المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الحَجّ بفتح الحاء، لا بكسرها في الأشهر، وعكسه شهر الحِجَّة. وأخَّر - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ٦

[البهوتي]

فهرس الكتاب

‌كتاب الحَجّ

بفتح الحاء، لا بكسرها في الأشهر، وعكسه شهر الحِجَّة.

وأخَّر الحجَّ عن الصلاة والزكاة والصوم؛ لأن الصلاة عِماد الدِّين، ولشدَّة الحاجة إليها لتكرُّرها كلَّ يوم خمس مرار، ثم الزكاة؛ لكونها قرينة لها في أكثر المواضع، ولشمولها المكلَّف وغيره، ثم الصوم؛ لتكرُّره كلَّ سَنة، لكن البخاريَّ قدَّم روايةَ الحجَّ على الصوم للتغليظات الواردة فيه، نحو:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}

(1)

، ونحو:"فَلْيَمُتْ إنْ شاءَ يهودِيًّا أو نَصْرانيًّا"

(2)

؛ ولعدم

(1)

سورة آل عمران، الآية:97.

(2)

رُوي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - أبو أمامة رضي الله عنه، أخرجه الدارمي في المناسك، باب 2، حديث 1785، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 380) حديث 801، وأبو يعلى في المعجم ص/ 267، حديث 232، والروياني في مسنده (2/ 301) حديث 1246، وابن عدي (7/ 2502)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 251)، والبيهقي (4/ 334)، وفي شعب الإيمان (3/ 430) حديث 3979، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 583) حديث 1154، وفي التحقيق (2/ 118) حديث 1212، عن شريك، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يحبسه مرض، أو حاجة ظاهرة، أو سلطان جائر، ولم يحج، فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا".

قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح

وليث ضعَّفه ابن عيينة، وتَرَكه يحيى القطان، ويحيى بن معين، وابن مهدي، وأحمد. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 222): ليث ضعيف، وشريك سيئ الحفظ. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 169): هذا منكر عن شريك. وانظر تنقيح التحقيق (2/ 394)، وخلاصة البدر المنير (1/ 344).

وأخرجه أبو يعلى - أيضًا - في المعجم ص/ 266، حديث 231، وابن عدي (5/ 1708)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 583) حديث 1154 عن =

ص: 7

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عمار بن مطر، عن شريك، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال ابن عدي: عمار بن مطر متروك الحديث، وقال العقيلي في الضعفاء:(3/ 327): يحدث عن الثقات بمناكير.

ونقل ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 345) وابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 222) عن الدارقطني والعقيلي قولهما: لا يصح في هذا الباب شيء.

وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 336، وأحمد في الإيمان، كما في نصب الراية (4/ 412)، وابن أبي عمر العدني في الإيمان ص/ 103 حديث 37، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 380) حديث 802، عن عبد الرحمن بن سابط، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. قال ابن عبد الهادي في التنقيح، كما في نصب الراية (4/ 412) [ولم نجده في المطبوع من التنقيح]: وهو أشبه بالصواب.

ب - علي رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الحج، باب 3، حديث 812، والبزار (3/ 87) حديث 861، والعقيلي (4/ 348)، وابن عدي (7/ 2580)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 434، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 430) حديث 3978، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 582) حديث 1152، وفي التحقيق (2/ 117) حديث 1210 عن هلال بن عبد الله، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا، ولفظه:"مَن ملك زادًا وراحلة تُبلِّغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا"، وفي بعض الروايات زيادة: "وذلك أن الله يقول في كتابه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .

قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله مجهول، والحارث يُضعَّف في الحديث.

وقال العقيلي: هلال بن عبد الله عن أبي إسحاق، ولا يتابع على حديثه.

وقال ابن عدي: والحديث ليس بمحفوظ.

وقال ابن الجوزي: قلت: الحارث قد كذَّبه الشعبي وابن المديني. وانظر تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (1/ 202).

جـ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي (4/ 1620) وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 583) حديث 1153، وفي التحقيق (2/ 118) حديث 1211، =

ص: 8

سقوطه بالبَدَلِ، بل يجب الإتيانُ به، إما بنفسه أو بنائبه، بخلاف الصوم.

وترجم في "المقنع" وغيره بالمناسك، وهي جمع مَنْسَك -بفتح السين وكسرها، فبالفتح مصدر، وبالكسر اسم لموضع العبادة- مأخوذ من النَّسيكة وهي الذبيحة المتقرَّب بها، ثم اتسع فيه، فصار اسمًا للعبادة والطاعة، ومنه قيل للعابد: ناسك، وقد غَلَبَ إطلاقها على أفعال الحجِّ لكثرة أنواعها، ولما تتضمّنه من الذبائح المتقرَّب بها.

(وهو) أي: الحج، لغةً: القصد إلى من تُعظِّمُه. وشرعًا: (قَصْدُ مكة للنُّسك في زمن مخصوص) يأتي بيانه.

(وهو أحدُ أركان الإسلام) ومبانيه المُشار إليها بحديث: "بُني

= من طريق عبد الرحمن القطامي، عن أبي المُهَزِّم، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال ابن الجوزي: أبو المُهَزِّم اسمه يزيد بن سفيان، قال يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وأما عبد الرحمن القطامي فقال عمرو بن علي الفلَّاس: كان كذَّابًا، وقال ابن حبان: يجب تكذيب رواياته.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 223): وهما متروكان.

وقال ابن عبد الهادي في التنقيح فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (4/ 412): عبد الرحمن القُطَامي روى عن أبي المُهَزِّم عن أبي هريرة بنسخة موضوعة.

د - عمر رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه سعيد بن منصور، كما في نصب الراية (4/ 411)، وابن أبي عُمر العَدَني في الإيمان، ص / 105، حديث 38، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد"(ص 337)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 381 - 383) رقم 804، 807، 808، 810، والبيهقي (4/ 334).

وصححه ابن كثير في تفسيره (1/ 386)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 223) وقال: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط عُلم أن لهذا الحديث أصلًا، ومحمله على من استحل الترك، وتبين بذلك خطأ مَن ادعى أنه موضوع. وانظر تنزيه الشريعة لابن عراق (2/ 167 - 168).

ص: 9

الإسْلامُ على خمسٍ"

(1)

وتقدم (وهو فَرْض كفاية كلَّ عام) على من لا يجب عليه عينًا، نقله في "الآداب الكبرى"

(2)

عن "الرعاية"، ثم قال: وهو خلاف ظاهر قول الأصحاب، وقد ذكروا أنَّ للوالد والأم مَنْعَ الولد من حج النفلِ، واحتجوا بأن لهما منعه من الجهاد مع كونه فَرْض كفاية، فالتطوعات أَولى. انتهى. يعني: وعلى كلام "الرعاية": لا يُتصوَّر أن يقع الحجُّ نفلًا إلا من صغير، أو رقيق، بل إما فَرْض عين، أو فَرْض كفاية، وهو مشكل، وقد تبعه -أيضًا- صاحب "المنتهى".

(وفُرِضَ سنةً تسعٍ عند الأكثر

(3)

) من العلماء، وقيل: سنة عشر، وقيل: ست، وقيل: خمس، والأصل في فَرْضيته قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا}

(4)

.

(لم يَحجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد هِجرته) إلى المدينة (سوى حَجَّة واحدةٍ، وهي حَجَّةُ الوداع) قال القاضي عياض

(5)

: سُمِّيت بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ودَّعَ الناسَ فيها، وقال: "ليبلِّغ الشَّاهِدُ الغائبَ

(6)

"

(7)

(ولا خِلافَ أنَّها كانت سَنةَ عشرٍ) من الهجرة.

(1)

تقدم تخريجه (2/ 7)، تعليق رقم (5).

(2)

الآداب الشرعية (3/ 559).

(3)

في "ذ": "الأكثرين".

(4)

سورة آل عمران، الآية:97.

(5)

قول: "عياض" ليس في "ذ". ولم نقف عليه في مظانه من كتب القاضي عياض المطبوعة.

(6)

أخرجه البخاري في العلم، باب 9، 37، حديث 67، 105، وفي الحج، باب 132، حديث 1741، وفي المغازي، باب 77، حديث 4406. وفي الأضاحي، باب 5، حديث 5550، وفي الفتن، باب 8، حديث 7078، وفي التوحيد، باب 24، حديث 7447، ومسلم في القسامة، حديث 1679، عن أبي بكرة رضي الله عنه.

(7)

في "ح" و"ذ" زيادة: (أو لأنه لم يعد إلى مكة بعدها).

ص: 10

(وكان) صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوداع (قارنًا. نصًّا) قال أحمد

(1)

: لا أشكُّ أنه كان قارنًا، والمتعةُ أحبُّ إليَّ. انتهى. واستدل

(2)

له بما روى أنس: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُلبِّي بالحَج والعُمْرَةِ جَميعًا، يقُولُ:"لَبَّيكَ عُمْرَةٌ وحَجًّا". متفق عليه

(3)

. وقال عمر: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العَقِيق يقولُ: "أتَانِي اللْيلَةَ آتٍ من رَبِّي عز وجل فقال: صَلِّ في هذا الوادي المباركِ، وقلْ: عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ"

(4)

، وفي رواية:"قل: عُمْرَة وحَجَّة"

(5)

. رواهما البخاري.

واعتمر صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أربعًا، قال أنس: "حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حَجَّةً واحِدَةً، واعتمرَ أربعَ عُمَرٍ: واحدة

(6)

في ذي القعدةِ وعُمرة الحُديبية، وعُمرةً معَ حَجَّتِهِ، وعُمرَةَ الجِعْرانة إذ قَسَمَ غَنيمةَ حُنَينٍ" متفق عليه

(7)

.

(1)

انظر: مسائل صالح (2/ 143، 144)، ومسائل أبي داود ص / 100، 124، 135، ومسائل ابن هانئ (1/ 152) رقم 756.

(2)

مسائل أبي داود ص / 100.

(3)

البخاري في الحج، باب 27، حديث 1551، وفي المغازي، باب 61، حديث 4353، ومسلم في الحج، حديث 1232، 1251، واللفظ لمسلم.

(4)

البخاري في الحج، باب 16، حديث 1534، وفي الحرث والمزارعة، باب 16، حديث 2337.

(5)

في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 16، حديث 7343.

(6)

في "ح": "كلها" وهو الأقرب كما في روايات الصحيح.

(7)

البخاري في العمرة، باب 3، حديث 1778 - 1780، وفي المغازي، باب 35، حديث 4148، ومسلم في الحج، حديث 1253، ولفظه: قال قتادة: سألت أنسًا كم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حجة واحدة، واعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته: عمرة من الحديبية أو زمن الحدببية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. هذا لفط مسلم.

ص: 11

قال أحمد

(1)

: ورُوي عن مجاهد: أنه حجَّ قبل ذلك حَجَّة

(2)

وهو ما ثبت

(3)

عندي.

ورُوي عن جابر قال: "حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ حجَجٍ: حَجَّتينِ قبلَ أن يهاجرَ، وحجةً بعدما هاجرَ"

(4)

وهذا حديث غريب. قاله في "المغني"

(5)

.

(والعُمرةُ)، لغةً: الزيارة، ويُقال: اعتمره، إذا زاره. وشرعًا:

(1)

انظر المغني (5/ 18) وفيه: وما هو يثبت عندي.

(2)

انظر تخريجه في الحديث الآتي.

(3)

في "ح" و"ذ": "وما هو ثبت".

(4)

أخرجه الترمذي في الحج، باب 6، حديث 815، وابن ماجه في المناسك، باب 84، حديث 3076، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 85) حديث 2890، والطبري في تاريخه (3/ 159) وابن خزيمة (4/ 352) حديث 3056، والدارقطني (2/ 278)، والحاكم (1/ 470، 3/ 55)، وابن حزم في حجة الوداع ص / 407 حديث 467، والبيهقي (5/ 12)، وفي دلائل النبوة (5/ 454) عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث سفيان، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب، وقال: سألت محمدًا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لم يعدَّ هذا الحديث محفوظًا، وقال: إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلًا.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وانظر الفتح (3/ 428).

قلنا: وأخرجه عن مجاهد مرسلًا: ابن سعد (2/ 189)، والبيهقي (4/ 342)، وفي دلائل النبوة (5/ 453) من طريق سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد.

وأخرجه ابن ماجه في المناسك، باب 84، حديث 3076 من طريق سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال البيهقي: وليس بمحفوظ. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 146): إسناد ابن عباس فيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف.

(5)

في "ذ" زيادة: "والعمرة أربعًا".

ص: 12

(زيارةُ البيتِ على وجهٍ مخصوص) يأتي بيانه.

(وتجبُ) العمرة (على المكِّيِّ كغيرِه) أي: غير المكِّيِّ؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

(1)

. ولحديث عائشة: "يا رسولَ الله، هل على النسَاء من جهاد؟ قال: نعم، عَليهِنَّ جِهادٌ لا قتال فيه: الحجُّ والعُمْرَةُ" رواه أحمد وابن ماجه

(2)

، ورواته ثقات.

وعن أبي رَزين العقيلي، "أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ؛ لا يَسْتطيعُ الحَجَّ ولا العُمْرَةَ، ولا الظَّعْنَ، قال: حُجَّ عن أبيكَ واعتَمِرْ" رواه الخمسة

(3)

، وصحَّحه الترمذي.

(1)

سورة البقرة، الآية:196.

(2)

أحمد (6/ 165)، وابن ماجه في المناسك، باب 8، حديث 2901. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 76، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 376) حديث 792، وابن خزيمة (4/ 359) حديث 3074، وابن أبي داود في المصاحف ص / 101 والدارقطني (2/ 284)، والبهيقي (4/ 350). صحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الحج من شرح العمدة (1/ 96)، وابن القيم في تهذيب السنن (2/ 333)، وابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 126)، وفي خلاصة البدر المنير (2/ 335)، وقال الحافظ في بلوغ المرام (727): إسناده صحيح، وأصله في الصحيح.

وأخرجه البخاري في الحج، باب 4، حديث 1520، وفي الجهاد، باب 1، حديث 2784 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال:"لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور".

(3)

أبو داود في الحج، باب 26، حديث 1810، والترمذي في الحج، باب 87، حديث 930، والنسائي في المناسك، باب 10، حديث 2636، وفي الكبرى (2/ 320، 324) حديث 3600، 3617، وابن ماجه في المناسك، باب 10، حديث 2906، وأحمد (4/ 10، 11، 12). وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 147، حديث 1091، وابن سعد (5/ 518) وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص 424، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 388) حديث 822، وابن الجارود (1/ 114) حديث 500، والطبري في تفسيره (2/ 211)، وابن خزيمة (4/ 345) حديث 3040، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 719) حديث 1776، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 372) حديث 2546، وابن قانع في معجم =

ص: 13

ولأنها تشتمل على إحرام وطواف وسعي، فكانت واجبة كالحَجِّ.

وأما بعض الأحاديث المسكوت فيها عنها؛ فلأن اسم الحجِّ يتناولها، روى مسلم من حديث ابن عباس:"دخَلتِ العُمْرَةُ في الحجِّ إلى يومِ القيامة"

(1)

. وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن حزم إلى أهل اليمن: "إنَّ العُمْرَةَ الحجُّ الأصغَرُ" رواه الأثرم بإسناده

(2)

.

وأما حديث طلحة بن عبيد الله مرفوعًا: "الحجُّ جهادٌ، والعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ" فأجيب

(3)

بأنه ضعيف. رواه ابن ماجه

(4)

.

= الصحابة (3/ 8)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 304) حديث 3991، والطبراني في الكبير (19/ 203) حديث 457، 458، والدارقطني (2/ 283)، والحاكم (1/ 481)، وابن حزم في المحلى (7/ 39، 57)، وفي حجة الوداع ص / 464، حديث 528، والبيهقي (4/ 329)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 389)، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (2/ 533) حديث 517، 518.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حزم في المحلى (7/ 57) والنووي في المجموع (7/ 4)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 374 مع الفيض) ورمز لصحته. وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 126): قال أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود منه، ولا أصح منه.

(1)

مسلم في الحج، حديث 1241.

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- الشافعي في الأم (2/ 133)، وابن حبان "الإحسان"(14/ 501) حديث 6559، والطبراني في الأحاديث الطوال ص / 141 حديث 56، والدارقطني (2/ 285)، والحاكم (1/ 395)، والبيهقي (4/ 89، 351، 352)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 16)، والديلمي في مسند الفردوس (3/ 84)، وابن عساكر في تاريخه (45/ 481)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 123) حديث 1227، والمزي في تهذيب الكمال (11/ 431) وصححه الحاكم، انظر ما تقدم (1/ 313) تعليق رقم 1، 2.

(3)

في "ذ": "فأجيب عنه".

(4)

في المناسك، باب 44، حديث 2989. ورواه -أيضًا- الطبراني في الأوسط =

ص: 14

(ونصُّه

(1)

: لا) تجب على المكِّيِّ، بخلاف غيره، ونَصَرَها في "المغني"؛ إذ ركن العُمرة ومعظمها الطواف. قال أحمد

(1)

: كان ابنُ عبَّاس يَرى العُمْرَة وَاجبَةً، ويقولُ: يا أهلَ مكةَ، ليس عليكم عُمْرَةٌ، إنما عُمْرَتُكُم الطَّوافُ بالبَيتِ

(2)

. وهو من رواية إسماعيل بن مسلم، وهو المكَّيُّ، وهو ضعيف. وتأوَّلها القاضي على أنه نفى عن دَمَ التمتع. قال في "الفروع": كذا قال. انتهى. وفي "الشرح": وحَمَل القاضي كلامَ أحمدَ على أنه لا عُمرة عليهم مع الحَجِّ؛ لأنه يتقدم منهم فِعلها في غير وقت الحَجِّ. وأجاب صاحب "المحرر" وغيره عما تقدم بأنه لا يصحُّ في حَقِّ من لم يطف، ومن طاف يجب أن لا يجزئه عنها، كالآفاقي.

= (7/ 370) حديث 6719. قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 286): هذا حديث باطل، وضعفه ابن حزم في المحلي (7/ 38)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 138)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 227).

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 132)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 281)، وابن أبي شيبة الجزء المفرد ص 220، والطبري في تفسيره (2/ 212)، والبيهقي (4/ 348)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 54) عن أبي صالح ماهان مرسلًا. قال ابن حزم في المحلى (7/ 37): وماهان هذا ضعيف كوفي. وقال البيهقي: وقد روي من حديث شعبة، عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه موصولًا، والطريق فيه إلى شعبة طريق ضعيف. وقال ابن حزم في المحلى (7/ 38): وأما حديث أبي هريرة، فكذب بحت من بلايا عبد الباقي بن قانع التي انفرد بها، والناس رووه مرسلًا من طريق أبي صالح ماهان -كما أوردنا قبل، فزاد فيه أبا هريرة، وأوهم أنه أبو صالح السمان. انظر علل الدارقطني (11/ 227)، والمحلى (7/ 36 - 38) والتلخيص الحبير (2/ 226).

(1)

مسائل الأثرم كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 104).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 88)، والدارقطني (2/ 284)، والحاكم (1/ 471) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وضعفَّه الحافظ في الدراية (2/ 47).

ص: 15

(ويَجِبَان في العُمُرِ مرةً واحدةً) لما روى أبو هريرة قال: "خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، قد فُرض عليكم الحَجُّ فحجُّوا، فقال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فسكتَ حتى قالها ثلاثًا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لو قلتُ: نعم، لوجَبَتْ، ولمَا استطعتُمْ" رواه أحمد ومسلم والنسائي

(1)

.

وعن ابن عباس قال: "خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناسُ، كُتبَ عليكم الحجُّ، فقامَ الأقرعُ بن حابس، فقال: أفي كلِّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فقال: لو قلتُهَا؛ لوجبَتْ، ولو وجبت لم تعمَلُوا بها، ولم تستطيعُوا أن تعْمَلوا بها، الحجُّ مرةً، فمن زادَ فهو تَطوُّعٌ". رواه أحمد والنسائي

(2)

بمعناه.

(على الفَوْرِ) نصَّ عليه

(3)

. فيأثم إن أخَّر بلا عُذرٍ، بناء على أنَّ

(1)

أحمد (2/ 508)، ومسلم في الحج، حديث 1337، والنسائي في المناسك، باب 1، حديث 2618.

(2)

أحمد (1/ 255، 290، 370)، والنسائي في المناسك، باب 1، حديث 2619. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في المناسك، باب 1، حديث 1721، وابن ماجه في المناسك، باب 2، حديث 2886، وابن أبي شيبة (4/ 85)، وعبد بن حميد (1/ 573) حديث 676، والدارمي في الحج، باب 4، حديث 1788، 1789، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 369) حديث 774، والدارقطني (2/ 278 - 280)، والحاكم (1/ 441، 470 و 2/ 293)، والبيهقي (4/ 326 و 5/ 178)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 10) حديث 9138.

قال الحاكم: هذا إسناد صحيح. ووافقه الذهبي. وقال -أيضًا- (2/ 293): هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وحسَّن إسناده النووي في المجموع (7/ 8). وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 220): وأصله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة

ورجاله ثقات. وانظر نصب الراية (3/ 1).

(3)

انظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد لابن أبي موسى ص / 181، والأحكام السلطانية =

ص: 16

الأمر المطلق للفَوْرِ، ويؤيده: خبر ابن عباس مرفوعًا قال: "تَعَجَّلُوا إلى الحجِّ -يعني: الفريضَةَ- فإنَّ أحدَكُم لا يدري ما يعْرضُ له" رواه أحمد

(1)

.

= للقاضي أبي يعلى ص 262، وكتاب التمام (1/ 306).

(1)

(1/ 314). وأخرجه -أيضًا- الفاكهي في أخبار مكة (1/ 384) حديث 812، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 296) حديث 6031، 6032، وأبو نعيم في الحلية (7/ 114)، والبيهقي (4/ 340)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 10) حديث 1046، بنحوه عن إسماعيل الكوفي، عن فضيل بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال أبو نعيم: إسماعيل الكوفي هو ابن أبي إسحاق أبو إسرائيل الملائي تفرد به عن فضيل، وانظر مصباح الزجاجة (2/ 125).

وأخرجه ابن ماجه في المناسك، باب 1، حديث 2883، وأحمد (1/ 214، 323)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 295) حديث 6030، والطبراني في الكبير (18/ 287، 288) حديث 737، 738، والبيهقي (4/ 340) عن أبي إسرائيل، عن فضيل بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل، أو أحدهما عن الآخر، بنحوه.

وأخرجه أبو داود في المناسك، باب 6، حديث 1732، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 226، وأحمد (1/ 225)، وعبد بن حميد (1/ 603)، حديث 719، والدارمي في الحج، باب 1، حديث 1784، والدولابي في الكنى والأسماء (2/ 12)، والحاكم (1/ 448)، والبيهقي (4/ 339)، والخطيب في تاريخه (5/ 47)، وفي الموضح (1/ 407)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 10) حديث 1044، والمزي في تهذيب الكمال (28/ 600). عن مهران أبي صفوان، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ: من أراد الحج فليتعجَّل.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو صفوان هذا سمَّاه غيره مهران مولى لقريش، ولا يُعرف بجرح. ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 48 مع الفيض) ورمز لحسنه. وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 301): سئل أبو زرعة عن مهران أبي صفوان، فقال: لا أعرفه إلا في هذا الحديث: "من أراد الحج فليتعجل". وضعَّفه ابن القطان في بيان الوهم =

ص: 17

وعن عبد الرحمن بن سابط يرفعه قال: "من مات ولم يحجَّ حَجّةَ الإسلام -لم يمنَعْهُ مرضٌ حابسٌ، أو سلطَانٌ جائرٌ، أو حاجَةٌ ظَاهِرةٌ- فَلْيَمُتْ على أي حال، يهوديًّا أو نَصْرَانيًّا". رواه سعيد في "سننه"

(1)

.

ولأنه أَحدُ مباني الإسلام، فلم يَجُزْ تأخيره إلى غير وقت معيَّن، كبقية المباني، بل أَولى.

وأما تأخيره صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه؛ بناءً على أن الحجَّ فُرض سنة تسع، فيحتمل أنه كان في آخرها، أو لأنه تعالى أطلع نبيَّه على أنه لا يموت حتى يحجَّ، فيكون على يقينٍ من الإدراك، قاله أبو زيد الحنفي

(2)

. أو لاحتمال عدم الاستطاعة، أو حاجة خوف في حقِّه منعه من الخروج، ومَنَعَ أكثر أصحابه، خوفًا عليه، أو لأنَّ الله تعالى كَرِه له الحجَّ مع المشركين عُراة حول البيت، أو غير ذلك.

(بخمسة شروط):

أحدها: (الإسلامُ، و) الثاني: (العقلُ) وهما شرطان للوجوب والصحة (فلا يجبُ) حجٌّ ولا عُمرةٌ (على كافرٍ ولو مرتدًّا) لأنه ممنوع عن دخول الحرم، وهو منافٍ له (ويُعاقب) الكافرُ (عليه) أي: على الحجِّ، وكذا العُمرة (وعلى سائر فروع الإسلام) كالصلاة والزكاة والصوم (كالتوحيد، إجماعًا

(3)

) وتقدم

= والإيهام (4/ 273).

(1)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد تقدم تخريجه (6/ 7) تعليق رقم (2).

(2)

كتاب المناسك من الأسرار ص / 40. وأبو زيد هو عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي المتوفى سنة 430 هـ رحمه الله تعالى. انظر الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 449 - 500).

(3)

انظر أصول السرخسي (1/ 72)، ومواهب الجليل (2/ 474)، والبحر المحيط =

ص: 18

موضحًا

(1)

(ولا يجب) الحجُّ (عليه) ومثله العمرة (باستطاعته في حال رِدَّته فقط) بأن استطاع زمنَ الرِّدة دون زمنِ الإسلام؛ لأنه ليس من أهل الوجوب زمنَ الرِّدة (ولا تبطلُ استطاعتُه) في إسلامه (بردَّته) بل يثبت الحجُّ في ذمته إذا عاد للإسلام.

(وإن حجَّ) واعتمر (ثم ارتدَّ، ثم أسلم وهو مستطيع، لم يلزمه حجٌّ) ولا عُمْرة؛ لأنهما إنما يجبان في العُمر مرةً، وقد أتى بهما، ورِدَّته بعدهما لا تبطلهما إذا عاد إلى الإسلام كسائر عباداته (وتقدَّم

(2)

بعضُ ذلك في كتاب الصلاة.

ولا يصحُّ) الحجُّ (منه) أي: من الكافر، ولو مرتدًّا، وكذا العُمْرة؛ لأن كلًّا من الحج والعُمْرة عبادة، من شرطها النية، وهي لا تصحُّ من كافر (ويبطل إحرامُه، ويخرجُ منه برِدَّته فيه) لعموم قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}

(3)

وكالصوم.

(ولا يجب) الحجُّ (على المجنون

(4)

) كالعُمْرةِ؛ لحديث: "رُفعَ القلمُ عن ثلاث"

(5)

. (ولا يصحُّ) الحجُّ (منه) أي: من المجنون، ولا العُمْرة (إن عَقَده بنفسه، أو عَقَده له وليُّه) كالصوم، وإنما صحَّ من الصغير دون التمييز إذا عَقَده له وليُّه؛ للنصِّ

(6)

.

= للزركشي (2/ 130)، والكوكب المنير (1/ 502).

(1)

(2/ 11).

(2)

(2/ 11).

(3)

سورة الزمر، الآية:65.

(4)

في "ح": "مجنون".

(5)

تقدم تخريجه (2/ 12)، تعليق رقم (2).

(6)

وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما الآتي قريبًا.

ص: 19

(ولا تَبْطلُ استطاعتُه بجنونه) فيُحج عنه (ولا) يَبْطل (إحرامُه به) أي: بالجنون (كالصوم) لا يبطل بالجنون (ولا يبطل الإحرام بالإغماء والموت والسُّكْرِ) كالنوم.

(و) الشرط الثالث: (البلوغ.

(و) الرابع: (الحرية) أي: كمالها، وهما شرطان للوجوب والإجزاء فقط (فلا يجب) الحجُّ ولا العُمْرة (على صغير) للخبر

(1)

، ولأنه غير مكلَّف (ولا على قِنٍّ) لأن مدتها تطول، فلم يَجبا عليه؛ لما فيه من إبطال حَقِّ السيد، كالجهاد، وفيه نظر؛ لأن القصد منه الشهادة، قاله في "المبدع"(وكذا مُكاتَبٌ، ومُدَبَّرٌ، وأمُّ ولد، ومُعتَقٌ بعضُه) ومعلَّق عتقه بصفة.

(ويصحُّ) الحج (منهم) كالعُمرة، أي: من الصغير، والقِنِّ، والمُكاتَب، والمُدَبَّرِ، وأم الولد، والمُعتق بعضُه؛ لحديث ابن عباس:"أن امرأةً رَفعتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيًّا، فقالت: يا رسولَ الله، ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولك أجْرٌ" رواه مسلم

(2)

. والعبد من أهل العبادة، فصحَّا منه كالحُرِّ.

(ولا يجزئُ) حجُّهم (عن حَجَّة الإسلامِ) لقول ابن عباس: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أيما صبيَّ حجَّ ثم بلغَ، فعليه حجَّةٌ أخرى، وأيما عبد حجَّ ثم عتق، فعليه حجَّةٌ أخرى" رواه الشافعي والبيهقي

(3)

. قال بعض

(1)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "رُفع القلم عن ثلاث

" الحديث. وقد تقدم تخريجه (2/ 12) تعليق رقم (2).

(2)

في الحج، حديث 1336.

(3)

الشافعي في الأم (2/ 177) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 283) من طريق مالك بن مغول، عن أبي السَّفر، عن ابن عباس موقوفًا. والبيهقي (5/ 156، 178). =

ص: 20

الحُفَّاظ: لم يرفعه إلا يزيد بن زُريع عن شعبة، وهو ثقة. ولأنهم فعلوا ذلك قبل وجوبه، فلم يجزئهم إذا صاروا من أهله، كالصبي يصلّي ثم يبلغ في الوقت. وهذا قول عامة العلماء إلا شذوذًا، بل حكاه ابنُ

= ورواه -أيضًا- الطحاوي (2/ 257) وابن عبد البر في التمهيد (1/ 107) من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن أبي السَّفر، عن ابن عباس قال: احفظوا عني، ولا تقولوا: قال ابن عباس

الحديث. وصحَّح إسناده الحافظ في الفتح (4/ 71)، وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 132): وهذا ظاهر في رفعه، بل قطعي. وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 405، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: احفظوا عني، ولا تقولوا: قال ابن عباس

ورواه ابن خزيمة (4/ 349) حديث 3050، والطبراني في الأوسط (2/ 353) حديث 2752، والقطيعي في جزء الألف دينار ص / 223، حديث 145، والحاكم (1/ 481)، وابن حزم في المحلى (7/ 44)، والبيهقي (4/ 325، 5/ 179)، والخطيب في تاريخه (8/ 209)، والضياء في المختارة (9/ 546) حديث 537، من طريق محمد بن المنهال، عن يزيد بن زريع عن شعبة، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس مرفوعًا. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. ورواه ابن خزيمة (4/ 350)، وابن حزم في المحلى (7/ 44) -أيضًا- من طريق ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان -أي الأعمش- عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا. وقال: هذا علمي هو الصحيح بلا شك. وأيده البيهقي فإنه قال في سننه (5/ 179) تفرَّد برفعه محمد بن المنهال، عن يزيد بن زريع، عن شعبه. ورواه غيره عن شعبة موقوفًا، وكذلك رواه الثوري، عن الأعمش موقوفًا، وهو الصواب. وتعقب ابن الملقن دعوى التفرد، فقال في خلاصة البدر المنير (1/ 343): لم يتفرد به [يعني محمد بن المنهال] بل تابعه عليه ثقات، كما ذكرته في الأصل. وانظر نصب الراية (3/ 6) وفتح الباري (7/ 159).

وصحَّح رفعه ابن حزم في المحلى (7/ 45) والحافظ ابنُ حجر في التلخيص الحبير (2/ 220) وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 148 مع الفيض) ورمز لصحته.

ص: 21

عبد البَرَّ إجماعًا

(1)

.

(إلا أن يُسْلِمَ) الكافر (أو يُفيقَ) المجنون، ثم يُحْرِم قبل الدفع من عَرَفة، أو بعده، إن عاد فوقف في وقته، ثم أتم حَجَّه (أو يَبلغَ) الصغيرُ (أو يَعتِقَ) القِنُّ، أو المُكاتب، أو المُدَبَّر، أو أم الولد (في الحجِّ، قبل الخروج من عَرَفة أو بعده) أي: بعد الوقوف بعَرَفة (قبل فَوْت وقته) أي: الوقوف (إن عاد فوقف) في وقته؛ لأنهما أتيا بالنُّسك حال الكمال فأجزأهما، كما لو وُجِدَ قبل الإحرام، واستدلَّ أحمد بأن ابن عباس قال:"إذا عَتَقَ العبدُ بعَرفَةَ، أجزأتْ عنه حجتُهُ، وإن أُعتقَ بجَمْعٍ، لم تجزئ عنه"

(2)

(ويلزمه) أي: القِن، إذا عتق بعد الدفع من عَرَفة، قبل فوات وقته (العودُ) إلى عرفة في وقت الوقوف (إنْ أمكنه) العودُ؛ لوجوب الحج على الفَوْر، كما تقدم

(3)

.

(و) لا تجزئ عُمْرتهم عن عُمْرة الإسلام، إلا أن يُسلِم أو يُفيق أو يَبلغ أو يَعتق (في العُمْرة قبل طوافها) أي: الشروع فيه (فيجزئهم) لما تقدم (قال الموفَّقُ وغيره في إحرام العبد والصبي: إنما يُعتدُّ بإحرامٍ ووقوفٍ موجودَين إذن) أي: حين البلوغ والعتق (وما قبله) من الإحرام والوقوف (تطوُّعٌ لم ينقلب فرضًا) ولا اعتداد به، وقدَّمه في "التنقيح" و"المنتهى" (وقال المجدُ وجَمْعٌ) منهم صاحب "الخلاف" و"الانتصار":(ينعقدُ إحرامُه موقوفًا، فإذا تغيَّر حالُه) بالبلوغ أو العتق (تبين فرضيته) كزكاة معجَّلة.

(ولو سعى قِنٌّ أو صغيرٌ بعد طواف القُدُوم، وقبل الوقوف والعِتق

(1)

الاستذكار (13/ 331).

(2)

أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في مسائله (2/ 729) رقم 975.

(3)

(6/ 16 - 18).

ص: 22

والبلوغ، وقلنا: السعيُ رُكنٌ -وهو المذهب- لم يجزئه) الحجُّ عن حجَّة الإسلام؛ لوقوع الرُّكن في غير وقت الوجوب، أشبه ما لو كبَّرَ للإحرام ثم بلغ، فعلى هذا لا يجزئه (ولو أعاد السعي) بعد البلوغ والعِتق (لأنه لا يُشرع مجاوزةُ عددِه، ولا تكرارُه، وخالف الوقوفَ) من حيث إنه إذا بلغ أو عتق بعده وأعاده في وقته يجزئه (إذ هو مشروع) أي: استدامته مشروعة (ولا قَدْرَ له محدودٌ. وقيل: يُجزئهُ إذا أعاد السعي) لحصول الرُّكن الأعظم، وهو الوقوف وتبعية غيره له، ولا تجزئ العُمْرة من بلغ أو عتق في طوافها، وإن أعاده وفاقًا.

(ويُحْرِمُ المميزُ بنفسه بإذن وليِّه) لأنه يصح وضوؤه، فصحَّ إحرامه كالبالغ، ولأن العبادات أحد نوعي العقود، فكان منه ما يعقده المميز لنفسه بإذن وليِّه كالبيع، (وليس له) أي: ولي المميز (تحليله) إذا أحرم بإذنه كالبالغ.

(ولا يصحُّ) إحرامه (بغير إذنه) أي: إذن وليِّه؛ لأنه يؤدِّي إلى لزوم مالٍ، لم ينعقد بنفسه كالبيع. ولا يُحْرِم الولي عن المميز؛ لعدم الدليل.

(وغيرُ المميزِ يُحْرِمُ عنه وليُّه) أي: يعقد له الإحرام؛ لما روى جابر قال: "حجَجنَا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعَنَا النساءُ والصبيانُ، فأحرَمْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ" رواه سعيد

(1)

، فيعقد له وليه الإحرام (ولو كان الوليُّ مُحْرِمًا، أو) كان الولي (لم يحجَّ عن نفسه) كما يعقد له النكاح، ولو كان مع

(1)

لم نجده في القسم المطبوع من سننه. وأخرجه البيهقي (5/ 156) بلفظ "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والولدان حتى أتينا ذا الحُليفة، فلبَّينا بالحج وأهللنا عن الولدان". وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (7/ 120) حديث 6564 بلفظ: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهللنا بالحج من ذي الحليفة وأهللنا عن الوالدان وطفنا عنهم، وسعينا عنهم، وانظر الحديث الآتي بعد.

ص: 23

الولي أربع نسوة.

(وهو) أي: الولي (من يَلِي ماله) من أب ووصيه وحاكم.

(ولا يصحُّ من غير الوليِّ من الأقارب) كالإخوة والأعمام، كما أنه لا يصحُّ بيعهم له ولا شراؤهم. وظاهر رواية حنبل

(1)

: يصحُّ من الأم -أيضًا- اختاره جماعة. وتقدم أنه إذا لم يكن له وَليٌّ، يقبض له الزكاة والكفَّارة من يليه، فينبغي هنا كذلك؛ لظاهر الخبر السابق.

(ومعنى إحرامِه) أي: الولي (عنه) أي: عمَّن لم يميز (عَقْدُه الإحرامَ له، فيصيرُ الصغيرُ بذلك مُحْرِمًا) كما يعقد له النكاح، فيصير الصغير زوجًا (دون الولي) ولهذا صحَّ من وليِّه، وإن كان مُحْرِمًا أو لم يحجَّ عن نفسه (وكلُّ ما أمكنه) أي: الصغير مميزًا كان أو دونه (فِعلُه بنفسه كالوقوفِ) بعَرَفة (والمبيت) بمزدلِفة وليالي منى (لَزِمَه) فِعله، بمعنى أنه لا يصحُّ أن يُفعل عنه؛ لعدم الحاجة إليه، لا بمعنى أنه يأثم بتركه؛ لأنه غير مكلف (وسواءٌ أحضره الوليُّ فيهما) أي: الوقوف والمبيت (أو غيرُه) أي: غير الولي، أو لم يحضره أحد (وما عَجَزَ عنه) الصغير (فَعَلَه عنه الوليُّ) لحديث جابر قال:"لبَّينَا عن الصبيَان ورَمينَا عنهم" رواه أحمد وابن ماجه

(2)

. ورُوي عن ابن عمر في

(1)

المغني (5/ 51)، وكتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 281)، وانظر مسائل أبي داود ص / 117.

(2)

أحمد (3/ 314)، وابن ماجه في المناسك، باب 68، حديث 3038. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (4/ 259)، والطبراني في الأوسط (1/ 490) حديث 896، والبيهقي (5/ 156)، من طريق أشعث بن سوار، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه.

وأخرجه الترمذي في الحج، باب 84، حديث 927، عن محمد بن إسماعيل الواسطي، عن ابن نمير، عن أشعث، به، بلفظ: "كنا إذا حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، =

ص: 24

الرَّمي

(1)

. وعن أبي بكر "أنهُ طافَ بابْنِ الزبير في خِرقةٍ"

(2)

، رواهما الأثرم.

(لكن لا يجوز أن يرمي عنه) أي: عن الصغير (إلا من رمى عن نفسه، كما في النيابة في الحجِّ، أي: إن كان الوليُّ مُحْرِمًا) بفرضه، قاله في "المبدع" و"شرح المنتهى" ورمى

(3)

عن الصغير أولًا (وَقَعَ) الرميُ (عن نفسه) كمن أحرم عن غيره وعليه حَجَّة الإسلام (وإن كان) الوليُّ

= فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان". وقال: هذا حديث غريب، وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، بل هي تلبي عن نفسها. ا هـ. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 469): أشعث بن سوار ضعيف، وأبو الزبير مدلس، وله علة أخرى، وذلك أنه مضطرب المتن. ووافقه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 29)، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 482): غلط [محمد بن إسماعيل] غلطة ضخمةً، والصواب رواية أبي بكر بن أبي شيبة لهذا الخبر في مصنفه. قلنا: وقد تقدم تخريج رواية ابن أبي شيبة هذه آنفًا. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 270): وفيه أشعث بن سوار، وهو ضعيف. قلنا: لم ينفرد به، بل تابعه أيمن بن نابل، عن أبي الزبير، به، رواه ابن عدي (1/ 423)، والبيهقي (5/ 156)، وأيمن بن نابل قال فيه ابن عدي: لا بأس به فيما يرويه

ولم أر أحدًا ضعَّفه ممن تكلم في الرجال، وأرجو أن أحاديثه لا بأس بها، صالحة. لكن يبقى في السند عنعنة أبي الزبير.

(1)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. ورواه -أيضًا- أبو داود في مسائله ص / 116، وابن أبي شيبة (4/ 260) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحج بصبيانه، فمن استطاع منهم أن يرمي رمى، ومن لم يستطع رمى عنه.

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (5/ 70) رقم 9026، وابن أبي شيبة (13/ 90، 14/ 79)، وابن أبي الدنيا في العيال (2/ 849) رقم 645، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 410) رقم 572، وفي الأوائل ص 93، رقم 122، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 778) رقم 2064، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1/ 199)، وابن عساكر في تاريخه (28/ 157)، وانظر الإصابة (6/ 58).

(3)

في "ذ": (وإن رمى).

ص: 25

(حلالًا، لم يُعتدَّ به) أي: برميه؛ لأنه لا يصحُّ منه لنفسه رمي، فلا يصحُّ عن غيره (وإن أمكن الصبي أن يناول النائبَ الحصى، ناوَله) إيَّاه (والا اسْتُحبَّ أن تُوضع الحصاةُ في كفِّه، ثم تُؤخذ منه فتُرمى عنه، فإن وَضَعها النائبُ في يدِه ورمى بها

(1)

، فجعل يده كالآلة، فَحَسنٌ) ليوجد منه نوع عمل.

(وإن أمكنه) أي: الصغير (أنْ يطوفَ) ماشيًا (فَعَله) كالكبير (وإلا طِيفَ به محمولًا) لما تقدم من فِعْلِ أبي بكر

(2)

(أو راكبًا) كالمريض.

(ويصحُّ طوافُ الحلالِ به) أي: بالصغير (و) طواف (المُحْرِم) به، (طاف) المُحْرِم (عن نفسه أوْ لا) أي: أو لم يطف عن نفسه، بخلاف الرمي. وأشار إلى الفرق بينهما بقوله:(لوجود الطوافِ من الصبيِّ، كمَحمولٍ مريضٍ، ولم يوجد من الحامل إلا النيةُ، كحالة الإحرام) بخلاف الرمي.

(وتُعتبرُ النيةُ من الطَّائفِ به) قلت: ولعله إذا كان دون التمييز، وإلا، فلابد من النيةُ منه، كالإحرام (ويأتي في باب دخول مكَّة.

و) يُعتبر -أيضًا- (كونه ممن يَصحُّ أن يَعقِد له الإحرام) بأن يكون وليًّا له في ماله؛ لأن الطواف تُعتبر له النية، فلما تعذَّرت من الصغير، اعتُبرت ممن له النيابة عنه بالشرع، بخلاف الوقوف والمبيت (فإن نوى) الطائف بالصغير (الطوافَ عن نفسه وعن الصبي، وقع) الطواف (عن الصبي، كالكبير يُطاف به محمولًا لعُذرِ) لأن الطَّواف فِعْلٌ واحد، لا يصح وقوعه عن اثنين.

(1)

في "ذ": "بها عنه".

(2)

تقدم تخريجه (6/ 25) تعليق رقم (2).

ص: 26

(ونفقةُ الحجِّ التي تزيد على نفقة الحضر وكفَّاراتُه، في مال وليِّه، إن كان) وليُّه (أنشأ السفرَ به تمرينًا على الطاعة) لأنه السبب فيه، وكما لو أتلف مال غيره بأمره، قاله ابن عقيل. ولا حاجة إلى التمرُّن عليه؛ لأنه لا يجب في العُمُرِ إلا مرة واحدة، وقد لا يجب. وعُلم منه: أن نفقة الحضر في مال الصبي بكلِّ حال؛ لأنه لابُدَّ له منها، مقيمًا كان أو مسافرًا.

(وأما سفرُ الصبيِّ معه) أي: مع الولي (لتجارة أو خدمة، أو إلي مكة ليستوطِنَها، أو ليقيمَ بها؛ لعِلْمٍ أو غيرِه مما يُباح له) أي: الولي (السفرُ به) أي: الصبي (في وقت الحج وغيره، ومع الإحرام وعدمه، فلا نفقة على الوليِّ) بل هي على الصبي. قال في "المبدع": هي

(1)

رواية واحدة.

(وعمدُه) أي: الصبي (هو ومجنون خطأ) لعدم صحة قصدهما (فلا يجب بفعلهما شيء، إلا فيما يجب على المكلَّف في خطأ ونسيان) كإزالة الشعر، وتقليم الظُّفر، وقتل الصيد، والوطء، بخلاف الطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس.

(وإن فَعَل بهما الوليُّ فِعلًا لمصلحةٍ، كتغطية رأسه) أي: الصغير أو المجنون المُحْرِم (لبرد) أو حرٍّ (أو تطييبه لمرض، أو حلق رأسه) لأذًى (فكفَّارتُه على الولي -أيضًا-) لعله فيما إذا كان الولي أنشأ السفر به تمرينًا على الطاعة، بخلاف ما لو سافر به لتجارة ونحوها، فهو في مال الصبي، كما لو فَعَله الصبي نفسه. هذا مقتضى ما نقله في "الفروع" و"المبدع" و"شرح المنتهى" عن المجد، واقتصروا عليه.

(1)

قوله: "هي" ليس في "ذ". والذي في المبدع (3/ 88): فهي على الصبي رواية واحدة.

ص: 27

فأما إن فَعَله الوليُّ لا لعُذرٍ، فكفَّارته عليه بكل حال، كمن حَلَقَ رأس مُحرِم بغير إذنه.

(وإن وجب في كفَّارةٍ صومٌ، صام الوليُّ) قاله في "التنقيح"، وقال في "الفروع" و"الإنصاف": حيث أوجبنا الكفَّارة على الولي بسبب الصبي، ودخلها الصوم، صام عنه؛ لوجوبها عليه ابتداء. انتهى. أي: فصومُ الوليِّ عن نفسه لا بالنيابة عن الصبي، إذ الصوم الواجب بالشرع لا تدخله النيايةُ، كقضاء رمضان، وعلى هذا: لو كانت الكفَّارةُ على الصبي ووجب فيها صوم، لم يصم الوليُّ عنه، بل يبقى في ذمته حتى يبلغ، فإن مات أطعم عنه؛ كقضاء رمضان. وهذا مقتضى كلامه أيضًا في "المبدع" و"شرح المنتهى".

(ووطءُ الصبي كوطء البالغ ناسيًا، يمضي في فاسده، ويلزمُه القضاء بعد البلوغ، نصًّا

(1)

ولا يصح قضاؤه قبل بلوغه، نصَّ عليه

(1)

؛ لأنه إفساد لإحرام لازم، وذلك يقتضي وجوب القضاء. وبِنْيَةُ الصبي تمنع التكليف بفعل العبادات البدنية؛ لضعفه عنها. ونظير ذلك وجود الاحتلام أو الوطء من المجنون، فإنه يوجب الغسل عليه، لوجود سببه، ولا يصحُّ منه إلا بعد الإفاقة، لِفَقدِ أهليته للغسل في الحال.

(وكذا الحكمُ إذا تحلَّل الصبيُّ من إحرامِه لفواتِ) وقت الوقوف، فإنه يقضيه إذا بلغ، وفي الهَدي التفصيل السابق (أو) تحلَّلَ الصبي لِـ (إحصارٍ) وقلنا: يجب القضاء، فيقضيه إذا بلغ، والفِدية على ما سبق. ويأتي: أن المُحْصر لا يلزمه قضاء (لكن إذا أراد) الصبيُّ

(1)

الفروع (3/ 219).

ص: 28

(القضاءَ بعد البلوغ، لَزِمَه أن يُقدِّم حَجَّة الإسلام على المَقضيَّةِ) كالمنذورة (فلو خالفَ وفَعَلَ) بأن قدَّمَ المَقضيَّة على حجَّة الإسلام (فهو كـ) الحُرِّ (البالغ، يُحْرِمُ قبل الفَرْض بغيره) فينصرف فِعلُه إلى حجَّة الإسلام، ثم يقضي بعد ذلك.

(ومتى بلغ) الصبي (في الحجَّة الفاسدةِ) التي وطئ فيها (في حال يجزئه عن حجَّةِ الفرض، لو كانت صحيحةً) بأن بلغ وهو بعَرَفة أو بعده، وعاد فوقف في وقته، ولم يكن سعى بعد طواف القُدوم (فإنها) أي: الحال والقصة -وفي نسخة: "فإنه" أي: الشأن- (يمضي فيها) أي: في تلك الحجَّة التي بلغ في أثنائها (ثم يَقضيها) فورًا (ويجزئه ذلك) الحجُّ القضاء (عن حَجَّة الإسلام والقضاء، كما يأتي نظيرُه في العبد) إذا عتق في حال يجزئه عن حَجَّة الفَرْض لو كانت صحيحة؛ لأن قضاءها كهي، فيجزيء كإجزائها لو كانت صحيحة.

(وليس للعبد الإحرامُ إلا بإذن سيِّدِه) لتفويت حقِّه بالإحرام (ولا للمرأة الإحرام نفلًا إلا بإذن زوج) لتفويت حقِّه. وقيَّده بالنفل منها دون العبد؛ لأنه لا يجب عليه حجٌّ بحال، بخلافها، قاله ابن المُنَجَّى. ومراده: بأصل الشرع، فلا يَرِدُ عليه النذر؛ لتصريحهم بأنه لا خلاف في لزومه بالنذر للعبد؛ لأنه مكلف، فصحَّ نذرُه كالحُرِّ، ويأتي (فإن فَعَلا) أي: أحرم العبد والمرأة بغير إذن السيد والزوج (انعقد) إحرامهما؛ لأنه عبادة بدنية، فصحَّت بغير إذنٍ، كالصوم. وقال ابن عقيل: يتخرَّج بطلان إحرامه لغصبه نفسه، فيكون قد حجَّ في بدن غصب، فهو آكد من الحجَّ بمال غصب. قال في "الفروع": وهذا متوجِّهٌ ليس بينهما فرق

ص: 29

مؤثِّر، فيكون هو المذهب. وصَرَّحَ به جماعةٌ في الاعتكاف، قاله في "المبدع". قلت: ويؤيده ما تقدم في الصلاة

(1)

: ولا يصحُّ نَفْلُ آبقٍ.

(ولهما) أي: السيد والزوج (تحلِيلُهما) أي: العبد والزوجة؛ لأن حقهما لازم، فملكا إخراجهما من الإحرام، كالاعتكاف (ويكونان كالمُحْصَر) لأنهما في معناه (فلو لم تَقبلِ المرأةُ تحليلَه أثمت، وله مباشرتُها) وكذا أَمَته المباحة له لولا الإحرام بغير إذنه. وعبارة "المنتهى": ويأثم من لم يمتثل. وهي أعمُّ.

(وإن كان) إحرامهما (بإذن) السيد والزوج، لم يجز تحليلهما؛ لأنه قد لزم بالشروع، وكنكاحٍ ورَهنٍ (أو أحرما) أي: العبد والمرأة (بِنَذْرٍ، أذن لهما فيه أو لم يأذن) الزوج (فيه للمرأة، لم يجز تحلِيلُهما) لوجوبه، كما لو أحرمت بواجب بأصل الشرع.

(وللسيدِ والزوجِ الرجوعُ في الإذن) في الإحرام للعبد والمرأة (قبل الإحرام) من العبد والزوجة، كالواهب يرجع فيما وهبه، قبل قَبْضِ الموهوب له، لا بعده (ثم إن عَلِمَ العبد برجوع سيِّده عن إذنه) له في الإحرام (فكما لو لم يأذن) السيد له ابتداءً؛ لبطلان الإذن برجوعه (وإلا) أي: وإن لم يعلم برجوعه في الإذن (فالخلافُ في عَزْلِ الوكيل قبل عِلْمِه) بعزل موكله له. والمذهب: أنه ينعزل، فيكون الحكم هنا كما لو لم يأذن. قلت: وكذا الحكم في المرأة في النفل.

(و‌

‌يَلزمُ العبدَ حكمُ جنايته)

أي: إتيانه بشيء من محظورات الإحرام؛ لأنه مكلَّف (كحُرٍّ مُعْسِرٍ) لا مال له (فإن مات) العبد (ولم يَصُمْ) ما وجب عليه (فلسَيِّده أن يُطعِمَ عنه) ذكره في "الفصول".

(1)

(2/ 139).

ص: 30

والمراد: يُسَنُّ، كما تقدم في قضاء رمضان

(1)

.

(وإن أفسد) قِنٌّ (حَجَّه بالوطء، لزمه المضي فيه) كالحُرِّ (و) لزمه (القضاء) أي: قضاء ما أفسده؛ لأنَّه مكلَّف (ويصح) القضاء (في رِقِّهِ) لأنه وجب فيه، فصح كالصلاة والصيام، بخلاف حَجَّة الإسلام (وليس للسيد مَنْعُه من القضاء إن كان شروعه) أي: القِنُّ (فيما أفسدَه بإذنه) لأن إذنه فيه إذن في موجبه، ومن موجبه قضاء ما أفسده على الفَورِ، وعُلم منه: أنَّه إذا لم يكن بإذنه، فله مَنعُه منه كالنَّذرِ.

(وإن عَتق) القِن (قبل أن يأتي بما لزمه من ذلك) أي: قبل القضاء (لزمه أن يبتدئ بحجة الإسلام) لأنها آكد (فإن خالف) فبدأ بالقضاء (فحكمه كالحرِّ يبدأ بنذر أو غيره قبل حجة الإسلام) فيقع عن حجة الإسلام، ثم يقضي في القابل (فإن عتق) القِن (في الحجة الفاسدة في حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة) بأن عتق وهو واقف بعَرَفة أو بعده، وعاد فوقف في وقته ولم يكن سَعى بعد طواف القدوم (فإنَّه يمضي فيها). أي: في الحجة الفاسدة كالحر (ثم يقضيها) فورًا (ويجزئه ذلك) الحجُّ (عن حجة الإسلام والقضاء) خلافًا لابن عقيل؛ لأنَّ القضاء له حكم الأداء.

(وإن تحلل) القِنُّ (لحصر) عدو منعه الحرم (أو حلَّله سيِّدُه) لعدم إذنه له (لم يتحلل قبل الصوم) كالحُر المعسر إذا أُحصر (وليس له) أي: السيد (منعُه) أي: القن (منه) أي: الصوم، نصَّ عليه

(2)

؛ لوجوبه بأصل الشرع، فهو كرمضان.

(1)

(5/ 304).

(2)

المغني (5/ 48)، والفروع (3/ 212).

ص: 31

(وإذا فسَدَ حجُّه) أي: القِن؛ بأن وطئ فيه قبل التحلُّل الأول (صام) بدل البدنة كالحُرِّ المُعسر (وكذا إن تمتعَ أو أقرنَ

(1)

) فإنَّه يصوم بدل الهَدي عشرة أيَّام: ثلاثة في الحجِّ، وسبعة إذا رجع؛ لأنَّه لا مال له.

وحكم المدَبَّر، والمكاتب، والمعلَّق عتقه بصفة، والمبعَّض حكم القِن فيما ذكره.

(ولو باعه سيده، وهو) أي: القِن (مُحرمٌ، فمشتريه كبائعه في تحليله) إذا كان إحرامه بغير إذن بائعه (و) في (عَدَمه) أي: عدم تحليله إذا كان بإذن بائعه. والحاصل: أنَّه إن كان في إحرام يملك البائع تحليله منه، كان للمشتري تحليله، وإن كان في إحرام لا يملك البائع تحليله منه، لم يكن للمشتري تحليله.

(وله) أي: المشتري (فَسْخُ البيع إن لم يعلم) بإحرام القِن؛ لما فيه من تفويت منافعه عليه مدة الحج. (إلَّا أن يملك بائعه تحليله، فيُحللُه المشتري) إن شاء أو يبقيه، ولا خيار له؛ لأنَّه إذا كان في إحرام يملك تحليله منه كان إبقاؤه فيه كإذنه له فيه ابتداء.

(وليس للزوج مَنعُ امرأته من حجِّ فَرضٍ إذا كَمُلَتِ الشُروطُ) لأنَّه واجب بأصل الشرع، أشبه الصوم والصلاة أول الوقت (ونفقتها عليه، كقَدرِ نفقة الحَضَر) وما زاد، في

(2)

مالها (وإلا) أي: وإن لم تكمل شروط الحج للمرأة (فله) أي: لزوجها

(3)

(منعُها من الخروج إليه، و) من (الإحرام به) لتفويتها حقه فيما ليس بواجب عليها. و (لا) يملك (تحليلَها) منه (إن أحرمت به) لوجوب إتمامه بشروعها فيه.

(1)

في "ذ": "قرن".

(2)

في "ح" و"ذ": "فمن".

(3)

في "ذ": "للزوج".

ص: 32

(وليس له) أي: الزوجْ (مَنْعُها) من العُمْرة الواجبة إذا كَمُلَت شروطُها (ولا تحليلها من العمرة الواجبة) إذا أحرمت بها وإن لم تكمل شروطها؛ لوجوبها بالشروع كالحَجِّ.

(وحيث قلنا: ليس له مَنْعُها، فيُستحبُّ لها أن تستأذنه) نصَّ عليه

(1)

، خروجًا من الخلاف (وإن كان) زوجها (غائبًا، كَتَبتْ إليه) تستأذنه (فإن أذن) فلا كلام (وإلا) أي: وإنْ لم يأذن (حجَّت بمَحرَمٍ) لتؤدي ما فُرض عليها، إذ لا يَسقط الفرضُ عنْها بعدم إذنه، ولا يجوز لها السفر إلَّا بمَحْرَم، أذن أو لم يأذن، كما يأتي.

(ولا تخرجُ إلى الحجِّ في عِدَّةِ الوفاة) لوجوب إتمام العِدَّة في المسكن التي وجبت فيه، ولا يفوت الحجُّ بالتأخير (دون المبتوتة) أي: المفارقة في الحياة بائنًا فلا تُمنع من الحجِّ (ويأتي في العِدد) موضحًا. والرجعية حكمها كالزوجة فيما تقدَّم.

(ولو أحرمت بواجب فحلف) زوجُها (بالطلاق الثلاث أنها لا تحجُّ العامَ، لم يجُز أن تَحِلَّ) من إحرامها لأن الطلاق مباح، فليس لها تَرك الفريضة لأجله. ونقل ابن منصور

(2)

: هي بمنزلة المُحْصَر. ورواه

(3)

عن عطاء، واختاره ابن أبي موسى، كما لو مَنَعها عدوٌّ من الحجِّ إلا أن تدفع له

(4)

مالها. ونقل مُهنَّا

(5)

. أن أحمد سُئل عن المسألة، فقال: قال

(1)

الإرشاد ص / 164، والمغني (5/ 35).

(2)

لم نقف عليها في مسائل ابن منصور الكوسج عن أحمد، بل رواها عن إسحاق بن راهويه (5/ 2283، 2414) رقم 1567، 1716.

(3)

في "ذ": "رواه".

(4)

في "ح": "إليه".

(5)

انظر: الإرشاد ص / 164، والمغني (5/ 433).

ص: 33

عطاء: الطلاق هلاك، هي بمنزلة المُحْصَر.

(و‌

‌ليس للوالدين مَنعُ ولَدِهما من حَجِّ الفرض والنذرِ، ولا تحليله منه،

ولا يجوز للولد طاعتهما فيه) أي: في تَرْك الحجِّ الواجب أو التحلُّل. وكذا كل ما وجب، كصلاة الجماعة والجُمَع، والسفر للعِلم الواجب؛ لأنها فرض عين، فلم يُعتبر إذن الأبوين فيها، كالصلاة. قال ابن مفلح في "الآداب"

(1)

: وظاهر هذا التعليل: أن التطوع يُعتبر فيه إذن الوالدين كما نقوله في الجهاد، وهو غريبٌ! والمعروف اختصاص الجهاد بهذا الحُكم. والمراد والله أعلم: أنَّه لا يسافر لمُستحبٍّ إلَّا بإذنه، كسفر الجهاد، وأمَّا ما يفعله في الحضر كصلاة النافلة ونحو ذلك، فلا يُعتبر فيه إذنه، ولا أظنُّ أحدًا يَعتبره، ولا وجه له، والعمل على خِلافه، والله أعلم.

(ولهما) أي: الأبوين (مَنعه من) الحج (التطوُّع، ومن كل سفَرٍ مُستحبٍّ، كالجهاد) أي: كما أن لهما مَنْعه من الجهاد مع أنَّه فرض كفاية؛ لأنَّ بر الوالدين فرض عين، وهو مقدَّمٌ على المُستحبِّ، وعلى فرض الكفاية (ولكن ليس لهما تحلِيلُه) من حج التطوُّع؛ لوجوبه بالشروع فيه.

(ويلزَمُه طاعتهما في غير معصيةٍ، ولو كانا فاسقين) لعموم الأوامر ببرِّهما والإحسان إليهما، ومن ذلك طاعتهما. (وتحرُمُ طاعتُهمَا فيها) أَي: في المعصية؛ لحديث: "لا طاعة لمخْلُوق في معصِيَةِ الخَالقِ"

(2)

.

(ولو أمره والده بتأخير الصلاة؛ ليصلِّيَ به) إمامًا مع

(1)

الآداب الشرعية (1/ 489).

(2)

روى عن جماعة من الصّحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه في الجهاد، باب 40، حديث 2865، =

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وعبد الرزاق (2/ 383) حديث 3788، وأحمد (1/ 400، 405، 409)، والبزار (5/ 356) حديث 1988، والطبراني في الكبير (10/ 173) حديث 10361، والبيهقي (3/ 124) وفي دلائل النبوة (6/ 396) جميعهم من طريق القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولفظه عند البزار:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وعند عبد الرَّزاق، وإحدى روايتي أحمد:"لا طاعة لمخلوق في معصية الله". وعند الباقين: "لا طاعة لمن عصى الله".

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 123): هذا إسناد رجاله ثقات، لكن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي اختلط بآخره، ولم يتميز حديثه الأول من الآخر فاستحق الترك. قاله ابن حبان.

وأخرجه ابن أبي شيبة (12/ 543) عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا. ورجحه الدارقطني في العلل (5/ 155).

ب - علي رضي الله عنه: أخرجه أحمد (1/ 131) ولفظه: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله"، ورواه البخاري في أخبار الآحاد، باب 1، حديث 7257، ومسلم في الإمارة، حديث 1840، ولفظه:"لا طاعة في معصية الله، إنَّما الطاعة في المعروف".

جـ - أنس رضي الله عنه: أخرجه أحمد (3/ 213)، وأبو يعلى (7/ 102) حديث 4046، والضياء في المختارة (6/ 318، 319) حديث 2341، 2342، بلفظ:"لا طاعة لمن لم يطع الله عز وجل". ورواه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 133) والخطِّيب في تاريخه (10/ 22) بلفظ: "لا طاعة لمخلوق في معصيه الخالق".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 225): رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه عمرو بن زينب، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 432 مع الفيض) ورمز لحسنه.

د - عمران بن حصين رضي الله عنه: أخرجه الطَّيالسيُّ ص / 114، حديث 850، وابن أبي شيبة (12/ 545)، وأحمد (4/ 426، 427، 436، 5/ 66)، والحارث بن أبي أسامة "بغية الباحث" ص / 190، حديث 601، 602، والبزار (9/ 70) حديث 3599، والطبراني في الكبير (18/ 165، 171، 177، 185، 229) حديث 367، 385، 407، 434، 435، 437، 438، 570، 571، وفي الأوسط (2/ 209) حديث 1374، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 55) حديث 873. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 226): رواه أحمد بألفاظ، والطبراني =

ص: 35

سعة الوقت (أخَّرها) وجوبًا، لوجوب طاعته، وتقدَّم

(1)

.

(ولا يجوز له) أي: للوالد (مَنعُ ولدِه من سُنَّةٍ راتبةٍ) ونحوها من التطوعات التي لا تحتاج إلى سفر، كما تقدم

(2)

عن "الآداب".

(ولوليِّ سَفيهٍ مبذِّرٍ تحليلُه) من إحرامه (إن أحرم بنفل، وزادت نفقتُه علي نفقةِ الإقامة، ولم يكتسِبها) في سفره؛ لما فيه من الضرر عليه، فيحلل بالصوم (وإلا) أي: وإن لم تزد نفقتُه على نفقة الإقامة، أو زادت واكتسبها في سفره (فلا) يمنعه، لأنَّه لا ضرر عليه إذن (وليس له) أي: ولي السفيه المبذِّر (مَنْعُه من حَجِّ فرض، ولا تحليله منه) كصلاة الفرض وصومه (ويدفعُ نَفَقَتَه إلى ثقةٍ يُنفقُ عليه في الطَّريق) فيقوم مقام الولي في التصرف له.

(ولا يُحلَّلُ) بالبناء للمفعول (مَدينٌ) أي: لا يحلل الغريمُ مَدينه إذا أحرم؛ لوجوب إتمامه بالشروع (ويأتي في) كتاب (الحَجرِ). والعمرة -كما تقدم

(3)

- كالحجِّ.

= باختصار، وفي بعض طرقه:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، ورجال أحمد رجال الصَّحيح ا. هـ. وانظر سؤالات حمزة السهمي للدارقطني ص / 74.

هـ - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه تمام في فوائده (2/ 214) حديث 1560، والبيهقي (2/ 121) وابن عساكر في تاريخه (46/ 497) بلفظ:"لا تطيعوا المخلوق في معصية الخالق".

و - عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 423) حديث 2915، ولفظه:"لا طاعة لمن عصى الله".

وعن الحسن مرسلًا: أخرجه ابن أبي شيبة (12/ 543).

(1)

(2/ 99).

(2)

(6/ 34).

(3)

(6/ 14).

ص: 36

فصل

(الشرط الخامس) لوجوب الحجِّ والعُمرة دون إجزائهما: (الاستطاعة) لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا}

(1)

فـ"من" بدل من "النَّاس" فتقديره: ولله على المستطيع؛ ولانتفاء تكليف ما لا يُطاق شرعًا وعقلًا.

(وهي) أي: الاستطاعة (أن يملك زادًا وراحلةً لذهابه وعَودِه، أو) يملك (ما يَقْدِرُ به على تحصيل ذلك) أي: الزاد والراحلة، من نَقْدٍ أو عَرْضٍ؛ لما روى ابن عمر قال:"جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما يُوجِبُ الحجَّ؟ قال: الزادُ والراحِلَةُ" رواه التِّرمذيُّ

(2)

، وقال: العمل

(1)

سورة آل عمران، الآية:97.

(2)

في الحج، باب 4، حديث 813، وفي التفسير، باب 3، حديث 2998. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في المناسك، باب 6، حديث 2896، والشافعي في الأم (2/ 116)، وابن أبي شيبة (4/ 90)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 378) حديث 797، والطبري في تفسيره (4/ 16)، والعقيلي (3/ 332)، وابن عدي (1/ 228)، والدارقطني (2/ 217)، والبيهقي (4/ 327، 330، 5/ 58، 224) وفي شعب الإيمان (3/ 428) حديث 3974، والخطيب في الموضح (1/ 379) من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قال الترمذي: هذا حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم، أن الرجل إذا ملك زادًا وراحلة وجب عليه الحج، وإبراهيم هو ابن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وقال في الموضع الثَّاني: هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلَّا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي ا. هـ. وحسَّن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 135)، وضعَّفه العقيلي، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 125).

وقد توبع إبراهيم بن يزيد الخوزي على روايته، تابعه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 713) حديث 3860، وابن عدي (6/ 2226)، وابن مردويه، كما في تفسير ابن كثير (1/ 386)، وأعله ابن عدي، =

ص: 37

عليه عند أهل العلم.

وعن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عنِ السّبيل، فقال: الزادُ والراحلةُ"

(1)

.

وكذا رواه جابر

(2)

، وابن عمر

(3)

، وعبد الله بن عمرو

(4)

،

= فقال: وهذا معروف بإبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو من هذا الطَّريق غريب.

(1)

أخرجه الدارقطني (2/ 216)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- الحاكم (1/ 441، 442) من طريقين: من طريق سعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا. وقال في الأولى: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين. وقال في الثانية: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وضعَّفه المناوي في الفتح السماوي (1/ 383)، وانظر تحفة المحتاج (2/ 133).

وقال البيهقي (4/ 330): وروي عن سعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الزاد والراحلة، ولا أراه إلَّا وهمًا.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص / 143، رقم 133، وفي مسائله ص / 97، وسعيد بن منصور (3/ 1076) رقم 518، وابن أبي شيبة (4/ 89)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 674) رقم 910، والطبري في تفسيره (4/ 16) والبيهقيّ (4/ 327، 330)، عن الحسن، مرسلًا. قال البيهقي: هذا هو المحفوظ. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 379): والصواب: عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وأما رفعه عن أنس فهو وَهْمٌ. هكذا قال شيخنا.

(2)

أخرجه الدارقطني (2/ 215). وأخرجه -أيضًا- ابن الجوزي في التحقيق (2/ 113) من طريق عبد الملك بن زياد النصيبي، عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبي الزُّبير وعمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 380): عبد الملك بن زياد النصيبي قال فيه الأزدي: منكر الحديث، غير ثقة. ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ضعَّفه يَحْيَى بن معين. وقال مرة: ليس بثقة. ومرة: ليس حديثه بشيء. وقال البُخاري: منكر الحديث. وقال النَّسائي: متروك الحديث.

(3)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 2.

(4)

أخرجه الدارقطني (2/ 215، 218) وضعَّفه ابن دقيق العيد في الإمام، والزيلعي في نصب الراية (3/ 10).

ص: 38

وعائشة

(1)

رضي الله عنهم، رواه الدارقطني. ولأنها عبادة تتعلق بقَطْع مسافة بعيدة، فكان ذلك شرطًا لها، كالجهاد (فيعتبر الزادُ مع قربِ المسافةِ وبُعدِها إن احتاجَ إليه). لأنَّه لابُدَّ منه، فإن لم يحتج إليه لم يُعتبر. قال في "الفنون"

(2)

: الحج بدني محضٌ، ولا يجوز أن يُدَّعى أن المال شرط في وجوبه

(3)

؛ لأنَّ الشرط لا يحصُل المشروط دونه، وهو المصحِّح للمشروط، ومعلوم أن المكي يلزمه، ولا مال له (فإن وَجَده) أي: الزاد (في المنازل، لم يلزمه حَمله) من بلده؛ عملًا بالعادة (إن وَجَده) أي: الزاد (يُباع بثمنِ مثله في الغلاء والرُّخص، أو بزيادة يسيرة) كماء الوضوء (وإلا) بأن لم يجده بالمنازل، أو وجده بزيادة كثيرة على ثمن مثله (لَزِمه حَملُه) معه من بلده.

(والزادُ: ما يحتاج إليه من مأكولٍ ومشروب وكِسْوةٍ) وظاهر كلامه: لا يُعتبر أن يكون صالحًا لمثله. قال في "الإنصاف": وهو صحيح. قال في "الفروع": ويتوجَّه احتمال أنَّه كالراحلة. انتهى.

(1)

أخرجه الدارقطني (2/ 217). وأخرجه -أيضًا- العقيلي (3/ 332) والبيهقي (4/ 330). وضعفه العقيلي، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 19).

وقال البيهقي في السنن الكبرى: وروي فيه أحاديث أخر لا يصح شيء منها، وحديث إبراهيم بن يزيد أشهرها.

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 258): ليس فيها إسناد يحتج به، والصواب فيها حديث الحسن مرسلًا.

وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 221): رواه الدارقطني من حديث جابر، ومن حديث علي بن أبي طالب، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث عائشة، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وطرقها كلها ضعيفة، قال أبو بكر بن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندًا، والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة.

(2)

انظر الفنون (1/ 191).

(3)

"أي: علي الإطلاق بدليل التعليل". ش.

ص: 39

وجزم به في "الوجيز" فقال: ووجد زادًا وراحلة صالحين لمثله. قال في "الفروع": والمراد بالزاد: أن لا يحصُل معه ضرر لرداءته.

(و‌

‌ينبغى أن يُكثر من الزاد والنفقة عند إمكانه

؛ لِيؤثرَ محتاجًا ورفيقًا، وأن تَطيبَ نفسُه بما يُنفِقُه) لأنَّه أعظم في أجره، قال تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}

(1)

.

(ويُستحبُّ أن لا يُشارك غيره في الزَّادِ وأمثاله) لأنَّه ربما أفضى إلي النزاع، أو أكل أكثرَ من رفيقه، وقد لا يرضى به (واجتماع الرِّفاق كل يوم على طعام أحدهم على المناوبة أليق بالورع من المشاركة) في الزاد.

(ويُشترط أيضًا: القُدرة على وعاء الزاد) لأنَّه لابدَّ منه.

(وتُعتبر الراحلة مع بُعدِ المسافةِ فقط، ولو قدر على المشي) لعموم ما سبق (وهو) أي: بُعد المسافة (ما تُقصر فيه الصَّلاة) أي: مسيرة يومين معتدلين، و (لا) تُعتبر الراحلة (فيما دونها) أي: دون المسافة التي تُقصر فيها الصَّلاة (من مكِّي وغيره) بينه وبين مكّة دون المسافة (ويَلزَمُه المشي) للقُدرة على المشي فيها غالبًا، ولأن مشقتها يسيرة، ولا يخشى فيها عَطَبٌ على تقدير الانقطاع بها، بخلاف البعيدة، ولهذا خَصَّ الله تعالى المكانَ البعيد بالذِّكر في قوله:{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}

(2)

(إلا مع عَجزٍ لِكِبَرٍ ونحوه) كمرض، فتُعتبر الراحلة، حتَّى فيما دون المسافة؛ للحاجة إليها إذن (ولا يَلزمُه الحَبو) أي: السير إلى الحج حَبوًا و (إن أمكَنه) لمزيد مشقته.

(1)

سورة سبأ، الآية:39.

(2)

سورة الحج، الآية:27.

ص: 40

(و) يُعتبر (ما يَحتاج إليه من آلتِها) أي: آلة الراحلة، حيث اعتبرت، إذ لابُدَّ للراحلة من آلة، فتُعتبر القُدْرة عليهما (بِكِرَاءٍ أو شراء) حال كون ذلك (صالحًا لمثله عادة؛ لاختلاف أحوالِ النَّاس) في ذلك.

(فإن كان ممن يكفيه الرَّحْلُ والقَتَبُ، ولا يخشى السُّقوطَ) بركوبه كذلك (اكتفى بذلك) أي: بالرَّحل والقَتَب عن المحمل (فإن

(1)

كان ممن لم تجرِ عادتُه بذلك، أو يخشى السُّقوطَ عنها) أي: عن الراحلة إن اكتفى بالرَّحْل والقَتَب (اعتُبر وجود مَحْمَل) صالح له (وما أشبَهَه، مما لا يُخشى سقوطُه عنه، ولا مشقة فيه) عليه؛ دفعًا للحرج والمشقَّة؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

(2)

(وينبغي أن يكون المركوبُ جيِّدًا) لئلا يتضرَّر به بعد ذلك.

(وإن لم يَقْدِرْ على خِدمة نفسه والقيام بأمرِه، اعتُبر من يَخدمُه) قاله الموفق. قال في "الفروع": وظاهره: لو أمكنه لَزِمه؛ عملًا بظاهر النصِّ. وكلام غيره يقتضي أنه كالراحلة؛ لعدم الفرق. وكذا

(3)

دابته، إن كانت ملكه إذا لم يقدر على خدمتها والقيام بأمرِها، اعتُبرَ من يخدمها (لأنه من سبيله) فاعتُبرت قدرته عليه.

(فإن تكلَّفَ الحجَّ من لا يلزَمُه) وحجَّ، أجزأه؛ لأن خَلْقًا من الصحابة حجُّوا ولا شيء لهم، ولم يؤمر أحدٌ منهم بالإعادة؛ ولأن الاستطاعة إنما شُرعت للوصول، فإذا وَصَل وفَعَل، أجزأه كالمريض

(1)

في "ح": "وإن".

(2)

سورة الحج، الآية:78.

(3)

في "ذ": "قال في الفروع: وكذا".

ص: 41

(و) من لم يستطع و (أمكنه ذلك من غير ضَرَرٍ يلحق بغيره، مثل من يكتسبُ بصناعة) في سفره (كالخَرازِ، أو معاونةِ

(1)

من يُنفق عليه، أو يكتري لزاده) وله قوة على المشي (ولا يَسأل الناسَ، استُحِبَّ له الحجُّ) خروجًا من الخلاف (ولم يَجب عليه) لأنه ليس بمستطيع؛ لما تقدَّم

(2)

من أن الاستطاعة ملك الزاد والراحلة.

(ويُكره) الحج (لمن حِرفتُه المسألةُ، قال) الإمام (أحمدُ فيمن يدخل الباديةَ بلا زادٍ ولا راحلة: لا أحبُّ له ذلك؛ يتوكل على أزواد الناس)

(3)

.

قلت: فإن توكَّل على الله، وحَسُنَ ذلك منه، ولم يَسأل الناسَ، فلا كراهة.

(ويُعتبر كونه) أي: ما تقدم من الزاد والراحلة وآلتهما، أو ما يقدِرُ به على تحصيل ذلك (فاضلًا عما يحتاج إليه؛ من كتبٍ) لأنها في معنى المسكن ونحوه (ومسكنٍ للسُّكنى) لأنه من حاجته الأصلية؛ لأن المفلس يقدم به على غرمائه، فههنا أولى (أو) مسكن (يَحتاج إلى أُجرته؛ لنفقته أو نفقة عياله) لتأكد حقِّهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"كفى بالمرْءِ إثمًا أنْ يضيِّعَ مَنْ يَعُولُ" رواه أبو داود

(4)

.

(أو) أي: ويُعتبر أن يكون ذلك فاضلًا -أيضًا- عن (بضاعة يَختلُّ رِبحُها المحتاجُ إليه) لو صرف فيه شيئًا منها؛ لما فيه من الضرر عليه.

(و) يُعتبر -أيضًا- أن يكون فاضلًا عن (خادمٍ) لأنه من الحوائج

(1)

في "ذ": "مقارنة".

(2)

(6/ 37).

(3)

كتاب الحث على التجارة للخلال ص / 140 - 141، رقم (92، 93).

(4)

تقدم تخريجه (5/ 183) تعليق رقم (5).

ص: 42

الأصلية؛ بدليل أن المفلس يقدم به على غرمائه.

(و) يُعتبر -أيضًا- أن يكون فاضلًا عن (قضاء دينه، حالًّا كان) الدَّين (أو مؤجلًا، لله أو لآدمي) لأن ذِمَّته مشغولة به، وهو محتاج إلى براءتها.

(و) يُعتبر -أيضًا- أن يكون فاضلًا عمَّا (لابُدَّ

(1)

منه) كمؤنته ومؤنة عياله الذين تلزمه مؤنتهم؛ لأن ذلك مقدم على الدَّين؛ فلأن يُقدَّم على الحجِّ بطريق الأولى (لكن إن فَضَلَ منه عن حاجته، وأمكن بيعه وشراء

(2)

ما يكفيه) بأن كان المسكنُ واسعًا، أو الخادم نفيسًا فوق ما يصلح له، وأمكن بيعه وشراء قَدْر الكفاية منه (ويَفْضُلُ ما يحجُّ به، لَزِمه) ذلك، وكذا إذا استغنى بإحدى نسختي كتاب، باع الأخرى.

(ويُقدِّمُ النكاحَ -مع عَدَمِ الوُسع) للنكاح والحجِّ- (من خاف العَنَت، نصًّا

(3)

) وقوله: (ومن احتاج إليه) أي: ويُقدِّم النكاح مع عدم الوُسع من احتاج إليه، لم أره لغيره، بل قال في "المستوعب": وإن كان لا يخاف العَنَت، فلا اعتبار بهذه الحاجة قولًا واحدًا. انتهى. لأنه لا تعارض بين واجب ومسنون.

(ويُعتبر) في الاستطاعة (أن يكون له إذا رَجَعَ) من حجّه (ما يقومُ بكفايته وكِفايةِ عياله على الدَّوام) لتضرُّره بذلك كالمفلس (ولم يُعتبر ما بعد رُجُوعه عليها) يعتي: ولم يُعتبر على رواية ما يكفيه بعد رجوعه

(4)

، فيعتبر إذن أن يكون له ما يقوم بكفايته وكفاية عياله إلى أن

(1)

في "ذ": "لا بدله".

(2)

في "ذ": "وشراؤه".

(3)

مسائل أبي داود ص / 106، ومسائل ابن هانئ (1/ 143) رقم 708.

(4)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 274 - 275).

ص: 43

يعود، جزم به في "الكافي "و"الروضة"، وقدَّمه في "الرعاية". قال في "المبدع": فيتوجه أن المفلس مثله وأَولى (من أجور عَقار، أو ربح بضاعة، أو) من (صناعة، ونحوها) كثمار، وعطاء من ديوان.

(ولا يَصيرُ العاجزُ) عن ذلك (مستطيعًا ببذْلِ غيره له مالًا، أو مركوبًا، ولو) كان الباذل (ولدًا أو والدًا) لما فيه من المِنَّة، كبذل الرقبة في الكفَّارة.

(فمن كَمُلت له هذه الشروطُ) الخمسة (وجب عليه الحج على الفَوْر، نصًّا

(1)

) لحديث ابن عباس: "تعجَّلُوا إلى الحجِّ" يعني: الفريضة. وحديث الفضل: "من أراد الحجِّ فليَتعَجَّلْ" رواهما أحمد

(2)

. وليس التعليق عن

(3)

الإرادة هنا للتخيير بين الفعل والترك؛ لانعقاد الإجماعِ

(4)

على خلاف، بل كقوله:"من أراد الجُمعة فليغتسل"، و"من أراد الصلاة فليتوضَّأ". وقوله تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}

(5)

ولأن الحجِّ والعُمرة فَرْض العُمر، فأشبها الإيمان. وتقدم أول الباب جملة مما يتعلَّق بذلك.

"تتمة": قال ابن بُختان

(6)

: سألت أبا عبد الله عن الرجل يغزو قبل الحجِّ؟ قال: نعم، إلا أنه بعد الحجِّ أجود. وسُئل -أيضًا عن رَجلٍ قدم، يريد الغزو ولم يحج، فنزل عليه قوم فثبَّطوه عن الغزو،

(1)

انظر الإرشاد إلى سبيل الرشاد لابن أبي موسى ص / 181، والأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى ص 262، وكتاب التمام (1/ 306 - 307)، وانظر ما تقدم (6/ 16) تعليق رقم (3).

(2)

(1/ 214، 314، 323، 335) وتقدم تخريجهما (6/ 17) تعليق رقم (1).

(3)

في "ح" و"ذ": "على".

(4)

أي: الإجماع على وجوب الحج. نقله ابن المنذر ص / 54، وابن حزم في مراتب الإجماع ص / 75، والنووي في المجموع (7/ 9).

(5)

سورة التكوير، الآية:28.

(6)

الاختيارات الفقهية ص / 447.

ص: 44

وقالوا: إنك لم تحج، تريد أن تغزو؟! قال أبو عبد الله: يغزو ولا عليه، فإن أعانه الله حجَّ، ولا نرى بالغزو قبل الحجِّ بأسًا

(1)

.

قال أبو العباس: هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده، لكن تأخيره لمصلحة الجهاد كتأخير الزكاة الواجبة على الفور؛ لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو لضرر أهل الزكاة، وتأخير الفوائت للانتقال عن مكان الشيطان، وهذا أجود ما

(2)

ذكره بعض أصحابنا في تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحجَّ، إن كان وجب عليه متقدمًا، وكلام أحمد يقتضي جواز الغزو، وإن لم يبقَ معه مال للحجِّ، فإنه قال: فإن أعانه الله حجَّ، مع أن عنده تقديم الحجِّ أَولى، كما ذكره أولًا، قاله في "الاختيارات"

(3)

في الجهاد.

(فإن عجز عن السعي إليه) أي: إلى الحجِّ والعُمْرة (لِكبَرٍ، أو زَمانَةٍ، أو مرض لا يُرْجى بُرؤه) كالسِلِّ (أو ثِقَلٍ لا يَقْدِرُ معه يركبُ إلا بمشقَّة شديدة، أو كان نِضْوَ الخِلْقة -وهو المهزولُ- لا يقدِرُ على الثبوتِ على الراحلة إلا بمشقَّة غير مُحتملةٍ، ويُسمَّى) العاجز عن السعي لزَمَانة ونحوها ممن تقدَّم ذكرهم (المعْضوب) من العَضْب، بالعين المهملة والضاد المعجمة، وهو: القطع، كأنه قُطع عن كمال الحركة والتصرُّف. ويقال: بالصاد المهملة، كأنه ضُرب على عصبه، فانقطعت أعضاؤه، قاله ابن جَماعة في "مناسكه"

(4)

(أو أيِسَتِ المرأة من مَحْرَمٍ، لَزِمه) أي: من ذُكر (إن وَجَدْ نائبًا أن يقيم من بلده، أو من الموضع الذي أيس فيه) إن كان غير بلده (من يحجُّ عنه، ويعتمرُ) على

(1)

مسائل ابن هانئ (2/ 96) رقم 1590.

(2)

في "ذ": "مما".

(3)

ص / 448.

(4)

هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك (1/ 350).

ص: 45

الفَوْر؛ لحديث ابن عباس: "أن امرأةً من خَثْعَم قالت: يا رسول الله، إنَّ أبي أدركَتهُ فريضَةُ الله في الحجِّ شيخًا كبيرًا لا يَسْتَطيعُ أن يسْتَوي على الراحِلَة، أفأحُجُّ عنه؟ قال: حجِّي عنه". متفق عليه

(1)

. ولأنه عبادة تجب الكفَّارة بإفسادها، فجاز أن يقوم غيره فيه، كالصوم. وسواء وجب عليه حال العجز أو قبله (ولو) كان النائب (امرأةً عن رَجُل، ولا كراهة) في نيابة المرأة عن الرَّجُل؛ للخبر السابق، وكعكسه

(2)

(وقد أجزأ) حجُّ النائب (عنه) أي: عن المَعْضوب (وإن عُوفي قبل فراغه) أي: النائب (أو بعده) لأنه أتى بما أُمر به، فخرج من العُهدة، كما لو لم يَبرأ، وكالمتمتع إذا شرع في الصوم، ثم قدر على الهَدي.

(وإن عُوفي) المعضوبُ (قبل إحرام النائب، لم يجزئه) أي: المَعْضوب حجُّ النائب عنه اتفاقًا

(3)

؛ للقدرة على المُبدل قبل الشروع في البدل، كالمتيمم يجد الماء (كما لو استناب من يُرجى زوال عِلَّته) أي: مرضه ونحوه كالمحبوس.

(ولو كان) المعضوب (قادرًا على نفقة راجل) دون راكب (لم يلزمه الحجُّ) أي: استنابة من يحج عنه، حيث بعدت المسافة؛ لأنه ليس بمستطيع لما تقدم

(4)

.

(1)

البخاري في الحج، باب 1، حديث 1513، وفي جزاء الصيد، باب 23، 24، حديث 1854، 1855، وفي المغازي، باب 77، حديث 4399، وفي الاستئذان، باب 2، حديث 6228، ومسلم في الحج، حديث 1334.

(2)

في "ح": "وعكسه".

(3)

بدائع الصنائع (2/ 213)، ومنح الجليل (1/ 449)، والمجموع (7/ 75)، والمغني (5/ 21).

(4)

(6/ 41).

ص: 46

(وإن كان) المعضوب (قادرًا) على نفقة راكب (ولم يجد) المعضوب (نائبًا) في الحج عنه (ابتنى بقاؤه في ذِمَّته على إمكان المسير، على ما يأتي) فإن قلنا: هو شرط للزوم الأداء، بقي في ذِمَّته حتى يجد نائبًا، وإن قلنا: شرط للوجوب -وهو المذهب- لم يثبت في ذِمَّته، فإذا وجد النائب بعد، لم تلزمه الاستنابة إلا أن يكون مستطيعًا إذ ذاك.

(ومن أمكنه السعيُ إليه) أي: إلى الحج والعمرة (لَزِمَه) السعي إليه؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكالسعي إلى الجمعة (إذا كان في وقت المسير) أي: مسير أهل بلده إلى الحج على العادة، فلو أمكنه أن يسير سيرًا مجاوزًا للعادة، لم يلزمه (ووجد طريقًا آمنًا) لأن في اللزوم بدونه ضررًا، وهو منتفٍ شرعًا، وسواء كان بعيدًا أو قريبًا (ولو غيرَ الطريقِ المُعتاد، بحيث يُمكن سلوكُه حسب ما جرت به العادة، برًّا كان) الطريق (أو بحرًا، الغالب فيه) أي: البحر (السلامة) لحديث عبد الله بن عمرو، "لا يرْكَبُ البحرَ إلا حَاجٌّ، أو معتمِرٌ، أو غازٍ في سَبيلِ الله" رواه أبو داود

(1)

، وفيه مقال. ولأنه يجوز سلوكه بأموال

(1)

في الجهاد، باب 9، حديث 2489. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (3/ 104)، وسعيد بن منصور (2/ 162) حديث 2393، والبيهقي (4/ 334، 6/ 18).

ضعَّفه البخاري. وقال الخطابي في معالم السنن (2/ 238): ضعَّفوا إسناد هذا الحديث. وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 239): هو حديث ضعيف، مظلم الإسناد، لا يصححه أهل العلم بالحديث؛ لأن رواته مجهولون لا يُعرفون. وقال المنذري في مختصر السنن (3/ 359): في هذا الحديث اضطراب. وذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 221) وقال: قال أبو داود: رواته مجهولون.

وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه الفاكهي في أخبار مكة =

ص: 47

اليتامى، أشبه البَرَّ.

(وإن غَلَب الهلاكُ، لم يَلزَمْه سُلوكُه) ذكره المجد إجماعًا في البحر

(1)

.

(وإنْ سَلِمَ فيه قومٌ وهَلَك قومٌ، ولا غَالب) منهما بل استويا (لم يَلزَمْه سُلوكُه. قال الشيخُ

(2)

. أعان على نفسِه، فلا يكون شهيدًا. وقال القاضي: يَلزمُه) سلوكه.

(و‌

‌يُشترط أن لا يكون في الطريق خفارة)

بتثليث الخاء، جُعْلُ الخفير، يقال: خَفرتُ الرجل: حميته وأجرته من طالبيه، فأنا خفير، قاله في "حاشيته"(فإن كانت) الخفارة (يسيرةً، لَزِمه، قاله الموفق والمجد) لأنه ضرر يسير فاحتمل (وزاد) المجد (إذا أمِنَ) باذل الخفارة (الغَدْرَ من المَبذول له) قال في "الإنصاف": (ولعلَّه مرادُ من أطلق) بل يتعين (قال حفيدُه) أي: حفيد المجد وهو الشيخ تقي الدين

(3)

: (الخفارةُ تجوزُ عند الحاجةِ إليها في الدّفْعِ عن المُخَفَّرِ، ولا تجوز مع عدمها) أي: عدم الحاجة إليها، كما يأخذه السلطان من الرعايا. وقال الجمهور: لا يلزمه الحجُّ مع الخفارة، وإن كانت يسيرة، ذكره في

= (1/ 415) حديث 896، 897، والبزار "كشف الأستار"(2/ 265) حديث 1668، وابن حبان في المجروحين (2/ 234). وذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 221) وقال: وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.

ومن حديث أبي بكرة رضي الله عنه أخرجه الحارث بن أبي أسامة، "بغية الباحث" ص / 123 حديث 356. قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (3/ 157): رواه الحارث بن أبي أسامة، عن الخليل بن زكريا، وهو ضعيف.

(1)

انظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص / 75.

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 171.

(3)

الاختيارات الفقهية ص / 171.

ص: 48

"المبدع"، وهو ظاهر "المنتهى"؛ لأنها رشوة، فلم يلزم بذلها في العبادة.

(ويُشترط أن يوجد فيه) أي: الطريق (الماءُ والعلفُ، على المعتاد) بأن يجده في المناهل

(1)

التي ينزلها (فلا يَلزَمه حَمْلُ ذلك لكلِّ سفره) لأنه يؤدِّي إلى مشقَّة عظيمة، بل يتعذَّر، بخلاف زاد نفسه، فإنه يمكنه حَمْله، فعلى هذا يجب حَمْلُ الماء من مَنْهل إلى مَنْهل، والكلأ من موضع إلي موضع (فسَعَةُ الوقت؛ وهو إمكانُ المسير، بأن تكمُل الشرائطُ فيه، وفي الوقت سَعَة) بحيث (يتمكَّن من المسير لأدائه) أي: الحج، أي: بحيث يمكنه تحصيل كل ما يحتاج إليه، ولا تفوته الرفقة (وأمن الطريق، بأن لا يكون فيه) أي: الطريق (مانعٌ من خَوْف ولا غيرِه، من شرائط الوجوب) أي: وجوب الحجِّ (كقائد الأعمى، ودليل البصير الذي يَجهلُ الطريق) فمن عدم ذلك غير مستطيع؛ لتعذُّر فِعْل الحجِّ معه، كعدم الزاد والراحلة.

(ويَلزمه) أي: الأعمى والجاهل بالطريق (أجرةُ مِثْلِه) أي: القائد والدليل؛ لأنه مما تَمَّ

(2)

به الواجب (ولو تبرَّعَ) القائد والدليل (لم يَلزمه) أي: الأعمى والجاهل (للمنَّة. وعنه

(3)

) -أي: عن الإمام- أنَّ سعة الوقت، وأمن الطريق، وقائد الأعمى، ودليل الجاهل (من شرائط لُزُومِ الأداء، اختاره الأكثر) لأنه صلى الله عليه وسلم فسَّر السبيلَ بالزاد والراحلة

(4)

؛ ولأن إمكان الأداء ليس شرطًا في وجوب العبادة، بدليل ما لو زال

(1)

المنهل: المشرب، والموضع الذي فيه المشرب، والمنزل يكون بالمفازة على الماء.

انظر: القاموس ص / 1066، مادة (نهل). وتهذيب اللغة (4/ 3678).

(2)

في "ذ": "يتم".

(3)

انظر: المغني (5/ 7)، والفروع (3/ 233).

(4)

تقدم تخريجه (6/ 38) تعليق رقم (1).

ص: 49

المانعُ ولم يبقَ من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه، وكما تقدم في الزكاة

(1)

؛ ولأنه يتعذر الأداء دون القضاء، كالمرض المرجو برؤه، وعدم الزاد والراحلة يتعذَّر معه الجميع، (فـ) ـعلى هذا (يأثم إن لم يَعزم على الفِعل) أي: الحج إذا اتسع الوقت، وأمنت الطريق، ووجد القائد أو الدليل

(2)

(كما نقول في طَريان الحيضِ) بعد دخول الوقت، فإنَّ الحائض تأثم إن لم تعزم على القضاء إذا زال (فالعزمُ في العبادات مع العجزِ) عنها (يقومُ مقامَ الأداءِ في عَدَم الإثم) حال العجز؛ لحديث:"إذا أمرتكُم بأمرٍ، فائتُوا منه ما استَطعتُم"

(3)

. (فإن مات

(4)

) من وَجَد الزاد والراحلة (قبل وجود هذين الشرطين) أي: سعة الوقت وأمن الطريق (أُخرج عنه من مالِه لمن ينوب عنه على) القول (الثاني) لموته بعد وجوبه عليه (دون) القول (الأول) لعدم وجوبه عليه (ويأتي) ذلك.

(ومن وَجَب عليه الحجُّ) لاجتماع الشروط السابقة (فَتُوفِّي قبلَه، فرَّط) في الحج بأن أخَّره لغير عُذر (أو لم يُفرِّط) كالتأخير لمرض يُرجى برؤه، أو لحبس، أو أسر ونحوه (أُخرج عنه من جميع ماله حَجَّةٌ وعُمرةٌ، ولو لم يُوص به) لحديث اين عباس: "أنَّ امرأةً قالت: يا رسولَ الله، إنَّ أمِّي نذرَتْ أن تَحُجَّ قلم تحجَّ حتى ماتَتْ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: نعم، حجِّي عنها، أرَأيتِ لو كان على أمِّكِ دَينٌ، أكنْتِ قَاضِيَته؟ اقضُوا الله؛ فالله أحقُّ بالوَفَاءِ" رواه البخاري

(5)

. ولأنه حقٌّ استقرَّ

(1)

(4/ 314).

(2)

في "ذ": "والدليل".

(3)

تقدم تخريجه (1/ 234)، تعليق رقم (2).

(4)

في "ح": "فلو مات".

(5)

في جزاء الصيد، باب 22، حديث 1852، وفي الاعتصام، باب 12، حديث 7315.

ص: 50

عليه، فلم يسقط بموته، ولهذا كان من جميع ماله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شبَّهه بالدين، فوجب مساواته له، ولا فَرق بين الواجب بأصل الشرع، أو إيجابه على نفسه.

(ويكون) الإحجاج عنه (من حيث وجب عليه) لا من حيث موته؛ لأن القضاء يكون بصفة الأداء (ويجوز) أن يُستناب عنه (من أقرب وطنيه) لتخير المنوب عنه لو كان حيًّا (و) يجوز (من خارج بلده دون مسافة القصر) لأن ما دونها في حكم الحاضر، و (لا) يجوز أن يُستناب عنه. مما (فوقها) أي: فوق مسافة القصر؛ لما تقدم (ولا يجزئه) حجُّ من استنيب عنه مما فوق المسافة؛ لعدم إتيانه بالواجب.

(ويَسقطُ) الحج عن الميت (بحجِّ أجنبي عنه، ولو بلا إذن) وليِّه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم شَبَّهه بالدين، بخلاف من حج عن حي بلا إذنه، كدفع زكاة مال غيره بغير إذنه (وإن

(1)

مات هو) أي: من وجب عليه الحج واستقر في ذمته (أو) مات (نائبه في الطريق، حُج عنه من حيث مات) هو أو نائبه (فيما بقي، مسافةً وقولًا وفعلًا) لفعله قبل موته بعض ما وجب عليه، وهو السعي إلى ذلك الموضع الذي مات فيه، فلا يلزم أن يُحج عنه من وطنه؛ لأن المنوب عنه لم يكن عليه أن يرجع إلى وطنه، ثم يعود إلى الحج. (وإن صُدَّ) من وجب عليه الحجُّ أو نائبه (فُعل) عنه (ما بقي) مسافةً وقولًا وفعلًا، لما تقدم.

(وإن وصَّى بحجِّ نَفلٍ، وأطلق) بأن لم يُعيِّن محل الاستنابة (جاز) أن يُحجَّ عنه (من الميقات) أي: ميقات بلد الموصي، نص عليه

(2)

(ما لم تَمنع منه قرينةٌ) بأن يوصي أن يُحجَّ بقَدْر يكفي للنفقة من

(1)

في "ذ": "ولو".

(2)

انظر: الفروع (3/ 251).

ص: 51

بلده، فيتعين منها كالواجب، فإن لم يَفِ ثلثه بالحج من محل وصيته، حج به من حيث بلغ، أو يُعان به في الحج، نص عليه

(1)

(فإن ضاق ماله عن ذلك) أي: عن الحج من بلده، بأن لم يخلف مالًا يفي به (أو كان عليه دَين، أخذ للحج بحصته، وحُجَّ به من حيث يبلغ، نصًّا

(2)

) لما تقدم من تشبيهه بالدين.

فصل

(ويُشترط لوجوب الحج على المرأة -شابةً كانت أو عجوزًا، مساقةَ قَصرٍ ودونها- وجودُ مَحرَم) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "لا تسافِر امرأةٌ إلا مع ذي مَحرم، ولا يُدخَل عليهَا إلا ومعَها مَحرَمٌ، فقال رَجُل: يا رسولَ الله، إنِّي أرِيد أن أخرُجَ في جيش كذَا وكذَا، وامرَأتِي تُريدُ الحجَّ. فقال: اخرج معهَا" رواه أحمد

(3)

بإسناد صحيح.

وعن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يحِلُّ لامرأةٍ تؤمِنُ بالله واليوم الآخرِ أن تسافِرَ مَسِيرةَ يومٍ وليلةٍ ليس معهَا مَحْرَمٌ" رواه البخاري

(4)

. ولمسلم: "ذُو مَحرَمٍ منهَا"

(5)

وله أيضًا: "ثلاثًا"

(6)

وهذا مخصص لظاهر الآية. ولأنها أنشأت سفرًا في دار الإسلام، فلم يجز بغير مَحْرم كحج التطوُّع والزيارة والتجارة.

(1)

مسائل أبي داود ص / 106.

(2)

مسائل أبي داود ص / 106.

(3)

(1/ 222، 346) بنحوه. وقد أخرجه البخاري في جزاء الصيد، باب 26، حديث 1862، وفي الجهاد والسير، باب 140، حديث 3006، ومسلم في الحج، حديث 1341.

(4)

في تقصير الصلاة، باب 4، حديث 1088، وفيه. "حُرْمَة" بدل "محرم".

(5)

في الحج، حديث 419 - (1339).

(6)

في الحج، حديث 422 - (1339).

ص: 52

(وكذا يُعتبر) المَحْرم (لكلِّ سفر يُحتاج فيه إلى مَحْرم) أي: لكل ما يُعدُّ سفرًا عُرفًا. و (لا) يُعتبر المَحْرَم إذا خرجت (في أطراف البلد مع عدم الخوف) عليها؛ لأنه ليس بسفر.

(وهو) أي: المَحرَم (معتبرٌ لمن لعورتها حُكمٌ، وهي بنت سبع سنين فأكثر) لأنها محل الشهوة، بخلاف من دونها (قال الشيخ

(1)

: وإماء المرأة يسافِرنَ معها) تبعًا لها (ولا يفتقرن إلى مَحرَم؛ لأنه لا مَحرَم لهنَّ في العادة الغالبة. انتهى. ويتوجه في عتقائها من الإماء مثله على ما قاله) أي: الشيخ تقي الدين: من أنه لا مَحرَم لهن في العادة. ويحتمل عكسه لانقطاع التبعية، ويملكن أنفسهن بالعتق (قال في "الفروع": وظاهر كلامهم) أي: الأصحاب (اعتبارُ المَحرَم للكلِّ) أي: الأحرار وإمائهن وعتقائهن؛ لعموم الأخبار (وعدمُه) أي: المَحرم للمذكورات (كعدم المَحرَم للحُرَّة) الأصل، فلا يباح لها السفر بغيره مطلقًا.

"تنبيه": ظاهر كلام المصنف وغيره: أن الخُنثى كالرجُل، قاله في "الإنصاف".

(والمَحرَم) هنا (زوجها) سمي محرمًا مع كونها تحلُّ له لحصول المقصود من صيانتها وحفظها، مع إباحة الخلوة بها بسفره معها (أو من تَحرم عليه على التأبيد بنسبٍ) كالأب، والابن، والأخ، والعم، والخال (أو سبب مباح) كزوج أمها، وابن زوجها، وأبيه، وأخيها من رضاع؛ لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليومِ الآخرِ أن تسافِر سفرًا يكون ثلاثَة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها، أو

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 171.

ص: 53

ابنُها، أو زوْجُهَا، أو ذو مَحرَمٍ منها". رواه مسلم

(1)

(لحرمتها، لكن يُستثنى من سببٍ مباح نساءُ النبي صلى الله عليه وسلم) فإنهن مُحرَّمات على غيره على الأبد، ولسنا مَحارم لهن؛ إلا من بينه وبينهن نسب، أو رضاع مُحَرِّمٌ، أو مصاهرة، كذلك. وحكمهن وإن كان انقطع بموتهن، لكن قصد بيان خصوصيتهن وفضيلتهن.

(وخرج به) أي: بقوله: "مباح"(أمُّ الموطوءة بشُبهةٍ أو زنًى، وبنتها) أي: بنت الموطوءة بشُبهة أو زنًى، فليس الواطئ مَحرَمًا لهن؛ لعدم إباحة السبب.

(وخرج بقوله "لحرمتها" المُلاعنةُ، فإن تحريمها عليه) أي: الملاعن (عقوبة وتغليظ، لا لحرمتها) فلا يكون المُلاعن مَحرَمًا لها.

(إذا كان ذَكَرًا) فأمُّ المرأة وبنتها ليست مَحرَمًا لها (بالغًا عاقلًا مسلمًا) فمن دون البلوغ والمجنون والكافر ليس مَحرَمًا؛ لأن غير المكلف لا يحصل به المقصود من الحفظ، والكافر لا يؤمن عليها، كالحضانة، وكالمجوسي؛ لاعتقاده حِلها. ولا تُعتبر الحُرية، فلهذا قال:(ولو عبدًا) وهو أبوها، أو أخوها من نسب أو رضاع، أو ولد زوجها، أو أبوه، ونحوه.

(ونفقتُه) أي: المَحْرَم إذا سافر معها (عليها) لأنه من سبيلها (ولو كان مَحْرَمُها زوجَها) فيجب لها عليه بقَدرِ نفقة الحضر كما تقدم؛ وما زاد فعليها (فيُعتبر أن تملك زادًا وراحلة لهما) أي: لها ولمَحْرَمها، صالحين لمثلهما (ولو بذلت النفقة) لمَحرمها (لم يلزمه السفر معها) للمشقة، كحجِّه عن مريضةٍ، وما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم -في خبر ابن

(1)

في الحج، حديث 1340.

ص: 54

عباس

(1)

- الزوجَ بأن يسافر مع زوجته، أُجيب عنه: بأنه أمْرٌ بعد حَظْرٍ، أو أمر تخيير، وعَلِمَ صلى الله عليه وسلم من حاله أنه يعجبه أن يسافر معها (وكانت) من امتنع مَحرَمها من السفر معها (كمَن لا مَحرَم لها) على ما يأتي بيانه.

(وليس العبدُ مَحْرمًا لسيدته، نصًّا

(2)

) من حيث كونها مالكة له؛ لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سفَر المرأةِ مَع عبدهَا ضيعةٌ"

(3)

. ولأنه غير مأمون عليها، ولا تحرم عليه أبدًا (ولو جاز له النظرُ إليها) لأنه للحرج والمشقة.

(فلو

(4)

حجَّت) المرأة (بغير مَحرم، حَرُم) عليها ذلك (وأجزأ) ها الحج وفاقًا

(5)

، كمن حَجَّ وقد ترك حقًّا يلزمه من دين وغيره، وكذا العُمرة.

(ويصحُّ) الحجُّ (من مغصوب، و) من (أجير خدمة بأجرة أو لا، ومن تاجر) وقاصد رؤية البلاد النائية أو النزهة، ونحوه (-ويأتي- ولا

(1)

تقدم تخريجه (6/ 52) تعليق رقم (3).

(2)

انظر مسائل ابن هانيء (1/ 139) رقم 685، و (2/ 150) رقم 1842، والمغني (5/ 33)، وأحكام النساء لابن الجوزي ص / 180.

(3)

أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 4) حديث 1076، والطبراني في الأوسط (7/ 333) حديث 6635. وقال أبو حاتم في العلل لابنه (2/ 298): حديث منكر، ويرويه ضعيف الحديث. وقال الدارقطني، كما في أطراف الأفراد والغرائب (3/ 441): تفرد به إسماعيل بن عياش، عن بزيع، عن نافع. وضعَّفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 448). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 214): رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه: بزيع بن عبد الرحمن، ضعَّفه أبو حاتم، وبقية رجاله ثقات. وقال الحافظ في الفتح (4/ 77): في إسناده ضعف، وقد احتج به أحمد وغيره.

(4)

في "ذ": "ولو".

(5)

انظر المبسوط (4/ 110)، ومواهب الجليل (2/ 522)، والأم (2/ 117).

ص: 55

إثم) عليه، قال تعالى:{لَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}

(1)

(والثواب بحسب الإخلاص) في العمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى"

(2)

.

(وأن مات المَحرَم قبل خروجها) للسفر (لم تخرج) بلا مَحرَم؛ لما تقدَّم

(3)

من النهي عن السفر بلا مَحرَم (و) إن مات (بعده) أي: بعد خروجها (فإن كان) مات (قريبًا، رجعت) لأنها في حكم الحاضرة (وإن كان) مات (بعيدًا، مضت) في سفرها للحج؛ لأنها لا تستفيد بالرجوع شيئًا؛ لكونها بغير مَحرَم (ولو مع إمكان إقامتها ببلد) لأنها تحتاج إلى الرجوع (ولم تَصِر مُحصَرة) لأنها لا تستفيد بالتحلل زوال ما بها كالمريض (لكن إن كان حجُّها تطوعًا، وأمكنها الإقامة ببلد، فهو أولى) من السفر بغير محرَم (وإن كان المَحرَمُ الميت زوجَها، فيأتي له تتمة في العِدَد) مفصلًا.

(ومن عليه حَجَّةُ الإسلام، أو) عليه حَجَّة (قضاءٍ، أو نَذْرٍ، لم يصحَّ، ولم يَجز أن يحجَّ عن غيره) لحديث ابن عباس: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمعَ رَجُلًا يقولُ: لبيكَ عن شُبرُمَةَ. فقال. حجَجْتَ عن نفَسِك؟ قال: لا، قال: حُجَّ عن نَفسِك، ثم حجَّ عن شُبرمةَ"

(4)

. احتجَّ به أحمد في

(1)

سورة البقرة، الآية:198.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(3)

(6/ 52).

(4)

أخرجه أبو داود في المناسك، باب 26، حديث 1811، وابن ماجه في المناسك، باب 9، حديث 2903، وابن الجارود (2/ 113) حديث 499، وأبو يعلى (4/ 329) حديث 2440، وابن خزيمة (4/ 345) حديث 3039، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 375) حديث 2547، وابن حبان "الإحسان"(9/ 299) حديث 3988، والطبراني في الكبير (12/ 42) حديث 12419، والدارقطني =

ص: 56

رواية صالح

(1)

، وإسناده جيد، وصحَّحه البيهقيُّ. ولأنه حج عن غيره قبل حَجِّه عن نفسه؛ فلم يَجُزْ كما لو كان صبيًّا (ولا نَذرُه ولا نافلته) أي: لا يجوز أن يُحرِم بنَذرٍ ولا نافلة من عليه حَجَّة الإسلام (فإن فَعَل) بأن حج عن غيره وعليه حجة الإسلام، أو أحرم بنذر أو نافلة إذن (انصرف إلى حجة الإسلام) في الصور كلها؛ لما روى الدارقطني بإسناد ضعيف:"هذه عنك، وحُجَّ عن شُبرمَةَ"

(2)

. وقوله أولًا: "حُجَّ

= (2/ 270)، وابن جميع في معجمه ص / 95، والبيهقي (4/ 336، 5/ 179)، وابن عبد البر في الاستذكار (12/ 68)، والضياء في المختارة (10/ 245 - 248) حديث 260 - 262، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 383) حديث (2549)، والطبراني في الصغير (1/ 226)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 66)، والدارقطني (2/ 269)، والبيهقي (4/ 337) عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

وقال البيهقي (4/ 336): هذا إسناد صحيح ليس في الباب أصح منه.

وأخرجه -أيضًا- الشافعي في الأم (2/ 123)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 389)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 178، والدارقطني (2/ 271)، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا.

ورجَّح الموقوف جماعة من العلماء، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 223): وأما الطحاوي فقال: الصحيح أنه موقوف، وقال أحمد بن حنبل: رفعه خطأ، وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه. وضعّفه ابن حزم في المحلى (7/ 193).

ورجَّح المرفوع جماعة من العلماء، قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 327): علله بعضهم بأنه روي موقوفًا، والذي أسنده ثقة فلا يضره، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 452): فأصحاب سعيد بن أبي عروبة يختلفون، فقوم منهم يجعلونه مرفوعًا، وقوم يقفونه

والرافعون ثقات، فلا يضرهم وقف الواقفين له

إلخ.

وانظر: نصب الراية (3/ 155)، والتلخيص الحبير (2/ 223).

(1)

مسائل صالح (2/ 139) رقم 706.

(2)

سنن الدارقطني (2/ 269). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الصغير (1/ 226)، =

ص: 57

عن نفسك" أي: استدمه، كقولك للمؤمن: آمن، ولأن نية التعيين ملغاة، فيصير كما لو أحرم مطلقًا. وقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعَل هذه عَن نَفسِكَ" رواه ابن ماجه

(1)

. أجاب القاضي عنه: بأنه أراد التلبية؛ لقوله: "هذه عنك" ولم يَجُزْ فسخ حجٍّ إلى حجٍّ (ورَدَّ) النائب (ما أخذ) من غيره ليحج عنه؛ لعدم إجزاء حجَّه عنه، ووقوعه عن نفسه.

(و‌

‌العُمرةُ كالحجِّ في ذلك)

فمن عليه عُمرة الإسلام، أو قضاء، أو نَذْر، لم يَجُزْ ولم يصح أن يعتمر عن غيره، ولا نَذْره ولا نافلته.

(ومن أتى بواجب أحدهما) بأن أتى بحجَّة الإسلام أو عمرته (فله فِعْلُ نَذْره ونَفْله) أي: ما أتى بواجبه (قبل الآخرِ) فمن حجَّ حجَّة الإسلام، له أن يحج نَذْرًا ونفلًا قبل أن يعتمر. ومن اعتمر عُمرة الإسلام، فله أن يعتمر نذرًا ونفلًا قبل أن يحجَّ.

(وحكم النائبِ كالمَنُوب عنه) في ذلك

؛ لأنه فَرْعه (فلو أحرمَ بنذَرٍ أو نَفْل عمَّن عليه حَجَّة الإسلام، وَقَع) إحرامه (عنها) وكذا لو كان عليه حَجَّة قضاء، أو حَجة نذر، وأحرم بنفل.

(ولو استناب عنه) المَعضوب (أو) استناب وارث (عن ميت واحدًا في فرضه، وآخر في نَذره في سنة) واحدة (جاز) وزعم ابن عقيل أنه أفضل من التأخير؛ لوجوبه على الفَور (ويُحرِم بحَجَّة الإسلام قبل

= والبيهقي (4/ 337)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 116) حديث 1203، وقال: فيه الحسن بن ذكوان، قال أحمد: أحاديثه أباطيل. وقال يحيى: ضعيف. وصوب البيهقي، وابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 386) رواية من رواه عن عطاء بن أبي رباح مرسلًا. ورواية عطاء المرسلة: أخرجها الشافعي في الأم (2/ 114، 123) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 388)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 178، والبيهقي (4/ 336).

(1)

في المناسك، باب 9، حديث 2903. وقد تقدم تخريجه (6/ 56) تعليق رقم (4).

ص: 58

الأخرى، وأيهما أحرم أولًا، فعن حَجَّة الإسلام، ثم) إحرام (الآخر عن نَذره، ولو لم ينوه) أي: ينوِ الثاني أنها عن النذر، لعدم اعتبار التعيين في الحَجِّ؛ لانعقاده مبهمًا، ثم يُعين.

(ويَصحُّ أنْ ينوب الرَّجُل عن المرأة، و) أن تنوب (المرأةُ عن الرجل في الحج والعمرة) بلا كراهة؛ لما تقدم

(1)

(وأن ينوب في الحج من أسقطه عن نفسه) بأن حج (مع بقاء العُمرة في ذِمَّته، وأن ينوب في العُمرة من أسقطها عن نفسه مع بقاء الحج في ذِمَّته) لأنهما عبادتان متغايرتان.

(و‌

‌لا يصحُّ أن ينوبَ في نُسُك من لم يكن أسقطه عن نفسه)

كالصبي والعبد؛ لأنه لم يحجَّ عن نفسه حَجَّة الإسلام، ولم يعتمر كذلك.

(وتصحُّ الاستنابة في حج التطوع وفي بعضه لقادر) على الحج (وغيره) كالصدقة، ولأنها حَجَّة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها، كالمعضوب.

(ومن أوقع) نُسُكًا (فرضًا أو نفلًا عن حيٍّ بلا إذنه، أو) أوقع نسكًا (لم يؤمر به، كأمْرِه بحج فيعتمر، وعكسه) بأن يؤمر بالاعتمار فيحج (لم يجز) عن الحي (كزكاة) أي: كإخراج زكاة حيِّ بلا إذنه

(2)

(ويَردُّ) المأمور المخالف فيما تقدم (ما أخذه) من الآمر؛ لعدم فِعله ما أخذ العوض لأجله.

(ويقع) الحجُّ والعُمرة (عن الميت، ولا إذن له) ولا لوارثه

(1)

(6/ 46).

(2)

في "ذ" زيادة: "فيقع عنه".

ص: 59

(كالصدقة) عنه، ولما تقدم

(1)

من تشبيهه صلى الله عليه وسلم له بالدين.

(ويتعين النائب بتعيين وصيٍّ جُعِل إليه التعيينُ) لقيامه مقام الموصي (فإن أبى) الوصيُّ التعيين (عَيَّنَ غيرُه) كوارث أو حاكم. وكذا لو أبى موصى إليه بحجٍّ عن غيره؛ لسقوط حقِّه بإبائه.

(و‌

‌يكفي النائب أن ينوي النُّسُكَ عن المستنيبِ)

له (ولا تُعتبر تسميته لفظًا، نصًّا

(2)

، وإن جَهِل) النائب (اسمَه أو نسيَه، لبَّى عمَّن سَلَّمَ إليه المال ليحج به عنه) لحصول التمييز بذلك.

(ويُستحبُ أن يَحجَّ عن أبويه إن كانا ميتين، أو عاجزين، زاد بعضهم: إن لم يَحجَّا، ويقدِّمُ أمَّه، لأنها أحقُّ بالبِر، ويقدِّمُ واجبَ أبيه على نَفلها) لإبرائه

(3)

ذِمته. نصَّ عليهما

(4)

.

وعن زيد بن أرقم مرفوعًا: "إذا حجَّ الرجلُ عنه وعن والدَيه يقبلُ منه

(5)

وعنهمَا، واستبشَرَت أرواحُهُمَا في السمَاءِ، وكُتبَ عند الله برًّا" رواه الدارقطني

(6)

. وفي إسناده أبو أمية الطرسوسي؛ وأبو

(1)

(6/ 50).

(2)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 689) رقم 928، ومسائل أبي داود ص / 135.

(3)

في "ذ": "لإبراء".

(4)

طبقات الحنابلة (1/ 421)، والفروع (3/ 271)، وانظر مسائل ابن هانئ (1/ 175) رقم 889.

(5)

في "ذ": "عنه".

(6)

(2/ 259 - 260) ونقطه: "إذا حج الرجلُ عن والديه تُقُبِّل عنه ومنهما

".

وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (5/ 200) حديث 15083 مختصرًا، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 387) حديث 821، والذهبي في سير أعلام النبلاء (9/ 318). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 282): رواه الطبراني في الكبير، وفيه راو لم يُسَمَّ. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 329 مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 60

سعد

(1)

البقال: ضعيفان.

وعن جابر مرفوعًا: "من حجَّ عنْ أبيهِ أو أمِّه فقد قَضَى عنه حجتهُ، وكان لهُ فضلُ عشرِ حِجَجٍ" ضعيف. رواه الدراقطني

(2)

.

"تتمة":‌

‌ النائب أمينٌ فيما أُعطيه ليحجَّ منه،

فيركب وينفق منه بالمعروف، ويضمن ما زاد على ذلك ويردُّ ما فضل. وتُحسب له نفقةُ رجوعه، ولو طالت إقامته بمكة، ما لم يتخذها دارًا، فإن اتخذها دارًا ولو ساعة، فلا نَقَقة لرجوعه. وله -أيضًا- نفقةُ خادمه إن لم يخدم نفسه مثله، ويرجع بما استدانه لعذرٍ، وبما أنفق على نفسه بنيَّة رجوع

(3)

، وما لزمه بمخالفته، فمنه. ولو مات أو أحصر أو مَرِض أو ضلَّ الطريق، لم يلزمه الضمان لما أنفق، نصًّا

(4)

، ودم الإحصار على المستنيب.

وإن أفسد حجَّه، فعليه القضاء، ويرد ما أخذه؛ لأن الحجَّ لم يقع عن المستنيب. وكذا إن فاته الحجُّ بتفريطه، وإلا احتُسِبَ له بالنفقة. وإن مرض في الطريق فعاد، فله نفقةُ رجوعه؛ لأنه لابدَّ له منه، ولا تفريط، بخلاف ما لو خاف المرض؛ لأنه متوَهّم.

(1)

في "ذ": "أبو سعيد" وهو خطأ، واسمه سعيد بن المَرْزبان انظر: تهذيب الكمال (11/ 52).

(2)

(2/ 260). وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 278): قال أبي: وهذا عندي حديث باطل. وقال المناوي في فيض القدير (6/ 116): "وفيه عثمان بن عبد الرحمن، ضعَّفوه، وقال الغرياني في مختصر الدارقطني: فيه محمد بن عمرو البصري الأنصاري كان يحيى بن سعيد يضعفه جدًّا، وقال ابن نمير: لا يساوي شيئًا".

(3)

في "ح" و"ذ": "رجوعه".

(4)

المغني (5/ 24).

ص: 61

ودم المتعة والقِران على المستنيب، إن أذن فيهما، وإلا فعلى النائب كجنايته. وإذا أمره بحجٍّ فتمتَّع، أو اعتمر لنفسه من الميقات، ثم حج، فإن خرج أبي الميقات فأحرم منه بالحج، جاز، ولا شيء عليه، نصًّا

(1)

.

وإن أحرم بالحج من مكة، فعليه دَمٌ، لتَرك ميقاته، ويَردُّ من النفقة بقَدر ما تَرَك من إحرام الحج، فيما بين الميقات ومكة. وقال القاضي: لا يقع فِعله عن الآمر، ويَردُّ جميع النفقة.

وإن أُمر بالإفراد، فَقَرن، لم يضمن شيئًا، ويَردُّ من النفقة بقَدْرِ العُمرة، إن أمره بها ولم يفعل.

وإن أمره بالتمتع فَقَرَن، وقع عن الآمر، ولا يَردُّ شيئًا من النفقة في ظاهر كلام أحمد

(2)

. وقال القاضي: يَردُّ نصف النفقة. وإن أفرد، وقع عن المستنيب أيضًا، ويَردُّ نصف النفقة.

وإن أمره بالقِران فأفرد أو تمتَّع، صحَّ، ووقعا عن الآمر، ويَردُّ من النفقة بقَدر ما تَرَك من إحرام النُّسك الذي تَرَكه من الميقات. وفي جميع ذلك إذا أمره بالنسكين، فَفَعل أحدهما دون الآخر، ردٌّ من النفقة بقَدْرِ ما ترَك، ووقع المفعول عن الآمر. وللنائب عن النفقة، بقَدره، قاله في "الشرح" ملخصًا.

(1)

مسائل عبد الله (2/ 755) رقم 1015، وانظر مسائل ابن هانئ (1/ 175 - 176) رقم 891 - 892، والمغني (5/ 27).

(2)

انظر: المغني (5/ 28).

ص: 62

فصل

(ومن أراد الحجَّ فليبادر) فعلى كل خير مانع (وليجتهد في الخروج من المظالم) بردِّها لأربابها، وكذلك الودائع والعواري والديون، ويَستحلّ من له عليه ظلامة، ويستمهل من لا يستطيع الخروج من عُهدته.

(ويجتهد في رفيق صالحٍ) يكون عونًا له على نَصَبه وأداء نُسكه، يهديه إذا ضلَّ، ويذكِّره إذا نسي (وإن تيسر أن يكون) الرفيق (عالمًا، فليستمسِك بغَرزِه) -بفتح الغين المعجمة وسكون الراء- أي: رِكابه، ليكون سببًا في بلوغه رشده.

(ويصلي ركعتين، يدعو بعدهما بدعاء الاستخارة) قبل العزم على الفعل، كما تقدم في الاستخارة في صلاة التطوُّع

(1)

(ويَستخير: هل يَحجُّ العامَ أو غيره -إن كان الحجُّ نفلًا -أو لا يَحجُّ؟).

وأما الفَرْض فواجب فورًا (ويصلي في منزله ركعتين، ثم يقول: اللهم هذا دِيني وأهلي ومالي وولدي وديعةٌ عندك اللهم أنت الصاحبُ في السفر، والخليفة في الأهلِ والمالِ والولدِ) قاله ابن الزاغوني وغيره (وقال الشيخ

(2)

: يدعو قبل السلام أفضل) منه بعد السلام.

(ويخرجُ يومَ خميس. قال ابن الزاغوني وغيره: أو) يوم (اثنين، ويبكِّر) في خروجه.

(ويقول إذا نَزَل منزلًا) ما وَرد، ومنه: "أعوذ بكلمات الله

(1)

(3/ 107).

(2)

انظر: الاختيارات الفقهية ص / 87 - 88.

ص: 63

التامَّات من شر ما خلق"

(1)

(أو دخل بلدًا ما ورد) ومنه: "اللهمَّ رب هذه السمواتِ السبعِ وما أظلَلنَ، وربَّ الأرضينَ وما أقلَلنَ، وربَّ الشياطين وما أضلَلْنَ، وربَّ الرياح وما ذَرَينَ، أسألك خيرَ هذه القريةِ، وخيرَ أهلِها، وخيرَ ما فيها، وأعوذُ بك من شرِّها، وشرِّ أهلها، وشرِّ ما فيها"

(2)

. ويقول -أيضًا- إذا ركب ونحوه ما ورَدَ، وتقدم بعضه في صلاة التطوُّعِ

(3)

، وذكرت منه جملة في كتابي "نصيحة الناسك ببيان أحكام المناسك".

(1)

أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، حديث 2708 (54) عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها.

(2)

أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 256) حديث 8826، 8827، وفي عمل اليوم والليلة، ص / 367، حديث 543، 544، وبحشل في تاريخ واسط ص / 190، والبزار (6/ 23) حديث 2093، وابن خزيمة (4/ 150) حديث 2565، والطحاوي في شرح شكل الآثار (5/ 32، 6/ 354) حديث 1778، 2528، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 18)، والشاشي في مسنده (2/ 395) حديث 997، وابن حبان "الإحسان"(6/ 425) حديث 2709، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص / 512، والطبراني في الكبير (8/ 33) حديث 7299، وفي الدعاء (2/ 1190) حديث 838، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص / 472، حديث 524، والحاكم (1/ 446، 2/ 100)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 46)، والبيهقي (5/ 252)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 187)، والضياء في المختارة (8/ 71 - 72) حديث (67 - 70) عن صهيب رضي الله عنه. قال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال أبو نعيم: هذا حديث ثابت. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 135): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير عطاء بن أبي مروان وأبيه، وكلاهما ثقة. وحسَّن إسناده الحافظ، كما في الفتوحات الربانية (4/ 154).

(3)

(3/ 93).

ص: 64

‌باب المواقيت

(وهي) جَمْعُ ميقات، وهو لغةً: الحدُّ. وشرعًا: (مواضعُ وأزمنةٌ معينةٌ، لعبادة مخصوصة).

وقد بدأ بالمواضع، فقال:(وميقاتُ أهلِ المدينة) المنوَّرة (ذو الحُلَيفة) -بضم الحاء وفتح اللام- وهي أبعد المواقيت (وبينها وبين مكة عشرُ مراحل، وبينها وبين المدينة ستَّة أميال) أو سبعة، وتُعرف الآن بأبيار علي.

(و) ميقات (أهلِ الشَّام، و) أهل (مصر، و) أهل (المغرب الجُحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة (وهي قريةٌ كبيرةٌ) جامعة على طريق المدينة، وكان اسمها مَهْيَعَة، فجَحَف السيلُ بأهلها، فسميت الجُحفة. وهي (خَرِبة، بقرب رابغ الذي يُحرِم منه الناس) الآن (على يسار الذاهب إلى مكَّة، ومن أحرم من رابغ، فقد أحرمَ قبل محاذاة الجُحفة بيسير) وتلي ذا الحُلَيفة في البعد (بينها وبين مكَّة ثلاثُ مراحل. وقيل: أكثر) وهي على ستة أميال عن البحر، ثماني مراحل من المدينة (والثلاثة الباقية) من المواقيت (بين كلٍّ منها وبين مكة مرحلتان) فهي متساوية أو متقاربة.

(و) ميقات (أهل اليمن) وهو كلُّ ما كان على يمين الكعبة من بلاد الغور، والنسبة إليه: يمني، على القياس، ويمان، على غير القياس (يَلَمْلَم، ويقال: ألملم، لغتان، وهو جبل) معروف.

(و) ميقات (أهل نجد اليمن، و) أهل (نجد الحجاز) قال صاحب "المطالع": وهو ما بين جُرَش إلى سواد الكوفة، وكلها من

ص: 65

عمل اليمامة، وقال ابن خطيب الدهشة

(1)

: وأوله من ناحية الحجاز ذات عِرق، وآخره سواد العراق (و) أهل (الطائف: قَرْنٌ، وهو جبل) بسكون الراء، ويقال له: قَرن المنازل، وقرن الثعالب.

(و) ميقاتُ (أهل المشرق والعراق وخُراسان: ذاتُ عِرق، وهي قرية خَرِبة قديمة، من علاماتها المقابرُ القديمة، وعِرق: هو الجبل المشرف على العقيق) وفي "المبدع" و"شرح المنتهى": ذاتُ عِرق: منزل معروف سُمِّي به؛ لأن فيه عِرقًا، وهو الجبل الصغير. وقيل: العِرق: الأرض السبخة تُنبت الطَرْفاء.

(وهذه المواقيت كلها ثبتت بالنصِّ) لحديث ابن عباس قال: "وقَّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينَةِ ذَا الحُلَيفَةِ، ولأهلِ الشام الجُحفَةَ، ولأهلِ نَجدٍ قَرنَ المنازل، ولأهلِ اليمنِ يلَملَم، هنَّ لهُنَّ، ولمن أتى عليهن من غيرِ أهلِهنَّ، لمن

(2)

يريدُ الحجَّ والعمرةَ، ومن كان دونهُنَّ فمُهَلُّهُ من أهلهِ، وكذلكَ أهلُ مكةَ يُهلُّونَ منهَا"

(3)

. وعن ابن عُمرَ نحوه

(4)

.

(1)

هو: محمود بن أحمد بن محمَّد الهمداني الشافعي الفيومي الأصل، الحموي، أبو الثناء، المعروف بابن خطيب الدهشة، والدهشة بستان معروف في مدينة حماة على نهر العاصي، فيه جامع كان والد المترجَم خطيبًا فيه. قاض عالم بالحديث وغريبه. من كتبه: تحفة ذوي الأرب في مشكل الأسماء والنسب، وتهذيب المطالع لترغيب المطالع، واليواقيت المضية في المواقيت الشرعية، توفي سنة (834) هـ رحمه الله تعالى. انظر:"الضوء اللامع"(10/ 12)، الأعلام (7/ 162).

(2)

في "ذ": "ممن" وكلا اللفظين جاء في الحديث.

(3)

أخرجه البخاري في الحج، باب 7، 9، 11، 12، حديث 1524، 1526، 1529، 1530، وفي جزاء الصيد، باب 18، حديث 1845، ومسلم في الحج، حديث 1181.

(4)

أخرجه البخاري في العلم باب 52، حديث 133، وفي الحج، باب 8، 10، =

ص: 66

وعن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّتَ لأهلِ العراقِ ذاتَ عِرقٍ" رواه أبو داود والنسائي

(1)

.

= حديث 1525، 1527، 1528، وفي الاعتصام، باب 16، حديث 7344، ومسلم في الحج، حديث 1182.

(1)

أبو داود في المناسك، باب 9، حديث 1739، والنسائي في مناسك الحج، باب 19، 22، حديث 2651، 2654، وفي الكبرى (2/ 328، 329) حديث 3633، 3636. وأخرجه -أيضًا- الحربي في غريب الحديث (3/ 1009)، والطحاوي (2/ 118)، وابن عدي (1/ 408)، والدارقطني (2/ 236)، والبيهقي (5/ 28)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 142) كلهم من طريق المعافى بن عمران، عن أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة رضي الله عنها. وقال ابن عدي: وأنكر أحمد على أفلح في هذا الحديث قوله: ولأهل العراق ذات عِرق، ولم ينكر الباقي من إسناده ومتنه شيئًا. وصحح إسناده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 350) وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 229): تفرد به المعافى بن عمران عن أفلح عنه، [أي عن القاسم] والمعافي ثقة. وانظر: فتح الباري (3/ 389 - 390).

وله شواهد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: رواه أحمد (2/ 181)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد:(3/ 216): فيه الحجاج بن أرطاة، وفيه كلام، وقد وثق.

ب - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، رواه مسلم في الحج، حديث 1183، والشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 290)، وأحمد (3/ 333)، وابن خزيمة (4/ 159)، حديث 2592، والطحاوي (2/ 118)، والبيهقي (5/ 27) كلهم من طريق ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسأل عن المهل، فقال: سمعت -أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم

الحديث. وهذا مشكوك في رفعه، لكن رواه أحمد، (2/ 181)، وأبو يعلى (4/ 156) حديث 2222، والطحاوي (2/ 119)، والبيهقي (5/ 28) من طريق الحجاج، عن عطاء، وأبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، مرفوعًا دون شك، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 216): رواه أحمد، وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام، وقد وثق.

قلنا: قد تابعه ابن لهيعة، عن أبي الزبير رواه أحمد (3/ 336)، والبيهقي (5/ 27). وابن لهيعة فيه ضعف لكن يصلح في المتابعة. =

ص: 67

وعن جابر نحوه مرفوعًا، رواه مسلم

(1)

. وما في البخاري عن ابن عُمر قال: "لما فُتح هذَانِ المِصرَانِ أتَوا عُمر بنَ الخطابِ، فحَدَّ لهم ذَاتَ عِرْقٍ"

(2)

فالظاهر أنه خفي

(3)

النصُّ فوافقه برأيه، فإنه موفَّقٌ للصواب. وما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم

= وتابعه -أيضًا- إبراهيم بن يزيد رواه ابن ماجه في المناسك، باب 13، حديث 2915، وضعف إسناده البوصيري في مفتاح الزجاجة (2/ 130) لأجل إبراهيم.

ج - الحارث بن عمرو الهيثمي رضي الله عنه: رواه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 438) معلقًا، ورواه أبو داود في المناسك، باب 9، حديث 1742 موصولًا، وذكره البيهقي في معرفة السنن والآثار، (7/ 96) بصيغة التمريض، وقال: وفي إسناده من هو غير معروف.

د - عطاء -مرسلًا- رواه الشافعي في الأم (2/ 117) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 290)، وابن أبي شيبة (4/ 296)، والبيهقي (5/ 27)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 93) قال البيهقي في السنن (5/ 28): هذا هو الصحيح عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقد رواه الحجاج بن أرطاة -وضعفه ظاهر- عن عطاء وغيره، فوصله. انتهى.

وقد اختلفت أقوال أهل العلم في تصحيح هذا الحديث، وتضعيفه:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4/ 160): قد روي في ذات عرق أنه ميقات أهل العراق أخبار غير ابن جريج لا يثبت عند أهل الحديث شيء منها.

وقال ابن المنذر كما في الفتح (3/ 390): لم نجد في ذات عرق حديثًا ثابتًا.

ومال الحافظ ابن حجر إلى تصحيحه، حيث قال في الفتح (3/ 390) بعد ذكره حديث جابر رضي الله عنه المشكوك في رفعه: قد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة، وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير، فلم يشكَّا في رفعه. ووقع في حديث عائشة، وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي وكلاهما عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وهذا يدل على أن للحديث أصلًا. وتعقب قول ابن خزيمة، وابن المنذر بقوله: لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا.

(1)

في الحج، حديث 1183، وتقدم تخريجه والكلام عليه في التعليق السابق.

(2)

في الحج، باب 13، حديث 1531.

(3)

في "ذ" زيادة: "عليه".

ص: 68

وقَّتَ لأهلِ المشرقِ العقيقَ"

(1)

وهو وادٍ قبلَ ذاتِ عِرقٍ بمرحلةٍ أو مرحلتينِ، يلي الشَّرْق

(2)

. تفرّد به يزيد بن أبي زياد، وهو شيعي مُختلف فيه، وقال ابن معين، وأبو زرعة: لا يُحتجُّ به

(3)

. قال ابن عبد البرّ: ذات عِرق ميقاتهم بإجماع

(4)

.

(والأفضلُ: أن يُحرِمَ من أول الميقات، وهو الطَّرف الأبعدُ عن مكة) احتياطًا (وإن أحرم) من الميقات (من الطرف الأقرب من مكَةَ، جاز) لإحرامه من الميقات.

(وهي) أي: المواقيت السابقة (لأهلها) الذين تقدَّم ذِكرهم (ولمن مَرَّ عليها من غير أهلِها، ممن يريد حجًّا أو عُمرة، فإن مَرَّ الشامي، أو المدني أو غيرهما) كالمصري (على غير ميقات بلده)

(1)

أحمد (1/ 344)، والترمذي في الحج، باب 17، حديث 832. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في المناسك، باب 9، حديث 1740، وابن أبي شيبة (4/ 296) وابن عدي (3/ 888)، والبيهقي (5/ 28)، وابن عبد البر في التمهيد (15/ 143) من طريق يزيد بن أبي زياد، عن محمَّد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وحسنه الترمذي، وضعَّفه مسلم في التمييز ص / 215 قال: يزيد هو ممن قد اتقى حديثه الناس والاحتجاج بخبره إذا تفرد

ومحمد بن علي لا يعلم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه، أو رآه. وضعّفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 267). وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 559): وأخاف أن يكون منقطعًا. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 284): في إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، وذكر البيهقي أنه تفرد به. وقال الحافظ في الدراية (2/ 6): إسناده مقارب. وقال في الفتح (3/ 390): تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.

(2)

في "ح": "المشرق".

(3)

تاريخ ابن معين برواية الدوري (4/ 60)، والجرح والتعديل (9/ 265) رقم 1114.

(4)

التمهيد (15/ 143).

ص: 69

كالشامي يمرُّ بذي الحُلَيفة (فإنه يُحرِمُ من الميقات الذي مَرَّ عليه؛ لأنه صار ميقاته.

ومن منزله دون الميقات، أي: بين الميقات ومكَّة) كأهل خُلَيْص وعُسفان (فميقاتُه من موضعه) لخبر ابن عباس

(1)

(فإن كان له منزلان، جاز أن يُحرم من أقربهما إلى مكة، والأولى) أن يُحرِم (من البعيد) في مكة، كما تقدم في طرفي الميقات.

(وأهلُ مكَّة ومن بها) أي: بمكة (من غيرهم، سواء كانوا في مكة أو في الحرم) كمنى ومزدلفة (إذا أرادوا العُمرة فمن الحِلِّ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "أمرَ عبد الرحمن بن أبي بكر أن يُعمرَ عائشة منَ التَّنعيم". متفق عليه

(2)

.

ولأن أفعال العُمرة كلها في الحَرَم، فلم يكن بدٌّ من الحِل؛ ليجمع في إحرامه بين الحِلِّ والحَرَم، بخلاف الحج؛ فإنه يخرج إلى عَرَفة فيحصُل الجمع، ومن أي الحِلِّ أحرم جاز (ومن التنعيم أفضل) للخبر السابق.

(وهو) أي: التنعيم (أدناه) أي: أقرب الحِل إلى مكة. وقال أحمد

(3)

: كلما تباعد فهو أعظم للأجر. وفي "التلخيص" و"المستوعب": الجِعْرانة؛ لاعتِمَارهِ صلى الله عليه وسلم منها

(4)

(ويأتي آخر صفة الحج) عند الكلام على صِفة العُمرة.

(فإنْ أحرموا) أي: أهل مكة، وحَرَمِها (من مكَّة، أو من الحَرَم،

(1)

تقدم تخريجه (6/ 66) تعليق رقم (3).

(2)

البخاري في الحج، باب 3، 31، 33، حديث 1518، 1556، 1560، وفي العمرة، باب 5، 6، 7، حديث 1783، 1785، 1786، ومسلم في الحج، حديث 1211، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 145) رقم 715.

(4)

تقدم تخريجه (6/ 11) تعليق رقم (7).

ص: 70

انعقد) إحرامهم بالعُمْرة؛ لأهليتهم له، ومخالفة الميقات لا تمنع الانعقاد، كمن أحرم بعد الميقات (وفيه دم) لمخالفة الميقات، كمن جاوز الميقات بلا إحرام (ثم إن خَرَج إلى الحِلِّ قبل إتمامها) أي: العُمْرة (ولو بعد الطواف، أجزأته عُمْرته) عن عُمْرة الإسلام؛ لأن الإحرام من المَحلِّ المشروع له ليس شرطًا لصحة النُّسُك.

(وكذا) تجزئه العُمرة (إن لم يخرج) إلى الحِلِّ؛ لما سبق (قدَّمه في "المغني". قال الشيخ

(1)

والزركشي: هو المشهور؛ إذ فوات الإحرام من الميقات لا يقتضي البطلان) لأن الإحرام من الميقات ليس شرطًا.

(فإن أحرم) من مكَّة أو الحرم (قارنًا، فلا دَمَ عليه؛ لأجل إحرامه بالعُمْرة من مكَّة؛ تغليبًا للحجِّ) على العُمرة؛ لاندراجها فيه، وسقوط أفعالها (وإن أرادوا) أي: الذين بمكَّة، أو الحرم (الحجَّ) فإنهم يُحرمون (من مكَّة، مكيًّا كان) الحاج (أو غيره، إذا كان فيها) أي: مكة (من حيث شاء منها) لقول جابر: "أمرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لما حَللْنَا أن نُحْرِمَ مِنَ الأبْطَحِ" رواه مسلم

(2)

(ونصه) في رواية حرب

(3)

: (من المسجد، وفي "الإيضاح" و"المبهج": من تحت الميزاب) ويُسمَّى الحطيم.

(ويجوز) إحرامه (من سائر الحَرَم) لما تقدم (و) يجوز إحرامه (من الحلِّ، كالعُمرة) وكما لو خرج إلى الميقات الشرعي. ومنع

(1)

كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 334 - 335).

(2)

في الحج، حديث 1214.

(3)

مسائل حرب لم تطبع. وفي مسائل صالح (3/ 79) رقم 1384: قلت: رجل دخل بعمرة، فلما حلَّ أراد أن ينشيء الحج، من أين ينشئ؟ قال: من المسجد، أو من أي مكان أحب. وانظر مسائل أبي داود ص / 123.

ص: 71

القاضي وأصحابه وجوب إحرامه من مكَّة والحرم (ولا دَمَ عليه) لعدم الدليل على وجوبه.

(ومن لم يكن طريقه على ميقات) من المواقيت السابقة، كعَيْدان

(1)

، فإنها في طُرق العرب (أو عَرَّج عن الميقات) بأن مشى في طريق لا تمرُّ عليه (فإذا حاذى أقربَ المواقيت إليه) أي: إلى طريقه (أحرَمَ) لقول عُمر: "انْظُروا حَذْوها عِن قُدَيْدٍ

(2)

". رواه البخاري

(3)

. ولأنه يُعرف بالاجتهاد والتقدير، فإذا اشتبه، دخله الاجتهاد، كالقِبلة (ويُستحبُّ الاحتياطُ مع جَهْلِ المُحاذاةِ) إذ الإحرام قبل الميقات جائز، وتأخيره عنه حرام (فإن تساويا) أي: الميقاتان (في القُرْب إليه) أي: إلى طريقه (فـ) ـإنه يُحْرِم (من) حذو (أبعدهما عن مكة) من طريقه. فإن أحرم ثم عَلِمَ بعدُ أنه قد جاوز ما يُحاذي الميقات غير مُحْرِم، فعليه دَم، قاله في "الشرح".

(ومن لم يحاذِ ميقاتًا، أحرم عن مكة بقَدْرِ مرحلتين) قاله في "الرعاية". قال في "المبدع": وهو متَّجه إن تعذَّر معرفة المحاذاة. ومعناه في "الفروع".

(1)

عَيْدَان: بفتح أوله، وبالدال المهملة، على وزن فَعْلان: اسم موضع بنجد. كما في معجم ما استعجم (3/ 984)، ومعجم البلدان (4/ 171).

(2)

"قديد": كذا في الأصول، وفي صحيح البخاري:"من طريقكم". وقُدَيْد -مصغرًا- موضع بين مكة والمدينة. انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 22).

(3)

في الحج، باب 13، حديث 1531، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق".

ص: 72

فصل

(ولا يجوز لمن أراد دخولَ مكَّةَ، أو) دخول (الحَرَم، أو) أراد (نُسُكًا تجاوزُ الميقات بغير إحرام) لأنه صلى الله عليه وسلم وقَّت المواقيت، ولم يُنقل عنه ولا عن أحدٍ من أصحابه أنهم تجاوزوها بغير إحرام.

وعن ابن عباس مرفوعًا: "لا يدْخُل أحدٌ مكة إلا بإحرَامٍ"

(1)

فيه ضعف؛ فإنه من رواية حجاج، ومحمد بن خالد الواسطي. وظاهر كلامه: أنه إذا

(2)

أرادها لتجارة أو لزيارة، أنه يلزمه، نصَّ عليه

(3)

، واختاره الأكثر؛ لأنه من أهلِ فَرْضِ الحج، ولعدم تكرر حاجته. فإن لم يُرِد الحرمَ، ولا نُسكًا، لم يلزمه بغير خلاف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه أتوا بدرًا مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد، فيمرُّون بذي الحُلَيفة بغير إحرام. (إن كان حُرًّا مسلمًا مكلفًا) بخلاف الرقيق، والكافر، وغير المكلف؛ لأنهم ليسوا من أهل فَرْضِ الحج (فلو تجاوزه

(4)

) أي: الميقات (رقيقٌ، أو

(1)

أخرجه ابن عدي (6/ 2276) من طريق محمد بن خالد الواسطي، عن أبي شهاب الحنّاط، عن الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفط:"لا يدخل أحد مكة إلا بالإحرام من أهلها ولا من غير أهلها".

قال ابن عدي: لا أعرفه مسندًا إلا من هذا الوجه. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 243): رواه ابن عدي مرفوعًا من وجهين ضعيفين.

وأخرجه عبد الرزاق (2/ 566) رقم 4482، وابن أبي شيبة (4/ 88) والطحاوي (2/ 263، 3/ 329)، والبيهقي (5/ 177) موقوفًا. قال الحافط ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 243): إسناده جيد.

(2)

في "ذ": "أنه لو".

(3)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 676) رقم 912، ومسائل صالح (3/ 77) رقم 1379، ومسائل ابن هانئ (1/ 153)، رقم 758، 759، 760.

(4)

في "ذ": "جاوزه".

ص: 73

كافرٌ، أو غير مكلف، ثم لزمهم) الإحرام (بأن عَتَق) الرقيق (وأسلم) الكافر (وكُلِّف) غير المكلف (أحرموا من موضعهم) لأنه قد حصل دون الميقات على وجه مباح، فكان له أن يُحْرِم عنه كأهل ذلك الموضع (ولا دَمَ عليهم) إذا أحرموا من موضعهم؛ لأنهم لم يجاوزوا ميقاتهم بلا إحرام.

(إلا لقتالٍ مباح) لدخوله صلى الله عليه وسلم يومَ فتْحِ مكَّةَ، وعلى رأسِه المِغْفَرُ

(1)

.

ولم ينقل عنه، ولا أحد من أصحابه الإحرام يومئذ (أو خَوف) أي: وإلا من تجاوز الميقات لخوف؛ إلحاقًا له بالقتال المباح (أو حاجةٍ متكرِّرةٍ، كحطَّاب وفَيْج) -بالجيم- وهو رسول السلطان (وناقل الميرة، ولصيد، واحتشاش، ونحو ذلك) لما روى حرب عن ابن عباس: "لا يدخلُ إنسانٌ مكَّةَ إلا محرمًا، إلا الحمَّالينَ، والحطَّابينَ، وأصحابَ منافِعِهَا"

(2)

.

احتج به أحمد

(3)

(ومكّي يتردَّد إلى قريته بالحِلِّ) إذ لو وجب عليه الإحرام، لأدى إلى الضَّرر والمشقَّة، وهو منفيٌّ شرعًا. قال ابن عقيل: وكتحية المسجد في حق قيِّمه؛ للمشقَّة.

(ثم إن بدا له) أي: لمن لا يلزمه الإحرام ممن تقدَّم ذِكْرهم، ممن

(1)

رواه البخاري في جزاء الصيد، باب 18، حديث 1846، وفي الجهاد والسير، باب 169، حديث 3044، وفي المغازي، باب 48، حديث 4286، وفي اللباس، باب 17، حديث 5808، ومسلم في الحج، حديث 1357، عن أنس رضي الله عنه.

(2)

لعل حربًا رواه في مسائله، ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (2/ 427)، وابن أبي شيبة (4/ 210)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 413) رقم 892. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 243): وفيه طلحة بن عمرو، وفيه ضعف.

(3)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 153) رقم 760، والفروع (3/ 281).

ص: 74

تتكرَّر حاجته، والمكي المتردِّد إلى قريته بالحِلِّ (النُّسُك، أو) بدا (لمن لم يُرِدِ الحرمَ) إرادة الحرم، أو النُّسُك (أحرمَ من موضعه) لأنه صار كأهل ذلك المكان؛ ولأن مَنْ منزله دون الميقات لو خرج إليه ثم عاد، لم يلزمه شيء.

(و‌

‌من تجاوز) الميقات (بلا إحرام، لم يلزمه قضاءُ الإحرام)

الذي فاته من الميقات، ويأتي حُكم رجوعه إليه.

(وحيثُ لَزِمَ الإحرامُ من الميقات لدخول مكَّة) أو الحرم (إلا لنُسُكٍ، طاف وسَعَى، وحَلَق وحَلَّ) من إحرامه.

(و‌

‌أُبيح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه دخولُ مكَّة مُحلّين ساعةً من نهار،

وهي من طُلوع الشمس إلى صلاة العصرِ، رواه) الإمام (أحمدُ

(1)

. لا قَطعُ شَجَرٍ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "قامَ الغدَ من يوم فتح مكة فحمدَ الله وأثنى عليْهِ، فقال: إن مكَّةَ حرَّمَهَا الله ولم يحرمْهَا النَّاسُ، فلا يحلُّ لامرئ يؤمنُ بالله واليوم الآخِر أن يسفِكَ بها دَمًا، ولا يعضد بِهَا شجرَةٌ، فإن أحدٌ ترخَّص بقتالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولُوا: إن الله أذنَ لرسُوله ولم يأذَنْ لكم، وإنما أُحلَّت لي ساعةً منْ نَهارٍ، وقد عادَتْ حرمتُها كحرمَتِها، فلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ منكم الغَائِبَ"

(2)

.

(1)

(2/ 179، 207) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لما فُتحت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفوا السلاح إلا خزاعة من بني بكر، فأذن لهم حتى صلى العصر. . ." الحديث. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في الأموال ص / 145، حديث 300، وابن أبي شيبة (14/ 487)، والحارث بن أبي أسامة، "بغية الباحث" ص / 218، حديث 695، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 219) حديث 180. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 177): رجاله ثقات.

(2)

أخرجه البخاري في العلم، باب 37، حديث 104، وفي جزاء الصيد، باب 8، حديث 1832، وفي المغازي، باب 51، حديث 4295، ومسلم في الحج، =

ص: 75

(ومن جاوزه) أي: الميقات (مُريدًا للنُّسُك

(1)

) بلا إحرام (أو كان النُّسُك فرضه) بأن لم يحجَّ أو يعتمر (ولو) كان (جاهلًا) بالميقات

(2)

أو الحكم (أو ناسيًا لذلك أو مكرهًا، لَزِمَه أن يرجعَ) إلى الميقات (فَيُحْرِمَ منه) لأنه واجب أمكنه فِعْله، فلزمه كسائر الواجبات (ما لم يخفْ فوات الحجِّ أو يخف) فوات (غيره) كخوفه على نفسه، أو أهله، أو ماله (فإن رَجَع) إلى الميقات (فأحرم منه، فلا دَمَ عليه) لأنه أتي بالواجب عليه، كما لو لم يجاوزه ابتداء (وإن أحرم دونه) أي: الميقات (من موضعه أو غيره، لعُذْرٍ أو غيره، فعليه دم) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "من تَركَ نُسكًا فعَليهِ دَمٌ"

(3)

ولتركه الواجب (وإن رَجَع مُحْرِمًا إلى الميقات، لم يسقط الدَّمُ برجوعه) نصَّ

= حديث 1354، عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه.

(1)

في "ذ": "النسك".

(2)

في "ح": "الميقات".

(3)

لم نجد من أخرجه مرفوعًا، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 229): حديث ابن عباس موقوفًا عليه، ومرفوعًا، وأما المرفوع فرواه ابن حزم من طريق علي بن الجعد، عن ابن عيينة، عن أيوب [عن سعيد بن جبير] به، وأعله بالراوي عن علي بن الجعد: أحمد بن علي بن سهل المروزي. فقال: إنه مجهول، وكذا الراوى عنه: علي بن أحمد المقدسي، قال: هما مجهولان.

ولم نقف عليه في مظانه من كتب ابن حزم المطبوعة.

ورُوي موقوفًا على ابن عباس، رواه مالك في الموطأ (1/ 419)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 736) رقم 1825، والدارقطني (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30، 152) عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: من نسي من نسكه شيئًا أو تركه، فليهرق دمًا. قال أيوب: لا أدري قال: ترك، أو نسي. وصححه ابن عبد البر في الاستذكار (12/ 184)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 350) وقال: لا أعرفه مرفوعًا.

ص: 76

عليه

(1)

؛ لأنه وجب لتركه

(2)

إحرامه من ميقاته، فلم يسقط، كما لو لم يرجع (وإن أفسد نُسُكَه هذا) الذي تجاوز فيه الميقات بلا إحرام (لم يسقط دَمُ المجاوزة) نصَّ عليه

(3)

، كدم محظور، ولأنه الأصل. ونقل مُهنَّا: يسقط؛ لأن القضاء واجب.

(ويُكره أن يُحْرِمَ قبل ميقاته

(4)

) المكاني؛ لما روى الحسن "أنَّ عِمرانَ بنَ حُصينٍ أحْرَمَ من مِصرهِ فبلغ ذلك عُمرَ فغضب، وقال: يتسامَعُ النَّاسُ أنَّ رَجُلًا منْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرَم من مِصْرِهِ"

(5)

وقال: "إن عبد الله بنَ عامر أحرَمَ من خُرَاسانَ، فلمّا قدِمَ على عثمانَ لامَهُ فيما صنَعَ، وكرهَه له"

(6)

رواهما سعيد والأثرم. وقال البخاري:

(1)

انظر: كتاب الروايتين والوجهين (1/ 299).

(2)

في "ح": "لأنه واجب لترك".

(3)

انظر: كتاب الروايتين والوجهين (1/ 299).

(4)

في "ذ": "الميقات".

(5)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد ساق إسناده ابن حزم في المحلى (7/ 77)، ولعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- مسدد في مسنده، كما في المطالب العالية (2/ 18) رقم 1180، وابن أبي شيبة (4/ 82، 85) والطبراني في الكبير (18/ 107) رقم 204، والبيهقي (5/ 31). وورد عند بعضهم بلفظ: أحرم من البصرة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 217): رجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن لم يسمع من عمر.

(6)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد ساق إسناده الحافظ في الفتح (3/ 420) وفي تغليق التعليق (3/ 61)، ولعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. ورواه -أيضًا- ابن أبي شيبة (4/ 81، 84) من طريق يونس، عن الحسن، به. ورواه عبد الرزاق كما في الفتح (3/ 420) من طريق ابن سيرين، والبيهقي (5/ 31) من طريق داود بن أبي هند، ومحمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه. قال الحافظ في الفتح (3/ 420) وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضًا. وانظر تغليق التعليق (3/ 61).

ص: 77

"كرِهَ عثمانُ أن يحرمَ من خراسَانَ أو كرمَانَ"

(1)

. وروى أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسْتَمْتِعُ أحَدُكُم بِحِلّه ما استطاعَ، فإنّهُ لا يَدْرِي ما يَعْرضُ له في إحرامه"

(2)

. وأما حديث أم سلمة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "مَنْ أهَلَّ بحجّةٍ أو عمْرَةٍ منَ المسجدِ الأقصَى إلى المسجدِ الحرامِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تَأخَّرَ، ووَجَبَتْ له الجَنَّةُ" شك عبد الله بن عبد الرحمن أيتهما قال. رواه أبو داود

(3)

، فقال القاضي: معنى "أهلَّ" أي: قصد من المسجد الأقصى، ويكون إحرامه من الميقات.

(و) يُكره أن يُحرِم (بالحجِّ قبل أشهره) لقول ابن عباس: "مِنَ

(1)

في الحج، باب 33، تعليقًا.

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة. وقد أخرجه -أيضًا- البيهقي (5/ 30)، وقال: هذا إسناد ضعيف.

(3)

في المناسك، باب 9، حديث 1741 من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس، عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي، عن جدته حكيمة، عن أم سلمة رضي الله عنها. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (1/ 161)، وابن ماجه في المناسك، باب 49، حديث 3001، 3002، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 81، وأحمد (6/ 299)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 411) حديث 885، وأبو يعلى (12/ 359) حديث 6927، وابن حبان "الإحسان"(9/ 13) حديث 3701، والطبراني في الأوسط (7/ 266) حديث 6511، والدارقطني (2/ 283)، والبيهقي (5/ 30)، وابن عبد البر في التمهيد (15/ 147)، وابن ماكولا في تهذيب مستمر الأوهام ص / 173، والضياء في فضائل بيت المقدس ص / 88. قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 285): اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا. وقال في الترغيب والترهيب (2/ 139): رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. وقال ابن القيم في زاد المعاد (3/ 267): إنه حديث لا يثبت، وإنه قد اضطرب في إسناده ومتنه اضطرابًا شديدًا. وضعَّفه ابن حزم في المحلى (7/ 76)، وانظر: تحفة المحتاج (2/ 142)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 36 مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 78

السُّنَّةِ أنْ لا يُحْرِمَ بالحجِّ إلا في أشهُرِ الحَجِّ" رواه البخاري

(1)

. ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها، فأشبه ما لو أحرم قبل الميقات المكاني.

(فإن فَعَل) ب‌

‌أن أحرم قبل الميقات المكاني أو الزماني (فهو مُحْرِمٌ)

حكى ابن المنذر

(2)

الصحةَ في تقدُّمِه على ميقات المكان إجماعًا؛ لأنه فِعْلُ جماعة من الصحابة

(3)

والتابعين

(4)

، ولم يقل أحدٌ منهم: إنه لا يصح.

ويدلُّ لصحة إحرامه بالحجِّ قبل أشهره قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}

(5)

وكلها مواقيت للناس، فكذا للحج، وقوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}

(6)

. أي:

(1)

في الحج، باب 33، تعليقًا بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة (4/ 381) وأحمد بن منيع في مسنده، كما في المطالب العالية (2/ 18) رقم 1181، والطبري في تفسيره (2/ 258)، وابن خزيمة (4/ 162) رقم 2596، والإسماعيلي في المعجم (1/ 430) رقم 89، والدارقطني (2/ 234)، والحاكم (1/ 448)، والبيهقي (4/ 343) وفي فضائل الأوقات ص / 332، رقم 165. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 236).

(2)

الإجماع ص / 54.

(3)

منهم: علي بن أبي طالب، وعائشة، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وعثمان بن أبي العاص، وعمران بن الحصين، وابن عمر، وأبو مسعود، وابن عباس، وأنس، ومعاذ رضي الله عنهم رواه عنهم ابن حزم في المحلى (7/ 75)، وذكر مواطن إحرامهم. وانظر أيضًا: الموطأ (1/ 331)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/ 30).

(4)

منهم: إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومسلم بن يسار، والأسود بن يزيد، وطاوس، وعطاء، روى ذلك ابن حزم في المحلى (7/ 76) وذكر مواطن إحرامهم.

(5)

سورة البقرة، الآية:189.

(6)

سورة البقرة، الآية:197.

ص: 79

معظمه في أشهر، كقوله صلى الله عليه وسلم:"الحجُّ عَرَفَةُ"

(1)

. أو أراد حَجَّ التمتُّع، وإن أضمرَ

(2)

الإحرام، أضمرنا الفضيلة. والخصم يضمر الجواز، والمُضْمَر لا يعمُّ، وقول ابن عباس محمول على الاستحباب.

(ولا ينعقد) أي: ينقلب (إحرامُه بالحجِّ) قبل ميقاته المكاني أو الزماني (عُمْرة) خلافًا لما اختاره الآجري وابن حامد. نقل أبو طالب وسِندي

(3)

: يلزمه الحج، إلا أن يفسخه

(1)

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 111)، ومسلم في التمييز ص / 200، 201، حديث 76، 77، وأبو داود في الحج، باب 69، حديث 1949، والترمذي في الحج، باب 57، حديث 889، 890، والنسائي في المناسك، باب 203، 211، حديث 3016، 3044، وفي الكبرى (2/ 424، 432، 462)، حديث، 4011، 4012، 4050، 4180، وابن ماجه في المناسك، باب 57، حديث 3015، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (2/ 313)، والطيالسي ص / 185 حديث 1309، وابن أبي شيبة (4/ 237)، وأحمد (4/ 309، 310، 335)، وعبد بن حميد (1/ 276) حديث 310، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 205) حديث 957، وابن الجارود (2/ 92) حديث 468، وابن خزيمة (4/ 257) حديث 2822، والطحاوي (2/ 210)، والدارقطني (2/ 241)، والحاكم (1/ 464، 2/ 278)، وابن حزم في المحلى (7/ 121) وفي حجة الوداع ص / 176، 211، 478، حديث 107، 183، 541، والبيهقي (5/ 173)، وابن عبد البر في الاستذكار (13/ 27)، والخطيب في الجامع (1/ 224) حديث 427، عن عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه. قال الترمذي: قال سفيان بن عيينة: وهذا أجود حديث رواه سفيان الثوري. وقال أيضًا: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.

(2)

"أي: الخصم -وهو ابن شهاب- الإحرام، أي: جعل التقدير في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} على معنى الإحرام بالحج، أضمرنا الفضيلة بأن نجعل الآية على معنى فضيلة الإحرام فلا دلالة في الآية على عدم صحة الإحرام في غير أشهره كما يدعي الخصم المذكور" ش.

(3)

هو سندي، أبو بكر الخواتيمي البغدادي، قال أبو بكر الخلال: كان داخلًا مع أبي عبد الله ومع أولاده في حياة أبي عبد الله، سمع من أبي عبد الله مسائل صالحة، انظر: =

ص: 80

بعُمْرة

(1)

، فله ذلك على ما يأتي.

(و‌

‌ميقات العُمْرة) الزماني (جميعُ العام)

لعدم المخصِّص لها بوقت دون آخر (ولا يُكره الإحرام بها يوم النَّحر، و) لا يوم (عَرَفة، و) لا (أيام التشريق) كالطواف المجرَّد؛ إذ الأصل عدم الكراهة، ولا دليل عليها.

(وأشهرُ الحجِّ: شوال، وذو القعدة) بالفتح والكسر (وعشرٌ من ذي الحِجَّة) بكسر الحاء على الأشهر، رواه ابن عُمرَ مرفوعًا

(2)

، وقاله جَمْعٌ في الصحابة

(3)

(فيوم النَّحْر عنها، وهو يوم الحجِّ الأكبر) نصَّ عليه

(4)

؛ للخبر؛ لأن العشر بإطلاقه للأيام كالعدة. قال القاضي والموفق وغيرهما: العرب تُغلِّب التأنيث في العدد خاصة، لسبق

= طبقات الحنابلة (1/ 170).

(1)

انظر: كتاب التمام (1/ 307)، والفروع (3/ 286).

(2)

لم نقف على من رواه مرفوعًا، وأورده البخاري في الحج، باب 33، معلقًا موقوفًا بصيغة الجزم، ووصله الطبري في تفسيره (2/ 258)، والدارقطني (2/ 226)، والبيهقي (4/ 342)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 58) من طريقين عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا. وصححه الحافظ ابن كثير في تفسيره. (1/ 227)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 419): والإسنادان صحيحان.

(3)

رضي الله عنهم منهم:

أ - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 257، 258) والدارقطني (2/ 226) والبيهقي (4/ 342).

ب - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 257) والدارقطني (2/ 226)، والبيهقي (4/ 342).

جـ - عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه الدارقطني (2/ 226)، والبيهقي (4/ 342).

(4)

مسائل حرب وأبي طالب كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 377)، والفروع (3/ 287).

ص: 81

الليالي، فتقول: سِرنا عشرًا. وإنما فات الحج بفجر يوم النَّحْر؛ لخروج وقت الوقوف فقط، والجمع يطلق على اثنين، وعلى اثنين وبعض آخر، كعِدَّة ذات القروء.

ص: 82

‌باب الإحرام والتلبية وما يتعلق بهما

(وهو) أي: الإحرام لغةً: نية الدُّخول في التحريم، يقال: أَشْتَى، إذا دخل في الشتاء، وأربع، إذا دخل في الربيع.

وشرعًا: (نية النُّسُك) أي: الدُّخول فيه، لا نيته ليحجَّ أو يعتمر. (سُمِّي) الدخول في النُّسُك (إحرامًا؛ لأن المُحْرِم بإحرامه حرَّم على نفسه أشياء كانت مُباحةً له) من النكاح والطيب وأشياءَ من اللباسِ ونحوها، ومنه في الصلاة:"تحريمها التكبيرُ"

(1)

.

(ويُسَنُّ لمريدِه) أي: الإحرام (أن يغتسلَ، ذَكَرًا كان أو أنثى، ولو حائضًا ونُفُساء

(2)

) لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرَ أسَماءَ بنتَ عُميسٍ وهي نُفساءُ أن تَغتِسلَ" رواه مسلم

(3)

. وأمرَ عائشة: "أن تَغْتَسِلَ لإهْلالِ الحجِّ، وهِي حَائِضٌ"

(4)

(فإن رجتا) أي: الحائض والنُّفساء (الطُّهْرَ قبل الخروج من الميقات، استُحبَّ) لهما (تأخير الغسل حتى تطهُرا) ليكون أكمل لهما (وإلا) أي: وإن لم تَرجُوا الطُّهرَ قبل الخروج من الميقات (اغتسلتا) قبل الطُّهر؛ لما تقدم؛ ولأن مجاوزة

(1)

تقدم تخريجه (2/ 284)، تعليق رقم 1.

(2)

في "ح": "أو نفساء".

(3)

في الحج، حديث 1209، عن عائشة رضي الله عنها، 1210، 1218 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1213، عن جابر رضي الله عنه. وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:"انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلِّي بالحج" وتقدم في كتاب الطهارة (1/ 367) تعليق رقم (3).

ص: 83

الميقات بلا إحرام غير جائزة، على ما تقدم

(1)

(ويتيمم عادمُ الماء) لإحرامه، وكذا العاجز عن استعماله، كسائر ما يُستحبُّ له الغسل (وتقدَّم) في باب الغسل

(2)

(ولا يضرُّ حَدثُه بعد غُسْلِه قبل إحرامه) كحدثه بعد غُسْل الجمعة، وقبل صلاتها.

(و) يُسنُّ لمريد الإحرام (أن يتنظَّف بإزالة الشَّعْر، مِنْ حَلْقِ العانة، وقصِّ الشاربِ، ونَتْفِ الإبطِ، وتقليم الأظفار، وقَطْعِ الرائحة الكريهة) لقول إبراهيم: "كانوا يستحبُّون ذلك، ثم يَلبَسونَ أحسَنَ ثيابهم"، رواه سعيد

(3)

. ولأن الإحرام عبادة، فَسُنَّ فيه ذلك، كالجُمعة؛ ولأن مُدته تطول.

(و) يُسَنُّ لمريد الإحرام (أن يتطيَّب -ولو امرأةً- في بدنه، سواء كان) الطيب (مما تبقى عينُه كالمِسك، أو أثرُه كالعُودِ، والبخور، وماءِ الورد) لقول عائشة: "كنتُ أطيِّبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لإحرامِهِ، قبلَ أن يُحْرِمَ"، رواه البخاري

(4)

. وقالت: "كأنِّي أنظُرُ إلى وَبِيصِ المِسْكِ في مَفارِقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحْرِمٌ". متفق عليه

(5)

.

(ويُستحبُّ لها) أي: للمرأة إذا أرادت الإحرام (خِضابٌ بِحنَّاءٍ) لحديث ابن عمر: "مِنَ السُّنَّةِ أن تدلكَ المرأة يدَيْهَا في

(1)

(6/ 73).

(2)

(1/ 359).

(3)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد ذكره ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 53) من طريق سعيد، وذكره ابن تيمية في شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة (4/ 163) عن عطاء بن السائب، عن إبراهيم بنحوه.

(4)

في الحج، باب 18، 143، حديث 1539، 1754، وفي اللباس، باب 73، 79، حديث 5922، 5928. وأخرجه -أيضًا- مسلم في الحج، حديث 1189.

(5)

البخاري في الغسل، باب 14، حديث 271، وفي الحج، باب 18، حديث 1538، وفي اللباس، باب 70، حديث 5918، ومسلم في الحج، حديث 1190.

ص: 84

حِنَّاء"

(1)

؛ ولأنه من الزينة، أشبه الطيب.

(ويُكره تطييبُه) أي: مريد الإحرام (ثوبَه) وحرَّمه الآجري. (فـ) ـعلى الأول (إن طيَّبه) أي: طيَّب مريدُ الإحرام ثوبَه (فله استدامته) أي: استدامة لبسه (ما لم ينزِعْه، فإن نَزَعه، فليس له لُبْسُه والطيب فيه) لأن الإحرام يمنع الطيب ولبس المطيَّب، دون الاستدامة (فإن فَعَل) أي: لَبِسَه بعد نزعه (وأثرُ الطيب باقٍ) لم يغسله حتى يذهب، فَدَى؛ لاستعماله الطيب (أو نَقَلَه) أي: الطيب (من موضع من بدنه إلى موضع) آخر (أو تعمَّد مسَّه بيده، فعَلِقَ) الطيب (بها، أو نحَّاه) أي: الطيب (عن موضعه، ثم ردَّه إليه) بعد إحرامه (فَدَى)؛ لأنه ابتداء للتطيب، (فإن ذاب) الطيبُ (بالشمس، أو بالعرق، فسال إلى موضع آخر) من بدن المُحْرِم (فلا شيء عليه) لحديث عائشة قالت: "كُنَّا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مَكَّةَ، فنضَمِّدُ جِباهَنا بالمِسْكِ

(2)

عند الإحْرَام، فإذا عَرِقَتْ إحْدانا، سال على وَجْهِها، فيراها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلا يَنهاها". رواه أبو داود

(3)

.

(ويُسَنُّ) لمن يريد الإحرام (أن يلبس ثوبين أبيضين) لحديث:

(1)

أخرجه الدارقطني (2/ 272)، والبيهقي (5/ 48)، وقال: وليس ذلك بمحفوظ. وضعَّفه الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 236).

(2)

"بالمسك": كذا في الأصول، وفي سنن أبي داود:"بالسُّكّ المطيب". وهو طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل. النهاية لابن الأثير (2/ 384).

(3)

في المناسك، باب 32، حديث 1830. وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه (2/ 451 - 452) و (3/ 1023، 1039) حديث 1021، 1022، 1772، 1797، وأحمد (6/ 79)، وأبو يعلى (8/ 296) حديث 4886، وابن حزم في حجة الوداع ص / 249، والبيهقي (5/ 48). قال المنذري في مختصر السنن (1/ 169): إسناده حسن.

ص: 85

"خير ثِيَابِكُم البياضُ". رواه النسائي

(1)

(نظيفين) لأنا أحببنا له التنظيف في بدنه، فكذلك في ثيابه (إزارًا ورِداءً جديدين، أو غَسيلين، فالرِّداءُ على كتفيه، والإزارُ في وسطه) لما روى أحمد عن ابن عمر مرفوعًا: "ليُحْرِم أحَدُكُم في إزَارٍ ورداءٍ ونَعْلَينِ"

(2)

. قال ابن المنذر

(3)

: ثبت ذلك.

وفي "تبصرة" الحلواني: إخراج كتفه الأيمن من الرداء أَولى.

(ويجوزُ) إحرامه (في ثوبٍ واحد) وفي "التبصرة": بعضه على عاتقه.

(1)

في الجنائز، باب 38، حديث 1895، وفي الزينة، باب 98، حديث 5337، 5338، وفي الكبرى (1/ 621، 5/ 477) حديث 2023، 9642 - 9645 عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، بلفظ:"البسوا من ثيابكم البياض، فإنها أطهر وأطيب". وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في اللباس، باب 5، حديث 3567، والطيالسي ص / 121، حديث 894، وعبد الرزاق (3/ 428 - 429) حديث 6198 - 6199، وابن سعد (1/ 449)، وابن أبي شيبة (3/ 266)، وأحمد (5/ 10، 12، 13، 18، 19، 20، 21)، وابن الجارود (2/ 125) حديث 523، والطبراني في الكبير (7/ 180 - 181، 243 - 235) حديث 6759، 6760، 6762، 6975، 6977، والحاكم (1/ 355 و 4/ 185)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 378)، والبيهقي (3/ 302)، وفي شعب الإيمان (5/ 190) حديث 6319، والبغوي في شرح السنة (12/ 17) حديث 3087. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر في الفتح (3/ 135): إسناده صحيح.

وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف فقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يخرجه النسائي، وقد تقدم تخريجه (2/ 180) تعليق رقم (1).

(2)

أحمد (2/ 34). وأخرجه -أيضًا- ابن الجارود (2/ 59)، حديث 416، وابن خزيمة (4/ 163)، حديث 2601. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 237): رواه ابن المنذر في الأوسط، وأبو عوانة في صحيحه بسند على شرط الصحيح.

(3)

لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، ونقله عنه ابن قدامة في المغني (5/ 76).

ص: 86

(ويتجرَّدُ) مريدُ الإحرام (عن المَخيط) لأنه صلى الله عليه وسلم "تَجرَّدَ لإهْلالِهِ"

(1)

. وكان ينبغي تقديمه على اللبس، لكن الواو لا تقتضي الترتيب (ويلبسُ نعلين) لما تقدَّم من الخَبر. وهما: التاسومة، ولا يجوز له لبس السَّرْموزة

(2)

والجَمْجَم

(3)

، قاله في "الفروع"(إن كان) المُحْرم (رَجُلًا، وأما المرأةُ فلها لُبْسُ المَخيط في الإحرام) إلا القفازين، ويأتي توضيحه (والمَخيطُ: كلُّ ما يُخاطُ على قَدْرِ الملبوس عليه، كالقَميص، والسَّراويل، والبُرْنس) والقَبَاء، وكذا الدِّرع ونحوه مما يُصنع من لَبَد

(4)

ونحوه، على قَدْر الملبوس عليه، وإن لم يكن فيه خياطة.

(ولو لَبِسَ إزارًا مُوَصَّلًا، أو اتَّشحَ بثوب مَخيط، أو ائتزر به، جاز) لأن ذلك ليس لُبْسًا للمخيط المصنوع على قَدْرِ الملبوس عليه لمثله.

(ثم يُحْرِمُ عقب صلاة مكتوبة، أو) صلاة (نَفْلٍ) ركعتين (نَدْبًا) نصَّ عليه

(5)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "أهلَّ في دُبُرِ صَلاة" رواه النسائي

(6)

.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 358) تعليق رقم (2).

(2)

في "ح": "شرموزة"، والسَّرموزة: فارسي، وهو نوع من الأحذية، وتعريبه: السَّرْموج، والسرموجة والسرموزة والسرموز لغات فيه. معجم الألفاظ الفارسية المعربة لأدى شير ص / 90، وانظر ما تقدم 1/ 110.

(3)

نوع من الأحذية يلبسه فقراء بلاد فارس. معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص / 44.

(4)

اللَّبَد: الصُّوف، انظر: القاموس المحيط ص / 316، مادة (لبد).

(5)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 677، 681) رقم 914، 917، ومسائل أبي داود ص / 99.

(6)

في المناسك، باب 56، حديث 2753. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الحج، باب 9، حديث 819، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 89، وأحمد =

ص: 87

(وهو) أي: إحرامه عقب الصلاة (أَولى) لحديث ابن عباس قال: "إنِّي لأعلَمُ الناسِ بذلكَ، خرجَ حاجًّا فلمَّا صَلَّى في مسجِدِه بذِي الحُلَيْفَةِ ركعتَيهِ، أهَلَّ بالحَجِّ حين فَرَغَ منهمَا". رواه أحمد وأبو داود

(1)

. وظاهر كلامه في "المبدع" و"المنتهى" وغيرهما: أنه عقب صلاة فرضٍ، أو ركعتين نَفْلًا سواء.

(وإن شاء) أحرم (إذا رَكِبَ، وإن شاء) أحرم (إذا سار) قبل مجاوزة الميقات؛ لورود ذلك كله عنه صلى الله عليه وسلم، لكن ذَكَر ابنُ عباس: "أنَّهُ أوْجَبَ الإحرام حين فَرَغَ من ركعتيه

(2)

، ولمَّا استوتْ به راحلتُهُ قائمًا أهَلَّ، فأدرك ذلك منه قوم فقالوا: أحرم حين استوت به راحلته، وذلكَ أنَّهم لم يُدرِكوا إلَّا ذلك، ثمَّ سارَ حتَّى علا البيداءَ فأهَلَّ، فَأدركَ ذلك منه

= (1/ 285)، والدارمي في الحج، باب 12، حديث 1813، وأبو يعلى (4/ 391) حديث 2512، والطبراني في الكبير (11/ 434) حديث 12230، وتمام في فوائده (1/ 30) حديث 12، والبيهقي (5/ 37) عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الترمذي: حسن غريب. وأخرجه الحاكم (1/ 451) بنحوه، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 238): وفي إسناده خصيف وهو مختلف فيه.

وللحديث شاهد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عند الدارمي في الحج، باب 12، حديث 1814، والبزار في مسنده (2/ 12) حديث 1088. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 221): رجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار، وقد حسَّن الترمذي حديثه. وانظر خلاصة البدر المنير (1/ 351).

(1)

أحمد (1/ 260)، وأبو داود في المناسك، باب 21، حديث 1770 مطولًا. وأخرجه -أيضًا- الدارقطني (2/ 219 - 220)، والحاكم (1/ 451)، والبيهقي (5/ 37). وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 298): في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحرَّاني، وهو ضعيف.

(2)

في "ح" و"ذ": "صلاته".

ص: 88

أناسٌ، فقالُوا: أهَلَّ حين عَلا البيداء". رواه أبو داود والأثرم

(1)

.

(ولا يركعه) أي: النفل (وقتَ نهي) للأخبار السابقة في أوقات النَّهي

(2)

(ولا من عَدِمَ الماءَ والترابَ) أو عَجَزَ عن استعمالهما لقروح لا يستطيع معها مسَّ البشرة، لِفَقْد شرطه.

(ولا ينعقد الإحرام إلا بالنية) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئ ما نَوَى"

(3)

؛ ولأنه عملٌ وعبادةٌ محضة، فافتقر إليها، كالصلاة (فهي) أي: النية (شرطٌ فيه) أي: الإحرام، كالنية في الوضوء، لكن سبق لك أن الإحرام: هو نية النُّسُك، فكيف يقال: لا تنعقد النيةُ إلا بنية، وأنَّ النية شرطٌ في النية، مع أنه يؤدِّي إلى التسلسل؟

وأما التجرُّد فليس ركُنًا، ولا شَرْطًا في النُّسُك، إلا أن يقال: لما كان التجرُّد هيئة تجامع نية النُّسك؛ ربما أُطلق عليها، فاحتيج إلى التنبيه على أن تلك الهيئة ليست كافية بنفسها، بل لابُدَّ معها من النية، وأنها لا تفتقر إلى غيرها من تلبية، أو سَوْق هدي كما سَيُنبه عليه.

(ويُستحبُّ التلفُّظُ بما أحرم) به (فيقصِدُ بنيَّتِه نُسُكًا معينًا) لفعله صلى الله عليه وسلم وفِعْل من معه في حَجَّة الوداع؛ ولأن أحكام ذلك تختلف، فاستُحِبَّ تعيينه ليترتب عليه مقتضاه.

(ونيَّة النُّسُك كافية، فلا يَحتاج معها إلى تلبية، ولا سَوْق هَدْي) لعموم: "إنما الأعمالُ بالنِّياتِ"

(3)

.

(1)

أبو داود في المناسك، باب 21 حديث 1770، والأثرم لعله رواه في سننه ولم تطبع. ورواه -أيضًا- أبو يعلى (4/ 391) حديث 2513. وانظر ما تقدم في الصفحة السابقة تعليق رقم (1).

(2)

انظر: (3/ 131).

(3)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

ص: 89

(وإن لَبَّى، أو ساق هَدْيًا من غير نيَّة، لم ينعقد إحرامُه) للخبر.

(ولو نطقَ بغير ما نواه، نحو أن ينويَ العُمرة؛ فيَسبِقُ لسانُه إلى الحجِّ، أو بالعكس) بأن ينوي الحج، فيسبق لسانُه إلى العُمرة (انعقد) إحرامه (بما نواه، دون ما لَفَظَه) لأن النية محلُّها القلب، وتقدَّم نظيره في الوضوء

(1)

، وحكاه ابن المنذر

(2)

إجماع من يحفظ عنه.

(وينعقد) إحرامُه (حالَ جماعه) لأنه لا يخرج منه به (ويبطُلُ) أي: يفسد (إحرامه به) أي: بالجِماع، فيمضي في فاسده ويقضيه، كما يأتي.

(ويَخرجُ منه) أي: من الإحرام (بردَّةٍ) لعموم قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}

(3)

.

و (لا) يخرج منه (بجُنونٍ، وإغماءٍ، وسُكْرٍ، وموتٍ) لخبر المُحْرِم الذي وقصته راحلته

(4)

(ولا ينعقدُ) الإحرام (مع وجود أحدها) أي: الجنون، أو الإغماء، أو السُّكْر؛ لعدم أهليته للنية (وتقدَّم بعض ذلك) موضحًا

(5)

.

(فإذا أرادَ الإحرامَ نوى بقَلبِه، قائلًا بلسانه: اللهُمَّ إني أُريدُ النُّسُكَ الفلاني، فيسِّره لي وتقبَّلهُ مني) ولم يذكروا مثل هذا في الصلاة؛ لقصر مُدَّتها، وتيسرها عادة (وإن حَبسني حابسٌ، فَمحِلِّي

(1)

(1/ 195).

(2)

الإجماع ص / 55.

(3)

سورة الزمر، الآية:65.

(4)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 19 - 21، حديث 1265 - 1268، وفي جزاء الصيد، باب 20، 21، حديث 1839، 1849 - 1851، ومسلم في الحج، حديث 1206، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

(6/ 19).

ص: 90

حيث حبستني، أو: فلي أن أحلَّ. وهذا الاشتراط سُنَّةً) في قول عُمر

(1)

، وعلي

(2)

، وابن مسعود

(3)

، وعمار

(4)

.

(ويفيد) هذا الاشتراط (إذا عاقه عدوٌّ، أو مرضٌ، أو ذهابُ نفقة، أو خطأ طريق ونحوُه: أن له التحلُّلَ) لقوله صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزُّبير حين قالت له: "إني أُريدُ الحجَّ، وأجِدُني وجعَةً، فقال: حجِّي واشتَرطِي، وقُولي: اللهُمَّ محِلِّي حيث حَبسْتَني". متفق عليه

(5)

. زاد النسائي في رواية -إسنادها جيد-: "فَإنَّ لَكِ على ربِّكِ مَا اسْتَثنيتِ"

(6)

. ولقول عائشة لعروة: "قُل: اللَّهُمَّ إني أُرِيدُ الحجَّ، فإن تَيَسَّر، وإلا فعُمْرَة"

(7)

.

(و) يفيد هذا الاشتراط -أيضًا - (أنه متى حَلَّ بذلك) أي: بسبب عُذرٍ مما تقدَّم (فلا شيء عليه) نصَّ عليه

(8)

. قال في "المستوعب" وغيره:

(1)

أخرجه ابن حزم في المحلى (7/ 113)، والبيهقي (5/ 222)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 499).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 385، وابن حزم في المحلى (7/ 113).

(3)

أخرجه ابن حزم في المحلى (7/ 114)، والبيهقي (5/ 222).

(4)

أخرجه ابن حزم في المحلى (7/ 114).

(5)

البخاري في النكاح، باب 15، حديث 5089، ومسلم في الحج، حديث 1207 عن عائشة رضي الله عنها.

(6)

النسائي في المناسك، باب 60، حديث 2765، وفي الكبرى (2/ 358) حديث (3749). وأخرجه -أيضًا- الدارمي في الحج، باب 15، حديث 1811، وأبو نعيم في الحلية (9/ 224) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 288).

(7)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 382)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 385، والبيهقي (5/ 223) نحوه.

(8)

مسائل أبي داود ص / 123.

ص: 91

إلا أن يكون معه هَدي، فيلزمه نحره (ويأتي آخر باب الفوات والإحصار.

فإن اشترط بما يؤدي معنى الاشتراط، كقوله: اللَّهُمَّ، إني أُريد النُّسُكَ الفلاني إن تَيسَّر لي، وإلا، فلا حَرَج عليَّ، جاز) لأنه في معنى ما تقدَّم في الخبر (وإن قال) في إحرامه: (متى شئتُ أحللتُ

(1)

، أو) إن (أفسدته، لم أقضه، لم يصحَّ) اشتراطه؛ لأنه لا عُذرَ له في ذلك.

(وإن نوى الاشتراطَ ولم يتلفَّظ به، لم يُفد؛ لقول النبي

(2)

صلى الله عليه وسلم لضُباعة) -بضم الضاد- بنت الزبير (قولي: محِلِّي) أي: مكان إحلالي (من الأرض حيث حبستني) والقول لا يكون إلا باللسان.

فصل

(وهو) أي: مريد الإحرام (مخيرٌ ببن التمتُّع، والإفرادِ، والقِرانِ) ذَكره جماعة إجماعًا

(3)

؛ لقول عائشة: "خرجْنَا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: من أرادَ منكُم أن يُهِلَّ بحجٍّ وعُمْرة فليفْعَل، ومن أرادَ أن يُهِل بعُمْرةٍ فليُهلَّ. قالت: وأهلَّ بالحجِّ، وأهلَّ به ناسٌ معَهُ، وأهلَّ معه

(4)

ناسٌ بالعُمْرةِ والحجِّ، وأهلَّ ناسٌ بالعُمرَةِ، وكنْتُ فِيمَنْ أهلَّ بعُمْرَةٍ". متفق عليه

(5)

.

(1)

في "ذ": "أحللته".

(2)

تقدم تخريجه (6/ 91) تعليق رقم (5).

(3)

التمهيد (13/ 96، 15/ 300)، والمغني (5/ 82)، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (1/ 253) رقم 1404، 1405.

(4)

قوله: "معه" ليس في "ذ" وهو الموافق للرواية.

(5)

البخاري في الحيض، باب 16، 18، حديث 317، 319، وفي العمرة، باب 5، 7 حديث 1783، 1786، وفي المغازي، باب 77، حديث 4408، ومسلم في الحج، حديث 1211 (114)، واللفظ لمسلم. وفيه -أيضًا-:"ومن أراد أن يهل بحج، فليهل".

ص: 92

وذهب طائفة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز إلا التمتُّع، وقاله ابن عباس

(1)

.

وكَرِه التمتُّعَ: عُمرُ

(2)

، وعثمانُ

(3)

، ومعاويةُ

(4)

، وابنُ الزبير

(5)

.

وبعضهم القِران، روى الشافعي عن ابن مسعود: أنه كان يكرهه

(6)

.

(وأفضلُها التمتُّعُ) في قول ابن عُمر

(7)

، وابن عباس

(8)

، وعائشة

(9)

، وجَمْعٍ، نصَّ عليه في رواية صالح وعبد الله

(10)

. وقال: لأنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم. قال إسحاق بن إبراهيم

(11)

: كان اختيار أبي عبد الله

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (4/ 101) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 375)، والبيهقي (6/ 269).

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 32، 125، حديث 1559، 1724، وفي العمرة، باب 11، حديث 1795، ومسلم في الحج، حديث 1221.

(3)

أخرجه البخاري في الحج، باب 34، حديث 1563، 1569، ومسلم في الحج، حديث 1223.

(4)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1225.

(5)

أخرجه إسحاق (5/ 130) رقم 2243، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 316، وابن حزم في حجة الوداع ص / 334 رقم 359، ولفظه: أفردوا الحج ولا تتبعوا قول أعماكم -يعني ابن عباس رضي الله عنهما.

(6)

في مسنده (ترتيبه 1/ 376).

(7)

أخرجه البخاري في الحج، باب 104، حديث 1691، ومسلم في الحج، حديث 1227، ويأتي (6/ 113) تعليق رقم (1).

(8)

أخرجه البخاري في الحج، باب 34، 103، حديث 1567، 1688، ومسلم في الحج، حديث 1242.

(9)

أخرجه البخاري في الحج، باب 104، حديث 1692، ومسلم في الحج، حديث 1228.

(10)

مسائل صالح (2/ 143) رقم 710، ومسائل عبد الله (2/ 685، 687) رقم 921، 923، ومسائل أبي داود ص / 124.

(11)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 152) رقم 756.

ص: 93

الدخول بعُمرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو استَقبلتُ من أمري ما استَدبرتُ ما سقتُ الهديَ، ولأحللتُ معكم"

(1)

، وفي الصحيحين:"أنهُ أمرَ أصحابَهُ لما طَافوا وسَعَوا أن يجعلوها عُمْرةً إلا من ساقَ هَديًا"

(2)

وثبت على إحرامه لَسَوْقه الهديَ، وتأسّف، ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل، ولا يتأسَّف إلا عليه.

لا يُقال: أمَرَهم بالفسخ ليس لفضل التمتُّع، وإنما هو لاعتقادهم عدم جواز العُمْرة في أشهر الحجِّ؛ لأنهم لم يعتقدوه، ثم لو كان، لم يخصَّ به من لم يَسقِ الهَديَ؛ لأنهم سواء في الاعتقاد، ثم لو كان لم يتأسَّف؛ لاعتقاده جوازها فيه، وجعل العِلَّة فيه سَوْق الهدي، ولأن التمتُّعُ منصوصٌ عليه في كتاب الله، ولإتيانه بأفعالهما كاملة على وجه اليُسر والسهولة، مع زيادة نُسك وهو الدم. قال في رواية أبي طالب

(3)

: إذا دخل بعُمْرة يكون قد جَمَع الله له حجَّة وعُمْرة ودمًا.

(ثم الإفراد) لما في "الصحيحين" عن ابن عباس وجابر: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفردَ الحجَّ"

(4)

. وقال عُمرُ وعثمان وجابر: "هو أفضَلُ

(1)

أخرجه البخاري في الحج، باب 8، حديث 1651، وفي العمرة، باب 6، حديث 1785، وفي التمني، باب 3، حديث 7230، ومسلم في الحج، حديث 1218 عن جابر رضي الله عنه.

(2)

البخاري في الحج، باب 34، 115، 124، حديث 1561، 1709، 1720، ومسلم في الحج، حديث 1211 عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

انظر: مسائل صالح (2/ 143) وقم 710، ومسائل عبد الله (2/ 687) رقم 923، ومسائل أبي داود ص / 100، 101.

(4)

البخاري في الشركة، باب 15، حديث 2505، 2506، ومسلم في الحج، حديث 1213 (136)، 1240.

ص: 94

الأنْسَاكِ"

(1)

لما ذكرنا، ولإتيانه بالحجِّ تامًّا من غير احتياج إلى آخر.

وأجاب أصحابنا عن الخبر: أنه أفرد عمل الحجِّ عن عمل العُمْرة، وأهل بالحجِّ فيما بعد، مع أن أكثر الروايات عن جابر ذكر أصحابه فقط

(2)

. وأجاب أحمد في رواية أبي طالب

(3)

: بأن هذا كان في أول الأمر بالمدينة، أحرم بالحج، فلما دخل مكة فَسَخ على أصحابه، وتأسف على التمتُّع؛ لأجل سَوق الهَدي فكان المتأخر أَولى.

(ثم القِران) وتقدَّم أنه صلى الله عليه وسلم: "حَجَّ قارنًا"

(4)

والجواب عنه.

(وصِفة التمتُّع: أن يُحرِمَ بالعُمْرة) أطلقه جماعةٌ، منهم صاحب "المحرر" و"الوجيز". وجزم آخرون من الميقات، أى: ميقات بلده (في أشهر الحجِّ) نصَّ عليه

(5)

، ورُوي معناه بإسناد جيد عن جابر

(6)

.

(1)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، ولكن أخرج مسلم في الحج، حديث 1217 عن أبي نضرة وفيه قال عمر رضي الله عنه: فافصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم. وأخرج الطحاوي (2/ 147) أن عمر قال: أفردوا الحج. وأخرج -أيضًا- (2/ 140): أن عليًّا وعثمان رضي الله عنهما اجتمعا بعسفان، وعثمان ينهى عن المتعة. فقال له علي: ما تريد إلى أمر قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنهى عنه؟

وأخرج الطحاوي -أيضًا- (2/ 140) أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلِّين بالحج مفردًا.

(2)

انظر: صحيح البخاري، الحج باب 34، 35 حديث 1568، 1570، والتمني، باب 3، حديث 7230، وصحيح مسلم في الحج، حديث 1216 (141 - 144).

(3)

انظر: مسائل أبي داود ص / 100.

(4)

(6/ 11) تعليق رقم (3، 4).

(5)

مسائل عبد الله (2/ 760) رقم 1021، ومسائل ابن هانئ (1/ 141) رقم 696.

(6)

أخرجه عبد الله في مسائله (2/ 741) رقم 995، وابن هانئ في مسائله =

ص: 95

ولأنه لو لم يُحْرِم بها في أشهر الحجِّ، لم يجمع بين النُّسُكين فيه، ولم يكن متمتعًا (ويفرُغَ منها) أي: يتحلل، قاله في "المستوعب" لأنه لو أحرم بالحجِّ قبل التحلل من العُمْرة، لكان قارنًا، واجتماع النُّسُكين -أي: التمتع والقِران ممتنع؛ لتباينهما. وليس المراد بالنُّسُكين الحجَّ والعُمْرة؛ لإمكان اجتماعهما في القِران. ولعل صاحب "المبدع" فهم ذلك

(1)

، حتى قال: وفيه نظر.

(ثم يُحْرِم بالحجِّ من مكَّة أو قريبٍ منها) نقله حرب وأبو داود

(2)

؛ لما رُوي عن عُمر أنه قال: "إذا اعتَمَرَ في أشهُرِ الحجِّ ثم أقَامَ، فهو مُتَمَتِّعٌ، وإن خَرَجَ ورَجَعَ، فليس بمتَمَتِّع"

(3)

. وعن ابن عُمر نحوه

(4)

.

ويُشترط كما يأتي: أن يحج في عامه؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ}

(5)

الآية. وظاهره -يقتضي الموالاة بينهما؛ ولأنه لو أحرم بالعُمْرة في غير أشهر الحج، ثم حجَّ من عامه؛ لا يكون متمتعًا، فلأن لا يكون متمتعًا إذا لم يحجَّ من عامه أَولى.

وما ذكره المصنفُ من اشتراط الإحرام من مكَّة أو قريبٍ منها،

= (1/ 155) رقم 773، والبيهقي (10/ 58) عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله سئل عن المرأة تجعل عليها عمرة في شهر مُسمَّى ثم يخلو إلا ليلة واحدة ثم تحيض؟ قال: لتخرج، ثم لتهل بعمرة، ثم لتنتظر حتى تطهر، ثم لتطف الكعبة ثم لتصلِّ.

قال الإمام أحمد كما في المغني (5/ 353): فجعل عمرتها في الشهر الذي أهلَّت فيه، لا في الشهر الذي حلّت فيه.

(1)

في "ذ": "منه ذلك".

(2)

انظر: مسائل أبي داود ص / 129، وابن هانئ (1/ 151) رقم 745.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 124.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 124.

(5)

سورة البقرة، الآية:196.

ص: 96

تَبع فيه "المقنع" و"الفائق" و"الرعايتين" و"الحاويين". والذي عليه أكثر الأصحاب: عدم التقييد، ونسبه في "الفروع" إلى الأصحاب، منهم صاحب "المذهب" و"مسبوك الذهب" و"الخلاصة"، ذكره في "الإنصاف". وقَطَعَ بعدم التقييد في "المنتهى".

(و)

‌ صفة (الإفراد: أن يُحْرِمَ بالحج مفْرِدًا،

فإذا فَرَغ منه) أي: من الحجِّ (اعتمر عُمْرة الإسلام، إن كانت باقيةً عليه) بأن لم يكن أتى بها قبل.

(و) صفة (القِران: أن يُحْرِم بهما جميعًا) لفعله صلى الله عليه وسلم

(1)

(أو يُحْرِم بالعُمْرةِ، ثم يُدْخِل عليها الحجَّ قبل الشروع في طوافها) لما روت عائشة قالت: "أهْلَلْنَا بالعُمْرةِ ثمَّ أدخَلْنَا عليها الحجَّ"

(2)

. وفي الصحيحين أن ابن عُمر فَعَلَهُ وقال: "هكذا صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"

(3)

. وفي الصحيح "أنهُ أمَرَ عائِشَةَ بِذَلِكَ"

(4)

. فإن كان شرع في طواف العُمْرة لم يصح إدخاله عليها؛ لأنه شرع في التحلُّل من العُمْرة، كما لو سعى (إلا معه الهَدي، فيصحُّ) الإدخال (ولو بعد السعي) بناءً على المذهب أنه لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهَدي مَحِلَّه (ويصير قارنًا)

(1)

انظر (6/ 11) تعليق (3، 4).

(2)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ، وقد أخرج البخاري في الحج، باب 31، حديث 1556، ومسلم في الحج حديث 1211 (111) عن عائشة رضي الله عنها قالت:"خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة؛ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي، فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا".

(3)

البخاري في الحج، باب 77، 105، 114، حديث 1639، 1640، 1693، 1708، وفي المحصر، باب 4، حديث 1813، ومسلم في الحج، حديث 1230.

(4)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1211.

ص: 97

جزم به في "المبدع" و"الشرح" و"شرح المنتهى" هنا، وهو مقتضى كلامه في "الإنصاف". وقال في "الفروع" و"شرح المنتهى" في موضع آخر: لا يصير قارنًا إذن.

(ولا يُعتبر لصحَّة إدخال الحجِّ على العُمْرة الإحرام به) أي: الحجّ (في أشهره) لصحَّة الإحرام به قبلها، كما تقدم

(1)

.

(و‌

‌إن أحرم بالحجِّ ثم أدخل عليه العُمْرة، لم يصحَّ إحرامُه بها)

لأنه لم يرد به أثرٌ، ولم يستفد به فائدة، بخلاف ما سبق (ولم يَصِرْ قارنًا) لأنه لا يلزمه بالإحرام الثاني شيء.

(وعَمَلُ القارنِ كالمُفْرد في الإجزاء) نقله الجماعة

(2)

(ويسقُطُ ترتيبُ العُمْرة، ويصيرُ الترتيب للحج، كما يتأخر الحِلاقُ إِلى يوم النحر، فوطؤه قبل طواف القُدوم لا يُفسد عمرته، أي: إذا وطئ وطأً لا يُفسد الحجَّ، مثل إن وطئ بعد التحلُّل الأول) وكان لم يدخل مكة قبل ذلك، أو دخلها ولم يطف لقدومه (فإنه لا يفسد حجه، وإذا لم يفسد حجه، لم تفسد عمرته) لقول عائشة: "وأما الذين جمعوا الحجَّ والعُمْرةَ فإنما طافوا طوافًا واحدًا" متفق عليه

(3)

. وعن ابن عُمر نحوه. رواه أحمد

(4)

.

(1)

(6/ 79).

(2)

طبقات الحنابلة (2/ 90)، وانظر مسائل عبد الله (2/ 731، 759) رقم 978، 1020.

(3)

البخاري في الحج، باب 31، 77، حديث 1556، 1638، ومسلم في الحج، حديث 1211 (111).

(4)

(2/ 67). وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الحج، باب 102، حديث 948، وابن ماجه في المناسك، باب 39، حديث 2975، والدارمي في المناسك، باب 29، حديث 1844، وابن الجارود (2/ 86) حديث 460، وابن خزيمة (4/ 225)، حديث 2745، والطحاوي (2/ 197)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 223 - 225) =

ص: 98

(ويجب على المتمتِّع دمٌ) إجماعًا

(1)

؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

(2)

الآية. وهو دَمُ (نُسُك، لا) دم (جبرانٍ) لما تقدم

(3)

من أفضلية التمتُّع على غيره (بسبعة شروط) متعلِّق بـ"يجب":

(أحدها: أن لا يكون) المتمتعُ (من حاضري المسجدِ الحرام)

لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

(4)

(وهم) أي: حاضرو المسجد الحرام (أهل مكَّة) و) أهل (الحَرم، ومن كان منه، أي: من الحَرَم، لا من نفس مكَّة دون مسافة القَصْرِ) لأن حاضر الشيء من حلَّ فيه، أو قرب منه وجاوره، بدليل رخص السفر (فمن له منزلان متأهِّلٌ بهما، أحدهما دون مسافة القَصْر) من الحرم (والآخر فوقها أو مثلها، لم يلزمه دَم) التمتُّع (ولو كان إحرامه من)

= حديث 3915، 3916، والدارقطني (2/ 257)، والبيهقي (5/ 107) من طريق الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر، ولم يرفعوه، وهو أصح.

وقال الطحاوي: هذا الحديث خطأ؛ أخطأ فيه الدراوردي، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أصله عن ابن عمر، عن نفسه، هكذا رواه الحفاظ. وردَّ عليه الحافظ في الفتح (3/ 494 - 495) فقال: وهو تعليل مردود، فالدراوردي صدوق، وليس ما رواه مخالفًا لما رواه غيره، فلا مانع من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين.

ورواية الموقوف أخرجها مسلم في الحج، حديث 1230 (181) بلفظ: من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد، ولم يحل حتى يحل منهما جميعًا.

(1)

الإجماع لابن المنذر ص / 64، والاستذكار (11/ 217).

(2)

سورة البقرة، الآية:196.

(3)

(6/ 93).

(4)

سورة البقرة، الآية:196.

ص: 99

المنزل (البعيد، أو كان أكثر إقامته) في البعيد (أو) كان أكثر (إقامة ماله فيه) أي: البعيد (لأن بعض أهله من حاضري المسجد الحرام) فلم يوجد الشرط (وإن استوطن مكة أُفُقيٌّ) بضمتين، نسبة إلى الأفق، وهو الناحية من الأرض أو السماء، وهو الأفصح، وبفتحتين تخفيفًا (فحاضِرٌ) لا دم عليه؛ لعموم الآية (فإن دَخَلها) أي: مكَّة (متمتِّعًا ناويًا الإقامةَ بها بعد فراغ نُسُكه، أو نواها) أي: الإقامة (بعد فَراغه منه) أي: من النُّسُك (أو استوطن مكِّيٌّ بلدًا بعيدًا، ثم عاد) إلى مكة (مقيمًا متمتِّعًا، لزِمَه دم) التمتُّع؛ لأنه حال الشروع في النُّسك لم يكن من حاضري المسجد الحرام.

‌(الثاني: أن يعتمر في أشهر الحجِّ،

والاعتبار بالشهر الذي أحرم) بها (فيه، لا) بالشهر (الذي حَلَّ) منها (فيه، فلو أحرم بالعُمرة في) شهر (رمضان، ثم حَلَّ) منها؛ بأن طاف وسعى وحَلَق أو قصَّر (في شوال، لم يكن متمتِّعًا) لأن الإحرام نُسُك

(1)

يُعتبر للعُمرة، أو من أعمالها، فاعتُبر في أشهر الحجِّ كالطواف.

(وإن أحرم الآفاقي) -قال ابن خطيب الدَّهشة

(2)

: لا يقال: آفاقي، أي: لا يُنسب إلى الجَمع، بل إلى الواحد

(3)

- (بعمرة في غير أشهر الحجِّ) كرمضان مثلًا (ثم أقام بمكة، واعتمر من التنعيم في أشهر الحجِّ، وحجَّ من عامه)(فهو (متمتِّعٌ، نصًّا)

(4)

لأنه اعتمر وحجَّ في أشهر الحجِّ من عامه (وعليه دَمٌ) لعموم الآية. وهذا قول الموفق والشارح

(1)

في "ح": "إما نسك".

(2)

تقدم التعريف به (6/ 66) تعليق رقم (1).

(3)

انظر: "تاج العروس"(6/ 279) مادة (أفق).

(4)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 146) رقم (726).

ص: 100

على اختيارهما الآتي بيانه في الشرط السادس.

(الثالث: أن يحجَّ من عامه)

لما سبق.

‌(الرابع: أن لا يسافر بين الحجِّ والعُمْرة مسافة قَصْرٍ فأكثر،

فإن فَعَل) أي: سافر مسافة قَصْرٍ فأكثر (فأحرم) بالحجِّ (فلا دم) عليه. نصَّ عليه

(1)

لما روي عن عُمر أنه قال: "إذا اعتَمرَ في الحجِّ ثم أقامَ فهو متمتِّعٌ، فإن خرجَ ورجعَ فليس بمتمتِّع"

(2)

، وعن ابن عُمرَ نحو ذلك

(3)

. ولأنه إذا رَجَع إلى الميقات أو ما دونه، لَزِمَه الإحرام منه، فإذا

(4)

كان بعيدًا فقد أنشأ سفرًا بعيدًا لحَجّه، فلم يترفَّه بترك أحد السفرين، فلم يلزمه دم.

‌(الخامس: أن يَحِلَّ من العُمْرة قبل إحرامِه بالحجِّ،

فإن أحرم به قبل حِلِّه منها، صار قارنًا) ولَزِمه دم قِران كما يأتي؛ لترفّهه بترك أحد السفرين.

(السادس: أن يُحْرِم بالعُمْرة من الميقات) أي: ميقات بلده (أو من مسافة قَصْر فأكثر من مكة) فلو أحرم من دون مسافة قَصْرٍ من مكة، لم يكن عليه دم تمتُّع، ويكون حكمه حكم حاضري المسجد الحرام، وإنما يكون عليه دم مجاوزة الميقات بغير إحرام إن تجاوزه كذلك، وهو من أهل الوجوب. (ونصه

(5)

. واختاره

(6)

الموفقُ وغيره: أنَّ هذا

(1)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 742) رقم 966، ومسائل أبي داود ص / 129، 130، ومسائل ابن هانئ (1/ 151) رقم 750.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 96) تعليق رقم (3).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 96) تعليق رقم (4).

(4)

في "ذ": "فإن".

(5)

مسائل ابن هانئ (1/ 145، 146) رقم 719، 720، 721، 723.

(6)

"اختاره": كذا في الأصول، ولعل الصواب. "اختار" كما أُثبت في "الإقناع"(1/ 562)، وحاشية الروض المربع لابن قاسم (3/ 563).

ص: 101

ليس بشرط) فيلزمه دم التمتُّع (وهو الصحيح، لأنا نسمِّي المكيَّ متمتِّعًا، ولو لم يسافر) وهذا غير ناهض؛ لأنه لا يلزم من تسميته متمتعًا وجوب الدَّم، ويأتي أن هذه الشروط لا تعتبر في كونه متمتعًا.

(السابع: أن ينوي التمتُّع في ابتداء العُمْرة أو أثنائها)

ذكره القاضي وتبعه الأكثرون؛ لظاهر الآية، وحصول الترفّه، وجزم الموفق بخلافه (ولا يُعتبر وقوعُ النُّسُكين عن واحد، فلو اعتمر لنفسه وحَجَّ عن غيره، أو عَكَسه) بأن اعتمر عن غيره وحَجَّ عن نفسه (أو فَعَل ذلك عن اثنين) بأن حَجَّ عن أحدهما واعتمر عن الآخر (كان عليه دمُ المتعة) لظاهر الآية. وهو على النائب إن لم يأذنا له في ذلك، إن لم يرجع إلى الميقات، فَيُحْرِم منه بالحجِّ لأنه بسبب مخالفته، وإن أذنا فعليهما، وإن أذن أحدهما وحده فعليه النصف والباقي على النائب، على ما ذكره في "الشرح"، فيما إذا استنابه اثنان في النُّسكين، فَقَرن بينهما لهما، أو استنابه واحد في أحد النُّسكين فَقَرن له ولنفسه.

(ولا تُعتبر هذه الشروطُ) جميعًا (في كونه) يُسمَّى (متمتعًا) خلافًا لظاهر كلام الموفق ومن تبعه (فإنَّ المتعة تصحُّ من المكِّي كغيره) مع أنه لا دم على المكي.

(ويلزمُ دمُ تمتُّع وقِران بطلوع فجر) يومِ (النَّحر) لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

(1)

أي: فليُهْدِ، وحَمْله على أفعاله أَولى من حَمْله على إحرامه، كقوله: "الحجُّ

(1)

سورة البقرة، الآية:196.

ص: 102

عرَفَة"

(1)

، و"يوم النحر يوم الحج الأكبر"

(2)

؛ ولأن ذلك الوقت وقت ذَبْحه، فكان وقت وجوبه، قاله في "شرح المنتهى" تبعًا لأبي الخطاب. وفي كونه وقت ذَبْحه نظر. ومراده: أنه أول الأيام التي يذبح فيها، وإن تأخر زمنُ ذَبْحِه عنه، ولأن الهَدي من جنس ما يقع به التحلُّل، فكان وقت وجوبه بعد وقت الوقوف، كطوافٍ ورميٍ وحَلْقٍ، وفيه أيضًا نظر؛ لأنه يقتضي وجوبه من نصف الليل، إلا أن يُراد التشبيه بها في تأخُّر وقتها عن وقت الوقوف في الجُمْلة (ويأتي وقتُ ذَبْحه) في باب الهَدي والأضاحي (ويَلزمُ القارنَ -أيضًا- دمُ نُسُكٍ إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام) نصَّ عليه

(3)

. واحتج له جماعة بالآية؛ ولأنه ترفَّه بسقوط أحد السفرين كالمتمتع.

(ولا يسقطُ دمُ تمتُّعٍ وقِرانٍ بفساد نُسُكِهما) نصَّ عليه

(4)

؛ لأن ما

(1)

تقدم تخريجه (6/ 80) تعليق رقم (1).

(2)

ذكره البخاري معلقًا بصيغة الجزم، في الحج، باب 133، عقب حديث 1742، ووصله أبو داود في المناسك، باب 67، حديث 1945، وابن ماجه في المناسك، باب 76، حديث 3058، وابن سعد (2/ 183)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 289) حديث 2640، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 91) حديث 1459، والطبراني في الأوسط (10/ 97) حديث 9202، وفي الصغير (2/ 119)، وفي مسند الشاميين (1/ 160) حديث 265، (2/ 377) حديث 1533، والحاكم (2/ 331)، وتمام في فوائده (1/ 190) حديث 443، وأبو نعيم في الحلية (8/ 274)، وابن حزم في حجة الوداع ص / 180، حديث 114، والبيهقي (5/ 139)، وفي شعب الإيمان (3/ 469) حديث 4086، وفي فضائل الأوقات ص / 410، حديث 218، والسلفي في معجم السفر ص / 290، حديث 962، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(3)

انظر: طبقات الحنابلة (2/ 90).

(4)

مسائل أبي طالب كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 258).

ص: 103

وجب الإتيان به في الصحيح وجب في الفاسد، كالطواف وغيره.

(ولا) يسقط دمُ تمتُّع وقِران -أيضًا- (بفواته) أي: الحج كما لو فسد.

(وإذا قضى القارنُ قارنًا لَزِمه دمان، دمٌ لِقِرانه الأول، ودمٌ لِقِرانه الثاني، وإن قضى) القارن (مفرِدًا لم يلزمه شيء) لقِرانه الأول؛ لأنه أتى بنسك أفضل من نسكه. (وجَزَم غيرُ واحد) بـ (أنه يلزمه دَمٌ لقِرانه الأول) لأن القضاء كالأداء. قال في "الفروع": وهو ممنوع.

(فإذا فَرَغ) من قضى مفرِدًا من الحجِّ (أحرم بالعُمرة من) الميقات (الأبعد) أي: أبعد الميقاتين اللذين أحرم في أحدهما بالقِران وفي الآخر بالحج (كمن فسد حجُّه) ثم قضاه، يحرم من أبعد الميقاتين (وإلا) أي: وإن لم يحرم بالعُمْرة من أبعد الميقاتين (لزم دَمٌ) لتركه واجبًا.

(وإن قضى) القارن (متمتعًا، فإذا تحلَّل من العُمْرة، أحرم بالحج من أبعد الموضعين: الميقات الأصلي، والموضع الذي أحرم منه الإحرام الأول) الذي أفسده.

قلت: والظاهر أنه لا دم عليه إذن؛ لفوات الشرط الرابع.

(ويُسنّ لمن كان قارنًا أو مفرِدًا فَسْخُ نيتهما بالحجِّ، وينويان) بإحرامهما ذلك (عُمْرة مفردة، فإذا فرغا منها) أي: العُمْرة (وحلَّا، أحرما بالحجِّ، ليصيرا متمتعين، ما لم يكونا ساقا هديًا) لأنه صحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمَرَ أصحابَه الذين أفرَدُوا الحجَّ وقَرَنُوا أن يَحِلُّوا كلُّهُم ويجعلُوها عُمْرةً إلَّا من كانَ معه هديٌ". متفق عليه

(1)

. وقال سلمة بن شبيب

(2)

(1)

تقدم تخريجه (6/ 93) تعليق رقم (9).

(2)

هو سلمة بن شبيب النيسابوري، من تلاميذ الإمام أحمد، توفي سنة (240 هـ) رحمه الله تعالى. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 168، 169) والمقصد الأرشد (1/ 416).

ص: 104

لأحمد

(1)

: كل شيء منك حسن جميل إلا خلَّة

(2)

واحدة. فقال: وما هي؟! قال: تقول: بفسخ الحجِّ، قال: كنت أرى أنَّ لك عقلًا، عندي ثمانية عشر حديثًا جيادًا صحاحًا كلها في فَسْخِ الحجِّ، أتركُها لقولك؟! وقد روى فَسْخَ الحجِّ إلى العُمْرة ابنُ عمر

(3)

، وابنُ عباس

(4)

، وجابرٌ

(5)

، وعائشة

(6)

وأحاديثهم متفق عليها، ورواه غيرهم من وجوه صحاح.

وفي "الانتصار" و"عيون المسائل": لو ادَّعى مدَّعٍ وجوب الفسخ لم يبعد؛ مع أنه قول ابن عباس وجماعة، واختاره ابن حزم

(7)

.

وجوابه: أنه صلى الله عليه وسلم "لما قَدِمَ لأربعٍ مضَيْنَ من ذي الحجَّةِ، فصَلَّى الصبحَ بالبَطْحاء، ثم قال: من شاء منكم أن يجعلها عُمْرةً فليجعَلْهَا عُمْرة"

(8)

.

واحتجَّ المخالف بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}

(9)

.

(1)

طبقات الحنابلة (1/ 168 - 169)، وانظر مسائل صالح (1/ 358) رقم 326، ومسائل عبد الله (2/ 691) رقم 933، ومسائل أبي داود ص / 124، ومسائل ابن هانئ (1/ 147 - 148) رقم 732، 733.

(2)

"أي: خصلة". ش.

(3)

أخرجه البخاري في الحج، باب 104، حديث 1691، ومسلم في الحج، حديث 1227.

(4)

أخرجه البخاري في تقصير الصلاة، باب 3، حديث 1085، وفي الحج، باب 34، حديث 1564، ومسلم في الحج، حديث 1240.

(5)

أخرجه البخاري في الحج، باب 35، حديث 1570، ومسلم في الحج، حديث 1216.

(6)

أخرجه البخاري في الحج، باب 33، 34، حديث 1560، 1561، ومسلم في الحج، حديث 1213 (136).

(7)

المحلى (7/ 99، 107).

(8)

أخرجه مسلم في الحج حديث 1240 (199) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(9)

سورة محمد، الآية:33.

ص: 105

ورُدَّ: بأن الفسخ نقله إلى غيره، لا إبطاله من أصله، ولو سُلِّم فهو محمول على غير مسألتنا، قاله القاضي.

فإن قيل: هل يصحُّ -وإن لم يعتقد- فِعْل الحج من عامه؟

قيل: مَنَعه ابن عقيل وغيره. نقل ابن منصور

(1)

: لابُدَّ أن يُهِلَّ بالحج من عامه، ليستفيد فضيلة التمتُّع؛ ولأنه على الفَوْر، فلا يؤخِّره لو لم يُحْرِم به، فكيف وقد أحرم به. واختلف كلام القاضي، وقدَّم الصحة؛ لأنه بالفسخ حصل على صفة يصح منه التمتُّع؛ ولأن العُمْرة لا تصير حجًّا، والحج يصير عُمْرة، كمن حُصر عن عرفة أو فاته الحج.

فإن كان المُفرِد والقارن ساقا الهَدي لم يفسخا؛ لما تقدم من قوله: "إلا من كانَ معه هَديٌ"

(2)

.

(أو) يكونا (وقفا بعرفة) فلا يفسخان، فإن من وقف بها أتى بمعظم الحجِّ، وأمِنَ من فوته بخلاف غيره (فلو فَسَخَا في الحالتين) أي: فيما إذا ساقا هديًا أو وقفا بعرقة (فَلَغوٌ) لما سبق، وهما باقيان على نُسُكهما الذي أحرما به.

(و‌

‌لو ساق المتمتع هَديًا، لم يكن له أن يَحِلَّ) من عُمْرته

(فَيُحرِمَ بحجٍّ إذا طاف وسعى لعُمْرته فبل تُحلُّلِه بالحَلْق، فإذا ذَبَحه يومَ النَّحْر، حلَّ منهما) أي: من الحج والعُمْرة معًا؛ لقول ابن عُمر: "تمتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَةِ إلى الحجِّ، فقال: من كانَ معه هَديٌ فإنه لا يحلُّ من شيءٍ حرمَ عليه، حتى يقضِيَ حجَّهُ"

(3)

. ولأن التمتع أحد نوعي

(1)

مسائل الكوسج (5/ 2386) رقم 1686.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 94) تعليق رقم (2).

(3)

أخرجه البخاري في الحج، باب 104، حديث 1691، ومسلم في الحج، حديث =

ص: 106

الجمع بين الإحرامين كالقِران.

(والمعتمرُ غير المتمتِّعِ يَحِلُّ بكلِّ حال) إذا فرغ من عُمْرته (في أشهر الحج وغيرها، ولو كان معه هَديٌ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتَمرَ ثلاثَ عُمر سوى عُمْرتِه التي مع حجَّتِهِ بعضهن في ذِي القعْدَةِ"

(1)

فكان يَحِلُّ (فإن كان معه) هَديٌ (نَحَره عند المروة، وحيث نحره من الحرم، جاز) لأنه كله مَنْحَر له.

(والمرأةُ إذا دخلت) مكة (متمتِّعةً، فحاضت قبل طواف العُمْرة، لم يكن لها أن تدخل المسجدَ

(2)

ولا تطوفَ بالبيت) لحديث عائشة

(3)

، (فإن خَشِيتْ فواتَ الحج أو خافه) أي: فوات الحج (غيرُها، أحرم بالحج، وصار قارنًا) نصَّ عليه

(4)

في الحائض؛ لما روى مسلم: أن عائشة كانت متمتِّعةً فحاضَت، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أهلِّي بالحجِّ"

(5)

؛ ولأن إدخال الحج على العُمْرة يجوز من غير خشية الفوات، فمعها أَولى؛ لكونها ممنوعة من دخول المسجد (ولم يقضِ طوافَ القُدوم) لفوات محله، كتحية المسجد (ويجب دمُ قِران) كدم مُتعة (وتسقط عنه العُمْرة) أي: تندرج أفعالها في أفعال الحج، كسائر القارنين، وتجزئ عن عُمْرة الإسلام، كما يأتي.

= 1227 في حديث طويل.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 11) تعليق رقم (7).

(2)

في "ذ": "المسجد الحرام".

(3)

قوله: "لحديث عائشة" ليس في "ذ"، وفيه بدله:"لما تقدم في الحيض"، وحديث عائشة رضي الله عنها تقدم تخريجه (1/ 467) تعليق رقم 2.

(4)

مسائل عبد الله (2/ 750) رقم 1009.

(5)

مسلم في الحج، حديث 1213 في حديث طويل، عن جابر رضي الله عنه.

ص: 107

فصل

(ومن أحرم مطلقًا بأن نوى نفس الإحرام) أي: الدخول في نُسُك (ولم يعيِّن نُسُكًا، صحَّ) إحرامه، نصَّ عليه

(1)

، كإحرامه بمثل ما أحرم فلان، وحيث صحَّ مع الإبهام، صحَّ مع الإطلاق (وله صرفه) أي: الإحرام (إلى ما شاء) من الأنساك، نصَّ عليه

(2)

(بالنية) لا باللفظ؛ لأن له أن يبتدئ الإحرام بأيها شاء، فكان له صَرْف المطلق إلى ذلك (ولا يجزئه العمل) من طواف وغيره (قبل النيَّة) أي: التعيين؛ لحديث: "وإنما لكُلِّ امرئ ما نَوى"

(3)

فإن طاف قبله لم يجزئه؛ لوجوده لا في حَجٍّ ولا عُمْرة (والأَولى صَرْفُه إلى العُمْرة) لأن التمتع أفضل.

(وإن أحرم مُبْهِمًا كإحرامه بمثل ما أحرم به فلان، أو) إحرامه

(4)

(بما أحرم به فلان، وعَلِمَ) ما أحرم به فلان (انعقد إحرامُه بمثله) لحديث جابر "أن عليًّا قدم من اليَمنِ، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: بمَ أهلَلْتَ؟ فقال: بما أهلَّ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: فأهْدِ، وامْكُثْ حرامًا

(5)

"

(6)

. وعن أبي موسى نحوه

(7)

. متفق عليهما (فإن كان الأول أحرم مطلقًا، كان له) أي: الثاني

(1)

الفروع (3/ 333)، وانظر كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 555).

(2)

انظر: مسائل الكوسج (5/ 2353) رقم 1651، ومسائل مهنا كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 555).

(3)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم 2.

(4)

في "ذ": "أحرم".

(5)

"أي على الإحرام". ش.

(6)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 61، حديث 4352 معلقًا، ومسلم في الحج، حديث 1216 (141) موصولًا.

(7)

أخرجه البخاري في الحج، باب 32، 125، حديث 1559، 1724، وفي العمرة، باب 11، حديث 1795، وفي المغازي، باب 60، 77، حديث 4346، 4397، =

ص: 108

(صَرْفُه إلى ما شاء) كما لو أحرم مطلقًا، ولا يتعيَّن عليه صَرْفه لما صَرَفه إليه الأول. قال في "المبدع": فظاهر كلامهم: يعمل بقوله، لا بما وقع في نفسه (ولو جَهِلَ

(1)

إحرامَ الأول، فكمن أحرم بنُسُكٍ ونَسِيه، على ما يأتي) بيانه قريبًا.

(وإن شَكَّ هل أحرم الأولُ، فكمن لم يُحْرِم، فيكون إحرامُه مُطلقًا يصرِفُه إلى ما شاء) كما لو أحرم ابتداء مطلقًا (فإن صَرَفه قبل طوافِه، وَقَع طوافُه) بعد ذلك (عمَّا صَرَفه إليه، وإن طافَ قبل صَرْفِه) إلى نُسُك معين (لم يعتدَّ بطوافه) لأنه لا في حجٍّ ولا عُمْرة.

(ولو كان إحرامُ الأول فاسدًا) بأن وطئ فيه (فيتوجَّه، كنَذْرِه عبادة فاسدة) هذا معنى كلامه في "الفروع" و"المبدع"، فينعقد إحرامه، ويأتي بحجَّة صحيحة، على ما يأتي في النذر.

(و‌

‌إن أحرم بحجَّتين أو عُمْرتين، انعقد إحرامُه بإحداهما،

ولَغتِ الأخرى) لأن الزمان لا يصلح لهما مجتمعتين، فيصح بواحدة منهما مفردة، كتفريق الصفقة، ولا ينعقد بهما معًا، كبقية أفعالهما، وكنذرهما في عام واحد، فإنه يجب عليه إحداهما في ذلك العام؛ لأن الوقت لا يصلح لهما. قال القاضي وغيره: وكنيَّة

(2)

صوم يومين في يوم، ولو فسدت هذه المنعقدة، لم يلزمه إلا قضاؤها.

(وإن أحرم بنُسُكٍ) ونسيه (أو نَذَره ونَسِيه، وكان) نسيانه (قبل

= ومسلم في الحج، حديث 1221.

(1)

"قوله: ولو جهل إحرام الأول .. إلخ، أي: صفة إحرامه، لا أنه جهل، هل أحرم أو لا؟ لئلّا يتكرر مع قوله: وإن شك

إلخ، قاله ع [أي: عثمان بن قائد النجدي] في حاشيته على المنتهى [2/ 92] ا. هـ". ش.

(2)

في "ح" و"ذ": "هو كنية".

ص: 109

الطوافِ، جعله عُمْرة استحبابًا) لأنها

(1)

اليقين، وله صرف الحج والقِران إليها مع العِلم، فمع الإبهام أَولى (ويجوزُ صَرْفُه إلى غيرها) أي: غير العُمْرة؛ لعدم تعينها

(2)

.

(وإن جعلَه قِرانًا أو إفرادًا، صحَّ حجًّا فقط) أي: دون العُمْرة فيما إذا صَرَفه إلى قِران؛ لأنه يحتمل أن يكون المنسي حجًّا مفردًا، فلا يصح إدخال العُمْرة عليه، فصحة العُمْرة مشكوك فيها، فلا تسقط بالشكِّ (ولا دم عليه) لأنه لم يتحقَّق أنه قارن، ولا وجوب مع الشكِّ.

(وإن جعله) أي: المنسي (عُمْرة، فكفسخِ حجٍّ إلى عُمْرة) فيصحُّ و (يلزمه دم المتعة، ويجزئه) النُّسُك (عنهما) لصحتهما على كل تقدير.

(وإن كان شكُّه بعد الطواف، صَرَفه إلى العُمْرة، ولا يجعلُه حجًّا ولا قِرانًا؛ لاحتمال أن يكون المنسيُّ عُمْرة؛ لأنه لا يجوز إدخالُ الحجِّ على العُمْرة بعد الطواف لمن لا هَديَ معه، فيسعى ويحلقُ ثم يُحْرِمُ بالحج مع بقاء وقته، ويتمُّه، ويسقطُ عنه فَرْضُه) لتأديته إياه (ويلزمه دمٌ بكلِّ حال؛ لأنه إن كان المنسيُّ حجًّا أو قِرانًا، فقد حَلَق فيه في غير أوانه) أي: الحَلْق (وفيه) أي: الحَلْق قبل أوانه (دم) جبران (وإن كان معتمرًا، فقد تحلَّل ثم حجَّ، وعليه دمُ المتعة) بشروطه (وإن جعَله حجًّا أو قِرانًا، لم يصحَّ) لاحتمال أن يكون المنسيُّ عُمْرة، ولا يصح إدخال الحجِّ عليها بعد الطواف لمن لا هَدي معه (ويتحلَّل بفِعْل الحجِّ) لاحتمال أن يكون حجًّا (ولم يجزئه) ما فَعَله (عن واحد منهما؛ للشكِّ، ولا دم ولا قضاء) عليه (للشكِّ في سببهما) الموجب لهما،

(1)

في "ذ": "لأنه".

(2)

في "ح": "تعيينها".

ص: 110

والأصل براءته

(1)

. و‌

‌يصح: أحرمت يومًا، أو: بنصف نُسُك، ونحوه. لا: إن أحرم زيد فأنا مُحْرِم.

(وإن أحرم عن اثنين) استناباه في حجٍّ أو عُمْرة، وقع عن نفسه؛ لأنه لا يمكن وقوعه عنهما، وليس أحدهما أَولى بوقوعه عنه من الآخر (أو) أحرم (عن أحدهما لا بعينه) وقع عن نفسه دونهما؛ لما تقدم (أو) أحرم (عن نفسه وغيره، وقع عن نفسه) لأنه إذا وقع عن نفسه فيما سبق ولم ينوِها، فمع نيته أَولى (ويضمن) ما أخذه منهما ليحج به عنهما، فيرد لهما بدله.

(و‌

‌يُؤدَّب من أخذ من اثنين حَجَّتين؛ ليحُجَّ عنهما في عام واحد)

لفعله مُحرَّمًا. نصَّ عليه

(2)

(وإن استنابَه اثنان في عام في نُسُك، فأحرَم عن أحدهما بعينه، ولم يَنْسَه، صحَّ، ولم يصحَّ إحرامُه للآخر بعدَه) نصَّ عليه

(3)

ولو طاف للزيارة بعد نصف ليلة النَّحْر ورمى، لا إن علق الإحرام من المبيت ليالي منى، ورَمْي الجمار أيامها باقية، فلا يصحّ إدخال إحرام على إحرام

(4)

(فإن نسي عمَّن أَحرمَ منهما وتعذَّرت معرفتُه، فإن فَرَّطَ) النائب (أعاد الحجَّ عنهما) لأنه لا يكون لأحدهما؛ لعدم أولويته (وإن فَرَّط الموصَى إليه بذلك) بأن لم يسمه للنائب (غَرِمَ) الموصى إليه (ذلك) أي: نفقة الحج عنهما (وإلا) أي: وإن لم يكن ذلك بتفريط النائب

(5)

، ولا الموصى إليه؛ بأن سمَّاه الموصى إليه

(1)

"إذا لم تكن حجة الإسلام باقية في ذمته". ش.

(2)

الإرشاد إلى سبيل الرشاد لابن أبي موسى ص / 180.

(3)

الفروع (3/ 339).

(4)

في "ذ": "الإحرام على الإحرام".

(5)

في "ذ": "من النائب".

ص: 111

للنائب وعيَّنه ابتداءً، ولم يحصُل منه تفريط في نسيانه، لكنه نسيه (فـ) النفقة للحجِّ عنهما (من تَرِكَةِ الموصِيَيْن) المستناب عنهما؛ لعدم التفريط (إن كان النائب غير مستأجرٍ لذلك) أي: للحج عنهما؛ لأنه أمين (وإلا) بأن كان مستأجرًا له، إن قلنا: تصحُّ الإجارة للحج (لَزِماه) أي: لزم النائب الأجير أن يحجَّ عنهما؛ ليوفي بما استؤجر له.

فصل

(والتلبيةُ سُنَّة) لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره بها، وهي ذِكْر فيه، فلم تجب كسائر الأذكار.

(ويُسَّنُّ ابتداؤها) أي: التلبية (عَقِبَ إحرامِه) على الأصح. وقيل: إذا استوى على راحلته، وجزم به في "المقنع" وغيره، وتبعهم في "المختصر"

(1)

.

(و) يُسنُّ (ذِكْرُ نُسكِه فيها، و) يُسنُّ (ذِكْرُ العُمْرةِ قبل الحج للقارن، فيقول: لبَّيكَ عُمْرةً وحجًّا) لحديث أنس قال: "سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: لبَّيكَ عمرةً وحَجًّا"

(2)

. وقال جابر: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبَّيْكَ بالحجِّ"

(3)

. وقال ابن عباس: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحَابُه، وهمْ يُلَبُّونَ بالحجِّ"

(4)

. وقال ابن عُمر: "بدأ رسولُ

(1)

هو مختصر الخرقي، وقد ذكر ذلك ص / 93، وقول المؤلف "وتبعهم" فيه تجوُّز، لأن الخرقي متقدم على صاحب المقنع.

(2)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 61، حديث 4353، ومسلم في الحج، حديث 1232، واللفظ لمسلم.

(3)

أخرجه البخاري في الحج، باب 35، حديث 1570، ومسلم في الحج، حديث 1216، واللفظ للبخاري.

(4)

أخرجه البخاري في تقصير الصلاة، باب 3، حديث 1085، ومسلم في الحج، =

ص: 112

الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعُمْرَةِ، ثم أهَلَّ بالحجِّ"

(1)

. متفق عليهما. ومعنى "أهلَّ": رفع صوته بالتلبية، من قولهم: استهلَّ الصبي، إذا صاح.

(و) يُسنُّ (الإكثارُ منها) أي: من التلبية؛ لخبر سهل بن سعد: "مَا من مسلم يُلبِّي إلَّا لَبَّى ما عن يمينهِ وشماله من شجر، أو حجرٍ، أو مَدَرٍ، حتَّى تنقطع الأرضُ من هاهنا وهاهنا". رواه الترمذي بإسناد جيد، وابن ماجه

(2)

.

(و) يُسنُّ (رَفْعُ الصوت بها) لقول أنس: "سمعتُهم يَصرخُونَ بها صُراخًا" رواه البخاري

(3)

(ولكن لا يُجْهِدُ نفسه في رَفعْه زيادة على الطاقة) خشية ضرر يصيبه.

(ولا يستحبُّ إظهارها) أي: التلبية (في مساجد الحِلِّ وأمصاره) قال أحمد: إذا أحرم في مِصْره، لا يعجبني أن يلبي، حتى يبرز

(4)

؛ لقول ابن عباس لمن سمعه يلبي بالمدينة: "إِنَّ هذا لمجنون، إنَّمَا التلببة إذَا بَرَزت"

(5)

. واحتج القاضي وأصحابه بأن إخفاء التطوُّع

= حديث 1240 (201).

(1)

تقدم تخريجه (6/ 93) تعليق رقم (7).

(2)

الترمذي في الحج، باب 14، حديث 828، وابن ماجه في المناسك، باب 15، حديث 2921. وأخرجه -أيضًا- الفاكهي في أخبار مكة (1/ 414) حديث 895، والروياني في مسنده (2/ 215) حديث 1063، وابن خزيمة (4/ 176) حديث 2634، وأبو الشيخ في العظمة (5/ 1705) حديث 1160، والحاكم (1/ 451)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 251)، والبيهقي (3/ 43)، وفي شعب الإيمان (3/ 446) حديث 4021. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 499 مع الفيض) ورمز لحسنه.

(3)

في الحج، باب 25، حديث 1548، ولفظه: يصرخون بهما جميعًا.

(4)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 682) رقم 918، ومسائل أبي داود ص / 99.

(5)

أخرجه أبو داود في مسائله ص / 99، وأبو القاسم البغوي في الجعديات =

ص: 113

أَولى؛ خوف الرياء على من لا يشاركه في تلك العبادة، بخلاف البراري وعرفات، والحَرَم ومكة.

(ولا) يُستحبُّ إظهارها (في طواف القدوم والسعي) بعده؛ خوف انشغال

(1)

الطائفين والساعين عن أذكارهم. وعُلم منه أنَّه لا بأس بهما فيهما سرًّا؛ لأنه زمن التلبية.

(ويُكره رَفْع الصوت بها حول البيت)، وإن لم يكن طائفًا (لئلَّا يشغل الطائفين عن طوافهم وأذكارهم) المشروعة لهم.

(ويُستحبُّ أن يلبّى عن أخرس ومريض وصغير ومجنون ومغمًى عليه) تكميلًا لنُسُكهم، وكالأفعال التي يعجزون عنها.

(ويُسنُّ الدُّعاء بعدها) أي: التَّلبية (فيسأل الله الجنة، ويعوذ به من النار) لما روى الدارقطني بإسناده عن خزيمة بن ثابت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغَ من تلبيته، سألَ الله مغفرتَهُ ورضوانَهُ، واستعاذَ برحمته من النار"

(2)

(ويدعو بما أحب) لأنه مظنّة إجابة الدعاء.

(و) يُسنُّ عقبها (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) لأنه موضع يُشرع فيه ذِكْر الله تعالى، فشُرعت فيه الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، كالصلاة، أو فشُرع فيه ذِكْر رسوله، كالأذان (ولا يرفع بذلك) أي: بالدعاء والصلاة عليه

= (2/ 852) رقم 2362.

(1)

في "ح": "إشغال"، وفي "ذ":"اشتغال".

(2)

سنن الدارقطني (2/ 238). وأخرجه -أيضًا- الشافعي في الأم (2/ 157) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 307)، والطبراني في الكبير (4/ 85)؛ حديث 3721، وابن عدي (4/ 1378) والبيهقي (5/ 46).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 224): وفيه صالح بن محمد بن زائدة، وثقه أحمد، وضعفه خلق. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 240): فيه صالح بن محمد بن أبي زائدة أبو واقد الليثي، وهو مدني ضعيف.

ص: 114

- صلى الله عليه وسلم عقب التلبية (صوته) لعدم وروده.

(وصفة التلبية: لبيك اللَّهمَّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) قال الطحاوي

(1)

والقرطبي

(2)

: أجمع العلماء على هذه التلبية.

وهي مأخوذة من لَبَّ بالمكان، إذا لزمه، فكأنه قال: أنا مقيم علي طاعتك، وكرَّره؛ لأنه أراد إقامة بعد إقامة، ولم يرد حقيقة التثنية، وإنما هو التكثير، كحنانيك، والحنان: الرحمة.

وقيل: معنى التلبية: إجابة دعوة إبراهيم حين نادى بالحج، وقيل: محمد. والأشهر: أنَّه الله تعالى.

وكسر همزة "إن" أَولى عند الجماهير، وحكي الفتح عن آخرين. قال ثعلب

(3)

: من كسر فقد عمَّ، يعني حمد الله على كل حال، ومن فتح فقد خصَّ، أي: لبيك؛ لأن الحمد لك.

(ولا يُستحبُّ

(4)

الزيادةُ عليها) لأنه صلى الله عليه وسلم لزم تلبيته، فكرَّرها، ولم يزد عليها (ولا يُكره) نصَّ عليه

(5)

؛ لأن ابن عُمر كان يلبِّي تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزيد مع هذا: "لبيكَ، لبيكَ، لبيكَ

(6)

وسعدَيْكَ، والخيرُ

(1)

شرح معاني الآثار (2/ 125).

(2)

الاستذكار (11/ 90).

(3)

انظر: معالم السنن للخطابي (2/ 338)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 267)، والدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي (2/ 396)، وانظر: مجالس ثعلب (1/ 129).

(4)

في "ذ": "تستحب".

(5)

مسائل أبي داود ص / 124.

(6)

في "ذ": "لبيك": مرة واحدة.

ص: 115

بيدَيْكَ، والرغْبَاءُ إليكَ والعمَلُ". متفق عليه

(1)

. وزاد عُمر: "لبَّيكَ ذَا النَّعماء والفضْلِ، لبَّيكَ لبيَّكَ مرغُوبًا ومرهوبًا إليكَ لبَّيكَ" رواه الأثرم

(2)

. ورُوي أن أنسًا كان يزيد: "لبَّيك

(3)

حقًّا حقًّا، تعبُّدًا ورِقًّا"

(4)

.

(و‌

‌لا يُستحبُّ؛ تكرارها في حالة واحدة)

قاله أحمد

(5)

. قال في "المستوعب" وغيره: وقال له الأثرم: ما شيء تفعله العامة، يلبون دُبُرَ الصلاة ثلاثًا؟ فتبسم، وقال: لا أدري من أين جاؤوا به. قلت: أليس يجزئه مرة؟ قال: بلى؛ لأن المروي التلبية مطلقًا من غير تقييد، وذلك يحصُل بمرَّة (وقال الموفق والشارح: تكرارها ثلاثًا في دُبُرِ الصلاة حسن) فإن الله وتر يحب الوتر.

(1)

البخاري في الحج، باب 26، حديث 1549، ومسلم في الحج، حديث 1184، وزيادة ابن عمر رضي الله عنهما عند مسلم فقط.

(2)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع، وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 193.

(3)

في (ح): "لبيك لبيك".

(4)

أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 13)، رقم 1091، من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، به، موقوفًا بلفظ: "لبيك حجًّا حقًّا

". وأخرجه البزار "كشف الأستار" (2/ 13)، حديث 1090، والخطيب في تاريخه (14/ 215)، وابن عساكر في تاريخه (38/ 45، 51/ 236) من طريق النضر بن شميل، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أخيه يحيى، عن أنس مرفوعًا. قال البزار: ولم يسنده حماد، وأسنده النضر بن شميل، ولم يحدث يحيى بن سيرين عن أنس إلا هذا. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 240): ذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه، وساقه بسنده مرفوعًا، ورجَّح وقفه. وانظر أطراف الغرائب والأفراد (2/ 13).

(5)

المغني (5/ 106)، وكتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 604)، والفروع (3/ 345).

ص: 116

(ولا تُشْرَع) التلبية (بغير العربية لقادر) على التلبية بالعربية؛ لأنه ذِكر مشروع، فلم تشرع بغير العربية مع القدرة، كالأذان والأذكار المشروعة في الصلاة. (وإلا) أي: وإن لم يكن قادرًا على العربية، لبَّى (بلغته) كالتكبير في الصلاة.

(ويتأكَّد استحبابُها إذا علا نَشَزًا، أو هبط واديًا، وفي دُبُرِ الصلوات المكتوبات ولو في غير جماعة، و) عند (إقبال الليل و) إقبال (النهار وبالأسحار، وإذا التقتِ الرفاقُ، وإذا سمع ملبيًا، أو أتى محظورًا ناسيًا إذا ذَكَره، أو ركب دابتَه، أو نزل عنها، أو رأى البيتَ) لما روى جابر قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبِّي في حجَّتِهِ إذا لَقِيَ راكبًا، أو علا أكَمَةً، أو هبطَ واديًا، وفي أدبار الصلواتِ المكتويةِ، وفي آخر الليْلِ"

(1)

. وقال إبراهيم النخعي: "كانوا يستحبُّون التلبيةَ دُبُرَ الصلاة المكتوبة، وإذا هبط واديًا، وإذا عَلا نشزًا، وإذا لقِيَ راكبًا، وإذا استوت بهِ راحلتُهُ"

(2)

. وأما فيما إذا فَعَل محظورًا ناسيًا ثم ذَكَره، فلتدارك الحج، واستشعار إقامته عليه، ورجوعه إليه. وفي "المستوعب": تُستحبُّ عند تنقُّل الأحوال به.

(1)

لم نقف على من أخرجه مسندًا، وأورده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 239)، وقال: ذكره الشيخ في المهذب، وبيَّض له النووي والمنذري، ورواه ابن عساكر في تخريجه لأحاديث المهذب، من طريق عبد الله بن محمد بن ناجية في فوائده بإسناد له إلى جابر، وفي إسناده من لا يعرف. وضعَّفه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 359).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 89.

وأخرج الشافعي في الأم (2/ 157)، عن محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية، وعن ابن عمر أنَّه كان يلبي راكبًا، ونازلًا، ومضطجعًا. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 239).

ص: 117

(و‌

‌تُستحبُّ) التلبية (في مكة والمسجدِ) الحرام (وسائرِ مساجد الحرم،

كمسجد منى، وفي عرفات -أيضًا- و) سائر (بقاع الحرم) لعموم ما سبق، ولأنها مواضع النُّسُك.

(و‌

‌لا بأس أن يلبِّي الحلال)

لأنها ذِكرٌ مستحبٌّ للمُحْرِم، فلم تُكره لغيره، كسائر الأذكار.

(وتُلبِّي المرأة) استحبابًا؛ لدخولها في العمومات (ويُعتبر أن تُسمِعَ نفسها) التلبية؛ لأنها لا تكون متلفظة بذلك إلا كذلك (ويُكره جَهْرُها بها أكثر من سماع رفيقتِها) قال ابن المنذر

(1)

: أجمع العلماء على أن السُّنة في المرأة أن لا ترفع صوتها. انتهى. وإنما كُرِه لها رَفْعُ الصوت، مخافة الفتنة بها

(2)

. قلت: وخُنثى مشكل كأنثى (ويأتي) محل (قطعها آخر باب دخوله

(3)

مكة) مفصلًا.

(1)

لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، وذكر هذا الإجماع ابن عبد البر في التمهيد (17/ 242)، وفي الاستذكار (11/ 122).

(2)

في "ح" و"ذ" زيادة: "لكن يعتبر أن تسمع نفسها التلبية وفاقًا".

(3)

في "ح" و"ذ": "دخول".

ص: 118

‌باب محظورات الإحرام

أي: الممنوع فِعْلهن في الإحرام شرعًا (وهي ما يَحرُمُ على المُحْرِم فِعْله) بسبب الإحرام (وهي تسعة:

أحدها: إزالةُ الشَّعر من جميع بدنه) ولو من أنفه (بحَلْق أو غيره) لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}

(1)

نصَّ على حَلقِ الرأس، وعُدِّيَ إلى سائر شعر البدن؛ لأنه في معناه، إذ حلقه يؤذن بالرفاهية، وهو ينافي الإحرام؛ لكون أن المُحْرم أشعث أغبر. وقِيسَ على الحَلقِ: النتف والقلع؛ لأنهما في معناه، وإنما عبَّر به في النصِّ؛ لأنه الغالب.

(فإن كان له) أي: المُحْرِم (عُذْرٌ من مرضٍ، أو قمل، أو قروح، أو صداع، أو شدَةِ حَرٍّ؛ لكثرته مما يتضرَّرُ بإبقاءَ الشَّعْر، أزاله) أي: الشعر (وفَدَى) لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(1)

؛ ولما روى كعب بن عُجرة قال: "كان بي أذًى منْ رأسي، فحُملتُ إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والقمْلُ يتناثَرُ على وجْهِي، فقال: ما كنتُ أرَى الجهدَ يَبلغُ بكَ مَا أرى، أتَجدُ شَاةً؟ قلت: بلى

(2)

. فنزلت: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(1)

. قال: هو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستَّةَ مسَاكينَ: نصف صاعٍ طعامًا لِكُلِّ مسكين". متفق عليه

(3)

(كأكلِ صيدٍ لضرورة) إلى أكله،

(1)

سورة البقرة: الآية: 196.

(2)

كذا في الأصول: "بلى" وفي البخاري ومسلم: "لا".

(3)

البخاري في المحصر، باب 7، حديث 1816، وفي التفسير: سورة البقرة، باب 32، حديث 4517، ومسلم في الحج، حديث 1201 (85). انظر ما يأتي (6/ 183) =

ص: 119

فيأكله وعليه الجزاء.

(الثاني: تقليم الأظفار) لأنه يحصُل به الرفاهية، فأشبه إزالة الشَّعر (إلا من عُذْر) فيباح عند العُذر، كالحلق (فمن حَلَقَ ئلاث شعرات فصاعدًا، أو قلَّم ثلاثة أظفار فصاعدًا، ولو مخطئًا، أو ناسيًا، فعليه دَمٌ) يعني شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، كما يأتي في الفِدية، أما في الحَلْقِ، فلما تقدم. وخُصَّت بالثلاث؛ لأنها جَمْع، واعتُبرت في مواضع، بخلاف ربع الرأس، وأُلحقت حالة عدم العُذر بحالة وجوده؛ لأنها أَولى بوجوب الفِدية، وأما التقليم فبالقياس على الحَلْق؛ لأنه في معناه في حصول الرفاهية.

(وفيما دون ذلك) أي: الثلاث من الشعرات أو الأظفار (في كل واحد طعام مسكين) ففي شعرة طعام مسكين، وفي شعرتين طعاما مسكين

(1)

، وفي تقليم ظفر واحد طعام مسكين، وفي ظفرين طعاما مسكين

(1)

؛ لأنه أقل ما وجب شرعًا فدية.

(و‌

‌في قصِّ بعض الظُّفر ما في جميعه، وكذا قَطعُ بعض الشَّعْرة)

فيه ما في جميعها؛ لأنه غير مقدَّر بمساحة، وهو يجب فيهما، سواء طالا أو قصرا؛ كالمُوْضِحة

(2)

يجب مع كبرها وصغرها، ففي بعض الشَّعْرة أو بعض الظُّفر طعام مسكين، وفي شعرتين وبعض أخرى، وظفرين وبعض آخر فدية كاملة.

(وإن حُلق رأسُه بإذنه) فالفِدية على المَحلوق رأسه دون الحالق.

= تعليق رقم (1).

(1)

في "ذ": "مسكينين".

(2)

الموضحة: الشجة التي تكشف وضح العظم، أي: بياضه. المطلع ص / 367، المصباح المنير 2/ 913.

ص: 120

(أو) حُلِق رأسه بلا إذنه لكنه (سكت، ولم ينهه) أي: الحالق (ولو كان الحالق مُحرِمًا، فالفِدية عليه) أي: على المحلوق رأسه؛ لأن الله تعالى أوجب الفِدية بحلق الرأس، مع علمه أن غيره يحلقه، ولأن الشَّعْر أمانة عنده كوديعة، فإذا سكت ولم يَنْهَ الحالقَ فقد فرَّط فيه، فيضمنه (كما لو أُكره) المُحْرم (على حَلْقه) أي: الشعر، فحَلَقه (بيده) فالفِدية عليه؛ لأنه إتلاف، وهو يستوي فيه من باشره طائعًا أو مكرهًا (ولا شيء على الحالق) ولو مُحْرمًا؛ لأنه محظور واحد، فلا يوجب فديتين.

(وإن كان) المُحْرم المحلوق رأسه (مكرهًا) وحُلقت رأسُه (بيد غيره، أو) كان (نائمًا) وحُلقت رأسه (فـ) الفِدية (على الحالق) نصّ عليه

(1)

؛ لأنه أزال ما مُنِع من إزالته؛ كحَلْق مُحْرمٍ رأس نفسه.

(ومن طيَّب غيره) والغير مُحْرم (فكحالق) فإن كان بإذنه، أو سكت ولم ينهه؛ فالفِدية على المفعول به؛ وإن كان مكرهًا أو نائمًا، فعلى فاعل

(2)

، ويأتي أنه لا فدية على من تطيَّب مكرهًا.

(وإن حَلَقَ مُحْرِمٌ حلالًا) يعني: أزال شعره (أو قَلَّمَ) المُحْرِم (أظفاره) أي: الحلال (فلا فِدية عليه) أي: هدر. نصَّ عليه

(3)

؛ لأنه شعر أو ظفر مباح الإتلاف، فلم يجب بإتلافه جزاء، كبهيمة الأنعام.

(وحُكمُ الرأس والبَدن في إزالة الشَّعر، و) في (الطيب، و) في (اللُّبْس واحد) لأنه جنس واحد، لم يختلف إلا موضعه (فإن حَلَق شعر رأسِه وبدنه) ففدية واحدة؛ لما تقدم. وكما لو لَبِسَ قميصًا وسراويل

(1)

الفروع (3/ 353).

(2)

في "ح" و"ذ": "الفاعل".

(3)

الفروع (3/ 354).

ص: 121

(أو تطيَّب) في رأسه وبدنه (أو لَبِسَ فيهما، فـ) ــــــعليه (فِدية واحدة) لأن الحلق إتلاف، فهو آكد من ذلك، ومع ذلك ففيه فِدية واحدة فهنا أَولى.

(وإن حَلَق من رأسه شعرتين، ومن بدنه شعرة، أو بالعكس) بأن حَلَق من بدنه شعرتين ومن رأسه واحدة (فعليه دَمٌ) أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، كما لو كانت من موضع واحد.

(وإن خرج في عينه شعر فَقَلعه) فلا شيء عليه (أو نَزَل شعرُ حاجبيه فغطَّى عينيه فأزاله، فلا شيء عليه) لأن الشعر آذاه، فكان له إزالته من غير فِدية، كقتل الصيد الصائل، بخلاف ما إذا حَلَقَ شعره لقمل، أو صداع، أو شدة حَرٍّ، فتجب الفِدية؛ لأن الأذى من غير الشعر.

(وكذا إن انكسر ظفره فقصَّه) لأنه يؤذيه بقاؤه

(1)

(أو قَطَع أصبعًا بظفرِها) فهَدْر؛ لأنه زال تبعًا، وإن لم يمكن مداواة مرضه إلا بقصه، قصه وفدى (أو قَلَع جلدًا عليه شعرٌ) فهَدْرٌ؛ لما تقدم (أو افتَصَد فزال شعرٌ) فهَدْرٌ. ولو قلع

(2)

أشفار عين لم يضمن الهدب.

(وإن خلَّل لحيته، أو مشَّطها، أو) خلَّل (رأسه) أو مشَّطها (فسقط شعرٌ ميِّتٌ، فلا شيء عليه، نصًّا) قال أحمد

(3)

: إن خلَّلها فسقط، إن كان شعرًا ميتًا فلا شيء عليه (وإن تيقَّن أنه) أي: الشعر (بان بالمشطِ أو التَّخَلُّلِ

(4)

فَدَى) لدخوله في عموم ما سبق (وتُستحبُّ الفِدية مع الشك) في كونه بانَ بمشط، أو كان ميتًا، احتياطًا لبراءة ذمته، ولا

(1)

في "ذ" زيادة: "وكذا إن وقع بظفره مرض فأزاله. قاله في المبدع".

(2)

في "ذ": "قطع".

(3)

مسائل أبي داود ص / 127.

(4)

في "ح" و"ذ": "التخليل".

ص: 122

يجب؛ لأن الأصل عدمه.

(وله) أي: المُحْرِم (حَكُّ بدنه، أو رأسه

(1)

برِفقٍ) نصَّ عليه

(2)

(ما لم يقطع شَعرًا) فيَحرم عليه.

(وله) أي: المُحْرم (غَسْلُه) أي: غسل رأسه وبدنه، فَعَل ذلك عُمر

(3)

وابنه

(4)

، وأرخص فيه عليٌّ

(5)

وجابر

(6)

(في حَمَّام وغيره، بلا تسريح) لأن تسريحه تعريض لقَطْعِه.

(و) للمُحْرِم (غَسْلُه بسِدرٍ وخطمي ونحوهما) كصابون وأُشنان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المُحْرِم الذي وَقَصته راحلته: "اغْسِلُوهُ بماءٍ وسِدْر"

(7)

مع بقاء الإحرام، وقِيسَ على السِّدر ما يشبهه.

(وإن وَقَعَ في أظفاره مرض فأزالها لذلك المرض، فلا شيء عليه) لأنها تابعة، فلا تضمن كما تقدم.

(و‌

‌إن انكسر ظُفره فأزال أكثر مما انكسر، فعليه الفِدية)

أي: فِدية ما زاد على المنكسر؛ لعدم الحاجة إلى إزالته؛ بخلاف المنكسر.

(1)

في "ذ": "ورأسه".

(2)

مسائل عبد الله (2/ 698) رقم 936.

(3)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 309)، ومسدد، كما في المطالب العالية (1/ 106) رقم 170، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 103، والبيهقي (5/ 63).

(4)

أخرجه مسدد، كما في المطالب العالية (2/ 27) رقم 1210، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 104، والبيهقي (5/ 63).

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 147).

(6)

أخرجه مسدد، كما في المطالب العالية (2/ 27) رقم 1211، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 944) رقم 2718، والبيهقي (5/ 54، 64). قال الحافظ في المطالب العالية: هذا صحيح موقوف.

(7)

تقدم تخريجه (6/ 90) تعليق رقم (4).

ص: 123

‌فصل

(الثالث: تغطية الرأس)

إجماعًا

(1)

؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم المُحْرِمَ عن لبس العمائم

(2)

، وقوله في المُحْرِم الذي وَقَصَته راحلته:"ولا تخَمِّرُوا رأسَه، فإنَّهُ يُبْعَثُ يومَ القِيامةِ مُلبِّيًا"

(3)

متفق عليهما. وكان ابن عُمر يقول: "إحْرَامُ الرَّجُلِ في رَأسِهِ"

(4)

وذكره القاضي مرفوعًا

(5)

(والأذنان منه) لما

(1)

انظر الإجماع لابن المنذر ص / 57، والتمهيد لابن عبد البر (15/ 104).

(2)

أخرجه البخاري في العلم، باب 53، حديث 134، وفي الصلاة، باب 9، حديث 366، وفي الحج، باب 21، حديث 1542، وفي جزاء الصيد، باب 13، 15، حديث 1838، 1842، وفي اللباس، باب 8، 13، 14، 15، حديث 5794، 5803، 5805، 5806، ومسلم في الحج، حديث 1177، عن ابن عمر رضي الله عنهما، ويأتي نص الحديث كاملًا (6/ 128)، تعليق رقم (1).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 90) تعليق رقم (4).

(4)

أخرجه سعيد بن منصور، كما في المحلى (7/ 92)، والعقيلي (1/ 116)، والبيهقي (5/ 47).

(5)

لفظ: "إحرام الرجل في رأسه" لم نجده مرفوعًا إلا في سنن الدارقطني (2/ 294) قال: ثنا الحسين بن إسماعيل، نا أبو الأشعث، نا حماد بن زيد، عن هشام بن حسان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه".

وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الدارقطني الحسين بن إسماعيل وهو المحاملي، إمام ثقة. ولكن زيادة "أن النبي صلى الله عليه وسلم" بعد "ابن عمر رضي الله عنهما" في السنن خطأ مطبعي، لم نجده في غير هذا الموضع، وقد أخرجه البيهقي (5/ 47) من طريق الدارقطني، عن الحسين بن إسماعيل به، موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما. وقال: هكذا رواه الدراوردي وغيره موقوفًا على ابن عمر.

ونقله الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة (9/ 184) رقم 10844 عن الدارقطني موقوفًا.

وإنما روي مرفوعًا قوله: "إحرام المرأة في وجهها" رواه العقيلي (1/ 116)، والدارقطني (2/ 294)، والبيهقي (5/ 47)، من طريق أيوب بن =

ص: 124

في حديث ابن ماجه من قوله صلى الله عليه وسلم: "الأُذُنَان من الرَّأسِ"

(1)

(وتقدم ذلك في) باب (الوضوء) ومنه أيضًا: النزعتان والصدغ، والتحذيف والبياض فوق الأذنين (فما كان منه) أي: الرأس (حَرُمَ على ذَكَرٍ تغطيتُه) لما تقدم (فإن غطَّاه) أي: الرأس (أو) غطَّى (بعضَه، حنى أذنيه بلاصِقٍ مُعتادٍ أو لا) أي: أو بلاصق غير معتاد (كعِمامة وخِرقةٍ وقِرطاس فيه دواءٌ أو غيره، أو لا دواء فيه، و) كـ (عصابةٍ لصُداع ونحوه) كرمد (ولو يسيرًا، وطِين

(2)

طَلَاه به، أو بحنَّاء أو غيره، ولو بنُوْرَة؛

(3)

لعُذر أو غيره، فعليه الفِديةُ) لأنه فعل محرَّمًا في الإحرام يقصد به الترفّه، أشبه حَلْق الرأس.

(وإن استظلَّ في مَحْمِل) -ضبطه الجرهري كالمجلس، وعكس ابن مالك

(4)

(ونحوه من هودج وعمَّاريَّة

(5)

ومَحَارة

(6)

، حَرُمَ، وفدي) لأن ابن عمر "رأى على رَجُلٍ مُحْرِمٍ عُودًا يَسْتُرُهُ مِن الشَّمْس فنهاهُ عن

= محمد أبي الجمل عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها. قال العقيلي: لا يتابع علي رفعه إنما هو موقوف. وضعفه البيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 139) وقال في السنن الكبرى: وأيوب بن محمد أبو الجمل ضعيف عن أهل العلم بالحديث، وقد روى هذا الحديث من وجه آخر مجهول عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، والمحفوظ موقوف. انظر التلخيص الحبير (2/ 272).

(1)

تقدم تخريجه (1/ 229) تعليق رقم 1.

(2)

في "ح" و"ذ": "أو طين".

(3)

النُّورة: أخلاط تُضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، وتُستعمل لإزالة الشَّعر.

المصباح المنير ص / 866، وانظر ما تقدم (1/ 160).

(4)

انظر: لامية الأفعال ص / 202.

(5)

العمَّارية: محمل كبير مظلَّلٌ، يُجعل على البعير من الجانبين كليهما. انظر: النظم المستعذب (1/ 183). وانظر ما تقدم (3/ 258).

(6)

المَحارة: شِبْه الهَودج. انظر: القاموس المحيط ص / 381، مادة (حور).

ص: 125

ذلكَ" رواه الأثرم

(1)

، واحتج به أحمد

(2)

. ولأنه قصد ستره

(3)

بما يقصد به الترفّه كتغطيته، أو يقال: لأنه سَتر رأسه عمَّا

(4)

يُستدام ويلزمه (وكذا لو استظلَّ بثوب ونحوه، راكبًا ونازلًا) كالمَحمِل (و‌

‌لا أثر للقصد وعدمِه فيما فيه فِدية، وما لا فِدية فيه)

لكن يأتي إذا فَعَله ناسيًا.

(ويجوز تلبيدُ رأسِه بعَسَل وصَمْغ ونحوه؛ لئلا يدخله غبارٌ، أو دبيبٌ، أو يصيبه شَعَثٌ) لحديث ابن عُمر: "رَأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلُّ مُلَبِّدًا، متفق عليه

(5)

(ولا شيء عليه) لأنه لم يفعل محظورًا، ولو كان في رأسه طيب مما فَعَله قبل الإحرام؛ لحديث ابن عباس:"كأني أنظر إلى وَبيصِ المِسْك في رَأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحْرِم"

(6)

.

(1)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 244)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 309، والبيهقي (5/ 70)، وابن عساكر في تاريخه (45/ 94). وصحح إسناده النووي في شرح مسلم (9/ 46) وفي المجموع (7/ 267).

(2)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 701) رقم 937، ومسائل صالح (2/ 157) رقم 726.

(3)

في "ذ": "بستره".

(4)

في "ح"و"ذ": "بما".

(5)

البخاري في الحج، باب 19، حديث 1540، وفي اللباس، باب 69، حديث 5915، ومسلم في الحج، حديث 1184 (21).

(6)

أخرجه النسائي في المناسك، باب 231، حديث 3082، وفي الكبرى (2/ 441) حديث 4090، وابن ماجه في المناسك، باب 70، حديث 3041، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 241، وأحمد (1/ 235، 344)، وأبو يعلى (5/ 89) حديث 2696، وفي معجمه ص / 261، حديث 327، والطحاوي (2/ 229)، والطبراني في الكبير (12/ 140) حديث 12705، والبيهقي (5/ 136، 204) بلفظ: "

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضمِّخ رأسه بالمسك، أفطيب ذاك أم لا؟! ".

وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف فهو من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد تقدم تخريجه (6/ 84) تعليق رقم (5).

ص: 126

(وكذا إن حَمَلَ على رأسه شيئًا، أو وضع يده عليه) لأنه لا يُستدام (أو نصب حياله ثوبًا؛ لحرٍّ أو بردٍ، أمسكه إنسان، أو رَفَعه على عود) لما روت أم الحصين قالت: "حَجَجْتُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حجَّةَ الوداع، فرأيت بلالًا وأُسامة، وأحدُهُما آخذٌ بخطَامِ ناقتِهِ، والآخرُ رَافعٌ ثَوبهُ يَسْترُهُ مِنَ الحرِّ، حتَّى رَمَى جَمْرَةَ العقبة"، رواه مسلم

(1)

. وأجاب أحمد

(2)

-وعليه اعتمد القاضي وغيره- بأنه يسير لا يُراد للاستدامة، بخلاف الاستظلال بالمحمل.

(أو استظلَّ بخيمة أو شجرةٍ، ولو طَرَح عليها شيئًا يستظلُّ به، أو) استظل بـ (سقف أو جدار، ولو قَصَد به السَّتْر) فلا شيء عليه؛ لحديث جابر "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ فنزلها"، رواه مسلم

(3)

؛ ولأنه لا يقصد به الترفّه في البدن عادة، بل جَمْع الرَّحْل وحفظه، وفيه شيء.

(وكذا لو غطَّى) المُحْرِم الذَّكر (وجهه) فيجوز، رُوي عن عثمان

(4)

وزيد بن ثابت

(5)

، وابن عباس

(6)

، وابن الزبير

(7)

، وغيرهم،

(1)

في الحج، حديث 1298.

(2)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 702) رقم 938، والمغني (5/ 129 - 131).

(3)

في الحج حديث 1218.

(4)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 354) والشافعي في الأم (7/ 241) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 324)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 308، والبيهقي (5/ 54) وصحح إسناده النووي في المجموع (7/ 327).

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (7/ 241)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 308، والبيهقي (5/ 54)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 154) رقم 9637.

(6)

ذكره عنه ابن حزم في المحلى (7/ 91).

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 308.

ص: 127

ولأنه لم تتعلق به سنة التقصير من الرجل، فلم تتعلَّق به حُرمة التخمير، كباقي بدنه.

فصل

(الرابع: لُبْسُ الذَّكر المَخِيطَ، قلَّ أو كَثُرَ، في بدنه أو بعضه، مما عُمل على قَدْره) أي: قَدْر الملبوس فيه من بدن أو بعضه (من قميص وعِمامة وسراويل وبُرنُس ونحوها، ولو دِرعًا منسوجًا، أو لِبْدًا معقودًا، ونحوه) مما يُعمل على قَدْر شيء من البدن (و) كـ (الخفين أو أحدهما للرِّجْلين، و) كـ (القفازين) تثنية قفاز، كتفاح: شيء يُعمل (لليدين) كما يُعمل للبزاة (وقال القاضي وغيره: ولو كان) المخيط (غير معتاد، كجورب في كفٍّ، وخفٍّ في رأس، فعليه الفِدية. انتهى) للعمومات (ورانٍ) شيءٌ يُلبس تحت الخف (كخُفٍّ) لما روى ابن عُمر أن رجلًا "سَألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟ فقال: لا يَلبَس القَميص، ولا العِمَامةَ، ولا البُرنُسَ، ولا السَّراويلَ، ولا ثَوْبا مَسَّهُ زَعْفَران أو وَرْس، ولا الخُفَّينِ، إلا أن لا يَجِدَ نَعْلَينِ، فليقطعهُمَا أسْفَلَ مِنَ الكعبَينِ". متفق عليه

(1)

.

فتنصيصه على القميص يلحق به ما في معناه من الجُبَّة والدرَّاعة، والعِمامة يلحق بها كلُّ ساتر ملاصق أو ساتر معتاد، والسراويل يلحق به التُّبَّان وما في معناه، ولا فَرْق بين قليل اللبس وكثيره؛ لظاهر الخبر، ولأنه استمتاع، فاعتُبِرَ فيه مجود الفعل، كالوطء في الفَرْج.

(ف‌

‌إن لم يجد إزارًا، لبس سراويل)

لقول ابن عباس: "سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرفاتٍ يقولُ: السَّرَاويلُ لمَنْ لا يَجِدُ الإزار، والخفَّان لمن

(1)

تقدم تخريجه (6/ 124) تعليق رقم (2).

ص: 128

لم يَجِدِ النَّعلينِ". متفق عليه

(1)

، ورواه الأثبات وليس فيه:"بعرفات". وقال مسلم

(2)

: انفرد بها شعبة. وقال البخاري

(3)

: تابعه ابن عيينةَ عن عمر

(4)

.

(ومثله) أي: السراويل (لو شَقَّ إزارَه، وشَدَّ كلَّ نصفٍ على ساقٍ) لأنه في معناه.

(ومتى وجد إزارًا، خَلَعه) أي: السراويل، كالمتيمم يجد الماء (وإن اتَّزر) المُحْرِم (بقميص، فلا بأس) به؛ لأنه ليس لبسًا للمخيط المصنوع لمثله.

(وإن عَدِمَ نعلين، أو) وجدَهما و (لم يمكن لبسهما) لضيقٍ أو غيره (لَبِسَ خُفَّين أو نحوهما من رانٍ وغيره) كسرموزة

(5)

، وزربول؛

(6)

لحديث ابن عباس السابق (بلا فِدية) لظاهر الخبر، ولو وجبت، لبيَّنها؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (ويحرُمُ قَطْعُهما) أي: الخُفَّين؛ لحديث ابن عباس السابق، ولمسلم عن جابر مرفوعًا مثله

(7)

، وليس فيه:"يخْطُبُ بعَرَفَات". ولم يذكر في هذين الحديثين الخُفَّين

(8)

، ولقول علي:"قَطْعُ الخُفَّينِ فَسادٌ"

(9)

؛ ولأن الخف ملبوس أُبيح لعدم غيره،

(1)

البخاري في جزاء الصيد، باب 15، 16، حديث 1841، 1843، وفي اللباس، باب 14، 37، حديث 5804، 5853، ومسلم في الحج، حديث 1178.

(2)

في الحج عقب حديث 1178.

(3)

في الحج، باب 132، حديث 1740.

(4)

في "ح" و"ذ": "عمرو"، وهو الصواب كما في البخاري.

(5)

تقدم التعريف بها (1/ 110).

(6)

نوع من الخفاف، وقد تقدم ذكره (1/ 270).

(7)

في الحج، حديث 1179.

(8)

في "ح" و"ذ": "قطع الخفين"، وهو الصواب.

(9)

لم نقف على من خرجه مسندًا، وذكره ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود =

ص: 129

أشبه لبس السراويل من غير فَتْقٍ، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال

(1)

. وقال أبو الشعثاء لابن عباس: "لمْ يقُلْ: لِيقْطعهُما؟ قال: لا" رواه أحمد

(2)

. وروي -أيضًا- عن عُمر: "الخفَّانِ نَعْلانِ لمنْ لا نَعْلَ لَهُ"

(3)

.

(وعنه

(4)

: يقطعُهما) أي: الخُفَّين ونحوهما (حتى يكونا أسفلَ من الكعبين، وجوَّزه جمعٌ. قال الموفق وغيره: والأولى قَطعُهما؛ عملًا بالحديث الصحيح) أي: حديث ابن عُمر

(5)

؛ وخروجًا من الاختلاف، وأخذًا بالاحتياط. قال الشارح: وما قاله صحيح.

وأُجيب: بأن زيادة القَطْع لم يذكرها جماعةٌ، ورُوي أنها من قول ابن عُمر

(6)

، ولو سُلِّمَ صحةُ رَفْعها فهي بالمدينة، وخَبَرُ ابن عباس

= (2/ 347)، ولم يعزه إلى أحد.

(1)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 53، حديث 1477، وفي الاستقراض باب 19، حديث 2408، وفي الأدب، باب 6، حديث 5975، وفي الرقاق، باب 22، حديث 6473، وفي الاعتصام، باب 3، حديث 7292، ومسلم في الأقضية، باب 4، حديث 593 (11)(12) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

(2)

(1/ 228).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 101).

(4)

الإرشاد إلى سبيل الرشاد لابن أبي موسى ص / 165، وطبقات الحنابلة (1/ 162)، وكتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 22).

(5)

تقدم تخريجه (6/ 124) تعليق رقم (2).

(6)

رواه أبو القاسم بن بشران في أماليه كما في المغني (3/ 138)(ولم نجده في المطبوع من أمالي ابن بشران). وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 403): "قال ابن الجوزي: حديث ابن عمر اختُلف في وقفه ورفعه، وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه. انتهى. وهو تعليل مردود، بل لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة".

وانظر: التحقيق لابن الجوزي (2/ 134)، وتنقيح التحقيق (2/ 430).

ص: 130

بعرفات، فلو كان القطع واجبًا لبيَّنه للجمع العظيم الذي لم يحضر كثير منهم كلامه في المدينة في موضع البيان ووقت الحاجة. لا يقال: اكتفى بما سبق؛ لأنه يقال: فَلِمَ ذكر لبسهما، والمفهوم من إطلاقه لبسهما بلا قَطْع؟!

ويُجاب عن قول المخالف بأن المقيَّد يقضي على المطلق: أن محلَّه إذا لم يمكن تأويله، وعن قوله: إن حديث ابن عُمر فيه زيادة لفظ: بأن خبر ابن عباس وجابر فيهما زيادة حكم جواز اللبس بلا قَطْع، يعتي: أن هذا الحكم لم يُشرع بالمدينة، وهذا أَولى من دعوى النَّسْخ، وبهذا يُجاب عن قول الخطابي

(1)

: "العجب من أحمد في هذا، أي: قوله بعدم القطع؛ فإنه لا يخالف سُنَّة تبلغه". وفيه شيء؛ فإنه قد يخالف لمعارض راجح، كما هو عادة المتبحرين في العلم الذين أيدهم ألله بمعونته في جَمْعهم بين الأخبار.

(وإن لَبِسَ مقطوعًا) من خُفٍّ ونحوه (دون الكعبين مع وجود نَعْل، حَرُمَ) كلبس الصحيح؛ لأن قطعه كذلك لا يخرجه عن كونه مخيطًا (وفدى) للبسه كذلك.

(ويُباح) للمُحْرِم (النعلُ) لمفهوم ما سبق، وهي الحذاء، وهي مؤنثة، وتطلق على التاسومة، قاله في "الحاشية"(ولو كانت) النعل (بِعَقِبٍ وقَيدٍ، وهو السيرُ المُعترضُ على الزمام) للعمومات.

(و‌

‌لا يعقد) المُحْرِم (عليه شيئًا من مِنطقةٍ، ولا رداء ولا غيرهما)

لقول ابن عمر: ولا يعقد عليه شيئًا، رواه الشافعي

(2)

، وروى هو ومالك:

(1)

معالم السنن (2/ 176 - 177).

(2)

في مسنده "ترتيبه"(1/ 311).

ص: 131

أنه يكره لُبْس المنطقة للمُحْرِم

(1)

، ولأنه يترفَّه بذلك أشبه اللباس.

(وليس له أن يجعل لذلك) أي: المِنْطقة والرِّداء ونحوهما (زرًّا وعروة، ولا يخلُّه بشوكة أو إبرة أو خيط، ولا يغرز أطرافه في إزاره، فإن فعل) من غير حاجة (أثِم وفدى؛ لأنه كمخيط.

ويجوز له) أي: المُحْرِم (شدُّ وسطه بمنديل وحبل ونحوهما، إذا لم يعقد

(2)

. قال) الإمام (أحمد

(3)

في مُحْرِمٍ حَزَم عِمامته على وسطه: لا يعقدها، ويدخل بعضها في بعض) لاندفاع الحاجة بذلك. قال طاوُس: فَعَله ابنُ عمر

(4)

(إلا إزاره) فله عَقْده (لحاجة ستر العورة، و) إلا (هِمْيانه، ومِنْطَقته اللذين فيهما نفقته، إذا لم يثبت) الهِميان أو المِنْطقة (إلا بالعقد) لقول عائشة: "أوْثِقْ عليك نفقَتكَ"

(5)

. وروي عن ابن عباس

(6)

وابن عُمر

(7)

معناه. بل رَفَعه بعضهم

(8)

، ولأن الحاجة تدعو إلى عَقْدِه، فجاز كعقد الإزار، فإن ثبت بغير العقد، كما لو

(1)

الشافعي في الأم (7/ 252) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 318)، ومالك (1/ 326) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

في "ح" و"ذ": "يعقده".

(3)

مسائل أبي داود ص / 126.

(4)

أخرجه أبو داود في مسائله ص / 107، وابن أبي شيبة (4/ 49، 50).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 50)، والبيهقي (5/ 69).

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 51)، والطبراني في الكبير (10/ 327) رقم 10806، والدارقطني (2/ 233)، وابن عدي (1/ 171) بنحوه.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 50)، وابن حزم في المحلى (7/ 259) بنحوه.

(8)

أخرجه ابن عدي (1/ 171، 219)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الهِمْيان للمحرم. وضعفه. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 281): وفيه صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف.

ص: 132

أدخل السيور بعضها في بعض، لم يجز عقده لعدم الحاجة، وكما لو لم يكن فيه نفقة.

(وإن لَبِسَ المِنطْقة لوجع ظهر أو حاجة) غيره (أو لا) لحاجة (فدى) كما لو لبس مخيطًا لحَرٍّ أو برد.

(وله أن يلتحف بقميص) أي: يتغطَّى به (ويرتدي به، وبرِداء موصَّل) لأن ذلك كله ليس بلبس المخيط المصنوع لمثله (ولا يعقده) أي: الرداء، وتقدَّم.

(ويَفْدي بطَرْحِ قَباء ونحوه على كتفيه) مطلقًا. نصَّ عليه

(1)

؛ لما روى ابن المنذر مرفوعًا: "أنه نَهَى عن لبسِ الأقْبيةِ للمُحْرِم"

(2)

ورواه النجَّاد عن علي

(3)

، ولأنه مخيط، وهو عادة لبسه كمخيط.

(ومن به شيء) من قروح أو غيرها (لا يُحِبُّ أن يطَّلع عليه أحدٌ) لبس وفَدى، نصَّ عليه

(4)

(أو خاف) المُحْرِم (من بَرْدٍ، لَبِسَ وفَدى) كما لو اضطر إلى أكل صيد.

(و‌

‌لا تحرمُ دَلالةٌ على طِيبٍ ولباس)

لأنه لا يحرم على المُحْرم تحصيلهما بل استعمالهما بخلاف الصيد (ويأتي قريبًا.

(1)

انظر: شرح الزركشي (3/ 119)، والفروع (3/ 375)، وفي مسائل ابن هانئ (1/ 159) رقم 804: سئل عن لبس القَبَاء للمحرم؟ قال: لا يلقى على العاتق.

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (4/ 162) حديث 2598، والدارقطني (2/ 232)، والبيهقي (5/ 50) عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: "نهى رسول الله أن يلبس المحرم القُمُص أو الأقبية

" الحديث.

(3)

لعله رواه في مسنده أو سننه ولم يطبعا. وقد رواه -أيضًا- ابن أبي شيبة (4/ 119) ولفظه: "إن اضطر المحرم إلى ثوب، ولم يكن له إلا قَباء فلينكسه، فيجعل أعلاه أسفله، ثم ليلبسه".

(4)

الفروع (3/ 381).

ص: 133

ويتقلَّد) المُحْرِم (بسيف) لـ (لحاجة) لما روى البراء بن عازب قال: "لما صالحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَ الحدَيبيةِ، صالحَهُمْ أن لا يَدْخُلَها إلا بجُلبَانِ

(1)

السِّلاحِ: القرَابُ بِمَا فيه" متفق عليه

(2)

. وهذا ظاهر في إباحته عند الحاجة؛ لأنهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن ينقضوا العهد (ولا يجوز) أن يتقلَّد بالسيف (لغيرها) أي: غير حاجة لقول ابن عُمر: "لا يحمل المُحْرِم

(3)

السِّلاحَ في الحَرَم"

(4)

قال الموفق: والقياس يقتضي إباحته؛ لأنه ليس في معنى اللُّبْس، كما لو حمل قِربة في عنقه.

(و‌

‌لا يجوز حَمْل السلاح بمكة لغير حاجة)

لما روى مسلم عن جابر مرفوعًا: "لا يَحِلُّ أَن يُحمَلَ السِّلاحُ بِمَكَّةَ"

(5)

. وإنما مَنَعَ أحمد

(6)

من تقليد السيف؛ لأنه في معنى اللبس.

(وله حمل جِراب وقِربة الماء في عُنقُه، ولا فِدية) عليه (ولا يُدخل) حبلها

(7)

(في صدره) نصَّ عليه

(8)

.

(1)

"قوله: جُلْبان -بضم الجيم، وسكون اللام- شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودًا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته، ويعلقه في آخرة الكور، أو واسطته، واشتقاقه من الجُلْبة، وهي الجلدة التي تجعل على القتب. ا هـ نهاية [1/ 282] " ش.

(2)

البخاري في الصلح، باب 6، حديث 2698، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1783.

(3)

في "ذ": "لا يحل للمحرم".

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 327، ومعناه في صحيح البخاري، في العيدين، باب 9، رقم 966، 967.

(5)

في الحج، حديث 1356.

(6)

انظر: مسائل صالح (1/ 482) رقم 514، ومسائل ابن هانئ (1/ 157) رقم 785.

(7)

في "ح" و"ذ": "ولا يدخله أي حبلها". وكذا في متن الإقناع (1/ 574) ولا يدخله.

(8)

انظر: مسائل أبي داود ص / 126.

ص: 134

(والخُنثى المُشْكل إن لَبِسَ المخيطَ) ولم يُغَطِّ وجهه، فلا فِدية عليه؛ لاحتمال كونه امرأة (أو غطَّى وجهه وجسده من غير لُبْسٍ) للمخيط (فلا فِدية) لاحتمال كونه رجلا (وإن غطَّى وجهَه ورأسه) فدى؛ لأنه إن كان أنثى فقد غطَّى وجهه، وإن كان رجلًا فقد غطَّى رأسه، فوجبت بكل حال (أو غطَّى وجهَه ولَبِسَ المخيط، فدى) لأنه إن كان أنثى فعليه الفِدية لتغطية وجهه، وإن كان ذكرًا فللبسه المخيط.

‌فصل

(الخامس: الطيبُ)

إجماعًا

(1)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "أمرَ يعلَى بنَ أُمَيَّةَ بغَسْلِ الطِّيبِ"

(2)

وقال في المُحْرم الذي وقصته ناقته: "لا تُحَنِّطُوهُ"

(3)

متفق عليهما، ولمسلم:"لا تمسُّوهُ بطِيبٍ"

(4)

(فيحرُمُ عليه) أي: المُحْرِم (بعد إحرامِه تطييبُ بدنه وثيابه) أو شيء من بدنه. نصَّ عليه

(5)

، أو شيء من ثوبه؛ لحديث ابن عمر

(6)

ولأنه يُعدُّ متطيبًا بكل

(1)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص / 55، والتمهيد لابن عبد البر (2/ 254).

(2)

إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا آخر بغسل الطيب كما يأتي (6/ 194) تعليق رقم (4)، وكما أخرج البخاري في الحج، باب 17، حديث 1536، ومسلم في الحج، حديث 1180، "أن يعلى بن أمية قال لعمر: أرني النبي حين يوحى إليه، قال: فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجِعْرانة، ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، وهو متضمِّخ بطيب؟ "

فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات

" الحديث.

(3)

تقدم تخريجه (6/ 90) تعليق رقم (4).

(4)

في الحج، حديث 1206 (99) وقد رواه البخاري -أيضًا- في الجنائز، باب 22، حديث 1267، وفي جزاء الصيد، باب 21، حديث 1851.

(5)

انظر مسائل عبد الله (2/ 698) رقم 936، ومسائل ابن هانئ (1/ 154) رقم 768.

(6)

تقدم تخريجه (6/ 124) تعليق رقم (2).

ص: 135

واحد منهما (ولو) كان التطييب له (من غيره بإذنه) وكذا لو سَكَتَ ولم ينهه كما تقدم

(1)

، وسبق

(2)

حكم ما لو تطيب قبل إحرامه، ثم استدامه.

(و) يحرم عليه (لُبْسُ ما صُبغ بزعفران أو وَرسٍ) لما تقدم في حديث ابن عُمر من قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا ثوبًا مسَّه زَعْفَران أو وَرْسٌ" وهو نبت أصفر يكون باليمن تُتخذُ منه الحُمْرة للوجه، قاله الجرهري

(3)

، وفي "القاموس"

(4)

: الورس نبات كالسمسم ليس إلا باليمن، يُزرع فيبقى عشرين سنة، نافع للكَلَف طلاءً، وللبَهَق شربًا.

(أو) أي: ويحرم على المُحْرِم لُبْس (ما غُمس في ماء وَرْد، أو بُخِّرَ بعود ونحوه) كعنبر؛ لأنه مطيب.

(و) يحرم عليه -أيضًا- (الجلوسُ والنومُ عليه) أي: على ما صُبغ بزعفران أو وَرْس، أو غمس في ماء وَرْد، أو بُخِّرَ بعود ونحوه (فإن فَرَش فوقَ الطِّيب ثوبًا صفيقًا يمنعُ الرائحةَ والمباشرة غير ثياب بدنه، فلا فِدية بالنوم عليه) ولا بالجلوس عليه؛ لأنه لا يعد مستعملًا له، بخلاف ثياب بدنه ولو صفيقة.

(ويحرمُ) على المُحْرِم (الاكتحالُ) بمُطَيَّب (والاستعاطُ) بمطيب (والاحتقانُ بمطيَّبٍ) لأنه استعمال للطيب، أشبه شمَّه.

(و) يَحرمُ على المُحْرِم (شَمُّ الأدهان المطيِّبة، كدُهن وَرْد، و) دُهن (بَنَفْسج) بفتح الباء والنون والسين، معرَّب (و) دُهن (خِيريٍّ)

(1)

(6/ 121).

(2)

(6/ 85).

(3)

الصحاح (2/ 985).

(4)

القاموس المحيط ص / 579، مادة:(ورس).

ص: 136

وهو المنثور، ويأتي (و) دُهن (زَنْبق) بوزن جعفر. يقال: هو الياسمين، قاله في "الحاشية"، والمعروف أنه غيره، لكنه قريب منه في طبعه (و) يَحرم على المُحْرِمِ (الادِّهانُ بها) أي: الأدهان المطيبة، لأنها تقصد رائحتها وتتخذ للطيب، أشبهت ماء الورد.

(و) يَحرم على المُحْرِم (شمُّ مِسْكٍ وكافور وعنبر، وغاليةٍ، وماء وَرْد، وزعفران، وورس، وتبخرٌ بعود ونحوه) كعنبر؛ لأنها هكذا تستعمل.

(و) يَحرم على المُحْرِم (أكلُ أو شربُ ما فيه طِيبٌ يَظهرُ طعمُه أو ريحه، -ولو مطبوخًا -أو مسَّته النارُ، حتى ولو ذهبت رائحتُه وبقي طعمُه) لأن الطعم يستلزم

(1)

الرائحة، ولبقاء المقصود منه (فإن بقي اللون فقط) دون الطعم والرائحة (فلا بأس بأكله) لذهاب المقصود منه.

(وإن مسَّ من الطيب ما لا يَعْلَق بيده، كمِسْكٍ غير مسحوقٍ، وقِطَع كافور، و) قِطَع (عنبر ونحوه) كقِطَع عود (فلا فِدية) عليه بذلك؛ لأنه غير مستعمل للطيب (فإن شمَّه) أي: المِسك وقِطَعَ الكافور والعنبر ونحوه (فَدى) كما سبق (وإن عَلِقَ الطيبُ بيده كالمسحُوق) من مِسك وكافور وعنبر (و) كـ (الغالية وماء الورد، فَدى) لأنه مُستعمل للطيب.

(وله شَمُّ العودِ؛ لأنه لا يتطيَّبُ به إلا بالتبخير، و) له شَمُّ (الفواكه كلِّها من الأتْرُجِّ والتفاح والسَّفرجل وغيرها، وكذا نباتُ الصحراء كشيح وخُزامى وقَيصوم وإذْخِر ونحوه مما لا يُتَّخذُ طيبًا) لأنه ليس بطيب، ولا يتخذ منه طيب، ولا يُسمَّى متطيبًا عادة.

(و) كذا (ما ينبته الآدمي لغير قَصْدِ الطيب، كحناء، وعُصْفر،

(1)

في "ح" و"ذ": "مستلزم".

ص: 137

وقرنفل، ودار صينيٍّ

(1)

ونحوه) كالزرنب

(2)

(أو ينبته لطيب ولا يتخذ منه طيب، كريحان فارسي، ومَحلُّ الخِلاف) -أي: الروايتين

(3)

(فيه- وهو الحَبَق، معروف بالشام والعراق ومكَّة وغيرها) قال في "القاموس"

(4)

: نبات طيب الرائحة، فارسيته

(5)

: "القوتنج"

(6)

يشبه النمّام

(7)

. وحَبَق الماء وحَبَق التمساح: "القوتنج (6) النهري"(وخصَّه). أي: الريحان الفارسي (بعضُ العلماء بالصنميران

(8)

وهو صنف منه) أي: من الريحان الفارسي (قال بعضهم: هو العُنجج المعروف بالشام بالريحان الجمام؛ لاستدارته على أصل واحد. انتهى. وماء ريحان ونحوه) كماء الفواكه والعصفر والقرنفل ونحوها، كما

(9)

تقدم (كهو) فيحل للمُحْرِم، لما تقدم (والريحان عند العرب هو الآس) أي:

(1)

الدارصيني: وهو المعروف بالقُرفة شجر هندي يكون بتخوم الصين كالرُّمان، أوراقه كأوراق الجوز إلا إنها أدق، ولا زهر لها، ولا بزر له. انظر: القاموس المحيط ص / 844 مادة (قرف)، تذكرة داود (1/ 149).

(2)

الزرنب: طيب، أو شجر طيب الرائحة. النهاية (2/ 301)، والقاموس المحيط ص / 93 (زرنب). وفي حديث أم زرع عند مسلم (2448):"الريح ريح زرنب، والمس مس أرنب".

(3)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 278).

(4)

القاموس المحيط ص / 872، مادة (حبق).

(5)

في "ذ": "فارسية".

(6)

كذا في الأصول: "القوتنج" وصوابه: "الفوتنج"، بالفاء. انظر القاموس المحيط ص / 200، والهادي إلى لغة العرب (3/ 453).

(7)

يأتي تعريفه قريبًا.

(8)

كذا في الأصول. وفي الإقناع (1/ 576): "بالضَّيمران" وهو: من ريحان البر. أو الريحان الفارسي. القاموس المحيط ص / 429، مادة (ضمر).

(9)

في "ح" و"ذ""مما".

ص: 138

المرسين (ولا فِدية في شمِّه) قطعًا، قاله في "المبدع"(وكذا نرجس) بفتح النون وكسرها، أعجمي معرَّب (ونمَّام) قال في "القاموس"

(1)

: نبت طيبٌ مُدِرٌّ، يُخرج الجنين الميت والدود (وبَرَم، وهو: ثمر العضاه، كأم غيلان، ونحوها، ومرْزَجوش

(2)

) قال في "القاموس"

(3)

: بالفتح المردَقوش معرب مَرزَكُموش

(4)

. وعربيته: السَّمْسَق، نافع لعُسر البول والمغص، ولسعة العقرب.

(و‌

‌يفدي) المُحْرِم (بشَمِّ ما ينبته) الآدمي (لطيب، ويُتَّخذُ منه

كورد وبنفسج، وخِيريّ) بكسر الخاء وتشديد الياء آخره (وهو المنثور، ولينوفر، وياسمين، ونحوه) كالبان والزنبق؛ لقول جابر: "لا يشمّه". رواه الشافعي

(5)

وكرهه ابن عُمر

(6)

. قاله أحمد

(7)

؛ لأنه يتخذ للطيب كماء الورد.

(ولا فِدية بادهان بدُهن غير مطيب كزيت وشيرج وسمن) حتى في رأسه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فعله، رواه أحمد والترمذي وغيرهما

(8)

من حديث

(1)

القاموس المحيط ص / 1164.

(2)

كذا في الأصل و"ح"، وفي "ذ"، والإقناع (1/ 576): مرزنجوش.

(3)

القاموس المحيط ص / 605.

(4)

في "ح": "مرزنكوش"، وفي "ذ":"مرزكوش".

(5)

في مسنده (ترتيبه 1/ 312). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 360، والبيهقي (5/ 57) وصحح إسناده النووي في المجموع (7/ 276).

(6)

أخرجة ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 360، والبيهقي (5/ 57) وصحح إسناده النووي في المجموع (7/ 276).

(7)

مسائل أبي طالب والأثرم كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 91).

(8)

أحمد (2/ 25، 29، 72، 126، 145)، والترمذي في الحج، باب 14، حديث 962، وابن ماجه في المناسك، باب 88، حديث 3083، وأبو عبيد في غريب الحديث =

ص: 139

ابن عُمر من رراية فَرْقد السَّبَخي، وهو ضعيف عندهم. وذكره البخاري

(1)

عن ابن عباس، ولعدم الدليل.

(و) للمُحْرِم الادهان بـ (دُهْنِ البان الساذج) أي: الخالي عن الطيب (ونحوها في رأسه وبدنه) لما تقدم.

(وإن جَلَس عند عطَّار، أو) جلس (في موضع ليَشُمَّ الطيب، فشمَّه مثل من قَصَدَ الكعبة حال تجميرها، أو حَمَل عقدة فيها مسك ليجد ريحها، فَدى) إن شمَّه، نصَّ عليه

(2)

؛ لأنه شمَّه قاصدًا، أشبه ما لو باشره (فإن لم يقصد شمَّه كالجالس عند العطار

(3)

لحاجته

(4)

، و) كـ (داخل السوق) لا لشم الطيب (أو داخل الكعبة ليتبرك بها

(5)

، ومن

= (1/ 408)، وابن سعد (1/ 408)، وابن خزيمة (4/ 185) حديث 265، والسهمي في تاريخ جرجان ص / 195، وأبو نعيم في الحلية (3/ 49، 4/ 297)، والبيهقي (5/ 58) من طريق فرقد السبخي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قال الترمذي: هذا حديث غريب

وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد السبخي وروى عنه الناس. وقال ابن خزيمة: أنا خائف أن يكون فرقد السبخي واهمًا في رفعه هذا الخبر. وضعَّفه النووي في المجموع (7/ 282).

وأخرج البخاري في الحج، باب 18، حديث 1537 عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يدهن بالزيت.

(1)

في الحج، باب 18، قبل حديث 1537، معلقًا بصيغة الجزم، قال ابن عباس:"يشم المحرم الريحان، وينظر في المرآة ويتداوى بما يأكل: الزيت والسمن". ورواه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 113، والبيهقي (5/ 57، 58) موصولًا بنحوه، وانظر "فتح الباري"(3/ 396) وتغليق التعليق (3/ 48).

(2)

المغني (5/ 150).

(3)

في "ذ": "عطار".

(4)

في "ح" و"ذ": "لحاجة".

(5)

الكعبة نفسها زادها الله تشريفًا لا يتبرك بها، لعدم الدليل الدال على ذلك. انظر: تفسير الطبري (4/ 7) وفتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (5/ 12).

ص: 140

يشتري طيبًا لنفسه، أو للتجارة، ولا يمسّه، فغير ممنوع) لأنه لا يمكن الاحتراز منه (ولمشتريه حمله وتقليبه إذا لم يمسه، ولو ظهر ريحه؛ لأنه لم يقصد الطيب) ولم يستعمله.

(وقليل الطيب وكثيره سواء) للعمومات.

(وإذا تطيب ناسيًا أو عامدًا، لزمه إزالته بما أمكن من الماء وغيره من المائعات) لأن القصد الإزالة (فإن لم يجد) مائعا يزيل به الطيب (فـ) إنه يزيله (بما أمكنه من الجامدات، كحَكِّه بخرقة وتراب وورق شجر ونحوه) كحجر وخشب؛ لأن الواجب إزالته حسب الإمكان وقد فَعَل (وله غسله بنفسه، ولا شيء عليه لملاقاة الطيب بيده) لأنه تارك (والأفضلُ الاستعانة على غسلِه بحلالٍ) لئلا يباشره، وتقدم أنه يقدم غسله على غسل نجاسته

(1)

وحدث، لكن إن قدر على قطع رائحته بغير الماء فعل، وتوضأ بالماء؛ لأن المقصود من إزالة الطيب قَطْعُ رائحته.

‌فصل

(السادسُ: قَتلُ صيد البرِّ المأكول وذبحُه)

إجماعًا

(2)

؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}

(3)

(واصطياده) لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}

(4)

(وأذاه) ولو لم يقتله أو يخرجه

(5)

في الاصطياد أو الأذى.

(1)

في "ذ": "نجاسة".

(2)

الإجماع لابن المنذر ص / 58، والتمهيد لابن عبد البر (9/ 58).

(3)

سورة المائدة، الآية:95.

(4)

سورة المائدة، الآية:96.

(5)

في "ح" و"ذ": "يجرحه".

ص: 141

(وهو) أي: صيد البرّ (ما كان وحشيًّا أصلًا لا وصفًا، فلو تأهل وحشيٌّ) كحمام وبط (ضَمِنَه) اعتبارًا بأصله، و (لا) ضمان (إن توحش أهلي): من إبل أو بقر أو غيرهما، فلا يحرم قتله للأكل ولا جزاء فيه، قال أحمد

(1)

في بقرة صارت وحشية: لا شيء فيها؛ لأن الأصل فيها الإنسية.

(ويحرمُ) قتل واصطياد متولِّد من المأكول وغيره، تغليبا للتحريم، كما غلَّبوا تحريم أكله (ويُفدى متولدٌ من المأكول ومن غيره) إذا قتله؛ لتحريم قتله (كمتولِّد بين وحشيٍّ وأهلي) فإنه يحرم قتله واصطياده

(2)

، ويفدي تغليبًا للحظر (و) كذا المتولد (بين وحشي وغير مأكول) فيحرم قتله واصطياده؛ لما تقدم (ويأتي حكمُ غير الوحشي) وحكم غير المأكول (فحَمَام وبَطٌّ وحشيان وإن تأهلا) اعتبارًا بأصلهما (وبقرٌ وجواميس أهلية وإن توحّشت) لأن الأصل فيها الإنسية، وتقدم (فمن أتلف صيدًا) أو بعضه، فعليه جزاؤه (أو تلف) الصيد (في يده، أو) تلف (بعضه) في يده (بمباشرة) لإتلافه (أو سبب، ولو) كان (بجناية دابة) هو (متصرِّفٌ فيها) بأن كان راكبًا أو سائقًا أو قائدًا، بخلاف ما لو انفلتت منه فأتلفته (فعليه جزاؤه إن كان) الإتلاف (بيدها، أو فمِها) و (لا) يضمنه إن كان بـ (رجلها) نفحًا

(3)

، لا وطئًا، كما يعلم من الغصب (ويأتي آخرَ جزاء الصيد) أمَّا كونه يضمنه بالجزاء إذا أتلفه فبالإجماع

(4)

؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ

(1)

المغني (5/ 399)، وفي مسائل أبي داود ص / 128 بنحوه.

(2)

في "ذ" زيادة: "لما تقدم".

(3)

نفحت الدَّابة نفحًا: ضربت بحافرها. المصباح المنير (2/ 846).

(4)

الإجماع لابن المنذر ص / 58.

ص: 142

النَّعَمِ}

(1)

، وأما ضمانه إذا تلف في يده، فلأنه تَلِفَ تحت يد عادية، أشبه ما لوَ أتلفه؛ إذ الواجب إما إرساله أو رده على مالكه. وأما ضمان جزئه بالإتلاف والتلف، فلأن جملته مضمونة، فضمنت أبعاضه كالآدمي والمال.

(ويحرمُ عليه) أي: المُحرِم (الدلالة عليه) أي: الصيد (والإشارةُ والإعانةُ، ولو بإعارة سلاح ليقتله) أي: الصيد (أو ليذبَحَه به، سواء كان معه) أي: الصائد (ما يقتله به أو لا، أو يناولُه سِلاحَه أو سوطَه، أو يَدفعُ إليه فرسًا لا يقدِر على أخذِ الصيدِ إلا به) لأنه وسيلة إلى الحرام، فكان حرامًا، كسائر الوسائل، ولحديث أبي قتادة لما صاد الحمارَ الوحشي وأصحابه مُحْرِمون، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل أشارَ إليه إنسانٌ منكم، أو أمَرَهُ بشيء؟ قالوا: لا" وفيه: "أبْصَرُوا حمَارًا وَحشيًّا فلم يَدُلُّوني، وأحَبوا لو أنِّي أبْصَرتُهُ، فالتَفَتُّ فأبْصَرْتُهُ، ثمّ ركِبت؛ ونَسِيت السَّوْطَ، أو الرُّمْحَ، فقلتُ لهم: نَاولُوني. فقالوا: لا والله، لا نعينك عليه بشيء؛ إنا مُحْرِمون، فتناولته فأخذته، ثم أتَيتُ الحِمارَ مِن وراء أكمَة فَعَقَرْتهُ، فأتَيتُ بهِ أصحابي، فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهمْ: لا تأكُلُوا، فأتَيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فسألتُهُ، فقَال: كُلُوهُ وهو حَلالٌ" متفق عليه

(2)

ولفظه للبخاري. (ويضمنه بذلك) أي: يضمن المُحرِم الصيدَ بالدلالة عليه، والإشارة إليه، والإعانة عليه بشيء مما تقدم، كما يضمن المودع بالدلالة، لكن لو دلَّه، فكذبه، فلا ضمان عليه، قاله في "المبدع".

(1)

سورة المائدة، الآية:95.

(2)

البخاري في جزاء الصيد، باب 2، 4، 5 حديث 1821، 1823، 1824، وفي الهبة، باب 3، حديث 2570، وفي الجهاد والسير، باب 46، 88، حديث 2854، 2914، وفي الأطعمة، باب 19، حديث 5407، وفي الذبائح والصيد، باب 10، حديث 5490، 5492، ومسلم في الحج، حديث 1196.

ص: 143

(ولا ضمانَ على دالٍّ ولا مشيرٍ بعد أن رآه مَن يريد صيدَه) لأنه لم يكن سببًا في تلفه (وكذا لو وُجِدَ من المُحرِم عند رؤية الصيدِ ضَحِكٌ، أو استشراف) نفسٍ (فَفَطِنَ له غيرُه) أي: غير المُحرِم، فلا تحريم ولا ضمان؛ لما تقدم من حديث أبي قتادة (وكذا لو أعاره آلةَ لغير الصيدِ، فاستعمَلها فيه) أي: الصيد (لأن ذلك غير مُحرمٍ) فلا يترتب عليه ضمان.

(و‌

‌لا تحرم دلالةٌ على طِيب ولباسٍ)

لعدم ضمانهما بالسبب، ولأنه لا يتعلَّق بهما حكم يختص بالدال عليهما، بخلاف الدلالة على الصيد؛ فإنه يتعلق بها حكم يختص

(1)

بالدالِّ، وهو تحريم الأكل منه، ووجوب الجزاء إذا كان من دلَّه المُحرم حلالًا.

(ولا) تحرم (دلالة حلال مُحرِمًا على صيد) بغير الحرم؛ لأن صيد الحلال حلال، فدلالته أَولى (ويضمنه المُحرم) إذا قتله؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}

(2)

(إلا أن يكون) الصيدُ (في الحرم، فيشتركان) أي: الحلال والمُحرِم (في الجزاء كالمُحرِمين) لتحريم صيد الحرم على الحلال والمُحرم.

(فإن اشترك في قتل صيدِ حلال ومُحرِمٌ، أو) اشترك فيه (سَبعٌ ومحرِمٌ في الحِل) متعلق بـ: "اشترك"(فعلى المحرِم الجزاءُ جميعُه) لأنه اجتمع موجب ومسقط، فغلب الإيجاب، كما لو قتل صيدًا بعضه في الحرم. وقال القاضي في "المجرد": مقتضى الفقه عندي أنه يلزمه نصف الجزاء. وقاسه على مشاركة مَن لا ضمان عليه في إتلاف النفوس والأموال، والفَرق واضح، إذ الإذن هناك منتفٍ، وهاهنا موجود، نعم

(1)

في "ح": "مختص".

(2)

سورة المائدة، الآية:95.

ص: 144

إن قصد المُحِلُّ إعانة المُحرِم ومساعدته على قتل الصيد، توجَّه ما قاله القاضي، فإنه يكره له ذلك، أو يحرم عليه، كما إذا باع مَن لا جُمعة عليه لمن عليه الجمعة بعد النداء. قاله في "القواعد الفقهية" في التاسعة والعشرين

(1)

.

(ثم إن كان جَرحُ أحدهما) أي: الحلال والمُحرِم (قبل صاحبه، والسابقُ) بالجرح (الحلالُ، أو السَّبُعُ، فعلى المُحرِم جزاؤه مجروحًا) اعتبارًا بحال جنايته عليه؛ لأنه وقت الضمان (وإن سبقه المُحرم) فجَرحه (وقتله أحدهما) أي: الحلال أو السَّبعُ (فعلى المُحرِم أرش جَرحِه) فقط؛ لأنه لم يوجد منه سوى الجرح (وإن كان جرحهما في حالة واحدة، أو جرحاه) أحدهما بعد الآخر (ومات منهما، فالجزاء كله على المُحرِم) تغليبا للوجوب، كما سبق. وإن جَرَحه مُحرِم ثم قتله محرِم، فعلى الأول أرش جرحه، وعلى الثاني تتمة الجزاء.

(وإذا دلَّ مُحرِمٌ محرمًا على صيد، ثم دل الآخرُ محرما آخر) ثم (كذلك إلى عشرة فقتله العاشر، فالجزاء على جميعهم) لاشتراكهم في الإثم والتسبب (وإن قتله الأول، فلا شيء) على غيره؛ لأن الغير لم يقتل ولم يتسبب في القتل.

(ولو دلَّ حلالٌ حلالًا على صيد في الحرم، فكدلالة مُحرم مُحرِمًا عليه) أي: على الصيد، فيكون جزاؤه بينهما، نصَّ عليه

(2)

.

(وإن نصب) حلالٌ (شَبكة ونحوها) كفخٍّ (ثم أحرم) لم يضمن ما تلف بذلك ما لم يكن حيلة (أو أحرم ثم حفر بئرًا بحق، كـ) أن حَفَرها في (داره ونحوها) من ملكه أو موات (أو) حفر البئر (للمسلمين بطريق

(1)

بل في القاعدة الثامنة والعشرين ص / 38.

(2)

انظر: المغني (5/ 134 - 135)، والفروع (3/ 472).

ص: 145

واسع، لم يضمن ما تلف بذلك) لعدم تحريمه (ما لم يكن حيلة) على الاصطياد، فإن كان حيلة ضَمِنَ؛ لأن الله تعالى عاقب اليهود على نَصْبِ الشَّبَكِ يوم الجمعة وأخذِ ما سقط فيها يوم الأحد. وهذا في معناه، وشَرعُ من قبلنا شَرعٌ لنا؛ ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه.

(وإلا) أي: وإن لم يكن حفر البئر بحقٍّ، كحفرها بطريق ضيق ونحوه (ضَمِنَ) ما تلف بها من الصيد (كالآدمي إذا تلف في هذه المسألة) قال ابن عقيل: لو باع فخًّا أو شبكة منصوبتين، فوقع فيهما صيد في الحرم، أو مملوكًا للغير، لم يسقط عنه ضمانه، ذكره عنه في "القواعد الفقهية"

(1)

.

(ويحرمِ على المحرِم أكل صيد صاده) هو أو غيره من المُحرِمين (أو ذبَحه، أو دلَّ عليه حلالًا أو أعانه عليه أو أشار إليه) لما تقدم في حديث أبي قتادة من قوله صلى الله عليه وسلم: "هل منكم أحدٌ أمَرهُ أن يحمِل عليه، أو أشارَ إليه؟ قالوا: لا. قال: كلُوا ما بَقيَ مِنْ لَحمِهَا" متفق عليه

(2)

.

(وكذا) يحرم على المُحْرِم (أكلُ ما صِيدَ لأجله) نقله الجماعة

(3)

؛ لما في "الصحيحين" من حديث الصعب بن جَثَّامة: "أنهُ أهْدَى للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حمارًا وحْشيًّا، فردهُ عليهِ، فلما رأى ما في وجههِ، قال: إنا لم نَرُدَّهُ علَيكَ إلَّا أنا حُرُمٌ"

(4)

، وروى الشافعي، وأحمد من حديث جابر

(1)

في القاعدة الرابعة والعشرين ص / 34.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 143) تعليق رقم (2).

(3)

انظر: مسائل صالح (1/ 204) رقم 132، ومسائل عبد الله (2/ 709) رقم 749.

(4)

البخاري في جزاء الصيد، باب 6، حديث 1825، وفي الهبة، باب 6، 17، حديث 2573، 2596، ومسلم في الحج، حديث 1193.

ص: 146

مرفوعًا: "لحمُ الصَّيدِ للمحرِم حَلالٌ، ما لَمْ تصيدُوهُ أو يُصَد لَكم"

(1)

.

فيه المطلب بن حَنْطب. قال الترمذي: لا يُعرف له سماع من جابر.

وعن عثمان: "أنهُ أُتِيَ بِلَحمِ صَيدٍ، فقال لأصحابه: كُلُوا، فقالوا: ألا تأكل أنْتَ؟ فقال: إني لست كهَيئتكُم، إنَّما صِيدَ لأجلي" رواه مالك والشافعي

(2)

.

(1)

الشافعي في الأم (2/ 208) وفي اختلاف الحديث ص / 544، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 322 - 323)، وأحمد (3/ 362، 387، 389). وأخرجه -أيضًا- أبو داود في المناسك، باب 40، حديث 1851، والترمذي في الحج، باب 25، حديث 846، والنسائي في المناسك، باب 81، حديث 2825، وفي الكبرى (2/ 372) حديث 3810، وابن الجارود، حديث 437، وابن خزيمة (4/ 180) حديث 2641، والطحاوي (2/ 171)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 283) حديث 3971، والدارقطني (2/ 290)، والحكم (1/ 452، 476)، والبيهقي (5/ 190)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 62، 21/ 154)، وفي الاستذكار (11/ 277)، والبغوي في شرح السنة (7/ 263) حديث 1989، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 139) حديث 1282 عن طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي: حديث جابر حديثٌ مفسَّر، والمطلب لا نعرف له سماعا عن جابر.

وقال -أيضًا-: قال الشافعي: هذا أحسن حديث روى في هذا الباب وأقيس. وقال في موضع آخر (5/ 179): قال محمد -يعني البخاري-: ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن (يعني الدارمي) يقول: لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حاتم كما في المراسيل لابنه ص / 210: المطلب بن عبد الله بن حنطب: عامة حديثه مراسيل، لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا سهل بن سعد وأنسا، سلمة بن الأكوع، ومن كان قريبًا منهم، ولم يسمع من جابر، ولا من زيد بن ثابت، ولا من عمران بن حصين. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 264 مع الفيض) ورمز لصحته.

(2)

مالك في الموطأ (1/ 354)، والشافعي في الأم (7/ 241) وفي مسنده (ترتيبه =

ص: 147

(وعليه) أي: المُحرِم (الجزاءُ إن أكله) أي: ما صِيدَ لأجله؛ لأنه إتلاف مُنع منه بسبب الإحرام، فوجب عليه به الجزاء كقتل الصيد، بخلاف قَتل المُحرِم صيدًا، ثم يأكله، فإنه يضمنه لقتله، لا لأكله. نصَّ عليه

(1)

؛ لأنه مضمون بالجزاء، فلم يتكرَّر كإتلافه بغير أكله، وكصيد الحرم إذا قتله حلال وأكله، ولأنه ميتة وهي لا تُضمن، ولهذا لا يضمنه بأكله مُحرِم غيره.

(وإن أكل) المُحرِمُ (بعضَه) أي: بعض ما صِيدَ لأجله (ضَمنه بمثله من اللحم) من النَّعَم (كضمان أصله) لو أكله كله (بمثله من النَّعم) والفرع يتبع أصله (ولا مشقَّة فيه) أي: في ضمان البعض بمثله من اللحم (لجواز عدوله) أي: المجرم (إلى عَدْلِه) أي: البعض (مِن طعام وصوم

(2)

) فلا يفضي إلى التشقيص.

(ولا يحرم عليه) أي: المُحْرِم (أكلُ غيره) أي: غير ما صِيد أو ذُبح له، إذا لم يدلَّ ونحوه عليه؛ لما تقدم (فلو ذبح مُحِلٌّ صيدًا لغيره من المُحْرِمين، حَرُم على المذبوح له) لما سبق و (لا) يحرم (على غيره من المُحرِمين) لما مرَّ (وما حَرُم على مُحْرِم، لدلالة، أو إعانة، أو صيد له) أو ذُبح له (لا يحرم على مُحرِم غيره) أي: غير الدال أو المعين، أو الذي صِيد أو ذُبح له (كحلال) أي: كما لا يحرم على حلال

(3)

.

(وإن قتل المُحرِم صيدًا، ثم أكله، ضَمنه لقتله، لا لأكله؛ لأنه ميتة يحرم أكله على جميع الناس) والميتة غير متموَّلة فلا تضمن (وكذا

= 1/ 324). ورواه -أيضًا- البيهقي (5/ 191)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 432).

(1)

الفروع (3/ 414).

(2)

في "ذ": "أو صوم"، وهذا في "الإقناع"(1/ 579) وهو الأقرب.

(3)

في "ذ": "الحلال".

ص: 148

إن حَرُمَ) الصيد

(1)

(عليه) أي: على المُحْرم (بالدلالة، أو الإعانة عليه، أو الإشارة) إليه (فأكل منه، لم يضمن) ما أكله (للأكل) بل للسبب من الدلالة ونحوها؛ لأنه مضمون بالسبب، فلم يتكرَّر ضمانه كما تقدم.

(و‌

‌بَيْضُ الصيد ولَبنُه مثلُه فيما سبق)

لأنه كجزئه.

(و‌

‌يحرُم تنفيرُ الصيد)

لأنه إيذاء، وكصيد الحرم (فإن نفَّره فتلِفَ، أو نقص في حال نفوره، ضمن) التالف بمثله أو قيمته، وما نقص بأرشه لتسببه فيه.

(وإن أتلف) المُحْرم (بيضه) أي: الصيد (ولو) كان إتلافه (بنقلِه) من مكانه (فجَعَله تحت صيد آخر) أو لا (أو تَرَك مع بيضه بيضًا آخر) فنفَرَ (أو) جعل مع بيضه (شيئًا فنفَر) الصيد (عن بيضه حتى فَسَد) البيض (ضمنه بقيمته مكانه) لقول ابن عباس: "في بيض النعام قيمته"

(2)

؛ ولأن البيض لا مِثل له، فتجب فيه القيمة، كصغار الطير. وإطلاق الثمن في خبر أبي هريرة مرفوعًا:"في بيض النعام ثَمَنُه" -رواه ابن ماجه

(3)

- يدل

(1)

في "ذ": "صيد".

(2)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 421) رقم 8294، وفيه:"ثمنه" بدل "قيمته".

(3)

في المناسك، باب 90، حديث 3086. وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الأوسط (7/ 151) حديث 6273، والدارقطني (2/ 250) من طريق علي بن عبد العزيز، عن الحسين المعلم، عن أبي المُهزِّم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 147 - 148): هذا إسناد ضعيف، علي بن عبد العزيز مجهول، وأبو المهزم ضعيف، واسمه يزيد بن سفيان.

وضعفه -أيضًا- ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 117).

وله شاهد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بيض النعام يصيبه المحرم بثمنه" أخرجه عبد الرزاق (4/ 423) حديث 8302، والدارقطني (2/ 247)، والبيهقي (5/ 208)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 137) حديث 1277. =

ص: 149

على ذلك؛ إذ غالب الأشياء يعدل ثمنها قيمتها (كلبنه) فيضمن بقيمته؛ لأنه لا مِثْلَ له من بهيمة الأنعام.

و (لا) يضمن البيض (المَذِرَ

(1)

، و) لا (ما فيه فَرْخٌ ميت).

لأنه لا قيمة له (سوى بيض النعام، فإن لقشرِه قيمة فيضمَنهُ) بقيمته وإن كان مَذِرًا، أو فيه فَرخٌ ميت (وإن باض على فراشه أو متاعه) صيد (فنقله) أي: البيض (برفق، ففسد) أي: البيض بنقله (فكجَرادٍ انفرش

(2)

في طريقه) فيضمنه على ما يأتي؛ لأنه أتلفه لمنفعته.

(وإن كَسَر بيضةً فخرج منها فَرْخٌ، فعاش، فلا شيء فيه) وقال ابن عقيل: يحتمل أن يضمنه إلا أنه يحفظه إلى أن ينهض ويطير، ويحتمل عدمه؛ لأنه لم يجعله غير ممتنع، كما لو أمسك طائرًا أعرج ثم تركه (وإن مات) بعد خروجه (ففيه ما في صغار أولاد المُتْلفِ بيضه، ففي فَرخ الحَمَام صغيرُ أولاد الغنم، وفي فَرخ النعامة حُوار) بضم الحاء المهملة، أي: صغير أولاد الإبل (وفيما عداهما قيمته) لأن غيرهما من الطيور يضمن بقيمته.

(ولا يَحِلُّ لمحرم أكل بيض الصيد إذا كسره هو) أي: الآكل (أو محرم غيره) لأنه جزء من الصيد، أشبه سائر أجزائه، وكذا شُربُ لبنه

= وضعفه ابن عبد البر في الاستذكار (13/ 293)، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 331)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 117).

وعن الأعرج مرسلًا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بيضة النعامة يصيبها المحرم قيمتها" أخرجه الشافعي في الأم (2/ 191). وانظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 270)، والتلخيص الحبير (2/ 273 - 274).

(1)

مَذِرَت البيضة: فسدت. المصباح المنير ص / 778، مادة (مذر).

(2)

في "ذ": "تفرش".

ص: 150

(ويحِلُّ) بيض الصيد الذي كسره مُحرِم، ولبنه الذي حَلَبه مُحرم (للحلال) لأنَّ حِلَّه على المُحِلِّ لا يتوقف على الكسر أو الحلب، ولا يعتبر لواحد منهما أهلية الفاعل، فلو كسره أو حلبه مجوسي، أو بغير تسمية، حَلَّ.

(وإن كسَره) أي: بيض الصيد، وكذا لو حَلَب لبنه (حلال، فكَلَحمِ صَيدٍ، إن كان أخذه لأجل المُحرم، لم يبح) للمحرم (أكله) كالصيد الذي ذُبح لأجله (وإلا) أي: وإن لم يكن الحلال أخذه لأجل المحرم

(1)

(أبيح) للمُحرم، كصيد ذَبَحَه حلال لا لقصد المُحرِم.

(ولو كان الصيد مملوكًا) وأتلفه المحرم، أو تلف بيده، أو بيضه، أو لبنه (ضمنه جزاء) لمساكين الحرم (وقيمته) لمالكه

(2)

لأنهما سببان مختلفان.

(ولا يملك) المُحرِم (الصيد ابتداء بشراء ولو بوكيله، ولا باتِّهاب، ولا باصطياد) لخبر الصعب السابق

(3)

، فليس محلًّا للتمليك له؛ لأنَّ الله حرّمه عليه كالخمر (فإن أخذه) أي: الصيد، مُحرِمٌ (بأحد هذه الأسباب) أي: الشراء والاتِّهاب والاصطياد (ثم تَلِفَ) الصيد (فعليه) أي: المحرم الآخذ له (جزاؤه) لما تقدم من الآية.

(وإن كان) الصيد (مبيعًا) وتلف بيد المحرم المشتري (فعليه القيمة لمالكه) لأنَّه مقبوض ببيع فاسد، فيضمنه كصحيحه (و) عليه (الجزاء) لمساكين الحرم؛ لعموم: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ

(1)

في "ح" و"ذ": "لأجله، أي: المحرم".

(2)

في "ح": "لمالك".

(3)

تقدم تخريجه (6/ 146) تعليق رقم (4).

ص: 151

مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}

(1)

.

(وإن أخذه) أي: الصيد، مُحرمٌ (رهنًا) لم يصح، وإن تلف في يده (فعليه الجزاءُ فقط) لمساكين الحرم، لما سبق، ولا يضمنه لمالكه؛ لأنَّ صحيح الرهن لا ضمان فيه، ففاسده كذلك (وإن لم يتلف) الصيد الذي أخذه المُحْرِم بشراء أو اتِّهاب أو ارتهان (فعليه رده إلى مالكه) لفساد العقد وعدوان يده (فإن أرسله) أي: الصيد، المحرم القابض له (فعليه ضمانه لمالكه) لأنَّه أحال بينه وبينه (ولا جزاء) فيه؛ لأنَّه لم يتلفه (وعليه) أي: المحرم المشتري للصيد (ردُّ) الصيد (المبيع -أيضًا-) لمالكه؛ لفساد العقد.

(ولا يستردُّ) المُحْرم (الصيدَ الذي باعه وهو حلال بخيار) مجلس أو شرط (ولا عيب في ثمنه) المعين (ولا غير ذلك) كالاختلاف في الثمن والتقايل؛ لأنَّه ابتداء تملك، وهو ممنوع منه (وإن ردَّه) أي: الصيد (المشتري عليه) أي: على البائع المحرم (بعيب) في الصيد (أو خيار، فله) أي: المشتري (ذلك) لقيام سبب الردِّ (ثم لا يدخل في ملك المُحرم) لعدم أهليته لتملكه، وعلى هذا يكون أحق به، فيملكه إذا حَلَّ، كالعصير يتخمر ثم يتخلل (ويلزمه) أي: المحرم (إرسالُه) أي: الصيد؛ لئلا تثبت يده المشاهدة عليه.

(و‌

‌يملك) المُحْرِم (الصيدَ بإرث)

لأنَّه أقوى من غيره، ولا فِعْل منه، بدليل أنَّه يدخل في ملك الصبي والمجنون، ويملك به الكافر العبد المسلم، فجرى مجرى الاستدامة. ومثله لو أصدق امرأته صيدًا وهو حلال، ثم طلقها قبل الدخول وهو مُحرِم، عاد نصفه إليه قهرًا، كما يأتي في الصداق. ومثله لو ارتدت ونحوه قبل الدخول، فيعود إليه كله.

(1)

سورة المائدة، الآية:95.

ص: 152

(وإن أمسكَ) المحرم (صيدًا حتَّى تحلل) من إحرامه (لزمه إرسالُه) لعدوان يده عليه (فإن تلف) الصيد قبل إرساله (أو ذَبَحه) بعد تحلُّله (أو أمسك) مُحْرِم أو حلال (صيدَ حَرم وخرج به إلى الحِل) ضمنه؛ لأنَّه تلف بسبب كان في الإحرام أو الحرم (أو ذَبَح مُحِل صيدَ حَرَم) مكّة (ضَمِنه) لما يأتي (وكان) الصيد (ميتة) في الصور المتقدّمة؛ لأنه صيد يلزمه ضمانه، فلم يُبح بذبحه، كحالة الإحرام.

(وإن أحرم) وفي يده صيدٌ (أو دخل الحرم) المكيّ أو المدني (بصيد، لم يَزُلْ ملكُه عنه، فيردُّه من أخذه) لاستدامة ملكه عليه (ويضمَنُه مَن قَتله) كسائر الأموال المحترمة. (ويلزمه) أي: مَن أحرم وفي يده صيد، أو دخل الحرم المكيِّ وفي يده صيدٌ (إرساله في موضع يَمتنعُ فيه) لأنَّ في عدم ذلك إمساكًا للصيد، فلم يجز كحالة الابتداء، بدليل اليمين (و) يلزمه (إزالة يده المشاهدة عنه، مثل ما إذا كان في قبضته، أو رَحلِه، أو خيمته، أو قفصه، أو) كان (مربوطًا بحبل معه ونحوه) لما سبق (دون يده الحكمية) فلا يلزمه إزالتها (مثل أن يكون) الصيد (في بيته، أو بلده، أو يد نائبه) الحلال (في غير مكانه) لأنَّه لم يفعل في الصيد فعلًا، فلم يلزمه شيء، كما لو كان في ملك غيره. وعكس هذا إذا كان في يده المشاهدَةِ؛ لأنَّه فعل الإمساك (ولا يضمَنُه) إذا تلف بيده الحكمية؛ لأنَّه لا تلزمه إزالتها، ولم يوجد منه سبب في تلفه (وله) أي: المحرم (نَقْلُ الملك فيه) أي: في الصيد الذي بيده الحكمية، ببيع وغيره، كسائر أملاكه.

(ومن غَصَبه) أي: الصيد (لَزِمه ردُّه) إلى مالكه؛ لاستمرار ملكه عليه (فلو تلف) الصيد (في يده) أي: المُحرِم (المشاهدَةِ قبل التمكن من إرساله) بأن نفَّره ليذهب، فلم يذهب (لم يضمنه) لعدم ما يقتضيه

ص: 153

من تعدٍّ وتقصير (وإلا) أي: وإن تمكن من إرساله فلم يرسله (ضمنه) لأنَّه تلف تحت يده العادية، فلزمه الضمان كمال الآدمي (وإن أرسله) أي: الصيد (إنسان من يده) أي: المحرم (المشاهدةِ قهرًا، لم يضمنه) لأنه فَعَل ما يتعين

(1)

على المحرم فِعله في هذه العين خاصة، كالمغصوب. ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها، فلو أمسكه حتَّى تحلل، فملكُه باق عليه، واعتبره في "المغني" و"الشرح" كعصير تخمَّر، ثم تخلَّل قبل إراقته. وفي "الكافي "وجزم به في "الرعاية" يرسله بعد حله، كما لو صاده

(2)

.

(ومَن ملك صيدًا في الحِل، فأدخله الحرمَ المكيّ، لزمه إرسالُه) لأنَّه صار صيد حَرَمٍ بحلوله فيه (أو أمسكه في الحرم، فأخرجه إلى الحِلِّ، لزمه إرسالُه) اعتبارًا بحال السبب (فإن تلف في يده، ضَمنه) كصيد الحِلِّ في حق المُحْرِم إذا أمسكه حتَّى تحلَّل.

(وإن قتل صيدًا صائلًا عليه، دَفعًا عن نفسه خشية تلفِها، أو) خشية (مضرّة، كجَرحِه، أو إتلاف ماله، أو بعض حيواناته) لم يضمنه؛ لأنَّه قتله لدفع شره، فلم يضمنه كآدمي، مع أن الشارع أذن في قتل الفواسق؛ لدفع أذًى متوهم، فالمتحقق أَولى (أو تلف) الصيد (بـ) سبب (تخليصه من سَبعُ، أو شبكة ونحوها ليُطلِقه، أو أخذه) أي: الصيد مُحرم (ليخلِّصَ من رجله خيطًا أو نحوه، فتلف بذلك، لم يضمنه) لأنَّه فعلٌ أبيح لحاجة الحيوان، فلم يضمنه، كمداواة المُوَلَّي

(3)

مولِيَّه.

(1)

في "ح": "ما تعين".

(2)

"وتقدم قريبًا أنه يلزمه إرساله في موضع يمتنع فيه". ا. هـ. ش.

(3)

في "ح" و"ذ": "الولي".

ص: 154

(ولو أخذه) أي: الصيد مُحْرِم (ليداويه، فـ) هو (وديعة) عنده، فلا ضمان عليه إن تلف بلا تعدٍّ ولا تفريط؛ لأنَّه محسن.

(وله) أي: المحرم (أخذ ما لا يضرُّه) أي: الصيد (كيدٍ) ونحوها (متآكلة) لأنه لمصلحة الحيوان، فإن مات بذلك، لم يضمنه (وإن أزمنه) أي: المُحْرِم الصيد (فـ) عليه (جزاؤه) لأنَّه كتالف، وكجرح يتيقن به موته.

(و‌

‌لا تأثير لحَرَم ولا إحرام في تحريم حيوان إِنسي) إجماعًا

(1)

، (كبهيمة الأنعام والخيل، والدجاج) بتثليث الدال؛ لأنَّه ليس بصيد، والمُحَرَّم إنما هو الصيد؛ بدليل أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يتقربُ إلى الله بذَبحِ الهَدايا في إحرامه، وقال:"أفضَلُ الحجِّ العجُّ والثَّجُّ"

(2)

. قال في "الشَّرح": حديث غريب. والعج: رفع الصوت بالتلبية. والثج: إسالة الدماء بالذبح والنحر.

(ولا) تأثير لحَرَمٍ ولا إحرام (في مُحرم الأكل غير المتولِّد) بين مأكول وغيره؛ تغليبًا للحظر، كما تقدم، وهو ثلاثة أقسام:

الأول: ما أشار إليه بقوله: (كالفواسق، وهي: الحِدَأة) بالهمز بوزن: عِنبة، والجمع حِداء، بحذف الهاء، وحدآن -أيضًا- مثل: غزلان، قاله في "الحاشية"(والغراب الأبقع، وغراب البين، والفأرة، والحية، والعقرب، والكلب العقور) لحديث عائشة قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتْلِ خمسِ فواسقَ في الحرَمِ: الحدأةُ، والغرابُ، والفأرةُ، والعقربُ، والكلب العقور"

(3)

، وعن ابن عُمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1)

مراتب الإجماع لابن حزم ص / 78، والمجموع للنووي (7/ 307).

(2)

تقدم تخريجه (2/ 400)، تعليق رقم (2).

(3)

أخرجه البخاري في جزاء الصيد، باب 7، حديث 1829، وفي بدء الخلق، باب 16، حديث 3314، ومسلم في الحج، حديث 1198.

ص: 155

"خمسٌ من الدوابِّ ليس على المُحرمِ جناح في قتلِهنَ"، وذكر مثله. متفق عليه

(1)

. وفي بعض ألفاظ الحديث: "الحية" بدل "العقرب"

(2)

. وما يباح أكله من الغربان لا يباح قتله؛ لأنَّه من الصيد (بل يُستحب قَتلُها) أي: المذكورات؛ لحديث عائشةَ. والمراد في الجملة -ويأتي في الصيد- أن الكلب العقور يجب قتله.

(و) القسم الثَّاني: ما أشار إليه بقوله -ويُستحب أيضًا-: (قَتْلُ كلِّ ما كان طَبعُه الأذى، وإن لم يوجد منه أذى) قياسًا على ما تقدم (كالأسد، والنَّمِر، والذئب، والفهد، وما في معناه) ممَّا فيه أذى للناس في أنفسهم أو أموالهم (والبازي، والصَّقر، والشاهين، والعقاب، والحشرات المؤذية) كالحية والعقرب (والزنبور، والبق، والبعوض، والبراغيث) والطَّبُّوع

(3)

. قاله في "المستوعب".

(و) القسم الثالث: ما لا يؤذي بطبعه كـ (ـالرخَم، والبوم، والديدان) فلا تأثير للحَرَم ولا للإحرام فيه (ولا جزاءَ في ذلك) لأنَّ الله تعالى إنما أوجب الجزاء في الصيد، وليس شيء من ذلك بصيد، قال في "المبدع": ويجوز قتله، وقيل: يُكره، وجزم به في "المحرر" وغيره، وقيل: يحرم. انتهى. وكلام المصنف يوهم أنَّه يُستحب قَتْله، وفيه ما علمت. قال في "الآداب"

(4)

: ويُكره قَتل النمل إلَّا من أذية شديدة، فإنَّه

(1)

البُخاريّ في جزاء الصيد، باب 7، حديث 1826، وفي بدء الخلق، باب 16، حديث 3315، ومسلم في الحج، حديث 1199.

(2)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1198 (67).

(3)

الطبُّوع هو القمقام، وهو صغار القِردان، وضرب من القمل شديد التشبث بأصول الشعر، الواحدة قمقامة. حياة الحيوان (2/ 264).

(4)

الآداب الشرعية (3/ 369).

ص: 156

يجوز قتلهن، وقَتل القمل بغير النَّار، ويُكره قَتلهما بالنار، ويكره قَتْل الضفادع، ذكر ذلك في "المستوعب". وفي "الرعاية": يُكره قَتْل ما لا يضرّ من نمل، ونحل، وهُدهد، وصُرَد. ويجوز تدخين الزنابير، وتشميس القَزِّ، ولا يُقتل بنارٍ نملٌ، ولا قمل، ولا برغوث، ولا غيرها. ولا يقتل ضفدع بحال، وظاهره التحريم، وقال صاحب "النظم": إلَّا أنَّه يَحرم إحراق كل ذي روح بالنار، وأنه يجوز إحراق ما يؤذيه بلا كراهة، إذا لم يزل ضرره دون مشقة غالبة إلَّا بالنار. وقال: إنه سأل عما ترجَّح عند الشيخ شمس الدين صاحب "الشَّرح"؟ فقال: ما هو ببعيد.

(و‌

‌لا بأس أنْ يُقَرِّدَ بعيرَه،

وهو: نَزع القُرادِ عنه) روي عن ابن عمر

(1)

وابن عباس

(2)

، كسائر المؤذي (ويحرم على المحرِم لا على الحلال، ولو في الحرم) قال في "المبدع": بغير خلاف؛ لأنَّه إنَّما حرم في حق المحرم لما فيه من الرفاهية، فأبيح في الحرم كغيره (قَتلُ قملِ) لأنه يترفه بإزالته، كإزالة الشعر (و) قتل (صِئبانه) لأنَّه بيضه (من رأسه وبدنه) وباطن ثوبه، ويجوز من ظاهره، قاله القاضي وابن عقيل. وظاهر كلام الموفق وصاحب "المنتهى" وغيرهما العموم (ولو) كان قتله للقمل وصئبانه (بزئبق ونحوه) فيحرم في الإحرام فقط. (وكذا رَميهُ) لما فيه من الترفُّه (ولا جزاء فيه) أي: في القَمل وصِئبانه إذا قتله أو رماه؛ لأنَّه ليس بصيد، ولا قيمة له، أشبه البعوض والبراغيث.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 23).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 22) بلفظ: لا بأس أن يقرد المحرم بعيره. ورواه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (2/ 266، 267)، وعبد الرزاق (4/ 448) رقم 8404، وسعيد بن منصور، كما في المحلى (7/ 244)، والبيهقي (5/ 213) بمعناه.

ص: 157

(ولا يَحرمُ) بالإحرام (صيدُ البحر، والأنهار، والآبار، والعيون، ولو كان ممَّا يعيش في البر والبحرِ، كالسلحفاة والسرطان ونحوهما) لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}

(1)

(إلَّا في الحرمِ، ولو للحَلال) كصيد من آبار الحرم وبركة ماجد

(2)

؛ لأنَّه حرمي، أشبه صيد الحرم، ولأن حُرْمة الصيد للمكان، فلا فرق

(3)

.

(وطير الماء) برِّي؛ لأنَّه يفرخ ويبيض فيه، فيُضمن بقيمته.

(والجرادُ من صيد البر فيُضمنُ) لأنَّه طير بري، أشبه العصافير (بقيمته) في مكانه؛ لأنَّه متلف غير مثلي. وعنه

(4)

: يتصدق بتمرة عن جرادة. ورُوي عن ابن عُمر

(5)

(فإن انفرشَ) الجرادُ (في طريقه فقتله بمشيه، أو أتلف بيض طير لحاجة، كالمشي عليه فعليه جزاؤه) لأنَّه أتلفه لمنفعته، أشبه ما لو اضطر إلى أكله، بخلاف ما لو وَقَعَ من شجر على عين إنسان فدفعها، فانكسرت فلا ضمان عليه.

وكذا لو أشرفت سفينة على الغرق، فألقى متاع غيره ليخففها، ضمنه، ولو سقط عليه متاع غيره فخشي عليه أن يهلكه، فدفعه في

(1)

سورة المائدة، الآية:96.

(2)

كذا في الأصول "ماجد"، وفي شفاء الغرام (1/ 340)"ماجن" بالنون، وكلُّ هذا من تحريف العوام، والصَّواب "ماجل" باللام. والماجل في اللغة: كل ماء في أصل جبل أو واد، ومكان هذه البركة في المسفلة، وكانت لأبي صلاية. انظر: أخبار مكّة للأزرقي (2/ 232)، والقاموس المحيط ص / 1053، مادة (مجل)، وتاريخ مكّة للسباعي (1/ 156).

(3)

"ولا جزاء فيه، أي صيد بحر بالحرم لعدم وروده". ا هـ. ش.

(4)

مسائل حنبل كما في كتاب الروايتين والوجهين (1/ 300).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 78).

ص: 158

الماء، لم يضمنه.

(وإذا ذبح المُحرمُ الصيدَ وكان مضطرًا، فله أكلُه) لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(1)

، (ولمن به مِثلُ ضرورته) أي: ضرورة الذابح (لحاجة الأكل) لما تقدم.

(وهو) أي: ما ذبحه المُحرم من الصيد (ميتةٌ) لعدم أهلية المذكي للذكاة (في حقِّ غيره) أي: غير المضطر. قال في "المبدع": فإذا ذبحه، كان ميتة، ذكره القاضي، واحتج بقول أحمد

(2)

: كل ما صاده المحرم أو قتله فإنَّما هو قتلة

(3)

. قال في "الفروع": ويتوجه حِلُّه لحِلِّ فِعله. انتهى. وكلام المصنف كـ"المنتهى" يقتضي أنَّه ميتة في حقِّ غير المضطر، ومذكَّى في حقِّ المضطر، فيكون نجسًا طاهرًا بالنسبة إليهما. وفيه نظرٌ

(4)

(ويقدم) المحرم المضطر (عليه) أي: على الصيد (الميتة) لأنَّه لا جزاء فيها (ويأتي في) كتاب (الأطعمة).

(و‌

‌إن احتاج) المحرم (إلى فِعْل محظور، فله فِعله، وعليه الفداء)

لأنَّ كعبًا لما احتاج إلى الحَلق، أباحه الشارع له، وأوجب عليه الفدية

(5)

، والباقي في معناه، ولأن أكل الصيد إتلاف، فوجب ضمانه، كما لو اضطر إلى طعام غيره.

(1)

سورة البقرة، الآية:195.

(2)

مسائل ابن هانئ (1/ 164) رقم 823.

(3)

"قتله": كذا في الأصل، وفي "ذ":"ميتة"، وفي مسائل ابن هانئ والمبدع (3/ 158):"قتل قتله".

(4)

"ويمكن أن يقال: قولهم: وهو ميتة، معناه: كميتة في التحريم، لا في النجاسة بقرينة". ش.

(5)

تقدم تخريجه (6/ 119) تعليق رقم (3).

ص: 159

فصل

(السابع: عَقدُ النكاح فلا يتزوجُ) المُحرم (ولا يُزوِّجُ غيره بولاية، ولا وكالة، ولا يقبلُ له) أي: للمُحْرم (النكاحَ وكيلُه الحلالُ، ولا تُزوَّجُ المُحرِمة. والنكاح في ذلك كله باطل، تعمده أو لا) لما روى مسلم عن عثمان مرفوعًا: "لا يَنكِحُ المحرم ولا يُنكِح، ولا يخطبُ"

(1)

. وعن ابن عُمر أنَّه كان يقول: "لا يَنْكِحُ المُحرمُ ولا يُنكِحُ، ولا يخطبُ على نفسه، ولا على غيره" رواه الشَّافعي

(2)

، ورَفَعه الدارقطني

(3)

.

وأجازه ابن عباس لروايته "أنَّه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ" متَّفقٌ عليه

(4)

. ولأحمد والنَّسائيُّ: "وهُمَا محْرِمَان"

(5)

، ولأنه عَقْدٌ يملك به

(1)

مسلم في الحج، حديث 1409.

(2)

في الأم (5/ 78، 178) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 316). وأخرجه -أيضًا- مالك في الموطأ (1/ 349)، والعقيلي (4/ 151)، والبيهقيّ (5/ 65، 7/ 213). وصحّحه ابن حزم في المحلى (7/ 198).

(3)

في سننه (3/ 261).

(4)

البخاري في جزاء الصيد، باب 12، حديث 1837، وفي المغازي، باب 43، حديث 4258، 4259، وفي النكاح، باب 30، حديث 5114، ومسلم في النكاح، حديث 1410.

(5)

أحمد (1/ 245)، والنسائي في الحج، باب 90، حديث 2839، وفي الكبرى (2/ 375) حديث 3823. وأخرجه -أيضًا- عبد بن حميد (1/ 510) حديث 582، والطبراني في الكبير (11/ 264) حديث 11919، وفي الأوسط (5/ 319) حديث 4628، والدارقطني (3/ 263)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 267)، وقال: هو في الصَّحيح خلا إحرام ميمونة، ورواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 153): وما أعلم أحدًا من الصّحابة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم، إلَّا عبد الله بن عباس، ورواية من ذكرنا معارضة لروايته، والقلب إلى رواية الجماعة أميل، لأنَّ الواحد أقرب إلى الغلط

وانظر: الفتح (9/ 165).

ص: 160

الاستمتاع، فلم يحرمه الإحرام، كشراء الإماء.

وجوابه: ما روى مسلم عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجهَا وهو حلالٌ. قال: وكانت خالتِي وخالةَ ابن عباس"

(1)

. ولأبي داود: "وتَزوَّجَني

(2)

ونحنُ حَلالانِ بِسرفٍ"

(3)

. وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزَوَّجَ مَيمُونةَ حلالًا، وبَنى بهَا حَلالًا، وكنْتُ الرسُولَ بينهما" إسناده جيد، رواه أحمد والترمذي وحسَّنه

(4)

. وقال ابن المسيب: إن ابن عباس

(1)

في النكاح، حديث 1411 (48).

(2)

في "ح": "تزوجني" وهو الموافق لرواية أبي داود.

(3)

في المناسك، باب 39، حديث 1843، وأخرجه -أيضًا- أحمد (6/ 332)، والدارمي في الحج، باب 21، حديث 1831، وابن الجارود (2/ 76) حديث 445، (3/ 36) حديث 695، وأبو يعلى (13/ 24) حديث 7106، والطحاوي (2/ 270)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 443) حديث 4136، 4137، والطبراني في الكبير (23/ 473) حديث 1058، وفي الأوسط (9/ 420) حديث 8902، والإسماعيلي في معجمه (3/ 808) حديث 410، والدارقطني (3/ 262)، والبيهقي (7/ 210) وانظر الحديث الآتي.

(4)

أحمد (6/ 393)، والترمذي في الحج، باب 23، حديث 841. وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (3/ 288) حديث 5402، وابن سعد (8/ 134)، والدارمي في المناسك، باب 21، حديث 825، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 337)، حديث 461، والروياني في مسنده (1/ 467) حديث 703، والطحاوي (2/ 270)، وفي شرح مشكل الآثار (14/ 512) حديث 5800، وابن حبان "الإحسان" (9/ 438، 442) حديث 4130، 4135، والطبراني في الكبير (1/ 310) حديث 910، والدارقطني (3/ 262)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 264)، والبيهقي (5/ 66، 7/ 211)، وفي دلائل النبوة (4/ 336)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 152)، والبغوي في شرح السنة (7/ 252) حديث 1982، كلهم من طريق حماد بن زيد، عن مطر الوراق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، =

ص: 161

وَهِلَ

(1)

. وقال -أيضًا-: أوهم. رواهما الشافعي

(2)

، أي: ذهب وهمُه إلى ذلك. وللبخاري وأبي داود

(3)

هذا المعنى عن ابن عباس. قال في "الفروع": وهذا يدلُّ على أن حديث ابن عباس خطأ، وكذا نقل أبو الحارث عن أحمد: أنه خطأ

(4)

. ثم قصة ميمونة مختلفة، كما سبق، فيتعارض ذلك، وما سبق لا معارض له، ثم رواية الحِلِّ أَولى؛ لأنها أكثر، وفيها صاحب القصة والسفير فيها، ولا مطعن فيها، ويوافقها ما سبق، وفيها زيادة، مع صغر ابن عباس إذن. ويمكن الجمع بأن ظهر تزويجها وهو مُحْرِم، أو فِعله خاصٌّ به صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا يكون من خصائصه. فلهذا قال تبعًا "للتنقيح" كـ "المنتهى"(إلا في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم)

= فذكره. قال الترمذي: "هذا حديث حسن، ولا نعلم أحدًا أسنده غير حماد بن زيد، عن مطر الوراق، عن ربيعة. وروى مالك بن أنس، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، رواه مالك مرسلًا. قال: ورواه أيضًا سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلًا".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 151): هذا الحديث قد رواه مطر الوراق عن ربيعة، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، وذلك عندي غلط من مطر؛ لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين، وقيل: سنة سبع وعشرين، ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بيسير، وكان قتل عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فغير جائز ولا ممكن أن يسمع سليمان بن يسار من أبي رافع. . . فلا معنى لرواية مطر، وما رواه مالك أولى.

قلنا: رواية مالك في الموطأ (1/ 348).

(1)

"وهل": كذا في الأصل، وأشار في هامش "ذ" إلى أنه في نسخة:"ذهل"، وفي مسند الشافعي:"وَهِمَ".

(2)

في مسنده (ترتيبه 1/ 317).

(3)

البخاري في المغازي، باب 43، حديث 4258، وأبو داود في الحج، باب 39، حديث 1845 بلفظ:"تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال".

(4)

كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 195)، والفروع (3/ 383).

ص: 162

فلا يكون محظورًا بخلاف أُمَّته؛ لما تقدم. وروى مالك والشافعي "أن رجلًا تزوَّجَ امرأةً وهو مُحْرمٌ، فرد عمرُ نِكَاحَهُ"

(1)

، وعن علي وزيد معناه، رواهما أبو بكر النيسابوري

(2)

؛ ولأن الإحرام يمنع الوطء ودواعيه، فمنع عَقْد النكاح كالعِدة.

(والاعتبارُ بحالة العَقْد) أي: عقد النكاح، لا بحالة الوكالة (فلو وكَّل مُحْرمٌ حلالًا) في عَقْدِ النكاح (فَعَقَده بعد حِلِّه) من إحرامه (صَحَّ) عَقْده، لوقوعه حال حِلِّ الوكيل والموكِّل (ولو وكَّل حلالٌ حلالًا فَعَقَده) الوكيل (بعد أن أحرم) هو أو موكله فيه (لم يصحَّ) العقد؛ لما تقدم (ولو وكَّله) أي: الحلال (ثم أحرم) الموكل (لم ينعزل وكيلُه) بإحرامه (فإذا حَلَّ) الموكل (كان لوكيله عَقْده) لزوال المانع.

(ولو وكَّل حلالٌ حلالًا) في عَقد النكاح (فَعَقَدَهُ، وأحرم الموكلُ، فقالت الزوجةُ: وَقَع في الإحرام، وقال الزوجُ:) وَقَع (قبله، فالقول قولُه) أي: الزوج؛ لأنه يدَّعي صحة العقد وهي الظاهر (وإن كان بالعكس) بأن قالت الزوجة: وَقَع قبل الإحرام، وقال الزوج: في الإحرام (فـ) القول (قولُه أيضًا) لأنه يملك فسخَه، فقُبل إقراره به (ولها نصفُ الصَّداق) لأن قوله لا يُقبل عليها في إسقاطه؛ لأنه خلاف الظاهر.

(1)

مالك في الموطأ (1/ 349)، والشافعي في الأم (5/ 78، 178)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 316) ومن طريقه البيهقي (5/ 66).

(2)

هو ابن المنذر، ولم نقف عليهما في مظانهما من كتب المطبوعة.

وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه مسدد، كما في المطالب العالية (1/ 28) رقم 1216، والبيهقي (5/ 66، 7/ 213).

وأثر زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 261) وعبد الله بن أحمد في مسائله (2/ 790)، والبيهقي (5/ 66، 7/ 213).

ص: 163

(ويصحُّ) النكاح (مع جهلهما) أي: الزوجين (وقوعه) أي: وقوع النكاح، هل كان قبل الإحرام أو فيه؟ لأن الظاهر من العقود الصحة، وإن قال: تزوجتك وقد حللتِ، وقالت: بل كنتُ مُحْرِمة، صُدِّق، وتُصدَّق هي في نظيرتها في العِدَّة.

(وإن أحرم الإمامُ الأعظم، لم يجز أن يتزوَّج) لنفسه ولا لغيره بالولاية العامة ولا الخاصة؛ لعموم ما سبق (ولا) أن (يزوِّج أقاربه) بالولاية الخاصة (ولا) أن يزوِّج (غيرهم) عمن لا وَليَّ له (بالولاية العامة) كالخاصة (و) يجوز أن (يزوِّج خلفاؤه) من لا وليَّ له أو لها؛ لأنه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النسب، بدليل تزويج الكافرة. وأما وكلاؤه في تزويج نحو بنته، فلا، لما سبق (وإن أحرم نائبه فكهو) أي: فكإحرام الإمام، فلا يجوز له أن يتزوَّج، ولا أن يزوِّج أقاربه، ولا غيرهم بالولاية العامة، ويزوج نوابه.

(وتُكره خِطبة مُحْرِم) -بكسر الخاء- (امرأة على نفسه وعلى غيره، وخطبة مُحلٍّ محْرِمةً، كخُطبة عَقده) بضم الخاء، أي: عقد النكاح، لما تقدم في حديث عثمان:"ولا يخطب"

(1)

.

(و) يُكره (حضوره) أي: المُحْرم (وشهادته فيه) أي: في النكاح. نقل حنبل

(2)

لا يخطب، قال: معناه: لا يشهد النكاح. وما روى فيه: "ولا يشهد"

(3)

فلا يصح.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 160) تعليق رقم (1).

(2)

الفروع (3/ 386).

(3)

لم نقف عليه مسندًا، وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 190): قال الرافعي: وفي رواية: ولا يشهد.

قلت: -أي ابن الملقن- غريبةٌ، وصرح بعض الفقهاء الكبار بعدم ثبوتها.

وقال النووي في المجموع (7/ 286): قال الأصحاب: هذه الرواية غير ثابتة. =

ص: 164

(وتُباح الرجعة للمُحْرِم

(1)

، وتصحُّ) لأنها إمساك، ولأنها مباحة قبل الرجعة، فلا إحلال (كشراء أمَة لوطء وغيره) لورود عَقْد النكاح على منفعة البُضع خاصة، بخلاف شراء الأَمَة، ولذلك لم يصح نكاح المجوسية، ولا الأخت من الرضاع ونحوها، وصحَّ شراؤها.

(و‌

‌يصحُّ اختيارُ من أسلم على أكثر من أربع نسوة لبعضهنَّ في حال الإحرام)

لأنه إمساك واستدامة، لا ابتداء نكاح، كالرجعة وأَولى (ولا فِدية عليه في شيء من ذلك كله) أي: جميع ما تقدم من صبر النكاح؛ لأنه عَقدٌ فَسَد لأجل الإحرام، فلم تجب به فِدية (كشراء الصيد) ولا فرق فيه بين الإحرام والصحيح والفاسد. قاله في "الشرح".

فصل

(الثامن: الجِماع في فَرْجٍ أصلي) لقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ}

(2)

قال ابن عباس: "هو الجماع"

(3)

بدليل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}

(4)

يعني: الجماع (قُبُلًا كان) الفَرْج (أو دُبُرًا، من آدمي أو غيره) حي أو ميت، لوجوب

= وبهذا جزم ابن الرفعة، والظاهر أنَّ الذي زادها من الفقهاء أخذها استنباطًا من فعل أبان بن عثمان لما امتنع من حضور العقد. فليتأمل.

قلنا: امتناع أبان بن عثمان من حضور العقد رواه مسلم في النكاح حديث رقم 1409 (45).

(1)

"ولو قلنا: تحرم لم يكن ذلك مانعًا من رجعتها، كالتكفير للمظاهر" ش.

(2)

سورة البقرة، الآية:197.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 157، والطبري في تفسيره (2/ 265)، والبيهقي (5/ 67).

(4)

سورة البقرة، الآية:187.

ص: 165

الحدِّ والغسل (فمن فَعَل ذلك) أي: جامع في فرج أصلي (قبل التحلُّل الأول، ولو بعد الوقوف) بعَرَفة؛ نقله الجماعة عن أحَمد

(1)

، خلافًا لأبي حنيفة

(2)

(فَسَدَ نُسُكُهما) حكاه ابن المنذر

(3)

إجماع العلماء: أنه لا يفسد النُّسُك إلا به. وفي "الموطأ": "بلغني أن عُمَر وعليًّا وأبا هريرة سُئلوا عَن رجُل أصاب أهلَهُ وهو مُحْرمٌ؟ فقالُوا: ينفذان لوجْهِهِمَا حتى يقْضِيَا حجَّهُمَا، ثم عليهما حجٌّ من قابلٍ، والهدْيُ"

(4)

، ولم يُعرف لهم مخالف (ولو) كان المجامع (ساهيًا، أو جاهلًا، أو مُكرهًا، نصًّا، أو نائمة) نقله الجماعة

(5)

؛ لأن من تقدَّم من الصحابة قضوا بفساد النُّسُك، ولم يستفصلوا (ويجب به) أي: بالجِماع قبل التحلُّل الأول في الحج (بدَنةٌ) لقول ابن عباس: "أهْدِ ناقةً، ولتُهْدِ نَاقةً"

(6)

.

(ولا يفسد) الإحرام (بـ) شيء من المحظورات (غير الجماع)

(1)

مسائل صالح (3/ 85) رقم 1395، ومسائل عبد الله (2/ 805) رقم 1074، ومسائل ابن هانئ (1/ 174) رقم 882، 884، 885، ومسائل أبي داود ص / 128.

(2)

أي: من جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الرمي لم يفسد حجه عند الحنفية وعليه بدنة.

كما في المبسوط (4/ 118 - 119)، وفتح القدير (3/ 46).

(3)

الإجماع لابن المنذر ص / 55.

(4)

مالك في الموطأ (1/ 381) ومن طريقه البيهقي (5/ 167).

(5)

مسائل ابن هانئ (1/ 163) رقم 820، و (1/ 173) رقم 876 - 880، والروايتين والوجهين (1/ 290)، والمغني (5/ 173).

(6)

أخرجه البيهقي (5/ 168)، عن عكرمة مولى ابن عباس أخبره "أن رجلًا وامرأته من قريش لقيا ابن عباس بطريق المدينة، فقال: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل، فحجَّا عامًا قابلًا، ثم أهلَّا من حيث أهللتما، حتى إذا بلغتما حيث وقعت عليها، ففارقها فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة، وأهد ناقة، ولتُهدِ ناقة".

ص: 166

لعدم النص فيه والإجماع

(1)

.

(وعليهما) أي: الواطئ والموطوءة (المضيُّ في فاسده، وحكمُه) أي: الإحرام الذي أفسده بالجِماع (حكم الإحرام الصحيح فيَفْعلُ بعد الإفساد كما كان يفعل قبلَه من الوقوف وغيره، ويجتنبُ ما يجتنبُ قبلَه) أي: الفساد (من الوَطء وغيره، وعليه الفِدية إذا فَعَل محظورًا بعده) لما روى الدارقطني بإسناد جَيد إلى عَمرو بن شعيب، عن أبيه "أن رجلًا أتى عبد الله بن عَمرو، فسألَهُ عن مُحْرِمٍ وقعَ بامرأتِهِ، فأشارَ إلى عبد الله بن عُمر فقال: اذهبْ إلى ذلكَ، واسألَهُ، قال شعَيبٌ: فلم يعرفهُ الرجُلُ فذهَبْتُ معه، فسألَ ابنَ عمر. فقال: بطلَ حجُّكَ. فقال الرجل: أفَأقْعُدُ؟ قال: لا، بل تَخرجُ مع النَّاسِ، وتصنَعُ ما يصْنَعُونَ، فإذا أدْركْتَ قابلًا، فحجَّ وأهْدِ، فرجَعَ إلى عبد الله بن عَمرو، فأخبَرَهُ، ثم قال: اذهَبْ إلى ابن عباس فاسألهُ، فقال شعَيبٌ: فذهَبْتُ معه فسَألَهُ، فقال له مِثْلَ ما قال ابنُ عُمَر، فرجعَ إلى عبد الله بن عَمرو فأخبرهُ، ثم قال: ما تَقولُ أنْتَ؟ قال: أقولُ مثلَ ما قالا"

(2)

. ورواه الأثرم، وزاد:"وحُلَّ إذا حَلُّوا، فإذا كانَ العامُ المُقْبِلُ، فاحْجُجُ أنْتَ وامرأتُكَ، وأهْدِيا هديًا، فإن لم تجِدا، فصُومَا ثلاثةَ أيامٍ في الحجِّ وسبعَةً إذا رَجَعْتُمَا"

(3)

. وعَمرو بن شعيب حديثه حسن. قال

(1)

في "ح": "لعدم النص في غير الجماع".

(2)

سنن الدارقطني (3/ 51)، وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 137، والبيهقي (5/ 167، 168)، وابن عساكر في تاريخه (23/ 116، 117)، قال البيهقي: هذا إسناد صحيح. وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 126): وقال الشيخ في الإمام: رجاله كلهم ثقات مشهورون.

(3)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع، وانظر التعليق السابق.

ص: 167

البخاري

(1)

: رأيت عليًّا وأحمد والحُميدي وإسحاق يحتجون به. قيل له: فمن تكلم فيه ماذا يقول؟ قال: يقولون: أكثَرَ عَمرو بن شعيب، ونحو هذا.

(و) عليهما (القضاءُ على الفَوْر، ولو نَذرًا أو نَفلًا) لأنه لزم بالدخول فيه؛ ولأن من تقدم عن الصحابة لم يستفصلوا (إن كانا) أي: الواطئ والموطوءة (مكلَّفين) لأنهما لا عُذْر لهما في التأخير مع القُدْرة على القضاء (وإلا) أي: وإن لم يكونا مكلَّفين حال الإفساد، قضياه (بعده) أي: بعد التكليف (بعد حَجَّة الإسلام) وتقدم (على الفَوْر) حيث لا عُذْر في التأخير، وتقدَّم

(2)

حكم ما لو بلغ في الحَجَّة الفاسدة في أوائل كتاب الحج.

(ويصح قضاءُ عَبْد في رِقِّه) وكذا قضاء أَمَة في رِقِّها؛ لتكليفهما (وتقدَّم حكمُ إفساد حَجّه) أي: القِنِّ (و) حكم إفساد (حجِّ الصبي) في أوائل كتاب الحج

(3)

، ويكون إحرام الواطئ والموطوءة في القضاء (من حيث أحرما أولًا من الميقات أو قبلَه) لأن الحُرُمات قصاص، بخلاف المُحصَر إذا قضى لا يلزمه الإحرام إِلا من الميقات، نصَّ عليه

(4)

؛ لأن المُحصَر فيه لم يلزمه إتمامه، ذكره في "القواعد الفقهية" في الحادية والثلاثين

(5)

(وإلا). أي: وإن لم يكونا أحرما قيل الميقات (لزمهما) الإحرام (من الميقات) لأنه لا يحلُّ تجاوزه بلا إحرام.

(و‌

‌إن أفسد القضاء، قضى الواجب لا القضاء)

كالصوم

(1)

التاريخ الكبير (6/ 342).

(2)

(6/ 29).

(3)

(6/ 31، 28).

(4)

انظر الفروع (3/ 392).

(5)

القواعد الفقهية لابن رجب ص / 41.

ص: 168

والصلاة. ولأن الواجب لا يزداد بفواته، وإنما يبقى ما كان واجبًا في الذِّمة على ما كان عليه.

(و‌

‌نفقةُ المرأة في القضاء عليها إن طاوَعَت)

لقول ابن عمر: "وأهْديَا هدْيًا"

(1)

أضاف الفعل إليهما؛ وقول ابن عباس "أهْدِ ناقةً، ولتُهْدِ نَاقَةً"

(2)

ولأنها بمطاوعتها أفسدت نُسُكها، فكانت النفقة عليها كالرَّجُل (وإن أُكرِهت) المرأة (فـ) النفقة (على الزوج) لأنه المفسد لنُسُكها، فكانت عليه نفقتها، كنفقة نسكه.

(و‌

‌تُستحبُّ تفرقتهما

(3)

في القضاء من الموضع الذي أصابها فيه)

لما روى ابن وهب بإسناده، عن سعيد بن المسيب "أن رجلًا جامَعَ امرأةً وهُمَا محْرمَان، فسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال لهمَا: أتِمَّا حَجَّكُما، ثم ارْجعا وعليكما حجةٌ أخرى من قَابلٍ، حتَّى إذا كنْتُما في المَكَان الذي أصَبْتَهَا، فأحْرِمَا وتَفَرَّقًا، ولا يُوَاكِل أحَدُكما صاحِبَهُ، ثم أتِمَّا مناسِكَكُما وأهْدِيا"

(4)

. وروى الأثرم عن ابن عُمر

(5)

وابن عباس

(6)

معناه (إلى أن يحِلَّا) من إحرامهما؛ لأن التفريق خوف المحظور. ويحصُل التفريق (بأن لا يركبَ معها على بعير، ولا

(1)

تقدم تخريجه (6/ 167) تعليق رقم (3).

(2)

تقدم تخريجه (6/ 166) تعليق رقم (6).

(3)

في "ح": "تفريقهما"، وبهامش الأصل ما نصه:"ولو قيل باستحباب مفارقتها من حين إحرامهما لكان وجهًا حسنًا، لولا الحديث الوارد" ا. هـ.

(4)

أخرجه ابن وهب في موطئه كما في بيان الوهم والإيهام لابن القطان (2/ 192). ورواه -أيضًا- أبو داود في المراسيل ص / 147، حديث 140، والبيهقي (5/ 167)، وقال: هذا منقطع. وقال ابن القطان: لا يصح.

(5)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة "الجزه المفرد" ص / 137.

(6)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 136، والبيهقي (5/ 168).

ص: 169

يجلس معها في خِباء، وما أشبه ذلك، بل يكون قريبًا منها، يراعي أحوالها؛ لأنه مَحْرَمُها) ونقل ابن الحكم

(1)

: يعتبر أن يكون معها مَحْرَم غيره.

(والعُمرة في ذلك كالحجِّ) لأنها أحد النُسُكين، فـ (يُفسدُها الوَطء قبل الفراغ مِن السَّعي) كالحج قبل التحلُّل الأول. و (لا) يفسدُها الوَطء (بعده) أي: بعد الفراغ من السعي (وقبل حَلْقٍ) كالوطء في الحجِّ بعد التحلُّل الأول (ويجب المضيُّ في فاسدها) أي: العُمرة (ويجب القضاءُ) فورًا كالحجِّ (والدم وهو شاة) لنقص العُمْرة عن الحجِّ (ولكن إن كان) المفسد لعُمْرته (مكيًّا، أو حصل بها) أي: بمكة (مجاورًا، أحرم للقضاء من الحِلِّ، سواء كان قد أحرم بها) أي: بالعُمرة التي أفسدها (منه، أو من الحرم) لأن الحِلَّ هو ميقاتها.

(وإن أفسد المتمتع عُمْرته، ومضى في فاسدها وأتمها، خرج إلى الميقات، فأحرم منه بعُمْرة) مكان التي أفسدها؛ لأن الحرمات قصاص (فإن خاف فوات

(2)

الحجِّ، أحرم به من مكَّة، وعليه دم، فإذا فرغ من حَجّه، خرج، فأحرم من الميقات بعُمْرة مكان التي أفسدها، وعليه هديٌ يذبحه إذا قدم مكَّة، لما أفسد من عُمْرته) نصَّ عليه

(3)

.

(وإن أفسدَ المفردُ حَجَّته وأتمَّها، فله الإحرامُ بالعُمْرة من أدْنى الحِلِّ) لأنه ميقاتها.

(وإن أفسد القارنُ نُسُكه، فعليه فِداء واحدٌ) لما تقدم أن عمل

(1)

الفروع (3/ 394).

(2)

في "ح" و"ذ": "فوت".

(3)

مسائل أبي طالب كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 244 - 245)، وانظر مسائل ابن هانئ (1/ 155) رقم 776.

ص: 170

القارن كعمل المفرد.

(وإن جامع) المُحْرم (بعد التحلُّل الأول، وقبل) التحلُّل (الثاني) بأن رمى جمرة العقبة، وحلق مثلًا، ثم جامع قبل الطواف (لم يفسد حَجُّه قارنًا كان، أو مفرِدًا) أو متمتعًا؛ لقول ابن عباس في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر: "ينحرانِ جزورًا بينهما، وليس عليه الحج من قابلٍ"، رواه مالك

(1)

. ولا يُعرف له مخالفٌ في الصحابة (لكن فَسَد إحرامُه) بالوطء (فيمضي إلى الحِلِّ) التنعيم أو غيره، ليجمع بين الحِلِّ والحرم (فيُحرِمُ منه ليطوف للزيارة في إحرام صحيح، ويسعى إن لم يكن سعى وتحلَّل؛ لأن الذي بقي عليه بقية أفعَال الحج، وليس هذا عُمْرة حقيقية

(2)

) والإحرام إنما وجب ليأتي بما بقي من الحج، هذا ظاهر كلام جماعة، منهم الخرقي. فقول أحمد

(3)

، ومن وافقه من الأئمة: إنه يعتمر، يحتمل أنهم أرادوا هذا، وسموه عُمْرة؛ لأن هذه أفعالها، وصحَّحه في "المغني" و"الشرح"، ويحتمل أنهم أرادوا عُمرة حقيقة، فيلزمه سعيٌ وتقصيرٌ، وعلى هذا نصوص أحمد

(3)

، وجزم به القاضي، وابن عقيل، وابن الجوزي؛ لما سبق عن ابن عباس؛ ولأنه إحرام مستأنف، فكان فيه طواف، وسعي، وتقصير، كالعُمْرة المفردة، والعُمْرة تجري مجرى الحجِّ بدليل القرآن بينهما، قاله في "المبدع"

(1)

في الموطأ (1/ 384). وأخرجه -أيضًا- الدارقطني (2/ 272)، والبيهقي (5/ 171).

(2)

في "ذ" والإقناع (1/ 587): "حقيقة".

(3)

مسائل أبي داود ص / 129، ومسائل أبي الحارث، ومسائل الميموني، ومسائل ابن منصور، ومسائل ابن الحكم، ومسائل المروذي، ومسائل الفضل بن زياد كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 235، 238 - 239).

ص: 171

(ويلزمه شاة) لعدم إفساده للحجِّ، كوطء دون فَرْجٍ بلا إنزال، ولخفّة الجناية فيه.

(والقارنُ كالمفرد) لأن الترتيب للحجِّ، لا للعُمْرة، بدليل تأخير الحَلْقِ إلى يوم النَّحر (فإن طاف للزيارة) أي: وحَلَق (ولم يَرْمِ) جَمْرة العقبة (ثم وطئ، ففي "المغني" و"الشرح": لا يلزمه إحرام منَ الحِلِّ، ولا دم عليه؛ لوجود أركان الحج، وقال في "الفروع": وظاهر كلام جماعة كما سبق) لوجود الوطء قبل ما يتم به التحلُّل (وهو بعد التحلُّل الأول مُحْرِم؛ لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحة الإحرام) فيفسد إحرامه بالوطء بعد جمرة العقبة. قال في "المبدع": والمراد فسادُ ما بقي منه، لا ما مضى، إذ لو فَسَد كله لوقع الوقوف في غير إحرام.

فصل

(التاسع: المباشرة فيما دون الفرج لشهوة بوطء، أو قُبْلة، أو لَمْسٍ، وكذا نظرٌ لشهوةٍ) لأنه وسيلة إلى الوطء المُحَرَّم، فكان حرامًا. (فإن فَعَل، فأنزل، فعليه بدنة) نقله الجماعة

(1)

؛ لأنها مباشرة اقترن بها الإنزال، فأوجبتها، كالجِماع في الفرجِ (ولم يفسُدْ نُسُكه) لعدم الدليل، ولأنه استمتاع لم يجب بنوعه الحدّ، فلم يفسده (كما لو لم ينزل، وكما لو لم يكن) الإنزال (لشهوةٍ) والفرق بينه وبين الصوم: أنه يفسده كل واحد من محظوراته، بخلاف الحجِّ، لا يفسده إلا الجِماع، والرفث مختَلفٌ فيه، فلم نَقُلْ بجميعه، مع أنه يلزم القول به في

(1)

مسائل الكوسج (5/ 2336) رقم 1633، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 291 - 292)، ومسائل الميموني، ومسائل ابن عقيل، ومسائل حنبل، كما في كتاب الحج. من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 221 - 225)، وانظر: مسائل أبي داود ص / 129، ومسائل ابن هانئ (1/ 173، 174) رقم 881، 883.

ص: 172

الفسوق والجدال (وتأتي تتمته في الباب بعده).

فصل

(والمرأة إحرامُها في وجهِها، فيَحرمُ) عليها (تغطيتُه ببُرفع أو نِقابٍ أو غيره) لحديث ابن عُمر: "لا تَنْتَقبُ المرأةُ ولا تلْبَسُ القُفَّازَينِ" رواه البخاري

(1)

. وقال ابن عُمر: "إحرامُ المرأةِ في وجهِهَا، وإحرامُ الرجُلِ في رأسِهِ". رواه الدارقطني

(2)

بإسناد جيد. (فإن غطَّته) أي: الوجه (لغير حاجة فَدَت) كما لو غطَّى الرجُلُ رأسَه (ولحاجةٍ كمُرور رِجال قريبًا منها، تسدُلُ الثوبَ من فوق رأسِها على وجهها) لفعل عائشة، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما

(3)

(ولو مسَّ) الثوب (وجهَها)

(1)

في جزاء الصيد، باب 13، حديث 1838.

(2)

لم نقف عليه عند الدارقطني من قول ابن عمر رضي الله عنهما، وإنما رواه في سننه مرفوعًا. وقد تقدم تخريجه موقوفًا ومرفوعًا (6/ 124) تعليق رقم (4)، (5).

(3)

أحمد (6/ 30)، وأبو داود في المناسك، باب 34، حديث 1833، وابن ماجه في المناسك، باب 23، حديث 2935، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 307، وإسحاق بن راهويه (3/ 615) حديث 1189، وابن الجارود (2/ 60)، حديث 418، وابن خزيمة (4/ 203) حديث 2691، وابن عدي (7/ 2597)، والدارقطني (2/ 294، 295)، والبيهقي (5/ 48) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان في الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرِمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.

قال ابن خزيمة: وفي القلب منه.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 406): وفي إسناده ضعف.

وله شاهد أخرجه إسحاق بن راهويه (5/ 136) رقم 2254، وابن خزيمة (4/ 203) رقم 2690، والحاكم (1/ 454) عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. ورواه مالك =

ص: 173

وشرط القاضي في الساتر أن لا يصيب بشرتها، فإن أصابها، ثم ارتفع بسرعة فلا شيء عليها، وإلا فَدَت لاستدامة الستر، وردَّه الموفَّق بأنَّ هذا الشرط ليس هو عن أحمد، ولا هو في الخبر، بل الظاهر منه خِلافه، فإنه لا يكاد يَسلم المَسدول من إصابه البشرة، فلو كان شرطًا لبُيِّن.

ويجب عليها تغطية رأسها كله (ولا يمكنها تغطيةُ جميع الرأس إلا بجزء من الوجه، ولا كشفُ جميعِ الوجه إلا بجزء من الرأس، فسترُ الرأس كلِّه أَولى) لأنه آكد؛ لوجوب ستره مطلقًا.

(ولا تحرمُ تغطيةُ كفَّيها) خلافًا لأبي الفَرَج، حيث ألحقها بالوجه.

(ويَحرمُ عليها ما يَحرمُ على الرجل) من إزالة الشعر، وتقليم الأظفار، وقَتْلِ الصيد، ونحوها؛ لدخولها في عموم الخطاب (إلا لُبْس المَخيط، وتظليل المَحْمِل وغيره) كالهودج والمِحَفَّة؛ لحاجتها إلى الستر، وحكاه ابن المنذر

(1)

إجماعًا، وكعقد الإزار للرَّجُل.

(ويَحرمُ عليها وعلى رَجُل لبس قُفَّازين أو قُفَّاز واحد، وهما: كلُّ ما يُعمل لليدين إلى الكُوعين يُدخِلُهما فيه ليسترهما عن الحَرِّ؛ كالجورب للرِّجْلين، كما يُعمل للبُزاة) لحديث ابن عُمر مرفوعًا: "لا تَنْتَقِبُ المرأةُ الحرام

(2)

ولا تَلْبَسُ القُفَّازَينِ" رواه البخاري

(3)

، والرَّجل

= في الموطأ (1/ 328) عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق.

(1)

الإجماع ص / 58.

(2)

كلمة "الحرام" ليست في "ذ"، وفي صحيح البخاري:"المحرمة".

(3)

تقدم تخريجه (6/ 173)، تعليق رقم (1).

ص: 174

أَولى. ولا يلزم من جواز تغطيتهما بُكمِّها -لمشقَّة التحرُّز- جوازه بهما؛ بدليل جواز تغطية

(1)

قدمه

(2)

بإزاره لا بخف، وإنما جاز تغطية قدميها بكل شيء؛ لأنهما عورة في الصلاة.

(وفيه) أي: لُبْس القُفَّازين أو أحدهما (الفِديةُ كالنِّقاب. قال القاضي: ومثلهما لو لفَّتْ على يديها خِرْقة أو خِرَقًا، وشدَّتها على حِنَّاء أو لا، كشدِّه) أي: الرَّجُل (على جَسَدِه شيئًا) وذكره في "الفصول" عن أحمد

(3)

، وجزم بمعناه في "المنتهى" و"شرحه" (وظاهرُ كلام الأكثر: لا يحرم. وإن لفَّتها بلا شدٍّ، فلا بأس) لأن المُحَرَّم اللبس لا التغطية، كيدي الرَّجُل. ولا بأس أن تطوف منتقبة، إن لم تكن مُحْرِمة، فعلته عائشة

(4)

.

(ويُباح لها خَلْخالٌ ونحوه من حلي، كسوار ونحوه) كدُمْلج، نقله الجماعة

(5)

. قال نافع: "كنَّ نساءُ ابن عُمرَ يلبسْنَ الحلي والمعصفَرَ وهنَّ مُحرِمَاتٌ". رواه الشافعي

(6)

، وفي خبر ابن عُمر:"ويلبَسْنَ بعد ذلك مَا أحبَبنَ"

(7)

، ولا دليل للمنع.

(1)

في "ذ": "تغطية الرجل".

(2)

في "ح": "قدميه".

(3)

الفروع (3/ 452 - 453).

(4)

أخرجه عبد الرزاق (5/ 24) رقم 8859، وابن سعد (8/ 71).

(5)

مسائل حنبل، ومسائل الفضل بن زياد كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام، (3/ 94).

(6)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام الشافعي المطبوعة، وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 106، 303.

(7)

أخرجه أبو داود في الحج، باب 31، حديث 1827، والحاكم (1/ 486)، وابن حزم في المحلى (4/ 70، 79)، والبيهقي (5/ 47، 52)، وابن عبد البر في التمهيد (15/ 106)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه =

ص: 175

(ولا يَحرمُ عليها لِباسُ زينةٍ، وفي "الرعاية" وغيرها: يُكرهُ) أي: لباس الزينة. قال. أحمد

(1)

: المُحْرِمة، والمتوفَّى عنها زوجها يتركان الطيب والزينة، ولهما سوى ذلك، وفي "التبصرة": يحرم.

(ويُكره لهما) أي: للمُحْرِم والمُحْرِمة (كُحْلٌ بإثمدٍ ونحوه) من كل كُحْل أسود (لزينة لا لغيرها) رواه الشافعي

(2)

عن ابن عُمر، والأصل عدم الكراهة (ولا يكره غيرُه) أي: الإثمد ونحوه؛ لأنه لا زينة به (إذا لم يكن مطيَّبًا) فإن كان مطيبًا، حَرُم.

(ويُكره لها خِضابٌ) لأنه من الزينة كالكحل بالإثمد، و (لا) يُكره لها الخِضاب بالحِنَّاء (عند) إرادة (الإحرام) بل يُستحبُّ (وتقدم) أول باب الإحرام

(3)

، ولا بأس بذلك للرجُل فيما لا تشبه فيه بالنساء؛ لأن الأصل الإباحة، ولا دليل للمنع.

(و‌

‌يجوز لهما لبس المُعَصْفَر والكُحْلِي وغيرهما

من الأصباغ) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عُمر في حقِّ المُحْرِمة: "ولتلبسْ بعد ذلكَ ما أحبَّتْ من مُعصْفَرٍ أو خزٍّ أو كُحْلِيٍّ

(4)

". رواه أبو داود

(5)

. وعن عائشة

= الذهبي. وصحَّحه ابن حزم.

(1)

مسائل عبد الله (3/ 1157) رقم 1592، ومسائل أبي داود ص / 183، ومسائل صالح (1/ 259) رقم 195، ومسائل ابن هانئ (1/ 243) رقم 1158.

(2)

في مسنده (ترتيبه 2/ 312).

(3)

(6/ 84).

(4)

"كحلى" كذا في الأصول! وصوابه: "حلي" كما في سنن أبي داود، ومصادر التخريج.

(5)

تقدم تخريجه (6/ 175) تعليق رقم (7).

ص: 176

وأسماء: أنهما كانا يُحْرِمَانِ في المعصْفر

(1)

. ولأنه ليس بطيب، فلم يُكره المصبوغ به كالسواد (إلا أنه‌

‌ يُكره للرجل لُبْسُ المُعصفَر)

لأنه سبق أنه يُكره في غير الإحرام، ففيه أَولى، هكذا في "الإنصاف" هنا، ومعناه في "الشرح"، وتقدم في باب ستر العورة

(2)

أنه لا يُكره في الإحرام، كما في "المبدع" و"التنقيح" وغيرهما، وذكروه نصًّا

(3)

.

(ولهما قَطْعُ رإئحةٍ كريهةٍ بغير طيب) لأنه ليس من المحظورات، بل مطلوب فِعْله (والنظر في المرآة) جائز (لهما جميعًا لحاجة، كمداواة جُرْحٍ، وإزالةِ شعر بعينه) لأنه ليس بزينة.

(ويُكره) نظرهما في المرآة (لزينة) كالاكتحال بالإثمد.

(وله) أي: المُحْرِم (لُبْسُ خاتم) من فضة، أو عقيق ونحوهما؛ لما روى الدارقطني عن ابن عباس:"لا بأس بالهمْيَانِ والخَاتِم للمُحْرم"

(4)

.

(1)

أثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري معلقًا في الحج، باب 23، ووصله ابن أبي شيبة (4/ 184)، والبيهقي (5/ 59)، والحافظ في تغليق التعليق (3/ 50) عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلبس الثياب الموردَّة بالعُصْفر وهي مُحْرِمة. قال الحافط ابن حجر في الفتح (3/ 405): إسناده صحيح.

وأثر أسماء رضي الله عنها أخرجه مالك في الموطأ (1/ 326)، والشافعي في الأم (2/ 147)، وابن أبي شيبة (8/ 184)، وفي "الجزء المفرد" ص / 106، وإسحاق ابن راهويه (5/ 136) رقم 2254، والطحاوى (4/ 250)، والبيهقي (5/ 59) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: أنها كانت تلبس الثياب المُعَصْفرات المُشَبَّعات وهي مُحْرِمة، ليس فيها زعفران.

(2)

(2/ 174).

(3)

مسائل حنبل، ومسائل حرب كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 94، 95).

(4)

سنن الدارقطني (2/ 233). ورواه -أيضًا- الطبراني في الكبير (10/ 327) رقم 10806، والبيهقي (5/ 69).

ص: 177

(و) له (بَطُّ جُرْح، و) له (ختانٌ) نصًّا

(1)

، (وقَطْعُ عضو عند الحاجة

(2)

، وأن يحتجم) لأنه لا رفاهية فيه، ولحديث ابن عباس:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم احتَجَمَ وهو مُحرِمٌ". متفق عليه

(3)

(فإن احتاج) المُحْرِم (في الحجامة إلى قَطْع شعرٍ فله قَطْعُه، وعليه الفِدية) لما قَطَعه من الشعر، كما لو احتاج لحلق رأسه.

(ويجتنب المُحْرِم) ذكرًا كان أو أنثى (ما نهى الله) تعالى (عنه من الرَّفَث، وهو الجِماع) روي عن ابن عباس

(4)

وابن عمر

(5)

. وقال الأزهري

(6)

: الرَّفَثُ: كلمة جامعة لكل ما يريده الرَّجلُ من المرأة. (وكذا التقبيلُ والغمزُ، وأن يُعرِّضَ لها بالفحش من الكلام) رُوي -أيضًا- عن ابن عباس

(7)

.

(والفسوق، وهو السِّباب) وقيل: المعاصي. (والجِدال، وهو المِراء فيما لا يعني) أي: يهم. قال الموفق: المُحْرِم ممنوع من ذلك كله. وقال في "الفصول": يجب اجتناب الجدال، وهو المماراة فيما لا يعني. وفي "المستوعب": يحرم عليه الفسوق، وهو السباب والجدال، وهو المماراة فيما لا يعني، وقدم في "الرعاية": يُكره كل

(1)

تحفة المودود ص / 201.

(2)

في "ح" و"ذ": "عند الحاجة إليه".

(3)

أخرجه البخاري في جزاء الصيد، باب 11، حديث 1835، وفي الصوم، باب 32، حديث 1938، وفي الطب، باب 13، 14، 15، حديث 5695، 5698، 5700، 5701، ومسلم في الحج، حديث 1202.

(4)

تقدم تخريجه (6/ 165) تعليق رقم (3).

(5)

أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 263)، والبيهقي (5/ 67).

(6)

تهذيب اللغة (15/ 77).

(7)

أخرجه الطبري في تفسيره (2/ 263، 264).

ص: 178

جدال، ومِراء فيما لا يعنيه.

(ويُستحبُّ له قِلَّة الكلام إلا فيما ينفع) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "من كانَ يؤمنُ بالله واليوم الآخر، فليقُل خيرًا أو ليصْمت". متفق عليه

(1)

، وعنه مرفوعًا:"من حُسْنِ إسلام المرْءِ تركُهُ ما لا يَعْنِيهِ". حديث حسن، رواه الترمذي وغيره

(2)

، ولأحمد من حديث الحسين بن علي مثله. وله -أيضًا- في لفظ:"قلة الكلام فيما لا يَعْنِيه"

(3)

.

(و) يُستحبُّ للمُحْرِم (أن يشتغل بالتلبية، وذِكْرِ الله، وقراءةِ القرآن، والأمرِ بالمعروف، والنهيِ عن المنكر، وتعليمِ الجاهل، ونحو ذلك) من المطلوبات.

(ويُباح له أن يتَّجِر، و) أن (يصنع الصنائعَ ما لم يشغله) ذلك (عن واجب أو مستحب) قال ابن عباس: "كانت عُكَاظٌ، ومَجِنّة، وذُو المَجَازِ أسواقًا في الجاهليةِ، فتأثَّمُوا أن يتَّجِرُوا في المواسم، فنزلت:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}

(4)

في مواسم الحجِّ. رواه البخاري

(5)

. ولأبي داود عن أبي أُمامة التيمي قال: "كنتُ رجلًا أُكري في هذا الوجْهِ، وكان ناسٌ يقولون: ليس لك حجٌّ، فلقيتُ ابنَ

(1)

البخاري في الأدب، باب 31، 85 حديث 6018، 6135، 6136، وفي الرقاق، باب 23، حديث 6475، ومسلم في الإيمان، حديث 47.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 286) تعليق رقم (2).

(3)

تقدم تخريجه (5/ 286 - 287) تعليق رقم (2).

(4)

سورة البقرة، الآية:198.

(5)

في الحج، باب 150، حديث 1770، وفي البيوع، باب 1، 35، حديث 2050، 2098، وفي التفسير: سورة البقرة، باب 34، حديث 4519.

ص: 179

عمرَ، فقلت

(1)

: إني أُكري في هذا الوجه، وإنَّ نَاسًا يقولون: ليس لكَ حجٌّ، فقال ابنُ عمرَ: أليس تُحْرِمُ وتُلَبِّي، وتطوفُ بالبيتِ، وتُفيضُ من عرفات، وترمِي الجمَارَ؟ فقلتُ: بَلى، قال: فإنَّ لكَ حَجًّا، جاءَ رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألَهُ مثل ما سألتني، فسكَتَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يُجِبْهُ حتَّى نزلتْ هذه الآية:{لَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَرأ عليه هذه الآية، وقال: لكَ حَجٌّ"

(2)

. إسناده جيد، ورواه الدارقطني وأحمد، وعنده:"إنَّا نُكْري، فهل لنا من حَجٍّ؟ " وفيه: "وتَحلِقونَ رؤوسَكُم". وفيه: "فقال: أنتم حجَّاجٌ"

(3)

.

(1)

في "ح": "فقلت له".

(2)

أبو داود في المناسك، باب 7، حديث 1733. ورواه -أيضًا- ابن خزيمة (4/ 351) حديث 3052، والدارقطني (2/ 292)، والحاكم (1/ 449)، والبيهقي (4/ 333، 6/ 121) قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(3)

الدارقطني (2/ 292، 293)، وأحمد (2/ 155). وأخرجه -أيضًا- الطيالسي ص / 259، رقم 1909، وسعيد بن منصور (3/ 820) رقم 352، وابن أبي شيبة (4/ 467)، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد في تفسيرهما، كما في تفسير ابن كثير (1/ 240)، وإسحاق بن راهويه، كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (1/ 125)، والطبري في تفسيره (2/ 282)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 351)، والمزي في تهذيب الكمال (33/ 52).

ص: 180

‌باب الفدية

مصدر فَداه، يقال: فَداه وأفداه: أعطى فِداءَه، ويقال: فداه، إذا قال له: جُعلت فِداك. والفدية والفِداء والفَدى بمعنى، إذا كُسر أوله يمدُّ ويُقصر، وإذا فُتح أوله قُصر، وحكى صاحب "المطالع"

(1)

عن يعقوب: فداءك، ممدودًا مهموزًا مثلث الفاء.

(وهي ما) أي: دم أو صوم أو طعام (يجبُ بسبب نُسُكٍ) كدم تمتُّع وقران، وما وجب لتَرك واجب، أو إحصار، أو لفعل محظور (أو) تجب بسبب (حَرَمٍ) مكي، كالواجب في صيده ونباته.

(وله تقديمها) أي: الفِدية (على فعل المحظور) إِذا احتاج إِلى فعله (لعُذر، كـ) ـأن يحتاج إلى (حَلْقٍ ولُبس وطيب

(2)

) أو اضطر إلى أكل صيد (بعد وجود السبب) أي: العذر (المبيح) لفعل المحظور، فَعَلَهُ عليٌّ

(3)

، ولأنها كفارة فجاز تقديمها على وقت الوجوب (ككفَّارة يمين) له تقديمها على الحنث بعد عَقْدِ اليمين، وكتعجيل الزكاة لحول أو حولين بعد ملك النصاب الزكوي (ويأتى) ذلك.

(1)

هو "مطالع الأنوار على صحاح الآثار في فتح ما استغلق من كتاب الموطأ ومسلم والبخاري وإيضاح مبهم لغاتها". تأليف: إبراهيم بن يوسف بن قرقول المتوفى سنة (659 هـ) رحمه الله تعالى. وكتابه هذا استدراك وتتبع لكتاب القاضي عياض "مشارق الأنوار" انظر: كشف الظنون (2/ 1715).

(2)

في "ذ": "وتطيب".

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 388)، والطبري في تفسيره (2/ 239)، والطحاوي (2/ 242)، والبيهقي (5/ 218)، وسيأتي لفظه (6/ 199).

ص: 181

(وهي) أي:‌

‌ الفِدية (على ثلاثة أضرب)

لكنها في التحقيق ضربان كما ستقف عليه:

(أحدها): ما يجب (على التخيير، وهو نوعان:

أحدهما: يخير فيه) المُخرِج (بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين -لكل مسكين مُدُّ بُرٍّ، أو نصف صاع تمر، أو زبيب، أو شعير-) كفِطرة وكفَّارة (أو ذبح شاة، فلا يجزئ الخبز) كالفِطرة والكفَّارة على المذهب (واختار الشيخ

(1)

الإجزاء) أي: إجزاء الخبز، كاختياره في الفِطرة والكفَّارة (ويكون) الخبزُ لكلِّ مسكين بناء على إجزائه (رطلين عراقية) كما قيل في الكفارة.

(وينبغي أن يكون) ما يخرجه (بأُدُم) ليكفي المساكين المؤنة على قياس الكفَّارة (و) إخراج الفِدية (مما يأكله أفضل من بُرٍّ وشعير) وغيرهما كالكفَّارة، وخروجًا من خلاف من أوجبه؛ لظاهر قوله تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}

(2)

.

(وهي) أي: الفِدية التي يخيَّر فيها بين ما ذكر (فِديةُ حلقِ الشعر) أي: أكثر من شعرتين (وتقليم الأظفار) أي: أكثر من ظفرين، وتقدم

(3)

حكم الشعرتين والظفرين وما دونهما (و) فِدية (تغطية الرأس) من الذَّكَر أو الوجه من المرأة (و) فِدية (اللُّبس والطيب، ولو حَلَق ونحوه) بأن قلَّم أو لَبس أو تطيب (لعُذر أو غيره) لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(4)

. وقال صلى الله عليه وسلم

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 174.

(2)

سورة المائدة، الآية:89.

(3)

(6/ 120).

(4)

سورة البقرة، الآية:196.

ص: 182

لكعب بن عُجرَة: "لعلَّكَ آذاكَ هَوَامُّ رأسِك؟ قال: نعم يا رسُول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلقْ رأسكَ، وصُم ثلاثَةَ أيَّامٍ، أو أطعِم سته مساكينَ، أو انسُك شَاةً" متفق عليه

(1)

. وفي لفظ: "أو أطْعِم سِتَّة مساكينَ، لكلِّ مسكين نصف صَاع تَمرٍ"

(2)

. فدلَّت الآية والخَبر على وجوب الفِدية على صفة التخيير -لأنه مدلول "أو"- في حَلق الرأس، وقيس عليه: تقليم الأظفار، واللبس، والطيِب؛ لأنه يَحرم في الإحرام؛ لأجل الترفّه فأشبه حَلق الرأس. وثبت الحكم في غير المعذور بطريق التنبيه تبعًا له؛ ولأن كل كفَّارة ثبت التخيير فيها مع العُذر ثبت مع عدمه، كجزاء الصيد، وإنما الشرط لجواز الحَلْق لا للتخيير. والحديث ذُكرَ فيه التمر، وفي بعضِ طرقه: الزبيب

(3)

، وقيس عليهما: البر، والشعير، والأقط، كالفِطرة والكفَّارة.

(النوع الثاني) من الضرب الذي على التخيير (جزاءُ الصيدِ، يخير فيه بين) إخراج (المِثْل، فإن اختاره، ذبحه وتصدَّق به على مساكين الحرم، ولا يجزئه أن يتصدَّق به حيًّا) لأن الله تعالى سمَّاه هديًا، والهدي يجب ذَبحه (وله ذبحُه أي وقت شاء، فلا يختص بأيام النَّحر) لأن الأمر به مطلق (أو تقويم المثل بدراهم) ويكون التقويم (بالموضع الذي أتلفه) أي: الصيد (فيه وبقُرْبه) أي: قرب مَحلِّ تلف الصيد، نقله ابن القاسم

(1)

البخاري في المحصر، باب 5، 6، حديث 1814، 1815، وفي المغازي، باب 35، حديث 4190، وفي الطب، باب 16، حديث 5703، ومسلم في الحج، حديث 1201، انظر ما تقدم (6/ 119)، تعليق رقم (3).

(2)

البخاري في المحصر، باب 7، حديث 1816، دون قوله:"تمر" وفي لفظ لمسلم حديث 1201 (84) أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين.

(3)

رواه أبو داود في الحج، باب 43، حديث 1860.

ص: 183

وسِندي

(1)

لـ (يشتري بها) أي: الدراهم (طعامًا يجزئ في الفِطرة) كواجب في فِدية أذى وكفَّارة (وإن أحبَّ أخرج من طعام) مجزئ (يملكه بقَدرِ القيمة) متحريًا العدل، لحصول المقصود من الشراء، ولا يجوز أن يتصدَّق بالدراهم؛ لأن الله تعالى ذَكَرَ في الآية التخيير بين ثلاثة أشياء، وهذا ليس منها (فيُطعِم كلَّ مسكين) من مساكين الحَرَم؛ لأنه بدل الهدي الواجب. لهم (مدًّا من حنطة، أو نصف صاع من غيره) وتقدم بيان المُدِّ والصاع في الغسل

(2)

(أو يصوم عن طعام كل مسكين يومًا) لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}

(3)

فعطف بـ: "أو"، وهي للتخيير كما تقدم (وإن بقيَ) من الطعام (ما لا يعدل يومًا) بأن كان دون طعام مسكين (صام يومًا) كاملًا؛ لأن الصوم لا يتبعَّض (ولا يجب التتابع في هذا الصوم) لعدم الدليل عليه، والأمر به مطلق، فيتناول الحالين.

(ولا يجوز أن يصومَ عن بعض الجزاء ويُطعِمَ عن بعضه) نصَّ عليه

(4)

؛ لأنها كفارة واحدة، فلم يَجز فيها ذلك كسائر الكفارات.

(وإن كان) الصيد (مما لا مِثل له، خُيِّر بين أن يشتري بقيمته طعامًا) يجزئ في الفِطرة، وإن أحب أخرج من طعام يملكه بقَدْرِ القيمة، كما تقدم (فيطعمه للمساكين) كل مسكين مُدُّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره (وبين أن يصوم عن كلِّ طعام مسكين يومًا) لتعذُّر المِثل، فيُخيَّر فيما عداه.

(1)

مسائل ابن القاسم كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 321).

(2)

(1/ 369).

(3)

سورة المائدة، الآية:95.

(4)

مسائل عبد الله (2/ 714) رقم 954، ومسائل أبي داود ص / 223، ومسائل ابن هانئ (1/ 151) رقم 748، وكتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 325).

ص: 184

فصل

(الضربُ الثاني) من أضرب الفِدية (على الترتيب، وهو ثلاثةُ أنواع:

أحدها: دم متعةٍ وقِرانٍ، فيجب الهديُ) لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

(1)

. وقِيس القارنُ عليه؛ لما تقدم (فإن عَدِمه) أي: عدم المتمتع والقارن الهديَ (موضعَه، أو وجده) يباع (ولا ثمن معه إلا في بلده، فصيامُ ثلاثة أيام في الحجِّ) قيل: معناه في أشهر الحج. وقيل: معناه في وقت الحجِّ؛ لأنه لابدَّ من إضمار؛ لأن الحج أفعال لا يصام فيها، وإنما يُصام في أشهرها أو وقتها، وذلك كقوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}

(2)

أي: في أشهر (ولا يلزمه أن يقترض) ثمن الهدي (ولو وجد من يُقرِضُه) لأن الظاهر استمرار إعساره.

(ويعمل بظنِّه في عَجزِه) عن الهدي (فإن الظاهرَ من المُعسِر استمرارُ إعساره، فلهذا جاز) للمُعْسِر (الانتقالُ إلى الصوم قبل زمان الوجوب) أي: وجوب الصوم؛ لأنه يجب بطلوع فجر يوم النحر.

(والأفضل: أن يكون آخرُ الثلاثة يومَ عَرَفة) نصَّ عليه

(3)

(فيصومُه) أي: يوم عَرَفة هنا استحبابًا (للحاجة) إلى صومه (ويقدِّم الإحرامَ بالحج قبل يوم التروية، فيكون اليوم السابعَ من) ذي (الحِجَّة

(1)

سورة البقرة، الآية:196.

(2)

سورة البقرة، الآية:197.

(3)

مسائل الأثرم، ومسائل أبي طالب، كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 335)، والمغني (5/ 361).

ص: 185

مُحرِمًا) فيحرم قبل طلوع فجره (وهو أولها) ليصومها كلها وهو مُحْرِم بالحج.

(وله تقديمها) أي: الأيام الثلاثة (قبل إحرامِه بالحجِّ بعد أن يُحْرِم بالعُمرة) وأن يصومها في إحرام العُمرة؛ لأن إحرام العُمرة أحد إحرامي التمتُّع، فجاز الصوم فيه وبعده، كالإحرام بالحج. ولأنه يجوز تقديم الواجب على وقت وجوبه، إذا وُجدَ سبب الوجوب، وهو هنا إحرامه بالعُمْرة في أشهر الحج، كتقديم الكفَّارة على الحنث بعد اليمين.

و (لا) يجوز تقديم صومها (قبله) أي: قبل إحرام العُمرة؛ لعدم وجود سبب الوجوب، كتقديم الكفارة على اليمين.

(ووقتُ وجوبِ صومِ الأيام الثلاثة وقتُ وجوبِ الهدي) وهو طلوع فجر يوم النحر، على ما تقدم؛ لأنها بدلُه (وتقدم) وقت وجوبه (و) صيام (سبعة) أيام (إذا رَجَعَ إلى أهله) لقوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}

(1)

.

(ولا يصحُّ صومُها) أي: السبعة (بعد إحرامه بالحج قبل فراغه منه) قالوا: لأن المراد بقوله تعالى: {إِذَا رَجَعْتُمْ} يعني: من عَمَلِ الحج؛ لأنه المذكور.

(ولا) يصح صومُها (في أيام منى لبقاء أعمالٍ من

(2)

الحج) كرمي الجِمار (ولا) يصحُّ صومُ السبعة (بعدها) أي: بعد أيام منى (قبل طواف الزيارة) لأنه قبل ذلك لم يرجع من عَمَلِ الحج.

قلت: وكذا بعد الطواف وقبل السعي.

(1)

سورة البقرة، الآية:196.

(2)

قوله: "من" ليس في "ذ".

ص: 186

(و) إن صام السبعة (بعده) أي: بعد الطواف، ولعل المراد: والسعي (يصحُّ) لأنه رجع من عَمَلِ الحج (والاختيار) أن يصومها (إذا رَجَعَ إلى أهله) لحديث ابن عُمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فمنْ لم يَجِدْ فَلْيَصُم ثَلاثةَ أيامِ في الحجِّ وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلى أهلِهِ". متفق عليه

(1)

.

(فإن لم يَصم الثلاثةَ قيل يوم النحر، صام أيام منى) وهي أيام التشريق؛ لقول ابن عمر وعائشة: "لم يرخِّص في أيامِ التشرِيق أن يُصَمنَ إلا لمَنْ لم يَجِد الهَدي" رواه البخاري

(2)

؛ لأن

(3)

الله تعالى أمر بصيام الأيام الثلاثة في الحج، ولم يبقَ من الحج إلا هذه الأيام، فتعين فيها الصوم (ولا دم عليه) إذا صامها أيام مني؛ لأنه صامها في الحج (فإن لم يصمها) أي: الثلاثة أيام (فيها) أي: في أيام منى ولا قبلها (ولو لعُذر) كمرض (صام بعد ذلك عشرة أيام) كاملة، استدراكًا للواجب (وعليه دم) لتأخيره واجبًا من مناسك الحج عن وقته.

(وكذا إن أخَّر الهديَ عن أيام النحرِ لغير عُذر) فعليه دم، لتأخير الهَدي الواجب عن وقته، فإن كان لعُذر كأن ضاعت نفقته، فلا دم عليه.

(ولا يجب تتابعٌ ولا تفريقٌ في صوم الثلاثة، ولا) في صوم (السبعة، ولا بين الثلاثة والسبعة إذا قضى) الثلاثة أو صامها أيام منى؛ لأن الأمر وَرَدَ بها مطلقًا، وذلك لا يقتضي جمعًا ولا تفريقًا.

(ومتى وجب عليه الصومُ) لعجزه عن الهَدي وقت وجوبه (فَشَرَع فيه) أي: الصوم (أو لم يشرع) فيه (ثم قدر على الهدي، لم يلزمه الانتقال

(1)

البخاري في الحج، باب 104، حديث 1691، ومسلم في الحج، حديث 1227.

(2)

في الصوم، باب 68، حديث 1997، 1998.

(3)

في "ح" و"ذ": "ولأن".

ص: 187

إليه) اعتبارًا بوقت الوجوب، كسائر الكفارات (وإن شاء انتقل) عن الصوم إلى الهدي؛ لأنه الأصل. وإن صام قبل الوجوب؛ ثم قدر على الهدي وقت الوجوب، فصرَّح ابن الزعفراني: بأنه لا يجزئه الصوم. وإطلاق الأكثرين يخالفه. وفي كلام بعضهم تصريح به، قاله في القاعدة الخامسة

(1)

، واقتصر عليه في "الإنصاف".

(ومن لزمه صوم المتعة، فمات قبل أن يأتي به) كله أو بعضه (لغير عُذر، أُطعم عنه لكلِّ يوم مسكين) من تركته إن كانت، وإلا، استُحب لوليه كقضاء رمضان، ولا يُصام عنه لوجوبه بأصل الشرع، بخلاف النذر (وإلا) أي: وإن لم يكن عدم إتيانه به لغير عُذر، بل

(2)

كان لعذر (فلا) إطعام عنه؛ لعدم تقصيره.

النوع (الثاني) من الضرب الثاني: (المُحصَر، يلزمه الهَديُ) لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

(3)

و (ينحَرُه بنيَّة التحلُّل) لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرِئ ما نَوَى"

(4)

(مكانَه) أي: الإحصار (كما يأتي في بابه) موضحًا (فإن لم يجد) المُحْصَر الهدي (صامَ عشَرةَ أيام) قياسًا على هدي التمتُّع (بالنيَّة) أي: نية التحلُّل؛ لما تقدم (ثم حَلَّ) وليس له التحلل قبل ذلك (ولا إطعامَ فيه) أي: في هذا النوع، ويأتي إيضاحه في بابه.

‌النوع (الثالث: فِدية الوَطء تجبُ به

(5)

بدنةٌ)

في حج قبل التحلُّل

(1)

القواعد الفقهية ص / 7.

(2)

في "ح": "بأن".

(3)

سورة البقرة، الآية:196.

(4)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم 2.

(5)

في "ح": "تجب فيه".

ص: 188

الأول (قارنًا كان أو مفرِدًا، فإنْ لم يجدها) أي: البَدَنة (صام عشرة أيامٍ: ثلاثة في الحج، وسبعةً إذا رَجَع) أي: فرغ من عمل الحج (كدم المتعة؛ لقضاء الصحابة به) قاله ابن عُمر، وابن عباس، وعبد الله بن عَمرو. رواه عنهم الأثرم

(1)

. ولم يظهر لهم مخالف في الصحابة، فيكون إجماعًا

(2)

، فيكون بدله مقيسًا على بدل دم المتعة.

(و)

‌ تجب (شاةٌ إن كان) الوطء (في العُمرة)

وتقدم في الباب

(3)

قبله مستوفى (ويجب على المرأة المطاوِعة مثلُ ذلك) المذكور في الحج والعمرة و (لا) تجب فِدية الوَطء على (المكرهة والنائمة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "عُفيَ لأمَّتِي عَنِ الخَطَأ والنسيانِ وما استُكرِهُوا عليهِ"

(4)

(ولا يجبُ على الواطيء أن يفديَ عنها، وتقدَّم ذلك) في الباب قبله

(5)

.

فصل

(الضربُ الثالثُ) من أضرب الفِدية (الدماءُ الواجبةُ) لغير ما تقدم، كدم وجب (لفواتِ الحجِّ بعدم وقوفه بعَرَفة، لعُذرٍ حَصْرٍ أو غيره) حتى طلع فجر يوم النَّحْر (ولم يشترط أن مَحلِّي حيث حبستني) فإن كان اشترط، فلا دم عليه.

(أو وجب) الدم (لتركِ واجب، كتَركِ الإحرام من الميقات، أو

(1)

لعل الأثرم رواها في سننه، ولم تطبع، ولم نقف على من رواه مسندًا، وقد ذكره ابن حزم في المحلى (1/ 190) معلقًا عنهم.

(2)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص / 56.

(3)

(6/ 170).

(4)

تقدم تخريجه (2/ 115)، تعليق رقم (1).

(5)

(6/ 169).

ص: 189

الوقوف بعَرَفة إلى الليل) لمن وقف نهارًا (وسائر الواجبات) كالمبيت بمزدلفة، أو ليالي منى، أو رَمْي الجِمار، أو طواف الوداع (فيلزمُه من الهَدي ما تيَسَّر، كدم المتعةِ، على ما تقدم

(1)

من حُكمِه وحُكم الصيام) بدله. يعني: أنه يجب عليه دم كدم المتعة، فإن عَدِمه، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، لكن في مسألة الفوات لا يُتصوَّر صوم الثلاثة قبل يوم النَّحر؛ لأن الفوات إنما يتحقَّق بطلوع فجره، وإنما أُلحق بدم التمتع؛ لتَرْكه بعض ما اقتضاه إحرامه، فصار كالمترفِّه بتَرك أحد السفرين، ولم يُلحق بالإحصار، مع أنه أشبه به، إذ هو إحلال من إحرامه قبل إتمامه؛ لأن البدل في الإحصار ليس منصوصًا عليه، وإنما ثبت قياسًا، وقياسه على الأصل المنصوص عليه أَولى، على أنَّ الهَدي هنا كهدي الإحصار، والصيام مثل الصيام عن دم الإحصار، إلا أنَّ التحلُّل في الإحصار لا يجوز إلا بعد ذَبحِ الهَدي، أو الصيام بنيَّة التحلُّل، وهنا

(2)

يجوز قبل الحِلِّ وبعده.

(وما وجب) من الدماء (للمباشرة في غير الفَرْجِ) كالقُبلة واللمس، والنظر لشهوة (فما أوجبَ منه بدنةً) وهو الذي فيه إنزال، وكان قبل التحلُّل الأول من الحج (فحكمُها حُكمُ البدنة الواجبة بالوَطء في الفَرج) فتجب البدنة، فإن لم يجدها، صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رَجَع؛ لأنه دم وجب بسبب المباشرة، أشبه الواجب بالوطء في الفَرج.

(وما عدا ما يوجبُ بدنةً، بل) أوجب (دمًا، كاستمتاعٍ لم ينزل فيه) وكالوطء في العُمْرة وبعد التحلُّل الأول في الحج، قاله في

(1)

(6/ 185).

(2)

في "ذ": "وهذا".

ص: 190

"الشرح"(فإنه يوجب شاةً، وحكمُها حُكمُ فِديةِ الأذى) لما في ذلك من الترفّه. وقد قال ابن عباس: "فمن وقعَ على امرأتِه في العُمْرة قبلَ التَّقصيرِ، عليهِ فِديِةٌ صيام أو صَدَقَةٍ أو نسكٍ". رواه الأثرم

(1)

.

(وإن كرَّر النَّظرَ) فأمنى (أو قبَّل) فأمنى (أو لمس لشهوةٍ فأمنى، أو استمنى فأمنى، فعليه بدنةٌ) قياسًا على الوطء (وإن مَذَى بذلك) فعليه شاة؛ لأنه يحصُل به التذاذ، كاللمس.

(أو أمنى بنظرة واحدة فـ) ـعليه (شاةٌ) أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، كفدية أذًى؛ لأنه فِعْل يحصُل به اللذَّة، أوجب الإنزال، أشبه اللمس.

(وإن لم ينزل) بالنظر فلا شيء عليه؛ لأنه لا يمكن التحرُّز منه، ولو كرَّره. وأما الاستمتاع بلا إنزال فتجب به شاة، كما تقدم (أو أنزل عن فِكر غَلَبَه) فلا شيء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"عُفِيَ لأمَّتي عَنِ الخَطَأ والنِّسْيانِ، وما حَدَّثَتْ بهِ أنفسَهَا ما لم تَعملْ بهِ، أو تَتكلَّمْ". متفق عليه

(2)

. ولأنه لا نصَّ فيه ولا إجماع، ولا يصحُّ قياسه على تكرار النظر؛ لأنه دونه في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال، ويخالفه في التحريم إذا تعلَّق بأجنبية، أو في الكراهة إذا تعلق بمباحة، فيبقى على الأصل (أو مَذَى

(1)

لعل الأثرم رواه في سننه، ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- البيهقي (5/ 172).

(2)

لفق المؤلف بين حديثين: من حديث عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وبين حديث: إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا، أو يعملوا به. أما الأول فقد تقدم تخريجه (2/ 115) تعليق رقم (1) وأما الثاني فهو متفق عليه، أخرجه البخاري في العتق، باب 6، حديث 2528، وفي الطلاق، باب 11، حديث 5269، وفي الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6664، ومسلم في الإيمان، حديث 127، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 191

بنظرة من غير تكرار) للنظر، فلا شيء عليه؛ لمشقَّة الاحتراز منه (أو احتلم فلا شيء عليه) لأنه لا يمكن الاحتراز منه.

(وخطأٌ كعمد في الكُلِّ) أي: كل ما تقدم من المباشرة دون الفَرْجِ، وتكرار النظر، والتقبيل واللمس لشهوة، فلا تختلف الفِدية بالخطأ والعمد فيه، كالوطء (والمرأة كالرَّجُل مع شهوة) فيجب عليها مع الشهوة ما يجب عليه؛ لاشتراكهما في اللذة، فإن لم توجد منها شهوة، فلا شيء عليها.

فصل

(وإن كرَّر محظورًا من جنس غير) قَتْل (صيدٍ، مثل أن حَلَق) ثم أعاد (أو قلَّم) ثم أعاد (أو لَبِس) مخيطًا ثم أعاد (أو تطيب) ثم أعاد (أو وطئ) ثم أعاد (أو) فَعَل (غيرها من المحظورات) كأن باشر دون الفَرْج (ثم أعاد) ذلك (ثانيًا، ولو غير الموطوءة) أوَّلًا (أو) كان تكريره للمحظور (بلُبْسِ مخيطٍ في رأسه) فعليه فديةٌ واحدة. قال في "الشرح": فإن لبس قميصًا وسراويل، وعمامة وخُفَّين، كفاه فِدية واحدة؛ لأن الجميع لُبْس، فأشبه الطيب في رأسه وبدنه (أو بدواءٍ مطيب) ذكره في "الإنصاف" المذهب، وأن عليه الأصحاب، وبناه في "المستوعب" على رواية أن الحكم يختلف باختلاف الأسباب، لا باختلاف الأوقات والأجناس، وهو ظاهر؛ إذ الطيب وتغطية الرأس جنسان كما تقدم. ويمكن حَمْل كلامه على تكرار الطيب فقط، بأن تطيب أولًا، ثم أعاده بدواءٍ مطيب، فهذا جنس واحد، لا لُبْس معه، ولا تغطية رأس، بخلاف ما لو غطَّى رأسه، ثم أعاده بدواء مطيب، فإنه على مقتضى كلامه يلزمه فديتان: لتغطية الرأس فِدية، وللطيب فِدية، وقوله:(قبل التكفير عن الأول) متعلِّق بـ"أعاد"(فـ) عليه (كفَّارة واحدة، تابع الفِعل أو فرَّقه) لأن

ص: 192

الله تعالى أوجب في حَلْقِ الرأس فِدية واحدة، ولم يفرِّق بين ما وقع في دفعة أو دفعات (فلو قلَّم ثلاثةَ أظفار، أو قَطَع ثلاث شعرات في أوقات قبل التكفير، لزمه دم) أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، ولم تلزمه ثانية؛ لما تقدم.

(وإن كفَّر عن) الفِعل (الأول، لزمته للثاني

(1)

كفَّارة) ثانية؛ لأن السبب الموجب للكفَّارة الثانية غير عين السبب الموجب للكفَّارة الأُولى، أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفَّر، ثم حلف وحنث.

(وتتعدد كفَّارة الصيد) أي: جزاؤه (بتعدده) أي: الصيد، ولو قُتلت الصيود معًا؛ لقوله تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}

(2)

ومثلُ جزاء الاثنين فأكثر لا يكون مثلَ أحدهما.

(وإن فَعَل محظورًا من أجناس، فعليه لكُلِّ) جنس (واحدٍ فِداءٌ) سواء فَعَل ذلك مجتمعًا أو متفرقًا، اتحدت فديتُها أو اختلفت؛ لأنها محظورات مختلفة الأجناس، فلم يتداخل موجَبها، كالحدود المختلفة.

(وإن حَلَق، أو قلَّم) أظفاره (أو وطِئ، أو قتل صيدًا عامدًا، أو ناسيًا، أو مخطئًا أو مُكرهًا -ولو نائمًا- قَلَع شعرَه، أو صوَّبْ رأسه إلى تنُّورٍ فأحرق اللَّهبُ شعرَه، فعليه الكفَّارة) لأن هذه أتلاف، فاستوى عمدُها وسهوها وجهلها، كإتلاف مال الآدمي، ولأنه تعالى أوجب الفِدية على من حَلَقَ رأسه لأذًى به، وهو معذور، فكان ذلك تنبيهًا على وجوبها على غير المعذور، ودليلًا على وجوبها على المَعذور بنوع آخر، كالمحتجم يحلق موضع محاجمه. ومثل ذلك المباشرة دون الفَرْج، كما تقدم قريبًا.

(1)

في "ذ": "لزمه عن الثاني".

(2)

سورة المائدة، الآية:95.

ص: 193

(وإن لَبِسَ) مخيطًا ناسيًا، أو جاهلًا، أو مكرهًا (أو تطيب) ناسيًا، أو جاهلًا، أو مكرهًا (أو غطَّى رأسه ناسيًا، أو جاهلًا، أو مكرهًا، فلا كفَّارة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "عُفِيَ لأمَّتِي عنِ الخَطأ والنِّسْيان ومَا اسْتُكرِهُوا عليه"

(1)

. قال أحمد

(2)

: إذا جامع أهله؛ بطل حجُّه؛ لأنه شيء لا يقدر على ردِّه، والصيد إذا قَتَله، فقد ذهب لا يقدر على ردِّه، والشعر إذا حَلَقه، فقد ذهب، فهذه الثلاثة العمد والخطأ والنسيان فيه

(3)

سواء، وكل شيء من النسيان بعد هذه الثلاثة فهو يقدر على ردِّه، مثل ما إذا غطَّى المُحْرِم رأسه، ثم ذكر، ألقاه عن رأسه، وليس عليه شيء، أو لبس خفًّا نَزَعه، وليس عليه شيء. ويلحق بالحلق: التقليم؛ بجامع الإتلاف.

(ويلزمُه غَسْلُ الطيب، وخَلْع اللباس في الحال) أي: بمجرد زوال العُذر من النسيان والجهل والإكراه؛ لخبر يعلى بن أمية: "أن رجُلًا أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو بالجِعْرانةِ، وعليهِ جُبَّةٌ، وعليه أَثرُ خلُوق -أو قال: أثر صُفرةٍ- فقال: يا رسول الله، كيفَ تأمُرُنِي أن أصنَع في عُمرتي؟ قال: اخلعْ عنكَ هذه الجبَّةَ، واغسِلْ عنكَ أثرَ الخلُوقِ -أو قال: أثرَ الصفْرَة- واصنَعْ في عُمرتِكَ كما تصنَعُ في حجِّكَ". متفق عليه

(4)

، فلم يأمره بالفِدية مع سؤاله عما يصنع، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، فدلَّ ذلك على أنه عَذَرَه لجهله، والناسي والمُكره في معناه (ومتى أخَّره)

(1)

تقدم تخريجه (2/ 115)، تعليق رقم (1).

(2)

مسائل صالح (3/ 86) رقم 1399، ومسائل ابن هانئ (1/ 163) رقم 820، ومسائل أبي طالب كما في كتاب الروايتين والوجهين (1/ 290)، وفي كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 250).

(3)

في "ذ": "فيها".

(4)

تقدم تخريجه (6/ 135) تعليق رقم (2).

ص: 194

أي: غسل الطيب، وخلع اللباس (عن زمن الإمكان، فعليه الفِدية) لاستدامة المحظور من غير عُذر (وتقدَّم)

(1)

حكم (غسل الطيب) في الباب قبله.

(ومن رَفَض إحرامَه، لم يفسُدْ) إحرامه بذلك؛ لأنه عبادة لا يخرج منها بالفساد، فلم يخرج منها برفضِها، بخلاف سائر العبادات (ولم يلزمْه دَمٌ لرَفْضه) لأنه مجرد نية، قال في "الإنصاف": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، ومشى عليه في "المنتهى" و"شرحه". وقيل: يلزمه، وذكره في "الترغيب" وغيره، وقدمه في "الفروع" (وحُكمُ إحرامِه باقٍ) لأن التحلُّل من الحج لا يحصُل إلا بأحد ثلاثة أشياء: إما بكمال أفعاله، أو التحلُّل منه عند الحصر، أو بالعذر إذا شرط في ابتداء إحرامه أن مَحِلِّي حيث حبستني (فإن فَعَلَ محظورًا) بعد رفْضِه إحرامه (فعليه فِداؤه) لبقاء إحرامه.

(و‌

‌من تطيَّب قبل إحرامه في بدنه، فله استدامةُ ذلك

في إحرامِه) لما تقدم من حديث عائشة

(2)

؛ فإنه كان في حَجَّة الوداع سنة عشر، وحديث يعلى بن أمية

(3)

كان عام حُنين بالجِعْرانة سنة ثمان. ذكره ابن عبد البَرِّ

(4)

اتفاق أهل العلم بالسير والآثار (وتقدم) في الباب قبله.

(وليس له) أي: المُحْرِم (لُبْس ثوب مطيَّب بعد إحرامه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسُوا منَ الثِّيابِ شيئًا مسَّه الزعْفَرانُ ولا الوَرْسُ". متفق

(1)

(6/ 141).

(2)

تقدم تخريجه (6/ 84)، تعليق رقم (4، 5).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 135)، تعليق رقم (2).

(4)

التمهيد (2/ 254)، والاستذكار (11/ 57).

ص: 195

عليه

(1)

(وتقدم) في الباب قبله. وتقدم أيضًا حُكم استدامة ثوب مطيَّب أحرم فيه.

(وإنْ أحرمَ وعليه قميصٌ ونحوه، خَلَعه) في الحال (ولم يشُقَّه) ولا فِدية عليه؛ لأن محظورات الإحرام إنما تترتَّب على المُحْرِم لا على المُحِلِّ، لا يقال: إنَّه بإقدامه على إنشاء الإحرام وهو متلبِّس بمحظوراته، متسبب إِلى مصاحبة اللبس في الإحرام، كما لا يقال مثل ذلك في الحالف والناذر، فإنه كان يمكنه أن لا يحلِفَ حتى يترك التلبُّس بما يحلف عليه، فظهر من ذلك أنه يجوز له الإحرام وعليه المخيط، ثم يخلعه، إلا على الرواية التي ذكرها في "الرعاية" أن عليه الفِدية، فإن مقتضاها أنه لا يجوز، قاله في القاعدة السابعة والأربعين

(2)

(فإن استدام لُبْسه) أي: المخيط (ولو لحظة فوق المعتاد في

(3)

خَلْعِه، فدى) لاستدامة المحظور بلا عُذر.

(وإن لبِس بعد إحرامه ثوبًا كان مُطيَّبًا وانقطع ريحُه) إذا رشَّ فيه ماء فاح ريحه، فدى (أو افترشه، ولو تحت حائل -غيرَ ثيابه- لا يَمنعُ ريحَه ومباشرته إذا رُشَّ فيه ماء فاح ريحه، فدى) لأنه مطيب، بدليل أن رائحته تظهر عند رشّ الماء، والماء لا رائحة له، وإنما هو من الطيب الذي فيه، أشبه ما لو ظهرت الرائحة بنفسها، فإن كان الحائل غير ثيابه صفيقًا يمنع ريحه ومباشرته، فلا فِدية عليه؛ لأنه لا يُعدُّ مستعملًا له.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 124) تعليق رقم (2).

(2)

بل في القاعدة الثامنة والخمسين ص / 104.

(3)

في "ذ": "من".

ص: 196

فصل

(وكلُّ هدي أو إطعام يتعلَّقُ بحَرَم أو إحرام، كجزاءِ صيدٍ، وما وجب لترك واجب، أو) وجب لـ (ـفواتٍ، أو بفعل محظور في الحرم، وهَدي تمتُّع وقِران ومنذور ونحوها) فهو لمساكين الحرم، أما الهَدي؛ فلقوله تعالى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيتِ الْعَتِيقِ}

(1)

، وأما جزاء الصيد؛ فلقوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

(2)

، وأما ما وجب لترك واجب أو فوات الحجِّ؛ فلأنه هَدي وجب لترك نُسُكٍ، أشبه دَمَ القِران، والإطعام في معنى الهَدي، قال ابن عباس:"الهَدْيُ والإطعام بِمكَّةَ"

(3)

ولأنه نُسُك ينفعهم كالهَدي.

وكل هَدي قلنا: إنه لمساكين الحرم، فإنه (يلزمه

(4)

ذَبْحُه في الحرم) ويجزئه الذبحُ في جميع الحرم؛ لما روي عن جابر مرفوعًا: "كُلُّ فجَاجِ مكَّةَ طريق ومَنْحَرٌ" رواه أحمد وأبو دارد

(5)

، لكنه في مسلم

(1)

سورة الحج، الآية:33.

(2)

سورة المائدة، الآية:95.

(3)

لم نقف على من رواه موصولًا، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 425) رقم 19568: وفي حكاية ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما: الدم والطعام بمكة، والصوم حيث شاء. وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 263) والعقيلي (1/ 20) بلفظ:"المنحر بمكة، ولكنها نزهت عن الدماء".

(4)

في "ذ": "يلزم".

(5)

أحمد (3/ 326)، وأبو داود في المناسك، باب 65، حديث 1937. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في المناسك، باب 73، حديث 3048، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (2/ 379)، وعبد بن حميد (3/ 7) حديث 1002، والدارمي في الحج، باب 50، حديث 1886، وابن خزيمة، (4/ 242)، حديث 2787، والعقيلي (1/ 18)، والطبراني في الأوسط (4/ 127) حديث 3207، =

ص: 197

عنه مرفوعًا: "منى كُلُّها مَنْحَرٌ"

(1)

وإنما أراد الحرم؛ لأنه كلُّه طريق إليها، والفجُّ: الطريق. وقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

(2)

، وقوله:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيتِ الْعَتِيقِ}

(3)

لا يمنع الذبح في غيرها، كما لم يمنعه بمنى.

(و) يلزمه (تفرقة لحمِه فيه) أي: في الحرم (أو إطلاقه بعد ذبحه لمساكينه) أي: الحرم (من المسلمين إن قَدَر على إيصاله إليهم

(4)

بنفسه، أو بمن يرسله معه) لأن المقصود من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه، ولا يحصُل بإعطاء غيرهم.

(وهم) أي: مساكين الحرم (من كان) مقيمًا (به، أو واردًا إليه من حاجٍّ وغيره ممن له أخذ زكاة لحاجة) كالفقير، والمسكين، والمكاتب، والغارم نفسه (فإن دفع) من الهَدي أو الإطعام (إلى فقير في ظنِّه، فبان غنيًّا، أجزأه) كالزكاة.

(ويجزئ نحره في أي نواحي الحرم كان) الذبح (قال) الإمام (أحمد

(5)

: مكَّة ومنى واحد. ومراده في الإجزاء، لا في التساوي) في الفضيلة (ومنى كلها مَنْحَر) لما تقدم من حديث مسلم (1).

= والحاكم (1/ 460)، والبهقي (5/ 122)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 417). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وحسنه ابن عبد الهادي في التنقيح، كما في نصب الراية (3/ 162) (ولم نقف عليه في المطبوع من التنقيح). وقال العقيلي: وهذا المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بغير هذا الإسناد.

(1)

في الحج، حديث 1218 (149).

(2)

سورة المائدة، الآية:95.

(3)

سورة الحج، الآية:33.

(4)

في "ح": "لهم".

(5)

الفروع (3/ 465).

ص: 198

(و‌

‌الأفضل: أن ينحر في الحجِّ بمِنى، وفي العُمْرة بالمروة)

خروجًا من خلاف مالك رحمه الله

(1)

.

(وإن سَلَّمه) أي: الهَدي حيًّا (إليهم) أي: إلى مساكين الحرم (فنحروه) بالحرم (أجزأ) لحصول المقصود (وإلا) أي: وإن لم ينحروه (استردَّه) منهم (ونَحَره) لوجوب نحره (فإن أبى) أن يستردَّه (أو عَجَزَ) عن استرداده (ضَمِنَه) لمساكين الحرم، لعدم خروجه من عهدة الواجب (فإن لم يقدِرْ على إيصاله إليهم) أي: إلى مساكين الحرم (جاز نحرُه في غير الحرم) كالهَدي إذا عطب؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

(2)

.

(و) جاز (تفرقته هو) أي: الهَدي الذي عَجَزَ عن إيصاله (و) تفرقة (الطعام) إذا عَجَزَ عن إيصاله بنفسه، أو بمن يرسله معه (حيث نَحَره) أي: بالمكان الذي نَحَره فيه؛ لما تقدم.

(وفِديه الأذى، واللُّبْس، ونحوهما، كطيب، ودم المباشرة دون الفَرْج إذا لم يُنْزِل، وما وجب بفعل محظور خارجَ الحرم، ولو لغير عُذرٍ، فله تفرقتُها) أي: الفِدية دمًا كانت أو طعامًا (حيث وُجِدَ سببها) لأنه صلى الله عليه وسلم "أمرَ كَعْبَ بنَ عُجْرَةَ بالفِدْية بالحُدَيبِية"

(3)

وهي من الحِلِّ. "واشْتكَى الحسينُ بن عَليٍّ رأسَهُ، فَحَلَقَهُ عَليٌّ، ونحَرَ عنه جَزورًا بالسقْيَا". رواه مالك والأثرم وغيرهما

(4)

(و) له تفرقتها (في الحرم -أيضًا-) كسائر الهدايا.

(1)

انظر: النوادر والزيادات (2/ 444).

(2)

سورة البقرة، الآية:286.

(3)

تقدم تخريجه (6/ 119) تعليق رقم (3)، و (6/ 183) تعليق رقم (1).

(4)

تقدم تخريجه (6/ 181) تعليق رقم (3).

ص: 199

(ووقتُ ذَبْحٍ فِدية الأذى) أي: حَلْق الرأس (و) فِدية (اللُّبْس ونحوهما) كتغطية الرأس والطيب (وما أُلحق به) أي: بما ذكر من المحظورات (حين فِعْله) أي: المحظور.

(وله الذبحُ قبلَه) إذا أراد فِعله (لعُذر) ككفَّارة اليمين ونحوها، وتقدم أول الباب

(1)

.

(وكذلك ما وجب لتركِ واجب) أي: يكون وقته من تَرْك ذلك الواجب.

(ولو أمسك صيدًا، أو جَرَحه، ثم أخرج جزاءه، ثم تلف المَجروحُ أو المُمْسَكُ، أو قَدَّمَ من أبيح له الحَلْق فِديتَه قبل الحَلْق، ثم حَلَقَ، أجزأه) ولا يخلو عن نوع تكرار مع ما قبله.

(و‌

‌دمُ الإحصار يخرجه حيث أُحصر)

من حِلٍّ أو حرم، نصَّ عليه

(2)

؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "نَحرَ هديهُ في موضِعِهِ بالحُدَيبيَةِ"

(3)

وهي من الحلِّ. ودلَّ على ذلك قوله تعالى: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}

(4)

؛ ولأنه موضع حِلِّه، فكان موضع نَحْرِه، كالحرم.

(1)

(6/ 181).

(2)

انظر: مسائل صالح (1/ 370) رقم 343، ومسائل الميموني كما في كتاب الروايتين والوجهين (1/ 296)، وكتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 370).

(3)

أخرجه البخاري في الصلح، باب 7، حديث 2701، وفي المغازي، باب 43، حديث 4252، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا في قصة الحديبية، بلفظ:"فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية"، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1786، عن أنس رضي الله عنه بلفظ:"وقد نحر الهدي بالحديبية".

(4)

سورة الفتح، الآية:25.

ص: 200

(وأما الصيام والحَلقُ) فيجزئه بكلِّ مكان؛ لقول ابن عباس: "الهَديُ والإطعَامُ بِمكَّةَ، والصوم حيثُ شَاءَ"

(1)

. ولأنه لا يتعدى نفعه إلى أحد، فلا معنى لتخصيصه بمكان، بخلاف الهَدي والإطعام، ولعدم الدليل على التخصيص.

(و) أما (هَدي التطوُّع وما يسمى نُسُكًا فيجزئه بكل مكان، كأُضحية) ذكره في "الفروع". قال في "تصحيح الفروع": وفيه نظر؛ فإن هدي التطوُّع لأهل الحرم، وكذا ما كان نُسُكًا، فلعل أن يكون هنا نقص، ويدلُّ عليه قوله بعد ذلك: لعدم نفعه، ولا معنى لتخصيصه بمكان. وهذا التعليل ينافي هَدي التطوع، وما يُسمَّى نسُكًا، فإن فيهما نفعًا لمساكين الحرم.

(وكل دم ذُكر) ولم يقيد (يجزئ فيه شاة كأضحية، فيجزئ الجَذَع من الضأن، والثنيُّ من المَعز، أو سُبع بدنة أو سُبع بقرة) لقوله تعالى في المتمتع: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

(2)

قال ابن عباس: "شَاة أو شِركٌ في دَم"

(3)

، وقوله في فدية الأذى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(4)

، وفسره صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عُجرة "بِذَبح شاة"

(5)

وما سوى هذين مقيس عليهما.

(وإن ذَبحَ بدنة أو بقرة فهو أفضل، وتكون كلها واجبة) لأنه اختار الأعلى لأداء فَرضه، فكان كله واجبًا، كما لو اختار الأعلى من خصال الكفَّارة.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 197) تعليق رقم (3).

(2)

سورة البقرة، الآية:196.

(3)

أخرجه البخاري في الحج، باب 102، رقم 1688.

(4)

سورة البقرة، الآية:196.

(5)

تقدم تخريجه (6/ 183) تعليق رقم (1).

ص: 201

(ومن وَجَبت عليه بدنةٌ، أجزأته) عنها (بقرةٌ) لقول جابر: "كنا ننحَرُ البدَنةَ عن سَبْعَةٍ. فقيلَ له: والبقرة؟ فقال: وهل هِيَ إلا مِنَ البُدْنِ" رواه مسلم

(1)

(كعكسه) أي: إجزاء البدنة عن بقرة

(2)

(ولو) كان ذبح البقرة عن البدنة أو بالعكس (في جزاء صيدٍ ونَذرٍ) مطلق، فإن نوى شيئًا بعينه، لزِمه ما نواه، قاله ابن عقيل.

(ويجزئه عن كل واحدة منهما) أي: من البدنة والبقرة (سَبعُ شياه) ولو في نَذْرٍ، أو جزاء صيد، قدمه في "الشرح".

(ويجزئه عن سَبعِ شياه بدنةٌ أو بقرةٌ) سواء وجد الشياه أو عدمها؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتمتعون، فيذبحون البقرة عن سبعة. قال جابر:"أمَرَنَا رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نشترِكَ في الإبلِ والبقرِ، كل سَبعَة مِنا في بدَنةٍ" رواه مسلم

(3)

(وذَكرَ جماعة: إلا في جزاء صيد) فلا تجزئ بدنة عن بقرة، ولا عن سبع شياه.

(1)

في الحج، حديث 1318 (353).

(2)

في "ح": "البقرة".

(3)

في الحج، حديث 1318 (351).

ص: 202

‌باب جزاء الصيد على طريق التفصيل

(جزاؤه ما يستحقُّ بدله) أي: الصيد على من أتلفه بمباشرة أو سبب (من مثلِه) أي: الصيد (ومقارِبه وشِبهِه) لعله عطف تفسير للمراد من المِثل؛ دفعًا لما يتوهم من إرادة المماثلة اللغوية، وهي اتحاد الاثنين في النوع

(1)

. كما ذكرته في "الحاشية" عن "الطوالع"

(2)

.

والجزاء -بالمدِّ والهمز- مصدر جزيته بما صَنَع، ثم أطلق بمعنى المفعول.

قال أبو عثمان في "أفعاله"

(3)

: جزا الشيء عنك، وأجزا: إذا قام مقامك، وقد يهمز.

(ويجتمع الضمانُ) لمالكه (والجزاءُ) لمساكين الحرم (إذا كان) الصيد (ملكًا للغير) أي: غير متلفه؛ لأنه حيوان مضمون بالكفارة، فجاز أن يجتمع التقويم والتكفير في ضمانه كالعبد (وتقدم) في السادس من المحظورات

(4)

.

(ويجوز إخراج الجزاء بعد الجرحِ وقبل الموت) ككفَّارة قتل الآدمي، وتقدم

(5)

.

(وهو) أي: الصيد (ضربان):

(1)

"أي اتحاد الاثنين في الجنس مجانسة، وفي النوع مماثلة، وفي الكيف مشابهة، وفي الكم مساواة، وفي الإضافة مناسبة، وفي الخاصة مشاكلة، وفي الأطراف مطابقة، وفي وضع الأجزاء موازاة. انتهى كلام الطوالع ص / 177" ا هـ. ش.

(2)

طوالع الأنوار من مطالع الأنظار للبيضاوي ص / 177.

(3)

الأفعال لأبي عثمان السرقسطي (2/ 253).

(4)

(6/ 151).

(5)

(6/ 181).

ص: 203

(أحدهما: له مِثل) أي: شبيه (من النَّعم، خِلْقةً لا قيمة، فيجب فيه مثلُه) نص عليه

(1)

للآية (وهو) أي: الذي له مِثل (نوعان):

(أحدهما: ما قضت فيه الصحابة) أي: ولو البعض لا كُلُّهم (ففيه ما قضت) به الصحابةُ، وتقدم تعريف الصحابي في الخطبة

(2)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجومِ بأيهِم اقتدَيتم اهتديتُم"

(3)

، ولقوله:

(1)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 712، 716)، رقم 953، 956.

(2)

(1/ 18).

(3)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف"(4/ 1778)، وابن حزم في الإحكام (6/ 82)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 925) حديث 1760 من طريق سلام بن سليمان، عن الحارث بن غصين، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا:"أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم".

قال ابن حزم: هذه رواية ساقطة، أبو سفيان ضعيف، وسلام بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة، وهذا منها بلا شك.

وقال ابن عبد البر: هذا إسناد لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصين مجهول.

وأخرجه الدارقطني في "غرائب مالك"، والخطيب في "الرواة عن مالك"، كما في "لسان الميزان"(2/ 137) من طريق جميل بن يزيد، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الدارقطني: لا يثبت عن مالك، ورواته مجهولون.

ب - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب"(2/ 275) حديث 1346 من طريق جعفر بن عبد الواحد، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"مثل أصحابي مثل النجوم، مَن اقتدى بشيء منها اهتدى".

قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 191): وفي إسناده جعفر بن عبد الواحد الهاشمي وهو كذاب.

ج - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في المدخل ص / 162، حديث 152، والخطيب في الكفاية ص / 48، وابن عساكر في تاريخه (22/ 359) من طريق =

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سليمان بن أبي كريمة، عن جُويبر، عن الضحاك بن مُزاحم، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:"مهما أوتيتم من كتاب الله؛ فالعمل به، لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله؛ فسنة ماضية، فإن لم يكن سنتي؛ فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة".

قال البيهقي: هذا حديث متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا إسناد. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 191): ورواه أبو ذر الهروي في كتاب السنة من حديث مندل، عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم منقطعًا، وهو في غاية الضعف.

د - ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد بن حميد (2/ 28) حديث 781، وابن عدي (2/ 785)، والدارقطني في فضائل الصحابة، كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (2/ 231)، وابن بطة في الإبانة (2/ 563) حديث 701 - (تحقيق رضا نعسان) من طريق حمزة الجزري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، مرفوعًا:"أصحابي بمنزلة النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم".

قال ابن عدي: ولحمزة أحاديث صالحة، وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة، والبلاء منه.

وقال ابن عبد البر في الجامع (2/ 924): وهذا إسناد لا يصح، ولا يرويه عن نافع من يحتج به.

هـ - عمر رضي الله عنه: أخرجه الخلال في العلل، كما في المنتخب لابن قدامة ص / 143، وابن عدي (3/ 1057)، وابن بطة في الإبانة (2/ 563) حديث 700 - تحقيق رضا نعسان، والبيهقي في المدخل ص / 151 رقم 162، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 177)، وابن عساكر في تاريخه (19/ 383) ونظام الملك في الأمالي ص / 52 حديث 21، من طريق عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا:"سألت ربي عز وجل فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، قال: فقال لي: يا محمد، إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم من السماء، بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى".

والحديث قال عنه الإمام أحمد، كما في المنتخب من علل الخلال لابن قدامة ص / 143: لا يصح هذا الحديث.

وقال البزار، كما في "الجامع" لابن عبد البر (2/ 924): هذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم =

ص: 205

"عليكُم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّين، عضوا عليهَا بالنَّواجذِ". رواه أحمد والترمذي

(1)

وحسنه. ولأنهم أقربُ إلى الصواب، وأعَرفُ بمواقع الخطاب، فكان حكمهم حُجَّة على غيرهم؛ كالعالم مع العامِّي.

(ففي النعامة بدنة) حَكَم به عُمر وعُثمان وعليٌّ وزيدٌ

(2)

وأكثر العلماء؛ لأنها تشبه البعير في خَلْقِه

(3)

فكان مِثلًا لها، فيدخل في عموم النص. وجعلها الخرقي من أقسام الطير؛ لأن لها جناحين، فيُعايَا بها، فيقال: طائر يجب فيه بَدَنة.

(و) يجب (في كل واحد من حمارٍ الوحش) بقرة، قضى به عمر

(4)

، وقاله عروة

(5)

ومجاهد

(6)

؛ لأنها شبيهة به (وبقرته) أي: الوحش بقرة،

= وقال ابن حزم كما في ملخص إبطال القياس ص / 54: الحديث كذب مما نقطع بأنه موضوع.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 317) تعليق رقم (3).

(2)

أخرجه عنهم الشافعي في الأم (2/ 190)، وعبد الرزاق (4/ 398) رقم 8203، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 332، البيهقي (5/ 182)، في معرفة السنن والآثار (7/ 402) رقم 10484، من طريق عطاء الخراساني عنهم. قال الشافعي: هذا غير ثابت عند أهل العلم بالحديث

قال البيهقي: وجه ضعفه كونه مرسلًا، فإن عطاء الخراساني ولد سنة خمسين، ولم يدرك عمر ولا عثمان ولا عليًّا ولا زيدًا، وكان في زمن معاوية صبيًّا، ولم يثبت له سماع من ابن عباس، وإن كان يحتمل أن يكون سمع منه، فإن ابن عباس توفي سنه ثمان وستين، إلا أن عطاء الخراساني مع انقطاع حديثه عمَّن سمّينا، ممن تكلم فيه أهلُ العلم بالحديث. والله أعلم.

(3)

في "ذ": "خلقته".

(4)

لم نقف على من أخرجه.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 400) رقم 8208، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 333، والبيهقي (5/ 182).

(6)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 398، 399) رقم 8201، 8206.

ص: 206

قضى به ابنُ مسعود

(1)

. وقاله عطاء

(2)

وقتادة

(3)

(والوَعل) بفتح الواو مع فتح العين وكسرها وسكونها: تيس الجبل. قاله في "القاموس"

(4)

(وهو الأروَى) قاله في "الصحاح"

(5)

، يروى عن ابن عمر أنه قال:"في الأرْوَى بقرة"

(6)

(يُقال لذَكره: الأيل) على وزن قِنَّب، وخُلَّب، وسَيد. وفيه بقرة؛ لقول ابن عباس

(7)

. (وللمُسِنِّ منه الثَّيتَل) بوزن جعفر (بقرة) لما تقدم عن ابن عُمر.

(و‌

‌في الضبع: كبش)

لقول جابر: "سألْتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الضَّبُع؟ فقال: هو صَيدٌ، وفيهِ كَبشٌ إذا صَادَهُ المُحرِمُ" رواه أبو داود

(8)

. وروى -أيضًا- ابن ماجه، والدارقطني، عن جابر نحوه مرفوعًا

(9)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 400) رقم 8209، والبيهقي (5/ 182).

(2)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 192)، وعبد الرزاق (4/ 399، 400) رقم 8206، 8208، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 333، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 404) رقم 10493.

(3)

أخرج عبد الرزاق (4/ 400) رقم 8213، والبيهقي (5/ 182) عن قتادة أنه قال: كتب أبو مليح بن أسامة إلى أبي عبيدة بن عبد الله يسأله عن حمار الوحش، فكتب إليه: أن فيه بدنة، أو قال: بقرة.

(4)

ص / 1380، مادة (وعل).

(5)

(5/ 1843) مادة (وعل).

(6)

لم نقف على من أخرجه.

(7)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 192)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 404) رقم 10494.

(8)

في الأطعمة، باب 32، حديث 3801.

(9)

ابن ماجه في المناسك، باب 90، حديث 3085، والدارقطني (2/ 246). وأخرجه -أيضًا- الترمذي في الحج، باب 28، حديث 851، وفي العلل الكبير ص / 297، حديث 551، وابن أبي شبية (4/ 77)، والدارمي في المناسك؛ باب 90، حديث 1941، وأبو يعلى (4/ 116) حديث 2159، وابن الجارود (2/ 73) =

ص: 207

وقضى به عُمر

(1)

وابن عباس

(2)

، (وهو) أي: الكبش (فَحلُ الضأن.

وفي الظبي -وهو الغزال- عنزٌ) قضى به عُمر

(3)

وابن عباس

(4)

.

ورُوي عن علي

(5)

، وقاله عطاء

(6)

(7)

. قال ابن المنذر

(8)

: ولا يحفظ عن غيرهم خلافه؛ لأن فيه شبهًا بالعنز؛ لأنه أجرد الشعر مُتقلِّص الذَّنَب. (وهي الأنثى من المَعزِ.

= حديث 438، 439، وابن خزيمة (4/ 182) حديث 2646، والطحاوي (2/ 164)، وفي شرح مشكل الآثار (9/ 92 - 95) حديث 3465 - 3471، وابن حبان "الإحسان"(9/ 277) حديث 3964، وابن الغطريف في جزئه ص / 113، حديث 78، والحاكم (1/ 452)، والبيهقي (5/ 183، 9/ 318). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال في العلل الكبير: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: حديث جيد تقوم به الحجة. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 258 مع الفيض) ورمز لصحته.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 414)، والشافعي في الأم (2/ 192، 193) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 330)، وعبد الرزاق (4/ 403) رقم 8224، وأبو عبيد في غريب الحديث (3/ 293)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (9/ 96)، والبيهقي (5/ 183)، وصححه الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 284).

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 329)، وعبد الرزاق (4/ 403) رقم 8225، والدارقطني (2/ 250)، والبيهقي (5/ 203).

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (3/ 193) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 330)، وعبد الرزاق (4/ 401، 403) رقم 8214، 8224، والبيهقي (5/ 184).

(4)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 193).

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 193).

(6)

"قاله عطاء": في "ح": "وروي عن عطاء".

(7)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 193)، وعبد الرزاق (4/ 401) رقم 8215.

(8)

لم نقف عليه في مظانه من كتبه المطبوعة، ولعله في كتاب الحج من الأوسط، ولم يطبع، وانظر المغني (5/ 404).

ص: 208

ولا شيء في الثعلب؛ لأنه سَبُعٌ) أي: مفترس بنابه فيحرم أكله، فليس صيدًا.

(وفي الوَبْر) بسكون الباء، والأُنثى وَبْرة. قال في "القاموس"

(1)

: وهو دُوَيبةٌ كحلاء دون السنور لا ذَنَب لها (و) في (الضَّبِّ: جدي

(2)

) قضى به عمر وأَرْبد

(3)

(4)

. والوَبْر مقيس على الضبِّ، والجديُ (ما بلغ من أولاد المَعْز ستة أشهر.

و‌

‌في اليربوع جَفْرة

من المَعْز، لها أربعة أشهر) قضى به عُمر

(5)

وابن مسعود

(6)

وجابر

(7)

.

(و‌

‌في الأرنب عَنَاق)

قضى به عُمر

(8)

. وعن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

ص/ 630 مادة (وبر).

(2)

"قوله وفي الضب جدي، وهو - بفتح الضاد: حيوان صغير ذو ذنب شبيه بالحِرْذَوْن، وقيل: الجِرْذَوْن ذكر الضب، حكاه الجوهري [في الصحاح: (5/ 2098)]، نقله المصنف في الحاشية". ش.

(3)

هو أربد بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، صحابي أدرك الجاهلية. انظر: الإصابة (1/ 164).

(4)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 194) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 332)، وعبد الرزاق (4/ 402) رقم 8220 و 8221، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي (5/ 185)، وصحَّح إسناده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 43). والحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 164).

(5)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 414)، والشافعي في الأم (2/ 193) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 331)، وعبد الرزاق (4/ 401، 403) رقم 8216، 8224، والبيهقي (5/ 184). وصحح إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 284).

(6)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 193) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 331)، وعبد الرزاق (4/ 401) رقم 8217، والبيهقي (5/ 184).

(7)

لم نقف عليه مسندًا موقوفًا وقد روى عنه رضي الله عنه مرفوعًا، كما يأتي بعد.

(8)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 414)، والشافعي في الأم (2/ 193، 206، 7/ 238) =

ص: 209

قال: في الأرنبِ عَنَاقٌ، وفي اليربُوعِ جَفْرَةٌ" رراه الدارقطني

(1)

.

والعَنَاق: (أنثى من أولاد المَعْز أصغر من الجَفْرة، قاله في "الشرح" و"الفروع") و"شرح المنتهى".

(وفي واحدة الحَمَام - وهو كل ما عَبَّ وهَدَر -: شاة) قضى به عُمر

(2)

، وابنُه

(3)

، وعُثمان

(4)

، وابن عباس

(5)

في حَمَام الحرم. ورُوي عن ابن عباس - أيضًا - في الحَمَام في حال الإحرام

(6)

، وليس ذلك على وجه القيمة لما سبق، ولاختلاف القيمة بالزمان والمكان.

وقوله: "كلُّ ما عَبَّ" بالعين المهملة: أي: وضع منقاره في الماء فيكرع كما تكرع الشاة، ولا يأخذ قطرة قطرة، كالدجاج والعصافير "وهَدَر" أي: صوَّت.

= وفي مسنده (ترتيبه 1/ 331)، وعبد الرزاق (4/ 403) رقم 8224، ومسدد، كما في المطالب العالية (2/ 56) رقم 1301، والبيهقي (5/ 184)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 410) رقم 10521، قال البيهقي: الصحيح أنه موقوف على عمر رضي الله عنه. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 42): وهذا إسناد كالشمس. وصحَّح إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 284).

(1)

(2/ 247). وأخرجه - أيضًا - أبو يعلى (1/ 179) حديث 203، والبيهقي (5/ 183). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 231): رواه أبو يعلى وفيه الأجلح الكندي، وفيه كلام، وقد وثق. ورجح الدارقطني في العلل (2/ 96) وقفه على عمر رضي الله عنه.

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 333)، وعبد الرزاق (4/ 414) رقم 8266، 8267، 8268، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 156، والبيهقي (5/ 205)

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 155، والبيهقي (5/ 206).

(4)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 333)، وعبد الرزاق (4/ 418) رقم 8284، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 156، والبيهقي (5/ 205).

(5)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 334)، وعبد الرزاق (4/ 414) رقم 8266، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 156، والدارقطني (2/ 247)، والبيهقي (5/ 182، 205).

(6)

رواه عبد الرزاق (4/ 415) رقم 8270، والبيهقي (5/ 205).

ص: 210

وإنما أوجبوا فيه شاة؛ لشبهه بها في كَرْع الماء، ومن هنا قال أحمد

(1)

في رواية ابن القاسم وسِندي: كل طير يعبُّ الماء كالحَمَام فيه شاة (فيدخلُ فيه القَطا والفواخِتُ والوَرَاشينُ، والقَماريُّ، والدَّبَاسيُّ) جمع دُبسي بالضم: ضرب من الفواخت، قاله في "حاشيته"، وفي "شرح المنتهى": هو طائر لونه بين السواد والحُمرة، يقرقر، والأنثى دبسية (ونحوها) كالسفانين جمع سِفَنَّة بكسر السين وفنح الفاء والنون مشددة. قال في "القاموس"

(2)

: طائر بمصر لا يقع على شجرة إلا أكل جميع ورقها؛ لأن العرب تسميها حَمَامًا. وقال الكسائي: كل مطوَّق حَمَام. فيلخل فيه الحَجَل؛ لأنه مطوَّق.

(النوع الثاني: ما لم تقضِ فيه الصحابةُ، فيُرجعُ فيه إلى قول عَدلين)

لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}

(3)

، فلا يكفي واحد (من أهل الخِبرةِ) لأنه لا يتمكَّن من الحُكم بالمثل إلا بهما فَيَعْتَبِران الشَّبَه خلقة لا قيمة، كفعل الصحابة.

(ويجوزُ أن يكون القاتلُ أحدَهما) نصَّ عليه

(4)

؛ لظاهر الآية. وروي أن عُمر "أمرَ كعبَ الأحبارِ أن يَحكمَ على نفسِهِ في الجرادتيْن اللَّتيْنِ صادهمَا وهو مُحْرمٌ"

(5)

. و"أمر - أيضًا - أرْبَدَ بذلكَ حينَ وَطِئَ الضَّبَّ، فحكمَ

(1)

مسائل ابن القاسم وسندي، كما في المغني (5/ 413، 414) وكتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 297).

(2)

ص/ 1556، مادة (سفن)، وفيه: سِيْفَنَّة، بالياء.

(3)

سورة المائدة، الآية:95.

(4)

كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 286)، والفروع (3/ 426).

(5)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 416)، والشافعي في الأم (2/ 199) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 326)، وعبد الرزاق (4/ 410) رقم 8247، وابن أبي شيبة (4/ 77).

ص: 211

على نفسِهِ بجدْيٍ، فأقَرَّهُ"

(1)

، وكتقويمه عَرْضَ التجارة لإخراج زكاته.

(و) يجوز (أن يكونَا) أي: الحاكمان بمثل الصيد المقتول (القاتلين) لما تقدم (وحَمَله ابن عقيل على ما إذا قَتَله خطأً أو جاهلًا تحريمه) لعدم فسقه. قال في "الشرح"(وعلى قياسه: إذا قَتَله لحاجةِ أكله) لأنه قَتْل مباح، لكن يجب فيه الجزاء. قال في "التنقيح": وهو قوي. ولعلَّه مرادهم؛ لأن قَتْل العَمْد ينافي العدالة.

(ويُ‌

‌ضمنُ كلُّ واحد من الكبيرِ والصغيرِ، والصَّحيحِ والمعيبِ، والذَّكَر والأُنثى، والحاملِ والحائلِ بمثله)

للآية، ولأن ما يضمن باليد والجناية يختلف ضمانه بذلك، كالبهيمة (وتقدم بعضه.

وإنْ فُدِي الصغيرُ بكبير، و) فُدِي (الذَّكرُ بأنثى) والمعيب بصحيح (فهو أفضل) لأنه زاد خيرًا.

(ولو جنى على حامل، فألقت جَنينها ميتًا، ضمن نقصَ الأم فقط، كما لو جَرَحها) لأن الحَمْل في البهائم زيادة (وإن ألقته) أي: الجنين (حيًّا لوقتٍ يعيشُ مثله، ثم مات، ففيه جزاؤه) وإن كان لوقت لا يعيش لمثله، فكالميت، جزم به في "المغني" و"الشرح".

(ويجوز فِداءُ أعورَ من عينٍ و) فداء (أعرجَ من قائمةٍ بأعور وأعرج من أُخرى) لأن الاختلاف يسير، ونوع العيب واحد. و (لا) يجوز (فِداء أعور بأعرج، و) لا (عكسه) كفِداء أعرج بأعور؛ لاختلاف نوع العيب.

(و‌

‌يجزئ

(2)

فِداء أُنثى بذَكَر، كعكسه)

أي: فِداء ذكر بأُنثى؛ لأن لَحْمَه أوفر، وهي أطيب، فيتساويان.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 209) تعليق رقم (4).

(2)

"يجزئ": في "ح": "ويجوز".

ص: 212

‌فصل

(الضربُ الثاني: ما لا مِثل له) من النَّعم (فيجبُ فيه قيمتُه مكانه)

أي: مكان إتلاف، كمال الآدمي غير المِثلى (وهو سائرُ الطيرِ، ولو أكبر من الحَمَام، كالإوَزِّ) بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي، جمع إوزة. ويقال: وز جَمْع وزة، كتمر وتمرة، ذكره في "حاشيته"(والحُبَارى والحَجَل، والكبير من طير الماء، والكُرْكيِّ وغير ذلك) لأنه القياس، تركناه في الحَمَام؛ لقضاء الصحابة.

(وإن أتلف جزءًا من صيدٍ واندمل) أو تلف في يده جزءٌ منه ثم اندمل (وهو) أي: الصيد (ممتنع، وله مِثْلٌ) من النَّعم (ضَمِنَه) أي: الجزء (بمثله لحمًا من مِثْله) من النَّعم؛ لأن ما وجب ضمان جملته بالمِثْل وجب في بعضه مثله، كالمكيلات، والمشقَّة مدفوعة؛ لجواز عدوله إلى عدله طعامًا أو صيامًا، كما سبق.

(وما لا مِثْلَ له) إذا أتلف

(1)

جزؤه أو تلف في يده، ثم اندمل - وهو ممتنع - يضمن (ما نقص من قيمتِه) لأن جملته مضمونة بالقيمة، فكذلك أبعاضه، فيقوَّم الصيد سليمًا، ثم مجنيًّا عليه، فيجب ما بينهما يشتري به طعامًا، كما تقدم

(2)

.

(وإن نفَّر) المُحْرِم (صيدًا فتلِفَ بشيء، ولو بآفة سماوية، أو نقص في حال نفوره، ضَمِنَه) لأن عُمر "دخلَ دارَ النَّدوةِ، فعلَّقَ رِداءهُ، فوقَعَ عليهِ حَمامٌ فأطارَه، فوقَعَ على واقفٍ في البيتِ، فخرجتْ حَيَّةٌ فقتلتهُ، فسألَ من معه، فحكَمَ عليهِ عثمانُ بشاةٍ". رواه الشافعي

(3)

.

(1)

"أتلف": في "ذ": "تلف".

(2)

(6/ 184).

(3)

في الأم (2/ 195) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 333). وأخرجه - أيضًا - البيهقي (5/ 205).

ص: 213

وكذا إن جَرَحه فتحامل، فوقع في شيء تلف به؛ لأنه تلف بسببه.

و (لا) يضمنه (إن تلف بعد نفورِه في مكانه بعد أَمْنِه). قال في "المبدع": أما إن نَفَّره إلى مكان فأَكَرَ

(1)

به، ثم تلف، فلا ضمان في الأشهر.

(وإن رمى) المُحْرمُ (صيدًا فأصابه، ثم سقط) المرمي (على آخر فماتا، ضمنهما) لتلفهما بجنايته (فلو مشى المجروحُ قليلًا، ثم سقط على آخر) فماتا (ضَمِنَ المجروح) لموته بجنايته (فقط) أي: دون ما سقط؛ لأن سقوطه عليه ليس من فِعْلِه.

(وإن جَرَحه) المُحرِم (جرحًا غير مُوَحٍّ

(2)

، فغاب ولم يعلم خبرَه، فعليه ما نَقَصَه، فيقوَّم صحيحًا وجريحًا غير مندمل، ثم يُخرِجُ بقسطِه من مِثْلِه) إن كان مِثليًّا، وإلا ما نقصه كما تقدم (وكذا إن وَجَدَه ميتًا) بعد جرحه غير مُوَحٍّ (ولم يعلم موتَه بجرحِه) لأنا لا نعلم حصول التلف بفعلِه (وإن وَقَع) بعد جرحه (في ماء، أو تردَّى) من علو (فمات، ضَمنه) لتلفه بسببه (وإن اندمل) الجرحُ، وصار الصيد (غير ممتنعٍ) فعليه جزاء جميعه؛ لأنه عطَّله، فصار كالتالف (أو جَرَحه جُرْحًا مُوَحّيًا) أي: لا تبقى معه الحياة غالبًا (فعليه جزاءُ جميعِه) كقتله؛ لأنه سبب للموت.

(و‌

‌كل ما يُضمنُ به الآدميُّ يُضمنُ به الصيدُ) في الإحرام والحَرَم

(من مباشرةٍ، أو سببٍ) كدلالة وإشارة وإعانة (وكذلك ما جَنَت دابتُه بيدها أو فَمِها فأتلفت صيدًا، فالضَّمانُ على راكِبها، أو قائدِها، أو سائقها) المتصرِّف فيها، كما لو كان المتلف آدميًّا (وما جنت برجلِها)

(1)

"فأكر": كذا في الأصول الخطية. وفي "المبدع"(3/ 198): (فسكن).

(2)

موحّ: بضم الميم، وفتح الواو، وتشديد الحاء، الذي يَقتلُ في الحال. مغني المحتاج (4/ 39). قال في تهذيب اللغة (5/ 298)، ولسان العرب (15/ 382): وَحّى فلان ذبيحته إذا ذبحها ذبحًا سريعًا وَحِيًّا.

ص: 214

أي: نفحت بها (فلا ضمان عليه) فيه كذَنَبها، بخلاف وطئها بها (وتقدم)

(1)

في السادس من المحظورات.

(وإن انفلتت) الدابة (فأتلفت صيدًا، لم يضمنه، كالآدمي) إذا أتلفته إذن؛ لأن يده ليست عليها، إلا الضَّاريةَ، كما يأتي في الغصب.

(وإن نصب) المُحْرِم (شَبَكةً) أو نحوها، فوقع فيها صيدٌ، ضَمنه. (أو حفر) المُحْرِم (بئرًا بغير حَقٍّ) بأن حفرها

(2)

في غصب أو طريق ولو واسعًا لنفع نفسه (فوقع فيها صيدٌ، ضمنه) لعدوانه بحفرها (وإن نَصَب شبكةً ونحوها) كَشَرَك وفخٍّ (قبل إحرامه، فوقع فيها صيدٌ بعد إحرامه، لم يضمنه) إن لم يتحيَّل (كما لو صاده قبل إحرامه وتَرَكه في منزله، فتلف بعد إحرامه). وكذا إن حَفَرَ بئرًا بحقٍّ فتلف بها صيد، وتقدم

(3)

.

(وإن نتف) المُحْرِم (ريشَه) أي: الصيد (أو شعرَه، أو وَبَرَه، فعاد) ما نتفه (فلا شيء عليه) لأن النقص زال، أشبه ما لو اندمل الجرح (فإن صار) الصيدُ (غيرَ ممتنعٍ) بنتف ريشه ونحوه (فكالجُرْح) أي: فكما لو جَرَحه جَرْحًا صار به غير ممتنع. وإن نتفه فغاب ولم يعلم خبره، فعليه ما نقصه.

(وإن اشترك جماعةٌ في قَتْلِ صيدٍ، ولو كان بعضُهم ممسكًا) للصيد والآخر قاتلًا (أو) كان بعضهم (متسببًا) كالمشير والدالِّ والمعين (والآخر قاتلًا، فعليهم جزاءٌ واحد

(4)

، وإن كفَّروا بالصوم) لأن الله تعالى أوجب

(1)

(6/ 142).

(2)

في "ح": "حفر".

(3)

(6/ 145 - 146).

(4)

"على الأصح، وعنه: على كل واحد جزاء، وعنه: إن كفَّروا بالمال، فكفارة واحدة، وإن كفَّروا بالصيام، فعلى كل واحد كفارة" اهـ. ش.

ص: 215

المثل، أو عدله من الطعام أو الصيام بقتله، فلا يجب غيره، وهو ظاهر في الواحد والجماعة. والقتلُ هو الفِعل المؤدِّي إلى خروج الرُّوح، وهو فِعْلُ الجماعة لا كل واحد، كقوله: من جاء بعبدي فله دِرهم، فجاء به جماعةٌ. ولأنه صلى الله عليه وسلم:"جَعَلَ في الضَّبُعِ كَبْشًا"

(1)

ولم يفرِّق. وهذا قول عُمر

(2)

وابنه

(3)

وابن عباس

(4)

، ولم يُعرف لهم مخالفٌ، ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه، ويحتمل التبعيض فكان واحدًا، كقِيم المُتلفات والدِّية، بخلاف كفَّارة القتل.

(وإن اشترك حلالٌ ومُحْرِمٌ في قَتْلِ صيدٍ حرميٍّ، فالجزاءُ عليهما نصفين) لاشتركهما في القتل، وإن تعددت جهةُ التحريم في أحدهما واتحدت في الآخر (وهذا الاشتراكُ الذي هذا حكمُه هو الذي يقعُ) فيه (الفِعل منهما معًا، أو يجرحه أحدهما قبل الآخر، ويموت منهما) أي: من الجرحين بالسراية (فإن جَرَحه أحدهما، وقَتَله الآخر، فعلى الجارحِ ما نَقَصه) أي: أرشُ نَقْصِه؛ لأنه لم يشارك في القتل (وعلى القاتل جزاؤه مجروحًا) لأنه قتله كذلك.

(و‌

‌إذا قتل القارنُ صيدًا، فعليه جزاءٌ واحد)

لعموم الآية، وكذا لو تطيب أو لَبِسَ، وكذا المُحْرِمُ يقتل صيدًا في الحَرَم، وكلما قتل صيدًا حكم عليه؛ لأن الجزاء كفَّارة قَتْلِ الصيد، فاستوى فيه المبتدئ والعائد، كقَتْلِ الآدمي، والآية اقتضت الجزاء على العائد؛ لعمومها، وذِكْر العقوبة في العائد لا يمنع الوجوب.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 207) تعليق رقم (8، 9).

(2)

أخرجه البيهقي (5/ 203).

(3)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 334) والدارقطني (2/ 250) والبيهقي (5/ 204).

(4)

أخرجه الدارقطني (2/ 250)، والبيهقي (5/ 203 - 204).

ص: 216

‌باب صيد الحرمين ونباتهما

أي: حرم مكة والمدينة ‌

(يَحرمُ صيدُ حَرَمِ مكة على الحلال والمُحْرمِ)

إجماعًا

(1)

؛ لما روى ابن عباس مرفوعًا أنه قال يوم فَتْحِ مكة: "إنَّ هذا البلدَ حرَّمَهُ الله يوم خلقَ السماواتِ والأرضَ، فهو حرامٌ بحُرْمةِ الله إلى يوم القيامةِ، لا يُخْتَلى خلاهَا، ولا يُعْضَدُ شَوْكها، ولا يُنَفّرُ صيدُهَا، ولا تُلتقطُ لُقَطتُها إلا مَنْ عَرَّفها، فقال العباس: إلا الإذْخِر؛ فإنَّهُ لقَينِهم

(2)

وبُيُوتِهِم، قال: إلَّا الإذْخِر" متفق عليه

(3)

.

وعُلم منه: أن مكة كانت حرامًا قبل إبراهيم، وعليه أكثر العلماء. وقيل: إنما حُرِّمت بسؤال إبراهيم، وفي الصحيحين من غير وجه:"إنَّ إبراهيمَ حَرَّمَهَا"

(4)

أي: أظهر تحريمها.

(فمن أتلف منه) أي: من صيد حَرَمِ مكَّة (شيئًا، ولو كان المُتْلِف كافرًا، أو صغيرًا، أو عبدًا) لأن ضمانه كالمال، وهم يضمنونه (فعليه ما

(1)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 68.

(2)

القين: الحداد والصائغ (النهاية 4/ 135).

(3)

البخاري في الجنائز، باب 76، حديث 1349، وفي الحج، باب 43، حديث 1587، وفي جزاء الصيد، باب 9، 10، حديث 1833، 1834، وفي البيوع، باب 28، حديث 2090، وفي اللقطة، باب 7، حديث 2433، وفي الجزية والموادعة، باب 22، حديث 3189، ومسلم في الحج، حديث 1353.

(4)

البخاري في الجهاد والسير، باب 74، حديث 2893، وفي الأطعمة، باب 28، حديث 5425، وفي الدعوات، باب 36، حديث 6363، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 16، حديث 7333، ومسلم في الحج، حديث 1365، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 217

على المُحْرِم في مِثْلِه) نصَّ عليه

(1)

؛ لأنه كصيد الإحرام، ولاستوائهما في التحريم، فوجب أن يستويا في الجزاء، فإن كان الصيد مِثليًّا ضَمِنَه بمِثله، وإلا فبقيمته (ولا يَلزمُ المُحْرِمَ) بقَتْلِ صيدِ الحرم (جزاءان) نصَّ عليه

(2)

؛ لعموم الآية.

(وحكمُ صيدِه) أي: حرم مكة (حُكمُ صَيْدِ الإحرامِ مطلقًا) أي: في التحريم، ووجوبِ الجزاء، وإجزاءِ الصوم، وتملكِه، وضمانه بالدلالة ونحوها، سواء كان الدالُّ في الحِلِّ أو الحرم، وقال القاضي: لا جزاء على الدالِّ إذا كان في الحِلِّ، والجزاء على المَدلول، فكلُّ ما يُضمن في الإحرام يُضمن في الحَرَم (إلا القملَ، فإنه لا يُضمن) في الحَرَم (ولا يُكره قَتْلُه فيه) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه؛ لأنه حُرِّم في حقِّ المُحْرِم؛ لأجل الترفّه، وهو مباح في الحَرَم كالطِّيب ونحوه.

(وإن رمى الحلالُ من الحِلِّ صيدًا في الحَرَم) كله (أو بعض قوائمه فيه) أي: في الحَرَم ضَمنه، وكذا إن كان جزء منه فيه غير قوائمه إن لم يكن قائمًا؛ تغليبًا لجانب الحظر، فإن كانت قوائمه الأربع بالحِلِّ، وهو قائم، ورأسه أو ذَنَبه بالحَرَم، لم يكن من صيد الحَرَم، كالشجرة إذا كانت بالحِلِّ، وأغصانها بالحَرَم (أو أرسل كلبه عليه) أي: على صيد الحَرَمِ فقتله، ضَمنه.

(أو قتل صيدًا على غُصْنٍ في الحَرَم أصلُه) أي: الغصن (في الحِلِّ) ضمنه؛ لأن الهواء تابع للقرار، فهو من صيد الحرم.

(أو أمسك طائرًا في الحِلِّ، فهَلَكَ فِراخُه) وكذا لو أمسك

(1)

انظر: المغني (5/ 181) والفروع (3/ 472).

(2)

الفروع (3/ 472).

ص: 218

وحشًا، فهلك أولاده (في الحَرَم، ضَمنه) أي: المذكور؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا"

(1)

. وقد أجمعوا على تحريم صَيْدِ الحَرَم

(2)

، وهذا منه، ولأنه أتلف صيدًا حرميًّا، فضمنه، كما لو كان في الحَرَم. و (لا) يضمن (أمَّه) لأنه من صيد الحِلِّ، وهو حلال.

(ولو رَمى الحلالُ صيدًا، ثم أحرم قبل أن يصيبه، ضَمنه) اعتبارًا بحالة الإصابة.

(ولو رَمى المُحرمُ صيدًا، ثم حَلَّ قيل الإصابة، لم يضمن) الصيد (اعتبارًا بحالة الإصابة.

وإنْ قَتَل) الحلال (من الحرم صيدًا في الحِلِّ بسهمه أو كلبِه) فلا جزاء فيه؛ لأنه ليس من صَيْدِ الحرم، فليس معصومًا.

(أو) قتل (صيدًا على غُصْنٍ في الحِلِّ، أصلُه في الحَرَم) فلا جزاء فيه؛ لتبعية الهواء للقرار، وقراره حِلٌّ، فلا يكون صيده معصومًا.

(أو أمسك حمامةً) مثلًا (في الحَرَم، فهلَك فِراخُها في الحِلِّ، لم يضمن) لأن الأصل الإباحة، وليس من صيد الحَرَم، فليس بمعصوم.

(وإن كان الصيدُ والصائدُ) له (في الحِلِّ، فرماه بسهمه، أو أرسل كلبَه عليه) في الحِلِّ (فدخل الحَرَم، ثم خَرج فقتله في الحِلِّ، فلا جزاء فيه) لأنه ليس بحَرَمي.

(وإن أرسل كلبَه من الحِلِّ على صيدٍ في الحلِّ، فقَتَله أو غيره في الحَرَم، أو فَعَل ذلك بسهمه، بأن شَطَح السهم فدخل الحَرَم، لم يضمن) لأنه لم يرسله على صيدٍ بالحَرَم، بل دخل

(3)

باختياره، أشبه ما لو

(1)

تقدم تخريجه (6/ 217)، تعليق رقم (3).

(2)

الإجماع لابن المنذر ص/ 68.

(3)

في "ذ": "دخله".

ص: 219

استرسل بنفسه، وكذا شطوح السهم بغير اختياره.

(ولا يؤكل) صيد وُجِدَ سبب موته بالحَرَم، وإن لم يضمن (كما لو ضَمنه.

ولو جَرَحَ) مُحِلٌّ (من الحلِّ صيدًا في الحِلِّ، فمات) الصيدُ (في الحَرَم، حلَّ، ولم يضمن) لأن الذَّكاة وُجِدت بالحِلِّ.

فصل

(ويحرمُ قَطْعُ شجرِ الحَرَم) المكِّي (حتى ما فيه مضرَّة، كشوك، وعَوسج) والعَوسج، بفتح العين والسين المهملتين: نبت معروف ذو شوك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يُعْضَدُ شَجَرُهَا"

(1)

. وقال أكثر أصحابنا: لا يحرم ما فيه مضرَّة كشوك وعَوسج؛ لأنه مؤذٍ بطبعه، كالسِّباع، ذكره في "المبدع".

(و) يَحرم قَطْعُ (حشيش) الحَرَم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُختَلى خَلَاهَا"

(1)

(حتى شوكٍ وورق وسواك، ونحوه) لعموم ما سبق.

(ويضمنهُ) أي: شجر الحَرَم، وحشيشه حتى شوك وورق وسواك ونحوه، وتأتي كيفية ضمانه، (إلا اليابس) من شجر وحشيش، وورق ونحوها؛ لأنه بمنزلة الميت، (و) إلا (ما زال بفعل غيرِ آدميٍّ) فيجوز الانتفاع به، نصَّ عليه

(2)

؛ لأن الخبر في القطع، (أو) إلا

(3)

ما (انكسر ولم يَبِنْ) فإنه كظفر منكسر، (و) إلا (الإذخر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا

(1)

تقدم تخريجه (6/ 217) تعليق رقم (3).

(2)

المغني (5/ 187)، والفروع (3/ 475).

(3)

"إلا": في "ذ": "وإلا".

ص: 220

الإذخِر"

(1)

وهو بكسر الهمزة والخاء، قاله في "حاشيته"

(2)

، (و) إلا (الكَمْأَة والفَقْع) لأنهما لا أصل لهما، فليسا بشجر ولا حشيش.

"فائدة": قال القزويني في "عجائب المخلوقات"

(3)

: العرب تقول: إن الكمأة تبقى في الأرض، فيمطر عليها مطر الصيف، فتستحيل أفاعي

(4)

. وكذا أخبر بها غير واحد. قاله في "حاشيته".

(و) إلا (الثمرة) لأنها تُستخلَف، (و) إلا (ما زرعه آدميٌّ من بَقْلٍ، ورياحين، وزروع، وشَجَرٍ غُرس من غير شجر الحَرَم، فَيُباح أخذُه والانتفاع به) لأنه مملوك الأصل، كالأنعام، والنهي عن شجر الحرم، وهو ما أضيف إليه لا يملكه أحد، وهذا يضاف إلى مالكه، فلا يعمّه الخبر.

(و) يباح الانتفاع (بما انكسر من الأغصان، و) بما (انقلع من الشجر بغير فِعْلِ آدمي) وتقدم آنفًا (وكذا الورق الساقط) يجوز الانتفاع به.

(ويجوز رَعْيُ حشيشِ) الحرم؛ لأن الهدايا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه، ولم ينقل سَدُّ أفواهها، وللحاجة إليه كالإذخر، وفي "تعليق القاضي": الخلاف إن أدخلها للرعي، فإن أدخلها لحاجته، فلا ضمان.

و (لا) يجوز (الاحتشاشُ للبهائم) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يختلى خلاها"(1).

(1)

تقدم تخريجه (6/ 217) تعليق رقم (3).

(2)

في "ح": "الحاشية".

(3)

ص/ 333.

(4)

هذا كلام لا يؤيده عقل ولا نقل.

ص: 221

(وإذا قطع) الآدمي (ما يَحرُمُ قَطْعُه) من شجر الحرم وحشيشه ونحوه (حَرُمَ انتفاعُه) به (و) حرم (انتفاعُ غيرِه به) لأنه ممنوع من إتلافه؛ لحُرمة الحرم، فإذا قَطَعه من يحرم عليه قَطْعُه، لم ينتفع به، (كصيدٍ ذبحه مُحْرِم) لا يَحِلُّ به ولا لغيره.

(ومن قَطَعه) أي: شجر الحرم وحشيشه ونحوه (ضَمِنَ الشجرةَ الكبيرةَ والمتوسطة) عُرفًا (ببقرةٍ، و) ضَمِنَ (الصغيرة) عُرفًا (بشاةٍ) لما رُوي عن ابن عباس: "في الدوحة بقرة، وفي الجزلة شاة"

(1)

. وقاله عطاء

(2)

، الدَّوحة: الشجرة العظيمة، والجزلة: الصغيرة.

(و) يضمن (الحشيشَ والورقَ بقيمته) نصَّ عليه

(3)

؛ لأن الأصل وجوب القيمة، تُرِكَ - فيما سبق - لقضاء الصحابة، فبقي ما عداه على مقتضى الأصل.

(و) يضمن (الغصنَ بما نَقَص) أصله؛ لأنه نقص بفعله، فوجب فيه ما نقصه، كما لو جنى على مال آدمي فنقصه.

(وإن استخلف الغصنُ والحشيشُ، سَقَط الضمانُ) كما لو قُطع شعر آدمي ثم نبت.

(1)

لم نقف عليه مسندًا. وأورده - أيضًا - ابن قدامة في المغني (5/ 188)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 287) نقله عنه [أي ابن عباس] إمام الحرمين، وذكره - أيضًا - أبو الفتح القشيري في الإلمام، ولم يعزه. اهـ ولم نقف عليه في المطبوع من الإلمام.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (5/ 142) رقم 9194، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 262، والأزرقي (2/ 142 - 143)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 371) رقم 2228 - 2230، والطبري في تهذيب الآثار مسند ابن عباس رضي الله عنهما (1/ 14) رقم 17 - 20. والبيهقي (5/ 196).

(3)

الفروع (3/ 478).

ص: 222

(وكذا لو ردَّ شجرةً) قلعها من الحرم إليه (فنبتت) فلا ضمان عليه؛ لأنه لم يُتلفها.

(ويَضمنُ نقصَها إن نبتت ناقصةً) لتسببه فيه.

(وإن قلع شجرًا من الحرم فَغَرَسَه في الحِلِّ، لزمه ردُّه) إلى الحرم؛ لإزالة حرمتها، (فإن تعذَّر) ردها (أو يبست) ضمنها؛ لأنه أتلفها.

(أو قلعها من الحَرَم، فغَرسها في الحَرَم، فيبست، ضمنها) لما مرَّ.

(فإن قلعها غيرُه من الحِلِّ بعد أن غَرَسَها هو) أي: قالعها من الحرم (ضمنها قالعُها) من الحِلِّ؛ لأنه أتلفها (بخلاف من نفَّر صيدًا فخرج إلى الحِلِّ) فقتله غيره فيه (يضمنه

(1)

منفِّر، لا قاتل) لتفويته حرمته بإخراجه.

والفرق أن الشجر لا ينتقل بنفسه، ولا تزول حرمته بإخراجه، ولهذا وجب على مخرجه ردّه، فكان جزاؤه على متلفه، والصيد تارة يكون في الحَرَم، ومرة في الحَلِّ، فمن نفَّره، فقد فوَّت حرمته بإخراجه، فلزمه جزاؤه.

(ويخيرُ) من وجب عليه جزاء شجر الحَرَم وحشيشه وصيده (بين الجزاء) أي: ذبحه، وإعطائه لمساكين الحرم إن كان من بهيمة الأنعام (وبين تقويمه، ويفعلُ بثمنه) أي: قيمته (كجزاءِ صيدِ) الإحرام، بأن يشتري به طعامًا، فيطعمه للمساكين، كل مسكين مدَّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، وما لا مِثْلَ له كقيمة الحشيش، يتخير فيها، كجزاء صيد لا مِثل له، على ما سبق.

(وإن قَطَع غُصنًا في الحِلِّ، أصلُه أو بعضه في الحرم، ضمنه) لأنه تابع لأصله، وتغليبًا للحُرمة، كالصيد.

(1)

"يضمنه": في "ح": "ضمنه".

ص: 223

و (لا) يضمن الغصن (إن قَطَعه في الحرم، وأصلُه كلُّه في الحِلِّ) لتبعيته لأصله.

(قال) الإمام (أحمد

(1)

: لا يخرج من تراب الحَرَم، ولا يدخل إليه من الحِل) كذلك قال ابن عُمر، وابن عباس

(2)

.

(ولا يخرج من حجارة مكَّة إلى الحِلِّ، والخروج أشدّ، يعني: في الكراهة) واقتصر في "الشرح" على الكراهة.

وقال بعض أصحابنا: يُكره إخراجه إلى الحِلِّ، وفي إدخاله في الحرم روايتان

(3)

.

وفى "الفصول": يُكره في تراب المسجد كتراب الحَرَم.

وظاهر كلام جماعة: يحرم؛ لأن في تراب المسجد انتفاعًا بالموقوف في غير جهته، ولهذا قال أحمد

(4)

: فإن أراد أن يستشفي بطِيْب الكعبة، لم يأخذ منه شيئًا، ويلزق عليها طيبًا من عنده، ثم يأخذه

(5)

. قال في "المنتهى": لا وضع الحصى بالمساجد، أي: لا يُكره، ويَحرم إخراج ترابها، وطِيبها.

(و‌

‌لا يُكرهُ إخراجُ ماءِ زَمزم

؛ لأنه يُستخلفُ فهو كالثمرةِ) قال

(1)

مسائل أبي داود ص/ 137، والمستوعب (4/ 191).

(2)

أخرج الشافعي في الأم (7/ 146)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 322، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 389) رقم 2273، والبيهقي (5/ 201)، عن عطاء عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، أنهما كرها أن ينقل من تراب الحرم إلى الحل، أو يدخل تراب الحل إلى الحرم.

(3)

الفروع (3/ 481).

(4)

انظر مسائل أبي داود ص/ 137، والفروع (3/ 482).

(5)

لم يرد ما يدل على مشروعية الاستشفاء بطيب الكعبة المشرفة، والمشروع الصلاة إليها والطواف بها ونحو ذلك من الأفعال المشروعة الواردة في النصوص.

ص: 224

أحمد

(1)

: أخرجه كعب

(2)

. انتهى. ورُوي عن عائشة: "أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله"، رواه الترمذي

(3)

، وقال: حسن غريب.

(و‌

‌مكة أفضل من المدينة)

لحديث عبد الله بن عَدي بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول - وهو واقف بالحَزْوَرَةِ في سوق مكَّة -: "والله إنَّكِ لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخْرِجتُ منك ما خرجتُ". رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي

(4)

، وقال:

(1)

المستوعب (4/ 192)، والفروع (3/ 482).

(2)

رواه ابن أبي شيبة (8/ 95)، والأزرقي (2/ 52).

(3)

الترمذي في الحج، باب 115، حديث 963. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (3/ 189)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 49) حديث 1124، وأبو يعلى (8/ 139) حديث 4683، والحاكم (1/ 485)، والبيهقي (5/ 202).

قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. وتعقَّبه الذهبي فقال: خلاد بن يزيد قال البخاري: لا يتابع على حديثه. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 287): وفي إسناده خلاد بن يزيد وهو ضعيف، وقد تفرد به فيما يقال.

(4)

أحمد (4/ 305)، والنسائي في الكبرى (2/ 479، 480) حديث 4252، 4254، وابن ماجه في المناسك، باب 103، حديث 3108، والترمذي في المناقب، باب 69، حديث 3925. وأخرجه - أيضًا - عبد بن حميد (1/ 439) حديث 490، والدارمي في السير، باب 67، حديث 2513، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 448) حديث 622، وابن حبان "الإحسان" (9/ 22) حديث 3708، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 97) حديث 545، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 174) حديث 3034، والحاكم (3/ 7)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 288، 6/ 32) وفي الاستذكار (26/ 15)، والمزي في تهذيب الكمال (15/ 291، 292) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصحَّحه ابن عبد البر في الاستذكار (27/ 36، 26/ 16)، والحافظ في الفتح (3/ 67).

ص: 225

حسن صحيح. ولمضاعفة الصلاة فيه أكثر.

وأما حديث: "المدينة خيرٌ من مكَّة"

(1)

فلم يصحَّ، وعلى فرض صحته، فيحمل على ما قبل الفتح، ونحوه.

وحديث: "اللَّهمَّ، إنهم أخرجوني من أحبِّ البقاع إليَّ، فأسكني في أحبِّ البقاع إليك"

(2)

. رُدَّ - أيضًا - بأنه لا يعرف، وعلى تقدير صحته، فمعناه: أحبُّ البقاع

(3)

بعد مكَّة.

(وتُستحبُّ المجاورةُ بها) أي: بمكَّة؛ لما سبق مع أفضليتها، وجزم في "المغني" وغيره أن مكة أفضل، وأن المجاورة بالمدينة أفضل، وذكر قول أحمد: المقام بالمدينة أحبُّ إليَّ من المقام بمكة، لمن قوي عليه؛ لأنها مهاجر المسلمين

(4)

. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يصبر أحدٌ على لأوائها وشدَّتها إلا كنتُ له شفيعًا يوم القيامة" رواه مسلم من حديث ابن

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 160)، والطبراني في الكبير (4/ 288) حديث 4450 عن رافع بن خديج رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 299): وفيه محمد بن عبد الرحمن بن داود [صوابه رداد] وهو مجمع على ضعفه. انظر المحلى (7/ 287)، وتحفة الأحوذي (10/ 294).

(2)

أخرجه الحاكم (3/ 3)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 519)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه:"إنك أخرجتني" بدل: "إنهم أخرجوني". قال ابن عبد البر في الاستذكار (7/ 237): وهذا حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث، ولا يختلفون في نكارته ووضعه. وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (27/ 36): وأما الحديث الذي يروى: أخرجتني من أحب البقاع إلي، فأسكني أحب البقاع إليك، فهذا حديث موضوع كذب، لم يروه أحد من أهل العلم. وقال الذهبي في التلخيص: لكنه موضوع. وقال ابن كثير البداية والنهاية (3/ 225): وهذا حديث غريب جدًّا، والمشهور عن الجمهور أن مكة أفضل من المدينة، إلا المكان الذي ضم جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

في "ح": و"ذ": "أحب البقاع إليك".

(4)

مسائل أبي داود ص/ 136، وانظر مسائل ابن هانئ (1/ 150) رقم 742.

ص: 226

عُمر

(1)

، ومن حديث أبي هريرة

(2)

، وأبي سعيد

(3)

، وسعد

(4)

. وفيهن: "أو شهيدًا". وتضاعف الحسنة والسيئة، بمكان وزمان فاضلين.

(ولمن هاجر منها) أي: مكة (المجاورةُ بها) كغيره.

(وما خَلَقَ الله خَلْقًا أكرم عليه من) نبينا (محمدٍ صلى الله عليه وسلم) كما دلَّت عليه البراهين (وأما نَفْسُ تُراب تُرْبَتِهِ) صلى الله عليه وسلم (فليس هو أفضلَ من الكعبة، بل الكعبةُ أفضل منه).

قال في "الفنون": الكعبة أفضل من مجرد الحُجرة، فأما والنبي صلى الله عليه وسلم فيها، فلا والله، ولا العرش وحملته، والجنة؛ لأن بالحُجرة جسدًا لو وُزِنَ به لرجح. قال في "الفروع": فدلَّ كلام أحمد والأصحاب على أن التربة على الخلاف.

(ولا يُعرف أحدٌ من العلماء فَضَّلَ تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض

(5)

، ولم يسبقه أحدٌ إليه، ولا وافقه أحدٌ قطُّ عليه) هذا معنى كلام الشيخ تقي الدين

(6)

، وقال: المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان.

(و‌

‌حدُّ الحرم) المكي

(من طريق المدينة: ثلاثة أميال عند بيوت السقيا) ويقال لها: بيوت نِفَار - بكسر النون، وبالفاء - وهي دون التنعيم، ويعرف الآن بمساجد عائشة.

(1)

في الحج، حديث 1377.

(2)

مسلم في الحج، حديث 1378.

(3)

مسلم في الحج، حديث 1374 (477).

(4)

مسلم في الحج، حديث 1363.

(5)

انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 75).

(6)

الاختيارات الفقهية ص/ 167.

ص: 227

(و) حدُّه (من) طريق (اليمن: سبعة) أميال (عند أَضاة لِبْن) أما أضاة فبالضاد المعجمة، بوزن قناة، وأما لبن فبكسر اللام، وسكون الباء الموحدة. قال في "الفروع": وهذا هو المعروف. انتهى، وفي "الهداية": عند إضاحة لبن.

(و) حدُّه (من) طريق (العراق كذلك) أي: سبعة أميال (على ثنية خَلٍّ) بخاء معجمة مفتوحة ولام مشدَّدة، هكذا في ضبط المصنف بالقلم. وفي "المنتهى" و"المبدع" وغيرهما: رِجْل، أي: بكسر الراء وسكون الجيم (وهو جبل بالمَقْطَع) بقاف ساكنة وطاء مفتوحة، هكذا ضبطه المصنف بالقلم، وعبارة "المنتهى" و"المبدع" وغيرهما: بالمنقطع.

(ومن الجِعْرانة) بسكون العين وتخفيف الراء على المشهور (تسعة أميال في شِعْبِ عبد الله بن خالد.

(و) حدُّه (من) طريق (جُدَّة: عشرة أميال، عند منقطع الأعشاش) أي: منتهى طرفها - جمع عُش - بضم العين المهملة.

(و) حدُّه (من) طريق (الطائف، على عرفات من بطن نمرة: سبعة) أميال (عند طرف عرفة.

و) حدُّه (من بطن عُرَنة أحدَ عشر ميلًا).

‌فصل

(ويحرم صيد المدينة)

لحديث عامر بن سعد، عن أبيه مرفوعًا:"إنِّي أحرِّمُ ما بين لابتي المدينةِ أن يُقطع عِضاهُها، أو يُقتل صيدُها". رواه مسلم

(1)

.

والمدينة من الدين بمعنى الطاعة؛ لأن المقام بها طاعة، أو بمعنى

(1)

في الحج، حديث 1363.

ص: 228

الملك؛ لأنها دين أهلها، أي: ملكهم. يقال: فلان في دين فلان، أي: في ملكه وطاعته

(1)

. وتُسمَّى - أيضًا - طابة، وطيبة.

(والأَولى: أن لا تُسمَّى يثرب

(2)

) لأن النبي صلى الله عليه وسلم غيَّره

(3)

؛ لما فيه من التثريب، وهو التعيير، والاستقصاء في اللوم، وما وقع في القرآن

(4)

فهو حكاية لمقالة المنافقين.

ويثرب في الأصل: اسم لرَجُل من العمالقة بنى المدينة فسُمِّيت به، وقيل: يثرب اسم أرضها، ذكره في "حاشيته".

(فلو صاد) من حَرَم المدينة (وذَبَح) صيدها (صحَّت تذكيته) قال القاضي: تحريم صيدها يدلُّ على أنه لا تصح ذكاتُه، وإن قلنا: تصح؛ فلعدم تأثير هذه الحُرْمة في زوال ملك الصيد

(5)

. نصَّ عليه، مع أنه ذكر في عِلَّة الصحة احتمالين.

(1)

"وطاعته": في "ح": "أو طاعته".

(2)

"يثرب": في "ذ": "بيثرب".

(3)

أخرج الإمام أحمد (4/ 285)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 165)، وأبو يعلى (3/ 247) حديث 1688، والمفضل الجندي في فضائل المدينة ص/ 26، حديث 20، وابن عدي (7/ 2730) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَمَّى المدينة يثرب، فليستغفر الله عز وجل، هي طابة، هي طابة". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 300): رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله ثقات. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 56 مع الفيض) ورمز لصحته. وضعف إسناده الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/ 474)، وانظر القول المسدد ص/ 50.

وأخرج مسلم في الحج، حديث 1385، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى سمى المدينة طابة".

(4)

في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} . سورة الأحزاب، الآية:13.

(5)

"الصيد": في "ح": "المصيد".

ص: 229

(ويحرم قَطْعُ شجرها) أي: المدينة (وحشيشها) لما روى أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينةُ حرمٌ من كذَا إلى كذَا، لا يُقطع شجرُهَا". متفق عليه

(1)

. ولمسلم: "لا يُختلى خلاها، فمن فعلَ ذلك فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعينَ"

(2)

.

(ويجوز أخْذُ ما تدعو الحاجةُ إليه من شجرِها للرَّحْلِ) أي: رَحْل البعير، وهو أصغر من القَتَب (والقَتَب وعوارضه وآلة الحرث ونحو ذلك) كآلة الدياس والجَذاذ والحصاد (والعارضة لسقف المحمل والمساند من القائمتين اللتين تُنصب البكرةُ عليهما، والعارضة بين القائمتين ونحو ذلك) كعود البكرة؛ لما روى جابر: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما حرَّم المدينةَ، قالوا: يا رسولَ الله، إنَّا أصحابُ عملٍ وأصحابُ نَضْحٍ، وإنَّا لا نستطيعُ أرضًا غير أرضِنَا؛ فرخص لنا، فقال: القائمتان والوسادةُ والعارضةُ والمسندُ

(3)

، فأما غير ذلك فلا يعضدُ". رواه أحمد

(4)

، فاستثنى الشارع ذلك، وجعله مباحًا. والمسند: عود البكرة.

(1)

البخاري في فضائل المدينة، باب 1، حديث 1867، وفي الاعتصام، باب 6، حديث 7306، ومسلم في الحج، حديث 1366.

(2)

في الحج، حديث 1367.

(3)

كذا في الأصول "المسند" وصوابه: "المَسَد" كما في غريب الحديث للحربي (2/ 519) ومصادر التخريج.

(4)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، ونسبه السمهودي في "وفاء الوفا"(1/ 111) لابن زبالة، ولعله في كتابه "أخبار المدينة" ولم يطبع.

ورواه الطبراني (17/ 18) رقم (26)، وابن عدي (6/ 2080)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 672) من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن في قطع المسد والقائمتين والمِنجدة" قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 304): رواه الطبراني في الكبير، وفيه كثير بن عبد الله المزني وهو متروك.

ص: 230

(و) يجوز أخذ ما تدعو الحاجة إليه (من حشيشها؛ للعلف) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي: "ولا يصلح أن تُقطع منها شجرة إلا أن يعلف رَجُلٌ بعيره" رواه أبو داود

(1)

؛ ولأن المدينة يقرب منها شَجَرٌ وزَرعٌ، فلو مُنِعنا من احتشاشها، أفضى إلى الضرر، بخلاف مكة.

(ومن أدخل إليها صيدًا، فله إمساكُه وذبحُه) نصَّ عليه

(2)

؛ لقول أنس: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عُمير، قال: أحسبه فطيمًا، وكان إذا جاء قال: يا أبا عُمير، ما فعل النُّغَير؟ - بالغين المعجمة - وهو طائر صغير، كان يلعب به" متفق عليه

(3)

.

(و‌

‌لا جزاء في صيدها) وشجرها (وحشيشها)

قال في "المنتهى": ولا جزاء فيما حُرِّم من ذلك.

قال أحمد

(4)

في رواية بكر بن محمد: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدًا من أصحابه حكموا فيه بجزاء؛ لأنه يجوز دخولها بغير إحرام، ولا تصلح لأداء النُّسُك، ولا لذبح الهدايا، فكانت كغيرها من البلدان، ولا يلزم من الحُرْمة الضمان، ولا من عَدَمِها عدمه.

(وحدُّ حَرَمِها: ما بين ثَوْر إلى عَير) لحديث عليٍّ مرفوعًا: "حَرمُ

(1)

في المناسك، باب 99، حديث 2035. وأخرجه - أيضًا - أحمد (1/ 119) في حديث طويل، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 178) حديث 3147، والبيهقي (5/ 201) عن أبي حسان، عن علي رضي الله عنه. وصحح إسناده النووي في المجموع (7/ 478)، وقال الطحاوي: منقطع الإسناد؛ وذلك أن أبا حسان لم يلق عليًّا رضي الله عنه.

(2)

المغني (5/ 193).

(3)

البخاري في الأدب، باب 112، حديث 6203، ومسلم في الأدب حديث 2150.

(4)

الفروع (3/ 487)، وانظر: كتاب التمام (1/ 325).

ص: 231

المدينةِ ما بين ثَوْرٍ إلى عَير". متفق عليه

(1)

(وهو ما بين لابتيها) لقول أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتَيْهَا حرامٌ". متفق عليه

(2)

. واللابة: الحَرَّة، وهي أرض تركبها حجارة سود، فلا تعارض بين الحديثين.

قال في "فتح الباري"

(3)

: رواية: "ما بين لابتيها" أرجح؛ لتوارد الرواة عليها، ورواية:"جبليها" لا تنافيها، فيكون عند كلِّ جبل لابة، أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال، وجبليها من جهة المشرق والمغرب. وعاكسه في "المطلع".

(وقَدْره: بريدٌ في بريدٍ، نصًّا) قال أحمد

(4)

: ما بين لابتيها حرام، بريد في بريد، كذا فسَّره مالكُ بن أنس

(5)

.

(وهما) أي: ثور وعَير (جبلان بالمدينة، فثور) أنكره جماعةٌ من العلماء، واعتقدوا أنه خطأ من بعض رواة الحديث؛ لعدم معرفتهم إياه، وليس كذلك، بل هو (جبلٌ صغير) لونه (يضرب إلى الحُمْرة بتدوير) ليس بمستطيل (خلف أحُدٍ من جهة الشمال).

قال في "فتح الباري"

(6)

نقلًا عن شيخه أبي بكر بن حسين المراغي: "إن خَلَفَ أهل المدينة ينقلون عن سَلَفهم: أن خَلْف أُحد من جهة الشمال جبلًا صغيرًا إلى الحمرة بتدوير، يُسمَّى ثورًا. قال: وقد تحققته بالمشاهدة".

(1)

البخاري في فضائل المدينة، باب 1، حديث 1870، وفي الجزية والموادعة، باب 10، 17، حديث 3172، 3179، وفي الاعتصام باب 5، حديث 7300، ومسلم في الحج، حديث 1370.

(2)

البخاري في فضائل المدينة، باب 1، 4، حديث 1869، 1873، ومسلم في الحج، حديث 1372.

(3)

(4/ 83).

(4)

انظر مسائل عبد الله (2/ 814) رقم 1089.

(5)

التمهيد (6/ 312) والاستذكار (26/ 42).

(6)

(4/ 83).

ص: 232

(وعَير) جبلٌ (مشهور بها) أي: بالمدينة. قال في "المطلع": وقد أنكره بعضهم. "وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حولَ المدينةِ اثني عشرَ ميلًا حِمًى". رواه مسلم

(1)

عن أبي هريرة.

(ولا يحرم على المحِلِّ صيد وَجٍّ وشجره) وحشيشه (وهو واد بالطائف) كغيره من الحِلِّ.

وأما حديث محمد بن عبد الله بن سنان

(2)

، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن أبيه مرفوعًا:"إن صيد وَجٍّ وعضاهه حَرَمٌ محرَّمٌ لله" رواه أحمد وأبو داود

(3)

، وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفًا، فقد ضعفه أحمد

(4)

. وقال أبو حاتم

(5)

في محمد: ليس بقوي، في حديثه نظر. وقال البخاري

(6)

: لا يتابع عليه. وقال ابن حبان والأزدي: لم يصح حديثه

(7)

. وحمل القاضي ذلك على الاستحباب؛ للخروج من الخلاف.

(1)

في الحج، حديث 1372 (472).

(2)

قوله: "سنان" كذا في الأصول، وصوابه "إنسان" كما في مصادر التخريج الآتية.

(3)

أحمد (1/ 165)، وأبو داود في المناسك، باب 93، حديث 2032. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (1/ 140)، والحميدي (1/ 34) حديث 63، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 99) حديث 2907، والعقيلي (4/ 93)، والشاشي في مسنده (1/ 108) حديث 48، والبيهقي (5/ 200)، قال البخاري: لم يتابع عليه (أي: محمد بن عبد الله بن إنسان)، وقال العقيلي: لا يتابع عليه إلا من جهة تقارب هذا. وقال النووي في المجموع (7/ 480) وفي تهذيب الأسماء واللغات (3/ 371): إسناده ضعيف. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 327): لا يصح. وانظر تهذيب السنن (2/ 442) والتلخيص الحبير (2/ 280).

(4)

في كتاب العلل للخلال كما في المغني (5/ 194).

(5)

الجرح والتعديل (7/ 294).

(6)

التاريخ الكبير (1/ 140).

(7)

انظر: الثقات (9/ 33).

ص: 233

‌باب دخول مكَّة وما يتعلَّق به من الطواف والسعي وغيره

(يُسنُّ الاغتسالُ لدخولها) - ولو كان بالحَرَم - ولدخول

(1)

حَرَمِها (ولو لحائضٍ) ومثلها النُّفساء، فتغتسل لدخول مكَّة، وتقدم في الغسل

(2)

.

(و) يُسنُّ (أن يدخُلَها نهارًا) لفعله صلى الله عليه وسلم

(3)

. قال في "الفروع": وقيل: وليلًا، نقل ابن هانئ

(4)

: لا بأس به، وإنما كَرِهه من السُّرَّاق. انتهى. وأخرج النسائي:"أنه صلى الله عليه وسلم دخلها ليلًا ونهارًا"

(5)

. (من أعلاها)

(1)

في "ذ": "ولدخوله".

(2)

(1/ 359).

(3)

أخرج البخاري في الحج، باب 39، حديث 1574، ومسلم في الحج، حديث 1259 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة".

(4)

لم نقف عليه في مسائل ابن هانئ المطبوعة، وانظر: كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 411).

(5)

دخوله صلى الله عليه وسلم مكة نهارًا: أخرجه النسائي في مناسك الحج، باب 103، حديث 2862، وفي الكبرى (2/ 381) حديث 3845. وتقدم في التعليق السابق أنه في الصحيحين. أما دخوله صلى الله عليه وسلم مكة ليلًا: فقد أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 381، 474) حديث 3846، 3847، 4234، 4235، 4236. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الحج، باب 92، حديث 935، وأحمد (3/ 426، 427)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 207)، والدارمي في المناسك، باب 41، حديث 1861، والطبراني في الكبير (20/ 326) حديث 770، والبيهقي (4/ 357)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 408، 409)، وابن عساكر في تاريخه (36/ 293) عن محرِّش الكعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة معتمرًا، فدخل مكة ليلًا، فقضى =

ص: 234

أي: مكَّة (من ثَنيَّة كَداءٍ) بفتح الكاف، ممدود مهموز مصروف، وغير مصروف، ذكره في "المطالع"

(1)

ويُعرف الآن بباب المُعلاة.

(و) يُسنُّ (أن يَخرجَ من كُدًى) بضم الكاف وتنوين الدال، عند ذي طوى، بقرب شِعب الشافعيين (من الثَّنيَّة السُّفلى) ويقال لها: باب شبيكة، لقول ابن عُمر:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدخل عن الثنيَّة العُليا التي بالبطحاء، ويخرج من الثَّنيَّة السُّفلى" متفق عليه

(2)

. وأما كُدَيّ - مصغرًا - فأباحه

(3)

لمن خرج من مكَّة إلى اليمن، وليس من هذين الطريقين في شيء.

= عمرته. . . الحديث. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. وجوَّد إسناده النووي في المجموع (8/ 6)، وحسَّن إسناده الحافظ في الإصابة (9/ 101).

وقد ترجم البخاري في كتاب الحج، باب 39 بقوله: باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا.

قال ابن حجر في فتح الباري (3/ 436): أما الدخول ليلًا فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة، فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة، ودخل مكة ليلًا، فقضى أمر العمرة، ثم رجع ليلًا، فأصبح بالجعرانة كبائتٍ. كما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث محرش الكعبي. اهـ.

وأخرجه بنحوه أبو داود في المناسك، باب 81، حديث 1996، والنسائي في مناسك الحج، باب 104، حديث 2863، 2864، والشافعي في الأم (2/ 134) وفي مسنده ترتيبه (1/ 293)، والحميدي (2/ 380) حديث 863، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 62) حديث 2840، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 300)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 292) حديث 2313، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 90، 91)، والطبراني في الكبير (20/ 326) حديث 771، 772، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 408، 409)، وابن عساكر في تاريخه (36/ 293).

(1)

تقدم التعريف به (6/ 181)، تعليق رقم 1.

(2)

البخاري في الحج، باب 40، 41، حديث 1575، 1576، ومسلم في الحج، حديث 1257.

(3)

كذا في الأصول! وفي معجم البلدان (4/ 441): "فإنما هو" ولعله الصواب.

ص: 235

(و)

‌ يُسنُّ (أن يدخلَ المسجدَ) الحرام (من باب بني شَيبةَ)

وبإزائه الآن الباب المعروف بباب السلام؛ لحديث جابر: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل مكَّةَ ارتفاعَ الضُّحى، وأناخ راحلته عند باب بني شَيبة، ثم دخل" رواه مسلم وغيره

(1)

.

ويقول عند دخول المسجد ما تقدَّم في باب المشي إلى الصلاة

(2)

. وقال في "أسباب الهداية": يُسنُّ أن يقول عند دخوله: بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، اللَّهمَّ افتحْ لي أبواب فضلك

(3)

.

(ف‌

‌إذا رأى البيتَ، رَفَعَ يديه)

رواه الشافعي

(4)

عن ابن جُريج مرفوعًا.

(1)

لم نقف عليه عند مسلم من حديث جابر ولا غيره.

وقد أخرج الطبراني في الأوسط (1/ 303) حديث 495 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من باب بني عبد مناف، وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة، وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحزورة، وهو باب الحناطين".

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 238) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مروان بن أبي مروان، قال السليماني: فيه نظر. وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال البيهقي (5/ 72): وروي عن ابن عمر مرفوعًا في دخوله من باب بني شيبة، وخروجه من باب الحناطين، وإسناده غير محفوظ. وروينا عن ابن جريج، عن عطاء قال: يدخل المحرم من حيث شاء، قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة، وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا وهذا مرسل جيد. اهـ.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 243): وفي إسناده عبد الله بن نافع، وفيه ضعف.

(2)

(2/ 270 - 272).

(3)

هذا الذكر غير ثابت ما عدا التسمية التي في أوله، وانظر ما تقدم (2/ 270 - 272).

(4)

في الأم (2/ 169)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 339). وأخرجه - أيضًا - البيهقي (5/ 73) عن ابن جريج، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: اللهم زِدْ هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزِدْ مَن شرَّفه وكرمه. . . قال البيهقي: هذا منقطع. وقال النووي في المجموع (8/ 7): مرسل معضل.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 241): هو معضل فيما بين ابن جريج، والنبي صلى الله عليه وسلم =

ص: 236

وقول جابر: "ما كنتُ أظنُّ أحدًا يفعل هذا إلا اليهود" الحديث. رواه النسائي

(1)

، رُدَّ بأنه قولُ جابر عن ظَنِّه، وخالفه ابنُ عمر وابنُ عباس

(2)

.

= قال البيهقي: وله شاهد مرسل عن سفيان الثوري، عن أبي سعيد الشامي، عن مكحول قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة، فرأى البيت، رفع يديه، وكبر، وقال: اللهم أنت السلام. . . الحديث. قلنا: وهذا الشاهد أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 97، 10/ 365)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 279). وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (3/ 23): هذه الرواية مرسلة، وفي إسنادها رجل مجهول وآخر ضعيف. وانظر خلاصة البدر المنير (2/ 3).

(1)

في الحج، باب 122، حديث 2895، وفي الكبرى (2/ 389) حديث 3878. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المناسك، باب 46، حديث 1870، والترمذي في الحج، باب 32، حديث 855، والطيالسي ص/ 243، حديث 1770، وابن أبي شيبة (4/ 95)، وابن خزيمة (4/ 209) حديث 2704، والطحاوي (2/ 176)، والبيهقي (5/ 73).

ولفظه عند النسائي: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ قال: ما كنت أظن أحدًا يفعل هذا إلا اليهود، حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نكن نفعله.

تنبيه: جاء في المطبوع من الترمذي والطيالسي بلفظ: "فكنا نفعله" وهو خطأ، ونصه في مخطوط سنن الترمذي (نسخة الكروخي ل 64/ ب)، وتحفة الأحوذي (3/ 591):"أفكنا نفعله"، وشرحه المباركفوري بقوله: الهمزة للإنكار.

(2)

أخرجه البزار "كشف الأستار"(1/ 251) رقم 519، وابن خزيمة (4/ 209) حديث 2703، والطبراني في الكبير (11/ 385)، حديث 12072، من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس وعن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ترفع الأيدي في سبع مواطن. . ." وذكر منها "استقبال البيت".

وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 97) عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا.

قال البزار: رواه جماعة فوقفوه، وابن أبي ليلى ليس بالحافظ، إنما قال: ترفع الأيدي، ولم يقل: لا ترفع إلا في هذه المواضع، وأشار ابن خزيمة إلى ضعفه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 103): فيه ابن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ.

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 169) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 339)، وابن أبي عمر العدني، كما في المطالب العالية (2/ 30) حديث 1220، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 279)، والبيهقي (5/ 72) من طريق ابن جريج قال: حدثت عن مقسم مولى =

ص: 237

(وكَبَّرَ) للحديث، رواه البيهقي في "السنن"

(1)

وحكاه في "الفروع" بـ "قيل". ولم يذكره في "المنتهى" وغيره، وقيل: ويهلِّل.

(وقال: اللَّهمَّ أنت السَّلامُ ومنك السَّلامُ، حَيِّنا ربَّنا بالسلامِ) كان ابن عُمر يقول ذلك، رواه الشافعي

(2)

. والسلام الأول: اسم الله، والثاني: من أكرمته بالسلام، والثالث: سَلِّمْنا بتحيتك إيَّانا من جميع الآفات، ذكر ذلك الأزهري

(3)

(اللَّهمَّ زِدْ هذا البيتَ تعظيمًا) أي: تبجيلًا (وتشريفًا) أي: رِفْعة وإعلاء (وتكريمًا ومهابةً) أي: توقيرًا (وبِرًّا) بكسر الباء: اسم جامع للخير (وزِدْ من عظّمه وشرَّفه - ممن حجَّه واعتمَره -

= عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. وأعله البيهقي بقوله: وهو منقطع، لم يسمعه ابن جريج من مقسم. وقال الخطابي في معالم السنن (2/ 191): قد اختلف الناس في هذا، فكان ممن يرفع يديه إذا رأى البيت سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وضعَّف هؤلاء حديث جابر، لأن مهاجرًا راويه عندهم مجهول. وحسَّن إسناده النووي في المجموع (8/ 9).

(1)

(5/ 73) عن مكحول قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر. . ." الحديث. وقد تقدم تخريجه (6/ 236) تعليق رقم (4).

(2)

لم نقف عليه عند الشافعي ولا عند غيره عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 394)، وأبو داود في سؤالاته ص/ 162، وابن سعد (5/ 120)، وابن معين في تاريخه، برواية الدوري (3/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 97، 10/ 366)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 199)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 278 - 279)، والمحاملي في الأمالي ص 295، حديث 308، والبيهقي (5/ 73)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله، وإليه عزاه ابن مفلح في المبدع (3/ 212)، وابن النجار في معونة أولي النهى (3/ 386).

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 169)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 338)، وابن أبي شيبة (4/ 97)، وأحمد في العلل (1/ 199)، والبيهقي (5/ 73)، عن قول سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى.

(3)

تهذيب اللغة (12/ 446، 448).

ص: 238

تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا، ومهابة وبِرًّا) رواه الشافعي

(1)

بإسناده عن ابن جُريج مرفوعًا (الحمدُ لله رَبِّ العالمين كثيرًا، كما هو أهلُه، وكما ينبغي لكَرَمِ وجهِه، وعِزِّ جلاله، والحمدُ لله الذي بلَّغني بيته، ورآني لذلك أهلًا، والحمدُ لله على كلِّ حال، اللَّهمَّ، إنك دعوتَ إلى حَجِّ بيتك الحرام) سُمِّي بذلك؛ لأن حُرمته انتشرت، وأُريد بتحريم البيت سائرُ الحَرَم، قاله العلماء (وقد جئتُك لذلك، اللَّهمَّ تقبَّل منِّي، واعفُ عنِّي، وأصلحْ لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت) ذكر ذلك الأثرم وإبراهيم الحربي

(2)

.

قال في "الفروع": وكان النبي صلى الله عليه وسلم "إذا رأى ما يحبُّ قال: الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وإذا رأى ما يَكره قال: الحمدُ لله على كل حال"

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 236) تعليق رقم (4).

(2)

لعل الأثرم ذكره في سننه ولم تطبع، ولم نقف عليه في مظانه من كتب الحربي المطبوعة، وانظر: المبدع (3/ 212).

(3)

روي عن جماعة من الصحابة، رضي الله عنهم، منهم:

أ - عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن ماجه في الأدب، باب 55 حديث 3803، والطبراني في الأوسط (7/ 344، 502) حديث 6659، 6695، وفي الدعاء (3/ 264) حديث 1769، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص/ 334، حديث 378، والحاكم (1/ 499)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 91) حديث 4375، وابن عساكر في تاريخه (8/ 360، 53/ 330).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 262): هذا إسناد صحيح. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 88 مع الفيض)، ورمز لصحته.

ب - علي رضي الله عنه: أخرجه البزار (2/ 166 رقم 533) وأبو الشيخ في أخلاق النبي (1/ 403) حديث 145، والبغوي في شرح السنة (5/ 180) حديث 1380، وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا =

ص: 239

(يرفعُ بذلك) الدُّعاء (صوتَه إنْ كان رَجُلًا) لأنه ذِكْرٌ مشروع، فاستُحبَّ رَفْعُ الصوت به، كالتلبية (وما زاد من الدُّعاء فَحَسنٌ) لأن تلك البقاع مظنَّةُ الإجابة.

(ثم يَبتدئُ بطواف العُمرة، إن كان معتمِرًا) أي: مُحْرِمًا بالعُمرة، متمتعًا أو غيره (ولم يحتج أن يطوفَ لها طواف قُدومٍ) كمن دخل المسجدَ، وقد أُقيمت الصلاةُ، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد.

(و) يبتدئ (بطواف القُدومِ - ويُسمَّى طوافَ الوُرود - إن كان مُفرِدًا، أو قارنًا، وهو تحيةُ الكعبة) فاستُحبت البداءة به، ولقول عائشة:"إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حين قَدِم مكَّة، توضأ، ثم طاف بالبيت" متفقٌ عليه

(1)

، ورُوي عن أبي بكر، وعُمر، وابنه، وعثمان، وغيرهم

(2)

.

= بهذا الإسناد.

قلنا: وفي إسناده محمد بن عبد الله بن أبي رافع مجهول، كما في التقريب (6054).

جـ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 157) وقال: غريب من حديث محمد والفضل الرقاشي، لم نكتبه إلا من هذا الوجه.

د - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الخطيب في تاريخه (3/ 131). قال الخطيب: غريب من حديث شعبة لا أعلم له وجهًا غير هذا.

قلنا: وفي سنده الضحاك بن مزاحم يرويه عن ابن عباس ولم يلقَ ابن عباس. انظر: تهذيب الكمال (13/ 293).

هـ - وروي مرسلًا: أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 357، حديث 523، وابن أبي شيبة (10/ 340)، والخرائطي في فضيلة الشكر ص/ 42، حديث 32، والطبراني في الدعاء (3/ 264) حديث 1770، من طريق حبيب، عن بعض أشياخه مرسلًا.

(1)

البخاري في الحج، باب 63، 78، حديث 1614، 1641، ومسلم في الحج، حديث 1235.

(2)

رواه البخاري في الحج، باب 63، 78، حديث 1614، 1641، ومسلم في الحج، حديث 1235.

ص: 240

(وتحيَّةُ المسجدِ) الحَرَام (الصَّلاةُ، ويجزئُ عنها الركعتان بعد الطَّوافِ) وهذا لا ينافي أن تحية المسجد الحرام الطوافُ؛ لأنه مُجْمَل، وهذا تفصيله.

(فيكونُ أولَ ما يَبدأُ

(1)

به الطَّوافُ) لما تقدم (إلا إذا أُقيمت الصلاةُ، أو ذَكَر فريضةً فائتةً، أو خاف فَوْتَ ركعتي الفَجرِ أو الوِتر، أو حضرت جنازةٌ، فيقدِّمُها عليه) أي: الطواف؛ لاتساع وقته وأمْنِ فواته (ثم يطوفُ) إذا فرغ من صلاته تلك.

(والأَولى للمرأةِ تأخيرُه) أي: الطواف (إلى الليل) لأنه أستر (إن أَمنتِ الحيضَ والنِّفاسَ، ولا تزاحم الرِّجال لتستلم الحجر) الأسود، ولا لغيره، خوف المحظور (لكن تُشيرُ) المرأة (إليه) أي: إلى الحَجَر (كـ) الرجل (الذي لا يمكنُه الوصولُ إليه) إلا بمشقَّة.

(ويَضْطَبعُ برِدائه في طواف القدومِ، و) في (طوافِ العُمْرة للمتمتِّعِ، ومن في معناه غير حامل معذور

(2)

) بحملِه بردائه (في جميع أسبوعِه، فيجعلُ وَسَطه) أي: الرداء (تحت عاتِقِه الأيمن، و) يجعل (طرفيْه على عاتِقِه الأيسرِ) مأخوذ من الضَّبْع، وهو عضد الإنسان، وذلك لحديث يعلى ابن أمية:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعًا وعليه بُرْدٌ" صحَّحه الترمذي

(3)

.

(1)

في "ح": "ما يبتدئ".

(2)

قال عثمان النجدي في "حاشية منتهى الإرادات"(2/ 141): هو بالإضافة، أي: غير حامل شخصًا معذورًا كمريض وصغير، فلا يستحب في حق الحامل الطائف اضطباع ولا رمل.

(3)

في الحج، باب 36، حديث 859، وفي العلل ص/ 132، حديث 226. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المناسك، باب 50، حديث 1883، وابن ماجه في المناسك، باب 30، حديث 2954، وابن سعد (1/ 453) وابن أبي شيبة (4/ 124)، وأحمد (4/ 222، 223)، والدارمي في الحج، باب 28، حديث 1843، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 197) حديث 322، والمحاملي في الأمالي ص/ 401، حديث =

ص: 241

وعن ابن عباس: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجِعْرانة، فرمَلُوا بالبيت، وجعلوا أرديَتهم تحت آباطِهم، ثم قذفوها على عواتِقهم اليسرى" رواه أبو داود وابن ماجه

(1)

.

(فإذا فرغ من الطواف سوَّاه) أي: الرِّداء، فجعله على عاتقيه.

(و‌

‌لا يضطبعُ في السَّعْي)

لعدم وروده، قال أحمد

(2)

: ما سمعنا فيه شيئًا. ولا يصح القياس إلا فيما عُقِلَ معناه، وهذا تعبُّدي محض.

(ويبتدئ الطوافَ من الحَجَر الأسود) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ به

(3)

، وقال:"خذوا عنِّي مناسككم"

(4)

(وهو جهةُ المشرق، فيحاذيه) أي: الحَجَر (أو) يحاذي (بعضَه بجميع بدنه) لأن ما لزم استقباله لزم بجميع البدن، كالقِبلة.

(فإن لم يفعل) أي: يحاذي الحَجرَ أو بعضَه بكلِّ بدنه، بأن ابتدأ

= 469، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 219)، والبيهقي (5/ 79)، والخطيب في الموضح (1/ 286).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصحَّح إسناده النووي في المجموع (8/ 19).

(1)

أبو داود في المناسك، باب 50، حديث 1884، ولم نقف عليه عند ابن ماجه. وأخرجه - أيضًا - أحمد (1/ 306، 371)، وأبو يعلى (4/ 449) حديث 2574، والطبراني في الكبير (12/ 62) حديث 12478، وابن عدي (4/ 1479)، والبيهقي (5/ 79)، والضياء في المختارة (10/ 207 - 208) حديث 213 - 215، وحسنه المنذري، كما في نصب الراية للزيلعي (3/ 43). وصحَّح إسناده النووي في المجموع (8/ 19)، وابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 173). وقال الشوكاني في نيل الأوطار (5/ 41): ورجاله رجال الصحيح.

(2)

كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 423).

(3)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218 (150)، عن جابر رضي الله عنه.

(4)

أخرجه بهذا اللفظ البيهقي (5/ 125)، وهو عند مسلم في الحج، حديث 1297 بلفظ:"لتأخذوا مناسككم".

ص: 242

بالطواف عن جانب الرُّكن من جهة الباب، بحيث خرج شيءٌ من بدنه عن مُحاذاة الحَجرِ (أو بدأَ بالطوافِ من دون الرُّكنِ) الذي به الحَجر (كالباب ونحوه) كالمُلتزم (لم يحتسب بذلك الشَّوط) لعدم محاذاة بدنه للحَجَرِ، ويُحتسب له بالثاني وما بعده، ويصير الثاني أولًا؛ لأنه يُحاذي فيه الحَجَر بجميع بدنه.

(ثم يَستلمه) أي: الحَجَر (أي: يمسحُه بيده اليُمنى) لقول جابر: "إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكَّة أتى الحَجرَ فاستلمه" الحديث رواه مسلم

(1)

. والاستلام: افتعال من السلام، وهو التحية. وأهل اليمن يُسمُّون الحجرَ الأسود: المحيا؛ لأن الناس يحيونه بالاستلام. وقد ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نَزَل من الجنَّة أشد بياضًا من اللَّبَنِ" رواه الترمذي

(2)

وقال: حسن صحيح.

(1)

في الحج، حديث 1218 (150).

(2)

في الحج، باب 49، حديث 877. وأخرجه - أيضًا - أحمد (1/ 307، 329، 373)، وابن خزيمة (4/ 219) حديث 2733، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 84) حديث 6، والطبراني في الكبير (11/ 453) حديث 12285، وابن عدي (2/ 679)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 450) حديث 4035، والخطيب في تاريخه (7/ 361)، والضياء في المختارة (10/ 260 - 262) حديث 274 - 276، من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وصحَّحه النووي في تهذيب الأسماء واللغات (3/ 81)، وقال الحافظ في الفتح (3/ 462): أخرجه الترمذي وصححه، وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق ولكنه اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها، وقد رواه النسائي [رقم 2935] من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء مختصرًا، ولفظه: الحجر الأسود من الجنة. وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 409، 6/ 282 مع الفيض) ورمز لصحته.

ص: 243

وعن عليٍّ قال: "لمَّا أخذَ الله عز وجل الميثاقَ على الذُّريَّة، كَتَبَ كتابًا فألقمه الحَجرَ، فهو يَشهدُ للمؤمن بالوفاء، وعلى الكافر بالجُحودِ" ذكره الحافظ أبو الفَرَج

(1)

.

(ويُقَبِّلُه) أي: الحَجرَ (من غير صوت يَظهرُ للقُبلة) لحديث ابن عُمر: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم استقبلَ الحجرَ، ووضع شفتيه عليه يبكي طويلًا، ثم التفتَ؛ فإذا هو بعُمرَ بن الخطَّاب يبكي، فقال: يا عُمر، ها هنا تُسْكَبُ العَبَرات" رواه ابن ماجه

(2)

.

وفي "الصحيحين": أنَّ أَسْلَم قال: "رأيت عُمرَ بن الخطَّاب قبَّل الحَجرَ، وقال: إني لأعلم أنك حَجَرٌ، لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلُك ما قَبَّلْتُك"

(3)

(ونصَّ) أحمد في رواية

(1)

مثير العزم الساكن (1/ 371)، وأخرجه بنحوه مطولًا الحاكم (1/ 457، 458)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 451) حديث 4040، وسكت عنه الحاكم، فقال الذهبي: أبو هارون ساقط. وضعَّفه البيهقي.

(2)

في المناسك، باب 27، حديث 2945. وأخرجه - أيضًا - عبد بن حميد (2/ 20) حديث 758، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 114) حديث 86، وابن خزيمة (4/ 212) حديث 2712، والعقيلي (4/ 113)، وابن حبان في المجروحين (2/ 272)، وابن عدي (6/ 2248)، والحاكم (1/ 454)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 456) حديث 4056، والمزي في تهذيب الكمال (26/ 242).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 352 مع الفيض) ورمز لصحته. وقال ابن عدي بعد إيراده لهذا الحديث في ترجمة محمد بن عون الخراساني: ولمحمد بن عون غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يُتابع عليه. وأورده الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 676) في ترجمة محمد بن عون، وقال: قال النسائي: متروك. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 134): هذا إسناد ضعيف.

(3)

البخاري في الحج، باب 57، 60، حديث 1605، 1610، ومسلم في الحج، حديث 1270.

ص: 244

الأثرم

(1)

(ويَسجدُ عليه) فَعَلَه ابنُ عُمر

(2)

، وابن عباس

(3)

.

(فإنْ شَقَّ) استلامه وتقبيله، لم يُزاحم و (استَلَمَه) بيده (وقبَّل يَدَه) لحديث ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم استَلَمه وقَبَّل يَدَه"

(4)

، ورُوي عن ابن عُمر، وجابر، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس

(5)

.

(1)

لعل الأثرم ذكره في مسائله ولم تطبع، وانظر مسائل عبد الله (2/ 778) رقم 1045.

(2)

لم نقف على من أخرجه من فعل ابن عمر رضي الله عنهما. وإنما روي ذلك من فعل عمر رضي الله عنه، أخرجه الدارمي في المناسك باب 42، حديث 1872، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 111) حديث 77، وابن خزيمة (4/ 213)، حديث 2714، والحاكم (1/ 455)، والبيهقي (5/ 74) عن جعفر بن عبد الله، قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبَّل الحجر، وسجد عليه، ثم قال: رأيت خالك ابن عباس يقبِّله ويسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبَّله وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا، ففعلت. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 173): إسناده حسن.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 171) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 341)، والطيالسي ص 7، وعبد الرزاق (5/ 37) رقم 8912، وأبو عبيد في غريب الحديث (1/ 268)، وابن أبي شيبة (الجزء المفرد ص 388)، والبزار (1/ 332) رقم 215، والعقيلي (1/ 183)، والبيهقي (5/ 75) وفي معرفة السنن والآثار (7/ 206) رقم 9820، 9822، عن أبي جعفر قال: رأيت ابن عباس جاء يوم التروية مسبِّدًا رأسه، فقبَّل الركن ثم سجد عليه، ثم قبَّله ثم سجد عليه. حسنه الإمام أحمد كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 430)، وصحح إسناده النووي في المجموع (8/ 33) وانظر التعليق السابق.

(4)

لم نقف عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد أخرجه مسلم في الحج، حديث 1268 (246)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرج الشافعي في الأم (2/ 171)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 343)، وعبد الرزاق (5/ 40) رقم 8923، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 352، والطبري في تهذيب الآثار "مسند ابن عباس"(1/ 82) حديث 97، والدارقطني (2/ 290)، والبيهقي (5/ 75) عن عطاء قال: رأيت ابن عمر وأبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأبا هريرة إذا استلموا قبَّلوا أيديهم. قيل: وابن عباس؟ قال: وابن عباس.

ص: 245

(فإنْ شقَّ) استلامه بيده (استَلَمَه بشيء وقبَّله) رُوي عن ابن عباس موقوفًا

(1)

.

(فإنْ شقَّ) استلامه بشيء (أشار إليه بيده أو بشيء، واستقبله بوجهه، ولا يقبِّل المشارَ به) لعدم وروده.

(ولا يُزاحم) لاستلام الحَجر، أو تقبيله، أو السُّجود عليه (فيؤذِي أحدًا) من الطائفين.

(ويقول) عند استلام الحَجرِ، أو استقباله بوجهه إذا شَقَّ استلامه:(بسم الله، والله أكبرُ، اللَّهمَّ إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابِك، ووفاءً بعهدك، واتِّباعًا لِسُنَّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول ذلك كلما استلمه) لحديث عبد الله بن السائب "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك عند استلامه"

(2)

(وزاد

(1)

لم نقف عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا.

وأخرجه البيهقي (5/ 99) من طريق يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده، وكبر، ثم قبَّله" وزيادة "ثم قبَّله" لم ترد إلا من طريق يزيد بن زريع.

وأخرجه البخاري في الحج، باب 58، 61، 62، 74، حديث 1607، 1612، 1613، 1632، ومسلم في الحج، حديث 1272 بنحوه، دون ذكر التقبيل.

وقد أخرج مسلم في الحج، حديث 1275، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبِّل المحجن".

(2)

لم نقف على من أخرجه مسندًا، وذكره ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 8) وقال: غريب، ويستحيل أن يكون مرفوعًا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعد أن يقول: واتباعًا لسنة نبيك، إلا أن يكون على قصد التعليم. وأورده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 247) وقال: لم أجده هكذا، وقد ذكره صاحب المهذب من حديث جابر، وقد بيض له المنذري، والنووي، وخرجه ابن عساكر من طريق ابن ناجية بسند =

ص: 246

جماعةٌ: الله أكبرُ، الله أكبرُ، لا إله إلا الله، والله أكبرُ، الله أكبر، ولله الحمدُ.

فإنْ لم يكن الحَجرُ موجودًا) والعياذ بالله (وقف مقابلًا لمكانه) كما تقدم في استقبال الكعبة إذا هُدِمت (واستلم الرُّكن وقبَّله، فإن شَقَّ، استلمه وقبَّل يدَه) لحديث: "إذا أمرتُكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطَعْتُم"

(1)

.

(ثم يأخذ على يمينه مما يلي باب البيت) لحديث جابر: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قدم مكَّة أتى الحَجرَ فاستلمه، ثم مشى على يمينه، فَرَمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا" رواه مسلم

(2)

.

(ويجعلُه) أي: البيت (على يساره) لفعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: "لتأخذوا عنِّي مناسككم"

(3)

(ليُقربَ جانبه الأيسر) الذي هو مَقرُّ القلب (إليه) أي: إلى البيت.

(فأول رُكن يمرُّ به) الطائفُ (يُسَمَّى الشَّاميَّ والعراقيَّ، وهو جهة

= له ضعيف، ورواه الشافعي عن ابن أبي نجيح قال: أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، كيف تقول إذا استلمنا؟ قال: قولوا: باسم الله والله أكبر، إيمانًا بالله، وتصديقًا بما جاء به محمد. قلت:[أي ابن حجر]: وهو في الأم [2/ 170] عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج.

وأخرج عبد الرزاق (5/ 33 - 34) رقم 8898، 8899، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا استلم قال:"اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم".

وأخرج العقيلي (4/ 136)، والطبراني في الأوسط (6/ 228، 494) رقم 5482، 5839، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا أراد أن يستلم الحجر قال: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويستلمه. وصحح إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 247).

(1)

تقدم تخريجه (1/ 234)، تعليق رقم (2).

(2)

في الحج، حديث 1218 (150).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 242) رقم (4).

ص: 247

الشَّام، ثم يليه الرُّكن الغربيُّ والشاميُّ، وهو جهة المغرب، ثم اليماني جهة اليمن، فإذا أتى عليه) أي: على الرُّكن اليماني (استلمه ولم يقبِّله) وحديث مجاهد عن ابن عباس قال: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الرُّكنَ استلمه، ووضع خَدَّه الأيمن عليه"

(1)

، فقال ابن عبد البر

(2)

: هذا لا يصح، وإنما يُعرف التقبيل في الحَجرِ الأسود.

(و‌

‌لا يستلمُ ولا يقبِّلُ الرُّكنين الآخرين) أي: الشامي والغربي

؛ لقول ابن عُمر: "لم أرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يمسُّ من الأركان إلا اليمانيين" متفق عليه

(3)

.

وقال ابن عمر: "ما أراه - يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يستلم الرُّكنين

(1)

أخرجه عبد بن حميد (1/ 548) حديث 638، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 138) حديث 150، وابن خزيمة (4/ 217) حديث 2727، وابن عدي (3/ 1234، 4/ 1475)، والحاكم (1/ 456)، والبيهقي (5/ 76) من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه أبو يعلى (4/ 472) حديث 2605، والدارقطني (2/ 290)، من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: عبد الله بن مسلم بن هرمز هذا ضعفه غير واحد، وقال أحمد: صالح الحديث.

وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيف، والأخبار عن ابن عباس في تقبيل الحجر الأسود والسجود عليه، إلا إن يكون أراد بالركن اليماني الحجر الأسود؛ فإنه أيضًا يسمى بذلك، فيكون موافقًا لغيره.

وقال الهيثمي (3/ 241): وفيه عبد الله بن هرمز، وهو ضعيف. وضعَّفه النووي في المجموع (8/ 35).

(2)

في التمهيد (22/ 262).

(3)

البخاري في الوضوء، باب 30، حديث 166، وفي الحج، باب 59، حديث 1609، وفي اللباس، باب 37، حديث 5851، ومسلم في الحج، حديث 1187، 1267.

ص: 248

اللذَين يليانِ الحجرَ إلا لأن البيت لم يُتمَّ

(1)

على قواعد إبراهيم"

(2)

، ولا طاف الناسُ من وراء الحِجْرِ إلا لذلك.

وطاف معاويةُ فجعل يستلمُ الأركانَ كلَّها، فقال ابنُ عبَّاس: لِمَ تستلم هذين الرُّكنين، ولم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاويةُ: ليس شيءٌ: من البيت مهجورًا، فقال ابنُ عباس: لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنة، فقال معاوية: صدقت"

(3)

.

(ولا) يستلم ولا يقبِّل (صخرةَ بيت المقدس ولا غيرَها من المساجد والمدافنِ التي فيها الأنبياءُ والصالحون) لما تقدم عن ابن عباس لمعاوية، بل هذه أَولى.

(ويطوفُ سبعًا، يَرْمُل في الثلاثة الأُوَل منها ماشٍ) لما تقدم من حديث جابر

(4)

، وكذلك رواه ابن عُمر

(5)

وابن

(1)

قوله: "يتم" كذا في الأصول وفي الصحيحين: "يتمم".

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 42، حديث 1583، وفي الأنبياء، باب 10، حديث 3368، وفي التفسير، باب 10، حديث 4484، ومسلم في الحج، حديث 1333 (399).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 217)، والطحاوي (2/ 184)، وأخرجه الترمذي في الحج، باب 35، حديث 858، وعبد الرزاق (5/ 45) حديث 8944، وأحمد (1/ 246، 332، 372)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 315، 316) حديث 5403 - 5407، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 151) حديث 189، والطبراني في الكبير (10/ 270، 271) حديث 10631، 10632، 10636، وفي الأوسط (3/ 172) حديث 2344، والبيهقي (5/ 76)، وابن عبد البر في التمهيد (10/ 52) بنحوه. وقال الترمذي: حسن صحيح. وأصله عند البخاري في الحج، باب 59، رقم 1608 معلقًا مجزومًا به، ومسلم في الحج، رقم 1269.

(4)

تقدم تخريجه (6/ 247) تعليق (2).

(5)

البخاري في الحج، باب 56، 57، 63، 80، حديث 1603، 1604، 1616، 1617، 1644، ومسلم في الحج، حديث 1261، 1262.

ص: 249

عبَّاس

(1)

متفق عليهما. وقال ابن عباس: "رَمَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في عُمَرِه كلها وفي حجِّه، وأبو بكر، وعُمر، وعثمان، والخلفاء من بعده" رواه أحمد

(2)

. وإن كان أصل الرَّمَل لإظهار الجَلَد للمشركين، فبقي الحُكْم بعد زوال عِلَّته؛ لما تقدم (غيرَ راكبٍ، و) غيرَ (حاملِ معذورٍ، و) غيرَ (نساءٍ، و) غيرَ (مُحْرِم من مكَّة، أو من قُرْبها، فلا يُسنُّ هو) أي: الرَّمَل (ولا الاضطباع لهم) لعدم وجود المعنى الذي لأجله شُرِعا

(3)

، وهو أظهار الجَلَد والقوة لأهل البلد. وكان ابنُ عُمر إذا أحرم من مكَّة لم يَرْمُل

(4)

. ومن لا يُشرع له الرَّمَل لا يُشرع له الاضطباع.

(ولا) يُسنُّ رَمَلٌ ولا اضطباع (في غير هذا الطَّواف) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما اضطبعوا ورَمَلوا فيه

(5)

.

(ولا يقضيه) أي: ما ذكر من الاضطباع والرَّمَل (ولا) يقضي

(1)

البخاري في الحج، باب 55، حديث 1602، وفي المغازي، باب 43، حديث 4256، ومسلم في الحج، حديث 1264، 1266.

(2)

(1/ 225). وأخرجه - أيضًا - أبو يعلى (4/ 374) حديث 2492.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 150، حديث 142، والشافعي في الأم (2/ 174) وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 205، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 221) حديث 1394، عن عطاء، مرسلًا. قال أبو داود: وقد أُسند هذا الحديث ولا يصح، وهذا هو الصحيح.

(3)

في "ح" و"ذ": "لأجله شرع الرمل".

(4)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 365)، وابن أبي شيبة (4/ 455)، والطحاوي (2/ 182، 198)، والبيهقي (5/ 84)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 226) رقم 9888.

(5)

أخرج أبو داود في المناسك، باب 51، حديث 1889، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع، فاستلم، وكبر، ثم رمل ثلاثة أطواف، وكانوا إذا بلغوا الركن اليماني، وتغيبوا من قريش مشوا، ثم يطلعون عليهم يرملون. . . الحديث. وانظر - أيضًا - ما تقدم (6/ 247) تعليق رقم (2، 3)، و (6/ 249) تعليق رقم (3، 4، 5).

ص: 250

(بعضه) إذا فاته (في) طواف (غيره) خلافًا للقاضي، كمن تَرَك الجهر في صلاة الفجر، لا يقضيه في صلاة الظُّهر، ولا يقتضي القياس أن تقضى هيئة عبادة في عبادة أخرى.

(وهو) أي: الرَّمَل (إسراعُ المشي مع تقارُبِ الخُطى مِن غير وَثْبٍ. والرَّمَل أَولى من الدُّنوِّ من البيت بدونه) أي: دون رمل؛ لعدم تمكنه منه مع القُرْب للزحام؛ لأن المحافظة على فضيلة تتعلَّق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلَّق بمكانها أو زمانها.

(وإن كان لا يتمكَّن من الرَّمَل - أيضًا -) أي: مع البُعدِ عن البيت؛ لقوة الزحام (أو) كان إذا تأخر في حاشية القوم للرَّمَل (يختلطُ بالنساء، فالدُّنُوُّ) من البيت مع ترك الرَّمَل (أَولى) من البعد؛ لخلوّه عن المعارض (ويطوف) مع الزحام (كيفما أمكنه) بحيث لا يؤذي أحدًا (إذا وجد فُرْجَة، رَمَلَ فيها) ما دام في الثلاثة الأُوَل؛ لبقاء محلّه.

(وتأخير الطَّواف) حتى يزول الزحام (له) أي: لأجل الرَّمَل (وللدُّنوِّ) من البيت (أو لأحدهما أَولى) من تقديمه مع فواتهما، أو فوات أحدهما، ليأتي بالطواف على الوجه الأكمل.

(ويمشي الأربعةَ الأشواطَ الباقية) من الطواف؛ للأخبار المتفق عليها التي تقدمت

(1)

الإشارة إليها.

(و‌

‌كلَّما حاذى الحَجَرَ الأسود والرُّكن اليماني استَلَمهما) استحبابًا

؛ لما روى ابن عُمر قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يَدَع أن يستلم الرُّكن اليماني والحَجَر في طوافه. قال نافع: وكان ابنُ عُمر يفعله" رواه أبو داود

(2)

.

(1)

(6/ 249) تعليق رقم (4، 5)، (6/ 250) تعليق رقم (1).

(2)

في المناسك، باب 48، حديث 1876. وأخرجه - أيضًا - النسائي في المناسك، =

ص: 251

(وإنْ شَقَّ) استلامُهما للزحام (أشار إليهما) لما مرَّ.

(ويقول كلَّما حاذى الحَجَرَ الأسود: الله أكبر، فقط) لحديث البخاري عن ابن عباس قال: "طاف النبيُّ صلى الله عليه وسلم على بعير، كلَّما أتى الرُّكن، أشار بيده وكبَّر"

(1)

.

(وله القراءةُ في الطواف، فتُستحبُّ) القراءة فيه، نصَّ عليه

(2)

. قال القاضي وغيره: ولأنه صلاة، وفيها قراءة ودعاء، فيجب كونه مثلها، و (لا) يُستحبُّ (الجهرُ بها) أي: القراءة في الطواف (ويُكره) الجهرُ بالقراءة (أن غلَّط المصلِّين) قلت: أو الطائفين.

(و) يقول (بين) الرُّكن الذي به الحَجَر (الأسود، و) الرُّكن

= باب 156، حديث 2947، وفي الكبرى (2/ 402) حديث 3928، وأحمد (2/ 18، 115)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 116) حديث 91، وابن خزيمة (4/ 216) حديث 2723، وأبو عوانة كما في إتحاف المهرة (3/ 233)، والطحاوي (2/ 183)، والطبراني في الكبير (12/ 427) حديث 13569، والحاكم (1/ 456)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 196) وابن حزم في حجة الوداع ص/ 154، حديث 60، والبيهقي (5/ 76، 80) وابن عبد البر في التمهيد (22/ 261).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وأخرجه الطبراني في الكبير (12/ 427) حديث 13569، وأبو نعيم في الحلية (8/ 203، 311) عن مجاهد عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الركن اليماني والحجر ولا يستلم غيرهما. وأصل الحديث في البخاري في الحج، باب 57، حديث 1606، ومسلم في الحج، حديث 1268 (245) ولفظه: ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر، مذ رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدّةٍ ولا رخاء.

(1)

أخرجه البخاري في الحج، باب 62، 74، حديث 1613، 1632، وفي الطلاق، باب 24، حديث 5293. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الحج، حديث 1272 بنحوه.

(2)

مسائل الأثرم، ومسائل أبي طالب كما في كتاب الروايتين والوجهين (1/ 282)، وانظر مسائل أبي داود ص/ 131.

ص: 252

(اليماني: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

(1)

رواه أحمد في "المناسك"

(2)

عن عبد الله بن السائب أنه سمع

(1)

سورة البقرة، الآية:201.

(2)

كتاب المناسك للإمام أحمد لم يطبع. وقد أخرجه - أيضًا - في مسنده (3/ 411)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 29)، وأبو داود في المناسك، باب 52، حديث 1892، والنسائي في الكبرى (2/ 403) حديث 3934، والشافعي في الأم (2/ 147) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 347)، وعبد الرزاق (5/ 50) رقم 8963، وابن سعد (2/ 178)، وابن أبي شيبة (10/ 367)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 340)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 145) حديث 169، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 247)، وابن الجارود (2/ 84)، حديث 456، وابن خزيمة (4/ 215) حديث 2721، وابن حبان "الإحسان"(9/ 134) حديث 3826، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 298)، والحاكم (1/ 455)، وابن حزم في حجة الوداع ص/ 154، حديث 61، 62، والبيهقي (5/ 84)، والبغوي في شرح السنة (9/ 128) حديث 1915، والضياء في المختارة (9/ 390، 391) حديث 361 - 363، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 145) حديث 1304، والمزي في تهذيب الكمال (19/ 253). قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وقال النووي في المجموع (8/ 37): رواه أبو داود والنسائي بإسناد فيه رجلان لم يتكلم العلماء فيهما بجرح ولا تعديل، ولم يضعفه أبو داود، فيقتضي أنه حديث حسن عنده. وضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 285).

وروي - أيضًا - عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - علي رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (1/ 340).

وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 146) حديث 171، عن علي رضي الله عنه موقوفًا. قلنا: وفي إسناد المرفوع والموقوف ياسين بن معاذ الزيات، وهو ضعيف، كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/ 312).

ب - ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 99) حديث 39. قلنا: وفي إسناده الواقدي، وهو متروك، كما في التقريب (6215).

وأخرجه عبد الرزاق (5/ 51) رقم 8964، وابن أبي شيبة (10/ 368)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 109) رقم 71، والطبراني في الدعاء (2/ 1199) رقم 858، =

ص: 253

النبي صلى الله عليه وسلم يقوله.

وعن أبي هريرة مرفوعًا قال: "وُكِّلَ به - أي: الرُّكن اليماني - سبعون ألفَ مَلَكٍ، فمن قال: اللَّهمَّ إني أسألك العفوَ والعافيةَ في الدُّنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنة، وقِنَا عذابَ النار. قالوا: آمين"

(1)

.

(ويُكثرُ في بقية طوافِه من الذِّكرِ والدُّعاءِ. ومنه: اللَّهمَّ اجعلْه

= موقوفًا.

جـ - ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 110) حديث 74.

وأخرجه ابن أبي شيبة (10/ 368)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 139) رقم 154، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 453) رقم 4046، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1418) رقم 801، موقوفًا. قلنا: وفي إسناد المرفوع والموقوف عبد الله بن مسلم بن هرمز: وهو ضعيف، كما في التقريب (3641).

د - رجل من الصحابة رضي الله عنه: أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 145) حديث 170، وفي إسناده ابن جريج كان يدلس ويرسل كما في التقريب (4221) ولم يصرح بالسماع.

هـ - أبو هريرة رضي الله عنه، وسيأتي تخريجه في الحديث التالي.

و - عمر رضي الله عنه موقوفًا: أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 318)، وابن أبي شيبة (10/ 262) ومسدد، كما في المطالب العالية (2/ 34) رقم 1233، وعبد الله بن أحمد في زوائده على الزهد ص/ 173، رقم 608، والخطيب في الموضح (2/ 408).

(1)

أخرجه ابن ماجه في المناسك، باب 32، حديث 2957، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 138) حديث 152، والطبراني في الأوسط (9/ 183) حديث 8395، وابن عدي (2/ 690)، ولفظه: وُكِّل به سبعون ملكًا.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 135): هذا إسناد ضعيف. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 142): حسَّنه بعض مشايخنا. وتعقبه الناجي، فقال في عجالة الإملاء (3/ 163): كيف! وحميد له مناكير، تفرد بإخراج حديثه ابن ماجه دون بقية الستة.

ص: 254

حجًّا مَبرورًا، وسعيًا مشكورًا) أي: عملًا متقبَّلًا يزكو لصاحبه ثوابه، ومساعي الرَّجل أعماله الصالحة، واحدها مسعاة، قاله في "حاشيته"(وذنْبًا مغفورًا. ربِّ اغفر، وارحم، وتجاوز عما تعلم، وأنت الأعزُّ الأكرم. ويدعو بما أحبّ، ويصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم) لأن ذلك مستحبٌّ في جميع الأحوال، ففي حال تلبسه بهذه العبادة أَولى.

(ويَدَعُ الحديثَ إلا الذِّكرَ، والقراءةَ، والأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر، وما لا بُدَّ منه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت صلاة، فمن تكلَّم فلا يتكلَّم إلا بخير"

(1)

.

(ومن طاف أو سعى راكبًا، أو محمولًا لغير عُذْرٍ، لم يجزئه) الطواف ولا السعي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الطوافُ بالبيت صلاةٌ"؛ ولأنه عبادةٌ تتعلَّق بالبيت، فلم يَجز فِعلُها ركبًا كالصلاة، والسعيُ كالطواف.

(و) الطواف أو السعي راكبًا، أو محمولًا (لعُذرٍ يجزئ) لحديث ابن عباس:"أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طاف في حَجَّة الوداع على بعير، يستلم الرُّكن بمِحْجَن"

(2)

. وعن أم سلمة قالت: "شكوتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنتِ راكبةٌ"

(3)

متفق عليهما.

وكان طوافه صلى الله عليه وسلم راكبًا لعُذر، كما يُشيرُ إليه قولُ ابن عباس: "كَثُر عليه الناس يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتقُ من البيوت، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا تضربُ الناسُ بين يديه، فلما كَثُروا عليه

(1)

تقدم تخريجه (1/ 311) تعليق رقم (5).

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 58، حديث 1607، ومسلم في الحج، حديث 1272.

(3)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 78، حديث 464، وفي الحج، باب 64، 74، حديث 1619، 1633، وفي التفسير سورة "والطور"، حديث 4853، ومسلم في الحج، حديث 1276.

ص: 255

ركب" رواه مسلم

(1)

.

واختار الموفَّق والشارح: يجزئ السعي راكبًا ولو لغير عُذر.

(ويقع الطَّوافُ) أو السعي (عن المَحْمُول إن نويا) أي: الحامل والمَحْمول (عنه، أو نوى كُلٌّ منهما عن نفسه) لأن المقصود هنا الفعل، وهو واحد، فلا يقع عن شخصين، ووقوعه عن المَحْمُول أَولى؛ لأنه لم ينوِ بطوافه إلا لنفسه، والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه؛ ولأن الطواف عبادة أدّى بها الحامل فرض غيره، فلم تقع عن فَرْضِه، كالصلاة، وصحَّة أخذ الحامل عن المَحْمُول الأجرة يدلُّ على أنه قصده به؛ لأنه لا يصحُّ أخذه عن شيء يفعله لنفسه، ذكره القاضي وغيره.

(وإن نويا) أي: الحامل والمَحْمول الطوافَ (عن الحامل، وَقَعَ) الطواف (عنه) أي: الحامل؛ لخلوص كل منهما بالنية للحامل.

(وإن نوى أحدُهما) الطوافَ (عن نفسه، والآخرُ لم ينوِ) الطوافَ (وقع لمن نوى) لحديث: "وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى"

(2)

.

(وإن عُدِمتِ النيةُ منهما، أو نوى كلٌّ منها عن الآخر، لم يصحَّ) الطوافُ (لواحدٍ منهما) لخلوِّ طواف كلٍّ منهما عن نيَّة منه.

(وإن حَمَله بعرفاتٍ) لعُذر أو لا (أجزأَ) الوقوف (عنهما) لأن المقصود الحصول بعرفة، وهو موجود.

(وإن طاف منكِّسًا، بأن جعل البيت عن يمينه) لم يجزئه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "خُذوا عنِّي مناسككم"

(3)

، وقد جعل البيت في طوافه على يساره.

(1)

في الحج، حديث 1264.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 242)، تعليق رقم (4).

ص: 256

وكذا لو طاف القَهْقَرى (أو) طاف (على جدار الحِجْر) بكسر الحاء المهملة، لم يجزئه؛ لقوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(1)

والحِجْر منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: "هو من البيت" رواه مسلم

(2)

. فمن لم يطف به لم يُعتدَّ بطوافه.

(أو) طاف على (شاذَرْوَان الكعبة، بفتح الذَّال) المعجمة (وهو القَدْرُ الذي تُرِكَ خارجًا عن عَرْض الجدار مرتفعًا عن الأرض قَدْرَ ثُلثي ذراع) لم يجزئه (لأنه) أي: الشاذَرْوَان (منها) أي: من الكعبة.

(أو تَرَكَ شيئًا من الطَّواف، وإن قَلَّ) لم يجزئه، لأنه لم يطف بجميع البيت.

(أو لم ينوِ) الطوافَ لم يجزئه؛ لحديث: "إنما الأعمالُ بالنيات"

(3)

؛ ولأنه صلاةٌ؛ للخبر

(4)

، والصَّلاةُ من شَرْطها النيةُ.

(أو) طاف (خارجَ المسجد) لم يجزئه؛ لأنه لم يَرِدْ به الشرعُ، ولا يحنث به من حَلَفَ لا يطوف.

(أو) طاف (مُحْدِثًا، ولو حائضًا) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الطوافُ بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه" رواه الترمذيُّ والأثرم من حديث ابن عباس

(4)

. وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت: "افعَلي ما يفْعَل الحاجُّ غيرَ أنْ لا تَطُوفي بالبيتِ"

(5)

(ويَلزمُ الناسَ انتظارُها) أي: الحائض (لأجلِه فقط، إن أمكن) لتطوف طوافَ الإفاضة، وظاهره: أنه لا يلزمهم انتظارها

(1)

سورة الحج، الآية:29.

(2)

في الحج، حديث 1333 (405، 406).

(3)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(4)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: الطواف بالبيت صلاة، وقد تقدم تخريجه (1/ 311)، تعليق رقم (5).

(5)

تقدم تخريجه (1/ 467)، تعليق رقم (2).

ص: 257

للنِّفاس؛ لطول مدته.

(أو) طاف (نجسًا) ثوبه، أو بدنه، أو بقعته، لم يجزئه، كالمُحْدث.

(أو) طاف (شاكًّا فيه) أي: في الطواف (في طهارته) وقد تيقَّن الحَدَث، لم يجزئه؛ استصحابًا للأصل، و (لا) يضرُّه شكُّه في طهارته (بعد فَراغه منه) أي: الطواف؛ لأنَّ الظاهر صحَّته، كشَكِّه في الصلاة أو غيرها بعد الفراغ.

(أو) طاف (عُريانًا)، لم يجزئه؛ لحديث أبي هريرة:"أن أبا بكر بعثه في الحَجَّة التي أمَّرَ أبا بكر عليها قبل حَجَّة الوداع، يؤذِّنُ يومَ النَّحْر: لا يحجُّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريان" متفق عليه

(1)

.

(أو قَطَعه) أي: الطواف (بفَصلٍ طويل عُرفًا، ولو سهوًا، أو لعُذْرٍ) لم يجزئه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "وَالى بين طوافه، وقال: خُذوا عَنِّي مناسِككم"

(2)

ولأنه صلاة، فاعتُبرت فيه الموالاة كسائر الصلوات.

(أو أحدثَ في بعضِه، لم يجزئْه) لأن الطَّهارة شَرْطٌ فيه، وإذا وُجِدَ الحَدَثُ بَطَل، فيبطل كالصلاة (فتُشترطُ الموالاةُ فيه، وفي سَعْيٍ) لما مرَّ.

(وعند الشيخ

(3)

: الشاذَرْوَان ليس من الكعبة، بل جُعِلَ عمادًا للبيت) فيصحُّ الطَّواف عليه (وعلى الأول: لو مسَّ الجِدار بيده في موازاة الشاذَرْوَان، صحَّ طوافُه) اعتبارًا بجملته، كما لا يضرُّ التفات المصلِّي

(1)

البخاري في الصلاة، باب 10، حديث 369، وفي الحج، باب 67، حديث 1622، وفي الجزية والموادعة، باب 16، حديث 3177، وفي المغازي، باب 66، حديث 4363، وفي تفسير سورة التوبة، باب 2، 3، 4، حديث 4655، 4656، 4657، ومسلم في الحج، حديث 1347.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 242)، تعليق رقم (4).

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 175.

ص: 258

بوجهه. وعلى قياسه: لو مَسَّ أعلى جدار الحِجْر.

(وإن طاف في المسجد من وراء حائلٍ من قُبَّةٍ وغيرها، أجزأ) هـ الطواف؛ لأنه في المسجد.

(وإن طافَ على سَطْحِه) أي: المسجد (توجَّه الإجزاءُ) كصلاته إليها (قاله في "الفروع").

وإن قَصَدَ في طوافه غريمًا، وقَصَدَ معه طوافًا بنيَّة حقيقية لا حُكْمية، توجَّه الإجزاء في قياس قولهم، ويتوجَّه احتمال كعاطس قَصَد بحمده قراءة، وفي الإجزاء عن فَرْض القِراءة وجهان. قاله في "الفروع".

(وإنْ شكَّ في عدد الأشواط، أخذ باليقين) ليخرج من العُهدة بيقين. (وَيَقبلُ قولَ عَدلَين) في عدد الأشواط، كعدد الرَّكعات في الصلاة.

(ويُسنُّ فِعْلُ سائرِ المناسك) من السَّعي والوقوف والرَّمي وغيرها (على طهارة) وتقدم في الوضوء

(1)

.

(وإن قَطَعَ الطَّواف بفَضْلٍ يسير) بنى من الحَجَر؛ لعدم فوات الموالاة بذلك.

(أو أُقيمت صلاةٌ مكتوبةٌ) صلَّى وبنى؛ لحديث: "إذا أُقيمت الصَّلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة"

(2)

، والطَّواف صلاة، فتدخل في العموم.

(أو حضرت جنازةٌ، صَلَّى وبنى) لأنها تفوت بالتشاغل عنها (ويكون البناءُ من الحَجَر) الأسود (ولو كان القطعُ من أثناء الشَّوْطِ) لأنه لا يعتد ببعض شَوْطٍ قطع فيه

(3)

، وحُكْم السعي في ذلك كطواف.

(1)

(1/ 200).

(2)

تقدم تخريجه (3/ 156)، تعليق رقم (3).

(3)

في "ح": "منه".

ص: 259

(ثم) بعد تمام الطواف (يُصلِّي ركعتين، والأفضلُ) كونهما (خلفَ المقامِ) أي: مقام إبراهيم؛ لقول جابر في صفة حجِّ النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى أتينا البيتَ معه، استلم الرُّكنَ، فرمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم تقدَّمَ إلى مقام إبراهيمَ، فقرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}

(1)

فجعل المقامَ بينه وبين البيت"

(2)

.

(وحيث ركعهما من المسجد أو غيره جاز) لعموم: "جُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا

(3)

"

(4)

وصلَّاهما عُمر بذي طُوًى

(5)

(ولا شيء عليه) لتَرْكِ صلاتهما خَلْف المقام.

(وهما سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، يقرأُ فيهما بعد الفاتحة في الأُولى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و) يقرأ (في الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) لحديث جابر: "فصلَّى ركعتين، فقرأ فاتحة الكتاب و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم عاد إلى الرُّكن فاستلمه، ثم خرج إلى الصَّفا" رواه مسلم

(6)

.

(ولا بأس أن يصلِّيهما إلى غير سُترة، ويَمرُّ بين يديه الطائفون من

(1)

سورة البقرة، الآية:125.

(2)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(3)

في "ذ": "وتربتها طهورًا"، وهو موافق لما رواه مسلم في المساجد حديث 522، عن حذيفة رضي الله عنه.

(4)

تقدم تخريجه (1/ 34)، تعليق رقم (3).

(5)

ذكره البخاري في الحج، باب 73 معلقًا مجزومًا به، وأخرجه موصولًا مالك في الموطأ (1/ 368)، وعبد الرزاق (5/ 63) رقم 9008، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 162، والطحاوي (2/ 187)، وابن مندة في الأمالي، كما في فتح الباري (3/ 489)، والبيهقي (2/ 463). وقال النووي في المجموع (8/ 50): صحيح، رواه مالك في الموطأ بإسناد على شرط البخاري ومسلم.

(6)

في الحج، حديث 1218.

ص: 260

الرِّجال والنِّساء) فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم "صلَّاهما والطُّوَّافُ بين يديه، ليس بينهما شيء"

(1)

. وكان ابن الزبير يصلِّي والطُّوَّافُ بين يديه، فتمرُّ المرأةُ بين يديه، ينتظرها حتى ترفع رجلَها، ثم يسجد

(2)

.

وكذا سائر الصلوات بمكَّة، لا يعتبر لها سُترة، قاله في "الشرح"(وتقدم) في الصلاة موضحًا

(3)

.

(وتكفي عنهما) أي: عن ركعتي الطواف (مكتوبةٌ، وسُنَّةٌ راتبةٌ) كركعتي الإحرام، وتحية المسجد.

(و‌

‌يُسنُّ الإكثارُ من الطَّواف كلَّ وقتٍ)

وتقدم

(4)

نصُّ الإمام أن الطواف لغريب أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام.

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 7)، وأبو داود في المناسك، باب 89، حديث 2016، والنسائي في المناسك، باب 162، حديث 2959، وابن ماجه في المناسك، باب 33، حديث 2958، وعبد الرزاق (2/ 35) رقم 2387، 2388، والحميدي (1/ 263) حديث 578، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 428، وأحمد (6/ 399)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 67)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 109) حديث 1231، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 702)، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 100)، وأبو يعلى (13/ 119)، حديث 7173، والطحاوي (1/ 461)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 23)، حديث 2607، والطبراني في الكبير (20/ 289)، حديث 683، والبيهقي (2/ 273) وفي معرفة السنن والآثار (3/ 194) حديث 4240، والمزي في تهذيب الكمال (24/ 162)، عن المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 576): رجاله موثقون، إلا أنه معلول. وقال المنذري في مختصر السنن (2/ 434): في إسناده مجهول.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (2/ 35) رقم 2386، وابن المنذر في الأوسط (5/ 104) رقم 2475.

(3)

(2/ 420).

(4)

(3/ 10). وانظر مسائل أبي داود ص/ 114، 132.

ص: 261

(وله جَمْعُ أسابيعَ) من الطواف (فإذا فرغ منها، ركع لكلِّ أسبوع ركعتين) لفعل عائشة

(1)

والمِسور بن مَخْرمة

(2)

(والأَولى) أن يُصلِّي (لكلِّ أُسبوعٍ عقبه) لفعله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

(و‌

‌لا يُشرعُ تَقبيلُ المَقام ولا مسحُه)

لعدم وروده.

(فرع: إذا فرغ المتمتِّعُ) من العُمْرة والحجِّ (ثم عَلِم أنه كان على غير طهارة في أحد الطَّوافين، وجَهِلَه) أي: الطواف الذي كان فيه على غير طهارة (لَزِمه الأشدُّ) ليبرئ ذِمَّته بيقين (وهو) أي: الأشد (كونه) بلا طهارة (في طواف العُمْرة، فلم تصحَّ) لفساد طوافها (ولم يحلَّ منها) بالحَلْقِ؛ لفساد الطواف (فيلزمه دَمٌ للحَلْق) لبقاء إحرامه (ويكون قد أدخل الحجَّ على العُمْرة، فيصير قارنًا، ويجزئه الطواف للحَجِّ) إي: طواف الإفاضة (عن النُّسكين) أي: الحج والعُمْرة، كالقارن في ابتداء إحرامه.

قلت: الذي يظهر لزوم إعادة الطَّواف؛ لاحتمال أن يكون المتروك منه

(4)

الطهارة هو طواف الحَجِّ، فلا يبرأ بيقين إلا بإعادته.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (5/ 65) رقم 9016.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (5/ 64) رقم 9014.

(3)

أخرج البخاري في الصلاة، باب 30، حديث 395، وفي الحج، باب 69، 73، 80، حديث 1623، 1627، 1645، 1647، ومسلم في الحج، حديث 1234، عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين. . . الحديث، وروى البخاري - أيضًا - في الحج، باب 69، قبل حديث 1623، معلقًا: وقال إسماعيل بن أمية: قلت للزهرى: إن عطاء يقول: تجزئه المكتوبة من ركعتي الطواف، فقال: السنة أفضل، لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم سُبُوعًا قط إلا صلى ركعتين. وأخرجه عبد الرزاق (5/ 59) رقم 8994 عن الزهري قال: ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعًا إلا صلى عليه ركعتين.

(4)

في "ذ": "فيه".

ص: 262

(ولو قدَّرْناه) أي: الطواف بغير طهارة (من الحجِّ، لَزِمَه إعادةُ الطَّواف) لوقوعه غير صحيح.

(ويَلزمُه إعادةُ السَّعي على التَّقديرين؛ لأنه وُجِدَ بعد طوافٍ غير معتدٍّ به) لأنا قدَّرنا كونه وقع بغير طهارة.

(وان كان وطئَ بعدَ حِلِّه من العُمْرةِ) وقد فرضنا طوافها بلا طهارة (حكمنا بأنه أدخل حجًّا على عُمْرة فاسدة، فلا يصحُّ) إدخاله

(1)

الحجّ عليها (ويَلغو ما فَعَله من أفعال الحَجِّ) لعدم صحة الإحرام به (ويتحلَّل بالطَّواف الذي قَصَده للحجِّ من عُمْرته الفاسدة، وعليه) دمان: (دمٌ للحَلْق، ودَمٌ للوطء في عُمْرته، ولا يحصُل له حجٌّ ولا عُمْرة) لفساد العُمْرة بالوطء فيها، وعدم صحة إدخال الحَجِّ عليها إذن.

(ولو قدَّرناه أي: الطواف بلا طهارة (من الحجِّ، لم يلزمه أكثر من إعادة الطَّواف والسعي) للحجِّ، (ويحصُل له الحجُّ والعُمْرة) لحصول الوطء زمن الإحلال.

فصل

(ويُشترط لصحَّة الطَّوافِ ثلاثة عشر شيئًا: الإسلامُ، والعقلُ، والنيَّةُ) كسائر العبادات (وسَتْرُ العورةِ) لما تقدم

(2)

(وطهارةُ الحَدَث) لأنه صلاة، و (لا) تُشترط طهارة الحَدَث (لطفلٍ دون التمييز) لعدم إمكانها منه، (وطهارةُ الخبث) وظاهره: حتى للطفل (وتكميلُ السَّبْع، وجَعْلُ البيت عن يسارِه، والطَّوافُ بجميعِه) أي: البيت، بأن لا يطوف على

(1)

في "ذ": "إدخال".

(2)

(6/ 258).

ص: 263

جدار الحِجْر، أو شاذَرْوَان الكعبة (وأن يطوف ماشيًا مع القُدْرة) على المشي (وأن يوالي بينه) إلا إذا حضرت جنازة، أو أُقيمت صلاة، وتقدم

(1)

(وأن لا يخرج من المسجد) يعني: أن يطوف في المسجد (وأن يبتدئ من الحَجَر الأسود، فيحاذيه) بكل بدنه. وتقدم

(2)

ذلك كله موضَّحًا.

(وسُننُه) أي: الطواف (عشر: استلامُ الرُّكن) يعني به الحَجَر الأسود (وتقبيلُه، أو ما يقومُ مقامَه من الإشارة) عند تعذُّر الاستلام. (واستلامُ الرُّكن اليماني، والاضطباعُ، والرَّملُ، والمشيُ في مواضِعه) على ما تقدم

(3)

ببانه مفصَّلًا (والدُّعاءُ والذِّكْر، والدُّنوُّ من البيت، وركعتا الطَّواف) وتقدمت أدلة ذلك كله.

(وإذا فرغ من ركعتي الطَّواف وأراد السعيَ، سُنَّ عودُه إلى الحَجَر فيستلمُه) لحديث جابر، وتقدم قريبًا

(4)

.

(ثم يخرج إلى الصَّفا من بابه) أي: باب المسجد المعروف بباب الصفا (وهو) أي: الصفا (طرفُ جبل أبي قُبَيْس، عليه دَرَجٌ، وفوقها

(5)

أزَجٌ

(6)

كإيوان، فَيَرقى عليه نَدْبًا، حتى يرى البيتَ إن أمكَنه، فيستقبلُه) لحديث أبي هريرة: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصَّفا، فعلا

(1)

(6/ 259).

(2)

(6/ 242).

(3)

(6/ 242 - 251).

(4)

تقدم (6/ 260)، تعليق رقم (6).

(5)

في "ح": "فوقها".

(6)

الأزَج: هو بيت يُبنى طولًا. انظر: المصباح المنير ص/ 13.

ص: 264

عليه، حتى نظر إلى البيت ورَفَعَ يده، فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو" رواه مسلم

(1)

. وفي حديث جابر: فبدأ بالصَّفا، فرقِيَ عليه، حتى رأى البيتَ، فاستقبل القِبلة" الحديث، رواه مسلم

(2)

.

(ويُكبِّر ثلاثًا، ويقول ثلاثًا: لا إله إلا الله، وحدَه لا شريك له، له المُلْكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميتُ، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخيرُ، وهو على كلِّ شيء قدير، لا إله إلا الله؛ وحدَه لا شريك له، صَدَق وعدَه، ونَصَرَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحدَه)

(3)

أي: الذين تحزَّبوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، وهم قريش وغطفان واليهود.

(ويقول: لا إله إلا الله، ولا نعبدُ إلا إيَّاه، مُخلصين له الدِّين، ولو كَرِه الكافرون، اللَّهمَّ اعصمْني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك، اللَّهمَّ جنِّبني حدودَك) أي: محارمك (اللَّهمَّ اجعلني ممن يحبُّك ويحبُّ ملائكتَك وأنبياءَك ورُسُلَك وعبادَك الصالحين، اللَّهمَّ حَبِّبْني إليك، وإلى ملائكتك، وإلى رُسُلك، إلى عبادك الصالحين، اللَّهمَّ يسِّرْ لي اليُسرى، وجَنِّبني العُسرى، واغفِرْ لي في الآخرة والأُولى، واجعلني من أئمة المتقين، واجعلني من ورثة جنَّة النعيم، واغفِرْ لي خطيئتي يوم الدِّين، اللَّهمَّ قلتَ

(4)

: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

(5)

وإنَّك لا تخلف الميعاد، اللَّهمَّ إذ هديتني للإسلام، فلا تنزِعْني منه، ولا تنزِعْه منِّي، حتى تتوفاني على الإسلام، اللَّهمَّ لا تقدِّمْني للعذاب، ولا تؤخِّرني لسوءِ الفتن) هذا

(1)

في الجهاد والسير، حديث 1780 في حديث طويل.

(2)

في الحج، حديث 1218.

(3)

يأتي تخريجه (6/ 267) تعليق رقم (1).

(4)

في "ذ": "إنك قلت".

(5)

سورة غافر، الآية:60.

ص: 265

دعاء ابن عُمر

(1)

. قال أحمد: يدعو به

(2)

. قال نافع بعده: "ويدعو دعاءً كثيرًا، حتى إنه ليُمِلُّنا، ونحن شباب"

(3)

.

(ولا يُلبِّي) على الصَّفا؛ لعدم وروده، ويأتي حكم التلبية في السعي.

(ثم ينزل من الصَّفا، ويمشي حتى يُحاذي العَلَم، وهو المِيلُ الأخضر المُعلَّق برُكْن المسجد على يسارِه بنحو ستَّة أذرع) يعني: يمشي من الصَّفا حتى يبقى بينه وبين العَلَم المذكور نحو ستَّة أذرع (فيسعى ماشٍ سعيًا شديدًا نَدْبًا، بشَرْطِ أن لا يؤذِي ولا يؤذَى، حتى يتوسَّط بين المِيلين الأخضرين، وهما العَلَم الآخرُ، أحدُهما برُكن المسجد، والآخرُ بالموضع المعروف بدار العبَّاس، فيترُكُ شِدَّة السَّعي

(4)

حتى يأتي المروة، وهي أنفُ) جبل (قُعَيْقِعان

(5)

، فيَرْقاها نَدْبًا، ويستقبلُ القِبلة، ويقول عليها ما قال على الصَّفا) لما في حديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من الصَّفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}

(6)

أبدأُ بما بدأ الله به، فبدأ بالصَّفا، فرقيَ عليه حتى رأى البيتَ، فاستقبل القِبْلة، فوحَّد الله وكبَّره، وقال

(7)

: لا إله إلا الله وحدَه، أنجزَ وعده، ونَصَرَ عبدَه، وهَزَم

(1)

رواه أبو داود في مسائله ص/ 102، وابن أبي شيبة (10/ 438)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 308)، والبيهقي (5/ 94).

(2)

مسائل عبد الله (2/ 679، 729) رقم (916، 976).

(3)

رواه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 344، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 230) رقم 1412، والبيهقي (5/ 94).

(4)

في "ذ" زيادة: "ثم يمشي".

(5)

جبل مشرف على الحرم. معجم البلدان (4/ 379).

(6)

سورة البقرة، الآية:158.

(7)

في صحيح مسلم زيادة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

ص: 266

الأحزاب وحدَه، ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المَرْوة، حتى إذا انصبَّتْ قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المَرْوة، فَفَعَل على المَرْوة كما فَعَل على الصَّفا". رواه مسلم

(1)

.

(ويجب استيعابُ ما بينَهما) أي: الصَّفا والمَرْوة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله: "خُذوا عنِّي مناسككم"

(2)

.

(فإن لم يَرْقَهما ألْصَقَ عَقِبَ رجلَيه بأسفل الصَّفا، و) ألصق (أصابعَهما بأسفل المَرْوة) ليستوعب ما بينهما، وإن كان راكبًا لعُذر، فَعَلَ ذلك بدابته، لكن قد حصل علوّ في الأرض من الأتربة والأمطار، بحيث تَغطَّى عِدَّة من درجهما، لكن من لم يتحقَّق قَدْرَ المُغطَّى يحتاط ليخرج من عُهدة الواجب بيقين.

(ثم يَنقلِبُ) ينزل عن المَرْوة (إلى الصَّفا، فيمشي في موضع مَشيه، ويَسْعَى في موضع سعيه إلى الصَّفا، يفعلُ) الساعي (ذلك سبعًا، يحتسب بالذّهاب سَعيةً، و) يحتسب (بالرُّجُوع سَعيةً، يفتتح بالصَّفا، ويختِمُ بالمروة) لخبر جابر، وسبق.

(فإن بدأ بالمروة لم يحتسبْ بذلك الشَّوْط) لمخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: "خُذوا عنِّي مناسككم"

(2)

.

(ويُكْثِرُ من الدُّعاء والذِّكر فيما بين ذلك) أي: الصَّفا والمَرْوة (ومنه) أي: من الدُّعاء ما ورد عن ابن مسعود أنه كان إذا سعى الصَّفا والمَرْوة قال: (رَبِّ اغفِرْ وارحم، واعفُ عمَّا تعلم، وأنت الأعزُّ

(1)

في الحج، حديث 1218.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 242)، تعليق رقم (4).

ص: 267

الأكرمُ

(1)

).

وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّما جُعِلَ رميُ الجِمارِ، والسعيُ بينَ الصفَا والمَرْوةِ؛ لإقامه ذِكِر الله تعالى". قال الترمذي: حديث حسن صحيح

(2)

.

(ولا يُسنُّ السَّعيُ بينهما) أي: بين الصَّفا والمَرْوة (إلا في حَجٍّ أو عُمْرة) فهو رُكن فيهما كما يأتي، فليس السعيُ كالطواف في أنه يُسنُّ كل

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (10/ 371)، والبيهقي (5/ 95) موقوفًا. وقال: هذا أصح الروايات في ذلك.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 363) حديث 2778 عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا. وضعَّفه الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 251).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 248): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة، ولكنه مدلس.

(2)

الترمذي في الحج، باب 64، حديث 902. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المناسك، باب 50، حديث 1888، وإسحاق بن راهويه (2/ 380) حديث 928، وأحمد (6/ 64، 75، 139)، والدارمي في الحج، باب 36، حديث 1854، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 226، 2/ 235) حديث 409، 1422، وابن الجارود، (2/ 85)، حديث 457، وابن خزيمة (4/ 222، 279، 317)، حديث 2738، 2882، 2970، وابن عدي (4/ 1635)، والإسماعيلي في معجمه (1/ 429)، والحاكم (1/ 459)، والبيهقي (5/ 145)، وفي شعب الإيمان (3/ 467) حديث 4081، والخطيب في تاريخه (11/ 331)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (17/ 446)، وفي تذكرة الحفاظ (3/ 1112) عن عائشة رضي الله عنها. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 573) ورمز لصحته.

وقال الخطيب: وهو حديث غريب.

وأخرجه عبد الرزاق (5/ 49) رقم 8961، وابن أبي شيبة (4/ 32)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 201) رقم 232، (2/ 235) رقم 1423، عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا. وانظر السنن الكبرى للبيهقي، وعلل الدارقطني (5/ ق 145) وتحفة الأشراف (12/ 279).

ص: 268

وقت؛ لعدم ورود التطوُّع به مفردًا.

(و‌

‌يُستحبُّ أن يسعى طاهرًا من الحَدَث) الأكبر والأصغر

(و) من (النَّجاسة) في بدنه وثوبه (مستترًا) أي: ساترًا لعورته، بمعنى: أنه لو سعى عُريانًا أجزأه، وإلا فكَشْفُ العورة غيرُ جائز.

(و‌

‌تُشترطُ) للسعي (النيةُ)

لحديث: "إنما الأعمالُ بالنيات"

(1)

. (والموالاة) قياسًا على الطواف، قاله القاضي.

(والمرأة لا ترقى) الصَّفا ولا المَرْوة (ولا تسعى) بين العَلَمين سعيًا (شديدًا) لقول ابن عُمر: "ليس على النساء رَمَلٌ بالبيت، ولا بين الصَّفا والمَرْوة"

(2)

. وقال: "لا تصعدُ المرأةُ فوقَ الصَّفَا والمَرْوةِ، ولا ترفَعُ صوتَهَا بالتلْبِيَة". رواه الدارقطني

(3)

؛ ولأن المطلوب منها السَّتْر، وفي ذلك تعرُّضٌ للانكشاف، والقَصْدُ بشدة السعي إظهارُ الجَلَد، وليس ذلك مطلوبًا في حقِّها.

(وإن سعى على غير طهارة) بأن سعى مُحْدِثًا أو نجسًا (كُرِه) له ذلك، وأجزأه؛ لأنه عبادة لا تتعلَّق بالبيت، أشبه الوقوف.

(و‌

‌يُشترطُ تقدم الطَّواف عليه،

ولو) كان الطواف الذي تقدم عليه (مسنونًا، كطواف القدوم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد الطواف، وقال:"لتأخُذوا عنِّي منَاسِكَكُمْ"

(4)

.

(فإن سعى بعد طوافه) الواجب أو المسنون (ثم عَلِمَ أنه طاف غير

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 117، والدارقطني (2/ 295)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 36).

(3)

(2/ 295). وأخرجه - أيضًا - أبو نعيم في الحلية (6/ 36)، والبيهقي (5/ 46).

(4)

تقدم تخريجه (6/ 242)، تعليق رقم (4).

ص: 269

متطهِّرٍ، لم يجزئه السعيُ) لبطلان الطواف الذي تقدمه، فوجوده كعدمه.

(وله) أي: للساعي (تأخيرُه) أي: السعي (عن طوافه بطوافٍ وغيره، فلا تجب الموالاة بينهما) أي: بين الطواف والسعي (فلا بأس أن يطوف أول النهار، ويسعى آخره) أو بعد ذلك، لكن تُسنُّ الموالاة بينهما.

(ولا تُسنُّ عقبه) أي: السعي (صلاة) لعدم الورود.

(وإن سعى) المُفْرِدُ، أو القارن (مع طواف القدوم، لم يُعِده) أي: السعي (مع طواف الزيارة) لأنه لم يشرع تكراره (وإلا) أي: وإن لم يكن سعى مع طواف القدوم، أو كان متمتعًا (سعى بعده) أي: بعد طواف الزيارة، ليأتي بركن الحجِّ.

(فإذا فرغ من السعي، فإن كان متمتعًا بلا هدي) أي: ليس معه هدي (حلق أو قصَّر من جميع شعره، وقد حَلَّ، ولو كان ملبِّدًا رأسه، فَيَستبيحُ جميعَ محظوراتِ الإحرام، والأفضلُ هنا التَّقصيرُ؛ ليتوفَّرَ الحَلْقُ للحجِّ.

ولا يُسنُّ تأخير التحلُّلِ) لحديث ابن عمر قال: "تمتعَ الناسُ مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم بالعُمرَة إلى الحجِّ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكَّةَ، قال: من كان معَهُ هدْيٌ، فإنه لا يحلُّ من شيءٍ حرم منه، حتى يقضي حجّهُ، ومن لم يكن معه هديٌ، فَلْيطُفْ بالبيت وبالصَّفا والمروَة، وليقَصِّرْ وليَحْلِلْ". متفق عليه

(1)

.

فإن ترك التقصير والحَلْقَ

(2)

فعليه دَمٌ.

(1)

البخاري في الحج، باب 104، حديث 1691، ومسلم في الحج، حديث 1227.

(2)

في "ح": "أو الحلق".

ص: 270

فإن وطئ قبله، فعمرتُه صحيحة، وعليه دَمٌ، رُوي

(1)

عن ابن عباس

(2)

، ذكره في "الشرح".

(وإن كان معه) أي: المتمتِّع (هديٌ أدخل الحجَّ على العُمْرة) ويصير قارنًا، وتقدم

(3)

(وليس له أن يحلَّ، ولا) أن (يَحلِقَ حتى يحجَّ، فيُحْرِم به) أي: بالحج (بعد طوافه وسعيه لعُمْرته، كما يأتي، ويَحِلّ منهما) أي: من الحج والعُمْرة معًا (يوم النَّحْر) نصَّ عليه

(4)

؛ لما تقدم

(5)

؛ لحديث حفصة قالت: "يا رسولَ الله، ما شأنُ الناس حلُّوا من العُمْرَة، ولم تحلَّ أنْتَ من عُمْرتكَ؟ فقال: إني لبَّدتُ رأسي، وقلَّدت هديي، فلا أَحِلُّ حتَّى أنْحَرَ". متفق عليه

(6)

.

(وإن كان) الذي طاف وسعى لعُمْرته (معتمرًا غير متمتِّع، فإنه يحلُّ) أي: يحلق أو يقصِّر، وقد حلَّ (ولو كان معه هديٌ) سواء كان (في أشهر الحجِّ) ولم يقصد الحج من عامه (أو) كان (في غيرها) أي: غير أشهر الحج، ولو قصده من عامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

في "ح": "لما روي".

(2)

أخرج البيهقي (5/ 172) عن سعيد بن جبير: "أن رجلًا أهلَّ هو وامرأته جميعًا بعمرة، فقضت مناسكها إلا التقصير، فغشيها قبل أن تقصِّر، فسئل ابن عباس عن ذلك، فقال: إنها لشبقة، فقيل له: إنها تسمع، فاستحيا من ذلك وقال: ألا أعلمتموني، وقال لها: أهريقي دمًا. . .".

(3)

(6/ 97).

(4)

الفروع (3/ 506).

(5)

(6/ 106).

(6)

البخاري في الحج، باب 34، 107، 126، حديث 1566، 1697، 1725، وفي المغازي، باب 77، حديث 4398، وفي اللباس، باب 69، حديث 5916، ومسلم في الحج، حديث 1229.

ص: 271

اعتمرَ ثلاثَ عُمَرٍ سوى عُمرتِهِ التي معَ حجَّتِهِ، بعضُهُنَّ في ذي القَعْدَةِ

(1)

. وقيلَ: كلهن، وكان يحلّ منها. ومتى كان معه هدي نَحَرَه عند المَرْوة. وحيث نَحَرَه من الحرم، جاز؛ لما تقدم

(2)

.

(وإن كان) الذي طاف وسعى (حاجًّا) مُفْردًا أو قارنًا (بقي على إحرامه) حتى يتحلَّل يوم النَّحْرِ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم.

(ومن كان متمتِّعًا، أو معتمرًا، قَطَعَ التلبية، إذا شرع في الطواف) لحديث ابن عباس يرفعه: "كانَ يُمْسِكُ عنِ التلبيَةِ في العُمْرةِ إذا استلمَ الحَجَرَ" قال الترمذي: حسن صحيح

(3)

.

وروى عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتَمَرَ

(1)

تقدم تخريجه (6/ 11) تعليق رقم (7).

(2)

(6/ 197).

(3)

الترمذي في الحج، باب 79، حديث 919. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المناسك، باب 29، حديث 1817، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 271، وابن الجارود (2/ 81)، حديث 451، وابن خزيمة (4/ 206) حديث 2697، والطبراني في الكبير (11/ 37، 149) حديث 10967، 11324، وفي الأوسط (7/ 493) حديث 6974، والبيهقي (5/ 105)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 122) حديث 1223، من طريق ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا. وقال ابن خزيمة: ابن أبي ليلى ليس بالحافظ.

وقال البيهقي: رَفْعُه خطأ، وكان ابن أبي ليلى هذا كثير الوهم، وخاصة إذا روى عن عطاء، فيخطئ كثيرًا، ضعفه أهل النقل مع كبر محله في الفقه.

وأخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 340)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 271، والبيهقي (5/ 104) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا.

وصححه الحافظ، كما في الفتوحات الربانية (4/ 365).

ص: 272

ثلاثَ عُمَرٍ، ولم يَزلْ يلبي حتَّى استَلَمَ الحَجَرَ"

(1)

.

ولشروعه في التحلُّل، كالحاج يقطعها إذا شرع في رمي جَمْرة العقبة.

(ولا بأس بها في طواف القدوم) نصَّ عليه

(2)

(سِرًّا) ومعنى كلام القاضي: يكره، أي: الجهر بها فيه، وكذا السعي بعده، يتوجه أن حكمه كذلك، وهو مراد أصحابنا؛ لأنه تبع له، قاله في "الفروع".

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 271، وأحمد (2/ 180)، والبيهقي (5/ 105)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 291).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 278): رواه أحمد وفيه الحجاج بن أرطاة، وفيه كلام، وقد وثق.

(2)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 161) رقم 813، 814.

ص: 273

‌باب صفة الحج والعمرة وما يتعلق بذلك

(يُستحبُّ لمتمتع حَلَّ من عُمْرته، ولغيره من المُحلِّين بمكة) وقربها (الإحرام بالحج يوم التروية) لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: "فحلَّ الناسُ كلُّهم وقصَّرُوا، إلا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ومن كانَ معه هدْيٌ، فلما كانَ يومُ التروية توجَّهُوا إلى منى فأهَلُّوا بالحج"

(1)

.

(وهو) أي: يوم التروية (الثامن من ذي الحِجَّة).

قال ابن رسلان

(2)

: أعلم أن أيام المناسك سبعة: أولها سابع ذي الحجة، وآخرها ثالث عشرة، فالسابع: ذكر مكي

(3)

بن أبي طالب في باب عمل الحج أن اسمه يوم الزينة، أي: لأنهم كانوا يزينون محاملهم وهوادجهم للخروج، وأما يوم الثامن فاسمه يوم التَّرْوية - بالتاء المثناة - وسُمِّي بذلك؛ لتروِّيهم فيه الماء، وسُمِّي يوم النقلة؛ لانتقالهم فيه من مكة إلى منى. والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النَّحْر. والحادي عشر يوم القَرِّ - بفتح القاف وتشديد الراء - لأنهم قارُّون فيه بمِنى. والثاني عشر يوم النَّفْر الأول - بفتح النون وسكون الفاء - والثالث عشر يوم النَّفْر الثاني.

(1)

جزء من حديث جابر الطويل، أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(2)

هو أحمد بن حسين بن أرسلان الرَّمْلي الشافعي، أبو العباس، ويُعرف بـ (ابن رسلان)، له مصنفات كثيرة منها: متن في الفقه الشافعي، وشرح سنن أبي داود، وشرح البخاري إلى الحج، توفي سنة 844 هـ رحمه الله تعالى، انظر: الضوء اللامع (1/ 282). ولم نقف على قوله هذا في مظانه من كتبه المطبوعة.

(3)

مكي بن أبي طالب القيسي العلَّامة المفسِّر الفقيه، له مؤلفات كثيرة مطبوعة، ومن مؤلفاته: بيان العمل في الحج، وفرض الحج. ولم يُطبعا. توفي سنة (437) هـ رحمه الله تعالى، انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 591).

ص: 274

(إلا لمن) أي: متمتع (لم يجد هَدْيَ تَمَّتُّعٍ، فـ) يُستحب له أن (يُحرِمَ يومَ السابع) من ذي الحجة

(1)

يعني: أن يكون محرمًا فيه، فيقدم الإحرام عليه، كما يعلم من باب الفِدية (ليكون) صوم الثلاثة

(2)

أيام في إحرامه بالحج، ويكون (آخر) تلك (الثلاثة) الأيام التي يصومها في الحج (يومَ عَرَفة) فيصوم السابع والثامن والتاسع.

(و) يُستحب (أن يفعلَ عند إحرامه) من مكة أو قُرْبها (ما يفعلُه عند إحرامه من الميقات، من غسلٍ وغيره) أي: تنظُّف وتطيُّب في بدنه، وتجرُّدِ ذَكَرٍ من مَخيط، ولُبْسِ إزار ورداء أبيضين نظيفين ونعلين.

(ثم) بعد ذلك (يطوف أسبوعًا، ويصلي ركعتين.

ثم يُحرم بالحج من المسجد) الحرام، والأفضل من تحت الميزاب. ذكره في "المبهج" و"الإيضاح". وكان عطاء يستلم الركن، ثم ينطلِق مُهِلًّا بالحج

(3)

. (وتقدم في) باب (المواقيت

(4)

.

ولا يطوف بعده) أي: بعد إحرامه بالحج قبل خروجه عن مكة (لوداع البيت) نص عليه

(5)

؛ لقول ابن عباس: "لا أرى لأهل مكة أنْ يطوفُوا بعدَ أنْ يُحرمُوا بالحجِّ، ولا أن يطُوفُوا بينَ الصَّفا والمروةِ حتى

(1)

في "ذ" زيادة: "ليكون آخر تلك الثلاثة".

(2)

في "ح": "صوم آخر الثلاثة".

(3)

أخرج ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 434، عن سعيد بن جبير وعطاء، أنهما كانا يصليان في المسجد الحرام، ويُلبيان بالحج إذا خرجا من المسجد، ويؤخِّران الطواف.

(4)

(6/ 71 - 72).

(5)

قال شيخ الإسلام في الاختيارات ص/ 175: وهو أحد القولين في مذهب أحمد. ا. هـ واختاره.

وفي مسائل أبي داود ص/ 132: قلت لأحمد: إذا توجه إلى منى يودع البيت؟ قال: نعم.

ص: 275

يرجعُوا"

(1)

(فلو طافَ وسعى بعده، لم يجزئه) سعيه (عن السعي الواجب

(2)

)؛ لأنه لم يسبقه طواف واجب ولا مسنون.

(ولا يخطب يوم السابع بعد صلاة الظهر بمكة) لعدم وروده.

(ثم يخرج إلى منى قبل الزوال، فيصلي بها الظهر مع الإمام، ويبيت بها) أي: بمِنًى (إلى أن يصلي معه) أي: الإمام (الفجر) لقول جابر: "وركبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى منى فصلَّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشَاءَ والفجْرَ، ثم مكثَ قليلًا حتى طلعَتِ الشَّمْسُ"

(3)

(وليس ذلك واجبًا) بل سُنَّة؛ لأن عائشة تخلَّفت ليلةَ التَّروية حتى ذهب ثُلثا الليل

(4)

وصلى ابن الزبير بمكة

(5)

(6)

. قاله في "الشرح".

(ولو صادف يومَ جُمعة وهو مقيمٌ بمكة ممن تجب عليه، وزالتِ الشمس) وهو بمكة (فلا يخرج قبل صلاتها) أي: الجمعة؛ لوجوبها بالزوال (وقبل الزوال إن شاء خرج) إلى مِنى (وإن شاء أقام) بمكة (حتى يصليها) أي: الجمعة (فإن خرج الإمام أمر من يصلي بالناس) الجمعة إن اجتمع العدد معه؛ لئلا تفوتهم.

(1)

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2/ 336) رقم 1616، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 435، بنحوه.

(2)

في "ذ": زيادة: "قبل خروجه من مكة".

(3)

هو جزء من حديث جابر الطويل، أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(4)

أخرج ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 350، عن عطاء، قال: كانت عائشة تمكُثُ بمكة ليلة عرفة مساء يوم التروية عامة الليل.

(5)

في "ح": "الفجر بمكة".

(6)

أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 207، 208) عن عمرو بن دينار أن الزبير صلى الظهر بمكة يوم التروية، ثم راح. وذكره ابن حجر في الفتح (3/ 509) وعزاه إلى سفيان في جامعه، وقال: وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى، فلعله فعل ما نقله عمرو عنه لضرورة، أو لبيان الجواز.

ص: 276

(فإذا طلعتِ الشمس) من عَرفة (سار من مِنًى إلى عرفة، فأقام بنَمِرَة نَدْبًا، حتى تزول الشمس، ونَمِرَة موضعٌ بعَرفة) وقيل: بقُربها خارج

(1)

عنها (وهو الجبلُ الذي عليه أنصابٌ) أي: علامات (الحرم، على يمينك إذا خرجتَ من مأزِمَي عَرفة، تريد الموقف.

فإذا زالتِ الشمس استُحبَّ للإمام أو نائبه أن يخطُب خطبةً واحدة يقصِّرُها) لقول سالم للحجَّاج بن يوسف يوم عرفة: "إن كنت تريدُ أن تصيبَ السنةَ فقصِّرِ الخطبة وعجِّل الصلاة

(2)

، فقال ابنُ عُمرَ: صدقَ". رواه البخاري

(3)

(ويفتتحُها بالتكبير، يعلِّمُ الناسَ فيها مناسِكَهم من الوقوف، ووقتِه، والدفعِ من عرفات، والمبيتِ بمزدلفة وغير ذلك) من الحَلْق والنَّحْر.

(فإذا فرغ من خُطبته، نزل فصلى الظهر والعصر جَمْعًا إن جاز له) الجَمْع كالمسافر سفر قَصْر (وتقدم) في الجَمْع

(4)

(بأذان) للأُولى (وإقامتين) لكل صلاة إقامة؛ لقول جابر: "وأمرَ بقُبَّة من شعر تُضرب له بنمِرةَ، فسَارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشُكُّ قريشٌ إلَّا أنَّهُ واقِفٌ عندَ المشْعَرِ الحَرَام، كما كانت قريشٌ تصنَعُ في الجاهلية، فأجازَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى عَرفَةَ، فوجَدَ القبَّة قد ضُرِبَتْ لهُ بنمرةَ، فنزلَ بهَا، حتَّى إذا زالت الشمس، أمر بالقَصْوَى

(5)

، فرُحِلَتْ له، فأتى بطن الوادي، فخطب

(1)

في "ذ": "وهو خارج".

(2)

لفظ البخاري: "فأَقْصِرِ الخطبة، وعجِّل الوقوف".

(3)

في الحج، باب 87، 90، حديث 1660، 1663.

(4)

(3/ 289).

(5)

"أي بناقته" ا. هـ ش.

وفي صحيح مسلم: بالقصواء، بالمد، قال القاضي عياض في إكمال المعلم (4/ 267 - 268): القصواء: ممدود بفتح القاف، ووقع عند العُذري بضم القاف والقصر، وهو خطأ في هذا الموضع، والصواب الفتح هنا والمد.

ص: 277

الناس وقال: إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحُرْمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا إنَّ كل شيء من أمْر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهليةِ موضوعةُ، وإنَّ أولَ دم أضعُهُ من دمائنا دمُ ابنِ أبي ربيعة

(1)

بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعدٍ، فقتَلَتْهُ هُذيلٌ، ورِبا الجاهليةِ موضوعٌ، وأولُ رِبًا أضعُ رِبانا رِبَا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوعٌ كلُّه، فاتَّقُوا الله في النساءِ، فإنكم أخذْتُموهنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بِكلمَةِ الله، ولكم عليهن أن لا يُوطئن فرشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلنَ ذلك، فاضربوهُنَّ ضَرْبًا غير مبرِّحٍ، ولهن عليكم رزقهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروف، وقد تركتُ فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتابَ الله، وأنتم تسألونَ عنِّي فما أنتم قائلُونَ؟ قالُوا: نشهَدُ أنَّكَ قد بلَّغتَ وأدَّيتَ، ونصحتَ، فقال بأصبعِهِ السبَّابَةِ، يرفعُهَا إلى السماء وينكتُهَا إلى الناس: اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشهَدْ، ثلاثَ مرات، ثم أذَّن، ثم أقام فصلَّى الظُّهرَ، ثم أقام فصلَّى العصرَ، ولم يصَلِّ بينهُمَا شيئًا"

(2)

.

(وإن لم يؤذن) للصلاة (فلا بأس) أي: لا كراهة، قال أحمد

(3)

: لأن كلًّا يُروى

(4)

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5)

، والأذان أَولى.

(1)

كذا في الأصول "دم ابن أبي ربيعة" والصواب: "دم ابن ربيعة"، كما في صحيح مسلم، وغيره من كتب الحديث.

(2)

هو جزء من حديث جابر الطويل، أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(3)

انظر: مسائل عبد الله (1/ 201) رقم 255، ومسائل أبي داود ص/ 29، وكتاب التمام (1/ 143)، والتمهيد (9/ 269).

(4)

في "ذ": "مروي".

(5)

أما الأذان فقد تقدم آنفًا في حديث جابر رضي الله عنه وأما عدم الأذان فرواه ابن عبد البر في التمهيد (9/ 259) من طريق محمد بن عمرو، حدثنا مالك بن أنس، =

ص: 278

(وكذا يَجمع غيرُه) أي: غير الإمام (ولو منفردًا) لأن الجماعة ليست شرطًا للجمع، كما تقدم في محله

(1)

.

(ثم يأتي موقف عَرفة، ويغتسل له) أي: للوقوف استحبابًا، لفعل ابن مسعود

(2)

، ويُروى عن علي، وتقدم

(3)

.

(وكلُّها) أي: عَرفة (موقفٌ إلا بطن عُرَنة، فإنه لا يجزئُه الوقوف به) لأنه لم يقف بعُرنة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"كلُّ عَرفة موقفٌ، وارفعوا عن بطنِ عُرنة". رواه ابن ماجه

(4)

.

= عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة ولم ينادِ في واحدة منهما إلا بالإقامة

الحدث. وقال: لم يتابَع عليه عن مالك. قلنا: محمد بن عمرو هو ابن الجرَّاح الغَزي، قال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (8/ 33): لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات (9/ 92).

(1)

(3/ 292).

(2)

كذا قال المؤلف هنا، وقد ذكره في كتاب الطهارة، باب ما يوجب الغسل (1/ 359) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وتقدم تخريجه هناك.

(3)

(1/ 359)، تعليق رقم (2، 3).

(4)

في المناسك، باب 55، حديث 3012، من طريق القاسم بن عبد الله العُمري عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولفظه: كلُّ عَرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عُرنة، وكلُّ المزدلفة موقف، وارتفعوا عن بطن مُحسِّر، وكل مِنى مَنْحر، إلا ما وراء العقبة.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 140): هذا إسناد ضعيف، القاسم بن عبد الله بن عمر قال فيه أحمد بن حنبل: كان كذابًا يضع الحديث، ترك الناس حديثه، وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي: متروك الحديث.

قال الحافظ في التلخيص (2/ 255): وفي إسناده القاسم بن عبد الله بن عمر العُمري: كذبه أحمد.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 418): أكثر الآثار ليس فيها استثناء بطن عُرنة =

ص: 279

(و‌

‌حدُّ عَرفات:

من الجبل المُشْرف على عُرَنة؛ إلى الجبال المقابلة له، إلى ما يلي حوائطَ بني عامر.

= من عَرفة، ولا بطن مُحسِّر من المزدلفة، وكذلك نقلها الحفاظ الأثبات من أهل الحديث في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر في الحديث الطويل في الحج، ليس فيه استثناء عُرنة ولا مُحسِّر.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن خزيمة (4/ 254) حديث 2816، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 229) حديث 1194، والطبراني (11/ 40) حديث 11001، والحاكم (1/ 462)، والبيهقي (5/ 115) من طريق أبي معبد، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، ولفظه: ارفعوا عن بطن عُرنة، وارفعوا عن بطن مُحسِّر.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وتعقبه النووي في المجموع (8/ 121) فقال: وليس كما قال، فليس على شرط مسلم، ولا إسناده صحيح؛ لأنه من رواية محمد بن كثير، ولم يروِ له مسلم، وقد ضعَّفه جمهور الأئمة.

ورواه ابن خزيمة (4/ 254) رقم 2817، والحاكم (1/ 462)، والبيهقي (5/ 115) من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا، ولفظه: كان يُقال: ارتفعوا عن مُحسِّر، وارتفعوا عن عُرَنات. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصحَّحه النووي في المجموع (8/ 121).

ب - جُبير بن مُطعم رضي الله عنه: أخرجه ابن حبان "الإحسان"(9/ 166) حديث 3854، والبيهقي (9/ 295) ولفظه: كل عرفات موقف، وارفعوا عن عُرنة، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن مُحسِّر.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 255): في إسناده انقطاع، فإنه من رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن جُبير بن مُطعم، ولم يلقه. قاله البزار.

جـ - حَبيب بن خُمَاشة رضي الله عنه: أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (1/ 192).

قال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 255): وفي إسناده الواقدي.

د - محمد بن المنكدر مرسلًا: أخرجه البيهقي (5/ 115) وصحَّح إسنادَه النووي في المجموع (8/ 121).

ص: 280

ويُسن أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة - واسمه: إلالٌ، على وزن هِلال - ولا يُشرع صعودُه) قال الشيخ تقي الدين: إجماعًا

(1)

. ويُقال لجبل الرحمة - أيضًا - جبل الدعاء.

(ويقف مستقبل القبلة راكبًا) لقول جابر: "ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصوى إلى الصخرات، وجعل حَبْل المشاة بين يديه، واستقبلَ القبلةَ، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمسُ، وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص"

(2)

(بخلاف سائر المناسك والعبادات، فـ) إنه يفعلها (راجلًا).

وفي "الانتصار" و"مفردات" أبي يعلى الصغير: أفضلية المشي في الحج على الرُّكوب، وهو ظاهر كلام ابن الجوزي في "مثير العزم الساكن"

(3)

، فإنه ذكر الأخبار في ذلك عن جماعة من العباد، وأن الحسن بن علي حج خمس عشرة حجة ماشيًا، وذكر غيره خمسًا وعشرين، والجنائب

(4)

تُقاد معه

(5)

.

وقال في "أسباب الهداية": فصل في فضل الماشي: عن ابن عباس مرفوعًا: "من حجَّ من مكةَ ماشيًا حتى يرجعَ إلى مكةَ، كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل له: وما حسناتُ

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 175، ومجموع الفتاوى (26/ 133).

(2)

هو جزء من حديث جابر الطويل، رواه مسلم في الحج، حديث 1218.

(3)

مثير العزم الساكن (1/ 153 - 154).

(4)

كذا في الأصول "الجنائب" والصواب: "النجائب" كما في مثير العزم الساكن، وأخبار مكة للفاكهي، والسنن الكبرى للبيهقي. والنجيب من الإبل: القوي منها الخفيف السريع كما في النهاية في غريب الحديث (5/ 17).

(5)

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 395) رقم 839، والبيهقي (4/ 331)، وابن الجوزي في مثير العزم الساكن (1/ 153) رقم (53).

ص: 281

الحَرَمِ؟ قال: بكلِّ حسنة مائةُ ألف حسنةٍ"

(1)

.

قال: وعن عائشة مرفوعًا: "إن الملائكة لتصافِحُ ركبانَ الحاجِّ، وتعتنقُ المشاةَ"

(2)

. كذا ذكر هذين الخبرين.

(ويُكثر) بعرفة (من الدعاء ومن قول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، ويَسِّرْ لي أمري، ويدعو بما أحبَّ) لما في "الموطأ" عن طلحة بن عبيد الله بن كَريز - بفتح الكاف وآخره زاي - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الدُّعاء [دعاء]

(3)

يوم عرفةَ، وأفضلُ ما

(1)

أخرجه ابن خزيمة (4/ 244) حديث 2791، والبزار "كشف الأستار"(2/ 25) حديث 1120، والطبراني في الكبير (12/ 82) حديث 12606، والأوسط (3/ 326) حديث 2696، والحاكم (1/ 460)، والبيهقي (4/ 331، 10/ 78) وفي شعب الإيمان (3/ 431)، حديث 3981، وابن الجوزي في مثير العزم الساكن (1/ 152) حديث 48، من طريق عيسى بن سَوَادة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زاذان، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقَّبه الذهبي بقوله: ليس بصحيح، أخشى أن يكون كذِبًا، وعيسى قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث.

وأعلَّه ابن خزيمة، فقال: إنْ صحَّ الخبرُ، فإن في القلب من عيسى بن سَوَادة هذا. وقال البيهقي: تفرد به عيسى بن سوَادة هذا، وهو مجهول.

وأخرجه الأزرقي في أخبار مكة (1/ 7)، وأبو يعلى، كما في المطالب العالية (2/ 10) حديث 1157، وابن عدي (4/ 1570)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 354)، والضياء في المختارة (10/ 50) حديث 44، 45، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 76) حديث 931، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، فذكره. وضعفه ابن الجوزي.

(2)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 474) حديث 99، وقال: هذا إسناد فيه ضعف. انظر فيض القدير (2/ 203).

(3)

زيادة من "الموطأ".

ص: 282

قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إلهَ إلا الله؛ وحدَه لا شَريكَ له"

(1)

.

ولما روى الترمذي عن عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:"كانَ أكثرُ دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ عَرفةَ: لا إله إلا الله؛ وحدَهُ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيء قديرٌ"

(2)

.

وسُئل سفيانُ بن عُيينة عن أفضل الدعاء يوم عَرفة فقال: "لا إلهَ إلا الله؛ وحدَهُ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ"، قيل له: هذا ثناء وليس بدُعاء! فقال: أما سمعتَ قولَ

(1)

الموطأ (1/ 214 - 215، 422 - 423)، ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق (4/ 378) رقم 8125، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 25)، حديث 2760، والمحاملي في الدعاء ص/ 103، حديث 61، والبيهقي (4/ 284، 5/ 117)، وفي فضائل الأوقات ص/ 367، حديث 191. قال البيهقي: هذا مرسل، وقد روي عن مالك بإسناد آخر موصولًا، ووصله ضعيف.

والموصول رواه ابن عدي (4/ 1600)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 462)، حديث 4072، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال ابن عدي: وهذا منكر عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال البيهقي: هكذا رواه عبد الرحمن بن يحيى، وغلط فيه، إنما رواه مالك في الموطأ مرسلًا.

(2)

الترمذي في الدعوات، باب 122، حديث 3585. وأخرجه - أيضًا - أحمد (2/ 210)، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 24) حديث 2759، والمحاملي في الدعاء ص/ 103، حديث 61، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 358) حديث 3767، والرافعي في التدوين (2/ 168).

قال الترمذي: هذا حديث غريب، وحماد بن أبي حُميد هو محمد بن أبي حُميد، وهو أبو إبراهيم الأنصاري المدني، وليس بالقوي عند أهل الحديث. وضعَّفه ابن عبد البر في التمهيد (6/ 39)، وابن القيم في زاد المعاد (2/ 238). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 252): رواه أحمد ورجاله موثقون.

ص: 283

الشاعر

(1)

:

أأذْكرُ حاجتي، أم قد كفاني

حياؤك، إنَّ شيمتَك الحياءُ

إذا أثنى عليك المرءُ يومًا

كفاه من تعرُّضه الثناءُ

(2)

وما في المتن مأثور عن علي

(3)

.

وفي "الوجيز": يدعو بما ورد، ومنه ما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا فقال:"اللَّهمَّ إنك ترى مكَاني، وتسمع كلامي، وتعلم سرِّي وعلانيَتي، ولا يخفى عليك شيءٌ من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيثُ المستجيرُ، الوجِلُ المشفق، المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المساكين، وأبتهلُ إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوكَ دعاءَ الخائِف الضرير، من خشعتْ لكَ رقبته، وذلَّ لكَ جسدُهُ، وفاضَتْ لك عينَاه، ورغمَ لك أنفه"

(4)

.

(1)

هو أمية بن أبي الصلت من قصيدة يمدح بها عبد الله بن جدعان، انظر ديوانه ص/ 19.

(2)

أخرجه الخطابي في غريب الحديث (1/ 709)، والخليلي في الإرشاد (3/ 978) رقم 353، والبيهقي في فضائل الأوقات ص/ 369، رقم 193، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 43 - 44).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 443، وإسحاق بن راهويه، كما في المطالب العالية (2/ 41) رقم 1259، والبيهقي (5/ 117)، وفي فضائل الأوقات ص/ 373، حديث 195، من طريق موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله، عن علي رضي الله عنه.

قال البيهقي: تفرَّد به موسى بن عُبيدة وهو ضعيف، ولم يُدرك أخوه عليًّا رضي الله عنه. وضعَّفه ابن القيم في زاد المعاد (2/ 238)، والحافظ في المطالب العالية (2/ 42)، والتلخيص الحبير (2/ 254).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 140) حديث 11405، وفي الصغير (1/ 247)، وفي الدعاء (2/ 1207) حديث 877، وابن جميع في معجمه ص/ 212 حديث 171، والخطيب في تاريخه (6/ 163)، وأبو موسى في نزهة الحفاظ ص/ 97، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 360) حديث 1412، عن ابن عباس رضي الله عنهما. =

ص: 284

وكان عبد الله بن عَمرو

(1)

يقول: "الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهمَّ اهْدِني بالهُدَى، وقِني

(2)

بالتَّقْوى، واغفر لي في الآخرَةِ والأُولى"، ويردُّ يديه ويسكت قَدْر ما كان إنسان قارئًا فاتحة الكتاب، ثم يعود فيرفع يديه، ويقول مثل ذلك. ولم يزل يفعل ذلك حتى أفاض

(3)

.

(و‌

‌وقت الوقوف: من طُلوع الفجر يوم عَرفةَ)

لحديث عروة بن مضرِّس الطائي قال: "أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسولَ الله: إني جئت من جبليْ طَيِّئٍ، أكللتُ راحلتي، وأتعبتُ نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حَجٍّ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: من شهدَ صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا، فقد تَمَّ حجُّه، وقضى تفثه". رواه الخمسة

(4)

، وصحَّحه الترمذي، ولفظه له، ورواه الحاكم وقال:

= قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 252): رواه الطبراني في الكبير، والصغير، وفيه يحيى بن صالح الأيلي، قال العقيلي [4/ 409] روى عنه يحيى بن بكير مناكير، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(1)

كذا في الأصول: "عبد الله بن عمرو"، والصواب "عبد الله بن عمر"؛ لأن ابن أبي شيبة رواه عن أبي مجلز عن عبد الله بن عمر، وهو الأقرب إلى الصواب؛ لأن أبا مجلز يروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولم تذكر له رواية عن ابن عمرو رضي الله عنهما. انظر: تهذيب الكمال (31/ 176 - 177).

(2)

في مصنف ابن أبي شيبة "ووفقني".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 376 مطولًا.

(4)

أبو داود في المناسك، باب 69، حديث 1950، والترمذي في الحج، باب 57، حديث 891، والنسائي في المناسك، باب 211، حديث 3041، وفي الكبرى =

ص: 285

صحيح على شرط كافَّة أئمة الحديث.

ولأن ما قبل الزوال من يوم عَرَفة، فكان وقتًا للوقوف كما بعد الزوال، وتَرْكه صلى الله عليه وسلم الوقوفَ فيه لا يمنع كونه وقتًا للوقوف، كما بعد العشاء، وإنما وقف النبي صلى الله عليه وسلم وقت الفضيلة.

(واختار الشيخ

(1)

وغيره) كأبي حفص العكبري (وحُكي

= (2/ 431 - 432) حديث 4045 - 4049، وابن ماجه في المناسك، باب 57، حديث 3016، وأحمد (4/ 15، 361). وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 181، حديث 1282، والحميدي (2/ 400) حديث 900، 901، وابن سعد (2/ 179، و 6/ 31)، والدارمي في الحج، باب 54، حديث 1888، 1889، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 438) حديث 2491، وابن الجارود (2/ 92) حديث 467، وابن خزيمة (4/ 255) حديث 2820، والطحاوي (2/ 207)، وفي شرح مشكل الآثار (12/ 110 - 113) حديث 4689 - 4693، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 263)، وابن حبان "الإحسان"(9/ 161) رقم 3850، والطبراني في الكبير (17/ 149 - 150، 152 - 154) حديث 377 - 380، 385 - 394، وفي الأوسط (2/ 174) حديث 1318، (4/ 37) حديث 3048، والدارقطني (2/ 239)، والحاكم (1/ 463)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2183) حديث 5470، وفي الحلية (4/ 334)(7/ 189)، وابن حزم في المحلى (7/ 122)، والبيهقي (5/ 116، 173)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 273) وابن عساكر في تاريخه (56/ 4).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال أبو نعيم في الحلية (7/ 189): هذا حديث صحيح ثابت. وقال النووي في المجموع (8/ 98): رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 254): رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه

ورجال أحمد رجال الصحيح.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 256): وصحَّح هذا الحديث الدارقطني والحاكم والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (26/ 129).

ص: 286

إجماعًا)

(1)

أن وقت الوقوف (من الزوال يوم عرفة) وهو قول مالك

(2)

والشافعي

(3)

وأكثر الفقهاء

(4)

؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال

(5)

(إلى طلوع فَجْرِ) يوم (النَّحْر) لقول جابر: "لا يفوتُ الحجُّ حتى يطلعَ الفجرُ منْ ليلةِ جَمْع. فقال أبو الزُّبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم"

(6)

.

(فمن حصل بعرفةَ في هذا الوقت ولو لحظةً، ولو مارًّا بها، أو نائمًا، أو جاهلًا بها) أي: بأنها عَرفة (وهو

(7)

من أهل الوقوف) بأن يكون

(8)

مسلمًا عاقلًا مُحْرِمًا بالحج (صح حجُّه) وأجزأه عن حجة الإسلام، إن كان حرًّا بالغًا، وإلا فنفل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:". . . وقد أتَى عرفة قبلَ ذلك ليلًا أو نهارًا"

(9)

.

و ‌

(لا) يصح الوقوف من (مجنون، ومُغمًى عليه، وسكران)

لعدم عقلِه (إلا أن يُفيقوا

(10)

وهم بها قبل خروج وقت الوقوف) وكذا لو أفاقوا بعد الدفع منها، وعادوا فوقفوا بها في الوقت.

(1)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 64.

(2)

انظر: المدونة (1/ 413)، وعقد الجواهر الثمينة لابن شاس (1/ 403).

(3)

الأم (2/ 212)، والمجموع للنووي (8/ 97).

(4)

بل حكى ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 424) اتفاق الفقهاء على ذلك.

(5)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218 من حديث جابر رضي الله عنه مطولًا.

(6)

أخرجه البيهقي (5/ 174).

(7)

"تتمة: قال الحارثي: لو أوقع الوقوف، أو الطواف، أو السعي على الدابة المغصوبة، فكالصلاة في البقعة. قال في الإنصاف: والنفس تميل إلى صحة الوقوف". قاله المصنف في حاشية الإقناع. ش.

(8)

في "ح": "كان".

(9)

تقدم تخريجه (6/ 285)، تعليق رقم (4).

(10)

"لأنه حصل بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل، فأجزأه كما لو علم". ا هـ ش.

ص: 287

(ومن فاته ذلك) أي: الوقوف بعرفة قبل طلوع فجر يوم النحر (فاته الحجُّ) لما تقدم عن جابر

(1)

.

(ويُستحبُّ أن يقف طاهرًا من الحَدَثين) قلت: ومن نجاسةٍ ببدنه وثوبه، كسائر المناسك.

(و‌

‌يصحُّ وقوفُ الحائض

إجماعًا

(2)

، ووقفت عائشة) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها وعن بقية الصحابة والتابعين لهم (حائضًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

) وتقدم في دخول مكة

(4)

.

(ولا يُشترط) للوقوف (ستارة ولا استقبال) للقبلة (ولا نيَّة) بخلاف الطواف؛ لأنه صلاة، وغيره ليس كذلك.

(ويجب أن يجمع في الوقوف بين الليل والنهار من وقف نهارًا) لفعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: "لتأخذوا عني مناسككم"

(5)

. (فإن دفع) من عَرفة (قبل غروب الشمس، فعليه دَمٌ إن لم يَعُدْ قبلَه

(6)

) لأنه ترك واجبًا لا يفسد الحج بتركه، أشبه الإحرام من الميقات، وإن عاد إليها ليلًا، فلا شيء عليه؛ لأنه أتى بالواجب وهو الجَمْع بين الليل والنهار.

(وإن وافاها) أي: عرفة (ليلًا، فوقف بها، فلا دم عليه.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 287) تعليق رقم (6).

(2)

الإجماع لابن المنذر ص/ 51، والمجموع للنووي (8/ 111).

(3)

تقدم تخريجه (1/ 359)، تعليق رقم (1).

(4)

(6/ 234).

(5)

جزء من حديث جابر الطويل، أخرجه في الحج، حديث 1218.

(6)

في "ح" علق على هذا الموضع بما نصه: "قوله: إن لم يعد قبله. مفهومه: أي: قبل الغروب، فلو دفع قبله، ثم عاد بعده ليلًا، فعليه دم على قول الغاية والإقناع والمنتهى، وهو المذهب خلافًا لقول هذا الشارح، فإنه تبع ابن عقيل، وتبع شارح المنتهى، والله أعلم".

ص: 288

وإن خاف فوت وقت الوقوف) بعرفة إن صلى صلاة أَمْنٍ (صلى صلاة خائف إن رجا إدراكه) لما في فوت الحج من الضرر العظيم.

(و‌

‌وقفة الجمعة في آخر يومها ساعة الإجابة)

للخبر

(1)

، (فإذا اجتمع فَضْلُ يوم الجمعة ويوم عرفة كان لهما مزية على سائر الأيام) قيل: ولهذا اشتهر وَصْفُ الحج بالأكبر، إذا كانت الوقفة يوم الجمعة، ولأن فيها موافقة حَجّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ وَقْفَة حَجَّة الوداع كانت يوم الجمعة، وللحديثين الآتيين.

(قال) ابن القيم (في الهَدي) النبوي

(2)

: "وأما ما استفاضَ على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسَبعين حَجَّة فباطلٌ لا أصلَ له" لكن أخرج رَزين مرفوعًا: "يومُ الجمعة أفضلُ الأيام؛ إلا يومَ عرفة، وإن وافق يوم الجمعة فهو أفضلُ من سبعينَ حجَّةً في غير يوم جمعةٍ"

(3)

ذكره ابن جَماعة في "مناسكه"

(4)

، والكازروني

(5)

في تفسيره المعروف

(1)

تقدم تخريجه (3/ 376) رقم (1).

(2)

زاد المعاد (1/ 65).

(3)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 271): وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعًا: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها"، فهو حديث لا أعرف حاله، لأنه لم يذكر صحابيَّه، ولا من أخرجه.

وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 65): وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، والله أعلم. وذكر السخاوي: أنه لا أصل له. (الأجوبة المرضية 3/ 1127).

(4)

هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك (1/ 232).

(5)

هو منصور بن الحسن بن علي بن اختيار الدين فريدون العدوي العمري، عالم بالتفسير والحديث والعقليات، تُوفي سنة 860 رحمه الله (الأعلام للزركلي 7/ 298). ولم نقف على تفسيره.

ص: 289

بالأخوين، والشيخ نور الدين علي الزيادي

(1)

في حاشيته.

وحديث: "إذا كان يومُ عرفة يوم جمعة غفَرَ الله لجميع أهل الموقف"

(2)

قد يُستشكل بأنه قد ورد مثله في مطلق الحجِّ، ويمكن حَمْل هذا على مغفرته لهم بلا واسطة، وحَمْلُ غيره على أنه يَهبُ قومًا لقوم، ذكره الكازروني. وهو معنى كلام ابن جَماعة في مناسكه عن أبيه.

فصل

(ثم يدفعُ بعد غروب الشمس) من عَرفة (بسكينة) لقوله صلى الله عليه وسلم في عشية عَرفة وغداة جَمْع للناس حين دفعوا: "عليكم بالسكينة" رواه مسلم

(3)

من حديث الفضل بن عباس.

(قال أبو حكيم) إبراهيم بن دينار النهرواني: ويكون (مُستغفرًا) حال دَفْعه من عَرفة (إلى مُزدلفة) سُمِّيت بذلك من الزَّلَف، وهو التقرُّب؛ لأن الحُجَّاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها، أي: تقرَّبوا ومَضوا إليها. وتُسمَّى - أيضًا - جَمْعًا؛ لاجتماع الناس بها (على طريق المأزِمَين) لأنه رُوي أنه صلى الله عليه وسلم سَلَكها

(4)

، وهما جبلان صغيران (مع

(1)

هو نور الدين علي بن يحيى الزيادي المصري الشافعي، عالم بالفقه، له حاشية على شرح المنهاج، توفي سنة 1024 هـ رحمه الله (معجم المؤلفين 2/ 543).

(2)

لم نقف على من أخرجه. وقال السخاوي في الأجوبة المرضية (3/ 1128): "وأما ما يقال إنه يروى في المرفوع: "إذا كان يوم عرفة يوم الجمعة غفر الله لجميع أهل الموقف". فما وقفت عليه.

(3)

في الحج، حديث 1282.

(4)

أخرجه أحمد (2/ 131)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه البخاري في الحج، باب 93، حديث 1668، بنحوه، وأخرجه - أيضًا - البخاري في الوضوء، باب 6، حديث 139، وفي الحج باب 93، 95، حديث 1667، 1669، =

ص: 290

إمام

(1)

أو نائبه، وهو أمير الحج

(2)

، فإن دفع قبله، كُرِه) لقول أحمد

(3)

: ما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام. (ولا شيء عليه) في الدفع قبل الإمام.

(يُسرعُ في الفَجْوة) لقول أسامة: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسيرُ العَنَقَ، فإذا وجَد فجوةً نصَّ" متفق عليه

(4)

. والعَنَق: انبساط السير. والنَّصُّ فوقه.

(ويلبِّي في الطريق) لقول الفضل بن عباس: "إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَزلْ يلبِّي حتَّى رمَى جَمْرَةَ العَقَبة". متفق عليه

(5)

. (ويذكُرُ الله تعالى) لأنه في زمن السعي إلى شعائره.

(فإذا وَصَلَها) أي: مزدلفة (صلى المغرب والعشاء جَمْعًا) إن كان ممن يُباح له الجَمْع (قبل حطِّ رَحْلِه بإقامة لكلِّ صلاة، بلا أذان) هذا اختيار الخرقي، قال ابن المنذر

(6)

: هو آخر قولي أحمد، لأنه رواية

= 1672، ومسلم في الحج حديث 1280، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما بنحوه.

(1)

في "ح": "الإمام".

(2)

في "ذ": "الحاج".

(3)

مسائل المروذي كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 511)، وانظر: مسائل عبد الله (2/ 679) رقم 916.

(4)

البخاري في الحج، باب 92، حديث 1666، وفي الجهاد والسير، باب 136، حديث 2999، وفي المغازي، باب 77، حديث 4413، ومسلم في الحج، حديث 1280، (283).

والفجوة: المكان المتسع. والنصُّ: التحريكُ حتى يستخرج أقصى سير الناقة. انظر: النهاية (5/ 64)، وشرح النووي على مسلم (9/ 34).

(5)

البخاري في الحج، باب 22، 93، 101، حديث 1544، 1670، 1685، 1687، ومسلم في الحج، حديث 1281.

(6)

لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة، وذكره ابن قدامة في المغني (5/ 280).

ص: 291

أسامة

(1)

وهو أعلم بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان رديفه، وإنما لم يؤذِّن للأُولى هاهنا؛ لأنها في غير وقتها بخلاف المجموعتين بعَرفة، وظاهر كلام الأكثرين يؤذن للأُولى، كما تقدم في باب الأذان

(2)

، ولقول جابر:"حتَّى أتى المزدَلفة فصلَّى بها المغربَ والعشَاءَ بأذَانٍ واحدٍ وإقامَتين"

(3)

.

(وإن أذَّن وأقام للأُولى فقط) أي: ولم يقم للثانية (فَحَسَنٌ) لحديث مسلم عن ابن عُمر قال: "جَمَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينَ المغرب والعشاء بجَمْع، صلَّى المغربَ ثلاثًا والعشَاءَ ركعتين، بإقامة واحدةٍ"

(4)

، لكن السُّنة أن يقيم لها؛ لما تقدم.

(ولا يتطوَّع بينهما) أي: بين المغرب والعشاء المجموعتين؛ لقول أسامة وابن عُمر: "إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يفصِل

(5)

بينَهُمَا"

(6)

، لكن لا يبطل جَمْعُ التأخير بالتطوُّع بين المجموعتين، بخلاف جَمْعِ التقديم، كما تقدم في الجَمْع

(7)

.

(فإن صلى المغرب في الطريق، ترك السنة، وأجزأته) لأن كلَّ صلاتين جاز الجَمْعُ بينهما جاز التفريق بينهما، كالظُّهر والعصر بعَرَفة،

(1)

رواية أسامة رضي الله عنه، رواها البخاري في الوضوء، باب 6، حديث 139، وفي الحج، باب 95، حديث 1672، ومسلم في الحج، حديث 1280 (266، 276).

(2)

(2/ 71).

(3)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(4)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1288 (290).

(5)

في "ح" و"ذ": "لم يصل"، وهو الموافق للرواية.

(6)

تقدم تخريجه من حديث أسامة آنفًا، وأما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه البخاري في الحج، باب 96، حديث 1673.

(7)

(3/ 294، 297).

ص: 292

وفِعْل النبيِّ صلى الله عليه وسلم محمولٌ على الأفضل.

(وإن فاتته الصلاة مع الإمام بها) أي: بمزدلفة (أو بعَرفة، جَمَع وحدَه) لفعل ابن عمر

(1)

.

(ثم يبيتُ بها، حتى يصبح، ويصلي الفجرَ) لقول جابر: "ثم اضطجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى طلَعَ الفجرُ، فصلى الفجرَ حينَ تبيَّن لهُ الصُّبحُ بأذان وإقامة"

(2)

.

(وله الدَّفع قبل الإمام، وليس له الدَّفع قبل نصف الليل.

ويُباحُ) الدَّفْع من مزدلفة (بعدَه) أي: بعد نصف الليل (ولا شيء عليه، كما لو وافاها بعدَه) أي: بعد نصف الليل؛ لقول ابن عباس: "أنا ممن قدَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلقة في ضعفة أهله" متفق عليه

(3)

. وعن عائشة قالت: "أرسلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأم سَلَمة ليلة النَّحْر، فرمت الجمرَةَ قبل الفجر، ثم مضَتْ فأفاضَتْ". رواه أبو داود

(4)

.

(وإن جاء) مزدلفةَ (بعد الفجرِ، فعليه دم) لتركه نُسُكًا واجبًا.

(وإن دَفَعَ غيرُ سُقاة ورُعاة قبل نصفه) أي: الليل (فعليه دم إن لم يَعُدْ إليها) قبل الفجر، عالمًا كان أو جاهلًا، ذاكرًا أو ناسيًا؛ لأنه ترك

(1)

أخرجه البخاري في الحج، باب 97، 99، حديث 1675، 1683.

(2)

جزء من حديث جابر الطويل، أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(3)

البخاري في الحج، باب 98، حديث 1678، وفي جزاء الصيد، باب 25، حديث 1856، ومسلم في الحج، حديث 1293 (301).

(4)

في المناسك باب 66، حديث 1942. وأخرجه - أيضًا - الدارقطني (2/ 276)، والحاكم (1/ 469)، والبيهقي (5/ 133)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 316)، حديث 10182. قال الحاكم: صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار: وهذا إسناد لا غبار عليه. وقال النووي في المجموع (8/ 153): صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم.

ص: 293

نُسُكًا واجبًا، والنسيان إنما يؤثِّرُ في جعل الموجود كالمعدوم، لا في جعل المعدوم كالموجود، فإن عاد إليها (ولو بعد نصفه) فلا دم عليه.

وأما الرُّعاة والسُّقاة فلا دم عليهم بالدَّفْع قبلَه؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ للرُّعاة في تَرْكِ البيتوتة؛ لحديث عدي

(1)

. ورخَّص للعباس في ترك البيتوتة؛ لأجل سقايته

(2)

. ولأن عليهم مشقَّة لحاجتهم إلى حِفْظ مواشيهم، وسقي الحاج، فكان لهم تَرْك المبيت بمزدلفة، كليالي منى.

(و‌

‌حدُّ المزدلفة:

ما بين الجبلين المأزِمين) بكسر الزاي (ووادي

(1)

أخرجه أبو داود في المناسك، باب 78، حديث 1975، والترمذي في الحج، باب 108، حديث 955، والنسائي في المناسك، باب 225، حديث 3069، وابن ماجه في المناسك، باب 67، حديث 3037، ومالك في الموطأ (1/ 408)، وأحمد (5/ 450)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 214)، وابن الجارود (2/ 100)، حديث 478، وأبو يعلى (12/ 223) حديث 6836، وابن خزيمة (4/ 320) حديث 2975، 2979، والطبراني في الكبير (17/ 171) حديث 453، والحاكم (1/ 478)، (3/ 420)، والبيهقي (5/ 150)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 253، 256، 258)، والضياء في المختارة (8/ 171، 173) حديث 188، 192، كلهم من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال النووي في المجموع (8/ 246): رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة.

وأبو البداح هو عدي بن عاصم بن عدي العجلاني، رواه عن أبيه عاصم، فالحديث حديث عاصم بن عدي، وليس حديث عدي بن عاصم، كما ذكر المؤلف هنا، وقد ذكره على الصواب فيما يأتي (6/ 331).

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 75، 133، حديث 1364، 1745، ومسلم في الحج، حديث 1315، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 294

مُحسِّر) بالحاء المهملة والسين المهملة المشددة، وليس من مزدلفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وارفعوا عَنْ بطْنِ مُحسِّر"

(1)

قاله في "الشرح".

(فإذا أصبح) بمزدلفة (صلى الصُّبحَ بغلَس أولَ وَقْتها) لما تقدم في حديث جابر

(2)

؛ وليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام.

(ثم يأتي المَشْعَر الحرام) سُمِّيَ بذلك لأنه من علامات الحج؛

وتُسمَّى - أيضًا - المزدلفة بذلك تسمية للكلِّ باسم البعض، واسمه في

الأصل: قُزَح، وهو جبل صغير بالمزدلفة (فيَرقى عليه إنْ أمكنه، وإلا

وقف عنده، ويحمدُ الله) تعالى (ويهلِّلُه ويكبِّره، ويدعو، ويقول: اللَّهمَّ

كما وقَّفتنا فيه وأريتنا إيَّاه، فوفقنا لذِكرك كما هديتنا، واغفِر لنا وارحمنا

كما وعدتنا بقولك، وقولك الحق:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(3)

.

ثم لا يزالُ يدعو إلى أن يُسفِرَ جدًّا) لقول جابر: "ثم ركب القصوى حتَّى أتى المشعَرَ، فاستقبلَ القِبلة، ودَعاهُ وكبَّرهُ وهلَّلَهُ ووحَّدهُ، فلم يزَلْ واقفًا حتى أسفر جدًّا"

(4)

.

(ولا بأس بتقديم الضَّعَفة والنساء) في الدَّفْع من مزدلفة إلى منى بعد نصف الليل؛ لما تقدم من حديث ابن عباس وعائشة

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 279) تعليق رقم (4).

(2)

(6/ 293)، تعليق رقم (2).

(3)

سورة البقرة، الآيتان: 198، 199.

(4)

جزء من حديث جابر الطويل، أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(5)

(6/ 293)، تعليق رقم (3، 4).

ص: 295

فصل

(ثم يَدفعُ قبل طلوع الشَّمس إلى منى) لقول عمر: "كان أهلُ الجاهلية لا يفيضُونَ من جَمْع حتى تطلُعَ الشمسُ، ويقولونَ: أشْرِقْ ثَبيرُ كَيْمَا نُغير. وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَالَفَهم فأفَاض قبْلَ أنْ تطلُعَ الشمسُ". رواه البخاري

(1)

.

(وعليه السكينةُ) لقول ابن عباس: "ثم أردف النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفَضْلَ بن عبَّاس، وقال: أيها

(2)

الناس إنَّ البِرَّ ليس بإيجاف الخيلِ والإبلِ، فَعليْكم بالسَّكينة"

(3)

.

(فإذا بلغ وادي مُحسِّر) - بين مزدلفة ومنى، سُمِّي بذلك؛ لأنه يحسر سالكه - (أسرع، راكبًا كان) فيحرك دابته (أو ماشيًا قَدْر رمية حَجَرٍ) لقول جابر: "حتَّى أتي بطْنَ مُحسِّر حَرَّكَ قَليلًا"

(4)

. وروي أن ابن عُمر لما أتى مُحسِّرًا أسرع، وقال:

إليك تعدو قلقًا

(5)

وضينُها

مخالفًا دين النصارى دينها

(1)

في الحج، باب 100، حديث 1684، وفي مناقب الأنصار، باب 26، حديث 3838 دون قوله:"كيما نغير"، وأخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه في المناسك، باب 61، حديث 3022، وأحمد (1/ 39، 42)، والدارمي في المناسك، باب 55، حديث 1897، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 167) رقم 2495، والطبري في تهذيب الآثار "مسند عمر"(2/ 882) رقم 420، والطحاوي (2/ 218).

(2)

في "ذ": "يا أيها" وهو الموافق لما في المسند.

(3)

أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في المناسك، باب 64، حديث 1920، وأحمد (1/ 277)، والبيهقي (5/ 126)، وهو عند البخاري في الحج، باب 94، حديث 1671 بنحوه.

(4)

جزء من حديث جابر الطويل، أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(5)

"القلق: الانزعاج، والوضين بضاد معجمة: حزام الرحل" ا. هـ ش.

ص: 296

معترضًا في بطنها جنينها

(1)

(ويكون مُلبيًا إلى أن يرمي جَمْرة العقبة) لقول الفَضْل بن عباس: "لم يزَلْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُلبِّي حتَّى رمى الجمْرَة". رواه مسلم

(2)

مختصرًا (وهي) أي: جمرة العقبة (آخر الجمرات مما يلي منى، وأولها مما يلي مكَّة.

ويأخذ حصى الجِمار من طريقه قبل أن يصل إلى منى، أو) يأخذه (من مزدلفة، ومن حيث أخذه) أي: الحصا (جاز) لقول ابن عباس: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة، وهو على ناقته:"القطْ لي حصًى، فلقطتُ له سبع حصَيَات هن حصى الخَذْف، فجعل يَقْبِضهُنَّ في كَفِّهِ، ويقول: أمثالَ هؤلاء فارْمُوا، ثم قال: أيُّها الناسُ، إيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّين، فإنَّما أهلَك مَنْ كانَ قبلكم الغُلُوُّ في الدِّينِ". رواه ابن

(1)

أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث (2/ 301) وفيه: أنه دفع من جَمْع وهو يقول

فذكره. وروي مرفوعًا: أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 358)، وأخرجه الطبراني في الكبير (12/ 238) حديث 13201، وفي الأوسط (1/ 503) حديث 925، وابن عدي (1/ 369)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 81) حديث 938، من طريق أبي الربيع السَّمَّان، عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات، وهو يقول

فذكره.

قال الطبراني: وَهِمَ عندي أبو الربيع السَّمَّان في رفع هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المشهور في الرواية عن ابن عمر من عرفات وهو يقول، ثم ذكر الرَّجَز. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هشيم: أبو الربيع يَكذب. وقال الدارقطني: متروك. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 256): فيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف.

وروي موقوفًا على عمر رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الأم (2/ 213)، وابن أبي شيبة (4/ 81، 8/ 815)، والبيهقي (5/ 126) وفيه: أنه كان يحرك في بطن محسِّر، وهو يقول

فذكره.

(2)

في الحج، حديث 1281، ورواه - أيضًا - البخاري في الحج باب 101 حديث 1685.

ص: 297

ماجه

(1)

. وكان ذلك بمنى.

قال في "الشرح" وفي "شرح المنتهى": "وكان ابن عُمر يأخذ الحصى من جَمْعٍ"

(2)

. وفَعَلَه سعيد بن جبير، وقال:"كانوا يتزوَّدون الحصى من جَمْعٍ"

(3)

. وذلك لئلا يشتغل عند قدومه منى بشيء قبل الرّمي؛ لأن الرَّمي تحية منى كما يأتي

(4)

، فلا يبدأ بشيء قبله.

(ويُكره) أخذ الحصى (من منى، وسائر الحرم) هذا معنى كلامه في "الفروع" و"الإنصاف" و"التنقيح" و"المنتهى"، بعد أن قدَّم في "الإنصاف" أنه يجوز أخذه من طريقه، ومن مزدلفة، ومن حيث شاء، وأنه المذهب، وعليه الأصحاب، وهو معنى ما تقدم في قوله: ومن

(1)

في المناسك، باب 63، حديث 3029. وأخرجه - أيضًا - النسائي في المناسك، باب 217، حديث 3057، وفي الكبرى (2/ 435)، حديث 4063، وابن سعد (2/ 180)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 255، وأحمد (1/ 215، 347)، وابن الجارود (2/ 98) حديث 473، وأبو يعلى (4/ 316، 357) حديث 2427، 2472، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 288)، حديث 2639، وابن خزيمة (4/ 274) حديث 2867، والمحاملي في الأمالي ص/ 84، حديث 33، وابن حبان "الإحسان" (9/ 183) حديث 3871، والطبرني (12/ 121) حديث 12747، والحاكم (1/ 466)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 223)، وابن حزم في حجة الوداع ص/ 191، حديث 139، والبيهقي (5/ 127)، والضياء في المختارة (10/ 29 - 32) حديث 20 - 23.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه. ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (8/ 171): رواه النسائي بإسناد صحيح على شرط مسلم.

(2)

أخرجه البيهقي (5/ 128).

(3)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، لكن روى ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 190 عنه أنه قال:"خذوا الحصى من حيث شئتم".

(4)

(6/ 301).

ص: 298

حيث أخذه جاز. قال أحمد

(1)

: خُذِ الحصى من حيث شئت. وفي حديث الفضل بن عباس: ". . . حتى دخل مُحسِّرًا وقال: عليكم بحصى الخذف الذي تُرْمَى بهِ الجمْرَة" رواه مسلم

(2)

. ولما تقدم

(3)

من حديث ابن عباس وفِعْلِ ابن عُمر، وقول سعيد بن جبير. ولذلك قال في "تصحيح الفروع" عمَّا في "الفروع": إنه سهو، وقال: لعله أراد حَرَم الكعبة، وفي معناه قوة. انتهى. أي: أراد بالحَرَم المسجد الحرام، ويؤيده قوله في "المستوعِب": وإن أخذه من غيرها جاز، إلا من المسجد، لما ذكرنا أنه يكره إخراج شيء من حصباء الحَرَم، وترابه. انتهى. وقول ابن جماعة في "مناسكه الكبرى"

(4)

: وقال الحنابلة: إنه يُكره من المسجد ومن الحِلِّ. انتهى. وما أُجيب به عن "الفروع"، لا يتأتَّى الجواب به عن كلام المصنف.

(و) يُكره (تكسيرُه) أي: الحصى، لئلا يطير إلى وجهه شيء فيؤذيه. ويُكره أخذه من الحُش.

(ويكون) حصى الجِمار (أكبر من الحِمَّص، ودون البندُق، كحصى الخَذْف) لما تقدم من حديث ابن عباس وأخيه الفضل

(5)

(فلا يجزئ صغيرٌ جدًّا، ولا كبير) لأمره صلى الله عليه وسلم بالرمي بمثل حصى الخذف، فلا يتناول ما لا يُسمَّى حصى، ولا كبيرة تُسمَّى حجرًا.

(1)

مسائل عبد الله (2/ 740) رقم 992.

(2)

في الحج، حديث 1282.

(3)

في الصفحة السابقة.

(4)

المسمَّاة: هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك (3/ 1199).

(5)

حديث ابن عباس رضي الله عنهما تقدم (6/ 297 - 298) تعليق رقم (1)، وحديث الفضل رضي الله عنه تقدم آنفًا.

ص: 299

(ويجزئ مع الكراهة) الرمي بحصى (نجس) أما إجزاؤه؛ فلعموم الأمر، وأما الكراهة فخروجًا من الخلاف (فإن غَسَله) أي: النجس (زالت) الكراهة لزوال عِلَّتها.

(و) تجزئ (حصاة في خاتم إن قَصَدها) بالرمي كغيرها، فإن لم يقصدها لم تجزئه؛ لحديث "وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوى"

(1)

.

(ولا فَرْقَ بين كون الحصى أبيض، أو أسود، أو كَدَّانًا

(2)

أو أحمرَ من مَرْمَرٍ، وبِرام، ومَرْوٍ - وهو حَجَر الصوان -، ورُخام، ومِسَنٍّ

(3)

وغيرها) لعموم الأخبار.

(وعدد الحصى سبعون حصاةً.

ولا يُستحبُّ غَسْلُه) قال أحمد

(4)

: لم يبلغنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَله (إلا أن يَعلمَ نجاسته) فيغسله، خروجًا من الخلاف في إجزائه.

(فإذا وصَل إلى منى - وحَدُّها: من وادي مُحسِّرٍ إلى جَمْرة العقبة) ووادي محسر وجمرة العقبة ليسا من منى، ويُستحبُّ سلوك الطريق الوسطى التي تخرج على الجَمْرة الكبرى؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَلَكها، كذا في حديث جابر

(5)

، قاله في "الشرح"(بدأ بها راكبًا إن كان) راكبًا، لحديث ابن مسعود "أنَّهُ انتهى إلى جَمْرة العقبة، فرمَاها من بطن الوادي بسبع

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(2)

كذا في الأصول بالدال، وصوابه:"كذانًا" بالذال المعجمة والكَذَّان: حجارة رخوة كالمدر. القاموس المحيط ص/ 430، مادة:(كذذ).

(3)

المِسَنُّ: حجر يُسَنُّ عليه السكين ونحوه. "المصباح المنير" ص/ 396 مادة: (سنن).

(4)

في مسائل حنبل كما في كتاب الروايتين والوجهين (1/ 285)، والمغني (5/ 291).

(5)

روى مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 1218 عن جابر رضي الله عنه في حديث طويل:"ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى".

ص: 300

حصيات، وهو راكبٌ يكبِّرُ مع كُلِّ حصاةٍ، وقال: اللَّهُمَّ اجعَلْه حَجًّا مَبرورًا، وذَنْبًا مغفورًا، ثم قال: ههنا كان يقومُ الذي أُنْزِلَتْ عَليهِ سُورَةُ البقرةِ" رواه أحمد

(1)

. وظاهر كلام الأكثر ماشيًا (وإلا) أي: وإن لم يكن راكبًا، رماها (ماشيًا).

وقوله: (لأنها تحيَّةُ منى) تعليلٌ لبداءته بها، كما أن الطواف تحية المسجد، فلا يبدأ بشيء قبله.

(فرماها) أي: جَمْرة العقبة (بسبعِ) حصيات (واحدة بعد واحدة) أي: حصاة بعد حصاة (بعد طلوع الشمس نَدْبًا) لقول جابر: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجَمْرة ضُحى يوم النَّحْر وحدَه" أخرجه مسلم

(2)

.

(فإن رَمَى بعد نصف ليلة النَّحْرِ أجزأ) هـ الرمي. قلت: إن كان وَقَف، وإلا؛ فبعدَه، كطواف الإفاضة، لما روى أبو داود عن عائشة "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ أمَّ سلمةَ ليلة النَّحْرِ، فرمت جمْرَةَ العقبة قبل الفجرِ، ثم مضت فأفَاضَتْ"

(3)

. ورُوي أنه "أمرَهَا أن تُعَجِّلَ الإفاضةَ وتُوافي مكة مع صلاة الفجرِ"

(4)

، احتجَّ به

(1)

(1/ 427). وأخرجه - أيضًا - أبو يعلى (9/ 115) حديث 5185، والبيهقي (5/ 129)، وانظر (6/ 305) تعليق رقم (2). وسيأتي (6/ 305) عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا وموقوفًا، تعليق رقم (3).

(2)

في الحج، حديث 1299 (314) دون قوله:"وحده". وقد رواه باللفظ المذكور أحمد (3/ 319)، والجوزقي في المتفق كما في تغليق التعليق (3/ 107).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 293) تعليق رقم (4).

(4)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 213)، والبيهقي (5/ 133)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 311)، حديث 10163، عن داود بن عبد الرحمن العطار، والدراوردي، عن هشام بن عروة، عن عروة - مرسلًا -.

وأخرجه مسلم في التمييز ص/ 186، والأثرم - كما في زاد المعاد (2/ 249)، =

ص: 301

أحمد

(1)

.

ولأنه وَقْتُ الدفع

(2)

من مزدلفة، فكان وقتًا للرمي، كما بعد طلوع الشمس.

وحديث أحمد عن ابن عباس مرفوعًا: "لا تَرْمُوا الجمْرةَ حتى تَطْلُعَ الشَّمسُ"

(3)

محمولٌ على وَقْتِ الفضيلة، جمعًا بين الأخبار.

= والفاكهي في أخبار مكة (5/ 48) حديث 2813، وأبو يعلى (12/ 432) حديث 7000، والطحاوي (2/ 219)، والبيهقي (5/ 133)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 297، 312)، وابن عبد البر في الاستذكار (13/ 63) من طريق أبي معاوية محمد بن خازم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها بنحوه - مرفوعًا.

قال الأثرم: قال أحمد: لم يسنده غيره [أي: أبو معاوية] وهو خطأ. وقال ابن القيم: حديث منكر، أنكره الإمام أحمد وغيره. وأعله الطحاوي (2/ 219)، وابن التركماني في الجوهر النقي (5/ 132) بالاضطراب. انظر: زاد المعاد (2/ 249)، والتلخيص الحبير (2/ 258).

(1)

المغني (5/ 295).

(2)

في "ح" و"ذ": "للدفع".

(3)

أحمد (1/ 234، 272، 277، 311، 326، 343). وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الصغير (1/ 294، 295)، وأبو داود في الحج، باب 66، حديث 1940، 1941، والترمذي في الحج، باب 58، حديث 893، والنسائي في المناسك، باب 222، حديث 3064، وابن ماجه في المناسك، باب 62، حديث 3025، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (2/ 422)، والطيالسي ص/ 356، حديث 2729، والحميدي (1/ 221) حديث 465، وأبو عبيد في غريب الحديث (1/ 128)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 356، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 316) حديث 2695، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 809) حديث 2175، والطحاوي (2/ 216، 217)، وفي شرح مشكل الآثار (9/ 118 - 122)، حديث 3492 - 3503، وابن حبان "الإحسان"(9/ 181)، حديث 3869، والطبراني في الكبير (11/ 305، 306، 315) حديث 12073، 12078، =

ص: 302

(وإنْ غربت الشَّمسُ) قبل رمي الجَمْرة (فـ) إنه يرميها (بعد الزوال من الغد) لقول ابن عُمر: "من فَاتَهُ الرَّمْيُ حتَّى تغيبَ الشمسُ فلا يَرْمِ حتى تزولَ الشمسُ من الغدِ"

(1)

.

= 12120، 12121، و (12/ 28، 108 - 109) حديث 12390، 12699، 12701، 12702، وفي الأوسط (10/ 212) حديث 9464، وابن عدي (4/ 1340)، والبيهقي (5/ 131، 132)، وابن عبد البر في الاستذكار (13/ 62)، والبيهقي في شرح السنة (7/ 174، 175) حديث 1942، 1943.

وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال ابن القيم في زاد المعاد (2/ 248): حديث صحيح، صححه الترمذي وغيره.

وقال الحافظ في الفتح (3/ 528): حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلمان بني عبد المطلب: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس، وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود، والنسائي، والطحاوي، وابن حبان من طريق الحسن العرني، عن ابن عباس، وأخرجه الترمذي، والطحاوي من طرق عن الحكم، عن مقسم، عنه، وأخرجه أبو داود من طريق حبيب، عن عطاء، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، ومن ثم صحَّحه الترمذي، وابن حبان.

وأعله البخاري في التاريخ الصغير بالاضطراب، والانقطاع. وقال ابن خزيمة في صحيحه (4/ 280): قد خرَّجت طرق أخبار ابن عباس في كتابي الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَبُنَيَّ، لا ترمرا الجمرة حتى تطلع الشمس، ولست أحفظ في تلك الأخبار إسنادًا ثابتًا من جهة النقل.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 404): أخرجه النسائي وابن ماجه، والحسن العرني بجلي كوفي ثقة، احتج به مسلم، واستشهد به البخاري، غير أن حديثه عن ابن عباس منقطع، قال الإمام أحمد بن حنبل: الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس شيئًا، وقال يحيى بن معين: يقال إنه لم يسمع من ابن عباس. وقال ابن عبد الهادي في المحرر (1/ 405): في إسناده انقطاع.

(1)

أخرجه البيهقي (5/ 150) بلفظ: من نسي أيام الجمار، أو قال: رمي الجمار إلى الليل، فلا يرمي حتى تزول الشمس من الغد. وفي رواية: إذا نسيت رمي الجمرة يوم النحر إلى الليل، فارمها بالليل. وإذا كان من الغد فنسيت الجمار حتى الليل فلا ترمه حتى يكون من الغد عند زوال الشمس، ثم ارم الأول فالأول.

ص: 303

(فإن رماها) أي السَّبْع (دَفْعة واحدةً لم يُجزئْه) الرميُ (إلا عن) حصاة (واحدة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم رَمَى سَبْعَ رمَيَاتٍ، وقالَ:"خُذُوا عنِّي منَاسِككُمْ"

(1)

(ويؤدَّبُ نصًّا) نقله الأثرم

(2)

.

(ويُشترطُ عِلمه بحصُولها) أي: السَّبْع حصيات (في المَرْمى) في جَمْرة العقبة (وفي سائر الجمرات) لأن الأصل بقاء الرَّمْي في ذِمته، فلا يزول عنه بالظن، ولا بالشَّكِّ فيه.

(ولا يُجزئ وَضْعها) أي: الحصيات في المَرْمى؛ لأنه ليس برمي (بل) يُعتبر (طَرْحُها) لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله: "خُذوا عنِّي مناسِككم"(1).

(ولو أصابت) الحصاةُ (مكانًا صُلْبًا) بضم الصاد وسكون اللام (في غير المَرْمى، ثم تدحرجت إلى المَرْمى، أو أصابَتْ ثوبَ إنسانٍ ثم طارت فوقعت في المَرْمى أجزأته) لأن الرامي انفرد برميها.

(وكذا لو نَفَضها) أي: الحصاة (من وقعت على ثوبه، فوقعت في المَرْمى) أجزأته (نصًّا)

(3)

لحصولها في المَرْمى (وقال ابن عقيل: لا تجزئه؛ لأن حصولها في المَرْمى بفعل الثاني) دون الأول (قال في "الفروع": وهو أظهر، قال في "الإنصاف": قلت: وهو الصواب) وهو كما قال.

"تنبيه": قد علمت مما سبق أن‌

‌ المَرْمى مجتمع الحصى،

كما قال الشافعي

(4)

، لا نَفْس الشاخص ولا مَسيله.

(وإن رمَاها) أي: الحصاة (فاختطفَها طائرٌ قبل حصولها فيه) أي: المَرْمى (أو ذهبت بها الريحُ عن المَرْمى لم يُجزئْه) أي لم يعتدَّ له بها،

(1)

تقدم تخريجه (6/ 242) تعليق رقم (4).

(2)

الفروع (3/ 512).

(3)

الجامع الصغير لأبي يعلى ص/ 110، والمغني (5/ 296).

(4)

في الأم (2/ 213).

ص: 304

لعدم حصولها في المَرْمى.

(ويُكبِّر مع كلِّ حصاة) لفعله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم

(1)

من حديث جابر.

(ويَستبطنُ الوادي) لفعله صلى الله عليه وسلم، متفق عليه

(2)

من حديث ابن عمر.

(ويقول) مع كل حصاة: (اللهمَّ اجْعَلْه حجًّا مبرورًا) أي: مقبولًا. يقال: بَرَّ الله حَجَّه، أي: تقبَّله (وذَنْبًا مغفورًا، وعملًا مشكورًا) لحديث ابن عُمر مرفوعًا، رواه حنبل

(3)

. وكذا كان ابن عباس يقوله

(4)

.

(ويرفع الرامي) للجمار (يُمناه حتى يُرى) بالبناء للمفعول (بياضُ إبْطِه) لأن في ذلك معونة على الرمي (ويَرْميها على حاجبه الأيمن) لقول

(1)

في الحج، حديث 1218.

(2)

البخاري في الحج، باب 140 - 142، حديث 1751 - 1753، بلفظ: أنه كان يَرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يُكبِّر إثْرَ كل حصاة

ثم يَرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي

فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَفعلُه.

ولم نقف عليه عند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقد روى البخاري في الحج، باب 138، حديث 1750، ومسلم في الحج، حديث 1296، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه أتى جمرة العقبة، فاستبطن الوادي فاستعرضها، فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يُكبِّر مع كل صلاة، ثم قال: من هاهنا والذي لا إله غيره، قام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة. فلعل الصواب: متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(3)

لعل حنبلًا رواه في مسائله، ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - البيهقي (5/ 129). وفي سنده: عبد الله بن حكيم. قال البيهقي: ضعيف.

وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 273، والطبراني في الدعاء (2/ 1209) رقم 881، عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا. وضعفه الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 250).

(4)

لم نقف على من أخرجه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد عزاه ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 250) إلى ابن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهم، وذكر أنه أسنده عنهما سعيد بن منصور في السنن من وجهين ضعيفين، وكذا عزاه ابن مفلح في المبدع إلى ابن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهم وقد تقدم أثر ابن مسعود رضي الله عنه (6/ 301) تعليق رقم (1).

ص: 305

عبد الله بن يزيد

(1)

: "لما أتَى عبدُ الله جمرَةَ العقَبَةِ استبطَنَ الواديَ، واستقْبَل القبلة، وجعلَ يرمي الجمرةَ على حاجبهِ الأيمن، ثم رَمَى بسبع حصياتٍ، ثم قال: والذي لا إله غيرُهُ من ههنَا رمَى الذي أُنزلتْ عليه سورةُ البقرة" قال الترمذي: حديث صحيح

(2)

.

(وله رَمْيُها) أي: جَمْرة العقبة (من فَوْقها) لفعل عمر

(3)

.

(ولا يقفُ) الرامي (عندها) أي: جَمْرة العقبة (بل يرميها وهو ماشٍ) يعني بلا وقوف عندها؛ لقول ابن عمر وابن عباس: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رَمَى جَمْرة العقبة انصرفَ ولم يقفْ" رواه ابن ماجه

(4)

وروى البخاري

(5)

معناه من حديث ابن عمر. ولضيق المكان.

(و‌

‌يَقطعُ التَّلبيةَ مع رَمي أولِ حصاةٍ

منها) لما تقدم من حديث الفضل بن عباس

(6)

، وفي بعض ألفاظه:"حتى رَمَى جَمْرة العقبةِ قطَعَ عنْدَ أولِ حصاةٍ" رواه حنبل في "مناسكه"

(7)

.

(1)

"عبد الله بن يزيد": كذا في الأصول، وصوابه: عبد الرحمن بن يزيد، كما في مصادر التخريج.

(2)

الترمذي في الحج، باب 64، حديث 901، وابن ماجه في المناسك، باب 64، حديث 3030، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وانظر ما تقدم (6/ 305)، تعليق رقم (2).

(3)

أخرج ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 185 عن الأسود، قال: رأيت عمر بن الخطاب يرمي جمرة العقبة من فوقها. قال الحافظ في الفتح (3/ 580): وفي إسناده ابن أرطاة، وفيه ضعف.

(4)

في المناسك، باب 65، حديث 3032، 3033. وحسَّن إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 142).

(5)

في الحج، باب 140، 141، 142، حديث 1751، 1752، 1753.

(6)

تقدم تخريجه (6/ 297) تعليق رقم (2).

(7)

كذا في الأصول: "مناسكه"، ولعل الصواب:"مسائله"، فإن له مسائل عن الإمام =

ص: 306

(فإن رَمَى بذهب، أو فضَّة، أو) رَمَى بـ (ــغير الحصى من الجواهر المُنْطَبِعةِ، والفَيْرُوزَجِ، والياقوتِ، والطينِ، والمَدَرِ) وهو التراب الملبَّد (أو) رَمَى (بغير جنس الأرض) كالحديد والنحاس والرصاص والخشب، لم يجزئه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رَمَى بالحصى، وقال:"خذوا عنِّي مناسككم"

(1)

.

(أو) رَمَى (بحجر) أي: حصى (رُمِي به، لم يجزئه) نصًّا

(2)

؛ لأنه استُعمل في عبادة، فلا يُستعمل فيها ثانيًا، كماء الوضوء؛ ولأن ابن عباس قال:"ما تُقبِّل منه رُفع"

(3)

.

= أحمد، ولم تطبع، ولم نجد في مصادر ترجمته أن له مؤلفًا في المناسك، ولم نجد من خرجه بهذا اللفظ، وأخرج ابن خزيمة (4/ 281) حديث 2886، والبيهقي (5/ 137) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة.

قال ابن التركماني: إن في إسناده شريكًا ضعَّفه جماعة، وعامر بن شقيق ضعَّفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.

قلنا: وقد أخرجه أبن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 271، عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا.

ثم أخرج ابن خزيمة برقم 2887، ومن طريقه البيهقي (5/ 137) عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما أنه قال: أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة.

قال ابن خزيمة: فهذا الخبر يصرح بأن قطع التلبية مع آخر حصاة لا مع أولها.

وذكر ابن التركماني أن التكبير لا يمنع التلبية، إذ الحاج له أن يكبر ويلبي ويهلل، وقد بين ذلك ابن مسعود.

قلنا: يريد حديثه الذي رواه البيهقي (5/ 138) وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم ما ترك التلبية حتى رمى الجمرة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 259).

(1)

تقدم تخريجه (6/ 242) تعليق رقم (4).

(2)

الفروع (3/ 511).

(3)

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، كما في نصب الراية (3/ 79)، وابن أبي =

ص: 307

(ثم يَنحرُ هَديًا إن كان معه، واجبًا كان أو تطوُّعًا) لقول جابر في صفة حَجِّه صلى الله عليه وسلم: "أنه رَمى من بطنِ الوادي، ثم انصرفَ إلى المَنْحَرِ، فنَحَرَ ثلاثًا وستينَ بدنَةً بيده، ثم أعطى عليًّا فنحَرَ ما غبرَ، وأشركه في هديه"

(1)

.

(فإن لم يكن معه هَديٌ وكان عليه هَديٌ واجبٌ) لتمتُّع، أو قِران أو نحوهما (اشتراه) وذبحه.

(وإن أحب أن يُضحِّي اشترى ما يُضحِّي به) وكذا إن أحب أن يتطوَّع بهدي.

(ثم يحلِقُ رأسَه) لحديث ابن عُمر "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رأسَهُ في حَجَّة الودَاعِ" متفق عليه

(2)

.

(ويبدأ بأيمنه) أي: شِقَّ رأسه الأيمن؛ لحديث أنس "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتَى منى، فأتى الجَمرَةَ فرمَاها، ثم أتى منزلَهُ بمنى، ونَحَرَ، ثم قال للحلاق: خُذ، وأشَارَ إلى جَانبه الأيمنِ، ثم الأيسرِ، ثم جَعَل يعطيهِ الناسَ" رواه مسلم

(3)

.

(ويَستقبلُ القِبلة فيه) أي: في الحَلْق، لأنه نُسُكٌ أشبه سائر المناسك.

= شيبة (4/ 32)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 292 - 294)، حديث 2648، 2649، 2651، 2653، 2654، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 176، 177)، والبيهقي (5/ 128). قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 259 - 260): ولا يصح مرفوعًا، وهو مشهور عن ابن عباس موقوفًا عليه.

(1)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(2)

البخاري في الحج، باب 127، حديث 1726، 1729، وفي المغازى، باب 77، حديث 4410، 4411، ومسلم في الحج، حديث 1304.

(3)

في الحج، حديث 1305.

ص: 308

(ويُكبِّرُ وقت الحَلْق) كالرمي.

(والأَولى أن لا يشارط الحلَّاق على أجرة) قال أبو حكيم

(1)

: ثم يصلي ركعتين

(2)

.

(وإن قصَّر فمن جميع شَعْر رأسه) نصَّ عليه

(3)

(لا من كل شعرة بعينها) لأن ذلك لا يُعلم إلا بحَلْقِه. والأصل في ذلك قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}

(4)

وهو عامٌّ في جميع شعر الرأس، وقد حَلَق صلى الله عليه وسلم جميعَ رأسه

(5)

، فكان ذلك تفسيرًا لمطلق الأمر بالحَلْق، أو التقصير، فيجب الرجوع إليه.

ومن لبَّد رأسه أو ضفَّره أو عَقَصه فكغيره.

(والمرأة تُقصِّرُ من شعرها على أيِّ صفةٍ كان من ضَفْر وعَقْص وغيرهما، قَدْر أُنمُلَةٍ فأقلَّ من رؤوس الضَّفائر) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "ليس على النساء حَلْق، إنما على النساء التقصير" رواه أبو داود

(6)

. ولأنه مُثْلَةٌ في حقِّهن.

(1)

تقدم التعريف به (4/ 201) تعليق رقم (5).

(2)

ليس على هذا دليل يُعتمد عليه.

(3)

انظر: كتاب التمام (1/ 315)، والمستوعب (4/ 243) والمغني (5/ 244).

(4)

سورة الفتح، الآية:27.

(5)

كما يدلُّ عليه حديث أنس المتقدم.

(6)

في المناسك، باب 79، حديث 1984، 1985. وأخرجه - أيضًا - الدارمي في الحج، باب 63، حديث 1905، والطبراني في الكبير (12/ 261) حديث 13018، والدارقطني (2/ 271) والخطيب في الموضح (1/ 427)، وصححه أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (1/ 281). وقال النووي في المجموع (8/ 197)، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 261): إسناده حسن. وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 182): ضعيف منقطع. وضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام =

ص: 309

(وكذا عَبْدٌ) يقصِّر (ولا يحلِقُ إلا بإذن سيِّده؛ لأن الحَلْق ينقص قيمته.

ويُسنُّ أخْذُ أظفاره) أي: الحاج (وشارِبه ونحوه) كعانته وإبطه. قال ابن المنذر

(1)

: ثبت "بأن

(2)

رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حَلَقَ رأسَهُ قلَّمَ أظفَارهُ"

(3)

وكان ابن عُمر يأخذ من شاربه وأظفاره

(4)

.

ويُستحبُّ إذا حلق أن يبلغ العظم الذي عند منقطع الصُّدغ من الوجه، لقول ابن عُمر للحالق:"أبلغْ العظمين"

(5)

افصل الرأسَ من اللحية. وكان عطاء يقول: "من السُّنة إذا حَلَقَ أن يبلغ العظمين"

(6)

.

= (2/ 545)(4/ 290)، وردَّ عليه ابن الموَّاق. انظر: التلخيص الحبير.

(1)

انظر كتابه الإقناع (1/ 227).

(2)

في "ذ": "أن".

(3)

أخرج البخاري في التاريخ الكبير (5/ 112)، وابن سعد (3/ 537)، وأحمد (4/ 42)، وابن خزيمة (4/ 300 - 301) حديث 2931، 2932، والحاكم (1/ 475)، والبيهقي (1/ 25)، وفي شعب الإيمان (2/ 202) حديث 1535، وفي دلائل النبوة (5/ 441)، وابن عساكر في تاريخه (4/ 340)، عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحر ومعه رَجلٌ من الأنصار، وقسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا، فلم يصبه ولا صاحبه شيء، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه، فقسَم منه على رجال وقلَّم أظفاره. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(4)

أخرجه البيهقي (5/ 104)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 266)، وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 396)، ومن طريقه الشافعي في الأم (7/ 253) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 361) دون قوله:"وأظفاره".

(5)

أخرجه الشافعي في مسنده (ترتيبه 1/ 362)، ومسدد، كما في المطالب العالية (1/ 77) رقم 74، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 354، والبيهقي (5/ 103)، وفي بيان خطأ من أخطأ على الشافعي ص/ 222.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 354.

ص: 310

(و‌

‌من عَدِم الشَّعرَ استُحبَّ أن يُمِرَّ الموسى على رأسِه)

رُوي عن ابن عُمر

(1)

. ولا يجب؛ خلافًا لأبي حنيفة

(2)

.

(ثم قد حلَّ له كلُّ شيء من الطِّيب وغيره إلا النِّساءَ) نصَّ عليه في رواية الجماعة

(3)

(من الوَطء والقُبلة واللَّمْس لشهوةٍ وعَقْدِ النكاح) لحديث عائشة مرفوعًا قال: "إذا رميتم وحلقتم فقد حَلَّ لكم الطِّيبُ والثيابُ وكلُّ شيءٍ إلا النساءَ" رواه سعيد

(4)

.

وقالت عائشة: "طيَّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لإحرامِهِ حين أحْرَمَ؛ ولحلِّهِ قبل أنْ يَطُوفَ بالبيتِ" متفق عليه

(5)

.

(1)

أخرجه البيهقي (5/ 103). وضعفه النووي في المجموع (8/ 214).

(2)

انظر: فتح القدير (2/ 178).

(3)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 681) رقم 916، ومسائل صالح (3/ 103) رقم 1431. ومسائل ابن هانئ (1/ 170) رقم 858.

(4)

لم نجده في المطبوع من سننه. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المناسك، باب 78، حديث 1978، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 241، وأحمد (6/ 143)، والحارث بن أبي أسامة، كما في بغية الباحث ص/ 127، حديث 377، وأبو يعلى (7/ 442) حديث 4465، وابن خزيمة (4/ 302) حديث 2937، والطحاوي (2/ 228)، والدارقطني (2/ 276)، والبيهقي (5/ 136).

قال أبو داود: هذا حديث ضعيف، وضعفه ابن خزيمة، وقال البيهقي: وهذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة. وقال النووي في المجموع (8/ 225): رواه أبو داود بإسناد ضعيف جدًّا من رواية الحجاج بن أرطاة وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 260): ومداره على الحجاج، وهو ضعيف ومدلس. وانظر الدراية (2/ 26). وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 242، عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا.

(5)

تقدم تخريجه (6/ 84) تعليق رقم (4).

ص: 311

فصل

(ويحصُلُ التَّحلُّلُ الأولُ باثنين من ثلاثة: رَمْيٍ) لجمرة العقبة (وحَلْقٍ) أو تقصير (وطوافِ) إفاضة؛ لحديث سعيد عن عائشة السابق

(1)

. وقِيسَ على الحَلْق والرَّمي الباقي، فلو حَلَق وطاف، ثم واقع أهله قبل الرمي، فحَجُّه صحيح، وعليه دَمٌ.

(و) يحصُل التحلُّل (الثاني بالثالث منها) أي: من الحَلْق والرَّمي والطواف، مع السعي إن كان متمتعًا، أو كان مُفْرِدًا أو قارنًا، ولم يَسْعَ مع طواف القدوم.

(فالحَلْقُ والتقصيرُ) الواو بمعنى "أو"(نُسُكٌ) لقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}

(2)

فوصفهم، وامتنَّ عليهم بذلك، فدلَّ أنه عن العبادة، لا إطلاق من محظور؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:"فلْيقصِّرْ ثم ليحلل"

(3)

ولو لم يكن نُسكًا لم يتوقف الحِلُّ عليه، ودعا صلى الله عليه وسلم للمُحلِّقين والمقصِّرين

(4)

،

(1)

تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

سورة الفتح، الآية:27.

(3)

أخرجه البخاري في الحج، باب 104، حديث 1691، ومسلم في الحج، حديث 1227، عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ:"وليقصر وليحلل" وإنما رواه بلفظ: "ثم ليحلل" النسائي في المناسك، باب 61، حديث 2769 من قول ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه البخاري في الحج، باب 127، حديث 1727، ومسلم في الحج، 1301، عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: والمقصرين".

ص: 312

وفاضل بينهم، فلولا أنه نُسك لما استحقوا لأجله الدُّعاء، ولما وقع التفاضل فيه، إذ لا مفاضلة في المباح ففي تركهما دَمٌ (وإن أخَّره عن أيام منى فلا دَمَ عليه) لأنه لا آخر لوقته.

(وإن قدَّم الحَلْقَ على الرمي أو) على (النَّحْر، أو طاف للزيارة) قبل رميه (أو نَحَر قبل رميه جاهلًا أو ناسيًا، فلا شيء عليه، وكذا لو كان عالمًا) لحديث عطاء "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له رجلٌ: أفضتُ قبل أنْ أرمي؟ قال: ارْمِ ولا حرج" وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قدَّم شيئًا قبل شيءٍ فلا حرج" رواهما سعيد في "سننه"

(1)

.

وعن عبد الله بن عَمرو قال: "قال رجل: يا رسول الله، حلقتُ قبل أن أذبحَ؟ قال: اذبحْ ولا حرج. فقال آخرُ: ذبحتُ قبلَ أن أرمِيَ؟ قال: ارْمِ ولا حَرجَ" متفق عليه

(2)

.

وفي لفظ قال: "فجاءَ رجلٌ فقال: يا رسولَ الله لم أشعُرْ، فحَلَقْتُ قبل أنْ أذبحَ، وذكر الحديث، قال: فما سمِعْتُه يُسْألُ يَومئذٍ عن أمر مما ينسى المرءُ أو يجهلُ، من تقديم بعض الأمورِ على بعضٍ، وأشباهِها إلا قال: افْعَلُوا ولا حرجَ" رواه مسلم

(3)

.

(1)

لم نجدهما في المطبوع من سننه. وحديث عطاء الأول أخرجه - أيضًا - العقيلي في الضعفاء (1/ 20).

وحديثه الثاني أخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 417، والعقيلي في الضعفاء (1/ 20 - 21)، بلفظ:"من قدَّم شيئًا من حجه مكان شيء فلا حرج".

وسيذكره المولف قريبًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

البخاري في العلم، باب 23، 46، حديث 83، 124، وفي الحج، باب 131، حديث 1736، 1738، وفي الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6665، ومسلم في الحج، حديث 1306.

(3)

في الحج، حديث 1306 (328).

ص: 313

وعن ابن عباس معناه مرفوعًا. متفق عليه

(1)

.

(لكن يُكرَه) ذلك للعالم؛ خروجًا من الخلاف.

(وإن قدَّم) طوافَ (الإفاضةِ على الرمي أجزأه طوافُه) لما تقدم.

(ثم يخطُب الإمام يوم النَّحْر بكرةَ النهار بمنى خُطبة مفتتحة بالتكبير، يُعلِّمهم فيها: النَّحرَ، والإفاضةَ، والرَّمي) نصَّ عليه

(2)

؛ لحديث ابن عباس "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطبَ الناس يوْمَ النَّحْرِ" يعني: بمنى، أخرجه البخاري

(3)

.

ولأنه يومٌ تكثُر فيه أفعال الحج من الوقوف بالمَشْعر الحرام، والدفع منه إلى منى، والرَّمي، والنَّحْر، والحَلْق

(4)

، والرجوع إلى منى ليبيت بها، وليس في غيره مثله، فلذلك يُسمَّى

(5)

: يوم الحج الأكبر. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النَّحْر: "هذا يومُ الحَج الأكبر" رواه البخاري

(6)

.

(ثم يُفيضُ إلى مكة فيطوفُ متمتِّعٌ لقُدُومه) كطوافه (لعُمْرَته) السابق في دخول مكة (نصًّا)

(7)

- هكذا في "الإنصاف" وبعض النُّسخ، وفي بعضها: كعُمْرته - والمعنى على ما ذكرته (بلا رَمَل) ثم يطوف للزيارة.

(1)

البخاري في العلم، باب 24، حديث 84، وفي الحج، باب 125، 130، حديث 1721 - 1723، 1735، وفي الأيمان والنذور، باب 15، حديث 6666، ومسلم في الحج، حديث 1307.

(2)

مسائل صالح (1/ 323، 324) رقم 275، والمغني (5/ 319).

(3)

في الحج، باب 132، حديث 1739.

(4)

في "ح" و"ذ" زيادة "والإفاضة".

(5)

في "ح": "سمي".

(6)

معلقًا في الحج، باب 133، عقب حديث 1742، وقد تقدم تخريجه (6/ 103) تعليق رقم (2).

(7)

اختلاف العلماء للمروزي ص/ 83، والفروع (3/ 516).

ص: 314

واحتجَّ الإمامُ

(1)

بحديث عائشة قالت: "فطافَ الذينَ أهلُّوا بالعُمْرةِ وبين

(2)

الصَّفَا والمروَة، ثم حلُّوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجَّهِمْ. وأما الذين جَمَعُوا الحجَّ والعمرَةَ فإنما طَافُوا طَوافًا واحدًا"

(3)

، فحَمَلَ أحمدُ قولَ عائشة على أن طوافهم لحَجِّهم هو طواف القدوم؛ ولأنه قد ثبت أنَّ طواف القدوم مشروع، فلم يكن طواف الزيارة مسقِطًا له، كتحية المسجد عند دخوله قبل التلبُّس بالفرض. واختار ذلك الخرقي وأكثرُ الأصحاب.

(وكذا يَطوفُه) أي: طواف القدوم (برَمَلٍ مُفرِدٌ وقارنٌ لم يكونا دخلا مكَّة قبل يوم النَّحْر ولا طافاه نصًّا)

(4)

لما تقدم.

(وقيل: لا يَطوفُ للقُدُوم أحدٌ منهم، اختارَه الشيخ

(5)

والموفق، ورَدَّ) الموفقُ (الأولَ، وقال) الموفق: (لا نعلمُ أحدًا وافق أبا عبد الله على ذلك) بل المشروع طواف واحد للزيارة، كمن دخل المسجد وأُقيمت الصلاةُ، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد؛ ولأنه لم يُنقل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الذين تمتَّعوا معه في حَجّة الوداع، ولا أمر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا. وحديث عائشة دليلٌ على هذا، فإنها قالت:"طَافُوا طَوَافًا واحدًا بعد أن رجعوا من منى لحجهم". وهذا هو طواف الزيارة، ولم تذكر طوافًا آخر، ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم لكانت قد أخلَّت بذِكْرِ طوافِ الزيارة الذي هو رُكن الحَجِّ لا يَتمُّ إلا به،

(1)

المغني (5/ 315)، وانظر: اختلاف العلماء للمروزي ص/ 83.

(2)

الذي في صحيح مسلم: "فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة".

(3)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1211 (111).

(4)

المغني (5/ 315)، والفروع (3/ 517).

(5)

مجموع الفتاوى (26/ 139)، وانظر الاختيارات الفقهية ص/ 175.

ص: 315

وذكرت ما يستغنى عنه، وعلى كل حال، فما ذكرت إلا طوافًا واحدًا، فمن أين يستدل به على طوافين؟! (قال) أبو الفَرَج عبد الرحمن زين الدين (ابن رجب

(1)

: وهو الأصحُّ.

ثم يطوفُ للزيارةِ) سُمِّي بذلك؛ لأنه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة، بل يرجع إلى منى (ويُسمَّى الإفاضةَ) لأنه يفعل بعدها (و) يُسَمَّى (الصَّدَر) بفتح الصاد والدال المهملة، وهو رجوع المسافر من مقصده؛ لأنه يفعل بعده أيضًا، وما ذكره من أنه يُسَمَّى طواف الصَّدَر، قاله في "المطلع" و"الرعاية" و"المستوعب"، وقدَّمه الزركشي، وصحَّح في "الإنصاف" أن طوافَ الصَّدَر هو طواف الوداع، وتبعه في "المنتهى".

(ويُعيِّنُه) أي: طواف الزيارة (بنيته) لحديث: "إنما الأعمال بالنيات"

(2)

وكالصلاة.

ويكون (بعد وقوفِه بعرفة) لأنه صلى الله عليه وسلم طاف كذلك، وقال:"لتأخُذُوا عنِّي منَاسكَكُمْ"

(3)

.

(وهو الطَّوافُ الواجبُ الذي به تمامُ الحَجِّ) فهو رُكن من أركانه، إجماعًا. قاله ابنُ عبد البر

(4)

؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(5)

.

وعن عائشة قالت: "حَجَجْنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأفضْنَا يومَ

(1)

القواعد الفقهية، القاعدة الثامنة عشرة ص/ 25.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 242)، تعليق رقم (4).

(4)

التمهيد (17/ 267)، (22/ 151)، والاستذكار (13/ 264)، والكافي (1/ 359).

(5)

سورة الحج، الآية:29.

ص: 316

النحْرِ، فحاضَتْ صفيَّةُ، فأرادَ النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يُريدُ الرجُلُ من أهلِهِ، فقلتُ: يا رسُولَ الله، إنها حَائِضٌ، قال: أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسولَ الله، إنَّها قد أفاضتْ يومَ النَّحْرِ، قال: اخرجُوا" متفق عليه

(1)

. فعُلِمَ منه أنها لو لم تكن أفاضت يوم النَّحْر كانت حابستهم، فيكون الطَّواف حابسًا لمن لم يأتِ به.

(فإن رَجَع إلى بلده قبلَه) أي: طواف الزيارة (رَجَع منها) أي: بلده

(2)

(مُحْرِمًا) أي: باقيًا على إحرامه بمعنى بقاء تحريم النساء عليه، لا الطيب، ولبس المخيط ونحوه، لحصول التحلُّل الأول إن كان رَمَى وحَلَق (فطافه) أي: طواف الإفاضة، وحلَّ بعده، وتقدم

(3)

حكم ما لو وطئ، ويُحرِم بعُمرة إذا وصل الميقات

(4)

، فإذا حلَّ منها، طاف للإفاضة.

(ولا يجزئ عنه) أي: عن طواف الإفاضة (غيره) من طواف

(1)

البخاري في الحج، باب 129، حديث 1733، ومسلم في الحج، باب 67، حديث 1211 (382).

(2)

في "ذ": "أي من بلده".

(3)

(6/ 190 - 191).

(4)

"قوله: ويحرم بعمرة إذا وصل الميقات، فيه: أنه أدخل الإحرام بالعمرة مع كونه على بقية إحرامه، والمذهب: عدم صحة إدخال العمرة على الحج، وإن أحرم بالحج يكون أحرم بحجتين، فعلى كلا التقديرين يرد الإشكال، وقد ذكره ابن نصر الله في حواشي الكافي، ولم يجب عنه، والحاصل أن من رجع إلى بلده، وعليه طواف الزيارة وجب عليه الرجوع إلى مكة محرمًا ولا يخلو إما أن يحرم إحرامًا جديدًا بعمرة، وقاعدة المذهب تمنعه، وإما أن يحرم بحج، فهذا قد أحرم بحجتين وهو ممنوع أيضًا، وإما أن يدخلها ببقية إحرامه، وفيه أنه تجاوز الميقات غير ممتنع من مخيط ونحوه سوى النساء، وهذا ظاهر متن الإقناع وغيره، وهو أيسر مما قبله؛ لأن غايته أنه تجاوز الميقات بغير إحرام تام، بل ببقية إحرام، والله تعالى أعلم" ا. هـ ش.

ص: 317

الوداع أو غيره، لحديث:"وإنما لكُلِّ امرئٍ ما نَوَى"

(1)

.

(وأولُ وقت طواف الزِّيارة بعد نصف ليلةِ النَّحْر) لما تقدم من حديث أبي داود عن عائشة

(2)

.

(والأفضلُ فِعْلُه يوم النَّحْر) لقول ابن عمر: "أفَاضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْر" متفق عليه

(3)

.

(فإن أخَّره إلى الليل فلا بأس) بذلك.

(وإن أخَّره عنه) أي: عن يوم النَّحر (و) أخَّره (عن أيام منى، جاز كالسَّعْي، ولا شيء عليه) لأن آخر وقته غير محدود.

(ثم يَسعى بين الصفا والمَروة إن كان متمتعًا، ولا يكتفي بسعي عُمْرته) لأنها نُسكٌ آخر، بل يسعى لحجه (أو) كان (غير متمتِّعٍ، ولم يكن سعى مع طواف القُدُوم) مُفرِدًا كان أو قارنًا (فإن كان قد سعى) بعد طواف القُدُوم (لم يَسْعَ) لأنه لا يُستحبُّ التطوُّع بالسعي كسائر الأنساك. قال في "الشرح": ولا نعلم فيه خلافًا.

(والسَّعيُ رُكنٌ في الحج فلا يتحلَّلُ

(4)

) التحلُّلَ الثاني (إلا بفعله كما تقدم) لحديث حبيبة بنت أبي تَجْرَاة قالت: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يطوفُ بين الصَّفَا والمَروةِ والناسُ بين يَديهِ، وهو وراءهُمْ، وهو يَسْعى حتى أرَى ركبتيه من شدَّة السعي، يدورُ به إزاره، وهو يقول: اسعوا فإنَّ الله كتب عليكم السعْيَ" رواه أحمد

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (6/ 293) تعليق رقم (4).

(3)

البخاري في الحج، باب 129، حديث 1732، بنحوه موقوفًا، ومسلم في الحج، حديث 1308، واللفظ لمسلم.

(4)

في "ح": "فلا يتحلل قبله".

(5)

(6/ 421). وأخرجه - أيضًا - الشافعي في الأم (2/ 210)، وفي مسنده (ترتيبه =

ص: 318

وعن عائشة: "ما أتَمَّ الله حجَّ امرئ ولا عُمْرَتَهُ لم يطُفْ بين الصَّفَا والمَروةِ" متفق عليه

(1)

مختصر.

(فإنْ فَعَله) أي: السَّعي (قبل الطَّواف عالمًا أو ناسيًا أو جاهلًا أعاده) لما تقدم

(2)

من أن شَرْطه وقوعه بعد طواف.

= (1/ 351)، وابن سعد (8/ 247)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (5/ 194) حديث 2324، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 83) حديث 3296، وبحشل في تاريخ واسط ص/ 157، والطبراني في الكبير (24/ 225، 226) حديث 572 - 575، وابن عدي (4/ 1456)، والدارقطني (2/ 256)، وفي المؤتلف والمختلف (1/ 316)، والحاكم (4/ 70)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 158)، والبيهقي (5/ 98)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 99 - 101)، والبغوي في شرح السنة (7/ 140) حديث 1921، وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: لم يصح. وقال الحافظ في الفتح (3/ 498): وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن المؤمَّل، وفيه ضعف، ومن ثم قال ابن المنذر: إن ثبت فهو حجة في الوجوب. قلت [أي ابن حجر]: له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة، وعند الطبراني عن ابن عباس كالأولى، وإذا انضمت إلى الأولى قويت، واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به، ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة، فقد وقع عند الدارقطني عنها: أخبرتني نسوة من بني عبد الدار، فلا يضره الاختلاف، والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم.

قلنا: رواية ابن خزيمة التي أشار إليها الحافظ، هي في صحيحه (4/ 232، 233) حديث 2764، 2765.

وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 147) حديث 11437، وفي الأوسط (6/ 17) حديث 5028. ولحديث صفية بنت شيبة طريق أخرى: أخرجها الدارقطني (2/ 255)، والبيهقي (5/ 97). وصحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في تنقيح التحقيق (2/ 462) لابن عبد الهادي، والذهبي في تنقيح التحقيق (2/ 42) له. وانظر علل الدارقطني (5/ ق 227).

(1)

البخاري في الحج، باب 79، حديث 1643، وفي العمرة، باب 10، حديث 1790، ومسلم في الحج، حديث 1277 (260).

(2)

(6/ 269).

ص: 319

(ثم قد حَلَّ له كلُّ شيء) حتى النساء.

(ويُستحبُّ التَّطييبُ

(1)

عند الإحلال) الأول، لما تقدم من حديث عائشة

(2)

.

(ثم يأتي زمزمَ فيشربُ منها لما أحبَّ) لحديث جابر مرفوعًا: "ماءُ زمزم لما شُرِبَ له". رواه ابن ماجه

(3)

. وعن ابن عباس معناه مرفوعًا، رواه الدارقطني

(4)

.

(1)

في "ذ": "التطيب".

(2)

(6/ 311) تعليق رقم (5).

(3)

في المناسك، باب 79، حديث 3062. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (8/ 95)، وأحمد (3/ 357)، والعقيلي (2/ 303)، والطبراني في الأوسط (1/ 469) حديث 853 و (10/ 13) حديث 9023، وابن عدي (4/ 1455)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 52)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 27) حديث 1076، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 37)، والبيهقي (5/ 148)، والخطيب في تاريخه (3/ 179) من طريق عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه. وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 168)، وابن القيم في زاد المعاد (4/ 360 - 361).

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 145): هذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبد الله بن المؤمل، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 481) حديث 4128، والخطيب في تاريخه (10/ 166) وابن عساكر في تاريخه (12/ 78، 22/ 435، 436، 438) من طريق سويد بن سعيد، عن ابن المبارك، عن ابن أبي الموال، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، فذكره. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 349): خبر ابن المبارك فرد منكر، ما أتى به سوى سويد. وقال الحافظ في جزء ماء زمزم ص/ 41: انقلب على سويد، فجعل موضع ابن المؤمل ابن الموال، وموضع أبي الزبير محمد بن المنكدر. وقد ساق الحافظ في جزء ماء زمزم عدة أحاديث في هذا المعنى، ثم قال ص/ 32: فمرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به على ما عرف من قواعد أئمة الحديث. وانظر التلخيص الحبير (2/ 268).

(4)

(2/ 289). وأخرجه - أيضًا - الحاكم (1/ 473)، من طريق محمد بن حبيب الجارودي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن =

ص: 320

(ويتضلَّعُ) منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ آيةَ ما بينَنَا وبين المنافقينَ لا يَتَضَلَّعونَ من زمزم" رواه ابن ماجه

(1)

.

(زاد في "التَّبصرة": ويرُشُّ على بدنِه وثوبه، ويقول: بسم الله، اللَّهمَّ اجعلْه لنا عِلمًا نافعًا، ورِزْقًا واسعًا، وريًّا) بفتح الراء وكسرها مع تشديد الياء، وكرضا

(2)

(وشِبَعًا) بكسر الشين وفتح الباء، وكسرها وسكونها: مصدر شبع (وشفاءً من كلِّ داء، واغسلْ به قلبي، واملأه من خشيتك) زاد بعضهم: وحكمَتِك؛ لأن هذا الدُّعاء لائقٌ بهذا الفعل، وهو شامل لخيري الدُّنيا والآخرة.

وعن عكرمة قال: "كان ابنُ عباس إذا شَرِبَ من ماءِ زمزَمَ قال:

= عباس، مرفوعًا مطولًا.

قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 268): الجارودي صدوق إلا أن روايته شاذة، وقال في إتحاف المهرة (8/ 23) حديث 8817: وهم الجارودي في رفعه، والمحفوظ عن ابن عيينة، وَقْفه على مجاهد.

قلنا: وأخرج الموقوف عبد الرزاق (5/ 118) حديث 9124، وسعيد بن منصور، كما في جزء ماء زمزم لابن حجر ص/ 29، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 50)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 10) حديث 1056.

(1)

في المناسك، باب 78، حديث 3061. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (1/ 157)، والصغير (2/ 177)، وعبد الرزاق (5/ 112) حديث 9111، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 28)، حديث 1079، والطبراني في الكبير (10/ 314)، حديث 10763، و (11/ 101) حديث 11246، والدارقطني (2/ 288)، والحاكم (1/ 472)، والبيهقي (5/ 147).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 144 - 145): هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وحسنه الحافظ كما في فيض القدير (1/ 61)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 60 مع الفيض) ورمز لصحته.

(2)

"وكرضا، أي: وروي أنه كرضًا" ا. هـ ش.

ص: 321

اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ علْمًا نافعًا، ورزْقًا واسعًا، وشفَاءً منْ كل داءٍ" رواه الدارقطني

(1)

.

(ويُسنُّ أن يدخل البيت، والحِجْر منه) أي: من البيت؛ لحديث عائشة، وتقدم في استقبال القِبْلة

(2)

.

(ويكون) حال دخول البيت والحِجْر (حافيًا بلا خُفٍّ ولا نَعْلٍ) لما روى الأزرقي

(3)

، عن الواقدي، عن أشياخه:"أولُ من خلع الخفَّ والنعلَ فلم يدْخُلْها - أي: الكعبة - بهما الوليدُ بن المغيرَة؛ إعظامًا لهَا، فَجَرى ذلك سُنَّةً" (بغير سلاح نصًّا

(4)

.

ويُكبِّرُ) في نواحيه (ويدعو في نواحِيه، ويُصلِّي في ركعتين) لقول ابن عُمر: "دخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبلالٌ وأسامةُ بن زيد، فقلتُ لبلال: هل صلى فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: نعم، قلتُ: أيْنَ؟ قال: بين العمودين تلقاءَ وجهه، قال: ونسيتُ أنْ أسألَهُ كم صَلَّى" متفق عليه

(5)

.

(ويُكثِر النظرَ إليه) أي: البيت (لأنه) أي: النظر إليه (عِبادة

(6)

.

(1)

(2/ 288). ورواه - أيضًا - عبد الرزاق (5/ 113) رقم 9112، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 41) رقم 1107، والحاكم (1/ 743).

(2)

بل في فصل بيان المواضع التي نهي عن الصلاة فيها (2/ 215).

(3)

تاريخ مكة (1/ 174)، وأخرجه - أيضًا - الفاكهي في أخبار مكة (3/ 238) رقم 2040.

(4)

الفروع (3/ 522)، وانظر مسائل صالح (1/ 482) رقم 514، ومسائل ابن هانئ (1/ 157) رقم 785.

(5)

البخاري في الجهاد والسير، باب 127، حديث 2988، وفي المغازي، باب 49، 77، حديث 4289، 4400، ومسلم في الحج، حديث 1329 (389).

(6)

أخرج الخطيب في تالي تلخيص المتشابه (2/ 365) حديث 221، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظر إلى البيت عبادة، والنظر إلى وَجْه عليٍّ عبادة". =

ص: 322

فإن لم يدخله فلا بأس) لحديث عائشة: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ من عندهَا وهو مسرورٌ، ثم رجع وهو كئيبٌ، فقال: إنِّي دخلتُ الكعبةَ، ولو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما دخلتُهَا، إنِّي أخافُ أنْ أكُونَ قدْ شققتُ على أمتي"

(1)

= وفي إسناده: عاصم بن عامر البجلي، قال المعلمي في تعليقه على الفوائد المجموعة ص/ 359: لم أجد عاصمًا هذا، وفي السند إليه من لم أعرفه، وفيه علي بن المثنى، إنْ كان هو الطُّهوي؛ فقد اتُّهم بسرقة الحديث.

قلنا: علي بن المثنى هو الطُّهوي، كما صرح به في تالي تلخيص المتشابه.

وفي الباب: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (2/ 8)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 198) حديث 324، وابن حبان في المجروحين (1/ 321، 3/ 137)، والطبراني في الكبير (11/ 102، 156) حديث 11248، 11475، وابن عدي (6/ 2280، 7/ 2620)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 115، 307)، والخطيب في الموضح (2/ 472)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 81، 82) حديث 940، 941، وابن عساكر في تاريخه (34/ 389) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى ينزل في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة، ينزل على هذا البيت ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين.

قال ابن عدي: هذا منكر.

وقال أبو حاتم، كما في العلل لابنه (1/ 286): هذا حديث منكر.

وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح.

(1)

أخرجه أبو داود في المناسك، باب 95، حديث 2029، والترمذي في الحج، باب 45، حديث 873، وابن ماجه في المناسك، باب 79، حديث 3064، وابن راهويه (3/ 652) حديث 1241، وأحمد (6/ 137)، وابن خزيمة (4/ 333) حديث 3014، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/ 502) حديث 5790، والطبراني في الأوسط (7/ 383) حديث 6744، و (9/ 188) حديث 8404، والحاكم (1/ 479)، وفي معرفة علوم الحديث ص/ 98، والبيهقي (5/ 159).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح =

ص: 323

(و‌

‌يُتصدَّقُ بثياب الكعبة إذا نُزعتْ،

نصًّا)

(1)

لفعل عُمر، رواه مسلم

(2)

عن أبي نَجيح عنه؛ فهو مرسل. وروى الثوريُّ: أن شيبة كان يدفع خلقان البيت إلى المساكين

(3)

. وقياسًا على الوقف المنقطع، بجامع انقطاع المصرف.

(ومن أراد أن يَستشفيَ بشيءٍ من طِيبها) أي: الكعبة (فليأتِ بطيبٍ من عنده فيلزقه على البيت ثم يأخذه، ولا يأخذ من طِيب الكعبة شيئًا)

(4)

أي: يحرم ذلك؛ لأنه صَرْفٌ للموقوف في غير ما وُقِفَ عليه.

= الإسناد. ووافقه الذهبي.

(1)

انظر كتاب الوقوف من الجامع للخلال (1/ 312 - 214) رقم 70، 72، 74.

(2)

لم نجده في مظانه من كتب الإمام مسلم المطبوعة، وهو عند الفاكهي في أخبار مكة كما قال الحافظ في الفتح (3/ 457) عن أبي نجيح أن عمر كان ينزع كسوة الكعبة كل سنة فيقسمها على الحاج. ولم نقف عليه في أخبار مكة.

(3)

لم نقف عليه من طريق الثوري، وقد أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (1/ 261) والبيهقي (5/ 159) من طريق علي بن المديني، عن أبيه، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه قالت: دخل شيبة بن عثمان الحجبي على عائشة رضي الله عنها، فقال: يا أم المؤمنين، إن ثياب الكعبة تجتمع علينا، فتكثر، فنعمد إلى آبار فنحتفرها فنعمقها، ثم ندفن ثياب الكعبة إذا نزعت، كيلا يلبسها الجنب والحائض، فقالت له عائشة رضي الله عنها: ما أحسنت، ولبئس ما صنعت، إن ثياب الكعبة إذا نزعت منها لم يضرها أن يلبسها الجنب والحائض، ولكن بعها، واجعل ثمنها في المساكين وفي سبيل الله. قالت: فكان شيبة بعد ذلك يرسل بها إلى اليمن، فتباع هناك، ثم يجعل ثمنها في المساكين، وفي سبيل الله، وابن السبيل.

قال الحافظ في الفتح (3/ 458): في إسناده راو ضعيف، وإسناد الفاكهي سالم منه. قلنا: ولم نقف عليه في المطبوع من أخبار مكة للفاكهي.

وروى الأزرقي - أيضًا - في أخبار مكة عن ابن عباس رضي الله عنه مثل قول عائشة رضي الله عنها.

(4)

انظر ما تقدم (5/ 422) تعليق رقم (4).

ص: 324

فصل

(ثم يَرجعُ) من أفاض إلى مكة بعد الطوافِ والسعي، على ما تقدم (إلى منى؛ فَيَبيتُ بها) وجوبًا؛ لحديث ابن عباس قال:"لم يرخِّصْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأحدٍ يبيتُ بمكة إلا للعباس؛ لأجلِ سقايتِهِ" رواه ابن ماجه

(1)

(ثلاثَ ليالٍ) إن لم يتعجَّل في يومين، وليلتين إن تعجَّل.

(ويصلي بها ظهْرَ يوم النَّحْر) نصًّا، نقله أبو طالب

(2)

؛ لحديث ابن عُمر "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفاضَ يومَ النحرِ ثم رجعَ فصلى الظُّهرَ بمنى" متفق عليه

(3)

.

(ويَرمي الجمرات بها في أيام التشريق) وهي أيام منى الثلاثة التي تلي يوم النَّحْر (كل يومٍ بعد الزَّوال) لقول جابر: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرَةَ ضُحَى يوْمِ النَّحْرِ، ورَمَى بعد ذلك بعد زَوالِ الشمس"

(4)

. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا عني

(1)

في المناسك، باب 80، حديث 3066. وأخرجه - أيضًا - إسحاق بن راهويه - كما في المطالب العالية (2/ 47)، حديث 1274، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 145) حديث 1065. وأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 117) حديث 11307 بنحوه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 265): وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس.

قلنا: معناه في البخاري، في الحج، باب 75، حديث 1634، ومسلم في الحج، حديث 1315 عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

مسائل أبي طالب كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 546).

(3)

مسلم في الحج، حديث 1308، ورواه البخاري في الحج، باب 129، حديث 1732 بنحوه موقوفًا.

(4)

ذكره البخاري تعليقًا في الحج، باب 134، قبل حديث 1746، وأخرجه مسلم في الحج، حديث 1299 (314) موصولًا.

ص: 325

مناسِككم"

(1)

. وقال ابن عُمر: "كنا نتحيَّنُ إذا زالتِ الشمسُ، رَمَيْنَا"

(2)

.

وأي وقت رَمَى بعد الزَّوال أجزأه، إلا أن المُستحبَّ المبادرة إليها حين الزَّوال؛ لقول ابن عُمر.

(إلا السُّقَاةَ والرُّعاةَ، فلهم الرَّميُ ليلًا ونهارًا) للعُذر (ولو) كان رميهم (في يوم واحد، أو في ليلة واحدة من أيام التشريق.

وإن رَمى غيرُهم) أي: غير السُّقاة والرُّعاة (قبل الزوال) أو ليلًا (لم يجزئه) الرَّمي (فيُعيدُ

(3)

) لما تقدم.

(وآخرُ وَقْتِ رَمْي كلِّ يوم) من أيام الرمي الأربعة (إلى المغرب) لأنه آخر النهار.

(ويُستحبُّ) الرمي أيام منى (قبل صلاة الظهر) لقول ابن عباس: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالتِ الشمسُ؛ قدْرَ ما إذا فرغَ منْ رميه، صلى الظُّهرَ" رواه ابن ماجه

(4)

.

(و) يُستحبُّ (أن لا يَدَعَ الصلاةَ مع الإمام في مسجد منى؛ وهو مسجد الخَيْف) لفعله صلى الله عليه وسلم، وفِعْلِ أصحابه

(5)

(فإن كان الإمامُ غيرَ مرضيٍّ)

(1)

تقدم تخريجه (6/ 242)، تعليق رقم (4).

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 134، حديث 1746.

(3)

في "ذ": "فيعيده".

(4)

في الحج، باب 75، حديث 3054. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (11/ 313، 314) حديث 12110، 12117، وفي إسناده أبو شيبة، قال الحافظ في التقريب (217): متروك.

وأخرجه الترمذي في الحج، باب 62، حديث 898، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 355، وأحمد (1/ 248، 290، 328) بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس"، قال الترمذي: هذا حديث حسن.

(5)

أخرج البخاري في الصلاة، باب 2، حديث 1084، وفي الحج، باب 84، حديث =

ص: 326

لفسق، أو نحوه (صلى المرءُ برُفْقَتِه) محافظة على الجماعة.

(ويرمي كلَّ جَمْرة) من الثلاث (بسبعِ حَصَياتٍ؛ واحدةً بعد واحدةٍ) كما تقدم

(1)

في رمي جَمْرة العقبة.

(فيبدأُ بالجَمْرة الأولى، وهي أبعدُهنَّ من مكة، وتلي مسجدَ الخيفِ، فيجعلُها عن يساره ويَرْميها) بالسبع حصيات (ثم يتقدَّمُ قليلًا؛ لئلا يصيبه الحصى، فيقفُ فيدعو الله رافعًا يديه ويُطيلُ.

ثم يأتي الوسطى فيجعلُها عن يمينه، ويَرْميها كذلك) بسبع حَصَيات (ويقفُ عندَها) أي: بعد أن يتقدَّم قليلًا؛ لئلا يصيبه الحصى (ويدعو) الله (ويرفعُ يديه) ويطيل.

(ثم) يأتي لرمي (جَمْرة العقبةِ كذلك، ويجعلُها عن يمينه، ويَستبطنُ الواديَ) عند رمي جمرة العقبة (ولا يقفُ عندها) لما تقدم

(2)

.

(ويستقبلُ القبلةَ في الجمرات كلِّها) لحديث عائشة قالت: "أفاضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهرَ، ثم رجعَ إلى منى، فمكثَ بها ليالي أيام التشريق؛ يرمي الجمرة إذا زالتِ الشمس، كل جمرةٍ بسبع حصياتٍ، يكبِّر مع كلِّ حصاةٍ، ويقفُ عند الأولى والثانية، ويتضرَّعُ ويرمي الثالثة، ولا يَقفُ عندها" رواه أبو داود

(3)

.

= 1657، ومسلم في الصلاة، حديث 695، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع، ثم قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان.

(1)

(6/ 301).

(2)

(6/ 306).

(3)

في المناسك، باب 78، حديث 1973. وأخرجه - أيضًا - أحمد (6/ 90)، وابن =

ص: 327

وعن ابن عمر: "أنهُ كان يرْمي الجمرة الأولى بسبْع حصَيَات؛ يكبِّرُ على إثر كلِّ حصَاةٍ، ثم يتقدَّمُ حتى يُسهلَ؛ فيقومُ مستقْبلَ القبلةِ طويلًا، ويدعُو، ويرفع يديْهِ، ثم يرمي الوسطَى، ثم يأخُذُ بذاتِ الشِّمال، فيُسهل، ويَقومُ مستقبلَ القبلةِ، ثم يدعو، فيرفعُ يديْهِ، ويقومُ طويلًا، ثم يرمي جمرةَ ذات العقبةِ من بطن الوادي، ولا يقفُ عندها، ثم ينصرفُ، فيقولُ: هكذا رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يفعلهُ" رواه البخاري

(1)

.

وروى أبو داود

(2)

: "أن ابن عمر كان يدعو بدعَائهِ الذي دَعا به بعرفة، ويزيدُ: وأصْلِحْ. أو: أتمَّ لنَا منَاسِكَنَا".

وقال ابن المنذر

(3)

: "كان عمرُ وابنُ مسعودٍ يقولان عندَ الرمي: اللهمَّ اجعلْهُ حجًّا مبرُورًا، وذنبًا مغفورًا"

(4)

.

(وترتيبُها) أي: الجمرات (شرطٌ؛ بأن يرمي أولًا) الجَمْرة (التي تلي مسجدَ الخيف، ثم الوسطى، ثم العقبة.

فإن نكَّسه) أي: الرمي، بأن قدَّم على الأولى غيرها (لم يجزئْه) ما

= الجارود حديث 492، وأبو يعلى (8/ 187 - 188) حديث 4744، وابن خزيمة (4/ 311، 317) حديث 2956، 2971، والطحاوي (2/ 220)، وفي شرح مشكل الآثار (9/ 133) حديث 3514، وابن حبان "الإحسان"(9/ 180) رقم 3868، والدارقطني (2/ 274)، والحاكم (1/ 477 - 478)، والبيهقي (5/ 148).

قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وحسنه المنذري فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (3/ 83).

(1)

في الحج، باب 140، 141، 142، حديث 1751، 1752، 1753.

(2)

لم نقف عليه في السنن، وهو في مسائله عن الإمام أحمد ص/ 105، وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (الجزء المفرد ص 377) بنحوه.

(3)

لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة.

(4)

تقدم تخريجه عن ابن مسعود رضي الله عنه (6/ 301)، تعليق رقم (1)، ولم نقف عليه عن عمر رضي الله عنه، بل تقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما (6/ 305) تعليق رقم (3).

ص: 328

قدَّمه على الأولى. نصَّ عليه

(1)

؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتَّبها في الرمي

(2)

، وقال:"خُذُوا عنِّي مناسككم"

(3)

. ولأنه نُسكٌ متكرِّرٌ، فاشتُرط الترتيب فيه، كالسعي.

(وإن أخلَّ بحصاة من الأُولى، لم يصح رميُ الثانية) وكذا لو أخلَّ بحصاة من الثانية، لم يصح رمي الثالثة؛ لإخلاله بالترتيب.

(وإن جَهِل) الرامي (محلَّها) بأن جهل من أي جمرة ترك الحصاة، (بنى على اليقين) فإن شك؛ أمن الأُولى، أو ما بعدها؟ جعله من الأولى، أو شك في كونه من الثانية، أو الثالثة؟ جعله من الثانية؛ لتبرأ ذِمَّته بيقين، كما لو تيقَّن تَرْك رُكن وجهل محلَّه.

(ثم يرمي في اليوم الثاني) الثلاث الجمرات مرتَّبة على صفة ما تقدم (و) يرمي في اليوم (الثالث كذلك) إن لم يكن تعجَّل في اليوم الثاني.

(وعدد الحصى) لكلِّ جَمْرة (سَبْعٌ) لما تقدم

(4)

، وأما مجموع حصى الجِمار فسبعون، يرمي منها جَمْرة العقبة بسبعة يوم النَّحْر، وباقيها في أيام التشريق؛ كل يوم إحدى وعشرين حصاة في الجمرات الثلاث؛ كل جَمْرة بسبعة كما تقدم.

(وإن أخَّر الرميَ كلَّه مع رَمْي يوم النَّحْر) بأن أخَّر رمي جَمْرة

(1)

كتاب التمام (1/ 319)، والمغني (5/ 329).

(2)

كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في الحج، باب 140، 141، حديث 1751، 1752.

(3)

تقدم تخريجه (6/ 242) تعليق رقم (4).

(4)

(6/ 327).

ص: 329

العقبة يوم النَّحْر، ورمي اليوم الأول والثاني من أيام التشريق (فرماه آخرَ أيام التشريق، أجزأه أداءً؛ لأن أيام الرمي كلها بمثابة اليوم الواحد) لأنها كلها وَقْت للرمي، فإذا أخَّره من أول وقته إلى آخره، أجزأه، كما لو أخَّر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته (وكان) بتأخير الرمي إلى آخرها (تاركًا للأفضل) وهو الإتيان بالرمي في مواضعه السابقة.

(ويجب ترتيبه بنيَّة) كالمجموعتين، والفوائت من الصلاة.

(وكذا لو أخَّر رمي يوم) واحد (أو) رمي (يومين) ثم رماه فيما بعد، قبل مضي أيام التشريق، فإنه يكون أداءً؛ لما سبق.

(وإن أخَّر الرمي كله) عن أيام التشريق (أو) أخَّر (جَمْرة واحدة عن أيام التشريق، أو تَرَك المبيت بمنى ليلة أو أكثر) من ليالي أيام التشريق (فعليه دَمٌ) لقول ابن عباس: "من تَرَكَ نُسكًا أو نَسيَهُ فإنه يُهرِيقُ دَمًا"

(1)

.

وعُلم منه أنه لو ترك دون ليلة، فلا شيء عليه

(2)

، وظاهره: ولو أكثرها.

(ولا يأتي به) أي: بالرمي بعد أيام التشريق (كالبيتوتة) بمنى

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 419)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 736) حديث 1825، والدارقطني (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30، 152)، وصحيح إسناده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 350)، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (12/ 184): ثبت عن ابن عباس أنه قال: "من نسي من نسكه شيئًا فليهرق دمًا"، وانظر ما تقدم 6/ 76 تعليق رقم (3).

(2)

"قوله: وعلم منه أنه لو ترك دون ليلة. . . إلخ، خالف هنا ما في شرحه على المنتهى، حيث قال: ولعل المراد: لا يجب استيعاب الليلة بالمبيت، بل كمزدلفة على ما سبق. وفي الغاية للعلامة م. ع [مرعي بن يوسف الكرمي]: ويتجه المراد: معظم الليل، أي: بإيجاب مبيت الليلة" ا. هـ. ش.

ص: 330

لياليها إذا تَرَكها، لا يأتي بها لفوات وَقْتِه، واستقرار الفِداء الواجب فيه.

(وفي تَرْكِ حصاةٍ) واحدة (ما في) حَلْق (شعرةٍ، وفي) تَرْكِ (حصاتين ما في) حَلْق (شعرتين) وفي أكثر من ذلك دم؛ لما تقدم

(1)

في حَلْق الرأس.

(وليس على أهل سقايةِ الحاجِّ) وهم سُقاة زمزم، على ما في "المطلع"، و"المستوعب" و"المبدع"(و) لا على (الرِّعاء مبيتٌ بمنى، ولا بمزدلفة) لما روى ابن عمر "أن العباس أستأذنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَبيتَ بمكةَ ليالي منى؛ من أجلِ سقايتِهِ، فَأذِنَ له" متفق عليه

(2)

.

وعن عاصم قال: "رخَّصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لرِعَاء الإبلِ في البيتوتةِ أن يَرموا يوم النَّحْرِ، ثم يجمعوا رمي يومينِ بعد النَّحْرِ، فيرمونه في أحدهما" رواه أحمد

(3)

، وأخرج الترمذيُّ نحوه، وقال: حديث صحيح.

(فإن غَربتِ الشمسُ وهم) أي: أهل سِقاية الحاج والرُّعاة (بمنى لزم الرِّعاءَ المبيتُ) لانقضاء وقت الرعي وهو النهار (دونَ أهل السقاية) فلا يلزمهم المبيت، ولو غربت وهم بمنى، لأنهم يسقون بالليل.

(وقيل: أهلُ الأعذار من غير الرِّعاء، كالمرضَى، ومن له مالٌ يخافُ ضياعه ونحوه، حُكمُهم حكم الرِّعاء في تَرْك البيتوتة) جزم به الموفَّق، والشارح، وابن تميم.

(ومن كان مريضًا، أو محبوسًا، أو له عُذر، جاز أن يَستنيبَ من

(1)

(6/ 120).

(2)

البخاري في الحج، باب 75، 133، حديث 1634، 1745، ومسلم في الحج، حديث 1315.

(3)

(5/ 450). وقد تقدم تخريجه (6/ 294)، تعليق رقم (1).

ص: 331

يرمي عنه) كالمَعْضُوبِ

(1)

يَستنيبُ في الحجِّ كله إذا عَجَزَ عنه.

(والأولى أن يشهده إن قدر) على الحضور ليتحقَّق الرمي.

(ويُستحبُّ أن يَضعَ) المريض ونحوه (الحصى في يد النَّائب؛ ليكون له عمل في الرمي.

ولو أُغمي على المستنيب، لم تنقطعْ النيابةُ) بذلك، كما لو نام.

(ويُستحبُّ

(2)

خُطبة إمام) أو نائبه (في اليوم الثاني من أيام التشريق، بعد الزَّوال) خطبة (يعلِّمهم فيها حكمَ التَّعجيل، والتأخير، والتوديع) لحديث سَرَّاء بنت نبهان قالت: "خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الرُّؤوسِ، فقال: أيُّ يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلمُ. قال: أليس أوسط أيام التشريق؟ " رواه أبو داود

(3)

. ولأن بالناس حاجة إلى تعليم ما ذُكِر.

(1)

المعضوب: الضعيفُ، والزَّمِنُ لا حَرَاك به. القاموس المحيط ص/ 116، مادة (عضب).

(2)

في "ح": "وتستحب".

(3)

في المناسك، باب 71، حديث 1953. وأخرجه - أيضًا - ابن سعد (8/ 310) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 92) حديث 3305، وأبو يعلى، كما في المطالب العالية (2/ 53) حديث 1295، وابن خزيمة (4/ 318) حديث 2973، والطبراني في الكبير (24/ 307) حديث 777، وفي الأوسط (3/ 215) حديث 2451، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3368) حديث 7701، وابن حزم في حجة الوداع ص/ 217، حديث 194. والبيهقي (5/ 151)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 154) حديث 1340، قال النووي في المجموع (8/ 91): رواه أبو داود بإسناد حسن، ولم يُضعِّفه!

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 273): رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات!

قلنا: في سنده ربيعة بن عبد الرحمن الغَنَوي، لم يوثِّقه غير ابن حبان، وقال في التقريب (1920): مقبول. ولخطبته صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق شواهد:

عن رجلين من بني بكر أخرجه أبو داود في المناسك، باب 71، حديث 1952، =

ص: 332

(ولكلِّ حاج - ولو أراد الإقامة بمكة - التعجيلُ إِن أحبَّ) لقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}

(1)

وقال عطاء: للناس

(2)

عامة

(3)

. يعني: أهل مكة وغيرهم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أيامُ منى ثلاثةٌ، فمن تَعجَّلَ في يومين، فلا إثم عليه، ومن تأخَّر، فلا إثمَ عليهِ". رواه أبو داود، وابن ماجه

(4)

.

= والبيهقي (5/ 151) قالا: رأينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخطبُ بين أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته، وهي خُطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خَطَب بمِنًى.

قال النووي في المجموع (8/ 91): رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح.

وعن جابر رضي الله عنه أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 100)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 289) حديث 5137، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق حجة الوداع.

انظر: عمدة القاري (10/ 79)، وفتح الباري (3/ 574)، ونيل الأوطار (5/ 164).

(1)

سورة البقرة، الآية:203.

(2)

في "ح": "هي للناس".

(3)

لم نقف على من رواه مسندًا، وقد أورده ابن عطية في تفسيره (2/ 7)، والقرطبي في تفسيره (3/ 13).

(4)

أبو داود في الحج، باب 69، حديث 1949، وابن ماجه في المناسك، باب 57، حديث 3015. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (5/ 243) ومسلم في التمييز ص/ 201، والترمذي في الحج، باب 57، حديث 889، والنسائي في المناسك، باب 211، حديث 3044، وفي الكبرى (2/ 462) حديث 4180، والطيالسي ص/ 85، حديث 1310، والحميدي (2/ 399) حديث 899، وابن سعد (2/ 179)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 225، وأحمد (4/ 309، 335)، وعبد بن حميد (1/ 276) حديث 310، والدارمي في المناسك، باب 54، حديث 1887، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 205) حديث 957، وابن خزيمة (4/ 257) حديث 2822، والطحاوي (2/ 209) وفي شرح مشكل الآثار (8/ 438) حديث 3369، وابن حبان "الإحسان" (9/ 203) حديث 3892، والدارقطني (2/ 240)، والحاكم (1/ 463)، وأبو نعيم في الحلية =

ص: 333

(إلا الإمامَ المقيم للمناسك، فليس له التَّعجيل؛ لأجل من يتأخَّر) من الناس.

(فإن أحبَّ) غير الإمام (أن يتعجَّل في ثاني) أيام (التشريق؛ وهو النفْر الأول، خرج) من منى (قبل غروب الشَّمس) لظاهر الآية، والخبر (ولا يضر

(1)

رجوعُه) إلى منى بعد ذلك؛ لحصول الرخصة.

(وليس عليه) أي: المتعجِّل (في اليوم الثالث رَمْيٌ) نصَّ عليه

(2)

. (ويَدفِنُ بقيةَ الحصى) وهو حصى اليوم الثالث. قال في "الفروع": في الأشهر. زاد بعضهم: (في المَرْمى) وفي "منسك ابن الزاغوني": أو يرمي بهن، كفعله في اللواتي قبلهن.

(فإن

(3)

غربت) الشمس (وهو بها) أي: بمنى (لزم المبيت والرَّمْي من الغد بعد الزَّوال) قال ابن المنذر: وثبت عن عُمر أنه قال: "من أدركَهُ المسَاءُ في اليَوْمِ الثَّاني، فليُقِم إلى الغَدِ، ولينْفِرْ

= (7/ 119)، والبيهقي (5/ 116، 152، 173)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 374، 375) حديث 10390، 10391، والبغوي في شرح السنة (7/ 290) حديث 2001، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس - أو نفر - من أهل نجد، فأمروا رجلًا، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فنادى: الحج عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جَمْع فتمَّ حجُّه، أيام مِنىً ثلاثة. . . الحديث. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

قال النووي في المجموع (8/ 95): صحيح، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وآخرون بأسانيدَ صحيحة. وصحَّح إسناده الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 240).

(1)

في "ذ": "ولا يضره".

(2)

مسائل صالح (2/ 484) رقم 1207.

(3)

في "ذ": "وإن".

ص: 334

مَعَ النَّاس"

(1)

.

(ثم ينفِرُ) الإمام، ومن لم ينفر في اليوم الثاني (وهو النَّفْر الثاني) في اليوم الثالث.

(ويُسنُّ إذا نَفَر من منى نزولُه بالأبطح؛ وهو المحصَّبُ) والخيف، والبطحاء، والحصبة (وحدُّه: ما بين الجبلين إلى المقبرة، فيُصلِّي به الظُّهرين والعِشاءين، ويهجع يسيرًا، ثم يدخل مكَّة) قال نافع:"كان ابنُ عُمرَ يُصلِّي بها الظُّهرَ والعصْرَ والمغربَ والعشَاءَ، ويَهجعُ هَجْعةً. وذكَرَ ذلك عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم". متفق عليه

(2)

.

وقال ابن عُمر: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعُمر وعثمانُ ينزِلُونَ الأبْطَحَ" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب

(3)

.

وقال ابن عباس: "التحصيب ليس بشيء، إنما هو منزل نَزَله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"

(4)

.

وعن عائشة: "إنَّ نزولَ الأبطَحِ ليس بِسُنَّةٍ، إنما نَزَلَهُ رسُولُ الله

(1)

لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة. وأخرجه البيهقي (5/ 152) معلقًا. وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 407) وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 97، والبيهقي (5/ 152) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

البخاري في الحج، باب 148، حديث 1768، ومسلم في الحج، حديث 1310 (338) مختصرًا.

(3)

الترمذي في الحج، باب 81، حديث 921، وقال: حديث صحيح حسن غريب. وأخرجه مسلم في الحج، حديث 1310 (337) دون ذكر عثمان رضي الله عنه، وأخرج البخاري حديث 1768 عن نافع قال: نَزَل بها (يعني: أرض المحصَّب) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعمر، وابن عمر.

(4)

أخرجه البخاري في الحج، باب 147، حديث 1766، ومسلم في الحج، حديث 1312.

ص: 335

- صلى الله عليه وسلم ليكون أسْمَحَ بخروجِهِ

(1)

إذا خَرَجَ"

(2)

متفق عليهما.

فصل

(فإذا أراد الخروجَ) من مكة (لم يخرج حتى يودِّعَ البيتَ بالطواف إذا فَرَغ من جميع أموره، إن لم يقم بمكة أو حَرَمِها) لما روى ابنُ عباس قال: "أُمِرَ النَّاسُ أنْ يكون آخرُ عهدِهِم بالبيْتِ، إلا أنهُ خُفِّفَ عن المرأة الحائض" متفق عليه

(3)

. وفي لفظ لمسلم قال: "كان النَّاسُ ينصرِفُون في كلِّ وجْهٍ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا ينْفِرَنَّ أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت"

(4)

، ولأبي داود:"حتى يكون آخِر عهده الطواف بالبيتِ"

(5)

.

(ومن كان خارجَه) أي: خارج الحرم، ثم أراد الخروج من مكَّة، (فعليه الوداعُ) سواء أراد الرُّجوع إلى بلده أو غيرها؛ لما تقدم.

(وهو على كلِّ خارجٍ من مكَّة) قال القاضي والأصحاب: إنما يستحقُّ عليه عند العزم على الخروج. واحتجَّ به الشيخ تقي الدين على أنه ليس من الحج

(6)

.

(ثم يصلِّي ركعتين خلف المقام) كسائر الطوافات (ويأتي الحطيم - وهو تحت المِيزاب - فيدعوَ، ثم يأتي زمزم، فيشربَ منها، ثم يستلمَ

(1)

كذا في الأصول، والذي في الصحيحين:"لخروجه".

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 147، حديث 1765، ومسلم في الحج، حديث 1311.

(3)

البخاري في الحج، باب 144، حديث 1755، ومسلم في الحج، حديث 1328.

(4)

مسلم في الحج حديث 1327.

(5)

في المناسك، باب 83، حديث 2002.

(6)

مجموع الفتاوى (26/ 6).

ص: 336

الحَجَر، ويُقبِّله، ويدعو في الملتزم بما يأتي) من الدعاء

(1)

.

(فإن ودَّع ثم اشتغل بغير شدِّ رَحْلٍ، أو اتَّجر، أو أقام، أعاد الوداع) وجوبًا؛ لأن طواف الوداع إنما يكون عند خروجه؛ ليكون آخر عهده بالبيت.

و (لا) يعيد الوداع (إنِ اشترى حاجةً في طريقه) أو اشترى زادًا، أو شيئًا لنفسه (أو صلَّى) لأنَّ ذلك لا يمنع أن آخر عهده بالبيت الطواف.

(فإن خَرَج قبله) أي: قبل الوداع (فعليه الرُّجوع إليه) أي: إلى الوداع (لفعله، إن كان قريبًا) دون مسافة القصر (ولم يخفْ على نَفْسٍ، أو مال

(2)

، أو فوات رُفقته، أو غير ذلك) من الأعذار.

(ولا شيء عليه إذا رَجَع) قريبًا، سواء كان ممن له عُذر يسقط عنه الرُّجوع أو لا؛ لأن الدم لم يستقر عليه؛ لكونه في حكم الحاضر.

(فإن لم يمكنه الرُّجوعُ) لعذر مما تقدَّم أو لغيره (أو أمكنه) الرُّجوع للوداع (ولم يرجع، أو بعد مسافة قَصْرٍ) عن مكة (فعليه دَمٌ، رجع) إلى مكة وطاف للوداع (أو لا) لأنه قد استقرَّ عليه ببلوغه مسافة القصر، فلم يسقط برجوعه، كمن تجاوز الميقات بغير إحرام، ثم أحرم، ثم رجع إلى الميقات.

(وسواء تَرَكَه) أي: طواف الوداع (عمدًا، أو خطأ، أو نسيانًا) لعذر أو غيره؛ لأنه من واجبات الحجِّ، فاستوى عمده وخطؤه، والمعذور وغيره، كسائر واجبات الحجِّ.

(ومتى رَجَعَ مع القُرْبِ، لم يلزمه إحرامٌ) لأنه في حكم الحاضر.

(1)

(6/ 339).

(2)

في "ذ": "نفسه أو ماله".

ص: 337

(ويلزمه مع البُعدِ الإحرامُ بعُمرةٍ يأتي بها) فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصِّر (ثم يطوفُ للوداع) إذا فَرَغ من أموره.

(وإن أخَّر طوافَ الزِّيارة) ونصّه

(1)

(أو القُدوم، فطافه عند الخروج، كَفَاه) ذلك الطواف (عنهما) لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت، وقد فَعَل، ولأن ما شُرع مثل تحية المسجد يجزئ عنه الواجب من جنسه، كإجزاء المكتوبة عن تحية المسجد، وكإجزاء المكتوبة - أيضًا - عن ركعتي الطواف، وعن ركعتي الإحرام. فإن نوى بطوافه الوداع، لم يجزئه عن طواف الزيارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وإنما لكلِّ امرئ ما نوى"

(2)

.

(و‌

‌لا وداعَ على حائضٍ ونُفساء)

لحديث ابن عباس: "إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض"

(3)

. والنُّفساء في معناها.

(ولا فِدية) على الحائض أو النُّفساء؛ لظاهر حديث صفيَّة

(4)

، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بفِدية.

(إلا أن تطهر قبل مفارقة البنيان، فترجعَ وتغتسل) للحيض أو النفاس (وتودِّعَ)؛ لأنها في حكم الحاضرة.

(فإن لم تفعل) أي: ترجع للوداع مع طُهرها قبل مفارقة البنيان (ولو لعُذر، فعليها دَمٌ) لتركها نُسكًا واجبًا.

(1)

المستوعب (4/ 268).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 336)، تعليق رقم (3).

(4)

أخرجه البخاري في الحيض، باب 27، حديث 328، وفي الحج، باب 129، 145، 151، حديث 1733، 1757، 1762، 1771، 1772، وفي المغازي، باب 77، حديث 4401. ومسلم في الحج، حديث 1211 (128، 382) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 338

(فإذا فَرَغ من الوداع، واستلم الحَجَر وقبَّله، وَقَف في الملتزم) وهو (ما بين) الرُّكن الذي به (الحَجَر الأسود وباب الكعبة) وذرعه أربعة أذرع (فيلتزمه) أي: الملتزم (مُلصِقًا به صدرَه ووجهه وبطنه، ويبسط يديه عليه، ويجعل يمينه نحو الباب، ويساره نحو الحَجَر) لما روى عَمرو بن شعيب، عن أبيه، قال:"طُفْتُ مع عبْدِ الله، فلمّا جاءَ دبرَ الكعبةِ قلتُ: ألا تتعوَّذُ؟ قال: نَعُوذُ بالله منَ النَّارِ، ثم استَلَم الحَجَرَ، فقامَ بينَ الرُّكْنِ والباب، فوضَعَ صدرَهُ وذراعَيْهِ وكفَّيْهِ هكذا، وبَسَطهما بَسْطًا، وقال: هكذا رأيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يفعلُ" رواه أبو داود

(1)

.

(ويدعو بما أحبَّ من خيرَي الدُّنيا والآخرة، ومنه: اللَّهمَّ هذا بيتُك، وأنا عبدُك، وابنُ عبدك، وابنُ أمتِكَ، حَمَلْتَني على ما سخّرتَ لي من خلْقِكَ، وسيَّرتني في بلادِكَ حتى بلَّغتني بنعمتِكَ إلى بيتِكَ، وأعنْتَني على أداءِ نُسُكي، فإن كنتَ رضيتَ عنِّي، فازدَدْ عنِّي رضًا، وإلَّا فمُنَّ) الوجه فيه: ضم الميم وتشديد النون، على أنه صيغة أمر من: منَّ يمُنُّ، مقصودًا به الدعاء، ويجوز كسر الميم وفتح النون على أنه حرف جر

(1)

في المناسك، باب 55، حديث 1899. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الحج، باب 35، حديث 3962، وعبد الرزاق (5/ 74 - 75) حديث 9043، 9044، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 349)، والفاكهي قي أخبار مكة (1/ 161 - 162)، حديث 221، وابن عدي (6/ 2418)، والدارقطني (2/ 289)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 287)، والبيهقي (5/ 93)، وفي شعب الإيمان (3/ 457) حديث 4059، وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/ 386): المثنَّى بن الصبَّاح لا يُحتج به، وقوله: عن أبيه، هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وقد سمع شعيب من عبد الله بن عمرو على الصحيح، ووقع في كتاب ابن ماجه: عن أبيه، عن جدّه، فيكون شعيب ومحمد طافا جميعًا مع عبد الله. وضعَّفه ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 232)، وقال الحافظ في الدراية (2/ 31): وقد اضطرب فيه المثنى مع ضعفه. وانظر التلخيص الحبير (2/ 269).

ص: 339

لابتداء الغاية (الآنَ) أي: هذا الوقت الحاضر، وجمعه: آونة، كزمان وأزمنة (قبل أن تنأى) أي: تبعد (عن بيتِكَ داري، فهذا أوانُ انصرافي) أي: زمنه (إن أذنتَ لي، غيرَ مستبدلٍ بكَ ولا ببيتِكَ، ولا راغبٍ عنكَ، ولا عن بيتِكَ، اللَّهمَّ فأصْحِبْني) بقطع الهمزة (العافيةَ في بدني، والصحةَ في جسمي، والعصمةَ في ديني) وهي المنع من المعاصي (وأحسِنْ) بقطع الهمزة (مُنقلَبي، وارزقني طاعَتكَ ما أبقيتني، واجمعْ لي بين خيرَي الدُّنيا والآخرةِ، إنك على كلِّ شيءٍ قدير

(1)

.

وإن أحبَّ، دعا بغير ذلك. ويصلِّي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

فإذا خرج ولَّاها ظهرَه، ولا يلتفتُ) قال أحمد: فإذا ولَّى لا يقف ولا يلتفت (فإن فَعَل) أي: التفت (أعاد الوداع) نصَّ عليه

(2)

، يعني:(استحبابًا) قال في "الشرح": إذ لا نعلم لإيجاب ذلك عليه دليلًا.

(وقد قال مجاهد: إذا كِدْتَ تخرُجُ من المسجدِ فالْتفتْ، ثم انظرْ إلى الكعبة، فقل: اللَّهمَّ لا تجعلْه آخرَ العهد

(3)

).

وروى حنبلٌ عن المهاجر

(4)

قال: قلت لجابر بن عبد الله: "الرَّجلُ يطوف بالبيت ويصلِّي، فإذا انصرف، خَرَج، ثم استقبل القِبلة، فقام؟ فقال جابر: ما كنت أحسبُ يصنعُ هذا إلا اليهود

(1)

هذا الدعاء من قول الإمام الشافعي رحمه الله ذكره في الأم (2/ 221)، والبيهقي (5/ 164)، وقال: وهذا من قول الشافعي رحمه الله، وهو حسن.

(2)

المستوعب (4/ 270)، والمغني (5/ 344، 345)، وانظر مسائل صالح (2/ 22) رقم 555.

(3)

لم نقف على من رواه مسندًا، وقد أورده ابن قدامة في المغني (5/ 345).

(4)

هو: المهاجر بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي المخزومي. انظر: "تهذيب التهذيب"(10/ 322).

ص: 340

والنصارى"

(1)

قال أبو عبد الله: أكره ذلك

(2)

.

(والحائضُ) أو النفساء (تقف على باب المسجد) الحرام (وتدعو بذلك) الدُّعاء استحبابًا؛ لتعذُر دخوله عليها.

فصل

(وإذا فرغ من الحجِّ، استُحبَّ

(3)

له زيارة قَبْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، وقبرَي صاحبيه) أبي بكر وعُمر (رضي الله تعالى عنهما) لحديث الدارقطني عن ابن عُمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حجَّ فزارَ قبرى بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي"

(4)

، وفي رواية: "من زار قبري، وجبت له

(1)

رواه حنبل في مناسكه كما في المغني (5/ 345) ومناسك حنبل لم تطبع ولم نقف على من روى هذا الأثر مسندًا.

(2)

انظر المغني (5/ 345).

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما زيارته صلى الله عليه وسلم فليست واجبة باتفاق المسلمين، بل ليس فيها أمْر في الكتاب ولا في السنة، وإنما الأمر الموجود في الكتاب والسنة بالصلاة عليه والتسليم. ا. هـ مجموع الفتاوى (27/ 26).

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 278)، ولم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور. وأخرجه - أيضًا - الفاكهي في أخبار مكة (1/ 435) حديث 949، وأبو يعلى كما في المطالب العالية (2/ 70) حديث 1342، والجندي في أخبار المدينة ص/ 39، حديث 52، والطبراني في الكبير (12/ 406، 407) حديث 13496، 13497، وفي الأوسط (1/ 201) حديث 289، (4/ 222) حديث 3400، وابن عدي (2/ 790)، والبيهقي (5/ 246)، وفي شعب الإيمان (3/ 489) حديث 4154، جميعهم من طريق حفص بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال البيهقي: تفرَّد به حفص، وهو ضعيف.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الرد على الإخنائي ص/ 365: هذا الحديث معروف من رواية حفص بن سليمان الغاضري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي" وقد رواه عنه غير واحد، وهو عندهم معروف من طريقه، وهو =

ص: 341

شفاعتي"

(1)

رواه باللفظ الأول سعيد.

= عندهم ضعيف في الحديث إلى الغاية، حجَّة في القراءة. قال يحيى بن معين: حفص ليس بثقة. وقال الجوزجاني: قد فُرغ منه منذ دهر. وقال البخاري: تَرَكوه. وقال مسلم بن الحجاج: متروك. وقال علي بن المديني: ضعيف الحديث وتركتُه على عمد، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال مرة: متروك. وقال صالح بن محمد: لا يكتب حديثه، وأحاديثه كلها مناكير. وقال زكريا السَّاجي: يُحدِّث عن سِمَاك وغيره، أحاديثه بواطيل. والمتن نفسه باطل؛ فإن الأعمال التي فرضها الله ورسولُه لا يكونُ الرجلُ بها مثل الواحد من الصحابة، بل في الصحيحين عنه أنه قال:"لو أنفق أحدُكم مثل أحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدِهم ولا نصيفَه". فالجهاد والحج ونحوهما أفضلُ من زيارة قبره باتفاق المسلمين، ولا يكونُ الرجلُ بهما كمن سافر إليه في حياته ورآه، كيف وذاك إما أن يكونَ مهاجرًا إليه كما كانت الهجرة قبل الفتح، أو من الوفود الذين كانوا يفدون إليه يتعلمون الإسلام ويبلّغونه عنه إلى قومهم، وهذا عملٌ لا يمكن أحدًا بعدهم أن يفعل مثله. ومن شبَّه من زار قبر شخصٍ بمن كان يزوره في حياته فهو مصاب في عقله ودينه. وقال ابن عبد الهادي في الصَّارم المنكي ص/ 62: هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله، فإنه حديث منكر المتن، ساقطُ الإسناد، لم يصحِّحه أحدٌ من الحفَّاظ ولا احتجَّ به أحدٌ من الأئمة، بل ضعَّفوه، وطَعَنوا فيه، وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة، والأخبار المكذوبة، ولا ريب في كَذِب هذه الزيادة فيه.

وأما الحديث بدونها فهو منكرٌ جدًّا، ورواية حفص بن أبي داود وهو حفص بن سليمان أبو عمر الأسدي الكوفي البزار القاري الغاضري؛ وهو صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة وابن امرأته؛ وكان مشهورًا بمعرفة القراءة ونَقْلها؛ وأما الحديث فإنه لم يكن من أهله، ولا ممَّن يُعتمد عليه في نَقْله، ولهذا جرحه الأئمة وضعَّفوه وتركوه واتَّهمه بعضهم. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 116 مع الفيض) ورمز لضعفه. وانظر: التلخيص الحبير (2/ 266).

(1)

أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كما في إتحاف المهرة (9/ 124)، والبزار كشف الأستار (2/ 57) رقم 1198، والدولابي (2/ 64)، والعقيلي (4/ 170)، حديث 1744، وابن عَدي (6/ 2350)، والدارقطني (2/ 278)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 490) حديث 4159 من طريق موسى بن هلال، عن عبد الله بن عمر =

ص: 342

"تنبيه": قال ابن نصر الله: لازم استحباب زيارة قَبْره صلى الله عليه وسلم استحباب شَدِّ الرِّحال إليها؛ لأن زيارته للحاج بعد حَجِّه لا تمكن بدون شَدِّ الرَّحْل، فهذا كالتصريح باستحباب شَدِّ الرَّحْل لزيارته صلى الله عليه وسلم

(1)

.

(قال) الإمام (أحمد

(2)

: إذا حَجَّ الذي لم يحجَّ قطُّ، يعني: من غير طريق الشَّام، لا يأخذُ على طريق المدينة؛ لأنه إن حَدَث به حَدَثُ الموت كان في سبيل الحَجِّ) وهو من سبيل الله، فيكون شهيدًا، على ما تقدم بحثه عن صاحب "الفروع". وعبارة "الشرح" و"شرح المنتهى": لا يأخذ على طريق المدينة؛ لأني أخاف أن يَحدث به حَدَثٌ، فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطُّرق ولا يتشاغل بغيره.

= العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قال العقيلي: لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه. وقال: والرواية في هذا الباب فيها لين. وانظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 25)، وميزان الاعتدال (4/ 226)، والتلخيص الحبير (2/ 267).

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (27/ 26): وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي دون الصلاة في مسجده؛ فهذه المسألة فيها خلاف. فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع، ولا مأمور به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" ولهذا لم يذكر العلماء أن مثل هذا السفر إذا نذره يجب الوفاء به؛ بخلاف السفر إلى المساجد الثلاثة لا للصلاة فيها والاعتكاف، فقد ذكر العلماء وجوب ذلك في بعضها - في المسجد الحرام - وتنازعوا في المسجدين الآخرين، بل قد صرح طائفة من العلماء كابن عقيل وغيره بأن المسافر لزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وغيرها لا يقصر الصلاة في هذا السفر؛ لأنه معصية، لكونه معتقدًا أنه طاعة وليس بطاعة، والتقرُّب إلى الله عز وجل بما ليس بطاعة هو معصية؛ ولأنه نهى عن ذلك، والنهي يقتضي التحريم.

(2)

مسائل صالح (3/ 60) رقم 1340، ومسائل ابن هانئ (1/ 175) رقم 888.

ص: 343

(وإن كان) الحج (تطوُّعًا، بدأ بالمدينة) قال ابن نصر الله في هذا: إن الزيارة أفضل من حج التطوُّع، وإن حجَّ الفرض أفضل عنها

(1)

. انتهى. قلت: قد يُتوقف في ذلك، وإنما أراد الإمام أن ينضم إلى قَصْدِ الحج قَصْد الزيارة، فيثاب عليهما بخلاف حج الفرض، فيمحض النية له.

(فإذا دخل مسجِدَها) أي: مسجد المدينة (سُنَّ أن يقول) عند دخوله (ما يقوله في دخول غيره من المساجد) وتقدم في صفة الصلاة

(2)

.

(ثم يصلِّي تحية المسجد) لعموم الأوامر.

(ثم يأتي القبرَ الشريفَ، فيقف قُبالة وَجْهِه صلى الله عليه وسلم مُستدبرَ القِبلة، ويستقبل جدار الحُجْرة، و) يستقبل (المسمار الفضَّة في الرُّخامة الحمراء) ويُسمَّى الآن: الكوكب الدُّري (فيُسلِّمَ عليه) صلى الله عليه وسلم (فيقول: السلام عليك يا رسولَ الله. كان) عبد الله (ابن عُمر رضي الله عنه وعن أبيه وعن سائر الصحابة (لا يزيد على ذلك

(3)

. وإن زاد) عليه (فحَسنٌ).

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (27/ 345): "وعلماء المسلمين قد ذكروا في مناسكهم استحباب السفر إلى مسجده، وذكروا زيارة قبره المكرم، وما علمت أحدًا من المسلمين قال: إنه من لم يقصد إلا زيارة القبر يكون سفره مستحبًّا".

(2)

في باب آداب المشي إلى الصلاة (2/ 270 - 271).

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 166)، وعبد الرزاق (3/ 576) رقم 6724، ومسدد، وابن أبي عمر العدني، كما في المطالب العالية (2/ 69) رقم 1339، وابن سعد (4/ 156)، وابن أبي شيبة (3/ 341)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ص 83، 84، رقم 98 - 100، والبيهقي (5/ 245) عن ابن عمر رضي الله عنهما:"أنه كان إذا أراد أن يخرج، دخل المسجد فصلَّى، ثم أتى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه، ثم يأخذ وجهه، وكان إذا قَدِم من سفر يَفعلُ ذلك قبل أن يدخلَ منزلَه". هذا لفظ ابن أبي شيبة.

وصحَّحه الحافظ في المطالب العالية (2/ 69).

ص: 344

قال في "الشرح" و"شرح المنتهى": ويقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبيَّ الله وخِيرته من خَلْقِه وعباده، أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أشهد أنَّك بلَّغت رسالات رَبِّك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعَبَدت الله حتى أتاك اليقين، صلَّى الله عليك كثيرًا، كما يحبُّ ربنا ويرضى، اللَّهمَّ اجزِ عنَّا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، يغبطه به الأولون والآخرون، اللَّهمَّ صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صَلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، اللَّهمَّ إنك قلت وقولك الحق:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}

(1)

(2)

. وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي، مستشفعًا بك إلى رَبِّي، فأسألك يا ربِّ أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجْعلْه أول الشافعين، وأنجحَ السائلين، وأكرم الأولين

(1)

سورة النساء، الآية:64.

(2)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (1/ 159): ومنهم من يتأول قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} . ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة، ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين، فإن أحدًا منهم لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئًا ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم، وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه.

ص: 345

والآخرين، برحمتك يا أرحمَ الرَّاحمين. ثم يدعو لوالديه ولإخوانه وللمسلمين أجمعين.

"فائدة": يُروى عن العُتبي قال: كنت جالسًا عند قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ فقال: السلامُ عليك يا رسولَ الله، سمعت الله يقول:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وقد جئتُك مستغفِرًا من ذَنْبي

(1)

، مستشفعًا بك إلى ربِّي، ثم أنشأ يقول:

يا خيرَ من دُفنتْ بالقاعِ أعظُمُهُ

فطابَ من طِيبهنَّ القاعُ والأكَمُ

نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُهُ

فيهِ العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ

ثم انصرف الأعرابيُّ، فحملتني عيني فرأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النَّوم فقال: يا عُتبي، الْحَقِ الأعرابيَّ؛ فبشِّره أن الله تعالى قد غفر له

(2)

.

(ولا يرفع صوته) لقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ

(1)

في "ذ": "ذنوبي".

(2)

أخرج هذه القصة البيهقي في شعب الإيمان (3/ 495 - 496) حديث 4178، وابن الجوزي في مثير العزم الساكن (2/ 301) حديث 477، وابن عساكر في معجم الشيوخ ص/ 599، رقم 738، وأعلها ابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص/ 253 فقال: ليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف، ولفظها مختلف أيضًا، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتمادُ على مثلها عند أهل العلم، وبالله التوفيق. اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 289): ولهذا استحبَّ طائفةٌ من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك، واحتجُّوا بهذه الحكاية التي لا يَثبتُ بها حكمٌ شرعيٌّ، لاسيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعًا مندوبًا؛ لكان الصحابةُ والتابعون أعلمَ به وأعملَ به من غيرهم.

ص: 346

النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}

(1)

وحُرمته ميتًا كحُرمته حيًّا.

(ثم يستقبل القِبلة، و) يجعل (الحُجْرة عن يساره قريبًا؛ لئلا يستدبر قبرَه صلى الله عليه وسلم، ويدعو) بما أحبَّ.

(ثم يتقدَّم قليلًا من مقام سلامه) عليه صلى الله عليه وسلم (نحو ذِراع على يمينه، فيُسلِّمُ على أبي بكرٍ) الصديق (رضي الله عنه) فيقول: السلامُ عليك يا أبا بكر الصديق.

(ثم يتقدَّم نحو ذِراع على يمينه أيضًا، فيسلِّم على عُمر) بن الخطَّاب (رضي الله عنه) فيقول: السلامُ عليك يا عُمر الفاروق.

ويقول: السلامُ عليكما يا صاحِبَي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه، ووزيريه، اللَّهمَّ اجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيرًا، سلام عليكم بما صبرتم فنِعْمَ عُقبى الدار، اللَّهمَّ لا تجعلْه آخرَ العهد من قَبْرِ نبيك صلى الله عليه وسلم ومن حَرَمِ مسجدك يا أرحم الراحمين، قاله في "الشرح" و"شرح المنتهى".

(ولا يتمسَّحُ ولا يمسُّ قَبْرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا حائطه، ولا يلصق به صدرَه ولا يقبِّله) أي: يُكره ذلك؛ لما فيه من إساءة الأدب والابتداع.

قال الأثرم: رأيت أهلَ العلم من أهل المدينة لا يمسُّون قَبْرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يقومون

(2)

من ناحية فيسلمون. قال أبو عبد الله: وهكذا كان ابن عمر يفعل

(3)

.

(1)

سورة الحجرات، الآية:2.

(2)

في "ح" و"ذ": "بل يقومون".

(3)

المغني (5/ 468)، واقتضاء الصراط المستقيم (2/ 244)، وأثر ابن عمر رضي الله عنهما تقدم تخريجه (6/ 344) تعليق رقم (3).

ص: 347

وأما المنبر فرُوي عن ابن عُمر أنه كان يضع يَدَه على مقعَدِ النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم يضعها على وجهِهِ

(1)

.

(قال الشيخ

(2)

: ويحرم طوافُه بغير البيت العتيق اتِّفاقًا) وقال: واتفقوا على أنه لا يقبِّله ولا يتمسَّح به، فإنه من الشرك. وقال: والشرك لا يغفره الله، ولو كان أصغر.

(قال) أبو الوفاء علي (بن عقيل، و) أبو الفرج

(3)

عبد الرحمن (بن الجوزي: يُكره قَصْدُ القبور للدُّعاء) فعليه؛ لا يترخص من سافر له (قال الشيخ

(4)

: و) يُكره (وقوفُه عندها) أي: القبور (له) أي: للدُّعاء (أيضًا).

(وتُستحبُّ الصلاة بمسجده صلى الله عليه وسلم وهي بألف صلاة، و) الصلاة (بالمسجد الحرام بمئة ألف) صلاة (و) الصلاة (في) المسجد (الأقصى بخمسمائة) صلاة، وتقدم ذلك في الاعتكاف

(5)

مستوفى بأدلته.

(1)

أخرجه ابن سعد (1/ 254) عن محمد بن إسماعيل بن أبي فُدَيك، عن ابن أبي ذِئب، عن حمزة بن أبي جعفر، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري: أنه نظر إلى ابن عمر وَضَع يدَه على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، ثم وضعها على وجهه.

قلنا: حمزة بن أبي جعفر ذكره البخاري في التاريخ الكبير (3/ 51)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 209) ولم يذكرا عنه راويًا سوى ابن أبي ذِئب، فمثله يُعدُّ مجهولًا.

وإبراهيم بن عبد الرحمن: ذكره البخاري في التاريخ الكبير (1/ 297)، وابن حبان في الثقات (4/ 9)، ولم يذكرا عنه راويًا سوى حمزة بن أبي جعفر؛ فهو مجهول أيضًا.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 176، وانظر - أيضًا - مجموع الفتاوى (27/ 10).

(3)

اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 246)، والفروع (3/ 523).

(4)

انظر مجموع الفتاوى (27/ 31)، واقتضاء الصراط المستقيم (2/ 239، 246، 249، 286).

(5)

(5/ 371).

ص: 348

(وحسناتُ الحرم) في المضاعفة (كصلاته) لما تقدَّم عن ابن عباس مرفوعًا: "من حجَّ من مكة ماشيًا حتى يرجعَ إلى مكةَ، كتبَ اللهُ له بكلِّ خطوةٍ سبعمائةِ حسنة من حسنات الحرمِ، قيل له: وما حسناتُ الحرم؟ قال: بكلِّ حسنةٍ مائةُ ألف حسنة"

(1)

.

(وتعظُمُ السَّيئاتُ به) سُئل أحمد في رواية ابن منصور

(2)

: هل تُكتب السيئة أكثر من واحدة؟ قال: لا، إلا بمكة، لتعظيم البلد. ولو أن رجلًا بِعَدَن، وَهَمّ أن يقتل عند البيت، أذاقه الله من العذاب الأليم. انتهى. وظاهر كلامه: أن المضاعفة في الكيف لا الكم، وهو كلام الشيخ تقي الدين

(3)

. وظاهر كلامه في "المنتهى"، تبعًا للقاضي وغيره: أن التضاعف في الكم، كما هو ظاهر نصِّ الإمام (2). وكلام ابن عباس:"مالي وبلدٌ تتضاعفُ فيه السيئاتُ كما تتضاعفُ الحسناتُ؟ "

(4)

. وهو خاصٌّ، فلا يعارضه عموم الآيات، بل تخصَّص به؛ لأن مثله لا يُقال من قبل الرأي، فهو بمنزلة المرفوع.

(ويُسنُّ أن يأتي مسجد قُبا) بضم القاف، يقصر ويمد، ويصرف ولا يصرف، على ميلين من المدينة من جهة الجنوب، قاله في "الحاشية" (فيصلِّي فيه) لما في الصحيحين:"أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبًا وماشيًا، فيصلِّي فيه ركعتينِ"

(5)

. وفيهما: "كان يأتيهِ كلَّ سبتٍ راكبًا

(1)

تقدم تخريجه (6/ 282) تعليق رقم (1).

(2)

مسائل الكوسج (9/ 4599) رقم 3253.

(3)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 167.

(4)

لم نقف على من أخرجه.

(5)

البخاري في فضل الصلاة، باب 2، 3، 4، حديث 1191، 1193، 1194، وفي الاعتصام، باب 16، حديث 7326، ومسلم في الحج، حديث 1399، عن ابن =

ص: 349

وماشيًا". وكان ابن عُمر يفعله

(1)

.

(وإذا أراد الخروج) من المدينة ليعود إلى وطنه - بعد فِعْلِ ما تقدَّم وزيارة البقيع ومن فيه من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين - (عاد إلى المسجد) النبوي (فصلَّى ركعتين، وعاد إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فودَّع، وأعاد الدعاء، قاله في "المستوعب"، وقال: ويَعزِمُ على أن لا يعودَ إلى ما كان عليه قبل حَجِّه، من عَمَلٍ لا يرضى) ففي الحديث: "أنه يعُودُ كيوم ولدَتْهُ أمُّهُ"

(2)

. ويُستجاب دعاؤه إلى أربعين يومًا

(3)

، قاله في "المستوعب".

وروى أبو الشيخ الأصفهاني وغيره، من رواية ليث، عن مجاهد، قال

(4)

عُمر: "يغفر للحاجِّ ولمن استغفرَ له الحاجُّ بقيةَ ذي الحجَّةِ ومُحرَّم وصفرٍ وعشرٍ من ربيع الأول"

(5)

اقتصر عليه في "اللطائف"

(6)

.

= عمر رضي الله عنهما.

(1)

البخاري في فضل الصلاة، باب 3، حديث 1193، ومسلم في الحج، باب 97، حديث 1399 (521).

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 4، حديث 1521، وفي المحصر، باب 9، 10، حديث 1819، 1820، ومسلم في الحج، حديث 1350 عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسيأتي (6/ 362) تعليق رقم (3).

(3)

ليس على هذا دليل يعتمد عليه.

(4)

في "ح" و"ذ": "قال قال".

(5)

أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب، كما في كشف الخفاء (2/ 548)، وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 77، ومسدد، كما في المطالب العالية (2/ 59) رقم 1310. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (3/ 265): رواه مُسدَّد، وفي سنده ليث بن أبي سُليم، والجمهور على تضعيفه.

(6)

لطائف المعارف ص/ 130.

ص: 350

(ويُسنُّ أن يقول عند منصرفه من حَجِّه متوجِّهًا) إلى بلده: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيء قدير، آيبون) أي: راجعون (تائبون، عابدون، لربِّنا حامدون، صَدَقَ اللهُ وعده، ونَصَرَ عبده، وهزم الأحزابَ وحده) لما روى البخاري عن ابن عُمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ إذا قَفَلَ من غزوٍ أو حجٍّ أو عُمْرةٍ يكبِّرُ على كلِّ شَرفٍ من الأرضِ، ثم يقول. . ." فذكره

(1)

.

(ولا بأس أن يُقال للحاجِّ إذا قَدِمَ: تقبل اللهُ نُسُكَك، وأعظم أجرك، وأخلفَ

(2)

نفقتك) رواه سعيد عن ابن عمر

(3)

.

(قال في "المستوعب": وكانوا) أي: السلف (يغتنمون أدعية الحاجِّ قبل أن يتلطَّخوا بالذُّنوب

(4)

) وفي الخبر: "اللهم اغفِرَ للحاجِّ ولمن استغفر له الحاجُ"

(5)

.

(1)

رواه البخاري في العمرة، باب 12، حديث 1797، وفي الجهاد والسير، باب 133، 197، حديث 2995، 3084، وفي المغازي، باب 29، حديث 4116، وفي الدعوات، باب 52، حديث 6385. ورواه - أيضًا - مسلم في الحج حديث 1344. وعندهما زيادة:"ثلاث تكبيرات".

(2)

في "ح": "وأخلف عليك".

(3)

لم نجده في المطبوع من سننه. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (4/ 108).

(4)

أخرج ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 76، عن عمر رضي الله عنه قال:"القوا الحاج والعمَّار والغُزاة فليدعوا لكم قبل أن يتدنسوا".

(5)

أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 40) رقم 1155، وابن خزيمة (4/ 132) حديث 2516، والطبراني في الأوسط (9/ 269) حديث 8589، وفي الصغير (2/ 114)، وابن عدي (4/ 1326)، والحاكم (1/ 441)، والبيهقي (5/ 261)، وفي شعب الإيمان (3/ 477) حديث 4112، والخطيب في تاريخه (13/ 269) من طريق شريك، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وذكره =

ص: 351

‌فصل في صفة العُمرة وما يتعلق بذلك

(من كان في الحَرَم من مكي وغيره) وأراد العُمْرة (خَرَج إلى الحِلِّ فأحرم من أدناه) أي: أقربه إلى الحَرَم.

(و) إحرامه (من التَّنعيم أفضل) لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "أمرَ عبد الرحمن بن أبي بكرٍ أن يُعمِرَ عائشة من التنعيم"

(1)

، وقال ابن سيرين:"بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّتَ لأهْلِ مكة التنعيم"

(2)

.

= السيوطي في الجامع الصغير (2/ 101 مع الفيض) ورمز له لصحته.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 167): في إسناده شريك القاضي، ولم يُخرِّج له مسلم إلا في المتابعات.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 211): وفيه شريك بن عبد الله النخعي، وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وقد نقل ابن عدي عن إبراهيم بن سعيد أحد رواة الحديث قوله: ما أظن شريكًا إلا ذهب وهمه إلى حديث منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة: "من حج ولم يرفث ولم يفسق. . .".

(1)

تقدم تخريجه (6/ 70) تعليق رقم (2).

(2)

أخرجه أبو داود في المراسيل، حديث 135، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 281 - 282، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 56). قال أبو داود: قال سفيان: هذا حديث لا يعرف.

وأخرجه العقيلي (4/ 111) من حديث أبي سهل محمد بن عمرو الأنصاري، عن ابن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وأبو سهل هذا قال العقيلي فيه: كان يحيى بن سعيد يضعفه جدًّا، وقال يحيى بن معين: ضعيف.

وأخرج العقيلي أيضًا (4/ 111) من طريق آخر عن ابن سيرين قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة الجعرانة. وهذا مرسل أيضًا.

ص: 352

وإنما لزم الإحرام من الحِلِّ ليجمع في النُّسك بين الحِلِّ والحَرَم.

(ثم) يلي الإحرام من التنعيم في الأفضلية الإحرام (من الجِعْرَانة) بكسر الجيم وإسكان العين، وقد تكسر العين وتشدد الراء، وقال الشافعي: التشديد خطأ

(1)

. وهي موضع بين مكة والطائف، خارج من حدود الحرم، يعتمر منه، سُمِّيَ برَيْطَةَ بنتِ سعدٍ، وكانت تلقَّب بالجِعْرانة

(2)

. قال في القاموس

(3)

: وهي المراد في قوله تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا}

(4)

.

(ثم) يلي الإحرام من الجِعْرانة في الأفضلية الإحرام من (الحُديبية) مصغرة، وقد تُشدَّد، بئر قرب مكة، أو شجرة حَدباء كانت هناك.

(ثم) يلي ما سبق (ما بَعُدَ) عن الحرم، وعنه في المكي: كلما تباعد في العُمرة فهو أعظم للأجر

(5)

.

(ومن كان خارج الحرم) أي: حرم مكة (دون الميقات) أي المواقيت التي سبقت (فـ) ــميقات إحرامه بالحجِّ أو العُمْرة (من دُويرة أهله) كما تقدم في باب المواقيت، لحديث ابن عباس السابق هناك

(6)

.

(وإنْ كان في قرية) وأراد الإحرام (فـ) ــإنه يُحرِم (من الجانب

(1)

انظر: المجموع (8/ 184)، ومعجم البلدان (2/ 142).

(2)

هي ريطة بنت سعد بن زيد بن مَنَاة بن تميم، تُلقَّب بالجِعْرانة. الروض الأُنف (7/ 279)، تاج العروس (10/ 441). مادة (جعر).

(3)

القاموس المحيط ص/ 366، مادة:(جعر).

(4)

سورة النحل، الآية:92.

(5)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 802) رقم 1072، وكتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 330)، والمغني (5/ 60).

(6)

تقدم تخريجه (6/ 66) تعليق رقم (3).

ص: 353

الأقرب من البيت) أي: الحرم (و) إحرامه (من) الجانب (الأبعد أفضل) كمن بالميقات، فإن إحرامه من الجانب الأبعد عن الحرم أفضل (وتقدم) في المواقيت

(1)

.

(و‌

‌تُباح) العُمْرة (كلَّ وَقْتٍ)

من أوقات السنة في أشهر الحج وغيرها (فلا يُكره الإحرام بها يوم عَرفة، و) لا يوم (النَّحْر، و) لا أيام (التشريق) لأن الأصل الإباحة، ولا دليل على الكراهة.

(ولا بأس أن يعتمر في السنة مِرارًا) رُوي عن عليٍّ

(2)

وابن عُمر

(3)

وابن عباس

(4)

وأنس

(5)

وعائشة

(6)

؛ لأن عائشة اعتمرت في شهر مرَّتين

(1)

(6/ 69).

(2)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 135)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 379)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 86، والبيهقي (4/ 344)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 46) رقم 9246، عنه رضي الله عنه أنه قال: في كل شهر عمرة.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 135)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 380، 381)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 87، والبيهقي (4/ 344)، عن نافع قال: اعتمر عبد الله بن عمر أعوامًا في عهد ابن الزبير عُمرَتين في كل عام.

(4)

لم نقف على من أخرجه مسندًا.

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 135)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 379)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 86، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 86) رقم 2893، والبيهقي (4/ 344)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 46) رقم 9247، عن بعض ولد أنس بن مالك، قال: كنا مع أنس بن مالك رضي الله عنه بمكة، فكان إذا حمَّم رأسه خرج فاعتمر.

(6)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 135)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 380)، والبيهقي (4/ 344)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 46 - 47) حديث 9248، 9249، 9250، عن القاسم بن محمد: أن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة مرتين - أو قال: مرارًا -.

ص: 354

بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عُمرة مع قِرانها، وعُمرة بعد حَجِّها

(1)

.

وقال صلى الله عليه وسلم: "العمْرَةُ إلى العُمْرة كفَّارةٌ لما بينهما" متفق عليه

(2)

.

وقال عليٌّ: "في كُلِّ شَهْرٍ مَرَّة"، وكان أنس "إذا حَمَّمَ

(3)

رَأسُهُ خَرَجَ فاعْتَمَرَ". رواهما الشافعي في "مسنده"

(4)

.

(ويُكره الإكثارُ منها، والموالاةُ بينها. نصًّا) باتفاق السَّلف

(5)

، قاله في "الفروع"، قال أحمد: إن شاء كل شهر

(6)

، وقال: لا بُدَّ يحلق أو يُقصِّر، وفي عشرة أيام يمكن

(7)

(8)

. واستحبَّه جماعة.

(وهي) أي: العُمْرة (في غير أشهر الحَجِّ أفضل) منها في أشهر الحَجِّ، نقله الأثرم وابن إبراهيم عن أحمد

(9)

.

واختار في "الهدي"

(10)

أن العمرة في أشهر الحَجِّ أفضل.

(1)

أخرجه البخاري في العمرة، باب 7، حديث 1786، ومسلم في الحج، حديث 1211. ونقل البيهقي تفصيل ذلك عن الشافعي في معرفة السنن والآثار (7/ 46) حديث 9245 فقال: وقد كانت عائشة رضي الله عنها ممن حَلَّ بعمرة، فعائشة رضي الله عنها قد اعتَمَرت في تسع ليال من ذي الحجة مرتين؛ لأنها دخلت يوم رابع من ذي الحجة واعتَمَرت ليلة الحَصْبة، ليلة أربع عشرة من ذي الحجَّة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

البخاري في العمرة، باب 1، حديث 1773، ومسلم في الحج، حديث 1349، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

حمم: أي اسود بعد الحلق بنبات شعره، النهاية (1/ 445).

(4)

تقدم تخريجهما في الصفحة السابقة برقم (2) و (5).

(5)

المغني (5/ 17) ومجموع الفتاوى (26/ 270).

(6)

مسائل الأثرم كما في المغني (5/ 17)، وانظر: مسائل أبي داود ص/ 131.

(7)

في "ذ": "يمكنه".

(8)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 147) رقم 727.

(9)

مسائل ابن هانئ (1/ 146) رقم 724.

(10)

زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 95).

ص: 355

وظاهر كلام جماعة التسوية.

(وأفضلها في رمضان، ويُستحبُّ تَكْرارها فيه) أي: في رمضان (لأنها تَعدلُ حَجَّة) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "عُمرَةٌ في رمضانَ تَعْدِلُ حَجَّةً" متفق عليه

(1)

.

قال أحمد

(2)

: مَن أدرك يومًا من رمضان فقد أدرك عُمرة رمضان.

قال إسحاق: معنى هذا الحديث مثل ما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقد قَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ"

(3)

.

وقال أنس: "حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حَجَّةً واحدةً، واعتمرَ أربعَ عُمَرٍ،

(1)

البخاري في العمرة، باب 4، حديث 1782، وفي جزاء الصيد، باب 26، حديث 1863، ومسلم في الحج، حديث 1256.

(2)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 741) رقم 994، ومسائل ابن هانئ (1/ 155) رقم 772.

(3)

أخرجه الترمذي في فضائل القرآن، باب 11، حديث 2896، والنسائي في الافتتاح، باب 69، حديث 995، وفي الكبرى (6/ 173 - 174) حديث 10515 - 10524، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص/ 268، وأحمد (5/ 418، 419)، وعبد بن حميد (1/ 223) حديث 222، والدارمي في فضائل القرآن، باب 23، حديث 3440، وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث 254، والطبراني في الكبير (4/ 167) حديث 4026، 4029، وأبو نعيم في الحلية (2/ 117، 7/ 168)، والبيهقي (2/ 506) حديث 2544، وابن عبد البر (7/ 255 - 256) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وانظر علل الدارقطني (6/ 101 - 103). وأخرجه مسلم في الصلاة، حديث 811، عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا، قال: أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قال: قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن.

وأخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب 13، حديث 5013، 5015، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وأخرجه مسلم في الصلاة حديث 812، عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:"إنها لتعدل ثلث القرآن".

ص: 356

واحدةٌ في ذي القعدَةِ، وعُمْرةُ الحُديبية، وعُمْرةٌ مع حجّته، وعمرةُ الجِعْرَانة، إذ قَسَمَ غنائمَ حُنين" متفق عليه

(1)

.

(وتُسمَّى العُمْرة حَجًّا أصغر) لمشاركتها للحَجِّ في الإحرام والطَّواف والسعي والحَلْق أو التقصير، وانفراده بالوقوف بعرفة وغيره مما تقدم.

(وإنْ أحرمَ) بالعُمْرة (من الحرم، لم يجزْ) له ذلك؛ لتركه ميقاته، وهو الحِل (وينعقدُ) إحرامُه (وعليه دَمٌ) لتركه نُسُكًا واجبًا.

(ثم) بعد الإحرام بالعُمْرة (يطوف) لعُمْرته (ويسعى، ثم يحلِقُ أو يقصِّر، ولا يحل قبل ذلك) أي: قبل الحلق أو التقصير، فإن وطئ قبله، فعليه دم كما روى

(2)

ابن عباس، وتقدم

(3)

.

(وتجزئ عُمْرة القارن) عن عُمْرة الإسلام.

(و) تجزئ (عُمْرةٌ) من (التنعيم عن عُمْرة الإسلام) لحديث عائشة حين قَرَنت الحَجّ والعُمْرة، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين حلَّت منهما:"قد حَلَلْتِ من حَجِّك وعُمرتك"

(4)

. وإنما أعمرها من التنعيم؛ قصدًا لتطييب خاطرها، وإجابة مسألتها، لا لأنها كانت واجبة عليها.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 11) تعليق رقم (7).

(2)

في "ح" و"ذ": "كما روي عن".

(3)

تقدم تخريجه (6/ 191) تعليق رقم (1).

(4)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1213 (136) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ص: 357

‌فصل

(أركان الحَجِّ) أربعة:

(الوقوفُ بعَرفَة) لحديث: "الحجُّ عَرفة، فمن جاءه قبل صلاة الفجر ليلة جَمْعٍ فقد تم حَجُّه" رواه أبو داود

(1)

.

(وطوافُ الزيارة) قال ابن عبد البرِّ

(2)

: هو من فرائض الحَجِّ، لا خلاف في ذلك بين العلماء؛ لقوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(3)

.

(والسعي) بين الصَّفا والمَروة، لما تقدَّم

(4)

في موضعه.

(والإحرامُ، وهو النية) أي: نية النُّسك، وإن لم يتجرَّد من ثيابه المُحرَّمة على المُحْرِم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمَالُ بالنياتِ"

(5)

.

(وواجباته) أي: الحج (سبعة:

الإحرامُ من الميقات) المُعتبر له إنشاء ودوامًا، قال في "التلخيص": والإنشاء أَولى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر المواقيت، وقال:"هُنَّ لَهُنَّ، وَلمن مَرَّ عليهنَّ مِنْ غيرِهن، ممن أراد الحجَّ والعُمرةَ"

(6)

.

(والوقوفُ بعرفة إلى الليل) على من وَقَفَ نهارًا؛ لما تقدم

(7)

.

(والمبيتُ بمزدلفة إلى) ما (بعد نصفه) أي: الليل إن وافاها قبله.

(1)

تقدم تخريجه (6/ 80) تعليق رقم (1).

(2)

انظر: الاستذكار (13/ 230، 264)، والتمهيد (17/ 267)، ونقل هذا الإجماع أيضًا ابن المنذر ص/ 66، وابن حزم في مراتب الإجماع ص/ 76، وغيرهم.

(3)

سورة الحج، الآية:29.

(4)

(6/ 264 - 270).

(5)

تقدم تخريجه (1/ 193) تعليق رقم (2).

(6)

تقدم تخريجه (6/ 66) تعليق رقم (3).

(7)

(6/ 288).

ص: 358

(والمبيتُ بمِنى) ليالي أيام التشريق على ما تقدم تفصيله

(1)

.

(والرميُ) للجِمار (مرتبًا) على ما سبق في الباب

(2)

.

(والحِلاقُ أو التقصيرُ.

وطوافُ الوداع. قال الشيخُ

(3)

: وطوافُ الوداع ليس من الحَجِّ، وإنما هو لكلِّ من أرادَ الخُروجَ من مكة) كما تقدمت

(4)

الإشارة إليه.

(وما عداهن) أي: المذكورات من الأركان والواجبات، كالمبيت بمِنى ليلة عرفة، وطواف القُدوم والرَّمل، والاضطباع، ونحوها (سُننٌ) للحجِّ.

(وأركان العُمْرة) ثلاثة: (الإحرامُ، والطوافُ، والسعيُ) لما تقدم، في الحج.

(وواجباتها) أي: العُمْرة شيئان: (الإحرامُ من الحِلِّ، والحَلْق أو التقصير) فمن أتى بواحد منهما، فقد أتى بالواجب.

(فمن ترك رُكنًا، أو) ترك (النية له) إن اعتُبرت فيه كالطواف والسَّعي (لم يتمَّ نُسُكه إلا به) أي: بذلك الرُّكن بنيته.

(لكن لا ينعقد نُسُكٌ بلا إحرام) حجًّا كان أو عُمْرة؛ لحديث: "إنما الأعمال بالنيات"

(5)

.

(ويأتي) في الباب

(6)

بعده (إذا فاته الوقوف) بعرفة.

(1)

(6/ 325).

(2)

(6/ 327).

(3)

انظر: مجموع الفتاوى (26/ 8).

(4)

(6/ 336).

(5)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(6)

(6/ 363).

ص: 359

(ومن تَرَك واجبًا) لحج أو عُمْرة (ولو سهوًا، فعليه دَمٌ) لما تقدم عن ابن عباس

(1)

(فإن عَدِمه، فكصوم مُتْعة) وتقدم

(2)

، (والإطعام عنه على ما تقدم) فعلى المذهب: لا إطعام.

(ومن ترك سُنَّة فلا شيء عليه) قال في "الفصول" وغيره: ولم يُشرع الدَّم عنها؛ لأن جبران الصلاة أدخل، فيتعدى إلى صلاته من صلاة غيره.

ومن تَرَك طواف الإفاضة رَجَع إلى مكة معتمرًا فأتى به؛ لأنه على بقية إحرامه، وتقدم

(3)

، فإن وطئ، أحرم من التنعيم على حديث ابن عباس

(4)

، وعليه دَمٌ.

(قال) أبو الوفاء علي (بن عقيل: وتُكرهَ تَسميةُ مَن لم يحج صَرُورة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صَرُورة في الإسلام"

(5)

. و (لأنه اسم جاهليٌّ.

(1)

(6/ 330)، تعليق رقم (1).

(2)

(6/ 185).

(3)

(6/ 317).

(4)

تقدم تخريجه (6/ 191)، تعليق رقم (1).

(5)

أخرجه أبو داود في المناسك، باب 3، حديث 1729، وأحمد (1/ 312)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 314) حديث 1282، والطبراني في الكبير (11/ 234) حديث 11595، وابن عدي (5/ 1682)، والحاكم (1/ 448، 2/ 159)، والبيهقي (5/ 164)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 40) حديث 842، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال الدارقطني في أطراف الغرائب والأفراد (3/ 244): غريب من حديث عمرو عن عكرمة، تفرد به عمر بن قيس المكي عنه.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 428 مع الفيض) ورمزَ لصحته. وتعقَّبه المُناوي فقال: "قال الحاكم: صحيح. وأقرَّه الذهبي، واغترَّ به المصنِّف فرَمَز لصحته، وهو غير مسلَّم، فإن فيه - كما قاله جَمْعٌ منهم الصدر المُناوي - عمر بن =

ص: 360

و) يُكره (أن يقال: حَجَّة الوداع؛ لأنه اسمٌ على أن لا يعود) قال: وأن يقال: شوط، بل طوفة وطوفتان.

(ويُعتبر في ولاية تسيير الحاجَّ) أي: في أمير الحاج (كونه مطاعًا ذا رأي، وشجاعة، وهداية. وعليه جمعُهم وترتيبُهم، وحراستُهم في المسير والنزول، والرِّفْق بهم، والنُّصح) لهم (ويلزمهم طاعته في ذلك، ويُصلح بين الخصمين، ولا يحكم إلا أن يُفوَّض إليه) الحكم (فيُعتبر كونُه من أهله).

وقال الآجري: يلزمه علم خطب الحجِّ والعمل بها.

قال الشيخ تقي الدين

(1)

: ومَنْ جرد معهم، وجمع له من الجند المقطعين ما يعينه على كلفة الطريق، أُبيح له، ولا ينقص أجره، وله أجر الحج والجهاد، وهذا كأخذ بعض الإقطاع ليصرفه في المصالح، وليس في هذا اختلاف. ويلزم المعطي بذل ما أمر به.

(وشَهْرُ السلاحِ عند قُدُومِ) الحاج الشَّامي (تبوكَ بدعةٌ، زاد الشيخُ: محرَّمة)

(2)

.

ومثله، ما يفعله الحاجُّ المِصريُّ ليلة بدر في المَحلِّ المعروف بجبل الزينة.

قال

(3)

: وما يذكره الجُهَّال من حصار تبوك كَذِبٌ، فلم يكن بها

= عطاء، وهو ضعيفٌ واهٍ. وقال ابن المديني: كذَّاب".

وانظر: التلخيص الحبير (3/ 117).

والصَّرُورة: الذي لم يحجَّ قطُّ، وأصله من الصَّر وهو الحَبْس والمَنْع. وقيل: هو التبتُّل وتَرْك النكاح. النهاية (3/ 22).

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 177.

(2)

المرجع السابق.

(3)

انظر: مجموع الفتاوى (18/ 359) و (28/ 429 - 430).

ص: 361

حِصْن، ولا مقاتلة، فإن مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كانت بضعًا وعشرين، لم يقاتل فيها إلا في تسع: بدر، وأُحُد، والخندق، وبني المصطلق، والغابة، وفتح خيبر، وفتح مكة، وفتح حُنين، والطائف.

(وقال

(1)

: ومن اعتقد أن الحجَّ يُسقِط ما عليه من الصلاة والزكاة، فإنه يُستتابُ بعد تعريفه إن كان جاهلًا، فإن تابَ، وإلا قُتِل، ولا يَسقطُ حَقُّ الآدميِّ من مالٍ، أو عِرْض، أو دمٍ بالحجِّ إجماعًا). انتهى.

وقال الدَّميري

(2)

في الحديث الصحيح "من حَجَّ فلم يرفُثْ ولم يَفْسُقْ خرجَ من ذنوبِهِ كيوم ولدته أمهُ"

(3)

: وهو مخصوص بالمعاصي المتعلِّقة بحقوق الله تعالى خاصَّة، دون العباد، ولا يُسقِط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو كفَّارة ونحوها من حقوق الله تعالى، لا تسقط عنه؛ لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنب تأخيرها، فنَفْس التأخير يسقط بالحجِّ، لا هي نفسها، فلو أخَّرها بعده، تجدد إثمٌ آخر، فالحجُّ المبرور يُسقِط إثم المخالفة لا الحقوق. قاله في "المواهب"

(4)

.

(1)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 177.

(2)

في "النجم الوهاج في شرح المنهاج"(3/ 560). والدَّميري هو كمال الدين، أبو البقاء، محمد بن موسى الدَّميري، نسبة إلى دميرة قرية بمصر، صنف "النجم الوهاج في شرح المنهاج" ونظم في الفقه أرجوزة طويلة، وله كتاب "حياة الحيوان" كبرى وصغرى ووسطى. توفي في القاهرة سنة (808 هـ)، رحمه الله تعالى. انظر: شذرات الذهب (9/ 118).

(3)

أخرجه بهذا اللفظ أحمد (2/ 229، 483)، والطبري في تفسيره (2/ 277) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر:(6/ 350) تعليق رقم (2).

(4)

المواهب اللدنية (4/ 442 - 443).

ص: 362

‌باب الفوات والإحصار

(الفوات) مصدر: فاته، يفوته، فواتًا، وفوتًا، وهو (سَبْقٌ لا يُدركُ.

والإحصار) مصدر: أحصره، أي: حبسه فهو (الحَبْس) أي: المنع.

(من طلع عليه فَجْرُ يوم النَّحْر، ولم يقفْ بعرفةَ، ولو لعُذْرٍ، فاته الحجُّ)

في ذلك العام؛ لانقضاء زمن الوقوف؛ لقول جابر: "لا يفُوتُ الحجُّ حتى يطلعَ الفجرُ من ليلة جَمْعٍ" قال أبو الزبير: "فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم" رواه الأثرم

(1)

.

ولمفهوم ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: "الحجُّ عَرفةُ، فمن جاء قبل صلاةِ الفَجْرِ ليلةَ جَمْعٍ، فقد تمَّ حَجُّهُ"

(2)

؛ فإنه يدلُّ على فوات الحجِّ بخروج ليلة جَمْعٍ.

(وسَقَطَ عنه توابعُ الوقوف، كمبيت بمزدلفة ومِنى، ورَمْي جِمار) لفوات متبوعها، كمن عَجَزَ عن السُّجود بالجبهة، لم يلزمه بغيرها.

(وانقلب إحرامه عُمْرة، نصًّا

(3)

، فيطوف ويسعى، ويحلِق أو يقصِّر) لقول عُمر لأبي أيوب لما فاته الحجّ:"اصْنَعْ ما يصنعُ المُعتمر ثم قد حَلَلْتَ، فإن أدركتَ الحجَّ قابلًا، فَحُجَّ، وأهْدِ مَا استيسرَ من الهَدْي". رواه الشافعي

(4)

. وروى البخاريُّ

(5)

بإسناده عن عطاء مرفوعًا نحوه.

(1)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع، وأخرجه البيهقي (5/ 174). عن جابر رضي الله عنه موقوفًا دون قوله: قال أبو الزبير. . . إلخ.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 80) تعليق رقم (1).

(3)

مسائل ابن هانئ (1/ 171) رقم 865.

(4)

في مسنده (ترتيبه 1/ 384). وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (1/ 383)، والبيهقي (5/ 174). قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 48): رواه مالك والشافعي بإسناد صحيح.

(5)

كذا في الأصول "البخاري"، والصواب "النجاد" كما في المغني (5/ 446)، والمبدع =

ص: 363

ولأنه يجوز فَسْخ الحج إلى العُمْرة من غير فوات، فَمَع الفوات أَولى.

(وسواءٌ كان قارنًا أو غيرَه) لأن عُمرة القارن لا يلزمه أفعالها، وإنما يمنع من عُمْرة على عُمْرة إذا لزمه المضي في كل منهما، ومحلُّ انقلاب إحرامه عُمْرة (إن لم يخترِ البقاء على إحرامه ليحُجَّ من قابل) من غير إحرام متجدد، فإن اختار ذلك فله استدامة الإحرام؛ لأنه رضي بالمشقَّة على نفسه.

(ولا تُجزئُ) هذه العُمْرة التي انقلب إحرامه إليها (عن عُمْرة الإسلام) نصًّا

(1)

؛ لوجوبها كمنذورة.

(وعليه القضاءُ، ولو) كان الحجُّ الفائت (نَفْلًا) لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فاتهُ عرفَاتُ فقد فاتَه الحجُّ، وليتحلّلْ بعُمرة وعليه الحجُّ من قَابِلٍ"

(2)

.

= (3/ 267). والنجاد قد تقدم التعريف به (3/ 291) وله المسند، والسنن، ولم يطبعا، ولعله رواه فيهما أو في أحدهما.

وقد رواه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 225 بلفظ: من لم يدرك فعليه دم، ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل.

وقال الحافظ في الدراية (2/ 46): هو مرسل، وفي إسناده ضعف.

(1)

الفروع (3/ 532)، والإنصاف (4/ 63).

(2)

الدارقطني (2/ 241) وفي سنده يحيى بن عيسى النهشلي. ضعَّفه ابن الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 157). وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 145): ويحيى بن عيسى النهشلي، قال النسائي فيه: ليس بالقوي، وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء: كان ممن ساء حفظه، وكثر وهمه حتى خالف الأثبات، فبطل الاحتجاج به.

وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند الدارقطني (2/ 241)، وفي سنده =

ص: 364

وعمومه شاملٌ للفَرْض والنفل، وكذا ما سبق عن عُمر

(1)

، ولأن الحَجَّ يلزم بالشروع فيه، فيصير كالمنذور، بخلاف سائر التطوُّعات.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الحجُّ مرة"

(2)

فالمراد به الواجب بأصل الشرع، وهذا إنما وجب بإيجابه له بالشروع فيه، كالمنذور.

وأما المُحْصَر فإنه غير منسوب إلى تفريط، بخلاف من فاته الحج، ومحله إن لم يشترط أن محِلِّي حيث حبستني، فإن اشترط فلا قضاء.

(ويلزمُه) أيضًا (إن لم يكن اشترط أولًا) أن محِلِّي حيث حبستني (هدي شاة، أو سُبع بدنة) أو سُبع بقرة (من حين الفواتِ، ساقَه) أي: الهَدي (أو لا) نصَّ عليه

(3)

(يؤخِّره إلى القضاء، يذبحُه فيه) لأنه حَلَّ من إحرامه قبل تمامه، فلزمه هدي، كالمُحصر.

(فإن كان الذي فاته الحجُّ قارنًا قضى قارنًا) أي: لزمه في العام الثاني مثل ما أهلَّ به أولًا، نصَّ عليه

(4)

؛ لأن القضاء يجب على حسب الأداء في صورته ومعناه، فيجب أن يكون هنا كذلك.

قلت: والظاهر أنه يلزمه قضاء النُّسكين، لا أن يكون قارنًا كما

= رحمة بن مصعب، قال الدارقطني: ضعيف، ولم يأت به غيره.

ورواه الشافعي في الأم (2/ 166) وفي مسنده (ترتيبه 1/ 353) ومن طريقه البيهقي (5/ 174) موقوفًا، وقال الحافظ في الدراية (2/ 46 - 47): وهذا موقوف صحيح.

(1)

(6/ 363) تعليق رقم (4).

(2)

تقدم تخريجه (6/ 16)، تعليق رقم (2).

(3)

انظر: مسائل صالح (1/ 374) رقم 347، و (3/ 125) رقم 1484، ومسائل ابن هانئ (1/ 166) رقم 830.

(4)

انظر مسائل ابن هانئ (1/ 171) رقم 865.

ص: 365

يعلم مما سبق في الإحرام. قال في "الشرح": ويلزمه دمان: لقِرانه، وفواته.

(فإن عَدِم الهديَ زمن الوجوب) وهو وقت الفوات (صام عشرة أيام: ثلاثة في الحجِّ - أي: حج القضاء - وسبعة إذا رجع) أي: فرغ من حجة القضاء؛ كمتمتِّع؛ لما روى الأثرم بإسناده: "أن هَبَّار بن الأسود حَجَّ من الشام فقدم يوم النَّحْر، فقال له عُمرُ: ما حبسك؟ قال: حَسِبْتُ أنَّ اليوم يومُ عرفةَ، قال: فانطلقْ إلى البيتِ فطُفْ به سَبْعًا، وإن كان معكَ هديةٌ، فانْحَرْها، ثم إذا كان قابل فاحججْ، فإن وجدت سَعَةً، فأهْدِ، فإنْ لم تجدْ فصم ثلاثةَ أيام في الحجِّ وسبعةً إذا رَجَعْتَ إنْ شاءَ الله"

(1)

. والمكي وغيره في ذلك سواء (ثم حَلَّ.

والعبدُ لا يُهدي، ولو أذن له سيدُه؛ لأنه لا مال له) لأنه لا يملك، ولو ملك غير المكاتب (ويجب عليه الصوم المذكور بَدَلَ الهدي.

وعلى قياس هذا: كلّ دم لزمه في الإحرام) لفعل محظور أو غيره (لا يجزئه عنه إلا الصيام) لما تقدم.

(وإذا صام) العبدُ (فإنه يصوم عن كل مُدٍّ من قيمة الشاة يومًا، حيث يصوم الحُرُّ، ثم حَلَّ) ذكره الخِرقي.

والصحيح الذي عليه جماهير الأصحاب: أنه يصوم عشرة أيام، ثلاثة في حجة القضاء، وسبعة إذا رجع، كما قدَّمه في قوله:"ويجب عليه الصوم المذكور بدل الهدي".

وقوله هنا وفيما تقدم: "ثم حَلَّ" يقتضي أنه لا يَحلّ حتى يصوم،

(1)

لعل الاثرم رواه في سننه ولم تطبع، وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (1/ 383)، والشافعي في الأم (2/ 166)، والبيهقي (5/ 174).

ص: 366

وليس بظاهر؛ لأنه ليس كالمُحصر، بل يحصُل التحلُّل بنفس إتمام النُّسك، على ما تقدم في صفة الحجِّ؛ إذ لم يفرقوا بين القضاء وغيره، ولم يذكر "ثم حَلَّ" في "المنتهى" وغيره فيمن فاته الحج، بل في المُحْصر.

(وإن أخطأ الناس، فوقفوا في غير يوم عَرفة) بأن وقفوا الثامن أو العاشر (ظنًّا منهم أنه يوم عَرفة، أجزأهم) نصًّا

(1)

؛ لما روى الدارقطني بإسناده عن عبد العزيز بن جابر

(2)

بن أسيد قال: قال صلى الله عليه وسلم: "يومُ عَرفَةَ اليومُ الذي يعرفُ الناسُ فِيهِ"

(3)

.

وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فطْرُكُم يومَ تفْطِرُونَ، وأضْحَاكم يَومَ تضَحونَ". رواه الدارقطني وغيره

(4)

.

قال الشيخ تقي الدين

(5)

: وهل هو يوم عَرفة باطنًا؟ فيه خلاف في مذهب أحمد، بناءً على أن الهلال اسم لما يطلع في السماء، أو لما يراه الناس ويعلمونه، وفيه خلاف مشهور في مذهب أحمد وغيره.

(1)

مسائل عبد الله (2/ 801) رقم 1070.

(2)

كذا في الأصول: عبد العزيز بن جابر، والصواب عبد العزيز بن عبد الله بن خالد، كما في سنن الدارقطني ومراسيل أبي داود، وغيرهما.

(3)

الدارقطني (2/ 223)، وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المراسيل ص/ 193، حديث 149، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 38) حديث 2795، والحارث ابن أبي أسامة "بغية الباحث" ص/ 127، حديث 379، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1633)، حديث 4101، والبيهقي (5/ 176)، وابن عساكر في تاريخه (36/ 294) عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد مرسلًا، وقال البيهقي: هذا مرسلٌ جيد. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 314 مع الفيض) ورمز لضعفه. وله شاهد عن عائشة رضي الله عنها، تقدم تخريجه (5/ 215) تعليق رقم (1). وعن عطاء مرسلًا: أخرجه البيهقي (5/ 176).

(4)

تقدم تخريجه (5/ 214) تعليق رقم (5).

(5)

انظر: مجموع الفتاوى (22/ 211) و (25/ 202 - 203، 205).

ص: 367

قال: والثاني هو الصواب. وقال: فعُلم أنه يوم عرفة باطنًا وظاهرًا، يوضحه: أنه لو كان هنا خطأ وصواب، لاستُحِبَّ الوقوف مرتين، وهو بدعة، لم يفعله السلف، فعُلم أنه لا خطأ.

وقال: فلو رآه طائفةٌ قليلة لم ينفردوا بالوقوف، بل الوقوف مع الجمهور.

وقال في "الفروع": ويتوجَّه وقوف مرتين إن وقف بعضهم، لا سيما من رآه.

وصرَّح جماعة: إن أخطؤوا لغلطٍ في العدد، أو في الرؤية، أو في الاجتهاد مع الإغماء

(1)

، أجزأ، وهو ظاهر كلام الإمام

(2)

وغيره.

(وإن أخطأ بعضُهم، فاته الحجّ) هذه عبارة غالب الأصحاب. وفي "الانتصار": وإن أخطأ عددٌ يسير. وفي "الكافي" و"المجرد": إن أخطأ نفرٌ منهم. قال ابن قتيبة

(3)

: يقال: إن النَّفَر ما بين الثلاثة إلى العشرة. ولذلك قال في "المنتهى": وإن وقف الناس، أو إلا يسيرًا الثامن أو العاشر خطأ، أجزأهم.

(ومَن أحرم فحَصَره عدوٌّ في حَجٍّ أو عُمْرة عن الوصول إلى البيت) أي: الحرم (بالبلد) متعلِّق بـ "حصره"(أو الطريق، قبل الوقوف، أو بعده، أو مُنع) من دخول الحَرَم (ظُلمًا، أو جُنَّ، أو أُغمي عليه، ولم يكن له طريقٌ آمن إلى الحجِّ) ولو بعدت (وفات) أي: خشي فوات (الحجِّ، ذبح هَديًا، شاة، أو سُبْعَ بدنة) أو سُبْعَ بقرة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ

(1)

في "ذ": "الغيم"، وأشار في الهامش إلى أن في نسخة:"الإغماء".

(2)

مسائل عبد الله (2/ 801) رقم 1070.

(3)

غريب الحديث (1/ 467).

ص: 368

الْهَدْيِ}

(1)

، ولأنه صلى الله عليه وسلم "أمَرَ أصحَابَه حين أحْصِرُوا في الحُدَيْبيةِ أن يَنْحَرُوا ويحلُّوا"

(2)

.

قال الشافعي

(3)

: لا خِلاف بينَ أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حَصْر الحديبية.

ولأنه أُبيح له التحلُّل قبل إتمام نُسُكه، فوجب الهدي في صورة ما لو حُصر بعد الوقوف، كما لو حُصر قبله.

"تنبيه": إنما قَدَّرتُ "ولو بعدت" وأوَّلتُ "فات" بخشية الفوات؛ ليوافق كلام الأصحاب وكلامه الآتي، إذ فوت الحج ليس شرطًا لتحلُّل المُحْصَر، كما يدلُّ

(4)

عليه الآية، والخبر، وكلام الأصحاب.

ويكون محلُّ ذبح الهدي (في موضع حَصْرِه حلًّا كان أو حرمًا) لذبحه صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحُديبية، وهي من الحِلِّ، وتقدم.

(ينوي) المُحْصَر (به) أي: بذبح الهدي (التحلُّل وجوبًا) لحديث: "إنما الأعمال بالنِّيَّاتِ"

(5)

.

(وحَلَق أو قصَّر) وجوبًا، قدمه في "الرعاية"، واختاره القاضي في "التعليق" وغيره. وقدم في "المحرر"، و"شرح ابن رزين" عدم الوجوب، وهو ظاهر "الخرقي" و"المنتهى"؛ لعدم ذكره في الآية؛ ولأنه مباح ليس بنُسُك خارج الحرم؛ لأنه من توابع الوقوف كالرمي (ثم حلَّ)

(1)

سورة البقرة، الآية:192.

(2)

أخرجه البخاري في الشروط، باب 15، حديث 2731، 2732، في حديث صلح الحديبية عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما.

(3)

في الأم (2/ 158).

(4)

في "ذ": "تدل".

(5)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

ص: 369

من إحرامه.

(فإن أمكن المُحْصَرَ الوصول) إلى الحرم (من طريق أخرى) غير التي أُحصر فيها (لم يبح له التحلُّل) لقدرته على الوصول إلى الحرم، فليس بمُحْصَر (ولزمه سلوكها) ليتم نُسُكه؛ لأن ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب (بَعُدت) الطريق (أو قَرُبت، خشي الفوات) أي: فوات الحجِّ (أو لم يخشَه.

فإن لم يجد) المُحْصَر هديًا (صام عشرة أيام بالنيَّة) أي: نية التحلُّل (كمبدله) أي: الصوم

(1)

، وهو ذَبْح الهدي، فإنه يذبحه بنية التحلُّل، كما تقدم (ثم حَلَّ.

ولا إطعام فيه) أي: الإحصار؛ لعدم وروده. وقال الآجري: إن عَدِم الهدي مكان إحصاره، قوَّمه طعامًا، وصام عن كل مُدٍّ يومًا، وحَلَّ، وأوجب أن لا يحِلَّ حتى يصوم إن قدر، فإن صعب عليه، حَلَّ ثم صام (بل يجب مع الهدي) على المُحْصَر (حَلْق أو تقصير) وتقدم ما فيه.

(ولا فَرْق) فيما تقدم (بين الحَصْر العام في كلِّ الحاجِّ، وبين) الحصر (الخاصِّ في شخصٍ واحد، مثل أن يحبس بغير حقٍّ أو يأخذه اللصوص) لعموم النصِّ، ووجود المعنى في الكُلِّ.

(ومن حُبس بحقٍّ أو دَيْن حالٍّ) وهو (قادر على أدائه، فليس له التحلُّل) لأنه ليس بمَعذور.

فإن كان عاجزًا عن أدائه أو مؤجَّلًا فحُبِس بغير حقٍّ، فله التحلُّل لما مرّ.

(وإذا كان العدوُّ الذي حَصَر الحاجَّ مسلمين، جاز قتالهم) للحاجة إليه (وإن أمكن الانصرافُ من غير قتال، فهو أَولى) لصون دماء المسلمين.

(1)

في "ح": "صوم".

ص: 370

(وإن كانوا مشركين، لم يجب قتالُهم إلا إذا بدؤوا بالقتال، أو وقع النَّفير) ممن له الاستنفار، فيتعيَّن إذن لما يأتي في الجهاد (فإن غلب على ظَنِّ المسلمين الظَّفَر) بالمشركين (استُحِبَّ قتالُهم) حيث لم يجب لإعلاء كلمة الدِّين (ولهم) أي: الحاج (لُبْسُ ما تجب فيه الفِدْية، إنِ احتاجوا إليه) في القتال (ويفدون) للبسه، كما تقدم في حَلْق الرأس وتغطيته

(1)

.

(وإلا) أي: وإن لم يَقْوَ على ظَنِّ المسلمين الظَفَر (فتَرْكُه) أي: القتال (أَولى) لئلا يغروا بالمسلمين.

(فإن أذِنَ العدوُّ لهم) أي: للحجاج (في العُبور فلم يثقوا بهم، فلهم الانصرافُ) والتحلُّل، كما تقدم (وإن وثِقُوا بهم، لَزِمهم المضيُّ على الإحرام) لإتمام النُّسك؛ إذ لا عُذْر لهم إذن.

(وإن طلب العدو خَفَارة على تخلية الطَّريق) للحجاج (وكان) العدوُّ (ممن لا يوثقُ بأمانه) لعادته بالغدر (لم يلزم بَذْلُه) أي: المال المطلوب خَفَارة؛ لأنه إضاعة من غير وصول للمقصود.

(وإن وُثِقَ) بأمانه (والخَفارة كثيرة، فكذلك) لا يجب بَذْلُها؛ للضَّرر (بل يُكره بَذْلُها) أي: الخَفَارة (إن كان العدوُّ كافرًا) لما فيه من الذل والهوان، وتقوية الكفَّار.

(وإن كانت) الخَفَارة (يسيرة، فقياس المذهب وجوب بَذْلِه) أي: مال الخَفَارة، قاله الموفَّق والشارح، وصحَّحه في "تصحيح الفروع"؛ لأنه ضررٌ يسير، كماءِ الوضوء.

وقال جماعةٌ من الأصحاب: لا يجب بَذْل خَفَارة بحال، كما في ابتداء الحجِّ لا يلزمه إذا لم يجد طريقًا آمنًا من غير خَفَارة.

(1)

في محظورات الإحرام (6/ 119، 124 - 125).

ص: 371

وفي "المنتهى": يُباح تحلُّل لحاجة قتال أو بَذْل مال لا يسيرٍ لمسلم.

(ولو نوى) المُحْصَر (التحلُّل قبل ذَبْحِ هدي) إن وجده (أو) قبل (صوم) إن عدم الهدي (ورفضَ

(1)

إحرامَه، لم يَحِلَّ، ولزمه دَمٌ؛ لتحلُّله، ولكل محظُور فَعَله بعده) أي: بعد التحلُّل، هكذا في "المقنع". قال في "الإنصاف": وهذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. وقدَّمه في "الفروع". وقيل: لا يلزمه دم لذلك، جزم به في "المغني" و"الشرح". انتهى.

وسبق في كلام المصنف تبعًا لما صحَّحه في "الإنصاف" - أيضًا - في باب الإحرام

(2)

: أنه لا شيء عليه؛ لرفض إحرامه؛ لأنه مجرَّد نيَّة، فانظر: هل هما مسألتان، فيُحمل التحلُّل هنا على لُبْس المخيط مثلًا، أو مسألة واحدة، تَنَاقَضَ التصحيحُ فيها؟!

(3)

.

(ولا قضاء على مُحْصَرٍ إن كان) حَجُّه (نَفْلًا) لظاهر الآية، وذكر في "الإنصاف" أنه المذهب، وقيَّده في "المستوعب"، و"المنتهى" بما إذا تحلَّل قبل فوات الحَجِّ. ومفهومهما: أنه لو تحلَّل بعد فوات الحَجِّ يلزمه القضاء، وهو إحدى روايتين

(4)

أطلقهما في "الشرح" وغيره. وهو ظاهر كلامه أول الباب.

(1)

في "ح": "أو رفض" وهو الأقرب لما يأتي في كلام المؤلف.

(2)

في "ح": "محظورات الإحرام"، وهو الصواب كما سبق (6/ 195).

(3)

"قال الشيخ عثمان: الظاهر أنهما مسألتان، ولعل ما تقدم في غير المحصر، لا لإلغاء رفضه الإحرام، ولزوم أفعال الحج، فإذا عدل عن الواجب عليه من هدي أو صوم، لزمه دم، وحينئذ فلا تناقض، أقره شيخنا أحمد المرداوي حفظه الله" ا. هـ. ش.

(4)

المغني (5/ 196).

ص: 372

وإن زال الحصر بعد تحلُّله وأمكنه فِعْلُ الحجِّ الواجب في ذلك العام، لزمه فِعْلُه.

(ومَن حُصِر عن واجب) كرمي الجِمار (لم يتحلَّل، وعليه له) أي: لتركه ذلك الواجب (دَمٌ) كما لو تركه اختيارًا (وحَجُّه صحيح) لتمام أركانه.

(وإن صُدَّ) المُحْرِم (عن عَرَفة دون البيت) أي: الحرم (تحلَّل بـ) ــأفعال (عُمْرة، ولا شيء عليه) لأن قَلْبَ الحجِّ إلى العُمْرة مباح بلا حَصْر، فمعه أَولى.

فإن كان قد طاف وسعى للقُدُوم، ثم أُحصِر، أو مرض، أو فاته الحج تحلَّل بطواف وسعي آخرين؛ لأن الأولين لم يقصد بهما طواف العُمْرة، ولا سعيها، وليس عليه أن يجدد إحرامًا في الأصح، قاله في "شرح المنتهى".

ومن حُصِر عن طواف الإفاضة، وقد رمى وحلق، لم يتحلَّل حتى يطوف.

(ومن أحصر بمرضٍ، أو ذهاب نفقة

(1)

لم يكن له التحلُّل، وهو على إحرامه، حتى يقدِرَ على البيت) لأنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حال إلى حال خير منها، ولا التخلُّص من الأذى الذي به، بخلاف حَصْر العدو.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم "دخَلَ على ضُباعةَ بنتِ الزبيرِ ققالت: إنِّي أريدُ الحجَّ وأنا شَاكيةٌ، فقال: حجِّي واشْترطي أن مَحلِّي حيث حبَسْتَني"

(2)

(1)

في "ح" و"ذ": زيادة: "أو ضل الطريق". وستأتي في كلام المؤلف ص 375.

(2)

تقدم تخريجه (6/ 91) تعليق رقم (5).

ص: 373

فلو كان المرضُ يبيح التحلُّل ما احتاجت إلى شَرْطٍ.

وحديث: "من كُسِرَ، أو عَرَجَ فقد حَلَّ"

(1)

متروك الظَّاهر، فإن مجرَّد الكسر والعرج لا يصير به حلالًا، فإن حملوه على أنه أُبيح له التحلُّل، حملناه على ما إذا اشترط الحِلّ، على أن في الحديث كلامًا لابن عباس يرويه ومذهبه بخلافه.

(وإن فاته الحجَّ) لطلوع فجر يوم النَّحْر قبل وقوفه (تحلَّل بعُمْرة)

(1)

أخرجه أبو داود في المناسك، باب 44، حديث 1862، والترمذي في الحج، باب 96، حديث 940، وفي العلل الكبير ص/ 138، حديث 238، والنسائي في المناسك، باب 102، حديث 2860، 2861، وفي الكبرى (2/ 381) حديث 3844، وابن ماجه في المناسك، باب 85، حديث 3077، 3078، وابن سعد (4/ 318)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 133، وأحمد (3/ 450)، والدارمي في المناسك، باب 57، حديث 1894، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 174) حديث 2155، والطبري في تفسيره (2/ 227)، والطحاوي (2/ 249)، وفي شرح مشكل الآثار (2/ 75) حديث 615 - 617، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 335) حديث 1767، والطبراني في الكبير (3/ 224) حديث 3211، 3212، والدارقطني (2/ 277)، والحاكم (1/ 470، 482، 483)، وابن نعيم في الحلية (1/ 357)، وابن حزم في المحلى (7/ 207)، والبيهقي (6/ 220)، وابن عبد البر في التمهيد (15/ 208، 209)، والخطيب في الموضح (2/ 61)، والمزي في تهذيب الكمال (5/ 444)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (6/ 29) عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وفيه: وعليه الحج من قابل. قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهم عن ذلك، فقالا: صدق.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري. ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن ماجه في الموضع السابق، والطبراني في الكبير (3/ 224) حديث 3213، 3214، من طريق عكرمة، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن الحجاج بن عمرو رضي الله عنه، فذكره.

وانظر: علل الترمذي ص/ 138.

ص: 374

نقله الجماعة

(1)

(2)

(كغير المرض) أي: ما لو فاته الحجّ لغير مَرَض.

(ولا يَنْحرُ) من أُحصر بمرض أو ذهاب نفقة (هديًا معه إلا بالحرم، فيبعث به) أي: الهَدي (ليُذبح فيه) أي: الحرم بخلاف من حصره العدو، نصَّ أحمد على التفرقة بينهما

(3)

.

ومثل المريض: من ضَلَّ الطريقَ، ذكره في "المستوعب"، وتبعه في "المنتهى".

ومثله - أيضًا - حائض تعذَّر مقامها، أو رجعت ولم تطف؛ لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرُّفقة، قاله في "شرح المنتهى".

(والحُكم في القضاء والهَدي كما تقدم)

(4)

تفصيله.

(ويقضي عَبْدٌ) مكلَّف حيث وجب عليه القضاء، بأن كان نَذْرًا أو فاته الحجّ (في رِقّه كحُرٍّ) لأنه أهل لأداء الواجب.

(وصغير) في فوات وإحصار (كبالغ، ولا يصحّ) قضاؤه حيث وجب (إلا بعد البلوغ) كما لو أفسد نُسُكه بالوطء.

(ولو أُحصر في حَجٍّ فاسد، فله التحلُّل) منه بذبح الهدي إن

(1)

مسائل صالح (1/ 374) رقم 347، ومسائل الأثرم، ومسائل أبي طالب كما في كتاب الحج من شرح العمدة لشيخ الإسلام (3/ 656)، وانظر: مسائل ابن هانئ 1/ 166 رقم 829، 830.

(2)

"وحيث أطلق الجماعة فالمراد بهم: عبد الله ابن الإمام، وأخوه صالح، وحنبل ابن عم الإمام، وأبو بكر المروذي، وإبراهيم الحربي، وأبو طالب، والميموني. قاله الفارضي" ش.

(3)

الفروع (3/ 538).

(4)

(6/ 368، 372).

ص: 375

وَجَده، أو الصوم إن عدمه كالصحيح.

(فإن حَلَّ) من الحجِّ الفاسد (ثم زال الحَصْرُ وفي الوقت سعة) للقضاء (فله أن يقضي في ذلك العام) ذكره في "الإنصاف" وغيره؛ ولعل المراد: يجب؛ لوجوب القضاء على الفور، كما تقدم

(1)

، وإنما قالوه في مقابلة المنع، وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد فيه الحَجَّ في غير هذه المسألة، قاله الموفّق والشارح وجماعة.

ولا يصح ممن أحرم بالحجِّ، ووقف بعرفة، ثم طاف، وسعى، ورَمَى جَمْرة العقبة، وحَلَق في نصف الليل الثاني، أن يُحرِم بحجَّة أخرى، ويقف بعرفة قبل الفجر؛ لأن رمي أيام التشريق عمل واجبٌ بالإحرام السابق، فلا يجوز مع بقائه أن يحرم بغيره، هذا معنى كلام القاضي.

وسلم الإجماع

(2)

على أنه لا يجوز فِعْل حَجَّتين في عام.

(ومن شرط في ابتداء إحرامه أن يَحِلَّ متى مَرِض، أو ضاعت نفقتُه، أو نفدَت ونحوه) كمن ضلَّ الطريق (أو قال: إن حبسني حابسٌ، فمحِلِّي حيث حبستني، فله التحلُّل بجميع ذلك) لحديث ضُباعة بنت الزبير السابق

(3)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فإنَّ لك على ربِّكِ ما اشْتَرَطْتِ"

(4)

.

ولأن للشرط تأثيرًا في العبادات، بدليل: إن شفى الله مريضي

(1)

(6/ 373).

(2)

الإنصاف (4/ 72).

(3)

(6/ 91)، تعليق رقم (5).

(4)

أخرجه النسائي في المناسك، باب 60، حديث 2765 عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه:"ما استثنيتِ"، وأخرجه أحمد (6/ 420)، عن ضُباعة رضي الله عنها ولفظه:"فقد أحللت من ذلك، شرطك على ربك عز وجل". وانظر ما تقدم (6/ 91)، تعليق رقم (6).

ص: 376

صمتُ شهرًا ونحوه.

(وليس عليه هَديٌ، ولا صوم، ولا قضاءٌ، ولا غيره) لظاهر حديث ضُباعة، ولأنه إذا شرط شرطًا كان إحرامه الذي فعله إلى حين وجود الشَّرط، فصار بمنزلة مَن أكمل أفعال الحج (وله البقاء على إحرامه) حتى يزول عُذره، ويتم نُسُكه.

(فإن قال: إنْ مرضتُ ونحوه، فأنا حلال، فمتى وُجِدَ الشرطُ حلَّ بوجوده) لأنه شرط صحيح، فكان على ما شرط.

ص: 377

‌باب الهدي، والأضاحي، والعقيقة، وما يتعلق بها

(الهَدي) أصله التشديد

(1)

، من هديت الشيء أهديه. ويقال - أيضًا -: أهديت الهدي إهداء.

وهو (ما يُهدى إلى الحَرَم من نَعَمٍ

(2)

وغيرها). وقال ابن المنجَّا: ما يُذبح بمِنى، سُمِّي بذلك؛ لأنه يُهدى إلى الله تعالى.

(والأُضحية) بضم الهمزة وكسرها مع تشديد الياء وتخفيفها، ويقال: ضَحيَّة، كسَريَّة، والجمع ضحايا، ويقال: أضْحَاة، والجمع: أضحًى، كأرْطَاة وأرْطًى، نقله الجوهري

(3)

عن الأزهري

(4)

.

وهي: (ما تُذبح

(5)

من بهيمة الأنعام) أي: الإبل، والبقر، والغنم الأهلية (أيام النَّحْر) الثلاثة، وليلتي يومي التشريق على ما يأتي (بسبب العيد) بخلاف ما يذبح بسبب نُسُك، أو إحرام (تقرُّبًا إلى الله تعالى) احترازًا عمَّا يُذبح للبيع ونحوه.

(يُسنُّ لمن أتى مكةَ، أن يُهدي هديًا) لفعله صلى الله عليه وسلم، قال جابر في صفة حجِّ النبي صلى الله عليه وسلم: "وكان جماعَةُ الهَديِ الذي قدِمَ بِه عليٌّ من اليمنِ،

(1)

قال ثعلب كما في لسان العرب (15/ 359) مادة (هدي): "الهَدي، بالتخفيف، لغة أهل الحجاز، والهديُّ، بالتثقيل على فعيل، لغة بني تميم وسُفلى قيس، وقد قرئ بالوجهين جميعًا: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ". وانظر: الفصيح لثعلب ص/ 20.

(2)

في "ذ": "النعم".

(3)

الصحاح (6/ 2407). لكن الجوهري نقله عن الأصمعي.

(4)

تهذيب اللغة (5/ 153).

(5)

في "ذ": "ما يذبح".

ص: 378

والذي أتى بهِ النبي صلى الله عليه وسلم مائةً"

(1)

.

وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يبعث بالهَدي إلى مكة، ويقيم بالمدينة

(2)

.

(والأفضل فيهما) أي: في الهَدي، والأُضحية (إبلٌ، ثم بقرٌ، إن أخرج كاملًا، ثم غنمٌ) لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسلَ يومَ الجمعةِ غُسْلَ الجنَابَةِ، ثم راح في الساعة الأُولى، فكأنما قرَّبَ بدنة، ومَن راح في الساعة الثانية، فكأنما قَرَّب بقرَةً، ومن راح في الساعةِ الثالثة، فكأنما قَرَّبَ كبْشًا أَملحَ، ومن راح في الساعةِ الرابعةِ، فكأنما قرَّب دجاجَةً، ومن راحَ في السَّاعَةِ الخامسةِ فكأنَّمَا قرَّبَ بيضةً" متفق عليه

(3)

.

ولأن البُدن أكثر ثمنًا ولحمًا، وأنفع للفقراء، وسُئل صلى الله عليه وسلم:"أيُّ الرقَاب أفْضَلُ؟ فقال: أغلاها ثَمَنًا وأنْفَسُهَا عند أهْلِها"

(4)

. والإبل أغلى ثمنًا، وأنفس من البقر، والغنم.

(ثم شِرْكٌ) سُبْعٌ فأكْثَر (في بدنة، ثم شِرْكٌ في بقرة) لأن إراقة الدم مقصودة في الأُضحية، والمنفرد تَقَرَّبَ بإراقته كله.

(ولا يجزئ في الأُضحية الوحشيُّ) إذ لا يحصُل المقصود به، مع عدم الورود (ولا) يجزئ - أيضًا - في الأضحية (مَن أَحد أبويه وحشيٌّ) تغليبًا لجانب المنع.

(1)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(2)

أخرج البخاري في الحج، باب 107، 108، حديث 1698، 1699، ومسلم في الحج، حديث 1321 عن عائشة رضي الله عنها قالت:"فتلتُ قلائد بُدْن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديّ، ثم أشعرها وقلَّدها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان له حلًّا".

(3)

البخاري في الجمعة، باب 4، حديث 881، ومسلم في الجمعة، حديث 850.

(4)

أخرجه البخاري في العتق، باب 2، حديث 2518، ومسلم في الإيمان، حديث 84 عن أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 379

(وأفضلُها) أي: الأجناس، أي: أفضل كل جنس (أسمنُ، ثم أغلى ثمنًا) لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}

(1)

. قال ابن عباس: "تعظِيمُهَا اسْتِسمانُها واسْتِحسانها"

(2)

؛ ولأن ذلك أعظم لأجرها، وأكثر لنفعها.

(وذكرٌ وأنثى سواء) لقوله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}

(3)

، وقوله:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيرٌ}

(4)

، ولم يقل: ذكرًا، ولا أنثى.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أهْدَى جَملًا كان لأبي جهل في أنفه بُرَةٌ

(5)

مِن فضةٍ" رواه أبو داود

(6)

، وابن

(1)

سورة الحج، الآية:32.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 294، والطبري في تفسيره (17/ 156)، وابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير (3/ 219)، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سَيِّئ الحفظ كما في التقريب (6121). وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 295، والطبري في تفسيره (17/ 156)، عن مجاهد قوله.

(3)

سورة الحج، الآية:34.

(4)

سورة الحج، الآية:36.

(5)

البُرَة: حَلْقة تُجعل في لحم الأنف. النهاية لابن الأثير (1/ 122).

(6)

في المناسك باب 12، حديث 1749 عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جملًا كان لأبي جهل في رأسه بُرَة فضة - وفي رواية: بُرَة من ذهب - يغيظ بذلك المشركين.

ورواه - أيضًا - ابن هشام في السيرة (3/ 334)، وأحمد (1/ 261، 273)، وابن خزيمة (4/ 286) حديث 2897، 2898، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 26، 27) حديث 1403، 1404، والطبراني في الكبير (11/ 75) حديث 11147، والحاكم (1/ 467)، والبيهقي (5/ 229، 230)، وابن عبد البر في =

ص: 380

ابن ماجه

(1)

.

قال أحمد

(2)

: الخصيُّ أحبُّ إلينا من النعجة؛ لأن لحمه أوفر وأطيب

(3)

.

(وأقرَنُ أفضلُ) لأنه صلى الله عليه وسلم "ضَحَّى بكبشينِ أمْلحينِ أقرنينِ"

(4)

.

= التمهيد (17/ 414)، والاستذكار (12/ 248).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. ونقل البيهقي عن علي بن المديني أن الحديث مضطرب، وتردد البيهقي في تصحيحه. انظر تفصيل ذلك في السنن الكبرى (5/ 230).

(1)

في المناسك باب 84، حديث 3076، عن جابر وابن عباس رضي الله عنهم ولفظه: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات، حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعدما هاجر من المدينة. وقرن مع حجته عمرة، واجتمع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به علي مائة بدنة، منها جمل لأبي جهل في أنفه بُرة من فضة

الحديث.

وحديث جابر رضي الله عنه رواه - أيضًا - الترمذي في الحج، باب 6، حديث 815، والحاكم (3/ 55)، وابن حزم في حجة الوداع ص/ 407، حديث 467. قال الترمذي: غريب من حديث سفيان، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب، ونقل عن البخاري أنه غير محفوظ.

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه - أيضًا - أحمد (1/ 234، 269)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 28)، حديث 1405، والمحاملي في الأمالي ص/ 75، حديث 25، والطبراني في الكبير (11/ 378)، حديث 12057، والحاكم (3/ 55)، وأبو نعيم في الحيلة (7/ 97)، والبيهقي (5/ 230، 9/ 272)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 414) بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في بدنه جملًا كان لأبي جهل، بُرَته فضة. لفظ أحمد. ولفظ غيره: أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل

الحديث.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 146): إسناد ابن عباس فيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف. واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

(2)

المستوعب (4/ 359)، والمغني (5/ 457).

(3)

في "ح" و"ذ" زيادة: "وقال الموفق: الكبش في الأضحية أفضل النعم؛ لأنها أضحية النبي صلى الله عليه وسلم".

(4)

أخرجه البخاري في الحج، باب 27، 117، 119، حديث 1551، 1712، =

ص: 381

(ويُسنُّ استِسمانها واستحسانها) لما تقدم من قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}

(1)

.

(وأفضلُها لونًا الأشهبُ، وهو الأملح، وهو الأبيض) النقي البياض، قاله ابن الأعرابي

(2)

(أو ما بياضُه أكثرُ من سَواده) قاله الكسائي

(3)

؛ لما روي عن مولاة أبي ورقة بن سعيد، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَمُ عَفْرَاءَ أزكى عند الله من دم سوداوَيْنِ" رواه أحمد بمعناه

(4)

. وقال أبو هريرة: "دَمُ بَيْضاءَ أحَبُّ إلى الله

(5)

مِنْ دَمِ سَوْداوَيْنِ"

(6)

. ولأنه لون أضحية النبي

= 1714، وفي الأضاحي، باب 7، 9، 13، 14، حديث 5554، 5558، 5564، 5565، ومسلم في الأضاحي، حديث 1966، عن أنس رضي الله عنه.

(1)

سورة الحج، الآية:32.

(2)

تهذيب اللغة للأزهري (5/ 102).

(3)

تهذيب اللغة للأزهري (5/ 101 - 102).

(4)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، ورواه - أيضًا - الطبراني في الكبير (25/ 15) حديث 9، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3433) حديث 7822، والخطابي في غريب الحديث (1/ 147).

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1907) في ترجمة كبيرة بنت سفيان [مولاة أبي ورقة بن سعيد]: ليس حديثها بالقائم؛ لأنه يدور على محمد بن سليمان بن مسمول، وهو مجهول.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 18): رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف.

(5)

"أحب إلى الله" في "ح": "أحبُّ إليَّ" وهو الوارد في مصادر التخريج.

(6)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 197)، وعبد الرزاق (4/ 387) رقم 8165، والحربي في غريب الحديث (1/ 193)، عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا. وأخرجه أحمد (2/ 417)، والحارث بن أبي أسامة "بغية الباحث" ص/ 133، حديث 399، والحاكم (4/ 227)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 122)، والبيهقي =

ص: 382

- صلى الله عليه وسلم

(1)

.

(ثم أصفرُ، ثم أسودُ) يعني: أن كلَّ ما كان أحسن لونًا فهو أفضل، (وقال) الإمام (أحمد

(2)

: يعجبني البياضُ، وقال: أكره السّوادَ).

(ولا يجزئ) في الأضحية، وكذا دم تمتع ونحوه (إلا الجَذَعُ من الضَّأن، وهو ما له ستةُ أشهر) ويدل لإجزائه: ما روت أمُّ بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُجْزِئ الجَذَعُ من الضَّأنِ أُضْحيَةً" رواه ابن ماجه

(3)

. والهَدي مثله.

= (9/ 273)، وابن عساكر في تاريخه (18/ 25) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال البخاري في تاريخه (4/ 198): يرفعه بعضهم، ولا يصح. انظر: علل الدارقطني (10/ 327). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 18): رواه أحمد، وفيه أبو ثفال، قال البخاري: فيه نظر.

(1)

انظر ما تقدم (6/ 381) تعليق رقم (4).

(2)

انظر الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص/ 371، والفروع (3/ 540).

(3)

في الأضاحي، باب 7، حديث 3139، بلفظ:"يجوز". وأخرجه - أيضًا - الشافعي في السنن المأثورة ص/ 409، حديث 593، وأحمد (6/ 368)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (14/ 413)، حديث 5723، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (4/ 28)، حديث 1896 من طريق أنس بن عياض، عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أمه، عن أم بلال بنت هلال، عن أبيها.

وأخرجه أحمد (6/ 368) - أيضًا - وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 166) حديث 3395، والطبراني في الكبير (25/ 164)، حديث 397، من طريق يحيى بن سعيد القطان، والبيهقي (9/ 271)، وفي معرفة السنن والآثار (14/ 29) حديث 18964، من طريق يحيى بن سعيد القطان، وإبراهيم بن المنذر الحزامي كلاهما عن محمد بن أبي يحيى، عن أمه، عن أم بلال - دون ذكر "عن أبيها" - قال البيهقي: وهو الصحيح.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 19): رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 253 مع الفيض) ورمز =

ص: 383

والفَرْق بين جَذَع الضَّأن، والمعز: أن جَذَع الضَّأن ينزو فيلقح، بخلاف الجَذَع من المعز، قاله إبراهيم الحربي

(1)

. ويُعرف كونه أجذع بنوم الصوف على ظهره. قال الخرقي: سمعت أبي يقول: سألت بعض أهل البادية، كيف تعرفون الضَّأن إذا أجذع؟ قالوا: لا تزال الصُّوفة قائمة على ظهره ما دام حَمَلًا، فإذا نامت الصُّوفة على ظهره، عُلِمَ أنه قد أجذع.

(و) لا يجزئ إلا (الثني مما سواه) أي: الضأن (فثني الإبل: ما كمل له خمس سنين) قال الأصمعي وأبو زيد الكلابي وأبو زيد الأنصاري: إذا مضت السَّنةُ الخامسة على البعير، ودخل في السادسة، وألقى ثنيَّه

(2)

، فهو حينئذ ثني

(3)

. ونرى أنه إنما سُمِّي ثنيًا؛ لأنه ألقى ثنيَّه.

= لحسنه.

وضعفه ابن حزم في المحلى (7/ 365) قال: وأما حديث أم بلال، فهو عن أم محمد ابن أبي يحيى، ولا يدرى من هي؟ عن أم بلال، وهي مجهولة، ولا ندري لها صحبة أم لا؟

وتعقبه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 378)، فقال: أصاب في الأول، وأخطأ في الثاني، فقد ذكرها في الصحابة ابن مندة، وأبو نعيم، وابن عبد البر.

ويشهد للحديث ما رواه البخاري في الأضاحي، باب 2، حديث 5547، ومسلم في الأضاحي، حديث 1965 (16) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا، فصارت لعقبة جذعة، فقلت: يا رسول الله، صارت لي جذعة؟ قال: ضحِّ بها. ورواه ابن الجارود حديث 905 بلفظ: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجذع من الضأن.

(1)

لم نقف على قوله هذا في القسم المطبوع من كتابه غريب الحديث، وقد نقله عنه الأزهري في تهذيب اللغة (1/ 352)، وابن الجوزي في غريب الحديث (1/ 145).

(2)

في "ذ""ثنيته".

(3)

انظر: فقه اللغة ص/ 108 - 109، ولسان العرب (14/ 123).

ص: 384

(و) ثني (بقر) ما له (سنتان) كاملتان.

(و) ثني (مَعْزٍ) ما له (سَنَةٌ) كاملة؛ لحديث: "لا تذبحوا إلا مُسِنَّةً، فإن عسر عليكم فاذبحوا الجَذعَ من الضَّأنِ"

(1)

. ولأنه قبل ذلك لا يلقح.

(ويُجزئ أعلى سِنًّا مما ذُكِر) لأنه أولى. والحصر فيما تقدم إضافي. فالمعنى: لا يجزئ أدون مما تقدم.

(وجَذَعُ ضأن أفضل من ثَنيِّ مَعْز) قال أحمد

(2)

: لا تعجبني الأُضحية إلا بالضأن. ولأن جَذَع الضأن أطيب لحمًا من ثَنيِّ المَعْز.

(وكُلٌّ منهما) أي: من جَذَع الضأن، وثَنيِّ المَعْز (أفضلُ من سُبعِ بدنة، أو) سُبع (بقرة) لما تقدم أن المقصود إراقة الدَّم.

(و‌

‌سَبعُ شياه أفضلُ من بَدَنة أو بقرةٍ.

وزيادة عدد في جنس أفضلُ من المغالاة مع عدمِه) أي: عدم التعدد (فبدنتان) سمينتان (بتسعةٍ، أفضلُ من بَدَنةٍ بعشرةٍ) لما فيه من كثرة إراقة الدَّم (ورجَّح الشيخُ

(3)

البَدَنةَ) التي بعشرة على البدنتين بتسعةٍ؛ لأنها أنفس.

(والخصيُّ راجحٌ على النعجة) لأن لحمه أوفر وأطيب (ورجَّح الموفَّقُ الكبشَ) في الأضحية (على سائر النَّعَمِ) لأنه أضحية النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

أخرجه مسلم في الأضاحي، حديث 1963، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(2)

الفروع (3/ 540 - 541).

(3)

انظر: الاختيارات الفقهية ص/ 178، وتصحيح الفروع (3/ 541).

(4)

تقدم تخريجه (6/ 381)، تعليق رقم (4).

ص: 385

(وتُجزئ الشاة عن واحد) ونص الإمام

(1)

: (وعن أهل بيته وعياله، مثل امرأته وأولاده ومماليكه) قال صالح

(2)

: قلت لأبي: يضحِّي بالشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم، لا بأس، "قد ذبحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كبشين، فقال: بسم الله، هذا عن محمَّدٍ وأهلِ بيته، وقرَّبَ الآخرَ، وقال: بسم اللهِ، اللهمَّ مِنْكَ ولكَ، عَمَّنْ وَحَّدَكَ من أمَّتي"

(3)

.

ويدلُّ له أيضًا: ما روى أبو أيوب قال: "كان الرجل في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بالشَّاةِ عنه، وعن أهلِ بيتِهِ، فيأكُلُونَ، ويطعِمُونَ"

(4)

قال في "الشرح": حديث صحيح.

(و)

‌ تجزئ كل من (البَدَنة والبقرة عن سبعة)

رُوي ذلك عن علي

(5)

،

(1)

مسائل عبد الله (3/ 862 - 863) رقم 1156، وابن هانئ (2/ 130) رقم 1727.

(2)

لم نقف عليه في مسائل صالح المطبوعة، وانظر التعليق السابق.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده، كما في نصب الراية (3/ 153)، وأبو يعلى (5/ 427) حديث 3118، وابن حبان في المجروحين (1/ 227 - 228)، والطبراني في الأوسط (4/ 171)، حديث 3302، عن أنس رضي الله عنه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 22): رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، وفيه الحجاج بن أرطاة، هو ثقة، ولكنه مدلس.

وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة، وعائشة، وجابر، وأبي رافع رضي الله عنهم، انظر ما يأتي (6/ 393) تعليق رقم (1).

(4)

أخرجه الترمذي في الأضاحي، باب 10، حديث 1505، وابن ماجه في الأضاحي، باب 10، حديث 3147، ومالك في الموطأ (2/ 486)، والطبراني في الكبير (4/ 137، 152) رقم 3920، وفي الأوسط (5/ 56) رقم 4097، والبيهقي (9/ 268)، والمزي في تهذيب الكمال (21/ 251). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه النووي في المجموع (8/ 384).

(5)

أخرجه الترمذي في الأضاحي، باب 9، رقم 1503، وعبد الرزاق (7/ 347) رقم 13437، وأحمد (1/ 105، 125، 152)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 127) رقم 1773، والدارمي في الأضاحي، باب 3، رقم 1957، والبزار (2/ 321) =

ص: 386

وابن مسعود

(1)

، وابن عباس

(2)

، وعائشة

(3)

؛ لحديث جابر قال: "نحرنا بالحُديبية مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعةٍ، والبقرة عن سبعةٍ"، وفي لفظ:"أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَشتَرِكَ في الإبل والبَقَرِ، كلُّ سبعةٍ منَّا في بدنةٍ" رواهما مسلم

(4)

(فأقلَّ) أي: وتجزئ البَدَنة والبقرة عن أقل من سبعة بطريق الأَولى.

(قال الزركشي: الاعتبار) أي: في إجزاء البَدَنة أو البقرة عن سبعة فأقل (أن يشترك الجميع) أي: في البدنة أو البقرة (دفعةً، فلو اشترك ثلاثة في) بَدَنة، أو (بقرة أُضحية، وقالوا: من جاء يريد أُضحية شاركناه، فجاء

= رقم 753، وأبو يعلى (1/ 279، 456) رقم 333، 651، وابن خزيمة (4/ 293) رقم 2915، والمحاملي في الأمالي ص/ 218، رقم 204، والطحاوي (4/ 175)، والحاكم (1/ 468، 4/ 224، 225)، والبيهقي (9/ 275)، والضياء في المختارة (2/ 36، 37) رقم 412، 413.

(1)

أخرجه الطحاوي (4/ 175)، وابن حزم في المحلى (7/ 152).

(2)

لم نجده موقوفًا، وقد أخرج الترمذي في الحج، باب 66، حديث 905، وفي الأضاحي، باب 8، حديث 1501، والنسائي في الضحايا، باب 15، حديث 4404، وفي الكبرى (3/ 59) حديث 4482، وابن ماجه في الأضاحي، باب 5، حديث 3131، وأحمد (1/ 275)، وابن خزيمة (4/ 291) حديث 2908، وابن حبان "الإحسان"(9/ 318) رقم 4007، والطبراني في الكبير (11/ 336) رقم 11929، والحاكم (4/ 230)، والبيهقي (5/ 235 - 236) والبغوي في شرح السنة (4/ 355) رقم 1132. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة سبعة وفي الجزور عشرة.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

(3)

أورده ابن حزم في المحلى (7/ 151) وعزاه لابن أبي شيبة، ولم نجده في المطبوع منه.

(4)

في الحج، باب 62، حديث 1318، (350)(351).

ص: 387

قومٌ فشاركوهم، لم تُجزئْ

(1)

) البَدَنة أو البقرة (إلا عن الثلاثة، قاله الشيرازي انتهى. والمراد: إذا أوجبوها) أي: الثلاثة (على أنفسهم. نصَّ عليه

(2)

) لأنهم إذا لم يوجبوها، فلا مانع من الاشتراك قبل الذبح؛ لعدم التعيين.

(والجواميسُ فيهما) أي: في الهَدي، والأُضحية (كالبقر) في الإجزاء، والسن، وإجزاء الواحدة عن سبعة؛ لأنها نوع منها.

(وسواء أراد جَميعهم) أي: جميع الشركاء في البَدَنة أو البقرة (القُرْبة، أو) أراد (بعضهم) القُرْبة، (و) أراد (الباقون اللحم) لأن الجزء المجزئ لا ينقص أجره بإرادة الشريك غير القُرْبة، كما لو اختلفت جهات القُرْبة، بأن أراد بعضهم المُتعة، والآخر القِران، والآخر تَرْك واجب، وهكذا؛ ولأن القسمة هنا إفراز حق وليست بيعًا، وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاشتراك - مع أن سُنة الهَدي والأُضحية الأكل والإهداء - دليل على تجويز القسمة؛ إذ بها يتمكن من ذلك.

ويجوز الاشتراك في البُدن، والبقر (ولو كان بعضهم) أي: الشركاء (ذِميًّا في قياس قوله) أي: الإمام (قاله القاضي) وجزم بمعناه في "المنتهى".

(ويُعتبر ذبحها) أي: البَدَنة، أو البقرة (عنهم) أي: السبعة فأقل. نصَّ عليه

(3)

.

(ويجوز أن يقسموا اللَّحم؛ لأن القِسمة) في المثليات، ونحوها (ليست بيعًا) بل إفراز حقٍّ.

(1)

في الأصول: "لم تجز" والمثبت من الإقناع (2/ 42) طبعة/ دار هجر.

(2)

المستوعب (4/ 360).

(3)

مسائل صالح (3/ 55) رقم 1328، والاستذكار (15/ 186 - 187).

ص: 388

(ولو ذبحوها) أي: البَدَنة، أو البقرة (على أنهم سَبعة، فبانوا ثمانيةً، ذبحوا شاة، وأجزأتهم) الشاة مع البَدَنة أو البقرة، فإن بانوا تسعة، ذبحوا شاتين، وهكذا.

(و‌

‌لو اشترك اثنان في شاتين على الشيوع، أجزأ)

ذلك عنهما، كما لو ذبح كل منهما شاة.

(ولو اشترى سُبْع بقرة) أو بدنة (ذُبحت للحم، فهو لحم اشتراه، وليست) الحصة التي اشتراها (بأُضحية) لعدم ذبحها عنهم، وكذا لو اشترى إنسان شاة ذُبحت للحم. وأما ما ذُبح هَديًا، أو أُضحية، فلا يصح بيعه، كما يأتي، ولو تطوُّعًا؛ لتعينه بالذبح.

فصل

(ولا يجزئ فيهما) أي: في الهَدي والأُضحية (العَوراء) البيّنة العَوَر، وهي (التي انخسفت عينها، فإن كان عليها) أي: العين (بياض، وهي قائمة لم تذهب، أجزأت) لمفهوم ما يأتي، ولأن ذلك لا يُنقص لحمها.

(ولا تُجزئ) فيهما (عمياء، وإن لم يكن عَماها بينًا) كقائمة العينين مع ذهاب إبصارهما؛ لأن العَمى يمنع مشيها مع رفيقتها، ويمنع مشاركتها في العَلَف؛ ولأن في النهي عن العوراء تنبيهًا على النهي عن العمياء.

(ولا عَجفاء لا تُنْقِي) - بضم التاء وكسر القاف - من أنقت الإبل: إذا سمنت وصار فيها نِقْيٌ، وهو مخُّ العظم، وشحم العين من السمن. قاله في "المطلع"

(1)

(وهي) أي: العجفاء (الهزيلة التي لا مخَّ فيها.

(1)

ص/ 205.

ص: 389

ولا) تجزئ (عَرجاء بيِّنٌ ضَلعها) - بفتح اللام وسكونها - أي: غمزها، وصوابه: بالظاء المشالة، كلما يعلم من "الصحاح"

(1)

وغيره (وهي: التي لا تقدر على المشي مع جنسها) الصحيح (إلى المرعى.

ولا) تُجزئ (كسيرة، ولا مريضة بيِّنٌ مَرَضُها، وهو المفسد للحمِها، بجرب أو غيره) لحديث البراء بن عازب قال: "قامَ فينَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربَعٌ لا تجوزُ في الأضاحي: العَوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والمريضَةُ البَيِّنُ مرضُهَا، والعَرجاءُ البَيِّنُ ظلعُهَا، والعَجفاءُ التي لا تُنْقِي" رواه أبو داود، والنسائي

(2)

.

(1)

جاء في الصحاح (3/ 1256): ظلع البعيرُ يَظْلع ظلعًا، أي: غمز في مشيه. وانظر: القاموس المحيط ص/ 962، مادة:(ظلع).

(2)

أبو داود في الضحايا، باب 6، حديث 2802، والنسائي في الضحايا، باب 5 - 7، حديث 4381 - 4383، وفي الكبرى (3/ 53 - 54) حديث 4459 - 4461. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الأضاحي، باب 5، حديث 1497، وفي العلل الكبير ص/ 246، حديث 446، وابن ماجه في الأضاحي، باب 8، حديث 3144، والطيالسي ص/ 101، حديث 749، وأحمد (4/ 284، 289، 300)، والدارمي في الأضاحي، باب 3، حديث 1949، 1950، وابن الجارود (2/ 103) حديث 481، (3/ 190) حديث 907، والدولابي في الكنى والأسماء (2/ 15)، وابن خزيمة (4/ 292) حديث 2912، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 263) حديث 876، والطحاوي (4/ 168، 169)، وابن حبان "الإحسان" (13/ 245) رقم 59222، والحاكم (1/ 467)، وابن حزم في المحلى (7/ 359)، والبيهقي (5/ 242، 9/ 274)، وفي شعب الإيمان (5/ 478) حديث 7329، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 165، 166)، وفي الاستذكار (15/ 124)، وابن عساكر في تاريخه (22/ 349)، والمزي في تهذيب الكمال (19/ 228).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 379): قال أحمد: ما أحسنه من حديث. وانظر علل =

ص: 390

(ولا) تجزئ (عَضْباء) بالعين المهملة والضاد المعجمة (وهي: التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها) لحديث علي قال: "نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُضَحّى بأعْضَبِ الأُذنِ والقَرْن" قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العضْبُ النصفُ، أو أكثر من ذلك. رواه الخمسة

(1)

، وصححه الترمذي. وقال أحمد

(2)

: العَضْبَاء: ما ذهب أكثر أذنها أو قَرْنها. نقله حنبل؛ لأن الأكثر كالكل.

(وتُكره مَعيبةُ أذن بخَرْق، أو شَقٍّ، أو قَطْع لـ) ـــنصف، أو (أقل من النصف، وكذا) معيبة (قَرْن) بواحد من هذه؛ لحديث علي قال: "أمَرنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَسْتَشْرِفَ العينَ والأُذنَ، وأن لا نضحِّيَ بمقابلةٍ، ولا مدابرَةٍ، ولا خرْقَاءَ، ولا شَرْقاءَ. قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابَلةُ؟ قال: يقطع طرف الأُذنِ، قلتُ: فما المدابرةُ؟ قال: يقطعُ من مؤخَّرِ الأُذنِ، قلت: فما الخرْقَاءُ؟ قال: تُشَقُّ

= ابن أبي حاتم (2/ 41، 42، 43).

(1)

أبو داود في الضحايا، باب 6، حديث 2805، 2806، والترمذي في الأضاحي، باب 9، حديث 1504، والنسائي في الضحايا، باب 12، حديث 4389، وفي الكبرى (3/ 56) حديث 4467، وابن ماجه في الأضاحي، باب 8، حديث 3145، وأحمد (1/ 101، 127، 129، 137). وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 16، حديث 97، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (1/ 150)، والبزار (3/ 96) رقم 876، وأبو يعلى (1/ 234) حديث 270، 271، وابن خزيمة (4/ 293) حديث 2913، والطحاوي (4/ 169)، والحاكم (4/ 224)، والبيهقي (9/ 275)، والخطيب في تاريخه (7/ 177)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 162) حديث 1375، والضياء في المختارة (2/ 29) حديث 407، 408.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأورده السيوطي في الجامع الصغير (6/ 346 مع الفيض) ورمز لصحته.

(2)

كتاب الروايتين والوجهين (3/ 26).

ص: 391

الأُذُن

(1)

. قلت: فما الشرقَاءُ؟ قال: تشقُّ أذُنها للسّمَةِ"

(2)

رواه أبو داود

(3)

. وقال القاضي: الخَرْقاء: التي قد انتقبت أذنها. والشرقاء: التي تشق أذنها، وتبقى كالشاختين

(4)

. وهذا نهي تنزيه، ويحصُل الإجزاء بها؛ لأن اشتراط السلامة من ذلك يشق، إذ لا يكاد يوجد سالم من هذا كله.

(ولا تجزئ الجَدَّاء: وهي جافة الضَّرْع) أي: الجدباء التي شاب ونشف ضرعها؛ لأن هذا أبلغ في الإخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين.

(ولا) تجزئ (هَتْماءُ: وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها) قال في "التلخيص": هو قياس المذهب.

(ولا عَصْماءُ

(5)

: وهي التي انكسر غِلافٌ قَرْنها) قاله في

(1)

في "ح": "الآذان"، وفي سنن أبي داود:"تخرق أذنها للسِّمة".

(2)

"تشق أذنها للسمة": في سنن أبي داود: "تشق الأذن".

(3)

في الضحايا، باب 6، حديث 2804. وأخرجه - أيضًا - مطولًا ومختصرًا الترمذي في الأضاحي، باب 6، حديث 1498، والنسائي في الضحايا، باب 9، حديث 4385، وفي الكبرى (3/ 55) حديث 4463، وابن ماجه في الأضاحي، باب 8، حديث 3142، وأحمد (1/ 80، 108، 128، 149) والدارمي في الأضاحي، باب 3، حديث 1951، 1952، وابن الجارود (3/ 189) حديث 906، والطحاوي (4/ 169)، والحاكم (4/ 224)، وابن حزم (7/ 359)، والبيهقي (9/ 275)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 172)، والضياء في المختارة (2/ 113، 114) حديث 487، 488، والمزي في تهذيب الكمال (12/ 451).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وانظر علل ابن أبي حاتم (2/ 42)، وعلل الدارقطني (3/ 237 - 239).

(4)

الشَّخْت: الدقيق الضامر من غير هزال. وقيل: هو الدقيق من كل شيء. انظر: القاموس المحيط ص/ 198، مادة (شخت)، وتاج العروس (4/ 79).

(5)

كذا في الأصول، وصوابه:"القصماء" بالقاف، كما في غريب الحديث لأبي عبيد =

ص: 392

"المستوعب" و"التلخيص".

(ويجزئ ما ذهب دون نصف أليتها) وكذا ما ذهب نصفها، كما في "المنتهى" وقياس ما تقدم في الأذن: وتكره، بل هنا أَولى.

(و) تجزئ (الجَمَّاء، وهي: التي خُلقت بلا قَرْن، والصَّمْعاء، وهي: الصغيرة الأذن، وما خُلقت بلا أُذُن، والبتراءُ: التي لا ذَنَب لها خِلْقة، أو مقطوعًا) لأن ذلك لا يخل بالمقصود.

(و) تجزئ (التي بعينها بياض لا يمنعُ النظرَ) لعدم فوات المقصود من البصر.

(و) يجزئ (الخصِيُّ الذي قُطعت خُصيتاه، أو سُلَّتا، أو رُضَّتا) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "ضحَّى بكبشينِ مَوْجُوأيْنِ"

(1)

. والوِجاء: رَضُّ

= (2/ 207)، وفي لسان العرب (12/ 485) مادة (قصم).

(1)

أخرجه ابن ماجه في الأضاحي، باب 1، حديث 3132، وأحمد (6/ 136، 225)، والطحاوي (4/ 177)، والحاكم (4/ 227)، والبيهقي (9/ 267، 273، 287)، وفي شعب الإيمان (2/ 225) حديث 1591، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أو أبي هريرة رضي الله عنهما.

وأخرجه أحمد (6/ 220) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنهما.

وحسَّن إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 155).

وأخرجه أحمد (6/ 8)، والطبراني في الكبير (1/ 312) حديث 921، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن علي بن الحسين، عن أبي رافع رضي الله عنه.

وحسَّن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 22)، وأخرجه ابن أبي شيبة، كما في المطالب العالية (3/ 32) حديث 2310، وعبد بن حميد (3/ 76) حديث 1144، وأبو يعلى (7/ 327) حديث 1792، والطحاوي (4/ 177)، والبيهقي (9/ 273)، وفي فضائل الأوقات ص/ 399، حديث 211، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن جابر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وحسَّن إسناده الحافظ =

ص: 393

الخصيتين؛ ولأن الخصاء إذهاب عضو غير مستطاب، يطيب اللحم بذهابه ويسمن. قال الشعبي

(1)

: ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه.

(فإن قُطع ذَكَرُه مع ذلك) أي: مع قطع الخصيتين، أو سلهما، أو رضهما (لم يجز وهو الخصي المجبوب) نصَّ عليه

(2)

. وجزم به في "التلخيص"، وقدَّمه في "الرعاية الكبرى".

(وتُجزئ الحامل) من الإبل، أو البقر، أو الغنم، كالحائل.

= في المطالب العالية (3/ 23). وانظر الفتح (10/ 10)، وتغليق التعليق (5/ 5).

وقد سأل ابن أبي حاتم أباه وأبا زرعة عن هذه الروايات، وأيها أصح؟ فقال أبو زرعة: ما أدري، ما عندي في ذا شيء. وقال أيضًا: هذا من ابن عقيل، الذين رووا عن ابن عقيل كلهم ثقات.

وقال أبو حاتم: ابن عقيل لا يضبطُ حديثه. انظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 39).

وقال الدارقطني في العلل (5/ ق 150/ ب): الاضطراب فيه من قِبَل ابن عقيل. وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 380): إسناد لا بأس به.

وفي الباب عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وأبو يعلى، كما في إتحاف الخيرة المهرة (5/ 316) حديث 4746، وأحمد (5/ 196) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن يعلى بن نعمان - وقيل: عن يعلى بن عطاء - عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه رضي الله عنه، فذكره.

وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس (التقريب رقم 1127)، وانظر علل الدارقطني (6/ 209).

وعن جابر رضي الله عنه أخرجه أبو داود في الضحايا، باب 4، حديث 2795، قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوأين. . . الحديث. وفي سنده محمد بن إسحاق، وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع.

(1)

أخرجه أحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 21) رقم 1416.

(2)

الفروع (3/ 543)، والإنصاف (3/ 80).

ص: 394

فصل

(والسُّنة نَحْرُ الإبل قائمة معقولةً يدها اليسرى، فيطعنها بالحَرْبة في الوَهْدة التي هي

(1)

بين أصل العنق والصدر) لما روى زياد بن جبير قال: "رأيتُ ابنَ عمرَ أتى على رجُلٍ أناخَ بَدَنَة؛ ليَنْحرها، فقال: ابْعَثها قائمةً مُقَيَّدةً، سُنَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم" متفق عليه

(2)

.

وروى أبو داود بإسناده عن عبد الرحمن بن سابط: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كانُوا ينْحَرُونَ البدَنَةَ معقُولَةَ اليُسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها"

(3)

.

وفي قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}

(4)

دليل على أنها تنحر قائمة.

وقيل في تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}

(5)

(1)

قوله: "هي": ليست في "ذ".

(2)

البخاري في الحج، باب 118، حديث 1713، ومسلم في الحج، حديث 1320.

(3)

أبو داود في المناسك، باب 20، حديث 1767. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (5/ 302)، ومسدد، كما في المطالب العالية (2/ 50) حديث 1285، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 206، من طريق بن جريج، عن عبد الرحمن بن سابط، مرسلًا.

وأخرجه أبو داود في الموضع السابق، والبيهقي (5/ 237) من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، مرفوعًا. وجوَّد إسناده ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 525) وقال النووي في شرح صحيح مسلم (9/ 69): إسناده على شرط مسلم. وقال البخاري في التاريخ الكبير (5/ 302): لا يصح.

(4)

سورة الحج، الآية:36.

(5)

سورة الحج، الآية:36.

ص: 395

أي: قيامًا

(1)

، لكن إن خشي عليها أن تنفِر أناخها.

(و) السُّنة (ذَبْح بَقَر، وغَنَم) لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}

(2)

، ولحديث أنس:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بكبشين ذَبحَهُما بيَدِهِ"

(3)

.

(ويجوز عكسُه) أي: ذَبْح الإبل، ونَحْر البقر والغنم؛ لأنه لم يتجاوز محلَّ الذكاة؛ ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أنهرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه فَكُلْ"

(4)

. (ويأتي) ذلك.

(ويقول بعد توجيهها) أي: الذبيحة (إلى القِبْلة على جنبها الأيسر) إن كانت مِن البقر والغنم (حين يحرِّكُ يده بالذَّبح: بسم الله، واللهُ أكبر، اللَّهمَّ هذا منك ولك) لما روى ابن عمر "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَبَحَ يومَ العيدِ كبشين، ثم قال حين وجَّهَهُما: وجَّهْتُ وَجْهِي للذي فَطَرَ السماواتِ والأرضَ حَنيفًا، وما أنا مِنَ المُشْرِكينَ، إن صَلاتِي ونُسُكي ومَحْيَايَ وممَاتِي للهِ رَبِّ العالمينَ، لا شَريكَ له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا

(1)

ذكره البخاري في الحج، باب 119، معلقًا بصيغة الجزم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صواف: قيامًا.

ووصله سعيد بن منصور، وعبد بن حميد - كما في تغليق التعليق - والطبري في تفسيره (17/ 164)، والحاكم (4/ 233)، والبيهقي (9/ 287)، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

(2)

سورة البقرة، الآية:67.

(3)

أخرجه البخاري في الأضاحي، باب 9، حديث 5558، ومسلم في الأضاحي، حديث 1966.

(4)

أخرجه مطولًا البخاري في الشركة، باب 3، 16، حديث 2488، 2507، وفي الجهاد والسير، باب 191، حديث 3075، وفي الذبائح والصيد، باب 15، 18، 20، 23، 36، 37 حديث 5498، 5503، 5506، 5509، 5543، 5544، ومسلم في الأضاحي، حديث 1968، عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

ص: 396

أوَّلُ المسلمينَ، بسم الله، واللهُ أكبرُ، اللهُمَّ هذا منكَ ولكَ". رواه أبو داود

(1)

.

وإن اقتصر على التَّسمية، فقد تَرَك الأفضل، وكذا يقول عند تحريك يده بالنَّحْر.

(وإن قال قبل ذلك) أي: بسم الله، والله أكبر، إلخ (وقبل تحريك يده) بالذبح، بأن قال عند توجه الذبيحة إلى القِبلة:(وجَّهتُ وجهيَ للذي فطرَ السماواتِ والأرضَ حنيفًا، وما أنَا من المشركينَ، إن صلاتِي وَنُسكِي، ومحيَايَ، ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شَريكَ له، وبذلكَ أُمِرْتُ، وأنا أول المسلمين) فَحَسنٌ؛ لما تقدم في حديث ابن عمر

(2)

، لكن بإسقاط:"أوَّل"؛ لمناسبة المعنى.

أو قال بعد "هذا منك، ولك": (اللهم تقبلْ منِّي، كما تقبَّلتَ من إبراهيم خليلك، فَحَسنٌ) لمناسبة الحال، وفي حديث لمسلم: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اللهمَّ تقبَّلْ من محمدٍ، وآلِ محمدٍ، وأمة محمد"

(3)

. وكرِه ابن عمر

(4)

، وابن سيرين

(5)

الأكلَ من الذبيحة، إذا وُجِّهت لغير القِبلة.

(والأفضل تَولِّي صاحِبها) أي: الذبيحة هَديًا كانت، أو أُضحية

(1)

في الضحايا، باب 4، حديث 2795، لكن من حديث جابر رضي الله عنه، وليس من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، كما قال المصنف، ولفظه:". . . للذي فطر السماوات والأرض، على ملة إبراهيم حنيفًا" بزيادة: "على ملة إبراهيم" وقد تقدم تخريجه (6/ 393) تعليق رقم (1).

(2)

صوابه أنه من حديث جابر رضي الله عنه كما بين في التعليق السابق.

(3)

في الأضاحي، حديث 1967، عن عائشة رضي الله عنها.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 489) رقم 8585.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 489) رقم 8587.

ص: 397

(ذَبْحها بنفسه) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "ضحَّى بكبشين أقرَنَيْنِ أمْلَحيْنِ، ذَبَحهما بيَده، وسمَّى، وكبَّرَ، ووضَعَ رِجْلَه على صفاحِهما"

(1)

، "ونَحَرَ البَدَنَاتِ السِّتَّ بيدِهِ"

(2)

، و"نَحَرَ من البُدْنِ التي أهداها في حجَّة الوداع ثلاثًا وستينَ بَدَنة بيدِه"

(3)

. ولأن فِعْلَ الذَّبْح قُربة، وتولِّي القُربة بنفسه أَولى من الاستنابة فيها.

(وإن وكَّل من يصحُّ ذبحه، ولو ذِميًّا) كتابيًّا أبواه كتابيان (جاز، ومسلمٌ أفضل) من ذِمي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "استنابَ عليًّا في نَحْر ما بَقِي من بُدْنِهِ"

(4)

.

(ويُكره أن يوكّل) في ذبح أُضحية

(5)

(ذميًّا) كتابيًّا؛ لقول علي

(6)

،

(1)

أخرجه البخاري في الأضاحي، باب 14، حديث 5565، ومسلم في الأضاحي، حديث 1966 (17)، وانظر ما تقدم (6/ 381) تعليق رقم (4).

(2)

أخرجه أبو داود في المناسك، باب 19، حديث 1765، وأحمد (4/ 350)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 367) حديث 2407 - 2408، وابن خزيمة (4/ 294) حديث 2917، والطحاوي (3/ 50)، وفي شرح مشكل الآثار (3/ 360) حديث 1319، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 103)، والطبراني في الأوسط (3/ 211) حديث 2442، وفي مسند الشاميين (1/ 272) حديث 475، والحاكم (4/ 221)، والبيهقي (5/ 237، 241، 7/ 288)، وأبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة ص/ 196، حديث 262، وابن الأثير في أسد الغابة (3/ 364)، والمزي في تهذيب الكمال (15/ 445) عن عبد الله بن قرط الأزدي رضي الله عنه بلفظ: بدنات خمس أو ست. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(3)

أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218، عن جابر رضي الله عنه.

(4)

كما في حديث جابر رضي الله عنه المخرج في التعليق السابق.

(5)

في "ذ": "أضحيته".

(6)

أخرج البيهقي (9/ 284) عن علي أنه قال: "لا يذبح نسيكة المسلم اليهودي والنصراني". قال ابن حزم في المحلى (7/ 380): منقطع.

ص: 398

وابن عباس

(1)

، وجابر

(2)

؛ ولحديث ابن عباس الطويل مرفوعًا: "ولا يَذبح ضَحَايَاكُم إلا طَاهِرٌ"

(3)

.

(ويَشهدُها) أي: الأُضحية ربُّها (نَدْبًا إن وكَّل) في تذكيتها؛ لأن في حديث ابن عباس الطويل: "واحضُرُوهَا إذا ذبحتم، فإنه يُغْفَرُ لكم عندَ أولِ قطرةٍ من دَمِهَا"

(4)

، ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة:"احضُرِي أُضْحِيَتَكِ يُغفر لكِ بأوَّل قطْرةٍ من دَمِها"

(5)

.

(1)

أخرج أحمد بن منيع كما في المطالب العالية (3/ 33) رقم 2316، والبيهقي (9/ 284) عن ابن عباس قال:"لا يذبح أضحيتك إلا مسلم" وضعفه ابن حزم في المحلى (7/ 380).

(2)

أخرج أحمد بن منيع كما في المطالب العالية (3/ 32) رقم 2313 عن جابر رضي الله عنه أنه كره أن يذبح النسك إلا مسلم. وضعفه ابن حزم في المحلى (7/ 380).

(3)

لم نقف على من أخرجه مسندًا، وذكره الديلمي في مسند الفردوس (5/ 148) حديث 7779.

(4)

لم نقف على من أخرجه.

(5)

أخرجه الروياني في مسنده (1/ 134) حديث 138، وابن عدي (7/ 2492)، والطبراني في الكبير (18/ 239) حديث 600، والأوسط (3/ 247) حديث 2530، وفي الدعاء (2/ 1244) حديث 947، والحاكم (4/ 222)، والبيهقي (5/ 238، 283)، وفي شعب الإيمان (5/ 483) حديث 7338، وفي فضائل الأوقات (402) حديث 213، والخطيب في الموضح (1/ 525) من طريق أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: أبو حمزة ضعيف جدًّا. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 17): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه أبو حمزة الثمالي، وهو ضعيف.

وأخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 59) حديث 1202، والعقيلي في الضعفاء (2/ 37) من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

وسكت عنه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عطية واهٍ.

وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 39): حديث منكر.

وأخرجه عبد بن حميد (1/ 128) حديث 78، والبيهقي (9/ 283)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 241) حديث 355، من طريق عمرو بن خالد، =

ص: 399

(ولا بأس بقول

(1)

الوكيل: اللهمَّ تقبَّل من فلان) أي: الموكّل له (وتُعتبر النيةُ) أي: نية كونها أُضحية (من الموكّل إذًا) أي: وقت التوكيل في الذبح.

(وفي "الرعاية": ينوي) أي: الموكِّل كونها أُضحية (عند الذَّكاة، أو الدَّفْع إلى الوكيل) ليذكِّيها

(2)

.

(إلا مع التعيين) أي: تعيين الأُضحية، بأن تكون معينة، فلا تُعتبر النية (ولا تُعتبر تسمية المُضحَّى عنه) اكتفاء بالنية.

(ووقت ابتداء ذَبْح أُضحية، وهَدي نَذْرٍ أو تطوُّع، و) دم (مُتعة وقِران يوم العيد بعد الصلاة) أي: صلاة العيد؛ لحديث جُندب بن عبد الله البَجَلي: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من ذَبَحَ قبل أنْ يصَلِّي فليُعِدْ مكانها أُخرى"

(3)

. وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صَلَّى صَلاتنا، ونَسَكَ نُسكنا، فقد أصَابَ النُّسُكَ، ومن ذَبَحَ قبل أن يُصَلِّيَ فليُعِدْ مَكانها أُخرى". متفق عليه

(4)

(ولو) كان (قبل الخُطبة) لظاهر ما سبق.

= عن محمد بن علي، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعًا.

قال البيهقي: عمرو بن خالد ضعيف. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 143): فيه عمرو بن خالد الواسطي، وهو متروك. وانظر: الترغيب والترهيب للمنذري (2/ 99)، والدراية لابن حجر (2/ 218).

(1)

في "ح" و"ذ": "أن يقول".

(2)

في "ذ": "ليذبحها".

(3)

أخرجه البخاري في العيدين، باب 23، حديث 985، في الذبائح، باب 17، حديث 5500، وفي الأضاحي، باب 12، حديث 5562، وفي التوحيد، باب 13، حديث 7400، ومسلم في الأضاحي، حديث 1960.

(4)

البخاري في العيدين، باب 5، 23، حديث 955، 983، ومسلم في الأضاحي، حديث 1961 (6) وهذا لفظ البخاري، غير قوله: "ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد =

ص: 400

(والأفضل) أن يكون الذبح بعد الصلاة، و (بعدَها) أي: الخطبة، وذَبْحِ الإمام إن كان؛ خروجًا من الخلاف.

(ولو سبقت صلاةُ إمامٍ

(1)

في البلد) الذي تتعدد

(2)

فيه العيد (جاز الذَّبحُ) لتقدم الصلاة عليه (أو بعد) مضي (قَدْرها) أي: قَدْر زمن صلاة العيد (بعد حِلِّها) أي: دخول وقتها (في حقِّ من لا صلاة في موضعه) كأهل البوادي من أهل الخيام، والخَرْكاوات

(3)

ونحوهم، ممن لا عيد عليه، فدخول وقت ذَبْح ما ذُكر في حقِّهم، بمضي قَدْر ما تُفعل فيه الصلاة بعد دخول وقتها؛ لأنه لا صلاة في حقِّهم تُعتبر، فوجب الاعتبار بقَدْرها. وأطلق الأصحاب قَدْر الصلاة، فقال الزركشي: يحتمل أن يُعتبر ذلك بمتوسط الناس، وأبو محمد - أي

(4)

: الموفَّق - اعتبر قَدْر صلاةٍ

(5)

وخطبةٍ تامتين في أخفِّ ما يكون. انتهى. وقوله: "وخطبة" مبني على اعتبارها، والمذهب: لا تُعتبر كما تقدم.

(فإن فاتتِ الصلاةُ) أي: صلاة العيد (بالزوال) بأن زالت الشمس في موضع تُصلَّى فيه، كالأمصار والقُرى قبل أن يصلُّوا؛ لِعُذْرٍ أو غيره

= مكانها أخرى" فهو عند البخاري بلفظ: "ومن نسك قبل الصلاة، فإنه قبل الصلاة، ولا نسك له". واللفظ الذي أورده المؤلف هنا إنما هو لفظ حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه، الذي ذكره قبل هذا الحديث، والمؤلف جمع بين الروايتين في سياق واحد.

(1)

في "ح": "الإمام".

(2)

في "ذ": "يتعدد".

(3)

الخَركاةُ: تقدم التعريف بها (3/ 336) تعليق رقم (2). وانظر معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص/ 53.

(4)

قوله: "أي" ليس في "ذ".

(5)

في "ح": "الصلاة".

ص: 401

(ضحَّى إذن) أي: عند الزوال فما بعده؛ لفوات التبعية بخروج وقت الصلاة.

(وآخرُه) أي: آخر وقت ذَبْح أُضحية، وهَدي نَذْر، أو تطوُّع، أو مُتعة، أو قِران (آخرُ اليوم الثاني من أيام التشريق) فأيام النَّحْر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده. وهو قول عمر

(1)

، وابنه

(2)

، وابن عباس

(3)

، وأبي هريرة

(4)

، وأنس

(5)

. ورُوي أيضًا عن علي

(6)

.

قال أحمد

(7)

: أيام النحر ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية

(8)

عنه: خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: "نَهَى عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الأضَاحِي فوق ثلاث"

(9)

ويستحيل أن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة، كما في المحلى (7/ 377)، عن عمر: إنما النحر في هذه الثلاثة أيام. وضعَّفه ابن حزم.

(2)

أخرج مالك في الموطأ (2/ 487) عن نافع، عن ابن عمر قال: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى.

(3)

أخرج ابن أبي شيبة، كما في المحلى (7/ 377) عن ابن عباس قال: أيام النحر ثلاثة أيام. وضعَّفه ابن حزم.

(4)

أخرج ابن أبي شيبة، كما في المحلى (7/ 377) عن أبي مريم، عن أبي هريرة قال: الأضحى ثلاثة أيام. وضعَّفه ابن حزم.

(5)

أخرج ابن أبي شيبة، كما في المحلى (7/ 377). والبيهقي (9/ 297) عن أنس قال: الذبح بعد النحر يومان، وصحَّحه ابن حزم.

(6)

أخرج ابن عبد البر في التمهيد (23/ 197) عن علي قال: الأيام المعدودات يوم النحر ويومان بعده. وضعَّفه ابن حزم في المحلى (7/ 377).

(7)

التمهيد (23/ 196، 197)، والاستذكار (15/ 201)، والمغني (13/ 386).

(8)

المغني (13/ 386).

(9)

أخرجه البخاري في الأضاحي، باب 16، حديث 5574، ومسلم في الأضاحي، حديث 1970 (27) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث. وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، انظر: جامع الأصول (3/ 357).

ص: 402

يُباح ذبحها في وقت يَحرم أكلها فيه، ونَسْخُ أحد الحكمين - وهو الادخار - لا يلزمه رَفْع الآخر، وهو إجزاء الذبح فيما زاد على الثلاثة.

وفي "الإيضاح": إلى آخر أيام التشريق.

(وأفضله) أي: ذبح ما ذُكر (أول يوم من) دخول (وقته) وهو مضي الصلاة، أو قَدْرها، والأفضل أن يكون بعد الخطبتين - أيضًا - وبعد ذبح الإمام إن كان، كما تقدم

(1)

؛ لما فيه من المبادرة والخروج من الخلاف.

(ويجزئ) ذَبْح ما ذُكر (في ليلتهما) أي: ليلة يومي الشريق الأولين؛ لأن الليل زمن يصحُّ فيه الرَّمي، أي: في الجملة، كالسُّقاة والرُّعاة، وداخل في مدة الذبح، فجاز فيه، كالأيام (مع الكراهة) للخروج من الخلاف. وظاهر "المنتهى": لا يكره.

(ووقت ذَبْح ما وجب) من الدماء (بفعل محذور

(2)

) كلبس، وطيب، وحَلْق رأس، ونحوه (من حين وجوبه) أي: من حين فِعْل المَحذور

(2)

.

(فإن فعله) أي: أراد فِعْل المحذور

(2)

(لعُذر، فله ذبحه قبله) أي: قبل المَحذور (وتقدم) في باب الفدية

(3)

.

(وكذا ما وجب) من الدماء (لترك واجب) يدخل وقته من ترك الواجب.

(وإن ذَبَح) هَديًا، أو أُضحية (قبل وقته، لم يجزئه) كالصلاة قبل الوقت (وصَنَع به ما شاء) لأنه لحم (وعليه بدل الواجب) لبقائه في ذمته.

(1)

(6/ 401).

(2)

في "ذ": "محظور".

(3)

(6/ 181، 200).

ص: 403

(وإن فات الوقت) قبل ذَبْح هَدي، أو أُضحية (ذَبَح الواجب قضاء) لأن الذبح أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات وقته، كما لو ذبحها في الوقت، ولم يفرِّقها حتى خرج الوقت (وسقط التطوُّع) بخروج وقت الذَّبْح؛ لأن المُحَصّل للفضيلة الزمان، وقد فات، فلو ذبحه وتصدَّق به كان لحمًا تصدق به، لا أُضحية في الأصح. قاله في "التبصرة".

فصل

(ويتعيَّنُ الهَدي بقوله: هذا هَدْي) لأنه لفظ يقتضي الإيجاب؛ لوضعه له شرعًا، فوجب أن يترتب عليه مقتضاه (أو بتقليده) أي: ويتعيَّنُ الهَدْي أيضًا بتقليده مع النيَّة (أو إشعاره مع النيَّة) أي: نيَّة الهَدْي؛ لأن الفِعل مع النيَّة يقوم مقام اللفظ، إذا كان الفِعل يدلُّ على المقصود، كمن بني مسجدًا، وأذن للناس في الصلاة فيه.

و (لا) يتعيَّن الهَدْي (بشرائه، ولا بسَوْقه مع النيَّة فيهما) لأن الشراء والسَّوْق لا يختصان بالهَدْي، والتعين

(1)

إزالة ملك على وجه القُرْبة، فلم تؤثر فيه النية المقارنة لهما، كالعتق والوقف لا يحصلان بالنية حال الشراء، وكإخراجه

(2)

مالًا للصدقة به.

(و) تتعين (الأُضحية بقوله: هذه أُضحية) فتصير واجبة بذلك، كما يعتق العبد بقول سيده: هذا حُرٌّ؛ لوضع هذه الصيغة لذلك شرعًا (أو: لله، فيهما) أي: يتعيَّن كل من الهَدْي والأُضحية بقوله: هذه لله؛

(1)

في "ح": "التعيين".

(2)

في "ح": "كإخراجه".

ص: 404

لأن هذه الصِّيغ خبر أُريد به الإنشاء، كصيغ العقود (ونحوه) أي: نحو: هذه لله (من ألفاظ النَّذْر) كقوله: هذه صدقة.

قال في "الموجز"، و"التبصرة": إذا أوجبها بلفظ الذبح، نحو: لله عليَّ ذبحها، لزمه، وتفريقه على الفقراء، وهو معنى قوله في "عيون المسائل": لو قال: لله عليَّ ذَبْح هذه الشاة، ثم أتلفها، ضَمِنها؛ لبقاء المستحق لها.

(ولو أوجبها ناقصةً نقصًا يمنع الإجزاء) كالعوراء البيِّن عورُها، والعرجاء البيِّن عرجُها (لزمه ذبحُها) كما لو نذره (ولم يجزئه

(1)

عن الأُضحية الشرعيَّة) لما تقدم من الخبر

(2)

(ولكن يُثاب على ما يَتصدَّق به منها) لحمًا منذورًا، لا أُضحية.

قال في "المستوعب": وإن حَدَث بها - أي: بالمعيَّنة أُضحيةً - عَيبٌ، كالعمى، والعَرَج، ونحوه، أجزأه ذبحها، وكانت أُضحية.

(فإن زال عيبها المانع من الإجزاء كبُرْءِ المريضة، و) برء (العَرْجاء، وزوال الهُزَال، أجزأت) لعدم المانع، والحكم يدور مع عِلَّته

(3)

.

(وإذا تعيَّنا) أي: الهَدْي والأُضحية (لم يَزُل ملكُه) عنهما، كالعبد المنذور عتقه، والمال المنذور الصدقة به.

(وجاز له نقل الملك فيهما) أي: في الهَدْي والأُضحية المعينين (بإبدالٍ، وغيره، وشراءِ خير منهما) بأن يبيعهما بخير منهما، أو بنقد،

(1)

في "ذ": "تجزئه".

(2)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أربع لا تجوز في الأضاحي. . ." الحديث، وتقدم تخريجه (6/ 390)، تعليق رقم (2).

(3)

في "ذ": "العلة".

ص: 405

أو غيره، ثم يشتري به خيرًا منهما، نقله الجماعة عن أحمد

(1)

؛ لحصول المقصود مع نفع الفقراء بالزيادة.

وأما حديث: "أنهُ صلى الله عليه وسلم ساقَ في حجَّتِهِ مائَةَ بَدَنةٍ، وقَدمَ عليٌّ من اليَمنِ، فأشْرَكهُ في بُدْنِهِ" رواه مسلم

(2)

، فيحتمل أنه أشرك عليًّا فيها قبل إيجابها، ويحتمل أنه أشركه فيها، بمعنى أن عليًّا جاء ببُدن، فاشتركا في الجميع، فكان بمعنى الإبدال، لا بمعنى البيع، ويجوز أن يكون أشركه في ثوابها وأجرها. قاله في "الشرح".

(و) جاز (إبدال لحم) ما تعيَّن من هَدي وأُضحية (بخير منه) لنفع الفقراء.

و (لا) يجوز إبدال ما تعيَّن من هَدي، أو أُضحية، أو لحمهما (بمثل ذلك، ولا) بما (دونه) إذ لا حظَّ في ذلك للفقراء.

(وإن) اشترى أُضحية أو هَديًا وعيَّنها لذلك، ثم (عَلِمَ عيبها

(3)

بعد التعيين، ملك الردَّ) واسترجاع الثمن. قلت: ويشتري به بدلها؛ بدليل ما يأتي (وإن أخذ الأرْشَ، فكفاضلٍ عن القيمة، على ما يأتي) فيشتري به شاة، أو سُبع بدنة، أو بقرة، أو يتصدَّق به، أو بلحم يُشترى به.

(وإن) اشترى أُضحية، أو هَديًا، وعيَّنها ثم (بانت مستحقة بعده) أي: بعد التعيين (لزمه بدلها) نصًّا

(4)

، نقله علي بن سعيد

(5)

. قال في

(1)

مسائل عبد الله (3/ 875) رقم 1174.

(2)

في الحج، حديث 1218، عن جابر رضي الله عنه.

(3)

في "ذ": "عيبهما".

(4)

انظر الفروع (3/ 549).

(5)

هو علي بن سعيد بن جرير النسوي، أبو الحسن، ذكره أبو بكر الخلال، فقال: كبير القدر، صاحب حديث، كان يناظر أبا عبد الله مناظرة شافية، روى عنه جزأين مسائل، توفي سنة (257 هـ) رحمه الله تعالى.

انظر: طبقات الحنابلة (1/ 224)، تسهيل السابلة (1/ 283) رقم 317.

ص: 406

"الفروع": ويتوجه فيه: كأرْشٍ. وعلم منه أنها لو بانت مستحقة قبل التعيين، لم يلزمه بدلها؛ لعدم صحة التعيين إذن.

(وإن مات بعد تعيينها) أي: الأُضحية، أو الهَدي (لم يجز بيعها في دَيْنِهِ، ولو لم يكن له وفاءٌ إلا منها) لتعلق حقّ الله بها، وتعين ذبحها، وكما لو كان حيًّا (ولزم الورثة ذبحها، ويقومون مقامه في الأكل، والصدقة، والهدية) كسائر الحقوق له وعليه.

(وإن أتلفها مُتْلِفٌ) - ربُّها، أو غيره - (فأُخذت

(1)

منه القيمة، أو باعها من أوجبها، ثم اشترى بالقيمة) في الأولى (أو) اشترى (بالثمن) في الثانية (مثلها، صارت) المُشتراة (معينة بنفس الشراء) كبدل رهن، أو وقف أتلف، ونحوه، لقيام البدل مقام مبدله.

(وله) أي: لمن عيَّن هَديًا أو أُضحية (الركوب لحاجة فقط، بلا ضرر) قال أحمد

(2)

: لا يركبها إلا عند الضرورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اركَبْهَا بالمعروفِ؛ إذا ألجِئْتَ إليها، حتَّى تَجِدَ ظَهْرًا". رواه أبو داود

(3)

، ولأنه تعلَّق بها حق المساكين، فلم يجز ركوبها من غير ضرورة، كملكهم، فإن تضررت بركوبه لم يجز؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر (ويضمن نقصها) الحاصل بركوبه؛ لأنه تعلَّق بها حق غيره.

(وإن وَلَدت) التي عُيِّنت هَديًا أو أُضحية ابتداء، أو عن واجب في الذِّمَّة (ذَبَح ولدَها معها) سواء (عيَّنها حاملًا أو حدث) الحمل

(1)

في "ح" و"ذ": "وأخذت".

(2)

المغني (5/ 442)، والفروع (3/ 549).

(3)

في المناسك، باب 18، حديث 1861، وأخرجه - أيضًا - مسلم في الحج، حديث 1324، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ص: 407

(بعده) أي: بعد التعيين؛ لأن استحقاق المساكين الولدَ حكمٌ ثبت بطريق السراية من الأم، فيثبت للولد ما يثبت لأمه، كولد أم الولد والمُدبَّرة (إن أمكن حَمْلُه) أي: الولد على ظهرها، أو ظهر غيرها (أو) أمكن (سوقه إلى محله) أي: محل ذبح الهَدْي. وتقدم في باب الفِدية

(1)

.

(وإلا) أي: وإن لم يمكن حمل الولد، ولا سوقه إلى محله (فكهدي عَطِبَ) على ما يأتي بيانه

(2)

.

(ولا يَشربُ من لبنِها) أي: لبن المعينة أُضحية أو هَدْيًا (إلا ما فَضَل عن ولدها) فيجوز شربه؛ لقول علي: "لا يَحْلِبُها إلَّا ما فضلَ عن تيسير وَلدِها"

(3)

؛ ولأنه انتفاع لا يضرُّ بها، ولا بولدها، والصدقة به أفضل؛ خروجًا من الخلاف.

(فإن خالف) وشرب ما يضر بولدها (حَرُمَ) عليه ذلك، وكذا لو كان الحَلب يضر بها، أو ينقص لحمها (وضَمِنَه) أي: اللبن المأخوذ إذن؛ لتعديه بأخذه.

(ويَجزُّ صوفَها ووبَرها) وشعرَها (لمصلحة) كما لو كانت تسمن به (وله أن ينتفع به، كلبَنِها، أو يتصدَّق به) قال القاضي: له الصدقة بالشعر، وله الانتفاع به. وذكر ابن الزاغوني أن اللبن والصوف لا يدخلان في الإيجاب، وله الانتفاع بهما، إذا لم يضرَّ بالهَدْي، وكذلك قال صاحب "التلخيص" في اللبن.

(1)

(6/ 197).

(2)

في "ح" و"ذ" زيادة: "وكذا ولد معينة عن واجب في الذمة لأنه تبع لها".

(3)

أخرجه سعيد بن منصور، كما في المغني (13/ 376)، وابن سعد (6/ 231)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 46)، والبيهقي (5/ 236، 9/ 288) بنحوه.

ص: 408

(وإن كان بقاؤه) أي: الصوف أو الوبر أو الشعر (أنفع لها، لكونه يقيها الحَرَّ والبرد، لم يَجُزْ جَزُّه، كما لا يجوز أخذ بعض أعضائها) لتعلُّق حق الغير بها.

(و‌

‌لا يُعطي الجازر شيئًا منها أُجرةً)

للخبر

(1)

، ولأنه بَيْعٌ لبعض لحمها، ولا يصح (بل) يعطيه منها (هَدية، وصَدَقة) لأنه في ذلك كغيره، بل هو أَولى؛ لأنه باشرها، وتاقت نفسُه إليها.

(وله أن ينتفع بجلدها، وجُلِّها

(2)

) قال في "الشرح": لا خلاف في جواز الانتفاع بجلودها، وجِلالها، لأن الجلد جزء منها، فجاز للمضحي الانتفاع به كاللحم، وكان علقمة ومسروق يدبغان جلد أضحيتهما، ويصليان عليه

(3)

.

وعن عائشة قالت: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، قد كانوا ينتفِعُونَ من ضحايَاهُمْ يحملون منها الودكَ، ويتَّخذُون منها الأسْقيةَ، قال: وما ذاك؟ قالت: نَهَيْتَ عن إمساكِ لحوم الأضاحي بعد ثلاث. قال: إنَّما نَهَيْتُكم؛ للدّافَةِ

(4)

التي دفَّتْ، فكلوا، وتزَوَّدُوا وتصَدَّقُوا"

(5)

- حديث صحيح - ولأنه انتفاع به، فجاز كلحمها (أو يتصدَّق بهما) أي: بالجلد، والجلِّ.

(1)

روى البخاري في الحج، باب 120، 121، 122، حديث 1716، 1717، 1718، ومسلم في الحج، حديث 1317، عن علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها، وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها.

(2)

الجُل: بضم الجيم وفتحها، ما تلبسه الدابة لتُصان به. القاموس المحيط ص/ 978 مادة (جلل).

(3)

أخرجه عنهما ابن أبي شيبة (1/ 404).

(4)

"الدّافّة: القوم من الأعراب يردون المصر" ا. هـ ش.

(5)

أخرجه مسلم في الأضاحي، حديث 1971، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 409

(ويحرم بيعهما) أي: بيع الجلد، والجلِّ؛ لحديث علي، قال:"أمَرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أقُومَ على بُدْنهِ، وأن أقسِمَ جُلُودها، وجِلالها، وأن لا أُعْطِي الجَازِرَ منها شيئًا، وقال: نحن نعْطِيه من عندنا" متفق عليه

(1)

.

(و) يَحرم (بيعُ شيء منها) أي: الذبيحة

(2)

؛ هَديًا كانت أو أُضحية (ولو كانت تطوُّعًا؛ لأنها تعيَّنت بالذبح) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث قتادة بن النعمان: "ولا تَبيعُوا لحومَ الأضَاحِي والهَدْي، [فكلوا]

(3)

، وتَصَدَّقُوا واستَمتِعُوا بجُلُودها"

(4)

. قال الميموني

(5)

: قالوا لأبي عبد الله: فجلد الأُضحية نعطيه السَّلَّاخ؟ قال: لا. وحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعْطِ في جِزارَتِها شيئًا منها"

(6)

. قال: إسناد جيد.

(وإن عيَّن أُضحية أو هَدْيًا، فسُرِق بعد الذبح، فلا شيء عليه، وكذا إن عيَّنه عن واجب في الذِّمة، ولو) كان وجوبه في الذِّمة (بالنذر) بأن نذر هَدْيًا أو أُضحية، ثم عيَّن عنه ما يجزئ، ثم ذبحه، فسُرِق، فلا شيء عليه؛ لأنه أمانة في يده، ولم يتعدَّ، ولم يفرِّط، فلم يضمن، كالوديعة.

(وإن تلفت) المعينة هَدْيًا كانت أو أُضحية (ولو قبل الذبح، أو سُرقت، أو ضلَّت قبله) أي: الذبح (فلا بدل عليه إن لم يفرِّط) لأنه أمين.

(1)

تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

في "ح": "أي من الذبيحة".

(3)

ما بين المعكوفتين من مسند أحمد.

(4)

أخرجه أحمد (4/ 15).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 26): رواه أحمد وهو مرسل صحيح الإسناد.

(5)

المغني (13/ 382).

(6)

تقدم تخريجه (6/ 409)، تعليق رقم (1).

ص: 410

(وإن عيَّن عن واجب في الذِّمة) ما يجزئ فيه كالمتمتع يعيّن عن دم التمتع شاة، أو بقرة، أو بَدَنة، أو عن هَدي نذره في ذِمته (وتعيَّب) ما عيَّنه عن ذلك (أو تلف، أو ضلَّ، أو عَطِب، أو سُرِق، ونحوه) كما لو غُصب (لم يجزئه) لأن الذِّمة لم تبرأ من الواجب بمجرد التعيين عنه، كالدَّين يضمنه ضامن، أو يرهن به رهنًا، فإنه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة المدين.

فمتى تعذَّر استيفاؤه من الضامن، أو تلف الرهن، بقِيَ الحق في الذمة بحاله (ولزمه بدله) أي: بدل ما تعيَّب، أو تلف، أوْ ضَلَّ، أو عطِب، أو سُرق ونحوه إذا كان عيَّنه عن واجب في ذمته (ويكون أفضل مما في الذِّمة وإن

(1)

كان تلفه بتفريطه) هذا معنى كلامه في "الفروع"، و"الإنصاف"، و"شرح المنتهى".

قال في "تصحيح الفروع": ظاهره مشكل، ومعناه: إذا عيَّن عما في الذِّمة أزيد مما في الذِّمة، ثم تلف بتفريطه، فإنه يلزمه مثل الذي تلف، وإن كان أفضل مما في الذِّمة؛ لأن الواجب تعلَّق بما عيَّنه عما في الذِّمة، وهو أزيد، فيلزمه مثله، وهو أزيد عمَّا

(2)

في الذِّمة. صرَّح به في "المغني

(3)

"، و"الشرح" وغيرهما.

"تتمة": لو ضحَّى اثنان، كلٌّ بأضحية الآخر عن نفسه غلطًا، كفتهما، ولا ضمان استحسانًا، والقياس ضدهما، ذكره القاضي، وغيره.

(1)

في "ح": "إن".

(2)

في "ذ": "مما".

(3)

في "ذ": "في المنتهى" وهو خطأ، انظر: المغني (5/ 436).

ص: 411

ونقل الأثرم وغيره

(1)

في اثنين ضَحَّى هذا بأُضحية هذا، يترادَّان اللحم

(2)

، ويجزئ. ولو فرَّق كل منهما لحم ما ذَبَحه

(3)

؛ لإذن الشرع في ذلك.

(وإن ذَبَحها) أي: المعيَّنة هَدْيًا أو أُضحية (ذابحٌ في وقتها بغير إذن) ربها أو وَليِّه (ونواها عن ربها، أو أطلق، أجزأت) عن ربها (ولا ضمان على الذابح) لأن الذبح فِعْل لا يفتقر إلى النية، فإذا فَعَله غير صاحبه أجزأ عن صاحبه، كغسل ثوبه من النجاسة، ولأنها وقعت موقعها بذبحها في وقتها، فلم يضمن ذابحها، حيث لم يكن متعديًا؛ ولأن الذبح إراقة دم، تعيَّن إراقته لحق الله تعالى، فلم يضمن مريقه، كقاتل المرتد بغير إذن الإمام.

(وإن نواها) أي: نوى الذابح الأُضحية (عن نفسه، مع عِلمه أنها أُضحية الغير، لم تُجْزِئْ مالكها

(4)

) سواء فرَّق الذابح اللحم أو لا، ويضمن الذابح قيمتها إن فرَّق لحمها وأَرْشَ الذبح إن لم يفرقه؛ لغَصْبه واستيلائه على مال الغير، وإتلافه أو تنقيصه عدوانًا.

(وإلا) أي: وإن ذبحها عن نفسه، ولم يعلم أنها أُضحية الغير؛ لاشتباهها عليه، مثلًا (أجزأت عن ربِّها إن لم يفرِّق الذابح لحمها) لما تقدم من أن الذبح لا يفتقر إلى نية، كإزالة النجاسة، فإن فرَّق اللحم إذن، ضَمِن؛ لأن الإتلاف يستوي فيه العمد وغيره.

(وإن أتلفها) أي: المعيَّنة من هَدْي، أو أُضحية (صاحبُها،

(1)

انظر الفروع (3/ 551).

(2)

في "ح" زيادة: "أي إن كان موجودًا".

(3)

في "ح" زيادة: "أجزأ".

(4)

في "ذ": "عن مالكها".

ص: 412

ضمِنها بقيمتها يوم التلف) في محله، كسائر المتقومات (تُصْرَفُ في مثلها كإتلاف أجنبي) غير مالكها لها؛ لبقاء المستحق لها؛ وهم الفقراء، بخلاف قنٍّ نذر عتقه، فلا يلزم صرف قيمه في مثله، إذا أتلف؛ لأن القصد من العتق تكميل الأحكام، وهو حقٌّ للرقيق الميت.

(وإن فَضَل من القيمة) أي: قيمة الأُضحية المعيَّنة، أو الهَدْي المعيَّن (شيء عن شراء المِثْل) لنحو رُخْص عِوَض (اشترى به شاة إن اتَّسع) لذلك، أو سُبع بدنة، أو بقرة؛ لما فيه من إراقة الدم المقصود في ذلك اليوم.

(وإلا) أي: وإن لم يتسع لشاة، أو شرك في بَدَنة، أو بقرة (اشترى به لحمًا فتصدَّق به، أو يتصدق بالفضل) لفوات إراقة الدم.

(وإن فقأ عينه) أي: الحيوان المعيَّن هَدْيًا أو أُضحية مالكه، أو غيره (تصدَّق بالأرْش) أو بلحم يشتريه به إن لم يتسع لشاة أو سُبع بدنة أو بقرة.

(وإن عَطِب في الطريق قبل محلِّه، أو) عطِب (ذهب الحرم هَدْي واجب، أو تطوع بأن ينويه هَدْيًا، ولا يوجبه بلسانه، ولا بتقليده وإشعاره، وتدوم نيته فيه قبل ذبحه، أو عجز) الهدي (عن المشي) إلى محله (لزم

(1)

نَحْره) أي: تذكية الهَدْي (موضعه مجزئًا، وصبغ نعله) أي: نعل الهَدْي (التي في عنقه في دمه، وضَرَب) به (صفحته؛ ليعرِفه الفقراء، فيأخذوه.

ويَحرم عليه وعلى خاصة رُفقته - ولو كانوا فقراء - الأكلُ منه) أي: من الهَدْي العاطب (ما لم يبلغ محلَّه) لحديث ابن عباس: "أن ذُؤَيْبًا أبا قبيصَةَ حدَّثَهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعثُ معه بالبُدْنِ، ثم

(1)

في "ذ": "لزمه"

ص: 413

يقولُ: إنْ عطِبَ منها شيءٌ فَخَشِيتَ عليها، فانحَرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضْرِبْ به صَفْحتها، ولا تَطعمْهَا أنتَ ولا أحَدٌ من أهْلِ رفقتِكَ" رواه مسلم

(1)

، وفي لفظ:"ويخَلّيها والنَّاسَ، ولا يأكُل منها هوَ ولا أحدٌ من أصحَابِهِ" رواه أحمد

(2)

.

ولا يصح قياس رُفقته على غيرهم؛ لأن الإنسان يُشفق على رُفقته ويحب التوسعة عليهم، وربما وسَّع عليهم من مؤنته، وإنما مُنع السائق ورُفقته الأكل منه؛ لئلا يُقصِّر في حفظه ليعطبه؛ ليأكل هو ورُفقته منه، فتلحقه التهمة لنفسه ورُفقته.

(فإن أكل) السائق (منه) أي: من الهَدْي العاطب (أو باع) منه لأحد (أو أطعم غنيًّا، أو) أطعم (رُفقته، ضَمِنه) لتعديه (بمثله لحمًا) لأنه مثلي.

(وإن أتلفه) أي: الهَدْي (أو تلف) الهَدْي (بتفريطه) أو تعديه (أو خاف عطبه فلم ينحره حتى هلك، فعليه ضمانه) كسائر الودائع إذا فرَّط فيها أو تعدَّى (يوصله) أي: بدل الهدي (إلى فقراء الحرم) لأنهم مستحقوه.

(وإن فَسَخَ في التطوع نيته قبل ذبحه، صَنع به ما شاء) من بيع وأكل وإطعام لرُفقة

(3)

؛ لأنه لحم.

(وإن ساقه عن واجب في ذِمته) لتمتع، أو فِعل محذور

(4)

ونحوه (ولم يعينه بقوله: هذا هَدْي) ونحوه، (لم يتعيَّن) بالسوق مع النية؛ لأن

(1)

في الحج، حديث 1326، وفيه:"فخشيت عليه موتًا، فانحرها. . .".

(2)

(4/ 225). وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (4/ 229) حديث 4212، والبيهقي (5/ 243)، والمزي في تهذيب الكمال (5/ 524).

(3)

في "ذ": "لرفقته".

(4)

في "ذ": "محظور".

ص: 414

السوق لا يختص بالهَدْي، والنية وحدها ضعيفة، لا يحصُل التعيين بها (وله التصرف فيه بما شاء) من بيع وأكل وغيره.

(فإن بلغ) الهَدْي الذي ساقه عما في ذمته من الواجب (محِلَّه سالمًا فنحره) في محِلّه (أجزأ عما عيَّنه عنه) لصلاحيته لذلك وعدم المانع.

(وإن عَطِب) ما ساقه عن واجب في ذِمته (دون محِلّه، صنع به ما شاء) من أكل وغيره؛ لأنه لحم (وعليه إخراج ما في ذِمته) في محِله؛ لعدم سقوطه.

(وإن تعيَّب هو) أي: الهَدْي (أو) تعيَّبت (أُضحية) بغير فِعله، (ذبحه) أي: ما ذكر من الهَدْي أو الأضحية (وأجزأه إن كان واجبًا بنفس التعيين) بأن قال ابتداء: هذا هَدْي أو أُضحية، ولم يكن عن شيء في ذِمته؛ لما روى أبو سعيد قال:"ابْتعنَا كبشًا نضَحِّي به فأصاب الذئب من أليته، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نضحّيَ به" رواه ابن ماجه

(1)

، ولأنها

(1)

في الأضاحي، باب 9، حديث 3146. وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 296، حديث 2237، وأحمد (3/ 32، 78، 86)، والطحاوي (4/ 169)، وابن حبان في الثقات (5/ 366)، والبيهقي (9/ 289)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 169)، والمزي في تهذيب الكمال (26/ 316).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 158): هذا إسناد ضعيف فيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف قد اتُّهم. وقال الطحاوي هذا حديث فاسد في إسناده ومتنه.

وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 40)، والعلل للدارقطني (11/ 309). وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 144): ومداره على جابر الجعفي، وشيخه محمد بن قرظة غير معروف، ويقال: إنه لم يسمع من أبي سعيد.

وأخرجه أحمد (3/ 43)، وعبد بن حميد (2/ 71) حديث 897، وأبو يعلى (2/ 293) حديث 1015، والبيهقي (9/ 289) من طريق عطية بن سعد العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فذكره بنحوه. =

ص: 415

أمانة عنده، فلم يضمن تعيُّبها، ولم يمنع من الإجزاء.

(وإن تعيَّب) الهَدْي المعيَّن أو الأُضحية المعينة (بفعله) أي: تعديه أو تفريطه (فعليه بدله) كالوديعة يفرِّط فيها.

و (إن كان واجبًا قبل التعيين بأن) - وفي نسخ

(1)

: "فإن"، لكن الأُولى أَوْلى - (عيَّنه عن واجب في الذِّمة، كالفِدية والمنذور في الذِّمة) وتعيَّب عنده عيبًا يمنع الإجزاء (لم يجزئه) لأن الواجب في ذِمته دم صحيح، فلا يجزئ عنه دم معيب، والوجوب متعلِّق بالذمة، كالدَّين به رهن ويتلف، لا يسقط بذلك (وعليه بدله) أي: بدل ما عيَّنه عن الواجب في ذِمته (كما لو أتلفه أو تلف بتفريطه.

ولو كان) ما عيَّنه عما في ذِمته (زائدًا عما في ذمته) كما لو كان الذي في ذِمته شاة، فعيَّن عنها بدنة أو بقرة فتعيبت، يلزمه بدنة أو بقرة نظير التي عيَّنها.

وإن كان بغير تفريطه ففي "المغني": لا يلزمه أكثر مما كان في ذِمته؛ لأن الزيادة وجبت بتعيينه، وقد تلفت بغير تفريط

(2)

فسقطت، كما لو عيَّن هَدْيًا تطوعًا ثم تلف، قاله في القاعدة الحادية والثلاثين

(3)

، ومعناه في "الشرح".

(وكذا لو سرق) ما عيَّنه هَدْيًا أو أُضحية ابتداء، أو عن واجب في الذِّمة، على ما سبق من التفصيل (أو ضَلَّ ونحوه) كما لو غصب

= قلنا: وعطية بن سعد العوفي: صدوق يخطئ كثيرًا، وكان شيعيًّا مدلسًا. كما في التقريب (4649).

(1)

في "ذ": "وفي نسخة".

(2)

في "ح" و"ذ": "تفريطه".

(3)

القواعد الفقهية ص/ 41.

ص: 416

(وتقدم) قريبًا

(1)

.

(ويذبح واجبًا قبل نَفْل) من هَدْي وأضحية. ولعل المراد: استحبابًا مع سعة الوقت. وقد تقدم لمن عليه زكاةٌ الصدقة تطوعًا قبل إخراجها، ولا يكاد يتحقق الفرق.

(وليس له) أي: لمن نحر بدل ما عَطِب من أُضحية، أو هَدْي، أو تعيَّب، أو ضل ونحوه (استرجاع عاطب ومعيب وضالٍّ وُجد ونحوه) كمغضوب قدر عليه (بعد ذبح بدله) وقوله:(أبي مِلْكِهِ) متعلق بـ "استرجاع"(بل يذبحه) لما روي عن عائشة: "أنَّهَا أهْدَت هديَيْن فأضَلّتْهما، فبعثَ إليها ابنُ الزُّبيرِ بهديَيْنِ فنحرتهما، ثم عادَ الضَّالَّان فنحرتهما، وقالت: هذه سنَّةُ الهديِ". رواه الدارقطني

(2)

. وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه تعلق حق أنه تعالى بهما بإيجابهما على نفسه، فلم يسقط بذبح بدلهما.

(وإن غصب شاةً فذبحها عمَّا في ذِمته) من دم فدية أو تمتع أو نذر ونحوه (لم يجزئه، وإن رضي مالكها) لأنه لم يكن قُربة في ابتدائه، فلم يصر قُربة في أثنائه، كما لو ذبحها للأكل، ثم نواها للتقرُّب.

(ولا يبرأ من الهدي) الواجب عليه (إلا بذبحه أو نَحْره) في وقته ومحله؛ إذ المقصود إراقة الدم كالتوسعة على الفقراء.

(1)

(6/ 411).

(2)

(2/ 242). وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 335، وإسحاق بن راهويه (2/ 192 - 193) حديث 695، 696، وابن أبي داود في مسند عائشة ص/ 86، حديث 82، وابن خزيمة (4/ 298) حديث 2925، والبيهقي (5/ 244) و (9/ 289). وصححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 551)، وابن الملقِّن في خلاصة البدر المنير (2/ 389).

ص: 417

(و‌

‌يُباح للفقراء الأخذ من الهَدْي إذا لم يدفعه إليهم بالإذن،

كقوله) أي: المالك: (من شاء اقتطع، أو بالتخلية بينهم وبينه) لأنه صلى الله عليه وسلم "نحر خمسَ بدَنَاتٍ وقال: من شاءَ فَليقتَطِع"

(1)

وقال لسائق البدن: "اصْبغْ نعلَها في دَمِهَا، واضْرِبْ به صَفْحَتها"

(2)

. وفيه دليل على اكتفاء الفقراء بذلك من غير لفظ، وإلا، لم يكن مفيدًا.

فصل

(سَوْق الهدي) من الحلِّ (مسنون) لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فساق في حجته مائة بَدَنة

(3)

، وكان يبعث بهديه وهو بالمدينة

(4)

.

(ولا يجب) سَوْق الهدي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، والأصل عدم الوجوب (إلا بالنذر) لحديث:"من نذَرَ أنْ يُطِيعَ الله فليطِعْهُ"

(5)

.

(ويُستحب أن يقفه) أي: الهَدْي (بعرفة) رُوي عن ابن عباس

(6)

، وكان ابن عمر لا يرى هَدْيًا إلا ما وقفه بعرفة

(7)

.

ولنا أن المراد نحوه، ونفع المساكين بلحمه، وهذا لا يتوقف على

(1)

تقدم تخريجه (6/ 398)، تعليق رقم (2).

(2)

تقدم تخريجه (6/ 414)، تعليق رقم (1).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 406)، تعليق رقم (2).

(4)

تقدم تخريجه (6/ 379)، تعليق رقم (2).

(5)

أخرجه البخاري في الأيمان، باب 28، 31، حديث 6696، 6700 عن عائشة رضي الله عنها، وتمامه:"ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه". وتقدم تخريجه (3/ 438) تعليق رقم (1).

(6)

أخرجه سعيد بن منصور، كما في المحلى (7/ 166) بلفظ: إن شئت فعرِّف الهدي، وإن شئت فلا تعرِّف به، إنما أحدث الناس السياق مخافة السراق.

(7)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 379)، وسعيد بن منصور، كما في المحلى (7/ 166)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 154، والبيهقي (5/ 232).

ص: 418

وقوفه بعرفة، ولم يرد بذلك دليل يوجبه.

(و) يُسن أن (يجمع فيه) أي: الهَدْي (بين الحِل والحرم) لما تقدم.

(ويُسن إشعار البُدْن) بضم الباء جمع بدنة (فيشق صفحة سَنامها) بفتح السين (اليمنى أو) يشق (محله) أي: السنام (مما لا سنام له من إبل وبقر، حتى يسيل الدم.

وتقلَّد هي) أي: البُدْن (و) تقلَّد (بقر وغنم نعلًا، أو آذان القرب، أو العُرى) بضم العين جمع عروة؛ لحديث عائشة قالت: "فَتَلْتُ قلائِدَ هَدْي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم أشْعَرَها وقَلَّدَها" متفق عليه

(1)

، وفعله الصحابة أيضًا

(2)

. وعن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بذي الحُليفة ثم دعا بِبَدنةٍ، فأشْعَرَها من صَفْحة سَنامها الأيْمَنِ وسَلَتَ الدَّمَ عنها بِيَدِه" رواه مسلم

(3)

. لا يقال: إنه إيلام؛ لأنه لغرض صحيح فجاز كالكي والوسم والحجامة، وفائدته: أن لا تختلط بغيرها، وأن يتوقاها اللص، ولا يحصُل ذلك

(1)

البخاري في الحج، باب 106، 108، حديث 1696، 1699، وفي الوكالة، باب 14، حديث 2317، ومسلم في الحج، حديث 1321 (362).

(2)

أخرج مالك في الموطأ (1/ 379)، والبيهقي (5/ 232)، أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يُشعره، قال: بسم الله والله أكبر.

وأخرج أبو عبيد في غريب الحديث (2/ 65) وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 154، والبيهقي (5/ 232) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما تُشعر البدن؛ ليُعلم أنها بَدَنة.

وأخرج البيهقي (5/ 232) عن علي رضي الله عنه قال: لا هدي إلا ما قلد وأشعر ووقف بعرفة.

وأخرج ابن أبي شيبة في "الجزء المفرد" ص/ 155، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن شئت فأشعر الهدي، وإن شئت فلا تشعر.

(3)

في الحج، حديث 1243.

ص: 419

بالتقليد بمفرده؛ لأنه يحتمل أن يحلَّ ويذهب.

(و‌

‌لا يُسن إشعار الغنم)

لأنها ضعيفة؛ ولأن صوفها وشعرها يستر موضع إشعارها لو أُشعرت.

(وإذا ساق الهدي) من (قبل الميقات، استحب إشعاره وتقليده من الميقات) لحديث ابن عباس

(1)

.

(وإذا نذر هَدْيًا مطلقًا، فأقل ما يجزئ شاة، أو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة) كالواجب بأصل الشرع المطلق (فإن ذبح) من نذر هَدْيًا وأطلق (البَدَنة، أو البقرة، كانت كلها واجبة) لتعينها عما في ذِمته بذبحها عنه.

(وإن نذر بَدَنة، أجزأته بقرة إن أطلق البَدَنة) لمساواتها لها (وإلا) أي: وإن لم يطلق، بل نوى معينًا

(2)

(لزمه ما نواه) كما لو عيَّنه باللفظ

(3)

.

(فإن عيَّن) شيئًا (بنذره) بأن قال: هذا هَدْي، أو لله عليّ هذا هَديًا ونحوه (أجزأه ما عيَّنه، صغيرًا كان أو كبيرًا، من حيوان ولو معيبًا، وغير حيوان كدراهم وعقار وغيرهما) لأنه إنما وجب بإيجابه على نفسه، ولم يوجب سوى هذا، فأجزأه كيف كان.

(و‌

‌الأفضل) كون الهَدْي (من بهيمة الأنعام)

لفعله صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(وإن قال: إن لبست ثوبًا من غزلك، فهو هَدْي، فلبسه، أهداه) وجوبًا إلى مساكين الحرم، لوجود شرط النذر.

(1)

تقدم تخريجه آنفًا.

(2)

في "ذ": "بل نوى من الإبل".

(3)

في "ذ": "لزمه ما نواه كما لو نوى كونها من البقر".

(4)

انظر ما تقدم (6/ 381) تعليق رقم (4)، (386) تعليق رقم (3)، و (406) تعليق رقم (2).

ص: 420

(وعليه إيصاله) أي: الهدي مطلقًا (إلى فقراء الحرم) لقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(1)

، ولأن النذر يحمل على المعهود شرعًا، والمعهود في الهدي الواجب بالشرع - كهدي المتعة - ذَبْحُه بالحرم، فكذا يكون المنذور.

(ويبيع غير المنقول كالعقار، ويبعث ثمنه إلى الحرم)

(2)

لتعذر إهدائه بعينه، فانصرف إلى بدله، يؤيده ما رُوي عن ابن عمر:"أن رجُلًا سألَهُ عن امرأةٍ نَذَرَتْ أن تُهْدِي دارًا، قال: تبيعُهَا وتَتَصَدَّقُ بِثمنها على فُقراءِ الحرمِ"

(3)

. (وقال) أبو الوفاء علي (بن عقيل: أو يقوِّمه) أي: العقار (ويبعث القيمة) إلى فقراء الحرم؛ لأن الغرض القيمة التي هي بدله، لا نفس البيع.

(إلا أن يعينه) أي: المنذور (لموضع سوى الحرم، فيلزمه ذَبْحه فيه) أي: في الموضع الذي عيَّنه (وتفرقة لحمه على مساكينه) أي: مساكين ذلك الموضع (أو إطلاقه لهم) أي: لمساكينه (إلا أن يكون الموضع) الذي عيَّنه (به صنم، أو شيء من أمر الكفر، أو المعاصي كبيوت النار والكنائس ونحوها، فلا يوفِّ به) أي: بنذره؛ لما روى أبو داود: "أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أذبح بالأبواء، قال: أَبِهَا صَنَمٌ؟ قال: لا، قال: أوفِ بنذرك"

(4)

.

(1)

سورة الحج، الآية:33.

(2)

في الإقناع (2/ 50): "فقراء الحرم".

(3)

لم نقف على من أخرجه، وأورده الموفق في المغني (13/ 642).

(4)

أبو داود في الأيمان والنذور، باب 27، حديث 3313، عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه بنحوه، وفيه: ببوانة. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (2/ 75) حديث 1341، والبيهقي (10/ 83). وصحَّح إسناده ابن الملقِّن في خلاصة البدر المنير =

ص: 421

(ويُستحب أن يأكل من هَديه التطوُّع، ويُهدِي، ويتصدق أثلاثًا) لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا}

(1)

، وأقل أحوال الأمر الاستحبابِ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من بُدْنه

(2)

، وقال جابر:"كُنَّا لا نَأكُلُ من بدْنِنَا فوقَ ثَلاثٍ، فرخَّصَ لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كُلُوا وتَزوَّدوا، فأكَلْنَا وتَزَوَّدنا" رواه البخاري

(3)

.

وعن ابن عمر: "الضحايا والهدايا: ثلثٌ لكَ، وثلثٌ لأهْلِكَ، وثلثٌ للمَساكِين"

(4)

.

قال في "الشرح" و"شرح المنتهى": والمستحب أن يكون - أي: المأكولُ - اليسيرَ؛ لما روى جابر: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ مِنْ كلِّ بدنَةٍ ببضْعَةٍ، فجعلتْ في قِدرْ فأكَلْنَا منها، وحسَيْنَا منْ مَرَقِهَا"

(5)

.

ولأنه نُسُك، فاستُحب الأكل منه (كأُضحية

(6)

) وله التزود والأكل كثيرًا؛ لحديث جابر.

(فإن أكلها) أي: الذبيحة هَدْيًا تطوعًا (كلها، ضَمِن المشروع

= (2/ 422) والحافظ في التلخيص الحبير (4/ 180).

(1)

سورة الحج، الآية:28.

(2)

جزء من حديث جابر الطويل أخرجه مسلم في الحج، حديث 1218.

(3)

في الحج، باب 124، حديث 1719. وأخرجه - أيضًا - مسلم في الأضاحي، باب 5، حديث 1972 (30).

(4)

علَّقه ابن حزم في "المحلى"(7/ 270) من طريق وكيع، عن ابن أبي روَّاد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ، ومعناه في صحيح مسلم، الحج، حديث 1218، عن جابر رضي الله عنه، وفي السنن الكبرى للبيهقي (5/ 240) عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: نصب الراية (3/ 160).

(6)

في "ح": "كالضحية".

ص: 422

للصدقة منها، كأُضحية) أكلها كلها، فإنه يضمن أقل ما يقع عليه الاسم، ويأتي.

(وإن فرَّق أجنبي نذرًا بلا إذن) مالكه (لم يضمن) لوقوعه موقعه.

(ولا يأكل من كل واجب) من الهدايا (ولو) كان إيجابه (بالنذر أو التعيين، إلا من دم مُتعة وقِران) نصَّ على ذلك

(1)

؛ لأن سببهما غير محظور، فأشبها هَدْي التطوع؛ ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتَّعْنَ معه في حجَّة الودَاع، وأدخلَتْ عائِشَةُ الحجَّ على العمرةِ فصارَتْ قارِنَةً، ثم ذَبَحَ عنهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم البقر فأكَلْنَ من لُحومِها

(2)

.

قال أحمد

(3)

: قد أكل من البقر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة خاصة.

(وما جاز له أكله) كأكثر هَدْي التطوع (فله هديته) لغيره، لقيام المُهدَى له مقامه (وما لا) يملك أكله، كالهَدْي الواجب غير دم تمتُّع وقِران (فلا) يملك هديته، بل يجب صرفه لفقراء الحرم؛ لتعلق حقّهم به.

(فإن فعل) أي: أكل مما لا يجوز له الأكل منه، أو أهدى منه (ضَمِنه بمثله لحمًا) لأن الجميع مضمون عليه بمثله، فكذلك أبعَاضه.

وكذا إن أعطى الجزار بأجرته شيئًا منها.

(1)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 141، 142، 164) رقم 700، 701، 824.

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 34، 115، 124، حديث 1561، 1709، 1720، وفي الجهاد، باب 105، حديث 2952، وفي الأضاحي، باب 3، حديث 5548، ومسلم في الحج، حديث 1211، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

انظر: مسائل ابن هانئ (1/ 164) رقم 824.

ص: 423

(كبيعه وإتلافه) أي: كما لو باع شيئًا من الهَدْي أو أتلفه؛ فإنه يضمنه بمثله لحمًا.

وإن أطعم منه غنيًّا على سبيل الهدية، جاز كالأُضحية.

(ويضمَنُه) أي: المتلف من الهَدْي (أجنبيٌّ بقيمته) قال في "الشرح": لأن اللحم من غير ذوات الأمثال، فضمنه

(1)

بقيمته كما لو أتلف لحمًا لآدمي معين. انتهى. وفيه نظر؛ لأنه موزون لا صناعة فيه؛ يصح فيه السَّلَم، فهو مِثْلي.

(وفي "الفصول": لو منعه الفقراءَ حتى أنتن، فعليه قيمتُه) أي: إن لم يبقَ فيه نفع، وإلا ضمن نقصه. كما في "المنتهى".

فصل

(والأُضحية) مشروعة إجماعًا

(2)

، وسنده قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}

(3)

قال جماعة من المفسرين

(4)

: المراد بذلك التضحية بعد صلاة العيد. وما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "ضَحّى بكبشين أملحينِ أقرنينِ، ذَبحهما بيدِهِ، وسَمّى وكبّرَ ووضَعَ رِجْلَهُ عَلى صِفَاحهما" متفق عليه

(5)

.

(1)

في "ح": "فيضمنه".

(2)

الإفصاح (1/ 200)، والمغني (13/ 360)، وانظر: مراتب الإجماع ص/ 247، التمهيد (23/ 188)، والاستذكار (12/ 274).

(3)

سورة الكوثر، الآية:2.

(4)

انظر: تفسير الطبري (30/ 326).

(5)

تقدم تخريجه (6/ 381)، تعليق رقم (4).

ص: 424

وهي (سُنَّة مؤكَّدة لمسلم) تام الملك؛ لحديث ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثٌ كُتِبتْ عَليَّ، وهنَّ لكم تطوُّعٌ" وفي رواية: "الوترُ، والنحْرُ، وركعتا الفجرِ" رواه الدارقطني

(1)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"من أرادَ أنْ يضَحِّي فدخَلَ العشْرُ، فلا يأخُذْ من شَعْرِهِ ولا بَشرتِهِ شيئًا" رواه مسلم

(2)

. فعلَّقه على الإرادة، والواجب لا يعلق عليها.

ولأن الأضحية ذبيحة لا يجب تفريق لحمها، فلم تكن واجبة كالعقيقة.

وأما حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له سعَةٌ؛ ولم يُضَحِّ؛ فلا يَقرَبنَّ مصَلَّانا"

(3)

، وحديث: "يا أيها النَّاسُ، إن على أهلِ

(1)

تقدم تخريجه (3/ 18) تعليق رقم (1).

(2)

في الأضاحي، حديث 1977، عن أم سلمة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه ابن ماجه في الأضاحي، باب 2، حديث 3123، وأحمد (2/ 321)، والدارقطني (4/ 285)، والحاكم (2/ 389) و (4/ 231)، وابن حزم في المحلى (7/ 357)، والبيهقي (9/ 260)، وفي شُعب الإيمان (5/ 481)، حديث 7334، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 190)، والخطيب في تاريخه (8/ 338)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 160) حديث 1668، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 224): إسناد رجاله كلهم ثقات، على أن فيه غرابة، واستنكره أحمد بن حنبل. وقال ابن الجوزي (2/ 161): حديث منكر.

وأخرجه الحاكم (4/ 232)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 191) عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا.

ورجَّح الموقوف: الترمذي - فيما حكاه عنه البيهقي (9/ 260) -، والدارقطني في العلل (10/ 305)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 191)، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 101)، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 498)، وقال الحافظ في الفتح (10/ 3): اختُلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره.

ص: 425

كل بيت في كل عامٍ أَضْحَاةً وعَتيرَةً"

(1)

فقد ضعفه

(1)

أخرجه أبو داود في الضحايا، باب 1، حديث 2788، والترمذي في الأضاحي، باب 19، حديث 1518، والنسائي في الفرع والعتيرة، باب 41، حديث 4235، وابن ماجه في الأضاحي، باب 2، حديث 3125، وأحمد (4/ 215 و 5/ 76)، وابن أبي شيبة (8/ 253)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 297) حديث 2318، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 84، 85) حديث 1058، 1059، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 91)، والطبراني في الكبير (20/ 310، 311) حديث 738، 739، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2611) حديث 6288، والبيهقي (9/ 260، 312) من طريق عامر أبي رملة، عن مخنف بن سليم رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال أبو داود: العتيرة منسوخة، هذا الخبر منسوخ.

وقال الحافظ في الفتح (10/ 4): أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي.

وقال الخطابي في معالم السنن (2/ 226): هذا الحديث ضعيف المخرج، وأبو رملة مجهول.

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (4/ 126): إسناد هذا الحديث ضعيف، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا فرع ولا عتيرة.

وضعَّفه - أيضًا - ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 577)، وابن حزم في المحلى (7/ 357).

وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/ 17): وهذا إن صح؛ فالمراد به على طريق الاستحباب، فقد جمع بينهما، والعتيرة غير واجبة بالإجماع.

وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 225): وقد تُكلِّم في إسناده.

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 342، 386) حديث 8001، 8159، والطبراني في الكبير (20/ 311) حديث 740، عن ابن جريج، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حبيب بن مخنف، عن مخنف بن سليم رضي الله عنه، مرفوعًا.

وأخرجه أحمد (5/ 76)، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 448) عن ابن جريج، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حبيب بن مخنف، فذكره ليس فيه: عن أبيه.

قلنا: وعبد الكريم بن أبي المخارق: ضعيف، كما في التقريب (4184).

وانظر: إطراف المسند المعتلي (2/ 229)، وتعجيل المنفعة (1/ 424)، والنكت =

ص: 426

أصحاب

(1)

الحديث، ثم نحمله

(2)

على تأكد

(3)

الاستحباب؛ جمعًا بين الأخبار

(4)

، كحديث:"غسْلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ محْتَلِمٍ"

(5)

، و"من أكلَ من هاتين الشجرتينِ، فلا يقرَبَنَّ مُصَلَّانا"

(6)

.

(ولو) كان المسلم (مكاتَبًا بإذن سيده) لأن منعه من التبرُّع لحق سيده، فإذا أذن فقد أسقط حقه (وبغير إذنه) أي: سيد المكاتَب (فلا) تُسن للمكاتَب (لنقصان ملكه.

ويُكره تركها) أي: الأُضحية (لقادر عليها) لحديث أبي هريرة السابق

(7)

. ومن عدمَ ما يضحّي به اقترض، وضحَّى مع القدرة على الوفاء

(8)

، ذكره في الاختيارات

(9)

، وهو قياس ما يأتي في العقيقة.

(وليست) الأُضحية (واجبة) لما سبق (إلا أن ينذرها) فتجب بالنذر؛ لحديث: "من نَذَرَ أن يُطيعَ الله، فلْيُطِعْهُ"

(10)

.

(وكانت) الأُضحية (واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم) لحديث ابن عباس

= الظراف (المطبوع بحاشية تحفة الأشراف)(8/ 368).

والعتيرة: شاة تذبح في رجب، قاله معاذ العنبري، وهو أحد رواة حديث مخنف، كما في شرح مشكل الآثار (3/ 85).

(1)

في "ح": "أهل".

(2)

في "ذ": "يحمل".

(3)

في "ح": "تأكيد".

(4)

في "ذ": "الأحاديث".

(5)

تقدم تخريجه (1/ 351)، تعليق رقم (1).

(6)

تقدم تخريجه (3/ 246)، تعليق رقم (1).

(7)

(6/ 425)، تعليق رقم (3).

(8)

في "ح": "ومن عدم ما يضحي مع القدرة على الوفاء اقترض".

(9)

(ص/ 178).

(10)

تقدم تخريجه (3/ 438) تعليق رقم (1).

ص: 427

السابق

(1)

.

(وذبحها) أي: الأُضحية (ولو عن ميت) ويفعل بها كعن حي (وذبح العقيقة أفضل من الصدقة بثمنها) وكذا الهَدْي. صرَّح به ابن القيم في "تحفة المودود"

(2)

، وابن نصر الله في "حواشيه"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى

(3)

، والخُلفاء

(4)

، ولو كانت الصدقة أفضل لعدلوا إليها. ولحديث عائشة مرفوعًا: "ما عَمِلَ ابنُ آدمَ يومَ النحْر عملًا أحبَّ إلى الله من إراقَةِ دَمٍ، وإنَّه ليأتي يومَ القيامةِ بقُرُونها وأظْلافِها وأشْعارِها،

(1)

(3/ 18)، تعليق رقم (1).

(2)

(ص/ 112).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 381)، تعليق رقم (4).

(4)

لم نجده إلا عن علي رضي الله عنه، أخرجه أبو داود في الضحايا، باب 2، حديث 2790، والترمذي في الأضاحي، باب 3، حديث 1495، وفي العلل الكبير ص/ 244، حديث 442، وابن أبي شيبة (7/ 291، 10/ 176)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1/ 149، 150)، وأبو يعلى (1/ 355) حديث 459، وابن عدي (2/ 844)، والحاكم (4/ 229)، والبيهقي (9/ 288).

وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وقال البيهقي: تفرد به شريك، وهو إن ثبت يدل على جواز التضحية عمن خرج من دار الدنيا من المسلمين.

وأخرج عبد الرزاق (4/ 381) رقم 8137 عن حنش، أن عليًا ضحى بكبشين.

وأما عن البقية من الخلفاء فلم نجد من أخرجه. بل روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عكس ذلك، فقد روى عبد الرزاق (4/ 381) وفي 8139، والطحاوي (4/ 174)، والبيهقي (9/ 265) عن أبي سريحة الغفاري رضي الله عنه قال: أدركت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان، كراهية أن يقتدى بهما.

وأخرجه أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 337) رقم 5493، والطبراني في الكبير (3/ 182) رقم 3058، والبيهقي (9/ 265) عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه.

وصححه ابن حزم في المحلى (7/ 19، 358)، والحافظ في الدراية (2/ 215)، وانظر علل الدارقطني (1/ 286).

ص: 428

وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أنْ يَقَعَ على الأرض، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا" رواه ابن ماجه

(1)

.

ولأن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترْك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال في "الشرح" و"شرح المنتهى": وما رُوي عن عائشة من قولها: "لأنْ أتصَدَّقَ بخاتمِي هذا أحَبُّ إليَّ منْ أنْ أُهْدِي إلى البيتِ ألْفًا"

(2)

فهو في الهَدْي لا في الأُضحية. انتهى. وفيه نظر؛ إذ الهَدْي كالأُضحية، كما تقدم عن ابن القيم وغيره، فالأَولى أن يُجاب عن الأثر بأن الموقوف لا يُعارض المرفوع.

(1)

في الأضاحي، باب 3، حديث 3126. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الأضاحي، باب 1، حديث 1493، وابن حبان في المجروحين (3/ 151)، والحاكم (4/ 221 - 222)، والبيهقي (9/ 261)، وفي شعب الإيمان (5/ 480) حديث 7333، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 78) رقم 936، والمزي في تهذيب الكمال (34/ 253)، من طريق أبي المثنى سليمان بن يزيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال في العلل الكبير (2/ 638): سألت محمدًا [أي: البخاري] عن حديث أبي المثنى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها فقال: هو حديث مرسل، لم يسمع أبو المثنى من هشام بن عروة. وقال ابن حبان: أبو المثنى لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا للاعتبار. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح. وضعَّفه المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 98).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: سليمان واه، وبعضهم تركه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 358 مع الفيض) ورمز لحسنه.

(2)

أخرجه مسدد، كما في المطالب العالية (1/ 380) رقم 987، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 30، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 655).

قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (3/ 34): رجاله ثقات.

ص: 429

(و‌

‌لا يُضحَّى عمَّا في البطن)

رُوي عن ابن عمر

(1)

؛ لأنه لا تثبت له أحكام الدنيا، إلا في الإرث والوصية، لكن يقال: قد تقدم أنه يُسن إخراج الفِطرة عنه، إلا أن يُقال ذلك لفعل عثمان

(2)

، ولأن القصد من زكاة الفطرة الطُّهرة، وما هنا على الأصل.

(ومن بعضُه حرٌّ إذا ملك بجزئه الحرِّ) ما يضحِّي به (فله أن يضحِّي بغير إذن سيده) لأن ملكه تام على ما ملكه بجزئه الحرِّ.

(والسُّنة أكل ثلثها، وإهداء ثلثها، ولو لغني، ولا يجبان) أي: الأكل والإهداء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "نَحَرَ خمسَ بدَنَاتٍ، وقال: من شاءَ فليقتَطِعْ"

(3)

، ولم يأكُلْ منهُنَّ شيئًا، ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله، فلم يجب الأكل منها، كالعقيقة، فيكون الأمر للاستحباب.

(ويجوز الإهداء منها) أي: الأُضحية (لكافر، أن كانت تطوعًا) قال أحمد

(4)

: نحن نذهب إلى حديث عبد الله، يأكُلُ هو الثُّلُثَ، ويطْعِمُ مَنْ أرادَ الثُّلثَ، ويتصدقُ بالثُّلُثِ على المساكين. قال علقمة: "بعثَ مَعِي عبد الله بهديَّةٍ، فأمَرَني أن آكُلَ ثلثًا، وأَن أُرسِلَ إلى أهْل أخِيه بثلث

(5)

، وأن أتصدَّق بثُلث"

(6)

فإن كانت واجبة لم يعطِ منها الكافر

(1)

أخرج مالك في الموطأ (2/ 487)، والبيهقي (9/ 288) عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان لا يضحي عما في بطن المرأة.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 63) تعليق رقم (3).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 398)، تعليق رقم (2).

(4)

انظر: مسائل عبد الله (3/ 862) رقم 1155، وحديث عبد الله تقدم (6/ 422) تعليق رقم (4).

(5)

في "ذ": "وأن أرسل ثلثًا إلى أهل أخيه".

(6)

أخرجه أبو يوسف في الآثار ص/ 126، رقم 582، وعبد الرزاق، كما في المحلى (7/ 270)، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص/ 152، والطبراني في الكبير =

ص: 430

شيئًا، كالزكاة والكفَّارة.

(والصدقة بثلثها، ولو كانت) الأُضحية (منذورة أو معينة) لحديث ابن عباس في صفة أُضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويطعِمُ أهْلَ بيتِه الثُّلثَ، ويطْعِمُ فقَراءَ جِيرانِه الثلثَ، ويتصدَّقُ عَلى السُّؤَّالِ بالثلُثِ". رواه الحافظ أبو موسى

(1)

في "الوظائف"، وقال: حديث حسن. وهو قول ابن مسعود

(2)

وابن عمر

(3)

، ولا يُعرف لهما مخالف من الصحابة. ولقوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}

(4)

والقانع: السائل، يقال: قنع قنوعًا إذا سأل. والمعتر: الذي يعتريك، أي: يتعرض لك لتطعمه، ولا يسأل. فذكر ثلاثة أصناف، ومطلق الإضافة يقتضي التسوية، فينبغي أن تقسم بينهم أثلاثًا.

(ويُستحبُّ أن يتصدق بأفضلها) لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}

(5)

(و) أن (يُهدي الوسط، ويأكل

(6)

الأدون) ذكره بعضهم.

(وكان من شعار الصالحين: تناول لقمة من الأُضحية من كبدها،

= (9/ 342) حديث 9702، والبيهقي (5/ 240)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 228): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

(1)

هو محمد بن عمر بن أحمد الحافظ أبو موسى ابن المديني الأصبهاني، الشافعي، صاحب التصانيف، منها كتابه "الوظائف" توفي سنة 581 هـ رحمه الله. انظر: طبقات الشافعية الكبرى (6/ 160 - 163) وكتابه "الوظائف" لم يطبع، ولم نقف على من أخرج هذا الحديث مسندًا.

(2)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة تعليق رقم (6).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 422)، تعليق رقم (4).

(4)

سورة الحج، الآية:36.

(5)

سورة البقرة، الآية:266.

(6)

في "ذ": "وأن يأكل".

ص: 431

أو غيرها؛ تبركًا) وخروجًا من خلاف من أوجب الأكل.

(وإن كانت) الأُضحية (ليتيم، فلا يتصدق المولى عنه) منها بشيء (ولا يُهدي منها شيئًا، ويأتي في الحَجْر، ويوفِّرها له) لأنه ممنوع من التبرع من ماله (وكذا المُكاتَب لا يتبرع منها بشيء) إلا بإذن سيده، لما سبق.

(فإن أكل أكثر) الأُضحية (أو أهدى أكثر) ها (أو أكلها كلها) إلا أوقية تصدق بها جاز (أو أهداها كلها إلا أوقية تصدق بها، جاز؛ لأنه يجب الصدقة ببعضها نِيْئًا على فقير مسلم) لعموم: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}

(1)

.

(فإن لم يتصدق بشيء) نِيْءٍ منها (ضمن أقل ما يقع عليه الاسم) كالأوقية (بمثله لحمًا) لأن ما أُبيح له أكله لا تلزمه غرامته، ويلزمه غرم ما وجبت الصدقة به؛ لأنه حق يجب عليه أداؤه مع بقائه، فلزمته

(2)

غرامته إذا أتلفه كالوديعة.

(ويعتبر تمليك الفقير) كالزكاة والكفَّارة (فلا يكفي إطعامه) لأنه إباحة.

(ومن أراد التضحية) أي: ذبح الأُضحية (فدخل العشر، حَرُم عليه وعلى من يضحي عنه أخذُ شيء من شعره وظفره وبشرته إلى الذبح، ولو بواحدة لمن يضحي بأكثر) لحديث أم سلمة مرفوعًا: "إذا دخلَ العشْرُ وأرَادَ أحدُكم أنْ يُضَحِّيَ، فلا يَأخُذْ من شَعْرِه، ولا من أظفاره شيئًا حتى يُضَحِّي" رواه مسلم

(3)

، وفي رواية له: "ولا من

(1)

سورة الحج، الآية:36.

(2)

في "ح": "فلزمه".

(3)

في الأضاحي، حديث 1977 (42).

ص: 432

بشره"

(1)

.

وأما حديث عائشة: "كنت أفتلُ قلائِدَ هَدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يُقَلِّدُهَا بِيَده، ثم يَبْعَثُ بها، ولا يحرمُ عليه شيءٌ: أحلَّه الله له، حتى يَنْحَرَ الهَدْيَ" متفق عليه

(2)

، أُجيب عنه بأنه في إرسال الهَدْي لا في التضحية.

وأيضًا: فحديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص، فيُحمل العام عليه.

وأيضًا: فحديث أم سلمة من قوله، وحديث عائشة من فِعْله، وقوله مقدَّم على فِعْله؛ لاحتمال الخصوصية.

(فإن فعل) أي: أخذ شيئًا من شعره أو ظفره أو بشره

(3)

(تاب) إلى الله تعالى؛ لوجوب التوبة مِن كل ذنب. قلت: وهذا إذا كان لغير ضرورة، وإلا، فلا إثم كالمُحْرم وأَولى (ولا فِدية عليه) إجماعًا

(4)

، سواء فعله عمدًا أو سهوًا.

(ويُستحبُّ حَلْقُه بعد الذبح) قال أحمد

(5)

: على ما فعل ابن عمر

(6)

؛ تعظيمًا لذلك اليوم، ولأنه كان ممنوعًا من ذلك قبل أن يضحي، فاستُحب له ذلك بعده كالمُحْرم.

(ولو أوجبها) بنذر أو تعيين (ثم مات قبله أو بعد

(1)

في الأضاحي، حديث 1977 (39).

(2)

أخرجه البخاري في الحج، باب 109، حديث 1700، ومسلم في الحج، حديث 1321 (369).

(3)

في "ح" و"ذ": "بشرته".

(4)

المغني (13/ 363).

(5)

الفروع (3/ 555)، والمبدع (3/ 300).

(6)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 483)، ومن طريقه البيهقي (9/ 288).

ص: 433

الذبح

(1)

، قام وارثه مقامه) في الأكل والإهداء والصدقة كسائر حقوقه (ولا تُباع في دَينه، وتقدم قريبًا

(2)

.

ونُسِخَ تحريمُ ادِّخار لحمها) أي: الأُضحية (فوق ثلاث؛ فيدَّخر ما شاء) لحديث مسلم: "كنتُ نهيتُكُمْ عن ادِّخَار لُحُوم الأضَاحي فوقَ ثلاث، فأمْسِكُوا ما بدا لكم"

(3)

وحديث عائشة: "إنما نهيتكم للدافَّة التي دفَّت، فكلوا وتَزَوَّدُوا وتصَدَّقُوا، وادَّخِرُوا"

(4)

.

ولم يُجِزْ ذلك علي

(5)

وابن عمر

(6)

؛ لأنه لم تبلغهما الرُّخصة.

(قال الشيخ

(7)

: إلا زمن مجاعة) لأنه سبب تحريم الادخار.

(وقال

(7)

:‌

‌ الأُضحية من النفقة بالمعروف،

فتضحّي المرأة من مال زوجها عن أهل البيت بلا إذنه) عند غيبته، أو امتناعه، كالنفقة عليهم.

(و) يضحّي (مَدين لم يطالبه ربُّ الدَّين) ولعل المراد: إذا لم يضرَّ به.

(1)

في "ح" و"ذ": "ثم مات قبل الذبح أو بعده"، وكذا في الإقناع (2/ 53).

(2)

(6/ 407، 410).

(3)

مسلم في الأضاحي، حديث 1977 (37) عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

(4)

أخرجه مسلم في الأضاحي، حديث 1971، وليس فيه لفط:"وتزودوا"، إنما هو في حديث جابر بعده برقم 1972.

(5)

أخرج ابن أبي شيبة (4/ 57) عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يأكل أحد من أضحيته فوق ثلاث. وأخرج البخاري في الأضاحي، باب 16، حديث 5573، ومسلم في الأضاحي، حديث 1969، عنه رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث.

(6)

مسلم في الأضاحي، حديث 1970 (27)، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث. قال سالم: فكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث. هذا لفظ مسلم.

(7)

الاختيارات الفقهية ص/ 178.

ص: 434

(و‌

‌لا يعتبر التمليك في العقيقة)

لأنها لسرور حادث، فتشبه الوليمة، بخلاف الهَدي والأضحية.

فصل

(والعَقيقَة، وهي النَّسيكة، وهي التي تذبح عن المولود) قال أبو عُبيد

(1)

: الأصل في العقيقة: الشعر الذي على المولود وجمعها عقائق. ثم إن العرب سمَّت الذبيحة عند حَلْق شعر المولود عقيقة، على عادتهم في تسمية الشيء باسم سببه، أو ما يجاوره. ثم اشتهر ذلك، حتى صار من الأسماء العُرفية، بحيث لا يُفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة.

وقال ابن عبد البر

(2)

: أنكر أحمد هذا التفسير، وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه، ووجهه: أن أصل العقِّ القطعُ، ومنه: عقَّ والديه، إذا قطعهما. والذبح قطع الحلقوم والمريء والودجين. انتهى.

وقيل: العقيقة: الطعام الذي يُصنع ويُدعى إليه من أجل المولود.

(سُنَّةٌ مؤكَّدة على الأب، غنيًا كان الوالد أو فقيرًا) قال أحمد

(3)

: العقيقة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد عقَّ عن الحسن والحسين

(4)

، وفعله

(1)

غريب الحديث (2/ 284).

(2)

التمهيد (4/ 310)، والاستذكار (15/ 369).

(3)

انظر مسائل صالح (2/ 211، 212) رقم 783، ومسائل ابن هانئ (2/ 130) رقم (1736).

(4)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: =

ص: 435

أصحابه. وقال صلى الله عليه وسلم: "الغلام مُرْتَهنٌ بعَقِيقَتِه"،

= أ - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. أخرجه أبو داود في الأضاحي، باب 21، حديث 2841، والنسائي في العقيقة، باب 4، حديث 4230، وفي الكبرى (3/ 76) حديث 4545، وابن طهمان في مشيخته ص/ 109 حديث 53، وابن أبي الدنيا في العيال (1/ 186) حديث 46، وابن الجارود (3/ 192) حديث 911، 912، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 66) حديث 1039، وابن الأعرابي في معجمه (2/ 820) حديث 1680، 1681، والطبراني في الكبير (3/ 28، 11/ 247) حديث 2567، 2568، 2569، 11838، وفي الأوسط (9/ 10) حديث 8014، وابن حزم في المحلى (7/ 530، 531)، والبيهقي (9/ 299، 302) وابن عبد البر في التمهيد (4/ 314)، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا. وفي لفظ: كبشين كبشين.

وصحَّحه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (4/ 141)، وابن دقيق العبد في الاقتراح ص/ 371، وابن حزم في المحلى (7/ 530).

وأخرجه عبد الرزاق (4/ 330) حديث 7962، وابن أبي شيبة (8/ 235) عن عكرمة، مرسلًا.

ورجحه أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (2/ 49).

ب - أنس رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 73) حديث 1235، وابن أبي الدنيا في العيال (1/ 187) حديث 47، وأبو يعلى (5/ 323) حديث 2945، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 66) حديث 1038، وابن حبان "الإحسان"(12/ 125) حديث 5309، والطبراني في الأوسط (2/ 523) حديث 1899، وابن عدي (2/ 550)، وابن حزم في المحلى (7/ 530)، والبيهقي (9/ 299)، والضياء في المختارة (7/ 84 - 85) حديث 2488 - 2490، من طريق ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين بكبشين.

وصححه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (4/ 142)، وابن حزم.

وأعلَّه أبو حاتم الرازي، فقال: أخطأ جرير في هذا الحديث، إنما هو: قتادة، عن عكرمة قال: عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

مرسل. انظر العلل لابنه (2/ 49).

جـ - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 234)، وابن أبي =

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الدنيا في العيال (1/ 188) حديث 48، وأبو يعلى (3/ 441) حديث 1933، والطبراني في الكبير (3/ 29) حديث 2573. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 57): رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات. وحسَّن إسناده البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (5/ 327).

وأخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 363) حديث 6704، وابن عدي (3/ 1074)، والبيهقي (8/ 324)، وزادوا: وختَنهما لسبعة أيام. وأعله الطبراني بانفراد زهير بن محمد بهذه الزيادة.

د - بُريدة بن الحُصَيب رضي الله عنه: أخرجه النسائي في العقيقة، باب 1، حديث 4224، وفي الكبرى (3/ 75) حديث 4539، وابن أبي شيبة (8/ 234)، وأحمد (5/ 355، 361)، وابن أبي الدنيا في العيال (1/ 192) حديث 52، والطبراني في الكبير (3/ 29) حديث 2574، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 236) من طريق الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بُريدة، عن بُريدة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين.

وصحَّح إسناده البوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة (7/ 97)، والحافظ في التلخيص الحبير (4/ 147).

قال الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 301): ما أنكر حديث حسين بن واقد وأبي المُنيب، عن ابن بُريدة.

وقال أبو حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل لابنه (5/ 13): عبد الله بن بُريدة الذي روى عنه حسين بن واقد ما أنكرها. يعني الأحاديث التي رواها حسين عنه.

هـ - عائشة رضي الله عنها: أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 74) حديث 1051، وابن حبان (12/ 127) حديث 5311، وابن عدي (6/ 2231)، والحاكم (4/ 237)، والبيهقي (9/ 299) عن عائشة رضي الله عنها قالت: عقَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين يوم السابع، وسمَّاهما، وأمر أن يُماطَ عن رأسه الأذى.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصحَّح إسنادَه الحافظُ في الفتح (9/ 589)، وقال في التلخيص الحبير (4/ 147): وصحَّحه ابن السكن.

وقال البيهقي: ليس بمحفوظ.

وأخرجه أبو يعلى (8/ 17) حديث 4521، والبيهقي (9/ 303) بلفظ: عقَّ رسول =

ص: 437

وهو إسناد جيد عن أبي هريرة مرفوعًا

(1)

. ومن جعلها من أمر الجاهلية، فلأنه لم يبلغه ما ورد فيها من الأحاديث.

(عن الغلام شاتان متقاربتان سِنًّا وشبهًا) لما روت أُمُّ كُرْزٍ الكعبية، قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عَن الغلام شاتان متكافِئتان، وعن الجاريةِ شاةٌ" وفي لفظ: "عن الغلام شاتان". وفي لفظ: "عن الغلامِ شاتانِ مِثلانِ، وعن الجاريةِ شاةٌ" رواه أبو داود

(2)

.

= الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين شاتين شاتين يوم السابع، وأمر أن يُماط عن رأسه الأذى.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 58): رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجاله رجال الصحيح، خلا شيخ أبي يعلى إسحاق، فإني لم أعرفه.

(1)

أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 73) حديث 1236، قال الحافظ ين حجر في الفتح (9/ 593): رجاله ثقات.

وله شاهد من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه يأتي تخريجه (6/ 441) تعليق رقم (2).

(2)

في الأضاحي، باب 21، حديث 2834 - 2836. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الأضاحي، باب 17، حديث 1516، والنسائي في العقيقة، باب 2، 3، حديث 4226 - 4229، وفي الكبرى (3/ 76) حديث 4541، وابن ماجه في الذبائح، باب 1، حديث 3162، والشافعي في السنن المأثورة ص/ 410، حديث 596، 597، وعبد الرزاق (4/ 327، 328) حديث 7953، 7954، والحميدي (1/ 166 - 167) حديث 345، 346، وابن سعد (8/ 294 - 295)، وابن أبي شيبة (8/ 237 و 14/ 222)، إسحاق بن راهويه (5/ 159 - 161) حديث 2279 - 2282، وأحمد (6/ 381، 422)، والدارمي في الأضاحي، باب 9، حديث 1966، 1968، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 71) حديث 2861، وابن أبي الدنيا في العيال (1/ 183، 197) حديث 44، 57، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 68 - 71) حديث 3278 - 3283، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 67 - 70) حديث 1040، 1041، 1043، 1045، وابن حبان "الإحسان" (12/ 128 - 129) رقم 5312، 5313، والطبراني في الكبير (25/ 164 - 165) حديث 398 - 406، وفي الأوسط (7/ 428) حديث 6832، وابن جميع في معجمه ص/ 301، والحاكم (4/ 237 - 238)، وابن حزم في المحلى (7/ 524)، والبيهقي (9/ 300)، وفي =

ص: 438

(فإن تعذَّر) تا، أي: الشاتان عن الغلام (فـ) ــشاة (واحدة) لحديث: "إذا أمرْتكم بأمْرٍ فائْتُوا مِنه مَا اسْتَطَعتم"

(1)

.

(فإن لم يكن عنده ما يَعُقُّ، اقترض) وعقَّ (قال) الإمام (أحمد

(2)

: أرجو أن يُخْلِفَ الله عليه) أحيا سُنَّة. قال ابن المنذر

(3)

: صدق أحمد، إحياء السُّنن واتباعها أفضل.

(قال الشيخ

(4)

: محله لمن له وفاء) وإلا فلا يقترض؛ لأنه إضرار بنفْسه وغريمه.

(و‌

‌لا يَعُقُّ غير الأب)

قال الحافظ ابن حجر في "شرح البخاري"

(5)

: وعن الحنابلة يتعيَّن الأب، إلا أن يتعذر بموت أو امتناع. انتهى. قلت: وما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم عَقَّ عن الحسن والحسين

(6)

؛ فلأنه أَولى بالمؤمنين من أنفسهم.

= شعب الإيمان (6/ 391) حديث 8622، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 315)، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (1/ 212) حديث 110، والبغوي في شرح السنة (11/ 265) حديث 2818، وابن الأثير في أسد الغابة (7/ 382 - 383).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وصحَّحه النووي في المجموع (8/ 344)، وابن القيم في تحفة المودود ص/ 113.

(1)

تقدم تخريجه (1/ 420)، تعليق رقم (2).

(2)

مسائل صالح (3/ 210 - 211) رقم 783، والجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 103، 119.

(3)

لم تقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة، وانظر: المغني (13/ 395).

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 178.

(5)

فتح الباري (9/ 595).

(6)

تقدم تخريجه (6/ 435)، تعليق رقم (4).

ص: 439

(ولا) يَعقُّ (المولود عن نفسه إذا كبر) نصَّ عليه

(1)

؛ لأنها مشروعة في حق الأب، فلا يفعلها غيره كالأجنبي (فإن فَعَل) أي: عقَّ غير الأب، والمولودُ عن نفسه بعد أن كبر (لم يكره) ذلك (فيهما) لعدم الدليل عليها. قلت: لكن ليس لها حكم العقيقة.

(واختار جَمْعٌ: يعقُّ عن نفسه) استحبابًا إذا لم يعقَّ عنه أبوه، منهم صاحب "المستوعب"، و"الروضة"، و"الرعايتين"، و"الحاويين"، و"النظم". قال في "الرعاية": تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم

(2)

. ومعناه في "المستوعب"، وهو قول عطاء والحسن؛ لأنها مشروعة عنه؛ ولأنه مرتهن بها، فينبغي أن يُشرع له فكاك نفسه.

(وقال الشيخ

(3)

: يعقُّ عن اليتيم) أي: من ماله (كالأُضحية وأَولى) لأنه مرتهن بها، بخلاف الأُضحية.

(1)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 104، 143.

(2)

أخرج عبد الرزاق (4/ 329) حديث 7960، وابن المديني في العلل ص/ 57، والبزار (3/ 74) حديث 1237، والروياني في مسنده (2/ 386) حديث 1371، وابن حبان في المجروحين (2/ 33)، وابن عدي (4/ 1452)، والبيهقي (9/ 300)، من طريق عبد الله بن محرَّر، عن قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعدما بُعث نبيًّا.

قال البزار: تفرَّد به عبد الله بن محرَّر، وهو ضعيف جدًا. وقال ابن عدي (4/ 1451): حدثنا الجنيدي، حدثنا البخاري قال: عبد الله بن محرَّر العامري الجزري عن قتادة منكر الحديث. وقال البيهقي: هذا حديث منكر

وروي من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه آخر عن أنس وليس بشيء. ونقل عن عبد الرزاق قوله: إنما تركوا عبد الله بن محرَّر لحال هذا الحديث. وقال النووي في المجموع (8/ 348): هذا حديث باطل. وضعَّفه الحافظ في الفتح (9/ 595).

(3)

انظر: مجموع الفتاوى (36/ 305)، قال: يضحى عن اليتيم من ماله.

ص: 440

(وعن الجارية شاة) لما تقدم

(1)

.

(تُذبح يوم سابعه من ميلاده) لحديث سَمُرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ غُلامٍ رهِينَةٌ بعقيقتهِ، تذبحُ عنه يوم سَابعِهِ، ويُسمَّى فيه، ويحلَقُ رأسُه". رواه أهل السُّنن كلهم

(2)

. وقال الترمذي: حسن صحيح (قال في "المستوعب" و"عيون المسائل": ضحوة النهار) لعله تفاؤلًا.

(ويجوز ذبحها قبل السابع) قال في "تحفة المودود في أحكام المولود"

(3)

: والظاهر أن التقييد بذلك، أي: بالسابع ونحوه،

(1)

(6/ 438).

(2)

أبو داود في الأضاحي، باب 21، حديث 2838، والترمذي في الأضاحي، باب 23، حديث 1522، والنسائي في العقيقة، باب 5، حديث 4231، 4232، وفي الكبرى (3/ 77) حديث 4546، وابن ماجه في الذبائح، باب 1، حديث 3165. وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 123، حديث 909، وابن أبي شيبة (8/ 236، 14/ 222)، وأحمد (5/ 7، 12، 22)، وابن أبي الدنيا في العيال (1/ 216، 217) حديث 216، 217، وابن الجارود (3/ 191) حديث 910، والطحاوى في شرح مشكل الآثار (3/ 60، 61) حديث 1032، 1033، والطبراني في الكبير (7/ 201) حديث 6829 - 6832، والحاكم (4/ 237)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 191)، والبيهقي (9/ 299)، وفي شعب الإيمان (6/ 392) حديث 8630، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 307)، وفي الاستذكار (15/ 372).

قال الترمذي: هنا حديث حسن صحيح. وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح.

وفي رواية لأبي داود حديث 2837، وأحمد (5/ 17، 22)، والدارمي في الأضاحي باب 9، حديث 1975:"يُدَمّى"، بدل "يُسَمَّى".

قال أبو داود: وهذا وهم. انظر سنن أبي داود (3/ 260)، والمحلى لابن حزم (7/ 525)، وفتح الباري (9/ 593)، والاستذكار (15/ 382).

(3)

ص/ 110.

ص: 441

استحباب، وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر، أو ما بعده أجزأت. والاعتبار بالذبح لا بيوم الطبخ والأكل.

(ولا تجزئ قبل الولادة) كالكفَّارة قبل اليمين؛ لتقدمها على سببها.

(وإن عَقَّ ببَدَنة، أو بقرة، لم تجزئه إلا كاملة، فلا يجزئ فيها شرك في دم) أي: في بَدَنة أو بقرة. نصَّ عليه

(1)

. لعدم وروده.

قال في "النهاية": وأفضله شاة (وينويها عقيقة) لحديث: "إنَّما الأعمالُ بالنِّياتِ"

(2)

.

(ويُسمَّى) المولود (فيه) أي: في اليوم السابع، لحديث سَمُرة، وتقدم

(3)

. (والتسمية للأب) فلا يُسمِّيه غيره مع وجوده.

(وفي "الرعاية": يُسمَّى يوم الولادة) لحديث مسلم في قصة ولادة إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم: "وُلِدَ لي الليلة مولودٌ فسمَّيْتُهُ باسْمِ أبي إبراهيمَ"

(4)

.

(ويُسن أن يُحسِن اسمه) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تُدْعونَ يومَ القيامةِ بأسمائِكُم وأسماء آبائِكُم فأحْسِنوا أسماءَكُم" رواه أبو داود

(5)

.

(1)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 135.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 193)، تعليق رقم (2).

(3)

تقدم تخريجه (6/ 441)، تعليق رقم (2).

(4)

مسلم في الفضائل، حديث 2315، وفيه "غلام" بدل "مولود".

(5)

في الأدب، باب 69، حديث 4948. وأخرجه - أيضًا - أحمد (5/ 194)، وعبد بن حميد (1/ 217) حديث 213، والدارمي في الاستئذان، باب 59، حديث 2694، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 218) حديث 2503، وابن حبان "الإحسان" (13/ 135) حديث 5818، وأبو نعيم في الحلية (5/ 152)، والبيهقي (9/ 306)، وفي شعب الإيمان (6/ 393) حديث 8633، والبغوي في شرح السنة (12/ 327) حديث 3360، وابن عساكر في تاريخه (17/ 169) =

ص: 442

(و‌

‌أحب الأسماء إلى الله:

عبد الله، وعبد الرحمن) رواه مسلم مرفوعًا

(1)

.

(وكل ما أُضيف إلى) اسم من أسماء (الله) تعالى (فَحَسن) كعبد الرحيم، وعبد الرزاق، وعبد الخالق، ونحوها.

(وكذا أسماء الأنبياء) كإبراهيم، ونوح، ومحمد، وصالح، وشبهها؛ لحديث: "تسمَّوا باسْمِي، ولا تكنَّوا

(2)

بكُنيتي"

(3)

. وروى أبو نعيم: "قال الله تعالى: وعزَّتِي وجلالي لا عذَّبْتُ أحَدًا يسَمّى باسْمِكَ في النَّارِ"

(4)

.

(وتجوز التسمية بأكثر من اسم واحد، كما يُوضع اسم) وهو ما ليس كنية، ولا لقبًا (وكنية) وهي ما صُدِّر

(5)

بأب، وأم (ولقب) وهو ما أَشْعر بمدح، كزين العابدين، أو ذم، كبطة (والاقتصار على اسم واحد أَولى) لفعله صلى الله عليه وسلم في أولاده.

= (27/ 111) من طريق عبد الله بن أبي زكريا، عن أبي الدرداء رضي الله عنه. قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (1/ 40)، والسخاوي في المقاصد الحسنة ص/ 207: إسناده جيد. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 553 مع الفيض) ورمز لحسنه. وقال أبو داود: ابن أبي زكريا لم يُدرك أبا الدرداء. وأعلّه بالانقطاع - أيضًا - البيهقي، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 697)، والحافظ في الفتح (10/ 577).

(1)

في الآداب، حديث 2132 عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

في "ح": "ولا تكتنوا" وهو موافق لرواية البخاري.

(3)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 49، حديث 2120، 2121، وفي المناقب، باب 20، حديث 3537. ومسلم في الآداب، حديث 2131، عن أنس رضي الله عنه.

(4)

لم نقف عليه في مظانه من كتب أبي نعيم المطبوعة، وأورده الملا علي القاري في الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة ص/ 193، حديث 192، والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 468 - 469). وعزواه - أيضًا - إلى أبي نعيم.

(5)

في "ح" و"ذ": "ما صُدِّرت".

ص: 443

(ويُكره) من الأسماء: (حَرْب، ومُرَّة، وحَزْن، ونافع، ويسار، وأفلح، ونَجيح، وبَرَكة، ويعلى، ومُقبل، ورافع، ورباح، والعاصي، وشِهاب، والمضطجع، ونبي، ونحوها) كرسول.

(وكذا ما فيه تزكية؛ كالتقي، والزكي، والأشرف، والأفضل، وبَرَّة. قال القاضي: وكل ما فيه تفخيم، أو تعظيم).

قال ابن هُبيرة في حديث سَمُرة: "لا تُسَمِّ غلامَكَ يَسارًا، ولا رَبَاحًا، ولا نَجيحًا، ولا أفْلَحَ؛ فإنكَ تقولُ: أثَمَّ هوَ؟ فلا يكون، فتقول: لَا"

(1)

فربما كان طريقًا إلى التشاؤم، والتطير، فالنهي يتناول ما يَطْرُقُ

(2)

الطيرة إلا أن ذلك لا يحرم؛ لحديث عمر: "أنَّ الآذِنَ على مشْرَبَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ يقالُ له: ربَاحٌ"

(3)

.

(ويَحرم

(4)

) التسمية (بملك الأملاك، ونحوه) مما يوازي أسماء الله؛ كسلطان السلاطين، وشاهٍ شاه؛ لما روى أحمد:"اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ على رَجُلٍ تَسَمَّى مَلكَ الأمْلاكِ، لَا مَلِكَ إلَّا الله"

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم في الآداب، حديث 2137.

(2)

في "ذ": "ما تطرقه".

(3)

أخرجه مسلم في الطلاق، حديث 1479.

(4)

في "ذ": "وتحرم".

(5)

أحمد (2/ 493). وأخرجه - أيضًا - إسحاق بن راهويه في مسنده (1/ 433) حديث 501، والحاكم (4/ 275)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 316)، والبغوي في شرح السنة (12/ 337) حديث 3371، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري في الأدب، باب 114، حديث 6205، 6206، ومسلم في الآداب، حديث 2143، وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الأملاك. وفي لفظ لمسلم: أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه، وأغيظه عليه: رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله.

ص: 444

(و) يَحرم - أيضًا - التسمية (بما لا يليق إلا بالله، كقدوس، والبَرِّ، وخالق، ورحمان) لأن معنى ذلك لا يليق بغيره تعالى.

(ولا يُكره) أن يُسمَّى (بجبريل) ونحوه من أسماء الملائكة (وياسين) قلت: ومثله طه، خلافًا لمالك

(1)

، فقد كَرِه التسمية بهما.

وقال ابن القيم في "التحفة"

(2)

: ومما يُمنع التسمية بأسماء القرآن، وسوره مثل:"طه"، و"يس"، و"حَم". وقد نصَّ مالك على كراهة التسمية بـ "يس". ذكره السُّهيلي. وأما ما يذكره العوام: أن "يس" و"طه" من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، فغير صحيح، ليس ذلك في حديث صحيح، ولا حسن، ولا مرسل، ولا أثر عن صاحب، وإنما هذه الحروف مثل:"الم" و"حم" و"الر" ونحوها انتهى. - لكن قال العلامة

(3)

في تفسيره في سورة طه

(4)

: وقيل: هو اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم سمَّاه الله به، كما سمَّاه محمدًا. رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لي عَشَرةُ أسْمَاءٍ فذكَرَ منها: طَهَ ويَس"

(5)

. انتهى. وعليه فلا تمتنع التسمية بهما. وقال ابن القيم

(6)

أيضًا: لا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر.

(1)

انظر: منح الجليل شرح مختصر خليل (1/ 621)، والفواكه الدواني (1/ 461).

(2)

تحفة المودود بأحكام المولود ص/ 215 - 216.

(3)

في "ح": "العلاني"، وفي "ذ":"العلائي"، ولعل الصواب: القرطبي.

(4)

تفسير القرطبي (11/ 166).

(5)

أخرجه ابن عدي (3/ 1273)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (1/ 61) حديث 20، وابن عساكر في تاريخه (3/ 28) وفي سنده سيف بن وهب، قال الذهبي فيه في المغني (1/ 293): قال النسائي: ليس هو بثقة، وضعفه أحمد. وذكره السيوطي في الدر المنثور (5/ 551) وعزاه لابن مردويه.

(6)

تحفة المودود ص/ 211.

ص: 445

(قال ابن حزم

(1)

: اتفقوا على تحريم كل اسم مُعبَّد لغير الله) تعالى (كعبد العزَّى، وعبد عمر، وعبد علي، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك. انتهى. ومثله عبد النبي، وعبد الحسين، كعبد المسيح.

قال ابن القيم

(2)

: و) أما (قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا ابن عبد المطلب

(3)

". فليس من باب إنشاء التسمية، بل من باب الإخبار بالاسم الذي عُرف به المُسمَّى، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المُسمَّى لا يحرم، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء.

قال

(4)

: وقد كان جماعة من أهل الدِّين يتورَّعون عن إطلاق قاضي القُضاة، وحاكم الحكام) قياسًا على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك (وهذا محض القياس.

قال

(4)

: وكذلك تحريم التسمية بسيد الناس، وسيد الكُلِّ، كما يَحرم بسيد ولد آدم. انتهى) لأنه لا يليق إلا به صلى الله عليه وسلم

(5)

.

(1)

مراتب الإجماع ص/ 249.

(2)

تحفة المودود ص/ 189.

(3)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 52، 61، 167، حديث 2864، 2874، 3042، وفي المغازي، باب 54، حديث 4315 - 4316، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1776، عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

(4)

تحفة المودود ص/ 190.

(5)

أخرج البخاري في الأنبياء، باب 3، حديث 3340، وفي التفسير: سورة الإسراء، باب 5، حديث 4712، ومسلم في الإيمان، حديث 194، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، قال صلى الله عليه وسلم: أنا سيد القوم، وفي لفظ: سيد الناس يوم القيامة

الحديث. وأخرج مسلم - أيضًا - في الفضائل، حديث 2278، من أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مُشفَّع".

ص: 446

(ومن لُقِّب بما يصدقه فِعْله) بأن يكون فِعْله موافقًا لِلَقَبِهِ (جاز.

ويحرم) من الألقاب (ما لم يقع على مَخرج صحيح) لأنه كذب (على أن التأويل كمال الدِّين، وشرف الدِّين: أن الدِّين كمَّله وشَرَّفه، قاله) يحيى (بن هبيرة.

ولا يُكره التكني بأبي القاسم، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم) صوَّبه في "تصحيح الفروع"، قال: وقد وقع فِعلُ ذلك من الأعيان، ورضاهم به يدلُّ على الإباحة.

وقال في "الهدي"

(1)

: والصواب أن التكنِّي بِكُنيته ممنوع، والمنع في حياته أشد، والجَمْع بينهما ممنوع. انتهى. فظاهره التحريم. ويؤيده حديث:"لا تجمَعُوا بين اسمِي وكُنْيَتِي"

(2)

.

(وتجوز تكنيتُه: أبا فلان، وأبا فلانة، وتكنيتها أم فلان كأم فلانة) لعدم المحذور.

(و)

‌ تُباح (تكنية

(3)

الصغير)

ذكرًا كان أو أُنثى؛ لما تقدم من قوله

(1)

زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 347).

(2)

أخرجه ابن سعد (1/ 107)، وأحمد (2/ 433)، والطحاوي (4/ 337)، وابن حبان "الإحسان"(13/ 132 - 134) رقم 5814، 5817، والطبراني في الأوسط (7/ 126)، حديث 6220، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه ص/ 375، حديث 474، وأبو نعيم في الحلية (7/ 91)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 146) حديث 1408، وابن عساكر في تاريخه (3/ 38) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص/ 189. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (8/ 672) وإسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 681) حديث 1275، وأحمد (3/ 450) و (5/ 364)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 85) عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن عمه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 48): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(3)

في "ذ": "كنية".

ص: 447

- صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عُمَيْرٍ ما فعلَ النُّغَيْر"

(1)

.

(و‌

‌يحرم أن يقال لمنافق أو كافر: يا سيدي)

كبداءته بالسلام؛ لما فيه من تعظيمه.

(ولا يُسمَّى الغلام) أي: العبد (بيسار، ولا رباح، ولا نَجيح، ولا أفلح) لما تقدم عن ابن هُبيرة

(2)

.

(قال ابن القيم

(3)

: قلت: وفي معنى هذا: مبارَك، ومُفلح، وخير، وسرور، ونعمة، وما أشبه ذلك) لما تقدم من أنه ربما كان طريقًا للتشاؤم والتطير.

(ومن) الأسماء (المكروهة التسميةُ بأسماء الشياطين كخَنْزَب) بالخاء المعجمة والنون والزاي والباء الموحدة (وولهان، والأعور، والأجدع.

و) من التسمية المكروهة التسميةُ بـ (أسماء الفراعنة والجبابرة، كفرعون، وقارون، وهامان، والوليد.

و‌

‌يُستحبُّ تغيير الاسم القبيح)

قال أبو داود: "وغَيَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم اسمَ العَاص وعَزيز وعَفْرَة

(4)

وشيطان والحكَم وغُرَاب وحُبَاب وشهاب، فسمَّاه هِشَامًا، وسمَّى حَرْبًا سِلْمًا، وسمَّى المضطجع المُنْبَعِث، وأرضًا عفرةً سمَّاها خَضِرَةً، وشِعْب الضلالة شِعْب الهُدَى، وبَنُو الزنية سمَّاهم

(1)

تقدم تخريجه (6/ 231)، تعليق رقم (3).

(2)

(6/ 444).

(3)

تحفة المودود بأحكام المولود ص/ 193.

(4)

في سنن أبي داود: "عَتْلة". قال الخطابي في معالم السنن (7/ 255 - 256): وعتلة معناها: الشدة والغلظة، ومنه قولهم: رجل عتُلُّ: أي شديد غليظ. وحباب: نوع من الحيات، وقد روي أن الحباب اسم الشيطان. وأما عفرة: فهي نعت للأرض التي لا تنبت شيئًا، أُخذت من العفرة، وهي: لون الأرض القحلة.

ص: 448

بني الرِّشْدَة، وسمَّى بني مُغْوِيَة بني مُرْشِدة"

(1)

. قال: وتركت أسانيدها للاختصار

(2)

.

(قال) ابن عقيل (في "الفصول": و‌

‌لا بأس بتسمية النجوم بالأسماء العربية،

كالحمل، والثور، والجدي، لأنها أسماء أعلام، واللغة وَضْعٌ) أي: جَعْل لفظٍ دليلًا على المعنى، فليس معناه أنها هذه الحيوانات، حتى يكون كذبًا (فلا يُكره) وضع هذه الألفاظ لتلك المعاني (كتسمية الجبال والأودية والشجر بما وضعوه لها.

وليس من حيث تسميتُهم) أي: العرب (لها) أي: النجوم (بأسماء الحيوان) السابقة (كان) الظاهر زيادتها (كذبًا) أي: ليس الوضع كذبًا من حيث التسمية (وإنما ذلك توسع ومجاز، كما سموا الكريم بحرًا) لكن استعمال البحر للكريم مجاز، بخلاف استعمال تلك الأسماء في النجوم فإنه

(3)

حقيقة، والتوسُّع في التسمية فقط.

(و) سُنَّ أن (يؤذِّن في أُذُن المولود اليُمنى) ذَكَرًا كان أو أُنثى (حين يولد، و) أن (يقيم في اليُسرى) لحديث أبي رافع قال: "رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أذَّنَ في أذُنِ الحسَنِ بنِ عليٍّ حينَ ولدتهُ فاطِمَةُ". رواه أبو داود والترمذي وصحَّحاه

(4)

.

وعن الحسن بن علي مرفوعًا: "من وُلِدَ له مولُودٌ فأذَّنَ في أذُنِه اليُمْنَى وأقام في أذُنِهِ اليُسرى، رُفِعَتْ عنه أمُّ الصِّبيان"

(5)

.

(1)

في سنن أبي داود: بني رِشدة.

(2)

أبو داود في الأدب، باب 70، عقب حديث 4956.

(3)

في "ح": "فإنها".

(4)

تقدم تخريجه (2/ 42) تعليق رقم (1).

(5)

تقدم تخريجه (2/ 42) تعليق رقم (2) من حديث الحسين بن علي - رضي الله =

ص: 449

وعن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّنَ في أذُنِ الحسن بن عَليٍّ يومَ وُلِدَ، وأقامَ في أذُنِهِ اليُسْرى"

(1)

.

رواهما البيهقي في "الشُّعب" وقال: وفي إسنادهما ضعف.

(و) سُنَّ أن (يُحنَّك) المولود (بتمرة، بأن تمضغ ويدلك بها داخل فمِه، ويفتح فمه حتى ينزل إلى جوفه شيء منها) لما في الصحيحين عن أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى قال:"وُلِدَ لي غُلامٌ فأتَيْتُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسمَّاهُ إبراهيمَ، وحنَّكه بتمرةٍ" زاد البخاري: "ودَعا له بالبركةِ ودَفَعَهُ إليَّ، وكان أكبَرَ وَلَدِ أبي موسى"

(2)

.

(ويحلق رأس ذَكَرٍ، لا) رأس (أُنثى يوم سابعه، ويتصدَّق بوزنه وَرِقًا) أي: فضة؛ لحديث سَمُرة، وتقدم

(3)

، وقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما ولدت الحسن: "احْلِقي رأسَهُ وتصَدَّقي بوزنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلى المساكينِ، والأوْفاضِ

(4)

، يعني أهلَ الصُّفَّةِ" رواه أحمد

(5)

.

= عنهما - ولم نقف على من خرجه من حديث الحسن رضي الله عنه، اللهم إلا ما جاء في ميزان الاعتدال (4/ 397).

(1)

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(6/ 390)، حديث 8620، وفي سنده الحسن بن عمرو، وهو متروك، كما في التقريب (1279).

(2)

البخاري في العقيقة، باب 1، حديث 5467، وفي الأدب، باب 109، حديث 6198، ومسلم في الآداب، باب 5، حديث 2145.

(3)

(6/ 441)، تعليق رقم (2).

(4)

الأوفاض: هم الفرق والأخلاط من الناس، من وفضت الإبل، إذا تفرقت. وقيل: هم الفقراء الضعاف، الذين لا دفاع لهم، واحدهم وفض. النهاية (5/ 210).

(5)

(6/ 390). وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (8/ 235)، والطبراني في الكبير (1/ 310، 3/ 30) حديث 917، 2576، 2577، والبيهقي (9/ 304) عن أبي رافع رضي الله عنه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 57): رواه أحمد والطبراني في الكبير، وهو =

ص: 450

(فإن فات) يوم السابع من غير عقيقة ولا تسمية ولا حَلْق رأس ذكر (فـ) إن ذلك يفعل (في أربعة عشر) أي: في اليوم الرابع عشر.

(فإن فات ففي أحد وعشرين) رُوي عن عائشة

(1)

، ومثله لا يُقال من قبل الرأي.

(ولا تُعتبر الأسابيع بعد ذلك، فيعق بعد ذلك) البوم الحادي والعشرين (في أي يوم أراد) لأنه قضاء دم فائت، فلم يتوقف على يوم، كقضاء الأُضحية.

(ولا تختصُّ العقيقة بالصِّغَر) فيعق الأب عن المولود، ولو بعد

= حديث حسن.

وقال البيهقي: تفرد به ابن عقيل، وهو إن صحَّ، فكأنه أراد أن يتولى العقيقة عنهما بنفسه،. . . إلخ.

وله شاهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه الترمذي في الأضاحي، باب 20، رقم 1519، وابن أبي شيبة (8/ 235)، والحاكم (4/ 237)، والبيهقي (9/ 304) قال:"عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة، وقال: يا فاطمة، احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة. قال: فوزنته، فكان وزنه درهمًا أو بعض درهم". ذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 67 مع الفيض) ورمز لصحته. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وإسناده ليس بمتصل، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب. وقال البيهقي: هذا منقطع.

(1)

لم نقف عليه مسندًا، وقد أورده ابن عبد البر في التمهيد (4/ 312)، وهو مروي - أيضًا - عن بريدة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"العقيقة تذبح لسبع أو أربع عشرة أو إحدى وعشرين" أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 457) حديث 4879، وفي الصغير (1/ 256)، والبيهقي (9/ 303). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 59): رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف لكثرة غلطه ووهمه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 382 مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 451

بلوغه؛ لأنه لا آخر لوقتها.

(ولو اجتمع عقيقة وأُضحية ونوى بالأُضحية) أي: الذبيحة (عنهما) أي: عن العقيقة والأضحية (أجزأت عنهما نصًّا)

(1)

.

وقال في "المنتهى": وإن اتفق وقت عقيقة وأُضحية فعقَّ أو ضحَّى، أجزأ عن الأخرى. انتهى. ومقتضاه إجزاء إحداهما عن الأخرى، وإن لم ينوها، لكن تعبير المصنف موافق لما عبَّر به في "تحفة المودود" آخرًا.

(قال) الشيخ شمس الدين محمد (ابن القيم في) كتابه ("تحفة المودود في أحكام المولود"

(2)

: كما لو صلَّى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسُنة المكتوبة، أو صلى بعد الطواف فرضًا أو سُنَّة مكتوبة، وقع) أي: ما صلاه (عنه) أي: عن فرضه (وعن ركعتي الطواف. وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النَّحْر، أجزأ عن دم المتعة) أي: أو القِران (وعن الأُضحية. انتهى.

وفي معناه: لو اجتمع هَدي، وأُضحية) فتجزئ ذبيحة عنهما؛ لحصول المقصود منهما بالذبح. وهو معنى قول ابن القيم: وكذلك لو ذبح المتمتع. . . إلخ (واختار الشيخ

(3)

: لا تضحية بمكة؛ إنما هو الهدي) لظاهر الأخبار.

(ويُكره لَطْخُه) أي: المولود (من دمها) لقوله صلى الله عليه وسلم: "مع الغُلَامِ

(1)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 141.

(2)

ص/ 142.

(3)

الاختيارات الفقهية ص/ 178.

ص: 452

عَقيقَةٌ فهَرِيقُوا

(1)

عنه دَمًا، وأميطُوا عنه الأذَى". رواه أبو داود

(2)

. وهذا يقتضي أن لا يُمسّ بدم؛ لأنه أذى.

وعن يزيد بن عبد المُزني، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُعقُّ عن الغُلامِ، ولا يُمسُّ رَأسُهُ بدَمٍ"

(3)

. [و] رواه ابن ماجه"

(4)

، ولم يقل: عن أبيه، قال مُهَنَّا

(5)

: ذكرت هذا الحديث لأحمد فقال: ما أظرفه.

وأما من روى "ويدمى"، فقال أبو داود

(6)

: "ويُسمَّى" - يعني مكان: "يدمى" - أصح. هكذا قال سلام بن أبي مطيع، عن قتادة،

(1)

"فهريقوا": كذا في الأصول. وصوابه: "فأَهْريقوا" كما في سنن أبي داود وصحيح البخاري.

(2)

في الضحايا، باب 21، حديث 2839، عن سلمان بن عامر رضي الله عنه.

وأخرجه - أيضًا - البخاري في العقيقة، باب 2، حديث 5472.

(3)

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 339) حديث 1108، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 188) حديث 683، والطبراني في الأوسط (1/ 223) حديث 335.

قال المزي في تحفة الأشراف (9/ 108): وهو مرسل فيما قاله البخاري وغيره.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 58)، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، ورجاله ثقات.

قلنا: في إسناده يزيد بن عبد المزني، قال فيه ابن حجر في التقريب (7804): مجهول الحال

ووهم من ذكره في الصحابة. ولم نقف عليه عند الطبراني في الكبير.

(4)

في الذبائح، باب 1، حديث 3166، قال ابن حجر في الفتح (9/ 594): وهذا مرسل فإن يزيد لا صحبة له.

(5)

المغني (13/ 399)، وتهذيب سنن أبي داود لابن القيم (4/ 127).

(6)

في سننه (3/ 260) عقب الحديثين 2837، 2838، وانظر ما تقدم (6/ 441)، تعليق رقم (2).

ص: 453

وإياس بن دغفل عن الحسن، ووهم هَمَّامٌ، فقال:"ويدمى".

قال أحمد

(1)

: قال فيه عن ابن أبي عروبة: "يُسمَّى"، وقال هَمَّامٌ:"يدمى"، وما أراه إلا خطأ.

(وإن لطَّخ رأسه بزعفران، فلا بأس) لقول بريدة: "كُنَّا في الجاهليَّةِ إذا وُلِدَ لأحدنا غلامٌ، ذبح عنه شاة؛ ويلطَخُ رأسه بدَمها، فلمَّا جاء الإسلامُ، كنَّا نذبح شَاةً، ونَحلقُ رأسَهُ، ونلطِّخُهُ بزعفران". رواه أبو داود

(2)

(وقال) شمس الدين محمد (ابن القيم

(3)

) لَطْخ رأسه بزعفران (سُنَّةٌ) لما مرَّ.

(وينزعها أعضاء، ولا يكسر عظمها) لقول عائشة: "السنَّةُ شاتانِ مُتكافِئَتانِ عن الغُلام، وعنِ الجاريَةِ شَاةٌ، تُطبَخُ جُدولًا، لا يُكسر لها عَظْمٌ"

(4)

أي: عضوًا عضوًا، وهو الجَدْل، بدال مهملة، والإرْبُ، والشِّلْو، والعضو، والوصل، كله واحد. والحكمة فيه: أنها أول ذبيحة عن المولود، فاستُحب فيها ذلك تفاؤلًا بالسلامة. كذلك قالت عائشة.

(1)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 80، وانظر مسائل عبد الله (3/ 878 - 879) رقم 1178.

(2)

في الضحايا، باب 21، حديث 2843. وأخرجه - أيضًا - الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 64، 75)، والحاكم (4/ 238)، والبيهقي (9/ 302)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 319).

قال الحاكم: صحيح على شروط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 132): في إسناده علي بن الحسين بن واقد، وفيه مقال.

(3)

تحفة المودود ص/ 121.

(4)

أخرجه إسحاق بن راهويه (3/ 692) حديث 1292، والحاكم (4/ 238). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وضعفه ابن حزم في المحلَّى (7/ 529). وانظر إرواء الغليل (4/ 396).

والجُدُول جمع جَدْل، بالكسر والفتح، وهو العضو. النهاية لابن الأثير (1/ 248).

ص: 454

(وطَبْخها) - أي: العقيقة - (أفضل من إخراج لحمها نِيْئًا)، نص عليه

(1)

؛ لما تقدم عن عائشة (فتطبخ بماء، وملح - نصًّا -

(2)

ثم يطعم منها الأولاد، والمساكين، والجيران.

قيل لـ) ــلإمام (أحمد: فإن طُبخت بشيء آخر، أي

(3)

: غير الماء والملح؟ فقال: ما ضرَّ ذلك

(4)

. وقال جماعة) منهم صاحب "المستوعب" و"المنتهى": (ويكون منه بحُلْوٍ).

قال في "المستوعب": ويُستحبُّ أن يطبخ منها طبيخ حُلْو؛ تفاؤلًا بحلاوة أخلاقه. وجزم به في "الرعايتين"، و"الحاويين"، و"تجريد العناية".

(قال أبو بكر) في "التنبيه": (و‌

‌يُستحبُّ أن يعطي القابلة منها فخذًا)

لما في "مراسيل أبي داود" عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقَّتها فاطمة عن الحسن والحسين:"أن يَبْعَثُوا إلى القابلة بِرِجْلٍ، وكُلوا وأطْعمُوا ولا تَكسِرُوا منها عَظْمًا"

(5)

.

(وحكمها) أي: العقيقة (حكم الأُضحية في أكثر أحكامها، كالأكل، والهدية، والصدقة) قال في رواية الحارث

(6)

، وصالح

(1)

مسائل أبي داود ص/ 256، والجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 126.

(2)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 126.

(3)

قوله: "أي" ليس في "ذ".

(4)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 126.

(5)

مراسيل أبي داود ص/ 278، حديث 379. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (8/ 54)، والبيهقي (9/ 302). وأخرجه الحاكم (3/ 179)، والبيهقي (9/ 304) عن علي رضي الله عنه مرفوعًا. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: لا.

(6)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 138.

ص: 455

ابنه

(1)

: يأكل، ويطعم جيرانه. وقال له ابنه عبد الله

(2)

: كم يقسم من العقيقة؟ قال: ما أحَبَّ. وقال الميموني

(3)

: سألت أبا عبد الله: يؤكل من العقيقة؟ فال: نعم يؤكل منها. قلت: كم؟ قال: لا أدري، أما الأضاحي، فحديث ابن مسعود

(4)

، وابن عمر

(5)

، ثم قال لي: ولكن العقيقة يؤكل منها، قلت: يشبهها في كل الأُضحية؟ قال: نعم، يؤكل منها.

(والضمان) إذا أتلفها، أو أمسك اللحم حتى أنتن، ولم ينتفع به (والولدِ) فيُذبَح معها (واللبنِ، والصوفِ)، أو الشعر، أو الوبر، فتُستحبُّ الصدقة به (والذَّكاةِ) فلا يجزئ إخراجها حيَّة (والركوبِ، وما يجوز من الحيوان، وغير ذلك) مما تقدم في الهَدْي والأُضحية، كاستحباب استحسانها واستسمانها، وأن أفضل ألوانها البياض؛ لاشتراكهما في تعلق حق الفقراء بهما.

(ويجتنب فيها) أي: العقيقة (من العيب ما يجتنبه في الأُضحية) فلا تجزئ فيها العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، ونحوها.

(ويُباع جلدها، ورأسها، وسواقطُها، ويُتصدَّق بثمنها، بخلاف الأُضحية؛ لأن الأُضحية أدخل منها في التعبُّد).

والذَّكَر أفضل في العقيقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "عَقَّ عن الحسن والحُسينِ بكَبْشٍ كَبْشٍ"

(6)

.

(1)

مسائل صالح (2/ 210) رقم 783. وانظر أيضًا: مسائل عبد الله (3/ 879، 880) رقم 1178، 1181.

(2)

مسائل عبد الله (3/ 880) رقم 1180.

(3)

الجامع للخلال كما في تحفة المودود ص/ 138.

(4)

تقدم تخريجه (6/ 430)، تعليق رقم (6).

(5)

تقدم تخريجه (6/ 422)، تعليق رقم (4).

(6)

تقدم تخريجه (6/ 435)، تعليق رقم (4).

ص: 456

(ويقول عند ذبحها: باسم الله، اللَّهمَّ لك وإليك، هذه عقيقةُ فلان بن فلان)؛ لحديث عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذْبَحُوا على اسْمِهِ فقولُوا: باسم الله، اللهم لكَ وإليكَ، هذه عقيقةُ فُلانٍ". رواه ابن المنذر بإسناده، وقال: هذا حسن"

(1)

.

"تتمة": قال في "الشرح": وروينا أن رَجُلا قال لرجل عند الحسن يُهَنِّئه بابن: لِيَهْنِكَ الفارسُ، فقال الحسن: وما يدريك أفارس هو أو حمار؟ فقال: كيف نقول؟ قال: قل: بُورك في الموهوب وشكرت الواهب، وبلغ أشدّه، ورزقت بِرَّه

(2)

.

(ولا تُسنُّ الفَرَعَة) بفتح الفاء والراء، وتُسمَّى أيضًا: الفَرَع (وهي ذَبْح أول ولد الناقة) كانوا في الجاهلية يأكلون لحمه ويلقون جلده على شجرة.

(ولا العَتيرة، وهي ذَبيحة رجب) أي: شاة كانت العرب تذبحها في العشر الأول من رجب لطواغيتهم، وأصنامهم، ويأكلون لحمها، ويلقون

(1)

لم نقف عليه في مظانه من كتب ابن المنذر المطبوعة. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (4/ 330) حديث 7963، وابن أبي الدنيا في العيال (1/ 181)، حديث 43، وأبو يعلى (8/ 18) حديث 4521، والدولابي في الذرية الطاهرة ص/ 85، حديث 148، والبيهقي (9/ 303) في حديث طويل.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 58)، وقال: رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ أبي يعلى: إسحاق، فإني لم أعرفه.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في العيال (1/ 365) رقم 201، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 1172) رقم 3523، وابن عدي (7/ 2560) عن الهيثم بن جماز قال: قال رجل عند الحسن. . . إلخ.

والهيثم بن جمَّاز متروك. انظر: ميزان الاعتدال (4/ 319)، والمغني في الضعفاء للذهبي (2/ 715).

وأخرجه ابن عساكر في تاريخه (59/ 276) عن كلثوم بن جوشن. وكلثوم بن جوشن ضعيف كما قاله ابن حجر في التقريب (591).

ص: 457

جلدها أيضًا على شجرة، قاله في "المستوعب"؛ لحديث أبي هريرة:"لا فَرَعَ ولا عَتيرة" متفق عليه

(1)

.

وأما حديث عائشة: "أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفَرعَةِ من كلِّ خمسين واحدَةً"

(2)

. قال ابن المنذر: حديث ثابت

(3)

. فهو منسوخ؛ لتأخر إسلام أبي هريرة، فإنه كان في فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة، ولأن الفَرَع والعَتيرة كان فعلهما أمرًا متقدمًا على الإسلام، فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نَسْخه، واستمرار النسخ من غير رفع له.

(ولا يكرهان) أي: الفَرَعة والعَتيرة؛ لأن المراد بالخبر نفي كونهما سُنة، لا تحريم فِعلهما، ولا كراهته، لكن إذا لم يكن على وجه التشبُّه بما كان في الجاهلية، وهذا واضح؛ لحديث:"مَنْ تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم"

(4)

.

(1)

البخاري في العقيقة، باب 3، 4، حديث 5473 و 5474، ومسلم في الأضاحي، حديث 1976.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 340) حديث 7997، والبيهقي (9/ 312)، والحازمي في الاعتبار ص/ 158. وأخرجه أبو داود في الأضاحي، باب 20، حديث 2833، دون ذكر "الفرعة". وأخرجه ابن أبي شيبة (8/ 254)، وابن راهويه (2/ 460 و 462) حديث 1032 و 1034، وأحمد (6/ 86، 158، 251)، وأبو يعلى (8/ 8) حديث 4509، بلفظ: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرع من كل خمس شياه شاة. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 28)، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. وصحح إسناده النووي في المجموع (8/ 448)، والحافط في الفتح (9/ 598).

(3)

لم نقف عليه في كتب ابن المنذر المطبوعة.

(4)

تقدم تخريجه (2/ 178)، تعليق رقم (2).

ص: 458