز) النية (قبلَه) أي: الإخراج بزمن يسير (كصلاة.

ولا تُعتبر نية الفرض) اكتفاء بنية الزكاة؛ لأنها لا تكون إلا فرضًا (ولا) يُعتبر (تعيين المال المزكَّى عنه) لعدم الفائدة فيه (فلو كان له مالان: غائب وحاضر، فنوى زكاة أحدهما لا بعينه) وأداها (أجزأ) ما دفعه عن (أيهما شاء، بدليل أن من له أربعون دينارًا، إذا أخرج نصف دينار عنها) أي: الأربعين (صحَّ، ووقع) الإخراج (عن عشرين

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

ص: 88

دينارًا منها غير معينة) فيخرج نصف دينار عن العشرين الباقية.

(ولو كان) له (خَمْس من الإبل، وأربعون من الغنم، فقال: هذه الشاة عن الإبل، أو الغنم، أجزأته عن أحدهما) ويخرج شاة أخرى عن الآخر.

(ولو) أخرج قَدْر زكاة أحد ماليه، و (نوى زكاة ماله الغائب، فإن كان تالفًا، فعن الحاضر، أجزأ) المخرَج (عنه) أي: الحاضر (إن كان الغائب تالفًا) بخلاف الصلاة لاعتبار التعيين فيها، فإن كانا سالمين، أجزأه عن أحدهما؛ لأن التعيين ليس بشرط، قاله في "الشرح".

(ولو نوى أن هذه زكاة مالي، إن كان سالمًا، وإلا فهو تطوُّع، مع شكٍّ

(1)

في سلامته، فبان سالمًا، أجزأت) وكذا إن

(2)

نوى عن الغائب إن كان سالمًا؛ لأن هذا في حكم الإطلاق، فلا يضر تقييده به.

(ولو نوى عن الغائب، فبان تالفًا، لم يكن له صَرْفُه إلى غيره) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكلِّ امرئ ما نوى"

(3)

. وهو لم ينو غير الغائب. (فإن قال: هذه

(4)

زكاة مالي، أو تَفْلٌ) لم يجزئه؛ لأنه لم يخلص النية للزكاة.

(أو قال: هذه زكاة إرثي من مورِّثي، إن كان مات، لم يجزئه)

(1)

في "ح": "شكه".

(2)

في "ح": "لو".

(3)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(4)

في "ح" و"ذ": "هذا".

ص: 89

لأنه لم يَبْنِ على أصل. قال الموفق وغيره: كقوله ليلة الشك: إن كان غدًا من رمضان فهو فرضي. وقال صاحب "المحرر": كقوله: إن كان وقت الظهر دخل، فصلاتي هذه عنها. وقال أبو البقاء: التردد في العبادة يفسدها، ولهذا لو صلَّى ونوى: إن كان الوقت قد دخل فهي فريضة، وإن لم يكن قد دخل، فهي نافلة، لم تصح له فرضًا ولا نَفْلًا، وإن نوى عن الغائب: إن كان سالمًا وإلا، فأرجع، فله الرجوع إن بَان تالفًا، ذكره أبو المعالي على قول الرجوع في التلف.

(وإن أخذها) أي: الزكاة (الإمام قهرًا لامتناعه) أي: ربّ المال، أو تغييبه ماله (كَفَتْ نيةُ الإمام) بـ (ـدون نية ربّ المال) فلا يعتبر

(1)

للإجزاء ظاهرًا (وأجزأته ظاهرًا) فلا يُطالب بها بعد، و (لا) تجزئه (باطنًا) لعدم النية (ومثل ذلك لو دفعها) أي: الزكاة (ربُّ المال إلى مستحقِّها كرهًا وقهرًا) -حالان من ربّ المال- فتجزئه. وتقدم أنه لو أُكره على عبادة وفعلها لداعي الشرع، صحت، لا لداعي الإكراه.

(وإن أخذَها) أي: الزكاة (الإمام أو الساعي لغيبة ربِّ المال، أو تعذّر الوصول إليه بحبس ونحوه) كأسر (أجزأته ظاهرًا وباطنًا) لأن له ولاية على ربّ المال إذن، فقامت نيته مقام نيته، كولي الصَّغير والمجنون، ولا تقصير من ربِّ المال.

(وإن دفعها) ربُّ المال (إلى الإمام طوعًا، ناويًا) أنها زكاة (ولم ينو الإمام حال دفعها إلى الفقراء) مثلًا (جاز، وإن طال) الزمن (لأنه)

(1)

في "ح": "تعتبر".

ص: 90

أي: الإمام (وكيل الفقراء) لا ربّ المال. و (لا) تجزئ (إن نواها الإمام) زكاة (دونه) أي: دون ربّ المال (أو لم ينوياها) أي: لا الإمام ولا ربّ المال؛ لعدم النية المعتبرة (وتقع نَفْلًا) فلا رجوع بها على الفقير (ويُطالبُ) ربُّ المال (بها) أي: بالزكاة؛ لبقائها في ذمته، وعدم براءته بذلك الدفع.

(ولا بأس بالتوكيل في إخراجها) أي: الزكاة؛ لأنها عبادة مالية محضة، كتفرقة النذر والكفارة وذبح الأضحية.

(ويُعتبر كون الوكيل ثقةً مسلمًا) لأنها عبادة، والكافر ليس من أهلها، وغير الثقة لا يؤمن عليها.

(فإن دفعها) الموكِّل (إلى وكيله، أجزأت النية من موكِّلٍ، مع قُرْب زمن الإخراج) من زمن التوكيل؛ لأن الوجوب متعلِّق بالموكِّل، وتأخر الأداء عن النية بالزمن اليسير جائز (ومع بُعْدِه) أي: بُعْدِ زمن الإخراج (لابُدَّ من نية الموكِّل حال الدفع إلى الوكيل) لتعلّق الفرض بالموكِّل، ووقوع الإجزاء عنه.

(و) لابُدَّ من (نية الوكيل عند الدفع إلى المستحق) لئلا يخلو الدفع إليه عن نية مقارنة أو مقاربة (ولا تجزئ نية الوكيل وحده) أي: دون نية الموكِّل؛ لتعلق الوجوب بالموكِّل، كما سبق.

(وإن أخرج) حُرٌّ مسلم مكلَّف (زكاة شخص أو كفَّارته من ماله) أي: مال المخرج (بإذنه، صح) إخراجه عنه كالوكيل (وله) أي: المخرِج (الرجوع عليه إن نواه) أي: نوى الرجوع؛ لا إن نوى التبرُّع،

ص: 91

أو أطلق (وإن كان) إخراجه لزكاة غيره (بغير إذنه، لم يصح) لعدم النية من المُخرَج عنه المتعلِّق به الوجوب (كما لو أخرجها من مال المُخرَج عنه بلا إذنه) لعدم ولايته عليه، ووكالته عنه.

(ولو وكَّله في إخراج زكاته ودفع إليه مالًا، وقال: تصدَّقْ به، ولم ينوِ الزكاة، فأخرجها الوكيل من) هذا (المال الذي دفعه إليه، ونواها زكاة، أجزأت) لأن الزكاة صدقة، هذا أحد الوجهين في المسألة. قال في "تصحيح الفروع": وهو ضعيف؛ لاشتراط نية الموكِّل في الإخراج، وهنا لم توجد، وفي التعليل نظر.

والوجه الثاني: لا يجزئه؛ لأنه خصَّه بما يقتضي النفل. قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب؛ لأنه الظاهر من لفظ الصدقة، و-أيضًا- الزكاة واجبة عليه يقينًا، فلا تسقط بمحتمل، و-أيضًا- لابد من نية الموكل، وهذا لم ينو الزكاة.

(ولو) وكَّله في إخراج زكاة ماله، ودفع إليه مالًا، و (قال: تَصدَّقْ به نَفْلًا، أو عن كفارتي، ثم نوى) الموكِّل (الزكاة قبل أن يتصدق) وكيله (أجزأ عنها؛ لأن دَفْعَ وكيله كدفعه) فكأنه نوى الزكاة ثم دفع بنفسه، قاله المجد في "شرحه"، وعلَّله بذلك، وجزم به في "الرعاية" و"مختصر ابن تميم"، وقدَّمه في "الفروع"، قال: وظاهر كلام غير المجد: لا يجزئ لاعتبارهم النية عند التوكيل.

(ويصح توكيل المميز في دفع الزكاة) هذا أحد الوجهين. قال في "الإنصاف": الأَولى الصحة؛ لأنه أهل للعبادة. والثاني: عدم

ص: 92

الصحة، قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب؛ لأنه ليس أهلًا للعبادة الواجبة. انتهى. و"تصحيح الفروع" متأخر عن "الإنصاف" في التأليف، فما فيه يخالف "الإنصاف". كالرجوع عنه.

(ومن أخرج زكاته من مالٍ غَصْبٍ، لم يجزئه، ولو أجازها ربُّه) كبيعه وإجارته؛ لأن ما لا يصح ابتداءً لا ينقلب صحيحًا بالإجازة.

(ويُستحبُّ أن يقول المخرج عند دفعها) أي: الزكاة: (اللهم اجعلها مغنمًا) أي: مثمرة (ولا تجعلها مَغْرمًا) منقصة للمال؛ لأن التثمير كالغنيمة، والتنقيص كالغرامة، لخبر أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أعْطَيتم الزكاةَ فلا تَنْسَوا ثَوَابها أنْ تقولُوا: اللهُمَّ اجعلْهَا مغنَمًا ولا تجعلْهَا مَغرمًا". رواه ابن ماجه

(1)

من رواية البَخْتري. (ويَحمد الله على توفيقه لأدائها) قاله الشارح وغيره.

(و) يُستحبُّ (أن يقول الآخذ) للزكاة - (سواء كان) الآخذ (الفقيرَ، أو العامل، أو غيرهما، و) القول (في حق العامل آكدُ) منه في حق غيره-: (آجركَ الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيتَ، وجعله لك

(1)

في الزكاة، باب 8، حديث 1797. وأخرجه -أيضًا- ابن عساكر في تاريخه (22/ 9). قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 317): هذا إسناد ضعيف، البختري متفق على تضعيفه، والوليد مدلس، رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا سعيد بن سويد، فذكره بإسناده ومتنه.

قلنا: لم نجده في المطبوع من مسند أبي يعلى، ولعله في مسنده الكبير، ولم يطبع.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 290 مع الفيض) حديث 463، وعزاه لابن ماجه ولأبي يعلى، ورمز لضعفه.

ص: 93

طَهورًا) للأمر بالدعاء في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}

(1)

أي: ادعُ لهم. قال عبد الله بن أبي أوفى: "كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومٌ بصدَقتِهِمْ، قال: اللهمَّ صلِّ على آلِ فُلان، فأتاهُ أبي بصدقَتِهِ، فقال: اللهم صَلِّ على آلِ أبي أوْفَى". متفق عليه

(2)

. وهو محمول على الندب، ولهذا لم يأمر سعاته بالدعاء.

(وإظهار إخراجها مُستحبٌّ، سواء كان) الإخراج (بموضع يخرج أهله الزكاة أم لا، وسواء نُفي عنه ظن السوء بإظهار إخراجها أم لا) لما فيه من نفي الريبة عنه، ولعله يقتدى به، وكصلاة الفرض.

(وإنْ عَلِم) المخرِج (أن الآخذ) للزكاة (أهلٌ لأخذها، كُره إعلامه بأنها زكاة. قال) الإمام (أحمد

(3)

: لِمَ يبكِّته

(4)

؟ يعطيه ويسكت) ما حاجته أن يقرعه؟!

(وإن عَلِمه أهلًا) لأخذ الزكاة (والمراد ظنه) أهلًا لذلك؛ لقيام الظن مقام العلم في جواز الدفع إليه (ويعلم) المخرج (من عادته) أي: المدفوع (لأنه

(5)

لا يأخذها) أي: الزكاة (فأعطاه ولم يعلِمْه) أنها زكاة (لم يجزئه) دفعها له؛ لأنه لا يقبل زكاة ظاهرًا.

(1)

سورة التوبة، الآية:103.

(2)

البخاري في الزكاة، باب 64، حديث 1497، وفي المغازي، باب 35، حديث 4166، وفي الدعوات، باب 19، 33، حديث 6332، 6359، ومسلم في الزكاة، حديث 1078.

(3)

انظر المغني (4/ 98).

(4)

بَكَّتَه: استقبله بما يكره، القاموس المحيط ص / 147، مادة:(بكت).

(5)

"المدفوع لأنه" في "ح" و"ذ": "المدفوع له أنه". وهو الأنسب للسياق.

ص: 94

(وله) أي: المخرج (نَقْل زكاة إلى دون مسافة قَصْر) من بلد المال. نص عليه

(1)

؛ لأنه في حكم بلد واحد، بدليل الأحكام، ورخص السفر.

(و) تفرقتها (في فقراء بلده أفضل) من نقلها إلى غيره، مما دون المسافة؛ لعموم حديث معاذ الآتي.

(و‌

‌لا يدفع الزكاة إلا لمن يظنه أهلًا) لأخذها

؛ لأن دفعها لغير أهلها لا يبرأ به، والعلم بذلك ربما يتعذَّر، فأُقيم الظنُّ مقامه (فلو لم يظنَّه من أهلها فدفع) زكاته (إليه ثم بان من أهلها، لم يجزئه) الدفع إليه؛ لاعتقاده حال الدفع أنه ليس بزكاة؛ لعدم أهلية الآخذ لها في ظنه.

(ولا يجوز نَقْلُها) أي: الزكاة (عن بلدِها إلى ما تُقصرُ فيه الصلاة، ولو) كان النقل (لرَحِمٍ، وشدة حاجة، أو لاستيعاب الأصناف) والساعي وغيره سواء، نص على ذلك

(2)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "أخبرهُم أن عليهمْ صدقةً تؤخذُ من أغنِيَائِهمْ فتُردُّ في فقرَائهم". متفق عليه

(3)

. وعن طاوُس قال:

(1)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 114).

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 510، 511، 512) رقم 704، 705، 706، ومسائل ابن هانئ (1/ 114) رقم 565، 566.

(3)

البخاري في الزكاة، باب 1، 41، 63، حديث 1395، 1458، 1496، وفي المغازي، باب 60، حديث 4347، وفي التوحيد، باب 1، حديث 7372، ومسلم في الإيمان، حديث 19، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 95

"في كتاب معاذٍ: من خرجَ من مِخلافٍ

(1)

إلى مِخلافٍ، فإن صدقَتَهُ وعُشْرَهُ في مِخلافِ عشِيرتِهِ". رواه الأثرم

(2)

. (فإن خالف وفعل) أي: نقل الزكاة إلى بلد تُقصر فيه الصلاة، (أجزأه) المنقول؛ للعمومات؛ ولأنه دفع الحق إلى مستحقه، فبرئ كالدَّين والفِطرة، كزكاة المال فيما تقدم.

(وإن كان) المال الذي وجبت فيه الزكاة (ببادية، أو خلا بلده عن مستحقٍّ لها) أي: الزكاة (فرّقها) إن بقيت كلها (أو ما بقي منها بعدهم) أي: بعد مستحقي بلده (في أقرب البلاد إليه) لأنهم أولى. ولو عبَّر بموضع ونحوه، لكان أشمل. وبعث معاذ إلى عمر صدقة من اليمن، فأنكر ذلك عمر، وقال:"لم أبعثكَ جَابيًا، ولكنْ بعثْتُكَ لتأخذَ من أغنيَاءِ الناسِ فتردهَا في فُقَرائِهِم" فقال معاذ: "ما بَعَثْتُ إليكَ بِشَيءٍ، وأنا أجِدُ منْ يَأخذُهُ مِني" رواه أبو عبيد

(3)

.

(1)

المخلاف -بكسر الميم- بلغة اليمن: الكورة، والكورة الصقع، ويطلق على المدينة. انظر: المصباح المنير: ص / 95 و 280 مادة خلف وكور.

(2)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- الشافعي في الأم (2/ 71، 91)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1193) رقم 2244، والبيهقي (7/ 9) وفي معرفة السنن والآثار (9/ 320) رقم 13283. وعزاه ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 114)، والشوكاني في نيل الأوطار (4/ 180) إلى سعيد بن منصور، وصححا إسناده. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 165): رواه الشافعي والبيهقي بإسناد ضعيف ومرسل.

وأخرج عبد الرزاق (10/ 373، 374) نحوه مطولًا من طاوس وفيه "

ومن ذهب إلى مخلاف غير مخلاف عثريها فإن عشوره صدقة إلى أمير عشيرته

".

(3)

في الأموال ص / 710، رقم 1912.

ص: 96

(والمسافر بالمال) المزكَّى (يُفرِّقها في موضعِ أكثرِ إقامةِ المال فيه) لتعلّق الأطماع به غالبًا. وقال القاضي: يفرق مكانه حيث حال حوله؛ لئلا يفضي إلى تأخيرها.

(وله نقل كفَّارة ونَذْر، ووصية مطلقة، ولو) كان النقل (إلى مسافة قَصْر) بخلاف الزكاة؛ لأنها مواساة راتبة، فكانت لجيران المال، بخلاف هذه الأشياء. (لا) نقل وصية (مقيدة) بأن عينها الموصي (لفقراء مكان معين) فيجب صرفها لهم؛ لتعينهم مصرفًا لها.

(وإن كان) المزكِّي (في بلد، ومالُه في بلد آخر، أو) في (أكثر) من بلد (أخرج زكاة كل مال في بلده، أي: بلد المال، متفرقًا كان أو مجتمعًا) لئلا تنقل الصدقة عن بلد المال؛ ولأن المال سبب الزكاة، فوجب إخراجها حيث وُجِد السبب (إلا في نصاب سائمة في بلدين، فيجوز الإخرج في أحد البلدين؛ لئلا يُفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان) كما لو كان له عشرون مختلطة مع عشرين لآخر في بلد، وعشرون أخرى مختلطة مع عشرين لآخر في بلد آخر، بينهما مسافة القصر، فإن عليه في كل خلطة نصف شاة؛ فيُخرج شاة في أي البلدين شاء.

(ويُخرج فِطرة نفسه) في بلد نفسه لا ماله؛ لأن سبب الفِطرة النفس لا المال. (و) يخرج (فِطرة من يَمونه في بلد نفسه

(1)

، وإن

(1)

"أي: البلد الذي كان فيها وقت الوجوب، ولو مارًّا بها. تقرير شيخنا" ش.

ص: 97

كانوا في غير) بلد (هـ) لأنها طُهرة له (وتقدم

(1)

) في الباب قبله.

(وحيث جاز النقل) لما تقدم (فأجرته على ربِّ المال، كأجرة كيل ووزن) لأن عليه تسليمها لأهلها، فكان عليه مؤنته، كتسليم المبيع، فإن

(2)

كان النقل مُحرَّمًا فقياس ما يأتي في الإجارة لا أجرة، كالأجير لحمل خمر ونحوه، لكن إن لم يعلم الناقل أنها زكاة يَحرم نقلها، فله الأجرة على ربها؛ لأنه غرَّه.

(وإذا

(3)

حصل عند الإمام ماشية) من زكاة أو جزية (استُحبّ له) أي: الإمام (وَسْمُ الإبل والبقر في أفخاذها، و) وَسْمُ (الغنم في آذانها) لحديث أنس قال: "غدوْتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعبدِ اللهِ بن أبي طلحةَ ليحَنِّكَهُ، فرأيتهُ في يدِهِ الميسَمَ يسِمُ إبلَ الصَّدَقَةِ". متفق عليه

(4)

، ولأحمد وابن ماجه:"وهو يسِمُ غَنَمًا في آذانها"

(5)

. وإسناده صحيح، ولأن الحاجة تدعو إليه؛ لتتميز عن الضَّوَالِّ، ولترد إلى مواضعها إذا شردت. وخُصَّ الموضعان؛ لخفة الشعر فيهما، ولقلة ألَمِ الوسم، ويأتي في النفقات: يحرم وَسم في الوجه.

(1)

(5/ 58).

(2)

في "ح": "وإن".

(3)

في "ح": "وإن".

(4)

البخاري في الزكاة، باب 69، حديث 1502، ومسلم في اللباس، حديث 2119 (112).

(5)

أحمد (3/ 171)، وابن ماجه في اللباس، باب 4، حديث 3565. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الذبائح، باب 35، حيديث 5542، ومسلم في اللباس، حديث 2119 (110) (111) عن أنس رضي الله عنه.

ص: 98

(فإن كانت) الموسومة (زكاة، كتب "الله" أو "زكاة" وإن كانت جزية كتب "صَغَارًا" أو "جِزية"؛ لتتميز) بذلك. وذكر أبو المعالي أن الوسم بحنَّاء أو قِير

(1)

أفضل. قال في "المبدع": وفيه شيء.

(1)

القِير بالكسر، والقار: شيء أسود يطلى به السفن والإبل، أو هما الزفت. القاموس المحيط ص / 467، مادة:(قير).

ص: 99

فصل

(ويجوز تعجيل الزكاة) لحديث علي: "أن العباس سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في تعْجِيلِ صدَقَتِهِ قَبْلَ أن تحلَّ، فرخَّصَ له في ذلكَ". رواه أحمد وأبو داود

(1)

، وقد تكلم في إسناده. وذكر أبو داود أنه رُوي عن

(1)

أحمد (1/ 104)، وأبو داود في الزكاة، باب 21، حديث 1624. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الزكاة، باب 37، حديث 678، وابن ماجه في الزكاة، باب 7، حديث 1795، وابن سعد (4/ 26)، والدارمي في الزكاة، باب 12، حديث 1636، وابن الجارود، حديث 360، وابن خزيمة (4/ 49)، حديث 2331، والدارقطني (2/ 123)، والحاكم (3/ 332) والبيهقي (4/ 111، 10/ 54)، والبغوي في شرح السنة (6/ 31) حديث 1577، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 58) حديث 1033، والضياء في المختارة (2/ 35) حديث 411، والمزى في تهذيب الكمال (5/ 486)، عن حجية بن عدى، عن علي رضي الله عنه، أن العباس رضي الله عنه

الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وحسنه البغوي، والنووي في المجموع (6/ 86).

وروى الترمذي في الزكاة، باب 37، حديث 679، والدارقطني (2/ 124)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 58) حديث 1034، والضياء في المختارة (2/ 33) حديث 410، عن حجر العدوي، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر:"إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول، للعام". وحجر العدوي قال الحافظ في التقريب ص / 94: قيل: هو حجية بن عدي، وإلا فمجهول.

ورجح الترمذي الحديث الأول على هذا، ورجح ابن الجوزي هذا الحديث على الأول، وقال الدارقطني في العلل (3/ 189): وكلها وهم، والصواب عن الحسن بن ينَّاق مرسلًا. وقال أبو داود والبيهقي: والمرسل أصح. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: وهو الصحيح، انظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 215).

ص: 100

الحسن بن مسلم مرسلًا

(1)

وأنه أصح. ولأنه حق مال أُجِّل للرفق، فجاز تعجيله قبل أجله، كالدَّين. قال الأثرم: هو مثل الكفَّارة قبل الحنث، فيصير من تقديم الحكم بعد وجود سببه، وقبل وجود شرطه.

(وتَرْكه) أي: التعجيل (أفضل) خروجًا من الخلاف، قال في "الفروع": ويتوجه احتمال: تُعتبر المصلحة.

(للحولين

(2)

فأقل فقط) اقتصارًا على ما ورد، أخرج أبو عبيد في "الأموال" بإسناده عن علي:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَعجَّلَ من العباسِ صدقةَ سنتينِ"

(3)

، لقولهِ صلى الله عليه وسلم:"أما العبَّاسُ فهِيَ عَليَّ ومثْلُهَا مَعَهَا". متفق عليه

(4)

. (بعد كمال النصاب، لا قبلَه) لأنه سببها، فلم يجز تقديمها

(1)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص / 589، حديث 1884، وأحمد في فضائل الصحابة (2/ 919) رقم 1755، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1178) رقم 2208، عن الحكم بن عتيبة، عن الحسن بن مسلم بن يناق قال:"بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة قأتى على العباس، يأخذ صدقة ماله، فتجهمه العباس، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ إنا تعجلنا صدقة العباس العام عام الأول".

وقال الحافظ في الفتح (3/ 334): وليس ثبوت هذه القصة -في تعجيل صدقة العباس- ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق.

(2)

في "ح": "لحولين".

(3)

الأموال ص / 703، حديث 1886، من طريق حجية بن عدي، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا. وأخرجه البيهقي (4/ 111) من طريق أبي البختري، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا. قال البيهقي: وفي هذا إرسال بين أبي البختري وعلي رضي الله عنه. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 162): ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا.

(4)

البخاري في الزكاة، باب 49، حديث 1468، ومسلم في الزكاة، حديث =

ص: 101

عليه، كالتكفير قبل الحلف. قال في "المغني": بغير خلاف نعلمه.

(و‌

‌لا) يجوز تعجيل الزكاة (قبل السَّوْم)

أي: الشروع فيه، إن قلنا: إنه شرط. قال في "الإنصاف" هنا: هذا المذهب. انتهى. والصحيح أن عدمه مانع، فيصح إن تعجَّل قبل الشروع فيه كما قطع

(1)

في "الشرح"، وتبعه في "المنتهى" في أول زكاة السائمة. وقدَّمه في "الفروع" وغيره، وقد منع ابن نصر الله تحقق هذا الخلاف، وردَّه في "تصحيح الفروع" بما يطول، فراجعه فهو مفيد (فلو ملك) حُرٌّ مسلم (بعض نصاب) من سائمة أو غيرها (فعجَّل زكاته) أي: زكاة ما ملكه (أو) عجَّل (زكاة نصاب، لم يجزئه) لعدم وجود سبب الزكاة.

(ولو ظَنَّ ماله ألفًا، فعجَّل زكاته، فبان خمسمائة، أجزأه) المعجل (عن عامين) لتبين عدم وجوب زكاة الألف عليه، وأنه دفع زيادة عما وجب عليه، مع نية التعجيل.

(وإن أخذ الساعي) من المزكي فوق حقِّه، حسَبه) ربُّ المال (من حول ثانٍ) نص عليه

(2)

. (قال) الإمام (أحمد

(3)

: يُحسبُ ما أهداه للعامل من الزكاة أيضًا) وعنه: لا يحتسب بالزيادة؛ لأن هذا غصب، اختاره أبو بكر، وجمع الموفق بن الروايتين، فقال: إن كان نوى المالك التعجيل، اعتد به، وإلا، فلا، وحملهما على ذلك، وحمل

= 983، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

في "ح" و"ذ": "قطع به".

(2)

انظر الفروع (2/ 576).

(3)

مسائل ابن هانئ (1/ 115) رقم 568.

ص: 102

المجد رواية الجواز على أن الساعي أخذ الزيادة بنية الزكاة، إذا نوى التعجيل، وإن علم أنها ليست عليه وأخذها، لم يعتدَّ بها على الأصح؛ لأنه أخذها غصبًا. وحمل القاضي المسألة أنه يحتسب بنية المالك وقت الأخذ، وإلّا، لَمْ يجزئه، وقال الشيخ تقي الدين

(1)

: ما أخذه باسم الزكاة ولو فوق الواجب بلا تأويل؛ اعتدَّ به، وإلا، فلا.

(وليس لوليِّ ربِّ المال أن يُعجِّل زكاته) أي: زكاة المولَّى عليه؛ لأنه يجب عليه أن يعمل بما فيه الأحظ له في ماله، وهذا أحد وجهين في المسألة.

والوجه الثاني: له ذلك، قدَّمه في "تجريد العناية"، وهو ظاهر كلام أحمد

(2)

والأصحاب هنا، وهو كالصريح فيما نقله في "المستوعب" عن أبي بكر وابن حامد والقاضي. قال في "الإنصاف": وهو الأَولى. وفي "تصحيح الفروع": وهو الصواب. وصحَّحه ابن نصر الله في "حواشيه"

(3)

.

(وإن عجَّل عن النِّصاب) الموجود (وما ينمى في حوله، أجزأ) التعجيل (عن النِّصاب) لما تقدم (دون النماء) لأنه عجَّل زكاة ما ليس في ملكه، فلم يوجد السبب، كما في النصاب الأول.

(ويجوزُ تعجيل زكاة الثمر بعد ظُهوره، و) تعجيل زكاة التمر (بعد

(1)

مجموع الفتاوى (30/ 343).

(2)

انظر: تصحيح الفروع (2/ 572).

(3)

"أقول: الذي صوَّبه في تصحيح الفروع، وصححه ابن نصر الله: عدم الجواز. فتفطن له. سفاريني" ش.

ص: 103

طلوع الطَّلْع قبل تشقُّقه) وهو من عطف الخاص على العام، (و) تعجيل زكاة (الزرع بعد نباته، إذ ظُهوره) أي: الثمر والزرع (كالنصاب) الذي هو السبب (وإدراكه) أي: الثمر والزرع (كَحَوَلانِ الحول) فلذلك صح التعجيل (فإن عجَّل) زكاته (قبل طلوع الطَّلْع، و) قبل طلوع (الحِصْرِم

(1)

، و) قبل (نبات الزرع، لم يجزئه) ذلك؛ لأنه تقديم لها قبل وجود سببها.

(وإن عجَّل زكاة النصاب، فتمَّ الحول وهو) أي: النصاب (ناقص قَدْر ما عجَّله، أجزأ، إذ المُعجَّل في حكم الموجود) في ملكه حقيقة، أو تقديرًا؛ ولهذا يتم به النصاب.

(وإن عجَّل عن أربعين شاة شاتين من غيرها) لحولين، أجزأ؛ لبقاء النصاب. (أو) عجَّل عن أربعين شاة (شاة منها، وأخرى من غيرها، أجزأ عن الحولين) لما تقدم من أن المُعجَّل في حكم الموجود. (و) إن عجَّل عن أربعين شاة (شاتين منها) لحولين (لا يجزئ عنهما وينقطع الحول) لما يأتي. (وكذا لو عجَّل) عن الأربعين شاة (شاة) منها (عن الحول الثاني وحده؛ لأن ما عجَّله منه) أي: من النصاب (للحول الثاني زال ملكه عنه، فينقص) النصاب (به) بخلاف ما عجَّله عن الأول؛ لأنه في حكم الموجود.

(وإن مَلَك شاةً، استأنف الحول من الكمال) أي: كمال النصاب. وكذا لو قلنا: يرتجع ما عجَّله وارتجعه؛ لأنه تجديد ملك.

(1)

الحِصْرِم، كزِبْرِج: الثمر قبل النُضْج. القاموس المحيط ص / 1094.

ص: 104

(وإن عجَّل زكاةَ المائتين) من الغنم شاتين (فنُتجت عند الحلول سَخْلة، لزمته ثالثة) لأن المعجلتين في حكم الموجودتين؛ فكأن الحول تَمَّ على مائتين وواحدة، وفيها ثلاث شياه.

(وإن عجَّل عن مائة وعشرين) شاة (واحدة، ثم نُتجت قبل الحول أخرى، لزمه إخراجُ) شاة (ثانية) لما مر.

(ولو عجَّل عن خمسَ عشرةَ من الإبل، وعن نتاجها بنتَ مخاض، فنُتجت مثلها) خمس عشرة (لم تجزئه) المعجلة لشيء، أما النتاج؛ فلعدم صحة تعجيل زكاته قبل وجوده، وأما الأصل فلم يكن الواجب فيه إذ ذاك من جنسه (ويلزمه بنتُ مخاض) إذا تمَّ الحول.

(ولو عجَّل مُسنَّةً عن ثلاثين من البقر ونِتاجها، فنُتجت عَشرًا، أجزأت) المعجَّلة (عن الثلاثين فقط) لعدم صحة التعجيل عن النتاج، (ويخرج للعَشر) النتاج (ربع مسنة) زكاتها.

(وإن عجَّل عن أربعين شاةً شاةً، ثم أبدلها) أي: الأربعين (بمثلها، أو نُتجت أربعين سخلة ثم ماتت الأُمَّات، أجزأ المعجَّل عن البَدَل والسِّخال) لأنها تجزئ مع بقاء الأُمَّات عن الكل، فعن أحدهما أَولى.

(ولو عجَّل شاةً عن مائة شاة، أو) عجَّل (تبيعًا عن ثلاثين بقرة، ثم نُتجت الأُمَّات مثلها، ثم ماتت) الأمات (أجزأ المعجَّل من النِّتاج) لما تقدم في التي قبلها. (ولو نُتج نصف الشياه مثلها) كأن نتجت عشرون من الأربعين أربعين (ثم ماتت أُمات الأولاد، أجزأ

ص: 105

المعجَّل عنها) أي: عن الباقي من الشياه وعن النتاج.

(ولو نُتج نصف البقر مثلها

(1)

) كثلاثين بقرة نتجت خمسة عشر، منها ثلاثين، (أجزأ المعجَّل) عن الباقي، وعن النتاج؛ لإجزائه مع عدم الموت، فأَولى معه.

(ولو عجَّل عن أحد نصابيه) بعينه (وتَلِفَ، لم يصرفه إلى الآخر) لحديث: "وإنما لكلِّ امرئ مَا نَوى"

(2)

. (كما لو عجَّل شاة عن خمس من الإبل، فتلفت) الإبل (وله أربعون شاة، لم يجزئه) ما عجَّله (عنها) أي: عن الشياه؛ لعدم نيته إياها.

(ولو كان له ألف درهم فعجَّل خمسين) درهمًا (وقال: إن ربحت ألفًا قبل الحول، فهي) أي: الخمسون (عنها) أي: عن الألف وربحها الألف الأخرى

(3)

(وإلّا، كانت للحول الثاني، جاز) إن جاز تعجيل زكاة الربح قبله، كما في "الإنصاف". والمذهب: أنه لا يجزئ كما تقدم.

(وإن عجَّلها) أي: الزكاة (فدفعها إلى مستحقها، فمات قابضها أو ارتد، أو استغنى منها، أو من غيرها، أجزأت عنه) كما لو عدمت عند الحول؛ لأنه يعتبر وقت القبض؛ لئلا يمتنع التعجيل.

(وإن دفعها إلى غني أو كافر يعلم غناه) راجع إلى غني (أو) يعلم

(1)

في "ذ" والإقناع (1/ 463) زيادة: "ثم ماتت الأُمات"، وأشار في هامش الأصل إلى أن هذه الزيادة موجودة في نسخة.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(3)

في "ح": "وربحها أي الألف الآخر".

ص: 106

(كفره) أي: الكافر، وكذا لو لم يعلم؛ لأنه لا يخفى غالبًا، بخلاف الغنى (فافتقر) الغني (عند الوجوب، أو أسلم) عند الوجوب (لم يجزئه) لأنه لم يدفعها إلى مستحقها، أشبه ما لو لم يفتقر أو يسلم.

(وإن عجَّلها) أي: الزكاة (ثم هلك المال، أو نقص النصاب، أو مات المالك أو ارتد) المالك (قبل الحول) فقد بان المخرَج غير زكاة؛ لانقطاع الوجوب بذلك، فإذا أراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله، لم يجز، و (لم يرجع) المعجَّل (على المسكين، سواء كان الدافع) له (ربُّ المال أو الساعي) وسواء (أعلمه أنها زكاة معجَّلة أو لا) لأنها دفعت إلى مستحقها، فلم يملك استرجاعها؛ لوقوعها نفلًا، بدليل ملك الفقير لها (فإن كانت) الزكاة المعجَّلة (بيد الساعي وقت التلف) أي: تلف النصاب (رجع) بها ربها؛ لتبين أنها ليست بزكاة، ومفهومه أنه لا يرجع إن كانت بيد الفقير، ولا فيما إذا مات المعجِّل أو ارتد مطلقًا. قال في "المنتهى": ولا رجوع إلا فيما بيد ساع عند تلف.

(ولا يصح تعجيل زكاة معدن بحال، ولا) تعجيل (ما يجب في رِكاز) لأنه تعجيل لها قبل وجود سببها.

(وللإمام ونائبه استسلاف زكاة برضى ربِّ المال) لقصة العباس

(1)

. (لا إجبارُه على ذلك) لأنه لا يلزمه التعجيل (فإن استسلَفَها) أي: الزكاة الإمام أو نائبه (فتلفت بيده، لم يضمَنْها وكانت من ضمان الفقراء)

(1)

تقدم تخريجه (5/ 100) تعليق رقم (1).

ص: 107

فتفوت عليهم (سواء سأله ذلك) أي: الاستسلاف (الفقراء، أو ربُّ المال، أو لم يسأله أحد؛ لأن له) أي: الإمام أو نائبه (قبضها كوليِّ اليتيم) فقد فعل ما يجوز، فلم يضمن.

(وإن تلفت) الزكاة (في يد الوكيل) أي: وكيل ربّ المال (قبل أدائها، فمن ضمان ربِّ المال) لعدم الإيتاء المأمور به؛ ولأن يد الوكيل كيد موكله.

(ويُشترطُ لملك الفقير لها) أي: الزكاة (وإجزائها عن ربها قبضه لها، فلا يجزئُ غداء الفقراء ولا عشاؤهم) من الزكاة؛ لأنه ليس بإيتاء.

(ولا يقضي منها دين ميت غَرِمَ لمصلحة نفسه أو غيره) حكاه أبو عبيد

(1)

وابن عبد البر

(2)

إجماعًا (لعدم أهليته) أي: الميت (لقَبولها، كما لو كفنه) أي: ربّ المال (منها) أي: من الزكاة.

(ولا يكفي إبراءُ المَدين من دينه بنيه الزكاة، سواء كان المخرَج عنه دينًا أو عينًا، ولا تكفي الحوالة بها) لأن ذلك ليس إيتاء لها. وكذا الحوالة عليها؛ لأنه لا دين له يحيل عليه، إلا أن تكون بمعنى الإذن في القبض.

(وإن أخرج زكاته) أي: عَزَلَها (فتلفت قبل أن يقبضها الفقير، لزمه) أي: رب الحال (بدلُها) كما قبل العزل، لعدم تعيّنها؛ لأنه يجوز

(1)

في الأموال ص / 725، رقم 1980.

(2)

في الاستذكار (9/ 223).

ص: 108

العود فيها إلى بدلها، ولم يملكها المستحق كمالٍ معزول لوفاء رب الدين، بخلاف الأمانة.

(ولا يصحُّ تصرُّف الفقير) وباقي أهل الزكاة فيها (قبل قبضها) لأنه لا يملكها إلا به (ولو قال الفقير لرب المال: اشترِ لي بها) أي: الزكاة (ثوبًا) أو غيرَه من حوائجه (ولم يقبضها) الققير (منه، لم يجزئه) ذلك، (ولو اشتراه) أي: اشترى ربُّ المال الثوب (كان) الثوب (للمالك) دون الفقير (وإن تلف) الثوب كان من ضمانه) أي: المالك؛ لما سبق من أن الفقير لا يملكها إلا بالقبض. ولو وكَّل الفقير ربَّ المال في القبض من نفسه، وأن يشتري له بها بعد ذلك ثوبًا أو نحوه، صح ذلك.

(ولا يجزئ إخراج قيمة زكاة المال، و) لا قيمة (الفِطرة طائعًا) كان المخرِج (أو مكرهًا، ولو للحاجة من تعذُّر الفرض ونحوه، أو لمصلحة) كأن تكون أنفع للفقراء، وتقدم بدليله، لكن ما هنا فيه زيادة، وتقدم أن أخذ الساعي للقيمة يجزئ

(1)

، وإن لم يره الدافع.

(ويجب على الإمام أن يبعث السُّعاة قُرْب) زمن (الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر) وهو السائمة والزرع والثمار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونه

(2)

. ومن الناس من لا يزكي ولا يعلم ما

(1)

(4/ 389).

(2)

أخرج البخاري في الأحكام، باب 17، حديث 7163، ومسلم في الزكاة، حديث 1045 (112) -واللفظ له- من حديث ابن الساعدي المالكي أنه قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها، =

ص: 109

عليه، ففي إهمال ذلك ترك للزكاة. (ويجعل حولَ الماشية المحرَّمَ) لأنه أول السنة، وتوقف أحمد في ذلك، وميله إلى شهر رمضان

(1)

.

(وإن أخَّر السَّاعي قسمة زكاة عنده بلا عذر، كاجتماع الفقراء، أو) اجتماع (الزكاة، لم يجز) له ذلك (ويضمن ما تلف لتفريطه) بالتأخير (كوكيل في إخراجها يؤخِّره) بلا عذر.

(وإن وَجَدَ الساعي مالًا) زكويًّا (لم يَحُلْ حوله، ولم يعجلها ربه، وَكَّل) الساعي (ثقةً في قبضها عند وجوبها، وصرَفها في مصرفها) لحصول المقصود بذلك بلا تأخير (ولا بأس بجعله) أي: جعل الساعي صرف الزكاة مصرفها عند الحول (إلى ربِّ المال، إن كان ثقة) لحصول الغرض به (فإن لم يجد) الساعي (ثقة، أخرجها ربها) للفقراء (إن لم يخف ضررًا) لوجوب الإخراج على الفور إذن (وإلا) بأن خاف ضررًا، كرجوع ساع، أو على نفسه أو ماله (أخَّرَها إلى العام الثاني) لحديث:"لا ضرر ولا ضرار"

(2)

.

(وإذا قبض الساعي الزكاة، فرَّقها في مكانه وما قاربه) لما تقدم من حديث معاذ

(3)

. (فإن فَضَلَ شيء، حَمَله) لما تقدم من فعل معاذ

(4)

= وأديتها إليه، أمر لي بعمالة. فقلت: إنما عملت لله، وأجري على الله. فقال: خذ ما أعطيت، فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمَّلني. فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل، فكل، وتصدق".

(1)

انظر الفروع (2/ 568).

(2)

تقدم تخريجه (2/ 111) تعليق رقم (1).

(3)

تقدم تخريجه (5/ 95) تعليق رقم (3).

(4)

تقدم تخريجه (5/ 96) تعليق رقم (3).

ص: 110

(وإلا) أي: وإن لم يفضل شيء (فلا) حمل معه.

ويُستحبُّ أن يَعُدَّ الماشية على أهلها على الماء، أو في أفنيتهم؛ للخبر

(1)

.

وإن أخبره صاحب المال بعدده، قَبِلَ منه، ولا يُحلِّفه، كما سبق.

(وله) أي: الساعي (بيع الزكاة من ماشية وغيرها لحاجةٍ، كخوف

(1)

أخرج أبو داود في الزكاة، باب 8، حديث 1591، وأحمد (2/ 180، 215، 216)، وابن الجارود، حديث 345، وابن خزيمة (4/ 26) حديث 2280، والبيهقي (4/ 110)(8/ 29)، والبغوي في شرح السنة (10/ 202) من طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا بلفظ:"لا جَلَبَ ولا جَنَبَ، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم" وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد (2/ 216) وكذلك عند البيهقي والبغوي.

ورواه الطيالسي ص / 299، حديث 2264، وأحمد (2/ 184 - 185)، والبيهقي (4/ 110) من طريق ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، به، بلفظ:"تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم". وزاد الطيالسي: "أو على أفنيتهم" شك أبو داود.

وأخرج ابن ماجه في الزكاة، باب 13، حديث 1806، من طريق أسامة بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:"تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم".

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 318): هذا إسناد ضعيف لضعف أسامة.

وأخرج ابن الجارود، حديث 346، والطبراني في الأوسط (6/ 53) حديث 5111، والبيهقي (4/ 110) عن عائشة رضي الله عنها: مرفوعًا: "تؤخذ صدقات أهل البادية على مياههم وأفنيتهم".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 79): رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن.

ص: 111

تَلَفٍ، ومؤنة، ومصلحة) لحديث قيس بن أبي حازم، ويأتي.

(و) له (صرفه في الأحظِّ للفقراء، أو حاجتهم، حتى في أُجرة مسكن) لأنه دفع الزكاة في حاجتهم، أشبه ما لو دفعها إليهم.

(وإن باع لغير حاجة ومصلحة) فقال القاضي: (لم يصح، لعدم الإذن) أي: لأنه لم يؤذن له في ذلك (ويضمن قيمة ما تعذَّر) رده، وقيل: يصح، قدَّمه بعضهم؛ لما روى أبو عبيد في "الأموال"، عن قيس بن أبي حازم، "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء

(1)

، فسأل عنها المصدِّق؟ فقال: إني ارتجعتها بإبل، فسكت عنه"

(2)

فلم

(1)

أي: مشرفة السنام، عاليته. نهاية [4/ 211] ش.

(2)

لم نجده في مظانه من كتاب الأموال، وقد رواه أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 222). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 126)، والبيهقي (4/ 114)، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى

الحديث. قال البيهقي: حديث مرسل.

وأخرجه الترمذي في العلل ص / 100، رقم 172، وابن أبي شيبة (3/ 125)، وأحمد (4/ 349)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 479) حديث 2539، وأبو يعلى (3/ 39) حديث 1453، والطبراني في الكبير (8/ 94) حديث 7417، والبيهقي (4/ 113)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 32) حديث 948، عن مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم، عن الصنابح بن الأعسر الأحمسي مرفوعًا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 105): وفيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف، وقد وثقه النسائي في رواية. وقال البخاري كما في العلل للترمذي ص / 101: أنا لا أكتب حديث مجالد. وفي أوائل العلل للترمذي ص / 21 قال البخاري: وليس هو عندي بصحيح، رواه مجالد، عن قيس، عن الصنابح. قال الترمذي: وإنما قال محمد: لا يصح حديث مجالد؛ لأن إسماعيل بن أبي خالد رواه عن قيس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة مسنة، ولم يذكر الصنابح.

ص: 112

يستفصله، ومعنى الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها.

(قال) الإمام (أحمد

(1)

: إذا أخذ الساعي زكاته كتب له

(2)

براءةٌ؛ لأنه ربما جاء ساع آخر فيطالبه، فيخرج تلك البراءةَ، فتكون حُجَّة له) قال القاضي: وإنما قال ذلك لتنتفي التهمة عنه. أي: وإلا، فيقبل قول ربِّ المال في إخراج زكاته.

(1)

انظر المستوعب (3/ 335)، والفروع (2/ 546).

(2)

في "ذ": "له به".

ص: 113

‌باب ذِكْر أهل الزكاة

(وما يتعلَّق بذلك من بيان شروطهم وقَدْر ما يُعطاه كل واحد، وصدقة التطوع وهم) أي: أهل الزكاة الذين جعلهم الشرع محلًّا لدفعها إليهم (ثمانية أصناف، لا يجوز صَرْفها إلي غيرهم) كبناء المساجد، والقناطر، وسد البُثُوق

(1)

، وتكفين الموتى، ووقف المصاحف، وغير ذلك من جهات الخير؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}

(2)

.

وكلمة: "إنما" تفيد الحصر، أي: تثبت المذكورين وتنفي ما عداهم، وكذلك تعريف الصدقات بـ"أل"؛ فإنها تستغرقها، فلو جاز صَرْف شيء إلى غير الثمانية، لكان لهم بعضها لا كلها.

ورُوي عن زياد بن الحارث الصُّدائي قال: "أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فبايعْتُهُ، فأتاهُ رجلٌ، فقال: أعطِني من الصَّدَقَةِ، فقال: إنَّ اللهَ لمْ يرضَ بحكم نَبيٍّ ولَا غيرهِ في الصَّدقَاتِ، حتَّى حَكمَ فِيهَا هُوَ، فجزأها ثمانيةَ أجزاءٍ، فإنْ كنتَ من تلكَ الأجزاءِ أعطَيتُكَ" رواه أبو داود

(3)

.

(1)

البُثُوق: جمع بَثَق، وهو مُنبعث الماء، وبَثَق النهر: كسر شطه لينبثق الماء. القاموس المحيط ص / 865، مادة (بثق).

(2)

سورة التوبة، الآية:60.

(3)

في الزكاة، باب 23، حديث 1630. وأخرجه -أيضًا- ابن زنجويه في الأموال (3/ 1100) رقم 2041، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص / 345 - 347، والطحاوي (2/ 17)، والطبراني في الكبير (5/ 262) حديث 5285، =

ص: 114

وقال أحمد

(1)

: إنما هي لمن سمَّاه الله تعالى (وسُئل الشيخُ عمَّن ليس معه ما يشتري به كُتبًا يشتغل فيها؟ فقال: يجوز أخذُه ما يحتاج إليه من كُتُب العِلْم التي لابُدَّ لمصلحة دينه ودنياه منها)

(2)

.

قلت: ولعل ذلك غير خارج عن الأصناف؛ لأن ذلك من جملة ما يحتاجه طالب العلم، فهو كنفقته، ويأتي: إذا تفرَّغ قادر على التكسُّب للعلم، أُعطى.

(أحدهم) أي: الأصناف الثمانية (الفقراء) بدأ بهم اتباعًا للنص، ولشدة حاجتهم (وهم أسوأُ حالًا من المساكين) لبداءته تعالى بهم، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم. وقال تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}

(3)

فأخبر أن لهم سفينة يعملون فيها. وقد سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسْكنةَ، واستعاذ من الفقر، فقال:"اللَّهم أحْيِني مسْكينًا، وأمتَنِي مسْكينًا، واحشرْنِي في زُمْرَةِ المَسَاكِينِ". رواه الترمذي

(4)

. ولا

= والدارقطني (2/ 137) والبيهقي (4/ 173)(7/ 6)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 318) رقم 13271، وأبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة ص / 34 حديث 7، والمزي في تهذيب الكمال (9/ 446 - 447) في حديث طويل. قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 231): وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وقد تكلم فيه غير واحد. ونقل الحافظ في إتحاف المهرة (4/ 565) عن الدارقطني تضعيفه.

(1)

مسائل صالح (3/ 219) رقم 1681، ومسائل عبد الله (2/ 513) رقم 708.

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 155.

(3)

سورة الكهف، الآية:79.

(4)

في الزهد، باب 27، حديث 2352. وأخرجه -أيضًا- البيهقي (7/ 12)، وفي شعب الإيمان (2/ 167، 7/ 340) حديث 1453 و 10507، والذهبي في تذكرة الحفاظ (3/ 851) عن أنس رضي الله عنه، وقال الترمذي: حديث =

ص: 115

يجوز أن يسأل شدة الحاجة، ويستعيذ من حالة أصلح منها. ولأن الفقير مشتق من فِقَرِ الظَّهر، فعيل بمعنى مفعول، أي: مفقور، وهو الَّذي نُزعت فِقْرة ظهره، فانقطع صُلبه.

وأما قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}

(1)

وهو المطروح على التراب؛ لشدَّة حاجته.

= غريب. وضعفه الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/ 434) وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 109).

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 75)، وابن ماجه في الزهد، باب 7، حديث 4126، وعبد بن حميد (2/ 901)، حديث 1000، والطبراني في الدعاء (3/ 1466 - 1467) حديث 1425 - 1426، وفي مسند الشاميين (2/ 421) حديث 1615، وابن عدي (3/ 884)، والحاكم (4/ 322)، والبيهقي (7/ 13)، وفي شُعب الإيمان (4/ 389) حديث 5499، و (7/ 339) حديث 10506، والخطيب في تاريخه (4/ 111)، والرافعي في التدوين (1/ 473) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال في سير أعلام النبلاء (11/ 140): غريب جدًّا. وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 324) وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 109).

وأخرجه الطبراني في الدعاء (3/ 1467) حديث 1427، والبيهقي (7/ 12) والضياء في المختارة (8/ 270، 271) حديث 332، 333 عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 262): رواه الطبراني، وفيه بقية.

وأما حديث الاستعاذة من الفقر فمتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري في الدعوات، باب 46، حديث 6377، ومسلم في الذكر والدعاء، حديث 589 (49) ولفظه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر

" الحديث.

(1)

سورة البلد، الآية:16.

ص: 116

فأُجيب عنه: بأنه يجوز التعبير عن الفقير بالمسكين مطلقًا، وأن هذا النعت لا يستحقه بإطلاق اسم المسكنة.

(والفقير: من لا يجد شيئًا البتةَ) أي: قطعًا (أو يجد شيئًا يسيرًا من الكفاية دون نصفها من كَسب أو غيره، مما لا يقع موقعًا من كفايته) كدرهمين من عشرة، ومثَّله الخرقي وتبعه في "الشرح": بالزَّمِن والأعمى؛ لأنهما في الغالب كذلك، قال تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

(1)

الآية.

(الثاني: المساكين، والمسكين: من يجد معظم الكفاية أو نصفَها) من كَسْب أو غيره، مفعيل، من السكون، وهو الَّذي أسكنته الحاجة.

(ومن مَلَك نقدًا ولو خمسين درهمًا فأكثرَ، أي قيمتها من الذهب أو غيره) كالعُروض (ولو كَثُرت قيمته، لا يَقوم) ذلك (بكفايته، فليس بغني، فيأخذ تمام كفايته سَنَةً) من الزكاة.

(فلو كان في ملكه عُرُوضٌ للتجارة قيمتها ألف دينار، أو أكثر) من ذلك (لا يَرُدُّ عليه ربحُها) أي: لا يحصل له منه (قَدْر كفايته) جاز له أخذ الزكاة (أو) كان (له مواشٍ تبلغ نصابًا، أو) له (زَرْعٌ يبلغ خسمة أوسق، لا يَقوم) ذلك (بجميع كفايته، جاز له أَخْذُ الزكاة) ولا يمنع ذلك وجوبها عليه.

(قال) الإمام (أحمد

(2)

) في رواية محمد بن الحكم: (إذا كان له

(1)

سورة البقرة الآية: 273.

(2)

المغني (4/ 122).

ص: 117

عَقار أو ضَيعةٌ يستغلُّها عشرةُ آلاف، أو أكثرُ، لا تكفيه، يأخذ من الزكاة. وقيل له) أي: لأحمد

(1)

: (يكون له الزَّرعُ القائمُ، وليس عنده ما يحصُدُه، أيأخذ من الزكاة؟ قال: نعم. قال الشيخ

(2)

: وفي معناه ما يَحتاج إليه لإقامة مؤنته، وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة، وكذا من له كُتُب يحتاجها للحفظ والمطالعة، أو لها حَلْيٌ للبس، أو كراء تحتاج إليه) فلا يمنعها ذلك الأخذ من الزكاة.

ف‌

‌الغنى في باب الزكاة نوعان: نوع يوجبها

(3)

، ونوع يمنعها

(4)

. والغنى هنا: ما تحصُل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجًا، حَرُمت عليه الزكاة، وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا، حلَّت له، ولو ملك نصابًا فأكثر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث قَبيصة:"فحلَّت لهُ المسألةُ حتَّى يُصِيبَ قوامًا منْ عيشٍ، أو سَدادًا من عَيشٍ" رواه مسلم

(5)

. والسداد: الكفاية. وذكر أحمد

(6)

قول عمر: "أعطُوهُم، وإنْ راحَتْ عليهِمْ من الإبلِ كذا وكذا"

(7)

.

(1)

طبقات الحنابلة (1/ 177).

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 156.

(3)

"وهو واجد النصاب" ش.

(4)

"وهو واجد الكفاية" ش.

(5)

في الزكاة، حديث 1044، ويأتي بتمامه (5/ 144).

(6)

المغني (4/ 122).

(7)

أخرج أبو عبيد في الأموال ص / 676 رقم 1779، 1780، وابن أبي شيبة (3/ 205)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 521) رقم 832، و (3/ 1193) رقم 2243 عن عمرو بن مرة عن أبيه، قال: سئل عمر عما يؤخذ من صدقات الأعراب كيف تصنع بها؟ فقال عمر: والله لأردن عليهم الصدقة حتى تروح على أحدهم مائة ناقة، أو مائة بعير.

ص: 118

وأما حديث ابن مسعود مرفوعًا: "منْ سألَ ولَه مَا يغنيه جاءَتْ مسأَلَتُه يَومَ القِيَامَةِ خدُوشًا، أو كدُوشًا

(1)

في وجْهِهِ". قَالُوا: يَا رسُولَ اللهِ، وَمَا غِنَاهُ؟ قال: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أو حسابُها من الذَّهَبِ" رواه الخمسة

(2)

.

فأُجيب عنه: بضعف الخبر. وحَمَله المجد على أنَّه صلى الله عليه وسلم قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه بخمسين درهمًا، ولذلك جاء التقدير عنه بأربعين، وبخمس أواق، وهي مائتا درهم.

(وإن تفرَّغ قادرٌ على التكسُّب للعلم) الشرعي، وإن لم يكن لازمًا له (وتعذَّر الجمع) مِن العلم والتكسب (أُعطي) من الزكاة لحاجته.

و (لا) يُعطى من الزكاة (إن تفرَّغ) قادر على التكسُّب (للعبادة)

(1)

"قال في الصحاح [3/ 1003]: الخُدُوش: الكُدُوح، وقد خَدَشَ وجهه، وخدَّشه، وقال أيضًا [3/ 1017]: الكَدْش: الخَدش، يقال كَدَشه إذا خدشه" ش.

(2)

أبو داود في الزكاة، باب 23، حديث 1626، والترمذي في الزكاة، باب 22، حديث 650، والنسائي في الزكاة؛ باب 87، حديث 2591، وابن ماجه في الزكاة، باب 26، حديث 1840، وأحمد (1/ 388، 441). وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 42، حديث 322، وابن أبي شيبة (3/ 180)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1118)، رقم 2072، والدارمي في الزكاة، باب 15، حديث 1640، والبزار في مسنده (5/ 294) رقم 1913، وأبو يعلى (9/ 138) حديث 5217، والدولابي في الكنى (1/ 135)، والطحاوي (2/ 20، 4/ 372)، وفي شرح مشكل الآثار (1/ 428) حديث 488، والشاشي (2/ 19) حديث 479، وابن عدي (2/ 635 - 636)، والدارقطني (2/ 122)، والحاكم (1/ 407) والبيهقي (7/ 24)، والخطيب في تاريخه (3/ 205)، والبغوي في شرح السنة (6/ 83) حديث 1600. قال الترمذي: حديث حسن، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث. وانظر علل الدارقطني (5/ 215)، ومعالم السنن (2/ 56)، وميزان الاعتدال (1/ 584).

ص: 119

لقصور نفعها عليه، بخلاف العلم.

(وإطعام الجائع ونحوُه) كسقي العطشان، وإكساء العاري، وفكِّ الأسير (واجب) على الكفاية إجماعًا

(1)

(مع أنَّه ليس في المال حق سوى الزكاة) وفاقًا.

وعن ابن عباس مرفوعًا: "إن اللهَ لم يفْرِض الزكَاةَ إلَّا ليطيبَ ما بَقِي من أموَالِكُم"

(2)

، وعن أبي هريرة

(3)

مرفوعًا: "إذا أديتَ زكاةَ مَالِكَ، ققد قَضَيتَ ما عليكَ" رواه ابن ماجه والترمذي

(4)

. وقال:

(1)

الاستذكار (5/ 309).

(2)

أخرجه أبو داود في الزكاة، باب 32، حديث 1664، وأحمد في فضائل الصحابة (1/ 374) حديث 560، وأبو يعلى (4/ 378) حديث 2499، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1788)، حديث 10080، والحاكم (1/ 408 - 409، 2/ 333)، والبيهقي (4/ 83) وفي شعب الإيمان (3/ 194) حديث 3307. قال الحاكم في الموضع الأول: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال في الموضع الثاني: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: عثمان لا أعرفه، والخبر عجيب.

قلنا: في المستدرك المطبوع "عثمان بن القطان" ولعله تصحيف، والصواب: عثمان أبي اليقظان، كما في مسند أبي يعلى، وإتحاف المهرة (8/ 29) وغيرهما وهو عثمان بن عمير معروف ولكنه ضعيف اختلط كما قاله الحافظ في التقريب (4539). ورواه أبو داود، والحاكم في الموضع الأول وليس في سنديهما عثمان.

(3)

"أبي هريرة": في الأصل و"ذ": "أبي" والصواب ما أثبتناه كما في مصادر التخريج.

(4)

ابن ماجه في الزكاة، باب 3، حديث 1788، والترمذي في الزكاة، باب 2، حديث 618، وقال: حسن غريب. وأخرجه -أيضًا- ابن زنجويه في الأموال (2/ 797) حديث 1383 و 1384، وابن الجارود، حديث 336، =

ص: 120

حسن غريب. وقال القاضي عياض

(1)

: الجمهور: إن المراد بالحق في الآية الزكاة، وأنه ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة، وما جاء غير ذلك، حُمِل على الندب ومكارم الأخلاق. انتهى.

قلت: والمراد الراتب. وأما ما يَعرض لجائع وعارٍ وأسير ونحوه فيجب عند وجود سببه، فلا تعارض.

(ومن أُبِيح له أَخْذُ شيء) قال ابن حمدان: من زكاة، وصدقة تطوَّع، وكفارة، ونذر وغير ذلك (أُبيح له سؤاله) لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"للسائِلِ حقٌّ وإنْ جَاءَ عَلى فَرَسٍ"

(2)

ولأنه يطلب حقه الَّذي أُبيح له.

= وابن خزيمة (4/ 110) حديث 2471، وابن حبان "الإحسان"(8/ 11) حديث 3216، والحاكم (1/ 390)، والبيهقي (4/ 84) وفي شعب الإيمان (3/ 258) حديث 3477، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 211)، والبغوي في شرح السنَّة (6/ 67) حديث 1591.

قال الحاكم: صحيح، ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 160): إسناده ضعيف.

(1)

إكمال المعلم (3/ 497).

(2)

روى من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الزكاة، باب 33، حديث 1666، وتمّام في فوائده (2/ 145) حديث 535، والبيهقي (7/ 23). وفي إسناده راوٍ مبهم.

ب - الحسين بن علي رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في تاريخه (8/ 416)، وأبو داود في الزكاة، باب 33، حديث 1665، وابن أبي شيبة (3/ 113)، وأحمد (1/ 201) والدولابي في الذرية الطاهرة ص / 130، حديث 157، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1125)، حديث 2088، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق، حديث 391، والبزار (4/ 186) حديث 1343، وأبو يعلى (12/ 154) حديث 6784، وابن خزيمة (4/ 109) حديث 2468، =

ص: 121

ونَقَل الجماعة عن أحمد

(1)

: في الرجل له الأخ من أبيه وأمه؛ ويرى عنده الشيءَ فيعجبه، فيقول: هَبْ هذا لي، وقد كان ذلك يجري بينهما، ولعلَّ المسؤول يحب أن يسأله أخوه ذلك، قال: أكره المسألةَ كلها، ولم يرخِّص فيها، إلا أنَّه بين الولد والأب أيسر،

= والطبراني في الكبير (3/ 130) حديث 2893، وأبو نعيم في الحلية (8/ 379)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 191) حديث 285، والبيهقي (7/ 23)، وفي شعب الإيمان (3/ 227) حديث 3396، 3397، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 296)، والمزي في تهذيب الكمال (32/ 403) ترجمة يعلى بن منية. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 250): في إسناده يعلى بن أبي يحيى، سُئل عنه أبو حاتم فقال: مجهول.

ج - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن عدي (1/ 258) في ترجمة إبراهيم بن عبد السلام المخزومي المكي، وقال: ليس بمعروف، حدَّث بالمناكير، وعندي أنه يسرق الحديث.

د - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي (4/ 1504، 5/ 1687)؛ وعَدَّه من مناكير عبد الله بن زيد بن أسلم.

هـ - الهرماس بن زياد رضي الله عنه: أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (3/ 211)، والطبراني في الكبير (22/ 203). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 101): فيه عثمان بن فائد، وهو ضعيف.

وقد ذكر العلامة ابن القيم في المنار المنيف ص / 124 هذا الحديث ضمن الأحاديث الباطلة، وقال: قال الإمام أحمد: "أربعة أحاديث تدور في الأسواق، لا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" منها هذا الحديث.

وقد عارضه غير واحد: قال الحافظ العراقي كما في اللآلي المصنوعة (2/ 140 - 141): حديث أبي داود وأحمد إسناده جيد، ورجاله ثقات. ونقله السخاوي في المقاصد الحسنة ص / 337 وأقره. وقال العلائي في النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح ص / 42: والحديث حسن الإسناد. انظر القول المسدد ص / 65 - 66.

(1)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 120) رقم 587.

ص: 122

وذلك أن فاطمة: "أتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وسألَتْهُ"

(1)

.

وإن اشترى شيئًا، وقال: قد أخذتُه بكذا، فَهَبْ لي فيه كذا، فنقل محمد بن الحكم

(2)

(3)

: لا تعجبني هذه المسألة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تحِلُّ المسألَةُ إلَّا لثَلاثٍ"

(4)

.

وسأله محمد بن موسى

(5)

: ربما اشتريتُ الشيءَ، فأقول: أرجِحْ لي؟ فقال: هذه مسألة، لا تعجبني

(6)

. ونقل ابن منصور: يُكره

(7)

.

(1)

أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب 6، حديث 3113، وفي فضائل الصحابة، باب 38، حديث 3705، وفي النفقات، باب 6، 7، حديث 5361، 5362، وفي الدعوات، باب 11 حديث 6318، ومسلم في الذكر، حديث 2727، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم في الذكر حديث 2728، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

هو محمد بن الحكم أبو بكر الأحول، سمع من الإمام أحمد، وتوفي قبله سنة (223 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الحنابلة (1/ 295).

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 5) رقم 1185.

(4)

جزء من حديث قبيصة رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه (5/ 118) تعليق رقم (5).

وأخرجه أبو داود في الزكاة، باب 26، حديث 1640، وابن ماجه في التجارات، باب 25، حديث 2198، والطيالسي ص / 285، حديث 2145، وأحمد (3/ 114)، والطحاوي (2/ 19)، والبيهقي (7/ 25) وفي شعب الإيمان (2/ 77) حديث 1201، والضياء في المختارة (6/ 245 - 246) حديث (2261 - 2263)، و (6/ 247 - 249) حديث 2265 عن أنس رضي الله عنه.

(5)

هو محمد بن موسى بن مُشَيْش البغدادي، جار الإمام أحمد، وكان من كبار أصحابه. طبقات الحنابلة (1/ 323).

(6)

الفروع (2/ 595).

(7)

الفروع (2/ 595).

ص: 123

واختار المجد: لا يُكره؛ لأنه لا يلزم السائل إمضاء العقد بدونها، فتصير ثمنًا، لا هِبة.

(ويَحرُم السؤال) أي: سؤال الزكاة

(1)

أو الكفَّارة

(2)

(وله ما يُغنيه) أي: يكفيه؛ لأنه لا يَحِلُّ له أخذهما

(3)

إذن، ووسائل المُحرَّم محرَّمة.

(ولا بأس بمسألة شُرْبِ الماء) نص عليه

(4)

. واحتج بفعله صلى الله عليه وسلم

(5)

، وقال في العطشان لا يستسقي: يكون أحمق

(6)

.

(و) لا بأس بمسألة (الاستعارة والاستقراض) نصَّ عليهما

(7)

. قال الآجري: يجب أن يعلم حِلَّ المسألة، ومتَى تحِلّ؟ وما قاله معنى قول أحمد في أن تَعلُّم ما يحتاج إليه لدينه فرض.

(ولا) بأس (بسؤال الشيء اليسير، كَشِسعِ النعل) أي: سَيره: لأنه في معنى مسألة شُرب الماء.

(وإن أعطي مالًا) طيبًا (من غير مسألة ولا استشراف نفس مما يجوز له أخذه) من زكاة أو كفارة أو صدقة تطوّع أو هِبة (وجب أخذه)

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة: "أو صدقة التطوع".

(2)

في "ح": "أو الكفارة ونحوها".

(3)

في "ح": "أخذها".

(4)

الفروع (2/ 596).

(5)

أخرج مسلم في الأشربة، حديث 2011 عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى.

(6)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 248).

(7)

مسائل أبي داود ص / 195.

ص: 124

نقله جماعة، منهم الأثرم والمرُّوذي

(1)

، وقطع به في "المستوعب" و"المنتهى" هنا، واختار ابن حمدان: أنه يُستحبُّ، وهو معنى ما قطع به المصنف، وصاحب "المنتهى" وغيرهما في الهبة: أنه يُسنُّ القَبول، ويُكره الردُّ، وقد رَدَّ أحمد، وقال: دعنا نكون أعزَّاء

(2)

.

(وإن استشرفت نفسُه: بأن قال: سيبعث لي فلان، أو لعلَّه يبعث لي، فلا بأس بالردِّ) نص عليه في رواية الجماعة

(3)

وزاد أبو داود

(4)

: وكأنه اختار الرد، ونقل المرُّوذي: ردَّها. وسأله جعفر: يحرم أخذه؟ قال: لا.

(وإن سأل غيره لمحتاج غيره في صدقة، أو حج، أو غزو، أو حاجة، فلا بأس) لما فيه من كشف الكُرْبة عن المسلم (والتعريض أعجب إلى أحمد) من السؤال، قال

(5)

: لا أحبه لنفسه، فكيف لغيره؟ يعرِّض أحب إلي.

(ولو سأله من ظاهره الفقر أن يعطيه شيئًا) وأطلق، فدفع إليه، ثم اختلفا: هل هو قرض أو صدقة؟ (قُبِلَ قول الدافع في كونه قرضًا) لأنه أدرى بنيته (كسؤاله مقدارًا)

(6)

، كعشرة دراهم) لأن التقدير

(1)

مسائل عبد الله (3/ 995) رقم 1358، ومسائل ابن هانئ (2/ 108) رقم 1632.

(2)

انظر الفروع (2/ 599).

(3)

مسائل عبد الله (3/ 995) رقم 1358، ومسائل ابن هانئ (1/ 119 - 120) رقم 586.

(4)

مسائل أبي داود ص / 232، ومسائل ابن هانئ (1/ 119 - 120) رقم 586.

(5)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 120) رقم 589.

(6)

في "ح" و"ذ": "مقدرًا".

ص: 125

قرينة القرض.

(وإن قال) السائل: (أعطني شيئًا، إني فقير، قُبِلَ قول الفقير في كونه صدقة) عملًا بقرينة قوله: إنه فقير.

(وإن أُعطيَ مالًا ليفرقه، جاز) له (أخذه) لذلك (و) جاز له (عدمه) أي: عدم الأخذ (والأولى: العمل بما فيه المصلحة) من أخذ وعدمه، وحسَّن أحمد عدم الأخذ في رواية

(1)

، وكان لا يعدل بالسلامة شيئًا.

(الثالث: العاملون عليها) للنص (كجابٍ) للزكاة (وكاتب) على الجابي (وقاسم) للزكاة بين مستحقيها (وحاشر) أي: جامع (المواشي، وعدَّادها، وكيَّال، ووزَّان، وساع) يبعثه الإمام لأخذها (وراع، وحمَّال، وجمَّال، وحاسب، وحافظ، ومن يُحتاجُ إليه فيها) أي: في الزكاة؛ لدخولهم في مُسمَّى العامل (غير قاضٍ ووالٍ، ويأتي) لاستغنائهما بمالهما في بيت المال.

(وأُجرة كَيْلِها ووَزنها في أخذها) أي: حال تسليمها (ومؤنة دفعها على المالك) لأن تسليمها عليه، فكذلك مؤنته، وأما مؤنة ذلك حال الدفع إلى أهل الزكاة فمن سهم العمال.

(ويُشترط كونه) أي: العامل (مسلمًا) لقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}

(2)

، ولأنها ولاية، ولاشتراطِ الأمانةِ أشبه الشهادة.

(1)

انظر مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص / 226، والفروع (2/ 602).

(2)

سورة آل عمران، الآية:118.

ص: 126

(أمينًا) قال في "الفروع": ومرادهم بها العدالة، قال في "المبدع": وفيه نظر.

(مكلَّفًا) لأنها ولاية، وغير المكلَّف مولًّى عليه.

(كافيًا) في ذلك؛ لأنها نوع من الولاية، فاشترط فيها ذلك كغيرها (من غير ذوي القُربى) لأن الفضل بن العباس والمطَّلب

(1)

بن ربيعة سألا النبي صلى الله عليه وسلم العمالَةَ على الصدقَات، فقال:"إن الصدَقة لا تحِلُّ لمحمدٍ ولا لآلِ محمدٍ"

(2)

. وهو نصٌّ في التحريم، لا تجوز مخالفته، إلا أن تدفع إليه أجرته من غير الزكاة، قاله في "المغني" و"الشرح".

(ويُشتَرط علمه) أي: العامل على الزكاة (بأحكام الزكاة، إن كان من عُمَّال التفويض) أي: الذين يفوض إليهم عموم الأمر؛ لأنه إِذا لم يكن عالمًا بذلك لم تكن فيه كفاية له.

(وإن كان) العامل (منفِّذًا، وقد عيّن له الإمام ما يأخده، جاز أن لا يكون عالمًا) بأحكام الزكاة (قاله القاضي) في "الأحكام السلطانية"

(3)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كانَ يبْعَثُ العمَّال ويكتبُ لهم ما يأخُذُونَ

(4)

.

(1)

في صحيح مسلم: عبد المطلب بن ربيعة. وهو القول الآخر في اسمه. انظر تهذيب التهذيب (6/ 383).

(2)

أخرجه مسلم في الزكاة، حديث 1072 (168).

(3)

ص / 115.

(4)

بَعْث النبي صلى الله عليه وسلم العمال لجباية الصدقات ثبت في أحاديث كثيرة منها:

أ - حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على =

ص: 127

وكذلك كتب أبو بكر لعُمَّاله

(1)

.

(ولا يُشترط حُريته) لحديث أنس مرفوعًا: "اسْمعوا وأطِيعوا وإن استُعمِلَ عليكم عبدٌ حبشِيٌّ، كأنَّ رأسَهُ زبِيبَةٌ" رواه أحمد والبخاري

(2)

؛ ولأن العبد يحصُل منه المقصود، أشبه الحُرَّ.

= الصدقة .. رواه مسلم في الزكاة، حديث 983، والبخاري في الزكاة باب 49، حديث 1468 بنحوه.

ب - حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه. قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأسد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية .. رواه البخاري في الزكاة، باب 67، حديث 1500، وفي الهبة، باب 17، حديث 2597، وفي الأيمان، باب 3، حديث 6636، وفي الحيل، باب 15، حديث 6979، وفي الأحكام، باب 24، حديث 7174، ومسلم في الإمارة، حديث 1832.

ج - حديث أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصدقة من بني مخزوم .. رواه أبو داود في الزكاة، باب 29، حديث 1650، والترمذي في الزكاة، باب 25، حديث 657، والنسائي في الزكاة، باب 97، حديث 2611. وقال الترمذي: حسن صحيح. ويأتي (5/ 169).

وأما كتابة ما يأخذون فقد جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه (4/ 344) تعليق رقم (1).

كما جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وقد تقدم تخريجه (4/ 354) تعليق رقم (1).

وجاء "كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو بن حزم في الصدقات" رواه أبو عبيد في الأموال ص / 447، رقم 934.

(1)

تقدم تخريجه (4/ 344) تعليق رقم (1).

(2)

أحمد (3/ 114)، والبخاري في الأذان، باب 54، 56، حديث 693، 696، وفي الأحكام، باب 4، حديث 7142.

ص: 128

(ولا) يُشترط (فقره) إجماعًا

(1)

، لحديث أبي سعيد يرفعه:"لا تحلُّ الصدقَةُ لِغنيٍّ، إلا لخمسةٍ: لعاملٍ، أو رجلٍ اشتراها بماله، أو غارمٍ، أو غازٍ في سبيل اللهِ، أو مسكينٍ تُصدق عليه منها، فأهدى منها لغني". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

(2)

.

(1)

انظر الاستذكار لابن عبد البر (9/ 199، 203) والتمهيد (4/ 105)(5/ 97، 101).

(2)

أحمد (3/ 56)، وأبو داود في الزكاة، باب 24، حديث 1636، وابن ماجه في الزكاة، باب 27، حديث 1841. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 109) حديث 7151، وابن الجارود حديث 365، وابن خزيمة (4/ 69، 71) حديث 2368، 2374، والدارقطني (2/ 121)، والحاكم (1/ 407 - 408) وابن حزم في المحلى (6/ 107، 151)، والبيهقي (7/ 15، 22)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 332) حديث 13347، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 96 - 97)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 62) من طريق معمر، والثوري، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (6/ 152): هذا الحديث حسن أو صحيح. وقال ابن الجوزي: إسناده ثقات.

ورواه أبو داود -أيضًا- في الزكاة، باب 24، حديث 1635، ومالك (1/ 268)، وأبو عبيد في الأموال ص / 659، 726، حديث 1729 و 1984، وابن أبي شيبة (3/ 210)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1110) حديث 2057، 2058، والطبري في تهذيب الآثار ص / 415، رقم 763، والحاكم (1/ 408)، والبيهقي (7/ 15)، وفي معرفة السنن والآثار (9/ 331) حديث 13345، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 96)، والبغوي في شرح السنة (6/ 89) حديث 1604 من طرق عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار -مرسلًا-، ورجحه أبو حاتم وأبو زرعة -فيما نقل عنهما ابن أبي حاتم في العلل (1/ 221) رقم 642 - ، والدارقطني في العلل (11/ 270). وصوب ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 310) الموصول.

ص: 129

قال في "الفروع": وظاهره لا تُشترط ذكوريته، وهذا متوجه. قال في "المبدع"

(1)

: وفيه نظر من جهة أنه لم يَرِد ما يدلُّ عليه، ومن تعليلهم بالولاية، فلهذا قال:(واشتراطُ ذكوريته أَولى) من القول بعدم اشتراطها، وكأنهم لم ينصوا على ذلك لوضوحه.

(وما يأخذه العاملُ) من الزكاة، فهو (أُجرته) ولذلك جاز مع غناه.

(ويجوز أن يكون الراعي والحمَّال) للزكاة (ونحوهما) كالسائق (كافرًا، أو عبدًا، أو غيرهما ممن مُنِعَ الزكاة) كذوي القُربى. قال في "الإنصاف": بغير خلاف نعلمه (لأن ما يأخذه أُجرة لعمله، لا لعِمالته) بخلاف الجابي لها ونحوه.

(وإن وكَّل) مسلم (غيرَه في تفرفة زكاته، لم يدفع إليه من سهم العامل، ويأتي) لأنه ليس بعامل، بل وكيل.

(وإن تَلِف المال) أي: الزكاة (بيده) أي: العامل (بلا تفريط، لم يضمَن) لأنه أمين (وأُعطي أُجرته من بيت المال) لأنه لمصالح المسلمين، وهذا منها (وإن لم تتلف) الزكاة (فـ) إنه يُعطى أجرته (منها، وإن كان) أجره (أكثر من ثمنها) لأن ما يأخذه العامل أجرة في المنصوص عنه

(2)

.

(وإن رأى الإمام إعطاءه) أي: العامل (أُجرته من بيت المال) ويوفِّر الزكاة على باقي الأصناف، فَعَلَ (أو) رأى الإمام أن (يجعل له

(1)

في "ح": "الفروع" وهو خطأ. انظر المبدع 2/ 416.

(2)

انظر الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص / 115.

ص: 130

رزْقًا فيه) أي: في بيت المال نظير عمالته (ولا يعطيه منها شيئًا، فَعَل) الإمام ما أداه إليه اجتهاده، مع عدم المفسدة.

(ويخيَّرُ الإمام في العامل، إن شاء أرسله) لقبض الزكاة (من غير عَقْدٍ ولا تسمية شيء، وإن شاء عَقَدَ له إجارة) بأجر معلوم، إما على عمل معلوم، أو مدة معلومة (ثم إن شاء) الإمام (جعل له) أي: للعامل (أَخذ الزكاة وتفريقَها) كما تقدم في قصة معاذ رضي الله عنه، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لليمن

(1)

(أو) جعل له (أَخذها فقط) ويفرِّقها الإمام، وهذا واضح، إذا كان في البلد وما دون المسافة، وإلا، فقد تقدم

(2)

: يحرم نقل الزكاة إلى بلد تُقصر إليه الصلاة، حتى من الساعي.

(وإن أذن) الإمام (له) أي: العامل (في تفريقها، أو أطلق) فلم يأمره بالتفريق، ولم ينهه عنه (فله ذلك) أي: تفريقها في مستحقيها؛ لما روى أبو داود: "أن زيادًا ولَّى عمرانَ بن حصَين الصدَقَةَ، فلما جاءَ قِيل لهُ: أينَ المالُ؟ قال: أو لك مالٌ؟ بَعَثْتني

(3)

، أخَذْنَاها كما

(4)

نأخُذُها على عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ووضَعنَاها حيثُ كنا نضعها على عهدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم"

(5)

. (وإلا) بأن قال له: لا تفرقها، (فلا)

(1)

تقدم تخريجه (5/ 95) تعليق رقم (3).

(2)

(5/ 95).

(3)

قوله: "بعثتني" ليس في "ذ" ولفظ أبي داود "وللمال أرسلتني"؟.

(4)

في سنن أبي داود: أخذناها من حيث كنا نأخذها.

(5)

أبو داود في الزكاة، باب 22، حديث 1625. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الزكاة، باب 14، حديث 1811، والطبراني في الكبير (18/ 225) =

ص: 131

يفرقها؛ لقصور ولايته.

(وإذا تأخَّر العامل بعد وجوب الزكاة تشاغلًا بأخذها) أي: الزكاة (من ناحية أخرى، أو عُذر غيره، انتظره أرباب الأموال، ولم يخرجوا) زكاتهم لأنفسهم؛ لأنه لا يقدر على أخذها إلا من طائفة بعد طائفة، قاله في "الأحكام السلطانية"

(1)

. ولعله إذا خشوا ضررًا بالإخراج، وإلا؛ فهو واجب على الفور، حيث لا عذر (وإلا) أي: وإن لم يكن تأخره لعذر (أخرجوا) أي: أرباب الأموال زكاتهم (بأنفسهم) لتعذُّر الدفع إليه (باجتهاد) إن كانوا من أهله (أو تقليد) مجتهد، إن لم يكونوا أهلًا للاجتهاد (ثم إذا حضر العامل، وقد أخرجوا) زكاتهم بأنفسهم (وكان اجتهادُه مؤدِّيًا إلى إيجاب ما أسقط ربُّ المال، أو) إلى (الزيادة على ما أخرجه ربُّ المال، نظر، فإن كان وقت مجيئه) أي: العامل (باقيًا) عادة (فاجتهاد العامل أمضى) من اجتهاد ربِّ المال؛ لئلا تكون مبادرته سببًا لإسقاط بعض الزكاة (وإن كان) وقت مجيء العامل عادة (فائتًا، فاجتهاد ربِّ المال أنفذ) فلا ينقضه العامل؛ لأنه فعل ما عليه بلا تهمة.

(وإن أسقط العامل) عن ربِّ المال بعض الزكاة (أو أخذ) العامل (دون ما يعتقده المالك) واجبًا عليه (لزمه) أي: ربُّ المال (الإخراج)

= حديث 559، والحاكم (3/ 471)، والبيهقي (7/ 9)، والخطيب في الموضح (1/ 319).

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/ 312): وسكت عنه أبو داود والمنذري، ورجال إسناده رجال الصحيح. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 161).

(1)

ص / 119.

ص: 132

أي: إخراج ما بقي عليه من الواجب (فيما بينه وبين الله تعالى) لأنه معترف بوجوب ما عليه لأهل السُّهمان.

(وإن ادَّعى المالك دَفْعَها) أي: الزكاة (إلى العامل، وأنكر) العامل قَبْضَها منه (صُدِّق المالك في الدفع) إليه؛ لأنه مؤتمن بلا يمين، كما تقدم (وحَلَفَ العاملُ) أنه لم يأخذها منه؛ لأنه منكر (وبرئ) العامل للفقراء، فلا يرجعون عليه بها.

(وإن ادَّعى العامل دَفْعَها إلى الفقير) ونحوه (فأنكر) الفقير ونحوه (صُدِّق العامل في الدفع) إلى الفقير؛ لأنه أمين (و) صُدِّق (الفقير في عدمه) أي: عدم الأخذ؛ لأنه منكر. قال في "شرح المنتهى": وظاهره بلا يمين.

(ويُقبل إقرارُه) أي: العامل (بقبضها) أي: الزكاة من ربِّها (ولو عُزِل) العامل، كحاكم أقرَّ بحكمه بعد عزله.

(و‌

‌إن عَمِل إمام أو نائبه على زكاة، لم يكن له أخذ شيء منها)

أي: الزكاة (لأنه يأخذ رزقه من بيت المال.

ويُقدَّم العامل بأُجرته على غيره من أهل الزكاة) لأنه يأخذ في مقابلة عمله، بخلافهم. ولهذا إذا عَجَزت الصدقة عن أجره، تُمِّم له من بيت المال، ثم يُعطى الأهم فالأهم، وأهمهم أشدهم حاجة.

(و‌

‌إن أُعطي) العامل من الزكاة (فله الأخذ، وإن تطوَّع بعمله

؛ لقصة عمر) رضي الله عنه، وهي أنه صلى الله عليه وسلم أمرَ لهُ بعُمالة، فقال: إنما عمِلْتُ لله، فقال. "إذا أُعطيتَ شيئًا من غير أن تسألَ، فكلْ وتصَدَّقْ".

ص: 133

متفق عليه

(1)

.

(وتُقبل شهادة أرباب الأموال عليه) أي: العامل (في وضعها غير موضعها) المشروع وضعها فيه؛ لأنهم لا يدفعون عنهم بها ضررًا، لبراءتهم بالدفع إليه مطلقًا.

و (لا) تُقبل شهادتهم عليه (في أخذها منهم) لأنها شهادة لأنفسهم، لكنهم يُصَدَّقون بلا يمين، كما تقدم.

(وإنْ شَهِدَ به) أي: بأخذ العامل الزكاة (بعضُهم) أي: بعض أرباب الأموال (لبعض قَبْلَ التناكر والتخاصم) بينهم وبين العامل (قُبِلَ) منهم ذلك؛ لعدم المانع (وغُرِّم العامل) للفقراء ما ثبت عليه أخذه (وإلا) بأن كان بعد التناكر والتخاصم (فلا) تُقبَل شهادة بعضهم لبعض، للعداوة.

(وإن شَهِدَ أهل السُّهمان) -بضم السين- أي: جمع سهم كالسهام، وهم أهل الزكاة القابضون لها (له) أي: للعامل (أو عليه، لم يقبل) منهم ذلك؛ لما فيها من جَلْبِ النفع.

(ولا يجوز له) أي: العامل (قَبول هديةٍ من أرباب الأموال) لحديث: "هَدَايَا العمّالِ غلولٌ"

(2)

.

(1)

البخاري في الزكاة، باب 51، حديث 1473، وفي الأحكام، باب 17، حديث 7163 - 7164، ومسلم في الزكاة، حديث 1045 (112)، واللفظ له.

(2)

أخرجه أحمد (5/ 424)، والبزار (9/ 172) حديث 3723، وأبو عوانة (4/ 437)، وابن عدي (1/ 295)، والبيهقي (10/ 138).

حسَّن إسناده ابنُ الملقِّن في خلاصة البدر المنير (2/ 430)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 200، 5/ 249) وقال: رواه البزار، والطبراني من رواية =

ص: 134

(ولا) يجوز له -أيضًا - (أَخْذُ رشوة) بتثليث الراء، وهي ما بعد طلب، والهدية قبله (ويأتي عند هدية القاضي) في باب أدب القاضي بأوضح من هذا.

(وما خان) العامل (فيه أَخَذَه الإمام) ليرده إلى مستحقِّه، لقوله

= إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهي ضعيفة. وقال الحافظ في الفتح (5/ 221): في إسناده إسماعيل بن عياش، وروايته عن غير أهل المدينة ضعيفة، وهذا منها. وبنحوه قال في (13/ 164).

وقال البزار: وهذا الحديث رواه إسماعيل بن عياش واختصره، وأخطأ فيه، وإنما هو عن الزهري، عن عروة، عن أبي حميد، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على الصدقة. وقال الدارقطني في أطراف الغرائب والأفراد (5/ 36) تفرد به إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن عروة. وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 422): وهذا الحديث من أفراد أحمد، وهو ضعيف الإسناد، وكأنه مختصر من الذي قبله.

قال الحافظ في الفتح (5/ 221) وقيل: إنه رواه بالمعنى من قصة ابن اللتبية. ثم قال الحافظ: وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وجابر ثلاثتها في الطبراني الأوسط [5/ 509 حديث 4966، 7/ 458 حديث 6898، 8/ 415 حديث 7848، 10/ 23 حديث 9051] بأسانيد ضعيفة. قلنا: وحديث ابن اللتبية أخرجه البخاري في الهبة، باب 17، حديث 2597، وفي الأحكام باب 24، باب هدايا العمال، حديث 7174، ومسلم في الإمارة، حديث 1832، من طريق الزهري، عن عروة، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال:"استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال: فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظرَ يهدّى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رغاءٌ، أو بقرة لها خوار، أو شاة تَيْعَر".

ص: 135

- صلى الله عليه وسلم: "من استَعْمَلْنَاهُ على عملٍ

(1)

فَمَا أخَذ بعدَ ذَلك فهو غُلولٌ" رواه أبو داود

(2)

. و (لا) يأخذه (أرباب الأموال) لأنه زكاة، لكن إن أخذ منهم شيئًا ظلمًا بلا تأويل؛ فلهم أخذه.

(قال الشيخ

(3)

: ويلزمه رفع حساب ما تولاه إذا طلب منه) وقال ابن تميم: لا يلزمه، واقتصر عليه في "المبدع".

(الرابع: المؤلَّفةُ قلوبهم) للنص (وحكمهم باقٍ) لأنه صلى الله عليه وسلم: "أعطَى المؤلّفةَ من المسلِمينَ والمشركينَ"

(4)

فيعطون عند الحاجة،

(1)

في سنن أبي داود وغيره زيادة "فرزقناه رزقًا".

(2)

في الخراج، باب 10، حديث 2943، وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (4/ 70) حديث 2369، والحاكم (1/ 406)، والبيهقي (6/ 355) عن بريدة رضي الله عنه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 197): سكت عنه أبو داود والمنذري، ورجال إسناده ثقات.

وله شاهد من حديث عدي بن عَمِيرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة .. " الحديث أخرجه مسلم في الإمارة، حديث 1833.

(3)

الاختيارات الفقهية ص / 106.

(4)

ورد فيه عدة أحاديث منها:

أ - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يأتي تخريجه (5/ 138) تعليق رقم (1).

ب - ومنها ما رواه مسلم في الزكاة، حديث 1060، عن رافع بن خديج، رضي الله عنه قال: "أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مئة من الإبل

".

ج - ومنها ما رواه مسلم -أيضًا- في الفضائل .. حديث 2313، أنه عليه الصلاة والسلام أعطى صفوان بن أمية يوم حنين مئة من النعم، ثم مئة، ثم =

ص: 136

ويُحْملَ تَرْك عمر وعثمان وعليٍّ

(1)

إعطاءهم على عدم الحاجة إلى إعطائهم في خلافتهم، لا لسقوط سهمهم، فإن الآية من آخر ما نزل، وأعطى أبو بكر عديَّ بن حاتم

(2)

، والزبرقان بن بدر

(3)

. ومَنْعُ وجودِ

= مئة، وأن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغضُ الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إلي.

قال النووي في المجموع (6/ 143): وصفوان يومئذ كافر.

(1)

أخرج الطبري في تفسيره (10/ 163) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حين أتاه عيينة بن حصن: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: الآية 29] أي: ليس اليوم مؤلفة.

وأخرج البخاري في التاريخ الصغير (1/ 56)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 293)، والبيهقي (7/ 20)، والخطيب في الجامع (2/ 304) رقم 1683، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، أن عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس استقطعا أبا بكر أرضًا، فقال عمر: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤلِّفكما على الإسلام، فأما الآن فاجْهَدا جَهْدَكُما. واللفظ للبخاري.

قال الحافظ في الإصابة (1/ 92): رواه البخاري في تاريخه الصغير ويعقوب بن سفيان بإسناد صحيح. ونَقَل عن علي بن المديني قوله في العلل: هذا منقطع لأن عبيدة لم يدرك القصة، ولا رَوَى عن عمر أنه سمعه منه، قال: ولا يروى عن عمر بأحسن من هذا الإسناد.

وقال الشافعي في الأم (2/ 73): لم يبلغني أن عمر ولا عثمان ولا عليًّا أعطوا أحدًا تألُّفًا على الإسلام.

(2)

قال الشافعي في الأم (2/ 73) ورواه عنه البيهقي (7/ 20): وللمؤلفة قلوبهم في قَسْم الصدقات سهمٌ، والذي أحفظ فيه من متقدم الخبر: أن عدي بن حاتم جاء أبا بكر الصديق رضي الله عنه أحسبه بثلاث مئة من الإبل من صدقات قوم، فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرًا.

(3)

أخرج أحمد في فضائل الصحابة (1/ 292) رقم 383، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 294)، والخطيب في الجامع (2/ 307) رقم 1684، عن نافع، أن أبا بكر أقطع الأقرع بن حابس، والزبرقان قطيعة، وكتب لهما كتابًا

وفيه =

ص: 137

الحاجة على ممرِّ الزمان، واختلافِ أحوال النفوس في القوة والضعف لا يخفى فساده.

(وهم روساءُ قومهم) وكذا في "المقنع" وغيره، وهم السادة المطاعون في عشائرهم، فمن لم يكن كذلك لا يُعطى من الزكاة للتأليف، وإن خُشي شرّه بانضمامه إلى ظالم لعدم تناول اسم المؤلَّف له (من كافر يُرجى إسلامه، أو كفُّ شره) لما روى أبو سعيد قال: "بعثَ عليٌّ -وهو باليمن- بذهيبة فقسمَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعةِ نفرٍ: الأقرع بنِ حابسٍ الحنظلي، وعُيينةَ بنِ بدرٍ الفزاريِّ، وعلقمةَ بنِ عُلاثَةَ العامريِّ، ثم أحد بني كلابٍ، وزيدِ الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان، فغضبتْ قريش، وقالوا: تعطي صناديدَ نجدٍ وتدعُنَا؟ فقال: "إنِّي إنما فعلتُ ذلك لأتَألفَهُمْ" متفق عليه

(1)

.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام

(2)

: وإنما الذي يؤخذ من أموال أهل اليمن الصدقة.

(و) من (مسلم يُرجى بعطيته قوةُ إيمانه) لما روى أبو بكر

(3)

في

= أن عمر رفض هذا، ومحا الكتاب، وأقره أبو بكر بقوله: فإنا لا نجيز إلا ما أجازه عمر.

(1)

البخاري في أحاديث الأنبياء، باب 6، حديث 3344، وفي المغازي، باب 61 حديث 4351، وفي التوحيد، باب 23، حديث 7432، ومسلم في الزكاة حديث 1064.

(2)

انظر الأموال ص / 330، رقم 637.

(3)

لعله: أحمد بن موسى بن مَرْدُويه، الحافظ المؤرخ المفسِّر (المتوفى سنة 410 هـ رحمه الله تعالى)، له كتاب (التاريخ) وكتاب في (تفسير القرآن)، انظر سير =

ص: 138

كتاب التفسير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}

(1)

قال: "همْ قومٌ كانُوا يأتُونَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يرضَخُ لهمْ من الصدَقاتِ، فإذا أعطَاهُم من الصدَقَةِ قالُوا: هَذا دِينٌ صَالِحٌ، وإن كَان غَيرَ ذلِكَ عَابُوه". (أو يُرجى) بعطيته (إسلامُ نظيره) لأن أبا بكر أعطى عديَّ بن حاتم والزبرقان بن بدر

(2)

، مع حسن نياتهما وإسلامهما، رجاء إسلام نظرائهما.

(أو) يُرجى بعطيته (نُصحُه في الجهاد، أو) في (الدفع عن المسلمين) بأن يكونوا في طرف بلاد الإسلام، وإذا أعطوا من الزكاة دفعوا الكفار عمن يليهم من المسلمين، وإلا فلا.

(أو كَفُّ شرِّه كالخوارج ونحوهم، أو قوةٌ على جباية الزكاة ممن لا يعطيها) بأن يكونوا إذا أُعطوا من الزكاة جَبَوها ممن لا يعطيها (إلا أن يُخَوَّف ويهدد، كقوم في طرف بلاد الإسلام، إذأ أعطوا من الزكاة جَبَوها منه) أي: ممن لا يعطيها إلّا بالتخويف والتهديد.

(ويُقبل قوله في ضعف إسلامه) لأنه لا يُعلم إلا من جهته، و (لا) يُقبل قوله (إنه مُطاعٌ في قومه إلا ببينة) لأنه لا يتعذر إقامة البينة عليه.

(ولا يحلُّ للمؤلَّف المسلم ما يأخذه إن أعطي ليكفَّ شرَّه،

= أعلام النبلاء (17/ 308) وتفسيره لم يطبع، وهذا الخبر ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 251) وعزاه إلى ابن مردويه، وأخرجه -أيضًا- الطبري في تفسيره (10/ 161).

(1)

سورة التوبة، الآية:60.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 137) تعليق رقم (2، 3).

ص: 139

كالهدية للعامل) والرشوة (وإلا) أي: وإن لم يكن أعطي ليكف شره، كأن أعطي ليقوى إيمانه أو إسلام نظيره، أو نصحه في الجهاد، أو الدفع عن المسلمين ونحوه (حلَّ) له ما أخذه، كباقي أهل الزكاة.

(الخامس: الرقاب) للنص (وهم المُكاتَبون المسلمون الذين لا يجدون وفاء ما يؤدون، ولو مع القوة والكسب) نص عليه

(1)

؛ لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}

(2)

قال في "المبدع": لا يختلف المذهب أنّهم، أي: المُكاتَبون من الرقاب، بدليل قوله: أعتقت رقابي، فإنه يشملهم، وفي قوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ} الآية

(3)

إشعار به، ولأنه يملك المال على سيده، ويصرف إليه أرش جنايته، فكان له الأخذ منها إن لم يجد وفاء، كالغريم.

(ولا يدفع) من الزكاة (إلى من عُلِّق عتقه على مجيء المال) لأنه ليس كالمُكاتَب، إذ لا يملك كسبه

(4)

، ولا يصرف إليه أرش جنايته، فالإعطاء له إعطاء لسيده، لا في الرقاب.

(وللمُكاتَب الأخذ قبل حلول نجم) لئلا يؤدي إلى فسخها عند حلول النجم، ولا شيء معه.

(ولو تلفت) الزكاة (بيده) أي: المُكاتَب (أجزأت) ربها، لوجود الإيتاء المأمور به (ولم يغرمها، سواء عتق أم لا) كالغارم، وابن

(1)

انظر الفروع (3/ 611).

(2)

سورة التوبة، الآية:60.

(3)

سورة النور، الآية:33.

(4)

في "ذ": "إذ لا يمكن ملك كسبه".

ص: 140

السبيل.

(ولو دُفع إليه) أي: المُكاتَب (ما يقضي به دينه، لم يجز له أن يصرفه في غيره) لأنه إنّما يأخذ أخذًا مراعى (ويأتي قريبًا.

ولو عَتَق) المُكاتَب (تبرُّعًا من سيده أو غيره، فما معه منها) أي: الزكاة (له) أي: للمُكاتَب (في قول) قدَّمه في "الرعايتين" و"الحاويين"، وقيل: مع فقره. وقيل: بل للمعطي، اختاره أبو بكر والقاضي، قاله في "الحاويين"، وقدَّمه في "المحرر"، وقيل: بل هو للمكاتبين، قاله في "الإنصاف"، وصحَّح في "تصحيح الفروع": أنه يرد ما فضل إذا عتق بأداء أو إبراء. وقال: جزم به في "الكافي" و"المقنع"، و"الإفادات" و"الوجيز"، و"تذكرة ابن عبدوس"، و"إدراك الغاية" وغيرهم. انتهى. وهو معنى ما جزم به المصنف فيما يأتي من قوله: وما فضل مع غارم ومكاتب - إلى آخره.

(ولو عَجَز) المكاتب (أو مات وبيده وفاء، أو اشترى بالزكاة شيئًا، ثم عَجَز والعِوض بيده، فهو لسيده) كسائر ماله.

(ويجوز الدفع) أي: دفع الإمام أو المالك الزكاة (إلى سيده) أي: سيد المُكاتَب (بلا إذنه) أي: إذن المُكاتَب، كوفاء دين المدين بها (وهو) أي: دفع الزكاة إلى سيد المُكاتَب (الأَولى) من دفع الزكاة إلى المُكاتَب؛ لما ذكره بقوله: (فإن رَقَّ) المُكاتَب (لعجزه) عن الوفاء (أُخذت من سيده) بخلاف ما لو دفعت للمُكاتَب، ثم دفعها لسيده، كما تقدم.

ص: 141

(ويجوز أن يَفدي بها) أي: الزكاة (أسيرًا مسلمًا في أيدي الكفار) نص عليه

(1)

؛ لأنه فكّ رقبةٍ منْ الأسر، فهو كفك رقبة العبد من الرق؛ ولأن فيه إعزاز الدين، فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم؛ ولأنه يدفعه إلى الأسير لفكِّ رقبته من الأسر، أشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدَّين (قال أبو المعالي: ومثله لو دفع إلى فقير مسلم غَرَّمَه سلطان مالًا، ليدفع جَوْره.

ويجوز أن يشتري منها) أي: الزكاة (رقبةً يعتقها) رُوي عن ابن عباس

(2)

؛ لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}

(3)

وهو متناول للقِنِّ، بل ظاهر فيه، فإن الرقبة تنصرف إليه إِذا أطلقت، كقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}

(4)

.

(1)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 116).

(2)

قال البخاري في الزكاة، باب 49، قبل حديث 1468: ويُذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما يُعتِق من زكاة ماله، ويعطي في الحج. ووصله أبو عبيد في الأموال ص / 722، رقم 1966، 1967، وابن أبي شيبة (3/ 180)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1176) رقم 2201، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 24).

قال أبو عبيد ص / 733: وقول ابن عباس أعلى ما جاءنا في هذا الباب، وهو أولى بالاتباع، وأعلم بالتأويل، وقد وافقه الحسن على ذلك، وعليه كثير من أهل العلم.

ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 332) عن الإمام أحمد قوله في الحديث: هو مضطرب. قال الحافظ: وإنما وصفه بالاضطراب للاختلاف في إسناده على الأعمش، ولهذا لم يجزم به البخاري.

(3)

سورة التوبة، الآية:60.

(4)

سورة المجادلة، الآية:3.

ص: 142

و (لا) يجوز أن يشتري من الزكاة (من يَعتق عليه بالشراء، كرَحِم محرَّم) كأخيه وعمه؛ لأن نفع زكاته عاد إلى رَحِمه المحرَّم، فلم يجز، كما لو دفعها إلى أبيه (ولا إعتاق عبده أو مكاتبه عنها) أي: عن الزكاة، ولو كان ماله عبيدًا للتجارة؛ لأن ذلك ليس إيتاء للزكاة، وهو بمنزلة إخراج العروض أو القيمة.

(ومن أَعتق من الزكاة) رقيقًا (فما رجع من ولائه) إذا مات عن غير وارث يستغرق (رُدَّ في عِتقٍ مثله، في رواية) صححها في الإنصاف. وقيل: وفي الصدقات أيضًا. قدمه ابن تميم. انتهى.

قلت: يأتي في العتق أنه إن كان المعتق ربَّ المال، فالولاء له: لحديث: "إنما الولاء لمن أعتق"

(1)

.

(وما أعتقه الساعي من الزكاة) أو الإمام منها (فولاؤه للمسلمين) لأنه نائب عنهم (وأما المُكاتَب) إذا عتق بأدائه مال الكتابة من الزكاة، (فولاؤه لسيده) للحديث؛ لأنه عتق بسبب كتابته.

(1)

جزء من حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه البخاري في الصلاة، باب 70، حديث 456، وفي الزكاة باب 61، حديث 1493، وفي البيوع، باب 67، 73، حديث 2155، 2156، 2168، وفي العتق، باب 10، حديث 2536، وفي المكاتب، باب 1، 2، 3، 4، 5، حديث 2560، 2561، 2563، 2564، 2565، وفي الشروط، باب 3، 10، 13، 17، حديث 2717، 2726، 2729، 2735، وفي النكاح، باب 18، حديث 5097، وفي الطلاق، باب 14، 17، حديث 5279، 5284، وفي الأطعمة، باب 31، حديث 5430، وفي كفارات الأيمان، باب 8، حديث 6717، وفي الفرائض، باب 19، 20، حديث 6751، 6754، ومسلم في العتق، حديث 1504.

ص: 143

(ولا يُعطى المُكاتَب لجهة الققر؛ لأنه عبدٌ) ما بقي عليه درهم، والعبد لا يُعطى لفقره.

(السادس: الغارمون) للنص (وهم المَدينون) كذا فسَّره الجوهري

(1)

(المسلمون، وهم ضربان:

أحدهما: من غَرِمَ لإصلاح ذات البين، ولو) كان الإصلاح (بين أهل ذِمَّة، وهو) أي: من غَرِمَ لإصلاح ذات البين (من تحمَّل -بسبب إتلاف نفس، أو مال، أو نَهْبٍ- ديةً، أو مالًا؛ لتسكين فتنة وقعت بين طائفتين، ويتوقَّفُ صُلحهم على من يتحمَّل ذلك) فيتحمل إنسان، ثم يخرج في القبائل، فيسأل حتى يؤديه. فورد الشرع بإباحة المسألة فيه، وجعل لهم نصيبًا من الصدقة، قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَينِكُمْ}

(2)

أي: وصلكم، والبين: الوصل، والمعنى: كونوا مجتمعين على أمر الله تعالى.

وعن قَبيصة بن المُخارق الهلالي قال: "تحمّلْتُ حمالةً، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، وسألتهُ فِيهَا، فقال: أقم يا قَبيصَةُ، حتى تأتينا الصدقةُ، فنأمرَ لكَ بها، ثم قال: يا قَبيصَةُ إن المسْأَلَة لا تحِلُّ إلَّا لثلاثة: رجل تَحمَّل حَمَالةً، فيسألُ فيها حتى يؤدِّيهَا، ثم يمْسِكُ ورجلٍ أصابته جَائِحَةٌ فاجْتَاحَت مَالهُ، فحلَّت لهُ المسألَةُ حتىْ يُصِيبَ سَدادًا من عَيشٍ، أو قوامًا من عيشٍ؛ ورجلٍ أصابته فاقةٌ، حتى يشهد ثلاثة من ذَوي الحِجا من قومِهِ: لقد أصابت فلانًا فاقَةٌ، فحلَّت له المسألةُ حتى

(1)

الصحاح (5/ 1996) مادة: (غرم).

(2)

سورة الأنفال، الآية:1.

ص: 144

يصيبَ سَدادًا من عَيشٍ أو قوامًا من عيشٍ، وما سوى ذلك فهو سُحْتٌ يأكلُها صاحبُها سحْتًا يومَ القيامةِ"

(1)

.

والمعنى شاهد بذلك؛ لأنه إنما يلتزم في مثل ذلك المال العظيم الخطير، وقد أتى معروفًا عظيمًا، وابتغى صلاحًا عامًّا، فكان من المعروف حمله عنه من الصدقة، وتوفير ماله عليه؛ لئلا يجحف بمال المصلحين، أو يوهن عزائمهم عن تسكين الفتن وكفّ المفاسد.

(فيُدفع إليه ما يؤدِّي حَمالته) بفتح الحاء، أي: المال الذي تحمَّله لذلك، (وإنْ كان غنيًّا) لما تقدم من حديث قَبيصة (أو) كان (شريفًا) أي: من بني هاشم؛ لأن منعه من أخذها لفقره؛ صيانة له عن أكلها، لكونها أوساخ الناس؛ وإذا أخذها للغرم؛ صرفها إلى الغرماء، فلا يناله دناءة وسخها.

(وإن كان قد أدَّى ذلك) أي: ما تحمَّله (لم يكن له أن يأخذ) بدله من الزكاة (لأنه قد سقط الغُرْم) فخرج عن كونه مدينًا.

(وإن استدان) الحَمَالة (وأداها، جاز له الأخذ) من الزكاة؛ (لأن الغُرْم باق) فلم يخرج عن كونه مدينًا بسبب الحَمَالة.

(ومن تحمَّل بضمان أو كفالة عن غيره مالًا، فحكمه حكم من غَرِم لنفسه) وظاهر "المنتهى": أنّه من قسم الغارم عن غيره (فإن كان الأصيل والحميل) أي: الضامن أو الكفيل (معسرين، جاز الدفع) أي: دفع قَدْر الدين من الزكاة (إلى كل منهما) لأن كلًّا منهما مدين

(1)

رواه مسلم في الزكاة، حديث 1044.

ص: 145

(وإن كانا موسرين، أو) كان (أحدهما) موسرًا (لم يجز) الدفع إليهما، ولا إلى أحدهما.

(ويجوز الأخذ) من الزكاة (لقضاء دين الله تعالى) من كفارة ونحوها، كدين الآدمي (ويأتي).

الضرب (الثاني) من ضربي الغارم: (من غَرِم لإصلاح نفسه في مباح) كمن استدان في نفقة نفسه وعياله، أو كسوتهم، وخرج بالمباح ما استدانه وصرفه في معصية، كشرب الخمر والزنى (حتى في شراء نفسه من الكفَّار، فيأخذ) الغارم لنفسه (إن كان عاجزًا عن وفاء دينه.

ويأخذ هو) أي: الغارم لنفسه (ومن غَرِمَ لإصلاح ذات البين، ولو قبل حلول دينهما) لظاهر خبر قَبيصة السابق، وقِيسَ عليه الغارم لنفسه.

(وإذا دُفع إليه) أي: الغارم (ما يقضي به دينه، لم يجز) له (صَرْفه في غيره، وإن كان فقيرًا) لأنه إنما يأخذ أخذًا مراعى (وإن دُفع إلى الغارم) من الزكاة (لفقره، جاز أن يقضي به دينه) لملكه إياه ملكًا تامًّا.

إذا تقرر ذلك؛ (فـ) قاعدة (المذهب) كما ذكره المجد وتبعه في "الفروع" وغيره (أن من أخذ بسببٍ يستقرُّ الأخذ به، وهو الفقر والمَسْكنة، والعمالة، والتألُّف، صَرَفه فيما شاء كسائر ماله) لأن الله تعالى أضاف إليهم الزكاة بلام الملك (وإن لم يستقرَّ) الأخذ بذلك السبب (صَرَفه) أي: المأخوذ (فيما أخذه له خاصة؛ لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه) وإنما يملكه مراعى، فإن صرفه في الجهة التي

ص: 146

استحق الأخذ فيها، وإلا، استرجع منه، كالذي يأخذه المكاتب، والغارم، والغازي، وابن السبيل؛ لأن الله تعالى أضاف إليهم الزكاة بـ"في"، وهي للظرفية، ولأن الأربعة الأُول يأخذون لمعنى يحصُل بأخذهم، وهو غناء الفقراء والمساكين، وتأليف المؤلَّفة، وأداء أجرة العاملين، وغيرهم يأخذ لمعنى لم يحصُل بأخذه للزكاة، فافترقا (ولهذا يُستردُّ) المأخوذُ زكاةً (منه) أي: من المُكاتب، والغارم، والغازي، وابن السبيل (إذا برئ

(1)

) المكاتب، أو الغارم (أو لم يغز) الآخذ للغزو، أو فَضَل معه أو مع ابن السبيل شيء.

(وإن وكَّل الغارم من عليه الزكاة) أي: رب المال (قبل قبضها منه بنفسه أو نائبه في دفعها إلى الغريم عن دينه، جاز) ذلك، وبرئ من الزكاة بدفعه إليه، وكذا المُكاتَب أو

(2)

وكَّل رب المال في وفاته دبن كتابته.

(وإن دفع المالك) زكاة (إلى الغريم) عن دين الغارم (بلا إذن الفقير) الغارم (صح) وبرئ؛ لأنه في دفع الزكاة في قضاء دين المدين، أشبه ما لو دفعها إليه فقضى بها دينه.

(كما أن للإمام قضاء الدين عن الحي من الزكاة بلا وكالة) لولايته عليه في إيفائه، ولهذا يجبره عليه إذا امتنع.

(السابع: في سبيل الله) للنص (وهم الغزاة) لأن السبيل عند

(1)

في "ح": "أبرئ".

(2)

"أو" كذا في الأصول، ولعلَّ صوابه:"لو".

ص: 147

الإطلاق هو الغزو، ولقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}

(1)

وقوله: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

(2)

إلى غير ذلك، ولا خلاف في استحقاقهم، وبقاء حكمهم إذا كانوا متطوّعة، وهو المراد بقوله:(الذين لا حقَّ لهم) أي: لا شيء لهم مقدَّر (في الديوان) لأن من له رزق راتب يكفيه، فهو مستغنٍ به (فيُدفع إليهم كفاية غزوهم، وعودهم، ولو مع غناهم) لأنه مصلحة عامة (ومتى ادَّعى أنه يريد الغزو، قُبل قوله) لأن إرادته أمر خفي لا يعلم إلا منه (ويُدفع إليه دفعًا مراعى) فإن صرفه في الغزو، وإلا، ردَّه.

(فيُعطى) الغازي (ثمن السلاح، و) ثمن (الفرس، إن كان فارسًا، وحُمُولته) أي: ما يحمله من بعير ونحوه (و) ثمن (درعه؛ وسائر ما يحتاج إليه) من آلات، ونفقة ذهاب وإقامة بأرض العدوِّ، ورجوع إلى بلده (ويُتمَّم لمن أخذ) من الغزاة (من الديوان دون كفايته من الزكاة) فيُعطى منها تمام كفايته.

(ولا يجوز لربِّ المال أن يشتري ما يَحتاج إليه الغازي) من سلاح وخيل ونحوه (ثم يصرفه إليه) أي: إلى الغازي (لأنه قيمة) أي: إخراج قيمة، وقد تقدم أنه لا يجزئ.

(ولا) يجوز لربِّ المال (شراؤه فرسًا منها) أي: الزكاة (يصير حبيسًا) أي: يُحَبِّسهُ على الغزاة (ولا) شراؤه (دارًا أو ضيعة للرباط أو

(1)

سورة الصف، الآية:4.

(2)

سورة البقرة، الآية:190.

ص: 148

يقفها على الغزاة، ولا غزوه على فرس أخرجه من زكاته) لأنه لا يجوز أن يجعل نفسه مصرفًا لزكاته، كما لا يجوز أن يقضي بها دينه.

(فإن اشترى الإمام بزكاة رجل فرسًا، فله) أي: الإمام (دفعها إليه) أي: إلى ربِّ المال (يغزو عليها) وكذا لو اشترى بزكاته سلاحًا أو درعًا ونحوه؛ لحصول الإيتاء المأمور به، وأخذه لها بعد بسبب متجدد (كما لَه) أي: الإمام (أن يردَّ عليه زكاته لفقره أو غُرْمه) لأنه أخذ بسبب متجدد، كما لو عادت إليه بإرث أو هبة.

(ولا يحج أحدٌ بزكاةِ ماله، ولا يغزو) بزكاة ماله (ولا يحجُّ بها عنه ولا يُغزَى) بها عنه؛ لعدم الإيتاء المأمور به، ويؤخذ منه صحة الاستنابة في الغزو، وفيه شيء.

(و‌

‌الحجُّ من السبيل

نصًّا

(1)

) رُوي عن ابن عباس

(2)

وابن عمر

(3)

، لما روى أبو داود: أن رجلًا جعَلَ نَاقَةً في سَبِبل اللهِ، فأرادَت امرأتُهُ الحجَّ، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اركبِيهَا، فإن الحجَّ منْ سَبِيلِ اللهِ"

(4)

.

(1)

مسائل عبد الله (2/ 514) رقم 710.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 142) تعليق رقم (2).

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 52)، وأبو عبيد في الأموال ص / 724، رقم 1977، وابن أبي شيبة (11/ 180)، وأحمد (2/ 49)، والدارمي (2/ 307) رقم 3307، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 553) رقم 1187، والبيهقي (6/ 275) عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهمًا في سبيل الله، فقيل له: "أتجعل في الحج؟ فقال: أما إنه من سُبُل الله. وصحح إسناده الحافظ في الفتح (3/ 332).

(4)

أبو داود في المناسك، باب 80، حديث 1990. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع =

ص: 149

(فيأخذ إن كان فقيرًا) من الزكاة (ما يؤدي به فرض حج، أو) فرض (عُمْرة، أو يستعين به فيه) أي: في فَرْض الحج والعمرة؛ لأنه يحتاج إلى إسقاط الفرض، وأما التطوُّع فله عنه مندوحة. وذكر القاضي جوازه في النقل كالفرض، وهو ظاهر كلام أحمد

(1)

والخرقي، وصحَّحه بعضهم؛ لأن كلًّا من سبيل الله، والفقير لا فرض عليه، فهو منه كالتطوع.

(الثامن: ابن السبيل) للنص. والسبيل: الطريق، وسُمِّي المسافر ابنًا له، لملازمته له، كما يقال: ولد الليل، إذا كان يكثر الخروج فيه، وكما يقال لطير الماء: ابن الماء؛ لملازمته له (وهو المسافر المنقطع به) أي: بسفره (في سفر طاعة) كالسفر للحج، والعلم الشرعي وآلاته، وصِلَة الرحم (أو) سفر (مباح) كطلب رزق (دون

= رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جملك؛ فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر القصة -فقال:"أما إنك لو أحججتها عليه كان ذلك في سبيل الله". وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (4/ 361) حديث 3077، والطبراني في الكبير (12/ 207) حديث 12911، والحاكم (1/ 384)، والبيهقي (6/ 164). وابن الجوزي في التحقيق (2/ 63) حديث 1050، 1051، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 397).

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي، بقوله: عامر ضعفه غير واحد وبعضهم قواه، ولم يحتج به البخاري. وصحَّحه النووي في المجموع (6/ 159).

(1)

انظر الفروع (2/ 624).

ص: 150

المنشئ للسفر من بلده) لأن الاسم لا يتناوله حقيقة، وإنما يصير ابن سبيل في ثاني الحال (وليس معه) أي: المنقطع بغير بلده (ما يوصله إلى بلده، أو) يوصله إلى (منتهى قصده) بأن انقطع قبل البلد الذي قصده، وليس معه ما يوصله إليه (وعوده إلى بلده) لأن فيه إعانة على بلوغ الغرض الصحيح (ولو مع غناه ببلده) لأنه عاجز عن الوصول إلى ماله، وعن الانتفاع به، فأشبه من سقط متاعه في البحر أو ضاع (فيُعطى) ابن السبيل (لذلك) للنص (ولو وَجَد من يُقرِضه) ذكره الشارح وغيره، خلافًا للمجد؛ لما فيه من ضرر القرض.

(فإن كان) ابن السبيل (فقيرًا في بلده، أُعطي لفقره) ما يكفيه سنة (و) أُعطي (لكونه ابن سبيل ما يوصِّله) إلى بلده، وكذا لو اجتمع في غيره سببان، ويأتي.

(ولا يُقبل) قوله: (إنه ابنُ سبيل إِلا ببينة) لأن الأصل عدمه، (وإن ادَّعى) ابن السبيل (الحاجةَ، ولم يُعرف له مال في المكان الذي هو فيه) قُبِلَ قوله بغير بينة؛ لأن الأصل عدم المال (أو ادَّعى إرادة الرجوع إلى بلده، قُبِلَ قوله بغير بينة) لأن ذلك لا يُعلم إلا منه.

(وإن عُرِفَ له) أي: لابن السبيل (مال في المكان الذي هو فيه، لم تُقبل دعوى الحاجة) لأنها خلاف الظاهر (إِلا ببينة) تشهد بحاجته.

(ويُعطَى الفقير والمسكين تمام كفايتهما سَنة) لأن وجوب الزكاة يتكرر كل حول، فينبغي أن يأخذ ما يكفيه إلى مثله.

ص: 151

(و) يُعطى (العاملُ قَدْر أُجرة مثله، ولو جاوزت الثُّمن) لأن الذي يأخذه

(1)

بسبب العمل، فوجب أنْ يكون بمقداره.

(ويُعطى مُكاتَب وغارم ما يقضيان به دينهما) لأن حاجتهما إنما تندفع بذلك (ولو دينًا لله تعالى) كدين الآدمي؛ لأنه أحق بالوفاء (وليس لهما) أي: المُكاتَب والغارم (صَرْفه إلى غيره، كغاز) وابن سبيل (وتقدم) موضحًا قريبًا

(2)

.

(و) يُعطى (المؤلَّف ما يحصُل به التأليف) لأنه المقصود.

(و) يُعطى (الغازي ما يحتاج إليه لغزوه، وإن كَثُر) ذلك؛ لأن المقصود لا يحصُل إلا به.

(ولا يُزاد أحدٌ منهم) أي: من أهل الزكاة عن ذلك؛ لأن الدفع للحاجة، فيتقيد بها (ولا ينقص) أحد منهم (عن ذلك) لعدم اندفاع حاجته إذن.

(ومن كان) من الفقراء والمساكين (ذا عيال، أخذ ما يكفيهم) لأن كل واحد من عائلته مقصود دفع حاجته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد.

(ولا يُعطى أحد منهم) أي: المذكورين من أصناف الزكاة (مع الغنى) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحِلُّ الصدَقَةُ لِغَنِيٍّ، ولا ذِي مِرَّةٍ سَويٍّ". رواه

(1)

في "ح": "يأخذه يأخذه".

(2)

(5/ 146).

ص: 152

أبو داود والترمذي

(1)

من حديث عمرو

(2)

بن العاص. والمرّة: القوة والشدة. والسوي: المستوي الخلق، التام الأعضاء (إلا أربعة: العامل) قال في "الشرح" و"المبدع": بغير خلاف نعلمه (والمؤلَّف) لأن إعطاءهم لمعنى يعمُّ نفعه كالغازي (والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين، ما لم يكن دفعها) أي: الحَمَالة (من ماله، وتقدم)

(3)

في الباب؛ لحديث أبي سعيد مرفوعًا: "لا تحلُّ الصدقةُ لغنيٍّ إلا لغازٍ في سبيلِ اللهِ، أو لعامِلٍ عليهَا، أو لِغارِمٍ". رواه أبو داود

(4)

. ولأنه تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين، وعدَّ بعدهما بقية الأصناف، ولم

(1)

أبو داود في الزكاة، باب 23، حديث 1634، والترمذي في الزكاة، باب 23، حديث 652. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (3/ 329)، والطيالسي ص / 300، حديث 2271، وعبد الرزاق (4/ 110) حديث 7155، وأبو عبيد في الأموال ص / 659 حديث 1728، وابن أبي شيبة (3/ 207، 14/ 274، 275)، وأحمد (2/ 164، 192)، والدارمي في الزكاة، باب 15، حديث 1639، وابن الجارود حديث 363، والطحاوي (2/ 14)، والدارقطني (2/ 119)، والحاكم (1/ 407)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 132)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 61)، والبيهقي (7/ 13)، والبغوي في شرح السنة (9/ 82) حديث 1599، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 61) حديث 1046، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

قال الترمذي: حديث حسن. وحسَّنه -أيضًا- الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 108).

(2)

كذا في الأصول والصواب: عبد الله بن عمرو بن العاص، كما في مصادر التخريج.

(3)

(5/ 145).

(4)

في الزكاة، باب 24، حديث 1636، 1637. وقد تقدم تخريجه (5/ 129) تعليق رقم (2).

ص: 153

يشترط فيهم الفقر، فدلَّ على جواز الأخذ مع الغِنى.

(وإن فَضَلَ مع غارم ومُكاتَب، حتى ولو سقط ما عليهما ببراءة أو غيرها، و) فضل مع (غاز وابن سبيل شيء بعد حاجتهم، لزمهم ردُّه، كما لو أخذ شيئًا لفكّ رقبته، وفَضَل منه) شيء، لزمه ردّه؛ لأنهم لا يملكون ذلك من كلِّ وجه، بل ملكًا مراعى؛ ولأن السبب زال، فيجب ردّ الفاضل لزوال الحاجة.

(وإن فَضَلَ مع المُكاتَب شيء عن حاجته من صدقة التطوُّع، لم تُسترجع منه) لأن صدقة التطوع لا يعتبر فيها الحاجة، بخلاف الزكاة. وإن تلف في أيديهم بغير تفريط، فلا رجوع عليهم.

(والباقون) وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلَّفة قلوبهم (يأخذون أخذًا مستقرًا، فلا يَردُّون شيئًا) لأنهم ملكوها ملكًا مستقرًا، وتقدم الفرق بينهم قريبًا

(1)

.

(ولو ادَّعى الفقر من عُرف بغنى، أو ادَّعى إنسان أنه مُكاتَبٌ، أو غارم لنفسه، لم يقبل إلا ببينة) لأن الأصل عدم ما يدعيه، وبراءة الذمة (بخلاف غاز) فإذا ادعى إرادة الغزو أعطي مراعى، وكذا لو ادعى ابن السبيل إرادة العود، وتقدم

(2)

.

(ويكفي اشتهارُ الغرم لإصلاح ذات البين) أي: استفاضته، فتقوم مقام البينة به (فإنْ خفي) الغُرْم لإصلاح ذات البين (لم يُقبل إلا ببينة)

(1)

(5/ 146).

(2)

(5/ 151).

ص: 154

لأن الأصل عدمه.

(والبينة فيمن عُرف بغنى ثلاثة رجال) لما تقدم في حديث قَبيصة، من قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تحلُّ

(1)

المسألَةُ إلَّا لأحدِ ثلاثَةٍ: رجلٍ أصابتْهُ فاقةٌ حتى يشهدَ له ثلاثةٌ من ذوي الحِجا من قَوْمِهِ: لقد أصابت فلانًا فَاقَةٌ، فحلَّت لهُ المسألَةُ حتى يُصِيبَ قوامًا من عيشٍ، أو سدَادًا

(2)

من عيشٍ". رواه مسلم

(3)

.

(وإن صدَّق المُكاتَب سيده) قُبِلَ وأُعطي؛ لأن الحق في العبد للسيد، فإذا أقر بانتقال حقه عنه قُبل (أو) صدق (الغارم غريمه، قُبِلَ، وأُعطي) لأنه في معنى المُكاتَب. وفيه وجه: لا يقبل؛ لجواز تواطئهما على أخذ المال.

(وإن ادعى الفقر من لم يُعرف بالغنى قُبِلَ) قوله؛ لأن الأصل استصحاب الحال السابقة، والظاهر صدقه.

(وإن كان جَلْدًا) بفتح الجيم وسكون اللام، أي: شديدًا قويًّا (وعُرِف له كسب) يكفيه (لم يجز إعطاؤه، ولو لم يملك شيئًا) لأنه غني بكسبه (فإن لم يُعرف) له مال (وذكر أنه لا كسب له، أعطاه من

(1)

في "ح": "لا تحل" والذي في صحيح مسلم "يا قبيصة إن المسألة لا تحل" الخ.

(2)

"السَّداد: بالفتح القصد في الدين، والسبيل، والسِّداد بالكسرِ البُلغة، وكل ما سددت به شيئًا فهو سداد. انتهى، قاله في ثمرات الأوراق لابن حجة [ص / 95] عن النضر بن شميل" ش.

(3)

في الزكاة، حديث 1044.

ص: 155

غير يمين) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلِّف على ذلك

(1)

(إذا لم يُعلَم كذبه) فإن علمه لم يعطه؛ لعدم أهليته لأخذها (بعد أن يُخبره، وجوبًا في ظاهر كلامهم) وقاله القاضي أي

(2)

في "التعليق" قاله في "الفروع"، وجزم به في "المبدع"(أنه لا حظَّ فيها لغنى، ولا لقويٍّ مكتسب) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين اللذين سألاه، ولم يحلِّفْهما، وفي بعض رواياته أنه قال:"أتينا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسألنَاه من الصدقة، فصعَّد فِينَا النظَرَ، فرَآنَا جَلْدَيْنِ فقال: إن شئتما أعْطَيتُكُما، ولا حَظَّ فيهَا لِغَنِيٍّ، ولا لِقَويٍّ مُكْتسب" رواه أبو داود

(3)

.

(1)

لم يحلف في حديث قبيصة رضي الله عنه السابق ولا في الحديث الآتي.

(2)

قوله: "أي" ليس في "ذ".

(3)

في الزكاة، باب 23، حديث 1633. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الزكاة، باب 91، حديث 2597، وفي الكبرى (2/ 54) حديث 2379، والشافعي في المسند "ترتيبه" (1/ 244) حديث 633، وفي السنن (2/ 42) حديث 382، وعبد الرزاق (4/ 109) حديث 7154، وأبو عبيد في الأموال ص / 658 حديث 1727، وابن أبي شيبة (3/ 208)، وأحمد (4/ 224، 5/ 362)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1117) حديث 2069 و 2070، والطحاوي (2/ 15)، وفي شرح مشكل الآثار (6/ 316) حديث 2507، 2508، والطبراني في الأوسط (3/ 349) حديث 2743، والدارقطني (2/ 119)، والبيهقي (7/ 14)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 120)، والبغوي في شرح السنة (6/ 81) حديث 1598، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 62) حديث 1048، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر، وخفضه فرآنا جلدين .. الحديث. روى ابن عبد البر (4/ 121) من طريق الأثرم عن الإمام أحمد قوله: ما أحسنه وأجوده من حديث. وصححه النووي في المجموع (6/ 135)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 92): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.

ص: 156

(وإن رآه متجملًا، قُبِل قوله -أيضًا-) إنه فقير؛ لأنه لا يلزم من ذلك الغنى، قال تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}

(1)

(لكن ينبغي أن يخبره أنها زكاة).

وإنْ رآه ظاهر المسألة، أعطاه منها ولم يبين له.

(والقُدرةُ على اكتساب المال بالبُضع ليس بغنى معتبر، فلا تُمنع المرأة) الفقيرة (من أخذ الزكاة؛ إذا كانت ممن يُرغب في نكاحها، وتقدر على تحصيل المَهر بالنكاح) لأن النكاح لا يقصد للمال، بل للسكن والإيواء، وقد لا يكون لها رغبة فيه (فلا تُجبر عليه) كرجل سُئل الخلع أو الطلاق على عِوض، أو الصلح عن دم عمد على مال.

(وكذا لو أفلست) لا تجبر على النكاح لوفاء دينها (أو كان لها أقارب يحتاجون إلى النفقة) فلا تُجبر على التزوج لذلك.

(وتقدم: إذا تفرغ القادر) على التكسُّب (لطلب العلم، وتعذَّر الجمع) بين طلب العلم والتكسُّب (أنه يُعطى) لا إن تفرَّغ للعبادة؛ لقصور نفعها.

(فإن ادعى أن له عيالًا) ليأخذ لهم من الزكاة (قُلِّدَ) في ذلك (وأُعطي) كفايتهم؛ لأن الظاهر صدقه، وتشق إقامة البينة على ذلك لاسيما على الغريب، وكما يقلد في حاجة نفسه.

(ومن غَرِم) في معصية كشرب خمر (أو سافر في معصية) كقطع

(1)

سورة البقرة، الآية:273.

ص: 157

طريق (لم يُدفع

(1)

إليه إلا أن يتوب) لأنه إعانة على معصية (وكذا لو سافر في مكروه، أو) سافر (نُزْهة) فلا يدفع إليه من الزكاة؛ لأنه لا حاجة به إلى هذا السفر.

(ولو أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر، دُفع إليه من سهم الفقراء) أو المساكين؛ لصدق اسم الفقير والمسكين عليه حين الأخذ.

(ويُستحبُّ صرفها) أي: الزكاة (في الأصناف الثمانية كلها، لكل صنف ثُمُنُها إن وجد) جميع الأصناف (حيث وجب الإخراج؛ لأن في ذلك خروجًا من الخلاف وتحصيلًا للإجزاء) يقينًا.

(ولا يجب الاستيعاب، كما لو فرَّقها الساعي.

ولا) يجب (التعداد من كل صنف) أي: لا يجب أن يعطي من كل صنف ثلاثة فأكثر (كالعامل) على الزكاة لا يجب تعدده (فلو اقتصر) ربُّ المال في دفع الزكاة (على صنف منها) أي: من الأصناف الثمانية (أو) اقتصر على (واحد منه، أجزأه) ذلك، نص عليه

(2)

، وهو قول عمر

(3)

وحذيفة

(4)

، وابن

(1)

في "ذ": "تدفع".

(2)

انظر المستوعب (3/ 359).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 105) رقم 7134، وابن أبي شيبة (3/ 182)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1174) رقم 2198، والطبري في تفسيره (10/ 166 - 167)، أن عمر رضي الله عنه كان يضع الزكاة في صنف واحد.

قال الحافظ في الدراية (1/ 266): إسناده منقطع.

(4)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص / 688 رقم 1836، وابن أبي شيبة (3/ 182)، وابن زنجويه (3/ 1175) رقم 2199، والطبري في تفسيره =

ص: 158

عباس

(1)

؛ لقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} الآية

(2)

، ولحديث معاذ حين بعثه صلى الله عليه وسلم لليمن

(3)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم لقَبيصة:"أقِمْ عندَنَا حتى تَأتيَنَا الصدَقةُ، فنأمُرَ لكَ بِهَا"

(4)

. وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر

(5)

، ولو وجب الاستيعاب لم يجز صرفها إلى

= (10/ 166)، والبيهقي (7/ 7) عن حذيفة رضي الله عنه قال: تقسم الصدقة على ثمانية أسهم، وإن لم تجد إلا صنفًا واحدًا أجزأك.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 105 - 106) رقم 7136 - 7137، وأبو عبيد في الأموال ص / 688 رقم 1839، والطبري في تفسيره (10/ 167)، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1817) رقم 10348، والبيهقي (7/ 7)، عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا وضعتها في صنف واحد من هذه الأصناف فحسبك.

قال الحافظ في الدراية (1/ 266): إسناده حسن.

(2)

سورة البقرة، الآية:271.

(3)

تقدم تخريجه (5/ 95) تعليق رقم (3).

(4)

أخرجه مسلم في الزكاة حديث 1044.

(5)

أخرجه أبو داود في الطلاق، باب 17، حديث 2213، والترمذي في التفسير، باب 59، حديث 3299، وابن ماجه في الطلاق، باب 25، حديث 2062، وأحمد (4/ 37)، والدارمي في الطلاق، باب 9، حديث 2273، وابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 396 - 398)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 201) حديث 2185، وابن الجارود حديث 744، وابن خزيمة (4/ 74) حديث 2378، والطبراني في الكبير (7/ 44) حديث 6333، والحاكم (2/ 203)، والبيهقي (7/ 385، 390)، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (1/ 212 - 213)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 297)، والمزي في تهذيب الكمال (11/ 289)، من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر الزُّرَقي، قال: تظاهرت من امرأتي

الحديث.

قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. =

ص: 159

واحد، ولما فيه من العسر، وهو منفي شرعًا، والآية إنما سِيقت لبيان من تُصْرَف إليه، لا لتعميمهم، وكالوصية لجماعة لا يمكن حصرهم.

(وإن فرّقها ربُّها، أو دفعها إلى الإمام الأعظم، أو نائبِه على القُطْرِ) أي: الناحية التي هو فيها (نيابة شاملة لقبض الزكوات وغيرها، سقط سهم العامل؛ لأنهما يأخذان كفايتهما من بيت المال على الإمامة والنيابة) فلا يأخذان من الزكاة لاستغنائهما بأرزاقهما (وتقدم) في الباب

(1)

.

(وليس لربِّ المال ولا لوكيله في تفرقَتها أَخْذُ نصيب العامل؛ لكونه فَعَل وظيفة العامل) على الزكاة؛ لأن أداءها واجب عليه، فلا يأخذ في مقابلته عوضًا؛ ولأنه لا يُسمَّى عاملًا.

(ومن فيه سببان، كغارم فقير، أخذ بهما) كالميراث (ولا يجوز أن يُعطى عن أحدهما لا بعينه؛ لاختلاف أحكامهما في الاستقرار وغيره).

= ووافقه الذهبي. ونقل الترمذي عن الإمام البخاري: سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر.

واعله بالانقطاع -أيضًا- عبد الحق في الأحكام الوسطى (3/ 205)، وذكر ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 465) بأنه من رواية ابن إسحاق.

قلنا: رواه الترمذي في الطلاق، باب 20، حديث 1200، من طريق يحيى بن أبي كثير، أنبأنا أبو سلمة، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أن سلمان بن صخر الأنصاري أحد بني بياضة، جعل امرأته عليه كظهر أمه -الحديث بنحوه، وقال الترمذي: حديث حسن- يقال: سلمان بن صخر، ويقال: سلمة بن صخر البياضي.

وهذا إسناد صحيح متصل.

(1)

(5/ 133).

ص: 160

قلت: مفهومه إن لم تختلف أحكامهما، كفقير مؤلَّف، جاز أن يعطى بأحدهما لا بعينه، لعدم اختلاف أحكامهما.

(وإن أُعطي بهما) أي: بالسببين (وعُيِّن لكل سبب قَدْر) فعلى ما عُيِّن (وإلا) أي: وإن لم يعين لكل سبب قَدْر (كان بينهما نصفين) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية (وتظهر فائدته) أي: فائدة ما ذكر من تعيينه لكل منهما قَدْرًا أو قسمه بينهما نصفين عند عدمه (لو وُجِد ما يوجب الرد) كما لو أبرئ الغارم في المثال، فيرد ما أخذه للغرم دون الفقر.

(ويُستحبُّ صرفها) أي: الزكاة (إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم) لقوله صلى الله عليه وسلم: "صدقَتُكَ على ذِي القَرَابَةِ صَدَقةٌ وَصِلَةٌ". رواه الترمذي والنسائي

(1)

(ويفرِّقها) أي: الزكاة (فيهم) أي: في أقاربه

(1)

الترمذي في الزكاة، باب 26، حديث 658، والنسائي في الزكاة، باب 82 حديث 2581، وفي الكبرى (2/ 49) حديث 2363. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الزكاة، باب 28، حديث 1844، والحميدي (2/ 363) حديث 823، وأبو عبيد في الأموال ص / 442، حديث 916 - 917، وابن أبي شيبة (3/ 192)، وأحمد (4/ 17 - 18، 214)، والدارمي في الزكاة، باب 38، حديث 1680، 1681، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 405)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 364) حديث 1136، وابن خزيمة (4/ 77) حديث 2385، وابن حبان "الإحسان" (8/ 133) حديث 3244، والطبراني في الكبير (6/ 274، 275 - 276) حديث 6204 و 6206 و 6212، وفي الأوسط (4/ 336) حديث 3580، وابن جميع في معجمه ص / 265، والحاكم (1/ 407)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 190)، والقضاعي في مسند الشهاب =

ص: 161

الذين لا تلزمه مؤنتهم (على قَدْر حاجتهم) لأنها مراعاة.

(ولو أحضر ربُّ المال إلى العامل من أهله من لا تلزمه نفقته؛ ليدفع إليهم زكاته دَفَعَها) العامل لهم (قبل خَلْطها بغيرها) لما تقَدم (و) إن جاءه بأهله (بعده) أي: بعد خَلْطها بغيرها فـ (ـهم كغيرهم، ولا يُخرجهم منها) لأن فيها ما هم به أخص، ذكره القاضي.

(و‌

‌يُجزئ السيدَ دَفْعُ زكاته إلى مكاتبه)

نص عليه

(1)

؛ لأنه معه كالأجنبي في جريان الربا بينهما؛ ولأن الدفع تمليك، وهو من أهله، فإذا ردَّها إلى سيده بحكم الوفاء، جاز كوفاء الغريم. وقيده في "الوجيز" وغيره بأن لا يكون حيلة.

(و) يجوز -أيضًا- دَفْعُ الزكاة (إلى غريمه) لأنه من جملة الغارمين (ليقضي) بها (دينه، سواء دَفَعَها إليه ابتداءً) قبل الاستيفاء (أو استوفى حقه، ثم دفعها إليه ليقضي دَينَ المقرِض، ما لم يكن

= (1/ 90) حديث 296، والبيهقي (4/ 174، 7/ 27)، وفي شعب الإيمان (3/ 239) حديث 3426، والخطيب في الموضح (1/ 162، 2/ 91 - 92)، والمزي في تهذيب الكمال (35/ 172)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (15/ 317) عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه.

قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال أبو نعيم: ثابت مشهور.

وله شاهد من حديث زينب امرأة عبد الله رضي الله عنهما: عند البخاري في الزكاة، باب 48، حديث 1466، ومسلم في الزكاة، حديث 1000:"أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتجزئ الصدقه عن امرأة على زوجها، وعلى أيتام في حجرها؟ قال: نَعَم، لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة".

(1)

انظر: المستوعب (3/ 352)، والفروع (2/ 612).

ص: 162

حِيلة، نصًّا) قال أحمد

(1)

: إن كان حيلة فلا يعجبني، ونقل عنه ابن القاسم

(2)

: إن أراد الحيلة، لم يصلح، ولا يجوز (وقال أيضًا: إن أراد إحياء ماله، لم يَجُز. وقال القاضي وغيره: معنى الحيلة، أن يُعطيه بشرط أن يردَّها عليه من دينه؛ لأن من شَرْطها تمليكًا صحيحًا، فإذا شرط الرُّجوعَ لم يوجد) وقال في "المغني" و"الشرح": إنه حصل من كلام أحمد: إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه، لم يجز؛ لأن الزكاة حق الله فلا يجوز صرفها إلى نفعه (وإن

(3)

ردَّ الغريم من نفسه ما قبضه وفاء عن دينه من غير شرط، ولا مواطأة، جاز) لربِّ المال (أخذه من دينه) لأنه بسبب متجدد، كالإرث والهبة.

(ويقدم الأقربُ) فالأقرب (والأحوج) فالأحوج، مراعاة للصلة والحاجة (وإن كان الأجنبي أحوج، فلا يُعطى القريب ويمنع البعيد) لأن الحاجة هي المعتبرة (بل يعطي الجميع) لوجود الحاجة فيهم (ولا يحابي) ربّ المال (بها) أي: الزكاة (قريبه، ولا يدفع بها مَذمة، ولا يستخدم بسببها قريبًا ولا غيره، ولا يقي ماله بها، كقوم عوَّدهم برًّا من ماله، فيعطيهم من الزكاة لدفع ما عوَّدهم) قال في "المستوعب": هذا إن

(4)

كان المعطى غير مستحق للزكاة انتهى؛ لأن الزكاة حق لله فلا يصرفها إلى نفعه.

(1)

انظر الإنصاف (7/ 281).

(2)

انظر الفروع (2/ 620).

(3)

في "ح": "وإذا".

(4)

في "ح": "إذا".

ص: 163

(والجار أَولى من غيره) وينبغي أنْ يقدم منهم الأقرب بابًا، فالأقرب بابًا (والقريب أَولى منه) أي: من الجار؛ لقوة القرابة.

(ويقدَّم العالمُ والدَّيِّن على ضِدِّهما، وكذا ذو العائلة) يقدم على ضده للحاجة، ومن أعتق عبدًا لتجارة، قيمته نصاب بعد الحول، قبل إخراج ما فيه، فله دفعه إليه، ما لم يقم به مانع.

ص: 164

فصل

(ولا يجوز دَفْعُها) أي: الزكاة (إلى كافر) قال في "المبدع": إجماعًا

(1)

. وحديث معاذ نص فيه

(2)

؛ ولأنها مواساة تجب على المسلم، فلم تجب للكافر كالنفقة (ما لم يكن مؤلَّفًا) فيعطى عند الحاجة إلى تأليفه؛ كما تقدم (ولو) كانت (زكاة فِطر) فلا تدفع إلى كافر، كزكاة المال، ورُوي عن عَمْرو بن ميمون

(3)

، وعمرو بن شرحبيل

(4)

، ومرة الهمداني

(5)

، أنهم كانوا يعطون منها الرهبان.

(و‌

‌لا) يجوز دفع الزكاة (إلى عبدٍ كامل الرِّق،

ولو كان سيده فقيرًا) لأن نفقته واجبة على سيده، فهو غني بغناه، وما يدفع إليه لا يملكه، وإنما يملكه سيده، فكأنه دفع إليه (وأما من بعضُه حر، فيأخذ بقَدْر حريته بنسبته من كفايته) فمن نصفه حر يأخذ تمام نصف كفايته، وهكذا (ما لم يكن) العبد (عاملًا) لأن ما يأخذه أجرة يستحقها سيده، والمراد غير المكاتَب، كما تقدم.

(و‌

‌لا) يجوز دفع الزكاة (إلى فقيرة لها زوج غني)

تصل نفقته إليها

(1)

إجماع لابن المنذر ص / 51.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 95) تعليق رقم (3).

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (1/ 729) رقم 1998.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (3/ 331) رقم 5849، (4/ 113) رقم 7168، 7169، وأبو عبيد في الأموال ص / 729 رقم 1998، وابن أبي شيبة (3/ 177)، وعبد الله في مسائله (2/ 591) رقم 814.

(5)

أخرجه أبو عبيدة في الأموال (1/ 729) رقم 1998.

ص: 165

لاستغنائها بذلك.

(ولا) يجوز دفعها (إلى عمودي نسبه في حال تجب نفقتهم فيه، أو لا تجب) نفقتهم فيه (وَرِثوا أو لم يرثوا، حتى ذوي الأرحام منهم) كأبي الأم وولد البنت. قال أحمد

(1)

: لا يعطي الوالدين من الزكاة، ولا الولد ولا ولد الولد، ولا الجد ولا الجدة، ولا ولد البنت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ ابْني هذا سَيِّدٌ"

(2)

يعني الحسن، فجعله ابنه؛ لأنه من عمودي نسبه، ووجه ذلك اتصال نافع الملك بينهما عادة، فيكون صارفًا لنفسه، بدليل عدم قَبول شهادة أحدهما للآخر.

(ولو) كان أحد عمودي نسبه أخذ (في غُرْمٍ لنفسه) بأن تدين دينًا، ثم أخذ وفاءه من زكاة أبيه أو ابنه، وإن علا أو نزل.

(أو في كتابة، أو كان) أحد عمودي نسبه (ابن سبيل) لأن هؤلاء إنما يأخذون مع الفقر، فأشبه الأخذ للفقر

(3)

(ما لم يكونوا عُمَّالًا) على الزكاة، فلهم الأخذ؛ لأنهم يأخذون أجرة عملهم، أشبه ما لو استعملوا على غير الزكاة.

(أو) يكونوا (مؤلَّفة) فيعطون للتأليف؛ لأنه مصلحة عامة، أشبهوا الأجانب.

(1)

مسائل عبد الله (2/ 507، 509) رقم 699، 701، ومسائل أبي داود ص / 82.

(2)

أخرجه البخاري في الصلح، باب 9، حديث 2704، وفي المناقب، باب 25، حديث 3629، وفي فضائل الصحابة، باب 22، حديث 3746، وفي الفتن، باب 20، حديث 7109 عن أبي بكرة رضي الله عنه.

(3)

في "ح": "فأشبه أخذ الفقراء".

ص: 166

(أو) يكونوا (غُزاةً) لأن الغزاة لهم الأخذ مع عدم الحاجة، فأشبهوا العاملين.

(أو) يكونوا (غارمين لِـ) إصلاح (ذات البين) لجواز أخذهم مع غناهم، ولأنه مصلحة عامة.

(ولا) يجزئ المرأةَ دَفعُ زكاتها (إلى الزوج) لأنها تعود إليها بإنفاقه عليها. قال في "الفروع": وهل يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها؟ اختاره القاضي وأصحابه، والشيخ

(1)

وغيرهم وفاقًا للشافعي

(2)

، أم لا؟ اختاره جماعة، منهم الخرقي وأبو بكر، وصاحب "المحرر"، وحكاه عن أبي الخطاب، وفاقًا لأبي حنيفة

(3)

، ومالك

(4)

فيه روايتان.

(ولا) يجوز للزوج دفع زكاته (إلى الزوجة) قال ابن المنذر

(5)

: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة، ذلك

(6)

لأن نفقتها واجبة عليه، فتستغني بها عن أخذ الزكاة، فلم يجز دفعها إليها كما لو دفع إليها على سبيل الإنفاق عليها (ولو لم تكن) الزوجة (في مؤنته كناشز) وغير مدخول بها، لأنها تؤول إلى العود في مؤنته.

(1)

انظر المغني (4/ 101 - 102) وتصحيح الفروع 2/ 636.

(2)

انظر المجموع للنووي (6/ 138).

(3)

انظر البناية في شرح الهداية للعيني (3/ 214).

(4)

انظر عقد الجواهر الثمينة لابن شاس (1/ 343).

(5)

الإجماع ص / 52.

(6)

في "ح" و"ذ": "وذلك".

ص: 167

(وكذا عبدُه المغصوب) فلا يجزئ الدفع إليه، كما في غير حال الغصب.

(ولا لبني هاشم كالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم) أي: بنو هاشم (مَن كان مِن سُلالة هاشم، فدخل فيهم آل عباس) بن عبد المطلب (وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل) بني أبي طالب بن عبد المطلب (وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل أبي لهب) بن عبد المطلب. قال في "الشرح": لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحِلُّ لهم الصدقة المفروضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصَّدَقَةَ لا تَنْبَغِي لآل مُحَمّدٍ، إنما هِيَ أوسَاخُ الناسِ" أخرجه مسلم

(1)

. وعن أبي هريرة قال: "أخَذَ الحسَنُ تمرةً من تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كَخٍ كَخٍ، لِيَطْرَحَهَا وقال: أمَا شَعرْتَ أنّا لَا نأْكُلُ الصَّدَقةَ؟ " متفق عليه

(2)

. وسواء أعطوا من خُمس الخُمس أو لم يعطَوا؛ لعموم النصوص؛ ولأن منعهم من الزكاة لشرفهم، وشرفهم باق، فيبقى المنع.

(ما لم يكونوا) أي: بنو هاشم (غُزاة، أو مؤلَّفة، أو غارمين لذات البين) فلهم الأخذ لذلك لجواز الأخذ لذلك مع الغنى وعدم المِنَّة فيه (واختار الشيخ وجَمْعٌ) منهم: القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا، وقاله أبو يوسف الإصطخري من الشافعية

(3)

(جواز

(1)

في الزكاة، حديث 1072 عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه.

(2)

البخاري في الزكاة، باب 60 حديث 1491 وفي الجهاد والسير، باب 188، حديث 3072، ومسلم في الزكاة، حديث 1069.

(3)

"أبو يوسف الإصطخري من الشافعية" كذا في الأصول! وفي الاختيارات =

ص: 168

أخذهم إن منعوا الخمس) لأنه محل حاجة وضرورة. قال الشيخ تقي الدين -أيضًا-: ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميين. ذكره في "الاختيارات"

(1)

.

(ويجوز) دفع الزكاة (إلى ولد هاشمية من غير هاشمي في ظاهر كلامهم، وقاله القاضي اعتبارًا بالأب) وقال أبو بكر: لا يجوز، واحتج بحديث أنس:"ابن أختِ القومِ مِنهمْ" متفق عليه

(2)

.

(ولا) يجوز دفع الزكاة (لموالي بني هاشم) وهم الذين أعتقهم بنو هاشم، لما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثَ رجُلًا من بني مَخْزوم على الصدقَة، فقال لأبي رَافع: اصحبْني كيما تصيبَ مِنها، فقال: لَا؛ حتى آتيَ النبي صلى الله عليه وسلم فأسألهُ، فانطلَق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألَهُ فقال:"إنّا لا تَحِلُّ لنَا الصَّدَقَةُ، وإنَّ مولى القومِ منهم" أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي

(3)

، وقال: حديث حسن صحيح.

= ص / 154: "أبو يوسف من الحنفية، والإصطخري من الشافعية" وهو الأقرب. وأبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم، صاحب الإمام أبي حنيفة، القاضي المشهور، المتوفى سنة (182) رحمه الله تعالى. انظر سير أعلام النبلاء (8/ 470).

والإصطخري: هو الحسن بن أحمد بن يزيد الشافعي، أبو سعيد، توفي سنة (328) رحمه الله تعالى. انظر سير أعلام النبلاء (15/ 252).

(1)

ص / 154.

(2)

البخاري في المناقب، باب 14، حديث 3528، ومسلم في الزكاة، حديث 1059 (133).

(3)

أبو داود في الزكاة، باب 29، حديث 1650، والنسائي في الزكاة، باب 97، =

ص: 169

(ويجوز) دفع الزكاة (لموالي مواليهم) لأنهم ليسوا من بني هاشم، ولا من مواليهم.

(ولهم) أي: لبني هاشم ومواليهم (الأخذ من صدقة التطوُّع) لأنهم إنما مُنعوا من الزكاة لكونها من أوساخ الناس كما سبق، وصدقة التطوُّع لِيست كذلك (إلا النبي صلى الله عليه وسلم) فإن الصدقة كانت محرَّمة عليه مطلقًا، فرضها ونفلها؛ لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته وعلاماتها، فلم يجز الإخلال به، فرُوي في حديث سلمان "أنَّ الذِي أخبَرَهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم ووصفَه له، قال: إنهُ يأكُلُ الهديَّةَ ولا يَأكُلُ الصَّدَقَةَ"

(1)

. وروى أبو هريرة قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ

= حديث 2612، وفي الكبرى (2/ 58) حديث 2394 والترمذي في الزكاة، باب 25، حديث 657. وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 131 حديث 972، وابن أبي شيبة (3/ 214، 14/ 279)، وأحمد (6/ 8 - 9، 10، 390)، وابن زنجويه في الأموال (3/ 1143) حديث 2123، والروياني في مسنده (2/ 474) حديث 719، وابن خزيمة (4/ 57) حديث 2344، والطحاوي (2/ 8) وفي شرح مشكل الآثار (11/ 210) حديث 4390، والطبراني في الكبير (1/ 316) حديث 932، والحاكم (1/ 404)، وابن حزم في المحلى (6/ 147)، والبيهقي (2/ 151، 7/ 32)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 91 - 92)، والبغوي في شرح السنة (6/ 102) حديث 1607، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 60). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 276 مع الفيض) حديث 2051 ورمز لصحته.

(1)

قطعة من حديث طويل أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 75 - 80)، وأحمد (5/ 441 - 444)، والبزار (6/ 462 - 468) حديث 2500، وابن حبان =

ص: 170

بطَعَامٍ سألَ عنْهُ: أهدية أم صدقَةٌ؟ فإن قِيلَ: صَدَقَةٌ، قال لأصحَابِه: كُلُوا، ولَمْ يأكُلْ، وإن قِيلَ: هديةٌ، ضرَبَ بيَدِهِ؛ وأكَلَ مَعَهُمْ". متفق عليه

(1)

.

ولأن آل محمد لما مُنعوا فرض الصدقة لشرفهم على غيرهم، وجب أن يُنزَّه النبي صلى الله عليه وسلم عن نفلها وفرضها، لشرفه على الخلق كلهم، تمييزًا له بذلك، كما خُصَّ مع

(2)

خُمس الخُمس بالصَّفي من المغنم، وبالإسهام له مع غيبته من المغانم.

= في الثقات (1/ 249 - 257)، والطبراني في الكبير (6/ 222) حديث 6065، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (1/ 209 - 217)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 92 - 97)، والخطيب في تاريخه (1/ 165 - 169)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 418 - 419)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (1/ 506 - 511) جمعيهم من طريق محمود بن لبيد، عن ابن عباس، عن سلمان رضي الله عنهم.

وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (14/ 321 - 324)، وأحمد (5/ 438)، وابن حبان "الإحسان"(16/ 64) حديث 7124، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 95 - 97) عن أبي قرة الكندي، عن سلمان رضي الله عنه، به.

وأخرجه الخطيب في تاريخه (9/ 198 - 202)، عن سلامة العجلي، عن سلمان رضي الله عنه.

وأخرجه الحاكم (3/ 599 - 602) عن زيد بن صوحان، عن سلمان رضي الله عنه، وقال: هذا حديث صحيح عالٍ في ذكر إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، ولم يخرجاه ا هـ.

(1)

البخاري في الهبة، باب 7، حديث 2576، ومسلم في الزكاة، حديث 1077.

(2)

في "ذ""من".

ص: 171

قال في "شرح الهداية": ولا خلاف نعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يَحرم عليه أن يَقترض، ولا أن يُهدي له، أو يُنظر بدينه، أو يوضع عنه، أو يشرب من سقاية موقوفة على المارة، أو يأوي إلى مكان جعل للمارة، ونحو ذلك من أنواع المعروف التي لا غضاضة

(1)

فيها، والعادة جارية بها في حق الشريف والوضيع، وإن كان يطلق عليها اسم الصدقة، قال صلى الله عليه وسلم:"كلُّ معرُوفٍ صدَقَةٌ"

(2)

.

(و) لبني هاشم غيره صلى الله عليه وسلم الأخذ من (وصايا الفقراء) نص عليه

(3)

، (ومن نَذْرٍ) لأنه لا يقع عليهما اسم الزكاة والطُّهرة، والوجوب من الآدمي، أشبه الهبة.

و (لا) يجوز لهم الأخذ من (كفارة) لوجوبها بالشرع كالزكاة.

(ولا يَحرم) أخذ الزكاة (على أزواجه صلى الله عليه وسلم في ظاهر كلام أحمد

(4)

) والأصحاب (كمواليهن) لدخولهم في عموم الآية والأخبار، وعدم المخصص.

وفي "المغني" و"الشرح" عن ابن أبي مليكة: "أن خالدَ بنَ سعيدِ بنِ العاصِ أرسلَ إلى عائِشَةَ بسفْرةٍ منَ الصدقَةِ فردَّتهَا وقالت:

(1)

"أي: رذالة" ش.

(2)

أخرجه البخاري في الأدب، باب 33، حديث 6021، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ومسلم في الزكاة، حديث 1005 عن حذيفة رضي الله عنه.

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 52) رقم 1393، والتمام (1/ 286، 287).

(4)

انظر الفروع (2/ 641).

ص: 172

إنا آلَ محمدٍ لا تحلُّ لَنا الصدَقَةُ" رواه الخلال

(1)

. فهذا يدل على تحريمها عليهن، ولم يذكرا ما يخالفه، مع أنهم لم يذكروا هذا في الوصية والوقف، وهذا يدل على أنهن من أهل بيته في تحريم الزكاة، وذكر الشيخ تقي الدين

(2)

: أنه يحرم عليهن الصدقة، وأنهن من أهل بيته في أصح الروايتين، وردَّه الجد

(3)

. قاله في "المبدع".

(ولا يجزئ دفعها) أي: الزكاة (إلى سائر من تلزمه مؤنته من أقاربه) أو مواليه (ممن يرثه بفرض أو تعصيب نسب

(4)

، أو ولاء كأخ وابن عم) وعتيق، لغناه بوجوب النفقة؛ ولأن نفعها يعود إلى الدافع، لكونه يسقط النفقة عنه كعبده (ما لم يكونوا عُمَّالًا، أو غُزاة، أو مؤلَّفة، أو مكاتبين، أو أبناء سبيل، أو غارمين لذات البين) قال المجد: لا تختلف الرواية أنه يعطى لغير النفقة الواجبة نحو كونه غارمًا، أو مكاتبًا، أو ابن سبيل، بخلاف عمودي النسب، لقوة القرابة، انتهى. وأما إذا كانوا عمَّالًا أو غُزاة أو مؤلَّفة، فتقدم أن عمودي النسب يعطون لذلك، فهؤلاء أولى.

(فلو كان أحدهما يرث الآخر، والآخر لا يرثه، كعتيق ومعتقه) فإن المعتق يرث العتيق بخلاف عكسه (و) كـ (أخوين لأحدهما ابن ونحوه) كابن ابن، فذو الابن يرث الآخر دون عكسه، وكعمة مع ابن

(1)

لم نجده في المطبوع من جامعه. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 214، 14/ 280) وفيه: "ببقرة"، بدل:"بسفرة".

(2)

انظر مجموع الفتاوى (22/ 460).

(3)

الجد: "أي صاحب الفروع" ش.

(4)

في "ح": "بنسب".

ص: 173

أخيها (فالوارث منهما تلزمه مؤنته، فلا يدفع زكاته إلى الآخر) لما تقدم (وغير الوارث يجوز) له أن يدفع زكاته إلى الآخر؛ لأنه لا ميراث بينهما، أشبه الأجنبي.

(ولا) يجوز دفع الزكاة (إلى فقير ومسكين مستغنيين بنفقة لازمة) لغناهما بما يجب لهما على وارثهما، كالزوجة (فإن تعذرت النفقة) على الزوجة الفقيرة أو الفقير أو المسكين (من زوج، أو قريب، بغيبة، أو امتناع، أو غيره، كمن غُصب ماله، أو تعطَّل منافع عقاره، جاز) لهم (الأخذ) لوجود المقتضي مع عدم المانع.

(و‌

‌يجوز) دفع الزكاة (إلى بني المطلب)

ومواليهم، لعموم آية الصدقات؛ خرج منه بنو هاشم بالنص، فيبقى من عداهم على الأصل؛ ولأن بني المطلب في درجة بني أمية، وهم لا تَحرم الزكاة عليهم، فكذا هُم، وقياسهم على بني هاشم لا يصح، لأنهم أشرف، وأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخُمس ما استحقوه بمجرد القرابة، بل بالنُّصرة، أو بهما جميعًا، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"لم يُفارِقُوني في جَاهِليةٍ ولا إسلامٍ"

(1)

بدليل منع

(1)

جزء من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء، باب 20، حديث 2980، والنسائي في الفئ، باب 1، حديث 4148، وفي الكبرى (3/ 45) حديث 4439، وأبو عبيد في الأموال ص / 415، حديث 843، وابن أبي شيبة (14/ 460 - 461)، وأحمد (4/ 81)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 74) حديث 2406، والبزار (8/ 330) حديث 3403، وأبو يعلى (13/ 396) حديث 7399، والطبري في تفسيره (10/ 6) والطحاوي (3/ 283)، والطبراني في الكبير (2/ 140) حديث =

ص: 174

بني عبد شمس ونوفل من خُمس الخُمس مع مساواتهم في القرابة، والنُّصرة لا تقتضي حرمان الزكاة.

(وله) أي من وجبت عليه زكاة (الدفع) منها (إلى ذوي أرحامه، كعمته وبنت أخيه، غير عمودي نسبه) فقد تقدم أنه لا يجزئه الدفع إليهم، ويجوز إعطاء ذوي الرحم غيرهم (ولو ورثوا) المزكِّي (لضعف قرابتهم) لكونهم لا يرثون بها عصبة، ولا ذي فرض، غير أحد الزوجين.

(وإن تبرع) المزكِّي (بنفقة قريب) لا تلزمه نفقته (أو) بنفقة (يتيم أو غيره) من الأجانب (ضمَّه إلى عياله، جاز دفعها إليه) لوجود المقتضي.

(وكل من حَرُمت عليه الزكاة بما سبق) ككونه من بني هاشم، أو غنيًّا، أو من عمودي نسب المزكِّي ونحوه (فله قبولها هدية ممن أخذها من أهلها) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تحِلُّ الصدقةُ لِغني إلا لخمسةٍ: لعاملٍ، أو رجلٍ اشتراها بماله، أو غازٍ في سبيل الله، أو مسكينٍ تُصدق عليه منها فأهدى منها لِغنيٍّ" رواه أبو داود وابن ماجه

(1)

؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما تُصدق به على أم عطية، وقال:

= 1591، والبيهقي (6/ 341، 365).

وأصل الحديث في صحيح البخاري في فرض الخمس، باب 17، حديث 3140، وفي المناقب باب 2، حديث 3502، وفي المغازي، باب 38، حديث 4239، دون قوله:"لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام".

(1)

تقدم تخريجه (5/ 129) تعليق رقم (2).

ص: 175

"إنها قد بلغت مَحلَّهَا" متفق عليه

(1)

. وقيس الباقي على ذلك.

(والذكر والأنثى في) جواز (أخذ الزكاة) عند وجود المقتضي (و) في (عدمه) مع المانع (سواء) للعمومات مع عدم المخصص.

(والصغير) من أهل الزكاة: (ولو لم يأكل الطعام كالكبير) منهم، للعموم (فَيُصرف ذلك) أي: ما يُعطاه من الزكاة (في أُجرة رضاعه وكسوته وما لابدَّ منه) من مصالحه (ويقبل) له الزكاة والكفارة والنذر والهبة وصدقة التطوع وَليُّه (ويقبض له) أي: الصغير

(2)

(منها) أي: من الزكاة (ولو مميزًا، ومن هبة وكفارة) ونذر وصدقة تطوُّع (من يلي ماله، وهو وليُّه) في ماله كسائر التصرفات المالية (أو وكيل وليه الأمين) لقيامه مقام وليه (وفي "المغني": يصح قبض المميز. انتهى. وعند عدم الولي يقبض له) أي: للصغير (من يليه، من أم وقريب وغيرهما نصًّا

(3)

) نقل هارون الحمَّال

(4)

في الصِّغار: يُعْطِي أولياءَهم، فقلت: ليس لهم ولي؟ قال: يعطي من يعني بأمرهم. ونقل مُهنَّا

(5)

في الصبي والمجنون: يقبض له وليُّه، قلت: ليس له

(1)

البخاري في الزكاة، باب 31، 62، حديث 1446، 1494، وفي الهبة، باب 7، حديث 2579، ومسلم في الزكاة، حديث 1076.

(2)

في "ح" و"ذ": "للصغير".

(3)

انظر المغني (4/ 97).

(4)

هو هارون بن عبد الله بن مروان بن موسى البزاز، أبو موسى. كان عنده عن أبي عبد الله جزء كبير مسائل حسان جدًّا. ومسائله لم تطبع. توفي سنة (243 هـ) رحمه الله تعالى. انظر طبقات الحنابلة (1/ 396).

(5)

انظر المغني (4/ 97).

ص: 176

ولي؟ قال: الذي يقوم عليه، وذلك لأن حفظه عن الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية.

(ولا يجوز دفع الزكاة إلا لمن يعلم) أنه من أهلها (أو يَظنه من أهلها) لأنه لا يبرأ بالدفع إلى من ليس من أهلها، فاحتاج إلى العلم به؛ لتحصل البراءة، والظن يقوم مقام العلم؛ لتعذُّر أو عُسر الوصول إليه (فلو لم يَظنه من أهلها، فدفعها إليه، ثم بان أهلها، لم يجزئه) الدفع إليه، كما لو هجم وصلَّى، فبان في الوقت.

(فإن دفعها) أي: الزكاة (إلى من لا يستحقُّها لكُفر، أو شرف) أي: لكونه هاشميًّا أو مولى له (أو كونه عبدًا) غير مكاتَب ولا عامل (أو) لكونه (قريبًا) من عمودي نسب المزكِّي، أو تلزمه مؤنته، لكونه يرثه بفرض أو تعصيب (وهو لا يعلم) عدم استحقاقه (ثم علم) ذلك (لم يجزئه) لأنه ليس بمستحق، ولا يخفى حاله غالبًا، فلم يعذر بجهالة

(1)

، كدين الآدمي (ويستردها ربُّها بزيادتها مطلقًا) أي: سواء كانت متصلة كالسمن، أو منفصلة كالولد؛ لأنه نماء ملكه.

(وإن تلفت) الزكاة (في يد القابض) لها مع عدم أهليته لما سبق (ضَمِنها؛ لعدم ملكه) لها (بهذا القبض، وهو قَبضٌ باطل، لا يجوز له قبضه) لعدم أهليته.

(وإن كان الدافعُ) للزكاة إلى من لا يستحقها (الإمامَ أو الساعي، ضمِن) لتفريطه (إلا إذا بان) المدفوع إليه (غنيًّا) فلا ضمان على الإمام

(1)

في "ح" و"ذ": "بجهالته".

ص: 177

ولا نائبه؛ لأن ذلك يخفى غالبًا، بخلاف الكفر ونحوه.

(والكفَّارة كالزكاة فيما تقدم) فلا يجوز دفعها إلا لمن يعلمه أو يظنه من أهلها، وإن دفعها إلى من لا يستحقها، لم تجزئه

(1)

إلا الغني إذا ظنه فقيرًا.

(ولو دفع صدقةَ التطوُّع إلى غنيٍّ وهو لا يعلم) غناه (لم يرجع) لأن المقصود الثواب، ولم يفت، بخلاف الزكاة إذا دفعها لكافر ونحوه؛ لأن المقصود إبراء الذمة بالزكاة، ولم يحصُل، فملك الرجوع (فإن دفع إليه من الزكاة يظنُّه فقيرًا، فبان غنيًّا، أجزأت) لأنه صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين، وقال:"ولا حَظَّ فيها لِغَنيٍّ ولا قَوي مُكتَسِبٍ"

(2)

، ولو اعتبر حقيقة انتفاء الغِنى لما اكتفى بقولهما؛ ولأن الغنى يخفى. وأخرج النسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل: "لأتصدقَنَّ بصدقةٍ، فخرجَ بصدَقَتِهِ فوضعَها في يدِ غنيٍّ، فأصبَحوا يتحدَّثُون: تُصدِّقَ على غَنيٍّ، فأُتيَ فَقِيلَ لَهُ: أما صدَقَتُك فَقَد تُقُبِّلَت، فلعل الغني يَعتبر فينفقُ ممّا أعطَاهُ اللهُ تعَالى"

(3)

.

(1)

في "ح": "يجزئه".

(2)

تقدم تخريجه (5/ 153) تعليق رقم (1).

(3)

النسائي في الزكاة، باب 27، حديث 2522. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الزكاة باب 14، حديث 1421، ومسلم في الزكاة، حديث 1022.

ص: 178

فصل

(وصدقة التطوُّع مستحبَّة كل وقت) إجماعًا؛ لأنه تعالى أمر بها ورغَّب فيها، وحثَّ عليها، فقال:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}

(1)

وقال صلى الله عليه وسلم: "من تصَدقَ بعدلِ تَمرَةٍ من كَسبٍ طيِّبٍ، ولا يَصعد إليهِ إلا طيِّبٌ، فإن الله يقبلها

(2)

بيمِينهِ، ثم يُرَبِّيها لصاحِبها

(3)

حتى تكونَ مِثْلَ الجبلِ". متفق عليه

(4)

من حديث أبي هريرة. وعن أنس مرفوعًا: "إن الصدَقَةَ لتطفئُ غضَبَ الرب، وتَدفعُ مِيتةَ السوء". رواه الترمذي

(5)

وحسنه.

(1)

سورة البقرة الآية: 245.

(2)

في "ح": "يتقبلها" وهو الموافق للرواية.

(3)

في "ح" زيادة: "كما يربِّي أحدكم فلوَّه" وهو الموافق للرواية.

(4)

البخاري في الزكاة، باب 8، حديث 1410، وفي التوحيد، باب 23، حديث 7430، ومسلم في الزكاة حديث 1014.

(5)

في الزكاة، باب 28، حديث 664. وأخرجه -أيضًا- ابن حبان "الإحسان" (8/ 103) حديث 3309، وابن عدي (4/ 1534)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 213) حديث 3351، والبغوي في شرح السنة (6/ 133) حديث 1634، وابن عساكر (8/ 322)، والضياء في المختارة (5/ 218، 219) حديث 1847، 1848. قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 191)، واكتفى بنقل كلام الترمذي، وتعقبه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 431) بقوله: ولم يبين المانع من صحته، وعلته ضعف راويه أبي خلف [عبد الله بن عيسى] ثم ذكر كلام الأئمة النقاد فيه، وقال فالحديث ضعيف لأحسن. وضعفه -أيضًا- العراقي في تخريج الإحياء (1/ 215). وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 362 مع =

ص: 179

(و) صدقة التطوُّع (سرًّا أفضل) منها جهرًا؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ}

(1)

وعن أبي هريرة مرفوعًا: "سبْعَةٌ يظلهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ، ذكر منهم: رجلا تصدَّقَ بصدقةٍ فأخْفَاها حتى لا تعلم شِمَالُه ما تنفِقُ يمِينُهُ". متفق عليه

(2)

.

= الفيض) ورمز لضعفه.

وللفقرة الأولى من الحديث شواهد منها:

أ - عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 421) حديث 1018، وفي الأوسط (1/ 513) حديث 947، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 94) حديث 102 بلفظ:"إن صدقة السر تطفئ غضب الرب". قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 115): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه صدقة بن عبد الله، وثقه دحيم، وضعفه جماعة. وقال -أيضًا- (8/ 193): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أصبغ [شيخ صدقة بن عبد الله]، غير معروف، وبقية رجاله وثقوا، وفيهم خلاف.

ب - عن أبي أمامة رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 261) حديث 8014 بلفظ: "

صدقة السر تُطفيء غضب الربَّ" وحسَّن إسناده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 679) والهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 115).

ج - عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، رواه الطبراني في الأوسط (8/ 373) حديث 7757 وفي الصغير (2/ 95) بلفظ:"الصدقة تطفئ غضب الربِّ" قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 115): وفيه أصرم بن حوشب، وهو ضعيف.

د - عن أم سلمة رضي الله عنها، رواه الطبراني في الأوسط (7/ 50) حديث 6082 بلفظ:"الصدقة خفيًا تطفئ غضب الربِّ" قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 115): وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو ضعيف.

(1)

سورة البقرة، الآية:271.

(2)

البخاري في الأذان، باب 36، حديث 660، وفي الزكاة، باب 16، حديث 1423، وفي الرقاق، باب 24، حديث 6479، وفي الحدود، باب 19، حديث 6806، ومسلم في الزكاة، حديث 1031.

ص: 180

و (بطيب نفس) أفضل منها بدونه، و (في الصحَّة) أفضل منها في غيرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وأنت صحِيحٌ شَحِيحٌ"

(1)

.

(وفي رمضان) أفضل منها في غيره؛ لحديث ابن عباس قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناسِ، وكان أجود ما يكون في رمضانَ، حينَ يلقَاهُ جبرِيلُ، وكان جبريلُ يلقاهُ في كل ليلَةٍ من رمضانَ فيدَارِسُهُ القرآنَ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقَاهُ جبريلُ أجود بالخيرِ من الريح المرسلة". متفق عليه

(2)

؛ ولأن في الصدقة في رمضان إعانة على أداء فريضة الصوم.

(و) في (أوقات الحاجة) أفضل منها في غيرها؛ لقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}

(3)

.

(وكلِّ زمان أو مكان فاضل كالعَشر، والحرمين) حَرَم مكة والمدينة، وكذا المسجد الأقصى؛ لتضاعف الحسنات بالأمكنة والأزمنة الفاضلة.

(وهي) أي: الصدقة (على ذي الرَّحِم صدقة وصِلَة) لقوله صلى الله عليه وسلم:

(1)

رواه البخاري في الزكاة، باب 11، حديث 1419، ومسلم في الزكاة، حديث 1032 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا؟ فقال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح

الحديث.

(2)

البخاري في بدء الوحي، باب 5، حديث 6، وفي كتاب الصيام، باب 7، حديث 1902، وفي بدء الخلق، باب 6، حديث 3220، وفي المناقب، باب 33، حديث 3554، وفي فضائل القرآن، باب 7، حديث 4997، ومسلم في الفضائل حديث 2308.

(3)

سورة البلد، الآية:14.

ص: 181

"الصدقَةُ على المسْكِينِ صدقَةٌ، وعلى ذِي الرحمِ اثنتَانِ: صدقَة وصِلَةٌ"

(1)

. قال في "الشرح"، و"شرح المنتهى": وهو حديث حسن

(2)

. (لا سيما مع العداوة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "تَصِلُ مَنْ عَادَاكَ"

(3)

. (فهي عليه)

(1)

تقدم تخريجه (5/ 161) تعليق رقم (1).

(2)

"كان الأولى الاستدلال بقوله: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح". رواه الإمام أحمد والطبراني [في الكبير 25/ 80 حديث 204] وابن خزيمة في صحيحه، [4/ 78 حديث 2386] والحاكم [1/ 406] وقال: على شرط مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها" ش.

قلنا: عزاه صاحب الحاشية إلى أحمد من حديث أم كلثوم بنت عقبة، ولم نجده في مسنده من حديثها، في حين رواه في مسنده (3/ 402) من حديث حكيم بن حزام، وفي (5/ 416) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما.

(3)

لم نقف على من خرجه بهذا اللفظ، وأخرجه أحمد (4/ 148، 158) وهناد في الزهد (2/ 439) حديث 1014، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق، حديث 19، 20، وابن عدي (5/ 1813)، والطبراني في الكبير (17/ 269، 270) حديث 739، والحاكم (4/ 161 - 162)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 222) حديث 7959، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"تصل من قطعك" قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 313)، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 188): وأحد إسنادي أحمد رجاله ثقات.

وفي الباب عن:

معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، أخرجه أحمد (3/ 438)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 281) حديث 265، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 248)، والطبراني في الكبير (20/ 188) حديث 413، والديلمي في مسند الفردوس (1/ 356) حديث 1435، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 189): رواه أحمد والطبراني، وفيه زَبَّان بن فائد، وهو ضعيف.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (حديث 23)، والطبراني في الأوسط (1/ 497) حديث 913، والبيهقي (10/ 235). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 189): رواه الطبراني في الأوسط =

ص: 182

أي: القريب أفضل.

(ثم على جارٍ أفضل) لقوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}

(1)

ولحديث: "ما زال جبرِيلُ يُوصِيني بالجَارِ حتْى ظَنَنْتُ أنهُ سيُوَرِّثُهُ"

(2)

.

ويُستحبُّ أن يخصَّ بالصدقة من اشتدت حاجته؛ لقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}

(3)

.

(وتُستحبُّ) صدقة التطوُّع (بالفاضل عن كفايته، و) عن (كفاية من يَمونه دائمًا بـ) سبب (مَتْجر، أو غلَّة ملكٍ) من ضيعة أو عقار (أو وَقْفٍ، أو صنعة) أو عطاء من بيت المال.

(وإن تصدق بما ينقص مؤنه من تلزمه مؤقته، أو أضرَّ

(4)

بنفسه، أو بغريمه، أو كفالته) أي: كفيله في مال أو بَدَن (أَثِمَ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "كفَى بالمرءِ إثمًا أن يضيعَ مَنْ يَقُوتُ"

(5)

وعن أبي هريره قال: "أمرَ

= وفيه سليمان بن داود اليمامي، وهو ضعيف.

(1)

سورة النساء، الآية:36.

(2)

أخرجه البخاري في الأدب، باب 28، حديث 6014، 6015، ومسلم في البر والصلة، حديث 2624، 2625 عن عائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.

(3)

سورة البلد، الآية:16.

(4)

في "ح": "أو ضر".

(5)

رواه أبو داود في الزكاة، باب 45، حديث 1692، النسائي في الكبرى (5/ 374) حديث 9177، والطيالسي ص / 301، حديث 2281، وعبد الرزاق (11/ 384) حديث 20810، والحميدي (2/ 273) حديث 599، وأحمد (2/ 160، 193، 194، 195)، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص / 56، وابن حبان "الإحسان"(10/ 52) حديث 4240، وابن عدي (4/ 1477)، والحاكم =

ص: 183

النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصدقةِ، فقامَ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ، عندي دينَارٌ، فقال: تصدَّق بِهِ على نَفْسِكَ، فقال: عندِي آخرُ، قال: تَصدَّق بِهِ عَلى وَلَدِكَ، قال: عنْدِي آخرُ، قال: تصدَّقْ بهِ على زَوْجِك، قال: عندِي آخرُ، قال: تصدَّقْ بهِ على خَادِمِكَ، قال: عندِي آخرُ، قال: أنْتَ أبْصَرُ"

(1)

. رواهما أبو داود. وإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل؛ لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}

(2)

.

= (1/ 415)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 135)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 303، 304) حديث 1411 - 1413، والبيهقي (7/ 467، 9/ 25) وفي شعب الإيمان (6/ 412) حديث 8709، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي وصحح إسناده النووي في المجموع (6/ 184).

وأخرجه مسلم في الزكاة، حديث 996 بلفظ:"كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته".

(1)

أبو داود في الزكاة، باب 45، حديث 1691. وأخرجه -أيضًا- البخاري في الأدب المفرد حديث 197، والنسائي في الزكاة، باب 54، حديث 2535، وفي الكبرى (2/ 34) حديث 2314 (5/ 375) حديث 9181، والشافعي في الأم (5/ 87)، وفي المسند "ترتيبه" (2/ 63 - 64)، والحميدي (2/ 495) حديث 1176، وأحمد (2/ 251، 471)، وأبو يعلى (11/ 493) حديث 6616، والطبري في تفسيره (2/ 366)، وابن حبان "الإحسان" (8/ 127)، حديث 3337، (10/ 47) حديث 4235، والطبراني في الأوسط (9/ 231) حديث 8503، والحاكم (1/ 415)، والبيهقي (7/ 466، 477) وفي معرفة السنن والآثار (11/ 278) حديث 15510، وفي شعب الإيمان (3/ 236) حديث 3421، والبغوي في شرح الستة (6/ 192 - 195) حديث 1685 - 1686. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(2)

سورة الحشر، الآية:9.

ص: 184

(ومن أراد الصدقةَ بماله كلِّه -وهو وحده-) أي: لا عيال له (ويعلم من نفسه حُسنَ التوكُّل) أي: الثقة بما عند الله، واليأس مما في أيدى الناس (والصبرَ عن المسألة، فله ذلك، أي: يُستحبُّ) له ذلك (وإن لم يعلم) من نفسه (ذلك) أي: حسن التوكل والصبر (حَرُمَ) عليه ذلك (ويُمنعُ منه، ويُحجرُ عليه) لتبذيره.

روى جابر قال: "كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءَ رجلٌ بمثلِ بيضَةَ من ذهَب، فقال: يا رسولَ الله، أصبْتُ هذِهِ من معدِنٍ فخذْهَا، فهِيَ صدقَةٌ مَا أملِكُ غيرَهَا، فأعرضَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهُ من قِبَلِ ركْنِه الأيمَنِ، فقال مثلَ ذلِكَ، فأعرضَ عنهُ، ثم أتاهُ من قِبَلِ ركنِهِ الأيسَرِ، فأعرضَ عنهُ، ثم أتاهُ من خَلْفِهِ، فأخذها رسولُ اللهِ فحذَفَهُ بهَا، فلو أصابَتهُ لأوْجَعَتْهُ، أو لَعَقرتهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَأتِي أحدُكُمْ بمَا يمْلِكُ فيقولُ: هذِهِ صدقةٌ، ثم يَقْعُدُ يسْتَكِفُّ

(1)

النَّاسَ، خيرُ الصدقَةِ ما كانَ عن ظَهْرِ

(2)

غنى". رواه أبو داود

(3)

، وفي رواية: "خذْ مَالكَ عنّا

(1)

"أي: يتعرض للصدقة فيأخذها ببطن كفه، يقال: تكفف، واستكف: إذا فعل ذلك" ش.

(2)

"لفظة ظهر زائدة لإشباع الكلام" ش.

(3)

في الزكاة، باب 39، حديث 1673. وأخرجه -أيضًا- عبد بن حميد (3/ 61)، حديث، 1119 والدارمي في الزكاة، باب 25، حديث 1666، وأبو يعلى (4/ 65) حديث 2084، وابن خزيمة (4/ 98) حديث 2441، وابن حبان "الإحسان" (8/ 165) حديث 3372، والحاكم (1/ 413)، والبيهقي (4/ 181) وفي شعب الإيمان (3/ 235) حديث 3417، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 322). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر: رجال إسناده ثقات، وإنما علته عنعنة ابن إسحاق، لكي وجدته في مسند أبي يعلى قال:

عن محمد بن إسحاق حدثني عاصم فذكره.

ص: 185

لا حاجَةَ لَنَا بِهِ"

(1)

.

(وإن كان له عائلة، ولهم كفاية، أو يكفيهم بمكسبه

(2)

، جاز لقصَّة الصدِّيق) أبي بكر رضي الله عنه، وهي: أنه جَاءَ بجمِيعِ ما عنْدَهُ، فقال لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما أبقيتَ لأهْلِكَ"؟ فقال: اللهَ ورسولَه

(3)

. وكان تاجرًا ذا مكْسَبٍ؛ فإنه قال حين ولي: "قد عَلمَ النَّاسُ أن مكْسَبي لمْ يكُنْ ليعجزَ عنْ مؤنَةِ عِيالي"

(4)

. وهذا يقتضي الاستحباب (وإلا) أي: وإن لم يكن لهم كفاية، ولم يكفهم بمكسبه (فلا) يجوز له

(1)

رواه أبو داود في الزكاة، باب 39، حديث 1674، وغيره ممن تقدم ذكره في التعليق السابق عدا ابن خزيمة، والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.

(2)

في "ذ""بكسبه".

(3)

أشار إليه البخاري في الزكاة، باب 18، وأخرجه أبو داود في الزكاة، باب 40، حديث 1678، والترمذي في المناقب، باب 16، حديث 3675، وعبد بن حميد (1/ 49)، حديث 14، والدارمي في الزكاة، باب 26، حديث 1667، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 579) حديث 1240، والبزار (1/ 394) حديث 270، والحاكم (1/ 414)، والبيهقي (4/ 180)، والضياء في المختارة (1/ 173) حديث 80، 81، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 10، 11) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه النووي في المجموع (6/ 186)، وقال الحافظ في الفتح (3/ 295): تفرد به هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، وهشام صدوق، فيه مقال من جهة حفظه. وقال في التلخيص الحبير (3/ 115): صححه الترمذي والحاكم، وقوَّاه البزار، وضعفه ابن حزم بهشام بن سعد، وهو صدوق.

(4)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 15، حديث 2070، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 186

ذلك؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرءِ إثْمًا أنْ يضيعَ مَنْ يَقُوتَ"

(1)

.

(ويُكره لمَن لا صَبْر له على الضِّيق، أو لا عادة له به) أي: بالضيق (أن ينقص عن نفسه الكفاية التامة) نص عليه

(2)

؛ لأن التقتير والتضييق مع القدرة شُحٌّ وبخلٌ، نهى اللهُ عنه، وتعوَّذ النبي صلى الله عليه وسلم منه

(3)

، وفيه سوء الظن بالله تعالى.

(و‌

‌الفقير لا يقترض ويتصدق)

لكن نص أحمد

(4)

في فقير لقريبه وليمة يستقرض، ويهدي له. وهو محمول على ما إذا ظن وفاء.

(و‌

‌وفاء الدَّين مقدَّم على الصدقة)

لوجوبه.

(وتجوز صدقة التطوُّع على الكافر والغني وغيرهما) من بني هاشم وغيرهم ممن مُنع الزكاةَ (ولهم أخذها) لقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}

(5)

ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرًا. وكَسَا عمر أخًا له مشركًا حلةً كان النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

تقدم تخريجه (5/ 183) تعليق رقم (5).

(2)

انظر الفروع (2/ 651).

(3)

أخرج البخاري في الدعوات، باب 37، 41، حديث 6365، 6370، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، مرفوعًا: "اللهم إني أعوذ بك من البخل

" الحديث.

(4)

طبقات الحنابلة (1/ 167).

(5)

سورة الإنسان، الآية:8.

ص: 187

كساه إياها

(1)

. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر "صِلِي أُمَّكِ"

(2)

وكانَتْ قدمَتْ عليهَا مشرِكَةً.

(ويُستحبُّ التعفف، فلا يأخذ الغني صدقة، ولا يتعرَّض لها) لأن الله تعالى مدح المتعففين عن السؤال مع وجود حاجتهم، فقال:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}

(3)

.

(فإن أخذها) الغني (مظهرًا للفاقة، حَرُم) عليه ذلك، وإن كانت تطوُّعًا؛ لما فيه من الكذب والتغرير، وروى أبو سعيد مرفوعًا:"فمن يَأْخُذْ مَالًا بِحقِّهِ يبَارك لَهُ فِيهِ، ومن يأخذْ مالًا بغيرِ حقِّه فمثَلهُ كَمَثلِ الّذِي يأكُلُ ولا يَشْبَعُ"

(4)

. وفي لفظ: "إن هَذا المَال خضِرَةٌ حُلْوةٌ، فمن أخذهُ بحقِّهِ ووضَعَهُ في حَقِّهِ فنعْمَ المعونَة هو، ومن أخَذَهُ بغيرِ حقِّهِ كانَ كالّذِي يأكُل ولا يَشْبَعُ". متفق عليه

(5)

.

(و‌

‌يَحرم المَنُّ بالصدقة وغيرها، وهو كبيرة،

ويَبطل الثوابُ

(1)

أخرجه البخاري في الجمعة، باب 7، حديث 886، وفي الهبة، باب 27، 29 حديث 2612، 2619، وفي الأدب باب 9، حديث 5981، ومسلم في اللباس حديث 2068 عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري في الهبة، باب 29، حديث 2620، وفي الجزية والموادعة، باب 18، حديث 3183، وفي الأدب، باب 7، 8، حديث 5978، 5979، ومسلم في الزكاة، حديث 1003 عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.

(3)

سورة البقرة، الآية:273.

(4)

أخرجه مسلم في الزكاة، حديث 1052.

(5)

البخاري في الرقاق باب 7، حديث 6427، ومسلم في الزكاة، حديث 1052 (122).

ص: 188

بذلك): لقوله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}

(1)

قال في "الفروع": ولأصحابنا خلاف فيه، وفي بطلان طاعة بمعصية، واختار شيخنا الإحباط بمعنى الموازنة، وذكر أنه قول أكثر السلف.

(ومن أخرج شيئًا يتصدّق به، أو وكَّل في ذلك) أي: الصدقة به (ثم بدا له) أن لا يتصدق به (استُحبَّ أنْ يمضيه) ولا يجب؛ لأنه لا يملكها المتصدق عليه إلا بقبضها. وقد صح عن عمرو بن العاص أنه كان إذا أخرج طعامًا لسائل فلم يجده، عزله حتى يجيء آخر

(2)

. وقاله الحسن

(3)

.

(ويتصدق بالجيد، ولا يقصد الخبيث فيتصدق به) لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}

(4)

.

(وأفضلُها) أي: الصدقة (جَهْدُ المُقِلِّ) لحديث: "أفضلُ الصَدَقَةِ جَهْدٌ من مقلٍّ إلى فقيرٍ في السِّرِّ"

(5)

. ولا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:

(1)

سورة البقرة، الآية:264.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 165).

(3)

أخرج ابن أبي شيبة (3/ 166) عن الحسن أنه قال: يصنع بها ما شاء.

(4)

سورة البقرة، الآية:267.

(5)

أخرجه الطيالسي ص/ 65، حديث 478، وأحمد (5/ 178، 179)، وهناد في الزهد (2/ 516) حديث 1065، والبزار (9/ 426) حديث 4034، والطبراني في الكبير (8/ 226) حديث 7891، وفي الأوسط (5/ 363) حديث 4718، وأبو نعيم في الحلية (1/ 166)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 291) حديث 3576 في حديث طويل عن أبي ذر رضي الله عنه، وفيه: قلت: يا رسول الله أيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "جهد من مُقل أو سرٍّ إلى فقير". =

ص: 189

"خيْرُ الصدقَةِ ما كانَ عَنْ ظهْرِ غنى"

(1)

إذ المراد: جهد المقل بعد حاجته وحاجة عياله الضرورية

(2)

، وما يلزمه، فهي جهده، وعن ظهر غنى منه، وهي أفضل من صدقة عن ظهر غنى ليست جهد مقل.

"تتمة": لا يُسنُّ إبدال ما أعطى سائلًا فسخطه. قال في "الفروع": ومن سأل فأُعطيَ، فقبضه، فسخطَه، لم يعطَ لغيره في ظاهر كلام العلماء، وعن علي بن الحسين أنه كان يفعله. رواه الخلال

(3)

. وفيه جابر الجعفي: ضعيف. فإن صح، فيحتمل أنه فعله عقوبة، ويحتمل أن سخطه دليل على أنه لا يختار تملكه، فيتوجه مثله على أصلنا، كبيع التلجئة، ويتوجَّه في الأظهر: أنَّ أخذ صدقة التطوُّع أَولى من الزكاة، وأن أخذها سرًّا أَولى.

= وأخرج أبو داود في الزكاة، باب 40 حديث 1677، وأحمد (2/ 358)، وابن خزيمة (4/ 99 و 102) حديث 2444 - 2451، وابن حبان "الإحسان"(8/ 134) حديث 3346، والحاكم (1/ 414)، والبيهقي (4/ 180) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: يا رسول الله أيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل وابدأ بمن تعول". قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 160): رواه أحمد والبزار والطبراني، وفيه المسعودي، وهو ثقة، ولكنه اختلط، وقال (3/ 116): رواه أحمد في حديث طويل، وفيه أبو عمرو الدمشقي، وهو متروك.

(1)

تقدم تخريجه (5/ 185) تعليق رقم (3) من حديث جابر رضي الله عنه وهذا اللفظ رواه - أيضًا - البخاري في الزكاة، باب 18، حديث 1426، وفي النفقات، باب 2، حديث 5356 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

قوله: "الضرورية" ليس في "ح"، و"ذ".

(3)

لعله في كتابه الجامع، ولم نجده في الجزء المطبوع منه، ذكره في الفروع (2/ 653).

ص: 190

كتاب الصيام

ص: 191

‌كتاب الصيام

مصدر صَام، كالصوم (وهو) لغة: الإمساك، ومنه:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}

(1)

، وقول الشاعر:

خيلٌ صِيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمة

تحت العَجاج وأخرى تَعلُكُ اللُّجُمَا

(2)

يُقال للفرس: صائم، إذا أمسك عن العَلَف مع القيام، أو عن الصَّهيل في موضعه. ويُقال: صامتِ الريحُ، إذا أمسكت عن الهُبوب.

و (شرعًا: إمساك عن أشياء مخصوصة) هي مفسداته الآتية في الباب بعده

(3)

(بنيَّة في زمن معين) وهو من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس (من شخص مخصوص) وهو المسلم العاقل، غير الحائض والنفساء.

(صومُ شهر رمضان) من كل عام (أحدُ أركان الإسلام وفروضه) المشار إليها في حديث ابن عمر المتفق عليه، بقوله صلى الله عليه وسلم:"بُنِيَ الإسلامُ على خمس. . ." الحديث

(4)

.

(1)

سورة مريم، الآية:26.

(2)

ديوان النابغة الذبياني ص/ 130.

(3)

(5/ 247).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 7)، تعليق رقم (5).

ص: 193

(فُرض في السَّنة الثانية من الهجرة)

(1)

إجماعًا (فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعَ رمضانات) إجماعًا

(2)

.

(والمستحبُّ قول: شهر رمضان) كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}

(3)

.

(ولا يُكره قول: رمضان بإسقاط شهر) لظاهر حديث ابن عمر

(4)

. وذَكَر الموفق: أنه يُكره إلا مع قرينة الشهر. وذَكر الشيخ تقي الدين وجهًا: يُكره

(5)

. وفي "المنتخب": لا يجوز؛ لخبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقُولُوا جاءَ رمَضانُ؛ فإن رمضانَ اسمٌ من أسمَاءِ الله تَعَالى"

(6)

. وقد ضُعِّفَ.

(1)

أخرج ابن سعد (1/ 248) عن عائشة، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، أنهم قالوا:"نزل فرض شهر رمضان بعدما صُرفت القبلة إلى الكعبة بشهر، في شعبان، على رأس ثمانية عشر شهرًا من مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم. . ." وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (6215): متروك. وانظر: تاريخ الطبري (2/ 417)، والبداية والنهاية (5/ 52).

(2)

انظر مجموع الفتاوى (7/ 606).

(3)

سورة البقرة، الآية:185.

(4)

تقدم تخريجه (2/ 7)، تعليق رقم (5).

(5)

انظر: كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإِسلام ابن تيمية (1/ 29).

(6)

أخرجه ابن عدي (7/ 2517)، والبيهقي (4/ 201)، والديلمي في مسند الفردوس (5/ 52) حديث 7434، والجوزجاني في الأباطيل والمناكير (2/ 88، 89) حديث 474، 475، وقال: هذا حديث باطل. وضعفه النووي في المجموع (6/ 200)، وفي تهذيب الأسماء واللغات (3/ 120)، وفي الأذكار ص/ 332، وابن حجر في الفتح (4/ 113).

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 310) رقم 1648، ومن طريقه ذكره ابن =

ص: 194

وقال ابن الجوزي

(1)

: هو موضوع.

وسُمِّي رمضان؛ لحرِّ جوف الصائم فيه ورمضه، والرمضاء: شدة الحَرِّ.

وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة وافق شدة الحَرِّ.

وقيل: لأنه يَحرق الذنوب.

وقيل: موضوع لغير معنى، كبقية الشهور.

وجمعه: رمَضَانَاتٌ، وأرمِضةٌ، ورَمَاضين، وأرمُضٌ، ورَماض، ورَمَاضِي، وأرَاميض.

(ويجب صومه) أي: شهر رمضان (برؤية هلاله) لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}

(2)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لرؤيَتِهِ"

(3)

.

= كثير في تفسيره (1/ 222) عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا. ورجَّحه أبو حاتم، قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 250): قال أبي هذا [حديث أبي هريرة المرفوع] خطأ، إنما هو قول أبي هريرة رضي الله عنه. انظر تفسير ابن كثير (1/ 222).

وقال البيهقي (4/ 201): وقد قيل عن معشر، عن محمد بن كعب من قوله، وهو أشبه.

(1)

الموضوعات (2/ 545). وتعقبه السيوطي في اللآلي المصنوعة (2/ 97)، بقوله: أخرجه البيهقي في سنة، واقتصر على تضعيفه بأبي معشر.

(2)

سورة البقرة، الآيات: 183 - 185.

(3)

جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري في الصوم، باب 11، حديث 1909، ومسلم في الصيام، حديث 1081 (18).

ص: 195

والإجماع منعقد على وجوبه إذن

(1)

.

(فإن لم يُرَ) الهلال ليلة الثلاثين من شعبان (مع الصَّحوِ، كمَّلوا عِدة شعبان ثلاثين يومًا، ثم صاموا) بغير خلاف، وصلوا التراويح، كما لو رأو، قاله في "المبدع".

ويُستحبُّ ترائي الهلال احتياطًا للصوم، وحذارًا من الاختلاف. وعن عائشة قالت:"كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتحفَّظُ في شعبَانَ ما لا يتحَفَّظُ في غيرِهِ، ثم يصومُ لرؤيةِ رمضانَ" رواه الدارقطني

(2)

بإسناد صحيح.

(1)

مراتب الإجماع لابن حزم ص/ 70، والتمهيد لابن عبد البر (7/ 203)، والمغني (4/ 323)، والمجموع (6/ 201).

(2)

(2/ 56. .)، ولفظه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم رمضان لرؤيته، فإن غم عليه عدَّ ثلاثين يومًا، ثم صام".

وقال: هذا إسناد حسن صحيح.

وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصوم، باب 6، حديث 2325، وإسحاق بن راهويه (3/ 960) حديث 1675، وأحمد (6/ 149)، وابن الجارود (2/ 31) حديث 377، وابن خزيمة (3/ 203) حديث 1910، وابن حبان "الإحسان"(8/ 228) حديث 3444، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 123) حديث 1921، والحاكم (1/ 423)، والبيهقي (4/ 206)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 353)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 75) حديث 1064، وصححه الحاكم على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 214): ورجال إسناده كلهم محتج بهم في الصحيحين على الاتفاق والانفراد. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 198): إسناده صحيح. وقال في الدراية (1/ 276): وهو على شرط مسلم.

وضعَّفه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 76)، وتعقبه ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 294) بقوله: ورواته ثقات يحتج بهم في الصحيح.

ص: 196

وعن أبي هريرة مرفوعًا: "أحصُوا هلال شعبانَ لرمضان" رواه الترمذي

(1)

.

وإذا رأى الهلالَ، كبَّر ثلاثًا، وقال: "اللَّهُمَّ أهِلَّهُ علينا باليُمنِ والإيمان، والأمنِ والإيمان

(2)

، ربِّي وربُّكَ الله"

(3)

. ويقول ثلاث

(1)

في الصوم، باب 4، حديث 687. وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (2/ 162)، والحاكم (1/ 425)، والبيهقي (4/ 206) من طريق أبو معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال الترمذي: حديث أبي هريرة غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية، والصحيح ما رُوي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين، وقال أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (1/ 231): وهذا خطأ، إنما هو محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته. أخطأ أبو معاوية في هذا الحديث. وقال في (1/ 245): ليس هذا الحديث بمحفوظ. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 193 مع الفيض) ورمز لصحته. وقال المناوي: ورجاله رجال الصحيح إلا محمد بن عمرو، فإنه لم يخرجه الشيخان.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 115) حديث 8238 من طريق يحيى بن راشد، عن محمد بن عمرو، به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا يحيى بن راشد، تفرد به مروان بن محمد.

(2)

في "ذ": "والأمان".

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 109)، والترمذي في الدعوات، باب 51، حديث 3451، وأحمد (1/ 162)، وعبد بن حميد (1/ 153) حديث 103، والدارمي في الصيام، باب 3، حديث 1695، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 165) حديث 376، والبزار (3/ 161) حديث 947، وأبو يعلى (2/ 25) حديث 661 و 662، والعقيلي (2/ 136)، والطبراني في الدعاء (2/ 1223) حديث 903، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 596، حديث 641، وابن عدي (3/ 1121)، والحاكم (4/ 285)، والبيهقي في الدعوات =

ص: 197

مرات: "هلال خير ورُشد"، ويقول:"آمنتُ بالذي خلَقكَ"، ثم يقول:"الحمدُ لله الذِي ذهب بشهرِ كذا، وجاءَ بشهرِ كذا"

(1)

. قاله

= الكبير (2/ 242) حديث 467، والخطيب في تاريخه (14/ 324)، والبغوي في شرح السنة (5/ 128) حديث 1335، والضياء في المختارة (3/ 22، 23) حديث 820، 821 عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ولفظه عندهم:"اللهم أهِلَّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإِسلام، ربي وربك الله".

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الحافظ ابن حجر، كما في الفتوحات الربانية (4/ 329): هذا حديث حسن، أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما، وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وغلط في ذلك، فإن سليمان بن سفيان الراوي عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ضعَّفوه، وإنما حسَّنه الترمذي لشواهده. ا هـ. وليَّن إسناده ابن القيم في زاد المعاد (2/ 396).

وتصحيح الحاكم الذي ذكره الحافظ، ساقط من النسخة المطبوعة من المستدرك. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 136 مع الفيض) ورمز لحسنه. وتعقبه المناوي بقوله: ونوزع بأن الحديث عُدَّ من منكرات سليمان وقد ضعفه المديني وأبو حاتم والدارقطني وقال: ليِّن ليس ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ.

وقال العقيلي بعد أن أورده في ترجمة سليمان بن سفيان: ولا يتابع عليه وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث، كان هذا عندي من أصلحها إسنادًا، كلها لينة الأسانيد.

(1)

أخرجه أبو داود في الأدب، باب 11، حديث 5092، وفي المراسيل ص/ 355 حديث 527، ومعمر بن راشد في جامعه الملحق بالمصنف (11/ 207) حديث 20338، وعبد الرزاق (4/ 169) حديث 7353، وابن أبي شيبة (3/ 99، 10/ 400)، والطبراني في الدعاء (2/ 1224) حديث 905، والبيهقي في الدعوات الكبير (2/ 240) حديث 466، والبغوي في شرح السنة (5/ 128) حديث 1336، عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. قال أبو داود: ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح. قال البغوي: هذا حديث منقطع. وليَّن =

ص: 198

في "الآداب الكبرى"

(1)

. وروى الأثرمُ عن ابن عُمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلالَ قال: "الله أكبرُ

(2)

، اللهمَّ أهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمانِ، والسلامةِ والإِسلامِ، والتَّوفِيقِ لمَا تُحِبُّ وترضى، ربِّي وربُّكَ الله"

(3)

.

= إسناده ابن القيم في زاد المعاد (2/ 396).

قال ابن علان في الفتوحات الربانية (4/ 330): قال الحافظ: ورجاله ثقات؛ فإن كان المُبَلِّغُ صحابيًّا فهو صحيح، وقد سُمي مِن وجه آخر ضعيف، ثم ذكر السند عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، به.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 101) حديث 311، وفي الدعاء (2/ 1224) حديث 906، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 597، حديث 643، وابن عدي (3/ 1076) عن أنس رضي الله عنه.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 139): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أحمد بن علي اللخمي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وأخرجه الطبراني في الدعاء (2/ 1224) حديث 905، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 596، حديث 642 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 285 مع الفيض) ورمز لحسنه. وقال الحافظ ابن حجر، كما في الفتوحات الربانية (4/ 332): هذا حديث غريب.

(1)

الآداب الشرعية (3/ 444).

(2)

في "ذ" زيادة: "ثلاثا" ولا وجود لها في شيء من روايات الحديث.

(3)

الأثرم لعله رواه في سننه، ولم تطبع. ورواه - أيضًا - الدارمي في الصوم، باب 3، حديث 1694، وابن حبان "الإحسان"(3/ 171) حديث 888، والطبراني في الكبير (12/ 273) حديث 13330، وابن عساكر في تاريخه (38/ 310). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 139): رواه الطبراني وفيه عثمان بن إبراهيم الحاطبي، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. وليَّن إسناده ابن القيم في زاد المعاد (2/ 396).

وقال الحافظ ابن حجر، كما في الفتوحات الربانية (4/ 330): سنده ضعيف.

ص: 199

(وإن حال دون منظره) أي: مطلع الهلال (غَيمٌ أو قَتَرٌ أو غيرُهما) كالدُّخان. والقَتَر، والقَتَرة - محركتين - الغَبَرة (ليلة الثلاثين من شعبان، لم يجب صومُه قبل رؤية هِلاله، أو إكمال شعبان ثلاثين) يومًا (نصًّا)

(1)

.

(ولا تثبت بقية توابعه) كصلاة التراويح، ووجوب الإمساك على مَن أصبح مفطرًا (واختاره الشيخ

(2)

وأصحابه، وجَمعٌ) منهم أبو الخطاب وابن عقيل، ذكره في "الفائق"، وصاحب "التبصرة"، وصحَّحه ابن رَزين في "شرحه".

قال الشيخ تقي الدين

(3)

: هذا مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه. وقال: لا أصل للوجوب في كلام الإمام أحمد، ولا في كلام أحد من الصحابة.

وردَّ صاحب "الفروع" جميعَ ما احتجَّ به الأصحاب للوجوب، وقال: لم أجد عن أحمد صريحًا بالوجوب، ولا أمر به، فلا يتوجَّه إضافتُه إليه. انتهى. لما روى أبو هريرة مرفوعًا:"صومُوا لرؤيتِهِ وأفطِرُوا لرؤيتِهِ، فإن غُمَّ عليكم فأكمِلُوا عِدَّةَ شعبانَ ثَلاثينَ يَومًا"، متفق عليه

(4)

، ولأنه يومُ شَكِّ وهو منهيٌّ عنه، والأصل بقاءُ الشهر، فلا ينتقل عنه بالشك.

(والمذهب: يجب صومه) أي. صوم يوم الثلاثين

(1)

كتاب التمام (1/ 290)، وانظر الاختيارات الفقهية ص/ 159.

(2)

انظر كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 128).

(3)

مجموع الفتاوى (25/ 99).

(4)

تقدم تخريجه (5/ 195)، تعليق رقم (3).

ص: 200

من شعبان إن حال دون مَطلَعه غيمٌ، أو قَتَرٌ، ونحوهما (بنيَّةِ رمضان حكما ظنيًّا بوجوبه، احتياطًا لا يقينًا) اختاره الخِرقي، وأكثر شيوخ أصحابنا، ونصوص أحمد

(1)

عليه، وهو مذهب عُمر

(2)

، وابنه

(3)

، وعَمرو بن العاص

(4)

، وأبي هريرة

(5)

،

(1)

مسائل صالح (3/ 202) رقم 1654، ومسائل عبد الله (2/ 621، 664) رقم 844، 897، ومسائل أبي داود ص/ 88.

(2)

روى ابن أبي شيبة (3/ 73)، والفضل بن زياد في مسائله كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإِسلام ابن تيمية (1/ 95) عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عمر رضي الله عنه: ليتق أحدكم أن يصوم يومًا من شعبان، ويفطر يومًا من رمضان، فإن تقدم قبل الناس، فليفطر إذا أفطر الناس.

وأورد ابن الجوزي في رسالته درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم ص/ 52 عن مكحول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يصوم إذا كانت السماء في تلك الليلة متغيمة، ويقول: ليس هذا بالتقدُّم، ولكنه التحري.

ومكحول عن عمر: مرسل، كما قال أبو زرعة الرازي. انظر: المراسيل لابن أبي حاتم ص/ 213.

(3)

أخرجه أبو داود في الصيام، باب 4، حديث 2320، وابن ماجه في الصيام، باب 7، رقم 1654، والشافعي في اختلاف الحديث ص/ 546، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 274) وفي السنن المأثورة ص/ 319، رقم 342، وعبد الرزاق (4/ 161) رقم 7323، وأحمد (2/ 5، 13)، وأبو يعلى (9/ 337، 342) رقم 5448، 5452، والدارقطني (2/ 161)، وتمام في فوائده (1/ 129) رقم 299، وأبو نعيم في مستخرجه (3/ 147) رقم 2415، 2416، وابن حزم في المحلى (7/ 24)، والبيهقي (4/ 204) وابن عبد البر في التمهيد (14/ 348، 349)، وابن عساكر في تاريخه (34/ 263) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 68 - 72).

(4)

رواه الفضل بن زياد في مسائله كما في زاد المعاد (2/ 44).

(5)

أخرجه الفضل بن زياد في مسائله كما في زاد المعاد (2/ 44)، والبيهقي (4/ 211)، وابن الجوزي في درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم ص/ 55.

ص: 201

وأنس

(1)

، ومعاوية

(2)

، وعائشة

(3)

وأسماء

(4)

بنتي أبي بكر. وقاله جَمْع من التابعين

(5)

؛ لما روى ابن عمر مرفوعًا قال: "إذا رأيتموه فصُومُوا، وإذا رأيتموه فأفطِرُوا، فإن غُمَّ عليكم، فاقدُرُوا له". متفق عليه

(6)

.

ومعنى: "فاقدُرُوا له" أي: ضَيِّقوا؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}

(7)

أي: ضُيِّقَ، وهو أن يجعل شعبان تسعًا وعشرين يومًا.

ويجوز أن يكون معناه: اقدروا زمانًا يطلع في مثله الهلال، وهذا الزمان يصح وجوده فيه.

(1)

رواه الفضل بن زياد في مسائله كما في زاد المعاد (2/ 43). وجاء في مسائل صالح (3/ 202) رقم 1654 عن الإمام أحمد: وبعث الحكم بن أيوب - وكان على البصرة - إلى أنس رضي الله عنه: إني صائم، فصام أنس، وقال: هذا يكمل لي أحدًا وثلاثين.

(2)

أخرجه الفضل بن زياد في مسائله كما في زاد المعاد (2/ 44).

(3)

أخرجه سعيد بن منصور، كما في زاد المعاد (2/ 44)، وأحمد (6/ 125)، وابن الجوزي في درء اللوم والضيم ص/ 55، وصححه ابن حزم في المحلى (7/ 15)، والبيهقي (4/ 211).

(4)

أخرجه سعيد بن منصور، والفضل بن زياد في مسائله كما في زاد المعاد (2/ 44)، والبيهقي (4/ 211).

(5)

منهم: طاوس بن كيسان: أخرجه عبد الرزاق (4/ 161) رقم 7324، والقاسم بن محمد: أخرجه عبد الرزاق (4/ 161) رقم 7326، وابن أبي شيبة (3/ 72)، وأبو عثمان النهدي: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 73).

(6)

البخاري في الصوم، باب 5، 11، حديث 1900، 1906، 1907، ومسلم في الصيام، حديث 1080 (8).

(7)

سورة الطلاق، الآية:7.

ص: 202

أو يكون معناه: فاعلموا من طريق الحكم أنه تحت الغيم، كقوله

(1)

تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}

(2)

أي: عَلِمناها، مع أن بعض المحققين قالوا: الشهر أصله تسع وعشرون، يؤيده ما رواه أحمد عن إسماعيل، عن أيوب، عن نافع، قال "كانَ عبد الله بن عُمرَ إذا مَضَى من شعبانَ تسعٌ وعشرون يومًا، بعثَ من ينظرُ له، فإن رآه، فذاك، وإن لم يَرَهُ ولم يَحُل دونَ منظرِهِ سحابٌ ولا قَتَرٌ، أصبَحَ مُفطِرًا، وإن حال دون منظَرِه سحابٌ أو قَتَرٌ، أصبَحَ صَائِمًا"

(3)

. ولا شَكَّ أنه راوي الخبر، وأعلم بمعناه، فتعيَّن المصيرُ إليه؛ كما رُجِعَ إليه في تفسير خيار المتبايعين

(4)

. يؤكِّده: قول عليٍّ

(5)

وأبي هريرة

(6)

وعائشة

(7)

: "لأن أصومَ يومًا من شعبانَ أحبُّ إليَّ مِن أن أُفطِرَ يومًا مِن رمضانَ"، ولأنه يُحتاط له، ويجب بخبر الواحد.

(1)

في "ح": "لقوله".

(2)

سورة النمل، الآية:57.

(3)

مسند أحمد (2/ 5)، وتقدم تخريجه (5/ 13) تعليق رقم (3).

(4)

أخرج البخاري في البيوع، باب 42، حديث 2107، واللفظ له، ومسلم في البيوع، حديث 1531 (45) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إنَّ المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا، أو يكون البيع خيارًا" قال نافع: وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه.

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 94)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 273)، والدارقطني (2/ 170)، والبيهقي (4/ 212). قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 211): فيه انقطاع.

(6)

تقدم تخريجه (5/ 201) تعليق رقم (5).

(7)

تقدم تخريجه (5/ 202) تعليق رقم (3).

ص: 203

وأُجيب عن الأول: بأن خبر أبي هريرة يرويه محمد بن زياد

(1)

، وقد خالفه سعيدُ بن المسيب، فرواه عن أبي هريرة:"فإن غُمَّ عليكم، فَصُومُوا ثلاثينَ"

(2)

. وروايته أَولى؛ لإمامته واشتهار عدالته وثقته، وموافقته لرأي أبي هريرة. وقال الإسماعيلي

(3)

: ذِكرُ "شعبان" فيه من تفسير ابن أبي إياس، وليس هو بيوم شَكٍّ كما يأتي

(4)

.

(ويُجزئه) صوم يوم الثلاثين حينئذ (إن بَانَ منه) أي: مِن رمضان، بأن ثبتت رؤيته بمكان آخر؛ لأن صيامه وقع بنيَّة رمضان. قيل للقاضي: لا يصح إلا بنيَّة، ومع الشَّكِّ فيها لا يجزم بها؟ فقال: لا يمنع التردد فيها للحاجة، كالأسير، وصلاة من خمس.

(وتُصلَّى التراويحُ ليلته إذن، احتياطًا للسُّنَّة) قال أحمد: القيام قبل الصيام

(5)

.

(وتثبت بقية توابعه) أي: الصوم (من وجوب كفَّارة بوطء فيه ونحوه) كوجوب الإمساك على مَن لم يُبيِّتِ النية ونحوه؛ لتبعيتها للصوم (ما لم يتحقَّق أنه مِن شعبان) بأن لم يَرَ مع الصحو هِلالَ شوال

(1)

تقدم تخريجه (5/ 195)، تعليق رقم (3).

(2)

رواه مسلم في الصيام، حديث 1080 (17) وفيه:"فصوموا ثلاثين يومًا".

(3)

انظر فتح الباري (4/ 121). والإسماعيلي هو الإمام الحافظ الحجة، شيخ الإسلام، أبو بكر، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس، الجرجاني، الشافعي. صنف:"المستخرج" على صحيح البخاري، و"مسند عمر" و"معجمه" ولم يطبع من كتبه إلا المعجم، تُوفي سنة (371 هـ) رحمه الله تعالى. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 292).

(4)

(5/ 243).

(5)

مسائل الفضل بن زياد كما في الإنصاف (3/ 271)، وانظر كتاب الروايتين والوجهين (1/ 257).

ص: 204

بعد ثلاثين ليلة من الليلة التي غُمَّ فيها هِلالُ رمضان، فيتبين أنه لا كفَّارة بالوطء في ذلك اليوم.

(ولا تثبت بقيةُ الأحكام مِن حلول الآجال، ووقوع المعلَّقات)

من طلاق أو عِتق (وغيرها

(1)

) كانقضاء العِدة، ومدَّة الإيلاء؛ عملًا بالأصل، خُولف للنص، واحتياطًا لعبادة عامة.

"تتمة": قال ابن عَقيل: البعدُ مانعٌ كالغيم، فيجب على كل حنبلي يصوم مع الغيم أن يصوم مع البعد لاحتماله. انتهى.

قال ابن قُندس

(2)

: المراد بالبُعد: البُعد الذي يحول بينه وبين رؤية الهلال، كالمَطمُور والمسجون، ومَن بينه وبين المَطلَع شيء يحول كالجبل ونحوه.

(وإن نواه) أي: صوم يوم الثلاثين من شعبان (بلا مستند شرعيٍّ) من رؤية هلاله، أو إكمال شعبان، أو حيلولة غَيم، أو قَتَر ونحوه (كـ) ــأن صامه لـ (ـحساب، ونجوم) ولو كَثُرت إصابتهما (أو مع صحو، فَبَانَ منه، لم يجزئه) صومه؛ لعدم استناده لما يعوَّل عليه شرعًا (ويأتي) ذلك

(3)

.

(وكذا لو صام) يوم الثلاثين (تطوعًا، فوافق الشهر، لم يجزئه؛ لعدم التعيين.

وإن رأى الهِلال نهارًا، فهو لليلة المقبلة، قبل الزوال) كانت

(1)

في "ح": "وغيرهما".

(2)

هو تقي الدين، أبو الصدق، أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس البعلي الحنبلي، المتوفى سنة (862 هـ) رحمه الله. انظر: شذرات الذهب (7/ 300).

(3)

(5/ 242).

ص: 205

رؤيته (أو بعده، أول الشهر أو آخره، فلا يجب به صوم) إن كان في أول الشهر، (ولا يُباح به فِطر) إن كان في آخره؛ لما روى أبو وائل قال:"جاءنا كتابُ عمرَ: إن الأهلَّة بعضُهَا أكبر مِن بعض، فإذا رأيتُم الهلالَ نهارًا، فلا تفطروا، حتى تُمسُوا أو يشهَدَ رجلانِ مسلِمان أنهما رَأياه بالأمسِ عَشِيَّة". رواه الدارقطني

(1)

. ورؤيتُه نهارًا ممكنة لعارض يعرض في الجوِّ يقل به ضوء الشمس، أو يكون قويَّ النظر.

"تنبيه": قال شيخ الإسلام زكريا في "شرح البهجة"

(2)

: والمراد بما ذُكر، أي: من أنه للمستقبلة، دَفعُ ما قيل: إن رؤيته تكون لليلة الماضية. انتهى. فلا

(3)

أثر لرؤية الهلال نهارًا، وإنما يعتدُّ بالرؤية بعد الغروب.

قلت: ولعله مراد أصحابنا؛ لظاهر الخبر السابق، ولما يأتي فيمن علَّق طلاق امرأته برؤية الهلال، حيث قالوا: فَرُئي وقد غربت، فعُلم منه: أن الرؤية قبل الغروب لا تأثير لها.

(وإذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريبًا كان أو بعيدًا، لزم الناسَ

(1)

(2/ 169). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 162) رقم 7331، و (5/ 220) رقم 9431، وسعيد بن منصور (2/ 230) رقم 2599، وابن أبي شيبة (3/ 67، 69)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 968) حديث 2788، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1/ 220) رقم 197، والبيهقي (4/ 213، 248)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 42).

قال البيهقي: هذا أثر صحيح عن عمر رضي الله عنه. وصححه - أيضًا - ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 332)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 211).

(2)

الغُرر البهية في شرح البهجة الوردية (3/ 551).

(3)

في "ذ": "أي فلا".

ص: 206

كلَّهم الصومُ، وحُكمُ مَن لم يرَه حُكمُ مَن رآه) لقوله صلى الله عليه وسلم:"صُومُوا لرؤيتِهِ"

(1)

. وهو خطاب للأمة كافَّة؛ ولأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام، فكذا الصَّوم. ولو فرض الخطاب في الخبر للذين رأوه، فالغرضُ حاصل؛ لأن من صُوَر المسألة وفوائدها: ما إذا رآه جماعة ببلد، ثم سافروا إلى بلد بعيد، فلم يُرَ الهلالُ به في آخر الشهر، مع غَيم أو صحو، فلا يحلُّ لهم الفِطر، ولا لأهل ذلك البلد عند المخالف.

ومِن صُوَرها: ما إذا رآه جماعة ببلد، ثم سارت بهم ريح في سفينة فوصلوا إلى بلد بعيد في آخر الليل، لم يلزمهم الصوم في أول الشهر، ولم يحل لهم الفِطر في آخره عندهم.

وهذا كله مصادمٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لرؤيتِهِ، وأفطِرُوا لرؤيتِه"

(2)

.

وأما خبر كُريب قال: "قدمتُ الشامَ، واستهلَّ عليَّ هلالُ رمضانَ وأنا بالشَّامِ، فرأيناهُ ليلةَ الجمعةِ، ثم قدمتُ المدينةَ في آخر الشهر، فسألني ابن عبَّاس، فأخبرتُه، فقال: لكِنَّا رأيناه ليلةَ السَّبت، فلا نزالُ نصوم، حتى نكملَ ثلاثين، أو نراه، فقلتُ: ألا تكتفي برؤيةِ معاويةَ وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم". رواه مسلم

(3)

. فدلَّ على أنهم لا يفطرون بقول كُريب وحده، ونحن نقول به، وإنما الخِلاف في وجوب قضاء اليوم الأول، وليس هو في الحديث.

(1)

تقدم تخريجه (5/ 195)، تعليق رقم (3).

(2)

تقدم تخريجه (5/ 195)، تعليق رقم (3).

(3)

في الصيام، حديث 1087.

ص: 207

وأجاب القاضي عن قول المخالف: الهلال يجري مجرى طلوع الشمس وغروبها، وقد ثبت أنَّ لكل بلد حكم نفسه، كذا الهلال: بأن الشمس تتكرر مراعاتها في كل يوم تلحق به المشقة، فيؤدي إلى قضاء العبادات، والهلال في السنة مرة، فليس كبير مشقة في قضاء يوم، ودليل المسألة من العموم يقتضي التسوية.

(ولو اختلفتِ المطالع نصًّا

(1)

) وذكر الشيخ تقي الدين: أنها تختلف باختلاف

(2)

أهل المعرفة

(3)

. لكن قال أحمد: الزوال في الدنيا واحد

(4)

.

(ويُقبل فيه) أي: في هِلال رمضان (قولُ عَدْل واحد) نصَّ عليه

(5)

، وحكاه الترمذي

(6)

عن أكثر العلماء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صوَّم الناس بقول ابن عُمر، رواه أبو داود والحاكم

(7)

وقال: على شرط مسلم.

(1)

انظر مسائل أبي داود ص/ 88.

(2)

"باختلاف" كذا في الأصول، وصوابه:"باتفاق" انظر التعليق التالي.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 158، وعبارته:"تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا"، وكذا نقل عنه صاحب الفروع (3/ 13).

(4)

انظر الفروع (3/ 13).

(5)

انظر مسائل عبد الله (2/ 610) رقم 831، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 257).

(6)

في الصيام، باب 7، عقب حديث 691.

(7)

أبو داود في الصوم، باب 14، حديث 2342، والحاكم (1/ 423). وأخرجه - أيضًا - الدارمي في الصيام، باب 6، حديث 1733، وابن حبان "الإحسان"(8/ 231) حديث 3447، والطبراني في الأوسط (4/ 523) حديث 3889، والدارقطني (2/ 156)، وابن حزم في المحلى (6/ 236)، والبيهقي (4/ 212)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 78) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه. =

ص: 208

ولقَبوله خبر الأعرابي، رواه أبو داود والترمذي

(1)

من حديث ابن

= قال ابن حزم: وهذا خبر صحيح، وصحَّحه النووي في المجموع (6/ 230).

وانظر: إتحاف المهرة (9/ 385).

(1)

أبو داود في الصوم، باب 14، حديث 2340، والترمذي في الصوم، باب 7، حديث 691. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الصيام، باب 8، حديث 2111، 2112، وفي الكبرى (2/ 68) حديث 2422، 2423، وابن ماجه في الصيام، باب 6، حديث 1652، وابن أبي شيبة (3/ 68)، والدارمي في الصيام، باب 6، حديث 1734، وابن الجارود (2/ 32، 33) حديث 379، 380، وأبو يعلى (4/ 407) حديث 2529، وابن خزيمة (3/ 208) حديث 1923، 1924، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 423 - 424) حديث 482، 483، 484، وابن حبان "الإحسان" (8/ 229) حديث 3446، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1/ 229)، حديث 217، والطبراني في الكبير (11/ 295) حديث 11786 والدارقطني (2/ 158)، والحاكم (1/ 424)، والبيهقي (4/ 211)، والبغوي في شرح السنة (6/ 243) حديث 1724، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 77) حديث 1069، من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، قال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال، أذِّن في الناس أن يصوموا غدا. قال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي. وضعَّفه ابن حزم في المحلى (6/ 237).

وأخرجه أبو داود في الصوم، باب 4، حديث 2341، والنسائي في الصيام، باب 8، حديث 2113، 2114، وفي الكبرى (2/ 68) حديث 2424، 2425، وعبد الرزاق (4/ 166) حديث 7342، وابن أبي شيبة (3/ 67)، والطبري في تهذيب الآثار "مسند ابن عباس"(2/ 757) حديث 1119، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 425) حديث 485، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1/ 230) حديث 218، والدارقطني (2/ 159)، والبيهقي (4/ 212) من طريق سماك، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا. قال الترمذي: حديث ابن عباس فيه اختلاف، وروى سفيان الثوري وغيره عن سماك عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وأكثر أصحاب سماك رووه عن سماك عن =

ص: 209

عباس. ولأنه خبر ديني وهو أحوط، ولا تُهمة فيه، بخلاف آخر الشهر، ولاختلاف حال الرائي والمرئي، ولهذا لو حكم حاكم بشهادة واحد، عُمل بها وجوبًا.

و (لا) يُقبل فيه قول (مستور، ولا مميز) لعدم الثقة بقوله (في الغيم والصَّحو) متعلق بـ "يقبل" والمصر وخارجه (ولو) كان الرائي (في جمع كثير) ولم يره منهم غيرُه؛ لما سبق (وهو خبر) لا شهادة (فيُصام بقوله): رأيتُ الهلالَ، ولو لم يقل: أشهد - أو شهدت - أني رأيته.

(وتُقبل فيه المرأة والعبد) كسائر الأخبار.

(و‌

‌لا يُعتبر) لوجوب الصوم (لفظُ الشهادة، ولا يختص بحاكم،

فيلزم الصوم مَن سمعه مِن عدل. قال بعضهم: ولو رَدَّ الحاكمُ قوله. والمراد: إذا لم يَرَ الحاكم الصيام بشهادة واحد، ونحوه) كما لو ردَّه لعدم علمه بحاله، وجهله عدالته، أما لو ردَّه لفسقه المعلوم له، لم يلزم الصوم مَن سمعه يخبر برؤية الهلال؛ لأن ردَّه له إذن حُكمٌ بفسقه، فلا يقبل خبره.

(وتثبت بقيةُ الأحكام) إذا ثبتت رؤية هِلال رمضان بواحد (مِن وقوع الطلاق) والعَتَاق المعلَّقَين بدخول رمضان (وحلول الآجالِ) للديون المؤجَّلة إليه (وغيرها) كانقضاء العِدَّة، والخيار المشروط، ومدَّة الإيلاء ونحوها (تبعًا) للصوم.

(ولا يقبل في بقية الشهور) كشوَّال وغيره (إلا رَجُلان عَدلان)

= عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وقال المزي في تحفة الأشراف (5/ 137): قال النسائي: هذا أولى بالصواب.

ص: 210

بلفظ الشهادة؛ لأن ذلك مما يطَّلع عليه الرِّجَال غالبًا، وليس بمال، ولا يقصد به المال، أشبه القصاص، وإنما تُرك ذلك في رمضان؛ احتياطًا للعبادة، وإنما جاز الفِطر بخبر واحد بغروب الشمس؛ لما يقارنه من أمارات تشهد بصدقه، لتميز وقت الغروب بنفسه، وعليه أمارات تورث غلبة الظَّن، فإذا انضمَّ إليها إخبار الثقة قويَ الظنُّ، وربما أفاد العلم، بخلاف هِلال الفطر، فإنه لا أمارة عليه. و - أيضًا - وقت الفطر ملازم لوقت صلاة المغرب، فإذا ثبت دخول وقت الصلاة بإخبار الثقة، ثبت دخول وقت الإفطار تبعًا له، ذكره في القاعدة الخمسين بعد المائة

(1)

.

(وإذا صَاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا، فلم يَروا الهِلال، أفطروا) في الغيم والصحو؛ لأن شهادة العدلين يثبت بها الفطر ابتداء، فتبعًا لثبوت الصوم أَولى؛ ولأن شهادتهما بالرؤية السابقة إثبات إخبار به عن يقين ومشاهدة، فكيف يقابلها الإخبار بنفي وعدم، ولا يقين معه؛ وذلك أنَّ الرؤية يحتمل حصولها بمكان آخر، ولحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وإن شَهِدَ شَاهِدَان، فصُومُوا وأفطِرُوا". رواه النسائي

(2)

.

(1)

بل في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة ص/ 368.

(2)

في الصيام، باب 8، حديث 2115، وفي الكبرى (2/ 69) حديث 2426. وأخرجه - أيضًا - أحمد (4/ 321)، والدارقطني (2/ 167)، وابن عساكر في تاريخه (34/ 365)، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 122) ولفظه: خطب عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في اليوم الذي يشك فيه، فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وفيه: وإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا. زاد =

ص: 211

و (لا) يفطر (إن صاموا) الثلاثين يومًا (بشهادة واحد) لأنه فِطرٌ، فلا يجوز أن يُسند إلى واحد، كما لو شَهِدَ بهِلال شوَّال.

(وإن صاموا ثمانية وعشرين يومًا ثم رأوا الهلال، قضوا يومًا فقط، نصًّا) نقله حنبل

(1)

، واحتجَّ بقول علي

(2)

. ولأنه يبعد الغلط بيومين.

(وإن صاموا لأجل غَيم ونحوه) كَقَتَر ودخان (لم يفطروا) وجهًا واحدًا. قاله في "الشرح"؛ لأن الصوم إنما كان احتياطًا، فمع موافقته للأصل - وهو بقاء رمضان - أَولى.

(فلو غُمَّ هِلال شعبان ورمضان، وجب أن يُقدَّر رجب وشعبان

= الدارقطني: "وانسُكُوا". وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أخرجه أبو داود في الصوم، باب 13، حديث 2339، وعبد الرزاق (4/ 164) حديث 7335، 7337، وأحمد (4/ 314)(5/ 362)، وابن الجارود (2/ 44) حديث 396، والطبري في تهذيب الآثار (2/ 768 - مسند ابن عباس)، والدارقطني (2/ 168، 169)، والبيهقي (4/ 250)، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 122). قال الدارقطني: هذا صحيح. وقال أيضًا: هذا إسناد حسن ثابت. وانظر: علل الدارقطني (6/ 182).

وعن الحارث بن حاطب رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الصوم، باب 13، حديث 2338، والدارقطني (2/ 167)، والبيهقي (4/ 247). قال الدارقطني: هذا إسناد متصل صحيح.

(1)

مجموع الفتاوى (25/ 154)، وكتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 152).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 156) رقم 7308، وابن أبي شيبة (2/ 333)، وحنبل بن إسحاق في مسائله، كما في مجموع الفتاوى (25/ 154)، والبيهقي (4/ 251) عن الوليد قال: صمنا على عهد علي رضي الله عنه ثمانية وعشرين يومًا، فأمرنا بقضاء يوم.

ص: 212

ناقصين) احتياطًا للصوم (ولا يفطروا حتى يروا الهلال) لشوَّال (أو يصوموا اثنين وثلاثين يومًا) لأن الصوم إنما كان احتياطًا (وكذا الزيادة) أي: زيادة صوم يومين على الصوم الواجب (إن غُمَّ هِلال رمضان وشوَّال، وأكملنا شعبان ورمضان، وكانا ناقصين) فقد صِيم يومان زائدان على المفروض. وفي "المستوعب": وعلى هذا فَقِس، إذا غُمَّ هِلال رجب وشعبان ورمضان. انتهى. أي: فلا يفطروا حتى يَروا الهلال، أو يصوموا ثلاثة وثلاثين يومًا.

(قال الشيخ

(1)

:‌

‌ قد يتوالى شهران، وثلاثة، وأكثر، ثلاثين ثلاثين)

أي: كاملة، (وقد يتوالى شهران، وثلاثة، وأكثر، تسعة وعشرين يومًا. وفي "شرح مسلم" للنواوي)

(2)

عن العلماء: (لا يقع النقص متواليًا في أكثر من أربعة أشهر) فيكون معنى قول الشيخ: "وأكثر" أي: أربعة فقط. وفي "الصحيحين" من حديث أبي بكرة: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضانُ وذُو الحجَّة"

(3)

. نقل عبد الله والأثرم وغيرهما

(4)

: لا يجتمع نقصانهما في سنة واحدة، ولعل المراد: غالبًا. وقيل: لا ينقص أجر العمل فيهما بنقص عددهما. وأنكر أحمد

(5)

تأويل من أوَّله على السنة التي قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك فيها. ونقل

(1)

مجموع الفتاوى (25/ 181).

(2)

(7/ 191).

(3)

البخاري في الصوم، باب 12، حديث 1912، ومسلم في الصيام، حديث 1089، واللفظ له.

(4)

مسائل عبد الله (2/ 619) رقم 841، وكتاب التمام (1/ 253)، وسنن الترمذي في الصوم، باب 8، عقب حديث 692.

(5)

كتاب التمام (1/ 253).

ص: 213

أبو داود: لا أدري ما هذا؟ قد رأيناهما ينقصان

(1)

.

(وقال الشيخ

(2)

أيضًا: قول مَن يقول: إن رُئيَ الهِلال صبيحة ثمان وعشرين، فالشَّهر تام، وإن لم يُرَ، فهو ناقص، هذا بناء على أنَّ الاستسرار) أي: تواري الهلال (لا يكون إلا ليلتين، وليس بصحيح) لوجود خِلافه (بل قد يَستتر) الهلالُ (ليلة تارة، وثلاث ليال) تارة (أخرى).

(ومن رأى هِلال شهر رمضان وحدَه، ورُدَّت شهادته) لفسق أو غيره (لزمه الصَّوم، وجميع أحكام الشهر مِن طَلاق، وعِتق، وغيرهما، معلَّقَين به) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لرؤيَتِهِ"

(3)

. وكَعِلمِ فاسق بنجاسة ماء، أو دَين على مورثه. ولأنه يتيقَّن أنه مِن رمضان، فلزمه صومه وأحكامه، بخلاف غيره مِن الناس (ولا يفطر إلا مع الناس) لأنَّ الفِطر لا يُباح إلا بشهادة عدلين.

(وإن رأى هِلال شوَّال وحده، لم يفطر) نقله الجماعة

(4)

؛ لحديث أبي هريرة يرفعه قال: "الفِطرُ يومَ تُفطِرُونَ، والأضحَى يومَ تُضحُّونَ". رواه أبو داود وابن ماجه

(5)

. وعن عائشة قالت: قال

(1)

كتاب التمام (1/ 253).

(2)

مجموع الفتاوى (25/ 183).

(3)

تقدم تخريجه (5/ 195) تعليق (3).

(4)

مسائل عبد الله (2/ 610) رقم 831، 832، ومسائل ابن هانئ (1/ 129) رقم 629، ومسائل إسحاق بن منصور الكوسج في الصيام ص/ 23.

(5)

أبو داود في الصوم، باب 5، حديث 2324، وابن ماجه في الصيام، باب 9، حديث 1660، واللفظ له. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الصوم، باب 11، حديث 697، وعبد الرزاق (4/ 156) حديث 7304، وإسحاق بن راهويه =

ص: 214

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفِطرُ يومَ يفطرُ النَّاسُ، والأضحى يومَ يضحِّي النَّاسُ". رواه الترمذي

(1)

. وقال: حسن صحيح غريب. ولاحتمال خطئه وتُهمتِه، فوجب الاحتياط، وكما لا يُعَرِّفُ ولا يضحِّي وحده، قاله الشيخ تقي الدين

(2)

. قال: والنزاع مبنيٌّ على أصل، وهو أنَّ الهلال: هل هو اسم لما يطلع في السماء، وإن لم يشتهر ولم يظهر، أو أنه لا يُسمَّى هِلالًا إلا بالظهور والاشتهار؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد

(3)

.

(وقال ابنُ عقيل: يجب الفِطر سرًّا، وهو حسن) لأنه تيقَّنه يوم عيد، وهو منهيٌّ عن صومه.

وأُجيب: بأنه لا يثبت به اليقين في نفس الأمر؛ إذ يجوز أنه خُيِّل إليه، فينبغي أنه يُتَّهم في رؤيته؛ احتياطًا للصوم، وموافقة للجماعة.

(والمنفرد برؤيته) أي: هلال شوَّال (بمَفَازة ليس بقُربه بلد، يبني على يقين رؤيته) فيفطر (لأنه لا يتيقَّن مخالفة الجماعة، قاله المجد

= (1/ 429) حديث 496، والدارقطني (2/ 164، 224)، والبيهقي (4/ 252، 5/ 175)، والبغوي في شرح السنة (6/ 248) حديث 1726. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وجوَّد إسناده ابن مفلح في الفروع (3/ 18). وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 441 مع الفيض) ورمز لصحته. وانظر التلخيص الحبير (2/ 256).

(1)

في الصوم، باب 78، حديث 802، وفي العلل الكبير ص/ 128، حديث 219. وأخرجه - أيضًا - الشافعي في الأم (1/ 230) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 151) والدارقطني (2/ 225). والبيهقي (5/ 175)، والبغوي في شرح السنة (6/ 247) حديث 1725. وجاء عند البيهقي:"الإمام" بدل: "الناس".

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 158.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 158.

ص: 215

في "شرحه") على "الهداية".

(ويُنكر على مَن أكل في) نهار (رمضان ظاهرًا، وإن كان هناك عُذر، قاله القاضي) لئلا يُتَّهم (وقيل لابن عَقيل: يجب مَنْع مسافر ومريض وحائض مِن الفطر ظاهرًا؛ لئلا يُتَّهم؟ فقال: إن كانت أعذار خفية، مُنِعَ مِن إظهاره، كمريض لا أماره له، ومسافر لا علامة عليه) للتُّهمة، بخلاف الأعذار الظاهرة. وهذا كالتقييد لكلام القاضي.

(وإن رآه) أي: هلال شوَّال (عَدلان، ولم يشهدا عند الحاكم، جاز لمن سمع شهادتهما الفِطر، إذا عَرف عدالتهما، و) جاز (لكلِّ واحد منهما أن يفطر بقولهما، إذا عَرف عدالة الآخر) ذكره في "المغني" و"الشرح"؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن شهِدَ شاهِدانِ، فصُومُوا وأفطِرُوا". رواه النسائي

(1)

. وقدَّم في "المبدع" عدم الجواز، وأنه قياس المذهب.

(وإن شهدا عند الحاكم) برؤية هِلال شوَّال (فرَدَّ) الحاكمُ (شهادتهما؛ لجهله بحالهما، فلمَن علِمَ عدالتهما الفِطر؛ لأن ردَّه هاهنا ليس بحكم منه) بعدم قَبول شهادتهما (إنما هو توقُّف لعدم عِلمه) بحالهما (فهو كالوقوف عن الحكم انتظارًا للبيِّنةِ، ولهذا لو ثبتت عدالتهما بعد ذلك) مِمَّن

(2)

زكَّاهما (حكم بها) لوجود المقتضي، والخلاف في هذه كالتي قَبلها. وأما إذا ردَّ شهادتهما لفسقهما، فليس لهما ولا لغيرهما الفِطر بشهادتهما.

(وإن لم يعرف أحدُهما عدالة الآخر، لم يجز له الفِطر) لاحتمال

(1)

تقدم تخريجه (5/ 211) تعليق رقم (2).

(2)

في "ح": "بمن".

ص: 216

فسقه (إلا أن يحكمَ بذلك حاكم) فيزول اللبس.

وكذا لو جهل غيرُهما عدالتهما أو عدالة أحدهما، فليس له الفِطر إلا أن يحكم بذلك الحاكم.

(وإذا اشتبهت الأشهر على أسير أو مطمور، أو مَن بمَفَازة ونحوهم) كمَن بدار حرب (تحرَّى) أي: اجتهد في معرفة شهر رمضان (وجوبًا) لأنه أمكنه تأدية فَرضه بالاجتهاد، فلزمه كاستقبال القِبلة (وصام) الذي ظهر له أنه رمضان (فإن وافق) ذلك (الشَّهر) أي: شهر رمضان (أجزأه، وكذا) إن وافق (ما بعده) أي: بعد رمضان كذي القعدة، أو محرَّم، ونحوه كالصلاة (إن لم يكن) الشهر الذي صامه (رمضان السَّنَة القابلة، فإن كان، فلا يجزئ عن واحد منهما) لاعتبار نيَّةِ التعيين.

(وإن تبيَّن أن الشهر الذي صامه) يظنُّه رمضان (ناقص، ورمضان) الذي فاته (تمام، لزمه قضاء النقص) لأن القضاء يجب أن يكون بعدد المتروك، بخلاف مَن نَذَرَ شهرًا وأطلق؛ لأنه يُحمل على ما تناوله الاسم (ويأتي) ذلك (في حكم القضاء).

(ويقضي يومَ عيد، وأيامَ التشريق) يعني: لو صام ذا الحجة باجتهاده أنه رمضان، لزمه قضاء يومِ العيد، وأيام التشريق؛ لعدم صحة صومها.

(وإن وافق) صومه شهرًا (قبله) أي: قبل رمضان كشعبان (لم يجزئه) نصَّ عليه

(1)

؛ لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها، فلم يجزئه،

(1)

مسائل مهنا كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 160).

ص: 217

كالصلاة. فلو وافق بعضُه رمضان، فما وافقه أو بعده أجزأه، دون ما قبله.

(وإن تحرَّى وشَكَّ: هل وقع) الشهر الذي صامه (قبلَه) أي: قبل رمضان (أو بعده؟ أجزأه) لتأدية فرضه بالاجتهاد، ولا يضرُّ التردُّد في النيَّة لمكان الضرورة.

(ولو صام شعبان ثلاث سنين متوالية، ثم عَلِمَ) أنَّ صومه كان بشعبان في الثلاث سنين (صام ثلاثة أشهر) بنيَّة قضاء ما فاته مِن الرمضانات (شهرًا على إثر شهر) أي: شهرًا بعد شهر، يرتبها بالنيَّة. (كالصلاة إذا فاتته) نَقَلَه مُهنَّا

(1)

، أي: فإنَّ الترتيب بين الصلوات واجب، فكذا بين الرمضانات إذا فاتت.

(وإن صام) مَنِ اشتبهت عليه الأشهر (بلا اجتهاد، فَكَمَن خفيت عليه القِبلة) لا يجزئه مع القدرة على الاجتهاد.

(وإن ظَنَّ الشهر لم يدخل، فصام، لم يجزئه ولو أصاب. وكذا لو شَكَّ في دخوله) أي: دخول شهر رمضان، ولم يغلب على ظَنِّه دخوله، كما لو تردَّد في دخول وقت الصلاة.

(1)

المصدر السابق.

ص: 218

فصل

(ولا يجب الصومُ) أي: صوم رمضان (إلا على مُسلِم، عاقل، بالغ، قادر عليه) أي: الصوم، لما يأتي (فلا يجب على كافر، ولو مرتدًّا) لأنه عبادة بدنية محضة، تفتقر إلى النيَّة، فكان مِن شَرطه الإسلام كالصلاة (والرِّدَّة تمنع صحَّة الصوم، فلو ارتدَّ في يوم) وهو صائم فيه، بَطلَ صومُه؛ لقوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}

(1)

(ثم) إن (أسلم فيه، أو) أسلم (بعدَه، أو ارتدَّ في ليلته، ثم أسلم فيه، فعليه القضاء) أي: قضاء ذلك اليوم إن كان فرضًا؛ لأنه استقرَّ عليه بإدراك جزء منه مسلِمًا، كالصَّلاة يدرك جزءًا مِن وقتها.

(ولا يجب) الصوم (على مجنون) لحديث: "رُفِع القلمُ عن ثلاث"

(2)

(ولا يصح منه) لعدم إمكان النيَّة منه.

(ولا) يجب (على صغير) ولو مراهقًا؛ للحديث السابق.

(ويصحُّ) الصومُ (من مميز) كصلاته (ويجب على وَليِّه) أي: المميز (أَمرُه به إذا أطاقه، وضَربُه حينئذ عليه) أي: الصوم (إذا تركه ليعتاده) كالصلاة، إلا أن الصوم أشقُّ، فاعتُبرت له الطاقة؛ لأنه قد يطيق الصلاة مَن لا يطيق الصيام.

(وإذا قامت البينةُ بالرؤية) أي: رؤية هِلال رمضان (في أثناء النهار) متعلِّق بـ "قامت"(لزمهم) أي: أهل وجوب الصوم (الإمساكُ،

(1)

سورة الزمر، الآية:65.

(2)

تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2 و 3).

ص: 219

ولو بعد فِطرهم) لتعذُّر إمساك الجميع، فوجب أن يأتوا بما يقدرون عليه؛ لحديث:"إذا أمَرتكم بأمر، فائتُوا منه ما استطعتُم"

(1)

، وكذا

(2)

لو تعمَّدوا الأكلَ في يوم آخر منه (و) لزمهم (القضاء) لثبوته من رمضان، ولم يأتوا فيه بصوم صحيح، فلزمهم قضاؤه؛ للنصِّ.

(وإن أسلم كافرٌ، أو أفاق مجنونٌ، أو بَلَغ صغيرٌ) مفطِرًا (فكذلك) أي: مَن صار في أثناء يوم مِن رمضان أهلًا للوجوب، لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه؛ لحرمة الوقت، ولقيام البيِّنة فيه بالرؤية، ولإدراكه جزءًا مِن وقته كالصلاة (و) كذا (كلُّ مَن أفطر، والصوم يجب عليه) فإنه يلزمه الإمساك والقضاء (كالفِطر لغير عُذر).

(ومن أفطر يظنُّ أنَّ الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو) يظنُّ (الشمس قد غابت ولم تغب، أو الناسي للنية، أو طَهُرت حائضٌ أو نُفساء، أو تعمَّدت) مكلَّفة (الفِطر، ثم حاضت) أو نَفِسَت (أو تعمَّده) أي: الفِطر (مقيم ثم سافر) فكلهم يلزمهم الإمساكُ والقضاءُ؛ لما سبق.

(أو قدم مسافرٌ) أو أقام ما يمنع القصرَ (أو برئ مريض مفطرين، فعليهم القضاءُ والإمساكُ) لما سبق.

(وإن بَلَغ الصغير) ذكرًا كان أو أنثى في أثناء نهار رمضان (بِسِنٍّ) أي: تمام خمس عشرة سنة (أو احتلام) أي: إنزال مَني بسبب حُلم، (صائمًا، أتمَّ صومه) بغير خِلاف (ولا قضاء عليه، إن كان نوى مِن الليل) لأنه نواه من الليل فأجزأه كالبالغ، ولا يمتنع أن يكون أوَّله

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234)، تعليق رقم (2).

(2)

في "ح": "وكما".

ص: 220

نفلًا وباقيه فرضًا (كنذر إتمام نَفل) وعند أبي الخطاب: عليه القضاء.

(ولا يلزم مَن أفطر في صوم واجب - غير رمضان - الإمساك) لعدم حُرمة الوقت.

(وإن عَلِمَ مسافر أنه يقدم غدًا، لزمه الصوم، نصًّا) نقله أبو طالب وأبو داود

(1)

، كمَن نَذَرَ صوم يوم يقدم فلان، وعَلِم قدومه في غد، فينويه مِن الليل (بخلاف صبي يعلم أنه يبلغ غدًا) فلا يلزمه الصَّوم (لعدم تكليفه) قبل دخول الغد، بخلاف المسافر.

(ومَن عجَز عن الصوم لِكِبَر) وهو الهِمُّ والهِمَّة

(2)

(أو مرض لا يُرجى بُرؤه، أفطر) أي: له ذلك إجماعًا

(3)

(لعدم وجوبه) أي: الصوم (عليه) لأنه عاجز عنه؛ فلا يكلِّف به؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

(4)

(وأطعم عن كل يوم مسكينًا ما يجزئ في كفارة) مدًّا من بُرٍّ، أو نصف صاع مِن تمر أو زبيب أو شعير أو أَقط؛ لقول ابن عباس في قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}

(5)

: "ليست بمنسوخة في الشيخ الكبير

(6)

والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان الصوم

(1)

مسائل أبي داود ص/ 65.

(2)

"الهِمّ والهِمّة" كذا في الأصل و"ح" و"ذ"، ثم صُوبت في "ذ" إلى:"الهرم والهرمة". قال في القاموس المحيط ص/ 1512: الهِمّ والهِمّة - بكسرهما -: الشيخ الفاني.

(3)

الإجماع لابن المنذر ص/ 53، ومراتب الإجماع لابن حزم ص/ 72، والمغني (4/ 403).

(4)

سورة البقرة، الآية:286.

(5)

سورة البقرة، الآية:184.

(6)

"في الشيخ الكبير" صوابه: "هو الشيخ الكبير" كما في صحيح البخاري.

ص: 221

فيطعمان مكان كلِّ يوم مسكينا". رواه البخاري

(1)

، ومعناه عن ابن أبي ليلى عن معاذ، ولم يدركه، رواه أحمد

(2)

.

(ولا يجزئ أن يصوم عنه) أي: عن الكبير والمريض الذي لا يُرجى بُرؤه (غيرُه) رمضان ولا قضاؤه، ولا كفارة؛ لأنه عبادة بدنية محضة، وجبت بأصل الشرع، فلم تدخله النيابةُ كالصلاة.

(وإن سافر) الكبيرُ العاجز عن الصوم (أو مَرِضَ، فلا فِدية) عليه.

(1)

في التفسير، تفسير سورة البقرة، باب 25، حديث 4505.

(2)

(5/ 246 - 247) في سياق حديث طويل، وفيه:"ثم إن الله عز وجل فرض عليه الصيام، فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. . .} إلى هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال: فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينا، فأجزأ ذلك عنه، قال: ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ. . .} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} قال: فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام. . .". وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 28، حديث 507، والطبري في تفسيره (2/ 132)، والشاشي في مسنده (3/ 259 - 260) حديث 1362، 1363، والطبراني في الكبير (20/ 132) حديث 270، والحاكم (2/ 274).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقد ذكر الترمذي (5/ 290) عقب الحديث 3113، والبزار (7/ 110) عقب الحديث 2667، وابن خزيمة (1/ 200) أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل رضي الله عنه. وقال النووي في المجموع (6/ 249): وهو مرسل، فإن معاذًا لم يدركه ابن أبي ليلى. وانظر مختصر سنن أبي داود للمنذري (1/ 278). وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 309) حديث 1646، والبيهقي (4/ 200) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورجَّح هذه الطريق الحافظ في الفتح (4/ 188).

ص: 222

(لأنه أفطر بعُذر معتاد، ولا قضاء) لعجزه عنه. ويُعايَا

(1)

بها

(2)

.

(وإن) أطعم ثم (قَدرَ على القضاء، فكمعضوب) بالعين المهملة ثم الضاد المعجمة، والمراد به العاجز عن الحج، ويأتي (أَحَجَّ

(3)

عنه ثم عُوفي) ذكره المجد. وظاهره: أنه لا يجب القضاء، بل يتعيَّن الإطعام، قاله في "المبدع". ومفهومه: أنه لو عُوفي قيل الإطعام، تعيَّن القضاء، كالمعضوب إذا عُوفي قبل إحرام نائبه.

(ولا يَسقطُ الإطعامُ) عن العاجز عن الصوم لكِبَر أو مرض لا يُرجى بُرؤه (بالعجز) عنه، كفدية الحج، فمتى قَدرَ عليه، أطعم (ويأتي قريبًا)

(4)

.

(والمريض) غير المأيوس مِن بُرئه (إذا خاف) بصومه (ضررًا بزيادة مرضه، أو طوله) أي: المرض (ولو بقول مسلم ثقة، أو كان صحيحًا فَمَرِضَ في يومه، أو خاف مرضًا لأجل عطش أو غيره، سُنَّ فِطره، وكُرِه صومه وإتمامه) أي: الصوم؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(5)

أي: فَليُفطر، وليقضِ عدد ما أفطر؛ ولأن فيه قَبول الرُّخصة مع التلبس بالأخف؛

(1)

أي: يُلغز بها. والمعاياةُ: أن تأتي بكلام لا يُهتدى له. انظر القاموس المحيط ص/ 1316، مادة (عيَّ).

(2)

فيقال: مسلم مكلف أفطر عمدا في رمضان، ولم يلزمه قضاء، ولا كفارة. شيخ شيخنا عثمان [حاشية منتهى الإرادات (2/ 13)]) ش.

(3)

في "ذ": حج.

(4)

(5/ 233).

(5)

سورة البقرة، الآية:184.

ص: 223

لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما خُيِّرتُ بينَ أمرينِ إلَّا اختَرتُ أيسَرَهمَا"

(1)

. قال في "المبدع": فلو خاف تلفًا بصومه، كُرِه. وجزم جماعة بأنه يحرم، ولم يذكروا خِلافًا في الإجزاء.

(فإن صام) المريضُ مع ما سبق (أجزأه) صومُه، نقله الجماعة؛ لصدوره مِن أهله في محله، كما لو أتم المسافر.

(ولا يفطر مريضٌ لا يتضرَّرُ بالصوم، كمَن به جَرَبٌ أو وَجَعُ ضِرس أو أصبع، أو دُمَّلٌ

(2)

ونحوه) قيل لأحمد: متى يُفطرُ المريض؟ قال: إذا لم يستطع. قيل: مثل الحُمَّى؟ قال: وأيُّ مرض أشدُّ مِن الحُمَّى

(3)

؟! (وقال) أبو بكر (الآجري: مَن صنعته شاقةٌ، فإن خاف) بالصوم (تَلَفًا، أفطر وقضى) إن ضرَّه تَرك الصنعة (فإن لم يضرُّه تَرْكها، أَثِمَ) بالفِطر ويتركها (وإلا) أي: وإن لم ينتفِ التضرُّر بتركها (فلا) إثم عليه بالفِطر للعُذر.

(ومَن قاتل عدوًّا، أو أحاط العدو ببلده، والصومُ يضعِفُه) عن القتال (ساغ له الفِطر بدون سفر، نصًّا)

(4)

لدعاء الحاجة إليه.

(1)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرج البخاري في المناقب، باب 23، حديث 3560، وفي الأدب، باب 80، حديث 6126، وفي الحدود، باب 10، حديث 6786، ومسلم في الفضائل، حديث 2327، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، أحدهما أيسر من الآخر، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما. . .".

(2)

الدُّمَّل: الخُرّاج، والجمع: دماميل. القاموس المحيط ص/ 100، مادة (دمل).

(3)

مسائل صالح (3/ 14) رقم 1226، 1227.

(4)

كتاب السير للخلال كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 254).

ص: 224

(ومَن به شَبَقٌ

(1)

يخاف أن ينشقَّ ذَكَرُه) أو أنثياه أو مثانته (جامع وقضى، ولا يكفِّر، نصًّا

(2)

) نقله إسماعيل بن سعيد الشالنجي. قال أحمد: يجامع ولا يكفِّر، ويقضي يومًا مكانه، وذلك أنه إذا أخذ الرجل هذا ولم يجامع خِيف عليه أن ينشقَّ فَرْجه.

(وإن اندفعت شهوته بغيره) أي: غير الجماع (كالاستمناء بيده، أو يد زوجته أو) يد (جاريته، ونحوه) كالمفاخذة (لم يجز) له الوطء، كالصائل يندفع بالأسهل، لا ينتقل إلى غيره.

(وكذا إن أمكنه أن لا يُفسد صومَ زوجته) أو أَمَته (المسلمة البالغة؛ بأن يطأ زوجتَه أو أَمَتَه الكتابيتين، أو) يطأ (زوجته أو) أَمَته الصغيرتين) أو المجنونتين (أو) اندفعت شهوتُه بالوطء (دون الفَرْج) فلا يُباح له إفساد صومها

(3)

؛ لعدم الضرورة إليه.

قلت: ولعل قياس ذلك إذا أمكنه وطء مَن لزمها الإمساك، كمَن طَهُرت ونحوها في أثناء النهار؛ لأن الإمساك دون الصوم الشرعي خصوصًا فيما فيه خِلاف في وجوبه.

(وإلا) أي: وإن لم يمكنه عدم إفساد صوم الزوجة أو الأَمَة المسلمة البالغة (جاز) له إفساد صومها (للضَّرورة) كأكل الميتة للمضطر (ومع الضرورة إلى وطء حائض وصائمة بالغ) بأن لم يكن له

(1)

الشَّبَق: اشتداد الشهوة للجماع. انظر القاموس المحيط ص/ 896، مادة (شبق).

(2)

طبقات الحنابلة (1/ 104).

(3)

في "ح": "صومهما".

ص: 225

غيرهما (فوطء الصائمة أَولَى) مِن وطء الحائض؛ لأن تحريم وطء الحائض بنصِّ القرآن.

(وإن لم تكن) الزوجة أو الأَمَة الصائمة (بالغًا، وجب اجتناب الحائض) للاستغناء عنه بلا محذور، فيطأ الصغيرة وكذا المجنونة.

(وإن تعذَّر قضاؤه) أي: ذي الشَّبَقِ (لدوام شَبَقِه، فكَكَبير عَجَز عن الصوم، على ما تقدم) فيطعم لكل يوم مسكينًا، ولا قضاء إلا مع عُذر معتاد كمرض أو سفر، فلا إطعام ولا قضاء، كما تقدَّم في الكبير، ولعل حكم زوجته أو أَمَته التي ليس له غيرها كذلك.

(وحكم المريض الذي ينتفع بالجِماع) في مرضه (حكم مَن خاف تشقُّقَ فَرجِه) في جواز الوطء مع الكفَّارة

(1)

وإفساد صوم زوجته، وأَمَته وعدمه.

(و‌

‌المسافرُ سَفَرَ قَصر

يُسنُّ‌

‌ له الفِطر، إذا فارق بيوت قريته)

العامرة (كما تقدَّم

(2)

في القَصر) موضحًا؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(3)

.

(ويُكره صومه، ولو لم يجد مشقَّة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ مِن البِرِّ الصَّومُ في السَّفَرِ" متفق عليه من حديث جابر

(4)

، ورواه النسائي

(1)

في "ح": "مع عدم الكفارة"، وهو الصواب.

(2)

(3/ 268 - 269).

(3)

سورة البقرة، الآية:184.

(4)

البخاري في الصوم، باب 36، حديث 1946، ومسلم في الصيام، حديث 1115.

ص: 226

وزاد: "عليكُم برخصَةِ الله التي رخَّص لكم فاقبَلُوهَا"

(1)

، وصَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما أفطر في السَّفر وبلغه أن قومًا صاموا قال:"أُولئِكَ العُصَاةُ"

(2)

.

قال المجد: وعندي لا يُكره لمن قَوِيَ، واختاره الآجري.

(ويجزئه) أي: يجزئ المسافر الصوم برمضان، نقله الجماعة

(3)

. ونقل حنبل

(4)

: لا يُعجبني، واحتجَّ بقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس من البِرِّ الصَّوم في السَّفَرِ". وعُمر

(5)

(1)

النسائي في الصيام، باب 47، حديث 2257، وفي الكبرى (2/ 99، 100) حديث 2565 - 2567. وأخرجه - أيضًا - الفريابي في الصيام ص/ 72 حديث 75، والطبري في تهذيب الآثار "مسند ابن عباس" (1/ 153، 154) حديث 245، 246، والطحاوي (2/ 62)، وابن حبان "الإحسان" (1/ 70) حديث 355، وابن عبد البر في الاستذكار (10/ 79)، وهذه الزيادة أوردها - أيضًا - مسلم في الصيام، عقب الحديث 1115، فقال. قال شعبة: وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث: "عليكم برخصة الله الذي رخص لكم" قال: فلما سألته لم يحفظه. قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 579) بعد أن ذكر حديث النسائي: هذا إسناد صحيح متصل. وانظر فتح الباري (4/ 185)، والتلخيص الحبير (2/ 204 - 205).

(2)

أخرجه مسلم في الصيام، حديث 1114، عن جابر رضي الله عنه.

(3)

انظر مسائل عبد الله (2/ 640) رقم 865، ومسائل أبي داود ص/ 94، ومسائل ابن هانئ (1/ 129، 135) رقم 626 و 666.

(4)

لم نقف على نقل حنبل، ونقله - أيضًا - عبد الله في مسائله (2/ 639) رقم 865، وأبو داود في مسائله ص/ 135 رقم 651، وابن هانئ في مسائله (1/ 129، 131، 135) رقم 626، 641، 666.

(5)

أخرج عبد الرزاق (2/ 567) رقم 4483، وابن أبي شيبة (3/ 18)، والفريابي في الصيام ص/ 105، رقم 139، والطبري في تفسيره (2/ 151)، والطحاوي =

ص: 227

وأبو هريرة

(1)

يأمرانه بالإعادة. وقاله الظاهرية

(2)

، ويُروى عن عبد الرحمن بن عوف

(3)

وابن عُمر

(4)

وابن عبَّاس

(5)

. قال في "الفروع"

= (2/ 63) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر رجلًا صام شهر رمضان في السفر أن يقضيه.

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (3/ 18)، والفريابي في الصيام ص/ 106، رقم 141، والطبري في تفسيره (2/ 151)، والطحاوي (2/ 63) عن المُحرر بن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صمت رمضان في السفر، فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلى.

(2)

انظر المحلى (6/ 243).

(3)

أخرجه النسائي في الصيام، باب 53، رقم 2283، 2285، وفي الكبرى (2/ 106) رقم 2593 - 2595، وابن أبي شيبة (3/ 14)، والفريابي في الصيام ص/ 105، رقم 140، والطبرى في تفسيره (2/ 152)، والضياء في المختارة (3/ 110) رقم 911 عنه رضي الله عنه قال: الصائم في السَّفر كالمفطر في الحضر.

قال ابن حزم في المحلى (6/ 257): هذا إسناد صحيح، وقد صح سماع أبي سلمة من أبيه. وحسن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 75)، وأعله بالانقطاع البيهقي في سننه (4/ 244)، والحافظ في الفتح (4/ 184).

وصحَّح وَقْفه أبو زرعة كما في علل ابن أبي حاتم (1/ 239)، والدارقطني في العلل (4/ 283)، وابن القيم في تهذيب السنن (3/ 285).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 14) بلفظ: "الإفطارُ في السفر صدقة تصدَّق الله بها على عباده". وروى البيهقي (4/ 245) عنه أنه قال: "لأن أُفطر في رمضان في السفر أحبُّ إليَّ من أن أصوم".

(5)

أخرج ابن أبي شيبة (3/ 18) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئل عن رجل صام رمضان في سفر فقال: "لا يجزئه". وفي إسناده عمران القطان، وهو صدوق يهم، كما في التقريب (5189)، وقد خُولف في روايته، فروى مسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، رقم 1113 (89)، عن عبد الكريم، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"لا تَعِب على مَن صَام، ولا على مَن أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر".

ص: 228

و"المبدع": والسُّنَّة الصحيحة تردُّ هذا القول

(1)

.

(لكن لو سافر ليفطر، حَرُمَا) أي: السَّفر والفِطر (عليه) حيث لا عِلَّة لسفره إلا الفِطر، أما حُرمة الفِطر، فلعدم العُذر المبيح له، وأما حُرمة السَّفر؛ فلأنه وسيلة إلى الفِطر المحرَّم.

(ولا يجوز لمريض ومسافر أُبيح لهما الفِطر أن يصوما في رمضان عن غيره) مِن قضاء ونذر وغيرهما (كمقيم صحيح) لأن الفِطر أُبيح تخفيفًا ورُخصة، فإذا لم يؤدِّه، لزمه الإتيان بالأصل، كالجمعة وكالمقيم الصحيح؛ ولأنه لو قبل صومًا من المعذور، لقبله من غيره، كسائر الزمان المتضيق للعبادة (فيلغو صومه) إذا صام في رمضان عن غيره، ولا يقع عن رمضان؛ لعدم تعيين النية له.

(ولو قلب صومَ رمضان إلى نَفْلٍ، لم يصحَّ له النفلُ) لما تقدَّم، (وبَطَلَ فرضه) لقطع نيَّته.

(ومَن نوى الصومَ في سفر، فله الفِطر بما شاء مِن جِماع وغيره) كأكل وشرب (لأن مَن) أُبيح (له الأكل) أُبيح (له الجِماع) كَمَن لم ينوِ (ولا كفَّارة) عليه بالوطء (لحصول الفِطر بالنية قبل الفعل) أي:

(1)

منها حديث عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أأصومُ في السَّفر؟ - وكان كثير الصيام - فقال: إن شئتَ، فَصُم، وإن شئتَ، فأفطِر". أخرجه البخاري في الصوم، باب 33، حديث 1943، ومسلم في الصيام حديث 1121.

ومنها حديث أنس رضي الله عنه قال: "كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يَعِب الصائم على المفطِر، ولا المفطِرُ على الصائم" أخرجه البخاري في الصوم، باب 37 حديث 1947، ومسلم في الصيام، حديث 1118، وغير ذلك من الأحاديث، انظر جامع الأصول (6/ 397 - 402).

ص: 229

الجماع، فيقع الجماع بعدَه (وكذا مريض يُباح له الفِطر) إذا نوى الصومَ، له الفِطر بما شاء مِن جماع وغيره؛ لما تقدم.

(وإن نوى الحاضرُ صومَ يوم، ثم سافر في أثنائه) سفرًا يبلغ المسافة (طوعًا أو كرهًا، فله الفِطر بعد خروجه) ومفارقته بيوت قريته العامرة؛ لظاهر الآية والأخبار الصريحة. منها: ما روى عُبيد بن جبير

(1)

قال: "ركبتُ مع أبي بَصرةَ الغِفَاري من الفُسطاطِ في شهرِ رمضانَ، ثم قَرَّبَ غَداءهُ، فقال: اقترب. قلت: ألستَ تَرى البيوت؟ قال: أترغَبُ عن سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأكَلَ" رواه أبو داود

(2)

. ولأن

(1)

كذا في الأصول: "جبير"، والصواب:"جَبر" كما في سنن أبي داود، وتهذيب الكمال (19/ 191).

(2)

في الصوم، باب 45، حديث 2412، من طريق كليب بن ذُهل الحضرمي عن عبيد بن جبر قال: كنت مع أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط. . . فذكر الحديث. ورواه - أيضًا - أحمد (6/ 7، 398)، والدارمي في الصوم، باب 17، حديث 1720، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص/ 313، وابن خزيمة (3/ 266) حديث 2040، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 249)، والطبراني في الكبير (2/ 280) حديث 2169 - 2170، وابن حزم في المحلى (6/ 245)، والبيهقي (4/ 246)، وابن ماكولا في تهذيب مستمر الأوهام ص/ 155، والمزي في تهذيب الكمال (19/ 192). قال ابن خزيمة: لست أعرف كليب بن ذهل ولا عبيد بن جبر، ولا أقبل حديث من لا أعرفه بعدالة. وصححه ابن حزم في المحلى.

وفي الباب عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الصوم، باب 76، حديث 799، 800، والدارقطني (2/ 187)، والبيهقي (4/ 247)، والضياء في المختارة (7/ 171) حديث 2602، عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان، وهو يريد سفرًا وقد رُحِلت له راحلته، ولبس ثيابَ السفر، فدعا بطعام فأكل. فقلت له: سُنَّة؟ قال: سُنَّة، ثم ركب. =

ص: 230

السَّفر مُبيحٌ للفِطر، فأباحه في أثناء النهار كالمرض الطارئ، ولو بفعله. والصلاة لا يشقُّ إتمامها، وهي آكد؛ لأنه متى وجب إتمامها لم تُقصر بحال.

و (لا) يجوز له الفِطر (قبله) أي: قبل خروجه؛ لأنه مقيم (والأفضل له) أي: لمن سافر في أثناء يوم نوى صومه (الصومُ) أي: إتمام صوم ذلك اليوم، خروجًا مِن خِلاف مَن لم يُبح له الفِطر، وهو قول أكثر العلماء

(1)

، تغليبًا لحكم الحضر، كالصلاة.

(والحامل والمرضِع إذا خافتا الضَّرر على أنفسهما) أُبيح لهما الفِطر، كالمريض (أو) خافتا الضَّرر على (ولديهما، أُبيح لهما الفِطر) لأن خوفهما خوف على آدمي، أشبه خوفهما على أنفسهما (وكُره صومهما) كالمريض.

(ويجزئ) صومهما (إن فعلتا) أي: صامتا كالمريض والمسافر.

(وإن أفطرتا، قضتا) ما أفطرتاه كالمريض (ولا إطعام) على أحد (إنْ خافتا على أنفسهما، كمريض) يضرُّه الصومُ؛ فإنه يقضي مِن غير إطعام (بل إن خافتا على ولديهما) فقط (أطعمتا مع القضاء) لأنه كالتكملة له (عن كلِّ يوم مسكينًا ما يجزئ في الكفَّارة) لقوله تعالى:

= قال الترمذي: هذا حديث حسن وصحَّحه ابن القطان، كما في إتحاف المهرة (2/ 288)، وابن العربي في عارضة الأحوذي (4/ 15).

(1)

انظر: المبسوط (3/ 68)، وحاشية ابن عابدين (2/ 431)، ومواهب الجليل (2/ 444)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 534)، والبيان للعمراني (3/ 471)، والمجموع للنووي (6/ 305)، وروضة الطالبين (2/ 369)، و"الإنصاف" مع "الشرح الكبير"(7/ 379).

ص: 231

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}

(1)

، قال ابن عباس:"كانت رخصة للشيخِ الكبيرِ والمرأةِ الكبيرة وهما يُطيقَانِ الصيامَ أن يفطِرَا ويطعمَا مكانَ كلِّ يوم مسكينًا، والحُبلى والمرضِع إذا خافَتا عَلى أولادِهِمَا أفطَرتا وأطعمتَا" رواه أبو داود

(2)

. ورُوي ذلك عن ابن عُمر

(3)

، ولا مخالف لهما في الصحابة؛ ولأنه فِطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخِلقة، فوجب به الكفَّارة، كالشيخ الهَرِم.

(1)

سورة البقرة، الآية:184.

(2)

في الصوم، باب 3، حديث 2318، وقوله:"على أولادِهما أفطرتَا وأطعمتا" ليس من كلام ابن عباس رضي الله عنهما، بل هو تفسير من الإمام أبي داود كما جاء مصرحًا بذلك في سننه. وأخرجه ابن الجارود (2/ 33) رقم 381، والطبري في تفسيره (2/ 135)، والبيهقي (4/ 230) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم رُخص لهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكينًا، ثم نسخ ذلك بعد ذلك {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، وللحُبلى والمرضع إذا خافتا.

وأخرج أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص/ 65، رقم 110، ومسدد في مسنده، كما في المطالب العالية (1/ 407) رقم 1069، والطبري في تفسيره (2/ 136) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا، ولا يقضيان صومًا. قال الحافظ في إتحاف المهرة: إسناده حسن، وقد أخرجه أبو داود من هذا الوجه، دون قوله: ولا قضاء عليهما.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 308)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 278) وعبد الرزاق (4/ 218) حديث 7561، والطبري في تفسيره (2/ 136)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 307)، والدارقطني (2/ 207)، والبيهقي (4/ 230). وأورده ابن حزم في المحلى (6/ 263).

ص: 232

(وهو) أي: الإطعام (على مَن يَمون

(1)

الولدَ) لأن الإرفاق للولد. ويجب الإطعام (على الفَور) لأنه مقتضى الأمر، وكسائر الكفَّارات، وذكر المجدُ أنه إن أتى به مع القضاء، جاز؛ لأنه كالتكملة له. وهذا مقتضى كلام المصنف أولا.

(وأن قَبِلَ ولدُ المرضعة ثدي غيرها، وقدرت تستأجر له، أو له) من المال (ما يُستأجر منه، فَعَلت) أي: استأجرت له (ولم تفطر) لعدم الحاجة إليه.

(وله صَرْفُ الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة) لظاهر الآية.

(وحُكمُ الظِّئرِ) أي: المرضعة لولد غيرها (كمرضع) لولدها (فيما تقدَّم) مِن الفِطر وعدمه، والفِدية وعدمها.

(فإن لم تفطر) الظِّئرُ (فتغيَّر لبنها) بالصوم (أو نقص، خُيِّر المستأجر) بين فَسْخِ الإجارة وإمضائها (وإن قصدت) الظِّئرُ (الإضرار) للرضيع بصومها (أثِمت، وكان للحاكمِ إِلزامُها بالفِطر بطلب المستأجر) ذكره ابن الزاغوني. وقال أبو الخطاب: إن تأذَّى الصبي بنقصه أو تغييره، لزمها الفِطر، فإن أبَت فلأهله الفسخُ. ويؤخذ مِن هذا: أنه يلزم الحاكم إلزامها بما يلزمها، وإن لم تقصد الضَّرر، بلا طلب قبل الفسخ، وهذا مُتجِهٌ، قاله في "الفروع"، وجزم بمعناه في "المنتهى".

(ولا يسقط الإطعام بالعجز) كالدَّين (وكذا) الإطعام (عن الكبير،

(1)

أي: مَن يقوم بكفايته وينفق عليه. انظر: القاموس المحيط ص/ 1236، مادة (مون).

ص: 233

و) المريض (المأيوس) منه، وتقدم

(1)

.

(و‌

‌لا) يسقط (إطعام مَن أخَّر قضاء رمضانَ) حتى أدركه رمضانُ آخر

(و) لا إطعام (غيره) مما وجب بنذر أو كفَّارة بالعجز (غير كفَّارة الجِماع) في الحيض، وتقدم في بابه

(2)

، وغير كفَّارة الجماع في نهار رمضان (ويأتي) في الباب بعده

(3)

.

(ولو وجد آدميًّا معصومًا في هلكة، كغريق، لزمه مع القدرة إنقاذُه) من الهلكة (وإن دخل الماء في حَلْقِهِ، لم بفطر) كمَن طار إلى حَلْقِهِ ذبابٌ أو غُبار بلا قصد (وإن حصل له) أي: للمُنقِذ (بسبب إنقاذه ضَعفٌ في نفسه، فأفطر، فلا فِدية) على المُنقِذ، ولا على المُنقَذ (كالمريض) وإنِ احتاج في إنقاذه إلى الفِطر، وجب؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

(ومَن نوى الصومَ ليلًا، ثم جُنَّ أو أُغميَ عليه جميع النَّهار، لم يصحَّ صومه) لأنه عبارة عن الإمساك مع النيَّة، ولم يوجد الإمساك المضاف إليه كما دلَّ عليه قوله في الحديث القُدسي:"إنهُ ترَكَ طعامَهُ وشَرابَه مِن أجلي"

(4)

. فلم تُعتبر النيةُ منفردة عنه.

(وإن أفاق) المجنون أو المُغمى عليه (جزءًا منه) أي: من اليوم الذي بيَّت النية له (صَحَّ) صومه؛ لقصد الإمساك في جزء من النهار،

(1)

(5/ 223).

(2)

(1/ 477).

(3)

(5/ 278).

(4)

أخرجه البخاري في الصيام، باب 2، حديث 1894، وفي التوحيد، باب 35، حديث 7492، ومسلم في الصيام، حديث 1151 (164) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 234

كما لو نام بقية يومه. وظاهره: أنه لا يتعيَّن جزء للإدراك، ولا يُفسِدُ الإغماءُ

(1)

بعض اليوم الصومَ، وكذا الجنون.

وقيل: يُفسِد الصومَ كالحيض، وأَولى؛ لعدم تكليفه.

وأجيب: بأنه زوال عَقل في بعض اليوم، فلم يمنع صحته كالإغماء، ويُفارق الحيضَ، فإنه لا يمنع الوجوب، وإنما يمنع صحَّته، ويحرم فِعله. ذكره في "المبدع".

(ومَن جُنَّ في صومِ قضاءٍ وكفَّارةٍ، ونحوهما) كنذر (قضاه) إذا أفاق (بالوجوب السابق) كقضاء الصلاة، لا بأمر جديد.

(وإن نام) مَن نوى الصومَ (جميعَ النهار، صَحَّ صومه) لأنه معتاد، ولا يزيل الإحساس بالكلية.

(ولا يلزم المجنون قضاء زمن جنونه) سواء كان الشَّهرَ كلَّه أو بعضه؛ لعدم تكليفه.

(ويلزم) القضاء (المُغمى عليه) لأنه مَرَضٌ، وهو مُغَطٍّ على العقل، غيرُ رافع للتكليف، ولا تطول مدته، ولا تثبت الولاية على صاحبه، ويدخل على الأنبياء عليهم السلام.

(1)

في "ح": "بالإغماء".

ص: 235

فصل

(ولا يصحُّ صومٌ) إلا بنيَّة. ذكره الشارح إجماعًا

(1)

، كالصلاة والحجَّ؛ لحديث:"إنما الأعمال بالنيات"

(2)

. ولا صوم (واجب إلا بنيَّة مِن الليل) لما روى ابنُ عُمر عن حفصة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لم يُجمِع

(3)

الصيامَ قبلَ الفجرِ، فلا صيامَ له" رواه الخمسة

(4)

.

(1)

انظر الإجماع لابن المنذر ص/ 52.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(3)

"أي يعزم عليه". ش.

(4)

أبو داود في الصوم باب 71، حديث 2454، والترمذي في الصوم، باب 33، حديث 730، والنسائي في الصيام، باب 68، حديث 2330 - 2333، وفي الكبرى (3/ 169 - 171) حديث 2652 - 2655، وابن ماجه في الصيام، باب 26، حديث 1700، وأحمد (6/ 287). ورواه - أيضًا - البخاري في التاريخ الصغير (1/ 134)، والترمذي في العلل ص/ 117، حديث 202، وابن أبي شيبة (3/ 31 - 32)، والدارمي في الصوم، باب 10، حديث 1740، والمروزي في السنة ص/ 37، حديث 117، 118، وابن خزيمة (3/ 212)، حديث 1933، والطحاوي (2/ 54)، والطبراني في الكبير (3/ 196، 209)، حديث 337، 367، وفي الأوسط (10/ 38، 39)، حديث 9090، والدارقطني (2/ 172)، وابن عدي (3/ 1010 و 6/ 2077)، وابن حزم في المحلى (6/ 162)، والبيهقي (4/ 202، 213)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 228) حديث 8541 - 8543، وفي السنن الصغير (2/ 85) حديث 1292، وفي فضائل الأوقات ص/ 286، حديث 134، والخطيب في تاريخه (3/ 92)، والبغوي في شرح السنة (6/ 268) حديث 1744، كلهم عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن حفصة رضي الله عنها مرفوعًا.

ورُوي عنها موقوفًا: رواه البخاري في التاريخ الصغير (1/ 133 - 134). =

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والنسائي في الصيام باب 68، رقم 2334 - 2339، وفي الكبرى (3/ 171 - 172) رقم 2656 - 2662، ومالك في الموطأ (1/ 288)، وعبد الرزاق (4/ 275) رقم 7786، 7787، وابن أبي شيبة (3/ 32)، والطحاوي (2/ 55)، والدارقطني (2/ 173)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (1/ 252).

واختلفت أقوال الأئمة في ترجيح الرفع، أو الوقف:

فممن رجح الرفع:

الدارقطني، قال: رفعه عبد الله بن أبي بكر، وهو من الثقات الرفعاء.

والخطابي، قال في معالم السنن (2/ 332 - 333): وقد زعم بعضهم أن هذا الحديث غير مُسند؛ لأن سفيان ومعمرًا قد وقفاه على حفصة، قلت: وهذا لا يضر؛ لأن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قد أسنده، وزيادات الثقات مقبولة. وابن حزم، قال: وهذا إسناد صحيح، ولا يضر إسنادَ ابن جريج له أن أوقفه معمر، ومالك، وعبيد الله، ويونس، وابن عيينة، فابن جريج لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة، والحفظ. . . إلخ.

والبيهقي، قال: وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده، ورفعه، وهو من الثقات الأثبات.

والبغوي، قال: وعبد الله بن أبي بكر ثقة، وقد رفعه، والزيادات من الثقات مقبولة.

وعبد الحق، قال في الأحكام الوسطى (2/ 214): والذيِ أسنده ثقة.

وابن القطان، قال في بيان الوهم والإيهام (5/ 440): ولا بُعدَ أن يحدث الراوي بوقفه تارة، ورفعه أخرى.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 222 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وممن رجح الوقف:

النسائي، قال في الكبرى (3/ 172) عقب رقم 2661: والصواب عندنا موقوف، ولم يصح رفعه.

وأبو حاتم، قال - كما في العلل لابنه (1/ 225): وقد روي عن حفصة قولها وهو عندي أشبه. =

ص: 237

قال الترمذيُّ والخطابيُّ

(1)

: رَفَعَهُ عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة، وهو مِن الثقات، ووافقه على رَفْعِهِ ابنُ جريج عن الزهري، رواه النسائيُّ

(2)

. ولم يُثبت أحمدُ رَفْعَه

(3)

، وصحَّحَ الترمذيُّ أنه موقوف

= واكتفى الحافظ ابن حجر بنقل الخلاف، قال في الدراية (1/ 275): وإسناده صحيح إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه. وقال في الفتح (4/ 142): حكى الترمذي عن البخاري ترجيح وقفه، وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة، فصححوا الحديث المذكور منهم: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن حزم، وروى له الدارقطني طريقا آخر، وقال: رجالها ثقات.

ورُوي موقوفًا - أيضًا - على ابن عمر رضي الله عنهما، رواه البخاري في التاريخ الصغير (1/ 134)، والنسائي في الصيام، باب 68، رقم 2341، 2342، وفي الكبرى (3/ 172، 173) رقم 2663، 2664، ومالك في الموطأ (1/ 288)، والشافعي في الأم (2/ 81)، والطحاوي (3/ 55)، والبيهقي (4/ 202).

قال البخاري: غير المرفوع أصح. وقال - أيضًا - فيما نقله عنه الترمذي في العلل ص/ 118، عن المرفوع: هذا خطأ، وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوف.

قال أبو داود فيما نقله عنه ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 188): لا يصح رفعه.

وقال الترمذي: وقد روي عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله، وهو أصح. وقال الطحاوي: فهذا أصل هذا الحديث.

وقال الدارقطني في العلل (5/ الورقة 163): ورفعه غير ثابت.

(1)

كلام الخطابي مر ذكره آنفًا، وكلام الترمذي لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة. ولعل الصواب "الدارقطني". انظر: سنن الدارقطني (2/ 172).

(2)

في الصيام، باب 68، حديث 233، وفي الكبرى (2/ 137) حديث 2333، وانظر ما سبق.

(3)

انظر مسائل صالح (2/ 164) رقم 732، ومسائل عبد الله (2/ 648) رقم 878.

ص: 238

على ابن عُمر

(1)

.

وعن عائشة مرفوعًا: "من لم يُبيِّت الصيامَ قبلَ طلوع الفجر، فلا صيامَ لهُ". رواه الدارقطني

(2)

وقال: إسناده كلهم ثقات. وفي لفظ للزُّهري: "من لم يُبَيِّت الصيامَ من الليل، فلا صيامَ لهُ"

(3)

.

(1)

الترمذي في الصوم، باب 33، حديث 730.

(2)

(2/ 171 - 172). وأخرجه - أيضًا - ابن حبان في المجروحين (2/ 46)، والبيهقي (4/ 203). عن عبد الله بن عباد، عن المفضل بن فضالة، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

قال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن عباد عن المُفَضَّل بهذا الإسناد وكلهم ثقات.

قلنا: عبد الله بن عباد اتهمه ابن حبان في المجروجين بالوضع، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 450): ضعيف.

وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 280): غريب، لا يثبت مرفوعًا.

وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 434) بعد أن نقل كلام الدارقطني السابق: وأقره البيهقي في سننه وفي خلافياته، وفي ذلك نظر، فإن عبد الله بن عباد غير مشهور، ويحيى بن أيوب ليس بالقوي. انظر: فيض القدير (6/ 222).

وفي الباب عن ميمونة بنت سعد رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن أجمع الصومَ مِن الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم" أخرجه الدارقطني (2/ 173)، ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 66) حديث 1054، وقال: الواقدي ضعيف.

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 189): فيه الواقدي.

(3)

لم نقف على هذا اللفظ من رواية الزهري عن عائشة رضي الله عنها، وإنما هو أحد ألفاظ حديث حفصة رضي الله عنها، برواية الزهري، وقد تقدم آنفا.

وعن الزهري، عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما موقوفًا: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر، رواه النسائي في الصيام، باب 68 رقم 2340، وفي الكبرى (2/ 118) رقم 2650، ومالك في الموطأ (1/ 288)، والطحاوي (2/ 55)، والبيهقي (4/ 202).

ص: 239

لا يُقال في صيام عاشوراء: قد وَرَدَ بنيَّة مِن النهار، وقد كان واجبا؛ لأن وجوبه كان نهارًا كمن صام تطوعًا، ثم نذره، على أن جماعة ذكروا أنه ليس بواجب؛ ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة.

وفي أي وقت من الليل نوى، أجزأه؛ لإطلاق الخبر.

(لكلِّ يوم) مِن رمضان (نيَّةٌ مفردة

؛ لأنها) أي: أيام رمضان (عبادات) فكلُّ يوم عبادة مفردة، فيحتاج إلى نيَّة

(1)

.

(و) الدليل على أنَّ كلَّ يوم عبادة مفردة أنه (لا يَفسدُ) صومُ (يوم بفساد) صوم يوم (آخر، وكالقضاء) أي: قضاء رمضان، وعنه

(2)

: يجزئ في أَول رمضان نيَّة واحدة لكلِّه.

(ولو نَوت حائضٌ) أو نُفَساء (صومَ غَدٍ، وقد عرفت أنها تطهر ليلًا، صَحَّ) لمشقَّة المقارنة.

(ولو نسي النيَّة، أو أُغمي عليه) من الغروب (حتى طلع الفجر) لم يصحَّ صومه؛ لعدم النيَّة.

(أو نوى نهارًا صومَ الغد، لم يصحَّ) صومه؛ لأنه لم يبيِّت النية، كما لو نوى من الليل صومَ بعد غد.

(ولو نوى) الصومَ (مِن الليل، ثم أتى بعد النيَّة فيه) أي: الليل (بما يبطل الصوم) كالأكل، والجِماع (لم تبطل) النيَّة. نصَّ عليه

(3)

؛

(1)

"وهو مذهب الإمام مالك رضي الله عنه". ش.

(2)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 253).

(3)

الفروع (3/ 39)، وانظر مسائل الكوسج ص/ 43.

ص: 240

لظاهر الخبر، خِلافًا لابن حامد، ولأن الله أباح الأكل إلى آخر الليل، فلو بطلت به، فَاتَ محلُّها.

(ومَن خَطَر بباله أنه صائم غدًا، فقد نوى) لأن‌

‌ النيَّة محلُّها القلب.

(و‌

‌الأكلُ والشُّرب بنيَّة الصوم نيَّةٌ)

قاله في "الروضة"، ومعناه لغيره. قال الشيخ تقي الدين

(1)

: هو حين يتعَشَّى، يتَعشَّى عشاء مَن يريد الصوم، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي رمضان.

(ويجب تعيين النيَّة، بأن يعتقد أنه يصوم) غدًا (مِن رمضان، أو مِن قضائه، أو) مِن (نذره، أو كفَّارته) نصَّ عليه

(2)

؛ لحديث: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئ مَا نَوى"

(3)

. ولأن التعيين مقصود في نفسه.

(ولا يجب معه) أي: التعيين (نية الفريضة) - وفي نسخة: الفرضية - (في فرضه، ولا الوجوب في واجبه) لأن التعيين يجزئ عن ذلك.

(فلو نوى: إن كان غدًا مِن رمضان فهو) أي: الصوم (عنه؛ وإلا فعن واجب غيره، وعيَّنه بنيَّته) كأنه ينويه عن نَذر أو كفَّارة (لم يجزئه عن واحد منهما) لعدم جزمه بالنيَّة لأحدهما.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 158.

(2)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 648) رقم 878، ومسائل ابن هانئ (1/ 128) رقم 620، ومسائل الكوسج ص/ 53.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

ص: 241

(وإن قال:) إن كان غدًا مِن رمضان فهو فرضي (وإلا فهو نَفْل، أو فأنا مفطر، لم يصحَّ) صومُه إن ظهر منه؛ لعدم جزمه بالنية.

(وإن قاله) أي: إن كان غدًا مِن رمضان ففرضي، وإلا فأنا مفطر (ليلة الثلاثين من رمضان، صحَّ) صومُه إن بانَ منه؛ لأنه بَنَى على أصل لم يثبت زواله، ولا يقدح تردُّده؛ لأنه حكم صومه مع الجزم. بخلاف ما إذا قال

(1)

ليلة الثلاثين من شعبان؛ لأنه لا أصل معه يبني عليه، بل الأصل بقاء شعبان.

(ومَن قال: أنا صائم غدًا إن شاء الله، فإن قَصَدَ بالمشيئة الشَّكَّ والتردُّد في العزم والقصد، فسدت نيَّتُه) لعدم الجزم بها (وإلا) أي: وإن لم يقصد بالمشيئة الشَّكَّ والتردُّد في الصوم وعدمه، بل نوى التبرك، أو لم ينوِ شيئًا (لم تفسد) نيَّته (إذ قصده أنَّ فِعله للصوم بمشيئة الله، وتوفيقه وتيسيره، كما لا يفسد الإيمان بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله، غير متردِّد في الحال) قال القاضي: (وكذا) نقول: (سائر العبادات) لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها. انتهى. وفي "نهاية المبتدئين" لابن حمدان: يحرم قوله: أنا مسلم إن شاء الله.

(وإن لم يردِّد نيَّته، بل نوى ليلة الثلاثين مِن شعبان أنه صائم غدًا مِن رمضان، بلا مستند شرعي) مِن رؤية الهلال، أو غيم ونحوه (أو بمستند غير شرعي، كحساب ونحوه) كتنجيم، ولو كثرت إصابته (لم يجزئه) صومه (وإن بانَ منه) أي: مِن رمضان؛ لأن النية قصد يتبع العلم، وما لا يعلمه ولا دليل على وجودِه، لا يصح قصده.

(1)

في "ح" و"ذ": "قاله".

ص: 242

(ولا أثر لشكٍّ مع غَيْم وقَتَر) ونحوهما. فإذا نوى صوم يوم الثلاثين لذلك، أجزأه إن بَانَ منه؛ لما تقدم

(1)

.

(ولو نوى خارج رمضان قضاء ونَفْلًا، أو نوى الإفطار مِن القضاء، ثم نوى نَفْلًا، أو قَلَب نيَّة القضاء إلى النفل، بطل القضاء) لتردُّده في نيَّته، أو قطعها (ولم يصحَّ النفل؛ لعدم صحَّة نَفْلِ مَن عليه قضاء رمضان قبل القضاء) وفي "الفروع" و"التنقيح" و"المنتهى": يصحُّ نفلًا. وقد ذكرت كلام المصنف في "حاشية التنقيح" في ذلك في "الحاشية"

(2)

، وما يمكن أن يُجاب به عنه.

(وإن نوى) خارج رمضان (قضاء وكفَّارة ظِهار ونحوه) ككفَّارة قتل، (لم يصحَّا) أي: لا الصوم الواجب؛ لعدم جزمه بالنية له، ولا النفل (لما تقدم) مِن عَدَمِ صحهَ نَفلِ مَن عليه قضاء رمضان قبل القضاء.

(ومَن نوى الإفطار أفطر) لأنه قَطَع نيَّة الصوم بنيَّة الإفطار، فكأنه لم يأتِ بها ابتداء (فصار كمَن لم ينوِ) الصومَ (لا كمَن أكل) ونحوه.

(فلو كان) نوى الإفطارَ (في نَفْل، ثم عاد نواه) نفلًا (صحَّ) نصَّ عليه

(3)

.

(1)

(5/ 204).

(2)

"قال في الحاشية: وقد يجاب كما علل به المصنف بأن التابع يفتقر فيه عملا، ولا يفتقر في الاستقلال، ألا ترى أن هذه النافلة لا تصلح في وقت النهي، ولو قلب الفرض إليها فبه صح" اهـ. ش.

(3)

انظر كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 195 - 196).

ص: 243

(وكذا لو كان مِن نَذْرٍ أو كفَّارة فقطع نيَّته، ثم نوى نَفْلًا) بخلاف ما إذا كان مِن قضاء رمضان على طريقته.

(ولو قلَب نيَّة نَذْر) أو كفَّارة (إلي النفل، فكمَن انتقل مِن فَرْض صلاة إلى نَفْلها) فيصحُّ، ويُكره لغير غرض صحيح.

(ولو تردَّد في الفِطر، أو نوى أنه سيفطر ساعة أخرى، أو إن وجدتُ طعامًا أكلتُ، وإلا أتممتُ، ونحوه، بطل) صومه؛ لتردُّده في النيَّة (كصلاة) أي: كما تبطل الصلاة بتردُّده في فسخ نيتها؛ إذِ استصحاب حكم النية شرط في صحة الصلاة والصوم والوضوء، ونحوها.

(ويصحُّ صوم نَفْل بنيَّة مِن النهار قبل الزوال وبعده) نصَّ عليه

(1)

؛ لحديث عائشة قالت: "دخلَ عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم فقال: هل عندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذَن صائمٌ". رواه مسلم

(2)

. ويدلُّ عليه حديث عاشوراء

(3)

، ولأن الصلاة خُفِّف نَفْلها عن فرضها، فكذا الصوم، ولما فيه من تكثيره؛ لكونه يَعِنُّ

(4)

له؛ فعُفي عنه، ويدلُّ

(1)

مسائل الميموني وأبي طالب كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 191).

(2)

في الصيام، حديث 1154 (170).

(3)

أخرج البخاري في الصوم، باب 47، حديث 1960، ومسلم في الصيام، حديث 1136، عن الرُّبيِّع بنت مُعوِّذ رضي الله عنها قالت:"أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، مَن أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم".

(4)

عَنَّ الشيء: ظهر أمامك واعترض. انظر: القاموس المحيط ص/ 1216، مادة (عنن).

ص: 244

لصحته بنيَّة

(1)

بعد الزوال: أنه قول معاذ

(2)

وابن مسعود

(3)

وحذيفة

(4)

، ولم يُنقل عن أحد مِن الصحابة ما يخالفه صريحًا؛ ولأن النيَّة وُجِدت في جزء مِن النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة، وبه يبطل التعليل بالأكثر؛ لأن الأكثر قد خلا عن النيَّة في الأصل، فإنَّ ما بين طلوع الفجر والزوال يزيد على ما بين الزوال والغروب، بما بين طلوع الفجر والشمس.

وأيضًا: جميع الليل وقتٌ لنيَّة الفرض، فكذا النهار، وشرطه

(5)

: أن لا يكون فَعَل ما يفطِّره قبل النيَّة، فإن فَعَلَ، فلا

(1)

في "ذ": "بنيته".

(2)

أخرج ابن أبي شيبة (3/ 31) من طريق العلاء بن الحارث عن معاذ رضي الله عنه أنه كان يأتي أهله بعد الزوال فيقول: عندكم غداء؟ فيعتذرون إليه فيقول: إني صائم بقية يومي، فيقال له: تصوم آخر النهار؟ فيقول: من لم يصم آخره لم يصم أوله. وأخرج أيضًا (3/ 31) من طريق الأشعث قال: كان معاذ يأتي أهله بعد ما يضحي، فيسألهم فيقول: عندكم شيء؟ فإذا قالوا: لا، صام ذلك اليوم. وأخرج عبد الرزاق (4/ 273) رقم 7777 من طريق قتادة عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه كان يأتي أهله فيقول: هل من غداء؟ فإن قالوا: لا، صام يومه ذلك، قال قتادة: وكان معاذ بن جبل يفعل ذلك.

(3)

أخرج ابن أبي شيبة (3/ 28)، والطحاوي (2/ 56)، والبيهقي (4/ 204، 277) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أحدكم بالخيار ما لم يأكل أو يشرب.

(4)

أخرج البخاري تعليقًا في الصوم، باب 21، قبل حديث 1924، ووصله عبد الرزاق (4/ 274) رقم 7780، وابن أبي شيبة (3/ 29) والبيهقي (4/ 204) وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 147) عن حذيفة رضي الله عنه: أنه بدا له في الصوم بعد ما زالت الشمس، فصام.

(5)

في "ح": "وشرط".

ص: 245

يجزئه الصوم بغير خِلاف نعلمه. قاله في "الشرح"، لكن خالف فيه أبو زيد الشافعي

(1)

(2)

.

(و‌

‌يُحكم بالصَّوم الشرعي المثابِ عليه مِن وقت النيَّة)

لأن ما قبله لم يوجد منه قصد القُربة، فلا يقع عبادة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وإنما لكلِّ امرئ ما نوى"

(3)

(فيصحُّ تطوُّع حائض) أو نُفساء (طَهُرت) في يوم بصوم بقيته (و) تطوع (كافر أسلم في يوم، ولم يأكلا) أي: الحائض، والكافر. ولو قال "كالمنتهى": لم يأتيا فيه بمُفسِد، لكان أشمل (بصوم بقية اليوم) متعلّق بـ (تطوع). وفي "الفروع": يتوجَّه: يحتمل أن لا يصحَّ؛ لأنه لا يصحَّ منهما صومٌ.

(1)

هو أبو زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي، شيخ الشافعية، وراوي صحيح البخاري عن الفِربري، قال عنه الذهبي: له وجوه تستغرب في المذهب. توفي سنة 371 هـ رحمه الله تعالى، انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي ص/ 115، وسير أعلام النبلاء (16/ 313 - 315).

(2)

المجموع (6/ 249) وذكر الخلاف أيضًا عن أبي العباس بن سريج ومحمد بن جرير الطبري.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

ص: 246

‌باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

(ما يُفسدُ الصومَ) وهو كلُّ ما ينافيه من أكل وشُرب، ونحوهما (و) ما (يوجب الكفَّارة) كالوطء في نهار رمضان (وما يتعلّق بذلك).

(مَن أكلَ ولو ترابًا، أو ما لا يُغذِّي) - بالغين والذال المعجمتين - (ولا يماع في الجوف كالحصى، أو شرب) فَسَدَ صومه؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

(1)

فأباحهما إلى غاية، وهي تبيُّن الفجر، ثم أمر بالإمساك عنهما إلى الليل؛ لأنَّ حُكم ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وقوله صلى الله عليه وسلم:"كلُّ عَمَل ابن آدَمَ لهُ إلا الصومَ، فإنه لِي وأنا أجزِي به، إنه تَرَكَ طَعامَهُ وشَرابَهُ من أجلي". متفق عليه

(2)

. ولا فَرْقَ بين القليل والكثير.

(أوِ استَعَطَ) في أنفه (بدُهن أو غيره، فوصل إلى حَلْقه، أو دماغه) وفي "الكافي": أو خياشيمه، فسد صومه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم الصَّائمَ عن المبالغة في الاستنشاق

(3)

. ولأنَّ الدماغَ جوفٌ، والواصل إليه يُغذِّيه، فيُفطر، كجوف البدن.

(أو احتقن) في دُبُره، فَسَد صومه؛ لأنه يصل إلى الجوف؛ ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل؛ ولأنه أبلغ وأَولى مِن الاستعاط.

(1)

سورة البقرة، الآية:187.

(2)

البخاري في الصوم، باب 4، حديث 1904، وفي اللباس باب 78، حديث 5927، ومسلم في الصيام، حديث 1151 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

تقدم تخريجه (1/ 214) تعليق رقم (2).

ص: 247

(أو داوى الجائفة

(1)

أو جرحًا، بما يَصِلُ إلى جَوفه) لأنه أوصلَ إلى جَوفه شيئًا باختياره، أشبه ما لو أكل.

(أو اكتحل بكُحل، أو صَبِر

(2)

، أو قَطُور

(3)

، أو ذَرُور

(4)

، أو إثمد، ولو غير مطيب يتحقَّق معه وصوله إلى حَلْقِه) نصَّ عليه

(5)

؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ بالإثمدِ المروَّح عندَ النوم، وقال:"لِيتَّقِه الصَّائمُ". رواه أبو داود والبخاري في "تاريخه"

(6)

، من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد

(7)

بن هَوذة، عن أبيه، عن جده. قال ابن معين

(8)

:

(1)

الجائفة: طعنة تبلغ الجَوف. انظر: القاموس المحيط ص/ 798 مادة (جوف).

(2)

الصَّبِر: عُصارة شجر مُرٍّ. انظر: القاموس المحيط ص/ 422، مادة (صبر).

(3)

القطور: ما يُقطر في الأنف أو الأذن أو الإحليل، من دُهن وماء وكل سيَّال. كتاب التنوير في الإصطلاحات الطبية للحسن بن نوح القمري. ص/ 48.

(4)

الذَّرُور: ما يُذرُّ في العين. انظر: القاموس المحيط ص/ 396 مادة (ذرر).

(5)

انظر مسائل عبد الله (2/ 644) رقم 873 - 874، ومسائل أبي داود ص/ 89 - 90.

(6)

أبو داود في الصوم، باب 31، حديث 2377، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 398). وأخرجه - أيضًا - أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 328)، وأحمد (3/ 476، 499)، والدارمي في الصوم، باب 28، حديث 1774، والحارث بن أبي أسامة، كما في بغية الباحث ص/ 114، حديث 324، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 474 - 477) حديث 749 - 751، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 94، 206)، والطبراني في الكبير (20/ 341) حديث 802، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2526) رقم 6116، والبيهقي (4/ 262)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 90) حديث 1095، والرافعي في التدوين (2/ 296)، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 459). وحكم عليه أحمد بالنكارة كما في مسائل أبي داود ص/ 298، وضعَّفه ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 316).

(7)

كذا في الأصول "سعيد"، وصوابه:"معبد". كما في المصادر المذكورة قريبًا.

(8)

نقل قوله أبو داود في سننه (2/ 776) عقب الحديث 2377.

ص: 248

حديث منكر، وعبد الرحمن ضعيف. وقال أبو حاتم

(1)

: صدوق، ووثَّقه ابن حبان

(2)

. ولأن العين مَنفَذٌ، لكنه غير معتاد، وكالواصل مِن الأنف.

(وإلا) أي: وإن لم يتحقَّق وصوله إلى حَلْقه، (فلا) فِطر؛ لعدم تحقُّق ما ينافي الصوم.

(أو استقاء) أي: استدعى القيء (فقاء طعامًا، أو مُرارًا، أو بلغمًا، أو دمًا، أو غيره، ولو قَلَّ) لحديث أبي هريرة المرفوع: "مَن ذَرَعَهُ القيءُ، فليس عليه قضاءٌ، ومَن استَقاءَ عمدًا، فليقضِ" رواه الخمسة

(3)

. وقال الترمذي: حسن

(1)

انظر الجرح والتعديل (5/ 294).

(2)

الثقات (7/ 81).

(3)

أبو داود في الصوم، باب 32، حديث 2380، والترمذي في الصوم، باب 25، حديث 720، والنسائي في الكبرى (2/ 215) حديث 3130، وابن ماجه في الصيام، باب 16، حديث 1676، وأحمد (2/ 498)، وهذا لفظ الترمذي.

وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (1/ 91 - 92)، والترمذي في العلل الكبير ص/ 115، حديث 198، وسعيد بن منصور، كما في تغليق التعليق (3/ 176) وإسحاق بن راهويه، كما في نصب الراية (2/ 449)، وابن أبي شيبة (3/ 38)، والدارمي في الصوم، باب 25، حديث 1736، والحربي في غريب الحديث (1/ 276)، وأبو يعلى (11/ 482) حديث 6604، وابن خزيمة (3/ 226) حديث 1960، 1961، وابن الجارود، حديث 385، والطحاوي (2/ 97)، وفي شرح مشكل الآثار (4/ 382) حديث 1680، وابن حبان "الإحسان"(8/ 285) حديث 3518، وابن عدي (4/ 1641)، والإسماعيلي في المعجم (1/ 321) حديث 8، والدارقطني (2/ 184، 185)، والحاكم (1/ 426، 456) والشاموخي في جزئه ص/ 49، حديث 32، وابن حزم في المحلى (6/ 175)، وابن عبد البر في الاستذكار (10/ 181)، والبيهقي (4/ 219)، =

ص: 249

غريب. ورواه الدارقطني

(1)

، وقال: إسناده كلهم ثقات.

(أو أدخل إلى جَوفه، أو مجوَّف في جسده، كدماغه، وحَلْقه، وباطن فُرْجها - وتقدَّم في) باب (الاستطابة

(2)

: إذا أدخلت أصبعها - ونحو ذلك) أي: نحو الدِّماغ، والحَلق، وباطن فَرْجها كالدُّبُرِ (مما ينفذ إلى معدته شيئًا مِن أيِّ موضع كان، ولو خيطًا ابتلعه كله، أو) ابتلع (بعضه، أو رأس سكين، مِن فِعلِه أو فِعل غيره بإذنه) فغاب في جَوفه، فَسَدَ صومُه، ويُعتبر العلم بالواصل. وجزم في "منتهى الغاية": بأنه يكفي الظن. واختار الشيخ تقي الدين

(3)

: لا يفطر

= والبغوي في شرح السنة (6/ 295) حديث 1755، وابن عساكر في تاريخه (54/ 15)، والمزي في تهذيب الكمال (7/ 142)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 176)، واختلف في تصحيحه وتضعيفه، فقال الدارقطني: رواته ثقات كلهم. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. ووثق رجاله عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 221)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 128 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وقال البخاري في التاريخ الكبير (1/ 91، 92): لا يصح. ونقل عنه الترمذي في العلل الكبير: ما أراه محفوظًا.

وقال أبو داود: نخاف ألا يكون محفوظًا. وقال أيضًا: سمعت أحمد يقول: ليس من ذا شيء. وقال الترمذي: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده. وقال الدارمي: قال عيسى بن يونس: زَعَم أهل البصرة أن هشامًا أوهم فيه. وقال البيهقي: تفرَّد به هشام بن حسان القُردُوسي، وقد أخرج أبو داود في السنن، وبعض الحفاظ لا يراه محفوظًا. وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 304) حديث 47، والشافعي في الأم (2/ 100) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 256) موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما.

(1)

(2/ 184).

(2)

(1/ 134).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 160.

ص: 250

بمداواة جَائفة ومَأمومة

(1)

ولا بحُقنة.

(أو داوى المأمومة) فوصل إلى دِماغه (أو قَطَر في أذنه ما يَصِلُ إلى دِماغه) لأن الدِّماغ أحد الجَوفين، فالواصل إليه يُغذِّيه، فأفسدَ الصَّومَ كالآخر.

(أوِ استَمنى) أي: استدعى المنيَّ (فأمنى، أو أمذى) لأنه إذا فسد بالقُبلة المقترنة بالإنزال، فَلأَن يفسد به بطريق أَولى، فإن لم ينزل فقد أتى محرَّمًا، ولم يفسد صومُه، وإن أنزل لغير شهوة، فلا، كالبول.

(أو قَبَّل، أو لَمَسَ، أو باشر دون الفَرْج، فأمنى، أو أمذى) لما روى أبو داود عن عمر أنه قال: "هَشِشْتُ فقبَّلتُ وأنا صَائمٌ، فقلتُ: يا رسولَ الله، إني فعلتُ أمرًا عظيمًا

(2)

، قَبَّلتُ وأنا صَائمٌ، قال: أرأيتَ لو تمَضمَضتَ من إناء وأنت صَائمٌ؟ قلت: لا بأس به، قال: فمَه"

(3)

، فشبَّه القُبلة بالمضمضة مِن حيث أنها مِن مقدِّمات الفِطر؛

(1)

الجائفة: تقدم تعريفها (5/ 247). والمأمومة: هي الشجة التي تصلُ إلى أُمِّ الدماغ، وهي أشدُّ الشجاج. المصباح المنير ص/ 31.

(2)

لفظ أبي داود: "صنعت اليوم أمرًا عظيمًا".

(3)

أبو داود في الصوم، باب 33، حديث 2385. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 198) حديث 3048، وابن أبي شيبة (3/ 60)، وأحمد (1/ 21، 52)، وعبد بن حميد (1/ 61) حديث 21، والدارمي في الصوم، باب 21، حديث 1731، والبزار (1/ 352) حديث 236، وابن خزيمة (3/ 245) حديث 1999، والطحاوي (2/ 89)، وابن حبان "الإحسان" (8/ 313) حديث 3544، والحاكم (1/ 431)، وابن حزم في المحلى (6/ 209)، والبيهقي (4/ 218، 261)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 113)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 88)، حديث 1089، والضياء في المختارة (1/ 195، 196) حديث 99، 100، والمزي في تهذيب الكمال (18/ 317، 318). قال النسائي: هذا حديث منكر. =

ص: 251

فإن القُبلة إذا كان معها نزول أفطر، وإلا، فلا، ذكره في "المغني" و"الشرح"، وفيه نظر؛ لأن غايته أنها قد تكون وسيلة وذريعة إلى الجِماع.

وعُلِمَ منه: أن لا فِطر بدون الإنزال؛ لقول عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائمٌ، وكان أملَكَكم لإربه". رواه البخاري

(1)

. ورُوي بتحريك الراء وسكونها، ومعناه: حاجة النفس ووطَرُها، وقيل: بالتسكين: العضو، وبالتحريك: الحاجة.

(أو كرَّر النظر، فأمنى) لأنه إنزالٌ بفعل يلتذُّ به، ويمكن التحرُّز منه، أشبه الإنزال باللمس. و (لا) يفطر (إن أمذى) بتكرار النظر؛ لأنه لا نصَّ فيه، والقياسُ على إنزال المنيِّ لا يصح؛ لمخالفته إيَّاه في الأحكام (أو لم يكرِّر النظر، فأمنى) أي: لا فِطر لعدم إمكان التحرُّز مِن النظرة الأولى، وعُلِمَ منه: أنه لو كرَّر النظر فلم ينزل، فلا فِطر. قال في "الشرح" و"المبدع": بغير خلاف.

(أو حَجَمَ، أو احتَجَمَ) في القفا أو في السَّاق، نصَّ عليه

(2)

(وظهر دَمٌ) نصَّ عليه

(3)

؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

= وبُكير مأمون، وعبد الملك بن سعيد رواه عنه غير واحد، ولا ندري ممن هذا. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 310): وقد ضعَّف الإمام أحمد هذا الحديث؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينهى عن القُبلة للصائم.

وقال ابن المديني كما في مسند الفاروق (1/ 217): إسناده حسن.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(1)

في الصوم، باب 23، 24، حديث 1927، 1928. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الصيام، حديث 1106.

(2)

انظر مسائل عبد الله (2/ 622) رقم 846، ومسائل أبي داود ص/ 9، ومسائل ابن هانئ (1/ 132) رقم 648.

(3)

قال في الفروع (3/ 48): وظاهر كلام أحمد والأصحاب رحمهم الله: لا فِطرَ =

ص: 252

"أفطَرَ الحاجِمُ والمحجومُ". رواه أحمد والترمذيُّ من حديث رافع بن خَديج

(1)

. ورواه أحمد - أيضًا - من حديث ثَوبان

(2)

،

= إن لم يظهر دمٌ.

(1)

أحمد (3/ 465)، والترمذي في الصوم، باب 60، حديث 774، وفي العلل الكبير ص/ 121، حديث 208. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 210) حديث 7523، وابن خزيمة (3/ 227) حديث 1964، وابن حبان "الإحسان" (8/ 306) حديث 3535، والطبراني في الكبير (4/ 242) حديث 4257، والحاكم (1/ 428)، والبيهقي (4/ 265).

قال الترمذي: حسن صحيح، ونقل عن أحمد أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج.

وروى الحاكم عن علي بن المديني أنه قال: لا أعلم في الحاجم والمحجوم حديثًا أصح من هذا. وصحَّحه ابن حزم في المحلى (6/ 204) وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 318).

وقال البخاري كما في علل الترمذي: هو غير محفوظ.

ونقل الحافظ في الفتح (4/ 177) عن يحيى بن معين أنه قال: حديث رافع أضعفها.

ونقل الترمذي عن إسحاق بن منصور أنه قال: هو غلط.

وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 249): هو عندي باطل.

(2)

أحمد (5/ 276)، وأبو داود في الصوم، باب 38، حديث 2367، 2370، 2371. ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 216، 221) حديث 3133 - 3137، 3157، 3160، وابن ماجه في الصيام، باب 18، حديث 1680، والطيالسي ص/ 133، حديث 989، وعبد الرزاق (4/ 210) حديث 7525، وابن أبي شيبة (3/ 50)، والدارمي في الصوم، باب 26، حديث 1772، وابن خزيمة (3/ 226) حديث 1963، وابن الجارود (2/ 36) حديث 386، والطحاوي (2/ 98)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 119)، وابن حبان "الإحسان" (8/ 301) حديث 3532، والطبراني في الكبير (2/ 91، 94، 101) حديث 1406، 1417، 1447، وفي الأوسط (2/ 400) حديث 1691، وفي مسند الشاميين (1/ 131، 217، 383) حديث 208، 387، 666، (2/ 48، 150، 371) حديث 1084، 1519 (4/ 91، 100، 334، 346)، حديث 2818، 2845، 3478، =

ص: 253

وشَداد بن أَوس

(1)

، وعائشة

(2)

، وأسامة بن

= 3479، 3517، 3518، والإسماعيلي في المعجم (1/ 474) حديث 126، والحاكم (1/ 427)، والبيهقي (4/ 265)، والخطيب في تاريخه (5/ 113)، وابن عساكر في تاريخه (33/ 274)، (35/ 105)، (54/ 412) وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (2/ 500) حديث 478.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال الحاكم - أيضًا -: قال أحمد: وهو أصح ما روي في هذا الباب.

وصححه ابن حزم في المحلى (6/ 204).

(1)

أحمد (4/ 123، 124). ورواه - أيضًا - أبو داود في الصيام، باب 28، حديث 2369، والنسائي في الكبرى (2/ 217 - 221) حديث 3138 - 3155، وابن ماجه في الصيام، باب 17، حديث 1681، والطيالسي ص/ 152، حديث 1118، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 255) وفي اختلاف الحديث ص/ 529، وعبد الرزاق (4/ 209) حديث 7521، وابن أبي شيبة (3/ 49)، والدارمي في الصيام، باب 26، حديث 1771، والبزار (8/ 395 - 399) حديث 3469 - 3474، والطحاوي (2/ 99)، وابن حبان "الإحسان"(8/ 302 - 304) حديث 3533، 3534، الطبراني في الكبير (7/ 276 - 278، 285 - 287، 295، 297) حديث 7124 - 7132، 7147 - 7154، 7184، 7188، والحاكم (1/ 428)، وابن عدي (5/ 1761)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ص/ 336، حديث 405 - 407، والبيهقي (4/ 265). قال البخاري كما في علل الترمذي (1/ 362): ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس، وثوبان. ونقل الحاكم عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هذا إسناد صحيح تقوم به الحجة. وصحَّحه ابن حزم في المحلى (6/ 204). وقال النووي في المجموع (6/ 403): إسناده صحيح. وانظر: تنقيح التحقيق (2/ 319).

(2)

أخرجه أحمد (6/ 157، 258). ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 228) حديث 3190 - 3192، وابن أبي شيبة (3/ 51)، وأبو يعلى (10/ 328) حديث 5849، والطحاوي (2/ 98، 99)، والطبراني في الأوسط =

ص: 254

زيد

(1)

، وأبي هريرة

(2)

، ومَعقِل بن سنان

(3)

. وهو لأبي داود من حديث ثوبان، ولابن ماجه من حديث شداد، وأبي هريرة. وهذا يزيد

= (6/ 11) حديث 5016، وابن عدي (1/ 230)، وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (2/ 38)، والخطيب في تاريخه (12/ 85)، والرافعي في التدوين (3/ 408)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 105). وضعَّفه ابن عدي بقوله: ليس بمحفوظ.

(1)

أخرجه أحمد (5/ 210). ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 223) حديث 3165، والضياء في المختارة (4/ 95) حديث 1308، 1309، والبيهقي (4/ 265)، والخطيب في تاريخه (9/ 378). وضعَّفه ابن عبد البر في الاستذكار (10/ 123). وانظر علل ابن المديني ص/ 60، وعلل الدارقطني (3/ 192).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 364). ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 225 - 226) حديث 3174 - 3182، وابن ماجه في الصيام، باب 18، حديث 1679، والشافعي في السنن المأثورة ص/ 222، حديث 351، وابن أبي شيبة (3/ 50)، وأبو يعلى (10/ 228) حديث 5849، (11/ 113، 247) حديث 6239، 6365، والطحاوي (2/ 99)، والعقيلي (2/ 62، 139، 342) والطبراني في الأوسط (2/ 400) حديث 1692، وابن عدي (3/ 1149)(4/ 1559، 1580)، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ص 336 حديث 408، والبيهقي (4/ 266)، والخطيب في تاريخه (12/ 208) وفي الموضح (2/ 392)، وابن عساكر في تاريخه (33/ 365، 37/ 343). وصححه ابن حزم في المحلى (6/ 204).

وضعَّفه ابن عبد البر في الاستذكار (10/ 123).

وروي عنه موقوفًا - أيضًا - أخرجه عبد الرزاق (4/ 210) رقم 7526، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 245) رقم 5085، والنسائي في الكبرى (2/ 227 - 228) حديث 3183 - 3188، والعقيلي (2/ 62) ورجَّح وقفه. وانظر علل الدارقطني (10/ 171، 261، 263، 11/ 105، 107).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 474، 480)، ورواه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 224) حديث 3167، وابن أبي شيبة (3/ 49)، وابن أبي عاصم في الآحاد =

ص: 255

على رتبة المستفيض.

قال ابن خزيمة

(1)

: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

وقال أحمد: فيه غير حديث ثابت، وأصحُّها حديث رافع

(2)

.

قال ابن المديني: أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان، وشداد، وصححهما أحمد والبخاري

(3)

.

= والمثاني (3/ 8) حديث 1294، والطحاوي (2/ 98)، والطبراني في الكبير (20/ 210) حديث 482. ورواه النسائي في الكبرى (2/ 223) حديث 3166، والبزار "كشف الأستار" (1/ 474) حديث 1001، 1002، والروياني في مسنده (2/ 324) حديث 1285، والطبراني في الكبير (20/ 233) حديث 547، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص/ 469، حديث 560، وابن عدي (5/ 2002). عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه.

قال الترمذي في العلل ص/ 124: قلت لمحمد بن إسماعيل: حديث الحسن عن معقل بن سنان أصح أو حديث معقل بن يسار؟ فقال: معقل بن يسار أصح، ولم يعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب.

وقال علي بن المديني في العلل ص/ 61: رواه يونس عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه قتادة، عن الحسن، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عطاء بن السائب، عن الحسن، عن معقل بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه مطر، عن الحسن، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وضعفه ابن عبد البر في الاستذكار (10/ 123) وصحَّحه ابن حزم في المحلى (6/ 204). وغير واحد من الأئمة كالإمام أحمد، وابن المديني، والترمذي، والحاكم وغيرهم. انظر سنن الترمذي (3/ 145)، وصحيح ابن خزيمة (3/ 227)، ومستدرك الحاكم (1/ 428، 429)، وسنن البيهقي (4/ 266) وقد خصص بابًا لذكر أقوال حفاظ الحديث في تصحيح هذا الحديث.

(1)

صحيح ابن خزيمة (3/ 227).

(2)

انظر ما تقدم (5/ 253)، تعليق رقم (1).

(3)

انظر العلل الكبير للترمذي ص/ 122.

ص: 256

وهو قول علي

(1)

، وابن عباس

(2)

، وأبي هريرة

(3)

، وعائشة

(4)

.

ورخَّص فيها أبو سعيد الخدري

(5)

، وابن مسعود

(6)

، وقاله أكثر العلماء؛ لما روى ابنُ عباس:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم احتَجَمَ وهو صَائم". رواه البخاري

(7)

.

وجوابه: أن أحمد ضعَّفه في رواية الأثرم

(8)

؛ لأن الأنصاريَّ

(9)

(1)

أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 223) رقم 3162، عبد الرزاق (4/ 210) رقم 7524، ومسدد في مسنده، كما في المطالب العالية (1/ 415) رقم 1092، وابن أبي شيبة (3/ 50).

(2)

لم نقف عليه، بل المروي عنه خلافه، لما سيأتي، ولما أخرجه وكيع في نسخته عن الأعمش ص/ 55، رقم 2، وابن أبي شيبة (3/ 51) والبيهقي (1/ 116، 4/ 261) عنه رضي الله عنه في الحجامة للصائم، قال: الفطر مما دخل وليس مما يخرج. وذكره البخاري في الصوم، باب 32، قبل حديث 1938، معلقًا بصيغة الجزم.

(3)

أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 226) رقم 3177، وعبد الرزاق (4/ 210) رقم 7526، وعبد الله في مسائله (2/ 629، 630) رقم 854.

(4)

أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 228) رقم 3192، وابن أبي شيبة (3/ 51).

(5)

أخرجه النسائي الكبرى (2/ 237) رقم 3238، 3240، وابن أبي شيبة (3/ 52)، وابن خزيمة (3/ 235) رقم 1980، 1981، والدارقطني (2/ 181)، والبيهقي (4/ 264).

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 51).

(7)

في الصوم، باب 32، حديث 1938، 1939، وفي الطب، باب 11، حديث 6594.

(8)

تاريخ بغداد (5/ 410).

(9)

هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو عبد الله، البصري، القاضي توفي سنة (215 هـ) رحمه الله تعالى. تهذيب الكمال (25/ 539).

ص: 257

ذهبت كُتُبُه في فِتنَة، فكان يحدِّث من كُتُب غلامه أبي حكيم

(1)

.

ثم لو صَحَّ، فهو منسوخ، بدليل أن ابن عباس - وهو راويه - كان يُعِدُّ الحجَّام والمحاجم قبل مغيب الشمس، فإذا غابت، احتجم. كذلك رواه الجوزجاني

(2)

(3)

.

ويحتمل أن يكون لعُذر؛ لما روى أبو بكر بإسناده عن ابن عباس

(1)

رواية الأنصاري المشار إليها أخرجها الترمذي في الصوم، باب 61، حديث 776، والنسائي في الكبرى (2/ 235) حديث 3231، والطحاوي (2/ 101)، والطبراني في الأوسط (3/ 48) حديث (2434) عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم". لفظ الترمذي. ولفظ النسائي والطحاوي والطبراني: "صائم محرم". وأخرجها أحمد (1/ 315) بلفظ: "وهو محرم".

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وقال النسائي: هذا منكر، لا نعلم أحدًا رواه عن حبيب غير الأنصاري، ولعله أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة.

وقال أبو خيثمة كما في العلل ومعرفة الرجال (1/ 218): أنكر معاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد حديث الأنصاري، عن حبيب بن الشهيد.

قلنا: رواه البخاري - كما تقدم - من طريق أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.

فظهر من هذا أن إعلال من تقدم ذكرهم من الأئمة إنما هو لرواية الأنصاري. والبخاري رواه من غير طريقه.

(2)

تقدمت ترجمته (4/ 137) تعليق رقم (1).

(3)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما هذا لم نقف عليه في شيء، من كتب الجوزجاني المطبوعة، كما لم نقف عليه عند غيره. ورواه عبد الرزاق (4/ 211) رقم 7531، 7532، ومالك في الموطأ (1/ 298) بنحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 258

قال: "احتجَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من شيء كان وَجدَه"

(1)

.

وأحاديثنا أكثر، واعتضدت بعمل الصحابة

(2)

، وهي قول، وحديثهم فِعلٌ، والقول مقدَّم؛ لعدم عموم الفِعل، واحتمال أنه خاصٌّ به. ونَسْخُ حديثهم أَولى؛ لأنه موافق لحُكم الأصل، فَنَسْخُه يلزم منه مخالفة الأصل مرة واحدة، بخلاف نَسْخِ حديثنا؛ لأنه يلزم منه مخالفة الأصل مرتين.

فإن لم يظهر دم، فلا فِطر.

و (لا) فِطر (إن جَرَحَ) الصائم (نفسه، أو جَرَحه غيرُه بإذنه، ولم يصل إلى جَوفه) شيء من آلة الجرح (ولو) كان الجرح (بدل الحجامة).

(ولا) فِطر (بِفَصْد

(3)

وشَرْطٍ

(4)

، ولا بإخراج دمه برُعاف) لأنه لا نَصَّ فيه، والقياس لا يقتضيه.

(أيَّ ذلك) المذكور مِن الأكل والشُّرب، وما عُطف عليهما (فَعَلَ) الصائمُ (عامدًا) أي: قاصدًا للفعل (ذاكرًا لصومه، مختارًا) لفعله (فَسَدَ صومُه، ولو جهل التحريم) لعموم ما سبق (فلا يفطر غير قاصد الفعل، كمن طار إلى حَلْقه غبار ونحوه) كذُباب (أو ألقي في

(1)

أبو بكر يحتمل أن يكون الخلال، أو غلام الخلال، وكتاباهما لم يطبعا، وقد أخرجه البخاري في الطب، باب 15، حديث 5700، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:"احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم، مِن وَجَع كان به. . .".

(2)

تقدم تخريج أقوالهم (5/ 257) تعليق رقم (1، 2، 3، 4).

(3)

الفَصْد: شقُّ العِرق لاستخراج الدَّم. لسان العرب (3/ 336)، مادة (فصد)، والقاموس المحيط ص/ 360، مادة (فصد).

(4)

الشَّرْط: بَزْغُ الحجّام بالمشرط، مأخوذ من البزغ وهو الشق. لسان العرب (7/ 332) و (8/ 418)، مادة (بزغ).

ص: 259

ماء فوصل إلى جَوفه، ونحوه) لأن غير القاصد غافل غير مكلَّف، وإلا، لزم تكليف ما لا يُطاق.

(ولا) يُفطِر (نَاسٍ) لفعل شيء مما تقدَّم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "عُفي لأمتي عنِ الخطأ والنسيانِ وما استُكرهُوا عليه"

(1)

. ولحديث أبي هريرة يرفعه: "مَن نَسِي وهو صَائمٌ فأكلَ أو شَرِبَ، فَليُتِمَّ صومَهُ، فإنما أطعَمه الله وسقاهُ". متفق عليه

(2)

(فَرضًا كان الصوم أو نَفلًا) لعموم الأدلة.

(ولا) يُفطر (مُكرهٌ، سواء أُكره على الفِعل) أي: الأكل ونحوه (حتى فَعَلَ) ما أُكره عليه (أو فُعل به، بأن صُبَّ في حَلْقه مُكرهًا أو نائمًا، كما لو أُوجِرَ المغمى عليه معالجة) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "وما استُكرِهُوا عليه".

(ويُفطر) الصائم (برِدَّة) مطلقًا

(3)

؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}

(4)

. وكذلك كلُّ عبادة حصلت الرِّدَّةُ في أثنائها؛ فإنها تُفسِدها.

(و) يُفطر بـ (مَوت، فيُطعَم مِن تَرِكته في نَذر وكفَّارة) مسكين؛ لفساد ذلك اليوم الذي مات فيه؛ لتعذر قضائه (ويأتي) ذلك مفصَّلًا في حُكم القضاء

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 115)، تعليق رقم (1).

(2)

البخاري في الصوم، باب 26، حديث 1933، وفي الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6669، ومسلم في الصيام، حديث 1155.

(3)

"أي: عاد إلى الإسلام في يومه، أو لم يَعد". ش.

(4)

سورة الزمر، الآية:65.

(5)

(5/ 303 - 307).

ص: 260

(وإن دخل حَلْقَه ذبابٌ أو غُبارُ طريق، أو) غبارُ (دقيق، أو دخان مِن غير قصد) لم يفطر؛ لعدم القصد، كالنائم. وعُلِمَ منه أن مَن ابتلع الدُّخان قصدًا، فَسَدَ صومه.

(أو قَطَر

(1)

في إحليله) دُهنا أو غيره، لم يفطر (ولو وصل مثانته) لعدم المنفذ، وإنما يخرج البول رشحًا، كمداواة جُرح عميق، لم يصل إلى الجوف.

والمثانة: العضو الذي يجتمع فيه البول، وإذا كان لا يستمسك بوله، قيل: مَثِنَ الرجلُ - بكسر الثاء - فهو أمثن، والمرأة مثنى. وقال الكسائي

(2)

: يقال: رجل مَثِنٌ ومثون.

(أو فكَّر فأمنى، أو أمذى) لم يُفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "عُفِيَ لأمَّتِي مَا حدَّثت به أنفسهَا مَا لم تعمَل، أو تتكَلَّم بهِ"

(3)

. ولأنه لا نَصَّ فيه، ولا إجماع، وقياسه على تكرار النظر لا يصحُّ؛ لأنه دونه في استدعاء الشَّهوة، وإفضائه إلى الإنزال. (كما لو حصل) الإنزال (بفِكر غالب) أي: غير اختياري، بأن لم يتسبَّب فيه.

(أو احتلم، أو أنزل لغير شهوة، كالذي يخرج منه المَني أو المَذي لمرض، أو) لـ (سَقطة) من موضع عال (أو خرجا منه لهيجان شهوة مِن غير أن يمسَّ ذَكَره) بيد أو غيرها منه، أو مِن غيره.

(1)

في "ح": "أقطر".

(2)

نقله عنه الأزهري في تهذيب اللغة (15/ 108) وفيه: ممثون، - بدل مثون - وكذلك في لسان العرب (13/ 399)"ممثون" فلعل "مثون" خطأ وقع من الناسخ.

(3)

أخرجه البخاري في العتق، باب 6، حديث 2528، وفي الطلاق باب 11، حديث 2569، وفي الأيمان والنذور باب 15، حديث 6664، ومسلم في الإيمان، حديث 127، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 261

(أو أمنى نهارًا مِن وطء ليل) لم يفطر؛ لأنه لم يتسبَّب إليه في النهار (أو) أمنى (ليلًا مِن مباشرته نهارًا) فلا فِطر بذلك كله.

(أو ذرعه القيء) بالذال المعجمة، أي: غلبه وسَبَقَه، لم يفطر؛ للخبر

(1)

(ولو عاد) شيءٌ مِن قيئه (إلى جَوفه بغير اختياره) لأنه كالمُكره (لا إن عاد) القيء إلى جَوفه (باختياره) ولو لم يملأ الفم، أو ذَرعه القيء، ثم أعاده عمدًا، فإنه يفطر بذلك، كبلعه بعد انفصاله عن الفم.

(أو أصبح) الصائمُ (وفي فِيهِ طعامٌ فَلَفَظَه) أي: رماه، لم يفطر؛ لعدم إمكان التحرُّز منه، ولا يخلو منه صائم غالبًا.

(أو شقَّ) عليه (لفظه) أي: رمي الطعام الذي أصبح بفمه؛ لعدم تميزه عن ريقه (فَبَلعه مع ريقه بغير قَصد، أو جرى ريقه ببقية طعام تعذَّر رميه) لم يفطر بذلك؛ لما سبق.

(أو بلع) الصائمُ (ريقه عادة) لم يفطر (لا إن أمكن لَفظُ

(2)

بقية الطعام، بأن تميز عن رِيقه، فبلعه عمدًا، ولو) كان (دون حِمَّصَة) فإنه يُفطِر بذلك؛ لأنه لا مشقَّة في لَفظِه، والتحرُّز منه ممكن.

(أو اغتسل) لم يفطر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "كانَ يدرِكُه الفجرُ، وهو جُنبٌ مِن أهلِهِ ثم يغتسِلُ ويصومُ". متفق عليه

(3)

من حديث عائشة وأم سلمة. ولأن الله تعالى أباح الجِماع وغيره إلى طلوع الفجر، فيلزم جواز

(1)

تقدم تخريجه (5/ 249) تعليق رقم (3).

(2)

في "ذ": "لفظه".

(3)

البخاري في الصيام، باب 22، 25، حديث 1925، 1926، 1930، 1931، 1932، ومسلم في الصيام، حديث 1109 (76، 77، 78، 80).

ص: 262

الإصباح جُنبًا. احتجَّ به ربيعة والشافعي

(1)

.

(أو تمضمض، أو استنشق) في الوضوء (فدخل الماءُ حَلْقَه بلا قَصْد، أو بلع ما بقي مِن أجزاء الماء بعد المضمضة، لم يفطر) لأنه واصل بغير قَصد، أشبه الذباب.

(وكذا إن زاد على الثلاث

(2)

في أحدهما) أي: الفعلين، وهما المضمضة والاستنشاق.

(أو بالغ فيه) أي: في أحدِهما، بأن بالغ في المضمضة أو الاستنشاق؛ لأنه واصلٌ بغير اختياره.

(وإن فَعَلَهُما) أي: المضمضة والاستنشاق (لغير طهارة) أي: وضوء أو غُسل (فإن كان لنجاسة ونحوها، فكالوضوء، وإن كان عبثًا أو لِحَرٍّ، أو عَطَش، كُرِه) نَصَّ عليه

(3)

. سُئل أحمدُ عن الصائم يعطش، فيمضمض، ثم يمج الماء؟ قال: يرش على صدره أحبُّ إلي

(4)

.

(وحُكمُه) في الفِطر (حُكم الزائد على الثلاث) فلا يُفطر به؛ على ما تقدم.

(وكذا إن غاصَ في الماء في غُسل غير مشروع أو إسراف، أو كان عابثًا) فيُكره له ذلك، ولا يفطر بما يصل إلى جوفه بلا قَصد.

(ولو أراد أن يأكل أو يشرب مَن وَجَبَ عليه الصَّوم في) نهار

(1)

انظر: الأم (2/ 98)، والتمهيد لابن عبد البر (17/ 425).

(2)

في "ح": "ثلاث".

(3)

مسائل حنبل، كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإِسلام (1/ 471)، وانظر: الفروع (3/ 58).

(4)

مسائل أبي داود ص/ 93.

ص: 263

(رمضان، ناسيًا أو جاهلًا، وَجَب إعلامُه على مَن رآه) كإعلام نائم إذا ضاق وقت الصلاة.

(ولا يُكره للصَّائم الاغتسال) نهارًا لجنابة ونحوها؛ لما تقدَّم مِن حديث عائشة وأم سلمة

(1)

(ولو) كان الاغتسال (للتبرُّدِ) لأن فيه إزالة الضجر مِن العبادة، كالجلوس في الظل البارد، قاله المجد (لكن يستحبُّ لمن لزمه الغسل ليلًا مِن جُنُب وحائض ونحوهما) كنُفساء انقطع دمُها، وكافر أسلم (أن يغتسل قبل طلوع الفجر الثاني) خروجًا مِن الخلاف، واحتياطًا للصوم (فلو أخَّره) أي: الغسل (واغتسل بعده) أي: بعد طلوع الفجر الثاني (صَحَّ صومُه) لما تقدم من حديث عائشة وأم سلمة

(1)

، وكان أبو هريرة يقول:"لا صَوم لَهُ". ويَروِي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع عنه

(2)

. قال سعيد بن المسيب: رَجَعَ

(1)

تقدم تخريجه (5/ 262)، تعليق رقم (3).

(2)

أخرجه مسلم في الصيام، حديث 1109 (75)، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقص، يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنبًا، فلا يصم. فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم. قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول. قال: فجئنا أبا هريرة، وأبو بكر حاضر ذلك كله، قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال: نعم. قال: هما أعلم.

ثم ردَّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. =

ص: 264

أبو هريرة عن فُتياه

(1)

.

قال الخطابي

(2)

: أحسن ما سمعت في خبر أبي هريرة أنه منسوخٌ؛ لأنَّ الجِماع كان محرَّمًا على الصائم بعد النوم، فلما أباح الله الجِماع إلى طلوع الفجر، جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم.

(وكذا إن أخَّره) أي: الغُسل (يومًا) فأكثر (لكن يأثم بترك الصلاة) أي: تأخيرها عن وقتها (وإن كَفَرَ بالترك) أي: تَرْك الصلاة (بَطَلَ صومُه) بالرِّدَّةِ (بأن يُدعى إليها) أي: يدعوه الإمام أو نائبه إلى صلاة (وهو صائم فيأبى) حتى يتضيق

(3)

وقت التي بعدها (أو) كَفَرَ (بمجرد الترك) أي: ترك الصلاة (مِن غير دُعاء على قول الآجري، وهو ظاهر كلام جماعة) لظاهر الأخبار

(4)

، فيبطل صومُه للرِّدة.

(وإن بَصَقَ نخامة بلا قَصد مِن مخرج الحاء المهملة، لم يفطر) بذلك، ويأتي حُكمُ ما إذا بلعها في الباب بعده

(5)

.

(ومَن أكل ونحوه) بأن شرب، أو جامع (شاكًّا في طلوع الفجر،

= قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك. قلت لعبد الملك: أقالتا في رمضان؟ قال: كذلك، كان يصبح جنبا من غير حلم، ثم يصوم.

(1)

أخرجه الطيالسي ص/ 224، رقم 1606، والطحاوي (2/ 105)، وفي شرح مشكل الآثار (2/ 21) رقم 547، والبيهقي (4/ 215).

(2)

معالم السنن (2/ 115).

(3)

في "ح": "يتضايق".

(4)

انظر: (2/ 25).

(5)

(5/ 281).

ص: 265

ودام شكُّه، فلا قضاء عليه) لظاهر الآية؛ ولأن الأصل بقاء الليل، فيكون زمان الشَّكِّ منه.

(وإن أكل يظنُّ طلوعه) أي: الفجر، قال في "الفروع": كذا جزم به بعضهم، وما سبق من أن له الأكل حتى يتيقن طلوعه يدلُّ على أنه لا يمنع نية الصوم، وقَصده غير اليقين. والمراد - والله أعلم - اعتقاده طلوعه، ولهذا فرض

(1)

صاحب "المحرر" فيمن اعتقده نهارًا، فبان ليلًا؛ لأن الظانَّ شاكٌّ، ولهذا خَصُّوا المنع باليقين، واعتبروه بالشَّكِّ في نجاسة طاهر، ولا أثر للظنِّ فيه، وقد يحتمل أن الظن والاعتقاد واحد، وأنه يأكل مع الشكِّ والتردُّد، ما لم يظن أو يعتقد النهار (فَبَانَ ليلًا، ولم يجدد نية صومه الواجب، قضى) لأنه قَطَعَ نية الصوم بأكله يعتقده نهارًا، والصوم لا يصحُّ بغير نية.

(وإن أكل، ونحوه، شاكًّا في غروب الشمس، ودام شكُّه) قضى؛ لأن الأصل بقاء النهار.

و (لا) يقضي إن أكل ونحوه (ظانًّا) غروبَ الشمس، ولم يتبين له الحال؛ لأن الأصل براءته.

(ولو شَكَّ) في غروب الشمس (بعده) أي: بعد الأكل ونحوه (ودام) شَكُّه، فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يوجد يقين أزال

(2)

ذلك الظنَّ الذي بنى عليه، فأشبه ما لو صَلَّى بالاجتهاد

(3)

، ثم شَكَّ في الإصابة بعد صلاته.

(1)

في "ح" و"ذ": "فرضه".

(2)

في "ذ": "لزوال".

(3)

في "ح": "باجتهاد".

ص: 266

(أو أكلَ يظنُّ بقاءَ النهارِ، قَضى) ما لم يتحقَّق أنه كان بعد الغروب؛ لأن الله تعالى أمر بإتمام الصوم إلى الليل، ولم يُتمَّه.

(وإن بَانَ) أنَّ أكله ونحوه كان (ليلًا، لم يقضِ) لأنه أتمَّ صومه (وإن أكل) ونحوه (يظنُّ - أو يعتقد - أنه ليل، فَبانَ نهارًا في أوله) بأن أكل يظنُّ الفجر لم يطلع، وقد طلع (أو آخره) بأن ظنَّ أن الشمس غربت، ولم تغب (فعليه القضاء) لأن الله تعالى أمر

(1)

بإتمام الصوم، ولم يُتمَّه، وقالت أسماء: "أفطَرنَا على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومِ غيم

(2)

، ثم طلعَتِ الشَّمسُ" قيل لهشام بن عروة - وهو راوي الحديث -: أُمروا بالقضاء؟ قال: لا بدَّ من قضاء. رواه أحمد والبخاري

(3)

. ولأنه جَهِلَ وقتَ الصوم فلم يعذر، كالجهل بأول رمضان.

"تتمة": لو أكل ونحوه ناسيًا، فظنَّ أنه قد أفطر فأكل ونحوه عمدًا، قضى. قال في "الإنصاف": ويشبه ذلك لو اعتقد البينونة في الخلع؛ لأجل عدم عود الصفة، ثم فَعَلَ ما حَلَفَ عليه.

(1)

في "ح": "أمرنا".

(2)

في مسند أحمد (6/ 346) زيادة: "في رمضان".

(3)

أحمد (6/ 346)، والبخاري في الصوم، باب 46، حديث 1959.

ص: 267

‌فصل فيما يوجب الكفَّارة

(وإذا جامع في نهار شهر رمضان بلا عُذرِ شَبَق

(1)

ونحوه) كمَن به مرض ينتفع بالوطء فيه (بذَكَر أصلي في فَرْج أصلي، قُبُلًا كان) الفرج (أو دُبُرًا، مِن آدمي أو غيره) كبهيمة أو سمكة أو طير (حيٍّ أو ميت، أنزل أم لا، فعليه القضاء والكفَّارة، عامدًا كان، أو ساهيًا، أو جاهلًا، أو مخطئًا، مختارًا، أو مُكرَهًا، نصًّا

(2)

، سواء أُكره حتى فَعَلَه) أي الجِماع (أو فُعل به، مِن نائم وغيره).

أما وجوب الكفَّارة، فلحديث أبي هريرة قال: "بينا نحن جلوسٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءَهُ رجُلٌ، فقال: يا رسولَ الله، قال: ما لَكَ؟ قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائمٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: هل تَجِدُ رقبة تعتقُهَا؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصُومَ شهرَينِ متَتَابعَينِ؟ قال: لا، قال: فهل تجدُ إطعَامَ ستِّينَ مسكينًا؟ قال: لا، فمكث النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فبينَا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمرٌ - والعَرَقُ: المِكتَل - فقال: أين السائلُ؟ قال: أنا، قال: خُذ هذا فتَصَدَّق به، فقال

(3)

: على أفقرَ منِّي يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتَيها أهلُ بيت

(1)

تقدم تعريفه (5/ 225).

(2)

انظر مسائل صالح (2/ 228) رقم 897، 993 - 997، ومسائل عبد الله (2/ 655، 656، 658) رقم 884، 885، 888، ومسائل أبي داود ص/ 92.

(3)

في "ح": "فقال الرجل" وهو موافق لرواية البخاري.

ص: 268

أفقَرُ مِن أهلِ بيتي، فضَحكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بَدَت أنيابُه، ثم قال: أَطعِمه أهلَكَ" متفق عليه

(1)

. وأما وجوب القضاء؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم للمُجامِع: "وصُم

(2)

يومًا مكانَهُ" رواه أبو داود

(3)

.

(1)

البخاري في الصوم، باب 30، 31، حديث 1936، 1937، وفي الهبة، باب 20، حديث 2600، وفي النفقات، باب 13، حديث 5368، وفي الأدب، باب 68، 95، حديث 6087، 6164، وفي الأيمان والنذور، باب 2، 3، 4، حديث 6709، 6710، 6711، وفي الحدود، باب 26، حديث 6821، ومسلم في الصيام، حديث 1111.

(2)

في "ح": "كفر وصم" وزيادة "كفر" غير موجودة في الحديث.

(3)

في الصوم، باب 37، حديث 2393، ولفظه:"وصُم يوما، واستَغفرِ الله". وأخرجه - أيضًا - ابن خزيمة (3/ 223) حديث 1954، وأبو عوانة في مسنده "الجزء المفرد" ص/ 146، والطحاوي (3/ 118)، وفي شرح مشكل الآثار (4/ 173) حديث 1516، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 194) رقم 962، والدارقطني (2/ 190، 211)، والبيهقي (4/ 226)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 168، 175) كلهم من طريق هشام بن سعد عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

وقد أعل هذا الحديث سندًا ومتنًا.

قال ابن خزيمة: هذا الإسناد وهم.

وقال أبو عوانة في مسنده (الجزء المفرد ص/ 146): روى هذا الحديث سفيان، ومعمر، والأوزاعي، وصالح بن أبي الأخضر، ومنصور، وعبد الجبار، والليث، ومحمد بن أبي حفصة، وإبراهيم، وعقيل كلهم شبيها بشيء واحد، إلا أن هشام بن سعد قال: عن أبي سلمة، وقال:"صم يوما مكانه".

وقال ابن عدي (7/ 2567): رواه الثقات، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة

، وخالف هشام بن سعد فيه الناس

، ومع ضعفه يكتب حديثه، والحديث حديث حميد بن عبد الرحمن.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 174): هشام بن سعد لين ضعيف، سيما عن ابن شهاب، وقال في الاستذكار (10/ 100): وهشام بن سعد لا يحتج به في =

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حديث ابن شهاب.

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 231): وطريق مسلم أصح، وأشهر، وليس فيه: صم يومًا، ولا مكيلة التمر، ولا الاستغفار، وإنما يصح حديث القضاء مرسلًا.

قلنا: لم ينفرد بهذه الزيادة هشام، بل تابعه كل من:

1 -

إبراهيم بن سعد أخرجه أبو عوانة (الجزء المفرد ص/ 146).

2 -

والليث بن سعد أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 176)، حديث 1518، والبيهقي (4/ 226).

3 -

وأبي أويس أخرجه الدارقطني (2/ 210)، والبيهقي (4/ 226).

4 -

وعبد الجبار بن عمر أخرجه أبو عوانة (الجزء المفرد ص/ 145 - 146)، والطحاوي في شرح شكل الآثار (4/ 176) حديث 1519، والبيهقي (4/ 246) جميعهم أي (إبراهيم، والليث، وأبو أويس، وعبد الجبار)، عن ابن شهاب الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

ومتابعة عبد الجبار بن عمر أخرجها - أيضًا - ابن ماجه في الصوم باب 14، حديث 1671، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 177) حديث 1520، والبيهقي (4/ 226) عن يحيى بن سعيد، وعطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 298): فيه عبد الجبار بن عمر - وإن وثَّقه ابن سعد، فقد ضعفه يحيى بن معين، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، وغيرهم.

ولهذه الزيادة شواهد منها:

1 -

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 106) وأحمد (2/ 208) والدارقطني في العلل (10/ 246)، والبيهقي (4/ 226)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 168) وفي سنده الحجاج بن أرطاة قال فيه ابن حجر في التقريب (1127) صدوق كثير الخطأ، والتدليس.

2 -

وعن سعيد بن المسيب مرسلًا أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 126 =

ص: 270

وأما كون السَّاهي كالعامد، والمُكره كالمختار، والنَّائم كالمستيقظ؛ فلأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلِ الأعرابيَّ، ولو اختلف الحُكم بذلك لاستفصله؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والسؤال مُعادٌ في الجواب، كأنه قال: إذا واقعت في صوم رمضان فكفِّر. ولأنه عبادة يحرم الوطء فيه، فاستوى عمدُه وغيره كالحجِّ.

وأما كونه لا فَرقَ بين أن ينزل أو لا؛ فلأنه في مظنة الإنزال، أو لأنه باطن كالدُّبُر.

(ولو أولج بفَرْجِ أصليٍّ) في فَرْج غير أصلي كفَرْجِ الخُنثى المشكل (أو) أولج بفرج (غير أصلي في) فَرْج (غير أصلي) كما لو جامع خُنثى مشكل خُنثى مشكلًا (فلا كفَّارة) على واحد منهما؛ لاحتمال الزيادة (ولم يفسد صوم واحد منهما إلا أن يُنزل) كالغسل،

= حديث 102، ومالك في الموطأ (1/ 297)، والشافعي في الأم (2/ 98)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 261)، وعبد الرزاق (4/ 196)، حديث 7466، ومسدد كما في المطالب العالية (1/ 404) حديث 1057، وابن أبي شيبة (3/ 104)، والبيهقي (4/ 227).

3 -

وعن محمد بن كعب مرسلًا أخرجه عبد الرزاق (4/ 196) حديث 7462. قال ابن حجر في الفتح (4/ 172): وقد ورد في الأمر بالقضاء في هذا الحديث في رواية أبي أويس، وعبد الجبار، وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد، عن الليث عن الزهري، وحديث إبراهيم في الصحيحين بدونها، ووقعت الزيادة - أيضًا - في مرسل سعيد بن المسيب، ونافع بن جبير، والحسن، ومحمد بن كعب، وبمجموع هذه الطرق نعرف أن لهذه الزيادة أصلًا.

وأنكر صحتها العلامة ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن (3/ 273) معللًا أن من لم يرووا هذه الزيادة أوثق ممن رووها، وأكثر عددًا. وانظر علل الدارقطني (10/ 223).

ص: 271

فإن أنزل، وَجَبَ عليه القضاء فقط.

(وإن أولجَ بغير أصلي في أصلي، فَسَدَ صومها فقط) أي: دون صوم الخُنثى (لأن داخل فَرْجِها في حُكم الباطن، فيفسد) صومها (بإدخال غير) الفَرج (الأصلي كأصبعها وأصبع غيرها، وأَولى) أي: إفساد

(1)

صومها بإدخال الفَرج غير الأصلي أَولى من إفساده بإدخال أصبع في فَرجها (وكلامهم) أي: الأصحاب (هنا يخالفه) حيث قالوا: لا يَفسد صومُ واحد منهما إلا أن ينزل (إلا أن نقول: داخل الفَرج في حكم الظَّاهر، والله أعلم) وقد صَرَّح به في "المستوعب" وغيره، واستدلَّ بأنه يجب غَسله مِن النجاسات، كالفم.

وإذا ظهر دَمُ حيضها إليه، ولم يخرج منه، فسد صومها، ولو كان في حكم الباطن، لم يفسد صومها، حتى يخرج منه

(2)

، ولم يجب غسله، كالدُّبُر، وإذا ثبت أنه في حُكم الظاهر، فهو كفمِها وعُمقِ سُرَّتها، وطيِّ عُكَنها

(3)

، وإنما فَسَدَ صومُها بإيلاج ذَكَرِ الرَّجُل فيه؛ لكونه جِماعًا، لا لكونه وصولًا إلى باطن، بدليل أنه لو أولج إصبعه في قُبُلها، فإنه لا يفسد صومها، والجِماع يفسد؛ لكونه

(4)

مظنة الإنزال، فأقيم مقام الإنزال، كما أُقيم مقامه في وجوب الغسل، ولهذا يفسد به صوم الرَّجُل، وإن لم يُنزل، ولم يصل إلى جَوفه شيء.

(والنَّزع جِماع، فلو طلع عليه الفجر) الثاني (وهو مجامِع، فَنَزَع

(1)

في "ح": "فساد".

(2)

في "ذ": "معه".

(3)

العُكنَة: ما انطوى وتثنَّى من لحم البطن سِمنًا. القاموس المحيط ص/ 1216 مادة: (عكن).

(4)

في "ح": "ولكونه".

ص: 272

في الحال مع أول طلوع الفجر) الثاني (فعليه القضاء والكفَّارة) لأنه يلتذُّ بالنَّزعِ، كما يلتذُّ بالإيلاج (كما لو استدام) الجِماع بعد طلوع الفجر، بخلاف مجامع حَلَفَ لا يُجامع، فَنَزَع، فإنه لا يَحنث؛ لتعلُّق اليمين بالمستقبل أول أوقات الإمكان.

(ولو جامع يعتقده ليلًا، فَبَان نهارًا، وَجَبَ) عليه (القضاء والكفَّارة) لما تقدم: أنه لا فرقَ بين العامد وغيره. وعلى قياسه: لو جامع يوم الثلاثين مِن شعبان، ثم ثَبَتَ أنه مِن رمضان.

(ولا يلزم المرأة كفَّارة مع العُذر، كنوم، وإكراه، ونسيان، وجَهل) لأنها مَعذورة (ويَفسد صومها بذلك) أي: بوطئها معذورة، فيلزمها القضاء. قال في "الشرح": بغير خِلاف نعلمه في المذهب؛ لأنه نوعٌ مِن المفطرات، فاستوى فيه الرَّجُل والمرأة، كالأكل. نصَّ عليه

(1)

في المُكرهة.

(وتلزمها الكفَّارة) إذا جومعت (مع عدم العُذر) لأنها هتكت حُرمة صوم رمضان بالجِماع، فلزمتها الكفَّارة كالرَّجُل، وأما كون الشارع لم يأمرها بها؛ فلأن في لفظ الدارقطني:"هَلَكتُ وأهلَكتُ"

(2)

، فدلَّ أنها كانت مُكرهة.

(1)

انظر مسائل أبي داود ص/ 92 والإرشاد ص/ 146.

(2)

سنن الدارقطني (2/ 209 - 210) وقال عقبه: تفرد به أبو ثور، عن معلَّى بن منصور، عن ابن عيينة بقوله:"وأهلكت" وكلهم ثقات.

وأخرجه - أيضًا - البيهقي (4/ 227) من طريق محمد بن المسيب الأرغياني ثنا محمد بن عقبة، حدثني أبي، قال ابن المسيب: وحدثني عبد السلام يعني ابن عبد الحميد، أنبأ عمر، والوليد، قالوا: أنبأ الأوزاعي، حدثني الزهري، =

ص: 273

(ولو طاوعته أَمَتُه) على الجِماع (كفَّرت بالصوم) لأنه لا مال لها، ومثلها أم الولد، والمُدبَّرة، والمُكاتبة.

(ولو أَكره زوجته) أو أمَتَه (عليه) أي: على الوطء في نهار رمضان (دفعته بالأسهل فالأسهل، ولو أفضى ذلك إلى ذهاب نفسه، كالمارِّ بين يدي المصلي، ذَكَره) أبو الوفاء علي (بن عَقيل، واقتصر عليه في "الفروع".

ولو استدخلت) صائمةٌ (ذَكَرَ نائم، أو) ذَكَرَ (صبي، أو مجنون، بطل صومها) للجِماع، فيجب عليها القضاء والكفَّارة إن كان في نهار رمضان.

(ولا تجب الكفَّارة بقُبلة ولَمس ونحوهما

(1)

) كمفاخذة (إذا أنزل)

= ثنا حميد بن عبد الرحمن بن عوف، قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله هلكت وأهلكت. . . الحديث.

ثم قال عقبه: ضعَّف شيخنا أبو عبد الله الحافظ هذه اللفظة: "وأهلكت" وحملها على أنها أُدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني. . .، ورواه كافة أصحاب الأوزاعي عن الأوزاعي دونها، ولم يذكرها أحد من أصحاب الزهري عن الزهري، إلا ما روى عن أبي ثور عن معلَّى بن منصور، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري. وكان شيخنا يستدل على كونها في تلك الرواية أيضًا خطأ؛ بأنه نظر في كتابه الصوم، تصنيف المعلى بن منصور بخط مشهور، فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة، وأن كافة أصحاب سفيان رووه عنه دونها، والله أعلم.

وأخرجه - أيضًا - ابن الجوزي في التحقيق (2/ 85) من طريق سَلَامة بن رَوح عن عقيل عن الزهري به، ثم قال عقبه: سَلَامة فيه ضعف. انظر: التلخيص الحبير (2/ 206 - 207)، ونصب الراية (2/ 451 - 452).

(1)

في "ح": "ونحوها".

ص: 274

لأنه فطر بغير جِماع.

(وإن جامع في يوم رأى الهلالَ في ليلته، ورُدَّت شهادته) لفسقِه أو غيره (فعليه القضاء والكفَّارة) لأنه أفطر يومًا مِن رمضان بجِماع، فلزمته كما لو قُبِلت شهادته.

(وإن جامع دون الفَرْج عامدًا، فأنزل ولو مَذيًا) فسَدَ الصومُ؛ لأنه إذا فَسَدَ باللمس مع الإنزال، ففيما ذُكر بطريق الأَولى، ولا كفَّارة؛ لأنه ليس بجِماع. وإن لم ينزل، لم يفسد صومُه كاللمس والقُبلة.

(أو أنزل مجبوب أو امرأتان بمساحقة، فسَدَ الصومُ) لما سبق (ولا كفَّارة) صحَّحه في "المغني" و"الشرح" فيما إذا تساحقتا، ونقله في "الإنصاف" عن الأصحاب في مسألة المجبوب؛ لأنه لا نصَّ فيه، ولا يصح قياسه على الجِماع، وجعل في "المنتهى" - تبعًا "للتنقيح" - إنزال المجبوب والمرأتين بالمساحقة كالجِماع.

(وإن جامع في يومين مِن رمضانَ واحد، ولم يكفِّر) لليوم الأول، (فـ) ــعليه (كفَّارتان) لأن كلَّ يوم عبادة، وكالحجتين (كما

(1)

لو كفَّر عن اليوم الأول) فإن يلزمه لليوم الثاني كفَّارة ثانية. ذَكَرَه ابن عبد البر إجماعًا

(2)

(وكيومين مِن رمضانين).

(وإن جامع، ثم جامع في يوم واحد قبل التكفير، فـ) ــعليه (كفَّارة واحدة) بغير خِلاف

(3)

، قاله في "المغني" و"الشرح". فلو كفَّر بالعتق للوطء الأول ثم به للثاني، ثم استحقت الرقبة الأُولى، لم يلزمه بَدَلُها

(1)

في "ح": "وكما".

(2)

الاستذكار (10/ 110).

(3)

نقل ابن عبد البر في التمهيد (7/ 181) الإجماع على ذلك.

ص: 275

وأجزأته الثانية عنهما، ولو استحقت الثانية وحدها، لزمه بَدَلُها، ولو استحقتا جميعًا، أجزأته رقبة واحدة؛ لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجب

(1)

الأول، ونيَّة التعيين لا تعتبر، فَيُكفِّر، وتصير كنيَّة مطلقة. هذا معنى ما ذَكَره المجد قياس مذهبنا.

(وإن جامع ثم كفَّر، ثم جامع في يومه، فـ) ــعليه (كفَّارة ثانية) نصَّ عليه في رواية حنبل والميموني

(2)

؛ لأنه وطء محرَّم، وقد تكرَّر؛ فتتكرر هي كالحج، بخلاف الوطء ليلًا، فإنه مباح.

لا يقال: الوطء الأول تضمن هتك الصوم، وهو مؤثِّرٌ في الإيجاب، فلا

(3)

يصحُّ القياس؛ لأنه مُلغى بمن طلع عليه الفجر وهو يُجامع، فاستدام، فإنه يلزمه مع عدم الهتك.

(وكذا‌

‌ كلُّ مَن لزمه الإمساك، يكفِّر لوطئه)

كمَن لم يعلم برؤية الهِلال إلا بعد طلوع الفجر، أو نسي النيَّة، أو أكل عامدًا، ثم جامع فتجب عليه الكفَّارة؛ لهتكه حُرمة الزمن به، ولأنها تجب على المستديم للوَطء، ولا صوم هناك، فكذا هنا.

(ولو جامع وهو صحيح، ثم جُنَّ، أو مرض، أو سافر، أو حاضت) المراة (أو نَفِست بعد وطئها، لم تسقط الكفَّارة) لأنه أفسد صومًا واجبًا مِن رمضان بجماع تام، فاستقرَّت عليه الكفَّارة، كما لو لم يطرأ العُذر.

لا يُقال: تبيَّنا أن الصوم غير مستحقٍّ عند الجِماع؛ لأن الصادق

(1)

في "ح": "الواجب".

(2)

الإرشاد ص/ 150، وكتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 310).

(3)

في "ح": "فلم".

ص: 276

لو أخبره أنه سيمرض أو يموت، لم يجز الفِطر.

(ولو مات في أثناء النهار، بطل صومُه) لعدم استصحاب حكم النيَّة الذي هو شرط في العبادات غير الحج.

(فإن كان) الصومُ (نَذرًا، وجب الإطعام مِن تَركَتِهِ) لذلك اليوم، فيطعم مسكينًا، وكذا باقي الأيام، إن كان في الذِّمَّة.

(وإن كان صوم كفَّارة تخيير) كفِدية أذى (وجبت الكفَّارة في ماله) لتعذُّر الصوم؛ لأن ما وجب بأصل الشرع منه

(1)

لا تدخله النيابة، كما يأتي

(2)

. ويأتي حكم كفَّارة اليمين وغيرها في الباب بعده

(2)

.

(ومَن نوى الصَّومَ في سفره) المبيح للفِطر (ثم جامع، فلا كفَّارة) عليه؛ لأنه صوم لا يلزمه المضي فيه، ثم تجب، كالتطوُّع (وتقدم) في الباب قبله

(3)

.

(ولا تجب) الكفَّارة (بغير الجِماع، كأكل وشُرب ونحوهما في صيام رمضان أداء) لأنه لم يَرِد به نصٌّ، وغير الجِماع لا يساويه.

(ويختص وجوب الكفَّارة برمضان، لأن غيره لا يساويه، فلا تجب) الكفَّارة (في قضائه) لأنه لا يتعين بزمان بخلاف الأداء فإنه يتعين بزمان محترم، فالجِماع فيه هَتكٌ له.

(والكفَّارة على الترتيب: فيجب عِتقُ رقبة) إن وجدها بشرطه - ويأتى مفصَّلا في الظِّهار - (فإن لم يجد) الرقبة ولا ثمنها (فصيام

(1)

قوله: "منه" شطب عليها في "ذ".

(2)

(5/ 304 - 305).

(3)

(5/ 229).

ص: 277

شهرين متتابعين، فلو قَدَرَ على الرقبة في الصوم، لم يلزمه الانتقال) عن الصوم إلى العِتق، نصَّ عليه

(1)

، إلا أن يشاء أن يعتق فيجزئه، ويكون قد فَعَلَ الأَولى، قاله في "الشرح" و"شرح المنتهى".

و (لا) يجزئه الصوم (إن قَدَرَ) على العتق (قبله) أي: قبل الشروع في الصوم؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سأل المواقع عما يقدِرُ عليه حين أخبره، ولم يسأله عمَّا كان يقدِرُ عليه حال المواقعة، وهي حال الوجوب؛ ولأنه وَجَدَ المُبدَل قبل التلبس بالبدل، فلزمه، كما لو وجده حال الوجوب، ذكره في "الشرح" و"شرح المنتهى" وفيه نظر، على ما يأتي في الظِّهار: أن الاعتبار بوقت الوجوب.

(فإن لم يستطع) الصومَ (فإطعام ستين مسكينًا) لكلِّ مسكين مُدٌّ مِن بُرٍّ، أو نصف صاع مِن غيره. وهذا كله لخبر أبي هريرة السابق

(2)

. وهو ظاهر في الترتيب، ولم يأمره بالانتقال إلا عند العجز، وككفَّارة الظِّهار.

(ولا يحرم الوطءُ هنا قبل التكفير، ولا في ليالي صوم الكفَّارة) ذكره في "الرعاية" و"التلخيص" ككفَّارة القتل، بخلاف كفَّارة الظِّهار. والفَرق واضح.

(فإن لم يجد) ما يطعمه للمساكين حال الوطء؛ لأنه وقت الوجوب (سقطت عنه، كصدقة فِطر) وكفَّارة الوطء في الحيض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابي بها أخيرًا، ولم يذكر له بقاءها في ذِمَّته (بخلاف

(1)

انظر كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 295 - 300). والفروع (3/ 88).

(2)

تقدم تخريجه (5/ 269)، تعليق رقم (1).

ص: 278

كفَّارة حَجٍّ وظِهار ويمين ونحوها) ككفَّارة قَتل؛ لعموم الأدلة، ولأنه القياس خُولِفَ في رمضان؛ للنصِّ. قال في "الفروع": كذا قالوا: للنصِّ، وفيه نظر، ولأنها لم تجب بسبب الصوم

(1)

.

قال القاضي وغيره: وليس الصوم سببًا، وإن لم تجب إلا بالصوم والجِماع؛ لأنه لا يجوز اجتماعهما.

وتسقط الكفَّارات كلها بتكفير غيره عنه بإذنه.

(وإن كفَّر عنه غيره بإذنه، فله أكلها) إن كان أهلًا لها (وكذا لو ملَّكه) غيره (ما يكفِّرُ به) جاز له أكله مع أهليته؛ لخبر أبي هريرة السابق

(2)

.

قال في "الإنصاف": لو ملَّكه ما يكفِّر به، وقلنا: له أخذه هناك، فله هنا أكله، وإلا أخرجه عن نفسه، وهذا الصحيح مِن المذهب. انتهى. وفي "المبدع": ويتوجَّه أنه صلى الله عليه وسلم رخَّص للأعرابي لحاجته، ولم يكن كفَّارة. انتهى.

قلت: ويؤيده استدلالهم به على سقوطها بالعجز، وإلا لم يكن ثَمَّ عَجزٌ، بل حصل الإخراج والإجزاء.

(1)

في "ذ": "لم تجب إلا بسبب الصوم".

(2)

تقدم تخريجه (5/ 269)، تعليق رقم (1).

ص: 279

باب

(ما يُكره) في الصوم (وما يُستحبُّ في الصوم، وحُكم القضاء) أي: قضاء رمضان والنذور.

‌(لا بأس بابتلاع الصائم رِيقه

على جاري العادة) بغير خِلاف؛ لأنه لا يمكن التحرُّز منه، كغبار الطريق.

(ويُكره) للصائم (أن يجمعه) أي: رِيقه (ويبتلعه) لأنه قد اختُلف في الفِطر به، وأقلُّ أحواله أن يكون مكروهًا (فإن فَعَله) أي: جَمَعَ رِيقه وبَلَعه (قصدًا، لم يفطر) لأنه يصل إلى جَوفه مِن معدنه، أشبه ما لو لم يجمعه؛ ولأنه إذا لم يجمعه وابتلعه قصدًا، لا يفطر إجماعًا

(1)

، فكذلك إذا جمعه (إن لم يخرجه) أي: رِيقه (إلى بين

(2)

شفتيه، فإن فَعَلَ) أي: أخرجه إلى بين شفتيه (أو انفصل) رِيقه (عن فَمِهِ، ثم ابتلعه) أفطر؛ لأنه فارق معدنه مع إمكان التحرُّز منه في العادة، أشبه الأجنبي.

(أو ابتلع رِيق غيره أفطر) لأنه واصل مِن خارج.

(وإن أخرج مِن فِيهِ حصاة أو درهمًا أو خيطًا أو نحوه) كدينار (وعليه) شيء (مِن رِيقه، ثم أعاده) أي: ما ذكر مِن الحصاة والدرهم والخيط ونحوه (فإن كان ما عليه) مِن رِيقه (كثيرًا فبَلَعَه، أفطر) لأنه واصل مِن خارج، لا يشقُّ التحرُّز منه و (لا) يفطر (إن قلَّ) ما على الحصاة أو الخيط أو الدرهم أو نحوه (لعدم تحقُّق انفصاله) والأصل بقاء الصوم.

(1)

مراتب الإجماع لابن حزم ص/ 70، 71. والمجموع للنووي (6/ 277).

(2)

في "ح": "إلى ما بين".

ص: 280

(ولا إن أخرج لسانه ثم أعاده) وعليه رِيقه (وبَلَع ما عليه، ولو كان كثيرًا) لأن الريق الذي على لسانه لم يفارق محلَّه، بخلاف ما على غير اللسان.

(وتُكره له المبالغة في المضمضة والاستنشاق) لقوله صلى الله عليه وسلم للَقِيطِ بنِ صَبِرَةَ: "وبالِغ في الاستنشاقِ إلا أن تكون صائمًا"(وتقدم) في الوضوء

(1)

.

(وإن تنجَّس فَمُهُ، ولو بخروج قيء ونحوه) كقَلَس

(2)

(فَبَلَعه، أفطر) نصَّ عليه

(3)

(وإن قَلَّ) لإمكان التحرُّز منه؛ ولأن الفم في حكم الظاهر، فيقتضي حصول الفِطر بكل ما يصل منه، لكن عفي عن الريق؛ للمشقَّة.

(وإن بَصَقَ وبقي فَمُهُ نجسًا، فبلع ريقه، فإن تحقَّق أنه بلع شيئًا نجسًا، أفطر) لما سبق (وإلا) أي: وإن لم يتحقَّق أنه بلع شيئًا نجسًا (فلا) فِطر

(4)

؛ إذ لا يفطر ببَلعِ رِيقه الذي لم تخالطه نجاسة.

(ويحرم) على الصائم (بَلعُ نخامة) إذا حصلت في فِيهِ؛ للفِطر بها، (ويفطر) الصائم (بها) إذا بلعها (سواء كانت مِن جوفه، أو صدره، أو دماغه بعد أن تصل إلى فَمِهِ) لأنها من غير الفم، كالقيء.

(1)

(1/ 214)، تعليق رقم (2).

(2)

القَلَس: ما خرج من البطن من طعام أو شراب، ووصل إلى الفم، إذا كان مِلءَ الفم أو دونه، فإذا غَلَبَ فهو قيء. المصباح المنير ص/ 704، مادة:(قلس).

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 130) رقم 637.

(4)

"قال في المغني: وإن ألقاه من فيه وبقي فمه نجسا، أو تنجس فمه بشيء من خارج فابتلع ريقه، فإن كان معه جزء من النجس، أفطر بذلك الجزء، وإلا فلا. ومعناه في الكافي ا. هـ". ش.

ص: 281

(ويُكره له) أي: الصائم

(1)

(ذَوْقُ الطعام) لأنه لا يأمن أن يصل إلى حَلْقِه، فيفطره. قال أحمد

(2)

: أحب أن يجتنب ذَوْقَ الطعام، فإن فَعَلَ فلا بأس، ذكره جماعةٌ وأطلقوا. وذكر المجد وغيره: أن المنصوص عنه

(3)

: لا بأس به؛ لحاجة ومصلحة، واختاره في "التنبيه" وابن عقيل، وحكاه أحمد والبخاري عن ابن عباس

(4)

، فلهذا قال المصنف:(بلا حاجة) إلى ذَوْقِ الطعام.

(وإن وَجَدَ طعمه) أي: المذوق (في حَلْقِه، أفطر) قال في "شرح المنتهى": فعلى الكراهة متى وجد طعمه في حَلْقِه، أفطر؛ لإطلاق الكراهة. انتهى. ومقتضاه: أنه لا فِطر إذا قلنا بعدم الكراهة؛ للحاجة.

(ويُكره مَضغُ العلك الذي لا يتحلل

(5)

منه أجزاء) لأنه يجمع الريق، ويحلب الفم، ويورث العطش (فإن وجد طعمه في حَلْقِه، أفطر) لأنه واصل أجنبي يمكن التحرُّز منه.

(1)

في "ح": "للصائم".

(2)

كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 480)، والفروع (3/ 61).

(3)

المرجع السابق.

(4)

لم نقف عليه في شيء من كتب الإمام أحمد المطبوعة. وأورده شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصيام من شرح العمدة (1/ 480) فقال: قال في رواية حنبل: عن عكرمة، عن ابن عباس: لا بأس أن يذوق الصائم الخَلَّ والشيءَ الذي يريد شراءه ما لم يَدخل حَلقه. وذكره البخاري في الصيام، باب 25 معلقًا مجزومًا به، ووصله ابن أبي شيبة (3/ 47)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 886) رقم 2497، والبيهقي (4/ 261) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لا بأس أن يتطعم الصائم القِدر أو الشيء.

(5)

في "ح": "تتحلل".

ص: 282

(ويحرم مَضْغُ ما يتحلل منه أجزاء) مِن علك وغيره. قال في "المبدع": إجماعًا؛ لأنه يكون قاصدًا لإيصال شيء من خارج إلى جَوفه مع الصوم، وهو حرام (ولو لم يبتلع ريقه) إقامة للمظنَّة مقام المَئِنَّة

(1)

. وفي "المقنع" و"المغني" و"الشرح": إلا أن لا يبتلع ريقه، وهو ظاهر "الوجيز"؛ لأن المحرَّم إيصال ذلك إلى جَوفه، ولم يوجد.

(وتُكره القُبلة ممن تُحرِّك شهوتَه) فقط؛ لقول عائشة: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وهوَ صائمٌ، ويُباشِرُ وهوَ صائمٌ، وكانَ أملَكَكُم لإرْبِهِ". متفق عليه

(2)

. ولفظه لمسلم. و"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنهَا شابًّا، ورخَّصَ لشَيخ". حديث حسن رواه أبو داود

(3)

من حديث أبي هريرة، ورواه سعيد عن أبي هريرة

(4)

، وأبي الدرداء

(5)

، وكذا عن ابن

(1)

قال ابن الأثير في النهاية (4/ 290): "وكل شيء دل على شيء فهو مئنةٌ له، وحقيقتها أنها مفعِلة عن معنى "إنَّ" التي للتحقيق والتأكيد، غير مُشتقَّة من لفظِها؛ لأن الحروف لا يُشتق منها، وإنما ضُمِّنت حروفها، دَلالة على أن معناها فيها".

(2)

تقدم تخريجه (5/ 252) تعليق رقم (1).

(3)

في الصوم، باب 35، حديث 2387، ولفظه:"أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخص له، وأتاه آخر فسأله، فنهاه؛ فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب"، وأخرجه - أيضًا - ابن عدي (1/ 415)، والبيهقي (4/ 231). وضعَّفه ابن حزم في المحلى (6/ 208)، وابن القيم في زاد المعاد (2/ 58 - 59)، والحافظ في الفتح (4/ 150). وقال النووي في المجموع (6/ 322): رواه أبو داود بإسناد جيد، ولم يُضعفه.

وله شاهد عن عائشة رضي الله عنها رواه البيهقي (4/ 232).

(4)

لم نجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور، كما لم نقف عليه عند غيره.

(5)

لم نجده في القسم المطبوع من سننه، وأخرجه - أيضًا - مسدد، كما في المطالب العالية (2/ 414) رقم 1091، والبيهقي (4/ 232).

ص: 283

عباس

(1)

بإسناد صحيح.

(وإن ظنَّ الإنزال) مع القُبلة؛ لفرط شهوته (حَرُم) بغير خِلاف

(2)

. ذكره المجد

(3)

.

(ولا تُكره) القُبلة (ممن لا تُحرِّك شهوته) لما سبق (وكذا دواعي الوَطء كلها) من اللمس وتكرار النظر، حكمها حكم القُبلة فيما تقدَّم.

(ويُكره تَرْكه) أي: الصائم (بقية طعام بين أسنانه) خشية أن يجري ريقه بشيء منه إلى جَوفه.

(و) يُكره للصائم (شَمُّ ما لا يأمن أن يجذبه نَفَسُه إلى حَلْقه، كسحيق مِسك، وكافور ودُهن ونحوها) كبخور عود وعنبر.

(ويجب اجتناب كَذِب وغيبة ونميمة وشَتْم) أي: سَبٍّ (وفُحش)

(1)

لم نجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 293)، والشافعي في الأم (2/ 98) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 257)، والطحاوي (2/ 95)، والبيهقي (4/ 232) عن عطاء بن يسار: أن ابن عباس رضي الله عنهما سُئل عن القُبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب. وصحَّح أسانيدَهم النووي في المجموع (6/ 322).

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 185) رقم 7418، عن أبي مجلز، عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.

وأخرجه ابن ماجه في الصيام، باب 20، حديث 1688، بلفظ: رخِّص للكبير الصائم في المباشرة، وكره للشاب.

قال النووي في المجموع (6/ 322): ظاهره أنه مرفوع. وضعَّفه البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 301).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 324)، والتاج والإكليل (2/ 416)، والمجموع (6/ 323)، وشرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 486).

(3)

في "ذ" زيادة: "وغيره".

ص: 284

قال ابن الأثير

(1)

: هو كل ما اشتد قبحه مِن الذنوب والمعاصي (ونحوه، كلَّ وقت) لعموم الأدلة (و) وجوب اجتناب ذلك (في رمضان، ومكان فاضل آكد) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "مَن لم يدَع قول الزُّور والعَملَ بهِ، فليس لله حاجَةٌ في أن يدَعَ طعَامَهُ وشَرَابَهُ". رواه البخاري

(2)

. ومعناه: الزجر والتحذير. ولأن الحسنات تتضاعف بالمكان والزمان الفاضلين، وكذا السيئات على ما يأتي.

(قال) الإمام (أحمد

(3)

): ينبغي للصائم أن يتعاهد صومَه مِن لسانه، ولا يماري) أي: يجادل (ويصونَ صومَه، ولا يغتَب أحدًا) أي: يذكره بما يَكره، بهذا فَسَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة، رواه مسلم

(4)

. وإن كان حاضرًا، فهو الغيبة في بُهت. قال في "الحاشية": والغيبة محرَّمة بالإجماع

(5)

، وتُباح لغرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصول إليه إلا بها، كالتظلُّم، والاستفتاء، والاستعانة على تغيير المنكر، والتعريف، ونحو ذلك.

(ولا يعمل عملًا يجرح

(6)

به صومه) وكان السلف إذا صاموا

(1)

النهاية في غريب الحديث (3/ 415).

(2)

في الصوم، باب 8، حديث 1903، وفي الأدب، باب 51، حديث 6057.

(3)

المغني (3/ 447)، وكتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 541)، والفروع (3/ 64).

(4)

في البر والصلة، حديث 2589، ولفظه:"أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذِكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه".

(5)

نقل الإجماع على ذلك ابن حزم في مراتب الإجماع ص/ 252.

(6)

في "ح": "وذ": "يخرق"، وذكر بهامش "ذ" أن في نسخة:"يجرح".

ص: 285

جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظُ صومنا، ولا نغتاب أحدًا

(1)

.

(فيجبُ كَفُّ لسانه عما يحرم) كالكذب، والغيبة ونحوهما.

(ويُسَنُّ) كفُّه (عما يُكره) قلت: وعن المباح أيضًا؛ لحديث: "من حُسن إسلامِ المرء تَركُه ما لا يعنيه"

(2)

.

(1)

أخرجه ابن شيبة (3/ 4)، وهناد في الزهد (2/ 573) رقم 1207، - واللفظ له - وأبو نعيم في الحلية (1/ 382)، وابن حزم في المحلى (6/ 179) عن أبي المتوكل الناجي.

(2)

رواه الترمذي في الزهد، باب 11، حديث 2317، وابن ماجه في الفتن، باب 12، حديث 3976، وابن حبان "الإحسان"(1/ 466) حديث 229، وأبو الشيخ في الأمثال ص/ 54 حديث 54، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 144) حديث 192، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 255) حديث 4987، وفي الأربعون الصغرى ص/ 51 حديث 19، وفي الآداب ص/ 510 حديث 1152، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 198) من طريق قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا.

ورواه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 220)، والترمذي في الزهد، باب 11، حديث 2318، ومالك في الموطأ (2/ 903)، ووكيع في الزهد (2/ 645) حديث 364، وعبد الرزاق (11/ 307) حديث 20617، وابن أبي عمر العَدني في الإيمان ص/ 11 حديث 45، وهناد في الزهد (2/ 539) حديث 1117، والفسوي في المعونة والتاريخ (1/ 360)، وابن أبي الدنيا في الصمت ص/ 92، حديث 107، وابن أبي عاصم في الزهد ص/ 50، حديث 103، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 1048) حديث 3033، والعقيلي (2/ 9)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 437) حديث 439، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 144) حديث 193، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 254) حديث 4986، وفي الأربعون الصغرى ص/ 48، حديث 18، جميعهم من طرق عن الزهري، عن علي بن الحسين - مرسلًا -.

ورجَّحه - أي المرسل - غير واحد: قال البخاري: لا يصح إلا عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة، =

ص: 286

(ولا يُفطِر بغيبة ونحوها) قال أحمد

(1)

: لو كانت الغيبة تُفطِر، ما كان لنا صوم. وذَكَره الموفَّق إجماعًا

(2)

. وذكر الشيخ تقي الدين

(3)

وجهًا: يفطر بغيبة ونميمة ونحوهما. قال في "الفروع": فيتوجَّه منه احتمال: يُفطر بكلِّ محرَّم. وقال أنس: "إذا اغتاب الصائمُ أفطر"

(4)

، وعن إبراهيم قال: "كانوا يقولون: الكذب يفطر

= عن أبي هريرة. وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 287): وممن قال: إنه لا يصح إلا عن علي بن الحسين مرسلًا الإمام أحمد، ويحيى بن معين

وقد خلط الضعفاء في إسناده على الزهري تخليطًا فاحشًا، والصحيح فيه المرسل. وقال العقيلي: والصحيح حديث مالك. وقال الدارقطني في العلل (3/ 110): والصحيح قول من أرسله عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال البيهقي في شعب الإيمان (4/ 255): إسناد الأول - يعني المرسل - أصح. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (4/ 220)، وأحمد (1/ 201)، وهناد في الزهد (2/ 540) حديث 1118، والعقيلي (2/ 9)، والطبراني في الكبير (3/ 138) حديث 2886، وفي الأوسط (9/ 184) حديث 8397، وفي الصغير (2/ 111)، وتمام (1/ 203) حديث 474 - 478، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 197) عن الحسين بن علي رضي الله عنهما. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 18): رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ورجال أحمد والكبير ثقات.

وأخرجه الطبراني في الصغير (2/ 43)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 143) حديث 191، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 18): فيه محمد بن كثير بن مروان، وهو ضعيف.

(1)

طبقات الحنابلة (1/ 132)، والفروع (3/ 64).

(2)

المغني (4/ 352).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 160، وانظر مسائل ابن هانئ (1/ 131) رقم 644، وكتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 542).

(4)

أخرجه هناد في الزهد (2/ 573) رقم 1204، وعلقه ابن حزم في المحلى (6/ 179).

ص: 287

الصائم"

(1)

، وعن الأوزاعي:"مَن شاتم، فَسَدَ صومه"

(2)

؛ لظاهر النهي. وذكر بعضُ أصحابنا رواية

(3)

: يُفطِر بسماع الغيبة. وقال المجد: النهي عنه؛ ليسلم مِن نقص الأجر. قال في "الفروع": ومراده أنه قد يكثر، فيزيد على أجر الصوم، وقد يقل، وقد يتساويان. وأسقط أبو الفَرَج ثوابه بالغيبة ونحوها، ومراده ما سبق، وإلا فضعيف.

(وإن شُتِم، سُنَّ قولُه جهرًا في رمضان) للأمن

(4)

مِن الرياء، وفيه زَجْر مَن شاتمه؛ لأجل حُرمة الوقت (إنِّي صائم. وفي غيره) أي: غير رمضان يقوله (سرًّا؛ يزجر نفسه بذلك) خَوْفَ الرياء. وهذا اختيار صاحب "المحرر"، وفي "الرعاية": يقوله مع نفسه. واختار الشيخ تقي الدين

(5)

: يجهر به مطلقًا؛ لأن القول المطلق باللسان، وهذا

(6)

ظاهر "المنتهى"؛ لظاهر حديث "الصحيحين" عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفث ولا يَصخَب، فإن شاتمهُ أحدٌ أو قاتلَهُ فليقُل: إني امرؤٌ صائِمٌ"

(7)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 4)، وهناد في الزهد (2/ 573) رقم 1205، وابن أبي الدنيا في الصمت ص/ 243 رقم 393، وأبو نعيم في الحلية (4/ 227).

(2)

لم نقف على من أخرجه مسندًا، وذكره - أيضًا - العراقي في طرح التثريب (4/ 91).

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 131) رقم 644.

(4)

في "ح": "لأنه"، وفي الهامش قال: لعلة يأمن، وفي "ذ":"لأمنه".

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 161.

(6)

في "ذ": "وهو".

(7)

البخاري في الصوم، باب 9، حديث 1904، ومسلم في الصيام، حديث 1151 (163)، ولفظهما "فإن سَابَّه".

ص: 288

فصل

(يُسَنُّ تَعجيل الإفطار إذا تحقَّق الغروب) لحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزالُ النَّاسُ بخير ما عَجَّلوا الفِطرَ" متفق عليه

(1)

(وله الفِطر بغلبة الظن) أن الشمس قد غربت؛ لأنهم أفطروا في عهده صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس

(2)

. ولأن ما عليه أمارة يَدخله الاجتهاد، ويُقبَلُ فيه قول واحد كالقِبلة.

(وفِطره قبل الصلاة أفضل) لفعله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم

(3)

مِن حديث عائشة، وابن عبد البر

(4)

عن أنس.

(1)

البخاري في الصوم، باب 45، حديث 1957، ومسلم في الصيام، حديث 1098.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 267)، تعليق رقم (3).

(3)

في الصيام، حديث 1099، عن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة، فقلنا: يا أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أحدهما يُعجِّل الإفطار، ويُعجِّل الصلاة، والآخر يؤخِّر الإفطار ويؤخِّر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجِّل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله يعني ابن مسعود، قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

التمهيد (20/ 23). ولفظه: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء. وأخرجه - أيضًا - البزار "كشف الأستار"(1/ 468) حديث 984، والفريابي في الصيام ص/ 67، حديث 69، وأبو يعلى (6/ 424) حديث 3792، وابن خزيمة (3/ 276) حديث 2063، وابن حبان "الإحسان"(8/ 274) حديث 3504، 3505، والطبراني في الأوسط (9/ 366) حديث 8788، والحاكم (1/ 432) والبيهقي (4/ 239) وفي شعب الإيمان (3/ 406) حديث 3899، والضياء في المختارة (6/ 36، 37) حديث 1997 - 1999، وزادوا:"المغرب". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 155) وقال: رواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني =

ص: 289

(و)

‌ يُسَنُّ (تأخير السُّحور

ما لم يخشَ طلوعَ الفجر الثاني) للأخبار، منها: ما روى زيد بن ثابت قال: "تسَحَّرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاةِ. قلتُ: كم كان بينهما؟ قال: قَدْرُ خمسينَ آية". متفق عليه

(1)

. ولأنه أقوى على الصوم، وللتحفُّظ مِن الخطأ، والخروج مِن الخلاف.

(ويُكره تأخير الجِماع مع الشك في طلوعه) أي: الفجر الثاني؛ لما فيه مِن التعرُّض لوجوب الكفَّارة؛ ولأنه ليس مما يتقوَّى به، ولو أسقط:"تأخير" لكان أخصر، وأظهر.

و (لا) يُكره (الأكل والشُّرب) مع الشك في طلوع الفجر الثاني (قال أحمد) في رواية أبي داود

(2)

: (إذا شَكَّ في) طلوع (الفجر، يأكل حتى يستيقن طلوعه) لأن الأصل بقاء الليل. (قال الآجري وغيره: ولو قال لعالِمَين: ارقُبا الفجر، فقال أحدهما: طَلَع، وقال الآخر: لم يطلع، أكَلَ حتى يتفقا) على أنه طلع، وقاله جَمْعٌ مِن الصحابة

(3)

وغيرهم، ذكره

= في الأوسط، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

وقال ابن حبان: خبر غريب.

ورواه أبو داود في الصوم، باب 21، حديث 2356، والترمذي في الصوم، باب 10، حديث 696، بلفظ:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفطر على رُطَبات قبل أن يصلي. . ."، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

ويأتي تخريجه مفصلًا (5/ 292) تعليق رقم (4).

(1)

البخاري في الصوم، باب 19، حديث 1921، وبمعناه في مواقيت الصلاة، باب 27، حديث 575، ومسلم في الصيام، حديث 1097.

(2)

مسائل أبي داود، ص/ 134 رقم 644.

(3)

منهم:

أ - أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (4/ 172) رقم 7365، =

ص: 290

في "المبدع"؛ لأن قولهما تعارض فتساقطا، والأصل عدم طلوعه.

(وتحصُل فضيلة السُّحور بأكل أو شُرب، وإن قلَّ) لحديث أبي سعيد: "ولو أن يجرَعَ أحَدُكُم جرعَة مِن مَاء". رواه أحمد

(1)

. وفيه

= وابن أبي شيبة (3/ 26) ولفظه: إذا نظر رجلان إلى الفجر، فشكَّ أحدُهما؛ فليأكلا حتى يتبيَّن لهما.

ب - عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 26) ولفظه: إذا شكَّ الرجلان في الفجر؛ فليأكلا حتى يستيقنا.

جـ - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (4/ 172) رقم 7367، 7368، وابن أبي شيبة (3/ 25) والبيهقي (4/ 221) ولفظه: أحلَّ الله لك الشرابَ ما شككتَ حتى لا تشكَّ.

د - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 25) عن مكحول قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوًا من ماء زمزم، فقال للرجلين: أطلع الفجر؟ فقال أحدهما: لا، وقال الآخر: نعم. قال: فشرب.

(1)

(3/ 12، 44)، وأول الحديث:"السحور أكله بركه فلا تدعوه، ولو. . ." إلخ. وأخرجه - أيضًا - ابن عدي (4/ 1583، 7/ 2628). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 150): فيه أبو رفاعة، ولم أجد من وثَّقه ولا جرَّحه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 81) حديث 1583: رواه أحمد، وإسناده قوي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 137 مع الفيض) ورمز لصحته.

وله شواهد منها:

أ - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه ابن حبان "الإحسان"(8/ 253) حديث 3476، ولفظه: تسحروا، ولو بجرعة من ماء.

ب - عن أنس رضي الله عنه: أخرجه أبو يعلى (6/ 87) حديث 3340، والعقيلي (3/ 50) والضياء في المختارة (5/ 130، 131) حديث 1752، 1753، 1754، ولفظه:"تسحروا، ولو بجرعة من ماء". وضعَّفه النووي في المجموع (6/ 361)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 150): رواه أبو يعلى، وفيه عبد الواحد بن ثابت الباهلي، وهو ضعيف. وذكره السيوطي في =

ص: 291

ضَعفٌ. قال

(1)

في "المبدع": (و) يحصُل (تمامُ الفضيلة بالأكل) لحديث عمرِو بن العاص يرفعه: "بينَنَا وبينَهُم أكلَةُ السَّحُور". رواه مسلم

(2)

. وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ سَحُورُ المؤمنِ التَّمرُ"

(3)

.

(ويُسَنُّ أن يُفطر على رُطب، فإن لم يجد) الرُّطب (فعلى التمر، فإن لم يجد) التمر (فعلى الماء) لحديث أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطرُ على رطبات قبلَ أن يصلِّيَ، فإن لم يكُن فعلى تمرات، فإن لم تكن تمراتٌ حسَا حسَوات من ماء". رواه أبو داود والترمذي

(4)

، وقال: حسن غريب.

= الجامع الصغير (3/ 244 - مع الفيض) ورمز لضعفه.

(1)

في "ذ": "قاله" وهو الصواب. انظر: المبدع (3/ 44).

(2)

في الصيام، حديث 1096، ولفظه:"فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".

(3)

في الصوم، باب 16، حديث 2345. وأخرجه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان" (8/ 253) حديث 3475، والبيهقي (4/ 236 - 237) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أبو داود في الصوم، باب 21، حديث 2356، والترمذي في الصوم، باب 10، حديث 696. وأخرجه - أيضًا - أحمد (3/ 164)، والقطيعي في جزء الألف دينار ص/ 72، حديث 52، والدارقطني (2/ 185)، والحاكم (1/ 432)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 227)، وابن حزم في المحلى (7/ 31)، والبيهقي (4/ 239)، وفي شعب الإيمان (3/ 406) حديث 3900، والخطيب في تاريخه (1/ 243)، والبغوي في شرح السنة (6/ 366) حديث 1742، وابن عساكر في تاريخه (8/ 226)، والضياء في المختارة (4/ 411 - 412) حديث 1584، 1585، 1586.

قال الدارقطني: هذا إسناد صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 235 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وانظر علل ابن أبي حاتم (1/ 224) والتلخيص الحبير (2/ 199).

ص: 292

(و) يُسَنُّ (أن يدعو عند فِطره، فإنَّ له

(1)

دعوة لا تُردُّ) لما روى ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو: "للصَّائِم عندَ فطرِهِ دعوةٌ لا تُرَدُّ"

(2)

.

(و) يُسنُّ أن (يقول) عند فِطره: (اللهمَّ لك صُمتُ، وعلى رِزقكَ أفطرتُ، سبحانك وبحمدك، اللهمَّ تقبَّل منِّي، إنك أنت السَّميعُ العليمُ) لما روى الدارقطني مِن حديث أنس

(3)

وابن عباس

(4)

: "كان

(1)

بعدها في "ح": "عند فطره".

(2)

في الصيام، باب 48، حديث 1753، وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 299، حديث 2262، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص 431، حديث 481، والحاكم (1/ 422)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 407 - 408) حديث 3904 - 3907).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 310): هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وقال الحافظ، كما في الفتوحات الربانية (4/ 342): هذا حديث حسن. ومال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 16) إلى تضعيفه. انظر: إرواء الغليل (4/ 14) رقم 921.

(3)

لم نقف عليه في سنن الدارقطني، وأخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 270) حديث 7545، في الصغير (2/ 51) وفي الدعاء (2/ 1229) حديث 918، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 217)، بلفظ:". . . بسم الله، اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت". قال الحافط في التلخيص الحبير (2/ 202): إسناده ضعيف، فيه داود بن الزِّبرِقان، وهو متروك.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 157): رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وفيه داود بن الزِّبرِقان وهو ضعيف. وانظر تحفة المحتاج (2/ 97).

(4)

الدارقطني (2/ 185). وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (12/ 146) حديث 12720، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 430 حديث 480. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 156): رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الملك بن هارون، وهو ضعيف.

وضعَّف إسنادَه النووي في المجموع (6/ 419)، وابن القيم في زاد المعاد (2/ 51)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 202). وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 107، مع الفيض) ورمز لضعفه. وانظر أطراف الغرائب والأفراد (3/ 313).

ص: 293

النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطرَ قالَ: اللهُمَّ لكَ صمنَا، وعلى رزقِكَ أفطَرنَا، فتقبَّل منَّا، إنكَ أنتَ السمِيعُ العليمُ". وعن ابن عمر قال:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أفطَرَ؛ قال: ذهبَ الظمَأ، وابتَلَّت العُرُوقُ، ووَجَبَ الأجرُ إن شاءَ الله تعالى". رواه الدارقطني

(1)

أيضًا.

(و‌

‌إذا غابَ حاجبُ الشمس الأعلى، أفطرَ الصائمُ حُكمًا،

وإن لم يَطعم) أي: يأكل أو يشرب (فلا يُثاب على الوِصال) قال في "المبدع": وفي الخبر

(2)

ما يدلُّ على أنه يُفطِرُ شرعًا.

(ومَن فطَّر صائمًا، فله مثلُ أجره) مِن غير أن ينقص مِن أجر الصائم شيء. رواه زيد بن خالد الجُهني مرفوعًا

(3)

.

(1)

(2/ 185). وفيه: "وثبت الأجر". وقال: إسناده حسن. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصوم، باب 22، حديث 2357، والنسائي في الكبرى (2/ 255) حديث 3329، و (6/ 82) حديث 10131، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 429، حديث 478، والحاكم (1/ 422)، والبيهقي (4/ 239)، والمزي في تهذيب الكمال (27/ 391).

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال الحافظ، كما في الفتوحات الربانية (4/ 339): هذا حديث حسن. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 107 مع الفيض) ورمز لصحته. وقال ابن منده: هذا حديث غريب. انظر: تهذيب الكمال (27/ 391).

(2)

أخرج البخاري في الصوم، باب 43، حديث 1954، واللفظ له، ومسلم في الصيام، حديث 1100، عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم".

(3)

أخرجه الترمذي في الصوم، باب 82، حديث 807، واللفظ له، والنسائي في الكبرى (2/ 256) حديث 3330، 3331، وابن ماجه في الصيام، باب 45، حديث 1746، وعبد الرزاق (4/ 311) رقم 7905، وسعيد بن منصور (2/ 129) حديث 2828، وابن أبي شيبة (5/ 351)، وأحمد (4/ 114، 116) و (5/ 192)، وعبد بن حميد (1/ 52) حديث 276، والدارمي في =

ص: 294

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال في "الفروع": (وظاهره) أي: كلامهم (أي شيء كان) كما هو ظاهر الخبر. وكذا رواه ابن خزيمة

(1)

من حديث سلمان الفارسي، وذكر فيه ثوابًا عظيمًا إن أشبعه

= الصوم، باب 13، حديث 1702، والبزار (9/ 233) حديث 3775، وابن خزيمة (3/ 277) حديث 2064، والعقيلي (1/ 225)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 224)، وابن حبان "الإحسان"(8/ 216، 10/ 491) حديثه 3429، 4633، والطبراني في الكبير (5/ 255 - 257) حديث 5267 - 5277، وفي الأوسط (2/ 31) حديث 1052، (8/ 342) حديث 7696، وفي الصغير (2/ 25) وابن عدي (6/ 2445)، والقطيعي في جزء الألف دينار ص/ 150، حديث 94، وأبو نعيم في الحلية (3/ 325، 7/ 98)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 241) حديث 382، والبيهقي (4/ 240)، وفي شعب الإيمان (3/ 418، 480) حديث 3953، 4121، وفي فضائل الأوقات ص/ 197، حديث 71، 72، والخطيب في تاريخه (1/ 243) والبغوي في شرح السنة (6/ 377) حديث 1818، 1819، وابن عساكر في تاريخه (40/ 367، 54/ 129).

قال الترمذي: حسن صحيح.

وقال البغوي: صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 187 مع الفيض) ورمز لصحته.

(1)

(3/ 191) حديث 1887، في حديث طويل بلفظ: "مَن فطَّر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وعِتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا الثواب مَن فطَّر صائمًا على تمرة، أو شربة ماء، أو مَذقة لبن

ومن أشبع فيه صائمًا سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة". ولم يجزم بصحته، فقال: إن صح الخبر.

وأخرجه - أيضًا - الحارث بن أبي أسامة، كما في بغية الباحث ص/ 112، حديث 318، وبقي بن مخلد في جزئه ص/ 138، حديث 67، والبزار (6/ 469) حديث 2501، والمحاملي في الأمالي ص/ 286، حديث 293، والعقيلي (1/ 35)، وابن حبان في المجروحين (1/ 247)، والطبراني في الكبير (6/ 261) حديث 6161، 6162، وابن عدي (2/ 638، 720)، =

ص: 295

(وقال الشيخ

(1)

: المراد) بتفطيره (إشباعه).

(و‌

‌يُستحبُّ في رمضان الإكثار مِن قراءة القرآن والذِّكرِ والصدقة)

لتضاعف الحسنات به. قال في "المبدع": وكان مالك يترك أصحاب الحديث في شهر رمضان، ويُقْبِلُ على تلاوة القرآن

(2)

. وكان الشافعي يقرأ ستين ختمة

(3)

. وقال إبراهيم: تسبيحة في رمضان خير مِن ألف تسبيحة فيما سواه

(4)

.

(ويُستحبُّ التتابع فورًا في قضائه) أي: رمضان؛ لأن القضاء يحكي الأداء، وفيه خروج مِن الخِلاف، وأنجى لبراءة الذِّمَّة. وظاهره: لا فَرقَ بين أن يكون أفطر بسبب مُحرَّم، أو لا (ولا يَجبان) أي: التتابع والفور في قضاء رمضان. قال البخاري: قال ابن عباس: "له أن يفرِّق؛ لقول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(5)

"

(6)

. وعن

= والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 305، 419) حديث 3608، 3955. وفي فضائل الأوقات ص/ 146، حديث 37، والخطيب في تاريخه (4/ 333). قال العقيلي: ليس له طريق ثبتٌ بيِّنٌ. قال ابن حبان: هذا لا أصل له.

وانظر: الكامل لابن عدي (2/ 722).

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 161.

(2)

انظر: لطائف المعارف لابن رجب ص/ 318.

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 134)، والخطيب في تاريخه (2/ 63).

(4)

لم نقف عليه من قول إبراهيم. وأخرجه الترمذي في الدعوات، باب 62، رقم 3472، وابن أبي شيبة (10/ 430)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 156)، والمزي في تهذيب الكمال (33/ 78)، من كلام الزهري.

(5)

سورة البقرة، الآية:184.

(6)

صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب 40، ولفظه: لا بأس أن يفرِّق. ورواه =

ص: 296

ابن عمر مرفوعًا: "قضاء رمضان إن شاء فرَّق وإن شاء تابع". رواه الدارقطني

(1)

، ولم يسنده غير سفيان بن بشر. قال المجد: لا نعلم

= عبد الرزاق (4/ 243) رقم 7665، وابن أبي شيبة (3/ 32، 33)، والدارقطني (2/ 192)، والبيهقي (4/ 258)، موصولًا، قال: صُمْ كيف شئت، قال الله:"فعدة من أيام أخر". وفي لفظ لعبد الرزاق والدارقطني: "فرِّقه إذا أحصيته".

(1)

(2/ 193)، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قضاء رمضان: "إن شاء فرَّق، وإن شاء تابع". وقال الدارقطني: لم يسنده غير سفيان بن بشر. وضعَّفه البيهقي (4/ 259)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 214).

وفي الباب: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه الدارقطني (2/ 192) وضعَّفه.

وعن جابر رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (2/ 194)، وقال: ولا يثبت متصلًا.

وعن محمد بن المنكدر مرسلًا: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 32)، والدارقطني (2/ 194)، والبيهقي (4/ 259). قاله الدارقطني: إسناده حسن، إلا أنه مرسل.

وعن صالح بن كَيسان مرسلًا: أخرجه البيهقي (4/ 259).

وقد روي موقوفًا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - ابن عباس رضي الله عنهما: كما تقدم آنفًا.

ب - أبو عبيدة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 457، 458)، وابن أبي شيبة (3/ 34)، والدارقطني (2/ 192)، والبيهقي (4/ 258).

ج - معاذ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 32)، والدارقطني (2/ 193)، والبيهقي (4/ 258).

د - أنس رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 32)، والبيهقي (4/ 258).

هـ - رافع بن خديج رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 32 - 33)، والدارقطني (3/ 193)، والبيهقي (4/ 258).

و - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (4/ 243، 244، 245) رقم 7664، 7673، 7673، وابن أبي شيبة (2/ 32)، والدارقطني (2/ 193)، والبيهقي (4/ 258).

ص: 297

أحدًا طعن فيه. والزيادة مِن الثقة مقبولة، ولأنه لا يتعلَّق بزمان معيَّن، فلم يجب فيه التتابع، كالنذر المُطلَق (إلا إذا لم يبقَ مِن شعبان إلا ما يتسع للقضاء فقط) فيتعيَّن التتابع؛ لضيق الوقت، كأداء رمضان في حَقِّ مَن لا عُذر له.

(و‌

‌لا يُكره القضاء في عشر ذي الحجَّة)

لأنها أيام عبادة، فلم يُكره القضاءُ فيها، كعشر المُحرَّم. ورُويَ عن عمرَ أنه كان يَستحبُّ القضاء فيها

(1)

.

(و‌

‌يجب العزمُ على القضاء)

إذا لم يفعله فورًا (في) القضاء (الموسَّع، وكذا كلُّ عِبادة متراخية) يجب العزمُ عليها، كالصَّلاة إذا دخل وقتها المتسع.

فصل

(ومَن فاته) صومُ (رمضانَ كله، تامًّا كان) رمضانُ (أو ناقصًا، لعُذر أو غيره

(2)

، كالأسير والمَطمور، وغيرهما، قضى عددَ أيامه) سواء (ابتدأه مِن أول الشَّهر، أو مِن أثنائه كأعداد الصلوات) الفائتة؛ لأن القضاء يجب أن يكون بعِدَّة ما فاته كالمريض والمسافر؛ لما تقدم من قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(3)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 256) رقم 7714، وأبو عبيد في غريب الحديث (3/ 397) ومسدَّد، كما في المطالب العالية (1/ 402) رقم 1052، وابن أبي شيبة (3/ 74)، والبيهقي (4/ 285). وصحَّحه الحافظ في الفتح (4/ 189).

(2)

في "ذ": "وغيره".

(3)

سورة البقرة، الآية:184.

ص: 298

(ويجوز أن يقضي يومَ شتاء عن يومِ صيف، وعكسُه) بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء؛ لعموم الآية.

(وإن كان عليه معه) أي: مع قضاء رمضان (صوم نَذر لا يخاف فَوته) لاتساع وقته (بدأ بقضاء رمضان) وجوبًا، قاله في "شرح المنتهى". فإن خاف فَوتَ النَّذر لضيق وقته، قَدَّمه.

قلت: إلا أن يضيق الوقت عن قضاء رمضان؛ بأن كان عليه مثلًا عشرة أيام مِن رمضان، ونَذَرَ أن يصوم عشرة أيام مِن شعبان، ولم يبقَ سوى العشرة فيصومها عن قضاء رمضان؛ لتعيُّن الوقت لها.

(ويجوز تأخير قضائه) أي: رمضان (ما لم يفت وقته، وهو) أي: وقت القضاء (إلى أن يُهلَّ رمضان آخر) لقول عائشة: "كانَ يكونُ عليَّ الصومُ مِن رمضانَ فما أستَطيعُ أن أقضِيهُ إلا في شعبانَ؛ لمكانِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم". متفق عليه

(1)

. وكما لا يؤخِّر الصلاة الأولى إلى الثانية (فلا يجوز تأخيره) أي: قضاء رمضان (إلى رمضانَ آخر مِن غير عُذر) نصَّ عليه

(2)

، واحتجَّ بما تقدَّم عن عائشة.

(ويحرم التطوُّع بالصوم قبلَه) أي: قبل قضاء رمضانَ (ولا يصحُّ) تطوُّعه بالصوم قبل قضاء ما عليه مِن رمضان، نصَّ عليه

(3)

. نقل حنبل أنه لا يجوز، بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه، وإن كان عليه نَذرٌ،

(1)

البخاري في الصوم، باب 40، حديث 1950، ومسلم في الصيام، حديث 1146 (151)، واللفظ له.

(2)

الفروع (3/ 92)، والإنصاف (3/ 331).

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 136) رقم 672.

ص: 299

صامه، يعني بعد الفرض. وروى حنبل

(1)

بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن صامَ تطوُّعًا وعليهِ مِن رمضان شيءٌ لم يقضِهِ، فإنَّهُ لم يُتَقبَّل منهُ حتَّى يصُومَهُ"

(2)

. وكالحجِّ، والحديث يرويه ابن لهيعة وهو ضعيف، وفي سياقه ما هو متروك؛ فإنه قال في آخره:"ومن أدركهُ رمضَانُ وعليهِ مِن رمضَانَ شيءٌ، لم يُتَقبل منهُ" قاله في "الشرح"، (ولو اتَّسع الوقت" أي: وقت القضاء، وعنه: بلى إن اتَّسع الوقت

(3)

.

(فإن أخَّره) أي: قضاء رمضان (إلى رمضانَ آخر، أو) أخَّره إلى (رمضانات، فعليه القضاء وإطعام مسكين لكلِّ يوم، ما يجزئ في كفَّارة) رواه سعيد

(4)

بإسناد جيد عن ابن عباس، فيما إذا أخَّره

(1)

"وفي الفروع [3/ 130] رواه أحمد [2/ 352] " ش.

(2)

لعلَّ حنبلًا رواه في مسائله ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - أحمد (2/ 352)، ولفظه: من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه، لم يُتقبَّل منه، ومن صام تطوعًا، وعليه من رمضان شيء لم يقضه، فإنه لا يُتقبَّل منه حتى يصومه. والجملة الأولى أخرجها - أيضًا - ابن حبان في المجروحين (2/ 31)، والطبراني في الأوسط (4/ 173 - 174) حديث 3308، وقال: لا يُروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به ابن لهيعة. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 149): رواه الطبراني في الأوسط، وأحمد أطول من هذا، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 45 مع الفيض) ورمز لحسنه. وانظر علل ابن أبي حاتم (1/ 259).

(3)

انظر المغني (4/ 401 - 402)، والفروع (3/ 130).

(4)

لم نجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وذكره البخاري في الصوم، باب 40، قبل حديث 1950، معلقًا بصيغة التمريض، ووصله =

ص: 300

لرمضانَ آخر، والدارقطني

(1)

بإسناد صحيح عن أبي هريرة، ورواه

(2)

مرفوعًا بإسناد ضعيف.

(ويجوز إطعامه قبل القضاء، ومعه وبعدَه) لقول ابن عبَّاس. (والأفضل) إطعامه (قبلَه) قال المجد: الأفضل عندنا تقديمه؛ مسارعة إلى الخير، وتخلُّصًا مِن آفات التأخير، وإنما لم تتكرَّر الفِدية بتعدُّد الرمضانات؛ لأن كثرة التأخير لا يزاد بها الواجب، كما لو أخَّر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر مِن فِعله.

(وإن أخَّره) أي: قضاء رمضان حتى أدركه آخر أو أكثر (لعُذر) نحو مَرَض أو سَفَر (فلا كفَّارة) لعدم الدليل على وجوبها إذن.

= أبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 332) رقم 239، والبيهقي (4/ 253)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 306) رقم 8816، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 188)، عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل أدركه رمضان وعليه رمضان آخر، قال: يصوم هذا، ويُطعم عن ذاك كل يوم مسكينًا، ويقضيه. هذا لفظ البيهقي.

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 236) رقم 7628، بنحوه.

(1)

(2/ 196، 197، 198)، من طرق وصحَّحها. وذكره البخاري في الصوم، باب 40، قبل حديث 1950، معلقًا بصيغة التمريض، ووصله عبد الرزاق (4/ 234) رقم 7620، 7621، والبيهقي (4/ 253)، وفي معرفه السنن والآثار (6/ 306) رقم 8814، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 188) وقال: إسناد حسن موقوف.

(2)

(2/ 197). وأخرجه - أيضًا - ابن الجوزي في التحقيق (2/ 97) وفيه إبراهيم بن نافع وعمر بن موسى بن وجيه. قال الدارقطني: ضعيفان. وقال البيهقي (4/ 253): ورفعه ليس بشيء، إبراهيم وعمر متروكان، وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 238): وهما ضعيفان، ولا يصح في الإطعام شيء.

ونقل ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 331) عن البيهقي في خلافياته: لا يصح مرفوعًا.

ص: 301

(ولا قضاء إن مات) مَن أخَّر القضاء لعُذر؛ لأنه حقٌّ لله تعالى وجب بالشرع، فَسَقَطَ بموت مَن يجب عليه قبل إمكان فِعلِه إلى غير بَدَل، كالحج.

(ومَن دام عُذره بين الرمضانين ثم زال) عُذره (صام الرمضان الذي أدركه) لأنه لا يسعُ غيره (ثم قضى ما فاته) قبلُ (ولا إطعام) عليه. نصَّ عليه

(1)

(كما لو مات قبل زواله) أي: العُذر، فإنه يَسقط عنه القضاء والكفَّارة، وأما الحي فتسقط عنه الكفَّارة دون القضاء؛ لإمكانه.

(فإن أخَّره) أي: القضاء (لغير عُذر، فمات قبل رمضان آخر) أو بعد

(2)

(أُطعِم عنه لكل يوم مسكين) رواه الترمذي

(3)

عن ابن عمر

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 136) رقم 671، ومسائل الكوسج ص/ 62 رقم 45.

(2)

في "ح" و"ذ": "أو بعده".

(3)

في الصوم، باب 23، حديث 718. وأخرجه - أيضًا - ابن خزيمة (3/ 273) حديث 2056، 2057، وابن عدي (1/ 365)، والبيهقي (4/ 254)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 98)، والذهبي في أعلام النبلاء (6/ 277، 8/ 228) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا قال: من مات وعليه صيام شهر فليُطعم عنه مكان كل يوم مسكينًا. قال الترمذي: حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصحيح عن ابن عمر موقوف قوله.

وأخرجه ابن ماجه في الصيام، باب 50، حديث 1757، من طريق أشعث عن محمد بن سيرين عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

وقوله: "عن محمد بن سيرين" وَهْمٌ. انظر الكامل لابن عدي، وتحفة الأشراف (6/ 227)، والتلخيص الحبير (2/ 209) فقد صرَّحوا أن محمدًا المذكور في حديث ابن ماجه هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي، وليس محمد بن سيرين. =

ص: 302

مرفوعًا بإسناد ضعيف، والصحيح وَقفُهُ عليه. وسُئلت عائشةُ عن القضاء فقالت:"لا، بل يُطعِمُ". رواه سعيد

(1)

بإسناد جيد، (ولا يُصام عنه؛ لأن الصومَ الواجب بأصل الشَّرع لا يُقضى عنه) لأنه لا تدخله النيابة في الحياة، فكذا بعد الموتِ، كالصلاة.

(والإطعام مِن رأس ماله، أوصى به أو لا) كسائر الديون.

(ولا يجزئ صوم عن كفَّارة عن ميت، ولو أوصى به) لأنه وجب بالشرع، أشبه قضاءَ رمضان (لكن لو مات بعد قُدرَته عليه) أي: على صوم الكفَّارة (وقلنا: الاعتبار بحالة الوجوب، وهو المذهب) كما يأتي توضيحه في كتاب الظِّهار (أُطعم عنه ثلاثة مساكين لكل يوم مسكين) في كفَّارة اليمين، قياسًا على قضاء رمضان.

(ولو مات وعليه صوم شهر) أو أقل أو أكثر (مِن كفَّارة) ظِهار أو غيره (أُطعم عنه أيضًا) لكلِّ يوم مسكين؛ لما سبق (وكذا صوم متعة)

= وأخرجه البيهقي (4/ 254) وفي معرفة السنن والآثار (6/ 311) موقوقًا، وضعَّف المرفوعَ البيهقي في معرفة السنن والآثار، وابن الجوزي في التحقيق، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 330) وقال: رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف، والمحفوظ وقفه على ابن عمر. وصحَّح الموقوف - أيضًا - ابن حزم في المحلى (6/ 261) والدارقطني فيما نقله عنه ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 209)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 514)، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 339).

(1)

لم نجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه - أيضًا - الطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 178 - 179)، وصحَّح إسناده ابن التركماني في الجوهر النقي (4/ 257).

وقال البيهقي (4/ 257) عما رُوي عن عائشة رضي الله عنها في النهي عن الصوم عن الميت: فيه نظر، والأحاديث المرفوعة أصح إسنادًا وأشهر رجالًا.

ص: 303

الحجِّ إذا مات قبله.

(وإن ماتَ وعليه صومٌ منذور في الذِّمَّة) كأن نَذَرَ صومَ شهر غير معيَّن، أو عشرة أيام مطلقة، ثم مات (ولم يَصُم منه شيئا مع إمكانه، ففعل عنه، أجزأ عنه) لما في "الصحيحين": "أن امرَأة جَاءَت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمِّي ماتَت، وعليها صومُ نَذر، أفأصومُ عنها؟ قال: نعم"

(1)

؛ ولأن النيابة تدخل في العبادة بحسب خفتها، وهو أخف حكمًا من الواجب بأصل الشرع؛ لإيجابه من نفسه.

(فإن لم يُخَلِّف) الميتُ (تَرِكَة، لم يلزم الوليَّ شيءٌ، لكن يُسَنُّ له فِعلُه عنه؛ لتفرغ ذِمَّته، كقضاء دينه) لأنه صلى الله عليه وسلم شبَّهه بالدَّين.

(وإن خَلَّفَ) الميتُ (تَرِكَة، وجب) الفِعل، كقضاء الدَّين (فيفعله الوليُّ بنفسه استحبابًا) لأنه أحوط لبراءة الميت (فإن لم يفعلِ) الوليُّ بنفسه (وجب أن يدفع مِن تَرِكَتِهِ إلى مَن يصوم عنه عن كلِّ يوم طعام مسكين) لأن ذلك فِدية الصوم؛ لما تقدَّم.

(ويجزئ فِعل غيره) أي: الولي (عنه بإذنه وبدونه) لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شبَّهه بالدَّين، والدَّين يصحُّ قضاؤه مِن الأجنبي، ولا فَرقَ في ذلك بين صوم النَّذرِ وغيره مِن النذور.

(و‌

‌إن مات، وقد أمكنه صوم بعض ما نَذَره، قضي عنه ما أمكنه صومه فقط)

كمَن نَذَرَ صوم شهر، ومات قبل مضي ثلاثين يومًا، فيصام عنه ما مضى منه، دون الباقي؛ لأنه لم يثبت في ذِمَّته، بخِلاف

(1)

البخاري في الصوم، باب 42، حديث 1953، ومسلم في الصيام، حديث 1148 (156) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 304

المقدار الذي أدركه حيًّا؛ فإنه ثبت في ذِمَّته، وإن كان مريضًا؛ لأنَّ المرض لا ينافي ثبوتَ الصوم في الذِّمَّة، بدليل وجوب قضاء رمضان مع المرض ونحوه.

(ويجزئ صوم جماعة عنه) أي: الميت (في يوم واحد عن عِدَّتهم مِن الأيام) أي: لو كان على ميت صوم عشرة أيام، فصام عنه عشرة رجال في يوم واحد، أجزأ عنه؛ لأن المقصود يحصُل به مع نجاز إبراء ذِمَّته، ونقل عنه أبو طالب

(1)

: يصوم واحد. وحَمَله المجد على صوم شرطه التتابع، وتعليل القاضي بأنه كالحَجَّة المنذورة؛ يدلُّ على ذلك.

(وإن نَذَرَ صوم شهر بعينه) كالمُحَرَّم (فمات قبل دخولِه، لم يُصَم) عنه (ولم يُقضَ عنه).

وكذا لو جُنَّ قبله، ودام به الجنون حتى انقضى الشهر المعيَّن؛ لأنه لم يثبت صومه في ذِمَّته (قال المجد: وهو مذهب سائرِ الأئمة، ولا أعلم فيه خِلافًا

(2)

.

وإن مات في أثنائه) أي: الشهر المعين بالنَّذرِ (سَقَطَ باقيه) لما سَبَقَ.

(1)

كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 376).

(2)

هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، انظر: المبسوط (3/ 87)، وبدائع الصنائع (3/ 88)، والمجموع للنووي (6/ 206)، والشرح الكبير مع الإنصاف (7/ 389).

وخالف الإمام مالك؛ فأوجب عليه القضاء مطلقًا. انظر: مواهب الجليل (2/ 422)، وهو - أيضًا - رواية عن الإمام أحمد، وقول الشافعي في القديم.

ص: 305

(فإن لم يصمهُ) أي: النذر المعيَّن (لمرض حتى انقضى، ثم مات في مرضه، فعلى ما تقدَّم فيما إذا كان في الذِّمَّة، مِن أنه إن كان أمكنه فِعله قبل موته فُعِلَ عنه) وجوبًا إن خلَّف تَرِكَة، واستحبابًا إن لم يخلِّف شيئًا. وتقدم أن المرض لا يمنع ثبوت الصوم في الذِّمَّة، فالمراد بإمكان الفعل مضي زمن يتسع له.

(ولا كفَّارة مع الصوم عنه) أي: عن الميت، إذا كان منذورًا (أو الإطعام

(1)

) إن كان عليه قضاء رمضان، أو صوم متعة ونحوه.

(وإن مات وعليه حَجٌّ منذور، فُعِلَ عنه) نَصَّ عليه

(2)

؛ لما روى ابن عباس: "أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرَت أن تحجَّ فلم تحجَّ حتى ماتَت، أفأحجُّ عنها؟ قال: نعم حجِّي عنها". رواه البخاري

(3)

(4)

(ولا يعتبر تمكُّنه) أي: الناذر (مِن الحج في حياته) لظاهر الخبر؛ ولأن النيابة تدخله حال الحياة في الجُملة، فهو كنذر الصدقة والعتق.

(وكذا العمرة المنذورة) حكمها حكم الحج في ذلك؛ لمشاركتها له في المعنى.

(ويجوز أن يحجَّ عنه حجة الإسلام، ولو بغير إذن وليِّه) لشبهه بالدَّين في إبراء الذِّمَّة.

(1)

في "ذ": "ولا إطعام"، وفي "ح":"والإطعام".

(2)

مسائل عبد الله (2/ 758) رقم 1018.

(3)

في جزاء الصيد، باب 22، حديث رقم 1852، وفي الاعتصام، باب 12، حديث 7315.

(4)

مسائل عبد الله (2/ 758) رقم 1018.

ص: 306

(وله) أي: الحاج عن الميت حجَّة الإسلام بغير إذن وَليِّه (الرجوع على التَّرِكَة بما أنفق) بنيَّة الرُّجوع؛ لأنه قام بواجب.

(و‌

‌إن مات وعليه اعتكاف منذور، فُعِلَ عنه)

نَقَلَه الجماعة

(1)

؛ لقول سعد بن عبادة: "إن أمِّي ماتت وعليها نذرٌ لم تقضِهِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اقضِهِ عنها" رواه أبو داود

(2)

وغيره بإسناد صحيح من حديث ابن عباس، ومعناه متفق عليه

(3)

، ورُويَ عن عائشة

(4)

وابن عمر

(5)

، وابن عباس

(6)

، ولم يُعرف لهم مخالفٌ في الصحابة، وكالصوم.

(فإن لم يمكنه فِعله حتى مات) كمَن نَذَرَ اعتكاف شهر رمضان،

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 138) رقم 681.

(2)

في الأيمان والنذور، باب 25، حديث 3307. ورواه - أيضًا - البخاري في الوصايا، باب 19، حديث 2761، بهذا اللفظ.

(3)

البخاري في الأيمان والنذور، باب 30، حديث 6698، وفي الحيل، باب 3، حديث 6959، ومسلم في النذر، حديث 1638.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (1/ 107) رقم 424، وابن أبي شيبة (3/ 94) عن عامر بن مصعب:"أن عائشة اعتكفت عن أخيها بعدما مات".

(5)

ذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم في الأيمان والنذور، باب 30، بلفظ: وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقُباء، فقال: صلِّي عنها.

(6)

ذكره البخاري تعليقا في الأيمان والنذور، باب 30، عقب قول ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقال ابن عباس نحوه.

ووصله مالك في الموطأ (2/ 472). وأخرج عبد الرزاق (4/ 353) رقم 8032 و (9/ 58) رقم 16335، وابن أبي شيبة (3/ 94) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن أمه ماتت، وقد كان عليها اعتكاف، قال: فبادَرت إخوتي إلى ابن عباس، فسألته، فقال: اعتكف عنها، وصُمْ.

ص: 307

فمات قبل دخوله (فكالصوم) وكذا إن مات في أثنائه، على ما تقدَّم.

(وإن كانت عليه صلاةٌ منذورةٌ) ومات بعد التمكُّن (فُعلت عنه) كالصوم، وتصحُّ وصيته بها (ولا كفَّارة معه) أي: مع الفِعل عنه، كما لو فَعَلَه الناذر.

(وطوافٌ مَنذُورٌ كصلاة) منذورة فيما سبق (وأما صلاةُ الفرض فلا تُفعل عنده) ذكر

(1)

القاضي عياض

(2)

إجماعًا أنه لا يُصلَّى عنه فائتة (كقضاء رمضان) فإنه لا يُصام عنه، كما تقدَّم. وعلى ذلك يُحمل ما رواه مالك في "الموطأ" أنه بلغه عن ابن عمر:"أنه لا يصومُ أحدٌ عن أحد، ولا يصلِّي أحدٌ عن أحد"

(3)

.

(1)

في "ح": "ذكره".

(2)

إكمال المُعلم بفوائد مسلم (4/ 104). وحكى الإجماع - أيضًا - ابن عبد البر في التمهيد (9/ 133).

(3)

(1/ 303). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (9/ 61) رقم 16346، وأبو بكر بن الجهم، كما في نصب الراية (2/ 463) بنحوه.

وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 441، والبيهقي (4/ 254) بذكر الصوم فقط.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 175) رقم 2918، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 27) والاستذكار (10/ 168) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يُطعم عنه مكان كل يوم مدًّا من حنطة.

وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 209)، وانظر فتح الباري (11/ 584).

ص: 308

‌باب صوم التطوع وما يُكره منه وذِكْر ليلة القدر وما يتعلَّق بذلك

(أفضله) أي: صوم التطوُّع (صوم يوم، وإفطار يوم) لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "صُم يومًا، وأفطر يومًا، فذلك صيامُ داودَ، وهو أفضلُ الصيام، قلتُ: فإني أطيقُ أفضلَ من ذلك. فقال: لا أفضلَ من ذلكَ" متفق عليه

(1)

.

(ويُسَنُّ صوم ثلاثة أيام مِن كلِّ شهر) قال في "الشرح" و"المبدع": بغير خِلاف نعلمه. (والأفضل أن تكون أيام) الليالي (البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر) لما روى أبو ذَرٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا صُمتَ مِن الشَّهر ثلاثةَ أيَّام، فصُم ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عَشرة، وخمسَ عَشرة" رواه الترمذي

(2)

وحسَّنه

(1)

البخاري في الصوم، باب 56، حديث 1976، وفي أحاديث الأنبياء، باب 38، حديث 3418، وفي فضائل القرآن، باب 34، حديث 5052، ومسلم في الصيام، حديث 1159.

(2)

في الصوم، باب 54، حديث 761. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الصيام، باب 84، حديث 2421 - 2423، وفي الكبرى (2/ 136) حديث 2731، والطيالسي ص/ 64 حديث 475، وعبد الرزاق (4/ 299) حديث 7873، والحميدي (1/ 227) حديث 137، وأحمد (5/ 152، 162، 177)، والبزار (9/ 453) حديث 4064، وابن خزيمة (3/ 302) حديث 2128، وابن حبان "الإحسان" (8/ 414 - 416) حديث 3655، 3656، وتمام في فوائده (2/ 230) حديث 560، والبيهقي (4/ 294)، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه =

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (2/ 428) حديث 257، والبغوي في شرح السنة (6/ 355) حديث 1800، والرافعي في التدوين (3/ 475)، والمزي في تهذيب الكمال (31/ 318)، من طريق موسى بن طلحة، عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي والبغوي: حديث أبي ذر حديث حسن. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 395 - مع الفيض) ورمز لصحته.

وأخرجه - أيضًا - النسائي في الصيام، باب 84، حديث 2424، 2425، وفي الكبرى (2/ 137) حديث 2732، 2733، والطحاوي (2/ 80) من طريق موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتكيَّة، عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:"عليك بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة".

وأخرجه النسائي - أيضًا - في الصيد والذبائح، باب 25، حديث 4322، وعبد الرزاق (4/ 299) حديث (7874)، والحميدي (1/ 227) حديث 136، وأحمد (1/ 31، 5/ 150)، وأبو يعلى (1/ 166) حديث 185، وابن خزيمة (3/ 302) حديث 2127، والضياء في المختارة (1/ 420) حديث 299 من طريق موسى بن طلحة عن ابن الحَوتكيَّة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من حاضرُنا يوم القاحة؟ قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: أنا، أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرنب، فقال الرجل الذي جاء بها: إني رأيتها تَدْمَى فكان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل، ثم إنه قال: كلوا، فقال رجل: إني صائم، قال: وما صومك؟ قال: من كل شهر ثلاثة أيام، قال: فأين أنت عن البيض الغُرِّ: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة.

وأخرجه النسائي في الصيام، باب 84، حديث 2420، وفي الصيد والذبائح، باب 25، حديث 4321، وأحمد (2/ 336) وابن حبان "الإحسان"(8/ 410) حديث 3650، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ورواه النسائي في الصيام، باب 84، حديث 2427، عن موسى بن طلحة مرسلًا.

قال ابن خزيمة: قد خرَّجتُ هذا الباب بتمامه في كتاب الكبير، وبيَّنت أن موسى بن طلحة قد سمع من أبي ذر قصة الصوم دون قصة الأرنب، وروى عن =

ص: 310

(وهو) أي: صوم ثلاثة أيام مِن كلِّ شهر (كصوم الدَّهر، أي: يحصُل له) بصيامها (أجر صيام الدَّهر بتضعيف الأجر) الحسنة بعشر أمثالها (مِن غير حصول المفسدة) التي في صيام الدَّهر (والله أعلم.

وسُمِّيت بيضًا؛ لابيضاضها ليلًا بالقمر ونهارًا بالشمس) وهذا

= ابن الحَوتكيَّة القصتين جميعًا. وقال ابن حبان: سمع هذا الخبر موسى بن طلحة عن أبي هريرة، وسمعه من ابن الحوتكية، عن أبي ذر، والطريقان جميعان محفوظان. وصوَّب الدارقطني في العلل (2/ 231) الطريق المرسلة. وانظر: تحفة الأشراف (1/ 40)(9/ 187، 196).

وفي الباب: عن قتادة بن مِلحان، وجرير بن عبد الله رضي الله عنهما:

أ - حديث قتادة بن مِلحان رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الصوم، باب 68، حديث 2449، والنسائي في الصوم، باب 84، حديث 2428 - 2430، وابن ماجه في الصوم، باب 29، حديث 1707، والطيالسي ص/ 170، حديث 1225، وابن سعد (7/ 43)، وأحمد (4/ 165، 5/ 27 - 28)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 268) حديث 1646، والطحاوي (2/ 81)، وابن حبان "الإحسان"(8/ 411) حديث 3651، والطبراني في الكبير (19/ 15 - 17) حديث 23، 24، والبيهقي (4/ 294)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 277) ولفظه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام ليالي البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقال: هي كصوم الدهر". وانظر مختصر السنن للمنذري (3/ 329 - 330)، وتحفة المحتاج (2/ 11).

ب - حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه: أخرجه النسائي في الصوم، باب 83، حديث 2419، وأبو يعلى (13/ 492) حديث 7504، والطبراني في الكبير (2/ 356) حديث 2500، ولفظه: صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 59): رواه النسائي بإسناد جيد والبيهقي. وقال الحافظ في الفتح (4/ 226): إسناده صحيح. وقال النووي في المجموع (6/ 445): رواه النسائي بإسناد جيد. وانظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 265) والتلخيص الحبير (2/ 214).

ص: 311

يقتضي أنَّ الإضافة في كلامه بيانية، وأنَّ البيض وصفٌ للأيام، وكلامه في "الشرح" و"شرح المنتهى" وغيره يخالفه. قال: وسُمِّيت لياليها بالبيض؛ لبياض ليلها كله بالقمر. زاد في "الشرح": والتقدير ليالي الأيام البيض. وقيل: لأن الله تاب فيها على آدم وبيَّض صحيفته

(1)

.

(ويُسَنُّ صوم) يوم (الاثنين) بهمزة وصل، سُمِّي بذلك؛ لأنه ثاني الأسبوع، ذَكَره في "الحاشية" (و) يوم (الخميس) لقول أسامة بن زيد:"إن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يصُومُ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميس، فَسُئل عن ذلك، فقال: إنَّ أعمالَ الناسِ تُعرضُ يومَ الاثنين ويومَ الخميسِ" رواه أبو داود

(2)

. وفي لفظ: "وأُحِبُّ أن يُعرَضَ عَمَلي

(1)

لم نقف على شيء من ذلك مسندًا، وقد عزاه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصيام من شرح العمدة (2/ 595) إلى أبي الحسن التميمي في كتاب اللطف. وقد أخرج ابن عساكر في تاريخه (7/ 419) وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 343) حديث 916، عن ابن مسعود رضي الله عنه حديثًا طويلًا في توبة الله تعالى على آدم، وأنه هبط إلى الأرض مسودًّا، فلما صام هذه الأيام الثلاث أصبح كله أبيض. وفيه، فقال صلى الله عليه وسلم: فسُميت الأيام البيض.

قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يُشك في وضعه، وفي إسناده جماعة مجهولون لا يعرفون أصلًا، وإنما سُميت أيام البيض؛ لأن الليل كله يبيض بالقمر.

وقال الذهبي في تلخيص الموضوعات ص/ 167: وهذا كذب، فيه مجهولان.

وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (1/ 483): موضوع، في إسناده مجهولون.

وأخرجه ابن عساكر (7/ 419) عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا.

(2)

في الصوم، باب 60، حديث 2436. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 147) حديث 2781، 2782، 2783، 2785، والطيالسي ص/ 87، حديث 632، وابن سعد (4/ 71)، وابن أبي شيبة (3/ 42)، وأحمد (5/ 200، 204) والدارمي في الصيام، باب 41، حديث 1757، والبيهقي (4/ 293)، وفي شعب الإيمان (3/ 392) حديث 3859، وفي فضائل الأوقات ص/ 516، حديث 291، وابن عساكر في تاريخه (8/ 81) من =

ص: 312

وأنا صائِمٌ"

(1)

.

= طريق مولى قدامة بن مظعون، عن مولى أسامة بن زيد، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. زاد ابن أبي شيبة: إنهما تعرض فيهما الأعمال. قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 61): وفي إسناده رجلان مجهولان مولى قدامة ومولى أسامة. وانظر العلل لابن أبي حاتم (2/ 183).

وأخرجه بنحوه ابن خزيمة (3/ 299) حديث 2119، من طريق شرحبيل بن سعد، عن أسامة مرفوعًا.

وأخرجه أحمد (5/ 206)، والضياء في المختارة (4/ 143)، حديث 1357، مختصرًا:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس".

وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: "تُعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يُعرض عَمَلي وأنا صائم" أخرجه الترمذي في الصوم، باب 44، حديث 747، وفي الشمائل ص/ 157، حديث 298، وابن ماجه في الصيام، باب 42، حديث 1740، وأحمد (2/ 329)، والدارمي في الصوم، باب 41، حديث 1792، والبغوي في شرح السنة (6/ 354) حديث 1798، 1799، والمزي في تهذيب الكمال (25/ 201).

قال الترمذي: حديث أبي هريرة في هذا الباب حديث حسن غريب. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 62): رواه ابن ماجه ورواته ثقات. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 307): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

(1)

أخرجه النسائي في الصوم، باب 70، حديث 2356، 2357، وأحمد (5/ 201)، والبزار (7/ 69) حديث 2671، وأبو القاسم البغوي في مسند أسامة بن زيد ص/ 126، حديث 49، والمحاملي في الأمالي ص/ 416، حديث 485، وأبو نعيم في الحلية (9/ 18)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 378) حديث 3821، والضياء في المختارة (4/ 142 - 143) حديث 1356 - 1358. من طريق ثابت بن قيس، عن أبي سعيد المقبري، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه مرفوعًا. قال المنذري في مختصر السنن (3/ 320): وهو حديث حسن.

وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 225) حديث 771، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 377) حديث 3820، وفي فضائل الأوقات ص/ 115، =

ص: 313

(و)

‌ يُسَنُّ صومُ (ستة أيام مِن شوَّال

ولو متفرِّقة، فمَن صامها بعد أن صام رمضان، فكأنما صام الدَّهرَ) فَرضًا، كما في "اللطائف"

(1)

. وذلك لما روى أبو أيوب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صَامَ رَمَضَانَ وأتبَعَه سِتًّا مِن شَوَّال، فكأنَّمَا صَامَ الدَّهرَ" رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه

(2)

.

قال أحمد

(3)

: هو مِن ثلاثة أوجه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(4)

. ولا يجري

= حديث 21، من طريق ثابت بن قيس، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرفوعًا. وفي آخره:"فأحب أن يعرض لي فيها عمل صالح".

(1)

لطائف المعارف ص/ 393.

(2)

أبو داود في الصيام، باب 58، حديث 2433، والترمذي في الصوم، باب 53، حديث 759، وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الصيام، حديث 1164.

(3)

مسائل الأثرم، كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 556)، وانظر المغني (4/ 439).

(4)

الوجه الأول: حديث أبي أيوب رضي الله عنه المتقدم.

الوجه الثاني: حديث ثوبان رضي الله عنه، الآتي قريبًا.

الوجه الثالث: حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (3/ 308، 324، 344). وعبد بن حميد (3/ 58) حديث 1114، والحارث بن أبي أسامة، "بغية الباحث" ص/ 116 حديث 333، والبزار "كشف الأستار"(1/ 496) حديث 1062، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 126) حديث 2350، 2351، والعقيلي (3/ 263)، والطبراني في الأوسط (4/ 131) حديث 3216، و (9/ 452) حديث 8974، والبيهقي (4/ 292) وفي شعب الإيمان (3/ 348) حديث 3734، ولفظه: من صام رمضان وستًّا من شوال فكأنما صام السنة كلها.

قال البزار: تفرد به عمرو. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 183): رواه =

ص: 314

مجرى التقديم لرمضان؛ لأن يومَ العيد فاصِلٌ. وروى سعيد بإسناده عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صامَ رمضانَ، شهرٌ بعشرة أشهر، وصامَ ستةَ أيام بعدَ الفطرِ، وذلك سَنَةٌ"

(1)

يعني: أن الحسنة بعشر أمثالها، الشهر بعشرة أشهر، والستة بستين، فذلك سنة كاملة.

والمراد بالخبر: التشبيه به في حصول العبادة به على وجه لا مشقة فيه، كما في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فلا يقال: الحديث لا يدل على فضيلتها؛ لأنه شبَّه صيامها بصيام الدهر، وهو مكروه؛ لانتفاء المفسدة في صومها، دون صومه.

= أحمد، والبزار، والطبراني في الأوسط، وفيه عمرو بن جابر، وهو ضعيف. وانظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 262).

(1)

لم نجده في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه - أيضًا - أحمد (5/ 280)، والطبراني في الكبير (2/ 50) حديث 903، وابن عساكر في تاريخه (64/ 112، 113) من طريق إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن الحارث الذِّماري، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان رضي الله عنه به.

وصحَّحه أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (1/ 253). وقال ابن القيم في تهذيب السنن (3/ 314): وإسماعيل إذا روى عن الشاميين فحديثه صحيح، وهذا إسناد شامي.

وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 162 - 163) حديث 2860، 2861، وابن ماجه في الصيام، باب 33، حديث 1715، والدارمي في الصيام، باب 44، حديث 1796، وابن خزيمة (3/ 298) حديث 2115، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 125، 126) حديث 2348، 2349، وابن حبان "الإحسان"(8/ 398) حديث 3635، والطبراني في الكبير (2/ 202) حديث 1451، وفي مسند الشاميين (1/ 278) حديث 485، و (2/ 48) حديث 898، والبيهقي (4/ 293)، وفي شعب الإيمان (3/ 349) حديث 3735، 3736، والخطيب في تاريخه (2/ 362) بنحوه.

ص: 315

(ولا تحصُل الفضيلة بصيامها) أي: الستة أيام (في غير شوَّال)

(1)

لظاهر الأخبار. وظاهره: أنه لا يُستحبُّ صيامها إلا لمن صامَ رمضانَ، وقاله أحمد والأصحاب، لكن ذكر في "الفروع": أنَّ فضيلتها تحصُل لمَن صامها، وقضى رمضان، وقد أفطره لعُذر، ولعلَّه مراد الأصحاب

(2)

، وفيه شيء. قاله في "المبدع".

(و) يُسَنُّ (صومُ التسع مِن ذي الحجَّة) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "ما مِن أيام العَملُ الصَّالحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله مِن هذهِ الأيَّامِ العشرِ، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: ولا الجهادُ في سبيلِ الله، إلا رجلًا

(3)

خرجَ بِنَفسِهِ ومالِهِ، فلم يَرجِع مِن ذلكَ بشَيء". رواه البخاري

(4)

.

(وآكده: التاسعُ، وهو يومُ عَرفة إجماعًا، ثم الثامن، وهو يوم التروية) ويأتي في الحج وجه التَّسمية بذلك.

(1)

"قوله: ولا تحصل الفضيلة بصيامها في غير شوال، صرح به كثير من الأصحاب، وفي الفروع: احتمال أن الفضيلة تحصل بصومها في غير شوال، وذكره القرطبي [المفهم 3/ 238] قال: لأن فضلها كون الحسنة بعشر أمثالها، ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم فيه لاعتياده، وفيه نظر، قاله في المبدع، لمخالفته الحديث، وإنما ألحق بفضيلة رمضان لكونه حريمه، لا لكون الحسنة بعشر أمثالها، نقله في حاشية الإقناع" ا. هـ. ش.

(2)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 136) رقم 672، والفروع (3/ 107 - 108).

(3)

كذا في الأصول: "إلا رجلًا" والصواب: "إلا رجل" كما هو في الكتب المخرجة لهذا الحديث.

(4)

في العيدين، باب 11، حديث 969. واللفظ الذي ذكره المؤلف رواه أبو داود في الصوم، باب 61، حديث 2438، والترمذي في الصوم، باب 52، حديث 757، وابن ماجه في الصيام، باب 39، حديث 1727.

ص: 316

(و)

‌ يُسَنُّ (صومُ المُحَرَّم،

وهو أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضَلُ الصَّلاةِ بعد المكتوبَةِ جوفُ الليلِ، وأفضلُ الصِّيامِ بعد رمضَانَ شهرُ الله المُحرَّمُ" رواه مسلم وغيره

(1)

مِن حديث أبي هريرة. قال في "المبدع": وأضافه إليه تفخيمًا وتعظيمًا، كناقة الله، ولم يُكثِر صلى الله عليه وسلم الصومَ فيه، إما لعُذر أو لم يعلم فَضلَه إلا أخيرًا. والمراد: أفضل شهر تُطُوِّعَ به كاملًا بعد رمضان شهر الله المحرَّم؛ لأن بعض التطوُّع قد يكون أفضل من أيامه كعرفة وعشر ذي الحجَّة، فالتطوُّع المطلق أفضله المحرَّم، كما أن أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل.

(وأفضله) أي: المحرَّم (يوم عاشوراء) بالمدِّ في الأشهَر، وهو اسم إسلامي لا يُعرف في الجاهلية، قاله في "المشارق" وغيره

(2)

. (وهو) اليوم (العاشر) مِنْ المُحرَّم في قول أكثر العلماء، ورواه الترمذي

(3)

مرفوعًا، وصحَّحه. وقال ابن عباس:

(1)

مسلم في الصيام، باب 38، حديث 1163، وأبو داود في الصوم، باب 55، حديث 2429، والنسائي في الكبرى (2/ 171) حديث 2906، وإسحاق بن راهويه (1/ 298) حديث 276، وأحمد (2/ 303، 329، 342، 535) وعبد بن حميد (3/ 197) حديث 1421، وأبو يعلى (11/ 283) حديث 6395، وابن خزيمة (2/ 176) حديث 1134، و (3/ 282) حديث 2076، وابن حبان "الإحسان"(6/ 302) حديث 2563، والحاكم (1/ 307)، وابن حزم في المحلى (2/ 229)، والبيهقي (3/ 4، 4/ 291).

(2)

مشارق الأنوار (2/ 102)، وابن الأثير في النهاية (3/ 240).

(3)

في الصوم، باب 50، حديث 755، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يومَ العاشر". وأخرجه عبد الرزاق (4/ 288) رقم 7841 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يوم عاشوراء العاشر.

وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البزار "كشف الأستار" =

ص: 317

هو التاسع

(1)

(ثم تاسوعاء) بالمدِّ على الأفصح (وهو) اليوم (التاسع) من المُحرَّم.

(ويُسَنُّ الجمعُ بينهما) أي: بين صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء؛ لما روى الخلال بإسناد جيد عن ابن عباس مرفوعًا: "لَئِن بَقيتُ إلى قَابل لأصومنَّ التاسعَ والعاشِرَ"

(2)

= (1/ 492) حديث 1051، ولفظه: أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر. قال البزار: أخرجته لقوله: "يوم العاشر" وباقيه في الصحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 189): رجاله رجال الصحيح.

(1)

أخرج مسلم في الصيام، باب 20، حديث 1133، عن الحكم بن الأعرج، قال:"انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن يوم عاشوراء، أي يوم هو أصومه؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم، فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم".

(2)

لم نقف عليه في شيء من كتب الخلال المطبوعة، كما لم نقف على من خرَّجه بهذا اللفظ. وأخرج مسلم في الصيام، حديث 1134 (134) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع". ولم يذكر "والعاشر".

وأخرج أحمد (1/ 241)، والبزار "كشف الأستار"(1/ 492) حديث 1052، والطبري في تهذيب الآثار "سند عمر"(1/ 387) حديث 651، وابن خزيمة (3/ 290) حديث 2095، والطحاوي (2/ 78)، وابن عدي (3/ 956)، وتمام في فوائده (1/ 47) حديث 94، والبيهقي (4/ 287)، وفي شعب الإيمان (3/ 365) حديث 3790، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا". وأخرجه الحميدي (1/ 227) حديث 485، والبيهقي (4/ 287) بلفظ:"لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده، يعني: يوم عاشوراء". =

ص: 318

واحتجَّ به أحمد

(1)

(و) قال

(2)

: (إنِ اشتبه علينا أول الشهر صام ثلاثة أيام) لتيقُّن صومهما

(3)

.

(ولا يُكره إفراد العاشر بالصوم) قال في "المبدع": وهو

= قال البزار: وقد روي عن ابن عباس من غير وجه، ولا نعلم روى: صوموا قبله يومًا وبعده، إلا داود بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس، تفرد بها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 188): رواه أحمد والبزار وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 215 مع الفيض) ورمز لصحته.

وأخرج عبد الرزاق (4/ 287) رقم 7839، وفي التفسير (3/ 370)، والطبري في تهذيب الآثار "مسند عمر"(1/ 392) رقم 664، والطحاوي (2/ 78)، والبيهقي (4/ 287)، وفي شعب الإيمان (3/ 364) رقم 3788، وفي فضائل الأوقات ص/ 448، رقم 242، وابن حزم في المحلى (7/ 17) عن ابن جريج، عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول:"خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر".

وأخرج الطبري في تهذيب الآثار "مسند عمر"(1/ 392) رقم 665، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يصوم اليوم التاسع والعاشر. وأخرج الشافعي في السنن المأثورة ص/ 217، رقم 337، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 350) رقم 8966، عن عبيد الله بن أبي زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صوموا التاسع والعاشر، ولا تتشبهوا باليهود. وانظر زاد المعاد (2/ 68 - 76).

(1)

مسائل الأثرم، كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 580).

(2)

مسائل الميموني، وأبي الحارث، كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 580).

(3)

في "ذ": "صومها".

ص: 319

المذهب. وقال الشيخ تقي الدين

(1)

: مقتضى كلام أحمد الكراهة، وهي قول ابن عباس

(2)

.

(وهما) أي: تاسوعاء وعاشوراء (آكده) أي: آكد شَهرِ الله المحرَّم (ثم) بقية (العشر، ولم يجب صومُ) يوم (عاشوراء) في قول القاضي، ومَن تابعه، قال

(3)

: لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر مَن أكل فيه بالقضاء، ولحديث معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هَذا يومُ عاشُورَاءَ، لم يكتبِ الله عليكُم صِيامَهُ، فمن شاءَ فليصُم، ومن شاءَ فليُفطِر"

(4)

. وهو حديث صحيح. قاله في "الشرح".

(وعنه: وَجَبَ) صومُه (ثم نُسِخَ، اختاره الشيخ

(5)

ومال إليه الموفق والشارح) وقاله الأصوليون

(6)

؛ لما روت عائشة "أنه صلى الله عليه وسلم صامَهُ، وأمَرَ بصيامِهِ، فلمَّا افتُرِضَ رمضانُ، كان هو الفريضَةَ، وتركَ عاشوراء، فمن شاءَ صامهُ، ومن شاءَ تَرَكَهُ"

(7)

. حديث صحيح. وحديث معاوية محمول على إرادة أنه ليس هو مكتوبًا عليكم الآن، قاله في "الشرح".

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 164.

(2)

ولفظه: "خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر". وقد تقدم تخريجه آنفًا.

(3)

قوله: "قال" ليس في "ح".

(4)

أخرجه البخاري في الصوم، باب 69، حديث 2003، ومسلم في الصيام، حديث 1129. وفيهما بعد قوله:"لم يكتب الله عليكم صيامه" زيادة: وأنا صائم.

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 164.

(6)

انظر: المسودة لآل تيمية ص/ 229، وقواطع الأدلة للسمعاني (3/ 70).

(7)

أخرجه البخاري في الصوم، باب 1، 69، حديث 1893، 2001، 2002، وفي مناقب الأنصار، باب 86، حديث 3831، وفي تفسير سورة البقرة، باب 24، حديث 4504، ومسلم في الصيام، باب 19، حديث 1125.

ص: 320

(وصيام يوم عاشوراء كفَّارة سَنَة) ماضية للخبر

(1)

.

(وما رُويَ في فَضلِ الاكتحال والاختضاب والاغتسال والمصافحة والصلاة فيه) أي: يوم عاشوراء (فكَذِبٌ) وكذا ما يُروى في مَسحِ رأس اليتيم، وأكل الحبوب، أو الذبح، ونحو ذلك، فكلُّ ذلك كَذِبٌ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

، ومثل ذلك بدعة لا يُستحبُّ شيء

(1)

روى مسلم في الصيام، حديث 1162، عن أبي قتادة رضي الله عنه في حديث طويل:"وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". وفي لفظ: "وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية".

(2)

أخرج البيهقي في شعب الإيمان (3/ 367) حديث 3797، وفي فضائل الأوقات ص/ 455، حديث 246، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 573) حديث 1143، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدًا".

قال البيهقي قبل الحديث: وأما الاكتحال فإنما روي في ذلك بإسناد ضعيف بمرَّة، وقال بعده: وجويبر ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس.

وقال ابن الجوزي: قال الحاكم: أنا أبرأ إلى الله من عهدة جويبر. قال: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين عليه السلام. وقال الحافظ في الدراية (1/ 280): وهو إسنادٌ واه. وأورده الفُتَّني في تذكرة الموضوعات ص/ 118 وقال: موضوع، كما قال ابن الجوزي.

وقال ابن القيم في المنار المنيف ص/ 112 - 113: وأما حديث الاكتحال والادهان والتطيب فمن وَضعِ الكذابين. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 82 مع الفيض) ورمز لضعفه.

وأخرج ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 567) حديث 1140 حديثًا طويلًا وفيه: ". . . ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضًا إلا مرض الموت، ومَن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عيناه تلك السنة كلها، ومَن أمرَّ يده على رأس يتيم فكأنما أبرَّ يتامى ولد آدم كلَّهم. . .". =

ص: 321

منه عند أئمة الدين، قاله في "الاختيارات"

(1)

.

وينبغي فيه التوسعة على العيال، سأل ابن منصور أحمد عنه، فقال: نعم، رواه سفيان بن عيينة، عن جعفر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر - وكان أفضل أهل زمانه - أنه بلغه:"من وسَّعَ على عِيالِه يوم عاشورَاءَ وسَّعَ الله عليهِ سائِرَ سَنَتِهِ"

(2)

قال ابن عيينة:

= قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يشكُّ عاقل في وضعه. وقال الذهبي في تلخيص الموضوعات ص/ 206: فقبَّح الله من وضعه، ما أبلهه.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 350.

(2)

لم نجده في المطبوع من مسائل الكوسج، وذكره ابن هانئ في مسائله (1/ 136) رقم 674، وصالح في مسائله (1/ 418) رقم 400. وأخرجه - أيضًا - ابن معين في تاريخه برواية الدوري (3/ 452، 453) رقم 2222، 2233، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 366 - 367) رقم 3796، وابن حجر في الأمالي المطلقة ص/ 29 - 30. قال ابن هانئ - بعد أن روى الحديث وقول سفيان فيه -: وقال في إثره - يعني الإمام -: كان ابن عيينة يطري ابن المنتشر، فقال لي: في إسناده ضعف، ثم قلت: أيا رحم الله ابن عيينة، دراهم السلطان، فسكت.

وقال ابن حجر: وقال الدارقطني في الأفراد بعد أن أخرجه من حديث ابن عمر: إنما يُعرف هذا عن إبراهيم بن المنتشر من قوله.

وقال العقيلي في الضعفاء (3/ 252): لا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إلا شيء يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مرسلًا به.

وفي الباب عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه العقيلي (4/ 65)، وابن عدي (6/ 2206) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 198)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 366) حديث 3795، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 62) حديث 910، من طريق حجاج بن نصير، عن محمد بن ذكوان، عن يعلى بن حكيم، عن سليمان بن أبي عبد الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال العقيلي: =

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وسليمان بن أبي عبد الله مجهول بالنقل، والحديث غير محفوظ. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 674: قال العراقي في أماليه: لحديث أبي هريرة طرق صحح بعضها ابن ناصر الحافظ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق سليمان بن أبي عبد الله، وقال: سليمان مجهول. وسليمان ذكره ابن حبان في الثقات، فالحديث حسن على رأيه.

ب - جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار (10/ 140) من طريق شعبة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا وقال: قال جابر: جرَّبناه فوجدناه كذلك. وقال أبو الزبير، وقال شعبة مثله.

قلنا: وفي إسناده الفضل بن الحُبَاب، قال ابن حجر في لسان الميزان (4/ 439): روى عنه ابن عبد البر في الاستذكار من طريقه حديثًا منكرًا جدًّا، لا أدري من الآفة فيه.

وأخرجه عن جابر - أيضًا - البيهقي في شعب الإيمان (3/ 365) حديث 3791، عن عبد الله بن أبي بكر ابن أخي محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا.

قال البيهقي: هذا إسناد ضعيف. وقال المُعلِّمي اليماني في تعليقه على الفوائد المجموعة ص/ 100: سنده ساقط جدًّا، هو من رواية الكُدَيمي الكذاب، عن الغِفَاري التالف.

جـ - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (1/ 140) حديث 225، والطبراني في الأوسط (10/ 140) حديث 9298، وابن حجر في الأمالي المطلقة ص/ 27، 28 من طريق محمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد الله بن سلمة الرَّبَعي، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعصعة عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 189): رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إسماعيل الجعفري، قال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال الطبراني: لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به الجعفري. قال ابن حجر في الأمالي: قلت: هو ومن فوقه مدنيون معروفون لكن شيخه ضعَّفه أبو زرعة، والحصر المذكور مردود، فقد وقع لا من وجه آخر عن أبي سعيد. =

ص: 323

قد جربناه منذ خمسين سنة أو ستين، فما رأينا إلا خيرًا

(1)

.

(و‌

‌صيامُ يومِ عَرفة كفَّارة سنتين)

لما روى أبو قتادة مرفوعًا قال: "صيام يومِ عرفةَ أحتَسِبُ عَلى الله أن يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قبلَه، والسَّنةَ التي بعدَه" وقال في صيام عاشوراء: "إني أحتَسِبُ عَلى الله أن يكَفِّرَ

= وأخرجه - أيضًا - إسحاق بن راهويه، كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 112)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 365) حديث 3792، وفي فضائل الأوقات ص/ 453 حديث 245، وابن حجر في الأمالي المطلقة ص/ 28، من طريق عبد الله بن نافع، عن أيوب بن سليمان بن ميناء، عن رجل، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، مرفوعًا.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 235 - مع الفيض) ورمز لصحته. قال ابن حجر: ولولا الرجل المبهم لكان إسناده جيدًا، لكنه يَقوى بالذي قبله، وله شواهد عن جماعة من الصحابة، غير أبي سعيد، منهم: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وجابر، وأبو هريرة، وأشهرها حديث عبد الله بن مسعود. وقد تعقَّب المُعلِّمي اليماني تقوية الحافظ لهذا الحديث في تعليقه على الفوائد المجموعة ص/ 99، وبيَّن أنه إسناد ساقط بمرَّة، فانظره.

د - ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه العقيلي (3/ 252) وابن حبان في المجروحين (3/ 97)، والطبراني في الكبير (10/ 77) حديت 1007، وابن عدي (5/ 1584)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 365) حديث 3792، وفي فضائل الأوقات ص/ 452، حديث 244، والخطيب في المُوضِح (2/ 307، 308)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 572) حديث 1142، وابن حجر في الأمالي المطلقة ص/ 28، عن هَيصم بن شُدَّاخ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، مرفوعًا. قال العقيلي، هَيصم مجهول، والحديث غير محفوظ. وقال ابن حبان في المجروحين (3/ 97): هَيصم بن الشُدَّاخ شيخ يروي عن الأعمش الطَّامَّات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به.

(1)

مسائل ابن هانئ (1/ 137) رقم 674.

ص: 324

السَّنةَ التي قبلَهُ" رواه مسلم

(1)

. ولعلَّ مضاعفة التكفير على عاشوراء؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أعطيه.

(قال) النووي (في "شرح مسلم"

(2)

عن العلماء: المراد كفَّارة الصغائر، فإن لم تكن) له صغائر (رُجِيَ التخفيف مِن الكبائر، فإن لم تكن) له كبائر (رُفع له درجات) واقتصر عليه في "الفروع" و"المبدع" وغيرهما.

(ولا يُستحبُّ صيامه) أي: يوم عَرفة (لمن كان بعرفة مِن الحاجِّ، بل فِطرُه أفضل) لما روت أمُّ الفضل "أنَّهَا أرسَلَت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِقدَحِ لبن، وهو واقفٌ على بعيرِه بعرفَةَ، فشَربَ" متفق عليه

(3)

.

وأخبر ابن عمر "أنه حجَّ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم أبي بكر، ثم عُمَرَ، ثم عثمانَ، فلم يصُمهُ أحَدٌ منهم"

(4)

. ولأنه يُضْعِفُ عن الدُّعاء، فكان تَرْكُه أفضل. وقيل: لأنهم أضياف الله وزُوَّاره.

(1)

تقدم تخريجه (5/ 321)، تعليق رقم (1).

(2)

(8/ 51).

(3)

البخاري في الحج، باب 85، 88، حديث 1658، 1661، وفي الصوم، باب 65، حديث 1988، وفي الأشربة، باب 12، 17، 29، حديث 5604، 5618، 5636، ومسلم في الصيام، حديث 1123.

(4)

أخرجه الترمذي في الصوم، باب 47، حديث 751، والنسائي في الكبرى (2/ 155) حديث 2826، وابن أبي شيبة ص/ 180، وأحمد (2/ 47، 50)، والدارمي في الصيام، باب 47، حديث 1772، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 30) حديث 2773، وأبو يعلى (9/ 445)، حديث 5595، والطبري في تهذيب الآثار "مسند عمر"(1/ 355) حديث 581، 582، وابن حبان "الإحسان"(8/ 369) حديث 3604، والخطيب في المُوضِح (1/ 455)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 159)، والبغوي في شرح السنة (6/ 346) حديث 1792.

وقال الترمذي: حديث حسن. =

ص: 325

وعن عُقبة مرفوعًا: "يومُ عَرفة ويومُ النَّحر، وأيامُ التشريق عيدٌ يا أهل

(1)

الإسلامِ، وهي أيامُ أكل وشُرب". رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصحَّحه، والنسائي

(2)

.

= وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 155) حديث 2827، وعبد الرزاق (4/ 285) حديث 7829، والحميدي (2/ 300) حديث 681، والطبري في تهذيب الآثار "مسند عمر"(1/ 355) حديث 580، 583، والطحاوي (2/ 72) من طريق ابن أبي نَجيح، عن أبيه، عن رجل، عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن ابن أبي نَجيح، عن أبيه، عن رجل، عن ابن عمر، وأبو نَجيح: اسمه يَسَار، وقد سمع من ابن عمر.

وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 154) حديث 2825، وأحمد (2/ 72)، والطحاوي (2/ 72) عن إسماعيل بن أمية، عن نافع قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة، فقال: لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان. وزاد الطحاوي: ولا علي.

وأخرج الخطيب في تاريخه (6/ 367)، والذهبي في السير (12/ 491) من طريق سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حججت

ولم يذكر عثمان.

(1)

في "ح": "عيد أهل"، وفي "ذ":"عيدنا يا أهل". ولفظ الحديث: "عيدنا أهل الإسلام".

(2)

أحمد (4/ 152)، وأبو داود في الصوم، باب 49، حديث 2419، والترمذي في الصوم، باب 59، حديث 773، والنسائي في الحج، باب 195، حديث 3002، وفي الكبرى (2/ 155، 463) حديث 2829، 4181.

وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (3/ 104، 4/ 21)، والدارمي في الصوم، باب 47، حديث 1772، والفريابي في صلاة العيدين ص/ 73، 77 حديث 562، 563، والطبري في تهذيب الآثار مسند عمر (1/ 346) حديث 562، وابن خزيمة (3/ 293) حديث 2100، والطحاوي (2/ 71)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 411) حديث 2964، والفاكهي في فوائده ص/ 133، =

ص: 326

وكرهه جماعة؛ للنهي عنه في حديث أبي هريرة، رواه أحمد وابن ماجه

(1)

.

= حديث 17، وابن حبان "الإحسان"(8/ 368) حديث 3603، والطبراني في الكبير (17/ 291) حديث 803، وفي الأوسط (4/ 128) حديث 3209، والحاكم (1/ 434)، والبيهقي (4/ 298)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 126) و (21/ 163)، والبغوي في شرح السنة (6/ 351) حديث 1796. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وقال الأثرم في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 180: وأما حديث عقبة فإنه حديث تفرد به موسى بن عُلَي، وروى الناس هذا الحديث من وجوه كثيرة فلم يدخلوا فيه صوم عرفة. وقال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 163): هذا الحديث انفرد به موسى بن عُلَي عن أبيه، وما انفرد به فليس بالقوي، وذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ، وإنما المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه: يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام التشريق أيام أكل وشرب. وقد أجمع العلماء على أن يوم عرفة جائز صيامه للمتمتع إذا لم يجد هديًا، وأنه جائز صيامه بغير مكة، ومن كره صومه بعرفة فإنما كرهه من أجل الضعف عن الدعاء والعمل في ذلك الموقف.

(1)

أحمد (2/ 304، 446)، وابن ماجه في الصيام، باب 40، حديث 1732. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصوم، باب 63، حديث 2440، والنسائي في الكبرى (2/ 155) حديث 2830، 2831، وابن أبي شيبة الجزء المفرد ص/ 181، والحربي في غريب الحديث (1/ 186)، وابن خزيمة (3/ 292) حديث 2101، والطحاوي (2/ 72)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 412) حديث 2965، 2966، والعقيلي (1/ 298)، والطبراني في الأوسط (3/ 264) حديث 2577، وابن عدي (2/ 854)، والحاكم (1/ 434)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 347) و (9/ 20)، والبيهقي (4/ 284) و (5/ 117)، وفي فضائل الأوقات ص/ 366، حديث 190، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 161)، والخطيب في تاريخه (9/ 34)، ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات. =

ص: 327

(إلا لمتمتع وقارن عَدِمَا الهَديَ) فيصومانه مع اليومين قبله (ويأتي) في الحج.

(و‌

‌يُكره إفرادُ رَجَب بالصومِ)

لما روى ابن ماجه عن ابن عباس: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامِهِ"

(1)

وفيه داود بن عطاء، وقد ضعَّفه أحمدُ وغيره.

ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه، ولهذا صَحَّ عن عمر: "أنه كان يضربُ فيه، ويقولُ: كُلُوا؛ فإنما هو شَهرٌ كانت الجاهليةُ

= قال الحاكم: حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 333 مع الفيض)، ورمز لصحته.

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 213): فيه مهدي الهَجَري مجهول. وقال العقيلي: لا يتابَع عليه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد أنه لم يصم يوم عرفة، ولا يصح عنه أنه نهى عن صومه، وقد روي عنه أنه قال: صوم يوم عرفة كفَّارة سنتين، سنة ماضية، وسنة مستقبلة. وقال أبو نعيم: غريب من حديث عكرمة، تفرَّد به عنه مهدي، وعنه حوشب. وقال ابن حزم في المحلى (7/ 18): وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن صوم يوم عرفة بعرفات فإن راويه حَوشب بن عقيل وليس بالقوي، عن مهدي الهَجَري وهو مجهول، ومثل هذا لا يحتج به.

(1)

ابن ماجه في الصيام، باب 43، حديث 1743. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (10/ 287) حديث 10681، والبيهقي في فضائل الأوقات ص/ 106، حديث 15، وفي شعب الإيمان (3/ 375) حديث 3814، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 103) حديث 493، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 65) حديث 913، والمزي في تهذيب الكمال (10/ 85). وفي سنده داود بن عطاء، قال الإمام أحمد في العلل (2/ 47): لا يُحدَّث عنه، وليس بشيء، داود قد رأيته. وقال الجوزقاني: هذا حديث باطل. وقال ابن الجوزي: لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 317): هذا إسناد فيه داود بن عطاء المدني، وهو متفق على تضعيفه.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 333 - مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 328

تعظِّمُهُ"

(1)

.

(وتزول الكراهة بفِطرِه فيه، ولو يومًا، أو بصومه شهرًا آخر مِن السَّنة. قال المجد: وإن لم يَلِهِ) أي: يلي الشهرَ الآخر رجب.

(ولا يُكره إفرادُ شهر غيرِه) أي: غير رجب بالصَّوم. قال في "المبدع": اتفاقًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: "كان يصوم شعبانَ ورمضانَ"

(2)

،

(1)

أخرجه سعيد بن منصور، كما في التحقيق (2/ 107) وابن أبي شيبة (3/ 102)، والطبراني في الأوسط (8/ 310) رقم 7632، أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 354)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 107) من طريق وَبرة بن عبد الرحمن، عن خَرَشة بن الحُرِّ قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكُفَّ الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان، ويقول: كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية.

وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 285). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 191): رواه الطبراني في الأوسط وفيه الحسن بن جبلة ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات.

(2)

أخرجه أبو داود في الصيام، باب 12، حديث 2336، والترمذي في الصوم، باب 37، حديث 736، وفي الشمائل ص/ 141، حديث 295، والنسائي في الصوم، باب 33، 70، حديث 2174، 2351، 2352، وفي الكبرى (2/ 82، 120) حديث 2485، 2661، 2662، وابن ماجه في الصيام، باب 4، حديث 1648، والطيالسي ص/ 224، حديث 1603، وأحمد (6/ 293 - 294، 300، 311)، وعبد بن حميد (3/ 346) حديث 1536، والدارمي في الصوم، باب 33، حديث 1780، وأبو يعلى (12/ 405) حديث 6970، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 465) حديث 847، والطحاوي (2/ 82)، والعقيلي (2/ 231)، والطبراني في الكبير (23/ 256) حديث 527 - 530، والبيهقي (4/ 210)، وفي شعب الإيمان (3/ 376) حديث 3817، والبغوي في شرح السنة (6/ 237) حديث 1720، وابن عساكر في تاريخه (7/ 60، 61) من طريق أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم =

ص: 329

والمراد: أحيانًا، ولم يداوم كاملًا على غيرِ رمضان، فدلَّ أنه لا يُستحبُّ صومُ رجب وشعبان في قول الأكثر، واستحبَّه في "الإرشاد".

(وكلُّ حديث رُوي في فضل صوم رجب، أو الصلاة فيه، فَكَذِبٌ باتفاق أهل العلم) بالحديث

(1)

.

(ويُكره تعمُّد إفراد يوم الجمعة بصوم) لحديث أبي هريرة: "لا تصُومُوا يومَ الجمعَةِ إلا وقبلَهُ يومٌ وبعدَه يومٌ" متفق عليه

(2)

، ولمسلم:"لا تخصُّوا ليلةَ الجمعةِ بقيام من بين الليالي، ولا يومَ الجمعَةِ بصيام من بين الأيَّامِ، إلا أن يكونَ في صوم يصُومُه أحدُكُم"

(3)

.

قال الداوُدي

(4)

: لم يبلغ مالكًا الحديث، ويُحملُ ما رُوي مِن

= يكن يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان يصله برمضان.

قال الترمذي: حديث أم سلمة حديث حسن، وقال في الشمائل: هذا إسناد صحيح، وهكذا قال: عن أبي سلمة، عن أم سلمة، وروى هذا الحديث غير واحد عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون أبو سلمة بن عبد الرحمن قد روى هذا الحديث عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما جميعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري في الصوم، باب 52، حديث 1970، ومسلم في الصيام، حديث 1156 (176) من أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت:"لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله. . .". واللفظ للبخاري.

(1)

انظر: تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، لابن حجر ص/ 23.

(2)

البخاري في الصيام، باب 63، حديث 1985، ومسلم في الصيام، حديث 1144 (147).

(3)

مسلم في الصيام، حديث 1144 (148).

(4)

انظر عارضة الأحوذي (3/ 288).

ص: 330

صومه والترغيب فيه، على صومه مع غيره، فلا تعارض.

(و) يُكره تعمُّدُ (إفراد يوم السبت) بصوم؛ لحديث عبد الله بن بُسر، عن أخته الصمَّاء:"لا تَصُومُوا يومَ السبتِ إلا فيما افتُرِضَ عليكم" رواه أحمد بإسناد جيد، والحاكم

(1)

، وقال: على شرط البخاري.

(1)

أحمد (6/ 368)، والحاكم (1/ 435). وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصيام، باب 51، حديث 2421، والترمذي في الصوم، باب 43، حديث 744، والنسائي في الكبرى (2/ 143) حديث 2726 - 2764، وابن ماجه في الصيام، باب 38، حديث 1726، والدارمي في الصوم، باب 40، حديث 1749، وابن خزيمة (3/ 317) حديث 2163، والطحاوي (2/ 80)، والطبراني في الكبير (24/ 325 - 330) حديث 818 - 821، وفي مسند الشاميين (1/ 245) حديث 434، وتمام في فوائده (1/ 267) حديث 653، والبيهقي (4/ 302)، وابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (2/ 779) حديث 813، والضياء في المختارة (9/ 64) حديث 47، 48، والمزي في تهذيب الكمال (35/ 318). جميعهم من طريق ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعدان، عن عبد الله بن بُسر، عن أخته الصمَّاء!

وأخرجه - أيضًا - أحمد (6/ 368)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 406) حديث 1591 من طريق إسماعيل بن عياش، عن الزبيدي، عن لقمان بن عامر، عن خالد بن مَعدان، عن عبد الله بن بُسر، عن أخته - دون ذكر اسمها -.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 144) حديث 2765، من طريق بقية بن الوليد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعدان، عن عبد الله بن بُسر، عن عمته الصَمَّاء!

وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 185) حديث 3413، وتمام في فوائده (1/ 267) حديث 654. كلاهما من طريق عبد الله بن يزيد المُقرئ، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعدان، عن عبد الله بن بُسر، عن أمه.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 143) حديث 2761، وابن ماجه في الصيام، باب 38، حديث 1726، وعبد بن حميد (1/ 456) حديث 507، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 332، حديث 398، وأبو نعيم في الحلية =

ص: 331

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (5/ 218). جميعهم من طريق عيسى بن يونس، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن مَعدان، عن عبد الله بن بُسر.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 145) حديث 2769، 2770، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 89) حديث 1850، من طريق بقية بن الوليد، عن الزُّبَيدي، عن لقمان بن عامر، عن عامر بن جَشِيب، عن خالد بن مَعدان، عن عبد الله بن بُسر.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 144) حديث 2767، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 185) حديث 3412، والطبراني في الكبير (24/ 330) حديث 822، من طريق محمد بن حرب، عن الزُّبيدي، عن فضيل بن فَضَالة، عن عبد الله بن بُسر، عن خالته الصمَّاء.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 144) حديث 2768، والطبراني في الكبير (2/ 31) حديث 1191، من طريق عبد الله بن سالم الأشعري، عن الزُّبيدي، عن الفضيل بن فَضَالة، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بُسر، عن أبيه.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 145) حديث 2771، من طريق داود بن عبد الله، عن خالد بن مَعدان، عن الصمَّاء أخت بُسر، عن عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 243) حديث 2760، وابن خزيمة (3/ 316) حديث 2164، والطبراني في الكبير (24/ 324) حديث 816، 817، والبيهقي (4/ 302). من طريق معاوية بن صالح، عن ابن عبد الله بن بُسر، عن أبيه، عن عمته الصمَّاء.

وأخرجه النسائي في الكبرى (2/ 143) حديث 2759، وأحمد (4/ 189)، والدولابي في الكنى والأسماء (2/ 118)، وابن حبان "الإحسان"(8/ 379) حديث 3615، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 81)، وابن عساكر في تاريخه (27/ 154)، والضياء في المختارة (9/ 58، 59) حديث 41، 42، من طريق حسان بن نوح، عن عبد الله بن بُسر.

وأخرجه أحمد (6/ 24)، والخطيب في تاريخه (6/ 24)، والضياء في المختارة (9/ 104) حديث 91، 92 من طريق الوليد بن مسلم، عن يحيى بن حسَّان، عن عبد الله بن بُسر. =

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وله معارِض بإسناد صحيح، وقد أخرجاه.

قلنا: يشير الحاكم رحمه الله إلى حديث أبي هريرة المتقدم (5/ 330)، تعليق رقم (2).

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 216): وصحَّحه ابن السَّكن، وقد أعلَّه جماعة من الأئمة:

فروى أبو داود في سُننه (2/ 806) بسنده إلى الزُّهري: أنه كان إذا ذُكر له أنه نُهي عن صيام يوم السبت، قال: هذا حديث حِمصي. قال الطحاوي (2/ 81): فلم يُعدَّه الزهري حديثًا يقال به، وضعَّفه. وقال الأوزاعي: ما زلت له كاتمًا حتى رأيته انتشر. وقال أحمد: يحيى بن سعيد يتقيه، أبى أن يحدِّثني به. قال ابن القيم في تهذيب السنن (3/ 298): فهذا تضعيف للحديث.

وقال الأثرم في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 201: جاء هذا الحديث بما خالف الأحاديث كلها، فمن ذلك: حديث علي، وأبي هريرة، وجندب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم المُحرَّم، ففي المُحرَّم السبت، وليس مما افترض. ومن ذلك حديث أم سلمة، وعائشة، وأسامة بن زيد، وأبي ثعلبة، وابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان. وفيه السبت. . .

وقال الطحاوي: ففي هذه الآثار المروية في هذا إباحة صوم يوم السبت، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ الذي قد خالفها.

وقال ابن مفلح في الفروع (3/ 124): واختار شيخنا [يعني شيخ الإسلام ابن تيمية] أنه لا يكره، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأنه لو أريد إفراده؛ لما دخل الصوم المفروض ليُستثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ، وأن هذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه، كالأثرم، وأبي داود. وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 216): قال النسائي: هذا حديث مضطرب. وانظر: علل الدارقطني (5/ ق 194)، وخلاصة البدر المنير (1/ 337).

ص: 333

ولأنه يومٌ تعظِّمه اليهود، ففي إفراده تَشبُّه بهم.

ويوم السبت آخر أيام الأسبوع. قال الجوهري

(1)

: سُمِّيَ يوم السبت لانقطاع الأيام عنده

(2)

.

(إلا أن يوافقَ) يوم الجمعة، أو السبت (عادة) كأن وافق يوم عَرَفة، أو يومَ عاشوراء، وكان عادتُه صومهما، فلا كراهة؛ لأن العادة لها تأثيرٌ في ذلك.

(و‌

‌يُكره صومُ يوم الشَّكِّ تطوُّعًا)

لقول عمار: "مَن صَامَ اليومَ الذي يُشَكُّ فيه، فقد عَصَى أبا القاسِم صلى الله عليه وسلم" رواه أبو داود، والترمذي وصحَّحه، وهو للبخاري تعليقًا

(3)

(ويصح) صوم يوم الشَّكِّ.

(1)

الصحاح (1/ 250).

(2)

"وقيل: سُمِّي به لانقطاع خلق العالم فيه، والسبت: القطع". ش.

(3)

أبو داود في الصيام، باب 10، حديث 2334، والترمذي في الصوم، باب 3، حديث 686، والبخاري تعليقًا بصيغة الجزم في الصوم، باب 11، قبل حديث 1906. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الصيام، باب 37، حديث 2186، وفي الكبرى (2/ 85) حديث 2498، وابن ماجه في الصيام، باب 3، حديث 1645، والدارمي في الصوم، باب 1، حديث 1689، وأبو يعلى (3/ 208) حديث 1644، وابن خزيمة (3/ 204) حديث 1914، والطحاوي (2/ 111)، وابن حبان "الإحسان" (8/ 351، 360) حديث 3585، 3595، 3596، والدارقطني (2/ 157)، والحاكم (1/ 423)، والبيهقي (4/ 208)، والبغوي في شرح السنة (6/ 241) حديث 1723، والحافظ في تغليق التعليق (3/ 140) من طريق عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن صِلَة بن زُفَر قال: كنا عند عمار بن ياسر، فأتي بشاة مَصلية، فقال: كلوا، فتنحَّى بعض القوم، فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه الناس. . . الحديث. لفظ الترمذي، وقال: حديث عمار حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند =

ص: 334

(أو) أي: ويُكره صوم يوم الشَّكِّ (بنيَّةِ الرمضانية احتياطًا) ولا يجزئ إن ظهر منه، كما تقدَّم.

(وهو) أي: يوم الشَّكِّ (يوم الثلاثين مِن شعبان، إن لم يكن في السماء) في مطلع الهلال (عِلَّةٌ) مِن غيم، أو قَتَر، ونحوهما، (ولم يُرَ الهلالُ، أو شهد به من رُدَّت شهادته) لفِسق ونحوه.

(إلا أن يوافق) يوم الشَّكِّ (عادة) كمَن عادته يصوم يوم الخميس والاثنين، فوافق يومُ الشَّكِّ أحدهما

(1)

، أو عادته يصوم يومًا ويفطر آخر، فوافق صومَه ذلك، فلا كراهة.

= أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين.

وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن صحيح، ورواته كلهم ثقات.

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وتعقَّبه الحافظ في تغليق التعليق (3/ 141) بقوله: لم يخرِّج البخاري لعمرو بن قيس في صحيحه شيئًا، وللحديث مع ذلك علة خفية، ذكر الترمذي في العلل: أن بعض الرواة قال فيه: عن أبي إسحاق قال: حُدثت عن صِلة، فذكره ا. هـ قلنا: ومن هذا الوجه: أخرجه أبو سعيد الأشَجُّ في جزئه ص/ 142، حديث 65. ولم نجد عبارة الترمذي في المطبوع من العلل. وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 442): وقال ابن عبد البر: هذا حديث مسند عندهم، لا يختلفون في ذلك.

وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 72) عن عبد العزيز بن عبد الصمد العمِّي، عن منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حِرَاش، عن عمار رضي الله عنه بنحوه -. وحسَّن إسناده الحافظ في الفتح (4/ 120).

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 159) رقم 7318 عن الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن رجل، عن عمار رضي الله عنه. قال الحافظ في تغليق التعليق (3/ 142): وفي رواية الثوري دليل على أن ربعيًّا لم يدرك هذه القصة، وإن كان الرجل المبهم في روايته هو صِلَة بن زُفَر، فهي متابعة قوية لحديث أبي إسحاق.

(1)

في "ذ": "أحدهما فلا كراهة".

ص: 335

(أو يصِلَه) أي: يوم الشَّكِّ (بصيام قبله) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقدَّموا رمضَانَ بصومِ يوم أو يومَينِ، إلا رجلًا كانَ يصومُ صومًا، فليصُمهُ" متفق عليه من حديث أبي هريرة

(1)

.

(أو يَصُمه)

(2)

أي: يوم الشَّكِّ (عن قضاء، أو نَذْر) أو كفَّارة، فلا كراهة؛ لأن صومه واجب إذن

(3)

.

(ويُكره إفراد يوم نَيروز) بصوم (و) يوم (مِهرجان، وهما عيدان للكفار) قال الزمخشري

(4)

: النَّيروز: اليوم الرابع من شهر ربيع. والمِهرجان: اليوم التاسع

(5)

عشر من الخريف، لما فيه من موافقة الكفَّار في تعظيمهما.

واختار المجد عدم الكراهة؛ لأنهم لا يعظمونهما بالصوم كالأحد.

(و) على الأول: يُكره إفراد (كل عيد لهم) أي: للكفَّار (أو يوم يُفرِدونه بتعظيم) ذَكَرَه الشيخان وغيرهما.

(إلا أن يوافق عادة) كأن يكون يوم خميس أو اثنين، وعادته صومهما، فلا كراهة.

(ويُكره تقدُّم رمضان بـ) ــصوم (يوم، أو يومين) لحديث أبي هريرة

(1)

البخاري، في الصوم، باب 14، حديث 1914، ومسلم في الصيام، حديث 1082.

(2)

كذا في الأصول: "يصمه" وفي الإقناع (1/ 511): "أو يصومَه" وهو الصواب.

(3)

في "ح": "والآن".

(4)

نقله عنه صاحب المطلع ص/ 155، وقال: ذكر ذلك في مقدمة الأدب.

(5)

"التاسع" في المطلع: السابع.

ص: 336

المتفق عليه

(1)

.

(ولا يُكره) تقدُّم رمضان بصوم (أكثر مِن يومين) لظاهر الخبر السابق.

وأما حديث أبي هريرة: "إذا انتَصَفَ شعبانُ، فلا تَصومُوا". رواه الخمسة

(2)

فقد ضعَّفه أحمد وغيره مِن الأئمة، وصحَّحه الموفَّق،

(1)

تقدم تخريجه (5/ 336) تعليق رقم (1).

(2)

أبو داود في الصيام، باب 12، حديث 2337، والترمذي في الصوم، باب 38، حديث 738، والنسائي في الكبرى (2/ 172) حديث 2911، وابن ماجه في الصيام، باب 5، حديث 1651، وأحمد (2/ 442). وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 161) حديث 7325، وابن أبي شيبة (3/ 21)، والدارمي في الصوم، باب 34، حديث 1781، 1782، والطحاوي (2/ 82)، والعقيلي (3/ 354)، وابن حبان "الإحسان"(8/ 355) حديث 3589، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1/ 490) حديث 601، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 74) حديث 1827، وابن عدي (1/ 226) و (2/ 476) و (5/ 1918)، وأبو الشيخ في جزئه ص/ 210، حديث 111، والدارقطني (2/ 191)، وتمام في فوائده (1/ 339) حديث 861، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 283)، وابن حزم في المحلى (7/ 26)، والبيهقي (4/ 209)، والخطيب في تاريخه (8/ 48) والشجري في الأمالي (2/ 37، 103، 104)، وأبو الطاهر بن أبي الصقر في مشيخته ص/ 78، 79، حديث 11، 12، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 100) حديث 489، وابن عساكر في تاريخه (55/ 32). واختلف الأئمة في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، فصحَّحه جماعة: قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصحَّحه - أيضًا - ابن حزم، وابن عبد البر في الاستذكار (10/ 239)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 187)، والنووي في المجموع (6/ 400)، وابن القيم في تهذيب السنن (3/ 224)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 304 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وضعَّفه جماعة: قال النسائي: لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن. وقال أبو داود في سننه: وكان عبد الرحمن [يعني ابن مهدي] لا يحدث به، قلت لأحمد: لِمَ؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصِلُ شعبان =

ص: 337

وحَمَله على نفي الفضيلة.

= برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه. قال أبو داود: وليس هذا عندي خلافه، ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه. وقال في مسائله ص/ 315: سمعت أحمد ذكر حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل النصف من شعبان أمسك عن الصوم، فقال: كان عبد الرحمن بن مهدي لم يحدثنا به؛ لأن عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، يعني حديث عائشة وأم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان. قال أحمد: هذا حديث منكر - يعني حديث العلاء هذا -. وقال المروذي في العلل ومعرفة الرجال ص/ 159: وذكرت له [أي للإمام أحمد] حديث زهير بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة. . . فأنكره، وقال: سألت ابن مهدي عنه، فلم يحدثني به، وكان يتوقاه. ثم قال أبو عبد الله: هذا خلاف الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصيام من شرح العمدة (2/ 649): وقد أجاب أحمد عن هذا الحديث، قال حرب: سمعت أحمد يقول في هذا الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان النصف من شعبان فلا صوم إلا رمضان، قال: هذا حديث منكر. قال: وسمعت أحمد يقول: لم يحدِّث - يعني العلاء - حديثًا أنكر من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان النصف من شعبان فلا صوم إلا رمضان، وأنكر أحمد هذا الحديث وقال: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدِّث بهذا الحديث عن سهيل، ورواية محمد بن يحيى الكحال هذا الحديث ليس بمحفوظ، والمحفوظ الذي يروى عن أبي سلمة، عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان ورمضان، واعتمد في رواية عبد الله على حديث أبي هريرة المتقدم: لا تقدِّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، فإن مفهوم هذا الحديث: يجوز التقدم بالثلاثة، ولأنه إنما كره التقدم خشية أن يزاد في الشهر، ويلحق به ما ليس منه، وهذا أكثر ما يقع في اليوم واليومين، فأما الثلاثة فلا يقع فيها لبس، والله أعلم. وقال يحيى بن معين - كما في الفتح (2/ 129): منكر. وقال البرذعي في السؤالات (2/ 288): شهدت أبا زرعة يُنكر حديث العلاء بن عبد الرحمن: "إذا انتصف شعبان" وزعم أنه منكر.

وعدَّه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 33) من غرائب الحديث التي يرويها الثقات العدول. وقال الخليلي في الإرشاد (1/ 218): العلاء بن عبد الرحمن =

ص: 338

(ويُكره الوِصَال إلا للنبي صلى الله عليه وسلم فَمُبَاح له) لما روى ابن عُمر قال: "واصلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في رمضانَ، فواصَلَ النَّاسُ، فنهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الوِصال، فقالُوا: إنَّكَ تُواصلُ؟! فقال: إني لستُ مثلَكُم، إني أُطعَمُ وأُسقَى" متَّفقٌ عليه

(1)

. ولا يحرم؛ لأن النهي وقع رِفقًا ورحمة، ولهذا واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواصلوا بعده.

(وهو) أي: الوِصال (ألَّا يُفطر بين اليومين. وتزول الكراهةُ بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرَّد الشرب) لانتفاء الوِصال.

(ولا يُكره الوِصال إلى السَّحَر) لحديث أبي سعيد مرفوعًا: "فأيكُم أرَادَ أن يُواصِل فليواصِل إلى السَّحَرِ" رواه البخاري

(2)

(ولكن تَرَكَ سُنَّة، وهي تعجيلُ الفِطر) فَتَركُ ذلك أَولى، محافظة على السُّنة.

(و‌

‌يحرم صومُ يومي العيدين،

ولا يصحُّ فرضًا ولا نَفْلًا) لما روى أبو هريرة: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صَومِ يومينِ: يوم فطر ويوم

= ابن يعقوب مولى الحرقة، مديني، مختلف فيه؛ لأنه يتفرد بأحاديث لا يتابع عليها، كحديثٍ عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان، وقد أخرج مسلم في الصحيح المشاهير من حديثه دون هذا والشواذ.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (6/ 187) في ترجمة العلاء بن عبد الرحمن: لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، لكن يُجتنب ما أُنكر عليه. . . ومن أغرب ما أتى به عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا. وتعقب ابن رجب في لطائف المعارف ص/ 260 على من صحَّحه بقوله: وتكلم فيه مَن هو أكبر مِن هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر.

(1)

البخاري في الصوم، باب 20، 48، حديث 1922، 1962، ومسلم في الصيام، حديث 1102.

(2)

في الصوم، باب 48، 50، حديث 1963، 1967.

ص: 339

أضحى" متفق عليه

(1)

. والنهيُ يقتضي فسادَ المنهي عنه وتحريمه.

(وكذا أيامُ التشريق) يحرم صومها، ولا يصحُّ فرضًا ولا نَفْلًا؛ لما روى مسلم عن نُبَيشة الهُذلي مرفوعًا:"أيامُ التشرِيق أيامُ أكل وشُرب وذِكر الله"

(2)

. ولأحمد النهي عن صومها مِن حديث أبي هريرة

(3)

،

(1)

البخاري في الصوم، باب 67، حديث 1993، ومسلم في الصيام، حديث 1138.

(2)

مسلم في الصيام، حديث 1141.

(3)

أحمد (2/ 513، 535). وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (2/ 167) حديث 2883، والطبري في تفسيره (2/ 304)، وفي تهذيب الآثار "مسند علي" ص/ 264، حديث 408، والطحاوي (2/ 244)، والدارقطني (2/ 187)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 124)، (21/ 232)، والخطيب في تاريخه (14/ 278) من طريق صالح، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حُذَافة يطوف في منى أن لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل.

قال النسائي: صالح هذا هو ابن أبي الأخضر، وحديثه خطأ، وهو كثير الخطأ عن الزهري.

وقال علي بن المديني في العلل ص/ 97: حديث صالح غلط. وانظر علل الدارقطني (9/ 175).

ورواه أحمد (5/ 224)، والنسائي في الكبرى (2/ 167) حديث 2880، 2881، والطحاوي (2/ 246)، والدارقطني (2/ 187)، من طرق، عن الزهري، عن مسعود بن الحكم، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وضعَّفه النسائيُّ فقال: الزهري لم يسمعه من مسعود بن الحكم. ثم روى من طريق الزُّبيدي، عن الزهري أنه بلغه أن مسعود بن الحكم كان يُخبر عن بعض علمائهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.

ورواه مالك في الموطأ (1/ 376)، والنسائي في الكبرى (2/ 167) حديث 2884، والطبري في تهذيب الآثار "مسند علي" ص/ 264، حديث 406، =

ص: 340

وسعد

(1)

، بإسنادين ضعيفين (إلا عن دَمِ مُتعَة وقِران، ويأتي) في باب الفِدية؛ لقول ابن عُمر وعائشة: "لم يُرخَّص في أيامِ التشرِيقِ أن يُصَمنَ إلا لمَن لم يجِدِ الهَدي" رواه البخاري

(2)

.

(ويجوزُ صومُ الدَّهرِ، ولم يُكره

(3)

) لأنَّ جماعة مِن الصحابة كانوا يَسرُدون الصومَ، منهم أبو طلحة. قيل: إنه صام بعد موت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة

(4)

(إذا لم يترك به حقًّا، ولا خاف منه ضررًا، ولم

= عن الزهري مرسلًا.

(1)

أحمد (1/ 169، 174). وأخرجه - أيضًا - الطحاوي (2/ 244)، والبزار (4/ 18) حديث 1176، والطبري في تهذيب الآثار "مسند علي" ص/ 269، حديث 418، قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه عن سعد، إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 202): رواه أحمد والبزار، ورجال الجميع رجال الصحيح. قلنا: في سنده محمد بن أبي حميد. قال الحافظ في التقريب (5873): ضعيف.

(2)

في الصيام، باب 68، رقم 1997، 1998.

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/ 302): الصوابُ قولُ مَن جعل ذلك [أي: صوم الدهر] تركًا للأَولى، أو كَرِه ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كنهيه لعبد الله بن عَمرو عن ذلك، وقوله:"مَن صام الدهر فلا صام، ولا أفطر" وغيرها صريحةٌ في أنَّ هذا ليس بمشروع.

(4)

أخرجه ابن سعد (3/ 506)، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 562) رقم 1540، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 640) رقم 1514، والطبراني في الكبير (5/ 91) رقم 4680، 4681، والحاكم (3/ 353)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 65).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 30): غريب على شرط مسلم. وقال في ص/ 29: بل عاش بعده نيِّفًا وعشرين سنة. =

ص: 341

يَصُم هذه الأيام) الخمسة: يومي العيدين وأيام التشريق (فإن صامها فقد فَعَلَ محرَّمًا) لما تقدَّم.

(ومَن دخَلَ

(1)

في تطوُّع، غير حَجٍّ وعُمرة، استُحبَّ له إتمامُه) لأنه تكميل للعبادة، مطلوب

(2)

(ولم يجب) عليه إتمامه؛ لقول عائشة: "يا رسولَ الله، أُهدِيَ لَنَا حَيسٌ، فقال: أَدْنِيه فلقد أصبحتُ صَائِمًا، فأكل" رواه مسلم والخمسة

(3)

. وزاد النسائي بإسناد جيد: "إنما مَثَلُ صومِ التطوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخرِجُ مِن مَالِهِ الصدقَةَ، فإن شاءَ أمضَاهَا، وإن شاء حَبَسهَا"

(4)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"الصائمُ المتطوِّعُ أميرُ نفسِهِ؛ إن شاءَ صَامَ، وإن شاءَ أفطرَ" رواه أحمد

(5)

وصحَّحه مِن

= وروى البخاري في الجهاد والسير، باب 29، حديث 2828، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو، فلما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم لم أره مفطرًا إلا يوم فطر أو أضحى.

(1)

في "ح": "وإن دخل".

(2)

في "ح" و"ذ": "وهو مطلوب".

(3)

مسلم في الصيام، حديث 1154 (170)، وأبو داود في الصيام، باب 72، حديث 2455، والترمذي في الصوم، باب 35، حديث 734، والنسائي في الصيام، باب 67، حديث 2320، وفي الكبرى (2/ 114) حديث 2631، وابن ماجه في الصيام، باب 26، حديث 1701، وأحمد (6/ 207).

(4)

النسائي في الصيام، باب 67، حديث 2321، وهذه الزيادة ذكرها مسلم من قول مجاهد.

(5)

(6/ 341، 343، 424) وفي العلل (3/ 251) حديث 5107. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الصوم، باب 34، حديث 732، والنسائي في الكبرى (2/ 249، 250) حديث 3302، 3303، والطيالسي ص/ 225، حديث 1618، وبَحشل في تاريخ واسط ص/ 175، والعقيلي (1/ 206)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 163)، وابن عدي (2/ 601)، والدارقطني (2/ 174)، =

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والبيهقي (4/ 276) وفي معرفة السنن والآثار (6/ 338) حديث 8920، والخطيب في الجامع (2/ 46) حديث 1149، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 102) حديث 1139، 1140، والمزي في تهذيب الكمال (4/ 596) من طريق شعبة، عن جَعدة، عن أبي صالح باذام، عن أم هانئ رضي الله عنها مرفوعًا. وأخرجه النسائي - أيضًا - في الكبرى (2/ 251) حديث 3309، والحاكم (1/ 439) والبيهقي (4/ 276) من طريق سماك بن حرب، عن أبي صالح، عن أم هانئ.

وأخرجه أحمد - أيضًا - (6/ 343 - 344)، وأبو داود في الصوم، باب 72، حديث 2456، والترمذي في الصوم، باب 34، حديث 731، والنسائي في الكبرى (2/ 250 - 251) حديث 3304 - 3308، والطيالسي ص/ 225، حديث 1616، وإسحاق بن راهويه، (5/ 31) حديث 2134، والدارمي في الصوم، باب 30، حديث، 1735، 1736، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 460) حديث 3153، والطحاوي (2/ 107 - 108)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 163) والطبراني في الكبير (24/ 425) حديث 1035، والدارقطني (2/ 174 - 175) والبيهقي (4/ 276، 277، 278)، وفي معرفة السنن والآثار (6/ 339) حديث 8921 - 8923، وابن عبد البر في الاستذكار (10/ 204)، والخطيب في الجامع (2/ 46) حديث 1137، من طرق عن أم هانئ رضي الله عنها بنحوه.

وقد اختلف الأئمة في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه، فضعفه الترمذي، وقال: في إسناده مقال. وأعله النسائي، والطحاوي، وابن التركماني في الجوهر النقي (4/ 278)، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 349) بالاضطراب.

وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (6/ 456): رواه أبو داود والترمذي، والدارقطني وغيرهم، وألفاظ رواياتهم متقاربة المعنى، وإسنادها جيد، ولم يضعفه أبو داود. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 231) مع الفيض) ورمز لصحته. انظر السنن الكبرى للنسائي (2/ 251)، وعلل الدارقطني (5/ ق 112)، والتلخيص الحبير (2/ 210 - 211).

ص: 343

حديث أم هانئ، وضعَّفه البخاري

(1)

. وغيرُ الصومِ مِن التطوعات كهو، وكالوضوء.

أما الحجُّ والعُمرة فيجبان بالشروع، ويأتي؛ لأن الوصول إليهما لا يحصُل في الغالب إلا بعد كلفة عظيمة، ومشقَّة شديدة، وإنفاق مال كثير، ففي إبطالهما تضييع لماله، وإبطال لأعماله الكثيرة.

(لكن يُكره قَطعُه بلا عُذر) لما فيه مِن تفويت الأجر (وإن أفسده) أي: التطوُّع (فلا قضاء عليه) لأن القضاء يتبع المقضي عنه، فإذا لم يكن واجبًا، لم يكن القضاء واجبًا، بل يُستحبُّ.

(وكذا لا تلزم الصدقةُ ولا القراءةُ، ولا الأذكارُ بالشروع) فيها وفاقًا.

(وإن دخل في فَرضِ كفاية) كصلاة جنازة (أو) دخل في (واجب) على الأعيان (موسَّع، كقضاء رمضان قبل رمضان الثاني، والمكتوبةِ في أول وقتها، وغير ذلك، كنَذْرٍ مُطلَق وكفَّارة) إن قلنا: هما غير واجبين على الفور، والمذهب خِلافه، كما تقدَّم

(2)

، ويأتي (حَرُمَ خُروجُه منه بلا عُذر، بغير خلاف) لأن الخروج مِن عُهدة الواجب متعيِّن، ودخلت التوسعة في وقته رِفقًا، ومظنَّة للحاجة، فإذا شَرَعَ فيها، تعيَّنت المصلحة في إتمامها.

(وقد يجبُ قَطعُه) أي: الفرض (كرَدِّ معصوم عن هلكة، وإنقاذِ

(1)

قال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 239) في ترجمة جَعدَة: لا يُعرف إلا بحديث فيه نظر.

(2)

(5/ 77).

ص: 344

غريق ونحوه) كحريق ومَن تحت هَدم (وإذا دعاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}

(1)

(وله قَطعُها) أي: الصلاة (بهَرَبِ غريمه، و) له (قَلْبُها نَفْلًا، وتقدم) ذلك موضحًا

(2)

.

(وإن أفسَدَه) أي: الفرض (فلا كفَّارة) مطلقًا؛ لعدم النَّصِّ فيها (ولا يلزمه غير ما كان قبل شروعه) فيما أفسده.

(ولو شرع في صلاة تطوُّع قائمًا، لم يلزمه إتمامها قائمًا) بغير خِلاف. قاله في "المبدع"(وذكر القاضي وجماعة أنَّ الطَّواف كالصلاة في الأحكام إلا فيما خصَّه الدليل) للخبر

(3)

.

"تتمة": إذا قَطَعَ الصومَ ونحوه، فهل انعقد الجزء المؤدَّى، وحصل به قُربة أم لا؟ وعلى الأول: هل بَطَلَ حكمًا أو لا يبطل؟ اختلف كلام أبي الخطاب، وقَطَعَ جماعةٌ ببطلانه، وعدم الصحة. وفي كلام الشيخ تقي الدين

(4)

: إن الإبطال في الآية هو بطلان الثواب، قال: ولا نسلم بطلان جميعه، بل قد يُثاب على ما فَعَلَه، فلا يكون مبطلًا لعمله.

(1)

سورة الأنفال، الآية:24.

(2)

(2/ 250، 431).

(3)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: الطواف بالبيت صلاة، وقد تقدم تخريجه (1/ 311) تعليق رقم (5).

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 165.

ص: 345

فصل

(وليلةُ القَدرِ شريفة معظَّمة، تُرجى إجابةُ الدُّعاء فيها) قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ

(2)

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}

(1)

. قال المفسرون: أي: قيامها والعمل فيها خيرٌ مِن العمل في ألف شَهر خالية منها

(2)

. وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة مرفوعًا: "مَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ من ذنبِهِ"

(3)

. زاد أحمد: "وما تأخرَ"

(4)

.

(وسُمِّيت ليلةَ القَدْر؛ لأنه يُقَدَّر فيها ما يكون في تلك السَّنَة) لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}

(5)

. وما رُوي عن عِكرمة: أنها

(1)

سورة القدر، الآيتان:3.

(2)

انظر تفسير الطبري (30/ 260)، والقرطبي (20/ 131).

(3)

البخاري في الإيمان، باب 25، حديث 35، وفي الصوم، باب 6، حديث 1901، وفي فضل ليلة القدر، باب 1، حديث 2014، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 760.

(4)

لم نجد هذه الزيادة في مسند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإنما رواها النسائي في الكبرى (2/ 88) حديث 2512، وانظر معرفة الخصال المكفِّرة للذنوب المقدَّمة والمؤخَّرة ص/ 59 - 61.

ورواها أحمد (5/ 318، 321، 324)، والضياء في المختارة (8/ 279) حديث 342. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 175): رواه أحمد ورجاله ثقات. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

(5)

سورة الدخان، الآية:4.

ص: 346

ليلة النصف مِن شعبان

(1)

، ضعيف. وعن ابن عباس:"يقضي الله الأقضِيَةَ ليلَة النِّصفِ من شعبانَ، ويُسلِّمُهَا إلى أربَابِهَا ليلَةَ القدرِ"

(2)

وقيل: سُمِّيت به؛ لعِظَمِ قَدْرِها عند الله. وقيل: لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها. وقيل: لأن للطاعات فيها قَدْرًا عظيمًا.

(وهي باقية لم تُرفع) للأخبار في طَلبها وقيامها، خِلافًا لبعضهم في رَفعها.

(وهي مختصَّة بالعشر الأواخر مِن رمضان، فتُطلَبُ فيه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "تحَرَّوا ليلةَ القدرِ في العشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ" متفق عليه

(3)

مِن حديث عائشة. وفي "المغني" و"الكافي": تُطلَبُ في جميع رمضان. وقال ابن مسعود: هي في كل السَّنَة

(4)

. (وليالي الوِتر آكدُ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "اطلُبوهَا في العشرِ الأواخِرِ، في ثلاث بقين، أو سَبع بقينَ، أو تسع بقينَ"

(5)

. وروى سالم، عن أبيه مرفوعًا: "أرَى رؤياكُم

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (25/ 109)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (7/ 401) وعزاه - أيضًا - إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.

(2)

لم نقف عليه مسندًا، وأورده البغوي في تفسيره (4/ 149)، والقرطبي في تفسيره (20/ 130).

(3)

البخاري في فضل ليلة القدر، باب 3، حديث 2017، 2020، ومسلم في الصيام، حديث 1169.

(4)

أخرجه مسلم صلاة المسافرين، حديث 762، وفي الصيام (2/ 828)، حديث 762 (220).

(5)

أخرجه الترمذي في الصوم، باب 72، حديث 794، والنسائي في الكبرى (2/ 273) حديث 3403، 3404، والطيالسي ص/ 118، حديث 881، وابن أبي شيبة (2/ 511، 3/ 76)، وأحمد (5/ 36، 39)، والبزار (9/ 130) حديث 3681، وابن خزيمة (3/ 324) حديث 2175، وابن حبان "الإحسان"(8/ 442) حديث 3686، والحاكم (1/ 438)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 328) =

ص: 347

قد تَواطأت على أنها في العشر الأواخِرِ في الوِتر، فالتمسُوهَا في العشر الأواخِرِ، في الوِتر منها". متفق عليه

(1)

. واختار المجد: كل العشر سواء. وللعلماء فيها أقوالٌ كثيرة

(2)

.

(وأرجَاها ليلةُ سبع وعشرين، نصًّا)

(3)

وهو قول أُبي بن كعب، وكان يَحلِفُ على ذلك ولا يَستثني

(4)

، وابن عباس

(5)

، وزِرِّ بن حُبيش

(6)

. قال أبيُّ بن كعب: "والله، لقد عَلِمَ ابنُ مسعُود أنها في

= حديث 3681 عن أبي بكرة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وفي الباب:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في فضل ليلة القدر، باب 3، حديث 2021، ولفظه: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه مسلم في الصيام، حديث 1167 (217) ولفظه: التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة.

(1)

البخاري في التهجد، باب 21، حديث 1158، وفي فضل ليلة القدر، باب 2، حديث 2015، وفي التعبير، باب 8، حديث 6991، ومسلم في الصيام، حديث 1165.

(2)

انظر: الفتح (4/ 263).

(3)

انظر مسائل صالح (2/ 301) رقم 919.

(4)

تقدم تخريجه (5/ 347) تعليق رقم (4).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 246) رقم 7679، وإسحاق بن راهويه، كما في المطالب العالية (1/ 431) رقم 1138، وابن خزيمة (3/ 322، 323، 324) رقم 2172، 2173، 2174، والطبراني في الكبير (10/ 322) رقم 10618، والحاكم (1/ 437) والبيهقي (4/ 313) وابن عبد البر في التمهيد (2/ 209).

(6)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 253) رقم 7701، وابن أبي شيبة (3/ 76).

ص: 348

رمضانَ، وأنها ليلة سَبع وعشرِينَ، ولكن كَرِهَ أن يخبرَكُم، فتَتَّكِلُوا". رواه الترمذي

(1)

، وصحَّحه.

وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليلةُ القدرِ ليلةُ سبعِ وعشرِينَ". رواه أبو داود

(2)

. ويرشِّحه قول ابن عباس: "سورةُ القدرِ ثلاثُونَ كَلِمة، السابِعةُ والعشرون فيها: هي"

(3)

.

والحكمة في إخفائها؛ ليجتهدوا في طلبها، ويَجِدُّوا في العبادة؛ طمعًا في إدراكها، كما أخفى ساعةَ الإجابة يومَ الجمعة، واسمه الأعظم في أسمائه، ورضاه في الحسنات، إلى غير ذلك.

(وهي أفضل الليالي) ذَكَره الخطابي إجماعًا

(4)

(حتى ليلة

(1)

في الصوم، باب 72، حديث 793. وهو عند مسلم في الصيام، باب 40، بعد حديث 1168 (220) بنحوه.

(2)

في الصلاة، باب 323، حديث 1386. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (3/ 76)، والمروزي، في قيام الليل كما في مختصره للمقريزي ص/ 112، والطحاوي (3/ 93)، وابن حبان "الإحسان" (8/ 436) حديث 3680، والطبراني في الكبير (19/ 349) حديث 813، 814، والبيهقي (4/ 312)، من طريق معاذ بن معاذ العَنبري عن شعبة، عن قتادة، عن مُطرِّف، عن معاوية رضي الله عنه مرفوعًا. وصحَّحه ابن عبد البر في التمهيد (2/ 205).

ورواه ابن أبي شيبة (3/ 76) عن عفان، والطيالسي (2/ 311) حديث 1054 - ط/ دار هجر. كلاهما (عفان، والطيالسي) عن شعبة، به، موقوفًا.

قال الدارقطني في العلل (7/ 65): ولا يصح عن شعبة مرفوعًا. وقال ابن رجب في لطائف المعارف ص/ 362: وله علة، وهي وقفه على معاوية، وهو [أي: الوقف] أصح عند الإمام أحمد والدارقطني.

(3)

لم نقف عليه مسندًا، وأورده ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز (5/ 506)، والفخر الرازي في تفسيره (32/ 30).

(4)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الخطابي المطبوعة، وانظر: الفروع (3/ 144).

ص: 349

الجمعة) وذكر ابن عقيل رواية: أن ليلة الجمعة أفضل؛ لأنها تتكرَّر، ولأنها تابعة لما هو أفضل، واختاره جماعة. وقال أبو الحسن التميمي: ليلة القَدر التي أُنزل فيها القرآن أفضل مِن ليلة الجُمعة، فأما أمثالها مِن ليالي القَدْر فليلة الجمعة أفضل.

(ويُستحبُّ أن ينام فيها مُتربِّعًا مستندًا إلى شيء، نصًّا

(1)

. ويَذكرُ حاجتَه في دُعائه) الذي يدعو به تلك الليلة.

(ويُستحبُّ) أن يكون منه، أي: مِن دعائه فيها (ما رَوت) أمُّ المؤمنين (عائشةُ) بنت أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما أنها قالت: "يا رسولَ الله، إن وافَقتُها فَبِمَ أدعُو؟ قال: قولي: اللهُمَّ إنَّكَ عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عَنِّي") رواه أحمد وابن ماجه

(2)

(1)

رواه علي بن حرب، كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 789)، وانظر الفروع (3/ 144).

(2)

أحمد (6/ 171، 182، 183، 208)، وابن ماجه في الدعاء، باب 5، حديث 3850. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (6/ 218 - 219) حديث 10708 - 10713، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 499 - 500، حديث 872، 873، 875 - 877، وابن أبي شيبة (10/ 206)، وإسحاق بن راهويه (3/ 748) حديث 1361، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 690، حديث 767، والحاكم (1/ 530)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 335 - 336) حديث 1474، 1475، 1477، 1478، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 338، 339) حديث 3700، 3701، وفي فضائل الأوقات ص/ 257، حديث 113، 114، وفي الأسماء والصفات (1/ 148) حديث 92، وفي الدعوات الكبير (1/ 150) حديث 203، من طريق عبد الله بن بريدة، عن عائشة رضي الله عنها. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصحَّحه النووي في الأذكار ص/ 247، 248. وتعقب الحافظ ابن حجر تصحيح الحاكم، بقوله: وفي ذلك نظر؛ فإن الدارقطني جزم في كتاب الطلاق من السنن بأن عبد الله بن بريدة لم =

ص: 350

وللترمذي

(1)

معناه وصحَّحه. ومعنى العفو: التَّرك، ويكون بمعنى السَّترِ والتغطية. فمعنى:"اعفُ عني": اترُك مؤاخذتي بجرمي، واستر عليَّ ذنبي، وأذهِب عني عقابك.

وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا: "سَلُوا الله العفوَ والعَافيةَ والمُعافاةَ، فما أوتِيَ أحدٌ بعد يقين خيرًا من مُعافاة"

(2)

.

= يسمع من عائشة. انظر: الفتوحات الربانية (4/ 346). وصوَّب الدارقطني في العلل (5/ ق 132) وقفه على عائشة.

قلنا: وأخرج الموقوف ابن أبي شيبة (10/ 206) والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 339) رقم 3702.

(1)

في الدعوات، باب 85، حديث 3513. وانظر التعليق السابق.

(2)

عزاه المؤلف إلى النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولم نقف عليه في سننه: في السنن الصغرى ولا الكبرى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإنما أخرجه في الكبري (6/ 220) حديث 10717، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 502، حديث 881، عن أبي بكر رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد، حديث 724، والنسائي في الكبرى (6/ 220 - 221)، حديث 10715، 10716، 10718، 10719، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 501، 502، حديث 880، 882، 883، وابن ماجه في الدعاء، باب 5، حديث 3849، والطيالسي ص/ 3، حديث 5، والحميدي (1/ 523) حديث 2، 7، وأحمد (1/ 5، 7، 8)، وابن أبي الدنيا في اليقين ص/ 14، حديث 1، والمروزي في مسند أبي بكر ص/ 135 - 137، حديث 92 - 95، والبزار (1/ 146)، حديث 74، 75، وأبو يعلى (1/ 112 - 113) حديث 121، 124، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 719) حديث 1777، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 397) حديث 453، والعقيلي (4/ 379)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (2/ 577) حديث 608، وابن حبان "الإحسان"(3/ 232)، حديث 952، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 329) حديث 579، والحاكم (1/ 529)، والبيهقي في شُعب الإيمان (4/ 199) حديث 4783، وفي الدعوات الكبير (1/ 180، 181) حديث 252، 253، والمزي في تهذيب الكمال (3/ 395) من طريق أوسط البجلي، عن أبي بكر =

ص: 351

فالشرُّ الماضي يزول بالعفو، والحاضر بالعافية، والمستقبل بالمعافاة؛ لتضمُّنِها دوام العافية.

(وتتنقَّلُ في العشر الأخير، لا أنها ليلة معينة، وحُكي ذلك عن الأئمة الأربعة

(1)

وغيرِهم فيمن قال لزوجته: أنت طالقٌ ليلةَ القَدْر، إن كان قبل مُضيِّ ليلةِ أول العَشر) الأخير مِن رمضان (وَقَعَ الطلاقُ)

= رضي الله عنه. وحسّنه البزار. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 166) حديث 4963: ورواه النسائي من طرق وعن جماعة من الصحابة، وأحد أسانيده صحيح.

وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الدعوات باب 106، حديث 3558، والمروزي في مسند أبي بكر ص/ 88، حديث 47، والبزار (1/ 92) حديث 34، وأبو يعلى (1/ 87، 88) حديث 86، 87 مختصرًا من طريق رفاعة بن رافع، عن أبي بكر رضي الله عنهما.

قال الترمذي: غريب من هذا الوجه عن أبي بكر رضي الله عنه.

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 221) حديث 10722، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 503، حديث 886، والمروزي في مسند أبي بكر ص/ 93، حديث 53، وابن أبي الدنيا في الشكر ص/ 53، حديث 154، والبزار (1/ 78) حديث 23، وأبو يعلى (1/ 76) حديث 74، والضياء في المختارة (1/ 110) حديث 59، من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول كقيامي فيكم، فقال: إن الناس لم يعطوا شيئًا هو أفضل من العفو والعافية فسلوهما الله.

وأخرجه النسائي - أيضًا - في الكبرى (6/ 221) حديث 10723، وأبو يعلى (1/ 77، 96) حديث 75، 97، عن أبي صالح، عن أبي بكر رضي الله عنه دون ذكر أبي هريرة رضي الله عنه.

ورجح الأول البزار حيث قال (1/ 189): والحديث لمن زاد إذا كان ثقة.

ورجح الثاني الدارقطني في العلل (1/ 232)، فإنه قال: والمرسل هو المحفوظ.

(1)

انظر حاشية ابن عابدين (2/ 452)، وأوجز المسالك (5/ 181)، والمجموع (6/ 397)، ومسائل أبي داود ص/ 175، والفروع 3/ 142.

ص: 352

أي: تحقَّق وقوعه (في الليلة الأخيرة) مِن رمضان؛ لأن العشر لا يخلو منها، ونازع فيه ابنُ عادل في "تفسيره"

(1)

، بما حاصله: أن العصمة متيقَّنة، فلا تزول إلا بيقين، وقد قيل: إنَّ ليلة القَدْرِ في كلِّ السَّنَة، فلا تتحقَّق إلا بمضي السَّنة (وإن كان مَضَى منه) أي: مِن العشر الأخير مِن رمضان (ليلةٌ) فأكثر، ثم قال لزوجته: أنت طالق ليلة القَدْرِ (وَقَعَ الطلاقُ في الليلة الأخيرة) مِن رمضان (مِن العام المُقبِل) ليتحقَّق وجودها (قال المجد: ويتخرَّجُ حكم العتق واليمين على مسألة الطلاق.

ومَن نَذَرَ قيامَ ليلةِ القَدْرِ، قام العَشرَ الأخيرَ كلَّه، ونَذْرُه في أثنائه) أي: العشر الأخير (كطلاق) ذكره القاضي.

"تتمة": عن أُبيِّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشمسَ تطلعُ من

(2)

صَبيحتها بيضَاءَ لا شُعَاعَ لهَا"

(3)

. وفي بعض الأحاديث: "بيضَاءَ مثل الطست"

(4)

. ورُوي - أيضًا - عنه صلى الله عليه وسلم أن أمارةَ ليلَة القدرِ: أنها ليلَةٌ

(1)

اللباب في علوم الكتاب (20/ 432).

(2)

قوله: "من": ليس في "ذ" والذي في صحيح مسلم: "في".

(3)

أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 762.

(4)

أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 274) حديث 3410، وأبو يعلى في معجمه ص/ 260، حديث 223، وابن حبان "الإحسان"(8/ 445) حديث 3690. وأخرجه أبو داود في الصلاة باب 319، حديث 1378، وعبد الرزاق (4/ 252) حديث 7700، وأحمد (5/ 130، 132)، وابن خزيمة (3/ 332) حديث 2193، والطحاوي (3/ 92)، والطبراني في الكبير (9/ 315) حديث 5980، وابن عبد البر في التمهيد 2/ 207، وفي الاستذكار (10/ 334) حديث 51112، وابن عساكر في تاريخه (7/ 316)، بلفظ: تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست. دون قوله: "بيضاء".

ص: 353

صَافِيةٌ بَلجَةٌ

(1)

، كأنَّ فيهَا قمرًا سَاطِعًا، ساكنةٌ سَاجيةٌ

(2)

، لا بردَ فيهَا ولا حَرَّ، ولا يَحِلُّ لكوكب أن يُرمَى بهِ فيهَا حتَّى تصبحَ، وإنَّ أمارَتَها أنَّ الشمسَ صَبيحتَها تخرجُ مستوية، ليس فيها شُعاعٌ مثلَ القمرِ ليلةَ البدرِ، لا يَحِلُّ للشيطانِ أن يَخرجَ معها يومئذ"

(3)

.

(و)

‌ شهرُ (رمضانَ أفضلُ الشهورِ)

ويَكفُر مَن فضَّل رجبًا عليه، ذَكَره في "الاختيارات"

(4)

(قال الشيخ

(5)

: ليلةُ الإسراء في حَقِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضل مِن ليلة القَدْر) وليلة القَدْر أفضل بالنسبة إلى الأُمة. وقد ذكرت ما فيه في "الحاشية" (وقال

(6)

: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع) إجماعًا (وقال: يوم النَّحرِ أفضل أيام العام) كذا ذكره جَدُّه صاحب "المحرر" في صلاة العيد مِن شرحه "منتهى الغاية": أن يوم النَّحرِ أفضل. (وظاهرُ ما ذَكَره أبو حكيم) إبراهيم النهرواني

(7)

. (أن

(1)

أي: مشرقة. كما في النهاية في غريب الحديث (1/ 151).

(2)

أي: ساكنة. كما في القاموس المحيط ص/ 1293، مادة (سجو).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 324)، والمروزي في قيام الليل كما في مختصره للمقريزي ص/ 258، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 166) حديث 1119، والبيهقي في شعب الإيمان، (3/ 334) حديث 3694، وابن عبد البر في الاستذكار (10/ 342)، والتمهيد (24/ 373)، والضياء في المختارة (8/ 279) حديث 342، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 175): رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 531): هذا إسناد حسن، وفي المتن غرابة، وفي بعض ألفاظه نكارة.

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 166 - 167.

(5)

مجموع الفتاوى (25/ 286).

(6)

الاختيارات الفقهية ص/ 167.

(7)

تقدمت ترجمته (4/ 201) تعليق رقم (5).

ص: 354

يومَ عَرَفة أفضل. قال في "الفروع": وهو أظهرُ) وقاله أكثرُ الشافعية

(1)

. وبعضهم: يوم الجمعة.

(و‌

‌عَشْرُ ذي الحِجَّة أفضلُ مِن العَشرِ الأخير مِن رمضانَ)

لياليه وأيامه.

وقد يقال: ليالي العَشرِ الأخير مِن رمضان أفضل، وأيام ذلك أفضل. قال أبو العباس: والأول أظهر، ذكره في "الاختيارات"

(2)

.

(و) عَشرُ ذي الحِجَّةِ أفضل (مِن أعشار الشُّهور كلِّها) لما في "صحيح ابن حِبان" عن جابر مرفوعًا قال: "ما مِن أيام أفضَلُ عندَ الله مِن أيامِ ذي الحِجَّةِ"

(3)

. قال ابنُ رجب في "اللطائف"

(4)

: والتحقيق: ما قاله بعضُ أعيان المتأخِّرين مِن العلماء: أن يقال: مجموع هذا العَشر أفضلُ مِن مجموع عَشْرِ رمضان، وإن كان في عَشْرِ رمضان ليلة لا يَفضلُ عليها غيرها (والله أعلم).

(1)

المجموع للنووي (6/ 350)، وشرح مسلم للنووي (9/ 117).

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 167.

(3)

"الإحسان"(9/ 164)، حديث 3853. وأخرجه - أيضًا - البزار "كشف الأستار" (2/ 28) حديث 1128، وأبو يعلى (4/ 69) حديث 2090، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 418) حديث 2973.

قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 151): رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 253): رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن مروان العقيلي، وثقه ابن معين وابن حبان، وفيه بعض كلام. وأورده - أيضًا - في (4/ 17)، وقال: رواه البزار وإسناده حسن، ورجاله ثقات.

(4)

لطائف المعارف ص/ 282.

ص: 355

‌باب الاعتكاف وأحكام المساجد

(وهو) أي: الاعتكاف لغة: لزوم الشيء، ومنه قوله تعالى:{قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}

(1)

يقال: عَكَفَ، بفتح الكاف، يَعكُفُ، بضمها وكسرها.

وشرعًا: (لُزُومُ المسجدِ لطاعةِ الله، على صِفَة مَخصوصَة) يأتي بيانها (مِن مُسلم) لا كافر، ولو مرتدًّا (عاقل، ولو مميزًا) فلا يصحُّ مِن مجنون، ولا طفل؛ لعدم النيَّة (طاهر مما يوجب غُسلًا) فلا يصحُّ مِن جُنُب، ونحوه، ولو متوضئًا.

(وأقلُّه) أي: الاعتكاف (ساعةٌ) قال في "الإنصاف": أقلُّه إذا كان تطوُّعا، أو نَذرًا مطلقًا، ما يُسمَّى به معتكفًا لابثًا. قال في "الفروع": ظاهره: ولو لحظة. وفي كلام جماعة مِن الأصحاب: أقلُّه ساعةٌ، لا لحظة، وهو ظاهر كلامه في "المذهب" وغيره. انتهى. وقال الزركشيُّ: وأقلُّه أدنى لُبْثٍ. انتهى. وقول المصنف بعد: "ولا يكفي عُبوره" يدلُّ على أن المراد بالساعة ما يتناول اللحظة. وقد حكيت كلامه في "حاشيته" في "حاشية المنتهى".

(فلو نَذَر اعتكافًا وأطلَقَ) فلم يقيده بمُدَّة (أجزأته) الساعة، على ما تقدم.

(1)

الأعراف، الآية:138.

ص: 356

(ولا يَكفي عُبُوره) لمسجد مِن غير لُبْث؛ لأنه لا يُسمَّى معتكفًا.

(ويُستحبُّ أن لا يَنقصَ) الاعتكاف (عن يوم وليلة) خروجًا مِن خِلاف مَن يقول: أقلُّه ذلك.

(ويُسَمَّى) الاعتكاف (جِوارًا) لقول عائشة عنه صلى الله عليه وسلم: "وهو مُجَاوِرٌ في المسجِدِ". متفق عليه

(1)

. وفي "الصحيحين"، مِن حديث أبي سعيد مرفوعًا قال:"كنتُ أجاوِرُ هذا العَشرَ - يعني الأوسَطَ - ثم قد بدَا لي أن أُجَاوِرَ هَذا العَشرَ الأواخِرَ، فمن كانَ اعتكف مَعِي، فَليَلبَثْ في مُعتَكَفِهِ"

(2)

.

(قال ابن هُبيرة

(3)

: و) هذا الاعتكاف (لا يَحلُّ أن يُسَمَّى خَلوة) ولم يزد على هذا. وكأنه نظر إلى قول بعضهم

(4)

.

إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا تقُل

خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ

(قال في "الفروع": ولعل الكراهة أَولى) أي: مِن التحريم.

(وهو سُنَّةٌ كلَّ وقت) قال في "شرح المنتهى": إجماعًا

(5)

؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعَلَه وداوم عليه؛ تَقرُّبًا إلى الله تعالى، واعتكف أزواجه

(1)

البخاري في الاعتكاف، باب 2، حديث 2028، ومسلم في الحيض، حديث 297 (8).

(2)

البخاري في فضل ليلة القدر، باب 3، حديث 2018، وفي الاعتكاف، باب 1، حديث 2027، ومسلم في الصيام، حديث 1167.

(3)

الإفصاح (1/ 255).

(4)

هو أبو العتاهية، والبيت في ديوانه ص/ 34.

(5)

الإجماع لابن المنذر ص/ 53.

ص: 357

بعده

(1)

ومعه

(2)

(إلا أن يَنذُرَه) أي: الاعتكاف (فيجب على صِفة ما نَذَر) مِن تتابع وغيره؛ لحديث: "مَن نَذَر أن يُطيعَ الله، فليطِعهُ"

(3)

. وعن عُمر أنه قال: "يا رسول الله، إني نذَرتُ أن أعتكِفَ ليلة في المسجدِ الحرامِ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوفِ بنذرِكَ"

(4)

. رواهما البخاري.

(ولا يختصُّ) الاعتكاف (بزمان) دون غيره، وهو معنى ما تقدم مِن قوله: كل وقت.

(وآكدُه في رمضانَ) إجماعًا

(5)

. قال في "الفروع": ولم يفرِّقِ الأصحاب بين الثَّغرِ وغيره، وهو واضحٌ. ونقل أبو طالب

(6)

: لا يعتكِفُ في الثَّغرِ؛ لئلا يشغله نفيرٌ.

(1)

أخرجه البخاري في الاعتكاف، باب 1، حديث 2026، ومسلم في الاعتكاف، حديث 1172 (5) عن عائشة رضي الله عنها، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده.

(2)

أخرج البخاري في الحيض باب 10، حديث 309، 310، وفي الاعتكاف باب 10، حديث 2037، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم

الحديث.

(3)

أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب 28، 31، حديث 6696، 6700، عن عائشة رضي الله عنها.

(4)

أخرجه البخاري في الاعتكاف، باب 5، 16، حديث 2032، 2043، وفي فرض الخمس، باب 19، حديث 3144، وفي المغازي، باب 54، حديث 4320، وفي الأيمان والنذور، باب 29، حديث 6697. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الأيمان، حديث 1656.

(5)

التمهيد لابن عبد البر (11/ 199، 23/ 56).

(6)

الفروع (3/ 147، 148).

ص: 358

(وآكدُه العَشرُ الأخيرُ منه) أي: مِن رمضان؛ لحديث أبي سعيد المتقدم

(1)

، ولأن ليلة القَدْرِ تُطلب فيه كما تقدم

(2)

.

(وإن عَلَّقه) أي: نَذر الاعتكاف (أو) عَلَّقَ (غيرَه مِن التطوُّعات) كالصلاة والصوم والصدقة عند نَذرِها (بشَرط، فله شَرطُه) أي: فلا يلزمه حتى يوجد شرطُه، وذلك (نحو) أن يقول:(لله عليَّ أن أعتكف شهرَ رمضانَ، إن كنتُ مقيمًا أو معافى، فلو كان) الناذرُ (فيه) أي: في شهر رمضان (مريضًا، أو مسافرًا، لم يلزمه شيءٌ) لعدم وجود شَرْطِه.

(ويصحُّ) الاعتكاف (بغيرِ صوم) لحديث عمر قال: "يا رسولَ الله، إني نذرتُ في الجاهلية أن أعتكِفَ ليلَة بالمسجد الحرام. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوفِ بنذرِكَ" رواه البخاري

(3)

. ولو كان الصوم شَرطًا، لما صَحَّ اعتكافُ الليل؛ لأنه لا صيامَ فيه؛ ولأنه عبادةٌ تصحُّ في الليل، فلم يشترط له الصيام، كالصلاة وكسائر العبادات؛ ولأن إيجاب الصَّوم حكمٌ لا يثبت إلا بالشرع، ولم يثبت فيه نصٌّ ولا إجماع، وما رُوي عن عائشة:"لا اعتِكافَ إلَّا بصَوم"

(4)

فموقوف

(1)

(5/ 357) تعليق رقم (2).

(2)

(5/ 347).

(3)

تقدم تخريجه (5/ 358) تعليق (4).

(4)

أخرجه الدارقطني (2/ 199)، والحاكم (1/ 440)، والبيهقي (4/ 317) وابن الجوزي في التحقيق (2/ 111) حديث 1188 من طريق سويد بن عبد العزيز عن سفيان بن حسين عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. قال الدارقطني: تفرد به سويد، عن سفيان بن حسين. وقال الحاكم: لم يحتج الشيخان بسفيان بن حسين. وقال البيهقي: وهذا وَهمٌ من سفيان بن حسين أو =

ص: 359

عليها، ومَن رَفَعَه فقد وَهِم، قاله في "الشرح" وغيره. ثم لو صحَّ،

= سويد بن عبد العزيز، وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ضعيف بمرَّة لا يُقبل منه ما تفرَّد به.

وأخرجه أبو داود في الصيام، باب 80، حديث 2473، والدارقطني (2/ 201)، والبيهقي (4/ 321) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: السُّنَّة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع.

قال أبو داود: غير عبد الرحمن لا يقول فيه قالت: "السُّنّة"، جعله قول عائشة. وقال الدارقطني: يقال: إن قوله: وأن السنة للمعتكف إلى آخره ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من كلام الزهري ومن أدرجه في الحديث فقد وهِم، والله أعلم. وقال البيهقي: قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام مِن قول مَن دون عائشة، وأن من أدرجه في الحديث وَهِم فيه، فقد رواه سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن عروة قوله. وقال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 330): لم يقل أحد في حديث عائشة هذا: "السُّنّة" إلا عبد الرحمن بن إسحاق، ولا يصح هذا الكلام كله عندهم إلا من قول الزهري. وقال الحافظ في بلوغ المرام، رقم (702): ولا بأس برجاله، إلا أن الراجح وقف آخره.

وأخرجه البيهقي (4/ 315)، وفي شعب الإيمان (3/ 423) حديث 3962، من طريق الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يعتكف العشر الأواخر. . ." الحديث وفيه: "وأن السُّنَّة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة

والسُّنَّة فيمن اعتكف أن يصوم".

قال البيهقي في شعب الإيمان: أخرجاه في الصحيح من حديث الليث دون قوله: "والسُّنَّة في المعتكف. . ." إلى آخره، فقد قيل: إنه من قول عروة، والله أعلم. وانظر نصب الراية للزيلعي (2/ 486 - 488).

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 354) رقم 8037، وابن أبي شيبة (3/ 87) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (10/ 347) والبيهقي (4/ 317) من طريق سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا قالت: من اعتكف فعليه الصوم.

ص: 360

فالمراد به الاستحباب؛ فإن الصوم فيه أفضل؛ ولأن الاعتكاف لُبْثٌ في مكان مخصوص، فلم يُشترط له الصوم كالوقوف (إلا أن يقول في نَذْرِه) أي

(1)

: نَذرٌ عليَّ أن أعتكف (بصوم) فيلزمه الصومُ؛ لنَذرِه إيَّاه.

(و) الاعتكاف (به) أي: بالصوم (أفضل) لما تقدَّم، وخروجًا مِن الخلاف (فيصحُّ) الاعتكاف (في ليلة مفردَة)

(2)

عن يومها؛ لحديث عمر

(3)

.

(و) يصحُّ الاعتكاف (في بعض يوم، وإن كان مفطرًا) لعدم اشتراط الصوم فيه (وإذا لم يشترط الصومَ في نَذرِه، فصامَ) وهو معتكفٌ (ثم أَفطر عامدًا بغير عُذر، لم يبطل اعتكافُه، ولم يلزمه شيء) لصحَّة اعتكافه بغير صوم.

(ومَن نَذَر أن يعتكفَ صائمًا) أو بصوم، وتقدَّم قريبًا (أو) نَذَرَ أن (يصومَ معتكفًا، أو باعتكاف، أو) نَذَرَ أن (يعتكفَ مصليًا، أو) أن (يصلِّي معتكفًا، لزمه الجمعُ) بين الاعتكاف والصيام، أو بين الاعتكاف والصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليسَ على المعتَكف صيامٌ إلا أن يجعلَهُ على نفسِه"

(4)

. والاستثناء مِن النفي إثباتٌ، ويُقاس على

(1)

قوله: "أي" ليس في "ح".

(2)

في "ذ": "منفردة".

(3)

تقدم تخريجه (5/ 358)، تعليق رقم (4).

(4)

أخرجه الدارقطني (2/ 199)، والحاكم (1/ 439)، والبيهقي (4/ 318)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 110)، وابن عساكر في تاريخه (5/ 489) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 369 مع الفيض) ورمز لصحته، وقال البيهقي: تفرَّد به عبد الله بن محمد الرَّملي. ثم رواه من طريق آخر عن طاوُس قال: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف =

ص: 361

الصوم الصلاةُ؛ ولأن كلًّا من الصوم والصلاة صِفةٌ مقصودة في الاعتكاف، فلزمت بالنَّذرِ كالتتابع، وكَنَذرِ القيام في صلاة النافلة، و (كنَذْرِ صلاة بسُورة معينة) مِن القرآن (لكن لا يلزمه أن يصلِّي جميعَ الزمان إذا نَذَرَ أن يعتكف) يومًا - مثلًا - (مصليًا. والمرادُ) يكفيه (ركعةٌ أو ركعتان) بناء على ما لو نَذَرَ الصلاة وأطلق، على ما يأتي.

وإن نَذَرَ اعتكاف أيام متتابعة بصوم، فأفطر يومًا، أفسَدَ تتابعه، ووجب الاستئناف؛ لإخلاله بالإتيان بما نَذَره على صفتِه، قاله في "الشرح".

(وإن نَذَرَ اعتكافَ عَشرِ رمضانَ الأخير، فَنَقَصَ) العَشرُ (أجزأه) لأنه يُسَمَّى بالعَشرِ الأخير، وإن كان ناقصًا (بخلاف نَذْرِه عَشرَة أيام من آخر الشهر فنَقَصَ) الشهر (فيقضي يومًا) عِوَضَ النقص.

قلت: ويكفِّر؛ لفوات المحلِ

(1)

.

(وإن نَذَرَ أن يعتكفَ رمضانَ ففاته) اعتكاف رمضان؛ لعُذر أو غيره (لزِمه) اعتكاف (شَهر غيره) ليفيَ بنَذرِه (ولا يلزمه الصوم) في الشهر الذي يعتكفه قضاء عن رمضانَ.

(ولا يجوز الاعتكافُ للمرأةِ والعبدِ بغير إذن زَوج وسَيِّد) لأن

= صيامًا؛ إلا أن يجعله على نفسه. ثم قال: هذا هو الصحيح، موقوف، ورَفْعه وَهْمٌ.

وصوَّب وَقفه: ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 375)، والحافظ ابن حجر في الدراية (1/ 288).

وله شاهد من قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 87)، ولفظه: المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه.

(1)

في "ح" زيادة: "لأن الأصل التمام".

ص: 362

منافع المرأة والعبد مملوكة لغيرهما، والاعتكاف يفوتها ويمنع استيفاءها، وليس بواجب بالشرع، فلم يَجز إلا بإذن مالك المنفعة، وهو الزوج والسيِّدُ (فإن شَرَعا) أي: المرأة والعبد (فيه) أي: في الاعتكاف (بغير إذن) الزَّوجِ والسيد (فلهما تحليلُهما) منه (ولو كان) الاعتكاف (نَذرًا) لحديث أبي هريرة: "لا تصومُ المرأة وزوجُهَا شاهِدٌ يومًا مِن غيرِ رمضانَ إلا بإذنِه". رواه الخمسة

(1)

وحسَّنه الترمذي. وضررُ الاعتكاف أعظم؛ ولأن إقامتهما على ذلك تتضمن تفويت حَقِّ غيرهما بغير إذنه، فكان لصاحب الحقِّ المنع منه، كربِّ الحقِّ مع غاصبه (فإن لم يُحلِّلَاهما) مِن الاعتكاف (صَحَّ، وأجزأ) عنهما.

(وإن كان) الاعتكاف (بإذن) من الزوج والسيِّد (فلهما تحلِيلُهما، إن كان تطوُّعًا) لأنه صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لعائشةَ وحفصةَ وزينبَ في الاعتكافِ، ثم مَنَعهُنَّ منه بعد أن دخلن

(2)

. ولأن حقَّ الزوج والسيد واجبٌ،

(1)

أبو داود في الصوم، باب 74، حديث 2458، والترمذي في الصوم، باب 65، حديث 782، والنسائي في الكبرى (2/ 246) حديث 3287، 3288، وابن ماجه في الصيام، باب 53، حديث 1761، وأحمد (2/ 245). ورواه البخاري في النكاح، باب 84، 86، حديث 5192، 5195، ومسلم في الزكاة، حديث 1026، بلفظ:"لا تصم المرأة وبَعلها شاهد إلا بإذنه".

(2)

أخرجه البخاري في الاعتكاف، باب 6، 14، 18، حديث 2033، 2041، 2045، ومسلم في الاعتكاف، حديث 1173، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه. قال: فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها، فضربت فيه قُبَّة، فسمعت بها حفصة فضربت قُبَّة، وسمعت زينب بها فضربت قُبَّة أخرى، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغداة أبصر أربع قباب، فقال: ما هذا؟ فأُخبر =

ص: 363

والتطوُّع لا يَلزم بالشروع؛ ولأن لهما المنعَ منه ابتداء، فكان لهما المنعُ دوامًا، كالعارية. ويخالف الحجَّ؛ لأنه يَلزم بالشروع، ويجب المضيُّ في فاسده.

(وإن كان) الاعتكاف الذي شرعت فيه الزوجة أو القِنُّ

(1)

بإذن الزوج أو السيد (نَذْرًا، ولو غير معيَّن، فلا) يحللانهما؛ لأنه يتعيَّن بالشروع فيه، ويجب إتمامه كالحجِّ.

(ولو رَجعا) أي: الزوج والسيد (بعد الإذن) للزَّوجة والقِنِّ في الاعتكاف (قبل الشروع) في الاعتكاف (جَاز) الرجوعُ، كعزل الموكِّل وكيله (والإذن في عَقدِ النَّذرِ إذنٌ في فِعلِهِ أن نَذَرا) أي: الزوجة والقِن (زمنًا معينًا بالإذن) كما لو أذن الزوج أو السيد لهما في نَذر اعتكاف العَشرِ الأخير مِن رمضان، فيكون إذنا في فِعلِه (وإلا) أي: وإن لم يكن الزمن معينًا بالإذن (فلا) يكون الإذن في النَّذر إذنًا في الفعل؛ لأن زَمَن الشروع لم يقتضه الإذن السابق (وأم الولد، والمدبَّر، والمُعلَّق عتقُه بصفة، كعبد) فيما تقدم؛ ولأن

(2)

منافعهم مستحقة للسيد.

(وللمُكاتَبِ أن يعتكف بلا إذن سيِّدِه) نصَّ عليه

(3)

؛ لأن السيد لا يستحقُّ منافعه، ولا يملك إجباره على الكسب، فهو مالك لمنافعه، كحُرٍّ مَدين، بخلاف أم الولد والمُدبَّر. وظاهره: لا فَرقَ بين الواجب

= خبرهن، فقال: ما حملهن على هذا؟ آلبرُّ؟ انزعوها فلا أراها.

(1)

القِنُّ: عَبدٌ مُلِك هو وأبواه. القاموس المحيط ص/ 1225، مادة (قنن).

(2)

في "ح": "لأن" بدون واو.

(3)

انظر الإفصاح (1/ 270) والفروع (3/ 151)، والإنصاف (3/ 363).

ص: 364

وغيره، وسواء حلَّ نَجْمٌ

(1)

أو لا.

(وله) أي: للمُكاتَب (أن يحجَّ بغير إذنه) أي: إذن سَيِّده

(2)

؛ لما سبق (ما لم يحلَّ نَجمٌ) مِن نجومِ الكتابة. ونقل الميموني

(3)

: له الحج مِن المال الذي جَمَعه، ما لم يأتِ نجمُه. وحمله القاضي وغيره على إذنه له. ويجوز بإذنه، أطلقه

(4)

بجماعة، وقالوا: نصَّ عليه

(5)

. ولعل المراد ما لم يحلَّ نَجْمٌ، وصرَّح به بعضُهم. وعنه: المنع مطلقًا، قاله في "الفروع". ويأتي في الكتابة: لسيده منعه من السَّفر، كحُرٍّ مَدين.

(ولا يُمنع) المكاتب (مِن إنفاق المال في الحجِّ) كتَركِ التكسُّب.

(ومَن بعضُه حرٌّ) وباقيه رقيق (إن كان بينهما مُهايَأةٌ، فله أن يعتكفَ) في نوبته (و) أن (يحجَّ في نوبته بلا إذنه) أي: إذن سيِّده؛ لأن منافعه إذن غير مملوكة لسيِّده، بل هي له كالحُّرِّ (وإلا) أي: وإن لم يكن بينه وبين سيده مُهايَأة (فلسيِّده مَنعُه) مِن الاعتكاف والحجِّ؛ لأن له ملكًا في منافعه في جميع الأوقات، فتجويزه يتضمَّن إبطال حقِّ غيره، وليس بجائز.

(وإذا اعتكفتِ المرأةُ استُحِبَّ لها أن تستترَ

(6)

بِخباء ونحوِه) لفعل

(1)

تنجيم الدَّين: هو أن يُقدَّر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة، ومنه تنجيم المُكاتَب. لسان العرب (12/ 570).

(2)

في "ح": "السيد".

(3)

الإنصاف (3/ 363).

(4)

في "ح": "نقله".

(5)

الإنصاف (3/ 364)، وانظر مسائل ابن هانئ (1/ 145) رقم 717.

(6)

في "ح": "تستر".

ص: 365

عائشة وحفصة وزينب في عهده صلى الله عليه وسلم

(1)

(وتجعلُه في مكان لا يُصلِّي فيه الرجالُ) لأنه أبعد في التحفُّظِ لها. نقل أبو داود

(2)

: يَعتَكِفنَ في المساجدِ، ويُضرَبُ لَهُنَّ فيها الخِيَمُ.

(ولا بأس أن يستترَ الرِّجال - أيضًا -) ذكره في "المغني" و"الشرح"؛ لفعله صلى الله عليه وسلم

(3)

، ولأنه أخفى لعملهم. ونقل ابن إبراهيم

(4)

: لا، إلا لبرد شديد.

(و‌

‌لا يصحُّ الاعتكافُ

(5)

إلا بنيَّة)

لحديث: "إنما الأعمَالُ بالنِّيَّاتِ"

(6)

ولأنه عبادة محضة كالصوم.

(فإن كان) الاعتكافُ (فرضًا) أي: منذورًا (لزِمَه نيَّةُ الفَرضيَّة) ليتميزَ المنذور عن التطوُّع (وإن نوى الخروجَ منه) أي: مِن الاعتكاف (أي: نوى إبطاله، بَطلَ؛ إلحاقًا له بالصلاة والصيام) لأنه يخرج منه بالفساد، بخلاف الحجِّ والعمرة.

(ولا يبطُلُ) الاعتكاف (بإغماء) كما لا يبطل بنوم، بجامعِ

(1)

تقدم تخريجه (5/ 363)، تعليق رقم (2).

(2)

في مسائله ص/ 96.

(3)

أخرجه البخاري في الاعتكاف، باب 6، حديث 2033، ومسلم في الصيام، حديث 1173، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلَّى الفجر ثم دخل مُعتكفه، وإنه أمر بخبائه فضُرب. وأخرجه مسلم في الصيام، حديث 1167 (215)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، في قُبَّة تركية على سُدَّتها حصير. . .".

(4)

هو إسحاق بن إبراهيم بن هانئ. انظر مسائله (1/ 138) رقم 678.

(5)

في "ح": "اعتكاف".

(6)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

ص: 366

بقاءِ التكليف.

(ولا يصحُّ الاعتكاف من رَجُل تلزمُه الصلاةُ جماعة، إلا في مسجد تُقام فيه) الجماعة، فلا يصحُّ بغير مسجد، بلا خلاف؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}

(1)

فلو صحَّ في غيرها، لم تختصَّ بتحريم المباشرة، إذ هي محرَّمة في الاعتكاف مطلقًا. ولأنه صلى الله عليه وسلم "كان يُدخِلُ رأسَهُ إلى عائشةَ وهو معتكِفٌ، فتُرَجِّلُهُ" متفق عليه

(2)

، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة.

ولا يصحُّ مِمَّن تلزمه الجماعة إلا بمسجد تُقام فيه؛ حِذارًا مِن ترك الجماعة، أو تكرُّرِ الخروج المنافي له، مع إمكان التحرُّز منه.

وخرج منه المعذورُ، والصبيُّ، ومَن هو في قرية لا يصلي فيها غيرُه؛ لأن الممنوع منه تَركُ الجماعة الواجبة، وهي منتفية هنا (ولو) كانت إقامة الجماعة (مِن رَجُلين) أو رَجُل وامرأة (معتكفَين) لانعقاد الجماعة بهما، فيخرج مِن عهدة الواجب (إن أتى عليه) أي: الرَّجُل الذي تلزمه الصلاة جماعة (فِعلُ الصلاة زمنَ اعتكافه

وإلا) أي: وإن لم يكن المعتكفُ رجلًا تلزمُه الصلاة جماعة، بأن كان امرأة، أو عبدًا، أو صبيًّا، أو معذورًا، أو لم يأتِ عليه زمنَ اعتكافه فِعلُ صلاة، كما لو اعتكف من طلوع الشمس إلى الزوال (صحَّ) اعتكافُه (في كلِّ مسجد) لعموم الآية، والجماعة غير واجبة إذن. وما روى حرب بإسناد جيد عن ابن عباس: "أنه سُئِلَ عن امرَأة

(1)

سورة البقرة، الآية:187.

(2)

البخاري في الحيض، باب 2، 5، حديث 296، 301، وفي الاعتكاف، باب 2، 3، حديث 2028، 2029، ومسلم في الحيض، حديث 297، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 367

جَعلت عليها أن تعتكِفَ في مسجِد بيتِها؟ فقال: بِدعَةٌ، وأبغَضُ الأعمالِ إلى الله البِدَعُ، فلا اعتِكافَ إلا في مسجد تُقامُ فيهِ الصَّلاة"

(1)

. أي: مِن شأنه أن تُقام فيه.

(وإن كانت) الجماعة (تُقامُ فيه في بعض الزمان) دون بعض (جاز الاعتكافُ فيه) ممن تلزمه الجماعة (في ذلك الزمن) الذي تُقام فيه (فقط) دون الزمان الذي لا تُقام فيه؛ لما سبق.

(ولا يصحُّ) الاعتكافُ ممَّن تلزمُه الجماعة (في مسجد تُقام فيه الجمعة دون الجماعة) إذا كان يأتي عليه وقت صلاة؛ لما مَرَّ.

(وَظهرُه) أي: المسجد، منه (ورَحَبَتُه

(2)

المحوطة وعليها باب، نصًّا)

(3)

منه (ومنارتُه التي بابُها فيه، منه) بدليل مَنع الجُنُبِ، وكذا إذا كانت المنارة فيه وإن لم يكن بابها منه (وكذا ما زِيدَ فيه) أي: في المسجد، فهو منه (حتى في الثَّوابِ في المسجد الحرام، وكذا مسجدُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) ما زيدَ فيه؛ حكمُه حكمُه، حتى في الثَّواب (عند الشيخ

(4)

وابن رجب

(5)

وجَمع، وحُكي عن السَّلف) لما رُوي عن أبي هريرة

(1)

لعله في مسائله، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - المروزي في السنة ص/ 29، رقم 84، مختصرًا، والبيهقي (4/ 316) وابن عبد الهادي في تنقيح تحقيق أحاديث التعليق (2/ 372) بنحوه.

(2)

رَحَبَة المكان: بالتحريك، وقيل: بسكون الحاء، ساحتُه المنبسطة ومُتَّسَعُهُ. انظر: القاموس المحيط ص/ 88 مادة (رحب)، والمصباح المنير ص/ 302.

(3)

الفروع (3/ 153 - 154).

(4)

انظر مجموع الفتاوى (26/ 146).

(5)

فتح الباري لابن رجب (3/ 291).

ص: 368

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بُنِيَ هذا المسجدُ إلى صنعاءَ، كان مسجدِي"

(1)

. وقال عمرُ لما زاد في المسجد: "لو زِدنا فيه حتَّى يبلغَ الجبَّانَةَ

(2)

، كانَ مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم"

(3)

. قال ابن رجب في "شرح البخاري"

(4)

: وقد قيل: إنه لا يُعلم عن السلف خِلافٌ في المضاعفة، وإنما خالف بعضُ المتأخرين مِن أصحابنا منهم ابن الجوزي وابن عَقيل. (وخالفَ فيه ابنُ عَقيل وابن الجوزي وجَمْعٌ. قال في "الفروع": وهو ظاهرُ كلام أصحابنا، وتوقَّفَ أحمدُ) وقال في

(1)

ذكره الديلمي في الفردوس (3/ 378) رقم 5152، والسيوطي في الجامع الصغير (5/ 314 - مع الفيض) ورمز لضعفه، وقد سقط هذا الرمز من النسخة المطبوعة من فيض القدير، وعزاه إلى الزبير بن بَكَّار في أخبار المدينة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 424، رقم 626:"قد أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة، عن محمد بن يحيى أبي غسان المدني، والديلمي في مسنده من طريق إسحاق بن موسى الأنصاري كلاهما عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه - هو عبد الله بن سعيد، عن أبيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: بلفظ: "لو مُدَّ مسجدي هذا إلى صنعاء كان مسجدي". وسعد لين الحديث، وأخوه واه جدًّا". انظر لمزيد من التفصيل الرد على الإخنائي ص/ 329، وكشف الخفاء (2/ 34)، والسلسلة الضعيفة (2/ 402) رقم 973.

(2)

قال في النهاية (1/ 236): الجبان، والجبانة: الصحراء، وتُسمَّى بهما المقابر؛ لأنها تكون في الصحراء تسمية للشيء بموضعه.

(3)

أخرجه عمر بن شَبَّة في أخبار المدينة، كما في الرد على الإخنائي ص/ 330، وقد سقط من المطبوع من أخبار المدينة لابن شبَّة، وضعفه السمهودي في وفاء الوفا (2/ 496)، والصنعاني في سبل السلام (2/ 309).

(4)

فتح الباري لابن رجب (3/ 291).

ص: 369

"الآداب"

(1)

: وهذه المضاعفة تختصُّ المسجد

(2)

غير الزيادة، على ظاهر الخبر، وقول العلماء من أصحابنا وغيرهم، أي قوله صلى الله عليه وسلم:"في مسجدِي هذا"

(3)

؛ لأجل الإشارة.

(ولو اعتكف مَن لا تلزمُه الجمعةُ) كالعبد، والمسافر، والمرأة (في مسجد لا تُصلَّى فيه) الجمعةُ (بَطَلَ) اعتكافه (بخروجه إليها، إن لم يشترط) الخروج إليها؛ لأنه خروج لما له بدٌّ منه (والأفضلُ الاعتكافُ في المسجدِ الجامعِ، إذا كانت الجمعةُ تتخلَّلُهُ) أي: الاعتكاف؛ لئلا يحتاجَ إلى الخروج إليها، فيترك الاعتكاف، مع إمكان التحرُّز منه.

(وللمرأةِ ومَن لا تلزمُه الجماعةُ، كالمريض، والمَعذُور) بسفر أو غيره (ومَن في قرية لا يُصَلِّي فيه غيرُه، الاعتكافُ في كلِّ مسجد) لعموم الآية (إلا مسجد بيتها، وهو ما اتخذَتهُ لصلاتها) لما تقدم عن ابن عباس

(4)

؛ ولأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكمًا، ولو جاز؛ لفعلته أمهاتُ المؤمنين ولو مرة؛ تبيينًا للجواز.

(ومَن نَذَرَ الاعتكافَ أو الصلاةَ في مسجد غيرِ) المساجد (الثلاثة، فله فِعلُه) أي: النذر مِن اعتكاف، أو صلاة (في غيره) لأن الله تعالى لم يعين لعبادته موضعًا، فلم يتعيَّن بالنذر، ولو تعيَّن؛

(1)

الآداب الشرعية (3/ 439).

(2)

في "ح" و"ذ": "بالمسجد".

(3)

أخرجه البخاري في فضل الصلاة في مكة والمدينة، باب 1، حديث 1190، ومسلم في الحج، حديث 1394، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه:"صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام".

(4)

تقدم تخريجه (5/ 368) تعليق رقم (1).

ص: 370

لاحتاج إلى شدِّ رَحْل، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلاثَةِ مساجِدَ: المسجِد الحرامِ، والمسجِدِ الأقصَى، ومسجِدي هذا". متفق عليه

(1)

من حديث أبي هريرة. قال في "المبدع": ولعل مرادهم إلا مسجد قباء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "كانَ يأتيهِ كلَّ سبت رَاكبًا ومَاشِيًا، ويصلِّي فيه ركعتينِ"

(2)

. وكان ابن عمر يفعله. متفق عليه

(3)

. قال: وعلى المذهب: يعتكف في غير المسجد الذي عيَّنه. وظاهره لا كفَّارة

(4)

، وجزم به في "الشرح".

(وإن نَذَره) أي: الاعتكاف أو الصلاة (في أحدِ المساجدِ الثلاثةِ: المسجدِ الحرام، ومسجدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمسجدِ الأقصى، لم يجزئه في غيرها) لفضل العبادة فيها على غيرها، فتتعيَّن بالتعيين.

(وله شدُّ الرَّحْل إليه) أي: إلى المسجد الذي عيَّنه مِن الثلاثة؛ لحديث أبي هريرة السابق.

(وأفضلُها: المسجدُ الحرام، ثم مسجدُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم) المسجدُ (الأقصى) وهو مسجد بيت المقدس؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةٌ في مسجِدِي هذا خيرٌ مِن ألفِ صلاة فيما

(1)

البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب 1، حديث 1189، ومسلم في الحج، حديث 1397.

(2)

البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب 2، 3، 4، حديث 1191، 1193، 1194، ومسلم في الحج، حديث 1399، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

البخاري في الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب 3 حديث 1193، ومسلم في الحج حديث 1399 (520، 521).

(4)

في "ح": "ولا كفارة".

ص: 371

سواهُ، إلا المسجدَ الحرامَ". رواه الجماعة إلا أبا داود

(1)

، ولأحمد وأبي داود من حديث جابر بن عبد الله، مثله، وزاد:"وصَلاة في المسجِدِ الحَرَامِ أفضَلُ من مائةِ ألف صلاة فيمَا سِواهُ"

(2)

. قال ابن عبد البر: هو أحسن حديث رُوي في ذلك

(3)

. ولأحمد من حديث عبد الله بن الزبير مثل حديث أبي هريرة، وزاد:"وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائَةِ صلاة في هذا"

(4)

. وكون مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم

(1)

البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب 1، حديث 1190، ومسلم في الحج، حديث 1394، والترمذي في المناقب، باب 68، حديث 3916، والنسائي في الحج، باب 124، حديث 2897، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 195، حديث 1404، وأحمد (2/ 256، 277، 386، 397، 466، 468، 484، 485، 499، 528).

(2)

أحمد (3/ 343، 397)، ولم نجده في سنن أبي داود. ورواه - أيضًا - ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب 195، حديث 1406، والطحاوي (3/ 127) وفي شرح مشكل الآثار (2/ 62) حديث 599، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 27)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 142) حديث 1294، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 250): هذا إسناد صحح رجاله ثقات، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 179): إسناده صحيح، إلا أنه اختُلف فيه على عطاء. وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 453)، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 172).

(3)

قال في الاستذكار (7/ 226) في كلامه على حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما الآتي بعده، لا عن حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

أحمد (4/ 5). وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 195، حديث 1367، وعبد الرزاق (8/ 121) حديث 9133، ومسدد، وأحمد بن منيع، كما في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 19) حديث 950، وعبد بن حميد (1/ 465) حديث 520، والبزار (6/ 156) حديث 2196، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 89) حديث 1183، والحارث بن أبي أسامة، كما في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 19) =

ص: 372

والمسجد الأقصى لم يُفرض إتيانهما شرعًا، بخلاف المسجدِ الحرام، لا يَمنعُ وجوب الاعتكاف والصلاة فيهما بالنَّذرِ؛ لأن النَّذرَ موجب لما لم يكن واجبًا بأصل الشَّرعِ، وإلحاق غير الثلاثة بها ممتنع؛ لثبوت فضلها على غيرها بالنصِّ.

(فإن عَيَّنَ الأفضلَ منها) وهو المسجدُ الحرام (في نَذرِه، لم يجزئه) الاعتكاف ولا الصلاة (فيما دونه) لعدم مساواته له (وعكسُه بعكسِه) أي: إن عَيَّنَ المفضول منها، أجزأه فيما هو أفضل منه، فمَن عَيَّنَ في نَذرِه مسجدَ المدينة، أجزأه فيه، وفي المسجد الحرام فقط، وإن عَيَّنَ الأقصى، أجزأه في كلِّ مِنْ المساجد الثلاثة؛ لحديث جابر "أنَّ رجُلا قال يوم الفتحِ: يا رسولَ الله، إنِّي نذرتُ إن فتحَ الله عليكَ مكَّةَ، أن أصلِّيَ في بيتِ المقدِسِ، فقال: صَلِّ هَاهُنا، فسأله فقال: صَلِّ هَاهُنا، فسألَهُ فقال: شأنُك إذَن" رواه أحمد وأبو داود

(1)

. ورويا

= حديث 950، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 61) حديث 597، وابن حبان "الإحسان"(4/ 499) حديث 1620، وابن عدي (2/ 817)، وابن حزم في المحلى (7/ 290)، والبيهقي (5/ 246)، وفي شعب الإيمان (3/ 485) حديث 4141، 4142، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 25) كلهم من طريق حبيب المعلِّم، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن الزبير رضي الله عنهما. قال البزار: اختُلف على عطاء، ولا نعلم أحدا قال:"فإنه يزيد عليه مائة"، إلا ابن الزبير.

قال ابن عبد البر: فأَسند حبيب المعلِّم هذا الحديث وجوَّده ولم يُخلِّط في لفظه ولا في معناه، وكان ثقة. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 4): رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير بنحو البزار، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح.

وصحح إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 172) والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 19)، وانظر: علل الدارقطني (9/ 395).

(1)

أحمد (3/ 363)، وأبو داود في الأيمان والنذور، باب 24، حديث 3305. وأخرجه - أيضًا - عبد بن حميد (3/ 10) حديث 1007، والدارمي في النذور =

ص: 373

أيضًا هذا الخبرَ بإسنادهما عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وزاد: "فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: والذي بَعثَ محمدًا بالحَقِّ، لو صَلَّيتَ هاهنا لقَضَى عنكَ ذلك كلَّ صلاة في بيت المقدس"

(1)

.

(وإن نَذَره) أي: الاعتكاف أو الصلاة (في غير هذه المساجدِ) الثلاثة (وأراد الذَّهابَ إلى ما عيَّنه، فإن احتاجَ إلى شدِّ رَحْلٍ، خُيِّر) عند القاضي، وغيره، وهو معنى جَزْمِ بعضهم بإباحته، واختاره الموفَّق في القَصر، ومَنَعَ منه ابن عقيل والشيخ تقي الدين

(2)

. وإن لم يحتج إلى شَدِّ رَحل، ففي "المبدع": فالمذهب يُخيَّر. وفي "الواضح": الأفضل الوفاء. قال في "الفروع": وهذا أظهر.

(وإن دخل فيه) أي: في معتكفه (ثم انهدمَ مُعتكَفُه ولم يُمكنِ المُقامُ فيه، لَزِمَ إتمامُه) أي: الاعتكاف إن كان منذورًا (في غيره، ولم

= والأيمان، باب 4، حديث 2384، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 105) حديث 1221، وابن الجارود (3/ 214)، حديث 945، وأبو يعلى (4/ 88، 158) حديث 2116، 2224، وأبو عوانة في مسنده (4/ 20) حديث 5883 - ط/ دار المعرفة، والطحاوي (3/ 125)، وابن عدي (2/ 477)، والحاكم (4/ 304)، والبيهقي (10/ 82)، وابن عبد البر في الاستذكار (15/ 22).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصحَّحه أيضًا ابن دقيق العيد في الاقتراح ص/ 505. وقال أبو عوانة: في هذا الحديث نظر في صحته وتوهينه.

(1)

أحمد (5/ 373)، وأبو داود في الأيمان والنذور، باب 24، حديث 3306. وأخرجه - أيضًا - ابن المبارك في مسنده ص/ 103، حديث 174، وعبد الرزاق (8/ 455) حديث 15890، والشاشي في مسنده (1/ 292) حديث 262، وابن عساكر في تاريخه (45/ 123)، والمزي في تهذيب الكمال (7/ 31، 32).

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 168.

ص: 374

يبطل) اعتكافُه بخروجه منه؛ لأنه خروج لما لا بدَّ له منه.

(ومَن نَذَرَ اعتكاف شهر) بعينه، كرمضان (أو) نَذَر اعتكاف (عشر بعينه، كالعشر الأخير من رمضان، أو أراد ذلك تطوُّعًا، دخل معتكفَه قبل ليلته الأولى) أي: قبل غروب الشمس، نصَّ عليه

(1)

، إذ الشهر يدخل بدخول الليلة، بدليل ترتُّبِ الأحكام المعلَّقة به مِن حلول الدَّين، ووقوع الطلاق والعَتَاق المعلَّقَين به، وما لا يتم الواجب إلا به واجب.

وأما حديث عائشة: "كان إذا أرادَ أن يعتَكِفَ، صلَّى الفجرَ ثم دخَل معتكَفَه" متفق عليه

(2)

، فاعتكافه كان تطوُّعًا، والتطوُّع يَشرع فيه متى شاء. وقال القاضي: يحتمل أنه كان يفعل يوم العشرين ليستظهر ببياض يوم زيادة. (وخَرَجَ) من معتكفه (بعدَ آخرِه) أي: آخر ما عيَّنه، بأن تغرُب شمس آخر يوم منه. نصَّ عليه

(3)

؛ لما تقدم.

(ولو نَذَر) أن يعتكفَ (يوما معينًا) كيوم الخميس (أو) نَذَر يومًا (مطلقًا) بأن نَذَر أن يعتكف يومًا وأطلق (دَخَلَ) معتكفه (قبل فجرِه الثاني، وخرجَ بعدَ غروبِ شمسِه) لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (ولم يجز تفريقُه بساعات مِن أيام) لأنه يُفهم منه التتابع، أشبه ما لو قيَّده به.

(1)

انظر الإرشاد ص/ 154، والفروع 3/ 172.

(2)

البخاري في الاعتكاف، باب 6، 14، حديث 2023، 2041، ومسلم في الاعتكاف، حديث 1173، واللفظ لمسلم.

(3)

انظر الإرشاد ص/ 154، وكتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 781)، والفروع (3/ 172).

ص: 375

(فلو كان في وسط النهار، فقال: لله عليَّ أن أعتكف يومًا مِن وقتي هذا، لَزِمَه) الاعتكاف (مِن ذلك الوقت إلى مثله) ليتحقَّق مضي يوم مِن ذلك الوقت (ولا يدخل الليلُ) في نَذره اعتكافَ يوم، فلا يلزمه اعتكافه؛ لأنه ليس مِن اليوم.

(وكلُّ زمان معيَّن) نَذَرَ اعتكافه (يدخل) معتكفه (قبلَه، ويخرج بعدَه) لما تقدم (وإن اعتكف رمضان، أو العشر الأخير منه، استُحبَّ أن يبيت ليلة العيد في معتكفه) ليُحييَ ليلة العيد (ويخرج منه إلى المُصلَّى) نصَّ عليه

(1)

. قال إبراهيم

(2)

: كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفِطر في المسجد، ثم يغدو إلى المُصلَّى مِن المسجد. انتهى. ويكون في ثياب اعتكافه؛ لِيَصِلَ طاعة بطاعة.

(وإن نَذَر شهرًا مطلقًا، لَزِمَه شهرٌ متتابعٌ، نصًّا

(3)

) لأن الاعتكاف معنى يصحُّ ليلًا ونهارًا، فإذا أطلقه؛ لزمه التتابع، كقوله: لا كلَّمتُ زيدًا شهرًا. وكمدة الإيلاء، والعُنَّة، والعِدَّة.

(وحكمُه في دخولِ معتكفِه وخروجِه منه كما تقدَّم) فيدخل قبل الغروب مِن أول ليلة منه، ولا يخرج إلا بعد غروب شمس آخر أيامه (ويكفي شَهرٌ هلاليٌّ ناقصٌ بلياليه، أو ثلاثون يومًا بلياليها) لأن الشهر اسمٌ لِمَا بين الهلالين، ناقصًا كان أو تامًّا، ولثلاثين يومًا.

(1)

مسائل الأثرم والمرُّوذي، كما في كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 846)، والمغني (4/ 490).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 92).

(3)

الفروع (3/ 171).

ص: 376

(وإن ابتدأ) اعتكافه (الثلاثينَ في أثناء النهار، فتمامُه في مثل تلك السَّاعة مِن اليوم الحادي والثلاثين، وإن ابتدأه في أثناءِ الليلِ، تمَّ) اعتكافُه (في مثل تلك الساعة مِن الليلة الحادية والثلاثين).

(وإن نَذَرَ أيامًا) معدودة (أو) نَذَرَ (لياليَ معدودة، فله تفريقُها، إن لم ينوِ التتابعَ) لأن الأيام واليالي المطلقة توجد بدون التتابع، فلم يلزمه، كنذر صومها. واحتجاج ابن عباس

(1)

في قضاء رمضان بالآية يدلُّ عليه.

(ونَذْرُ اعتكافِ يوم لا تدخل ليلتُه) لأنها ليست عنه (وكذا عكسُه) أي: إذا نَذَر اعتكاف ليلة لا يدخل يومها؛ لأنه ليس منها.

(وإن نَذَر شهرًا متفرقًا) يعني: نَذَرَ ثلاثين يومًا متفرقة (فله تتابُعُه) ولا يلزمه.

(وإن نَذَرَ أيامًا) متتابعة (أو) نَذَرَ (لياليَ متتابعة، لَزِمَه ما يتخللها من ليل) إذا نَذَر الأيام (أو نهار) إذا نَذَر الليالي، نصَّ عليه

(2)

؛ لأن اليوم اسمٌ لبياض النهار، والليلُ اسمٌ لسواد الليل، والتثنيةُ والجمعُ تكرار الواحد، وإنما يدخل ما تخلل؛ للزوم التتابع ضمنًا، وهو حاصلٌ بما بينهما خاصة، فإن لم تكن متتابعة، لم يلزمه ما تخللها من ذلك.

(وإن نَذر اعتكافَ يومِ يقدمُ فلانٌ، فقدِمَ في بعض النهار، لَزِمه اعتكافُ الباقي منه، ولم يَلزمه قضاءُ ما فات) مِن اليوم قبل قدومه؛

(1)

تقدم تخريجه (5/ 296) تعليق رقم (6).

(2)

انظر كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 785)، والفروع (3/ 168).

ص: 377

لأنه فات قبل شرط الوجوب، فلم يجب (كَنَذرِ اعتكافِ زمن ماض) لعدم انعقاده (وإن قدِمَ ليلًا، لم يلزمه شيءٌ) لأنه إنما نَذَرَ يومَ يقدمُ، لا ليلةَ يقدم. ويَرِدُ عليه ما ذكروه في: أنتِ طالق يومَ يقدمُ فلان، فقدِمَ ليلًا، يحنث، ما لم ينوِ النهار.

(فإن كان للناذر عُذرٌ يمنعه الاعتكافَ عند قُدومِ فلان، مِنْ حَبْسٍ أو مَرَض، قضى وكفَّر) كفَّارة يمين؛ لفوات المحل (ويقضي بقيةَ اليوم) الذي قدِمَ فيه فلان (فقط) دون ما مضى منه؛ لأن القضاء تابع للأداء.

فصل

(مَن لزمه تتابعُ اعتكاف

(1)

) كمن نَذَر شهرًا أو أيامًا متتابعة ونحوه (لم يَجُز له الخروجُ إلا لما لا بُدَّ منه) لما رُوي عن عائشة أنها قالت: "السُّنةُ للمعتكفِ أن لا يَخرجَ إلا لما لا بُدَّ له

(2)

منه" رواه أبو داود

(3)

(كحاجةِ الإنسان مِن بول وغائط) قال في "المبدع": إجماعًا

(4)

، وسندُه قول عائشة:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَدخلُ البيتَ إلَّا لحاجة الإنسان" متفق عليه

(5)

. ولو بطل بالخروج إليهما، لم يصحَّ لأحد اعتكافٌ، وكُنِّيَ بها عنهما؛ لأن كل إنسان يحتاج إلى فِعلهما (و)

(1)

في "ح": "الاعتكاف".

(2)

قوله: "له" ليس في "ح" ولا في سنن أبي داود.

(3)

تقدم تخريجه (5/ 359) تعليق رقم (4).

(4)

الإجماع لابن المنذر ص/ 54.

(5)

تقدم تخريجه (5/ 367) تعليق رقم (2).

ص: 378

كـ (قَيء بَغَتَهُ، وغَسلِ متنجِّس يحتاجُه) لأن ذلك في معنى البول والغائط (والطهارةِ عن حَدَث) كغسل جَنابة ووضوء لحَدَث، نصَّ عليه

(1)

؛ لأن الجُنُبَ يحرم عليه اللُّبْثُ في المسجد، والمُحدِثَ لا تصحُّ صلاتُه بدون وُضوء.

و (لا) يخرج لطهارة غيرِ واجبة، كغُسل الجمعة، و (التجديدِ، وله تقديمها) أي: الطهارة الواجبة (ليصلِّي بها أول الوقت) لأنه لا بُدَّ مِن الوضوء للحَدَث؛ وإنما يتقدَّم عن وقت الحاجة إليه لمصلحة، وهي كونه على وُضوء، وربما يَحتاج إلى صلاة النافلة.

(و) له أن (يتوضَّأ في المسجد) ويَغتسل فيه (بلا ضَرَر) أي: إذا لم يؤذِ بهما.

(فإذا خَرَجَ) المعتكف لما لا بُدَّ له منه (فله المشيُ على عادته مِن غير عَجَلة) لأن عليه فيها مشقَّة (و) له (قَصْدُ بيته إن لم يجد مكانًا يليق به، لا ضَرَر عليه فيه ولا مِنَّةٍ، كسِقاية) أي: ميضأة (لا يَحتَشِمُ مثلُه منها، ولا نَقصَ عليه) في دخولها، قالوا: ولا مخالفة لعادته. وفيه نظر، قاله في "الفروع".

(ويَلزمه قَصْدُ أقربِ منزليه) لِدَفعِ حاجته به، بخلاف مَن اعتكف في المسجد الأبعد منه، لعدم تعيين أحدهما قبل دخوله للاعتكاف. (وإن بَذَل له صديقُه أو غيرُه منزلَه القريبَ لقضاء حاجته، لم يلزمه) قَبوله (للمشقَّة بترك المروءة والاحتشام) منه.

(ويَخرجُ) المعتكف (ليأتي بمأكول ومشروب يَحتاجه، إن لم يكن

(1)

الفروع (3/ 174).

ص: 379

له مَن يأتيه به) نصَّ عليه

(1)

؛ لأنه في معنى ما سبق.

(و‌

‌لا يجوز خروجُه لأجل أكله وشُربِه في بيته)

لعدم الحاجة، لإباحة ذلك في المسجد، ولا نقصَ فيه. وذكر القاضي أنه يتوجَّه الجواز، واختاره أبو حَكيم؛ لما فيه مِن تَرْكِ المروءة، ويَستحيي أن يأكل وحده، ويريد أن يخفي جنس قُوْتِهِ.

(وله غَسْلُ يدِه فيه) أي: المسجد (في إناء مِن وَسَخ وزَفَر

(2)

ونحوهما) كغسل يديه مِن نوم الليل في إناء (ليُفرَغَ خارجَ المسجدِ) لأنه لا ضرر على المصلين بذلك (ولا يجوز أن يَخرجَ لغَسلِهما) مما ذكر؛ لأن له منه بدًّا.

(ويَخرجُ للجُمُعةِ إن كانت واجبة عليه) لأنه خروج لواجب، فلم يبطل اعتكافه، كالمُعتدَّة (أو شَرَطَ الخروجَ إليها) أي: وإن لم تكن واجبة؛ للشرط.

(وله التبكيرُ إليها) نصَّ عليه

(3)

؛ لأنه خروج جائز، فجاز تعجيلُه، كالخروج لحاجة الإنسان.

(و) له (إطالةُ المُقامِ بعدَها) أي: الجمعة، ولا يُكره؛ لصلاحية الموضع للاعتكاف.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 96.

(2)

الزُّفرة: كلمة عامية وتعني: رائحة السَّمن، وكذلك هي: رَغوةُ القِدر عند غليانه. وزَفَّر الإناء: لَوَّثه بالدُّهن، وفلانًا: قَدَّم له من المآكل الدُّهنية. انظر: المعجم الدلالي بين العامي والفصيح، للدكتور عبد الله الجبوري ص/ 63، مادة (زفر).

(3)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 670) رقم 906، ومسائل أبي داود ص/ 96.

ص: 380

(ولا يَلزمُه) إذا خرج للجُمُعةِ (سُلُوكُ الطريقِ الأقربِ) بل له سُلُوكُ الأبعدِ، وفي "المبدع": والأفضل سُلُوكُ الأبعد، إن خرج لجمعة وعيادة وغيرهما. وذكر قبله: قال بعض أصحابنا: الأفضل خروجه لذلك، وعوده في أقصر طريق، لا سيما في المنذور.

(ويُستحبُّ له سُرعةُ الرُّجوعِ بعدَ) صلاته (الجُمُعةِ) إلى معتكفه، ليتم اعتكافه فيه.

(وكذا) له الخروج (إن تعيَّن خروجُه لإطفاءِ حريق، وإنقاذِ غريق، ونحوه) كمن تحت هَدم (ولنفير متعيِّن إن احتيج إليه) لأن ذلك واجب كالجُمُعة (ولشهادة تعيَّن عليه أداؤها، فيلزمه الخروجُ) لذلك؛ لظاهر الآيات، والتحمُّل كالأداء، كما يأتي في الشهادات.

(ولخوف مِن فتنة على نفسه، أو حُرْمتِه، أو ماله نَهبًا وحريقًا ونحوه) كالغرق

(1)

؛ لأنه عُذِرَ في تَرك الواجب بأصل الشرع كالجُمُعةِ، فههنا أَولى.

(ولمرض يتعذَّر معه المُقامُ) كالقيام المتدارك (أو لا يمكنه) المُقام معه (إلا بمشقَّة شديدة، بأن يحتاج إلى خِدمة، أو فِراش) فله الخروجُ؛ لما تقدم (ولا يبطُلُ اعتكافُه) بخروجه لشيء مما تقدم لدعاء الحاجة إليه.

و (لا) يجوز له الخروج (إن كان المرضُ خفيفًا، كصُداع وحُمَّى خفيفة) ووَجعِ ضرس؛ لأنه خروج لما له منه بُدٌّ، أشبه المبيت ببيته.

(وإن أكرهه السلطانُ أو غيرُه على الخروج) مِن معتكفه (بأن

(1)

في "ح": "كالغريق".

ص: 381

حُمِل وأُخرج

(1)

، أو هدَّده قادرٌ) بسلطنة أو تغلب كلصٍّ وقاطع طريق (فخرج بنفسه، لم يبطل اعتكافُه) بذلك؛ لأن مثل ذلك يبيح تَرْك الجُمُعةِ والجماعة، وعِدَّة الوفاة بالمنزل، فما أوجبه بنَذره أَولى (كحائض، ومريض، وخائف أن يأخذه السُّلطانُ ظلمًا، فخرج واختفى) فلا يبطل اعتكافه بخروجه؛ للعُذر.

(وإن أخرجَه) سلطان أو غيره (لاستيفاء حقٍّ عليه، فإن أمكنه الخروج منه) أي: مِن الحقِّ عليه (بلا عُذر، بَطَل اعتكافُه) لأنه خروج لما له منه بُدٌّ (وإلا) أي: وإن لم يمكنه الخروج منه (فلا) يبطل اعتكافُه (لوجوب الخروج) عليه.

(وإن خَرَج) المعتكف (مِن المسجد ناسيًا، لم يبطل) اعتكافُه؛ لحديث: "عُفِي لأمتي عن الخطأ والنِّسيان وما استُكرهُوا عليه"

(2)

.

(ويبني) على اعتكافه (إذا زال العُذرُ في الكُلِّ) أي: كل ما تقدم أن الاعتكاف لا يبطل فيه (فإن أخَّر الرجوع إليه) أي: إلى الاعتكاف (مع إمكانه، بَطَل ما مضى) كما لو خرج لما له منه بُدٌّ (كمرض وحيض) زالا، وأخَّر الرجوع بعد زوالهما، فإن اعتكافه يبطل بذلك.

و (تَخرج المرأةُ) المعتكفة مِن المسجد (لوجود حَيض ونفِاس، فترجع إلى بيتها، فإذا طَهُرت) مِن الحيض والنفاس (رَجعت إلى المسجد) لأن اللُّبثَ معهما في المسجد حرام، هذا إن

(3)

لم يكن

(1)

في "ح": "أو أخرج".

(2)

تقدم تخريجه (2/ 155)، تعليق رقم (1).

(3)

في "ح": "إذا".

ص: 382

للمسجد رَحَبَةٌ

(1)

(وإن كان له رَحَبةٌ غيرُ مَحوطة) قيَّدَ به ابن حمدان، وهو ظاهر؛ لأن المَحوطة مِن المسجد، فحكمها حكمه (يمكنها ضَرْبُ خِباء) - هو ما يُعمل من وَبَر أو صوف، وقد يكون مِن شعر، وجمعه: أخبية، بغير همز، مثل كساء وأكسية، ويكون على عودين، أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت، قاله في "الحاشية" - (فيها بلا ضَرر، سُنَّ) لها ضَرب الخِباء بها، وأن تجلِس بها (إن لم تخف تلويثًا، فإذا طَهُرت، دخلت المسجدَ) لِتُتِمَّ اعتكافَها؛ لما روى المقدام بن شُريح عن عائشة، قانت:"كُنَّ المعتكفاتُ إذا حِضنَ أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهنَّ مِن المسجدِ، وأن يَضربنَ الأخبِيةَ في رَحَبةِ المسجدِ حتَّى يَطهُرنَ" رواه أبو حفص

(2)

بإسناده.

(و)

‌ تَخرج المُعتكفة (لِعدَّة وفاة)

في منزلها؛ لوجوبها شرعًا، كالجُمعة، وهو حَقٌّ لله ولآدمي، لا يُستدرك إذا تُرِك، بخلاف الاعتكاف، ولا يبطل به (ونحوها) أي: المذكورات (مما يجبُ الخروجُ له) كما إذا تعيَّنت عليه صلاة جنازة خارجة ودَفن ميت.

(1)

الرحبة: تقدم التعريف بها (5/ 368) تعليق رقم (2).

(2)

أبو حفص هو عمر بن إبراهيم بن عبد الله، العكبري، معرفته عالية بالمذهب، له التصانيف السائرة منها:"المقنع" و"شرح الخرقي" و"الخلاف بين أحمد ومالك" و"محاسبة النفس والجوارح" ولم يطبع شيء من كتبه فيما نعلم، توفي سنة (387 هـ) رحمه الله تعالى. طبقات الحنابلة (2/ 163).

وقد وقع وَهْمٌ في تعيينه في (2/ 318) فليصحح من هنا.

ولم نقف على هذا الحديث مسندًا، وقد روى ابن أبي شيبة (3/ 94) عن أبي قِلَابة قال: المعتكفة تضرب ثيابها [كذا في المطبوع، والصواب خباءها كما في المغني (4/ 487)] على باب المسجد إذا حاضت.

ص: 383

(ولا تُمنعُ المستحاضة الاعتكاف) لأن الاستحاضة لا تمنع الصلاة، وقد قالت عائشة:"اعتكَفَت مَع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أزواجِه مُستحاضَة، فكانت ترى الحُمرة والصُّفرةَ، وربما وضَعَت الطستَ تحتها وهي تُصلِّي" رواه البخاري

(1)

(ويجب عليها أن تتحفَّظ، وتتلجَّم؛ لئلا تلوِّث المسجدَ، فإن لم يمكن صيانتُه منها، خرجت منه) لوجوب صيانته عن النجاسات بأصل الشرع.

(ولا يعودُ) المعتكف (مريضًا، ولا يشهدُ جِنازة، ولا يُجهِّزُها خارجَ المسجد إلا بشرط) بأن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه (أو وجوب) بأن يتعيَّن ذلك عليه، لعدم غيره؛ لأنه لا بُدَّ منه إذن (وكذا كل قُربة لا تتعيَّنُ) عليه (كزيارة) رَحِم أو صديق (وتحمُّلِ شهادة وأدائها) إذا لم يتعيَّنا عليه، لم يخرج إلا بشرط (وتغسيلِ ميِّت، وغيرِه) لا يخرج إليه إلا بشرط ما لم يتعيَّن عليه.

(وإن شَرَط ما له منه بُدٌّ، وليس بقُربة، كالعشاء في منزله، والمبيتِ فيه، جازَ له فِعله) لأنه يجب بعقده، كالوقف، ولأنه يصير كأنه نَذَر ما أقامه، ولتأكُّد الحاجة إليهما، وامتناع النيابة فيهما.

و (لا) يصحُّ الشرط (إن شَرَط) المعتكف (الوطءَ، أو) شرط الخروج لأجل (الفُرْجة، أو النُّزهة، أو الخروجَ للبيع والشراءِ للتجارة، أو) شرط (التكسُّب بالصناعة في المسجد) والخروج

(2)

لما شاء؛ لأن ذلك ينافي الاعتكاف صورة ومعنى، كشرط تَرْك الإقامة

(1)

في الحيض، باب 10، حديث 309 - 311، وفي الاعتكاف باب 10، حديث 2037.

(2)

في "ح": "أو الخروج".

ص: 384

بالمسجد، وكالوقف لا يصحُّ فيه شرط ما ينافيه.

(وإن قال: متى مرضتُ، أو عَرض لي عارضٌ خرجتُ، فله شَرْطه) كالشرط في الإحرام، وإفادته: جواز التحلُّل إذا حدث عائق عن المضي.

(وله السؤالُ عن المريض) ما لم يعرِّج أو يقف لمسألته (و) له (البيعُ والشراءُ في طريقه إذا خرج لما لا بُدَّ منه، ما لم يُعرِّج أو يقف لمسألة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك

(1)

، ورُويَ عن عائشة قالت:"إن كنتُ لأدخلُ البيتَ والمريضُ فيه، فما أسألُ عنه إلا وأنا مارَّةٌ" متفق عليه

(2)

. ولأنه لم يترك بذلك شيئًا مِن اللُّبْثِ المستحق، فأشبه ما لو سَلَّم أو ردَّ السلام في مروره.

(وله) أي: للمعتكف إذا خرج لما لا بُدَّ له منه (الدُّخولُ إلى مسجد) آخر (يُتمُّ اعتكافَه فيه، إن كان) ذلك المسجد (أقربَ إلى مكان حاجته من) المسجد (الأول) لأن المسجد الأول لم يتعيَّن بصريح النذر، فأَولى أن لا يتعيَّن بشروع الاعتكاف فيه؛ ولأنه لم

(1)

روى أبو داود في الصوم، باب 80، حديث 2472، ومن طريقه البيهقي (4/ 321) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمرُّ بالمريض وهو معتكف، فيمرُّ كما هو، ولا يعرِّج، يسأل عنه. وفي لفظ: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف.

وضعَّفه المنذري في مختصر السنن (3/ 343)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 341)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 219): والصحيح عن عائشة من فعلها، وكذلك أخرجه مسلم وغيره. ا. هـ وانظر التعليق الآتي.

(2)

لم نقف على هذا اللفظ في صحيح البخاري، وإنما رواه مسلم فقط في الحيض حديث 297 (7).

ص: 385

يترك بذلك لُبْثا مستحقًّا، أشبه ما لو انهدم المسجد الأول، أو أخرجه منه سلطان، فخرج من ساعته إلى مسجد آخر، فأتمَّ اعتكافه فيه.

(وإن كان) المسجدُ الذي دخل إليه (أبعدَ) مِن محلِّ حاجته من الأول (أو خرج) المعتكف (إليه) أي: إلى المسجد الثاني (ابتداء بلا عُذْر، بَطَل أعتكافُه) لتركه لُبْثا مستحقًّا.

(فإن كان المسجدان متلاصِقين، بحيث يخرج مِن أحدهما فيصير في الآخر، فله الانتقالُ من أحدهما إلى الآخر) لأنهما كمسجد واحد انتقل مِن إحدى زاويتيه إلى الأخرى (وإن كان يمشي بينهما) أي: بين المسجدين (في غيرهما، لم يجز له الخروج، وإن قَرُب) ما بينهما، ويبطل اعتكافه بمشيه بينهما، لتركه اللُّبث المستحق إذن.

(وإن خَرَج لما لا بُدَّ منه خُروجًا معتادًا) يعني لعُذر معتاد (كحاجة الإنسان) أي: البول

(1)

والغائط (وطهارة مِن الحدث، والطعام والشراب، والجُمُعة، والحيض، والنِّفاس، فلا شيء فيه) أي: لا قضاء؛ لأن الخروج له كالمستثنى؛ لكونه معتادًا، ولا كفَّارة؛ إذ لو وجب فيه شيء لامتنع معظم الناس مِن الاعتكاف، بل هو باق على اعتكافه، ولم تنقص به مدتُه.

(وإن خَرَج لـ) ـعُذر (غير معتاد، كنفير، وشهادة واجبة، وخوف مِن فِتنة، ومرض ونحو ذلك) كقيء بَغَتَهُ، وغَسْل متنجس يحتاجه، وإطفاء حريق، ونحوه (ولم يتطاول، فهو على اعتكافه، ولا يقضي الوقتَ الفائت بذلك؛ لكونه يسيرًا) مباحا، أشبه حاجة الإنسان

(1)

في "ح": "أي إلى البول".

ص: 386

وغسل الجنابة (وإن تطاول) غير المعتاد مِن المذكورات (فإن كان الاعتكاف تطوُّعًا، خُيِّر بين الرُّجوع وعدمِه) لعدم وجوبه بالشروع

(1)

، كما تقدم (وإن كان) الاعتكاف (واجبًا، وَجَبَ عليه الرجوع إلى مُعتكفه) لأداء ما وجب عليه.

(ثم لا يخلو) النذرُ (مِن ثلاثة أحوال) بالاستقراء:

(أحدها: نَذَر اعتكافَ أيام غير متتابعة ولا معيَّنة) كنذره عشرة أيام مع الإطلاق (فيلزمُه أن يُتِمَّ ما بقي عليه) مِن الأيام محتسبًا بما مضى (لكنه يبتدئ اليومَ الذي خرج فيه مِن أوله) ليكون متتابعًا. وقال المجد: قياس المذهب: يُخير بين ذلك وبين البناء على بعض اليوم، ويُكفِّر، وهو ظاهر، قاله في "المبدع"(ولا كفَّارة) عليه؛ لأنه أتى بالمنذور على وجهه.

(الثاني: نَذَرَ أيامًا متتابعة غير معيَّنة) بأن قال: لله عليَّ أن أعتكف عشرة أيام متتابعة، فاعتكف بعضها، ثم خَرَج لما تقدم وطال (فَيُخيَّر بين البناء على ما مضى، بأن يقضي ما بقي مِن الأيام، وعليه كفَّارة يمين) جبرًا لفوات التتابع (وبين الاستئناف بلا كفَّارة) لأنه أتى بالمنذور على وجهه، فلم يلزمه شيءٌ، كما لو نَذَر صوم شهر غير معين، فشرع فيه، ثم أفطر لعُذر.

(الثالث: نَذَرَ أيامًا معينة، كالعشر الأخير مِن رمضان، فعليه قضاء ما تَرَك) ليأتي بالواجب (و) عليه (كفَّارة يمين) لفوات المحلِّ.

(وإن خرج) المعتكفُ (جميعه لما لَه منه بُدٌّ مختارًا عمدًا، أو

(1)

في "ح": "بالشرع".

ص: 387

مكرهًا بحق) كمَن عليه دَينٌ يمكنه الخروج منه ولم يفعل، فأخرج له (بَطَلَ) اعتكافه (وإن قلَّ) زمنُ خروجه لذلك؛ لأنه خرج مِن معتكفه لغير حاجة، كما لو طال. وعُلِم من قوله:"جميعه" أنه لو خَرَجَ بعضُ جسده، لم يبطل اعتكافه، نصَّ عليه

(1)

؛ لقول عائشة: "كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكَفَ يُدني رأسَهُ إليَّ، فأرَجِّلُهُ" متفق عليه

(2)

.

(ثم إن كان) المعتكف (في) نَذْر (متتابع بشرط أو نيَّة) بأن كان نَذَرَ عشرة أيام متتابعة أو نواها كذلك، ثم خرج لذلك (استأنف) لأنه لا يمكنه فِعل المنذور على وجهه إلا به (ولا كفَّارة) عليه؛ لإتيانه بالمنذور على وجهه (وإن كان) خرج مِن مُعتكفه (مُكرهًا بغير حَقٍّ، أو ناسيًا، فقد تقدم) حكمه قريبًا.

(وإن كان) المعتكف (في) نَذْر (معيَّن متتابع، كنَذْرِ شعبان متتابعًا، أو في) نَذر (معيَّن) كشعبان (ولم يقيِّده بالتتابع، استأنف) لتضمُّن نَذْره التتابع، ولأنه أَولى مِن المُدَّة المطلقة (وكفَّر) كفَّارة يمين؛ لتركه المنذور في وقته المعين بلا عُذر.

(ويكون القضاءُ) في الكُلِّ (والاستئناف في الكُلِّ على صفة الأداء فيما يمكن) فإن كان الأول مشروطًا فيه الصَّوم، أو في أحد المساجد الثلاثة أو نحو ذلك، فإن المقضي أو المستأنف يكون كذلك، بخلاف ما لا يمكن، كما لو عيَّن زمنًا ومضى، فإنه لا يمكن تداركه، لكن لو نَذَرَ اعتكافًا في شهر رمضان ثم أفسده، فهل يلزمه قضاؤه في مثل تلك الأيام؟ على وجهين، وظاهرُ كلام أحمد لزومه. وهو اختيار

(1)

الفروع (3/ 189).

(2)

تقدم تخريجه (5/ 367)، تعليق رقم (2).

ص: 388

ابن أبي موسى؛ لأن في الاعتكاف في هذا الزمن فضيلة لا توجد في غيره، فلا يجزئ القضاء في غيره، كما لو نَذَرَ الاعتكاف في المسجد الحرام، ثم أفسده

(1)

؛ وعلى هذا: فلو نَذَرَ

(2)

اعتكاف عشرة أيام، فشرع في اعتكافها في أول العشر الأواخر ثم أفسده، لزمه قضاؤه في العشر مِن قابل؛ لأن اعتكاف العشر لزمه بالشروع عن نَذرِه، فإذا أفسده، لزمه قضاؤه على صفة ما أفسده. ذكره ابن رجب

(3)

في القاعدة الحادية والثلاثين.

(ويَحرُمُ عليه) أي: المعتكف (الوطء) لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}

(4)

(فإن وطئ) المعتكف (في فَرْجٍ ولو ناسيًا، فَسَدَ اعتكافُه) لما روى حَربٌ في "مسائله" عن ابن عباس قال: "إذا جامعَ المعتكفُ، بَطلَ اعتِكافُهُ، واستأنَفَ الاعتكافَ"

(5)

؛ ولأن الاعتكاف عبادة تَفسد بالوطء عمدًا، فكذلك سهوًا، كالحجِّ (ولا كفَّارة للوطء) لعدم النصِّ، والقياس لا يقتضيه (بل) عليه الكفَّارة (لإفساد نَذْره) إذا كان معينًا، وهي كفَّارة يمين.

(وإن باشر) المعتكفُ (دون الفَرْج) أو قبَّل (لغير شهوة، فلا

(1)

في القواعد الفقهية زيادة: فإنه يتعين القضاء فيه. ولأن نذر اعتكافه يشتمل على نذر اعتكاف ليلة القدر، فتعين؛ لأن غيرها لا يساويها.

(2)

في "ح": "فلو كان نذر".

(3)

القواعد الفقهية ص 41

(4)

سورة البقرة، الآية:187.

(5)

مسائل حرب لم تُطبع. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 363) رقم 8081، وابن أبي شيبة (3/ 92، 4/ 45)، واللفظ له. وروى الطبري في تفسيره (2/ 181) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط، جامع امرأته، ثم اغتسل، ثم رجع إلى اعتكافه، فَنُهوا عن ذلك.

ص: 389

بأس) كغسل رأسه، وترجيل شعره؛ لحديث عائشة

(1)

(و) إن باشر دون الفَرْج أو قبَّل (لشهوة، حَرُمَ) لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}

(2)

(فإن أنزل، فكوَطء، فَيَفسُدُ) اعتكافُه، ولا كفَّارة له، بل لإفساد نَذره (وإلا) أي: وإن لم يُنزل بالمباشرة دون الفَرْج (فلا) إفساد كالصوم.

(وإن سَكِرَ) المعتكف (ولو ليلًا) بطل اعتكافُه؛ لخروجه عن كونه مِن أهل المسجد، كالمرأة تحيض.

(أو ارتدَّ) المعتكف (بَطَلَ اعتكافه) لعموم قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}

(3)

ولأنه خرج عن كونه مِن أهل العبادة (ولا يبني) إذا زال سُكرُه

(4)

أو عاد إلى الإسلام (لأنه غير مَعذور) بخلاف المرأة تَحيضُ.

(وإن شربَ) المعتكفُ مُسكرًا (ولم يَسكر، أو أتى كبيرةً، لم يَفسد) اعتكافُه؛ لأنه لا يخرج بذلك عن أهليته له.

(ويُستحبُّ للمعتكف التشاغلُ بفعل القُرَبِ) أي: كل ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى، كالصلاة، وتلاوة القرآن، وذِكْرِ الله تعالى، ونحو ذلك.

(و) يُستحبُّ له (اجتنابُ ما لا يَعنيه) بفتح أوله، أي: يهمُّه (مِن جِدال ومِراء وكثرة كلام وغيره) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ

(1)

تقدم تخريجه (5/ 367) تعليق رقم (2).

(2)

سورة البقرة، الآية:187.

(3)

سورة الزمر، الآية:65.

(4)

في "ح": "السكر".

ص: 390

تَرْكُهُ ما لا يَعنيه"

(1)

و (لأنه مَكروه في غيره) أي: غير الاعتكاف (ففيه أَولى) روى الخلال عن عطاء قال: "كانُوا يَكرهونَ فُضولَ الكلام، وكانُوا يَعدَّونَ فضولَ الكلام ما عَدا كتابَ الله أن تَقرأهُ، أو أمر

(2)

بمعروف، أو نهي

(3)

عن منكَر، أو تنطِق في مَعيشتِكَ بما لا بُدَّ لك مِنهُ"

(4)

.

(ولا بأس أن تزورَه) في المسجد (زوجتُه وتتحدَّث معه، وتُصلِحَ رأسه أو غيره، ما لم يلتذَّ بشيء منها، وله أن يتحدَّث مع مَن يأتيه ما لم يُكثر)"لأن صفية زارته صلى الله عليه وسلم فَتَحَدَّثَ معها"

(5)

و"رَجَّلَت عائشةُ رأسَهُ"

(6)

.

(و) له أن (يأمر بما يريد خفيفًا) بحيث (لا يَشغَلُه) لقول عليٍّ: "أيُّما رَجُل اعتكَفَ فلا يُسَاب ولا يَرفُث في الحديث، ويأمُرُ أهلَه

(1)

تقدم تخريجه (5/ 286) تعليق رقم (2).

(2)

كذا في الأصول، والصواب:"أمرًا" كما في المصنَّف لابن أبي شيبة.

(3)

كذا في الأصول، والصواب:"نهيًا" كما في المصنَّف لابن أبي شيبة.

(4)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الخلال المطبوعة. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (13/ 572)، وهناد في الزهد (2/ 536) رقم 1107، وابن أبي الدنيا في الصمت ص/ 81، رقم 78، وأبو نعيم في الحلية (3/ 315، 5/ 3)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 274) رقم 5080، وابن عساكر في تاريخه (40/ 398).

(5)

أخرجه البخاري في الاعتكاف، باب 8، 12، حديث 2035، 2039، وفي فرض الخمس، باب 4، حديث 3101، وفي بدء الخلق، باب 11، حديث 3281، وفي الأدب، باب 12، حديث 6219، وفي الأحكام، باب 21، حديث 7171، ومسلم في السلام، حديث 2175.

(6)

تقدم تخريجه (5/ 367) تعليق رقم (2).

ص: 391

بالحاجةِ، أي: وهو يمشي، ولا يجلس عندهم" رواه أحمد

(1)

.

(ولا يبيع) المعتكف (ولا يَشتري إلا ما لا بُدَّ له منه: طعام أو نحو ذلك) خارج المسجد، مِن غير أن يقف، أو يُعرِّج لذلك، كما تقدم

(2)

. ويأتي البيع والشراء في المسجد.

(وليس الصَّمتُ مِن شريعة الإسلام، قال ابن عَقيل: يُكره الصمتُ إلى الليل. وقال الموفق والمجد: ظاهر الأخبار تحريمه، وجَزَمَ به في "الكافي") قال في "الاختيارات"

(3)

: والتحقيق في الصمت أنه إن طال حتى تضمَّن تَرْكَ الكلام الواجب، صار حرامًا، كما قال الصدِّيق

(4)

، وكذا إن تعبَّد بالصمت عن الكلام المُستحبِّ. والكلام المحرَّم يجب الصمتُ عنه، وفضول الكلام ينبغي الصمتُ عنها.

(وإن نَذَره) أي: الصمت (لم يفِ به) لحديث عليٍّ قال: "حفظتُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: لا صُمَاتَ يوم إلى الليلِ" رواه أبو داود

(5)

. وعن ابن عباس قال: "بينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ إذا هو برجل قائم، فسأل

(1)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة. وأخرجه عبد الرزاق (4/ 356) رقم 8049، وابن أبي شيبة (3/ 87) بنحوه.

(2)

(5/ 379).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 168.

(4)

أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب 26، حديث 3834. وسيأتي نص كلامه قريبًا.

(5)

في الوصايا، باب 9، حديث 2873. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (6/ 416)، حديث 11450، والعقيلي (4/ 428)، والطبراني في الأوسط (1/ 202) حديث 292، و (8/ 162) حديث 7327، وفي الصغير (1/ 96)، وابن عدي (1/ 354، 2/ 545)، والدارقطني في العلل (4/ 142)، والبيهقي (6/ 57)، والمزي في تهذيب الكمال (14/ 293). =

ص: 392

عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ، نَذَرَ أن يقومَ في الشمس، ولا يقعدَ، ولا يَستظِلَّ، ولا يَتكلَّمَ، وأن يصومَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروهُ فليستظِلَّ، وليتكلَّم، وليَقعد، وليُتِمَّ صومَهُ". رواه البخاري وابن ماجه وأبو داود

(1)

.

= حسَّن إسناده النووي في الأذكار ص/ 500، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 344): رجاله ثقات.

وضعَّفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 31، 3/ 536 - 538)، وقال المنذري في مختصر السنن (4/ 153): ليس فيها شيء يثبت. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 101): وقد أعلَّه العقيلي، وعبد الحق، وابن القطان، والمنذري وغيرهم، وحسَّنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه.

ورواه عبد الرزاق (6/ 416) رقم 11451، وسعيد بن منصور (1/ 253) رقم 1030، عن علي رضي الله عنه موقوفًا. وصوَّبه العقيلي (4/ 429)، والدارقطني (4/ 142) وعبد الحق في الأحكام الوسطى (3/ 323).

وللحديث شاهد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ". . . ولا صَمْتَ يومٍ إلى الليل. . ."، رواه عبد الرزاق (7/ 464) حديث 13899، والحارث بن أبي أسامة "بغية الباحث" ص/ 122، حديث 354، وابن حبان في المجروحين (1/ 318)، وابن عدي (2/ 853، 3/ 1221)، والبيهقي (7/ 319)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 152) حديث 1061، لكن إسناده ضعيف: في إسناد عبد الرزاق، والحارث، وابن عدي في الموضع الأول، والبيهقي: حرام بن عثمان، والرواية عنه كما قال العلماء حرام. انظر: لسان الميزان (2/ 182). وفي إسناد ابن حبان، وابن عدي في الموضع الثاني، وابن الجوزي أبو سعد البقال - وهو ضعيف مدلس - كما في التقريب (2402).

(1)

البخاري في الأيمان والنذور، باب 31، حديث 6704، وابن ماجه في الكفارات، باب 21، حديث 2136، وأبو داود في الأيمان والنذور، باب 19، حديث 3300.

ص: 393

و"دخَلَ أبو بكر على امرَأة من أحمَسَ يُقالُ لها: زينب، فرآها لا تتكَلَّمُ، فقال: ما لها لا تَتكَلَّمُ؟ فقالوا: حجَّت مُصمتَة، فقال لها: تَكَلَّمِي، فإن هذا لا يحلُّ، هذا مِن عملِ الجاهليةِ، فتكلَّمَت" رواه البخاري

(1)

.

ويجمع بين قول الصدِّيق هذا وقوله: "مَن صَمَت نجا"

(2)

بأن قوله الثاني محمول على الصمت عمَّا لا يَعنيه، كما قال تعالى: {لَا

(1)

في مناقب الأنصار، باب 26، حديث 3834.

(2)

لم نقف على من خرَّجه عن أبي بكر رضي الله عنه من قوله، وقد روي - مرفوعًا -. أخرجه الترمذي في صفة القيامة، باب 50، حديث 2501، وابن المبارك في الزهد ص/ 130، حديث 385، وابن وهب في الجامع (1/ 49)، وأحمد (2/ 159، 2/ 177)، وعبد بن حميد (1/ 306)، حديث 345، والدارمي في الرقاق، باب 5، حديث 2755، وابن أبي الدنيا في الصمت، ص/ 48، حديث 10، وابن أبي عاصم في الزهد ص/ 11، حديث 1، والطبراني في الأوسط (2/ 556) حديث 1954، وأبو الشيخ في الأمثال ص/ 145، حديث 207، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 219) حديث 334، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 254) حديث 4983، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 37)، والبغوي في شرح السنة (14/ 318) حديث 4129، والمزي في تهذيب الكمال (32/ 216)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (3/ 108): أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف، وهو عند الطبراني بسند جيد. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 517): رواه الترمذي، والطبراني ورواته ثقات. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 309): أخرجه الترمذي ورواته ثقات.

وضعَّفه النووي في الأذكار ص/ 417، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 171 - مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 394

خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}

(1)

.

(ولا يجوزُ أن يجعل القرآنَ بدلًا مِن الكلام) لأنه استعمالٌ له في غير ما هو له، فأشبه استعمال المصحف في التوسُّدِ ونحوه (وتقدم) ذلك (في) باب (صلاة التطوُّع

(2)

. وقال الشيخ

(3)

: إن قَرأ عند الحُكم الذي أُنزل له، أو) قرأ (ما يُناسِبه، فَحَسنٌ، كقوله لمن دعاه لذنب تاب منه:{مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا}

(4)

، قوله عند ما أهمَّه:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}

(5)

.

ولا يُستحبُّ له) أي: للمعتكف (إقراءُ القرآن، وتدريسُ العِلم، ومناظرةُ الفقهاء ومجالستُهم، وكتابةُ الحديث فيه، ونحوُ ذلك مما يتعدَّى نفعُه) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يَعتكف، فلم يُنقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصَّة به، ولأن الاعتكاف عبادة مِن شرطها المسجد، فلم يُستحبَّ فيها ذلك كالطواف. واختار أبو الخطاب استحبابه إذا قَصَدَ به الطاعة، لا المباهاة.

(لكن فِعلُه لذلك) أي: لإقراء القرآن، وتدريس العلم، ومناظرة الفقهاء، ونحو ذلك (أفضلُ من الاعتكاف؛ لتعدِّي نفعِه).

(ولا بأس أن يتزوَّج في المسجد، ويشهد النكاحَ لنفسِه وغيره)

(1)

سورة النساء، الآية:114.

(2)

(3/ 80).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 168.

(4)

سورة النور، الآية:16.

(5)

سورة يوسف، الآية:86.

ص: 395

لأن النكاح طاعة، وحضوره قُربة، ومدته لا تتطاول، فهو كتشميت العاطس وردِّ السلام.

(و) لا بأس أن (يُصلِحَ بين القوم، ويعود المريضَ، ويصلِّي على الجنائز، ويهنيء، ويعزِّي، ويؤذِّن، ويُقيمَ، كلُّ ذلك في المسجد) لأنه لا ينافيه.

(ويُستحبُّ له) أي: للمعتكف (تَرْكُ لُبس رفيع الثياب، والتلذُّذ بما يُباح له قبل الاعتكاف، و) أن (لا ينام إلا عن غَلبة، ولو مع قُرْبِ الماء، وأن لا ينام مضطجعًا، بل متربعًا مستندًا، ولا يُكره شيءٌ مِن ذلك، ولا بأس بأخذ شعره وأظفاره، و) لا بأس (أن يأكلَ في المسجدِ، ويضع سُفرة) وشبهها (يَسقطُ عليها ما يقعُ منه؛ لئلا يُلوِّث المسجدَ

(1)

.

ويُكره أن يتطيب) المعتكف؛ لأن الاعتكاف عبادة تختصُّ مكانًا فكان تَرْكُ الطيب فيها مشروعًا كالحجِّ. قال أحمد

(2)

: لا يُعجبني أن يتطيبَ.

(1)

في "ح": زيادة: "ويغسل يده في الطست ليفرغ خارج المسجد، ولا يجوز أن يخرج لغسل يده؛ لأن له من ذلك بدًّا".

(2)

المغني (3/ 483).

ص: 396

‌فصل في أحكام المساجد

(يجبُ بناءُ المساجدِ في الأمصارِ والقُرى والمحالِّ)

جَمْعُ محِلَّة بكسر الحاء (ونحوها، حَسَبَ الحاجة) فهو فرض كفاية. قال المَرُّوذي: سمعت أبا عبد الله يقول: ثلاثة أشياء لا بُدَّ للناس منها: الجسور، والقناطر - وأراه ذَكَرَ - المصانع

(1)

والمساجد

(2)

انتهى.

وفي الحثِّ على عمارة المساجد ومراعاة مصالحها آثارٌ كثيرة، وأحاديثُ بعضُها صحيح

(3)

.

و‌

‌يُستحبُّ اتخاذ المساجد في الدُّور،

وتنظيفها، وتطييبها؛ لما روت عائشة قالت:"أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور، وأن تُنظَّفَ وتطيَّبَ". رواه أحمد

(4)

.

(1)

المصانع: جمع "مصنع" وهو ما يُصنعُ لجمع الماء نحو البِركة والصِّهريج. المصباح المنير ص/ 476، مادة (صنع).

(2)

الورع ص/ 35.

(3)

منها حديث عثمان رضي الله عنه الآتي قريبًا.

(4)

(6/ 279). وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الصلاة، باب 13، حديث 455، والترمذي في الصلاة، باب 417، حديث 594، وابن ماجه في المساجد والجماعات، باب 9، حديث 758، 759، والبزار، كما في نصب الراية (1/ 122)، وأبو يعلى (8/ 152) حديث 4698، وابن خزيمة (2/ 270) حديث 1294، والعقيلي (3/ 309)، وابن حبان "الإحسان"(4/ 513) حديث 1634، وابن عدي (5/ 1738)، وابن حزم في المحلى (1/ 172، 4/ 44)، والبيهقي (2/ 439، 440)، والخطيب في تاريخه (6/ 152، 12/ 234)، وابن عبد البر =

ص: 397

(وأَحبُّ البلاد إلى الله مساجدُها، وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقُها" رواه مسلم

(1)

عن أبي هريرة مرفوعًا. (ومَن بنى مسجدًا لله، بنى الله له بيتًا في الجنَّة) لحديث عُثمان قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن بنى مسجدًا - قال بُكَير: حسبت أنه قال: يبتغي به وَجهَ الله - بنَى الله له بيتًا في الجنَّة". متفق عليه

(2)

.

= في التمهيد (14/ 160)، والبغوي في شرح السنة (2/ 399) حديث 499، والمزي في تهذيب الكمال (14/ 48) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.

وصحَّحه الحافظ في الفتح (1/ 342).

وأخرجه الترمذي في الصلاة، باب 417، حديث 595، وابن أبي شيبة (2/ 363، والعقيلي (3/ 3098)، عن هشام بن عروة عن أبيه، مرسلًا.

وقال الترمذي: وهذا أصح من الحديث الأول.

وقال العقيلي: هذا أولى.

وقال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (1/ 168): إنما يُروى عن عروة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

وقال الدارقطني في العلل (5/ ق 36): والصواب عن جميع من ذكرنا وعن غيرهم: عن هشام، عن أبيه مرسلًا.

وفي الباب: عن سمرة بن جندب، رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 13، حديث 456، وأحمد (5/ 17)، وابن عدي (1/ 329) ولفظه عند أحمد: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها. وفي إسناده: إسحاق بن ثعلبة، قال عنه ابن عدي: روى عن مكحول، عن سمرة أحاديث كلها غير محفوظة.

وعن عروة بن الزبير، عمن حدثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجه أحمد (5/ 371) ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا، وأن نصلح صنعتها ونطهرها.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 11): رواه أحمد، وإسناده صحيح.

(1)

في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 671.

(2)

البخاري في الصلاة، باب 65، حديث 450، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 533.

ص: 398

(وعِمارة المساجد ومُراعاةُ أبنيتها مستحبَّة) للأخبار.

(ويُسنُّ أن يُصان كلُّ مسجد عن كل وَسَخ، وقَذَر، وقَذاة

(1)

) عَين (ومُخاط، وتقليم أظفار، وقصِّ شارب، وحَلْق رأس، ونَتْفِ إبط) لحديث أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: "عُرضت عليَّ أجورُ أمتِي، حتَّى القَذاة يُخرجها الرجلُ من المسجدِ". رواه أبو داود

(2)

. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أخرج أذى من المسجد، بنى الله له بيتًا في الجنة"

(3)

. لأن المساجد لم تُبنَ لذلك.

(1)

القذاة: ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو وسخ، النهاية في غريب الحديث (4/ 30).

(2)

في الصلاة، باب 16، حديث 461. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في فضائل القرآن، باب 19، حديث 2916، وعبد الرزاق (3/ 361) حديث 5977، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 129) حديث 1289، وأبو يعلى (7/ 253) حديث 4265، وابن خزيمة (2/ 271) حديث 1297، والطبراني في الأوسط (7/ 252)، حديث 6485، وفي الصغير (1/ 198)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 474)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 12)، والبيهقي (2/ 440)، وفي شعب الإيمان (2/ 334) حديث 1966، والخطيب في الكفاية ص/ 358، وفي الجامع ص/ 161، 162، 163، حديث 83، 84، 85، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 135)، وابن عساكر في تاريخه (35/ 56)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 116) حديث 158، والذهبي في تذكرة الحفاظ (2/ 526).

قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت في محمد بن إسماعيل [يعني البخاري] فلم يعرفه واستغربه. وقال ابن عبد البر: وليس هذا الحديث مما يحتج به لضعفه. وقال ابن الجوزي: والحديث غير ثابت. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 313 مع الفيض) ورمز لضعفه. وانظر أطراف الغرائب والأفراد (2/ 188).

(3)

أخرجه ابن ماجه في المساجد والجماعات، باب 9، حديث 757، وابن حبان =

ص: 399

(و) يُسَنُّ - أيضًا - أن يُصان (عن رائحة كريهة مِن بَصَل وثوم وكُرَّاث ونحوها) كفجل، وإن لم يكن فيه أحدٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه الناسُ" رواه ابن ماجه

(1)

. وقال: "مَن أكلَ من هاتين الشجرتين فلا يَقربَنَّ مُصلَّانا"

(2)

. وفي رواية: "فلا يَقرَبنا في مساجِدِنا" رواه الترمذي

(3)

وقال: حسن صحيح.

= في المجروحين (2/ 260) من طريق محمد بن صالح المدني عن مسلم بن أبي مريم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 163): هذا إسناد ضعيف، مسلم هو ابن يسار لم يسمع من أبي سعيد الخدري، ومحمد فيه لين. وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 270) وقال: في إسناده احتمال للتحسين. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 43 - مع الفيض) ورمز لضعفه. وقال ابن حبان: محمد بن صالح المدني شيخ يروي المناكير عن المشاهير، روى عن عبد الرحمن بن أبي الجَون، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد.

(1)

في الأطعمة، باب 59، حديث 3365. وأخرجه - أيضًا - مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 564 عن جابر رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب 41، حديث 3827. والنسائي في الكبرى (4/ 158) حديث 6681، وأحمد (4/ 19)، والطحاوي (4/ 238)، والطبراني في الكبير (19/ 30) حديث 65، والبيهقي (3/ 78) عن قرة بن إياس المزني رضي الله عنه. وروى البخاري في الأذان باب 160، حديث 853، ومسلم في المساجد حديث 561، عن ابن عمر رضي الله عنهما، مرفوعًا بلفظ: من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا.

(3)

في الأطعمة، باب 13، حديث 1806، عن جابر رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأذان، باب 160، حديث 855، وفي الأطعمة، باب 49، حديث 5452، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 25، حديث 7359، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث 564 بنحوه.

ص: 400

(فإن دَخَله) أي: المسجد (آكِلُ ذلك) أي: مَا لَهُ رائحةٌ كريهة من ثوم وبصل ونحوهما (أو) دَخَله (مَن له صُنَانٌ

(1)

أو بَخَرٌ، قَوِيَ إخراجه) أي: استحبابُ إخراجه؛ إزالة للأذى (وعلى قياسه: إخراجُ الريح من دُبُرِه فيه) أي: في المسجد بجامع الإيذاء بالرائحة، فيُسَنُّ أن يُصانَ المسجد عن ذلك، ويُخرج منه لأجله.

(و) يُصان المسجد (عن

(2)

بُزاق، ولو في هوائه) أي: هواء المسجد، كسطحه؛ لأنه كقراره (وهو) أي: البُزاق (فيه) أي: المسجد (خطيئة) للخبر

(3)

(فإن كانت أرضُه) أي: المسجد (حصباءَ ونحوَها) كالتراب والرمل (فكفَّارتُها دَفنُها) للخبر

(4)

(وإلا) أي: وإن لم تكن أرضُه حصباءَ ونحوها، بل كانت بلاطًا أو رُخامًا (مَسَحَها بثوبِه أو غيره) لأن القصد إزالتها (ولا يكفي تغطيتها بحصير) لأنه لا إزالة في ذلك (وإن لم يُزِلها) أي: البصقة أو النخامة، ونحوها (فاعلُها، لزم غيرَه) مِن كل مَن علم بها (إزالتُها بدَفن) إن كانت أرضُه حصباءَ ونحوها (أو غيره) كمسح بثوب ونحوه، إن لم تكن أرضُه كذلك.

(1)

الصُّنان: الذَّفَر [خبث الرائحة] تحت الإبط وغيره. المصباح المنير ص/ 477، مادة (صنن). ومختار الصحاح ص/ 222.

(2)

في "ذ": "من".

(3)

أخرج البخاري في الصلاة، باب 37، حديث 415، ومسلم في المساجد، حديث 552، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها".

(4)

تقدم تخريجه في التعليق السابق.

ص: 401

(فإن بَدرَه البُزاق) في المسجد (أخذه بثوبه وحكَّه) أي: الثوب (ببعضِه) ليذهب (وإن كان) البزاق ونحوه (على حائطِه، وجب - أيضًا - إزالتُها) لأنه من المسجد.

(ويُسَنُّ تخليق

(1)

موضعِه) أي: موضع البُزاق مِن المسجد، سواء كان في حائط، أو غيره؛ لحديث أنس:"أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى نُخامة في قِبلةِ المسجدِ، فغضبَ حتى احمرَّ وجهُه، فجاءته امرأةٌ مِن الأنصارِ فحكَّتها، وجعلت مكانَها خَلوقًا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسنَ هذا" رواه النسائي وابن ماجه

(2)

.

(وتَحرُمُ زَخرفتُه) أي: المسجد (بذهب، أو فِضة، وتجبُ إزالتُه) إن تحصَّل منه شيء بالعرض على النار، كما تقدم

(3)

في الزكاة موضَّحًا.

(1)

التخليق أي: التطييب، من الخَلُوق، وهو طيب مائعٌ فيه صُفرة. المصباح المنير ص/ 246، مادة (خلق).

(2)

النسائي في المساجد، باب 35، حديث 727، وفي الكبرى (1/ 265)، حديث 807، وابن ماجه في المساجد والجماعات، باب 10، حديث 762. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (7/ 60)، وابن خزيمة (2/ 270) حديث 1296، وابن حزم في المحلى (4/ 240 - 241)، والضياء في المختارة (6/ 58) حديث 2033.

قال ابن خزيمة: هذا حديث غريب غريب.

وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي (2/ 440) ولفظه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى نخامة في قبلة المسجد فقال: غير هذا أحسن من هذا، فسمع بذلك رجل، فجاء بزعفران فحكها، ثم طلى الزعفران مكانها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال: هذا أحسن من الأول.

(3)

(5/ 31 - 32).

ص: 402

وأوَّل مَن ذَهَّب الكعبةَ في الإسلام وزخرفها، وزخرف المساجدَ: الوليدُ بن عبد الملك

(1)

.

(ويُكره) أن يُزخرَف المسجدُ (بنَقْشٍ، وصَبْغ، وكتابة، وغير ذلك مما يُلهي المصلي عن صلاته غالبًا، وإن كان) فُعل ذلك (مِن مال الوقف، حَرُمَ) فِعله (ووجبَ الضمانُ) أي: ضمان مال الوقف الذي صُرفَ فيه؛ لأنه لا مصلحة فيه. وإن كان مِن ماله لم يرجع به على جهة الوقف.

(وفي "الغُنية": لا بأس بتجصيصه. انتهى. أي: يُباح تجصيص حيطانه، أي: تبييضها. وصحَّحه) القاضي سعد الدين (الحارثي

(2)

. ولم يَرَه) الإمام (أحمد، وقال: هو مِن زينة الدُّنيا)

(3)

قال في "الشرح": ويُكره تجصيص المساجد وزخرفتها؛ لما رَوى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ساء عملُ قوم قطُّ إلا زخرفوا مساجدَهم" رواه ابن ماجه

(4)

. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

انظر: أخبار مكة للأزرقي (2/ 71، 72).

(2)

هو مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحنبلي، الحارثي، نسبة إلى "الحارثية" من قرى غربي بغداد، ولد ونشأ بمصر، وسكن دمشق وولِّي فيها مشيخة الحديث النورية، ثم عاد إلى مصر، فدرس بجامع طولون، وولي القضاء سنة (709) إلى أن توفي سنة (711 هـ)، رحمه الله تعالى. انظر الدرر الكامنة (4/ 347)، شذرات الذهب (6/ 28).

(3)

الورع ص/ 183.

(4)

في المساجد والجماعات، باب 2، حديث 741. وأخرجه - أيضًا - أبو نعيم في الحلية (4/ 152)، والقزويني في التدوين (2/ 29 - 30)، من طريق جبارة بن المغلس، عن عبد الكريم بن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. =

ص: 403

"ما أُمرتُ بتشييدِ المساجدِ" رواه أبو داود

(1)

. فعليه: يَحرُم مِن مال الوقف، ويجب الضمان لا على الأول.

(ويُصانُ عن تعليق مصحف أو غيره في قِبلتِه، دون وَضعه بالأرض) قال أحمد

(2)

: يُكره أن يُعلَّق في القِبلة شيء يحول بينه وبين القِبلة. ولم يُكره أن يوضع في المسجد المصحف، أو نحوه.

(ويَحرم فيه) أي: المسجد (البيعُ والشراءُ والإجارةُ) لأنها نوعٌ مِن البيع (للمعتكف وغيره) وظاهره: قلَّ المبيع أو كَثُرَ، احتاج إليه أو لا؛ لحديث عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده قال: "نهى رسولُ

= قال أبو نعيم: غريب من حديث عمرو وأبي إسحاق تفرد به عنه عبد الكريم. وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 292): وفي إسناده ضعف. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 160): هذا إسناد فيه جُبَارة بن المغلس، وقد اتُّهم. وقال الحافظ في الفتح (1/ 539): رجاله ثقات إلا شيخه [يعني شيخ ابن ماجه] جُبارة بن المُغلِّس ففيه مقال. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 449 - مع الفيض) ورمز لحسنه.

(1)

في الصلاة، باب 12، حديث 448. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (3/ 152) حديث 5127، وأبو يعلى (4/ 340 و 5/ 86، 87) حديث 2454، 2688، 2689، وابن حبان "الإحسان" (4/ 493، 494) حديث 1615، والطبراني في الكبير (12/ 243) حديث 13000، 13001، 13002، وأبو نعيم في الحلية (7/ 313)، وابن حزم في المحلى (4/ 44، 248) والبيهقي (2/ 438)، والبغوي في شرح السنة (2/ 348)، حديث 463، وابن حجر في تغليق التعليق (2/ 238).

قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 156): صحَّحه ابن حبان ورجاله رجال الصحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 426 - مع الفيض) ورمز لضعفه.

(2)

طبقات الحنابلة (1/ 126).

ص: 404

الله صلى الله عليه وسلم عن البيعِ والابتياعِ، وعن تناشدِ الأشعارِ في المساجد". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وحسَّنه

(1)

.

ورأى عِمران القصير

(2)

رجلًا يبيع في المسجد، فقال: يا هذا، إن هذا سوق الآخرة، فإن أردت البيع، فاخرج إلى سوق الدنيا

(3)

.

(فإن فَعَل) أي: باع أو اشترى في المسجد (فباطل) قال أحمد

(4)

: وإنما هذه بيوت الله، لا يُباع فيها ولا يُشترى. وجوَّز

(1)

أحمد (2/ 179)، وأبو داود في الصلاة، باب 220، حديث 1079، والنسائي في المساجد، باب 22، 23، حديث 713، 714، وفي الكبرى (1/ 262)، حديث 793، 794، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 218، حديث 173، والترمذي في الصلاة، باب 240، حديث 322. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في المساجد والجماعات، باب 5، حديث 749، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 120) حديث 1267، وابن خريمة (2/ 274، 275) حديث 1304، 1306، والبيهقي (2/ 448)، والبغوي في شرح السنة (2/ 372) حديث 485. قال الترمذي بعد أن حسَّنه: ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعَّفه لأنه يحدِّث عن صحيفة جدِّه كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جدِّه. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 549): وإسناده صحيح إلى عمرو فمن يصحِّح نسخته يصحِّحه. وقال في نتائج الأفكار (1/ 297): هذا حديث حسن.

(2)

هو عمران بن مسلم، أبو بكر البصري الصوفي القصير، عداده في صغار التابعين. انظر التاريخ الكبير (6/ 419)، وسير أعلام النبلاء (6/ 225).

(3)

لم نقف على مَن رواه مسندًا. وأورده - أيضًا - ابن قدامة في المغني (4/ 479). وأخرج الإمام مالك في الموطأ (1/ 174)، أنه بلغه أن عطاء بن يسار كان إذا مرَّ عليه بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله: ما معك، ما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة. وأورده المرُّوذي في الورع ص/ 59.

(4)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 4) رقم 1183، والورع ص/ 59.

ص: 405

أبو حنيفة البيعَ، وأجازه مالك والشافعي مع الكراهة

(1)

. وقطع بالكراهة في "الفصول" و"المستوعب" وفي "الشرح" في آخر كتاب البيع.

(ويُسَنُّ أن يُقال له) أي: لمن باع أو اشترى في المسجد: ("لا أربحَ الله تجارتك

(2)

") ردعًا له.

(ولا يجوز التكسُّب فيه) أي: المسجد (بالصنعة كخياطة وغيرها، قليلًا كان) ذلك (أو كثيرًا، لحاجة وغيرها) وفي "المستوعب": سواء كان الصانع يراعي المسجد بكنس، أو رَشٍّ ونحوه، أو لم يكن؛ لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء.

(ولا يبطلُ بهنَّ) أي: بالبيع والشراء، والإجارة، والتكسُّب بالصنعة (الاعتكاف) كسائر المحرَّمات التي لا تخرجه عن أهلية

(1)

انظر المبسوط (3/ 121)، والمدونة (1/ 229)، ومختصر المزني ص/ 60.

(2)

لما أخرجه الترمذي في البيوع، باب 77، حديث 1321، والنسائي في الكبرى (6/ 52) حديث 10004، وفي عمل اليوم والليلة ص/ 219، حديث 176، والدارمي في الصلاة، باب 118، حديث 1401، وابن الجارود (2/ 156)، حديث 562، وابن خزيمة (2/ 274) حديث 1304، وابن حبان (4/ 528) حديث 1650، والطبراني في الكبير (2/ 103) حديث 1454، وفي الأوسط (3/ 288) حديث 2626، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 133، حديث 154، والحاكم (2/ 56)، والبيهقي (2/ 447)، وابن عبد البر في الاستذكار (6/ 354) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يبيع ويشتري في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك". وزاد بعضهم: "وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالَّة فقولوا: لا ردَّ الله عليك".

قال الترمذي: حديث حسن غريب. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في نتائج الأفكار (1/ 295): هذا حديث حسن. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 356 مع الفيض) ورمز لصحته.

ص: 406

العبادة (فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكانًا للمعاش

(1)

) لأنه لم يُبْنَ لذلك.

(وقعود الصُّنَّاع والفعَلَة فيه ينتظرون مَن يكريهم، بمنزلة وَضْع البضائع فيه ينتظرون مَن يشتريها، وعلى وليِّ الأمر منعُهم مِن ذلك) كسائر المحرَّمات (وإن وَقَفوا) أي: الصُّنَّاع والفعَلَة (خارج أبوابه) ينتظرون مَن يكريهم (فلا بأس) بذلك؛ لعدم المحذور.

(قال) الإمام (أحمد) في رواية حنبل

(2)

: (لا أرى لِرَجُل) ومثله الخنثى والمرأة (إذا دخل المسجد إلا أن يلزم نفسه الذِّكرَ والتسبيحَ؛ فإنَّ المساجد إنما بُنيت لذلك وللصلاة، فإذا فَرَغ مِن ذلك، خرج إلى معاشه) لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}

(3)

.

(ويجب أن يُصان) المسجد (عن

(4)

عمل صنعة) لتحريمها فيه، كما تقدم

(5)

(ولا يُكره اليسير) مِن العمل في المسجد (لغير التكسُّب، كرَقْعِ ثوبه، وخَصْفِ نعلِه، سواء كان الصانعُ يراعي) أي: يتعهَّد (المسجد بكنس ونحوه) كرَشٍّ (أو لم يكن) كذلك.

(ويحرم) فِعل ذلك (للتكسُّب كما تقدم

(5)

؛ إلا الكتابة

(6)

، فإن)

(1)

في "ذ": "للمعايش".

(2)

الآداب الشرعية (3/ 394).

(3)

سورة الجمعة، الآية:10.

(4)

في "ح": "من".

(5)

(5/ 406).

(6)

في "ح": "إلا في الكتابة".

ص: 407

الإمام (أحمد

(1)

سهَّل فيها، ولم يُسهِّل في وَضْعِ النعش فيه. قال) القاضي سعد الدين (الحارثي

(2)

: لأن الكتابة نوعُ تحصيل للعلم، فهي في معنى الدراسة

(3)

) وهذا يوجب التقييد بما لا يكون تكسُّبا، وإليه أشار بقوله: فليس ذلك كل يوم. انتهى كلام الحارثي. قال في "الآداب الكبرى": وظاهر ما نقل الأثرم: التسهيل في الكتابة مطلقًا؛ لما فيه من تحصيل العلم، وتكثير كتبه (ويخرَّج على ذلك تعليم الصبيان الكتابة فيه) بالأجر، قاله في "الآداب الكبرى"

(4)

(بشرط أن لا يحصُل ضررٌ بِحِبر، وما أشبه ذلك) مما فيه ضرر.

(ويُسَنُّ أن يُصان) المسجد (عن

(5)

صغير لا يميز، لغير مصلحة) ولا فائدة (و) أن يُصان (عن مجنون حالَ جنونه) لأنهم ليسوا مِن أهله (و) أن يُصان (عن لَغَط وخُصومة، وكثرةِ حديث لاغ، ورَفْعِ صوت بمكروه، وظاهر هذا أنه لا يُكره إذا كان مباحًا أو مستحبًّا) وهذا مذهب أبي حنيفة

(6)

والشافعي

(7)

. ومذهب مالك

(8)

كراهة ذلك فإنه سُئِلَ عن رَفْعِ الصوت في المسجد في العلم وغيره؟ فقال: لا خير في ذلك.

(1)

الآداب الشرعية (3/ 395).

(2)

تقدمت ترجمته (5/ 403)، تعليق رقم (2).

(3)

الآداب الشرعية (3/ 395).

(4)

الآداب الشرعية (3/ 395).

(5)

في "ذ": "من".

(6)

انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 660).

(7)

انظر: الأم (2/ 105)، والمجموع (6/ 461).

(8)

انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/ 554)، ومواهب الجليل (2/ 62).

ص: 408

(و) أن يُصان (عن رَفْعِ الصبيان أصواتَهم باللَّعِبِ وغيرِه، وعن مزامير الشيطان من الغِناءِ، والتصفيقِ، والضَّرب بالدُّفوفِ.

ويُمنعُ فيه اختلاطُ الرِّجال والنساءِ) لما يلزم عليه مِن المفاسد. (و) يُمنع فيه (إيذاءُ المصلِّين وغيرِهم بقول أو فِعل) لحديث: "ما أنصف القارئ المصلِّي"

(1)

. وحديث: "ألا كلُّكم مُناجٍ ربَّه"

(2)

.

(1)

لم نقف على من خرجه، وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة، ص/ 572 حديث 937 وقال: قال شيخنا [أي الحافظ ابن حجر]: لا أعرفه، ولكن يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"، وهو صحيح من حديث البياضي.

قلنا: حديث البياضي رضي الله عنه هذا أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 245)، وفي خلق أفعال العباد ص/ 107، والنسائي في الكبرى (2/ 264، 265) حديث 3360 - 3364، وفي فضائل القرآن ص/ 139، حديث 116، ومالك في الموطأ (1/ 80)، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص/ 82، وأحمد (4/ 344)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 61) حديث 2007، والبيهقي (3/ 11)، وفي شُعب الإيمان (2/ 542) حديث 2656، 2657، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 317 - 318)، والبغوي في شرح السنة (3/ 86) حديث 608. وصحَّحه ابن عبد البر في التمهيد، وانظر: التعليق الآتي.

(2)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب 315، حديث 1332، والنسائي في الكبرى (5/ 32) حديث 8092، وعبد الرزاق (2/ 498) حديث 4216، وأحمد (3/ 94)، وعبد بن حميد (2/ 66) حديث 881، وابن خزيمة (2/ 190) حديث 1162، والحاكم (1/ 310)، والبيهقي (3/ 11)، وفي شُعب الإيمان (2/ 543) حديث 2658، والخطيب في تاريخه (13/ 175)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 118) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: ألا كلكم مناجٍ ربَّه، فلا يؤذينَّ بعضُكم، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، =

ص: 409

(ويُمنعُ السَّكران مِن دُخُولِه) لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}

(1)

.

(ويُمنعُ نَجِسُ البدن مِن اللُّبْثِ فيه) بلا تيمم، هكذا نقله في "الآداب"

(2)

عن ابن تميم وغيره. وعبارة "المنتهى" في باب الغسل: ومَن عليه نجاسة تتعدَّى (وتقدم في) باب (الغُسل

(3)

) فمفهومه: لا يُمنع منه مَن عليه نجاسة لا تتعدَّى.

(قال ابنُ عَقيل: ولا بأس بالمناظرة في مسائل الفقه والاجتهاد في المساجد، إذا كان القصدُ طلبَ الحقِّ، فإن كان مغالبة ومنافرة، دخل في حَيِّزِ المُلاحاة والجِدال فيما لا يَعني، ولم يَجز في المساجد. انتهى.

ويُباح فيه عَقدُ النِّكاح) بل يُستحبُّ، كما ذكره بعض الأصحاب (والقضاءُ، واللِّعانُ) لحديث سهل بن سعد - وفيه - قال: "فتلاعنَا في المسجد وأنا شاهدٌ". متفق عليه

(4)

(والحُكمُ، وإنشادُ الشِّعرِ

= أو قال: في الصلاة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وقال ابن عبد البر: وحديث البياضي، وحديث أبي سعيد ثابتان صحيحان.

وقال السيوطي في تنوير الحوالك (1/ 102) بعد أن أورد حديث أبي سعيد والبياضي: وكثيرا ما يسأل في هذا المعنى عما اشتهر على الألسنة: ما أنصف القارئ المصلي، ولا أصل له، وهذه أصوله.

(1)

سورة النساء، الآية:43.

(2)

انظر الآداب الشرعية (3/ 405).

(3)

(1/ 347).

(4)

البخاري في الصلاة، باب 44، حديث 423، وفي الطلاق، باب 4، 29، 30، حديث 5259، 5308، 5309، وفي الأحكام، باب 18، =

ص: 410

المُباحِ) وتعليم العِلم وما يتعلَّق بذلك؛ لحديث جابر بن سَمُرة قال: "شهدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكثرَ من مائة مرَّة في المسجدِ، وأصحابُه يتذاكرون الشعرَ، وأشياءَ من أمرِ الجاهليةِ، فربَّمَا تبسَّمَ معهم" رواه أحمد

(1)

.

(ويُباح للمريض أن يكون في المسجدِ، وأن يكون فيه

(2)

في خيمة) قالت عائشة: "أُصيب سعدٌ يوم الخندقِ في الأكحلِ، فضربَ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجدِ، يعودُه من قريب" متفق عليه

(3)

.

(و) يُباح (إدخال البعير فيه) أي: المسجد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "طافَ في حَجةِ الوداعِ على بعير، يَستلمُ الركنَ بمِحجَن". متفق عليه

(4)

.

= حديث 7166، ومسلم في اللعان، حديث 1492.

(1)

(5/ 91، 105). وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الأدب، باب 70، حديث 2850، والنسائي في السهو، باب 99، حديث 1357، وابن أبي شيبة (8/ 524)، وأبو يعلى (13/ 446) حديث 449، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 307) حديث 1623، وابن حبان "الإحسان"(13/ 96) حديث 5781، والطبراني في الكبير (2/ 229) حديث 1948، والبغوي في شرح السنة (12/ 376) حديث 3411. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه مسلم في المساجد، حديث 670، وفي الفضائل، حديث 2322 بنحوه.

(2)

قوله: "فيه" سقط من "ذ".

(3)

البخاري في الصلاة، باب 77، حديث 463، وفي المغازي، باب 30، حديث 4122، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1769.

(4)

البخاري في الحج، باب 58، 61، 62، حديث 1607، 1612، 1613، وفي الطلاق، باب 24، حديث 5293، ومسلم في الحج، حديث 1272، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 411

(ويُصان عن حائض ونُفَساء مطلقًا" خِيف تلويثه أو لا (والأَولى أن يُقال: يجب صونه عن جلوسهما فيه) قاله في "الآداب الكبرى"

(1)

؛ لأن جلوسهما فيه محرَّم؛ لما تقدم في الحيض

(2)

.

(ويُسَنُّ أن يُصان) المسجد (عن المُرورِ فيه، بأن لا يُجعلَ طريقًا إلا لحاجة، وكونه) أي: المسجد (طريقا قريبًا حاجة) فتزول الكراهة بذلك.

(وكذا الجُنُبُ بلا وُضوء) يَحرم عليه اللُّبث في المسجد، فيجب أن يُصان عنه، ويُسنُّ أن يُصان عن مروره فيه، إلا لحاجة. وإن توضأ جاز له اللُّبث والنوم فيه، وتقدم في الغسل

(3)

.

(ويُباح للمعتكف وغيره النوم فيه) لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم "رأى رَجُلًا مضطجعًا في المسجدِ على بطنِه، فقال: إن هذه ضِجعةٌ يبغضُها الله". رواه أبو داود

(4)

. حديث صحيح. فأنكر الضِّجْعَةَ، ولم يُنكر نومه في

(1)

الآداب الشرعية (3/ 399).

(2)

(1/ 468).

(3)

(1/ 348).

(4)

في الأدب، باب 103، حديث 5040، من حديث طخفة بن قيس الغفاري رضي الله عنه. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (4/ 365، 366)، وفي الصغير (1/ 151 - 153)، وفي الأدب المفرد ص/ 406، حديث 1187، وابن ماجه في الأدب، باب 27، حديث 3723، والطيالسي ص/ 190، حديث 1339، وعبد الرزاق (11/ 25) حديث 19802، وابن أبي شيبة (9/ 115)، وأحمد (3/ 429، 5/ 426)، ولوين في جزئه ص/ 116 - 118، حديث 117 - 119، وعمر بن شبة في أخبار المدينة (1/ 39)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 51، 3/ 237)، وابن حبان "الإحسان" =

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (12/ 358، 359) حديث 5550، والطبراني في الكبير (8/ 327، 328 - 330) حديث 8226 - 8232، والحاكم (4/ 271)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 373)، وفي دلائل النبوة (2/ 551) حديث 336، والبيهقي في شُعب الإيمان (4/ 177) حديث 4721، وفي الآداب ص 442، حديث 977، والضياء في المختارة (8/ 133 - 136) حديث 146 - 149.

وقد اختُلف في اسم الصحابي راوي الحديث.

قال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 325): اختُلف فيه اختلافًا كثيرًا، واضطرب فيه اضطرابًا شديدًا، فقيل: طِهفة بن قيس بالهاء، وقيل: طِخفة بن قيس بالخاء، وقيل: طِغفة بالغين، وقيل: طِقفة بالقاف والفاء، وقيل: قيس بن طِخفة، وقيل: يعيش بن طِخفة عن أبيه، وقيل: عبد الله بن طخفة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: طِهفة عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثهم كلهم واحد. انظر التاريخ الكبير للبخاري (4/ 365 - 366) وتهذيب الكمال (13/ 375).

وقال الضياء: إسناده صحيح. وصحح إسناده النووي في رياض الصالحين ص/ 266.

وفي الباب: عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 366)، وفي الصغير (1/ 153)، والترمذي في الأدب، باب 21، حديث 3768، وابن أبي شيبة (9/ 115)، وأحمد (2/ 287، 304)، وابن حبان "الإحسان"(12/ 357) حديث 5549، والحاكم (4/ 271)، والبيهقي في شُعب الإيمان (4/ 177) حديث 4720، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل مضطجع على بطنه فقال: إن هذه لضجعة ما يحبها الله عز وجل.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقال البخاري: ولا يصح فيه أبو هريرة. وذكر أبو حاتم أيضًا كما في العلل لابنه (2/ 233) أن الصحيح حديث أبي سلمة عن ابن طِهفة، عن أبيه. وقال مثله أيضًا الدارقطني في العلل (9/ 299). =

ص: 413

المسجد، مِن حيث هو، وكان أهلُ الصُّفة ينامون في المسجد

(1)

.

(قال) القاضي سعد الدين (الحارثي

(2)

): لا خلاف في جوازه، أي:

= ب - أبو أمامة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص/ 406، حديث 1188، وابن ماجه في الأدب، باب 27، حديث 3725، ولفظه: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على رَجُلٍ نائم في المسجد، منبطحٍ على وجهه، فضربه برجله وقال:"قُمْ، واقعد، فإنها نومة جَهَنَّميَّةَ". قال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 117): هذا إسناد فيه مقال.

جـ - معاوية بن الحكم رضي الله عنه: أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 33).

قلنا: وفي إسناده الصلت بن دينار، وهو متروك ناصبي، كما في التقريب (2963).

د- عمرو بن الشريد مرسلًا: أخرجه أحمد (4/ 388، 390) من طريق إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مرسل، وذكره ابن حجر في إتحاف المهرة (6/ 191) وإطراف المسند المعتلي (2/ 578) متصلا بذكر الشريد بن سويد رضي الله عنه والد عمرو. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 101): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(1)

روى عبد الرزاق (1/ 423) حديث 1656، (11/ 25) حديث 19802، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن رجل من أهل الصفة، قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهط معي من أهل الصفة، فتعشينا عنده، ثم قال: إن شئتم رقدتم ههنا، وإن شئتم في المسجد، فقلنا: في المسجد، قال: فكنا ننام في المسجد.

وروى - أيضًا - (1/ 421) رقم 1648 عن المغيرة بن حكيم الصنعاني قال: أرسلني أبي إلى سعيد بن المسيب يسأله عن النوم في المسجد فقال: فأين كان أهل الصفة ينامون؟ ولم ير به بأسًا.

وفي حديث طخفة المتقدم تخريجه آنفًا: "أنه كان من أصحاب الصفة" وفيه: ثم قال صلى الله عليه وسلم: "إن شئتم نمتم عندنا، وإن شئتم أتيتم المسجد، فنمتم فيه". رواه النسائي في الكبرى (1/ 144، 161) حديث 6620، 6695، وابن حبان "الإحسان"(12/ 358) حديث 5550، والحاكم (4/ 270).

(2)

تقدمت ترجمته (5/ 403) تعليق رقم (2).

ص: 414

النوم للمعتكف (وكذا ما لا يُستدامُ، كبيتُوتةِ الضَّيف والمريضِ والمُسافرِ، وقَيلولةِ المُجتاز، ونحو ذلك) نصَّ عليه في رواية غير واحد

(1)

، وما يُستدام من النوم، كنوم المقيم، عن أحمد: المنع منه، كما مَرَّ مِن رواية صالح وابن منصور وأبي داود

(2)

. وحكى القاضي رواية بالجواز

(3)

، وهو قول الشافعي

(4)

وجماعة، وبهذا أقول. انتهى كلام الحارثي.

(لكن لا يَنام قُدَّام المُصلِّين) لما تقدم

(5)

أنه يُكره للمصلِّي استقبال نائم. قلت: وعلى هذا، فلهم إقامته.

(ويُسَنُّ صونُه) أي: المسجد (عن إنشادِ شِعر محرَّم) قلت: بل يجب (و) عن إنشاد شعر (قَبيح، وعَمَلِ سماع، وإنشادِ ضالَّة) أي: تعريفها (ونِشدانِها) أي: طلبها (ويُسَنُّ لسامعه) أي: سامع نشدان الضالة (أن يقول: لا وجدتَها، ولا رَدَّها الله عليك) لحديث أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سَمِعَ رَجُلًا ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا رَدَّها الله عليك، إنَّ المساجد لم تُبْنَ لهذا" رواه مسلم

(6)

.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 69.

(2)

مسائل عبد الله (3/ 995) رقم 1357، ومسائل الكوسج قسم الصلاة (1/ 451) رقم 364، ومسائل أبي داود ص/ 69.

(3)

الآداب الشرعية (3/ 399).

(4)

الأم (2/ 108).

(5)

(2/ 406).

(6)

في المساجد، حديث 568.

ص: 415

(و) يُسَنُّ صونه (عن

(1)

إقامة حدٍّ) نقله في "الآداب

(2)

" عن "الرعاية"، قال: وذكر ابن عقيل في "الفصول": أنه لا يجوز إقامة الحدود في المساجد، وقد قال أحمد في رواية ابن منصور

(3)

: لا تُقام الحدود في المساجد.

(و) عن (سَلِّ سيف ونحوه) مِن أنواع السلاح؛ احترامًا له.

(ويُكره فيه) أي المسجد (الخوضُ والفضولُ) مِن الكلام (وحديث الدُّنيا، والارتفاقُ به) أي: بالمسجد (وإخراجُ حصاهُ وترابه للتبرُّكِ به، وغيرِه) قال في "الآداب الكبرى"

(4)

: كذا قالوا، ويتوجه أن يقال: إما مرادهم بالكراهة التحريم، وإما مرادهم إخراج الشيء اليسير، لا الكثير، انتهى. ويأتي له تتمة في الحج.

(ولا يَستعملُ الناسُ حُصُرَه وقناديلَه) وسائر ما وُقِفَ لمصالحه (في مصالحهم كالأعراس، والأعزية، وغير ذلك) لأنها لم تُوقف لذلك، ويجبُ صَرْف الوقف للجهة التي عيَّنها الواقف.

(ومَن له الأكل فيه، فلا يلوِّثُ حُصُرَه، ولا يُلقي العظامَ ونحوها) كقشور البطيخ، ونوى التمر ونحوه (فيه) لأنه تقذيرٌ له (فإن فَعَلَ، فعليه تنظيف ذلك) وعلى قياس ما تقدم

(5)

في البصاق: إن لم يُزله فاعلُه، وجب على مَن علمه غيره.

(1)

في "ذ": "من".

(2)

الآداب الشرعية (3/ 400).

(3)

الآداب الشرعية (3/ 400).

(4)

الآداب الشرعية (3/ 405).

(5)

(5/ 401).

ص: 416

(ولا يجوزُ أن يُغرَس فيه شيء، ويُقلعُ ما غُرس فيه، ولو بعد إيقافه) أي: المغروس.

(ولا) يجوزُ (حَفرُ بئر) في المسجد. قال المرُّوذي

(1)

: سألت أبا عبد الله عن‌

‌ حَفْرِ البئر في المسجد؟

قال: لا. قلت: فإن حُفِرَت، ترى أن يؤخذ

(2)

المغتسَل فيغطى به البئر؟ قال: إنما ذلك للموتى (ويأتي آخر الوقف) مفصلًا.

(ويَحرمُ الجِماعُ فيه، وقال ابن تميم: يُكره الجِماعُ فوقَه، والتمسُّحُ بحائطه، والبولُ عليه) أي: على حائط المسجد، وذكر ابن عقيل أن أحمد قال

(3)

: أكره لِمَن بال أن يمسحَ ذكرَه بجدار المسجد. قال: والمراد به الحظر (وجوَّز في "الرعاية" الوطء فيه، وعلى سطحه، وتقدم بعضُ ذلك) المذكور من أحكام المساجد في الغسل

(4)

. (وَيَحرم بولُه فيه) أي: في المسجد (ولو في إناء) لأن الهواء تابع للقرار.

(و) يحرم فيه (فَصْدٌ

(5)

، وحِجامةٌ، وقَيءٌ ونحوه) كبطِّ سِلعة

(6)

،

(1)

الورع ص/ 27، 31.

(2)

في "ح": "تؤخذ".

(3)

مسائل ابن هانئ (1/ 70) رقم 347، والآداب الشرعية (405، 406).

(4)

(1/ 346 - 350).

(5)

تقدم تعريفه (5/ 259) تعليق رقم (3).

(6)

البَطُّ: الشقُّ، وبَطَّ الجُرحَ: شقَّه. والمِبطَّة: المِبضع. القاموس المحيط ص/ 659، مادة (بطط). والسِّلعة: كالغُدَّة في الجسد. القاموس المحيط ص/ 729، مادة (سلع).

ص: 417

ولو في إناء؛ لأن المسجد لم يُبن لهذا، فوجب صونُه عنه، والفَرق بينه وبين المستحاضة: أنه لا يمكنها التحرُّز مِن ذلك إلا بترك الاعتكاف، بخلاف الفَصدِ ونحوه.

(وإن دَعَتِ إليه حاجةٌ كبيرةٌ، خرج المعتكِفُ مِن المسجد فَفَعَلَه) كسائر ما لا بُدَّ له منه، ثم عاد إلى مُعتكفه.

(وإن استغنى عنه، لم يكن له الخروجُ إليه، كالمرض الذي يمكن احتمالُه) كالصداع، ووجع الضرس، والحُمَّى اليسيرة، فلا يخرج من معتكفه لذلك، وتقدم

(1)

.

(وكذا حُكمُ نجاسة في هوائِه) أي: المسجد (كالقتل على نِطْعٍ

(2)

، ودَم ونحوِه) كقيح وصديد (في إناء) فيحرم؛ لتبعية الهواء للقرار.

(وإن بال خارجَه) أي: خارج المسجد (وجسدُه فيه، دون ذَكَرِه، كُرِهَ) له ذلك.

(ويُباح الوضوءُ فيه، والغُسلُ بلا ضَرر) لما رُوي عن ابن عُمرَ: "كان يتوضأ في المسجدِ الحرامِ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساءُ والرجالُ"

(3)

. وعن ابن سيرين قال: "كان أبو بكر وعمرُ والخلفاءُ

(1)

(5/ 381).

(2)

النطع: بساط من الأديم. القاموس المحيط ص/ 767، مادة (نطع).

(3)

لم نجد من خرجه بهذا السياق، وقد روى البخاري في الوضوء، باب 43، حديث 193 عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا.

ص: 418

يتوضَّؤون في المسجدِ"

(1)

. ورُوي عن ابن عُمر

(2)

وابن عباس

(3)

.

(إلا أن يحصُلَ منه بُصاقٌ أو مُخاطٌ، وتقدم بعضُه في الباب

(4)

، وبعضُه في آخر الوضوء

(5)

.

ويُباحُ غَلْقُ أبوابه في غير أوقات الصَّلاة؛ لئلا يدخُلَه مَن يُكره دخولُه إليه) كمجنون، وسكران، وطفل لا يميز.

(و) يُباح (قَتلُ القملِ والبراغيث فيه إن أخرجَه، وإلا حَرُم إلقاؤه فيه) هذا معنى كلامه في "الآداب الكبرى"

(6)

. ولعله مبني على القول بنجاسة قشرهما، وإلا، فصرحوا بجواز الدَّفن، وأنه لا يُكره إن دفنها، وقرار المسجد مسجد.

(وليس لكافر دُخولُ حَرمِ مكَّة) لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ

(1)

أخرجه أبو عبيد في الطهور، ص/ 137، 195 رقم 46 و 128، وابن أبي شيبة (1/ 29)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 316)، رقم 243.

(2)

أخرج عبد الرزاق (1/ 418، 419) رقم 1639، 1641، وأبو عبيد في الطهور، ص/ 199، رقم 139، وابن أبي شيبة (1/ 36)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 124) رقم 1276، أن ابن عمر كان يتوضأ في المسجد.

(3)

أخرج أبو عبيد في الطهور ص/ 199، رقم 142، وابن أبي شيبة (1/ 36)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 58)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 64) رقم 1158، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغه أن رجلًا من بني مخزوم اغتسل من زمزم، فوجد من ذلك وجدًا شديدًا، فقال: لا أحلُّها لمغتسل وهي لشارب ومتوضئ حِلٌّ وبلٌّ. وزاد الأزرقي والفاكهي: يعني في المسجد.

(4)

(5/ 379).

(5)

(1/ 248).

(6)

الآداب الشرعية (3/ 406).

ص: 419

نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}

(1)

.

و (لا) يُمنعُ الكافرُ دخول (حَرَمِ المدينة) وأما الإقامة بالحجاز فيأتي ما يتعلَّق بها في أحكام الذِّمَّة.

(ولا) يجوز لكافر (دخولُ مساجدِ الحِلِّ، ولو بإذن مُسلم) لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}

(2)

.

(ويجوز دخولُها) أي: مساجد الحِلِّ (للذِّمي) ومثله المعاهد والمستأمن (إذا استؤجر لعمارتها) لأنه لمصلحتها.

(ولا بأس بالاجتماع في المسجد) خصوصًا لمذاكرة، لا لمكروه، أو معصية.

(و) لا بأس (بالأكل فيه) أي: في المسجد للمُعتكِفِ وغيره؛ لقول عبد الله بن الحارث: "كنا نأكلُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في المسجدِ الخبزَ واللحم" رواه ابن ماجه

(3)

.

(و) لا بأس (بالاستِلقاءِ فيه لمَن له سراويلُ) وكذا لو احتاط

(1)

سورة التوبة، الآية:28.

(2)

سورة التوبة، الآية:18.

(3)

في الأطعمة، باب 24 حديث 3300. وأخرجه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان" (4/ 539) حديث 1657، والضياء في المختارة (9/ 206 - 208) حديث 190 - 193، والمزي في تهذيب الكمال (11/ 430). قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 179 - 180): هذا إسناد حسن.

وأخرجه الترمذي في الشمائل ص/ 78، حديث 166، وابن ماجه في الأطعمة، باب 29، حديث 3311، وأحمد (4/ 190)، وأبو يعلى (3/ 110) حديث 1541، والطحاوي (1/ 66)، والبغوي في شرح السنة (11/ 292) حديث 2847 بلفظ:"أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء في المسجد".

ص: 420

بحيث يأمن كشف عورته؛ لحديث عبد الله بن زيد "أنه رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مستَلقيًا في المسجدِ، واضعًا إحدى رجلَيهِ على الأخرى" متفق عليه

(1)

.

(وإذا دَخَله وقتَ السَّحَر، فلا يتقدَّم إلى صَدرِه، قال حَريزُ بن عثمانَ

(2)

: كنا نسمعُ إن الملائكة تكون قبل الصُّبحِ في الصفِّ الأول

(3)

) قال القاضي: وهذا يدل على كراهة التقدُّم في المسجد وقت السَّحرِ.

(ويُكره السؤالُ) أي: سؤال الصدقة في المسجد (والتصدُّق عليه فيه) لأنه إعانة على مَكروه، و (لا) يُكره التصدق (على غير السائل)

(1)

البخاري في الصلاة، باب 85، حديث 475، وفي الأدب، باب 103، حديث 5969، وفي الاستئذان، باب 44، حديث 6287، ومسلم في اللباس والزينة، حديث 2100.

(2)

هو حَريز بن عثمان بن جبر الرَّحَبي المشرقي، أبو عثمان، محدِّث حمص، من بقايا التابعين الصغار، قدم بغداد زمن المهدي وحدَّث بها، وروى له الجماعة سوى مسلم. توفي سنة (163) هـ رحمه الله تعالى. انظر تهذيب الكمال (5/ 268)، وسير أعلام النبلاء (7/ 79).

(3)

لم نقف على من خرج قوله مسندًا، وذكره - أيضًا - ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 425). وقد جاء هذا المعنى عن:

ابن مسعود رضي الله عنه: روى ابن أبي شيبة (2/ 253) من طريق القاسم عن أبيه: قال دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المسجد لصلاة الفجر، فإذا قوم قد أسندوا ظهورهم إلى القبلة، فقال:"نحُّوا عن القبلة: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها، فإن هاتين الركعتين صلاة الملائكة".

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أورده ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 425) وعزاه إلى الفريابي في الصلاة، قال: ألم أنهكم أن تقدموا في مقدم المسجد بالسَّحَر، إن له عوامر.

ص: 421

ولا على مَن سأل له الخطيب، وتقدم في الجمعة

(1)

. وروى البيهقي في "المناقب"

(2)

عن علي بن محمد بن بدر قال: "صلَّيتُ يومَ الجُمُعة فإذا أحمدُ بن حنبل يقرب مني، فقام سائل فسأله

(3)

، فأعطاه أحمدُ قِطعة، فلما فرغوا مِن الصلاة، قام رَجُلٌ إلى ذلك السائل، وقال: أعطني تلك القِطعة، فأبى، فقال: أعطني وأعطيك دِرهمًا، فلم يفعل، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهمًا، فقال: لا أفعلُ، فإني أرجو مِن بركة هذه القطعة ما ترجو أنت"

(4)

.

(ويُقَدِّمُ داخلُه) أي: المسجد (يُمناه في دُخولِه، عكسَ خُرُوجِه) فإنه يُقدِّمُ يُسراه (ويقول) عند دخوله وخروجه (ما وَرَدَ، وتقدم) في باب المشي إلى الصلاة مستوفى

(5)

.

(وإذا لم يصلِّ في نعليه، وَضَعَهما في المسجد، ولا يَرمِ بهما على وَجهِ التَّكبُّر والتعاظُمِ) لأن المساجد بيوت الله (وإن كان ذلك

(1)

(3/ 388).

(2)

كتاب مناقب الإمام أحمد للبيهقي لم يطبع، وقد رواها من طريق البيهقي ابن عساكر في تاريخه (5/ 299)، وذكرها ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 408).

(3)

في "ح": "فسأل".

(4)

قال الحافظ ابن رجب في الحِكم الجديرة بالإذاعة ص/ 55: "وكذلك التبرُّك بالآثار؛ فإنما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم ببعض، ولا يفعله التابعون مع الصحابة؛ مع علوِّ قدرهم، فدلَّ على أن هذا لا يُفعل إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم

وفي الجملة: فهذه الأشياء فتنة للمعظِّم وللمعظَّم؛ لما يُخشى عليه من الغلوِّ المُدْخِل في البدعة، وربما يترقَّى إلى نوع من الشرك" وانظر: الاعتصام للشاطبي (2/ 287).

(5)

(2/ 270).

ص: 422

سببًا لإتلاف شيء مِن أرض المسجد، أو أذى أحد، لم يَجُز، ويَضمَنُ ما تَلِفَ بسببه) وقريب منه: رمي ما يجلس عليه من نحو فَرو (والأدبُ ألَّا يفعلَ ذلك) بل يضعه وضعًا. وتقدم حكم رمي المصحف وكتب العلم بالأرض في آخر نواقض الوضوء

(1)

.

(ويُسَنُّ كَنْسُه) أي: المسجد (يومَ الخميس، وإخراجُ كُناستِه، وتنظيفُه، وتطييبُه فيه) أي: في يوم الخميس (وتجميره في الجُمَعِ) ومثلها الأعياد.

(ويُستحبُ شَعْلُ القنديل فيه كل ليلة) بحسب الحاجة فقط، وذلك لحديث ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:"يا رسولَ الله، أفتِنا في بيتِ المقدسِ، قال: ائتُوه فصلُّوا فيه - وكانت البلادُ إذ ذاك خرابًا - قال: فإن لم تأتُوه وتصلُّوا فيه، فابعثُوا بزيت يُسرجُ في قناديله" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه

(2)

(وكثرةُ إيقادِها زيادة على الحاجةِ

(1)

(1/ 318).

(2)

أحمد (6/ 463)، وأبو داود في الصلاة، باب 14، حديث 457، وابن ماجه في الصلاة، باب 196، حديث 1407. وأخرجه - أيضًا - أبو مسهر في جزئه ص/ 31، حديث 15، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 216) حديث 3448، وأبو يعلى (12/ 523) حديث 7088، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 69 - 70) حديث 610 - 612، والطبراني في الكبير (25/ 32، 33) حديث 54 - 56)، وفي الأوسط (9/ 203) حديث 8440، وفي مسند الشاميين (1/ 197، 271) حديث 344، 471، 472، و (3/ 137) حديث 1947، والبيهقي (2/ 441)، وفي شُعب الإيمان (3/ 495) حديث 4176، والبغوي في شرح السنة (2/ 341) حديث 456، وابن الجوزي في فضائل القدس ص/ 89، الضياء في فضائل بيت المقدس حديث 16، 17، وابن عساكر في تاريخه (33/ 423)، والمزي في تهذيب الكمال (9/ 482).

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 437): حديث حسن ورجاله ثقات. =

ص: 423

يُمنعُ منه) لأنه إضاعة بلا مصلحة (قال) القاضي سعدُ الدين (الحارثيُّ

(1)

: الموقوفُ على الاستصباحِ في المساجد يُستعملُ بالمعروف، ولا يُزادُ على المُعتادِ لليلةِ نصف شعبان، ولا لليلةِ الخَتمِ) في أواخر رمضان عند خَتم القرآن في التراويح (ولا لِلَّيلةِ المشتهرة

(2)

بالرَّغائبِ) أول جمعة في رجب (فإن

(3)

زاد) على المعتاد في هذه الليالي وشِبهها (ضَمِنَ؛ لأنَّ الزيادة بِدعةٌ، وإضاعةُ مال؛ لخُلُوِّهِ عن نَفعِ الدنيا ونَفعِ الآخرة، ويؤدِّي عادة إلى كثرةِ اللغطِ واللهوِ، وشَغلِ قُلُوب المصَلِّين، وتوهُّمُ كونها قُربة باطلٌ لا أصلَ له في الشرع. انتهى) بل في كلام ابن الجوزي ما يدلُّ على أنه مِن إدخال بعض المجوس على أهل الإسلام.

قلت: وقريب من ذلك إيقاد المآذن، لكنه في رمضان صار بحسب العادة علامة على بقاء الليل.

(وينبغي إذا أخذ شيئًا مِن المسجد مما يُصانُ عنه أن لا يُلقيه فيه) لأنه أخلى

(4)

المسجد منه، فإذا ألقى فيه فهو ككُنَاسة ونحوها أُلقيت

= وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 6): رجاله ثقات.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 251): وإسناد طريق ابن ماجه صحيح رجاله ثقات. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 221 مع الفيض) ورمز لحسنه. وضعَّفه عبد الحق في الأحكام الوسطى (1/ 298)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 531). وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 90): هذا حديث منكر جدًّا. وقال الحافظ في الإصابة (13/ 142): فيه نظر.

(1)

تقدم التعريف به (5/ 403).

(2)

في "ذ": "المشهورة".

(3)

في "ح": "فإذا".

(4)

في الأصل و"ح": "لأن خلاء" والمثبت من "ذ".

ص: 424

فيه، وكثيرٌ مِن الناس واقع في هذا (بخلاف حصباءَ ونحوها) مِن أجزاء تراب المسجد وطينه وطيبه (لو أخذَها

(1)

في يدِه ثم رمى بها فيه) لأن استبقاء ذلك فيه مطلوب.

(ويُمنعُ الناسُ في المساجد والجوامع مِن استطراق حِلَقِ الفقهاء والقُّرَّاء) صيانة لحُرمتها، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا حِمى إلا في ثلاثةِ: البئر، والفرس، وحَلْقة القوم"

(2)

. فأما البئر فهو منتهى حريمها، وأما طول الفرس هو ما دار عليه

(3)

بِرَسَنِهِ إذا كان مربوطًا، وأما حَلْقة القوم فهو استدارتهم في الجلوس للتشاور والحديث. وهذا الخبر الذي ذكره القاضي إسناده جيد، وهو مرسل، قاله في "شرح منظومة الآداب".

(ويُسَنُّ أن يَشتغل في المسجد بالصلاة والقراءةِ والذِّكرِ) لأنها لذلك بُنيت (مستقبِلَ القِبلةِ) لأنه خير المجالس

(4)

(ويُكره أن يَسندَ ظهره إليها) وتقدم ما فيه

(5)

، وأن في معناه مد الرِّجلِ إليها.

(ولا يُشبك أصابعَه فيه) أي: في المسجد، ولا حال توجهه إليه؛

(1)

في "ذ": "لو أخذه".

(2)

أخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص/ 126، حديث 324، وابن أبي شيبة (6/ 375)، والبيهقي (6/ 151، 156)، من طريق بلال بن يحيى العبسي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا حمى إلا في ثلاثة: ثلة البئر، ومربط الفرس، وحَلقة القوم". قال البيهقي: هذا مرسل.

(3)

في "ح": "فيه".

(4)

انظر (2/ 273) تعليق رقم (3).

(5)

(3/ 358).

ص: 425

لأنه في صلاة

(1)

، وتقدَّم في المشي إلى الصلاة

(2)

(زاد في "الرعاية": على خِلاف صفة ما شَبَّكَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم) ولعلَّه يشير إلى ما صدر منه مِن التشبيك حين ذكر بني هاشم وبني المطلب

(3)

.

(ويُباحُ اتِّخاذُ المحراب فيه) أي: في المسجد، وتقدَّم في صلاة الجماعة

(4)

(و) يُباح اتخاذ المِحراب (في المنزل) وكذلك الرُّبُط والمدارس.

(ويُضمَنُ المسجدُ بالإتلافِ إِجماعًا، ويُضمنُ بالغصب) قال في

(1)

للحديث الوارد في هذا، وقد تقدم تخريجه (2/ 263).

(2)

(2/ 263).

(3)

أخرج أبو داود في الخراج، باب 19، 20، حديث 2980 - واللفظ له - والنسائي في قسم الفيء، باب 1، حديث 4148، وفي الكبرى (3/ 45) حديث 4439، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 125)، وأبو عبيد في الأموال ص/ 415، حديث 843، وابن أبي شيبة (14/ 460، 461)، وأحمد (4/ 81)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 74) حديث 2406، وابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 644)، والبزار (8/ 330) حديث 3403، وابن نصر المروزي في السنة ص/ 50 حديث 158، والطبري في تفسيره (10/ 6)، وأبو يعلى (13/ 396) حديث 7399، والطحاوي (3/ 283)، والطبراني في الكبير (2/ 140) حديث 1591، والبيهقي (6/ 341، 365)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 66)، والبغوي في شرح السنة (11/ 125) حديث 2735، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه مرفوعًا قال: "إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبَّك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مختصرًا البخاري في فرض الخمس، باب 17، حديث 3140، وفي المناقب باب 2، حديث 3502 مختصرًا عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، بلفظ:"إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد".

(4)

(3/ 235).

ص: 426

"الآداب الكبرى"

(1)

: ويؤخذ منه أنه إن اتخذه مسكنًا أو مخزنًا ونحو ذلك: أنه يَضمن أجرته، كما نقول في الحُرِّ إذا استعمله كُرهًا.

(قال الشيخ

(2)

: وللإمامِ أن يأذنَ في بناء مسجد في طريق واسع، و) أن يأذن في بناءِ المسجد (عليه) أي: على الطريق الواسع (ما لم يضرَّ بالناس) وعنه: المنعُ مطلقًا

(3)

، سواء بُني على ساباط

(4)

أو قَنطرة جِسر. وقال أحمد

(5)

- أيضًا -: حكم المساجد التي بُنيت في الطريق أن تُهدم. وعنه

(6)

يجوز البناء بلا إذنه. وحيث جاز، صحَّت الصلاةُ فيه، وإلا، فوجهان. وتصحُّ فيما بُني على دَرب مشترك بإذن أهله، وفيه وجه.

(ويَحرمُ أن يُبنى مسجدٌ إلى جانب مسجد، إلا لحاجة، كضيق الأول ونحوه) كخوف فِتنة باجتماعهم في مسجد واحد. وظاهره: وإن لم يقصد المضارَّة. وعبارة "المنتهى": ويَحرمُ بناء مسجد يُراد به الضَّرر لمسجد بقُربه.

(ويُكره تطيينه) بنَجِس (و) يُكره (بناؤه بنَجِس) من لَبِن أو غيره، وكذا تطبيقه بطَوابِق

(7)

نجسة. ذكره في "الشرح" في باب اجتناب

(1)

الآداب الشرعية (3/ 417).

(2)

الفتاوى الكبرى (2/ 256).

(3)

مسائل صالح (2/ 335) رقم 969.

(4)

الساباط: سقيفة بين دارين تحتها طريق، القاموس المحيط ص/ 669. مادة (سبط).

(5)

الورع للمرُّوذي ص/ 26، والأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص/ 306.

(6)

الآداب الشرعية (3/ 419).

(7)

في "ح": "بطوابيق" وهو الموافق لما في الشرح الكبير (3/ 283). والطابِق: =

ص: 427

النجاسة. وقياسه: تجصيصه بجَصٍّ نَجِس. قلت: والتحريم في الكُلِّ أظهر.

(وإذا لم يبقَ مِن أهل الذِّمَّة في القَرية أحدٌ، بل ماتوا أو أسلموا، جاز أن تُتَّخذَ البِيعَةُ

(1)

مسجدًا) ومثلها الكنيسة والديورة

(2)

، وصوامع الرُّهبان (لا سيما إذا كانت بِبَرِّ الشام، فإنه فُتح عُنوة، قاله الشيخ

(3)

. وثَبت في الخبر ضَرْبُ الخِباءِ

(4)

، واحتِجارُ الحصيرِ

(5)

فيه) أي: في المسجد فلا بأس به، وتقدَّم بعضه

(6)

.

(ويُكره لغيرِ الإمام مداومةُ موضع منه) أي: مِن المسجد (لا يُصلِّي إلا فيه) لأنه يُشبه التحجر (فإن داومَ) على الصلاة بموضع (فليس هو أَولى مِن غيره، فإذا قامَ منه، فلغيرِه الجلوسُ فيه) لحديث:

= الآجر الكبير، وهو فارسي معرَّب، وجمعه: طوابِق وطوابيق. لسان العرب (10/ 214، 215) مادة (طبق).

(1)

البِيعَة: مُتعبَّد النصارى. القاموس المحيط ص/ 705، مادة (بيع).

(2)

الديورة: جَمْع "دَيْر"، وهو مبنى مُعَدّ لسُكنى الرُّهبان والراهبات النصارى. انظر: المصباح المنير (1/ 279)، والمعجم العربي الأساسي ص/ 474.

(3)

مجموع الفتاوى (31/ 256).

(4)

أخرج البخاري في الاعتكاف، باب 6، حديث 2034، ومسلم في الاعتكاف، حديث 1173، عن عائشة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية، خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب. . ." الحديث. وتقدم تخريجه (5/ 363) تعليق (2).

(5)

أخرج البخاري في اللباس، باب 43، حديث 5861، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، حديث 782، عن عائشة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرًا بالليل فيصلي، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه. . ." الحديث.

(6)

(5/ 383).

ص: 428

"مَن سَبَقَ إلى مُباح فهو له"

(1)

(وليس لأحد أن يُقيمَ منه إنسانًا) ولو ولده أو عبده (ويَجلسَ) مكانه (أو يُجلِسَ غيرَه مكانَه) لما سبق. وتقدم قول "التنقيح": وقواعد المذهب تقتضي عدم الصحة، أي: صحة صلاة مَن أقام غيرَه وصلَّى مكانه (إلا الصبيَّ، فيؤخَّرُ عن المكان الفاضل، وتقدَّم أول صفة الصلاة

(2)

، و) تقدم أيضًا (آخر الجمعة

(3)

) موضحًا.

(ومَن قام من موضعه لعُذر ثم عاد إليه، فهو أحقُّ به) لأنه لم يتركه تَرْكَ إعراض، وهو السابق إليه (وإن كان) قام منه (لغير عُذر، سَقَطَ حقُّه بقيامه) منه لإعراضه عنه (إلا أن يُخلِّفَ مُصَلَّى مفروشًا ونحوه) في مكانه، فليس لغيره

(4)

رَفْعه.

(وينبغي لمن قَصَدَ المسجدَ للصلاة أو غيرها) قلت: إلا لإقراء قرآن أو عِلم ونحوه، إن قلنا: يُكره للمعتكف (أن ينوي الاعتكاف مدة لُبْثه) بالمسجد تحصيلًا لثواب الاعتكاف (لا سيما إن كان صائمًا) إذ الحسنات تتضاعف بالأزمنة الفاضلة.

(وإن جَعَلَ سُفلَ بيته) مسجدًا، صحَّ، وانتفع بعلوِّه (أو) جَعَلَ (عُلوه مسجدًا، صَحَّ وانتفع بالآخر) فيما شاء، قدمه في "الرعاية" وقال في "المستوعب": إن جَعَل سُفلَ بيته مسجدًا، لم ينتفع بسطحه، وإن جعل سطحه مسجدًا، انتفع بسُفله، نصَّ عليه

(5)

. قال أحمد:

(1)

تقدم تخريجه (4/ 443) تعليق رقم (3).

(2)

(2/ 282).

(3)

(3/ 379).

(4)

في "ذ": "فليس لأحد غيره".

(5)

الفروع (3/ 419).

ص: 429

لأن السطح لا يحتاج إلى سُفل.

(وقيل: يجوز أن يُهدمَ المسجدُ ويُجدَّدَ بناؤه لمصلحة، نصَّ عليه

(1)

) وقال تارة في مسجد له حائط قصير غير حصين، وله منارة: لا بأس أن تُهدم، وتُجعل في الحائط؛ لئلا يدخله الكلاب

(2)

. ويأتي في الوقف.

(قال القاضي: حريمُ الجوامع والمساجد، إن كان الارتفاق بها مُضرًّا بأهل الجوامع والمساجد، مُنعوا منه) أي: مِن الارتفاق بها؛ دفعًا للضرر (ولم يَجز للسُّلطان أن يأذن فيه؛ لأن المصلِّين بها أحقُّ) مِن غيرهم (وإن لم يكن) في الارتفاق بها (ضَررٌ، جازَ الارتفاقُ بحريمها) لأن الحقَّ فيها لعامة المسلمين (ولا يُعتبر فيه إذنُ السلطان) ولا نائبه، للحرج.

(و‌

‌لا يَجوزُ إحداثُ المسجدِ في المقبرة،

وتقدَّم في اجتناب النجاسة

(3)

) موضحًا.

(قال الشيخ

(4)

: ما عَلمتُ أحدًا مِن العُلماءِ كَرِهَ السِّواك في المسجد؛ والآثارُ تدلُّ على أن السَّلف كانوا يستاكون في المسجدِ) وتقدم

(5)

: أنه يَتأكد عند دخول المسجد.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 46.

(2)

الفروع (3/ 419).

(3)

(2/ 201).

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 18.

(5)

(1/ 149).

ص: 430

قال في "الشرح": ويجوز السواك

(1)

في المسجد؛ لما روى عبد الرحمن بن أبي بكر قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هل منكُم أحدٌ أطعَمَ "اليومَ مسكينًا؟. . ." وذكر الحديث. رواه أبو داود

(2)

.

(وإذا سَرَّحَ شَعرَه فيه وجَمَعَه) أي: الساقط مِن شعره (فلم يتركه) بالمسجد (فلا بأس بذلك، سواء قلنا بطهارة الشَّعر أو نجاسته) لإخلاء المسجد عنه (وأما إذا تَرَكَ شعره فيه، فهذا يُكره، وإن لم يكن نجسًا) بل على القول بالنجاسة يَحرُم كالدم (فإن المسجد يُصانُ عن القَذَاة التي تقع في العين) قلت: قياس ما تقدم

(3)

في قتل القملة والبرغوث إذا دفنه في المسجد: لا كراهة، وكذا تقليم أظفاره.

(1)

كذا في الأصول، والصواب:(السؤال) كما في الشرح الكبير (3/ 118).

(2)

في الزكاة، باب 36، حديث 1670. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي عاصم في السنة (2/ 579) حديث 1243، والبزار (6/ 232) حديث 2267، والحاكم (1/ 412)، والبيهقي (4/ 199)، وابن بَشكُوال في غوامض الأسماء المبهمة (2/ 564)، عن بشر بن آدم، عن عبد الله بن بكر، عن مبارك بن فَضَالة، عن ثابت البُنَاني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها منه ودفعتها إليه".

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 164): فيه مبارك بن فَضَالة، وهو ثقة، وفيه كلام.

وأخرج ابن بَشكُوال في غوامض الأسماء المبهمة (2/ 564) من طريق أسد بن موسى عن مبارك بن فَضَالة به مرسلًا.

قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن عبد الرحمن بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، وإنما يرويه غير عبد الله بن أبي بكر عن مبارك عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلًا، ولم نسمعه متصلًا إلا من بشر بن آدم عن عبد الله بن بكر.

(3)

(2/ 426).

ص: 431