المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجهاد ختَم به العبادات؛ لأنه أفضل تطوُّع البَدَن، وهو مشروع - كشاف القناع عن متن الإقناع - ط وزارة العدل - جـ ٧

[البهوتي]

فهرس الكتاب

‌كتاب الجهاد

ختَم به العبادات؛ لأنه أفضل تطوُّع البَدَن، وهو مشروع بالإجماع

(1)

؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}

(2)

إلى غير ذلك، ولفعله صلى الله عليه وسلم، وأمره به، وأخرج مسلم:"مَنْ ماتَ ولم يَغْزُ، ولم يُحدِّثْ نفسهُ بالغزو، ماتَ على شُعبة مِنَ النِّفاقِ"

(3)

.

(وهو) أي: الجهاد، مصدر جاهد جهادًا ومجاهدةً، من جَهَد، إذا بالغ في قَتْلِ عدوه.

فهو لغةً: بَذْل الطاقة والوِسع.

وشرعًا: (قتال الكفَّار) خاصة، بخلاف المسلمين من البُغاةِ وقُطَّاع الطريق، وغيرهم، فبينه وبين القتال عموم مطلق.

(وهو فَرْض كفاية؛ إذا قام به من يكفي، سقط وجوبُه عن غيرهم) وإن لم يَقُم به من يكفي، أثِم الناسُ كلهم، فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع، كفرض الأعيان، ثم يختلفان بأن فَرْض الكفاية يسقط بفعل البعض، وفروض الأعيان لا تسقط عن أحد بفعل غيره.

والدليل على أنه فَرْض كفاية: قوله تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}

(4)

فهذا يدلُّ على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم.

(1)

الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (3/ 1013) رقم 1888.

(2)

سورة البقرة، الآية:216.

(3)

مسلم في الإمارة، حديث 1910، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

سورة النساء، الآية:95.

ص: 5

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} الآية

(1)

.

ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا، ويُقيم هو وأصحابه.

وأما قوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}

(2)

فقد قال ابن عباس: نَسَخَها قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} رواه الأثرم وأبو داود

(3)

. ويحتمل أنه حين استنفرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، وحينئذ يتعيَّن، كما يأتي؛ ولذلك هَجَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم كعبَ بنَ مالك وأصحابَه تخلَّفوا، حتى تاب اللهُ عليهم

(4)

.

(وسُنَّ في حقِّهم) أي: حقِّ غير الكافِيْنَ فيه (بتأكُّد) لحديث أبي داود عن أنس مرفوعًا: "ثلاثٌ من أصلِ الإيمان: الكَفُّ عمَّنْ قال: لا إلهَ إلا اللهُ، لا نُكَفِّرُه بذنبٍ، ولا نُخْرِجه من الإسلام بعملٍ، والجهادُ ماضٍ منذُ بَعَثَني اللهُ حتى يقاتِلَ آخرُ أمَّتي الدَّجَّالَ، لا يُبْطِلُه جَوْرُ جائرٍ، ولا عَدْلُ عادل، والإيمانُ بالأقدارِ"

(5)

.

(1)

سورة التوبة، الآية:122.

(2)

سورة التوبة، الآية:39.

(3)

لعل الأثرم رواه في سننه ولم تطبع، وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب 18، حديث 2505. وأخرجه - أيضًا - أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص/ 205 رقم (385)، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1798، 1803، 1909)، رقم 10035، 10062، 10115، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 326) رقم 2413، والبيهقي (9/ 47). وحسَّنه الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 38)، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (7/ 251): سكت عنه أبو داود والمنذري، ورجال إسناده ثقات إلا علي بن الحسين بن واقد، وفيه مقال، وهو صدوق.

(4)

قصة توبة كعب بن مالك وصاحبيه أخرجها البخاري في المغازي، باب 79، حديث 4418، ومسلم في التوبة، حديث 2769، عن كعب بن مالك رضي الله عنه.

(5)

أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 35، حديث 2532. وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (2/ 152) حديث 2267، وأبو يعلى (7/ 287) حديث 4311، 4312، =

ص: 6

ومعنى الكفاية في الجهاد: أن ينهض إليه قومٌ يكفون في جهادهم، إما أن يكونوا جندًا لهم دواوين من أجل ذلك، أو يكونوا أعَدُّوا أنفسهم له تبرُّعًا؛ بحيث إذا قصدهم العدوُّ، حصلت المَنعةُ بهم.

ويكون في الثغور من يدفع العدوَّ عنها، ويبعث في كلِّ سنة جيشًا، يُغيرون على العدوِّ في بلادهم.

(وفَرْضُ الكفاية: ما قُصِد حصوله من غير شخص معيَّن، فإن لم يوجد إلا واحد، تعيَّن عليه) كردِّ السلام، والصلاةِ على الجنازة.

(فَمِنْ ذلك: دَفْعُ ضَرَر المسلمين، كسَتْرِ العاري، وإشباع الجائع) وفكِّ الأسرى (على القادرين إن عَجَزَ بيت المال عن ذلك، أو تعذَّر أخذه منه) لمَنْعٍ أو نحوه.

(و) من ذلك (الصنائعُ المباحةُ المحتاجُ إليها غالبًا لمصالح

= واللالكائي في أصول الاعتقاد (7/ 1227) حديث 2301، والبيهقي (9/ 156)، وفي الاعتقاد ص/ 123، والضياء في المختارة (7/ 285، 286) حديث 2741، 2742، والمزي في تهذيب الكمال (32/ 254) من طريق جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي نُشبة، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 380): يزيد بن أبي نشبة في معنى المجهول.

وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/ 350): يزيد بن أبي نشبة رجل من بني سليم لا يروي عنه فيما أعلم إلا جعفر بن برقان. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر كما في حاشية سنن أبي داود " (3/ 228) تحقيق: محمد عوامة: قال أبو الشيخ في كتاب التوبيخ له: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا العباس بن أحمد بن الأزهر: سألت أحمد بن حنبل عن حديث: "لا تكفروا أحدًا من أهل القبلة بذنب" فقال: موضوع لا أصل له" ولم نقف عليه فيما طبع من كتاب التوبيخ لأبي الشيخ.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 293 مع الفيض) ورمز لضعفه.

ص: 7

الناس

(1)

الدينية والدنيوية، البدنية والمالية، كالزَّرْع والغَرْس ونحوهما) لأن أمر المعاد والمعاش لا ينتظم إلا بذلك، فإذا قام بذلك أهلُه بنيَّة التقرُّب، كان طاعة، وإلا؛ فلا.

(و) من ذلك (إقامةُ الدعوة) إلى دين الإسلام (ودفع الشُّبَه بالحُجَّة والسيف) لمن عاند؛ لقوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

(2)

.

(و) من ذلك (سَدُّ البُثُوق) بتقديم الموحدة، وهو ما انفتح في

(3)

جانب النهر.

(و) من ذلك (حَفْرُ الآبار والأنهار، وكَرْيُها - وهو تنظيفها - وعَمَل القناطر والجسور والأسوار، وإصلاحها) أي: القناطر والجسور والأسوار (وإصلاح الطُّرق والمساجد) لعموم حاجة الناس إلى ذلك.

(و) من ذلك (الفتوى، وتعليم الكِتاب والسُّنة، وسائر العلوم الشرعيةِ) كالفقه وأصوله، والتفسير، والفرائض (وما يتعلَّق بها من حساب ونحوه، ولُغة ونَحْوٍ وتصريف وقراءة.

وعكسُ العلوم الشرعية: علومٌ محرَّمة أو مكروهة، فالمُحرَّمة: كعلم الكلام) إذا تكلمَ فيه بالمعقول المحض، أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح، فإن تكلم فيه بالنقل فقط، أو بالنقل والعقل الموافق له، فهو أصل الدين وطريقة أهل السُّنة.

وهذا معنى كلام الشيخ تقي الدين

(4)

، وفي "الحاشية" ما فيه كفاية في ذلك.

(1)

في "ذ": "المحتاج إليها لمصالح الناس غالبًا".

(2)

سورة النحل، الآية:125.

(3)

في "ذ": "من".

(4)

انظر: درء تعارض العقل والنقل (1/ 43 - 46).

ص: 8

(و) كعلم (الفلسفة، والشَّعْبذة، والتنجيم، والضَّرْب بالرَّمْل، والشَّعير، وبالحصى، و) كعلم (الكيمياء، وعلوم الطبائعيين، إلا الطِّب؛ فإنه فَرْض كفاية في قول).

قال في "الآداب الكبرى"

(1)

: ذكر ابن هُبيرة أن علم الطِّب فَرْض كفاية! وهذا غريب في المذهب.

(ومن المُحرَّم: السحر والطِّلَسْمات

(2)

) بغير العربية لمن لا يعرف معناها، كما يأتي في آخر الردة.

(و) من المُحرَّم (التلبيسات، وعلم اختلاج الأعضاء، والكلام عليه، ونسبته إلى جعفر الصادق) بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (كَذِبٌ، كما نصَّ عليه الشيخ

(3)

.

و) عن المُحرَّم (حسابُ اسم الشخص واسم أُمِّه بالجُمَّلِ

(4)

، وأن طالعه كذا، ونجمه كذا، والحكم على ذلك بفقر أو غِنى، أو غير ذلك من الدلائل الفلكية على الأحوال السُّفليّة، كما يصنع الآن) في التقاويم المشهورة.

(1)

الآداب الشرعية (2/ 359).

(2)

الطِّلَسْم: ضَبَطه شارح القاموس كسِبَطْر، وقال: شدّد شيخنا اللام، وقال: إنه أعجمي. وعندي أنه عربي، اسم للسر المكتوم. انظر تاج العروس (8/ 381) مادة (طلسم).

(3)

مجموع الفتاوى (35/ 183)، ومنهاج السنة النبوية (7/ 534).

(4)

طريقة يستخدمها المنجمون، وتستبدل فيها الحروف بالأرقام، فالألف يمثله الرقم (1)، والباء يمثله الرقم (2)، وهكذا، طبقًا لترتيب حروف:(أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ). انظر: العين (7/ 5)، ولسان العرب (11/ 128) مادة (جمل)، والموسوعة العربية الميسرة (1/ 716).

ص: 9

(وأما عِلم النجوم الذي يُستدلُّ به على الجهات والقِبلة، وأوقات الصلوات، ومعرفة أسماء الكواكب لأجل ذلك، فمُستحبٌّ كالآداب) وقد يجب، إذا دخل الوقت وخفيت القِبلة، كما تقدم في باب استقبال القِبلة

(1)

.

(و) العِلم (المكروه: كالمنطق، والأشعار المشتملة محلى الغَزَل والبَطالة.

والمُباح منها) أي: الأشعار (ما لا سُخْفَ فيه، ولا ما يُكره، ولا ينشِّط على الشَّر، ولا يُثبِّط عن الخير) ويأتي: أن الشعر كالكلام، حَسَنه حسن وقبيحه قبيح.

(ومن) العِلم (المباح: عِلم الهيئة، والهندسة، والعَروض) ومثله القوافي (و) منه علم (المعاني والبيان).

قلت: لو قيل: بأنه فرض كفاية، لكان له وجه وجيه؛ إذ هو كالنحو في الإعانة على نِكَات الكتاب والسُّنة.

(و‌

‌من فروض الكفاية: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)

والمعروف: كل ما أُمر به شرعًا. والمنكر: كل ما نُهي عنه شرعًا؛ فيجب على من علمه جزمًا، وشاهَدَه، وعرف ما ينكر، ولم يخف أذى.

قال القاضي: ولا يسقط فرضه بالتوهم؛ فلو قيل له: لا تأمر على فلان بالمعروف؛ فإنه يقتلك، لم يسقط عنه لذلك.

وقال ابن عقيل في آخر "الإرشاد": من شروط الإنكار أن يعلم أو يغلب على ظنِّه أنه لا يُفضي إلى مفسدة.

(1)

(2/ 230، 240).

ص: 10

قال أحمد في رواية الجماعة

(1)

: إذا أمرت أو نَهيت، فلم ينتهِ، فلا ترفعه إلى السلطان، لِيُعدَى عليه.

وقال - أيضًا

(2)

-: من شرطه أن يأمن على نفسه وماله خوف التَّلف، وكذا قال جمهور العلماء

(3)

.

ومن شرطه - أيضًا - رجاء حصول المقصود، وعدم قيام غيره به. نقله في "الآداب"

(4)

عن الأصحاب.

وعلى الناس إعانةُ المُنْكِر، ونَصْره على الإنكار.

وأعلاه باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب، وهو أضعف الإيمان. قال في رواية صالح: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح

(5)

.

قال القاضي: ويجب فعل الكراهةِ للمنكر، كما يجب إنكاره. وفي "الحاشية" ما يغني عن الإطالة.

(وذكرنا في الكتاب من فروض الكفايات كثيرًا في أبوابه، فلا حاجة إلى إعادته) لما فيها من التكرار، على أن بعض المذكورات مذكور - أيضًا - في مواضعه.

(ولا يجب الجهاد إلا على ذَكَرٍ) لحديث عائشة قالت: "قلتُ يا رسول الله: هل على النِّساءِ جهادٌ؟ فقال: جهادٌ لا قتال فيه: الحجُّ

(1)

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال، ص/ 88، رقم 55، وانظر: كتاب الورع للمروذي، ص/ 154.

(2)

كتاب التمام (2/ 254)، وانظر: مسائل ابن هانئ (2/ 173) رقم 1949.

(3)

انظر: التمهيد لابن عبد البر (23/ 281، 282)، وتفسير القرطبي (4/ 48).

(4)

الآداب الشرعية (1/ 182).

(5)

لم نقف عليها في مسائل صالح المطبوعة، ورواها الخلال عن صالح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 76، رقم 28.

ص: 11

والعُمْرَةُ"

(1)

، ولأنها ليست من أهل القتال؛ لضعفها وخَوَرِها، ولذلك لا يُسهَم لها. ومثلها الخنثى المشكل؛ لأنه لا تُعلم ذكوريته.

(حُرٍّ) فلا يجب على عبد؛ لما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم كان يُبايعُ الحرَّ على الإسلام والجهاد، والعبدَ على الإسلامِ دون الجهاد

(2)

، ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة، فلم تجب على العبد، كالحج، وفرضُ الكفاية لا يلزم رقيقًا، وظاهره: ولو مبعَّضًا ومكاتَبًا؛ رعاية لحق السيد.

(مكلَّفٍ) لحديث: "رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثِ"

(3)

.

(مستطيع) لأن غير المستطيع عاجز، والعجز ينفي الوجوب (وهو) أي: المستطيع (الصحيحُ) في بدنه من المرض والعمى والعرج؛ لقوله

(1)

تقدم تخريجه (6/ 13)، تعليق رقم (2).

(2)

لم نجد من خرَّجه بهذا السياق. وقد أخرج معناه مسلم في المساقاة، حديث 1602، والترمذي في البيوع، باب 22، حديث 1239، وفي السير، باب 36، حديث 1596، والنسائي في البيعة، باب 21، حديث 4195، وفي البيوع، باب 66 حديث 4635، وابن ماجه في الجهاد، باب 41، حديث 2869، وغيرهم عن جابر رضي الله عنه قال: جاء عبد، فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بعنيه، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعدُ حتى يسأله أعبد هو؟

وذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 91) بلفظ: "أن عبدًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الجهاد والإسلام، فقدم صاحبه، فأخبره أنه مملوك، فاشتراه صلى الله عليه وسلم منه بعبدين، فكان بعد ذلك إذا أتاه من لا يعرفه ليبايعه، سأله أحر هو، أم عبد؟ فإن قال حر، بايعه على الإسلام والجهاد، وإن قال مملوك، بايعه على الإسلام، دون الجهاد، وعزاه إلى النسائي، ولم نقف عليه في سننه الصغرى، ولا الكبرى، والله أعلم.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 336): غريب.

(3)

في "ح": "ثلاثة". وهو الموافق لرواية أبي داود، وما هنا هو الموافق لرواية النسائي، والحديث تقدم تخريجه (2/ 12)، تعليق رقم (2، 3).

ص: 12

تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}

(1)

، ولأن هذه الأعذار تمنعه

(2)

من الجهاد (الواجدُ - بملْك، أو بَذْلِ إمامٍ أو نائبه - لزاده ولما يحمله إذا كان) السفرُ (مسافةَ قصرٍ، ولما يكفي أهله في غيبته) لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى قوله: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا} الآية

(3)

.

ولأنه لا يمكن القُدرة عليه إلا بآلةٍ، فاعتُبرت القدرة عليها كالحج.

ولا تُعتبر الراحلة مع قُرْب المسافة كالحج.

ويُعتبر أن يكون ذلك فاضلًا عن قضاء دَيْنه، وأُجرة مسكنه، وحوائجه، كالحج.

وإن بذَل له غير الإمام ونائِبه ما يجاهدُ به، لم يَصِر مستطيعًا، كما تقدم في الحج

(4)

.

(ولا يجب) الجهاد (على أُنثى، ولا خُنثى، ولا عبد - ولو أَذِنَ له سيدُه - ولا صبي، ولا مجنون، ولا ضعيف، ولا مريض مرضًا شديدًا) لما تقدم.

و (لا) يسقط وجوبه بالمرض إن كان (يسيرًا لا يمنعه) أي: الجهاد (كوجع ضِرس، وصُداع خفيف، ونحوهما) كالعَوَر.

(1)

سورة الفتح، الآية:17.

(2)

في "ذ": "تمنع".

(3)

سورة التوبة، الآيتان: 91، 92.

(4)

(6/ 44).

ص: 13

(ولا) يجب (على فقير، ولا كافر، ولا أعمى، ولا أعرج، ولا أشلَّ، ولا أقطع اليد أو الرِّجْل، ولا مَنْ أكثر أصابعه ذاهبة، أو إبهام يده) ذاهبة (أو) قُطع منه (ما يذهب بذهابه نَفْع اليد أو الرِّجْل) لأنه ليس بصحيح، ويؤخذ بيان ذلك من الكفَّارة.

(و‌

‌يلزم) الجهادُ (الأعورَ والأعشى،

وهو الذي يبصر بالنهار فقط) أي: دون الليل؛ لأنه لا يمنع الجهاد.

(قال الشيخ

(1)

: الأمر بالجهاد) يعني: الجهاد المأمور به (منه ما يكون بالقلب) كالعزم عليه (والدعوة) إلى الإسلام وشرائعه (والحجَّة) أي: إقامتها على المبطل (والبيان) أي: بيان الحق وإزالة الشُّبَه (والرأي والتدبير) فيما فيه نفع المسلمين

(2)

(والبَدَن) أي: القتال بنفسه (فيجب) الجهاد (بغاية ما يمكنه) من هذه الأمور.

قلت: ومنه هَجْو الكفار، كما كان حسان رضي الله تعالى عنه يهجو أعداءه صلى الله عليه وسلم

(3)

.

(وأقل ما يُفعل) الجهاد (مع القدرة عليه، كل عام مرة) لأن الجزية تجب على أهل الذِّمة مرة في العام، وهي بدل النُّصرة، فكذا مبدلها.

(إلا أن تدعوَ حاجة إلى تأخيره؛ لضعف المسلمين) من عدد أو

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 447.

(2)

في "ح": "للمسلمين".

(3)

من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لحسان رضي الله عنه: "اهجهم، أو هاجهم وجبريل معك"، رواه البخاري في بدء الخلق، باب 6، حديث 3213. ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2486. عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم في فضائل الصحابة، حديث 2490: من قول حسان:

لنا في كل يوم من معد

سباب أو قتال أو هجاء

ص: 14

عُدَّة (أو قلة عَلَف) في الطريق، (أو) قِلة (ماءٍ في الطريق أو انتظار مَدَدٍ) يستعين به إمام

(1)

(فيجوز تركه) أي: الجهاد (بهُدنة وبغيرها) لأنه صلى الله عليه وسلم صالحَ قريْشًا عشْرَ سنين

(2)

، وأخَّرَ قتَالَهُمْ حتّى نَقَضُوا العهدَ

(3)

، وأخّرَ قتالَ قبائِلِ العرب بِغير هُدْنَةٍ.

و (لا) يجوز تأخيره (إن رُجيَ إسلامهم) أي: الكفار، خلافًا للموفَّق ومن تابعه.

(ولا يُعتبر أمْن الطريق) فإنَّ وَضْعه على الخوف.

(وتحريم القتال في الأشهر الحُرُم) وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرَّم (منسوخ نصًّا) وهو قول الأكثرين

(4)

، بقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

(5)

، وبغزوه صلى الله عليه وسلم الطائف

(6)

.

واختار في "الهدي"

(7)

: لا. وأجابَ: بأنه لا حجَّة في غزوه

(1)

في "ح": "الإمام".

(2)

أخرجه أحمد (4/ 325)، والطبري في تاريخه (2/ 634)، والبيهقي (9/ 221 - 227)، وفي دلائل النبوة (4/ 145) عن المسور ومروان رضي الله عنهما.

وأخرجه البخاري مطولًا في الشروط، باب 15، حديث 2731 - 2732 عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما أيضًا، وليس فيه ذكر المدة.

(3)

انظر سيرة ابن هشام (2/ 389)، وطبقات ابن سعد (2/ 134)، وفتوح البلدان ص/ 49، وتاريخ الطبري (3/ 55)، ودلائل النبوة للبيهقي (5/ 5).

(4)

هو قول العلماء وفقهاء الأمصار إلا عطاء. كما في الناسخ والمنسوخ للنحاس (1/ 535)، وزاد المسير لابن الجوزي (1/ 237)، وتفسير القرطبي (3/ 43).

(5)

سورة التوبة، الآية:5.

(6)

وذلك في شهر ذي القعدة، انظر دلائل النبوة (5/ 156)، وزاد المعاد (3/ 340)، وفتح الباري (8/ 44).

(7)

زاد المعاد (3/ 341).

ص: 15

الطائفَ، وإن كانت في ذي القعدة؛ لأنها كانت من تمام غزوة هوازن، وهم بدؤوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالقتال.

قال

(1)

: ويجوز القتال في الشهر الحرام دفعًا، إجماعًا

(2)

. وأطال في "الفروع" فيه في كتاب الحدود.

(وإن دعتِ الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرَّة، وجب) لأنه فرض كفاية، فوجب منه ما تدعو إليه الحاجة.

(ومن حَضَرَ الصفَّ من أهل فرض الجهاد) وهو: الذَّكَر الحُرُّ المكلف المسلم المستطيع (أو) من (عبد، أو مبعَّض، أو مكاتَب، أو حصره) عدوٌّ (أو) حصر (بلده عدوٌّ، أو احتاج إليه بَعيد) في الجهاد (أو تقابل الزحفان) المسلمون والكفار (أو استنفره من له استنفاره، ولا عُذر، تعيَّن عليه) أي: صار الجهاد فَرْض عين عليه؛ لقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}

(3)

، وقوله تعالى:{مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}

(4)

، ولحديث عائشة وابن عباس مرفوعًا:"إذا اسْتُنفرتُمْ فانْفِروا" متفق عليه

(5)

.

(1)

أي: ابن القيم في زاد المعاد (3/ 340).

(2)

انظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 401).

(3)

سورة الأنفال، الآية:45.

(4)

سورة التوبة، الآية:38.

(5)

لم نقف عليه في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها وإنما هو عند مسلم فقط في الإمارة، حديث 1864.

وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فأخرجه البخاري في الحج، باب 192، حديث 1834، وفي الجهاد، باب 1، 27، 194، حديث 2783، 2825، 3077، وفي الجزية والموادعة، باب 22، حديث 3189، ومسلم في الحج، حديث 1353.

ص: 16

(ولم يجز لأحدٍ أن يتخلَّف عن النفير؛ لما تقدم، إلا من يُحتاج إليه، لحفظ أهلٍ، أو مال، أو مكانٍ، ومن منعه الإمام من الخروج) ذكره في "البُلغة".

(وإن نودي بالصلاة والنفير معًا، صلَّى ثم نَفَر مع البعد) أي: بُعد العدوِّ (ومع قُرْب العدوّ ينفر ويصلِّي راكبًا، وذلك أفضل) نص عليه

(1)

.

(ولا ينفر في خطبة الجمعة، ولا بعد الإقامة لها) عبارة "المبدع" و"المنتهى": ولا بعد الإقامة، فعمومه يتناول الجمعة وغيرها.

(ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها) لأجل النفير.

(ولا تنفر الخيل إلا على حقيقة) دفعًا للضرر.

(ولا ينفر على غلام إذا أبق) لئلا يهلك الناس بسببه.

(ولا بأس أن يشتري الرجلان فرسًا بينهما؛ يغزوان عليه

(2)

، يركب هذا عُقبة، وهذا عُقبة، ويأتي في) باب (قسمة الغنيمة.

ولو نادى الإمام: الصلاة جامعة، لحادثة يُشاور فيها، لم يتأخَّر أحد) عن الحضور (بلا عُذر) لوجوب الجهاد بغاية ما يمكن من البدن والرأي والتدبير، والحرب خدعة.

(ومُنِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من نزعِ لأمةِ الحرب إذا لبسها حتى يلقى العدو) للخبر، علَّقه البخاري، وأسنده أحمد، وحسَّنه البيهقي

(3)

، واللأْمَة

(1)

الفروع (6/ 191) والمبدع (3/ 310)، وانظر مسائل عبد الله (2/ 443 - 444) رقم 628، ومسائل أبي داود تحقيق: طارق بن عوض الله. ص/ 111، رقم 538، (وقد سقطت هذه المسألة من طبعة محمد رشيد رضا).

(2)

في "ذ": "عليها".

(3)

البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 28 معلقًا، وأحمد (3/ 351) عن جابر =

ص: 17

كتمرة، بالهمز، ويجوز تخفيفها، وهي: الدرع، وجمعها لأْم؛ كتمرة وتَمْر، ولُؤَمٌ كصُرد، على غير قياس

(1)

.

(كما مُنع) صلى الله عليه وسلم (من الرمز بالعين والإشارة بها) لحديث: "ما ينبغي لِنَبيٍّ أن تكون له خائنَةُ الأعْيُنِ" رواه أبو داود، وصححه الحاكم على شرط مسلم

(2)

. وهي الإيماء إلى مباح، من نحو ضرب أو قتل، على

= رضي الله عنه، والبيهقي (7/ 40) عن ابن عباس رضي الله عنهما وحسَّنه.

وحديث جابر رضي الله عنه أخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (4/ 389) حديث 7647، وابن سعد (2/ 45)، والدارمي في الرؤيا، باب 13، حديث 2159، وابن الجارود (3/ 313) حديث 1061.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 107): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، وصححه الحافظ في الفتح (13/ 441)، وفي تغليق التعليق (5/ 332).

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه - أيضًا - الحاكم (2/ 129)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 204 - 205)، وابن حجر في تغليق التعليق (5/ 331).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (5/ 331): وقال في الفتح (13/ 341)، والتلخيص الحبير (3/ 130): هذا سند حسن.

(1)

المصباح المنير ص/ 560، مادة:(لوم).

(2)

أبو داود في الجهاد، باب 127، حديث 2683، وفي الحدود، باب 1، حديث 4359، والحاكم (3/ 45).

وأخرجه - أيضًا - النسائي في تحريم الدم، باب 14، حديث 4078، وفي الكبرى (2/ 302)، حديث 3530، وابن أبي شيبة (14/ 491)، والبزار (3/ 350) رقم 1151، وأبو يعلى (2/ 100) حديث 757، والطحاوي (3/ 330)، وفي شرح مشكل الآثار (11/ 157، 409) حديث 1506، 4521، 4523، والشاشي (1/ 135) حديث 73، والدارقطني (3/ 59)، والحاكم (3/ 45)، والبيهقي (7/ 40 و 8/ 205)، وفي دلائل النبوة (5/ 59)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 174، 176)، وابن عساكر في تاريخه (29/ 32)، والضياء في المختارة (3/ 248، 250) حديث =

ص: 18

خلاف ما هو ظاهر.

وسُمِّي خائنة الأعين؛ لشبهه بالخيانة بإخفائه. ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور.

(و) مُنع صلى الله عليه وسلم (من الشِّعر والخطّ وتعلُّمِهما) لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}

(1)

، وقوله:{وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}

(2)

. ويأتي في الخصائص

(3)

له تتمة.

(وأفضل ما يُتطوعُ به الجهاد) قال أحمد

(4)

: لا أعلم شيئًا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد. والأحاديث متظافرة

(5)

بذلك؛ فمنها: حديث ابن مسعود

(6)

، وحديث أبي

= 1054، 1055، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 169): رواه أبو يعلى والبزار ورجالهما ثقات.

وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 130): إسناده صالح.

(1)

سورة يس، الآية:69.

(2)

سورة العنكبوت، الآية:48.

(3)

في أول كتاب النكاح، فصل في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

مسائل عبد الله (2/ 819، 836) رقم 1092، 1116، ومسائل ابن هانئ (2/ 108 - 109) رقم 1634، 1638، ومسائل أبي داود تحقيق طارق بن عوض الله ص/ 310، رقم 1480، (وقد سقطت هذه المسألة من طبعة محمد رشيد رضا) وكتاب الوقوف من الجامع للخلال ص/ 62، رقم 149.

(5)

كذا في الأصل! وصوابها: "متضافرة"، وتضافروا على الشيء تعاونوا عليه وتظاهروا. انظر: القاموس ص/ 429 مادة (ضفر) ومختار الصحاح ص/ 382.

(6)

أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب 5، حديث 527، وفي الجهاد، باب 1، حديث 2782، وفي الأدب، باب 1، حديث 5970، وفي التوحيد، باب 48، حديث 7534، ومسلم في الإيمان، حديث 85، قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم =

ص: 19

هريرة

(1)

، وروى أبو سعيد قال:"قيل: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الناس أفضلُ؟ قال: مؤمِنٌ مُجاهدٌ في سبيلِ الله بنَفْسِهِ ومالِه" متفق عليه

(2)

.

(و‌

‌غَزو البحر أفضل من غَزو البرّ)

لحديث أم حَرام "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نامَ عندها، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت: فقُلْتُ: ما يُضْحكك

(3)

يا رسول الله؟ قال: ناسٌ منْ أمّتِي عُرِضُوا عليَّ غزاةً في سبيلِ اللهِ يركَبُونَ ثَبَجَ

(4)

هذا البحر، ملوكٌ على الأسِرَّة، أو مثلَ المُلوكِ على الأسِرَّةِ" متفق عليه

(5)

.

قال ابن عبد البر

(6)

: أمُّ حَرام بنت مِلحان أخت أم سليم، خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعته أخت لهما ثالثة.

وروى ابن ماجه بإسناده عن أبي أُمامة مرفوعًا: "شهيدُ البحرِ مثلُ

= أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله".

(1)

أخرجه البخاري في الجهاد، باب 1، حديث 2785، ومسلم في الإمارة، حديث 1878، قال:"جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دُلَّني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده. قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إنَّ فرس المجاهد لَيَسْتَنُّ في طِوَلهِ، فيكتب له حسنات"، واللفظ للبخاري.

(2)

البخاري في الجهاد، باب 2، حديث 2786، وفي الرقاق، باب 34، حديث 6494، ومسلم في الإمارة حديث 1888.

(3)

في "ذ": "ما أضحكك". وكلا اللفظين في البخاري.

(4)

ثَبَجُ البحر: وسَطه، ومُعْظَمه. انظر: النهاية (1/ 206).

(5)

البخاري في الجهاد، باب 3، 8، 63، 75، حديث 2788، 2789، 2799 - 2800، 2877، 2878، 2894، 2895، وفي الاستئذان، باب 41، حديث 6282، 6283، وفي التعبير، باب 12، حديث 7001، 7002، ومسلم في الإمارة، حديث 1912.

(6)

التمهيد (1/ 226).

ص: 20

شَهيدَي البَرِّ، والمائد في البحر كالمُتَشَحِّطِ في دمه في البَرِّ، وما بين الموجَتَيْنِ كقاطعِ الدنيا في طاعة الله تعالى، وإنَّ الله تعالى وكل مَلَكَ الموتِ بقبضِ الأرواح إلَّا شهيدَ البحرِ، فإن الله يتولَّى قَبْضَ أرواحِهم، وشهيد البَرِّ يُغْفَرُ له كلُّ شيءٍ إلا الدَّيْنَ، وشهيدُ البحرِ يغفرُ له كل شيءٍ والدَّيْنُ"

(1)

وإسناده ضعيف. ولأنه أعظم خطرًا ومشقة؛ لكونه بين خطر العدو والغرق، ولا يتمكن من الفرار إلا مع أصحابه؛ فكان أفضل من غيره.

(و‌

‌الجهاد من السياحة) المُرغَّب فيها.

(وأما السياحة في الأرض، لا لمقصودٍ) شرعي (ولا إلى مكان معروف، فمكروهة) لأنها من العبث.

(ويُغزَى مع كل أمير بَرٍّ وفاجر يحفظان المسلمين) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "الجهاد واجبٌ عليكم مع كلِّ أميرٍ، بَرًّا كان أو فاجِرًا"، رواه أبو داود

(2)

. وفي الصحيح: "إن الله لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بالرجل

(1)

ابن ماجه في الجهاد، باب 10، حديث 2778. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (8/ 171) حديث 7716، والمزي في تهذيب الكمال (24/ 77 - 78)، من طريق عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون ص/ 78: حديث ضعيف؛ لضعف راويه عفير بن معدان، فإن كان ثابتًا فهو خاص بالغريق الذي يخرج مجاهدًا في سبيل الله، فإنه يجتمع له شيئان للشهادة: القتال في سبيل الله والغرق.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 112): هذا إسناد ضعيف، عفير بن معدان المؤذن ضعفه أحمد وابن معين ودحيم وأبو حاتم والبخاري والنسائي وغيرهم. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (4/ 166 مع الفيض) ورمز لضعفه.

(2)

في الجهاد، باب 35، حديث 2533، وقد تقدم تخريجه (4/ 48، 49)، تعليق رقم (2) فقرة (د)

ص: 21

الفاجر"

(1)

؛ ولأن تركه مع الفاجر يفضي إلى تركه وظُهور الكفار على المسلمين، واستئصالهم، وإعلاء كلمة الكفر.

(ولا يكون) الأمير (مخذِّلًا، ولا مُرْجِفًا ولا معروفًا بالهزيمة وتضييع المسلمين) لعدم المقصود من حفظه المسلمين (ولو عُرف بالغُلُول وشُرب الخمر، إنما ذلك في نفسه) أي: إثمه عليه، لا يتعداه إلى غيره، فلا يمنع الغزو معه (ويقدَّم القوي منهما) أي: من الأميرين، نص عليه

(2)

؛ لأنه أنفع للمسلمين.

(ويُستحبُّ تشييع غازٍ ماشيًا إذا خرج) إلى الغزو.

(ولا بأس بخلع نعله) أي: المشيِّع (لِتَغْبَرَّ قدماه في سبيل الله. فعله أحمد) فشيَّع أبا الحارث الصائغ ونعلاه في يده

(3)

؛ لما رُوي عن أبي بكر الصِّدِّيق، "أنه شَيَّعَ يزيدَ بنَ أبي سفيان حين بعثهُ إلى الشَّام، ويَزيدُ رَاكبٌ، وأبو بكر يمشي، فقال له: ما تريدُ يا خليفةَ رسول الله؟ إمَّا أنْ تَركَبَ، وإمّا أن أنزلَ أنا، فأمشي معك. فقال: لا أرْكَبُ ولا تنزِلُ، إني أحتسِبُ خُطايَ هذه في سبيلِ اللهِ

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 182، حديث 3062، وفي المغازي، باب 38، حديث 4203، وفي القدر، باب 5، حديث 6606، ومسلم في الإيمان حديث 111.

(2)

الفروع (6/ 190).

(3)

المغني (13/ 18).

(4)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 447)، وعبد الرزاق (5/ 199، 200) رقم 9375، 9376، وابن أبي شيبة (12/ 383)، والطبراني في الكبير (22/ 231) رقم 607، والبيهقي (9/ 89) عن يحيى بن سعيد: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 413): رواه الطبراني، وإسناده منقطع، ورجاله إلى يحيى ثقات. =

ص: 22

وشيَّع عليٌّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوة تبوك ولم يتلقَّه

(1)

.

وفي الخبر: "من اغبرَّت قدَمَاهُ في سَبيل اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ على النَّارِ"

(2)

.

(ولا يُستحبُّ تلقِّيه) أي: المغازي؛ لأنه تهنئة له بالسلامة من الشهادة. قال في "الفروع": ويتوجه مثله حج، وأنه

(3)

يقصده للسلام.

(وفي "الفنون": تَحسنُ التهنئةُ بالقدوم للمسافر) كالمرضى تحسن تهنئة كلٍّ منهم بسلامته.

(وفي "شرح الهداية" لأبي المعالي) أسعد، ويُسمَّى محمدًا وجيه الدين ابن المنجا بن بركات:(تُستحبُّ زيارة القادم، ومعانقته، والسلام عليه) ونقل عن الإمام في حج: لا، إلا إن كان قصده، أو ذا عِلم، أو هاشميًّا، أو يخاف شرّه.

ونقل ابناه أنه قال لهما: اكتبا لي اسمَ من سلَّم علينا ممن حج، حتى إذا قدم سلَّمنا عليه

(4)

. قال القاضي: جعله مقابلة، ولم يستحب أن

= وأخرجه سعيد بن منصور (2/ 157) عن عبد الله بن عبيدة، من أبي بكر رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة (5/ 344) عن قيس بن أبي حازم أو غيره، عن أبي بكر رضي الله عنه.

(1)

أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 123) رقم 8440، وأحمد (1/ 170) وفي فضائل الصحابة (2/ 593) رقم 1006، والمحاملي في الأمالي ص/ 251، رقم 244، وابن عساكر في تاريخه (42/ 162، 164).

(2)

أخرجه البخاري في الجمعة، باب 18، حديث 907، وفي الجهاد، باب 16، حديث 2811، عن أبي عبس بن جبر رضي الله عنه.

(3)

في "ذ": "وأن".

(4)

لم نقف عليه في مسائل صالح ولا في مسائل عبد الله المطبوعة، وذكره ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد (ص 364)، وابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 328)، =

ص: 23

يبدأهم. قال ابن عقيل: محمولٌ على صيانة العلم، لا على الكِبْر.

(وذكر) أبو بكر (الآجريُّ: استحباب تشييع الحاج ووداعه، ومسألتِه أن يدعو له) وشيَّع أحمدُ أمَّه لحجٍّ

(1)

.

(ويتعين أن يقاتِل كلُّ قومٍ مَن يليهم من العدو) لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}

(2)

، ولأن الاشتغال بالعدوِّ البعيد يمكِّن القريب من انتهاز الفرصة في المسلمين؛ لاشتغالهم عنه.

(إلا لحاجة) إلى قتال الأبعد (كأن يكون) العدو (الأبعد أخوف، أو) لمصلحة في البداءة بالأبعد (لغِرَّته) بكسر الغين المعجمة (وإمكان الفُرصة منه، أو يكون الأقرب مهادَنًا، أو يمنع مانع من قتاله) أي: الأقرب (فيبدأ بالأبعد) للحاجة.

(ومع التساوي) أي: تساوي العدو في البعد والقُرب (قتال أهل الكتاب أفضل) لأنهم يقاتلون عن دين، قاله ابن المبارك، وكان يأتي مِن مَرْو لغزو الروم، واستبعده أحمد

(3)

من حيث ترك العدو القريب والمجيء إلى البعيد، وحُمل على أنه متبرع بالجهاد، والكفاية حاصلة بغيره، لكن يؤيده حديث أمِّ خلاد من قوله صلى الله عليه وسلم لها:"إنَّ ابنَكِ له أجرُ شهيدَيْن. قالت: ولمَ ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قال: لأنَّهُ قَتَلَهُ أهلُ كتابٍ" رواه أبو داود

(4)

.

= والفروع (6/ 192) عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر، أن أحمد بن حنبل قال: لولديه: اكتبا

(1)

الفروع (6/ 192).

(2)

سورة التوبة، الآية:123.

(3)

مسائل ابن هانئ (2/ 96 - 97) رقم 1592 - 1595.

(4)

في الجهاد، باب 8، حديث 2488. وأخرجه - أيضًا - البيهقي (9/ 175) وابن =

ص: 24

(ويُقاتَل من تُقبل منهم الجزية) وهم أهل الكتاب والمجوس (حتى يُسلموا) لحديث: "أمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ حتى يشهدُوا أنْ لا إله إلَّا الله

(1)

(أو يبذلوا الجِزية) بشرطه؛ لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية

(2)

.

(و) يقاتَل (من لا تُقبل منهم) الجِزية (حتى يُسلموا) للحديث السابق، خُصَّ منه أهل الكتاب للآية، والمجوس "لأخذه صلى الله عليه وسلم الجِزية من مجوس هَجَر"

(3)

، وبقي مَن عداهم.

(فإن امتنعوا من ذلك) أي: من بَذْلِ الجِزية حيث تُقبل منهم، ومن الإسلام (وضعُفَ المسلمون عن قتالهم، انصرفوا) عن الكفار بلا قتال؛

= عبد البر في التمهيد (12/ 195) من طريق فرج بن فضالة، عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس، عن أبيه، عن جده، فذكره.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 359): كذا قال. وجَدُّ عبد الخبير: هو ثابت بن قيس بن شماس، لا قيس بن شماس، قال البخاري: عبد الخبير عن أبيه عن جده ثابت بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه فرج بن فضالة، حديثه ليس بالقائم، فرج عنده مناكير. وقال أبو حاتم الرازي: عبد الخبير حديثه ليس بالقائم، منكر الحديث. وقال ابن عَدي: وعبد الخبير ليس بالمعروف.

وأخرجه ابن سعد (3/ 530) وأبو يعلى (3/ 164) حديث 1591، وفي المفاريد ص/ 101، حديث 102، وابن عساكر في تاريخه (4/ 327)، والمزي في تهذيب الكمال (16/ 468) من طريق فرج بن فضالة، عن عبد الخبير بن قيس بن ثابت بن شماس عن أبيه عن جده، فذكره.

وعند ابن سعد: عبد الخبير بن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس.

قال الحافظ في الإصابة (3/ 153): قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

(1)

تقدم تخريجه (5/ 80)، تعليق رقم (1).

(2)

سورة التوبة، الآية:29.

(3)

أخرجه البخاري في الجزية والموادعة، باب 1، حديث 3156، 3157 عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مرفوعًا.

ص: 25

لما تقدم من مصالحته صلى الله عليه وسلم قريشًا على تَرْك القتال عشر سنين

(1)

(إلا إن خيف على مَن يليهم) أي: الكفار (من المسلمين) فلا ينصرفون عنهم؛ لئلا يسلطوهم على المسلمين.

(وتُسنُّ الدعوة) أي: دعوة الكفار إلى الإِسلام (قبل القتال لمن بلغته) الدعوة؛ قطعًا لحجته.

(ويَحرم) القتال (قبلَها) أي: الدعوة (لمن لم تبلغه) الدعوة؛ لحديث بُريدة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سريَّةٍ أو جيشٍ، أمَرَهُ بتقوى الله تعالى في خاصَّةِ نَفْسِه، وبمَنْ معه من المسلمينَ، وقال: إذا لقيتَ عدوَّكَ من المشركينَ فادْعُهُمْ إلى إحدى ثلاثٍ، فإنْ هم أجابوكَ إليها، فاقبَلْ منهم، وكُفَّ عنهم: ادْعُهُمْ إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبلْ منهم، وكُفَّ عنهم، فإن أبوا، فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإنْ أجابوكَ، فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، فإنْ أبَوْا، فاسْتَعِنْ باللهِ وقاتِلهم" رواه مسلم

(2)

.

(وقيَّد) أبو عبد الله محمد شمس الدين (ابن القيم

(3)

وجوبها) - أي: الدعوة - لمن لم تبلغه (واستحبابها) لمن بلغته (بما إذا قصدهم) أي: الكفار (المسلمون، أما إذا كان الكفارُ قاصدين) المسلمين بالقتال (فللمسلمين قتالهم من غير دعوة؛ دفعًا عن نفوسهم وحريمهم.

وأمرُ الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده) لأنه أعرف بحال الناس، وبحال العدو، ونِكايتهم، وقُربهم وبعدهم.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 15)، تعليق رقم (2).

(2)

في الجهاد، حديث 1731.

(3)

أحكام أهل الذمة (1/ 5).

ص: 26

(ويلزم الرعية طاعتُه فيما يراه من ذلك) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}

(1)

، وقوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}

(2)

.

(وينبغي أن يبتدئ) الإمام (بترتيب قوم في أطراف البلاد، يكفُّون مَن بإزائهم من المشركين، ويأمُرَ بعمل حصونهم، وحَفْرِ خنادقهم وجميع مصالحهم) لأن أهم الأمور الأمن، وهذا طريقه.

(ويُؤَمِّر في ناحية أميرًا يقلِّده أمر الحرب، وتدبير الجهاد.

ويكون) الأمير (ممن له رأي وعقل وخبرة بالحرب، ومكايد العدوِّ، مع أمانةٍ ورفقٍ بالمسلمين، ونُصْحٍ لهم) ليحصُل المقصود من إقامته.

(ويوصيه) أي: يوصي الإمامُ الأمير - إذا ولَّاه - بتقوى الله في نفسه، و (أن لا يحمل المسلمين على مَهْلكة، ولا يأمرهم بدخول مَطْمورة

(3)

يُخاف أن يُقتَلوا تحتها) لحديث بُريدة السابق.

(فإن فعل) أي: حملهم على مَهْلكة، أو أمرهم بدخول مَطْمورة يُخاف أن يُقتَلوا تحتها (فقد أساء، ويستغفر الله) أي: يتوب إليه من ذلك؛ لوجوب التوبة من كل معصية (ولا عقلَ) أي: دِية (عليه، ولا كفَّارة إذا أُصيب أحد منهم بطاعته) لأنه فعل ذلك باختياره.

(1)

سورة النساء، الآية:59.

(2)

سورة النور، الآية:62.

(3)

المطمورة: هي حفرة تحفر تحت الأرض، قال ابن دريد [الجمهرة (2/ 374)]: وبنى فلان مطمورة: إذا بنى بيتًا في الأرض، وهي كلمة مولدة. المصباح المنير (2/ 516) مادة (طمر).

ص: 27

(فإن عُدِم الإمام، لم يؤخَّر الجهاد) لئلا يستولي العدو على المسلمين، وتظهر كلمة الكفر.

(وإن حصلت غنيمة، قسموها على موجب الشرع) كما يقسمها الإمام، على ما يأتي بيانه في باب قسمة الغنيمة.

(قال القاضي: وتؤخَّر قسمة الإماء حتى يقوم إمام) فيقسمها (احتياطًا للفروج.

فإن بعث الإمام جيشًا) أو سرية (وأمَّر عليهم أميرًا، فقُتِل أو مات) الأمير (فللجيش أن يُؤَمِّرُوا أحدهم) كما فعل أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جيش مُؤْتَةَ، لمَّا قُتل أمراؤهم، أمَّروا عليهم خالد بن الوليد فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرضي أمرهم، وصوَّب رأيهم، وسمَّى خالدًا يومئذ سيف الله

(1)

.

(فإن لم يقبل أحدٌ منهم أن يتأمَّر عليهم دافعوا

(2)

عن أنفسهم) لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(3)

.

(ولا يقيمون في أرض العدو إلا مع أمير) يقيمونه، أو يبعثه الإمام إليهم.

(و‌

‌يُسنُّ الرِّباط)

نص عليه

(4)

؛ لحديث سلمان قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباطُ ليلة في سبيل اللهِ خيرٌ من صيامِ شهرٍ وقيامِهِ،

(1)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 4، حديث 1246، وفي الجهاد، باب 7، 183، حديث 2798، 3063، وفي فضائل الصحابة، باب 25، حديث 3757، وفي المغازي، باب 44، حديث 4262، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا.

(2)

في "ح": "دفعوا".

(3)

سورة البقرة، الآية:195.

(4)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 819، 836) رقم 1092، 1116، ومسائل أبي داود ص/ 229.

ص: 28

فإنْ ماتَ جرى عليه عَمَلُه الذي كان يعملُ، وأُجْريَ عليه رزْقُهُ، وأمِنَ الفَتَّان" رواه مسلم

(1)

.

وعن فَضالة بن عبيد مرفوعًا: "كلُّ ميِّتٍ يختمُ على عمله إلا المُرابِطَ في سبيلِ الله، فإنَّهُ يَنْمُو له عملُهُ إلى يوم القيامة، ويأمَنُ مِنْ فتَّانِ القبرِ" رواه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح

(2)

.

(وهو) أي: الرِّباط (الإقامة بثغر تقويةً للمسلمين) مأخوذ من رِباط الخيل؛ لأن هؤلاء يربطون خيولهم، وهؤلاء يربطون خيولهم، كلٌّ يعدُّ لصاحبه.

والثغر: كل مكان يُخيفُ أهلُه العدوَّ، ويخيفهم.

(وأقله) أي: الرباط (ساعة) قال أحمد

(3)

: يومٌ رباط، وليلةٌ

(1)

في الإمارة، حديث 1913.

(2)

أبو داود في الجهاد، باب 16، حديث 2500، والترمذي في الجهاد، باب 2، حديث 1621. وأخرجه - أيضًا - ابن المبارك في الجهاد ص/ 142، حديث 174، 175، وسعيد بن منصور (2/ 170) حديث 2414، وأحمد (6/ 20)، وابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 709)، حديث 317، والبزار (9/ 207) حديث 3753، وأبو عوانة (5/ 91)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 86) حديث 2316، وابن حبان "الإحسان" (10/ 484) حديث 4624، والطبراني في الكبير (18/ 311 - 312) حديث 802، 803، والحاكم (2/ 79، 144)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 40) حديث 4287، وفي إثبات عذاب القبر ص/ 96، حديث 134، وابن عساكر في "الأربعون في الحث على الجهاد" ص/ 85.

قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم في الموضع الأول: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال في الموضع الثاني: صحيح على شرط الشيخين.

وصححه الحافظ في الفتح (12/ 411)، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 34 مع الفيض) ورمز لصحته.

(3)

المغني (13/ 19).

ص: 29

رباط، وساعةٌ رباط.

(وتمامه) أي: الرباط (أربعون يومًا) قاله أحمد

(1)

. ورُوي عن ابن عمر

(2)

؛ لحديث: "تمامُ الرباط أربعونَ يومًا" رواه أبو الشيخ في "كتاب الثواب"

(3)

، وعن أبي هريرة:"رباطُ يومٍ في سبيلِ الله أحَبُّ إليَّ أنْ أوافِقَ ليلةَ القَدْرِ في أحَدِ المسجدَيْنِ: مسجِد الحرامِ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رابط أربعينَ يومًا فقد استكملَ الرباط" رواه سعيد

(4)

.

(وإن زاد) الرباط على أربعين يومًا (فله أجره) كسائر أعمال البِرِّ.

(وهو) أي: الرباط (بأشد الثغور خوفًا أفضل) لأنهم أحوج، والمُقام به أنفع.

(و) الرباط (أفضل من المُقام بمكة) ذكره الشيخ تقي الدين إجماعًا

(5)

(والصلاة بها) أي: بمكة (أفضل من الصلاة بالثغر) قال أحمد: فأما فضل الصلاة، فهذا شيء خاصةُ فَضْلٍ لهذه

(1)

مسائل الكوسج (3/ 2872) رقم 2766.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 328).

(3)

كتاب الثواب لأبي الشيخ لم يطبع. وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الكبير (8/ 133) حديث 7606، وفي مسند الشاميين (4/ 323) حديث 3440، عن أيوب بن مدرك عن مكحول، عن أبي أمامة رضي الله عنه. مرفوعًا.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 290): وفيه أيوب بن مدرك، وهو متروك.

ورواه ابن أبي شيبة (5/ 328) عن مكحول مرسلًا. وإسناده - أيضًا - ضعيف مع إرساله، فيه معاوية بن يحيى الصدفي، قال فيه ابن حجر في التقريب (6820): ضعيف.

(4)

في سننه (2/ 169) رقم 2410. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (5/ 280) رقم 9616، وأخرج - أيضًا - الفقرة الأخيرة عبد الرزاق رقم 9614، وابن أبي شيبة (5/ 328).

(5)

الاختيارات الفقهية ص/ 449.

ص: 30

المساجد

(1)

.

(ويُكره لغير أهل الثغر نَقْل أهله من الذرية والنساء إليه) أي: إلى الثغر إن كان مخوفًا؛ لقول عمر: "لا تُنْزلُوا المسلمِينَ خِيفَةَ

(2)

البحر" رواه الأثرم

(3)

. وقال أحمد

(4)

: كيف لا أخاف الإثم، وهو يعرِّض ذريته للمشركين.

و (لا) يكره نقل أهله (إلى غير مخوف) للأمن (كأهل الثغر) أي: كإقامة أهل الثغر بأهليهم، فلا تُكره؛ لأنه

(5)

لا بد لهم من السُّكنى بأهليهم، وإلا؛ لخربت الثغور وتعطلت.

(والحَرْس في سبيل الله ثوابه عظيم) لحديث ابن عباس مرفوعًا: "عَينان لا تَمَسُّهُما النار، عيْنٌ بكَتْ منْ خشْيَة الله تعالى، وعيْنٌ باتَتْ تحرُس في سبيلِ الله" رواه الترمذي

(6)

وقال: حسن غريب.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 229.

(2)

كذا في الأصول الخطية، ومثله في إحدى نسخ معونة أولي النهى (3/ 598)، وجاء في المغني (13/ 23)، والشرح الكبير (10/ 32)، ونسخة أخرى من معونة أولي النهى (3/ 598):"ضفَّة".

(3)

لعله في سننه، ولم تطبع. وأخرجه عبد الرزاق (5/ 283) رقم 9623 عن ابن المسيب أو غيره، قال: كان عمر يكره أن يحمل المسلمين غزاة في البحر.

(4)

مسائل أبي داود ص/ 227.

(5)

"ذ": "لأنهم".

(6)

في الجهاد، باب 12، حديث 1693، وفي العلل ص/ 271، حديث 495. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 416) حديث 146، وأبو نعيم في الحلية (5/ 209)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 488) حديث 796، والمزي في تهذيب الكمال (12/ 525)، من طريق شعيب بن رزيق، عن عطاء الخراساني، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رزيق، وقال في =

ص: 31

وعن عثمان مرفوعًا: "حرسُ ليلةٍ في سبيل اللهِ أفضلُ من ألفِ ليلةٍ، قيام ليلِها وصيامِ نهارها". رواه ابن

= العلل: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: شعيب بن رزيق مقارب الحديث، ولكن الشأن في عطاء الخراساني، ما أعرف لمالك بن أنس رجلًا يروي عنه مالك يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني، قلت له: وما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة. اهـ.

وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 231)، وابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 417) حديث 147، وأبو يعلى (7/ 307) حديث 1591، والعقيلي (4/ 346)، والطبراني في الأوسط (6/ 364) حديث 5775، وابن عدي (3/ 1087)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 119)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 212) حديث 321، والخطيب في تاريخه (2/ 360)، والضياء في المختارة (6/ 187) حديث 2198.

قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 125)، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 288): رواه أبو يعلى ورواته ثقات. وذكره الحافظ في الفتح (6/ 83) من رواية أبي يعلى، وقال: إسنادها حسن.

ومن حديث أبي ريحانة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 264)، والنسائي في الجهاد، باب 10، حديث 3117، وفي الكبرى (5/ 273)، حديث 8869، وابن أبي شيبة (5/ 350)، وأحمد (4/ 134)، والدارمي في الجهاد، باب 11، حديث 2400، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 301، 302) حديث 2325، 2326، وفي الجهاد (2/ 413 - 415) حديث 144، 145، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص/ 475، والطبراني في الأوسط (9/ 338) حديث 8736، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (3/ 1254، 1323)، والحاكم (2/ 83)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 28)، والبيهقي (9/ 149)، في الأربعون الصغرى ص/ 38، حديث 13، وابن عساكر في تاريخه (23/ 195، 196).

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 210)، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 287): ورجال أحمد ثقات. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 380 مع الفيض) ورمز لصحته.

ص: 32

سنجر

(1)

.

(و‌

‌حكم الهجرة باقٍ لا ينقطع إلى يوم القيامة)

لحديث معاوية مرفوعًا: "لا تنقطع الهجرةُ حتّى تنقطع التوبةُ، ولا تنقطع التوبةُ حتى تطلُعَ الشمسُ من مغربها" رواه أبو داود

(2)

.

(1)

هو محمد بن سنجر الجرجاني أبو عبد الله، سكن مصر، وصنف مسندًا، ونزل البصرة وكان يكتب ويعمل عمل القز، توفي سنة (258 هـ) رحمه الله تعالى، انظر تاريخ جرجان ص/ 379، وثقات ابن حبان (9/ 197)، ومسنده لم يطبع.

وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الجهاد، باب 7، حديث 2766، وإسحاق بن راهويه، كما في النكت الظراف (7/ 260)، وابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 424) حديث 150، والبزار (2/ 12 رقم 350)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 254)، والطبراني في الكبير (1/ 91) حديث 145، والحاكم (2/ 81)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 214)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 16) حديث 4234، والضياء في المختارة (1/ 487 - 488) حديث 361، 362، عن مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير، عن عثمان رضي الله عنه مرفوعًا. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 379 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وأخرجه أحمد (1/ 61، 65)، وابن أبي عاصم في الجهاد (2/ 428) حديث 151، من طريق مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الضياء: مصعب بن ثابت تكلم فيه بعض الأئمة. وانظر علل الدارقطني (3/ 37).

(2)

في الجهاد، باب 2، حديث 2479. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير في الكنى ص/ 80، والنسائي في الكبرى (5/ 217) حديث 8711، وأحمد (4/ 99)، والدارمي في الجهاد، باب 70، حديث 2513، وأبو يعلى (13/ 309) حديث 7371، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 45) حديث 2634، والطبراني في الكبير (19/ 387) حديث 907، وفي مسند الشاميين (2/ 138) حديث 1064، 1065، والبيهقي (9/ 17)، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 330 - 311)، عن أبي هند البجلي، عن معاوية رضي الله عنه.

قال الخطابي في معالم السنن (3/ 352): وإسناد حديث معاوية فيه مقال. وقال =

ص: 33

وعنه صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطعُ الهجرَةُ ما كانَ الجهادُ" رواه سعيد وغيره

(1)

، مع إطلاق الآيات والأخبار، وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان.

وأما حديث: "لا هجرة بعد الفتح"

(2)

يعني: من مكة.

(وكل بلد فُتح لا تبقى منه هجرة، إنما الهجرة إليه) لأن الهجرة الخروج من بلد الكفار، فإذا فُتح لم يبقَ بلدَ الكفار، فلا تبقى منه هجرة.

(وتجب) الهجرة (على من يَعجِز عن إظهار دينه بدار الحرب، وهي

= عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 349): أبو هند ليس بالمشهور. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 258): كذا قال ليس بالمشهور، وليس كذلك، بل هو مجهول لا يُعرف بغير هذا.

وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية رضي الله عنهم: أخرجه أحمد (1/ 192)، والطبراني في الكبير (19/ 381) حديث 895، وفي الأوسط (1/ 69) حديث 50، وفي مسند الشاميين (2/ 436) حديث 1649، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1943) حديث 4895، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 444) حديث 7215.

وأخرجه البزار (3/ 263 حديث 1054) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقط.

وحسَّنه ابن كثير في تفسيره (2/ 195). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 251): رجال أحمد ثقات.

(1)

سعيد بن منصور (2/ 147) حديث 2354، وأحمد (4/ 62، 5/ 375)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 42) حديث 2630، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 616) حديث 1670، عن جنادة بن أبي أمية. وصحح إسناده الحافظ في الإصابة (2/ 100).

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 251) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه النسائي في البيعة باب 15، حديث 4183، 4184، وأحمد (1/ 192، 5/ 270) عن عبد الله بن السعدي بنحوه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 251) وقال: ورجال أحمد ثقات.

(2)

تقدم تخريجه (3/ 190)، تعليق رقم (1).

ص: 34

ما يغلب فيها حُكم الكفر) لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية

(1)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"أنا بريءٌ من مسلِمٍ بين مشْرِكين، لا تراءى ناراهما" رواه أبو داود والنسائي والترمذي

(2)

.

ومعناه: لا يكون بموضع يَرى نارَهم ويرون نارَه إذا أوقدت، ولأن

(1)

سورة النساء، الآية:97.

(2)

أبو داود في الجهاد، باب 105، حديث 2645، والترمذي في السير، باب 42، حديث 1604، وفي العلل ص/ 264، حديث 483. وأخرجه النسائي مرسلًا كما سيأتي. وأخرجه - أيضًا - أبو عبيد في غريب الحديث (2/ 88)، والطبراني في الكبير (2/ 302، 303) حديث 2261، 2262، 2264، 2265، وابن حزم في المحلى (11/ 135، 199)، والبيهقي (8/ 131، و 9/ 142)، وفي شعب الإيمان (7/ 39) حديث 9373، 9374، والذهبي في سير أعلام النبلاء (9/ 78) من طريق أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعًا. وصححه ابن حزم، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 421). وقال ابن دقيق العيد في الإلمام ص/ 482: الذي أسنده ثقة عندهم.

وأخرجه الترمذي في السير، باب 42، حديث 1605، والنسائي في القسامة: باب 26، حديث 4794، وفي الكبرى (4/ 229)، حديث 6982، والشافعي في الأم (6/ 30)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 102)، وسعيد بن منصور (2/ 268) حديث 2663، وابن أبي شيبة (12/ 346)، والبيهقي (8/ 130) من طريق عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

قال الترمذي: ولم يذكر فيه عن جرير، وهذا أصح، ثم قال:

وأكثرُ أصحاب إسماعيل عن قيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولم يذكروا فيه: عن جرير

ثم قال: وسمعت محمدًا يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. ورجح المرسل - أيضًا - أبو حاتم، كما في العلل لابنه (1/ 314). وانظر التلخيص الحبير (4/ 119).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (8/ 31): وحديث جرير رجال إسناده ثقات، ولكن صحَّح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم.

ص: 35

القيام بأمرِ الدين واجب، والهجرة من ضرورة الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به واجب.

(زاد جماعة) وقطع به في "المنتهى"(أو بلدِ بُغاة أو بِدَع مُضِلَّة، كرفض واعتزال) فيخرج منها إلى دار أهل السُّنة وجوبًا، إن عَجَز عن إظهار مذهب أهل السُّنة فيها (إن قدر عليها) أي: على الهجرة من أرض الكفر وما أُلحق بها؛ لقوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ}

(1)

(ولو) كان من يَعجز عن إظهار دينه بما ذكر (امرأة) لدخولها في العمومات (ولو) كانت (في عِدَّة أو بلا راحلة ولا مَحْرم) بخلاف الحج.

وفي "عيون المسائل" و"الرعايتين": إن أمنت على نفسها من الفتنة في دينها، لم تهاجر إلا بمَحْرم، كالحج. ومعناه في "شرح الهداية" للمجد، وزاد: وأَمِنَتْهم على نفسها، وإن لم تأمنهم، فلها الخروج، حتى وحدها، بخلاف الحج.

(وتُسنُّ) الهجرة (لقادر على إظهاره) أي: دينه، ليتخلَّص من تكثير الكفار، ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ويتمكن من جهادهم، وإعانة المسلمين، ويكثِّرهم

(2)

.

ولا تجب الهجرة من بين أهل المعاصي، لكن روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى:{إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ}

(3)

أنَّ المعنى: "إذا عُمِلَ بالمعاصي في أرْضٍ فاخرجوا منها"

(4)

وقاله

(1)

سورة النساء، الآية:98.

(2)

في "ح": "وتكثيرهم".

(3)

سورة العنكبوت، الآية:56.

(4)

لم نقف على من أخرجه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد أخرجه ابن سعد (6/ 262)، والطبري في تفسيره (21/ 9)، وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3075) =

ص: 36

عطاء

(1)

.

ويردُّه: ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغَيِّرْهُ"

(2)

الخبر.

(ولا يجاهد تطوُّعًا مَن عليه دَين - ولو مؤجَّلًا لآدمي - لا وفاء له، إلا بإذن غريمه) لأن الجهاد يُقصد منه الشهادة، وبها تفوت النفس، فيفوت الحق بفواتها.

(فإن أقام ضامنًا مليئًا، أو رهنًا مُحْرَزًا، أو وكيلًا يقضيه متبرِّعًا، جاز) وكذا لو كان له وفاء. نص عليه

(3)

؛ لأن عبد الله بن حَرَام والد جابر خرج إلى أُحُدٍ وعليهِ ديونٌ كثيرة، فاستُشْهِدَ، وقضى عنه ابنه، مع علمه صلى الله عليه وسلم من غير نكيرٍ

(4)

؛ ولعدم ضياع حق الغريم إذن.

(ولا) يجاهد تطوعًا (مَن أبواه حُرَّان مسلمان عاقلان، إلا بإذنهما، وإن كان أحدهما) أي: أحد أبويه (كذلك) أي: حرًّا مسلمًا عاقلًا، لم يجاهد تطوعًا (إلا بإذنه) لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال:"جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أُجاهِدُ؟ فقال: لك أبوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهدْ"

(5)

. وروى البخاري معناه من حديث

= رقم 17397، وأبو نعيم في الحلية (4/ 284)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 437) رقم 7187 عن سعيد بن جبير رحمه الله.

(1)

أخرجه الطبري في تفسيره (21/ 9)، وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3075) رقم 17398.

(2)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 49 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(3)

انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 96) رقم 1589.

(4)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 51، حديث 2127، وفي الاستقراض، باب 8، 18، حديث 2395، 2405، وفي الهبة، باب 21، حديث 2601، وفي الصلح، باب 13، حديث 2709، وفي الوصايا، باب 36، حديث 2781، وفي المناقب، باب 25، حديث 3580، وفي المغازي، باب 18، حديث 4053.

(5)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 138، حديث 3004، وفي الأدب، باب =

ص: 37

ابن عمر

(1)

.

وروى أبو داود عن أبي سعيد: "أنَّ رجلًا هاجر إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: هل لك أحدٌ باليمن؟ فقال: أبَوَايَ، فقال: أذِنَا لك؟ قال: لا. قال: فارجع فاستأذِنْهما، فإنْ أذِنا لك فجاهِدْ، وإلَّا، فبرّهُمَا"

(2)

.

= 3، حديث 5972، ومسلم في البر والصلة والآداب، حديث 2549.

(1)

لم يروه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ بل من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كما مر آنفًا، وأخرجه من حديث ابن عمر أبو يعلى (10/ 87) حديث 5724، من طريق ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ناعم مولى أم سلمة قال: خرج عبد الله بن عمر حاجًّا، حتى إذا كان بين مكة والمدينة، أتى شجرة عرفها فجلس تحتها، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت هذه الشجرة، إذ أقبل رجل

الحديث. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 138)، وقال: رواه أبو يعلى وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح إن كان مولى أم سلمة ناعم وهو الصحيح، وإن كان نعيمًا فلم أعرفه.

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (5/ 474) حديث 5036: رواه أبو يعلى بسند ضعيف؛ لتدليس ابن إسحاق.

وقد أخرجه أحمد (2/ 163) من طريق ابن إسحاق، بالإسناد السابق، ولكن الصحابي فيه هو ابن عمرو وليس ابن عمر، وكذلك أخرجه مسلم في البر والصلة، حديث 2549، من طريق عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب عن ناعم مولى أم سلمة، عن ابن عمرو، ولعل أبا يعلى وهم فيه، فجعله من مسند ابن عمر رضي الله عنهما والله أعلم.

(2)

أبو داود في الجهاد، باب 31، حديث 2530. وأخرجه - أيضًا - سعيد بن منصور (2/ 139) حديث 2334، وأحمد (3/ 75)، وابن الجارود (1/ 259) حديث 1035، وأبو يعلى (2/ 531) حديث 1402، وابن حبان (الإحسان) 2/ 165 رقم 422، والحاكم (2/ 103)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 328)، والبيهقي (9/ 26)، من طريق درَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما اتفقا على حديث =

ص: 38

ولأن بِرَّهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، والأول مقدَّم.

(إلا أن يتعين عليه) الجهاد لحضور الصف، أو حَصْر العدو، أو استنفار الإمام له، ونحوه (فيَسقط إذنهما، وإذنُ غريم) لأنه يصير فرض عين، وتركه معصية (لكن يُستحبُّ للمَديون أن لا يتعرض لمكان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة) لأن فيه تغريرًا بتفويت الحق.

(ولا طاعة للوالدين في تَرْك فريضة، كتعلُّم عِلم واجب يقوم به دِينه من طهارة وصلاة وصيام، ونحو ذلك، وإن لم يحصُل ذلك) أي: ما وجب عليه من العلم (ببلده، فله السفر لطلبه بلا إذنهما) أي: أبويه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

(1)

.

(ولا إذن لجدٍّ ولا جدَّة) لظاهر الأخبار، ولا لكافرين؛ لفعل الصحابة، ولا لرقيقين؛ لعدم الولاية، ولا لمجنونين؛ لأنه لا حكم لقولهما.

(فإن خرج في جهادِ تطوُّع بإذنهما، ثم مَنَعاه منه بعد سيره وقبل تَعيينه عليه، فعليه الرجوع) لأنه معنًى لو وُجد في الابتداء، مَنَعَ، فَمَنَعَ إذا وُجد في أثنائه، كسائر الموانع (إلا أن يخاف على نفسه في الرُّجوع، أو يحدث له عُذر من مرض ونحوه، فإن أمكنه الإقامة في الطريق) أقام حتى يقدر على الرجوع، فيرجع (وإلا مضى مع الجيش.

وإذا حضر الصفَّ، تعيَّن عليه؛ لحضوره، وسقط إذنهما، وإن كان

= عبد الله بن عمرو: ففيهما فجاهد. وتعقبه الذهبي بقوله: درَّاج واهٍ.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 138): رواه أحمد، وإسناده حسن.

قلنا: في إسناد أحمد - أيضًا - درَّاج عن أبي الهيثم، قال فيه ابن حجر في التقريب (1833): صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف.

(1)

هو نص حديث، وقد تقدم تخريجه (6/ 34)، تعليق رقم (2).

ص: 39

رجوعهما عن الإذن بعد تعيين الجهاد علبة، لم يؤثر شيئًا) لعدم اعتبار الإذن إذَنْ.

(وإن كانا) أي: الأبوان (كافرين، فأسلما ثم منعاه، كان كمنعهما بعد إذنهما) على ما تقدم تفصيله (وكذا حكم الغريم) يأذن ثم يرجع.

(فإن عَرَض للمجاهد في نفسه مرض أو عمًى أو عَرَجٌ، فله الانصراف، ولو بعد التقاء الصفين) لخروجه عن أهلية الوجوب.

(وإن أذن له أبواه في الجهاد، وشرطا عليه أن لا يقاتل، فحضر القتال، تعيَّن عليه، وسقط شرطهما).

قلت: وكذا لو اسْتَنْفَرَه من له استنفاره ونحوه، مما يتعيَّن به الجهاد عليه.

فصل

(ويَحرم فِرار مسلم من كافريْنِ)(و) يحرم فِرار (جماعة من مِثلَيْهم) لقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}

(1)

. قال ابن عباس: "من فرَّ من اثنين فقد فَرَّ، ومنْ فرَّ من ثلاثةٍ فما فرَّ"

(2)

.

(1)

سورة الأنفال، الآية:66.

(2)

أخرجه ابن المبارك في الجهاد ص/ 190، رقم 235، والشافعي في الأم (4/ 242)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 116)، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ص/ 193، رقم 360، وعبد الرزاق (5/ 252) رقم 9525، وسعيد بن منصور (2/ 224) رقم 2538، و (5/ 226) رقم 1001، وابن أبي شيبة (12/ 537)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1729) رقم 9141، والبيهقي (9/ 76).

وأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 93) حديث 11151، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 328): رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

ص: 40

(ويلزمهم) أي: المسلمين (الثبات، وإن ظنُّوا التَّلَف) لقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ}

(1)

ولأنه صلى الله عليه وسلم عدَّ الفِرار من الكبائر

(2)

.

(إلا مُتحرِّفين لقتال) لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}

(3)

.

(ومعنى التحرُّف) لقتال (أن ينحازوا إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، مثل أن ينحازوا من ضِيق إلى سعة، أو من مَعْطَشَة إلى ماء، أو من نزول إلى عُلُوٍّ، أو عن

(4)

استقبال شمس أو ريح إلى استدبارهما، أو يفرُّوا بين أيديهم لينتقض صفهم، أو تنفرد خيلهم من رَجَّالتهم، أو ليجدوا فيهم فرصة، أو يستندوا إلى جبل، ونحو ذلك) مما جرت به عادة أهل الحرب، قال عمر:"يا ساريةُ، الجَبَلَ"

(5)

، فانحازوا إليه،

(1)

سورة الأنفال، الآية:15.

(2)

أخرج البخاري في الوصايا، باب 23، حديث 2766، وفي الحدود، باب 44، حديث 6857، ومسلم في الإيمان، حديث 89، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".

(3)

سورة الأنفال، الآية:16.

(4)

في "ح": "من".

(5)

أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على فضائل الصحابة (1/ 269) رقم 355، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (7/ 1409) رقم 2537، وفي كرامات الأولياء ص/ 120، رقم 67، وأبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 740) رقم 526، والبيهقي في الاعتقاد ص/ 203، وابن عساكر في تاريخه (20/ 24، 25، 26) والدير عاقولي في فوائده، وابن الأعرابي في كرامات الأولياء، كما في الإصابة (4/ 97)، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث جيشًا

فبينا عمر يخطب، قال: فجعل يصيح وهو =

ص: 41

وانتصروا على عدوهم.

(أو مُتحيِّزين إلى فئة ناصرةٍ تُقاتل معهم، ولو بَعُدَت) لعموم قوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}

(1)

.

(قال القاضي: لو كانت الفئةُ بخراسان، والفئةُ بالحجاز، لجاز التحيُّزُ إليها) لحديث ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنِّي فِئَةٌ لكم"

(2)

= على المنبر: يا ساريةُ، الجبلَ، يا ساريةُ، الجبلَ

وقد حسَّن إسناده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (10/ 175)، والحافظ ابن حجر في الإصابة (4/ 98).

وانظر كلام ابن تيمية على هذا الأثر في مجموع الفتاوى (13/ 88).

(1)

سورة الأنفال، الآية:16.

(2)

سعيد بن منصور (2/ 225) حديث 2539. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الأدب المفرد، حديث 253، وأبو داود في الجهاد، باب 106، حديث 2647، والترمذي في الجهاد، باب 36، حديث 1716، والشافعي في الأم (4/ 93)، وفي مسنده (ترتيبه 1/ 207)، والحميدي (2/ 302) حديث 687، وابن سعد (4/ 145)، وابن أبي شيبة (12/ 535)، وأحمد (2/ 58، 70، 99، 100)، وابن الجارود (3/ 305) حديث 1050، وأبو يعلى (9/ 446) حديث 5596 و (10/ 158) حديث 5781، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 357، 358) حديث 900 - 902، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1671) حديث 8896، وتمام في فوائده (1/ 329) حديث 841، وأبو نعيم في الحلية (9/ 57)، والبيهقي (7/ 101) و (9/ 76)، وفي شعب الإيمان (4/ 50) حديث 4311، والبغوي في شرح السنة (11/ 69) حديث 2708، وابن عساكر في تاريخه (51/ 266) من طريق يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: لقينا العدوَّ فحاص الناس حيصة، فكنتُ فيمن حاص، فدخلنا المدينة، فتعرضنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الصلاة، فقلنا: يا رسول الله! نحن الفرَّارون، قال: "بل أنتم العكَّارون، إني فئة لكم".

قال الترمذي: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد.

وقال المنذري في مختصر السنن (3/ 439): ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد =

ص: 42

وكانوا بمكان بعيد منه. وقال عمر: "أنا فئَةٌ لكل مسلمٍ"

(1)

وكان بالمدينة، وجيوشه بالشام والعراق وخراسان. رواهما سعيد.

(وإن زادوا على مِثْلَيْهم، فلهم الفِرار) قال ابن عباس: "لما نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}

(2)

شَقَّ ذلك على المسلمين، حين فرض الله عليهم أن لا يفرَّ واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الآية

(3)

، فلما خَفَّفَ عنهم مِنَ العدو

(4)

، نقصَ منَ الصبرِ بِقَدْرِ ما خَفَّفَ منَ العِدّةِ

(5)

" رواه أبو داود

(6)

. وظاهره: أنه يجوز لهم الفرار مع أدنى زيادة.

(وهو) أي: الفرار (أَولى) من الثبات (إن ظنُّوا التلف بتَرْكه) أي:

= من الأئمة.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 42): وفيه يزيد بن أبي زياد وهو لين الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 44 مع الفيض) ورمز لصحته.

(1)

سعيد بن منصور (2/ 225) رقم 2540. وأخرجه - أيضًا - ابن المبارك في الجهاد ص/ 185، رقم 262، والشافعي في الأم (4/ 93)، وعبد الرزاق (5/ 251، 252) رقم 9523، 9524، وفي تفسيره (1/ 155)، وابن أبي شيبة (12/ 536)، والطبري في تفسيره (9/ 203)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1671) رقم 8898، والبيهقي (9/ 77) من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عمر رضي الله عنه.

(2)

سورة الأنفال، الآية:65.

(3)

سورة الأنفال، الآية:66.

(4)

كذا في الأصول، وهو تصحيف، وصوابه:"العِدَّة" كما في صحيح البخاري وسنن أبي داود.

(5)

في الأصل، و"ح":"القدر"، وفي "ذ":"العدو".

(6)

في الجهاد، باب 106، حديث 2639، تحقيق محمد عوامة، (ولفظه في طبعة عزت عبيد الدعاس مختلف عن ما ذُكر هنا)، وأخرجه أيضًا البخاري في التفسير، باب 7، حديث 4653.

ص: 43

الفرار، وأطلق ابن عقيل استحباب الثبات للزائد؛ لما في ذلك من المصلحة.

(وإن ظنُّوا الظَّفَر، فالثبات أولى) من الفرار (بل يُستحبُّ) الثبات؛ لإعلاء كلمة الله، ولم يجب؛ لأنهم لا يأمنون العطب (كما لو ظنُّوا الهلاك فيهما) أي: في الفرار والثبات (فـ) يُستحبُّ الثبات وأن (يقاتلوا، ولا يستأسروا.

قال) الإمام (أحمد

(1)

: ما يعجبني أن يستأسروا. وقال

(2)

: يقاتل أحب إليَّ، الأسر شديد، ولا بُدَّ من الموت. وقال

(3)

: يقاتل، ولو أعطوه الأمان، قد لا يَفُون. وإن استأسروا، جاز).

قال في "البُلغة" وغيرها: وقال عمار: "من اسْتأسَرَ، برئَتْ منهُ الذِّمَّة"

(4)

فلهذا قال الآجري: يأثم، وأنه قول أحمد

(5)

.

(فإن جاء العدو بلدًا، فلأهله التحصُّن منهم، وان كانوا) أي: أهل الحِصن (أكثر من نصفهم، ليلحقهم مددٌ أو قوَّة) ولا يكون ذلك تولِّيًا ولا فرارًا، إنما التولي بعد اللقاء.

(وإن لقوهم خارج الحصن، فلهم التحيُّز إلى الحصن) ليلحقهم مددٌ أو قوة؛ لأنه بمنزلة التحرُّف للقتال، أو التحيز للفئة.

(وإن غزوا فذهبت دوابهم) لشرود أو قتل (فليس ذلك عذرًا في الفرار) إذ القتال ممكن بدونها.

(1)

الفروع (6/ 201).

(2)

مسائل أبي داود ص/ 247.

(3)

الفروع (5/ 201 - 202) وانظر مسائل أبي داود ص/ 247.

(4)

لم نقف على من أخرجه.

(5)

الفروع (6/ 201).

ص: 44

(وإن تحيَّزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه رَجَّالة، جاز) لأنه من التحرُّف للقتال.

(وإن فرّوا) أي: المسلمون (قبل إحراز الغنيمة فلا شيء لهم إذا أحرزها غيرهم) لأن مُلْكها لمن أحرزها.

(وإن قالوا) أي: الفارُّون (إنهم فرُّوا متحرِّفين للقتال، فلا شيء لهم أيضًا) لأنهم لم يشهدوا الوقعة حال تقضِّي الحرب، والاعتبار به كما يأتي.

(وإن أُلقيَ في مركبهم) أي: المسلمين (نارٌ فاشتعلت، فعلوا ما يرون السلامة فيه

(1)

) لأن حفظ الروح واجب، وغلبة الظن كاليقين في أكثر الأحكام، فهنا كذلك (من المُقام، أو الوقوع في الماء) ليتخلصوا من النار.

(وإن

(2)

شكُّوا) في أيهما السلامة (فعلوا ما شاؤوا) لأنهم ابتلوا بأمرين، ولا مزية لأحدهما على الآخر (كما لو تيقَّنوا الهلاك فيهما، أو ظنوه ظنًّا متساويًا، أو ظنوا السلامة) فيهما (ظنًّا متساويًا) قال أحمد

(3)

: كيف شاء صَنَع. وقال الأوزاعي

(4)

: هما موتتان، فاخترْ أيسرهما انتهى. وهم ملجؤون إلى الإلقاء، فلا ينسب إليهم الفعل بوجه، فلا يقال: ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة.

(1)

في "ذ": "ما يرون فيه السلامة".

(2)

في "ذ": "فإن".

(3)

مسائل أبي داود ص/ 247.

(4)

المغني (13/ 190).

ص: 45

فصل

(ويجوز تَبْييتُ الكفار، وهو كَبْسهم ليلًا، وقتلهم وهم غارُّون) أي: مغرورون (ولو قُتل فيه) أي: التبييت (من لا يجوز قتله من امرأة وصبي وغيرهما) كمجنون وشيخ فانٍ، إذا لم يُقصدوا؛ لحديث الصعب بن جثَّامة قال:"سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن ديار المشركين يُبَيِّتُون فيصابُ من نسائهم وذراريهم؟ فقال: هم منهم". متفق عليه

(1)

.

(وكذا قَتْلهم) أي: الكفار (في مَطمورة إذا لم يقصدهم) أي: النساء والصبيان، ونحوهم.

(و) يجوز أيضًا (رميهم بالمنجنيق) نص عليه

(2)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نَصَبَ المنْجَنيقَ على أهلِ الطّائفِ. رواه الترمذي مرسلًا

(3)

، ونَصَبَه عمرو بن

(1)

البخاري في الجهاد، باب 146، حديث 3012، ومسلم في الجهاد، حديث 1745.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 236.

(3)

في الأدب، باب 17، إثر حديث 2762 عن قتيبة، عن وكيع، عن رجل، عن ثور بن يزيد: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم

قال قتيبة: قلت لوكيع: من هذا؟ قال: صاحبكم عمر بن هارون.

قلنا: وعمر بن هارون: متروك، كما في التقريب (5014).

وقد رُوي من حديث علي رضي الله عنه: أخرجه العقيلي (2/ 244) وقال: غير محفوظ.

ومن حديث أبي عبيدة رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (9/ 84) من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد، عن عبد الله بن عمرو البصري، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي عبيدة رضي الله عنه، فذكره.

قال البيهقي: قال أبو قلابة: وكان ينكر عليه هذا الحديث.

قال البيهقي: فكأنه كان ينكر عليه وصل إسناده، ويحتمل أنه إنما أنكر رميهم يومئذ =

ص: 46

العاص على الإسكندرية

(1)

، ولأن الرمي به معتاد كالسهام، وسواء مع الحاجة وعدمها.

(و) يجوز (قَطْع المياه عنهم، و) قَطْع (السَّابِلة

(2)

) عنهم (وإن تضمن ذلك قتل الصبيان والنساء) لأنه في معنى التبييت السابق فيه حديث الصعب بن جثَّامة، ولأن القصد إضعافهم وإرهابهم؛ ليجيبوا داعي الله.

(و) تجوز (الإغارة على علّافيهم وحطَّابيهم ونحوه) أي: نحو ما ذكر مما فيه إضعاف وإرهاب لهم.

(ولا يجوز إحراق نَحْلِهم) بالمهملة (ولا تغريقه) لما روى مكحول: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة بأشياءَ، قال: "إذا غزَوْتَ فلا تحرقْ نَحْلًا

(3)

ولا تُغْرقه"

(4)

، وروى مالك أن أبا بكر قال ليزيد بن أبي

= بالمنجنيق.

ورُوي عن مكحول مرسلًا: أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 248، حديث 335، وابن سعد (2/ 159)، والشاشي (2/ 98) حديث 621، والبيهقي (9/ 84).

(1)

أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 210، رقم 664، عن موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه قال: لما صدّ عمرو بن العاص أهل الإسكندرية نصب عليهم المنجنيق.

(2)

السابلة من الطُّرق: المسلوكة، والقوم المختلفة عليها. القاموس المحيط ص/ 1012 مادة (سبل).

(3)

كذا في الأصول، وفي مسند الشاميين للطبراني:"نخلًا" بالخاء المعجمة.

(4)

أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 239، حديث 315.

وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 332) حديث 3471. عن مكحول، عن أبي هريرة، مرفوعًا.

قال أبو زرعة الرازي كما في المراسيل لابن أبي حاتم ص/ 212، رقم 793: لم يلق مكحول أبا هريرة.

قلنا: وفي سنده: عبيد الله بن ضرار عن أبيه. وهما ضعيفان لسان الميزان (4/ 539).

ص: 47

سفيان نحوه

(1)

. ولأن قتله فساد، فيدخل في عموم، قوله تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} الآية

(2)

؛ ولأنه حيوان ذو روح، فلم يجز إهلاكه لغيظهم، كنسائهم.

(ويجوز أخذ العسل وأكلُه) لأنه مباح (و) يجوز (أخذ شَهْده كله، بحيث لا يترك للنحل شيئًا فيه) لأن الشَّهْد من الطعام المباح، وهلاك النحل بأخذ جميعه يحصُل ضمنًا غير مقصود، فأشبه قتل النساء والذراري في البيات.

(والأَولى أن يترك له) أي: للنحل (شيئًا) من الشَّهْد ليبقى به.

(ولا يجوز عَقْر دوابهم ولو شاة) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان صَبْرًا

(3)

، وقول الصديق ليزيد بن أبي سفيان في وصيته: "ولا تعقِرَنْ شجرًا مثْمِرًا، ولا دَابَّةً عجماء ولا شاةً إلا لمأكلة (1)(أو من دواب قتالهم) فلا يجوز عَقْرها؛ لما تقدم (إلا حال قتالهم) فيجوز بلا خلاف؛

(1)

مالك في الموطأ (2/ 447) ولفظه: "لا تقتلن امرأة، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نحلًا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن". وأخرجه - أيضًا - البيهقي (9/ 89) وفي معرفة السنن والآثار (13/ 249) رقم 18076، والبغوي في شرح السنة (11/ 48) حديث 2696، وابن عساكر في تاريخه (2/ 77) من طريق مالك.

وأخرجه عبد الرزاق (5/ 199) رقم 9375، وسعيد بن منصور (2/ 157) رقم 2383، وابن أبي شيبة (12/ 383) بنحوه.

(2)

سورة البقرة، الآية:205.

(3)

أخرج البخاري في الذبائح، باب 25، حديث 5513، ومسلم في الصيد والذبائح، حديث 1956 عن هشام بن زيد قال: دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب فرأى غلمانًا قد نصبوا دجاجة يرمونها قال: فقال أنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم.

ص: 48

لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، إذ قتل بهائمهم مما يُتوصَّل به إلى قَتْلهم وهزيمتهم، وهو المطلوب، قاله في "المبدع".

(أو لأكل يحتاج إليه) فيباح قتلها لذلك؛ لما تقدم من قول الصديق: "إلا لمأكلة"؛ ولأن الحاجة تبيح مال المعصوم، فغيره أولى (ويردُّ الجِلْد في الغنيمة) لأنه ليس بطعام، وإن لم تَدْعُ الحاجة إلى أكله، وكان مما يُحتاج إليه في القتال كالخيل، لم يبح ذبحه للأكل.

(وأما الذي لا يُراد إلا للأكل، كالدجاج والحمام، وسائر الطير، والصيود، فحكمه حكم الطعام) في قول الجميع.

(ويجوز حَرْق شجرهم، وزرعهم، وقطعه إذا دَعَتِ الحاجة إلى إتلافه، أو كان لا يُقدَر عليهم) أي: الكفار (إلا به) كالذي يَقرُب من حصونهم ويمنع من قتالهم، أو يستترون به من المسلمين، أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة الطرق

(1)

(أو كانوا يفعلونه) أي: حرق الشجر والزرع وقطعهما (بنا) أي: معاشر المسلمين (فيفعل بهم ذلك لينتهوا) عنه وينزجروا.

(وما تضرر المسلمون بقطعه) من الشجر والزرع (لكونهم ينتفعون ببقائه لِعَلُوفَتِهم، أو يستظلون به، أو يأكلون من ثمره، أو تكون العادة لم تجر بيننا وبين عدونا) بقطعه (حَرُم قطعه) لما فيه من الإضرار بنا.

(وما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه بالمسلمين ولا نفع لهم) به (سوى غيظِ الكفار والإضرارِ بهم، فيجوز إتلافه) لقوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الآية

(2)

؛ ولما روى ابن عمر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حرَّق نخل

(1)

في "ح" و"ذ": "الطريق".

(2)

سورة الحشر، الآية:5.

ص: 49

بني النَّضير وقَطَعَ، وهي البُوَيْرةُ، فأنزل الله الآية، ولها يقول حسان

(1)

:

وَهانَ على سَراة بني لؤيٍّ

حريقٌ بالبويْرةِ مُسْتَطيرُ

متفق عليه

(2)

.

(وكذلك يجوز رميهم) أي: الكفار (بالنار، والحيَّات، والعقارب، في كفَّات المجانيق، و) يجوز (تدخينهم في المطامير، وفتح الماء ليُغرِقهم، وفتح حصونهم وعامرِهم) أي: هدمها عليهم؛ لأنه في معنى التبييت.

(فإذا قدر عليهم، لم يجز تحريقهم) لحديث: "إنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ، فإذا قتلْتُم فأحسِنُوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحتم فأحْسِنُوا الذَّبحة"

(3)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"فإنه لا يعذِّب بالنَّار إلا ربُّ النَّارِ" رواه أبو داود

(4)

. وكان أبو بكر يأمر بتحريق أهل الرِّدة بالنار

(5)

، وفعله خالد بن

(1)

ديوانه ص/ 110.

(2)

البخاري في المزارعة، باب 6، حديث 2326، وفي المغازي، باب 14، حديث 4032، ومسلم في الجهاد، حديث 1746.

(3)

أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، حديث 1955 عن شداد بن أوس رضي الله عنه.

(4)

في الجهاد، باب 122، حديث 2673. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (1/ 59)، وعبد الرزاق (5/ 214) رقم 9418، وسعيد بن منصور (2/ 261) حديث 2643، وأحمد (3/ 494)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 339) حديث 2376، وأبو يعلى (3/ 106) حديث 1536، وفي المفاريد ص/ 50، حديث 48، والطبراني في الكبير (3/ 158، 160) حديث 2990، 2996، وابن حزم في المحلى (11/ 383)، والبيهقي (9/ 72)، وابن عساكر في تاريخه (15/ 214، 215، 230) عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه.

وصححه ابن حزم في المحلى (10/ 376)، وقال الحافظ في الفتح (6/ 149): أخرجه أبو داود بإسناد صحيح.

(5)

أخرج البيهقي (9/ 85) عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان =

ص: 50

الوليد بأمره

(1)

.

(ويجوز إتلاف كتبهم المُبدَّلة) وفي "المنتهى": يجب (وإن أمكن الانتفاع بجلودها وورقها) أي: فيجوز إتلافها تبعًا.

(وإذا ظُفِر) بالبناء للمفعول (بهم) أي: بأهل الحرب (حَرُم قَتْل صبي وامرأة) لقول ابن عمر: "إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن قَتْلِ النساء والصِّبيانِ" متفق عليه

(2)

؛ ولأنهم يصيرون أرقَّاء بنفس السبي، ففي قتلهم إتلاف المال، فإن شكَّ في بلوغ الصبي، عُوِّل على شعر العانة، قاله في "البُلغة".

(وخُنثى) لاحتمال أن يكون امرأة.

(وراهب، ولو خالط الناس) لقول عمر: "ستَمُرُّون على قومٍ في صوامع لهم، احتَبَسُوا أنفسَهم فيها، فدعوهم حتى

= أبو بكر يأمر أمراءه حين كان يبعثهم في الردة إذا غشيتم دارًا

فذكر الحديث إلى أن قال: فشنوها غارة، فاقتلوا، وأحرقوا

وأخرج ابن سعد (7/ 396)، وعبد الرزاق (5/ 212) رقم 9412، وأبو عبيد في غريب الحديث (2/ 5)، وابن أبي شيبة (12/ 550)، وابن عساكر في تاريخه (16/ 240)، عن عروة بن الزبير قال: حرق خالد بن الوليد ناسًا من أهل الردة، فقال عمر لأبي بكر: أتَدَعُ هذا الذي يعذب بعذاب الله؟ فقال أبو بكر: لا أشيمُ سيفًا سله الله على المشركين.

(1)

أخرج أبو يعلى (13/ 146) حديث 7190، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 314) عن الشعبي قال: ارتدت بنو عامر، وقتلوا من كان فيهم من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يقتل بني عامر ويحرقهم بالنار.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 220): رواه أبو يعلى، وفيه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، وقد وثق.

(2)

البخاري في الجهاد، باب 147، 148، حديث 3014، 3015، ومسلم في الجهاد، حديث 1744.

ص: 51

يُميتهم

(1)

الله على ضلالهم"

(2)

.

(وشيخ فانٍ) لأنه صلى الله عليه وسلم "نَهَى عن قَتْله" رواه أبو داود

(3)

. وروي عن

(1)

في "ذ": "يبعثهم".

(2)

لم نقف عليه من قول عمر رضي الله عنه، ورواه مالك بنحوه من قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد تقدم تخريجه (7/ 48)، تعليق رقم (1).

وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: أخرجه أحمد (1/ 300)، وابن أبي شيبة (12/ 387)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 269) حديث 1677، وأبو يعلى (4/ 422، 5/ 59) حديث 2549، 2650، والطحاوي (3/ 225)، وفي شرح مشكل الآثار (15/ 435) حديث 6135، والطبراني في الكبير (11/ 224) حديث 11561، وابن عدي (1/ 234)، والبيهقي (9/ 90)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 141)، وفيه:"ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 316): رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني. وفي رجال البزار: ابن أبي حبيبة، وثقه أحمد، وضعفه الجمهور. وضعفه الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 103).

(3)

في الجهاد، باب 82، حديث 2614. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (12/ 382 - 383)، وتمام في فوائده (1/ 90) حديث 200، والبيهقي (9/ 90)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 233)، والاستذكار (14/ 77)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 151) عن خالد بن الفرز، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا.

ضعفه ابن حزم في المحلى (7/ 398)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 562).

وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (3/ 419)، والزيلعي في نصب الراية (3/ 386)، فيه خالد بن الفرز، قال ابن معين: ليس بذاك.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم:

أ - أبو بكر رضي الله عنه، وتقدم تخريجه (7/ 48)، تعليق رقم (1).

ب - وعلي رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (9/ 90 - 91)، وقال: في هذا الإسناد إرسال وضعف، وهو بشواهده مع ما فيه من الآثار يقوى.

ج - وخالد بن زيد رضي الله عنه: أخرجه البيهقي (9/ 91). وقال: وهذا أيضًا منقطع وضعيف.

د - وراشد بن سعد مرسلًا: أخرجه ابن أبي شيبة (12/ 387).

ص: 52

ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا}

(1)

يقول: "لا تقتلوا النساء والصبيانَ والشيخ الكبيرَ"

(2)

. ولأنه ليس من أهل القتال أشبه المرأة، ويحمل ما روي

(3)

على قتل المقاتلة الذين فيهم قوة، مع أنه عام، وخبرنا خاص بالهِمِّ

(4)

، فيقدَّم عليه.

(وزَمِن، وأعمى) لأنه ليس فيهما نكاية؛ فأشبها الشيخ الفاني.

(وفي "المغني"). والشرح": (وعبد، وفلَّاح) لا يقاتل؛ لقول عمر: "اتّقُوا الله في الفَلّاحِينَ الذينَ لا يَنْصِبُون لكم الحَرْب"

(5)

؛ ولأن

(1)

سورة البقرة، الآية:190.

(2)

أخرجه ابن جرير في تفسيره (2/ 190)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 325) رقم 1721.

(3)

وهو ما أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 111، حديث 2670، والترمذي في السير، باب 29، حديث 1583، وسعيد بن منصور (2/ 256) حديث 2624، وابن أبي شيبة (12/ 388)، وأحمد (5/ 12، 20)، والطبراني في الكبير (7/ 262)، حديث 6901، وفي مسند الشاميين (4/ 29) حديث 2641، والبيهقي (9/ 92)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 142)، والبغوي في شرح السنة (11/ 47) حديث 2695 عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا:"اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شَرخهم".

زاد الترمذي: والشرخ الغلمان الذين لم ينبتوا.

وقال: حسن صحيح غريب. اهـ.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 60 مع الفيض) ورمز لصحته.

وقال البيهقي (1/ 159، 8/ 75، 5/ 288): وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو غير محتج به، والحسن عن سمرة منقطع في غير حديث العقيقة. وضعفه ابن حزم في المحلى (7/ 298)، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 44).

(4)

في "ذ": "بالهرم"، والهِمُّ: الشيخ الفاني. القاموس المحيط ص/ 1171، مادة:(همم).

(5)

أخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص/ 52، رقم 132، وسعيد بن منصور (2/ 256)، =

ص: 53

الصحابة لم يقتلوهم حسين فتحوا البلاد؛ ولأنهم لا يقاتلون، أشبهوا الشيوخ والرهبان، وفي "الإرشاد": وحَبْر.

(لا رأي لهم) فمن كان من هؤلاء ذا رأي - وخصَّه في "الشرح" بالرجال، وفيه شيء، قاله في "المبدع" - جاز قتله؛ لأن دريد بن الصِمَّة قُتل يوم حنين، وهو شيخ لا قتال فيه؛ لأجل استعانتهم برأيه، فلم ينكر صلى الله عليه وسلم قتله

(1)

، ولأن الرأي من أعظم المعونة على الحرب، وربما كان أبلغ في القتال، قال المتنبي

(2)

:

الرأيُ قبل شجاعة الشُّجعان

هو أولٌ وهي المحلُّ الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مُرَّةٍ

بَلَغَتْ من العلياء كلَّ مكان

ولربما طَعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الفُرْسان

(إلا أن يقاتلوا) فيجوز قتلهم بغير خلاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَتَلَ يوم قُرَيْظة

(3)

امرأةً ألقَتْ رحًى على محمود بنِ مسلمة

(4)

، وروى ابن عباس:

= رقم 2625، وابن أبي شيبة (12/ 383)، والبيهقي (9/ 91).

(1)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 55، حديث 4323، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2498 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

(2)

ديوانه ص/ 414.

(3)

في "ح": "يوم بني قريظة".

(4)

أخرج أبو داود في الجهاد، باب 111، حديث 2671، والطبري في تاريخه (2/ 589)، وأحمد (6/ 277)، والحاكم (3/ 35)، والبيهقي (9/ 82)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 141)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يقتل من نسائهم - تعني بني قريظة - إلا امرأة، إنها لعندي تحدث، تضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسيوف، إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا، قلت: وما شأنك؟ قالت: حَدَث أحدثته. قالت: فانطلق بها، فضُربت عنقُها، فما أنسى عجبًا منها أنها تضحك ظهرًا وبطنًا وقد علمت أنها تُقتل. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. =

ص: 54

"أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على امرأةٍ مقتولةٍ يومَ الخندق، فقال: من قتل هذه؟ فقال رجلٌ: أنا، نازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي، فسكت"

(1)

.

(أو يُحرِّضوا عليه) أي: على القتال، فإن حرَّض أحد منهم، جاز قتله، فإنَّ تحريض النساء والذُّرية أبلغ من مباشرتهم القتال بأنفسهم.

(ولا يُقتل معتوه) أي: مختل العقل (مثله لا يقاتل) لأنه لا نكاية فيه، أشبه الصبي (ويأتي ما يحصل به البلوغ) في الحَجْر.

= وقال البيهقي: ذكر الشافعي رحمه الله في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه عن أصحابه: أنها كانت دلت على محمود بن مسلمة، دلَّت عليه رحًا فقتلته، فقُتلت بذلك. قال: ويحتمل أن تكون أسلمت وارتدَّت ولحقت بقومها فقتلها لذلك، ويحتمل غير ذلك.

ثم قال البيهقي: قال الشافعي: لم يصح الخبر لأي معنى قتلها، وقد قيل: إن محمود بن مسلمة قُتل بخيبر، ولم يقتل يوم بني قريظة.

وأخرج البيهقي (9/ 82) عن جابر: أن محمود بن مسلمة قتل يوم خيبر.

وأخرج البيهقي (9/ 82) عن الواقدي أن الذي قُتل يوم بني قريظة خلاد بن سويد، دلت عليه امرأة من بني قريظة رحى، فشدخت رأسه، فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال البيهقي: وهذا من قول ابن إسحاق والواقدي، منقطع. وانظر المغازي للواقدي (2/ 645)، والسيرة النبوية لابن هشام (2/ 242)، وطبقات ابن سعد (3/ 530)، والإصابة (3/ 152، 9/ 140).

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 388) حديث 12082، وأخرجه أحمد (1/ 256)، وابن أبي شيبة (14/ 470) بنحوه وفيهما:"فنهى عن قتل النساء".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 316): رواه أحمد والطبراني وفي إسنادهما الحجاج بن أرطاة، وهو مدلس، وانظر التلخيص الحبير (4/ 102).

وله شاهد أخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 247، حديث 333 عن عكرمة، مرسلًا. وابن أبي شيبة (12/ 384)، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 207، رقم 646، والطبري في تهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2/ 523) حديث 746، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، مرسلًا.

ص: 55

(ويُقتل المريض إذا كان ممن لو كان صحيحًا قاتل، كالإجهاز على الجريح) لأن في تركه حيًّا ضررًا على المسلمين، وتقوية للكفار (وإن كان) المريض (مأيوسًا من برئه، فكزَمِنٍ) لعدم النكاية بقتله.

(فإن تترَّسوا) أي: الكفار (بهم) أي: بالصبي والمرأة والخنثى، ونحوهم ممن تقدم أنه لا يقتل (جاز رميهم) لأن كف المسلمين عنهم حينئذ يفضي إلى تعطيل الجهاد، وسواء كانت الحرب قائمة أو لا (ويقصد) الرامي لهم (المقاتِلة) لأنهم المقصودون بالذات.

(ولو وقفت امرأة في صَفِّ الكفار، أو على حصنهم، فشتمتْ المسلمين، أو تكشَّفت لهم، جاز رميها والنظرُ إلى فَرْجِها للحاجة إلى رميها) ذكره في "المغني" و"الشرح". قال في "المبدع": وظاهر نص الإمام والأصحاب خلافه. ويتوجه: أن حكم غيرها ممن منعنا قتله كهي (وكذلك يجوز لهم رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام، أو تسقيهم الماء) كالتي تُحرِّض على القتال، وفيه شيء.

(وإن تترَّسوا) أي: أهل الحرب (بمسلمين، لم يجز رميهم) لأنه يؤول إلى قتل المسلمين، مع أنَّ لهم مندوحة عنه، (فإن رماهم، فأصاب مسلمًا، فعليه ضمانه) لعدوانه (إلا أن يخاف علينا) من تَرْك رميهم (فقط، فيرميهم) نصَّ عليه

(1)

للضرورة (ويقصد الكفَّار) بالرمي؛ لأنهم هم المقصودون بالذات؛ فلو لم يخفْ على المسلمين، لكن لا يقدر عليهم إلا بالرمي، لم يجز رميهم؛ لقوله تعالى:{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} الآية

(2)

. قال

(1)

مسائل بكر بن محمد كما في الأحكام السلطانية ص/ 43.

(2)

سورة الفتح، الآية:25.

ص: 56

الليث

(1)

: تَرْك فَتْح حصن يُقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق.

فصل

(ومن أسر أسيرًا، لم يجز قتله حتى يأتي به الإمام) فيرى فيه رأيه؛ لأن الخيرة في أمر الأسير إليه (إلا أن يمتنع) الأسير (من المسير معه - ولا يمكنه إكراهه بضرب أو غيره - أو يهرب منه، أو يخاف هربه، أو يخاف منه، أو يقاتله، أو كان مريضًا، أو مرض معه) أو كان جريحًا، فله قتله؛ لأن تركه حيًّا ضرر على المسلمين، وتقوية للكفار، وكجريحهم إذا لم يأسره.

(ويحرم عليه قَتْل أسيرِ غيره، قبل أن يأتي الإمام) ليرى فيه رأيه؛ لأنه افتيات على الإمام (إلا أن يصير) الأسير (في حالة يجوز فيها قتله لمن أسره) بأن يمتنع من المسير، ولا يمكن إكراهه بضرب أو غيره، أو يهرب ونحوه مما مَرَّ.

(فإن قتل أسيرَه، أو) قتل (أسيرَ غيرِه قبل ذلك) أي: قبل أن يصير في حالة يجوز فيها قتله (وكان) الأسير (المقتول رجلًا، فقد أساء) القاتل؛ لافتياته على الإمام (ولا شيء عليه) أي: القاتل. نص عليه

(2)

؛ لأن عبد الرحمن بن عوف أسر أُمية بن خلف وابنه عليًّا يوم بدر، فرآهما بلال، فاستصرخ الأنصار عليهما، حتى قتلوهما

(3)

. ولم يغرموا شيئًا،

(1)

ذكره في المغني (13/ 142).

(2)

الفروع (6/ 212).

(3)

أخرجه البخاري، الوكالة، باب 2، حديث 2301، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

ص: 57

ولأنه أتلف ما ليس بمال.

(وإن كان) الأسير (صغيرًا، أو امرأة ولو راهبة، عاقبه) أي: القاتلَ (الأميرُ) لافتياته (وغرَّمه قيمته غنيمة؛ لأنه صار رقيقًا بنفس السبي) بخلاف الحُرِّ المقاتل.

(ومن أُسر، فادعى أنه كان مسلمًا، لم يقبل قوله إلا ببينة) لأنه خلاف الظاهر (فإن شهد له) أي: للأسير رجل (واحد وحلف معه، خُلِّي سبيله) فيثبت بما يثبت به المال، كالعتق والكتابة والتدبير. واستدلَّ الأصحاب بحديث عبد الله بن مسعود: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: لا يُبقَّى

(1)

منهم أحدٌ؛ إلا أنْ يفدى، أو يُضْرَبَ عنُقُهُ. فقال عبد الله بن مسعود: إلّا سُهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلا سهيلُ بن بيضاء

(2)

، فقَبِل شهادةَ عبد الله وحده.

(1)

كذا في الأصول "لا يبقى" وفي مصادر التخريج: "لا ينفلتنّ"، وفي بعضها "لا ينقلبن".

(2)

أخرجه الترمذي في الجهاد، باب 34، حديث 1714، وفي تفسير القرآن، باب 8، حديث 3084، وأبو عبيد في الأموال ص/ 150، حديث 306، وابن أبي شيبة (12/ 417، 14/ 370)، وأحمد (1/ 383)، وأبو يعلى (9/ 117)، حديث 5187، والطبري في تفسيره، (10/ 43)، وفي تاريخه (2/ 476)، والطبراني في الكبير (10/ 143) حديث 10258، والحاكم (3/ 21، 22)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 207)، والبيهقي (6/ 321)، وفي شعب الإيمان (2/ 199) حديث 1524، وفي دلائل النبوة (3/ 138)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 57)، من طريق أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

قال الترمذي: حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 86): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وفيه أبو عبيدة، لم يسمع من أبيه، لكن رجاله ثقات. وصحَّح إسناده الحافظ في الإصابة (4/ 283). =

ص: 58

قلت: هذا يقتضي أن يكون كهلال رمضان، فيقبل فيه خبر عدل واحد، إذ لم يُذكر في الخبر تحليف.

(قال جماعة: ويقتل المسلمُ أباه وابنَه، ونحوَهما من ذوي قرابته في المعترك) لأن أبا عبيدة قتل أباه في الجهاد

(1)

، فأنزل الله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية

(2)

.

(ويُخَيَّرُ الأميرُ تَخييرَ مصلحة واجتهاد) في الأصلح (لا تخيير شهوة في الأسْرى الأحرار المقاتلين والجاسوس - ويأتي - بين قتلٍ) لعموم قوله

= قال أبو عبيد: أما أهل المعرفة بالمغازي فإنهم يقولون: إنما هو سهل بن بيضاء، أخو سهيل، فأما سهيل فكان من المهاجرين، وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا.

قال ابن سعد (4/ 213): أسلم سهل بمكة وكتم إسلامه، فشهد بدرًا مع المشركين، فأسر يومئذ، فشهد له عبد الله بن مسعود أنه رآه يصلي، فخلى عنه. وانظر الإصابة (4/ 270)، والاستيعاب (4/ 271)، وقال ابن سعد - أيضًا - (4/ 213): الذي روى هذه القصة في سهيل بن بيضاء قد أخطأ، سهيل أسلم قبل عبد الله بن مسعود، ولم يَسْتَخفِ بإسلامه، وشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا، والقصة في سهل.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 154) حديث 360، والحاكم (3/ 265)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 101)، والبيهقي (9/ 27)، وابن عساكر في تاريخه (25/ 446)، عن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجراح قصده أبو عبيدة فقتله.

قال البيهقي وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 342): هذا منقطع.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 102): رواه الحاكم والبيهقي منقطعًا عن ابن شوذب. وكان الواقدي ينكره، ويقول: مات والد أبي عبيدة قبل الإسلام. وقال في الفتح (7/ 93): رواه الطبراني مرسلًا. وقال في الإصابة (5/ 286): أخرجه الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن شوذب.

(2)

سورة المجادلة، الآية:22.

ص: 59

تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}

(1)

؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجال قُريظة

(2)

، وهم بين السِّتمائة والسبعمائة

(3)

، وقتل يوم بدرٍ عتبَة

(4)

بنَ أبي مُعيْط

(5)

،

(1)

سورة التوبة، الآية:5.

(2)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 167، حديث 3043، وفي مناقب الأنصار باب 72، حديث 3804، وفي المغازي، باب 31، حديث 4121، وفي الاستئذان، باب 26، حديث 6262، ومسلم في الجهاد، حديث 1768، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي في السير، باب 29، حديث 1582، والنسائي في الكبرى (5/ 206) حديث 8679، وأحمد (3/ 350)، والدارمي في الجهاد، باب 66، حديث 2512، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (9/ 207)، حديث 3579، وابن حبان "الإحسان"(11/ 107) حديث 4784، عن جابر رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحافظ في الفتح (7/ 413): أخرجه ابن حبان، بإسناد صحيح.

(3)

انظر المغازي للواقدي (2/ 518)، وطبقات ابن سعد (2/ 75)، وسيرة ابن هشام (3/ 241)، ودلائل النبوة للبيهقي (4/ 19 - 20).

وفي حديث جابر المتقدم تخريجه آنفًا أنهم كانوا أربعمائة. وهكذا في الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 164).

(4)

كذا في الأصل و"ح" وصوابه: "عقبة" كما في "ذ" ومصادر التخريج.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (5/ 206) حديث 9394، والطبراني في الكبير (11/ 321) حديث 12154، وفي الأوسط (4/ 23) حديث 3027، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 89): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه - أيضًا - الطبراني في الأوسط (4/ 480) حديث 3813، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1904) من طريق آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 89): فيه عبد الله بن حماد بن نمير، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وأخرج أبو داود في الجهاد، باب 128، حديث 2686، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 402) حديث 4514، والطبراني في الأوسط (3/ 453) حديث 2973، =

ص: 60

والنضر بنَ الحارث، وفيه تقولُ أختُه:

ما كان ضرَّكَ لو مننتَ ورُبَّما

مَنَّ الفتى، وهو المَغِيظُ المُحْنَقُ

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو سَمِعْتُه ما قَتَلْتُه"

(1)

.

(واسترقاق) لقول أبي هريرة: لا أزال أحبُّ بني تميم بعد ثلاثٍ سمعتهنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُه يقول:"هم أشدُّ أمَّتي على الدَّجَّال"، وجاءت صدقاتُهُمْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذه صدقاتُ قومِنا". قال: وكانت سَبيَّةٌ منهم عند عائشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أعتقيها، فإنَّها مِنْ ولدِ إسماعيل" متفق عليه

(2)

.

ولأنه يجوز إقرارهم على كفرهم

(3)

بالجزية، فَبِالرِّق أَولى؛ لأنه أبلغ في صَغَارهم.

(ومَنٍّ) لقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا

= والحاكم (2/ 124)، والبيهقي (9/ 65) عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم "لما أراد قتل عقبة بن أبي معيط قال: مَن للصِّبْية؟ قال: النار".

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 89): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

(1)

أورده ابن هشام في السيرة (2/ 42)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1904)، وابن كثير في البداية والنهاية (5/ 189)، وابن حجر في الإصابة (13/ 95).

وأخت النضر، هي قتيلة بنت الحارث، كما سمَّاها ابن هشام وابن كثير، لكن جاء في الاستيعاب والإصابة: أن قائلة البيت هي ابنة النضر لا أخته، واسمها: قتيلة بنت النضر بن الحارث.

قال السهيلي في الروض الأنف (3/ 135): الصحيح أنها بنت النضر لا أخته، كذلك قال الزبير وغيره، وكذلك وقع في كتاب الدلائل.

(2)

البخاري في العتق، باب 13، حديث 2543، وفي المغازي، باب 68، حديث 4366، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2525.

(3)

في "ح": "الكفر".

ص: 61

فِدَاءً}

(1)

، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مَنَّ على أبي عزَّة الشاعر يوم بدرٍ

(2)

، وعلى أبي العاص بن الرَّبيع

(3)

، وعلى ثُمامة بنِ أثال

(4)

.

(وفِداءٍ بِمُسْلِمٍ) للآية؛ ولما روى عمران بن حصين: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فدَى رجُلَيْنِ من أصحابِهِ برجُلٍ من المشركينَ من بني عُقَيْل. رواه أحمد والترمذي وصححه

(5)

(أو) فداء (بمالٍ) للآية، ولأنه صلى الله عليه وسلم فادى أهل بدرٍ بالمال

(6)

.

(1)

سورة محمد، الآية:4.

(2)

أخرجه البيهقي (6/ 320) عن أبي هريرة مطولًا. وقال: هذا إسناد فيه ضعف، وهو مشهور عند أهل المغازي.

وأخرجه الواقدي في المغازي (1/ 110)، والبيهقي (9/ 65) عن سعيد بن المسيب مرسلًا مطولًا.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 109): في إسناده الواقدي.

(3)

أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 131، حديث 6292، وابن إسحاق، كما في سيرة ابن هشام (2/ 307)، وأحمد (6/ 276)، وابن الجارود (3/ 343)، حديث 1090، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 136) حديث 4708، والطبراني في الكبير (22/ 428) حديث 1050، والحاكم (3/ 23، 236، 324)، و (4/ 44)، والبيهقي (6/ 322)، وفي دلائل النبوة (3/ 154).

قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(4)

أخرجه البخاري في الصلاة، باب 76، حديث 462، وفي الخصومات، باب 7، حديث 2422، وفي المغازي، باب 70، حديث 4372، ومسلم في الجهاد، حديث 1764، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

أحمد (4/ 426 - 427)، والترمذي في السير، باب 18، حديث 1568، وأخرجه - أيضًا - مسلم في النذر، حديث 1641 ضمن حديث طويل.

(6)

أخرج أبو داود في الجهاد، باب 131، حديث 2691، والنسائي في الكبرى في السير، باب 59، حديث 8661، والطبراني في الكبير (12/ 183) حديث 12831، والحاكم (3/ 140)، والبيهقي (9/ 68) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جعل =

ص: 62

(فما فعله) الأمير من هذه الأربعة (تعيَّن) ولم يكن لأحد نقضه.

(ويجب عليه اختيار الأصلح للمسلمين) لأنه يتصرف لهم على سبيل النظر، فلم يجز له ترك ما فيه الحظ، كوَليِّ اليتيم؛ لأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى، فإنَّ منهم من له قوة ونكاية في المسلمين، فقتله أصلح، ومنهم الضعيف ذو المال الكثير، ففداؤه أصلح، ومنهم حسن الرأي في المسلمين يرجى إسلامه، فالمَنُّ عليه أَولى، ومن ينتفع بخدمته ويؤمن شره، استرقاقه أصلح (فمتى رأى المصلحة في خَصْلة، لم يجز اختيار غيرها) لما سبق.

(ومتى رأى القتل

(1)

، ضَرَب عنقه بالسيف) لقوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ}

(2)

.

(ولا يجوز التمثيل به، ولا التعذيب) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة: "ولا تعذِّبوا، ولا تُمثِّلوا"

(3)

.

(وإن تردَّد رأيُه ونظره) في الأسرى (فالقتل أَولى) لكفاية الشر.

(والجاسوس المسلم يُعاقَب، ويأتي حكم) الجاسوس (الذمي) في أحكام الذمة.

= رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسارى يوم بدر أربعمائة.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(1)

في "ذ": "قتله".

(2)

سورة محمد، الآية:4.

(3)

لفظ: "ولا تعذبوا". لم نقف على من أخرجه، وحديث بريدة رضي الله عنه أخرجه مسلم في الجهاد حديث 1731، وغيره بلفظ: "اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا

الحديث. ويأتي (7/ 81) تعليق رقم (1).

ص: 63

(ومن استُرِقَّ منهم) أي: الكفار (أو فُودي (1) بمال، كان الرقيق والمال للغانمين، حكمُه حكم الغنيمة) على ما يأتي. قال في "المبدع" و"الشرح": بغير خلاف نعلمه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قَسمَ فِداءَ أسارى بدرٍ بين الغَانِمين

(2)

.

(وإن سأل الأُسارى من أهل الكتاب) أو المجوس (تخليتَهم على إعطاء الجزية، لم يجز) ذلك (في نسائهم وصبيانهم) لأنهم صاروا أرقَّاء بنفس السبي (ويجوز في الرجال) ولا تجب إجابتهم إليه؛ لأنهم صاروا

(ا) في "ذ": "فدي".

(2)

أخرج أحمد (5/ 322، 323)، والطبري في تفسيره (9/ 172، 173)، وابن حبان "الإحسان"(11/ 193) حديث 4855، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1653) حديث 8768، والحاكم (2/ 326)، والبيهقي (6/ 292)، والضياء في المختارة (8/ 294) حديث 361، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في قصة غنائم بدر:"فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء، يقول: على السواء" قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وفي رواية أخرجها أبو عبيد في الأموال ص/ 396 حديث 802، وسعيد بن منصور (5/ 187) حديث 982، وأحمد (5/ 323 - 324)، والطحاوي (3/ 228، 277 - 278)، والحاكم (2/ 135 - 136)، والبيهقي (6/ 292، 9/ 57)، والضياء في المختارة (8/ 293، 295، 296) حديث 360، 363، 364:"فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين".

قال أبو عبيد: قوله "على فواق" هو من التفضيل، يقول: جعل بعضهم فيه أفوق من بعض.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 92): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات.

وأخرج أبو داود في الجهاد باب 156، حديث 2739، والبيهقي (6/ 292)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسواء".

ص: 64

في يد المسلمين بغير أمان.

(ولا يزول التخييرُ الثابت فيهم) بمجرد بذل المالِ قبل إجابتهم؛ لعدم لزومها لما سبق.

(و‌

‌لا يُبطِلُ الاسترقاقُ حقًّا لمسلم)

قاله ابن عقيل. وفي "الانتصار": لا يسقط حق قَوَد له، أو عليه. وفي سقوط دَيْنٍ من ذمَّته لضعفها برقِّه، كذمَّة مريض، احتمالان. وفي "البُلغة": يتبع به بعد عتقه، إلا أن يغنم بعد إرقاقه، فيقضي منه دينه، فيكون رِقه كموته. وعليه؛ يخرَّج حلوله برقِّه، وإن غُنما معًا، فهما للغانم، ودينه في ذِمته.

(والصبيان والمجانين من كتابي وغيره، والنساءُ، ومن فيه نفع ممن لا يُقتَل، كأعمى ونحوه، رقيق بنفس السبي) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن قَتلِ النِّساءِ والوِلْدانِ" متفق عليه

(1)

، وكان يسترقهم إذا سباهم (ويضْمَنُهم قاتِلُهم بعد السبي) بالقيمة، وتكون غنيمة، (ولا) يضمنهم قاتلهم (قبله) أي: قبل السبي؛ لأنهم لم يصيروا مالًا.

(وقِنُّ) أهل الحرب (غنيمة) لأنه مال كفار استُولي عليه، فكان للغانمين، كالبهيمة (وله) أي: الأمير (قَتْله) أي: القِنّ (لمصلحة) كالمرتد.

(ويجوز استرقاق من تُقبل منه الجِزية) وهم أهل الكتابَيْن والمجوس؛ لما تقدم.

(و) يجوز استرقاق (غيره) أي: غير من تُقبل منه الجِزية، كعَبَدة الأوثان، وبنى تغلب، ونحوهم؛ لأنه كافر أصلي، أشبه أهل الكتاب (ولو كان عليه ولاء لمسلم أو ذِمي) لأنه يجوز قتله، فجاز استرقاقه كغيره.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 51)، تعليق رقم (2).

ص: 65

(وإن أسلموا) أي: الأسرى الأحرار المقاتلون (تعيَّن رِقهم في الحال، وزال التخيير) فيهم (وصار حكمهم حكم النساء) نص عليه

(1)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ دَمُ امْرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاثٍ

(2)

". وهذا مسلمٌ، ولأنه أسير يحرم قتله؛ فصار رقيقًا، كالمرأة.

(وعنه

(3)

: يحرم القتل، ويُخَيَّر) فيهم الأمير (بين رقٍّ ومَنٍّ وفداء، صححه الموفق وجَمعٌ) منهم الشارح وصاحب "البلغة"، وقدَّمه في "الفروع" وجزم به في "الكافي"، وقال في "التنقيح": وهو المذهب. انتهى. لأنه إذا جاز ذلك في حال كفره، ففي إسلامه أَولى (فيجوز الفداء ليتخلص من الرِّق) وله أن يَمنَّ عليه؛ لما سبق.

(ويحرم ردُّه) أي: الأسير المسلم (إلى الكفار، قال الموفق) والشارح (إلا أن يكون له) أي: الأسير المسلم (من يمنعه) من الكفار (من عشيرة ونحوها) فلا يمتنع رده؛ لأمنه.

(ومن أسلم) من الكفار (قبل أسره لخوف أو غيره، فلا تخيير) فيه (وهو كمسلم أصلي) لأنه لم يحصل في أيدي الغانمين.

(ومتى صار لنا رقيقًا محكومًا بكفره من ذَكَرٍ وأنثى) وخنثى (وبالغ وصغير) مميز أو دونه (حرم مفاداته بمال، وبيعه لكافر ذِمي، و) كافر (غيره) أي: غير ذمي؛ كمستأمن ومعاهد، (ولم يصح) بيعه لهم.

(1)

المحرر (2/ 172)، والمبدع (3/ 328).

(2)

أخرجه البخاري في الديات، باب 6، حديث 6878، ومسلم في القسامة، حديث 1676، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(3)

في "ذ: "وقيل" وكذا في المحرر (2/ 172)، وأشار في هامش "ذ" إلى أن في نسخة "وعنه".

ص: 66

قال أحمد

(1)

: ليس لأهل الذِّمة أن يشتروا مما سَبَى المسلمون. قال

(2)

: وكتب عمر بن الخطاب ينهى عنه أمراء الأمصار، هكذا حكى أهل الشام. انتهى. ولأن فيه تفويتًا للإسلام الذي يظهر وجوده إذا بقي مخالطًا للمسلمين، بخلاف ما إذا كان رقيقًا لكافر.

(وتجوز مفاداته) أي: المسترق منهم (بمسلم) لدعاء الحاجة لتخليص المسلم.

(ويُفدى الأسير المسلم من بيت المال) لما روى سعيد بإسناده، عن حِبَّان بن أبي جَبَلة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ على المسلمينَ في فَيْئِهم أنْ يُفادوا أسيرَهُمْ، ويُؤَدُّوا عن غارمهم"

(3)

.

ولأنه موضوعٌ لمصالح المسلمين، وهذا من أهمِّها.

(فإن تعذر) فداؤه من بيت المال لمَنْعٍ، أو نحوه (فمن مال المسلمين) فهو فرض كفاية؛ لحديث:"أطعموا الجائعَ، وعُودُوا المريضَ، وفكُّوا العاني"

(4)

.

(1)

مسائل عبد الله (2/ 824 - 826) رقم 1098 - 1099 - 1101، ومسائل صالح (2/ 188) رقم 747، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 325 - 329) رقم 692 - 700، 702 - 704، وأحكام أهل الذمة (2/ 732 - 734).

(2)

مسائل عبد الله (2/ 825) رقم 1099، ومسائل صالح (2/ 188) رقم 747، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 327 - 328) رقم 699، 702، وذكره ابن قدامة في المغنى (9/ 182): وقال: وليس له إسناد.

(3)

سنن سعيد بن منصور (2/ 317) حديث 2821، وهذا مرسل؛ فإن حبان بن أبي جبلة تابعي كما في الإصابة (2/ 319)، وقال في التقريب (1079): المصري مولى قريش ثقة. وفي سنده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قال في التقريب (3887): ضعيف في حفظه.

(4)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 171، حديث 3046، وفي النكاح، باب 71، حديث 5174، وفي الأطعمة، باب 70، حديث 5373، وفي المرضى، باب =

ص: 67

(و‌

‌لا يُردُّ) الأسير المسلم (إلى بلاد العدو بحال)

لأنه تسليط لهم عليه.

(ولا يُفدى) الأسير (بخيل ولا سلاح) لأنه إعانة علينا (ولا بمُكاتَبٍ وأم ولد) لانعقاد سبب الحرية فيهما (بل) يفادى (بثياب ونحوها) من العُروض والنقود.

(وليس للإمام قتلُ من حَكمَ حاكمٌ برِقِّه) لأن القتل أشدُّ من الرق، وفيه إتلاف الغنيمة على الغانمين، وكما لو حكم الإمام برقِّ إنسان ليس له قتله بعد.

(ولا رِقُّ مَن حكم بقتله) أي: ليس للإمام رقُّ من حكم حاكم بقتله؛ لأنه قد يكون ممن يخاف من بقائه النكاية في المسلمين، ودخول الضرر عليهم.

(ولا رِقُّ، ولا قَتْل من حكم بفدائه) أي: ليس للإمام أن يسترق ولا أن يقتل من حكم حاكم بفدائه؛ لأنه ليس له ذلك فيمن حكم هو بفدائه؛ لأن القتل والرق أشد من الفداء، ويكون نقضًا للحكم بعد لزومه.

(وله) أي: للإمام (المنُّ؛ على الثلاثة المذكورين) أي: من حكم بقتله ورقه ومُفاداته؛ لأن المَنَّ أخف من الثلاثة، فإذا رآه الإمام مصلحة، جاز له فعله؛ لأنه أتمُّ نظرًا، وكما لو رآه ابتداء.

(وله) أي: للإمام (قَبول الفداء ممن حَكم) هو أو غيره (بقتله أو رقِّه) لأنه أخفُّ منهما؛ ولأنه نقض للحكم برضا المحكوم له؛ ولأنهما حق الإمام، فإذا رضي بتركهما إلى غيرهما، جاز.

= 4، حديث 3649، وفي الأحكام، باب 23، حديث 7173، عن أبي موسى رضي الله عنه.

ص: 68

(ومتى حَكمَ) إمامٌ أو غيرُه (برقٍّ أو فداء، ثم أسلم) محكوم عليه (فحكمه بحاله لا ينقض) لوقوعه لازمًا.

(ولو اشتراه) أي: الأسير (أحد من أهل دار الحرب، ثم أطلقه، أو أخرجه إلى دار الإِسلام، فله) أي: المشتري (الرجوع عليه بما اشتراه) أي: ببدله، إن كان دفعه عنه (بنية الرجوع) على الأسير (إذا كان) الأسير (حرًّا، أذِنَ) الأسير في ذلك (أو لم يأذن) لما روى سعيد بإسناده عن الشعبي، قال: "أغار أهلُ ماهٍ

(1)

وأهلُ جلولاء

(2)

على العرب، فأصابوا سبايا من سبايا العرب، فكتب السائبُ إلى عمرَ في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعِهم، فكتب عمر: أيما رجلٍ أصابَ رقيقَهُ ومتاعَه بعينه، فهو أحقُّ به مِنْ غيرِه، وان أصابَه في أيدي التُّجارِ بعد ما انقسم، فلا سبيلَ إليه، وأيما حرٍّ اشتراهُ التُّجّارُ، فإنّهُ يردُّ إليهم رؤرس أموالِهمْ؛ فإنَّ الحرَّ لا يُباع ولا يُشْتَرى"

(3)

.

ولأن الأسير يجب عليه فداء نفسه؛ ليتخلَّص من حكم الكفار،

(1)

ماه: كلمة فارسية، وتعني قصبة البلد، أي بلد كان، ومنه قولهم: ماه البصرة، وماه الكوفة، وماه فارس، والمراد بها هنا: ماه دينار، وهي مدينة نهاوند. انظر: معجم ما استعجم (4/ 1176)، ومعجم البلدان (5/ 49).

(2)

جلولاء: مدينة تقع شمال شرفي بغداد على نهر ديالي، وتبعد عن بغداد حوالي (70 كم). انظر: التاريخ الإِسلامي لمحمود شاكر (3/ 179).

(3)

سنن سعيد بن منصور (2/ 311) رقم 2803، ولفظه: أعان أهل ماه أهل جلولاء على العرب، وأصابوا سبايا من سبايا العرب، ورقيقًا ومتاعًا، ثم إن السائب بن الأقرع عامل عمر بن الخطاب، غزاهم ففتح ماه، فكتب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم، ومتاعهم قد اشتراه التجار من أهل ماه

فكتب عمر. . . إلخ.

وأخرجه البيهقي (9/ 112) مختصرًا، وقال: قال الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن عنه، هذا عن عمر مرسل، إنما روي عن الشعبي عن عمر، وعن رجاء بن حيوة عن عمر، وكلاهما لم أدرك عمر رضي الله عنه، ولا قارب ذلك.

ص: 69

فإذا ناب عنه غيره في ذلك، كان له الرجوع، كما لو أدى عنه دينًا واجبًا عليه، فإن لم ينوِ الرجوع، لم يرجع؛ لأنه متبرع (ويأتي) ذلك (في الباب بعده.

ومن سُبي من أطفالهم) أي: الكفار (أو مميِّزيهم منفردًا) عن أبويه، فمسلم؛ لأن التبعية انقطعت، فيصير تابعًا لسابيه المسلم في دِينه (أو) سُبي (مع أحد أبويه، فمسلم) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "ما من مولود إلَّا يُولَدُ على الفِطرةِ، فأبواهُ يهوِّدانه، ويُنَصِّرانِه، ويُمَجِّسانِهِ" متفق عليه

(1)

، فجعل التبعية لأبويه، فإذا لم يكن كذلك، انقطعت التبعية، ووجب بقاؤه على حكم الفطرة.

قال أحمد

(2)

: الفطرة التي فطر الناس عليها: شقي أو سعيد. وذكر الأثرم

(3)

معنى الفطرة

(4)

: على الإقرار بالوحدانية حين أخذهم من صُلب آدم، وأشهدهم على أنفسهم:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}

(5)

، وبأن له

(6)

صانعًا ومدبرًا وإن عَبَدَ شيئًا غيره، وسمَّاه بغير اسمه، وأنه ليس المراد على الإسلام؛ لأن اليهودي يرثه ولده الطفل إجماعًا

(7)

.

(1)

البخاري في الجنائز، باب 79، 92، حديث 1358، 1385، وفي تفسير سورة الروم، باب لا تبديل لخلق الله، حديث 4775، وفي القدر، باب 3، حديث 6599، ومسلم في القدر، حديث 2658. واللفظ له.

(2)

السنة للخلال (3/ 535 - 536)، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 77، 79) رقم 27، 31، 32، 33، وطبقات الحنابلة (1/ 328).

(3)

لعله في مسائله، ولم تطبع. وانظر: شفاء العليل لابن القيم (2/ 775).

(4)

في "ح" و"ذ": "على الفطرة".

(5)

سورة الأعراف، الآية:172.

(6)

في "ح": "لهم".

(7)

انظر: الإجماع لابن المنذر ص/ 85 - 86.

ص: 70

(وإن كان السَّابي) لغير البالغ منفردًا أو مع أحد أبويه (ذمِّيًّا، تبعه) المسبي على دينه (كـ) مسبي (مسلم) لانقطاع تبعيته لأبويه.

(وإن سُبي) غير البالغ (مع أبويه، فهو على دينهما) لبقاء التبعية.

(وإن أسلم أبوا حَملٍ أو طفلٍ أو مميز) فمسلم (لا) إن أسلم (جدٌّ وجدَّة) فلا يحكم بإسلامه بذلك؛ لظاهر الخبر السابق.

(أو) أسلم (أحدهما) أي: أحد أبوي الحمل، أو الطفل أو المميز، فمسلم.

(أو ماتا) في: أبوا غير بالغ (أو) مات (أحدهما في دارنا، أو عُدما) أي: الأبوان (أو) عدم (أحدهما بلا موت، كزنى ذِمية، ولو بكافر، أو اشتبه ولد مسلم بكافر، فمسلم في الجميع) للخبر السابق، وانقطاع التبعية. ولا يُقرع فيها إذا اشتبه؛ خشية أن يقع ولد المسلم للكافر.

(وكذا إن بلغ) ولد الكافر (مجنونًا) فإنه يُحكم بإسلامه في الحال الذي يُحكم فيه بإسلام غير البالغ؛ كإسلام أحد أبويه، أو موته بدارنا، كما هو صريح "الكافي" وغيره. وليس المراد أنه مسلم مطلقًا، وإلا لما صح قولهم فيما سبق: إن المسبيَّ المجنونَ رقيق بالسبي، وقولهم في باب الذِّمة: لا تؤخذ من مجنون، وغير ذلك.

(وإن بلغ) من حُكِم بإسلامه تبعًا لأحد أبويه، أو موته بدارنا (عاقلًا، ممسكًا عن الإسلام والكفر، قُتِلَ قاتله) لأنه مسلم معصوم، وليس المعنى: أنه يكون مسلمًا مطلقًا، كما يدل عليه قوله:(ويرث ممن جعلناه مسلمًا بموته، حتى ولو تصور موتهما) أي: أبويه (معًا لَوَرِثَهُما) إذ الحكم بالإسلام يعقب الموت، فحال الموت كان على دِين مورثه، لكن الحمل لا يرث أباه إذا مات بدارنا، كما يأتي في ميراث الحمل.

ص: 71

(وإن ماتا) أي: أبوا غير البالغ (بدار حَرْب، لم يُجعل مسلمًا) بذلك؛ لأنها دار كفر لا إسلام.

(ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين، ولو سَبَى كلَّ واحد منهما رجلٌ) لأن الرِّق معنًى لا يمنع ابتداء النكاح، فلا يقطع استدامته، كالعتق.

(ولا يَحرم التفريق بينهما) أي: الزوجين (في القسمة، و) لا في (البيع) لعدم ورود الشرع به.

(وإن سُبيت المرأة وحدها) أي: دون زوجها (انفسخ نكاحها، وحلَّت لسابيها) لحديث أبي سعيد الخدري قال: أصَبْنَا سبايا يومَ أوطاس، ولهُنَّ أزْواجٌ في قومِهنَّ، فذُكِر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت:{وَالْمُحْصَنَاتُ. . .} الآية

(1)

رواه الترمذي

(2)

وحسَّنه. والمراد: تحلّ لسابيها بعد الاستبراء؛ لما يأتي في بابه.

(وإن سُبِيَ الرجل وحده، لم ينفسخ) نكاحه؛ لأنه لا نصَّ فيه، ولا يقتضيه القياس.

(وليس بيع الزوجين القِنَّين، أو) بيع (أحدهما طلاقًا؛ لقيامه) أي: المشتري (مقام البائع) وكذا هبتهما، أو أحدهما، ونحوها.

فصل

(ويَحرم، ولا يصح أن يفرَّق بين ذي رَحِم مَحْرَم، ببيع ولا غيره) من قسمة وهِبَة ونحوهما (ولو رضوا به) لأنهم قد يرضوا بما فيه ضررهم، ثم يتغير قلبهم فيندمون (أو كان بعد البلوغ) لعموم حديث أبي

(1)

سورة النساء، الآية:24.

(2)

في النكاح، باب 35، حديث 1132، وأخرجه - أيضًا - مسلم في الرضاع، حديث 1456.

ص: 72

أيوب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "منْ فرَّق بين والدةٍ وولدها، فرَّقَ الله بينه وبين أحبَّتهِ يوم القيامةِ" رواه الترمذي

(1)

، وقال: حسن غريب.

وعن علي قال: "وهَبَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخويْنِ، فبعْتُ أحدَهُما، فقال لي رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل غلامُكَ؟ فأخبرتُهُ. فقال: رُدَّهُ رُدَّهُ" رواه الترمذي

(2)

، وقال: حسن غريب، وقِيْس على ذلك كل ذي

(1)

في البيوع، باب 52، حديث 1283، وفي السير، باب 17، حديث 1566. وأخرجه - أيضًا - أحمد (5/ 413)، والدارمي في السير، باب 39، حديث 2479، والطبراني في الكبير (4/ 182) حديث 4080، والدارقطني (3/ 67)، والحاكم (2/ 55)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 280) حديث 456، والبيهقي (9/ 126)، وفي شعب الإيمان (7/ 484) حديث 11081، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (1/ 351) حديث 212، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 193).

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قال الزيلعي في نصب الراية (4/ 23): وفيما قاله - أي الحاكم - نظر؛ لأن حيي بن عبد الله لم يخرج له في الصحيح شيء، بل تكلم فيه بعضهم. وضعَّفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 531)، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 585) والحافظ في إتحاف المهرة (5/ 36)، وفي التلخيص الحبير (3/ 15) وفي الدراية (2/ 153).

(2)

في البيوع، باب 52، حديث 1284. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في التجارات باب 46، حديث 2349، والطيالسي ص 46، حديث 185، وأحمد (1/ 102)، والدارقطني (3/ 66)، والبيهقي (9/ 127)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 192)، حديث 1492، من طريق الحجاج، عن الحكم، عن ميمون بن شبيب، عن علي رضي الله عنه.

وأُعلّ بالانقطاع، قال أبو داود (3/ 145) عقب حديث 2696: ميمون لم يدرك عليًّا.

وقال البغوي في شرح السنة (9/ 335): إسناده غريب.

قلنا لم ينفرد به، بل تابعه عبد الرحمن بن أبي ليلى، رواه إسحاق بن راهويه - كما في =

ص: 73

رحم مَحْرَم.

(إلا بعتق) فيجوز أن يعْتقَ أحدهما دون الآخر.

(أو افتداء أسير) مسلم بكافر.

(أو بيعٍ فيما إذا ملك أختين ونحوهما على ما يأتي) في كتاب النكاح؛ فإنه إذا وطئ إحداهما، لم يجز له وطء الأخرى حتى يحرِّمَ الموطوءةَ، فيجوز التفريق بينهما بالبيع أو الهبة، ونحوهما؛ للضرورة.

(ولو باعهم) أي: باع الإمام أو غيره السبايا (على أنَّ بينهم نسبًا يمنع التفريقَ) من أخوَّة ونحوها (ثم بان عدمه) أي: النسب المُحَرِّم للتفريق (فللبائع الفسخ) أي: فسخ البيع واسترجاعهم لبيعهم

(1)

بثمنهم متفرقين إن كانوا باقين، فإن فاتوا

(2)

، ردَّ المشتري الفضل الذي فيهم بالتفريق، ويرد إلى المقسم إن كانوا غنيمة.

(وإذا حصر الإمام حصنًا) للكفار (لزمه عمل الأصلح) للمسلمين

= نصب الراية (4/ 26)، وأحمد (1/ 97، 126)، والبزار (2/ 227)، حديث 624، وابن الجارود (2/ 162)، حديث 575، والطبري في تهذيب الآثار، كما في إتحاف المهرة (11/ 543)، والمحاملي في الأمالي ص 193، حديث 171، 172، والدارقطني (3/ 65)، وفي العلل (3/ 275)، والحاكم (2/ 54)، والبيهقي (9/ 127)، والضياء في المختارة (2/ 271 - 273) حديث 651 - 653، من طريق الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح غريب على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصححه الطبري، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 396)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 107): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

انظر: علل ابن أبي حاتم (1/ 386)، وعلل الدارقطني (3/ 172)، والأحكام الوسطى (3/ 262)، وتنقيح التحقيق (2/ 584).

(1)

في "ح" و"ذ": "ليبيعهم".

(2)

في "ذ": "ماتوا".

ص: 74

(من مصابرته، وهي ملازمته) مهما أمكن (أو انصرافه) لانصرافه صلى الله عليه وسلم عن حصن الطائف قبل فتحه

(1)

.

(فإن أسلموا) قبل القدرة عليهم أحرزوا مالهم ودماءهم (أو من أسلم منهم قبل القدرة عليه) أحرز ماله ودمه.

(أو أسلم حربي في دار الحرب، أحرز دمه وماله، ولو منفعة إجارة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ أنْ أقاتلَ النّاسَ حتى يقولوا لا إله إلا اللهُ، فإذا قالوها عصموا منِّي دماءَهُم وأموالهم"

(2)

.

(و) أحرز (أولاده الصغار والمجانين - ولو حملًا - في السَّبي كانوا أو في دار الحرب) للحكم بإسلامهم؛ تبعًا له، ولا يعصم أولاده الكبار؛ لأنهم لا يتبعونه.

(ولا يحرز امرأته إذا لم تسلم) لعدم تبعيتها له (فإن سُبيت صارت رقيقة) كغيرها من النساء.

(ولا ينفسخ نكاحه برقِّها) لأن منفعة النكاح لا تجري مجرى الأموال، بدليل أنها لا تضمن باليد ولا يجوز أخذ العِوض عنها.

(ويتوقف) بقاء النكاح (على إسلامها في العِدَّة) إن كان دخل بها، ولو كتابية؛ لأن الأَمَة الكتابية لا تحل للمسلم، كما يأتي.

(وإن دخل) كافر (دار الإسلام، فأسلم، وله أولاد صغار في دار الحرب) أو حَمْلٌ (صاروا مسلمين) تبعًا له (ولم يجز سَبْيهم) لعصمتهم بالإسلام.

(1)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 56، حديث 4325، وفي الأدب 68 حديث 6086، في التوحيد باب 31 حديث 7480، ومسلم في الجهاد، حديث 1778، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 80)، تعليق رقم (1).

ص: 75

(وإن سألوا الموادَعة) أي: المهادنة (بمال أو غيره، وجب) أن يجيبهم (إن كان فيه مصلحة، سواء أعطوه) أي: المال (جملة، أو جعلوه خراجًا مستمرًّا يؤخذ منهم كل عام) لأن الغرض إعلاء كلمة الإسلام، وصَغَار الكَفَرة، وهو حاصل بالموادعة، فتجب، كالمنِّ عليهم، وشَرَط بعض الأصحاب في عقدها بغير مال: عَجْز المسلمين أو استضرارهم بالمقام، ليكون ذلك عذرًا في الانصراف.

(فإن بذلوا الجزية، وكانوا ممن تقبل منهم) الجزية (لزم) الإمام أو نائبه (قَبولها، وحرم قتالهم) كغير المحاصرين.

(وإن بذلوا) أي: أهل الحصن (مالًا على غير وجه الجزية، فرأى) الإمام أو نائبه (المصلحة في قَبوله، قَبِله) منهم؛ لما فيه من المصلحة.

(وإذا استأجر مسلم أرضًا من حربي، ثم استولى عليها المسلمون، فهي غنيمة) كسائر أراضي أهل الحرب (ومنافعها للمستأجر) إلى انقضاء مدة الإجارة؛ لأنها مالُ مسلمٍ معصومٍ.

(وإذا أسلم رقيقُ الحربي وخرج إلينا) أي: إلى جيش المسلمين (فهو حُرٌّ) لحديث ابن عباس قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيدَ إذا جاؤوا قبل مواليهِم"

(1)

رواه سعيد

(2)

. ولا ولاء عليه لأحد، كما يُعلم

(1)

"ومنهم أبو بكرة". ش.

(2)

(2/ 313) حديث 2807. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (12/ 511)، وأحمد (1/ 224، 236، 243، 248، 349، 362)، والدارمي (2/ 310) حديث 2508، وأبو يعلى (4/ 437) حديث 2564، والطحاوي (3/ 278)، وفي شرح مشكل الآثار (11/ 43) حديث 4269، والطبراني في الكبير (11/ 387، 390) حديث 12079، 12092، والبيهقي (9/ 229)، وابن عساكر في تاريخه (62/ 209).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 245): رواه أحمد والطبراني باختصار، وفيه =

ص: 76

من كلامه في "الاختيارات"

(1)

في العتق.

(وإن أَسَرَ) عبدٌ خرج إلينا مسلمًا (سَيِّدَهُ) الكافرَ (أو غيرَه) من الكفار (وأولادَه) أي: أولاد سيِّدِه (وخرج إلينا، فهو حُرٌّ، ولهذا لا نردُّه في هُدنة) قاله في "الترغيب" وغيره؛ لما رَوى الشعبي عن رجل من ثقيف قال: "سألْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يردَّ علينا أبا بَكْرةَ، وكان عبدًا لنا أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصِرٌ ثقِيفًا، فأسلَمَ، فأبى أنْ يردَّهُ علينا، وقال: هو طليق اللهِ، ثم طليق رسولِهِ، فلم يردَّه علينا"

(2)

، (والمال له، والمَسْبي) من سيده وأولاده وغيرهم (رقيقه) لاستيلائه عليه. فانظر - رحمك الله - إلى عِزِّ الطاعة وذُلِّ المعصية.

(وإن أسلم) عبد (وأقام بدار الحرب) مسلمًا (فهو على رِقِّه، ولو) لحق العبد بنا، ثم (جاء مولاه بعده لم يرد إليه) لأنه صار حرًّا، بلحوقه

(3)

بنا.

(ولو جاء) السيد (قبله مسلمًا، ثم جاء العبد مسلمًا، فهو لسيده) لحديث أبي سعيد الأعسم قال: "قضى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في العبدِ وسيدِهِ قضيتيْنِ، قضى أن العبد إذا خرجَ من دار الحربِ قبلَ سيدهِ أنه حرٌّ، فإن خَرَجَ سيدُهُ بعدُ لم يردَّ عليه، وقضى أن السّيدَ إذا خرجَ قبلَ العبدِ، ثم

= الحجاج بن أرطاة وهو ثقة ولكنه مدلس.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 288.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (2/ 314) حديث 2808، وابن سعد (7/ 15) وأحمد (4/ 168، 310)، وابنه عبد الله في زوائده على المسند (4/ 168)، والطحاوي (3/ 278)، وفي شرح مشكل الآثار (11/ 49) حديث 4273، وابن عساكر في تاريخه (2/ 212 - 213).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 245): رواه أحمد ورجاله ثقات.

(3)

في "ذ": "للحوقه".

ص: 77

خرجَ العبدُ رُدَّ على سيدِهِ" رواه سعيد

(1)

.

ولأنه بإسلامه عصم ماله، والعبدُ من جملته.

(وإن خرج إلينا عبد بأمان) فهو حُرٌّ (أو نزل) إلينا عبد (من حصن فهو حُرٌّ) نص عليه

(2)

.

(وإن نزلوا) أي: أهل الحصن (على حكم حاكم عيَّنوه، ورضيه الإمام، جاز) لأنه صلى الله عليه وسلم لما حاصَرَ بني قريظَة نَزَلُوا على حكم سعدِ بن معاذٍ فأجابهم إلى ذلك" متفق عليه من حديث أبي سعيد

(3)

، (إذا كان) الذي نزلوا على حكمه (مسلمًا حرًّا بالغًا عاقلًا ذكرًا عدلًا من أهل الاجتهاد في الجهاد) لأنه حاكم أشبه ولاية القضاء، ولا يُشترط أن يكون مجتهدًا في جميع الأحكام التي لا تَعَلُّقَ لها في الجهاد؛ لعدم الحاجة إليه إذن.

(ولو أعمى) فلا يُعتبر أن يكون بصيرًا؛ لأنه إنما اعتُبر في القاضي ليعرف المدَّعي من المُدَّعَى عليه، والشاهِد من المشهود عليه، وهنا ليس كذلك (ويُعتبر له من الفقه ما يتعلق بهذا الحكم) لدعاء الحاجة إليه.

(وإن كانا) أي: اللذان نزلوا على حكمهما (اثنين، جاز) ذلك (ويكون الحكم ما اجتمعا عليه) دون ما انفرد به أحدهما.

(1)

(2/ 313) حديث 2806. وأخرجه - أيضًا - أبو إسحاق الفزاري في كتاب السير ص/ 172 حديث 210، وابن أبي شيبة (10/ 164) و (12/ 510)، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 211 رقم 666. عن الحجاج بن أرطاة، عن أبي سعيد الأعسم به. قال الهيثمي: هذا مرسل ضعيف، وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إليه من عبيد أهل الطائف. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (5/ 190): هذا مرسل ضعيف؛ لضعف الحجاج، وقد أعتق رسول الله من خرج إليه من عبيد أهل الطائف.

(2)

مسائل صالح (2/ 471) رقم 1183.

(3)

تقدم تخريجه (7/ 60)، تعليق رقم (2).

ص: 78

(وإن جعلوا الحكم إلى رجل يعينه الإمام، جاز) لأنه إنما يختار الأصلح.

(وإن نزلوا على حكم رجل منهم) لم يجز؛ لعدم نفوذ حكمه (أو جعلوا التعيين إليهم، لم يجز) لأنهم ربما اختاروا غيرَ الأصلح.

(وإن مات مَن اتَّفقوا عليه، ثم اتَّفقوا على غيره ممن يصلح، قام مَقامه) كما لو عيَّنوه ابتداءً.

(وإن لم يتفقوا) مع الإمام (وطلبوا حَكَمًا لا يصلح، رُدُّوا إلى مأمِنهم، وكانوا على الحصار حتى يتفقوا) مع الإمام على مَن يصلح لذلك.

(وكذلك إن رضوا باثنين) ينزلون على حكمهما (فمات أحدهما، فاتفقوا على من يقوم مقامه، جاز) حيث كان أهلًا (وإلا رُدُّوا إلى مأمنِهم) حتى يتفقوا على غيره ممن يصلح.

(وكذلك إن رضوا بتحكيم من لا تجتمع الشرائط فيه، ووافقهم الإمام عليه) لعدم علمه بأنه لا يصلح (ثم بان بأنه لا يصلح) لفقد شيء من الشروط السابقة (لم يُحَكَّم، ويُرَدُّون إلى مأمنهم كما كانوا) حتى يتفقوا على من يصلح.

(ولا يحكُمُ) مَن نزلوا على حكمه (إلا بما فيه حظ للمسلمين) لأنه نائبُ الإمام، فقام مقامه في اختيار الأحَظِّ، كَهُوَ في الأسرى، وحينئذ يلزمه ذلك، وحكمه لازم (من القتل والسبي) لأن سعدًا حَكَمَ في بني قريظة بقتلهم وسَبْي ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقدْ حكَمْتَ بحكم الله من فوق سبعةِ أرْقِعَةٍ"

(1)

(والفداء) لما سبق.

(1)

أخرجه ابن إسحاق في السيرة - كما في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكشاف =

ص: 79

(فإن حكم بالمنِّ على غير الذُّرية، لزم قَبوله) لأنه نائب الإمام، فكان له المنّ كَهُوَ، وظاهره: ولو أباه الإمام.

(وإن حَكَمَ بقتلٍ أو سبي، لزم قَبوله) لما تقدم في قضاء سعدٍ على بني قريظة

(1)

.

(فإن أسلموا قبل الحكم عليهم) بشيء مما سبق (عصموا دماءهم وأموالهم كما تقدم) لخبر: "أمِرْتُ أنْ أقاتِلَ الناس"

(2)

.

(وإن كان) إسلامهم (بعد الحكم بالقتل، عصموا دماءهم فقط) لأن قَتْل المسلم حرام، ولا يعصمون مالهم ولا ذريتهم؛ لأنها صارت للمسلمين قبل إسلامهم (ولا يُسْتَرَقُّون) لأنهم أسلموا قبل استرقاقهم. (ويكون المال على ما حكَمَ فيه) كالأنفس. (وإن حكم بأنهم للمسلمين، كان) المال (غنيمة) للمسلمين.

(وإن حكم عليهم بإعطاء الجِزْية لم يلزم حكمه) لأن عَقْد الجِزية عَقْد معاوضة يتوقف على التراضي.

(وإن سألوه) أي: أهل الحصن (أن ينزلهم على حكم الله) تعالى (لزمه أن يُنزلهم، ويُخيَّر فيهم كالأسرى) لأن ذلك هو الحكم بحسب اجتهاده، لكن في حديث بريدة الذي أخرجه أحمد ومسلم مرفوعًا

= للزيلعي (3/ 103) - والحربي في غريب الحديث (3/ 1030) والطبري في تفسيره (21/ 153)، عن علقمة بن وقاص، مرسلًا. وأعله ابن كثير في تحفة الطالب ص/ 459، والحافظ في الفتح (7/ 412) بالإرسال. وانظر ما تقدم (7/ 60)، تعليق رقم (2).

والأرقعة جمع رَقْع، وهي السماء كما في القاموس المحيط ص/ 933، مادة:(رقع).

(1)

انظر التعليق السابق.

(2)

تقدم تخريجه (5/ 80)، تعليق رقم (1).

ص: 80

وغيرهما: "وإذا حاصَرْتَ أهلَ حِصْنٍ فأرادُوكَ أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حُكمِكَ، فإنَّكَ لا تدرِي أتُصيبُ فيهم أمْ لا"

(1)

وأجاب عنه النووي في "شرح مسلم"

(2)

بأن المراد: أنه لا يأمن أن يَنزل وحي عليه صلى الله عليه وسلم بخلاف ما حكم به، وهذا المعنى مُنْتَفٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

(بين القتل والرِّق، والمَنِّ والفِداء) لما تقدم في الإمام.

(ويُكره نَقْل رأس) كافر من بلد إلى بلد (ورَمْيه بمَنْجَنيق بلا مصلحة) لما روى عقبة بن عامر: "أنه قدِمَ على أبي بكر الصديق برأس بنَان

(4)

البطريق، فأنكر ذلك، فقال: يا خليفة رسول الله، فإنهم يفعلُونَ ذلك بنا، قال: فأذِّنْ بفارسَ والرومِ: لا يُحملُ إليَّ رأسٌ، إنما يكفي الكتاب والخبر"

(5)

.

قال الشيخ تقي الدين

(6)

: وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد، ولا يكون نكالًا لهم عن نظيرها، فأما إن كان في

(1)

أحمد (5/ 358)، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1731.

(2)

(12/ 40).

(3)

في "ح" و"ذ" زيادة وهي: "فلهذا قال في الواضح: يكره، وقال في المبهج: لا ينزلهم؛ لأنه كإنزالهم بحكمنا، ولم يرضوا به، وعلى الأول فيخيّر"، وهذه الزيادة كانت في الأصل ثم شطبت.

(4)

كذا في الأصول، وفي مصادر التخريج:"يناق".

(5)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5/ 204) رقم 8673، وسعيد بن منصور (2/ 263) رقم 2649، 2650، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص/ 95، وابن أبي شيبة (12/ 515)، والبيهقي (9/ 132)، وابن عساكر في تاريخه (40/ 483)، وصحح إسناده الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 108).

(6)

الاختيارات الفقهية ص/ 450، 451.

ص: 81

التمثيل السائغ دعاء لهم إلى الإيمان، أو زجر لهم عن العدوان؛ فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القصة في أُحد كذلك، فلهذا كان الصبر أفضل.

(ويحرم أخذه) أي: الأمير (مالًا ليدفعه) أي: الرأس (إليهم) أي: إلى الكفار؛ لحديث ابن عباس: "إن المشركينَ أرادُوا أن يشْتَرُوا جسَدَ رجلٍ من المشرِكِينَ، فأبى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَبيعهُمْ"

(1)

وضعَّفه عبد الحق

(2)

وابن القطان

(3)

. ورواه أحمد

(4)

وفيه: "ادْفَعُوا إليْهِم جِيفته، فإنّهُ خبيثُ الدِّيَةِ

(5)

. فلم يقبل منهم شيئًا". وله في رواية: "فخَلَّى بينهم وبينهُ"

(6)

.

(1)

أخرجه الترمذي في الجهاد، باب 36، حديث 1715، وابن أبي شيبة (12/ 419)، وأحمد (1/ 326)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (1/ 256)، والطبراني في الكبير (11/ 299) حديث 12058، والبيهقي (9/ 133).

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحكم، ورواه الحجاج بن أرطاة أيضًا عن الحكم. وقال الحافظ في الفتح (6/ 283): إسناده غير قوي.

(2)

الأحكام الوسطى (3/ 76).

(3)

بيان الوهم والإيهام (3/ 489 - 490).

(4)

(1/ 248).

(5)

في "ذ": "فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية" وهو الموافق لما في المسند.

(6)

أحمد (1/ 271).

ص: 82

‌باب ما يلزم الإمام والجيش

يلزم كُلَّ أحد إخلاصُ النية لله تعالى في الطاعات، ويجتهد في ذلك، ويُستحبُّ أن يدعو سرًّا بحضور قلب؛ بما في حديث أنس قال:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهُمَّ أنتَ عَضُدِي ونصيري، بك أحُولُ، وبكَ أصُولُ، وبكَ أقاتِلُ" رواه أبو داود

(1)

بإسناد جيد.

وكان جماعة منهم الشيخ تقي الدين، يقوله عند قَصْدِ مجلس علم

(2)

.

و (يلزم الإمامَ أو الأميرَ إذا أراد الغزو أن يعرض جيشَه، ويتعاهد الخيل والرِّجال) لأن ذلك من مصالح الجيش، فلزمه فِعْله، كبقية المصالح، فيختار من الرجال ما فيه غنًى ومنفعة للحرب، ومناصحة، ومن الخيل ما فيه قوة وصبر على الحرب، ويمكن الانتفاع به في الركوب وحمل الأثقال.

(1)

في الجهاد، باب 99، حديث 2632. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الدعوات، باب 122، حديث 3584، والنسائي في الكبرى (5/ 188) حديث 8630، وفي عمل اليوم والليلة، حديث 604، وأحمد (3/ 184)، وأبو يعلى (5/ 283، 326) حديث 2904، 2949، وأبو عوانة في مسنده (4/ 87)، وابن حبان "الإحسان" (11/ 76) حديث 4761، والطبراني في الدعاء (1/ 328)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 52)، والبيهقي في الأسماء والصفات ص/ 70، والضياء في المختارة (6/ 338 - 340) حديث 2360، 2361، 2362.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (5/ 60): حديث صحيح.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 150 مع الفيض) ورمز لصحته.

(2)

الفروع (6/ 204).

ص: 83

و (يَمنع ما لا يصلُح للحرب؛ كفرس حَطيم: وهو الكسير، و) كفرس (قَحْم: وهو الشيخ الهرم، والفرس المهزول الهرم، وضَرعَ: وهو الرجل الضعيف والنحيف، ونحو ذلك) كالفرس الصغير، وكل ما لا يصلح للحرب (من دخوله أرضَ العدو) لئلا ينقطع فيها؛ ولأنه يكون كَلًّا على الجيش، ومُضيقًا عليهم، وربما كان سببًا للهزيمة.

(ويَمنع مُخذِّلًا فلا يصحبهم ولو لضرورة، وهو الذي يُفَنِّد غيره عن الغزو) ويزهِّدهم في الخروج إليه.

(و) يمنع (مُرْجِفًا: وهو من يحدِّث بقوة الكفار، وبضعفنا) لقوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} الآية

(1)

.

(و) يمنع (صبيًّا لم يشتد، ومجنونًا) لأنه لا منفعة فيهما.

(و) يمنع (مكاتبًا بأخبارنا، وراميًا بيننا العداوة، وساعيًا بالفساد، ومعروفًا بنفاق وزندقة) لأن هؤلاء مضرَّة على المسلمين، فلزم الإمام منعهم إزالة للضرر.

(و) يمنع (نساء) للافتتان بهن، مع أنهن لسن من أهل القتال؛ لاستيلاء الخَوَر والجُبْن عليهنَّ؛ ولأنه لا يُؤمن ظفر العدوِّ بهن، فيستحلون منهن ما حرم اللهُ تعالى، قال بعضُهم:(إلا امرأة الأمير لحاجته) لفعله صلى الله عليه وسلم

(2)

، (و) إلا امرأةً (طاعنة في السِّنِّ لمصلحة فقط،

(1)

سورة التوبة، الآية: 46، 47.

(2)

أخرج البخاري في الجهاد والسير، باب 64، حديث 2879، وفي المغازي، باب 34، حديث 4141، وفي تفسير سورة النور، باب 6، حديث 4750، ومسلم في التوبة، حديث 2770، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه، فأيتهن يخرج سهمها، خرج بها النبي صلى الله عليه وسلم، فأقرع بيننا في غزوة =

ص: 84

كسقي الماء ومعالجة الجرحى) لقول الرُّبَيّع بنت مُعَوِّذ: "كنَّا نَغْزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ نسقي الماءَ، ونخْدِمهُم، ونَرُدُّ الجرحى والقَتْلَى إلى المدينة" رواه البخاري

(1)

، وعن أنس معناه، رواه مسلم

(2)

؛ ولأن الرجال يشتغلون بالحرب عن ذلك، فيكون معونة للمسلمين، وتوفيرًا في المقاتلة.

(ويَحرم أن يستعينَ بكُفّار) لحديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرجَ إلى بدرٍ فَتَبعه رجلٌ من المشركينَ، فقال له: مؤمِنٌ باللهِ ورسُولِهِ؟ قال: لا، قال: فارْجِعْ، فلن أستعينَ بِمُشرِكٍ" متفق عليه

(3)

؛ ولأن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته؛ لخبث طويته، والحرب تقتضي المناصحة، والكافر ليس من أهلها، (إلا لضرورة) لحديث الزهري:"أن النبي صلى الله عليه وسلم استَعانَ بنَاسٍ منَ المشركين في حَرْبِه" رواه سعيد

(4)

. وروي أيضًا: "أن صفْوانَ بنَ أميةَ

= غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب.

(1)

في الجهاد والسير، باب 67، 68، حديث 2882، 2883، وفي الطب، باب 2، حديث 5679.

(2)

في الجهاد والسير، حديث 1810، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى.

(3)

لم نقف عليه عند البخاري، وأخرجه مسلم في الجهاد، باب 51، حديث 1817.

(4)

(2/ 284) حديث 2790. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المراسيل ص/ 224، حديث 282، وعبد الرزاق (5/ 188) حديث 9329، وابن أبي شيبة (12/ 395)، والبيهقي (9/ 53)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 342) حديث 1874.

قال البيهقي: هذا منقطع.

وقال ابن الجوزي: هذا الحديث مرسل. وضعفه ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 340). وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 100): والزهري مراسيله ضعيفة. =

ص: 85

شهدَ حُنينًا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم"

(1)

وبهذا حصل التوفيقُ بين الأدلة.

والضرورةُ مثلُ: كونِ الكفارِ أكثرَ عددًا، أو يخاف منهم، وحيث جاز اشتُرط أن يكون من يُستعان به حسنَ الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم، لم يَجُزْ كالمرجف، وأَولى.

(و) يَحرم (أن يُعينهم) المسلم (على عدوهم، إلا خوفًا) من شرهم؛ لقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

(2)

.

(قال الشيخ

(3)

: ومن تولَّى منهم) أي: من الكفار (ديوانًا للمسلمين، انتقض عهده) إن كان.

(ويحرم أن يستعين) مسلم (بأهل الأهواء) كالرافضة (في شيء من أمور المسلمين: من غزو، وعَمَالة، وكتابة وغير ذلك) لأنهم أعظم ضررًا؛ لكونهم دعاة، بخلاف اليهود والنصارى.

(ويُسنُّ أن يخرج) الإمام (بهم) أي: بالجيش (يوم الخميس) لحديث كعب بن مالك قال: "قلّمَا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخْرُجُ في سفرٍ إلا يومَ الخميسِ" رواه البخاري

(4)

. وعن صخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

= وفي الباب: عن ابن عباس رضي الله عنهما عند البيهقي (9/ 53) ولفظه: استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود بني قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم.

قلنا: وفي إسناده الحسن بن عمارة، قال البيهقي: تفرد بهذا الحسن بن عمارة، وهو متروك، ولم يبلغنا في هذا حديث صحيح. وقد روينا قبل هذا في كراهية الاستعانة بالمشركين. والله أعلم. اهـ وانظر السنن الكبرى للبيهقي (9/ 37).

(1)

أخرجه مسلم في الفضائل، حديث 2313، والبيهقي (7/ 19).

(2)

سورة المجادلة، الآية:22.

(3)

الاختيارات الفقهية ص 450.

(4)

في الجهاد والسير، باب 103، حديث 2949، 2950.

ص: 86

"اللهُمَّ بَارِكْ لأمّتِي في بُكُورِها، وكانَ إِذا بَعثَ سرِيّةً أو جيشًا بَعَثَهم أولَ النَّهارِ". رواه الترمذي، وحسنه

(1)

.

(1)

في البيوع، باب 6، حديث 1212. وأخرجه - أيضًا - البخاري في التاريخ الكبير (4/ 310)، وأبو داود في الجهاد، باب 85، حديث 2606، والنسائي في الكبرى (5/ 258) حديث 8833، وابن ماجه في التجارات، باب 41، حديث 2236، والطيالسي ص/ 175، حديث 1246، وسعيد بن منصور (2/ 157) حديث 2382، وابن أبي شيبة (12/ 516)، وأحمد (3/ 416، 431، 432) و (4/ 484، 390)، وعبد بن حميد (1/ 397) حديث 431، والدارمي في السير، باب 1، حديث 2435، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 363) حديث 2402، والعقيلي (4/ 447)، وابن حبان "الإحسان" (11/ 62، 63) رقم 4754، 4755، والطبراني في الكبير (8/ 24) حديث 7275، 7276، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 414، حديث 725، والبيهقي (9/ 151)، وفي دلائل النبوة (6/ 222)، والخطيب في تاريخه (1/ 405)، والبغوي في شرح السنة (11/ 19) حديث 2673، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 320) حديث 523، 524، والمزي في تهذيب الكمال (13/ 125)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (12/ 122) من طريق يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي رضي الله عنه مرفوعًا. وجوَّد إسناده العقيلي.

وأخرج أبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 897) حديث 2557، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 21 - 22)، والطبراني في الكبير (8/ 24) حديث 7277 وفي الأوسط (7/ 449) حديث 6879، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 342 - 343) حديث 1491، 1493، والخطيب في تاريخه (2/ 106، 107) و (9/ 441)، من طريق هشيم أو شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن صخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم الفقرة الأولى فقط، وهي:"اللهم بارك لأمتي في بكورها".

وأخرجه الخطيب في تاريخه (1/ 406) عن يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد - مرسلًا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم بارك لأمتي في بكورها". وقال: هو الصواب.

قال أبو حاتم (كما في العلل لابنه 2/ 268): لا أعلم في: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" حديثًا صحيحًا، وفي حديث يعلى: فيه عمارة بن حديد، وهو مجهول، =

ص: 87

(ويَرفق بهم في السير بحيث يقدر عليه الضعيف، ولا يشق على القوي) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أميرُ القَوْمِ أقْطَعُهم

(1)

"

(2)

أي: أقلهم سيرًا، ولئلا

= وصخر الغامدي ليس كل أصحاب شعبة يقول: صخر الغامدي، إلا رجلان يقولان: عن صخر، وكانت له صحبة، ولا يعلم له حديث غير هذا الحديث.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 338): رواه أحمد والأربعة من رواية صخر بن وداعة الغامدي، قال الترمذي: حسن، وصححه ابن حبان، وخالف ابن القطان [في بيان الوهم والإيهام (3/ 486)]، وابن الجوزي [في العلل المتناهية (1/ 325)] فضعفاه.

وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 314) من حديث علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وكعب بن مالك، وأبي هريرة، وجابر، وبريدة، وواثلة، وأنس، وصخر الغامدي، والعرس بن عميرة، وأبي رافع، وعائشة، وضعَّفها كلها.

وقال الحافظ في الفتح (6/ 114): أخرجه أصحاب السنن، وصحَّحه ابن حبان من حديث صخر الغامدي، وقد اعتنى بعض الحفاظ بجمع طرقه، فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسًا.

وقال في التلخيص الحبير (4/ 97): قال ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة، ولم يخرَّج شيء منها في الصحيح، وأقربُها إلى الصحة والشهرة هذا الحديث [يعني حديث صخر الغامدي رضي الله عنه].

وانظر الترغيب والترهيب (2/ 514)، والمقاصد الحسنة ص/ 159.

(1)

كذا في الأصل: "أقطعهم" بالعين، وصوابه "أقطَفهم" بالفاء كما في النهاية (4/ 84)، و"المبدع"(3/ 337)، ومصادر التخريج.

(2)

أخرجه ابن عدي (6/ 2370) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان القوم في السفر كان أميرهم أقطفهم دابة" قلنا: في إسناده معلى بن هلال، كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن عدي. وعَدَّ الذهبي هذا الحديث من مناكيره في الميزان (4/ 152).

وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في تسديد القوس للحافظ ابن حجر، وذكره الديلمي في كتاب فردوس الأخبار (1/ 415) رقم 1680، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:". . . وأميرهم في السفر أقطفهم دابة. . .".

وأخرجه الخطيب في تاريخه (9/ 274)، وابن عساكر كما في الجامع الكبير =

ص: 88

ينقطع منهم أحد، أو يشق عليهم.

(فإن دعتِ الحاجة إلى الجِدِّ في السير، جاز)"لأن النبي صلى الله عليه وسلم جَدَّ حين بلَغَهُ قولُ عبد اللهِ بنِ أُبيٍّ: ليخرجَنَّ الأعزُّ منها الأذَلَّ، ليشتغل النّاسُ عن الخوض فيه"

(1)

.

= للسيوطي (1/ 135) عن معاوية بن قرة، مرسلًا.

قلنا: في إسناده شبيب بن شيبة البصري، قال ابن معين في التاريخ (2/ 248): ليس بثقة. وقال النسائي في الضعفاء ص/ 143، رقم 309: ضعيف.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 70 مع الفيض) ورمز لضعفه.

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (4/ 369)، وعبد بن حميد في تفسيره كما في الدر المنثور (6/ 224) عن سعيد بن جبير، به مرفوعًا.

قال ابن كثير: هذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 644): أخرجه عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير مرسلًا.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (4/ 371) عن عروة بن الزبير وعَمرو بن ثابت الأنصاري، به.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 649): وهو مرسل جيد.

وأخرجه ابن أبي شيبة (14/ 428) عن عروة بن الزبير (وحده) به.

قلنا: وإسناده صحيح مرسلًا.

وأخرجه ابن إسحاق في السيرة كما في تفسير ابن كثير (4/ 369)، ومن طريقه ابن هشام في السيرة (3/ 334 - 335)، والطبري في تفسيره (28/ 115 - 116) عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن حبان، به.

قلنا: رجال إسناده ثقات؛ لكنه مرسل.

وأخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور (6/ 226) عن محمد بن سيرين، به، مرسلًا.

وأصل الحديث دون ذكر الإسراع في البخاري في المناقب، باب 8، حديث 3518، وفي تفسير سورة المنافقين، باب 7، حديث 4905، 4907، ومسلم في البر والصلة، حديث 2584 عن جابر رضي الله عنه.

ص: 89

و (يُعد) الإمام، أو الأمير (لهم) أي: لجيشه (الزاد) لأنه لا بُدَّ منه، وبه قوامهم، وربما طال سفرهم، فيهلكون حيث لا زاد لهم.

(ويُقوِّي نفوسَهم بما يخيل إليهم من أسباب النصر) فيقول مثلًا: أنتم أكثر عَدَدًا وعُددًا، وأشد أبدانًا، وأقوى قلوبًا، ونحو ذلك؛ لأنه مما تستعين به النفوس على المصابرة، ويبعثها على القتال؛ لطمعها في العدو.

(ويعرِّف عليهم العُرفاء) جميع عريف (وهو القائم بأمر القبيلة، أو الجماعة من الناس، كالمقدم عليهم؛ ينظر في حالهم، ويتفقدهم، ويتعرَّف الأمير منه أحوالهم) لأنه صلى الله عليه وسلم "عرَّف عامَ خيبر على كُلِّ عشرةٍ عَريفًا"

(1)

. ولأنه أقرب - أيضًا - لجمعهم.

وقد ورد: "العَرَافَةُ حَقٌّ"

(2)

لأن فيها مصلحة الناس. وأما قوله

(1)

ذكره الشافعي في الأم (4/ 154)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (9/ 293)، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفًا.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 153): غريب. نعم هو في البخاري [في الوكالة باب 7، حديث 2307، 2308، وفي العتق باب 13، حديث 2539، 2540، وفي الهبة باب 24، حديث 2607، 2608، وفي فرض الخمس باب 15، حديث 3131، 3132، وفي المغازي باب 54، حديث 4318، 4319، وفي الأحكام باب 26، حديث 7176، 7177] من رواية عروة بن الزبير، عن مسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، من غير ذكر عدد العرفاء.

(2)

أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء، باب 5، حديث 2934، والبيهقي (6/ 361)، في قصة طويلة، والخطابي في غريب الحديث (1/ 188) من حديث غالب القطان، عن رجل، عن أبيه، عن جده بلفظ:"العرافة حق، ولا بُدّ للناس من العُرفاء، ولكن العُرفاء في النار".

وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 122، 123 - 124) مختصرًا.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 196): في إسناده مجاهيل، وقال في =

ص: 90

"العُرَفاءُ في النَّارِ" فتحذير للتعرض للرئاسة؛ لما في ذلك من الفتنة، ولأنه إذا لم يقم بأمرها، استحق العقوبة.

(ويُستحبُّ له) أي: الإمام أو الأمير (عقدُ الألوية البيض، وهي: العصائب تُعقد على قناة ونحوها) قال صاحب "المطالع"

(1)

: اللواء راية لا يحملها إلا صاحبُ جيش الحرب، أو صاحبُ دعوة الجيش. انتهى.

قال ابن عباس: "كانت رايةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم سودَاءَ، ولواؤه أبيض" رواه الترمذي

(2)

. وعن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ مكةَ، ولواؤه

= الترغيب والترهيب (1/ 620): رواه أبو داود ولم يُسمِّ الرجلَ، ولا أباه، ولا جدَّه.

(1)

تقدم التعريف به (6/ 181)، تعليق رقم (1)، وقد نقل عنه ما ذُكِرَ صاحب المطلع ص/ 214.

(2)

في الجهاد، باب 10، حديث 1681. وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في الجهاد، باب 20، حديث 2818، والحاكم (2/ 105)، والبيهقي (6/ 362)، والخطيب في تاريخه (14/ 332) من طريق يزيد بن حيان، عن أبي مجلز، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس.

وقال البخاري: يزيد بن حيان عنده غلط كثير.

قال المنذري في مختصر السنن (4/ 406): في إسناده يزيد بن حيان أخو مقاتل بن حيان، قال البخاري: عنده غلط كثير، وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير [8/ 325] من رواية يزيد هذا مقتصرًا على الراية.

وأخرجه أبو يعلى (4/ 257) حديث 2370، والطبراني في الكبير (2/ 22) حديث 1161، (12/ 207) حديث 12909، وفي الأوسط (1/ 77) حديث 219، وابن عدي (2/ 658)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 416) حديث 424، وأبو نعيم في الحلية (3/ 114)، والبغوي في شرح السنة (10/ 403) حديث 2664 من طريق حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، عن ابن عباس رضي الله عنه.

قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به حيان بن عبيد الله.

وقال أبو نعيم: تفرد به حيان عن أبي مجلز. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد =

ص: 91

أبيضُ" رواه أبو داود

(1)

، وظاهر "المقنع"، وصرَّح به في "المحرر" أنها تكون بأي لون شاء، لاختلاف

= (5/ 321): رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه حيان بن عبيد الله، قال الذهبي: بيض له ابن أبي حاتم، فهو مجهول، وبقية رجال أبي يعلى ثقات.

وللحديث شاهد: عن عائشة رضي الله عنها، أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 408) حديث 420، والبغوي في شرح السنة (10/ 404) حديث 2665.

ويشهد لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء" حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 403)، وأبو داود في الجهاد، باب 76، حديث 2591، والترمذي في الجهاد، باب 10، حديث 1680، والنسائي في الكبرى (5/ 181) حديث 8606، وأحمد (4/ 297)، والروياني في مسنده (1/ 273) حديث 403، وأبو يعلى (3/ 255) حديث 1702، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 413) حديث 423، والبيهقي (6/ 363). ولفظه:"كانت سوداء مربعة من نمرة"[يعني راية رسول الله صلى الله عليه وسلم].

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة. وانظر ما بعده.

(1)

في الجهاد، باب 76، حديث 2592. وأخرجه - أيضًا - الترمذي في الجهاد، باب 9، حديث 1679، والنسائي في مناسك الحج، باب 106، حديث 2866، وفي الكبرى (2/ 382) حديث 3849، وابن ماجه في الجهاد، باب 20، حديث 2817، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 127)، والطحاوى (3/ 329)، وابن حبان "الإحسان" (11/ 47) رقم 4743، والإسماعيلي في معجمه (2/ 583)، والحاكم (2/ 104)، والبيهقي (6/ 362)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 172)، كلهم من طريق يحيى بن آدم عن شريك، عن عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك، قال: وسألت محمدًا [يعني البخاري] عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك، وقال: حدثنا غير واحد، عن شريك، عن عمار، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء". قال محمد: والحديث هو هذا.

ص: 92

الروايات

(1)

.

(و) يعقد لهم (الرايات، وهي أعلام مربعة، ويغاير ألوانَها؛ ليعرف كل قوم رايتهم) لقوله صلى الله عليه وسلم للعباس حين أسلم أبو سفيان: "احْبِسهُ على الوادي حتّى تَمُرَّ به جنودُ الله تعالى فيَراها، قال: فحبَستُهُ حيثُ أمَرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ومرَّتْ بهِ القبائلُ على راياتها"

(2)

.

ولأن الملائكة إذا نزلت بالنصر، نزلت مسوّمة بها، نقله حنبل

(3)

.

(ويجعل لكل طائفة شعارًا يتداعون به عند الحرب) لما روى سلمة بن الأكوع قال: "غزونا مع أبي بكرٍ زمنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكان شِعارُنا: أمِت أمِتْ" رواه أبو داود

(4)

.

(1)

الواردة في تحديد لون راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق الكلام على ما يتعلق باللون الأسود والأبيض، وفي سنن أبي داود في الجهاد، باب 76، حديث 2593، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 317) حديث 1694، والبيهقي (6/ 363) عن سماك، عن رجل من قومه، عن آخر منهم قال:"رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء".

قال المنذري في مختصر السنن (4/ 406): في إسناده رجل مجهول.

(2)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 48، حديث 4280.

(3)

الأحكام السلطانية ص/ 41.

(4)

في الجهاد، باب 78، 93، حديث 2596، 2638. وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (5/ 201، 271) حديث 8665، 8862، وابن سعد (2/ 118)، (4/ 305)، وابن أبي شيبة (12/ 503)، وأحمد (4/ 46)، والروياني في مسنده (2/ 250) حديث 1146، وابن حبان "الإحسان" (11/ 48، 52، 53) رقم 4744، 4747، 4748، والطبراني في الكبير (7/ 15) حديث 6239، وابن عدي (5/ 1912)، والحاكم (2/ 107)، والبيهقي (6/ 361) و (9/ 79)، والبغوي في شرح السنة (11/ 53) حديث 2699. وابن عساكر في تاريخه (22/ 92)، من طريق عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه رضي الله عنه.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ص: 93

وقد ورد أيضًا: "حم هم

(1)

لا ينصرون"

(2)

؛ ولأن الإنسان ربما احتاج إلى نُصْرة صاحبه، وربما يهتدي بها إذا ضَلَّ. قال في "الشرح": ولئلا يقع بعضهم على بعض.

= وأخرجه ابن أبي شيبة (12/ 503)، والدارمي في السير، باب 15، حديث 2455، وأبو عوانة (4/ 515)، والطبراني في الكبير (7/ 26) حديث 6271، والحاكم (2/ 107) من طريق أبي عميس، عن إياس بن سلمة، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، ولفظه: كان شعارنا مع خالد بن الوليد: أمِتْ أمِتْ. وفي لفظ: كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته: أمت أمت. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(1)

"هم" زيادة في الأصل فقط، وليست في باقي النسخ، ولم ترد في مصادر التخريج.

(2)

أخرجه أبو داود، في الجهاد، باب 71، حديث 2597، والترمذي في الجهاد، باب 11، حديث 1682، والنسائي في الكبرى (5/ 270) حديث 8861، و (6/ 158) حديث 10453، وعبد الرزاق (5/ 233) حديث 9467، وابن سعد (2/ 72)، وأحمد (4/ 65)، (5/ 377)، وابن الجارود (3/ 319)، حديث 1063، والحاكم (2/ 107)، والبيهقي (6/ 361) عن المهلب بن أبي صفرة عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، إلا أن فيه إرسال [كذا]، فإذا الرجل الذي لم يسمه المهلب بن أبي صفرة: البراء بن عازب. وصحح إسناده الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 69).

وأخرجه - أيضًا - الحاكم (2/ 107)، والبيهقي (6/ 362) من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن المهلب، عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعًا.

وأخرجه - أيضًا - النسائي في الكبرى (6/ 158) حديث 10452، وابن أبي شيبة (12/ 504)، وأحمد (4/ 289)، والطبراني في الدعاء (2/ 1302) حديث 1074، والحاكم (2/ 107)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 201)، من طريق الأجلح، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعًا.

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 158) حديث 10454، وابن سعد (2/ 72)، وابن أبي شيبة (14/ 414)، من طريق زهير بن محمد، عن أبي إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة قال وهو يخاف أن تبيِّته الحرورية:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حفر الخندق وهو يخاف أن يبيِّته أبو سفيان: إن بُيِّتُّم فإنَّ دعواكم حم لا ينصرون".

ص: 94

(ويتخيَّر) الإمام أو الأمير (لهم من المنازل) أي (أصلحها لهم) كالخصبة (وأكثرها ماء ومرعى) لأنها أرفق بهم، وهو من مصلحتهم (ويتبع مكامِنَها) جمع مكمن، وهو المكان الذي يختفي فيه العدو (فيحفظها؛ ليأمنوا) هجوم العدو عليهم.

(ولا يُغفِل الحرسَ والطلائعَ) لئلا يأخذهم العدو بغتة، والطلائع: جمع طليعة، وهي: من يُبعث ليطَّلع طِلْعَ العدو. قاله الجوهري

(1)

قال: والطّلع - بالكسر - الاسم من الاطلاع؛ تقول منه: اطَّلِعْ طِلْعَ العدو.

(ويبعث العيون على العدو ممن له خبرة بالفِجاج) أي: الطرق (حتى لا يخفى عليه أمرُهم) أي: أمر أعدائه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بعَثَ الزبيرَ يومَ الأحزاب

(2)

، وحذيْفةَ بن اليَمانِ في غزاة الخندق

(3)

، ودِحْيةَ الكَلْبيَّ في أخرى

(4)

.

(ويَمنع جيشَه من الفساد والمعاصي) لأنها سببُ الخذلان، وتركُها داعٍ للنصر، وسبب للظفر.

(و) يمنع جيشه - أيضًا - من (التشاغل بالتجارة المانعة لهم من القتال) لأنه المقصود.

(ويَعِدُ) الأميرُ (ذا الصبر بالأجر والنَّفَل) بفتح الفاء، وهو الزيادة

(1)

في الصحاح (3/ 1254).

(2)

أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب 13، حديث 3720، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 2416 عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، حديث 1788.

(4)

أخرجه ابن سعد (4/ 250)، وابن أبي شيبة (12/ 522)، والبيهقي (9/ 100)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 7)، وابن عساكر في تاريخه (17/ 210) عن مجاهد قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دِحية الكلبي سرية وحده.

قال ابن عساكر: هذا مرسل إلا أن إسناده صحيح.

ص: 95

على سهمه؛ لأنه وسيلة إلى بذل جهده، وزيادة صبره.

(ويشاور في أمر الجهاد والمسلمين ذا الرأي والدِّين) لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

(1)

. وعن أبي هريرة قال: "ما رأيْتُ أحدًا قطُّ كان أكثرَ مشُورةً لأصحابِهِ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد

(2)

. ولأن فيه تطييبًا لقلوبهم.

(ويخفي عن أمره ما أمكن إخفاؤه، وإذا أراد غزوةً، وَرَّى بغيرها) متفق عليه

(3)

من حديث كعب ين مالك مرفوعًا (لأن الحرب خُدْعَة) متفق عليه

(4)

من حديث جابر.

(1)

سورة آل عمران، الآية:159.

(2)

(4/ 328) ضمن حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الطويل. وأخرجه - أيضًا - الشافعي في الأم (7/ 95) وفي مسنده (ترتيبه 2/ 277)، وعبد الرزاق (5/ 330) حديث 9730، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 801) رقم 4413، وابن حبان "الإحسان"(11/ 216) رقم 4872، والبيهقي (7/ 45) و (10/ 109) وفي دلائل النبوة (4/ 101)، وابن عساكر في تاريخه (57/ 225) من طريق الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأعلَّه الحافظ في الفتح (13/ 340) فقال: ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع. وقال ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (6/ 32): مرسل؛ لأن الزهري لم يلق أبا هريرة قط، ولم يسمع منه كلمة، ولم ينكر أن يشاورهم في مكايد الحروب وتعجيلها وتأخيرها.

وحديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما أخرجه البخاري في الشروط، باب 15، حديث 2731 - 2732، دون قول أبي هريرة رضي الله عنه المذكور.

قال الحافظ في الفتح (5/ 334): وهذا القدر حذفه البخاري لإرساله؛ لأن الزهري لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

البخاري في الجهاد والسير، باب 103، حديث 2947، 2948، وفي المغازي باب 79، حديث 4418، ومسلم في التوبة، حديث 2769 (54).

(4)

البخاري في الجهاد والسير، باب 157، حديث 3030، ومسلم في الجهاد، حديث 1739.

ص: 96

(ويصفُّ جيشه) لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} الآية

(1)

. قال الواقدي

(2)

: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوِّي الصفُوفَ يومَ بدرٍ".

ولأن فيه ربط الجيش بعضه ببعض، وسدًّا لثغورهم، فيصيرون كالشيء الواحد.

(ويجعل في كل جنبة كفؤًا) لحديث أبي هريرة قال: "كنْتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعلَ خالدًا على إحدى الجَنَبَتَيْنِ

(3)

، والزبيرَ على الأخرى، وأبا عُبيدة على السّاقَةِ"

(4)

؛ ولأنه أحوط للحرب، وأبلغ في إرهاب العدو.

(ولا يميل) الأمير (مع قرابته وذي مذهبه على غيره؛ لئلا تنكسر قلوبهم) أي: قلوب الذين مال مع غيرهم (فيخذلوه) عند الحاجة؛ ولأنه يفسد القلوب، ويشتت الكلمة.

(ويراعي أصحابه، ويرزق كلَّ واحد بقَدْرِ حاجته) وحاجة من معه.

(1)

سورة الصف، الآية:4.

(2)

المغازي (1/ 57).

(3)

كذا في الأصول، وفي سنن الدارقطني وصحيح مسلم وغيره:"المُجنِّبَتين" وهو الصواب، انظر النهاية في غريب الحديث (1/ 303).

(4)

أخرجه الدارقطني (3/ 60) في حديث طويل، ورواه مسلم في الجهاد والسير، حديث 1780، بلفظ: فبعث الزبير على إحدى المُجَنِّبَتين، وبعث خالدًا على المُجَنِّبَة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر.

والحُسَّر: الذين لا دروع عليهم. شرح مسلم للنووي (12/ 126 - 127).

ص: 97

فصل

(ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يُسلموا، أو يُعطوا الجِزية، و‌

‌لا يقبل من غيرهم إلا الإسلام)

وتقدم

(1)

موضحًا.

(و‌

‌يجوز أن يبذل) الإمام أو الأمير (جُعْلًا لمن يعمل ما فيه غنَاء)

بفتح الغين والمد - أي: كفاية أو نفعٌ (كمن يدلُّه على ما فيه مصلحة للمسلمين، كطريق سهل، أو ماء في مفازة، أو قَلْعةٍ يفتحها، أو مال يأخذه، أو عَدوٍّ يُغير عليه، أو ثغرة يدخل منها، أو) يجعله (لمن ينقب نقبًا، أو يصعد هذا المكان، أو) يجعله (لمن جاء بكذا من الغنيمة، أو يجعل لمن جاء بكذا من الغنيمة) شيئًا (من الذي جاء به ونحوه) لأنه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجَرَا في الهجْرَة من دلَّهم على الطّريق

(2)

؛ ولأنه من المصالح أشبه أجرة الوكيل.

(ويَستحق الجُعْل بفعل ما جُعل له) الجُعْل (فيه) كسائر الجعالات (مسلمًا كان) المجاعل (أو كافرًا، من الجيش أو غيره، بشرط أن لا يجاوز) الجُعْل (ثلث الغنيمة بعد الخمس، في هذا وفي النفل كلّه) لأنه أكثر ما جعله صلى الله عليه وسلم للسرية

(3)

(ويأتي في الباب بعده.

وله) أي: الإمام أو الأمير (إعطاء ذلك) العطاء لمن عمل ما فيه غناء (ولو بغير شرط) تقوية لقلوبهم على فعل ما فيه المصلحة.

(وبجب أن يكون الجُعْلُ معلومًا، إن كان من بيت المال) كالجُعْل

(1)

(7/ 25).

(2)

أخرجه البخاري في الإجارة، باب 3، 4، حديث 2263، 2264، وفي مناقب الأنصار، باب 45، حديث 3905. وانظر فتح الباري (7/ 238).

(3)

انظر ما يأتي (7/ 99)، تعليق رقم (1).

ص: 98

في المسابقة والضالة، وغيرهما.

(وإن كان) الجُعْل (من مال الكفار، جاز) أن يكون (مجهولًا) لأنه صلى الله عليه وسلم جعَلَ للسَّريَّةِ الثلثَ والربعَ ممَّا غنِمُوا

(1)

، وللقَاتِلِ سلبَ المقْتُولِ

(2)

(1)

أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 158، حديث 2749، 2750، وأبو عبيد في الأموال ص/ 395، حديث 799، وابن أبي شيبة (14/ 456)، وأحمد (1604)، وابن زنجويه (2/ 696، 697)، حديث 1776، 1777، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 131، 132) حديث 849 - 851، وابن الجارود (3/ 334) حديث 1079، والطحاوي (3/ 240)، وابن حبان "الإحسان"(11/ 165) حديث 4835، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 190)، والطبراني في الكبير (4/ 18 - 20) حديث 3522، 3524، 3525، 3527، 3530، 3531، وفي مسند الشاميين (2/ 291، 371) حديث 1365، 1366، 1518، والحاكم (2/ 133)، والبيهقي (6/ 314) من طريق مكحول، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة، رضي الله عنه، ولفظ أبي داود: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وأعله ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 421) فقال: وزياد بن جارية: شيخ مجهول، قاله أبو حاتم. وتعقبه الحافظ في تهذيب التهذيب (3/ 357) فقال: وأبو حاتم قد عبَّر بعبارة مجهول في كثير من الصحابة، ولكن جزم بكونه تابعيًا: ابن حبان وغيره، وتوثيق النسائي يدلُّ على أنه عنده تابعي.

وأخرجه الترمذي في السير، باب 12، حديث 1561، وفي العلل الكبير ص/ 256، حديث 463، وابن ماجه في الجهاد، باب 35، حديث 2853، وعبد الرزاق (5/ 190) حديث 9334، وأبو عبيد في الأموال ص/ 395، حديث 801، وابن أبي شيبة (14/ 456)، وأحمد (5/ 319)، والدارمي في السير، باب 42، حديث 2482، وابن زنجويه في الأموال (2/ 697) حديث 1177، والطحاوي (3/ 240)، والبيهقي (6/ 313، 315)، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي القفول الثلث.

قال الترمذي: وحديث عبادة حديث حسن.

(2)

أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب 18، حديث 3142، وفي كتاب المغازي، باب 54، حديث 4321، 4322، وفي الأحكام، باب 21، حديث 7170، ومسلم =

ص: 99

وهو مجهول؛ لأن الغنيمة كلها مجهولة؛ ولأنه مما تدعو الحاجة إليه.

(وهو) أي: الجُعْل من مال الكفار (له) أي: للمجاعل (إذا فتح) الحصن المجعول له ذلك من غنيمته.

(فإن احتيج إلى جُعْلٍ) جعل (أكثر من الثلث لمصلحة، مثل أن لا تنهض السريَّة ولا ترضى بدون النصف، وهو محتاج إليها، جعله من مال المصالح) أي: من مال الفيء المعد للمصالح؛ ليحصُل الغرض مع عدم مخالفة النص.

(وإن جعل له امرأةً منهم) معينة (أو) جعل له (رجلًا) منهم معينًا، (مثل أن يقول: بنت فلان من أهل الحصن، أو القلعة) لم يَستحق شيئًا حتى تُفتح القلعة؛ فإن فُتحت عنوة، سُلِّمت إليه.

(فـ) إن (ماتت قبل الفتح، أو بعده، أو لم يفتح) ما ذكر من الحصن، أو القلعة (أو فتح ولم توجد) الجارية (فلا شيء له، حرَّة كانت أو أَمَة) لأن حقه متعلِّق بعينٍ، فيسقط بفواتها من غير تفريط، كالوديعة.

(وإن أسلمت قبل الفتح عَنوة، وهي حُرةٌ، فله قيمتها) لأنها عصمت نفسها بإسلامها، فتعذَّر دفعها إليه، فاستحق القيمة، كما لو أتلف مال غيره الذي لا مِثْل له.

(وإن أسلمت بعده) أي: بعد الفتح عَنوة، سُلِّمت إليه، حرة كانت أو أَمَة، إذا كان مسلمًا؛ لأنه أمكن الوفاء بشرطه، فكان واجبًا؛ ولأن الإسلام بعد الأسر، فكانت رقيقة.

(أو) أسلمت (قبله) أي: قبل الفتح (وهي أَمَة، سُلِّمت إليه) وفاء

= في الجهاد والسير، حديث 1751، عن أبي قتادة رضي الله عنه.

ص: 100

بشرطه (إلا أن يكون كافرًا، فله قيمتها) لتعذّر تسليمها إليه؛ لكفره، ثم إن أسلم، ففي أخذها احتمالان.

(فإن فُتحت صلحًا، ولم يشترطوا الجارية، فله قيمتها) إن رضي بها؛ لأن تسليمها متعذِّر لدخولها تحت الصلح، وحينئذ تتعين قيمتها؛ لأنها بدلها، فإن شرط في الصلح تسليم عينها، لزم؛ لما فيه من الوفاء بالشرط.

(فإن أبى إلا الجارية وامتنعوا من بذلها، فسخ الصلح) لتعذر إمضائه؛ لأن حق صاحب الجعل سابق، ولم يمكن الجمع بينهما؛ فعلى هذا: لصاحب القلعة أن يحصنها كما كانت من غير زيادة. وظاهر ما نقله ابن هانئ: أنها له؛ لسبق حقِّه، ولربِّ الحصن القيمة

(1)

.

(وإن بذلوها) أي: الجارية (مجانًا، لزم أخذها، ودفعها إليه) وكذا لو بذلوها بالقيمة، كما في "المبدع" نقلًا عن الأصحاب؛ لأنه أمكن إيصال حقه إليه من غير ضرر.

(قال في "الفروع": والمراد غير حرة الأصل، وإلا) وجبت (قيمتها) لأن حرة الأصل غير مملوكة؛ لأن الصلح جرى عليها، فلا تملك، كالذِّميَّة، ولم يجز تسليمها، كالمسلمة، بخلاف الأَمَة، فيأخذها؛ لأنها مال، كما لو شرط دابة أو متاعًا. هذا معنى كلام المجد، كما حكاه عنه في "المبدع" قال

(2)

: وفيه نظر؛ لأن الجارية لولا عقد الصلح، لكانت أَمَة، وجاز تسليمها إليه، فإذا رضي أهل الحصن بإخراجها من الصلح بتسليمها إليه، فتكون غنيمة للمسلمين وتصير رقيقة.

(1)

لم نقف عليه في مسائله المطبوعة، وانظر: الفروع (6/ 226).

(2)

"أي: صاحب المبدع" ا. هـ ش.

ص: 101

(وكل موضع أوجبنا القيمة ولم يغنم) الجيش (شيئًا فـ) إنها تعطى (من بيت المال) لأنه مال المصالح.

(وله) أي: للإمام أو الأمير (أن ينفِّل) من النفل - وهو الزيادة على السهم المستحق. ومنه: نفل الصلاة (في البداءة الربع، فأقل بعد الخُمْس، وفي الرجعة الثلث فأقل بعده) لحديث حبيب بن مسلمة الفهري، قال:"شهدْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الربْعَ في البَدْأةِ، والثلثَ في الرَّجْعَةِ" رواه أبو داود

(1)

. وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا نحوه. رواه الترمذي وقال: حسن غريب

(2)

.

وإنما زِيدَ في الرجعة على البَدْأة لمشقة الرجعة؛ لأن الجيش في البَدْأة رِدْءٌ للسريَّة بخلاف الرجعة.

وقال أحمد: لأنهم يشتاقون إلى أهليهم

(3)

. فهذا أكثر مشقَّة

(4)

. ولا يعدل شيء - عند أحمد - الخروجَ في السريَّة مع غلبة السلامة؛ لأنه أنكى للعدو

(5)

(وذلك أنه ينبغي للإمام إذا غزا غزاة أن يبعث سريَّة أمَامَه تُغِير، وإذا رجع بعث) سريَّة (أخرى خلفه) تُغِير (فما أتت به) السريَّة (أخرج خُمُسه) لقوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية

(6)

، ولحديث معن بن يزيد مرفوعًا:"لا نَفَل إلَّا بعد الخُمُسِ" رواه

(1)

في الجهاد، باب 158، حديث 2750، وقد تقدم تخريجه (7/ 99)، تعليق رقم (1).

(2)

في السير، باب 12، حديث 1561، وقد تقدم تخريجه (7/ 99)، تعليق رقم (1).

(3)

في "ح": "أهلهم".

(4)

المغني (13/ 55).

(5)

مسائل عبد الله (2/ 831) رقم 1107، ومسائل أبي داود ص/ 235.

(6)

سورة الأنفال، الآية:41.

ص: 102

أبو داود

(1)

(وأعطى السريَّة ما جعل لها) من ربع فأقل، أو ثلث فأقل. ولا تجوز الزيادة على الثلث. نص عليه

(2)

(وقسم الباقي في الجيش والسريَّة معًا) لأنها وصلت إلى ذلك بقوة الجيش.

(ولا تستحقه السريَّة إلا بشرط) فإن لم يشترط لها شيئًا لم تستحقَّ سوى المقاسمة، كآحاد الجيش، لكن للأمير إعطاؤها ذلك بلا شرط.

(فإن شرط الإمام لهم أكثر من ذلك) أي: من الثلث في الرجعة، أو الربع في البدأة (رُدُّوا إليه) أي: إلى الثلث أو الربع، ولم يستحقوا الزائد؛ لمخالفة النص.

(1)

في الجهاد، باب 160، حديث 2753، 2754. وأخرجه - أيضًا - أحمد (3/ 470)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 60) حديث 1373، والطحاوي (3/ 242)، والطبراني في الكبير (19/ 442) حديث 1073، وفي الأوسط (4/ 449) حديث 3760، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2542) حديث 6151، والبيهقي (6/ 314)، والخطيب في تاريخه (5/ 150)، والمزي في تهذيب الكمال (28/ 344)، من طريق عاصم بن كليب، عن أبي جويرية الجرمي، عن معن بن يزيد رضي الله عنه.

قال الطبراني في الأوسط (4/ 450): لا يُروى هذا الحديث عن معن بن يزيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو عوانة.

وصحَّحه الطحاوي كما في بلوغ المرام ص/ 272 رقم 1316. وقال ابن عبد الهادي في المحرر (2/ 459) رقم 816: إسناده صحيح.

وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 61): "في إسناده عاصم بن كليب، وقد قال علي بن المديني: لا يحتج به إذا انفرد. وقال الإمام أحمد: لا بأس بحديثه. وقال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث. وقال النسائي: ثقة. واحتج به مسلم".

وأخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 395، حديث 797، وسعيد بن منصور (2/ 286) حديث 2713، وابن زنجويه (2/ 696) حديث 1275، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 61) حديث 1374، والطبراني في الكبير (19/ 442) حديث 1072، من طريق أبي عوانة، عن أبي جريرية، عن معن بن يزيد رضي الله عنه.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 237.

ص: 103

فصل

(ويلزم الجيشَ طاعةُ الأمير) لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}

(1)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"منْ أطاعَنِي فقد أطاع اللهَ، ومنْ أطاعَ أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومنْ عصى أميري فقد عصَاني" رواه النسائي

(2)

.

(و) يلزمهم (النصح له) لحديث: "الدِّينُ النّصيحَةُ"

(3)

ولأن نصحَه نصحُ المسلمين

(4)

، ولأنه يدفع عنهم، فإذا نصحوه أكثر دفعه. وفي الأثر: "إنَّ الله ينزعُ

(5)

بالسُّلْطَان ما لا ينزعُ

(5)

بالقرآن"

(6)

. ومعناه: يكفُّ.

(و) يلزمهم (الصبر معه في اللقاء وأرض العدو) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا}

(7)

. ولأنه من أقوى أسباب النصر والظَّفَر.

(1)

سورة النساء، الآية:59.

(2)

في البيعة، باب 27، حديث 4204. وأخرجه - أيضًا - البخاري في الجهاد والسير، باب 109، حديث 2957، وفي الأحكام، باب 1، حديث 7137، ومسلم في الإمارة، حديث 1835، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم في الإيمان، حديث 55، عن تميم الداري رضي الله عنه، وترجم به البخاري في كتاب الإيمان، باب 42، فقال: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة".

(4)

في "ذ": "للمسلمين".

(5)

كذا في الأصل، وفي "ذ" ومصادر التخريج:"يزع"، وهو الصواب، قال في النهاية (5/ 180): وَزَعه يَزَعه وَزْعًا، فهو وازع، إذا كفَّه ومنعه.

(6)

أخرجه الخطيب في تاريخه (4/ 108) من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ: لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن.

وأخرجه ابن شبه في تاريخ المدينة (3/ 988)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 118) من قول عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(7)

سورة آل عمران، الآية:200.

ص: 104

(و) يلزمهم (اتباعُ رأيه، والرضا بقسمته للغنيمة، وبتعديله لها) لأن ذلك من جملة طاعته (وإن خفي عنه صوابٌ عرَّفوه ونصحوه) لوجوب نصحه.

(فلو أمرهم بالصلاة جماعة وقتَ لقاء العدو فأبوا، عصوا) قال الآجري: لا نعلم فيه خلافًا. ولو قال: سيروا وقت كذا، دفعوا معه. نص عليه

(1)

. قال ابن مسعود: "الخلافُ شَرٌّ"، ذكره ابن عبد البر

(2)

، وقال: كان يقال: "لا خيرَ مع الخلاف ولا شرَّ مع الائتلاف". ونقل المَرُّوذي

(3)

: لا يخالفوه؛ يتشعَّث أمرهم.

(ولا يجوز لأحد أن يتعلَّف) وهو: تحصيل العلف للدواب (ولا يتحطَّب) وهو: تحصيل الحطب (ولا يبارز) عِلْجًا

(4)

(ولا يخرج من العسكر، ولا يحدث حَدَثًا إلا بإذنه) أي: الأمير؛ لأنه أعرف بحال الناس، وحال العدو، ومكامنهم

(5)

وقوتهم.

فإذا خرج إنسان أو بارز بغير إذنه، لم يأمن أن يصادف كمينًا للعدو فيأخذوه، أو يرحل بالمسلمين ويتركه فيهلك، أو يكون ضعيفًا لا يقوى

(1)

الفروع (6/ 208).

(2)

في التمهيد (16/ 307). وأخرجه - أيضًا - أبو داود في المناسك، باب 75، رقم 1960، وعبد الرزاق (2/ 516) رقم 4269، والبزار (5/ 71) رقم 1641، والشاشي (2/ 11) رقم 460، وأبو يعلى (9/ 256) رقم 5377، والطبراني في الأوسط (6/ 368) رقم 6637، والبيهقي (3/ 143 - 144)، وفي معرفة السنن والآثار (4/ 260) وصحَّح إسناده.

(3)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 849) رقم 1135، ومسائل أبي داود ص/ 253.

(4)

العِلْج: الرجل الضخم من كفار العجم، وجمعه علوج، وأعلاج. المصباح المنير (2/ 425) مادة:(علج).

(5)

في "ح": "ومكانهم".

ص: 105

على المبارزة، فيظفر به العدو، فتنكسر قلوب المسلمين، بخلاف ما إذا أذن، فإنه لا يكون إلا مع انتفاء المفاسد. ويؤيد ذلك قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}

(1)

.

(ولا ينبغي أن يأذن في موضع إذا علم أنه مَخُوف) نص عليه

(2)

؛ لأنه تغرير بهم.

(وإن دعا كافرٌ إلى البِراز) بكسر الباء: عبارة عن مبارزة العدو، وبفتحها: اسم للفضاء الواسع (استُحبَّ لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير) لمبارزة الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومَن بعده. قال قيس بن عُبَادٍ: "سمعت أبا ذر يُقْسِمُ قسمًا في قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}

(3)

أنها نزلت في الذين بارزوا يومَ بدْر: حمزة، وعليٍّ، وعبيدة بن الحارِثِ، وعتْبَة وشيْبَة ابنَيْ رَبيعةَ، والوليد بنِ عُتْبَةَ" متفق عليه

(4)

. قال علي: "نَزَلَتْ في مُبارزَتِنا يومَ بَدْر" رواه البخاري

(5)

. وكان ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم، وبارز البراء بن مالك مرزُبان الدارة

(6)

، فقتله وأخذ سلَبَه، فبلغ ثلاثين

(1)

سورة النور، الآية:62.

(2)

الفروع (6/ 208).

(3)

سورة الحج، الآية:19.

(4)

البخاري في المغازي، باب 8، حديث 3966، 3968، 3969، وفي التفسير، تفسير سورة الحج، باب 3، حديث 4743، ومسلم في التفسير، حديث 3033.

(5)

في المغازي، باب 8، رقم 3967.

(6)

كذا في الأصول، والصواب:"مرزُبان الزارة" كما في مصادر التخريج. قال في معجم البلدان (3/ 126): عين الزارة بالبحرين معروفة، والزارة قرية كبيرة بها، ومنها مرزبان الزارة، وله ذكر في الفتوح، وفتحت الزارة أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ص: 106

ألفًا

(1)

؛ ولأن في الإجابة إليها إظهارًا لقوة المسلمين وجَلَدهم على الحرب.

(فإن لم يثق من نفسه) القوة والشجاعة (كُره) له أن يُجيب؛ لما فيه من كسر قلب

(2)

المسلمين بقتله ظاهرًا.

(فإن كان الأميرُ لا رأي له، فُعلت المبارزة بغير إذنه، ذكره) محمد (بن تميم) الحراني (في صلاة الخوف) لنكاية العدو.

(والمبارزة التي يُعتبر فيها إذن الإمام: أن يبرز رَجُل بين الصفين قبل التحام الحرب، يدعو إلى المبارزة) بخلاف الانغماس في الكفار، فلا يتوقف على إذن؛ لأنه يطلب الشهادة ولا يترقب منه ظفر ولا مقاومة، بخلاف المبارز، فإن قلوب الجيش تتعلَّق به، وترتقب ظفره.

(ويُباح للرجل المسلم الشجاع طلبُها ابتداء) لأنه غالب بحكم الظاهر (ولا يُستحب) له ذلك؛ لأنه لا يأمن أن يقتل، فتنكسر قلوب المسلمين.

(فإن شَرَط الكافر) المبارز (أن لا يقاتله غير الخارج إليه، أو كان هو العادة، لزمه) الشرط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "المُسلِمُونَ على شُروطِهِمْ"

(3)

.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (5/ 233) رقم 9468، وسعيد بن منصور (2/ 284) رقم 2708، وابن أبي شيبة (12/ 371) رقم 14034، وأبو عوانة (4/ 130)، والطحاوي (3/ 229)، وفي شرح مشكل الآثار (12/ 272)، والطبراني في الكبير (2/ 27) رقم 1180، والبيهقي (6/ 311)، والخطيب في تاريخه (11/ 435).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 331): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

(2)

في "ذ": "كسرة قلوب".

(3)

ذكره البخاري تعليقًا في الإجارة، باب 14، عقب حديث 2273، بصيغة الجزم، وروي موصولًا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه، رواه أبو داود في الأقضية، باب 12، حديث 3594، وابن الجارود (2/ 205)، حديث 637، (3/ 255) حديث 1001، والطحاوي =

ص: 107

والعادة بمنزلة الشرط.

= (4/ 90)، وابن عدي (6/ 2088)، والدارقطني (3/ 27)، والحاكم (2/ 49)، والبيهقي (6/ 79، 166)، وفي شعب الإيمان (4/ 75) حديث 4348، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (1/ 458) من طريق كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الحاكم: رواة هذا الحديث مدنيون، وهذا أصل في الكتاب. وتعقبه الذهبي بقوله: كثير بن زيد ضعَّفه النسائي ومشَّاه غيره.

قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 281): وكثير بن زيد، ليَّنه ابن معين، وأبو زرعة والنسائي. وقال أحمد: ما أرى به بأسًا، فحديثه حسن في الجملة. وقد اعتضد بمجيئه من طريق أخرى.

وقال - أيضًا - في التلخيص الحبير (3/ 23): رواه أبو داود والحاكم من حديث الوليد بن رماح عن أبي هريرة، وضعفه ابن حزم [في المحلى 7/ 370]، وعبد الحق [في الأحكام الوسطى (3/ 275)].

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 69): رواه أبو داود من رواية أبي هريرة بإسناد حسن.

ب - عمرو بن عوف رضي الله عنه: رواه الترمذي في الأحكام، باب 17، حديث 1352، والبزار (8/ 320) حديث 9393، والطحاوي (4/ 90)، والطبراني في الكبير (17/ 12) حديث 30، وابن عدي (6/ 2081)، والدارقطني (3/ 27)، والحاكم (4/ 101)، والبيهقي (6/ 79)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 282) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه.

قال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح. اهـ.

وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: واه.

وضعَّفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 527)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 87)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 23).

واعتذر الحافظ في الفتح (4/ 451) عن تصحيح الترمذي بقوله: وكثير بن عبد الله ضعيف عند الأكثر، لكن البخاري ومن تبعه كالترمذي، وابن خزيمة يقوون أمره.

ج - ابن عمر رضي الله عنهما رواه البزار (2/ 99 حديث 296 كشف الأستار)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 48) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه =

ص: 108

(ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة) لأنه كافر لا عَهْد له ولا أمان، فأُبيح قتلُه كغيره (إلا أن تكون العادة جارية بينهم) أي: بين المسلمين وأهل الحرب (أن مَنْ خرج

(1)

يطلب المبارزة لا يُعْرَض له، فيجري ذلك مجرى الشرط) ويُعمل بالعادة.

(وإن انهزم المسلم) تاركًا للقتال (أو أُثخن) المسلم (بالجراح، جاز لكل مسلم الدفع عنه والرمي) أي: رمي الكافر وقتله؛ لأن المسلم

= عبد الرحمن، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال البزار عقبه: عبد الرحمن له مناكير، وهو ضعيف عند أهل العلم.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 86): رواه البزار، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، وهو ضعيف جدًّا.

د - رافع بن خديج. رواه الطبراني في الكبير (4/ 275)، والإسماعيلي في معجمه (3/ 749) من طريق حكيم بن جبير، عن عباية بن رفاعة، عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 205): رواه الطبراني في الكبير، وفيه حكيم بن جبير، وهو متروك، وقال أبو زرعة: محله الصدق إن شاء الله.

هـ - عائشة وأنس رضي الله عنهما. رواه الدارقطني (3/ 27 - 28)، والحاكم (2/ 49 - 50)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 177) حديث 1425.

قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 23): ورواه الدارقطني والحاكم من حديث أنس، وإسناده واه. والدارقطني والحاكم من حديث عائشة وهو واهٍ أيضًا.

و - عن عطاء بن أبي رباح مرسلًا: أخرجه ابن أبي شيبة، (6/ 568) قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمنون عند شروطهم.

قال الحافظ في تغليق التعليق (3: 282): وهذا مرسل قوي الإسناد، يعضده ما قبله. وقال فيه (3/ 281) أيضًا: وأما حديث "المسلمون عند شروطهم" فروي من حديث أبي هريرة، وعمرو بن عوف، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وغيرهم. وكلها فيها مقال، لكن حديث أبي هريرة أمثلها.

(1)

في "ذ": "يخرج".

ص: 109

إذا صار إلى هذا الحال، فقد انقضى قتاله، وزال الأمان وزوال

(1)

القتال؛ لأن حمزة وعليًّا أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة حين أثخن عبيدة

(2)

.

وإن أعان الكفار صاحبهم، فعلى المسلمين أن يُعينوا صاحبهم ويقاتلوا من أعان عليه، لا المبارز

(3)

؛ لأنه ليس بسبب من جهته.

(وتجوز الخَدَعة) بفتح الخاء والدال

(4)

، وهي الاسم من الخداع، أي: إرادة المكروه به من حيث لا يعلم، كالخديعة (في الحرب للمبارز وغيره) لحديث:"الحرْبُ خُدْعَةٌ"

(5)

، وروي: "أن عَمرو بنَ عبدِ وُدٍّ لما بارزَ عليًّا، قال له عليٌّ: ما بَرَزْتُ لأقاتِلَ اثنينِ، فالتَفَتَ عَمرٌو فوثبَ عليه

(1)

في "ذ": "بزوال" وهو الأقرب.

(2)

أخرجه الحاكم (3/ 194)، والبيهقي (3/ 276)، وفي دلائل النبوة (3/ 113)، وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب 119، رقم 2665، والبزار (2/ 297) رقم 719، كلهم من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وعندهما أن حمزة بارز عتبة، وعلي بارز شيبة، وعبيدة بارز الوليد، وأخرجه أحمد (1/ 117) من طريق أبي إسحاق به نحوه.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: لم يخرجا لحارثة، وقد وهَّاه ابن المديني.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 47): روى أبو داود منه طرفًا. ورواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير حارثة بن مضرِّب، وهو ثقة.

(3)

في "ح": "إلا المبارز".

(4)

قال الخطابي في غريب الحديث (2/ 166) في ذلك ثلاث لغات أعلاها خَدْعَة - بفتح الخاء - وذكر عن ثعلب أنه لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن الأثير في النهاية (2/ 14): يروى بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال، وبضمها مع فتح الدال. وانظر فتح الباري (6/ 158).

(5)

تقدم تخريجه (7/ 96)، تعليق رقم (4).

ص: 110

عَليٌّ فضربهُ، فقال عمْرٌو: خَدَعتني، فقال: الحربُ خُدْعَةٌ"

(1)

.

(وإن قتله) أي: الكافرَ المبارزَ (المسلمُ أو أثخنه، فله سلبه) لحديث أنس وسَمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قتلَ قَتيلًا، فلهُ سَلَبه"

(2)

.

(1)

لم نقف على من خرجه بهذا السياق، وقصة مبارزة علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ودّ ذكرها ابن هشام في السيرة النبوية (3/ 224) وعزاها لابن إسحاق، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها - أيضًا - الطبري في تاريخه (2/ 572 - 574)، والحاكم (3/ 32)، والبيهقي (9/ 132)، وفي الدلائل (3/ 438).

(2)

حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الجهاد باب 147، حديث 2718، والطيالسي ص/ 276، حديث 2079، وأبو عبيد في الأموال ص/ 389، حديث 777، وابن سعد (3/ 505)، وابن أبي شيبة (14/ 524، 530 - 531)، وأحمد (3/ 114، 123، 190، 198، 279)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 686) حديث 1152، والدارمي في الجهاد، باب 44، حديث 2484، وأبو عوانة (4/ 318)، والطحاوي (3/ 227)، وفي شرح مشكل الآثار (12/ 267) حديث 4786، وابن حبان (الإحسان 11/ 166، 169، 174) حديث 4836، 4838، 4841، وابن عدي (2/ 681)، والحاكم (2/ 130)، والبيهقي (6/ 306)، وفي دلائل النبوة (5/ 150)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 252)، والضياء في المختارة (4/ 358 - 360) حديث 1521، 1522، 1523.

قال أبو داود: هذا حديث حسن.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وأما حديث سمرة رضي الله عنه: فأخرجه ابن ماجه في الجهاد، باب 30، حديث 2838، وابن أبي شيبة (12/ 369)، وأحمد (5/ 12)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 685) حديث 1150، والروياني في مسنده (2/ 80) حديث 859، والطبراني في الكبير (7/ 245 - 246) حديث 6995 - 6998، 7000، والبيهقي (6/ 309)، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 211، حديث 668، من رواية ابنٍ لسمرة، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 105): إسناده لا بأس به.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 120): هذا إسناد في ابن جندب، واسمه سليمان بن سمرة بن جندب، ذكره ابن حبان في الثقات، قال ابن القطان: حاله =

ص: 111

وفي حديث أبي قتادة: "وله عليه بيِّنَةٌ" متفق عليه

(1)

. وعن أنس مرفوعًا قال يوم حنين: "من قَتَلَ قَتيلًا فله سَلبُهُ. فَقَتَلَ أبو طلحةَ يومئذٍ عشرينَ رجُلًا، وأخذَ أسْلابَهُم" رواه أبو داود

(2)

.

وظاهره: ولو كانت المبارزة بغير إذن، وقطع به في "المغني"؛ لعموم الأدلة. وفي "الإرشاد": وإن بارز بغير إذن الإمام، فلا يستحق السلب، وجزم به ناظم "المفردات".

(غير مخموس) لما روى عوف بن مالك، وخالد بن الوليد "أن النبي صلى الله عليه وسلم قَضَى بالسَّلب للقاتِل، ولم يخمِّس السَّلبَ" رواه أبو داود

(3)

.

(وهو) أي: السلب (من أصل الغنيمة، لا من خُمس الخمس) لأنه

= مجهول، وباقي رجال الإسناد ثقات.

(1)

البخاري في فرض الخمس، باب 18، حديث 3142، وفي المغازي، باب 54، حديث 4321، 4322، وفي الأحكام، باب 21، حديث 7170 ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1751.

(2)

في الجهاد، باب 147، حديث 2718. وتقدم تخريجه آنفًا.

(3)

في الجهاد، باب 149، حديث 2721. وأخرجه - أيضًا - أبو عبيد في الأموال ص/ 308، حديث 773، وسعيد بن منصور (2/ 282) حديث 2698، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 79) حديث 950، والبيهقي (6/ 310)، وابن عبد البر في الاستذكار (14/ 140 - 141).

وأخرجه - أيضًا - الترمذي في العلل ص/ 285، حديث 469، وأحمد (4/ 90)، وابن زنجويه (2/ 685) حديث 1148، والبزار (7/ 181) حديث 2747، وابن الجارود (3/ 332) حديث 1077، وأبو يعلى (13/ 148، 149)، حديث 7191، 7192، وأبو عوانة في مسنده (4/ 125)، والطحاوي (3/ 226)، وابن حبان "الإحسان"(11/ 178) حديث 4844، عن عوف بن مالك رضي الله عنه وحده.

قال الترمذي في العلل الكبير: سألت محمدًا [البخاري] عن هذا الحديث، فقال: هو حديث صحيح. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 105): وهو ثابت في صحيح مسلم في حديث طويل، وفيه قصة لعوف بن مالك مع خالد بن الوليد.

ص: 112

لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه احتسبه من خُمْس الخُمْس، ولأن سببه لا يفتقر إلى اجتهاد، فلم يكن من خُمْس الخُمْس، كسهم الفارس.

(ولو) كان القاتل للكافر (عبدًا، بإذن سيده، أو) كان (امرأة، أو كافرًا بإذن) الإمام (أو صبيًّا) لعموم ما سبق.

و (لا) يستحقه القاتل إن كان (مخذِّلًا ومُرْجِفًا ومعينًا على المسلمين، وكل عاصٍ) بسفره (كمن دخل بغير إذن) الأمير (أو مُنع منه) لأنه ليس من أهل الجهاد.

ويستحق السلبَ القاتلُ بشرطه (ولو كان المقتول صبيًّا أو امرأة ونحوهما) كالخنثى والشيخ الكبير (إذا قاتلوا) للعمومات.

(وكذا كل من قتل قتيلًا أو أثخنه، فصار في حكم المقتول، فله سَلَبه إذا كان القاتل ممن يَستحق السَّهم) كالرجل الحرِّ (أو الرَّضْخَ

(1)

) كالعبد بإذن سيده، والمرأة والكافر بإذن الأمير، كالصبي (كما تقدم، قال ذلك الإمام) أي: سواء قال الإمام: من قتل قتيلًا فله سَلَبه (أو لم يقله) الإمام؛ لعموم الأدلة.

(إذا قتله حالَ الحرب، لا قبلها ولا بعدها) لأن عبد الله بن مسعود "ذَفَّف

(2)

على أبي جَهْلٍ، وقضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسَلبِهِ لمعاذِ بنِ عمرو بن الجَمُوح؛ لأنَّهُ أثْبَتَه"

(3)

(منهمكًا على القتال، أي: مجدًّا فيه مقبلًا عليه)

(1)

الرَّضْخ: العطاء القليل. القاموس المحيط ص/ 251 مادة (رضخ).

(2)

ذفّف على الجريح: أجهز عليه. القاموس المحيط ص/ 811. مادة (ذفف).

(3)

تذفيف ابن مسعود رضي الله عنه على أبي جهل، أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 142، حديث 2709، وابن أبي شيبة (14/ 373، 374)، وأحمد (1/ 403، 444)، والحارث بن أبي أسامة "بغية الباحث" ص/ 215، حديث 684، وأبو يعلى (9/ 171) حديث 5263، والشاشي في مسنده (2/ 335) حديث 932، والطبراني =

ص: 113

فإن كان منهزمًا، فلا سَلَب له. نص عليه

(1)

؛ لأنه لم يغرر بنفسه في قتله، (وغَرَّر بنفسه في قتله، كأن بارزه) أو كانت الحرب قائمة فـ (لا) سلب له (إن رماه بسهم من صف المسلمين، أو قتله مشتغلًا بأكل ونحوه) لعدم التغرير، وكذا إن أغرى عليه كلبًا عقورًا فقتله.

وإن عانق رجل رجلًا فقتله آخر، أو كان الكافر مقبلًا على رجل يقاتله، فجاء آخر من ورائه فضربه فقتله، فسلبه لقاتله. قطع به في "المغني"، واستدل له

(2)

.

= في الكبير (9/ 82، 83، 84) حديث 8468 - 8471، 8473، وأبو نعيم في الحلية (4/ 408)، والبيهقي (9/ 62) عن أبي عبيدة، عن أبيه ابن مسعود رضي الله عنه بمعناه.

قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (4/ 45)، والهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 79): أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

وأخرجه الطيالسي ص/ 43 حديث 328، والبزار (كشف الأستار 2/ 317 رقم 1775)، والبيهقي (9/ 92) من طريق أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال البيهقي: كذا قال: عن عمرو بن ميمون، والمحفوظ: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه. وقال الدارقطني في العلل (5/ 295): وأبو عبيدة أصح.

وقال ابن حزم في المحلى (9/ 389): والصحيح أنه إنما قتل أبا جهل ابنا عفراء.

وأخرجه ابن أبي شيبة (7/ 360)، عن ابن سيرين مرسلًا.

وأما قضاء سلبه لمعاذ بن عمرو، فقد أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب 18، حديث 3141، وفي المغازي، باب 8، 10، حديث 3964، 3988، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1752.

(1)

مسائل أبي داود ص/ 241، وانظر مسائل ابن هانئ (2/ 106) رقم 1628.

(2)

بحديث أبي قتادة الذي أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب 18، حديث 3142، ومسلم في الجهاد، حديث 1751، ولفظه: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين؛ فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلًا من المشركين علا رجلًا من =

ص: 114

(أو) قتله (منهزمًا، مثل أن ينهزم الكفار كلهم، فيدرك إنسانًا منهزمًا فيقتله) فلا سَلَب له؛ لأنه لم يغرِّر بنفسه.

(وإن كانت الحرب قائمة، فانهزم أحدهم متحيزًا) إلى فئة، أو متحرفًا لقتال (فقتله إنسان، فله سَلَبه) ذكره في "البلغة" و"الترغيب".

(ويُشترط في استحقاق سَلَبه) أي: المقتول (أن يكون غير مُثخَن، أي: مُوْهَنٍ بالجراح) لما تقدم في قضية عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن عمرو بن الجموح.

(وإن قطع أربَعَتَه إنسان ثم قتله آخر، أو ضربه اثنان، وكانت ضربة أحدهما أبلغ، فسلبه للقاطع) لأرْبَعَتِهِ (وللذي ضربته أبلغ) لأنه كفى المسلمين شرَّه.

(و‌

‌إن قتله اثنان فأكثر، فسلبه غنيمة)

لأنه صلى الله عليه وسلم لم يشرك بين اثنين في سَلَبٍ، ولأنه إنما يستحق بالتغرير في قتله، ولا يحصُل بالاشتراك.

(وإن أسره فقتله الإمام، أو اسْتَحياه) أي: أبقاه حيًّا رقيقًا، أو بفداء أو مَنٍّ (فسَلَبه ورقبتُه ان رَقَّ، وفداؤه إن فُدي، غنيمةٌ) لأن الذي أسره لم يقتله، ولأنه قد أسر المسلمون يوم بدر أسرى، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم منهم واستبقى منهم

(1)

، ولم يُنقل أنه أعطى أحدًا ممن أسرهم سلبًا ولا فداءً.

(و‌

‌إن قَطَع يده أو رِجله، وقَتَله آخر، فسَلَبه للقاتل)

لأن الأول لم يثخنه.

= المسلمين فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل عليَّ فضمني ضمةً وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني. . ." فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه له.

(1)

انظر أخبارهم في طبقات ابن سعد (2/ 18)، وتاريخ الطبري (2/ 459)، والبيهقي (6/ 323) و (9/ 64 - 65).

ص: 115

(وإن قَطَع) واحد (يده ورِجْله، أو قَطَع يديه أو رِجليه، ثم قَتَله آخر، فسَلَبه غنيمة) لأنه لم ينفرد أحدهما بقتله، ولم يستحقه القاتل؛ لأنه مثخن بالجراح.

(ولا تُقبل دعوى القتل) لأخذ السَّلَب (إلا بشهادة رَجُلين. نصًّا

(1)

) لأن الشارع اعتبر البينة، وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين، وكالقتل العمد، ويأتي في أقسام المشهود به: يُقبل رجل وامرأتان، ورجل ويمين، كسائر الأموال.

(والسَّلَب: ما كان عليه) أي: الكافر (من ثياب، وحَلْي، وعِمامة، وقَلَنْسُوة، ومِنْطقَة - ولو مذهَّبة - ودِرع، ومِغْفَر، وبَيضة، وتاج، وأَسورة، ورانٍ

(2)

، وخُفٍّ، بما في ذلك من حِلْية، و) ما كان عليه من (سلاح، من سيف، ورمح، ولُتٍّ

(3)

، وقوس، ونُشَّاب، ونحوه) لأنه يستعين به في حربه، فهو أَولى بالأخذ من الثياب.

وسواء (قلَّ) السَّلَب (أو كَثُر) لما تقدم من أخذ البراء بن مالك سَلَب مرزبان الدارة

(4)

، وأنه بلغ ثلاثين ألفًا

(5)

.

(ودابته التي قاتل عليها بآلتها من السَّلَب، إذا قُتل وهو عليها) لحديث عوف بن مالك، رواه الأثرم

(6)

، ولأن الدابة يُستعان بها في

(1)

المغني (13/ 74).

(2)

الرَّان: كالخف، إلا أنه لا قدم له، وهو أطول من الخف، وهو فارسي معرب. القاموس المحيط ص/ 1202 مادة (رين).

(3)

قال في المطلع ص/ 357: اللتُّ نوع من آلة السلاح معروف في زماننا، وهو لفظ مولَّد ليس من كلام العرب. اهـ.

(4)

صوابه "مرزبان الزارة" كما تقدم (7/ 106)، تعليق رقم (6).

(5)

تقدم تخريجه (7/ 107)، تعليق رقم (1).

(6)

لعله في سننه ولم تطبع، وأصل الحديث عند مسلم في الجهاد والسير، حديث =

ص: 116

الحرب كالسلاح، وآلتها كالسَّرْج، واللجام تبع لها.

(ونفقته، ورَحْله، وخيمته، وجنيه

(1)

غنيمة) لأن ذلك ليس من الملبوس، ولا مما يستعان به في الحرب، أشبه بقية الأموال.

(ويجوز سَلْب القتلى وتركهم عراة غير مستوري العورة) لأنهم غير معصومين، وكرهه الثوري

(2)

وغيره؛ لما فيه من كشف عوراتهم.

(و‌

‌يَحرم السَّفر بالمصحف إلى أرض العدو)

لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه

(3)

، وخوفًا من أن يستولوا عليه، فَيُهان (وتقدم في نواقض الطهارة.

ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير) لأنه أعرف بالحرب، وأمره موكول إليه، ولأنه إذا لم تجز المبارزة إلا بإذنه، فالغزو أَولى.

(إلا أن يفجأهم) أي: يطلع عليهم بغتة (عدوٌّ ويخافون

(4)

كَلَبه) - بفتح الكاف واللام - أي: شره وأذاه (بالتوقف على الإذن) لأن الحاجة تدعو إليه؛ لما في التأخير من الضرر، وحينئذ لا يجوز لأحد التخلُّف، إلا من يحتاج إلى تخلفه؛ لحفظ المكان والأهل والمال، ومن لا قوة له على الخروج ومن يمنعه الإمام.

(أو) يجدوا (فرصة يخافون فوتها) إن تركوها حتى يستأذنوا الأمير، فإن لهم الخروج بغير إذنه؛ لئلا تفوتهم؛ ولأنه إذا حضر العدو، صار الجهاد فرض عين، فلا يجوز التخلُّف عنه، ولذلك لمَّا أغار الكفار

= 1753.

(1)

كذا في الأصل، وفي "ح":"وجنبيه"، وفي "ذ":"جنيبته" وهو الصواب. والجنيبة: الفرس تقاد ولا تركب، المصباح المنير (1/ 110)، مادة:(جنب).

(2)

ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (14/ 157).

(3)

تقدم تخريجه (1/ 318)، تعليق رقم (1).

(4)

في "ذ": "يخافون".

ص: 117

على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وصادفهم سلمة بن الأكوع خارج المدينة تبعهم، وقاتلهم من غير إذن، فمَدَحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"خير رجالنا سَلمةُ بنُ الأكْوَعِ" وأعطاهُ سهْمَ فارسٍ وراجل"

(1)

.

(وإذا قال الإمام لرجل: أُحرِّجُ عليك أن لا تصحبني، فنادى) الإمام (بالنفير، لم يكن) النفير (إذنًا له) في الخروج؛ لتقديم

(2)

الخاص على العام.

(ولا بأس بالنِّهد

(3)

) بكسر النون، وهو: المناهدة

(4)

(في السفر) فعله الصالحون، كان الحسن إذا سافر ألقى معهم

(5)

، ويزيد - أيضًا - بعد ما يكفي

(6)

. وفيه - أيضًا - رفق.

(ومعناه) أي: النِّهد (أن يُخرج كل واحد من الرفقة شيئًا من النفقة يدفعونه إلى رَجُل

(7)

ينفق عليهم، ويأكون منه جميعًا، ولو أكل بعضهم أكثر من بعض) لجريان العادة بالمسامحة في مثل ذلك.

(ولو دخل قوم لا مَنَعَة) بفتح الأحرف الثلاث، وقد تُسَكَّن النون، أي: القوة والدفع (لهم، أو لهم مَنَعَة، أو) دخل (واحد - ولو عبدًا،

(1)

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، حديث 1807. ولفظه: خير رجَّالتنا.

(2)

في "ح": "لتقدم".

(3)

في "ذ": "بالنهدة".

(4)

في "ح": "القوت". والنهد، قال في القاموس ص/ 323 مادة (نهد): هو ما تخرجه الرفقة من النفقة بالسوية في السفر.

(5)

ذكره ابن حجر في فتح الباري (5/ 129) عن الحسن قوله: أخرجوا نِهْدكم؛ فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم. وعزاه إلى أبي عبيد في الغريب. ولم نجده في المطبوع منه.

(6)

في "ح" و"ذ": "ما يلقي".

(7)

في "ذ": "رجل منهم".

ص: 118

ظاهرًا) كان الدخول (أو خفية - دار حرب

(1)

بغير إذن الأمير، فغنيمتهم فيء؛ لعصيانهم) بافتياتهم على الإمام لطلب الغنيمة

(2)

، فناسب حرمانهم، كقتل الموروث.

(ومن أَخذ من دار الحرب، لو بلا حاجة) إلى المأخوذ (ولا إذن) الأمير (طعامًا مما يقتات، أو يصلح به القوت من الأدم أو غيره، ولو سُكَّرًا ومعاجين وعقاقير ونحوه، أو علفًا، فله أكله وإطعام سبي اشتراه، وعلف دابته، ولو كانا) أي: السبي والدابة (لتجارة) لقول ابن عمر: "كنَّا نصيبُ في مغازينا العَسَلَ والعِنَبَ، فنأكلهُ ولا نَرْفَعهُ" رواه البخاري

(3)

. وعنه: "أن جيشًا غنموا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا وعسلًا، فلم يؤخذ منهم الخُمسُ" رواه أبو داود

(4)

، ولأن الحاجةَ تدعو إليه؛ إذ الحمل فيه مشقة، فأُبيح؛ توسعةً على الناس (ما لم يُحرز) ما تقدم من الطعام والعلف (أو يُوكِّل الإمامُ من يحفظه، فلا يجوز إذن) أن يأكله أو يعلفه دابته (إلا لضرورة) نص عليه

(5)

؛ لأنه صار غنيمة للمسلمين، وتمَّ ملكهم عليه.

(1)

في "ح": "دار الحرب".

(2)

في "ح": "القسمة".

(3)

في الجزية والموادعة، باب 20، حديث 3154.

(4)

في الجهاد، باب 127، حديث 2701. وأخرجه - أيضًا - ابن حبان "الإحسان" (11/ 156) حديث 4825، من طريق شعيب بن إسحاق، والطبراني في الكبير (12/ 283) حديث 13372، وفي الأوسط (1/ 490) حديث 898، والبيهقي (9/ 59) من طريق أنس بن عياض، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

وأخرجه البيهقي (9/ 59) من طريق عثمان بن الحكم الجذامي، عن عبيد الله، عن نافع مرسلًا.

قال الدارقطني كما في خلاصة البدر المنير (2/ 351): وهو أشبه.

(5)

انظر مسائل ابن هانئ (2/ 115) رقم 1668، والإرشاد ص/ 399.

ص: 119

(ولا يطعم منه) أي: من الطعام، وإن لم يُحرز (فهدًا، و) لا (كلبًا، و) لا (جارحًا، فإن فعل) أي: أطعم ذلك (غرم قيمته) لأن هذا يُراد للتفرج، ولا حاجة إليه في الغزو.

(ولا يبيعه) أي: الطعام والعلف؛ لأنه لم ينقل، لعدم الحاجة إليه، بخلاف الأكل.

(فإن باعه، ردَّ ثمنه في المغنم) لما روى سعيد "أنَّ صاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كتبَ إلى عمرَ: إنَّا أصبْنا أرضًا كثيرةَ الطَّعَامِ والغلَّة، وكرهْتُ أنْ أتقدَّمَ في شَيءٍ من ذلك، فكتَبَ إليه: دعِ الناسَ يعلِفُونَ ويأكُلونَ، فمَنْ باعَ منهُم شيئًا بذَهبٍ أو فضةٍ، ففيهِ خمسُ اللهِ وسِهامُ المسلمين

(1)

.

قال في "المبدع": وظاهره: أن البيع صحيح؛ لأن المنع منه إنما كان لأجل حق الغانمين، وفي ردّ الثمن تحصيلٌ لذلك؛ ولأن له فيه حقًّا، فصحَّ بيعه، كما لو تحجَّر مواتًا.

وفرَّق القاضي والمؤلِّف، أي: الموفَّق في "الكافي" - إن باعه لغير غازٍ؛ فهو باطل، كبيعه الغنيمة بغير إذن، فيردّ المبيع إن كان باقيًا، أو قيمته، أو ثمنه، إن كان تالفًا.

وإن باعه لغازٍ، فلا يخلو إما أن بيعه

(2)

بما يُباح له الانتفاع به؛ أو بغيره، فإن كان الأول؛ فليس بيعًا في الحقيقة، إنما دفع إليه مباحًا، وأخذ مثله، ويبقى أحق به؛ لثبوت يده عليه.

(1)

سنن سعيد بن منصور (2/ 274) رقم 2750. وأخرجه - أيضًا - سحنون في المدونة الكبرى (3/ 36)، وابن أبي شيبة (12/ 438) والبيهقي (9/ 60)، وابن عساكر في تاريخه (60/ 140).

(2)

في "ذ": "يبيعه".

ص: 120

فعلى هذا: لو باع صاعًا بصاعين، وافترقا قبل القبض، جاز؛ إذ لا بيع. وإن أقرضه إيَّاه فهو أحقّ به، فإن وفَّاه أو ردَّه إليه، عادت يده كما كانت.

وإن كان الثاني؛ فليس بصحيح، ويصير المشتري أحقّ به؛ لثبوت يده عليه، ولا ثمن عليه، ويتعيَّن ردّه إليه.

(والدهنُ المأكول كسائر الطعام) لأنه طعام، أشبه البُرَّ.

(وله دَهْن بَدَنِهِ ودابتهِ منه) لحاجة، ونقل أبو داود

(1)

: دهنه بزيت للتزين لا يعجبني.

(و) له دَهْن بَدَنِه ودابته (من دُهْنٍ غير مأكول) ظاهره: ولو نجسًا، ولعله غير مراد، وتقدم ما فيه في أول الجنائز

(2)

.

(و) له (أكْلُ ما يتداوى به، وشُرْبُ جُلَّاب

(3)

، وسَكَنْجَبين

(4)

ونحوها

(5)

لحاجة) لأنه في

(6)

معنى الطعام.

(ولا يغسل ثوبه بالصابون) لأنه ليس بطعام، فإن فعل، رَدَّ قيمته في المَغنم.

(1)

في مسائله ص/ 241.

(2)

(4/ 9).

(3)

الجُلَّاب: العسل أو السكر عُقِدَ بوزنه أو أكثر من ماء الورد، مركَّب من "جل" أي ورد، ومن "آب" أي ماء. معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص/ 42.

(4)

قال في المطلع ص/ 246: السكنجبين: ليس هو من كلام العرب، وهو معروف، مركب من السكر والخل ونحوه. وجاء في معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص/ 92: السكنجبين شراب مركب من "سك" و"انجبين" أي: خل وعسل، ويُراد به كل حامض وحلو.

(5)

في "ذ": "ونحوهما".

(6)

في "ح": "لأن فيه".

ص: 121

(ولا يركب دابةً من دواب المَغنم) لما روى رُويفع بن ثابت الأنصاري مرفوعًا: "مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر، فلا يَرْكبْ دابَّةً من فَيْءِ المسلمين، حتى إذا أعْجفَها رَدَّهَا، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يَلْبَسُ ثوبًا من فَيْءِ المسلمينَ، حتى إذا أخْلَقه ردَّهُ" رواه سعيد

(1)

؛ ولأنها تتعرَّض للعطب غالبًا، وقيمتُها كثيرة، بخلاف السلاح.

(ولا يتخذ النَّعْل والجُرُب) جمع: جراب (من جلودهم، ولا الخيوط والحِبال) بل يرد في المغنم كسائر أموالهم.

(وكُتبهم المُنتفعُ بها كـ) ــكتب (الطِّب واللُّغة والشِّعر ونحوها) كالحساب والهندسة (غنيمة) لاشتمالها على نفع مباح.

(وإن كانت) كتبهم (مما لا يُنتفع به، ككُتُب التوراة والإنجيل، وأمكن الانتفاع بجلودها، أو وَرَقِها بعد غسله، غُسِلَ) إزالةً لما فيه من التغيير والتبديل (وهو غنيمةٌ) كسائر ما يُنتفع به (وإلا) أي: وإن لم يمكن الانتفاع بها بعد غَسْلها (فلا) تكون غنيمة، بل يُتْلِفها (ولا يجوز بيعها) ولو لإتلافها ككتب الزندقة ونحوها.

(وجوارحُ الصَّيد كالفُهود والبُزاة غنيمةٌ تُقْسم) لأنها مال يُنتفع به،

(1)

(2/ 267) حديث 2722. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في النكاح، باب 44، حديث 2159، وفي الجهاد، باب 131، حديث 2708، وأبو إسحاق الفزاري في كتاب السير ص/ 242، حديث 408، وابن سعد (2/ 114)، وابن أبي شيبة (12/ 222)، (14/ 465)، وأحمد (4/ 108، 109)، والدارمي في السير، باب 47، حديث 2488، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 209) حديث 2193، والطحاوي (3/ 251)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 217)، وابن حبان "الإحسان" (11/ 186) حديث 4850، والطبراني في الكبير (5/ 26 - 27) حديث 4482 - 4487، والبيهقي (9/ 62، 124)، وابن عساكر في تاريخه (12/ 37) وحسَّنه الحافظ في الفتح (6/ 256).

ص: 122

كباقي الأموال.

(وإن كانت كلابًا مباحة، لم يَجُز بيعها) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب

(1)

.

(فإن لم يُرِدْها أحدٌ من الغانمين، جاز إرسالُها، و) جاز (إعطاؤها غيرَهم) أي: غير الغانمين.

(وإن رَغِبَ فيها بعضُ الغانمين دون بعض، دُفعت إليه) لأنه أَولى من غير الغانمين (ولم تُحتسب عليه) من سهمه؛ لأنها ليست بمال.

(وإن رَغِب فيها) أي: الكلاب المعلَّمة (الجميعُ) أي: جميع الغانمين (أو) رَغِب فيها (ناسٌ كثير) من الغانمين (وأمكن قِسمتها) عددًا (قُسمت عددًا من غير تقويم) لأنه لا قيمة لها.

(وإن تعذَّر ذلك) أي: قسمتها بالعدد (أو تنازعوا في الجيد منها، أُقرع بينهم) لأنه لا مرجِّح غير القُرْعة.

(و‌

‌يُقتل الخنزير، ويُكسر الصليب، ويُراق الخمر، وتُكسر أوعيتهُ؛ إن لم يكن فيها نَفْعٌ للمسلمين)

وإلا؛ أُبقيت.

(وإن فَضَل معه من الطعام ونحوِه) كالعلف (شيءٌ، ولو يسيرًا، فأدخله بلدَه في دار الإسلام، ردَّه في الغنيمة) لأنه إنما أُبيح له ما يحتاج إليه، فما بقي تبيَّنا أنه أخذ أكثر مما يحتاجه، فبقي على أصل التحريم.

(و) إن فضل معه شيء (قبل دخولها) أي: دخول بلده في دار الإسلام (يَرُدُّ ما فضل معه) - وفي نسخ: منه - (على المسلمين) لما تقدم.

(1)

أخرجه البخاري في السلم، باب 112، حديث 2237، وفي الإجارة، باب 20، حديث 2282، وفي الطلاق، باب 52، حديث 5346، وفي الطب، باب 46، حديث 5761، ومسلم في المساقاة، حديث 1567، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

ص: 123

(وإن أعطاه أحدٌ من أهل الجيش ما يحتاج إليه) من طعام وعلف، (جاز له أخذُه، وصار أحقَّ به من غيره) كما لو أخذه هو ابتداء.

(وله أَخْذ سلاح من الغنيمة - ولو لم يكن محتاجًا إليه - يُقاتل به، حتى تنقضي الحرب، ثم يَرُدُّه) لقول ابن مسعود: "انتهيتُ إلى أبي جَهْلٍ فوقعَ سيفُهُ من يده، فأخَذْتُهُ فضربْتُه به حتى بَرَدَ" رواه الأثرم

(1)

.

ولأن الحاجة إليه أعظم من الطعام، وضرر استعماله أقل من ضرر أكل الطعام؛ لعدم زوال عينه بالاستعمال.

(ويجوز له أن يلتقط النُّشَّاب

(2)

؛ ثم يرمي به العدوَّ) لأنه في معنى القتال بالسيف.

(وليس له القتالُ على فرس من الغنيمة) لما تقدم

(3)

في ركوب دابة من دوابها (ولا لُبْسُ ثوبٍ) من الغنيمة؛ لما تقدم

(3)

.

(وليس لأجيرٍ لحفظِ غنيمةٍ ركوبُ دابةٍ منها) أي: من الغنيمة؛ لأنه استعمال لها بما لا يقتضيه العقد (إلا بشرط) بأن شرط له الأميرُ ركوبَها إذا كانت معينة وعُيِّنت المسافة، بل ظاهره

(4)

: وإن لم يُعيَّنا.

(ولا) لأجيرٍ لحِفظ الغنيمة (ركوبُ دابةٍ حبيسٍ) أي: موقوفة على الغزاة؛ لوجوب صرف الوقف للجهة التي عيَّنها الواقف، وهذا ليس منها (ولو بشرطٍ) أي: ولو شرط الأمير للأجير ركوبَ الحبيس، فلا يستبيحه بذلك؛ لمخالفته لشرط الواقف.

(1)

لعله رواه في سننه ولم تطبع، وقد تقدم تخريجه (7/ 113)، تعليق رقم (3).

(2)

النُّشَّاب: النَّبْل، والواحدة نُشَّابة. القاموس المحيط ص/ 137 مادة (نشب).

(3)

(7/ 122).

(4)

في "ح": "الظاهر".

ص: 124

(فإن فَعَل) أي: ركب الأجيرُ الفرسَ الحبيس (فـ) ــعليه (أجرةُ مثلِها) لتعديه بإتلاف المنفعة، فيرد

(1)

في الغنيمة إن كانت منها، وتُصرف في نفقة الحبيس، إن كانت الدابة حبيسًا.

(ومن أخذ ما يستعين به في غزاة معينة، فالفاضل) منه (له) لأنه أعطاه عنى سبيل المعاونة والنفقة، فكان الفاضل له، كما لو وصَّى أن يَحج عنه فلانٌ حَجةً بألف، إلا إذا كان من الزكاة.

(وإلا) أي: وإن لم يأخذه ليستعين به في غَزاة معينة، بل ليستعين به في الغزو، أو في سبيل الله (أنفقه في الغزو) لأنه أعطاه إياه لينفقه في جهة قُربة، فلزمه إنفاق الجميع فيها، كما لو وصَّى أن يُحج عنه بألف، فإنه يُصرف في حَجَّة بعد أخرى حتى يَنْفَد.

(وإن أُعْطِيَهُ) أي: المال (ليستعين به في الغزو، لم يترك لأهله منه شيئًا) قبل خروجه، ولا عنده؛ لأنه لا يملكه (إلا أن يصير إلى رأس مغزاه) فيكون كهيئة ماله (فيبعث إلى عياله منه) لأنه من جملة حوائجه.

(ولا يتصرَّف فيه) أي: فيما أُعطيه ليستعين به في الغزو

(2)

(عند

(3)

الخروج؛ لئلا يتخلَّف عن الغزو) فلا يكون مستحقًّا لما أنفقه (إلا أن يشتري منه سلاحًا وآلة الغزو) كالتُّرس والفرس.

(ومن أُعطي دابةً ليغزو عليها - غير عارية ولا حبيس - فغزا عليها، مَلَكها) بالغزو عليها؛ لقول عمر: "حَمَلتُ على فرسٍ في سبيلِ الله، فأضاعَهُ صاحبُه الذي كان عندهُ، فأردتُ أن أشتَريَه، وظَنَنتُ أنه بائِعهُ

(1)

في "ح": "فترد".

(2)

"وكذا إذا أعطاه دابة ليحج عليها على قياسه، ذكره شيخنا. مصنف" اهـ. ش.

(3)

في "ذ": "قبل"، وأشار في الهامش إلى أن في نسخة:"بعد".

ص: 125

برخصٍ، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تَشْتَرِه، ولا تَعُدْ في صَدَقتِكَ، وإن أعطاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فإنَّ العائِدَ في صَدَقَتِهِ كالكلبِ يعودُ في قَيْئِه" متفق عليه

(1)

، وهذا يدلُّ على أنه مَلَكه؛ لأنه لو لا ذلك ما باعه، ويدلُ على أنه مَلَكَه بعد الغزو؛ لأنه أقامه للبيع بالمدينة، ولم يكن ليأخذه من عمر، ثم يقيمه للبيع في الحال، فدلَّ على أنه أقامه للبيع بعد غزوه عليه، ذكر أحمد

(2)

نحوَ هذا الكلام، وسُئل: متى تطيب له الفرس؟ قال: إذا غزا عليه. قيل له: فإنِ العدو جاءنا، فخرج على هذا الفرس في الطلب إلى خمس فراسخ، ثم رجع؟ قال: لا، حتى يكون غزوًا.

(ومثلُها) أي: الدابة التي أُعْطِيَهَا ليغزوَ عليها (سلاحٌ ونفقةٌ) أُعْطِيَه ليغزو به، فيملكه بالغزو (فإن باعه بعد الغزو، فلا بأس، ولا يشتريه مَن تَصَدَّق به) لما تقدم.

(ولا يركب دوابّ السَّبيل في حاجة) نفسه؛ لأنها لم تُسَبَّل لذلك (ويركبُها ويستعملُها في سبيل الله) تعالى؛ لأنها سُبِّلَت لذلك (ولا تُركب في الأمصار والقُرى) لزينة ولا غيرها.

(ولا بأس أن يركبها ويعلفَها) أي: لعلفها وسقيها؛ لأنه لحاجتها.

(و‌

‌سهم الفَرَس الحبيس: لمن غزا عليه)

يُعطى منه نفقتُه والباقي له.

(1)

البخاري في الزكاة باب 59، حديث 1490، وفي الهبة باب 30، 37، حديث 2623، 2636، وفي الجهاد والسير، باب 119، 137، حديث 2970، 3003، ومسلم في الهبات، حديث 1620.

(2)

مسائل صالح (1/ 226) رقم 165، و (3/ 33) رقم 1268، 1269، ومسائل أبي داود ص/ 232.

ص: 126

‌باب قسمة الغنيمة

يقال: غَنِم فلان الغنيمة يَغنمها، واشتقاقها من الغُنْم، وأصلها الربح والفضل، والمَغنم مرادف للغنيمة.

والأصل فيها قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية

(1)

، وقوله:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}

(2)

.

وقد اشتهر وصحَّ "أنهُ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ الغنائمَ"

(3)

.

وكانت في أول الإسلام خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية

(4)

، ثم صارت أربعةُ أخماسها للغانمين، وخُمُسها لغيرهم.

(وهي ما أُخذَ من مال حربيٍّ) خرج به ما يؤخذ من أموال أهل الذِّمة من جزية أو خراج

(5)

ونحوه (قهرًا بقتال) خرج به ما جلوا

(6)

وتركوه فزعًا، وما يؤخذ منهم من العشر إذا اتجروا إلينا، ونحوه (وما أُلحق به) أي: بالمأخوذ بالقتال (كهارب) استولينا عليه (وهدية الأمير ونحوِهما)

(1)

سورة الأنفال، الآية:41.

(2)

سورة الأنفال، الآية:69.

(3)

في وقائع كثيرة شهيرة، ومن ذلك: ما رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب 1، حديث 3778، وفي المغازي، باب 56، حديث 4332، ومسلم في الزكاة، حديث 1059 (134) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وانظر: جامع الأصول (2/ 667 - 678) حديث 1161 - 1176.

(4)

سورة الأنفال، الآية:1.

(5)

في "ذ": "وخراج".

(6)

في "ذ": "ما رحلوا".

ص: 127

كالمأخوذ في فداء الأسرى، وما يُهدى لبعض قواد الأمير بدار حرب

(1)

.

(و‌

‌لم تحِلَّ) الغنائم (لغير هذه الأمَّة)

لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تَحِلّ الغنَائِمُ لقومٍ سُودِ الرؤوسِ غيرِكم، كانت تنزِلُ نارٌ من السّماءِ تأكُلُها" متفق عليه

(2)

.

(وإن أُخِذَ منهم) أي: الحربيين (مالُ مسلمٍ، أو) مال (معاهدٍ) ذميٍّ أو مستأمن (فأدركه صاحبُه قبل قَسْمِه، لم يُقسَم، ورُدَّ إلى صاحبه بغير شيء) لما روى ابن عمر: "أن غلامًا له أبقَ إلى العدوِّ، فَظَهرَ عليه المسلمونَ، فردَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه"، و"ذهَبَ فرسٌ له فأخذَهُ المسلمونَ،

(1)

في "ح": "الحرب".

(2)

لم نقف عليه في الصحيحين بهذا السياق. وإنما رواه البخاري في فرض الخمس، باب 8، حديث 3124، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1747، بلفظ:"ثم أحلَّ الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلَّها لنا" هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلم: "فلم تحلَّ الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله تارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا". والحديث باللفظ الذي ذكره المؤلف أخرجه الترمذي في التفسير، باب 8، حديث 3085، والنسائي في الكبرى (6/ 352) حديث 11209، والطيالسي ص/ 318، حديث 2429، وأبو عبيد في الأموال ص/ 153، 386، حديث 310، 768، وسعيد بن منصور (2/ 352) حديث 2906، وابن أبي شيبة (14/ 387)، وأحمد (2/ 252)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 682)، حديث 1142، وابن الجارود (3/ 328) حديث 1071، والطبري في تفسيره (10/ 45)، والطحاوي (3/ 277)، وفي شرح مشكل الآثار (8/ 361) حديث 3310، 3311، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1733) حديث 9895، 9896، وابن حبان "الإحسان"(11/ 134) حديث 4806، وتمام في فوائده (4/ 147) حديث 1346، والبيهقي (6/ 290)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 457)، وفي الاستذكار (5/ 79).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (5/ 293 مع الفيض) ورمز لحسنه.

ص: 128

فردَّهُ عليه خالدُ بنُ الوليدِ بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم" رواهما البخاري

(1)

.

(فإن قُسم) ما أُخذ منهم من مال مسلم أو معاهد (بعد العِلم بأنه مال مسلم أو معاهد، لم تصحَّ قسمتُه، وصاحبُه أحقُّ به بغير شيء) لأن قسمتَه كانت باطلةً من أصلها، فهو كما لو لم يقسم.

(ثم إن كان) مال المسلم أو المعاهد المأخوذ منهم (أمَّ ولدٍ، لزم السيدَ أخذُها) قبل القسمة مجانًا (وبعد القسمة بالثمن) ولا يدعها يَستحِلُّ فرجَها من لا تحلُّ له.

(وما سواها) أي: أم الولد (لرَبِّه أخذه) قبل القسمة مجانًا، وبعدها بالثمن (و) له (تَرْكُه غنيمة) للغانمين؛ لأن الحقَّ له، فإن شاء استوفاه وإن شاء تَرَكه (فإن أَخَذه) قبل القسمة (أخذه مجانًا) لما تقدم.

(وإن أبى أخْذه) قُسم؛ لأن ربَّه لم يملكه بإدراكه، وإنما هو أحق به، فإذا تركه سقط حقه من التقديم.

(أو غَنِم المسلمون شيئًا عليه علامة المسلمين من مراكبَ أو غيرها، ولم يُعرف صاحبه، قُسم، وجاز التصرُّف فيه) لأن الكفار قد ملكوه، فصار كسائر أموالهم، إذا استولى عليها المسلمون، وإنما لربه حق التملك إذا عُرف.

(وإن كانت) الأَمَة المأخوذة من الكفار (جاريةً لمسلمٍ أوْلَدَها أهل الحرب، فلسيدها أخذُها) إذا أدركها كما تقدم (دون أولادها ومهرِها)

(1)

في الجهاد والسير، باب 187، حديث 3067 - 3069، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذهب فرس له، فأخذه العدوُّ، فظهر عليه المسلمون، فَرُدَّ عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبق عبدٌ له فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فردَّه عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 129

للحوق النسب لمالك

(1)

؛ لأنهم يملكونها بالاستيلاء كسائر أموالنا.

(وإن أدركه) أي: أدرك المسلمُ، أو المعاهدُ ماله المأخوذ من أهل الحرب (مقسومًا) فهو أحق به بثمنه؛ لما روى ابن عباس:"أن رجُلًا وجدَ بعيرًا له كان المشركون أصابُوهُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إن أصَبْتَهُ قبل القِسْمَةِ، فهو لكَ، وإن أصَبتَهُ بعْدَ ما قُسِمَ، أخذته بالقيمة"

(2)

.

وإنما امتنع أخذه له بغير شيء؛ لئلا يُفضي إلى حرمان آخذه من الغنيمة، ولو لم يأخذه لأدَّى إلى ضياع حقه، فالرجوعُ بشرطِ

(3)

وزنِ القيمةِ جمعٌ بين الحقين.

(أو) أدركه ربُّه (بعد بيعه، و) بعد (قَسْم ثمنه، فهو أحقُّ به بثمنه، كأخذه) أي: كما أن له أخذه (من مشتريه من العدوِّ) بثمنه؛ لئلا يضيع الثمن على المشتري، وحقه ينجبر بالثمن، فرجوع صاحب المال في عينه كأخذ الشقص المشفوع.

(وإن وَجَده) أي: وجد ربُّ المال ماله (بيد مُسْتَولٍ عليه) من الحربيين (وقد جاءنا بأمان، أو) جاءنا (مسلمًا، فلا حقَّ له) أي: لربِّه

(1)

في "ذ": "للمالك".

(2)

أخرجه ابن عدي (2/ 706)، والدارقطني (4/ 114)، والبيهقي (9/ 111)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 344) حديث 1879 من طريق الحسن بن عمارة، عن عبد الملك، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الدارقطني: الحسن بن عمارة متروك.

وقال البيهقي: هذا الحديث يُعرف بالحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة، والحسن بن عمارة متروك لا يحتج به. ورواه - أيضًا - مسلمة بن علي الخشني عن عبد الملك، وهو أيضًا ضعيف، وروي بإسناد آخر مجهول عن عبد الملك، ولا يصح شيء من ذلك.

(3)

في "ح": "بشرطه".

ص: 130

(فيه) لحديث: "مَنْ أسْلَم على شيءٍ فهو له"

(1)

.

قال في "الاختيارات"

(2)

: وإذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين، فهي لهم، نصّ عليه الإمام أحمد

(3)

. وقال في رواية أبي طالب: ليس بين المسلمين اختلاف في ذلك. قال أبو العباس

(4)

: وهذا

(1)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه، أخرجه أبو يعلى (10/ 226)، حديث 5847، وابن عدي (7/ 2642)، والبيهقي (9/ 113).

وفي سنده ياسين بن معاذ الزيات، قال ابن عدي: كل رواياته أو عامتها غير محفوظة.

وقال البيهقي: كوفي ضعيف جرحه يحيى بن معين والبخاري وغيرهما من الحفاظ.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 335): رواه أبو يعلى، وفيه ياسين بن معاذ الزيات. وهو متروك. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 120): وفي ياسين الزيات وهو منكر الحديث متروك. وقال في الدراية (2/ 121): وإسناده ضعيف.

ب - ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه ابن عساكر في تاريخه (6/ 351)، وفي سنده سليمان بن أبي كريمة، قال الذهبي في المغني (1/ 282): لين صاحب مناكير.

ج - بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، أخرجه البيهقي (9/ 113) بلفظ: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في أهل الذمة: لهم ما أسلموا عليه من أموالهم وعبيدهم. . . إلخ. وفي سنده ليث بن أبي سليم، قال فيه ابن حجر في التقريب (5721): صدوق اختلط جدًا، ولم يتميز حديثه، فتُرك.

وروي مرسلًا عن عروة بن الزبير، وعن ابن أبي مليكة، أخرجه سعيد بن منصور (1/ 55) حديث 189، 190.

وصحح إسناده ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 127)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 356)، وابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 120).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء (6/ 157) رقم 1716: والحديث عندي حسن بمجموع طرقه. والله أعلم.

(2)

ص/ 451.

(3)

انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 125) رقم 1717.

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 451.

ص: 131

يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضًا يعتقدون جوازه، فإنه يستقرُّ لهم بالإسلام؛ كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها؛ ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين بالإجماع. انتهى.

وإنْ كان أخذه من المستولي عليه بهبة

(1)

، أو سرقة، أو شراء، فكذلك؛ لأنه استولى عليه حال كفره، فأشبه ما لو استولى عليه بقهره المسلم.

(وإن أَخَذه من الغنيمة بغير عِوض، أو سَرَقَه أحدٌ من الرعية من الكفار، أو أخذه) أحد (هِبةً، فصاحِبُه أحقُّ به بغير شيء) لحديث عمران بن حصين: "أن قومًا أغَاروا على سَرْح النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذوا جاريَةً وناقَةً من الأنصار، فأقامتْ عندهُم أيامًا، ثم خرجَتْ، فركِبَت الناقةَ، ونذَرَتْ إن نجّاها الله عليها، لتَنْحَرنّهَا، فلما قدِمت المدينة، أخذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ناقَتَهُ، فأخبَرَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بنَذْرها، فقال: سبحانَ الله! بئْسَ ما جَزَتْها، نَذرتْ لله إنْ نجَّاها اللهُ عليها لتَنْحَرنَّها! لا وَفاءَ في معصيةٍ، ولا فيما لا يَملكُ العبدُ" رواه مسلم

(2)

.

(وإن تصرَّف فيه من أخذه منهم) أي: من الحربيين (صحَّ تصرُّفُه) لأنه تصرُّفٌ من مالك، فصح كما لو لم يؤخذ من الكفار (مثل: إن باعه المُغتنِم، أو رَهَنَه، ويملِك ربُّه انتزاعه من الثاني) كما لو كان بيد الأول، وإن أوقفه أو أعتقه، لزم، وفات على ربِّه.

(وتَمْنَعُ المطالبةُ التصرُّف فيه، كالشُّفعة

(3)

) أي: كما أن الطلب

(1)

في "ذ": "هبة".

(2)

في النذر، حديث 1641.

(3)

يأتي تعريفها وحكمها في الجزء التاسع.

ص: 132

بالشُّفعة يمنع المشتري من التصرُّف في الشقص

(1)

المشفوع.

(وتُردُ مُسلمةٌ سَبَاها العدوُّ إلى زوجها) لأنهم لا يملكونها، وكذا ذِميةٌ (وولدُها) أي: الحُرة (منهم) أي: من الحربيين (كـ) ولد (مُلاعنة، و) ولد (زنًى) لأنه لا ملك لهم، ولا شبهة ملك.

وإن كانت مسلمة وأبى ولدها الإسلامَ، حُبس وضُرب حتى يُسلم؛ لأنه لا يُقَرُّ على الكفر.

(وما لم يملكوه) كالوقف (فلا يُغنم بحال، ويأخذه ربُّه إن وَجَده مجانًا، ولو بعد إسلام من هو معه، أو) بعد (قَسْمِه

(2)

، أو) بعد (شرائِه منهم) لأنه ليس بمال لهم، ولم يزل ملك ربّه عنه.

(وإن جُهل ربُّه) أي: رب ما لا يملكونه من أموالنا (وُقِفَ) حتى يعلم ربه، ولا يقسم؛ لأنه ليس غنيمة.

(ويملك أهلُ الحرب مالَ مسلمٍ بأخذِه) لأن الاستيلاء سبب يملك به المسلم مال الكافر، فكذا عكسه، كالبيع، وكما يملكه بعضهم من بعض، وسواء اعتقدوا تحريمه أو لا، ذكره في "الانتصار"(ولو قبل حيازته إلى دار الكفر) قدَّمه في "الشرح" وغيره؛ لأن ما كان سببًا للملك أثبته حيث وُجِد كالبيع (ولو كان) أخذهم مال مسلم (بغير قَهْر، كأن أبَقَ أو شَرد إليهم) مال مسلم فأخذوه كعكسه (حتى أم ولدٍ ومُكاتَبًا) لأنهما يُضمنان بقيمتهما على مُتلِفهما، فملكوهما كالقِنِّ، والأصح عند ابن عقيل: أنها كوقف.

(1)

الشقص: هو القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء، والشقيص: الشريك. انظر: المُطلع ص/ 278.

(2)

في "ح": "قسمته".

ص: 133

(و) مما يترتَّب على ملكهم مال المسلم بأخذه (لو بقي مال مسلم معهم) أي: الحربيين (حولًا أو أحوالًا، فلا زكاة فيه) لأنه خرج عن ملك المسلم.

(و) من ذلك أنه (إن كان) ما أخذوه (عبدًا) أو أَمَة (فأعتقه سيده، لم يعتق) لأنه أعتق ما لا يملكه.

(ولو كانت أَمَةً مزوَّجةً، فقياس المذهب انفساخ نكاحها) إذا سَبَوها وحدها كعكسه.

ومن ذلك: إذا كان لمسلم أختان أَمَتان، واستولى الكفار على إحداهما، وكان وطئها، فله وطء الثانية؛ لأن ملكه قد زال عن أختها.

(قال الشيخ

(1)

: الصواب أنهم يملكون أموال المسلمين ملكًا مقيدًا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه. انتهى) لما تقدم في أن ربَّه إذا أدركه أخذه، إما مجانًا، أو بالثمن، على التفصيل السابق

(2)

.

(ولا يملكون حَبيسًا ووقفًا) لعدم تصوُّر الملك فيهما، فلم يملكا بالاستيلاء كالحر.

(و) لا يملكون (ذميًّا) حرًّا (و) لا (حرًّا) مسلمًا، ذكرًا كان أو أنثى؛ لأنه لا يُضمن بالقيمة، ولا تثبت اليد عليه بحال، فإذا قدر المسلمون بعد ذلك على أهل الذِّمة، وجب ردّهم إلى ذِمّتهم، ولم يجز استرقاقهم؛ لأن ذِمّتهم باقية، ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها.

(ومن اشتراه) أي: الأسير الحر مسلمًا كان أو ذِميًّا، ذكرًا أو أنثى (منهم) أي: الكفار (وأطلقه، أو أخرجه إلى دار الإسلام، رجع بثمنه بنية

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 451.

(2)

(7/ 129).

ص: 134

الرجوع، ولا يُردُّ إلى بلاد العدو بحال، وتقدم) في الباب قبله بدليله

(1)

.

(فإن اختلفا) أي: المشتري والأسير (في) قَدْر (ثمنه، فقول أسير) لأنه منِكر للزيادة والأصل براءته منها.

(ويُعمل بقول عبدٍ مأسورٍ: إنّه لفلان) قيل لأحمد

(2)

: أُصيب غلام في بلاد الروم، قال: أنا لفلان، رجل بمصر، قال: إذا عُرف الرجل لم يُقسم، ورُدّ على صاحبه. وقيل له

(3)

: أصبنا مركبًا في بلاد الروم فيها النواتية

(4)

، قالوا: هذا لفلان، وهذا لفلان، قال: هذا قد عُرف صاحبه، لا يُقسَم.

(و) يُعمل (بوَسْمٍ على حَبيس) ونظيره - كما يأتي في آخر أقسام المشهود به - العمل بما على أُسْكُفَّة

(5)

مدرسة ونحوها، وكُتُب عِلم بخزانة مدة طويلة؛ لتعذر إقامة البينة على ذلك غالبًا.

(وما أخَذَ

(6)

من دَارِ الحَرْبِ مَنْ) - فاعِلُ أَخَذَ - (هو مع الجيش وحدَه أو بجماعة لا يَقدر عليه) أي: المأخوذ (بدونهم، من رِكاز، أو مباح له قيمة في مكانه، كالدَّارصيني

(7)

، وسائر الأخشاب، والأحجار، والصُّموغ، والصُّيود، ولُقَطة حربي، والعسل من الأماكن المباحة ونحوه، فهو غنيمة) لأنه مال حصل الاستيلاء عليه قهرًا بقوة الجيش،

(1)

(7/ 68).

(2)

مسائل أبي داود ص/ 243.

(3)

مسائل أبي داود ص/ 244.

(4)

النواتي: الملَّاحون في البحر، الواحد: نوتي. القاموس المحيط ص/ 207، مادة:(نوت).

(5)

أُسْكُفَّة الباب: عتبته العليا، وقد تستعمل في السفلى، والجمع: أُسكُفَّات. المصباح المنير (1/ 282)، مادة:(سكف).

(6)

في "ذ": "وما أخذه".

(7)

سبق التعريف به (6/ 138)، تعليق رقم (1).

ص: 135

فكان غنيمة كسائر أموالهم (في الأكل منه) إذا كان طعامًا (وغيره) أي: غير الأكل، فثبت

(1)

له أحكام الغنيمة كلها.

(وإن لم يكن) الآخذ لذلك (مع الجيش كالمتلصِّص ونحوه، فالرِّكاز لواجده) كما لو وجده بدار الإسلام (وفيه) أي: الرِّكاز (الخُمس) كما تقدم

(2)

في محله. وما عدا الرِّكاز من المباحات يكون - أيضًا - لواجده غير مخموس، حيث قدر عليه وحدَه كسائر المباحات.

(وإن لم يكن له) أي: للمأخوذ من مباح دار الحرب (قيمةٌ

(3)

كالأقلام والمِسَنِّ) بكسر الميم (والأدوية، فهو لآخذه) ولو وصل إليه بقوة الجيش (ولو صار له قيمة بنقله ومعالجته) لأن ذلك أمر طارئ.

(وإن وجد لُقَطةً في دار الحرب من متاع المسلمين، فكما لو وجدها في غير دار الحرب) يُعرِّفها حولًا، فإن لم يعرف ربّها، ملكها، وإنْ كانت من متاع المشركين، فهي غنيمة.

(وإن شَكَّ: هل هي من متاع المسلمين، أو) من متاع (المشركين، عرَّفها حولًا) لاحتمال أن تكون من متاع المسلمين (ثم) إن لم تعرف (جعلها في الغنيمة) لأن الظاهر أنها من متاع المشركين. قال في "الشرح" و"المبدع": نص عليه

(4)

، ولم يحكيا فيه خلافًا. ومحله: إذا وصل إليها بقوة الجيش.

(ويُعرِّفها في بلاد المسلمين) نص عليه

(5)

. أي: يُتِمُّ تعريفها في

(1)

في "ذ": "فثبتت".

(2)

(4/ 448).

(3)

في "ذ": "قيمة بنقله".

(4)

انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 128) رقم 1726، والمغني (13/ 126).

(5)

مسائل ابن هانئ (2/ 128) رقم 1726.

ص: 136

بلادنا، وأما الشروع فمن حين الوجدان، كما نبَّه عليه في "المغني".

(وإن ترك صاحبُ القَسْم) أي: المفوَّض إليه أمره، وهو الإمام، أو الأمير، أو نائبه (شيئًا من الغنيمة عَجْزًا عن حمله ولم يُشترَ) ذلك المتروك (فقال) صاحب القَسْم (من أخذ شيئًا فهو له، فمن أخذ شيئًا مَلَكه) كسائر المباحات.

(وللأمير إحراقُه) حتى لا يعود إليه الكفار فينتفعون به.

(و) للأمير (أخذُه لنفسه كغيره) أي: غير الأمير، فإن له أخذه لما تقدم.

(ولو أراد الأميرُ أن يشتري لنفسه من الغنيمة، فوكَّل مَن لا يعلم أنه وكيله، صحَّ البيع) لانتفاء المانع، وهو المحاباة، ولعل المراد إذا كان البائع بعض الغانمين لحصته، فإن كان البائع الأمير أو وكيله، لم يصح مطلقًا، كما هو مقتضى ما يأتي في الوكالة، وهو ظاهر نص الإمام

(1)

. قال: لا يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مغنم المسلمين شيئًا؛ لأنه يُحابى؛ ولأن عمر ردَّ ما اشتراه ابنه في غزوة جَلُولاء، وقال: إنَّه يُحابَى

(2)

. احتج به أحمد

(3)

. قال في "المغني": ولأنه هو البائع أو وكيله، فكأنه يشتري من نفسه، أو وكيل نفسه.

(وإلا) بأن اشترى بنفسه أو وكَّل من يعلم أنه وكيله (حَرُم) عليه ذلك. نص عليه

(3)

. واحتج بأن عمر ردَّ ما اشتراه ابن عمر في قصة جَلُولاء؛ للمحاباة، وظاهره بطلان البيع.

(1)

المغني (13/ 138).

(2)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 331 رقم 638، وابن أبي شيبة (12/ 576)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 323).

(3)

المغني (13/ 138).

ص: 137

(وتُملكُ الغنيمةُ بالاستيلاء عليها في دار الحرب) لأنها مال مباح، فملكت بالاستيلاء عليها، كسائر المباحات، يؤيده: أنه لا ينفذ عتقهم في رقيقهم الذين حصلوا في الغنيمة، ولا يصح تصرُّفهم فيه، وأنه لو أسلم عَبْدُ الحربي ولحق بجيش المسلمين، صار حرًّا.

وفي "الانتصار" و"عيون المسائل": باستيلاء تام، لا في فور الهزيمة، للبس الأمر، هل هو حيلة أو ضعف؟ وفي "البُلغة" كذلك، وأنه ظاهر كلامه

(1)

.

والمنصوص عن أحمد

(2)

، وعليه أكثر الأصحاب: أن مجرد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفار عنها كافٍ.

(ويجوز قَسْمُها وتبايعها) في دار الحرب. قال أبو إسحاق الفَزَاري

(3)

للأوزاعي: هل قسم النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من الغنائم في المدينة؟ قال: لا أعلمه

(4)

. وقسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم بني المصطلق على مياههم

(5)

،

(1)

نقل أبو يعلى في الجامع الصغير ص/ 326: عن أبي داود (ولم نقف عليه في مسائله المطبوعة) عن الإمام أحمد قوله: إذا أحرزوها في دار الحرب ملكوها، وإن لم يحرزوها لم يملكوها. وانظر: الأحكام السلطانية ص/ 148، والقواعد الفقهية ص/ 201.

(2)

القواعد الفقهية ص/ 201، والمبدع (3/ 359).

(3)

هو الإمام الكبير، الحافظ المجاهد، إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري الشامي، توفي سنة (186 هـ) رحمه الله تعالى. له عدة مؤلفات منها كتاب السير، وقد طُبع قطعة منه. انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 475).

(4)

لم نقف عليه في المطبوع من كتاب السير للفزاري، وقد ذكره ابن قدامة في المغني (13/ 107).

(5)

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 105): وأما قسمة غنائم بني المصطلق فذكره الشافعي في الأم [(4/ 65، 7/ 303، 319، 321)] هكذا، واستنبطه البيهقي [(9/ 54، 64)] من حديث أبي سعيد قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بني =

ص: 138

وغنائم حُنين بأوطاس

(1)

.

ولأنهم ملكوها بالاستيلاء، فجاز قسمتها فيها وبيعها، كما لو أُحرزت بدار الإسلام.

(وهي) أي: الغنيمة (لمن شَهِد الوَقْعة) لما روى الشافعي وسعيد بإسنادهما عن طارق بن شهاب، أن عمر قال:"الغنيمَةُ لمنْ شَهِدَ الوقعةَ"

(2)

(من أهل القتال، إذا كان قَصْدُه الجهاد، قاتل أو لم يُقاتل، من تجار العسكر وأُجراء التُّجار، ولو) كان الأجير (للخدمة، ولمستأجَر مع جندي: كركابي، وسايس، والمُكاري، والبيطار، والحدَّاد،

= المصطلق، فبينا كرائم العرب، فطالت علينا العزبة، ورغبنا في الفداء، وأردنا أن نستمتع ونعزل

الحديث. قال: ففيه دليل على أنه قسم غنائمهم قبل رجوعه إلى المدينة. انتهى.

وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المذكور: أخرجه البخاري في العتق، باب 13، حديث 2542، وفي المغازي، باب 32، حديث 4138، ومسلم في النكاح، حديث 1438.

(1)

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 106): "وأما قسمة غنائم حنين فغير معروف، والمعروف ما في صحيح البخاري وغيره من حديث أنس أنه قسمها بالجعرانة"، وحديث أنس أخرجه البخاري في العمرة، باب 155، حديث 1778، وفي الجهاد والسير، باب 185، حديث 3066، وفي المغازي، باب 36، حديث 4148، ومسلم في الحج، حديث 1253 وغيرهما.

(2)

الشافعي في الأم (7/ 344)، وسعيد بن منصور (2/ 307) رقم 2791. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (5/ 302) رقم 9689، وابن سعد (3/ 255)، وابن أبي شيبة (12/ 411)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 413) رقم 607، والطحاوي (3/ 245)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 352)، والطبراني في الكبير (8/ 321)، رقم 8203، والبيهقي (6/ 335)، (9/ 50)، وابن عساكر في تاريخه (43/ 442، 443)، وصحَّح إسناده الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 473)، والحافظ في الفتح (6/ 224)، والتلخيص الحبير (3/ 108).

ص: 139

والإسكاف، والخياط، والصُّناع) أي: أرباب الصنائع (الذين يستعدون للقتال ومعهم السلاح) لأنه ردءٌ للمقاتل؛ لاستعداده؛ أشبه المقاتل. وحمل المجد إسهامَ النبي صلى الله عليه وسلم لسلمة - وكان أجيرًا لطلحة، رواه مسلم

(1)

- على أجير قَصَدَ مع الخدمة الجهادَ (حتى من مُنع لدَينه) أي: منعه الشرعُ الجهاد لدَيْنٍ عليه (أو منعه أبواه) من الجهاد، فيُسْهَمُ له (لتَعَيُّنه) أي: الجهاد (بحضوره) أي: لصيرورة الجهاد فرض عين بحضوره، فلا يتوقف إذن على الإذن.

(و) يُعطى (- أيضًا - لمن بعثهم الأمير لمصلحة، كرسول، وجاسوس، ودليل، وشِبههم، وإن لم يشهَدوا، ولمن خلَّفه الأمير في بلاد العدو - ولو لمرض - بموضع مَخوف، وغزا) الأمير (ولم يمر بهم فرجعوا، نصًّا

(2)

. فكل هؤلاء يُسهم لهم) لأنهم في مصلحة الجيش، أو خلَّفهم الأمير، وهم أَولى بالإسهام ممن شهد ولم يقاتل.

و (لا) يُسهم (لمريض عاجز عن القتال، كالزَّمِن والمفلوج والأشَلِّ) لأنه لا نفع فيهم.

(لا) إن كان المرض لا يمنع القتال، كـ (المحموم، ومن به صُداع، ونحوه) كوجع ضرس، فيُسهم له؛ لأنه من أهل القتال.

(ولا) يُسهم (لكافر وعَبْدٍ لم يؤذن لهما) لعصيانهما، فإن أذن لهما، أسهم للكافر، ورضخ للعبد.

(ولا) يُسهم (لمن لم يستعدَّ للقتال من التُّجار وغيرهم) كالخدم والصُّناع (لأنه لا نفع فيهم) للقتال.

(1)

في الجهاد والسير، حديث 1807.

(2)

مسائل أبي داود ص/ 240، والمغني (13/ 107، 166).

ص: 140

(ولا) يُسهم (لمن نهى الإمام عن حضوره) القتال (أو) غزا (بلا إذنه) لعصيانه.

(ولا لطفل ومجنون) لأنهما ليسا من أهل الجهاد.

(و) لا (فرس عَجيف ونحوه) لخروجه عن أهلية الجهاد عليه.

(ولا لمخذّلٍ ومُرْجِف ولو تركا ذلك وقاتلا) وكذا رامٍ بيننا بفتن، ونحوه.

(ولا يرضخ لهم؛ لعصيانهم، وكذا من هرب من كافِرَيْن) لا يسهم ولا يرضخ له؛ لعصيانه.

(و) لا يسهم ولا يرضخ (لخيلهم) تبعًا لهم.

(وإذا لحق بالمسلمين

(1)

مَدَدٌ) هو ما أمددتَ به قومًا في الحرب (أو هرب من الكفار إلينا أسيرٌ، أو أسلم كافر، أو بلغ صبي، أو عَتَق عبدٌ، أو صار الفارس راجلًا، أو عكسه قبل تقضِّي الحرب، أُسهم لهم، وجُعلوا كمن حضر الوقعة كلها) لقول عمر

(2)

، ولأنهم شاركوا الغانمين في السبب، فشاركوهم في الاستحقاق، كما لو كان ذلك قبل الحرب. قال في "المبدع": وظاهره أنه يُسهم لهم وإن لم يقاتلوا.

(وإن كان) لحوق المدد، أو الأسير، أو إسلام الكافر، أو بلوغ الصبي، أو عتق العبد (بعد التقضِّي) للحرب (ولو لم تُحرز الغنيمة) فلا يُسهم لهم؛ لحديث أبي هريرة "أنَّ أبانَ بنَ سعيدِ بنِ العاصِ وأصحابَه قدِمُوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بخيبرَ بعدَ أنْ فتَحَها، فقال أبان: اقسِمْ لنا يا رسول الله. فقال: اجلسْ يا أبَانُ، ولم يَقسمْ لهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم"

(1)

في "ذ": "المسلمين".

(2)

تقدم تخريجه (7/ 139)، تعليق رقم (2).

ص: 141

رواه أبو داود

(1)

.

ولأنهم لم يشهدوا الوقعة، أشبه ما لو أدركوا بعد القسمة.

فلو لحقهم عدوٌّ وقاتل المدَدُ معهم حتى سلموا الغنيمة، فلا شيء لهم فيها؛ لأنهم إنما قاتلوا عن أصحابها؛ لأن الغنيمة في أيديهم وحوزهم، نقله الميموني

(2)

، وقال: قيل له: إن أهل المصيصة غنموا ثم استنقذ منهم العدو، فجاء أهل طرسوس، فقاتلوا معهم حتى استنقذوه؟ فقال: أحَبُّ إلي أن يصطلحوا. أي: لأن الأولين إذا ملكوها بالحيازة لم يزل ملكهم بأخذها.

(أو مات أحدٌ من العسكر، أو انصرف قبل الإحراز) للغنيمة (فلا) شيء له، هذا مقتضى كلام الخِرقي؛ لأنه مات قبل ثبوت ملك المسلمين عليها، واقتصر عليه الزركشي، وقدَّمه في "الشرح" وجزم به في "المغني" ونَصَره. وظاهر كلامه في "المقنع": أن الميت يستحق سهمه بمجرد انقضاء الحرب، سواء أُحرزت الغنيمة أو لا، ويقتضيه كلام القاضي، قاله في "الشرح"، وقدَّمه في "الفروع"، وجَزَم به المصنف فيما يأتي.

(1)

في الجهاد، باب 151، حديث 2723. وأخرجه - أيضًا - البخاري في المغازي باب 39، حديث 4238، معلقًا بصيغة التمريض، ووصله الطيالسي ص/ 338، حديث 2591، وسعيد بن منصور (2/ 308)، حديث 2793، والطحاوي (3/ 244)، وابن الجارود (3/ 341) حديث 1088، والطحاوي (3/ 244)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 346) حديث 2906، وأبو نعيم في المستخرج، كما في تغليق التعليق (4/ 134)، والطبراني في الأوسط (4/ 153) حديث 3266، والبيهقي (6/ 334)، والخطيب في الموضح (1/ 412)، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 47). وصحح إسناده الحافظ ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 331).

(2)

المغني (13/ 106).

ص: 142

(وكذا لو أُسر في أثنائها) أي: أثناء. الوقعة، فلا شيء له؛ لأنه لم يشهد الوقعة.

فصل

(وإذا أراد القسمةَ بدأ بالأسلاب فدَفَعَها إلى أهلها) لأن القاتل يستحقها غير مخموسة (فإن كان في الغنيمة مال لمسلم، أو ذمّي دُفع إليه) لأن صاحبه متعين.

(ثم) يبدأ (بمؤنة الغنيمة من أجرة نقَّال، وحمَّال، وحافظ، ومُخزِّنٍ، وحاسب) لأنه من مصلحة الغنيمة (وإعطاءِ جُعْلِ مَن دلَّه على مصلحة) كطريق أو قلعة (إن شَرَطه من) مال (العدو) قال في "الشرح": لأنه في معنى السَّلَبِ، لكن يأتي في كلام المصنف: أنه بعد الخُمْس.

(ثم يُخمِّس الباقي) فيجعله خمسة أقسام متساوية (فيقسم خُمْسَهُ على خَمسة أسهم) نص عليه

(1)

؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية

(2)

، وإنما لم يقسم على ستة أسهم؛ لأن سهم الله ورسوله شيء واحد؛ لقوله تعالى:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}

(3)

وأن الجهة جهة مصلحة.

(سهمٌ لله) تعالى (ورسوله صلى الله عليه وسلم) وذكر اسمه تعالى للتبرُّك؛ لأن الدنيا والآخرة له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم "يَصْنَعُ بهذا السّهم ما شاءَ"

(4)

ذكره في

(1)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 819) رقم 1093، ومسائل ابن هانئ (2/ 119) رقم 1689.

(2)

سورة الأنفال، الآية:41.

(3)

سورة التوبة، الآية:62.

(4)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 22، 409، حديث 40 و 838، والطبري في تفسيره =

ص: 143

"المغني" و"الشرح".

(ولم يَسقط بموته) صلى الله عليه وسلم بل هو باقٍ (يُصرف مصرِفَ الفيءِ) للمصالح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لي مِنَ الفَيءِ إلَّا الخُمْس، وهو مردودٌ عليكم" رواه سعيد

(1)

، ولا يكون مردودًا علينا إلَّا إذا صُرف في مصالحنا، وفي "الانتصار": هو لمن يلي الخلافة بعده.

(وخُصَّ) النبي صلى الله عليه وسلم (- أيضًا - من المغنم بالصَّفي، وهو شيء يختارُه قبل القِسمة، كجاريةٍ، وعبدٍ، وثوب، وسيف، ونحوه) ومنه كانت صفية أم المؤمنين رضي الله عنها

(2)

، قال في "المبدع": وانقطع

= (10/ 3)، والبيهقي (6/ 338 - 339) عن عطاء مرسلًا.

(1)

(2/ 275) حديث 2754. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الجهاد، باب 131، حديث 2694، والنسائي في الفيء، باب 1، حديث 4150، وفي الكبرى (3/ 46) حديث 4441، (4/ 120) حديث 6515، وعبد الرزاق (5/ 243) حديث 9498، وأحمد (2/ 184)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 680، 721)، حديث 1138، 1234، والفاكهي في أخبار مكة (5/ 94) حديث 2900، وابن الجارود (3/ 334) حديث 1080، والطبراني في الأوسط (7/ 236) حديث 7376، والبيهقي (6/ 336، 7/ 17، 9/ 102)، وفي دلائل النبوة (5/ 194 - 196)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 48) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

قال ابن عبد البر: هذا حديث متصل جيد الإسناد.

وأخرجه - أيضًا - مالك في الموطأ (2/ 457)، وعبد الرزاق (5/ 243) حديث 9498، وأبو عبيد في الأموال ص/ 306، 318، حديث 766، 810، وابن زنجويه في الأموال (1/ 314) حديث 484، و (2/ 681) حديث 1139، عن عمرو بن شعيب مرسلًا.

قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 38): لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، وقد روي متصلًا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده بأكمل من هذا المساق وأتم ألفاظ من رواية الثقات.

(2)

أخرج أبو داود في الخراج والإمارة، باب 21، حديث 2994، وابن حبان =

ص: 144

ذلك بموته بغير خلاف نعلمه، إلا أبا ثور، فإنه زعم أنه باق للأئمة بعده

(1)

.

(وسهمٌ لذوي القُرْبى) للآية، وهو ثابت بعد موته صلى الله عليه وسلم لم ينقطع؛ لأنه لم يأتِ ناسخ ولا مغيِّر (وهم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف) لما روى جُبير بن مطعم قال:"قسم النبيُّ صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القُربى بين بني هاشمٍ وبَني المطَّلبِ، وقال: إنّما بنو هاشم وبنو المطّلب شيءٌ واحدٌ"، وفي رواية:"لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام" رواه أحمد والبخاري بمعناه

(2)

، فَرَعى لهم نصرتهم، وموافقتهم لبني هاشم.

(ويجب تعميمُهم وتفرقته بينهم، للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثيين، حيث كانوا حسب الإمكان) لأنه مال مستحق بالقرابة، فوجب فيه ذلك

= "الإحسان"(11/ 151) حديث 4822، والطبراني في الكبير (24/ 66) حديث 175، والحاكم (2/ 128، 3/ 39)، والبيهقي (6/ 304). عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كانت صفية من الصَّفي". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

ومعناه عند البخاري في الصلاة، باب 12، حديث 371، وفي صلاة الخوف باب 6 حديث 947، وفي البيوع، باب 107، 110، حديث 2228، 2235، وفي الجهاد والسير، باب 73، حديث 2893، وفي المغازي، باب 39، حديث 4200، 4201، 4212، 4213، وفي النكاح، باب 13، 61، 69، حديث 5085، 5159، 5169، وفي الأطعمة، باب 8، 28، حديث 5387، 5425، ومسلم في النكاح، حديث 84، 85، (1365)، عن أنس رضي الله عنه.

(1)

نقل ابن عبد البر في التمهيد (20/ 44)، وابن رشد في بداية المجتهد (1/ 286) الإجماع على ذلك، وأن أبا ثور خالف الإجماع. انظر شرح معاني الآثار (3/ 238)، وتفسير القرطبي (8/ 13).

(2)

أحمد (4/ 81، 85)، والبخاري في فرض الخمس، باب 17، حديث 3140، وفي المناقب، باب 2، حديث 3502، وفي المغازي، باب 38، حديث 4229.

ص: 145

كالتركة؛ ولأنه استحق بقرابة الأب، ففضل فيه الذَّكر على الأنثى كالميراث.

ويسوَّى فيه بين الكبير والصغير (غنيهم وفقيرهم فيه سواء) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخصَّ فقراء قرابته، بل أعطى الغني كالعباس وغيره

(1)

، مع أن شرط الفقر ينافي ظاهر الآية، ولأنه يؤخذ بالقرابة، فاستويا فيه كالميراث (جاهدوا أو لا) لعموم الآية.

(فيبعث الإمام إلى عُمَّاله في الأقاليم ينظروا ما حصل من ذلك) أي: من خُمس الخُمس، المتعلق بذوي القُربى (فإن استوت الأخماس) المتحصلة من الأقاليم (فرَّق كلَّ خُمس فيما قاربه) أي: في ذلك الإقليم الحاصل منه وما قاربه (وإن اختلفَت) الأخماس (أَمَر بحمل الفاضل ليدفعه إلى مستحقِّه) ليحصُل التعديل بينهم.

(فإن لم يأخذوا) أي: بنو هاشم وبنو المطلب سهمهم (رُدَّ في سلاح وكُراع) أي: خيل، عُدَّةً في سبيل الله؛ لفعل أبي بكر وعمر ذكره أبو بكر

(2)

.

(ولا شيء لمواليهم) لأنهم ليسوا منهم.

(ولا) شيء (لأولاد بناتهم) من غيرهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أقارب أُمِّه من بني زُهرة، ولا إلى بني عماته كالزبير.

(1)

ذكره الشافعي في الأم (4/ 150)، والطحاوي (3/ 296)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 107).

(2)

لم نقف عليه في المطبوع من كتاب الجامع للخلال، وقد أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 80، حديث 2904، وفي فرض الخمس، باب 1، حديث 3094، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1757 (48).

ص: 146

(ولا) شيء (لغيرهم) أي: غير بني هاشم وبني المطلب (من قريش) لما تقدم.

(وسهمٌ لليتامى) للآية (الفقراء) لأن اسم اليتيم في العرب للرحمة، ومن أعطي لذلك، اعتُبرت فيه الحاجة بخلاف القرابة.

(واليتيم من لا أبَ له ولم يبلغ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُتْم بَعْدَ احْتِلامٍ"

(1)

،

(1)

روي من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - علي رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في الوصايا، باب 9، حديث 2873، وعبد الرزاق (6/ 416) حديث 11450، 11451، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 131) حديث 658، والعقيلي (4/ 428)، والطبراني في الأوسط (1/ 202)، حديث 292، (8/ 162) حديث 7327، وفي الصغير (1/ 96)، والبيهقي (6/ 57)، وابن عساكر في تاريخه (29/ 357)، والمزي في تهذيب الكمال (14/ 2929)، حسنه النووي في المجموع (6/ 376) ورياض الصالحين ص/ 498. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 444 مع الفيض) ورمز لحسنه.

وضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 537).

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 153): وخالف النووي فحسنه، وفيه نظر كبير.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 101): وقد أعله العقيلي، وعبد الحق، وابن القطان، والمنذري، وغيرهم، وحسنه النووي متمسكًا بسكوت أبي داود عليه.

ب - جابر رضي الله عنه: أخرجه الطيالسي ص/ 243، حديث 1767، وعبد الرزاق (8/ 465) حديث 15919، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 122، حديث 354، وابن عدي (2/ 852)، والبيهقي (7/ 319).

قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 101): رواه ابن عدي في ترجمة حرام بن عثمان، وهو متروك.

وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 318)، وابن عدي (3/ 1221).

قلنا: وفي إسناده سعيد بن المرزبان: ضعيف مدلس، كما في التقريب (2402).

ج - أنس رضي الله عنه: أخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 101، 136) حديث 1302، =

ص: 147

ولا يدخل فيه ولد الزِّنى، ويأتي في الوصايا (ولو كان له أم، ويستوي فيه الذّكر والأنثى) لظاهر الآية.

(وسهمٌ للمساكين) للآية، وهم من لا يجد تمام كفايته (فيدخل فيهم الفقراء، فهما صنفان في الزكاة فقط، وفي سائر الأحكام صنف واحد.

وسهم لأبناء السبيل) للآية.

(ويُشترط في ذوي قُربى ويتامى ومساكين وأبناء سبيل: كونهم مسلمين) لأن الخُمس عطية من الله تعالى، فلم يكن لكافر فيها حق كالزكاة.

(و) يجب (أن يُعطوا كالزكاة) أي:‌

‌ يُعطى هؤلاء من الخُمس كما يُعطون من الزكاة

؛ فيعطى المسكين تمام كفايته مع عائلته سَنةً، وكذا اليتيم، ويُعطى ابنُ السبيل ما يوصله إلى بلده.

(و‌

‌يَعُمُّ بسهامهم جميع البلاد حسب الإمكان)

لأن كل سهم منها مستحق بوصف فوجب دفعه إلى كل مستحقيه كالميراث، فيبعث الإمام إلى عُمَّاله بالأقاليم كما تقدم في ذوي القربى

(1)

.

= 1376، وابن عدي (7/ 2716).

وضعفه البزار.

د - حنظلة بن حِذْيم رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي الدنيا في العيال (2/ 837)، حديث 434، وأبو يعلى (كما في تخريج أحاديث الكشاف) للزيلعي (1/ 278)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 857)، حديث 2236، والحسن بن سفيان، والبارودي، وابن السكن كما في الإصابة (2/ 296). قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 101): إسناده لا بأس به.

وقال المنذري في مختصر السنن (4/ 152): وقد روي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وليس فيها شيء يثبت.

(1)

(7/ 145 - 146).

ص: 148

(وإن اجتمع في واحد أسبابٌ كالمسكين اليتيم ابنِ السبيل، استحق بكل واحد منها) لأنها أسبابٌ لأحكام، فوجب أن تثبت أحكامها مع الاجتماع كالانفراد (لكن لو أعطاه ليُتْمِه فزال فقره) بأن استغنى بما أعطيه ليتمه (لم يُعطَ لفقره شيئًا) لأنه لم يبقَ فقيرًا.

(ولا حق في الخُمس لكافر) لما تقدم.

(ولا) لـ (قِنٍّ) لأنه لو أعطي لكان لسيده؛ لأن القنَّ لا يملك.

(وإن أسقط بعضُ الغانمين - ولو مفلسًا - حقَّه) من الغنيمة (فهو للباقين) من أهل الغنيمة؛ لضعف الملك، ولأن اشتراكهم في الغنيمة اشتراكُ تزاحم، فإذا أسقط أحدهم حقَّه كان للباقين، بخلاف الميراث؛ لقوَّته.

(وإن أسقط الكلُّ) أي: كل الغانمين حقهم من الغنيمة (فـ) ـهي (فيء) أي: صارت فيئًا، فتصرف مصرفه.

(ثم يُعطي الإمامُ) أو الأميرُ (النفَلَ بعد ذلك) أي: بعد الخُمس؛ لما روى معن بن يزيد مرفوعًا: "لا نَفَل إلا بعدَ الخمس" رواه أبو داود

(1)

، ولأنه مال استحق بالتحريض على القتال، فكان (من أربعة أخماس الغنيمة) وقُدِّم على القسمة؛ لأنه حق ينفرد به بعض الغانمين، فأشبه الأسلاب.

(وهو) أي: النفل (الزيادة على السهم لمصلحة، وهو المجعول لمن عمل عملًا، كتنفُّلِ السرايا بالثلث والربع ونحوه، وقولِ الأمير: من طَلَع حصنًا أو نَقَبه) فله كذا (و) قوله: (من جاء بأسير ونحوه، فله كذا)، وكذا: من دلَّ على قلعة أو ماء أو ما فيه غناء.

(1)

في الجهاد، باب 160، حديث 2753، وتقدم تخريجه (7/ 103)، تعليق رقم (1).

ص: 149

(و‌

‌يَرْضَخ لمن لا سهم له)

لأنه استحق بحضور الوقعة، فكان بعد الخمس كسهام الغانمين.

(وهم العبيد) لحديث عمير مولى آبي اللحم قال: "شهدْتُ خيبرَ مع سادتي، فكَلّمُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فِيَّ، فأُخبرَ أنِّي مملوكٌ، فأمَر

(1)

بشيءٍ من خُرثِيِّ

(2)

المتاع" رواه أحمد واحتج به، وصحَّحه الترمذي

(3)

.

(1)

في "ح" و"ذ": "فأمر لي" وهو الموافق للرواية.

(2)

الخرث بالضم: أثاث البيت، أو أردأ المتاع والغنائم. القاموس المحيط ص/ 168 مادة (خرث).

(3)

أحمد (5/ 223)، والترمذي في السير، باب 9، حديث 1557. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الجهاد، باب 152، حديث 2730، وابن ماجه في الجهاد، باب 37، حديث 2855، والنسائي في الكبرى (4/ 365) حديث 7535، والطيالسي ص/ 169، حديث 1215، وعبد الرزاق (5/ 228) حديث 9454، وأبو عبيد في الأموال ص/ 432، حديث 882، وابن سعد (2/ 114)، وابن أبي شيبة (12/ 406، 14/ 466)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 542، 752) حديث 889، 1285، والدارمي في السير، باب 35، حديث 2475، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 133) حديث 2671، 2672، وابن الجارود (3/ 341) حديث 1087، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/ 319، 322) حديث 5294، 5295، 5297، وابن حبان "الإحسان" (11/ 162) رقم 4831، والطبراني في الكبير (17/ 67) حديث 131 - 133، والحاكم (1/ 327)، (3/ 131)، والبيهقي (6/ 22)، (9/ 31، 53)، وابن عبد البر في الاستذكار (14/ 112)، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 284).

واحتج به أحمد كما في مسائل عبد الله (2/ 828) رقم 1104.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: هذا المتن صحيح على شرط مسلم.

وقد وقع عند ابن حبان والحاكم (2/ 131) لفظ: "حنين" بدل "خيبر". =

ص: 150

ولأنهم ليسوا من أهل وجوب القتال كالصبي.

(ولمُعتَقٍ

(1)

بعضُه بحسابه من رَضْخٍ وإسهام) كالحَد.

(والنساء) لحديث ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بالنِّساء، فيُداوينَ الجَرْحى، ويُحذَيْن

(2)

من الغنيمةِ، ولم يضرِبْ لهُنَّ بسَهْمٍ" رواه مسلم

(3)

.

وما رُوي "أنَّه أسهمَ للمرأة

(4)

"

(5)

فيحتمل أن الراوي سمَّى الرَّضْخ سهمًا.

(والصبيان المميِّزون) لما روى سعيد بن المسيب قال: "كان الصبيانُ يُحْذَوْنَ منَ الغنيمة إذا حضروا الغَزْوَ"

(6)

.

= وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه مسلم في الجهاد والسير، حديث 1812 (139).

(1)

في "ح": "والمعتق".

(2)

"أي: يعطين، يقال: أحذيته أحذيه إحذاء: أعطيته. ذكره في "النهاية" [1/ 358] ا. هـ" ش.

(3)

في الجهاد، حديث 1812.

(4)

في "ذ": "لامرأة".

(5)

أخرجه أبو داود في الجهاد، باب 152، حديث 2729، والنسائي في الكبرى (5/ 277) حديث 8879، وابن أبي شيبة (12/ 525)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 81) حديث 3294، والبيهقي (6/ 332)، والمزي في تهذيب الكمال (6/ 505) عن حشرج بن زياد، عن جدته أم أبيه.

وضعَّفه الخطابي في معالم السنن (2/ 307)، وابن حزم في المحلى (7/ 333)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 260)، والحافظ في التلخيص الحبير (3/ 104).

(6)

لم نقف على من أخرجه بهذا السياق، وقد أخرج عبد الرزاق (5/ 227) رقم 9452، عن ابن المسيب قال: "كان يُحذى العبد والمرأة من غنائم القوم، قال: وأقول: =

ص: 151

ويكون الرَّضْخ للمذكورين (على ما يراه الإمام من التسوية بينهم، والتفضيل على قَدْر غَنائهم ونفعهم) بخلاف السهم؛ لأنه منصوص عليه غير موكول إلى اجتهاده، فلم يختلف كالحدود بخلاف الرَّضْخ.

(ومُدبَّر ومكاتَب كقنٍّ، وخُنثى مشكل كامرأة) لأنه المتيقن (فإن انكشف حاله قبل تقضِّي الحرب والقسمة أو بعدهما، فتبين أنه رجل أتمَّ له سهمَ رجلٍ) كغيره من الرجال.

(ويُسهم لكافر أَذِنَ له الإمام) لما روى سعيد عن الزهري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استعانَ بناسٍ منَ اليهود في حربه فأسْهَمَ لهم"

(1)

.

ولأن الكفر نقص في الدِّين، فلم يمنع استحقاق السهم كالفسق، بخلاف الرِّق؛ فإنه نقص في الدنيا والأحكام.

(ولا يبلغ برَضْخ الرَّاجل سهمَ راجل، ولا) برَضْخ (الفارس سهمَ فارس) لأن السهم أكمل من الرَّضخ، فلم يبلغ به إليه، كما لا يبلغ بالتعزير الحدَّ، ولا بالحكومة دِيَة العضو.

(ويكون الرَّضْخ له ولفرسه في ظاهر كلامهم) قال في "شرح المنتهى": إن غزا الصبيُّ على فرس له، أو المرأةُ على فرس لها، رضخ للفرس ولراكبها من غير إسهام للفرس؛ لأنه لو أسهم للفرس كان سهمها لمالكها، فإذا لم يستحق مالكها السهم بحضوره للقتال فَبِفرسه أَولى، بخلاف العبد إذا غزا على فرس سيده، فإن سهمها لغير راكبها، وهو سيده.

= قول ابن عباس في العبد والمرأة يحضران البأس؛ ليس لهما سهم معلوم، إلا أن يُحذيا من غنائم القوم". قلنا: قول ابن عباس المذكور أخرجه مسلم في الجهاد، رقم 1812 (140).

(1)

تقدم تخريجه (7/ 85)، تعليق رقم (4).

ص: 152

(فإن غزا العبد بغير إذن سيده، لم يُرضخ له، ولا لفرسه) لعصيانه.

(وإن كان) غزو العبد (بإذنه) أي: إذن سيده (على فرس لسيده) رضخ للعبد وأسهم للفرس.

(ف‌

‌يؤخذ للفرس) العربي (سهمان)

كفرس الحر؛ لأنه فرس شهد الوقعة وقوتل عليه، فأسهم له، كما لو كان السيد راكبه، وتقدم الفرق بينه وبين فرس الصبي ونحوه (إن لم يكن مع سيده فرسان غير فرس العبد، فإن كان) مع سيد العبد فرسان غير فرس العبد (لم يُسهم لفرس العبد) لأنه لا يقسم لأكثر من فرسين على ما يأتي.

وإن كان مع العبد فرسان قسم لهما إذا لم يكن مع سيده غيرهما.

و‌

‌رَضْخُ العبدِ وسهم الفرسِ لمالكهما،

ويُعايى بها؛ فيقال: يستحق الرَّضْخ والسهمَ.

(وإن انفرد بالغنيمة من لا سهم له، كعبيد، أو صبيان، أو عبيد وصبيان دخلوا دار الحرب) بالإذن (فغنموا، أخذ) الإمام (خُمسه، وما بقي لهم) لعموم: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية

(1)

.

(وهل يقسم بينهم للفارس ثلاثة أسهم وللرَّاجل سهم؟) لأنهم تساووا كالأحرار البالغين (أو) يقسم (على ما يراه الإمام من المفاضلة) كما لو كان معهم رجال أحرار؟ (احتمالان) أطلقهما في "المغني" وغيره.

(وإن كان فيهم رجل حُرٌّ أُعطي سهمًا، فُضِّل عليهم) لمزيته بالبلوغ والحرية (ويقسم الباقي بين من بقي) وهم العبيد أو الصبيان (على ما يراه الإمام من التفضيل) لأن فيهم مَن له سهم، بخلاف التي قبلها.

(1)

سورة الأنفال، الآية:41.

ص: 153

(وإن غزا جماعة من الكفار وحدهم فغنموا، فغنيمتهم لهم) لأنهم الذين شهدوا الوقعة (وهل يؤخذ خُمسها؟ احتمالان).

فصل

(ثم يَقسم باقي الغنيمة) لأنه تعالى لما جعل لنفسه الخُمس، فُهِمَ منه أن أربعة الأخماس للغانمين؛ لأنه أضافها إليهم، كقوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}

(1)

فُهم منه أن الباقي للأب.

(للرجل الحُرِّ المكلَّف) مسلمًا كان أو كافرًا - بإذن الإمام، وتقدم -

(2)

(سهمٌ) بغير خلاف؛ ولأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفارس من الكلفة.

(وللفرس العربي - ويُسمَّى) العربيُّ (العتيقَ، قاله في "المُطْلع

(3)

" وغيره) لخلوصه ونفاسته - (سهمان، فيكمُل للفارس ثلاثة أسهم: سهمٌ له، وسهمان لفرسه) لما روى ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، وسهم له" متفق عليه

(4)

. وقال خالد الحَذَّاء: لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم للفرس سهْمَين، ولصاحبهِ سهْمًا، وللرَّاجل سَهمًا

(5)

.

(و‌

‌ينبغي أن يُقدّم قَسْم الأربعة أخماس على قَسْمِ الخُمس)

لأن

(1)

سورة النساء، الآية:11.

(2)

(7/ 152).

(3)

ص/ 217، وانظر: حياة الحيوان (2/ 210).

(4)

البخاري في الجهاد والسير، باب 51، حديث 2863، وفي المغازي، باب 39، حديث 4228، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1762.

(5)

أخرجه الدارقطني (4/ 107)، والبيهقي (6/ 327).

ص: 154

الغانمين حاضرون، ورجوعهم إلى أوطانهم يقف على القسمة، وأهل الخُمس في أوطانهم.

(وإن كان فرسه هجينًا - وهو ما أبوه عربي وأمه غير عربية - أو) كان فرسه (مُقْرِفًا: عكسُ الهجين) فتكون أمه عربية وأبوه غير عربي (أو) كان فرسه (بِرْذَونًا) بكسر أوله (وهو ما أبواه نَبَطِيَّان، فله سهم، ولفرسه سهمٌ واحد) قال الخلال

(1)

: تواترت الرواية عن أبي عبد الله بذلك؛ لما روى مكحول: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أعطَى الفرسَ العربيَّ سهمينِ وأعطى الهجينَ سهْمًا" رواه سعيد وأبو داود في مراسيله

(2)

، وروي موصولًا

(3)

. قال عبد الحق: والمرسل أصح

(4)

.

ولأن نفع العِراب وأثرها في الحرب أفضل، فيكون سهمه أرجح،

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من كتاب الجامع للخلال، وانظر: مسائل أبي داود ص/ 239 - 240، ومسائل ابن هانئ (2/ 110 - 111) رقم 1644، 1645، 1651، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 38).

(2)

سعيد بن منصور (2/ 302) حديث 2769، وأبو داود في المراسيل ص/ 227، حديث 287. وأخرجه - أيضًا - ابن أبي شيبة (12/ 403)، والبيهقي (6/ 328).

قال الشافعي في الأم (4/ 69)، ولم يرو ذلك إلا مكحول مرسلًا. قال البيهقي: والمرسل لا تقوم بمثله عندنا حجة.

وقال أيضًا (9/ 52): هذا منقطع ولا تقوم به حجة.

(3)

أخرجه ابن عدي (1/ 175)، والسهمي في تاريخ جرجان ص/ 66، وتمام في فوائده (2/ 174) حديث 1460، والبيهقي (9/ 51) من طريق أحمد بن أبي أحمد الجرجاني، عن حماد بن خالد، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه. قال ابن عدي: وهذا حديث لا يوصله غير أحمد بن أبي أحمد هذا، ورواه غيره عن حماد بن خالد، فلم يذكر في إسناده زياد بن جارية ولا حبيب بن مسلمة. وقال البيهقي: المحفوظ مرسل.

(4)

الأحكام الوسطى (3/ 82).

ص: 155

لتفاضل من يرضخ له.

(وإن غزا اثنان على فرس لهما، هذا عُقْبة

(1)

وهذا عُقبة، والسهم) أي: سهم الفرس (لهما) على حسب ملكيهما (فلا بأس) نص عليه

(2)

.

(ولا يُسهم لأكثر من فرسين) نص عليه

(3)

؛ لما روى الأوزاعي: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسهِم للخيل، وكان لا يُسهِم للرَّجُل فوق فرسين، وإن كان معه عشرَةُ أفراسٍ"

(4)

. ولأن به حاجة إلى الثاني، بخلاف الثالث.

(ولا) يُسهم (لغير الخيل، كفيل وبعير وبغل ونحوها، ولو عظم غَناؤها) بفتح الغين المعجمة، أي: نفعُها (وقامت مقام الخيل) لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لغير الخيل، وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرًا، ولم تخل غزاة

(5)

من الإبل، بل هي غالب دوابهم. وكذا أصحابه من بعده، لم يعلم أنهم أسهموا لغير الخيل، ولو أُسْهِمَ لها لنُقِلَ؛ ولأن غير الخيل لا يلحق بها في التأثير في الحرب، ولا يصلح للْكَرِّ والفرِّ، فلم يلحق بها في الإسهام.

(ومن استعار فرسًا، أو استأجره، أو كان) الفرس (حبيسًا، وشَهِد به الوقعة، فله سهمه) لأنه يستحق نفعه فاستحق سهمه. ويُعطى راكب الحبيس نفقة الحبيس من سهمه؛ لأنه نماؤه.

(1)

العُقبة: النوبة. المصباح المنير (2/ 575).

(2)

الفروع (6/ 232).

(3)

مسائل أبي داود ص/ 239، ومسائل ابن هانئ (2/ 111)، رقم 1650، ومسائل الكوسج (3/ 6) رقم 2728.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (2/ 304) حديث 2774.

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 107): رواه سعيد بن منصور، وهو معضل.

(5)

في "ح" و"ذ": "غزاة من غزواته".

ص: 156

(وإن غصبه) أي: الفرس، فغزا عليه (ولو) كان الغاصب للفرس (من أهل الرَّضْخِ) كالعبد والمرأة؛ لأن الجناية من راكبه، فيختص المنع به (فقاتَل) الغاصبُ (عليه، فسهم الفرس لمالكه) لأن استحقاق نفع الفرس مرتَّب على نفعه، وهو لمالكه، فكذا السهم.

(ومن دخل دارَ الحرب راجلًا، ثم مَلَك فرسًا، أو استعاره، أو استأجره، وشَهِد به الوقعة، فله سهم فارس، ولو صار بعد الوقعة راجلًا) لأن العبرة باستحقاق سهم الفرس أن يشهد به الوقعةَ، لا حال دخول دار الحرب، ولا ما بعد الوقعة

(1)

؛ ولأن الفرس حيوان يُسهم له، فاعتبر وجوده حالة القتال كالآدمي.

(وإن دخلها) أي: دار الحرب (فارسًا، ثم حضر الوقعةَ راجلًا حتى فرغ الحربُ؛ لموت فرسه، أو شروده، أو غير ذلك) كمرضه (فله سهم راجل، ولو صار فارسًا بعد الوقعة) اعتبارًا بحال شهودها كما تقدم.

(ويَحرم قول الإمام: من أخذ شيئًا فهو له) لأنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعدَه كانوا يقسمون الغنائم، ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنَّهب عن القتال، وإلى ظَفَرِ العدو بهم؛ ولأن الغُزاة اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية (ولا يستحقُّه) أي: لا يستحق الشيءَ آخذُه

(2)

، بل يأتي به المغنمَ؛ ليُقسم.

(وقيل: يجوز لمصلحة) لقوله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "من أخذَ شيئًا فهو لهُ"

(3)

. ورُدَّ: بأن قضية بدر لما اختلف فيها، نسخت بقوله تعالى:

(1)

في الأصل: "وما بعده الوقعة"، وفي "ح":"وما بعد الوقعة".

(2)

في "ح": "الذي أخذه".

(3)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ مسندًا. وذكره الشافعي في الأم (4/ 144) ولم يسنده، وقال: ولم أعلم شيئًا يثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر: التلخيص الحبير =

ص: 157

= (3/ 103).

ورُوي معناه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة (14/ 351)، وإسحاق بن راهويه - كما في المطالب العالية (2/ 355) حديث 2085، وأحمد وابنه (1/ 178)، والدورقي في مسند سعد بن أبي وقاص ص/ 216، حديث 131، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 381)، حديث 4878، والبيهقي (6/ 316)، وفي دلائل النبوة (3/ 14)، في حديث طويل، وفيه:"وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئًا فهو له" وفي إسناده مجالد بن سعيد. قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (5/ 189) حديث 4505: هذا إسناد ضعيف، مجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم فإنما روى له مقرونًا بغيره، وقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن حبان والدارقطني وابن سعد وابن عدي وغيرهم.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أخرجه الحاكم (2/ 326)، والبيهقي (6/ 292، 315) في حديث طويل. وفيه: "فقال الذين جمعوه وأخذوه، قد نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل امرئ منَّا ما أصاب فهو لنا".

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(1)

سورة الأنفال، الآية:1.

(2)

أخرج أبو داود في الجهاد، باب 156، حديث 2737 - 2739، والنسائي في الكبرى (6/ 349) حديث 11197، والطبري في تفسيره (9/ 172)، والطحاوي (3/ 232، 279)، وابن حبان "الإحسان"(11/ 490) حديث 5093، والحاكم (2/ 131)، والبيهقي (6/ 291)، وفي دلائل النبوة (3/ 135)، وابن مردويه في تفسيره، كما في تغليق التعليق (4/ 215) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من فعل كذا وكذا، فله من النفل كذا وكذا. قال: فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها، فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة: كنا ردءًا لكم، لو انهزمتم لفئتم إلينا، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى، فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا، فأنزل الله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية.

قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 154): إسناده صحيح على شرط البخاري.

ص: 158

"تتمة": قال في "السياسة الشرعية"

(1)

: فإن ترك الإمام الجمع والقسمة، وأذِنَ في الأخذ إذنًا جائزًا، فمن أخذ شيئًا بلا عدوان، حلَّ له بعد تخميسه. وكل ما دلَّ على الإذن فهو إذن. وأما إذا لم يأذن، أو أذن إذنًا غير جائز، جاز للإنسان أن يأخذ مقدار ما يصيبه بالقسمة، متحرِّيًا للعدل في ذلك.

(ويجوز تفضيل بعض الغانمين على بعض لغَناءٍ) - بفتح الغين المعجمة - أي: نفع كما تقدم (فيه، كشجاعة ونحوها) كالرأي والتدبير؛ لأنه يجوز له أن ينفل ويعطي السَّلَب فجاز له التفضيل لذلك.

(وإلا) أي: وإن لم يكن التفضيل لغَناءٍ فيه (حَرُمَ) عليه؛ لأن الغانمين اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية، فوجب التعديل بينهم، كسائر الشركاء.

(ولا تصح الإجارة على الجهاد، ولو كان) الأجير (ممن لا يلزمه) الجهاد كالعبد والمرأة؛ لأنه عمل يختصُّ فاعله أن يكون من أهل القُرْبة، أشبه الصلاة، (فيرُدُّ) الأجير (الأُجرة) لبطلان الإجارة (وله سهمه) إن كان من أهل الإسهام (أو رَضْخُه) إن لم يكن من أهل الإسهام.

(ومن أَجَّر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة، أو حملها وسَوْق الدواب ورعيها ونحوه، أُبيح له أخذ الأجرة على ذلك، ولم يسقط من سهمه شيء) لأن ذلك من مؤنة الغنيمة، فهو كعلف الدواب وطعام السبي، يجوز للإمام بذله، ويُباح للأجير أَخْذ الأجرة عليه؛ لأنه قد أجر نفسه لِفِعْلٍ للمسلمين إليه حاجة، فحلَّت له الأُجرة، كالدليل على الطريق.

(1)

ص/ 27.

ص: 159

(ولو أَجَّر نفسه) لذلك (بدابة معيَّنة من المغنم، أو جعلت أجرته ركوب دابة منها، صَحَّ) ذلك، كما لو أوجر

(1)

بنقد منها.

(و‌

‌من مات بعد انقضاء الحرب، فسهمُه لوارثه

؛ لاستحقاق الميت له بانقضاء الحرب، ولو قبل إحراز الغنيمة) لأنه أدركها في حال لو قُسمت فيه صحَّت قسمتها، وكان له سهمه منها، فيجب أن يستحقَّ سهمه فيها، كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام، ولقول عمر:"الغنيمةُ لمن شَهِدَ الوَقْعةَ"

(2)

، وهذا قد شهدها.

(و‌

‌يُشارك الجيشُ سراياه فيما غنمت، وتُشاركه فيما غَنِم)

أي: أيهما غَنِم شاركه الآخر، نص عليه

(3)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "لمَّا غزا هوازن بَعَثَ سَريَّةً من الجيشِ قِبَلَ أوْطَاس، فغَنِمَتْ فشاركَ بينها وبين الجيشِ"

(4)

؛ ولأن الجميع جيش واحد، وكل منهما رِدْءٌ لصاحبه، فلم يختصَّ بعضهم بالغنيمة، كأحد جانبي الجيش، وهذه الشركة بعد النَّفْل (وتقدم في الباب قبله.

وإن أقام الأمير ببلاد الإسلام وبعث سرية، فما غنمت فهو لها) بعد

(1)

في "ح": "أجر".

(2)

تقدم تخريجه (7/ 139)، تعليق رقم (2).

(3)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 847) رقم 1133، ومسائل ابن هانئ (2/ 107) رقم 1631، ومسائل الكوسج (3/ 20) رقم 2777.

(4)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، لكن للحديث أصل عند البخاري في المغازي، باب 55، حديث 4323، ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2498، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه دون ذكر الغنائم. وعند مسلم في الرضاع حديث 1456 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشًا إلى أوطاس فلقوا عدوًّا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا". دون ذكر المشاركة بينها وبين الجيش في الغنائم.

ص: 160

الخُمْس؛ لانفرادها بالغزو، والمقيم بدار الإسلام ليس بمجاهد.

(وإن نَفَذَ

(1)

) الإمام (جيشين أو سريتين، فكلُّ واحدة منفردة بما غنمته) لانفرادها بالقتال عليه.

(وإذا

(2)

قُسمت الغنيمة في أرض الحرب، فتبايعوها، أو تبايعوا غيرها، ثم غلب عليها العدوُّ، فهي من ضمان مُشترٍ) لأنها مال مقبوض يجوز له التصرُّف فيه، أشبه سائر أمواله (وكذا لو تبايعوا شيئًا في دار الإسلام زمن خوف ونَهْبٍ ونحوه) فاستولى عليه العدو، فإنه من مال المشتري.

(و‌

‌للإمام البيعُ من الغنيمة قبل القسمة لمصلحةٍ)

لأن ولايته ثابتة عليها، أشبه وليَّ اليتيم، وسواء كان البيع للغانمين أو غيرهم.

(ومن وطئ جاريةً من المغنم قبل قَسْمِه ممن له فيها حق أو لولده، أُدِّب) لأنه وطء حرام؛ لكونه في ملك مشترك (ولم يبلغ به الحدّ) لأن له في الغنيمة ملكًا، أو شُبهة ملك، فيُدرأ عنه الحدُّ للشُّبهة (وعليه مهرُها يُطرح في المَقْسم) لأنها ليست مملوكة له، أشبه وطء أَمَة الغير، ولا يسقط عنه من المهر بقَدْر ملكه، كالمشتركة، خلافًا للقاضي؛ لأن مقدار حقه يعسر العلم به، ولا ضرر عليه بوضع المهر في الغنيمة، فيعود إليه حقّه (إلا أن تَلِدَ منه فيكون عليه قيمتُها) لأنه فوَّتها على الغانمين، كما لو أتلفها، وحينئذ تُطرح في الغنيمة، فإن كان معسرًا كانت في ذِمته (فقط) أي: دون مهرها وقيمة الولد؛ لأنه ملكها حين علقت، فلم يكن للغانمين

(1)

في "ذ": "أنفذ" وكلا الوجهين صحيح. انظر المصباح المنير ص/ 847، مادة (نفذ).

(2)

في "ذ": "وإن".

ص: 161

سوى قيمتها.

(وتصير أُمَّ ولدٍ له) ولو كان معسِرًا؛ لأنه استيلاد صيَّر بعضها أم ولد، فيجعل جميعها كذلك، كاستيلاد جارية ابنه، وهو أقوى من العتق؛ لكونه فعلًا، وينفذ من المجنون

(1)

(والولد حُرٌّ ثابت النسب) للشُّبهة.

(و‌

‌لا يتزوَّج في أرض العدو)

لئلا يُسترق ولده (ويأتي في النكاح) مفصَّلًا.

(وإذا أعتق بعضُ الغانمين أسيرًا من الغنيمة، أو كان يعتِقُ عليه) كأبيه وابنه وأخيه (عَتَق عليه إن كان قَدْر حقِّه) لأن ملكه ثبت عليه في شركة الغانمين باستيلائهم عليه، أشبه المملوك بالإرث (وإلا) أي: وإن لم يكن قَدْر حقِّه بأن زاد (فكمُعتِق شِقصًا) من مشترك يعتق قَدْر ما يملكه، وباقيه بالسراية إن كان موسرًا بقيمة الباقي، وإلا؛ فبقدر ما هو موسر به منها.

(وقَطَع في "المغني" وغيره)"كالشرح": (ولا يَعتق رجلٌ) حرٌّ مقاتل أُسر

(2)

بالإعتاق (قبل خِيرَةِ الإمام) لأن العباس عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم وعمّ عليٍّ، وعقيلًا أخا علي، كانا في أسرى بدر، ولم يعتقا عليهما

(3)

، ولأنه إنما يصير رقيقًا بالاسترقاق، فيُحمل الكلام على من استرق منهم، أو

(1)

"بخلاف العتق، فلا ينفذ من المجنون" ا. هـ ش.

(2)

في "ذ": "أسير".

(3)

روى البخاري تعليقًا في الصلاة، باب 42، حديث 421، وفي الجهاد والسير، باب 172، حديث 3049، وفي الجزية والموادعة، باب 4، حديث 3165. عن أنس رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فجاءه العباس فقال: يا رسول الله، أعطني، فإني فاديت نفسي وعقيلًا. فقال: خُذْ. فأعطاه في ثوبه.

ووصله البيهقي (6/ 356) وابن عساكر في تاريخه (26/ 294) وابن حجر في تغليق التعليق (2/ 227).

ص: 162

يصير رقيقًا بنفس السبي، كالنساء والصبيان.

(ويحرم الغُلُول، وهو كبيرة) للوعيد عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

(1)

.

(والغالُّ من الغنيمة - وهو مَنْ كَتَم ما غَنِمه، أو) كَتَم (بعضه - يجب حَرْقُ رَحْلِه كله) لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حَرَّقوا متاع الغالِّ" رواه أبو داود

(2)

. ولحديث عمر بن الخطاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَهُ بذلك. رواه سعيد والأثرم

(3)

.

(1)

سورة آل عمران، الآية:161.

(2)

في الجهاد، باب 145، حديث 2715. وأخرجه - أيضًا - ابن الجارود (3/ 338) حديث 1082، والحاكم (2/ 130)، والبيهقي (9/ 102) من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - مرفوعًا -.

قال الحاكم: حديث غريب صحيح. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: هكذا رواه غير واحد عن الوليد بن مسلم، وقد قيل عنه مرسلًا. وقال الحافظ ابن حجر في هدي الساري ص/ 47: إسناده ضعيف، وصحَّح المؤلف [البخاري] في التاريخ أنه موقوف. وقال في تغليق التعليق (3/ 464): ضعيف مضطرب. انظر: فتح الباري (6/ 187).

وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب 145، عقب حديث 2715، وابن أبي شيبة (12/ 496) عن عمرو بن شعيب من قوله. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 187): وهو الراجح.

(3)

سعيد بن منصور (2/ 291) حديث 2729، والأثرم لعله رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في الجهاد، باب 145، حديث 2713، والترمذي في الحدود، باب 28، حديث 1461، وابن أبي شيبة (10/ 52) و (12/ 496)، وأحمد (1/ 22)، والدارمي في السير، باب 49، حديث 2490، وأبو يعلى (1/ 180) حديث 204، وابن عدي (4/ 1377)، والحاكم (2/ 127)، والبيهقي (9/ 102)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 349) حديث 1901، وفي العلل المتناهية حديث 960، والجوزجاني في الأباطيل والمناكير (2/ 202) حديث 588، والضياء =

ص: 163

واختار جماعة أن ذلك من باب التعزير، لا الحدِّ الواجب، فيجتهد الإمام بحسب المصلحة، قال في "الفروع": وهو أظهر.

(ما لم يكن باعه أو وَهَبه) فلا يُحرق، ولأنه

(1)

عقوبة لغير الجاني.

(إذا كان) الغالُّ (حيًّا) فإن مات قبل إحراقه، لم يُحرق. نصَّ عليه

(2)

؛ لأنه عقوبة، فتسقط بالموت، كالحدود (حرًّا) فإن كان رقيقًا، لم يحرق رَحْله؛ لأنه لسيده، ولا يُعاقب بجناية عبده (مكلَّفًا) لأن الإحراق عقوبة، وغير المكلَّف ليس من أهلها (ولو) كان الغال (أُنثى أو ذِميًّا) لأنهما من أهل العقوبة، ولذلك يقطعان في السرقة، وغير الملتزم لأحكامنا لا يُحرق متاعه.

= المقدسي في المختارة (1/ 311) حديث 202 من طريق صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

قال البخاري في التاريخ الكبير (4/ 291): صالح بن محمد بن زائدة منكر الحديث. وقال الترمذي: هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث، وقد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال، فلم يأمر فيه بحرق متاعه. وقال في التاريخ الصغير (2/ 103): لا يتابع عليه. وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 22): وهو حديث يدور على صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يحتج به. وقال ابن المديني، كما في مسند الفاروق لابن كثير (2/ 468): هذا حديث منكر، ينكره أصحاب الحديث. وقال الدارقطني في العلل (2/ 53): والمحفوظ أن سالمًا أمر بهذا، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكره عن أبيه، ولا عن عمر. وأخرجه أبو داود في الموضع السابق، حديث 2714، عن سالم من فعله، ثم قال: وهذا أصح الحديثين.

(1)

في "ح" و"ذ": "لأنه".

(2)

المغني (13/ 170).

ص: 164

(إلا سلاحًا) لأنه يحتاج إليه في القتال (ومصحفًا) وجلده وكيسه وما يتبعه، لحُرمته (وكُتُب عِلم) لأنه ليس القصد الإضرار به في دِينه، بل في بعض دنياه.

(وحيوانًا بآلته من سَرْج، ولجام، وجلٍّ، ورَحْل، ونحوه وعَلَفِه) لأنه يحتاج إليه، ولنهيه صلى الله عليه وسلم أن يعذِّب بالنار إلا ربُّها

(1)

.

(وثيابَ الغال التي عليه) فلا تُحرق؛ تبعًا له (ونفقَته) لأنها لا تحرق عادة (وسهمَه) لأنه لم يكن من رحله حال الغلول (وما غلَّه) لأنه للغانمين.

(ولا يُحرَم) الغال (سهمَه) من الغنيمة؛ لأن سبب الاستحقاق موجود فيستحق، كما لو لم يغل، ولم يثبت حرمان سهمه في خبر، ولا يدلّ عليه قياس، فبقي بحاله (وما لم تأكله النار) كالحديد (أو استُثني من التحريق، فهو له) أي: للغال.

(ويعزَّر) الغالُّ (مع ذلك بالضرب ونحوه) لأنه فَعَل محرَّمًا، وهو الغلول (ولا يُنفى) لعدم وروده (ويؤخذ ما غلَّ للمغنم) لأنه حق للغانمين، فتعين ردُّه إليهم.

(فإن تاب قبل القسمة، ردَّ ما أخذه في المغنم) لما سبق (وإن تاب) الغال (بعدها) أي: القسمة (أعطى الإمام خُمسَه، وتصدق ببقيته عن مستحقيه) لأنه مال لا يُعرف مستحقوه، وهذا قول ابن مسعود

(2)

ومعاوية

(3)

، ولم يُعرف لهما مخالف في عصرهما.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 50)، تعليق رقم (4).

(2)

لم نقف عليه.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2/ 292) رقم 2732، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 24) وابن عساكر في تاريخه (29/ 128).

ص: 165

(ومن سرق من الغنيمة، أو ستر على الغال، أو أخذ منه) أي: من الغال (ما أهْدَى له منها) أي: من الغنيمة، أي: مما غلَّه منها (أو باعه إمامٌ وحاباه، فليس بغالٍّ) لعدم صدق حدِّه عليه (ولا يُحرق رَحْله) لأنه ليس بغال.

(وإن لم يُحرق رَحْل الغالِّ حتى استحدث متاعًا آخر ورجع إلى بلده) أو لم يرجع (أُحرق ما كان معه حال الغلول) دون المستحدث؛ اعتبارًا بوقت الجناية.

(و‌

‌لو غلَّ عبدٌ أو صبي، لم يُحرَّق رَحْله)

لما تقدم.

(وإن استهلك العبد ما غلَّه، فهو في رقبته) كأرش جنايته.

(ومن أنكر الغُلُول، وذكر أنه ابتاع ما بيده، لم يحرق متاعه) لأن الأصل عدم الغُلُول، والحدود تُدرأ بالشُّبهات (حتى يثبت) الغُلُول (ببينة أو إقرار، ولا يقبل في بيِّنة

(1)

إلا) رجلان (عدلان) لأنه مما يطلع عليه الرجال غالبًا، ويوجب عقوبة، أشبه سائر ما يوجب التعزير.

(وما أُخذ

(2)

من الفدية) أي: فدية الأسارى، فغنيمة بغير خلاف نعلمه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين

(3)

، ولأنه مال حصل بقوة الجيش، أشبه السلاح (أو أهداه الكفار لأمير الجيش أو لبعض قُوَّاده) جمع قائد، وهو: نائبه (أو) أهداه الكفَّار لـ (بعض الغانمين في دار الحرب، فـ) ـهو (غنيمة) للجيش؛ لأن ذلك فُعِل خوفًا من الجيش، فيكون غنيمة كما لو أخذه بغيرها، فلو كانت الهدية بدارنا، فهي لمن

(1)

في "ذ": "بينته".

(2)

في "ذ": "وما أخذه".

(3)

تقدم تخريجه (7/ 64)، تعليق رقم (2).

ص: 166

أُهديت له

(1)

؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قَبِلَ هدية المُقوقس

(2)

، واختص بها.

(ولنا قَطْعُ شجرنا المُثمر إن خِفْنا أن يأخذوه، وليس لنا قَتْلُ نسائنا وصغارنا، وإن خِفنا أن يأخذوهم، قاله في "الرعاية") لعصمة النساء والذرية، وأما الشجر فمال، وإتلافه لمصلحة جائز.

(1)

في "ح": "إليه".

(2)

أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص/ 145، حديث 452، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 447) حديث 3123، والبزار "كشف الأستار"(2/ 393) حديث 1935، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 401) حديث 2569، والطبراني في الأوسط (4/ 333) حديث 3573، وابن عساكر في تاريخه (3/ 334)، عن بريدة رضي الله عنه قال: أهدى المقوقس القبطي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين: إحداهما مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، وهي أم عبد الرحمن بن حسان، وأهدى له بغلته، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 152) وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح. وحسَّن إسناده الحافظ في الإصابة (13/ 126)، وانظر نصب الراية (4/ 28).

ص: 167

‌باب حكم الأرضين المغنومة

يعني: المأخوذةَ من الكفار بقتال أو غيره (وهي) الأرضون (على ثلاثة أضرب) للاستقراء:

(أحدها: ما فُتح عَنوة) أي: قهرًا وغلبة، من عَنَا يَعْنُو إذا ذَلَّ وخضع.

(وهي) شرعًا (ما أُجلي عنها أهلُها بالسيف، فيخير الإمام فيها تخييرَ مصلحة) كالتخيير في الأسارى، فيلزمه أن يفعل ما يراه أصلح (لا) تخيير (تَشَهٍّ) لأنه نائب المسلمين، فلا يفعل إلا ما فيه صلاحهم (بين قسمتها) على الغانمين (كمنقول) لأنه صلى الله عليه وسلم "قَسَمَ نصفَ خيبرَ، ووقَفَ نصفَها لنوائِبه وحوائِجه" رواه أبو داود من حديث سهل بن أبي حثمة

(1)

.

(1)

في الخراج والإمارة والفيء، باب 24، حديث 3010. وأخرجه - أيضًا - الطحاوي (3/ 251)، والطبراني في الكبير (6/ 102) حديث 5634، والبيهقي (6/ 317)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 352) حديث 1909، من طريق سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 360): هذا حديث جيد، رواته ثقات. وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 203).

وأخرجه أبو داود - أيضًا - في الخراج، باب 24، حديث 3011 - 3012، والبيهقي (6/ 317)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 452)، من طريق محمد بن فضيل، وأبي شهاب، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه أبو داود - أيضًا - في الخراج، باب 24، حديث 3013، وأبو عبيد في الأموال ص/ 71، حديث 142، وابن سعد (2/ 113 - 114)، والبيهقي (6/ 317)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 452)، من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار مرسلًا. =

ص: 168

(فتُملك) الأرض التي فتحت عَنوة وقُسمت بين الغانمين (به) أي: بقسمها (ولا خراج عليها) لأنها ملك للغانمين.

(ولا) خراج أيضًا (على ما أسلم أهله عليه، كالمدينة، أو صُولح أهله) على (أن الأرض لهم، كأرض اليمن

(1)

والحِيْرة) بكسر الحاء المهملة، مدينة قرب الكوفة (وبانِقْيَا)

(2)

بالباء الموحدة وكسر النون وسكون القاف بعدها ياء مثناة تحت (أو أحياه المسلمون كأرض البصرة) بتثليث الباء.

(وبين وقفِها للمسلمين) كما وقف عمر الشَّام ومصر والعراق، وسائر ما فتحه، وأقرَّه الصحابة على ذلك. وعن عمر قال: "أما والذي نفسي بيده لولا أن أتركَ آخرَ الناسِ بيانًا

(3)

- أي: لا شيء لهم - ما فُتحتْ عليَّ قريةٌ إلا قسمتُها كما قسم رسول الله خيبرَ، ولكنِّي أتركُها لهم خزانةً

= قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 478): وهو حديث اختلف في وصله وإرساله. وقد تقدم آنفًا أنه صحَّح المرفوع.

وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 398): وبشير بن يسار تابعي ثقة، يروي عن أنس وغيره، يروي هذا الخبر عنه يحيى بن سعيد، وقد اختلف عليه فيه، فبعض أصحاب يحيى يقول فيه: عن بشير عن سهل بن أبي حثمة، وبعضهم يقول: عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يرسله، والله أعلم.

(1)

في "ح": "لهم كاليمن".

(2)

بانقيا: ناحية من نواحي الكوفة: انظر: معجم البلدان (1/ 331).

(3)

كذا في الأصول: "بيانًا"، وفي صحيح البخاري:"ببَّانًا". قال الحافظ في الفتح (7/ 490): كذا للأكثر بموحدتين مفتوحتين، الثانية ثقيلة، وبعد الألف نون

والببّان: المعدم الذي لا شيء له، ويقال: هم على بَبّان واحد، أي: على طريقة واحدة

فالمعنى: لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم، أي متساوين في الفقر. وقال أبو سعيد الضرير: صوابه: بيانًا، بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية، أي شيئًا واحدًا، فإنهم قالوا لمن لا يعرف: هو هيان بن بيَّان.

ص: 169

يقتَسِمُونها" رواه البخاري

(1)

(بلفظ يحصُل به الوقف) لأن الوقف لا يثبت بنفسه، فحكمها قبل الوقف حكم المنقول. وقال في "أحكام الذمة"

(2)

: معنى وقفها: تركها على حالها لم يقسمها بين الغانمين، لا أنه أنشأ تحبيسها وتسبيلها على المسلمين، هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عُمر، ولا أحد من الأئمة بعده.

(فيمتنع

(3)

بيعُها ونحوه) كهبتها بعد وقفها، كسائر الوقوف. ويأتي ما فيه في أول البيع.

(ويضرب عليها) الإمام بعد وقفها (خراجًا مستمرًّا، يؤخذ ممن هي في يده من مسلم ومعاهد يكون أجرة لها) لما روى أبو عبيد في كتاب "الأموال" عن الماجشُونِ: قال بلال لعمر بن الخطاب في القُرى التي افتتحوها عَنوة: "اقسِمْها بيننا، وخذ خُمسها، فقال عمر: لا، ولكنِّي أُحَبِّسهُ، فيجري عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه: اقسمها، فقال عُمر: اللهُمَّ اكفِني بلالًا وذَوِيْهِ، فما حال الحول ومنهم عين تطرف"

(4)

.

(1)

في المغازي، باب 38، رقم 4235، وروى بمعناه في الحرث والمزارعة، باب 14، حديث 2334، وفي فرض الخمس، باب 9، حديث 3125، وفي المغازي، باب 38، حديث 4236.

(2)

أحكام أهل الذمة (1/ 104).

(3)

في "ذ": "ويمتنع".

(4)

الأموال ص/ 72، رقم 147. وأخرجه - أيضًا - أحمد في فضائل الصحابة (1/ 289) رقم 378، والبيهقي (6/ 318، 9/ 138)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 197). قال البيهقي: والحديث مرسل. وقال الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 487): هذا أثر مشهور، وهو مرسل.

وأخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 26، عن الليث بن سعد، عن حبيب بن أبي =

ص: 170

قال القاضي: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلفاء أنه قسم أرضًا أُخذت عَنوة إلا خيبر.

وفي "المحرر"

(1)

: أو يُملِّكُها لأهلها أو غيرهم بخراج، فدلَّ كلامهم أنه لو ملكها بغير خراج كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، لم يجز، وقاله أبو عبيد

(2)

؛ لأنها مسجدٌ لجماعة المسلمين، وهي مباح

(3)

من سبق، بخلاف بقية البلدان. قاله في "المبدع".

(ويلزمُه) أي: الإمام (فِعلُ الأصلح) للمسلمين من القسمة أو الوقف؛ لما تقدم.

(وليس لأحد نقضُه) لأنه حكم (ولا نقضُ ما فَعَله النبي صلى الله عليه وسلم من وقف، أو قسمة، أو فعله الأئمة بعده، ولا تَغْييرُهُ) أي: تغيير ما تقدم ذكره؛ لأنه نقضٌ للحكم اللازم، وإنما التخيير والاختلاف فيما استؤنف فتحه.

الضرب (الثاني) من الأضرب الثلاثة: (ما جلا عنها أهلُها خوفًا) وفزعًا منَّا (وظهرنا عليها، فتصير وقفًا بنفس الظهور عليها) قدَّمه في "المقنع" وغيره.

قال في "الإنصاف": هذا المذهب، وعليه الأصحاب، وجزم به

= ثابت. وعن محمد بن إسحاق، عن الزهري.

(1)

كذا في الأصول: "المحرر". وفي "المبدع"(3/ 377): "المجرد" ولعله الصواب، فإن الكلام المذكور لم نجده في المطبوع من "المحرر"، وكتاب "المجرد في المذهب" لأبي يعلى لم يطبع.

(2)

الأموال ص/ 82.

(3)

كذا في الأصول: "مباح"، وصوابه:"مناخُ" كما في الأموال ص/ 82، والمبدع (3/ 377 - 378).

ص: 171

في "الوجيز" وغيره، وقدَّمه في "المغني" و"المحرر" و"الشرح" و"الفروع" وغيرهم. انتهى؛ لأنها ليست غنيمة فَتُقسم، فيكون حكمها حكم الفيء، أي: للمسلمين كلهم.

وعنه

(1)

: حكمها حكم العَنْوة قياسًا عليها، فلا تصير وقفًا، حتى يقفها الإمام. وقَطَعَ بها في "التنقيح"، وتبعه في "المنتهى".

قال في "المبدع": لكن لا تصير وقفًا إلا بوقف الإمام لها، صرَّح به الجماعة؛ لأن الوقف لا يثبت بنفسه؛ فعلى هذا: حكمها قبل وقف الإمام كالمنقول؛ يجوز بيعها والمعاوضة بها، وعلى الأُولى: يمتنع.

الضرب ‌

(الثالث: ما صُولحوا عليه) من الأرض (وهو ضربان:

أحدهما: أن يصالحهم) الإمام أو نائبه (على أن الأرض لنا، ونُقِرُّها معهم بالخراج، فهذه) الأرض (تصير وقفًا بنفس ملكنا لها، كالتي قبلها) على الخلاف السابق بلا فرق.

(وهما) أي: المُصالَحُ على أنها لنا ونُقِرُّها معهم بالخراج، وما جَلوا عنها خوفًا منا (دار إسلام، سواء سكنها المسلمون أو أُقِرَّ أهلها عليها) كأرض العَنْوة.

(ولا يجوز إقرار كافر بها سَنَةً إلا بجزية، ولا إقرارهم) أي: الكفار (بها على وجه المِلْك لهم) لأنها دار إسلام، كأرض العَنْوة.

(ويكون خراجها أُجْرة) لها (لا يسقط بإسلامهم، ويؤخذ) الخراج (منهم وممن انتقلت إليه من مسلم ومعاهد) كسائر الأجر.

(وما كان فيها) أي: في أرض الخراج (من شجر وقت الوقف، فثمرُه المستقبل لمن تُقَرُّ بيده) الأرض (فيه عُشْرُ الزكاة) قال في

(1)

الأحكام السلطانية ص/ 148، 164، وأحكام أهل الذمة (1/ 106).

ص: 172

"الإنصاف": هذا الصحيح من المذهب، قدَّمه في "الفروع" و"المحرر" و"الحاويين"، وقيل: هو للمسلمين بلا عُشر، جزم به في "الترغيب"(كـ) ــالشجرة

(1)

(المتجدِّد فيها) أي: في الأرض الخراجية، فإن ثمرته لمن جدَّده، وفيها عُشر الزكاة بشرطه.

(الضرب الثاني) مما صُولحوا عليه: (أن يُصالحهم) الإمامُ أو نائبه (على أنها) أي: الأرض (لهم، ولنا الخراجُ عنها) فهو صلح صحيح لا مفسدة فيه (فهذه مِلْكٌ لهم) أي: لأربابها وتصير دارَ عهد (خراجها كالجزية) التي تؤخذ على رؤوسهم ما دامت بأيديهم.

(إن أسلموا سقط عنهم) لأن الخراج الذي ضُرِب عليها إنما كان لأجل كفرهم، فيسقط بإسلامهم كالجزية، وتبقى الأرض ملكًا لهم بغير خراج يتصرَّفون فيها كيف شاؤوا.

(كما لو انتقلت) هذه الأرض (إلى مسلم) فإنه لا خراج عليه؛ لأنه قُصد بوضعه الصَّغار، فوجب سقوطه بالإسلام كالجزية.

و (لا) يسقط خراجها إن انتقلت (إلى ذِمِّي من غير أهل الصلح) لأنه بالشراء رضي بدخوله فيما دخل عليه البائع، فكأنه التزمه.

(ويُقَرُّون فيها) أي: في الأرض التي صُولحوا على أنها لهم (بغير جِزية ما أقاموا على الصلح؛ لأنها دار عهد، بخلاف ما قبلها) من أرض العَنْوة، وما جلوا عنه خوفًا مِنَّا، وما صُولحوا على أنه لنا، فلا يُقَرُّون فيها إلا بجزية؛ لأنها دار إسلام.

(1)

في "ذ": "كالشجر".

ص: 173

فصل

(والمرجع في الخَراج والجِزية إلى اجتهاد الإمام في زيادة ونقص) قال الخلال: رواه الجماعة

(1)

، وعليه مشايخنا؛ لأنه مصروف في المصالح، فكان مفوَّضًا إلى اجتهاد الإمام.

(و‌

‌يُعتبر الخراجُ بقَدْر ما تحتملُه الأرض)

التي يضعه عليها؛ لأنه أجرة لها، ويختلف باختلافها، وهذا في ابتداء الوضع.

وأما‌

‌ ما وضعه إمام، فلا يُغيِّره آخر ما لم يتغير السبب،

كما يدلُّ عليه كلام القاضي في "الأحكام السلطانية"

(2)

. وكلام الأصحاب - أيضًا - في نظائره، وقد أوضحته في "حاشية المنتهى".

(وعنه

(3)

: يُرجع إلى ما ضربه) أمير المؤمنين (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه فـ (لا يُزاد) عليه (ولا يُنقص) عنه؛ لأن اجتهاد عمر أَولى من قول غيره، كيف كان، ولم ينكره أحد من الصحابة مع شهرته، فكان كالإجماع.

(وقد رُوي عنه) أي: عن عمر رضي الله تعالى عنه (في الخراج روايات مختلفة

(4)

.

(1)

أحكام أهل الملل، من الجامع للخلال (1/ 169، 170) رقم 256، والأحكام السلطانية ص/ 139، 165.

(2)

ص/ 168.

(3)

الأحكام السلطانية ص/ 165، وأحكام أهل الذمة (1/ 114).

(4)

انظر تفصيل هذه الروايات في الخراج لأبي يوسف ص/ 36 - 38، ومصنف عبد الرزاق (6/ 100 - 103)، والأموال لأبي عبيد ص/ 86 - 89، وابن أبي شية (3/ 216 - 217)، والأموال لابن زنجويه (1/ 209)، والسنن الكبرى للبيهقي (9/ 136).

ص: 174

قال في "المحرر": والأشهر عنه أنه جعل على جَريب الزرع درهمًا وقفيزًا من طعامه، وعلى جَريب النخل ثمانيةَ دراهم، وعلى جَريب الكَرْم عشرةَ) دراهم (وعلى جَريب الرطبة

(1)

ستة) دراهم

(2)

. قال في "المبدع": هذا هو الذي وَظَّفَه

(3)

عمر في أصح الروايات عنه.

(وظاهر ذلك: أن جَريب الزرع والحنطة وغيرها سواء في ذلك) لإطلاق قوله: "على جَريبِ الزرعِ درهمًا وقفيزًا من طعامِه" وقال في "المقنع": قال أحمد

(4)

، وأبو عبيد، أي: القاسم بن سلام

(5)

: أعلى وأصحّ حديث في أرض السواد حديث عَمرو بن ميمون

(6)

يعني: أن عمر وضَعَ على كلِّ جَريبٍ درهمًا وقفيزًا. انتهى، وجزم بمعناه في

(1)

في "ذ": "الرطب".

(2)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 36، وعبد الرزاق (6/ 100) و (10/ 333) رقم 10128 و 19276، وابن أبي شيبة (12/ 258)، والبيهقي (9/ 136)، من طريق قتادة، عن أبي مجلز لاحق بن حميد قال: بعث عمرُ عثمانَ بن حنيف على مساحة الأرض فوضع عثمان على الجريب من الكرم عشرة دراهم

وليس فيه ذكر جريب الزرع، وسيأتي ذكره لاحقًا في حديث عمرو بن ميمون.

(3)

في "ح": "وظعه".

(4)

الأحكام السلطانية ص/ 166، وأحكام أهل الذمة (1/ 115)، والاستخراج لأحكام الخراج ص/ 81.

(5)

في الأموال ص/ 90 - 91، 93.

(6)

أخرج أبو يوسف في الخراج ص/ 38، وأبو عبيد في الأموال ص/ 90 رقم 181، وابن أبي شيبة (3/ 216) و (12/ 259)، وابن زنجويه في الأموال (1/ 160، 216) رقم 159، 272، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 310) رقم 152، والبيهقي (9/ 196) عن عمرو بن ميمون. قال: شهدتُ عمر بن الخطاب، وأتاه ابن حنيف. فجعل يكلمه، فسمعته يقول: والله لئن وضعت على كل جريب من الأرض درهمًا وقفيزًا من طعام لا يشق ذلك عليهم ولا يجهدهم.

ص: 175

"المنتهى"، لكن حمله في "المبدع" على ما ذكر المصنف.

(وفي)"الهداية" لأبي خطاب و ("الرعايتين" خراج عمر رضي الله عنه على جَريب الشعير درهمان، والحنطة أربعةُ) دراهم (والرطبة ستةُ) دراهم (والنخل ثمانية) دراهم (والكرم عشرةُ) دراهم (والزيتون اثنا عشر) درهمًا، وهذا رواه أبو عبيد عن عمر "أنه بعثَ عثمان بن حنيف لمساحَةِ أرضِ السواد، فضربَهُ"

(1)

، والروايات مختلفة في ذلك

(2)

، فالأخذ بالأعلى والأصح - وهو حديث عمرو بن ميمون - أَولى (ويأتي ما ضربه) عمر (في الجِزية.

والقفيز ثمانية أرطال، قال القاضي وجمعٌ: بالمكي) لأن الرطل العراقي لم يكن، وإنما كان المكي (و) قال (المجد وجمعٌ: بالعراقي) لأنه هو الذي كان معروفًا بالعراق، وهو المُسمَّى بالقفيز الحجَّاجي.

قال في "المبدع": وينبغي أن يكون من جنس ما تخرجه الأرض حنطة أو شعيرًا، ذكره في "الكافي" و"الشرح".

(فعلى الأول يكون) القفيز (ستة عشر رطلًا بالعراقي، وهو الصحيح) قال في "الإنصاف": هذا الصحيح قدَّمه في "الشرح"، وقال:

(1)

أبو عبيد في الأموال ص/ 88 رقم 172. وأخرجه - أيضًا - ابن زنجويه في الأموال (1/ 210) رقم 257، من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبي، أن عمر بعث ابن حنيف إلى السواد، فطرز الخراج، فوضع على جريب الشعير درهمين، وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية، وعلى جريب الكرم عشرة، وعلى جريب الزيتون اثني عشر، ووضع على الرجل الدرهم في الشهر والدرهمين في الشهر.

(2)

أخرجها أبو عبيد في الأموال ص/ 87، 88، رقم 172، 174، 175، وابن زنجويه في الأموال (1/ 210) رقم 258، 259.

ص: 176

نصَّ عليه

(1)

انتهى. وقطع به في "المقنع".

(و) القفيز على القول (الثاني، وهو قفيز الحجَّاج، وهو صاعُ عمرَ نصًّا

(2)

. والقفيز الهاشمي مكُّوكان

(3)

، وهو ثلاثون رطلًا عراقية) وحكاه أبو بكر هنا قولًا.

(والجريب عشر قَصَبات في عشر قَصَبات) أي: مائة قصبة مكسَّرة، ومعنى الكسر: ضرب أحد العددين في الآخر، فيصير أحدهما كسرًا للآخر.

(والقصبة) ما تُمْسَح به المزارعُ كالذراع للبزّ، واختير القصب على غيره؛ لأنه لا يطول ولا يقصر، وهو أخف من الخشب، وهي (ستة أذرع بذراع عمر).

قال في "المبدع": والمعروف بالذراع الهاشمية، سمَّاه المنصور به، (وهو ذراعٌ وسط) أي: بيد الرجل المتوسط الطول (وقبضةٌ، وإبهامٌ قائمة) وهو معروف بين الناس.

(فيكون الجَريب ثلاثة آلاف ذراع وستمائة ذراع مكسَّرًا) لأن القصبة ستة أذرع في مثلها، فتكون ستة وثلاثين ذراعًا مكسَّرة تضربها في مكسر الجَريب، وهو مائة ذراع، يخرج ما ذكر، فَعُلِم أن الجَريب ربع فدَّان بِعُرف مصر.

(وما بين الشجر من بياض الأرض) وهو الخالي من الشجر (تَبَعٌ

(1)

الإنصاف (10/ 317).

(2)

الأحكام السلطانية ص/ 184.

(3)

زاد في "ح" بعد قوله: "مكوكان": "المكوك - بفتح الميم وضم الكاف مشدَّد -: لأهل العراق، يسع صاعًا ونصفًا بالمدين، يجمع على مكاكيك، ومكاكي، بفتح الميم وشد الياء".

ص: 177

لها) أي: للشجر، فلا يؤخذ سوى خراج الشجر.

(والخراج على المزارع دون المساكن) لما تقدم عن عمر (حتى مساكن مكة) فلا خراج عليها (ولا خراج على مزارعها) أي: مكة، ولا على مزارع الحَرَم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب عليها شيئًا، ولأن الخراج جِزية الأرض، ولا يجوز إعطاؤها عن أرض مكة.

(وإنما كان) الإمام (أحمد يمسح دارَه) ببغداد (ويُخْرِجُ عنها) الخراج، فيتصدق به

(1)

(لأن بغداد كانت حين فُتحت مزارع) ومقتضى ذلك: أن ما كان مزارع حين فَتْحه؛ وجُعل مساكن؛ يجب فيه الخراج. وظاهر كلامهم خلافه، ويُحمل فِعْلُ الإمام على الورع؛ بدليل أنه لم يأمر به أهل بغداد عامة.

(ويجب خراج ما لَهُ ماءٌ

(2)

يُسقى به إن زُرع) نبت أو لم ينبت؛ لاستيفاء المنفعة (وإن لم يُزرع؛ فخراجه خراجُ أقلِّ ما يُزرع) على ما تقدم بيانه.

(ولا خراج على ما لا يناله الماءُ إذا لم يمكن زَرْعُه) لأن الخراج أُجرة الأرض، وما لا منفعة فيه لا أُجرة له، وعبارة "المنتهى": لا على ما لا يناله ماء، ولو أمكن زرعه وإحياؤه، ولم يفعل.

(وإن أمكن زَرْعُه عامًا ويُراح عامًا عادةً، وجب نصف خراجه في كلِّ عام) لأن نفع الأرض على النصف، فكذا الخراج؛ لكونه في مقابلة النفع.

(1)

طبقات الحنابلة (1/ 12، 260)، (2/ 4)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص/ 327، وأحكام أهل الذمة (1/ 120 - 121)، والاستخراج لأحكام الخراج ص/ 117.

(2)

في "ذ": "على ما له ماء".

ص: 178

(قال الشيخ

(1)

: ولو يبست الكروم بجراد أو غيره، سقط من الخراج حسبما تعطَّل من النفع) لأن الخراج في نظير النفع، كما تقدم.

(وإذا لم يمكن النفع به ببيع، أو إجارة، أو عمارة، أو غيره، لم يجز المطالبة بالخراج) انتهى. لأن‌

‌ ما لا منفعة فيه لا خراج له.

(و‌

‌الخراج) يجب (على المالك دون المستأجر والمستعير)

لأنه على الرقبة، وهي للمالك، كفطرة العبد، بخلاف العشر (وتقدم في) باب (زكاة الخارج من الأرض

(2)

.

وهو) أي: الخراج (كالدَّين) قال أحمد

(3)

: يؤديه ثم يزكِّي ما بقي (يُحبس به المُوسِرُ) لأنه حق عليه، أشبه أجرة المساكن (ويُنْظَر به المُعسِرُ) لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(4)

.

(ومن كان في يده أرض) خراجية (فهو أحقُّ بها بالخراج كالمستأجر) إلا أن مدة الإجارة لم تقدر للحاجة.

(وتنتقل) الأرض الخراجية عمَّن مات (إلى وارثه من بعده على الوجه الذي كانت) عليه (في يد مورثِه) كسائر حقوقه.

(فإن آثر) الذي بيده أرض خراجية (بها أحدًا ببيع أو غيره، صار الثاني أحق بها) من غيره؛ لقيامه مقام الأول.

(ومعنى البيع هنا: بَذْلُها بما عليها من خراج إن منعنا بيعها الحقيقي) كما هو المذهب؛ لما تقدم من أنَّ عمر وقفها، وأقرَّها بأيدي أربابها بالخراج، والوقف لا يُباع إلا إذا تعطَّلت مصالحه على ما يأتي.

(1)

الاختيارات الفقهية (192 - 193).

(2)

(4/ 427).

(3)

مسائل عبد الله (3/ 1211، 1219) رقم 1669، 1676.

(4)

سورة البقرة، الآية:280.

ص: 179

(وإن عجز مَنْ هي) أي: الأرض الخراجية (في يده عن عمارتها، و) عن (أداء خراجها، أُجبر على إيجارها، أو رَفْع يده عنها؛ لتدفع إلى من يعمرها، ويقوم بخراجها) لأن الأرض للمسلمين، فلا يجوز تعطيلها عليهم.

(ويجوز شراء أرض الخراج استنقاذًا، كاستنقاذ الأسير، ومعنى الشراء: أن تنتقل الأرض) إليه (بما عليها من خراجها) لامتناع الشراء الحقيقي لما تقدم.

(ويُكره شراؤها) أي: الخراجية (للمسلم) لما في دفع الخراج من الذُّلِّ والهوان.

"تتمة": إن اختلف العامل وربُّ الأرض في كونها خراجية أو عشرية، وأمكن قولُ كلٍّ منهما، فقول ربِّ الأرض، فإن اتُّهم، استُحلف، ويجوز أن يُعتمد في مثل هذا على الشواهد الديوانية السلطانية إذا عُلم صحتها ووُثِق بكتابتها، ولم يتطرَّق إليها تُهمة.

(ويجوز لصاحب الأرض) الخراجية (أن يرشوَ العاملَ) القابض لخراجه (ويُهدِي له؛ لدفع ظُلمِه في خَراجه) لأنه يتوصَّل بذلك إلى كف اليد العادِيَة عنه.

و (لا) يجوز له أن يرشوَ ما يهديه

(1)

(ليدعَ له منه) أي: الخراج (شيئًا) لأنه يتوصَّل به إلى إبطال حق، فهو كرشوة الحاكم ليحكم له بغير الحق.

(فالرّشوةُ) بتثليث الراء (ما يُعطى) للمرتشي (بعد طلبه، والهدية الدفع إليه ابتداءً) أي: بغير طلب (ويَحرم على العامل الأخذُ فيهما)

(1)

في "ح" و"ذ": "أن يرشوه أو يهديه".

ص: 180

لحديث: "هدايا العمَّالِ غُلُول"

(1)

(ويأتي في) باب (أدب القاضي) بأوسع من هذا.

(ومن ظُلِم في خراجه لم يحتسِبْه من عُشْره) الواجب عليه في زرعه أو ثمره. قال أحمد

(2)

: لأنه غصب. وعنه

(3)

: بلى، اختاره أبو بكر.

(وإن رأى الإمامُ المصلحةَ في إسقاط الخراج عن إنسان) أو في

(4)

(تخفيفه، جاز) لأنه لو أخذ الخراج وصار في يده، جاز له أن يخص به شخصًا إذا رأى المصلحة فيه؛ فجاز له تَرْكه بطريق الأَولى.

(و‌

‌يجوز للإمام إقطاعُ

(5)

الأراضي والمعادن والدُّور)

التي لبيت المال (ويأتي بعضُه في) باب (إحياء الموات) موضحًا.

(والكُلَف التي تُطلب من البلد بحقٍّ أو غيره، يَحرم توفيرُ بعضِهم، وجَعْلُ قِسطه على غيره، ومن قام فيها بنية العدل وتقليل الظلم مهما أمكن لله) تعالى (فكالمجاهد في سبيل الله) تعالى (ذَكَره الشيخ

(6)

) لقيامه بالقسط والإنصاف (ويأتي في) باب (المساقاة بعضه).

و‌

‌ليس لأحد تفرقة خراج عليه بنفسه،

ومصرف الخراج كفيء؛ لأنه منه كما يأتي.

(1)

تقدم تخريجه (5/ 134)، تعليق رقم (2).

(2)

مسائل أبي داود ص/ 80، وأحكام أهل الذمة (1/ 126).

(3)

مسائل عبد الله (3/ 1211، 1219 - 1220) رقم 1669، 1676، وأحكام أهل الذمة (1/ 126).

(4)

قوله: "في" سقط من "ح".

(5)

في "ح": "أن يقطع".

(6)

مجموع الفتاوى (30/ 336).

ص: 181

‌باب الفيء

أصله من الرجوع، يقال: فاءَ الظِّلُّ إذا رجع نحو المشرق. وسُمِّي المالُ الحاصل على ما يذكره فيئًا؛ لأنه رجع من المشركين إليهم

(1)

، والأصل فيه قوله تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} الآيتين

(2)

.

(وهو ما أُخذ من مال كافر بحقِّ الكفر) احترازًا عما أُخذ من ذِمِّي غصبًا ونحوه، أو ببيع ونحوه (بلا قتال) خرج الغنيمة (كجِزية، وخَراج، وزكاة تغلبي، وعُشر مال تجارة حربي) اتَّجر به إلينا (ونصفه) أي: نصف عشر مال تجارة (من ذِمي) اتَّجر إلى غير بلده (وما تركوه) فزعًا (وهربوا، أو بذلوه فزعًا مِنَّا في الهدنة وغيرها، وخُمُس خمسِ الغنيمة، ومال مَنْ مات منهم ولا وارث له) يستغرق (ومال المرتد إذا مات على رِدته) بقتلٍ أو غيره.

(فَيُصرف في مصالح) أهل (الإسلام) للآيتين، ولهذا لما قرأ عمر:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ} حتى بلغ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}

(3)

قال: "هذه استوعبت المسلمين". وقال أيضًا: "ما من أحد من المسلمين إلا لهُ في هذا المال نصيبٌ إلا العَبيدَ"

(4)

.

(1)

في هامش "ذ": "صوابه: إلى المسلمين كما في المنتهى".

(2)

سورة الحشر، الآيتان:7.

(3)

سورة الحشر، الآيات: 7 - 9.

(4)

أخرجه بتمامه أبو داود في الخراج والفيء والإمارة، باب 19، رقم 2966، والنسائي في قسم الفيء، باب 1، رقم 4159، وفي الكبرى (3/ 49) رقم 4450، وعبد الرزاق (11/ 101) رقم 20040، وأبو عبيد في الأموال ص/ 22، 273، رقم =

ص: 182

وذكر أحمد

(1)

الفيء فقال: فيه حقٌّ لكل المسلمين، وهو بين الغني والفقير؛ ولأن المصالح نفعها عام، والحاجة داعية إلى فِعلها تحصيلًا لها.

(و‌

‌يبدأ بالأهم فالأهم) من المصالح العامة لأهل الدار التي بها حِفْظ المسلمين،

ف‌

‌يبدأ (بجند المسلمين) الذين يَذبُّون عنهم.

(ثم بالأهم فالأهم من عمارة الثغور بمن فيه كفاية) وهم أهل القوة من الرجال الذين لهم منعة وأسْلِحتهم (وكفاية أهلها) أي: القيام بكفاية أهل الثغور (وما يحتاج إليه من يدفع عن المسلمين) من غير أهل الثغور (من السلاح والكُراع) أي: الخيل.

(ثم الأهم فالأهم من سد البُثُوق، جمع بَثْق) بتقديم الموحدة (وهو الخَرْق في أحد حافتي النهر) وهو جرف الجسور لحصول النفع بعلو الماء بسبب ذلك (وكَرْي الأنهار - أي: حفرها وتنظيفها - وعمل القناطر - أي: الجسور - و) إصلاح (الطُّرق والمساجد، وأرزاق القضاة، والأئمة، والمؤذِّنين والفقهاء، ومن يَحتاج إليه المسلمون، وكل ما يعود نفعه على المسلمين) لأن ذلك من المصالح العامة، أشبه الأول.

= 41، 526، وفي غريب الحديث (3/ 268)، وابن زنجويه (1/ 108) رقم 84، و (2/ 480) رقم 762، والطبري في تفسيره (28/ 37)، والطحاوي (3/ 307)، والبيهقي (6/ 352).

وأخرج قسمه الثاني أبو يوسف في الخراج ص/ 46، ويحيى بن آدم في الخراج ص/ 43، رقم 105، والشافعي في الأم (4/ 155) وفي مسنده (ترتيبه 2/ 127)، وعبد الرزاق (11/ 101) رقم 20039، وابن زنجويه (2/ 480) رقم 761، والبيهقي (6/ 347، 351).

(1)

الأحكام السلطانية ص/ 136، 138، 139، 198، 243.

ص: 183

(ولا يُخمَّس) لأن الله تعالى أضافه إلى أهل الخُمس كما أضاف خُمس الغنيمة، فإيجاب الخُمس فيه لأهله دون باقيه مَنْعٌ لما جعله الله تعالى لهم بغير دليل، ولو أُريد الخُمس منه لذكره الله تعالى، كما ذكره في خُمس الغنيمة، فلما لم يذكره ظهر إرادة الاستيعاب.

(وإن فَضَل عن المصالح منه) أي: من الفيء (فضلٌ، قُسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم) للآية، ولأنه مال فضَلَ عن حاجتهم، فقُسم بينهم كذلك، ويستوون فيه كالميراث (إلا عبيدَهم، فلا يُفرد العبدُ بالعطاء) نص عليه

(1)

؛ لأنه مال، فلا حَظَّ له فيه كالبهائم (بل يُزاد سيدُه) لأجله. وذكر الخطابي أن الصِّدِّيق أعْطى العبيد

(2)

.

(1)

انظر: الأحكام السلطانية ص/ 139، ومسائل ابن هانئ (2/ 112) رقم 652.

(2)

معالم السنن (3/ 10). أخرجه أبو عبيد في الأموال ص/ 309، رقم 608، وابن أبي شيبة (12/ 408)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 541) رقم 885، وابن سعد (5/ 12)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 991) رقم 2867، عن أبي قرة مولى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: قسم لي أبو بكر من الفيء مثل ما قسم لسيدي.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (2/ 538) رقم 880، وابن سعد (3/ 193)، والبيهقي (6/ 348) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قسم أبي أول عام الفيء، فأعطى الحر عشرة، والمملوك عشرة، والمرأة عشرة، وأمتها عشرة، ثم قسم في العام الثاني فأعطاهم عشرين عشرين.

وأخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 42 عن ابن أبي نجيح قال: قدم على أبي بكر رضي الله عنه مال

، وفيه: أنه أعطى من كان وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قسم الباقي بالسوية على الصغير والكبير، والحر والمملوك، والذكر والأنثى. قال أبو عبيد في الأموال ص/ 311: وأما حديث أبي بكر في الرجل الذي قسم له من الفيء مثل ما قسم لسيده، فإنما هو عندي على أنه كان محرَّرًا قد أعتقه السيد، فهو بمنزلة غيره من الأحرار.

ص: 184

(وعنه

(1)

: يُقدَّم المُحتاج. قال الشيخ

(2)

: وهو أصحّ عن أحمد) لقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ} ولأن المصلحة في حقّه أعظم منها في حقِّ غيره؛ لأنه لا يتمكَّن من حفظ نفسه من العدو بالعدة ولا بالهرب لفقره، بخلاف الغني.

(واختار أبو حكيم

(3)

والشيخ

(4)

: لا حظَّ للرافضة فيه، وذكره في "الهدي"

(5)

عن مالك وأحمد) لقوله تعالى: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

(6)

. وقيل

(7)

: يختص بالمقاتلة؛ لأنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته لحصول النُّصرة، فلما مات صارت بالخيل ومَنْ يَحْتَاجُ إليه المسلمون.

(ويكون العطاء كلَّ عامٍ مرةً أو مرتين) ولا يُجعل في أقل من ذلك؛ لئلا يشغلهم عن الغزو (ويُفرض للمقاتلة قَدْرُ كفايتهم وكفاية عيالهم) ليتفرَّغوا للجهاد.

(وتُسنُّ البداءةُ بأولاد المهاجرين) جمع مهاجر، اسم فاعل من هاجر، بمعنى هجر، ثم غُلِّبَ على الخروج من أرض إلى أخرى، وتُطلق الهجرة: بأن يترك الرجل أهله وماله، وينقطع بنفسه إلى مُهَاجَرهِ، ولا يرجع من ذلك بشيء. وهجرة الأعراب، وهي أن يدع البادية، ويغزو مع

(1)

انظر: الاستخراج لأحكام الخراج ص/ 114.

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 462.

(3)

تقدم التعريف به (4/ 201)، تعليق رقم (5).

(4)

الاختيارات الفقهية ص/ 462.

(5)

زاد المعاد (5/ 86).

(6)

سورة الحشر، الآية:10.

(7)

انظر: الأحكام السلطانية ص/ 137.

ص: 185

المسلمين، وهي دون الأولى في الأجر، والمراد هنا: أولاد المهاجرين الذين هجروا أوطانهم وخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم جماعة مخصوصون.

فيقدَّم منهم (الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لما روى أبو هريرة قال: قدِمَتْ على عمرَ ثمانيةُ آلاف درهمٍ، فلما أصبح أرسلَ إلى نفَرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قد جاءَ الناسَ مال لم يأتهم مثلهُ مذ كان الإسلامُ، أشيروا عليَّ، بمنْ أبدأ؟ قالوا: بكَ يا أمير المؤمنين، إنك وليُّ ذلك. قال: لا، ولكنْ أبدأُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب، فوضعَ الديوانَ على ذلك"

(1)

.

(فيبدأ من قريش ببني هاشم) لأنهم أقربهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(ثم بني المطلب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بنُو هاشم وبنُو المطلب شيءٌ واحِدٌ، وشبَّكَ بين أصابِعه"

(2)

.

(ثم بني عبد شمس) لأنه هو وهاشم أخوان لأب وأم.

(ثم بني نوفل) لأنه أخو هاشم لأبيه.

(ثم تُعطى

(3)

بنو عبد العُزى) لأن فيهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن خديجة منهم.

(ثم بنو عبد الدار).

(1)

أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 465)، والبيهقي (6/ 364)، وفيهما أن المال قدم به أبو هريرة على عمر رضي الله عنهما وأنه كان ثمان مائة ألف، وليس ثمانية آلاف كما ذكر المؤلف. وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 478).

(2)

تقدم تخريجه (5/ 174)، تعليق رقم (1).

(3)

في "ذ": "يعطى".

ص: 186

ثم الأقرب فالأقرب (حتى تنقضي قريش) لما تقدم عن عمر.

(وقريش بنو النضر بن كنانة، وقيل: بنو فِهْر بن مالك بن النضْرِ) بن كنانَةَ، قاله في "الشرح" واقتصر عليه في "المبدع"، وقال الموفق في "التبيين"

(1)

: هم بنو النضر بن كنانة على ما قال صلى الله عليه وسلم: "نحنُ بنُو النَّضْرِ بنِ كنانَةَ

(2)

وأطلق القولين في "المنتهى".

(ثم بأولاد الأنصار) وهم الحيَّان الأوس والخزرج، وقُدِّموا على

(1)

التبيين في أنساب القرشيين ص/ 36.

(2)

روي من حديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - الأشعث بن قيس رضي الله عنه، أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 274)، وفي التاريخ الصغير (1/ 11)، وابن ماجه في الحدود، باب 37، حديث 2612، وابن المبارك في مسنده، ص/ 96، حديث 161، والطيالسي ص/ 141، حديث 1049، وابن سعد (1/ 23)، وأحمد (5/ 211)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 165) حديث 897، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 60)، والطبراني في الكبير (1/ 235) حديث 645، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 308) حديث 929، والخطيب في تاريخه (7/ 128)، والضياء في المختارة (4/ 303 - 306) حديث 1487 - 1489، والمزي في تهذيب الكمال (20/ 238).

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 79): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

ب - أبو هريرة رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 166) حديث 898.

وأخرجه ابن سعد (1/ 22) عن الزهري مرسلًا.

ج - الجفشيش الكندي رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 285) حديث 2190، 2191، وفي الصغير (1/ 144)، وابن عساكر في تاريخه (54/ 218)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 195): وفيه إسماعيل بن عمر البجلي، ضعفه أبو حاتم والدارقطني، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات.

د - أنس رضي الله عنه، أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (1/ 170). وابن عساكر في تاريخه (3/ 48).

ص: 187

غيرهم لسابقتهم وآثارهم الجميلة.

(ثم بسائر العرب) لفضلهم على من سواهم.

(ثم العجم، ثم الموالي) أي: العتقاء؛ ليحصُل التعميم بالدفع.

(وللإمام أن يفاضل بينهم بحسب السابقة) في الإسلام (ونحوها) كالشجاعة وحسن الرأي. وهذا قول عمر

(1)

وعثمان

(2)

. قال عمر: "لا أجعل من قاتَلَ على الإسلامِ كمنْ قُوتِلَ عليه"

(3)

. ولأنه صلى الله عليه وسلم قسم النفل

(1)

أخرج البخاري في المغازي، باب 15، رقم 4022، من طريق إسماعيل، عن قيس: كان عطاء البدريين خمسة آلاف، خمسة آلاف، وقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم.

وأخرج أبو عبيد في الأموال، ص/ 285، رقم 548، وابن أبي شيبة (12/ 316)، وأحمد (3/ 475)، وابن زنجويه في الأموال (2/ 499) رقم 796، والبيهقي (6/ 349) عن عمر رضي الله عنه، أنه خطب الناس بالجابية، فكان من جملة ما قاله: ألا وإني بادئ بالمهاجرين الأولين أنا وأصحابي فنعطيهم، ثم بادئ بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان فنعطيهم، فمن أسرعت به الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ به العطاء.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 349) مختصرًا وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجالهما ثقات.

وأما ما رُوي في تفضيل أهل الشجاعة ونحوها فقد أخرج أبو عبيد في الأموال ص/ 288 رقم 556، وابن سعد (3/ 296)، وابن زنجويه (2/ 506) رقم 805، أن عمر كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يفرض لمن بايع تحت الشجرة في مائتين من العطاء، وكذلك لخارجة بن حذافة في الشرف لشجاعته، ولعثمان بن قيس السهمي لضيافته.

(2)

لم نقف على من أخرجه.

(3)

هو جزء من أثر طويل أخرجه أبو يوسف في الخراج ص/ 42، وابن أبي شيبة (12/ 303)، والبزار (1/ 408) رقم 286، والطحاوي (3/ 305)، والبيهقي (6/ 350)، ولفظه: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 6): وفيه نجيح أبو معشر، ضعيف يُعتبر بحديثه.

ص: 188

بين أهله متفاضلًا على قَدْرِ غَنائهم

(1)

، وهذا في معناه.

وقد فَرَضَ عمرُ لكلِّ واحدٍ من المهاجرين في أهل بدر خمسةَ آلاف خمسة آلاف، ولأهل بدرٍ من الأنصارِ أربعة آلافٍ

(2)

، وفرض لأهلِ الحديبية ثلاثة آلافٍ ثلاثة آلافٍ، ولأهلِ الفَتْحِ ألفَيْنِ ألفَيْنِ"

(3)

ولم يفضِّل أبو بكر

(4)

، وعليّ

(5)

.

(وإن استوى اثنان من أهل الفيء) فيما تقدم (في درجة، قُدِّم أسبقهما إسلامًا) فإن استويا فيه (فأسنُّ) فإن استويا فيه (فأقدم هجرة وسابقة، ثم) إن استويا في جميع ذلك فـ (وليُّ الأمر مخيَّر إن شاء أقرع بينهما، وإن شاء رَتَّبهما على رأيه) أي: اجتهاده.

(وينبغي للإمام أن يضع ديوانًا يكتب فيه أسماء المقاتلة، و) يكتب فيه (قَدْر أرزاقهم) ضبطًا لهم، ولما قدر لهم.

‌(ويجعل لكل طائفة عَريفًا

يقوم بأمرهم، ويجمعهم وقت العطاء ووقت الغزو) ليسهل الأمر على الإمام.

(1)

في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في قصة غنائم بدر قال: "فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين" قال أبو عبيد في الأموال ص/ 396: قوله "على فواق" هو من التفضيل، يقول: جعل بعضهم به أفوق من بعض. وقد تقدم تخريجه (7/ 64)، تعليق رقم (2).

(2)

في "ذ": "أربعة آلاف أربعة آلاف". وهو الموافق لرواية البيهقي.

(3)

هو جزء من أثر طويل أخرجه أحمد (3/ 475)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 463)، والبيهقي (6/ 349)، وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 478). وجاء عند أحمد:"أحد" بدل: "الحديبية" ولم نجد عند أحد ذكر إعطاء أهل الفتح.

(4)

أخرجه البيهقي (6/ 348)، وتقدم تخريجه في أثر عمر المتقدم (7/ 188)، تعليق رقم (3).

(5)

أخرجه البيهقي (6/ 348).

ص: 189

(والعطاء الواجب لا يكون إلا لبالغ عاقل حُرٍّ بصيرٍ صحيح يُطيق القتال).

ويتعرَّف قَدْر حاجة أهل العطاء وكفايتهم، ويزيد ذا الولد من أجل ولده، وذا الفرس من أجل فرسه، وإن كان له عبيد في مصالح الحرب حسب مؤنتهم في كفايته، وإن كانوا لتجارة أو زينة، لم يحتسب مؤنتهم، وينظر في أسعار بلادهم؛ لأن الأسعار تختلف، والغرض الكفاية، ولهذا تُعتبر الذُّرية. قال الشارح

(1)

: وهذا - والله أعلم - على قول من رأى التسوية، فأما من يرى التفضيل، فإنه يُفضِّل أهلَ السوابق والغَناء في الإسلام على غيرهم، بحسب ما يراه، كما فعل عمر رضي الله عنه

(2)

، ولم يُقدِّر ذلك بالكفاية.

(فإن مرض مرضًا غير مرجوِّ الزوال كزَمَانة ونحوها) كالسلِّ والفالج (خرج من المقاتلة، وسقط سهمُه) لخروجه عن أهلية القتال، بخلاف ما يُرجى زواله كالحُمَّى والصُّداع.

(و‌

‌من مات بعد حلول وقت العطاء، دفع إلى ورثته حقّه)

لأنه مات بعد الاستحقاق، فانتقل حقّه إلى ورثته كسائر الحقوق.

قلت: وقياسه جهات الأوقاف إذا مات بعد مضي زمن استحقاقه، يُعطى لورثته.

(ومن مات من أجناد المسلمين دُفع إلى امرأته وأولاده الصغار قَدْرُ كفايتهم) لتطيب قلوب المجاهدين؛ لأنهم إذا علموا أن عيالهم يُكفَون المؤنة بعد موتهم، توفَّروا على الجهاد بخلاف عكسه.

(1)

في "ح": "قال الشيخ" والمثبت هو الصواب، انظر: الشرح الكبير (10/ 337).

(2)

انظر ما تقدم (7/ 188).

ص: 190

(فإذا بلغ ذكورُهم أهلًا للقتال، واختاروا أن يكونوا مقاتِلة، فُرض لهم بطلبهم) لأهليتهم لذلك كآبائهم، وفي "الأحكام السلطانية"

(1)

: مع الحاجة إليهم (وإلا) أي: وإن لم يبلغوا أهلًا للقتال، أو بلغوا كذلك، ولم يختاروا أن يكونوا مقاتلة (قُطع فَرْضهم) لعدم أهليتهم في الأول، وعدم إجبارهم

(2)

في الثاني.

(و‌

‌يَسقط فرض المرأة والبنات بالتزويج)

لحصول الغنى به.

(وبيت المال ملكٌ للمسلمين يضمنه مُتلِفُه، ويَحرم الأخذ منه) والتصرف فيه (بلا إذن الإمام) ذكره في "عيون المسائل" و"الانتصار". وذكر القاضي وابنه: أن المالك غير معين (ويأتي) في باب ذوي الأرحام (أنه غير وارث) وإنما هو جهة ومصلحة.

(1)

انظر ص/ 35، 39، 243.

(2)

كذا في الأصل! وفي "ح" و"ذ": "اختيارهم" وهو الصواب.

ص: 191

‌باب الأمان

(وهو ضِدُّ الخوف) مصدر: أمِن أمْنًا وأمانًا.

والأصل فيه قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} الآية

(1)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"ذِمَّةُ المسلمينَ واحدةٌ، يَسعى بها أدناهُمْ" متفق عليه

(2)

من حديث عليٍّ.

(ويَحرُم به) أي: الأمان (قَتْلٌ، ورِقٌّ، وأسْر، وأَخْذ مال) والتعرُّض لهم؛ لعصمتهم به.

(ويُشترط أن يكون) الأمان (من مسلم) فلا يصح من كافر؛ ولو ذميًّا للخبر

(3)

، ولأنه متهم على الإسلام وأهله، فلم يصح منه كالحربي.

(عاقلٍ) لا طفل ومجنون؛ لأن كلامه غير مُعتبر، فلا يثبت به حكم.

(مُختار) فلا يصح من مُكره عليه (ولو) كان العاقل (مميزًا) لعموم الخبر، ولأنه عاقل، فصحَّ منه كالبالغ.

(حتى من عبدٍ) لقول عمر: "العبد المسلمُ رَجل من المسلمينَ يجوزُ أمَانهُ" رواه سعيد

(4)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "يسعى بها

(1)

سورة التوبة، الآية:6.

(2)

البخاري مطولًا في الجزية والموادعة، باب 17، حديث 3179، ومسلم في الحج، حديث 1370.

(3)

أي: المتقدم آنفًا عن علي رضي الله عنه.

(4)

(2/ 233) رقم 2608. وأخرجه - أيضًا - أبو يوسف في الخراج ص/ 205، وعبد الرزاق (5/ 222) رقم 9402، وأبو عبيد في الأموال ص/ 243، رقم 500، وابن أبي شيبة (12/ 453)، والبيهقي (8/ 194).

وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 121).

ص: 192

أدناهُمْ"

(1)

. فإن كان كذلك صحَّ أمانهُ بالحديث، وإن كان غيرهُ أدنى منه صح منه من باب أَولى؛ ولأنه مسلم عاقل أشبه الحرَّ.

(و) حتى من (أُنثى) نص عليه

(2)

، لقوله صلى الله عليه وسلم:"قد أجرنا من أجَرْتِ يا أمَّ هانئ" رواه البخاري

(3)

، وأجارت زينبُ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا العاص بن الربيع، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 192)، تعليق رقم (2).

(2)

مسائل أبي داود ص/ 249، ومسائل الكوسج (8/ 3868) رقم 2763.

(3)

في الصلاة، باب 4، حديث 357، وفي الجزية والموادعة، باب 9، حديث 3171، وفي الأدب، باب 94، حديث 6158.

(4)

روي من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - عائشة رضي الله عنها: أخرجه الحاكم (3/ 236)، والبيهقي (7/ 185) عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، به. قلنا: وهذا إسناد حسن.

ب - أم سلمة رضي الله عنها، أخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة ص/ 47، حديث 54، والطبراني في الكبير (22/ 425) حديث 1047، والحاكم (4/ 45)، والبيهقي (9/ 95).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 330): وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

جـ - أنس رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 398) حديث 555، و (5/ 372) حديث 2974، والدولابي في الذرية الطاهرة ص/ 49، حديث 59، والطبراني في الكبير (22/ 426) حديث 1048، والحاكم (4/ 45).

وفي سنده عبد الله بن شبيب، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 438):"وَاهٍ. قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث".

وأخرجه الطبراني في الكبير (22/ 426) حديث 1049، وفي الأوسط (10/ 5) حديث 9002، والحاكم (4/ 45)، من طريق عباد بن كثير، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا. =

ص: 193

(وهَرِمٍ وسَفِيهٍ) لعموم ما سبق.

و (لا) يصح الأمان (من كافر، ولو ذميًّا) لما تقدم (ولا من مجنون، وسكران، وطفل ونحوه، ومُغمًى عليه) لأنهم لا يعرفون المصلحة من غيرها.

(و) يُشترط للأمان (عدم الضرر علينا) بتأمين الكفار.

(و) يُشترط أيضًا (أن لا تزيد مدته) أي: الأمان (على عشر سنين) فإن زادت لم يصح، لكن هل يبطل ما زاد كتفريق الصفقة، أو كُلُّه.

(ويصح) الأمان (مُنْجزًا) كقوله: أنت آمن (و) يصح (معلَّقًا) بشرط كقوله: من فعل كذا فهو آمن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "مَن دَخَلَ دارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ"

(1)

.

(ويصح) الأمان (من إمام وأميرٍ لأسيرٍ كافر بعد الاستيلاء عليه، وليس ذلك لآحاد الرعية؛ إلا أن يجيزه الإمام) لأنَّ أمرَ الأسيرِ مُفَوَّضٌ إلى الإمام، فلم يجز الافتيات عليه فيما يمنعه ذلك، كقتله، جزم به في "المغني" و"الشرح"، واختاره القاضي.

= قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 329): وفيه عباد بن كثير الثقفي وهو متروك.

د - زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها: أخرجه عبد الرزاق (5/ 224) حديث 9440، والبيهقي (9/ 95)، من طريق عبد الله البهي، عن زينب رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا العاص بن الربيع إن قرب فابن عم، وإن بعد فأبو ولدٍ، وإني قد أجرته، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (11/ 233): أسنده البيهقي بسند قوي، وهو مرسل.

وأخرجه عبد الرزاق (5/ 226) رقم 9446، عن ابن جريج، عن ابن شهاب وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز جوار زينب ابنته.

(1)

أخرجه مسلم في الجهاد والسير، حديث 1780 (86) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 194

وقال في "الإنصاف": يصح أمان غير الإمام للأسير الكافر، نصَّ عليه في رواية أبي طالب

(1)

. وقدَّمه في "المحرر" و"الرعايتين" و"النظم" و"الحاويين" انتهى. وقَطَعَ به في "المنتهى"، وقدَّمه في "المبدع" لقصة زينب في أمانها زوجها

(2)

. وأجاب عنه في "المغني" و"الشرح": بأنه إنما صح بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم.

"تنبيه": قال الجوهري

(3)

: الرعية: العامة.

(ويصح) الأمان (من إمام لجميع المشركين) لأن ولايته عامة (و) يصح (أمانُ أميرٍ لأهل بلدة جُعل بإزائهم) أي: وَلي قتالهم؛ لأن له الولاية عليهم فقط (وأما في حق غيرهم، فهو كآحاد المسلمين؛ لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم.

ويصح أمانُ أحدِ الرعية لواحد، وعشرةٍ، وقافلة وحِصن صغيرين، عُرْفًا) لأن عمر أجاز أمان العبد لأهل الحِصن

(4)

(كمائة فأقلَّ) هكذا في "شرح المنتهى" ومتقضى كلام "الفروع" أنهما قولان: أحدهما: أن يكونا صغيرين عُرفًا، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. قال في "تصحيح الفروع": وهو الصواب، وقدَّمه في "الرعايتين" و"الحاويين". والثاني: أن يكونا مائة فأقلَّ، كما اختاره ابن البنَّاء.

ولا يصح أمَانُ أحدِ الرعية لأهل بلدة كبيرة، ولا رُسْتاق، ولا جمع كبير؛ لأنه يفضي إلى تعطيل الجهاد، والافتيات على الإمام.

(1)

مسائل أبي طالب لم تطبع، وانظر: مسائل أبي داود ص/ 349، والمحرر (2/ 180)، والإنصاف (10/ 346).

(2)

تقدم تخريجه (7/ 193)، تعليق رقم (4).

(3)

في الصحاح (6/ 2359).

(4)

تقدم تخريجه (7/ 192)، تعليق رقم (4).

ص: 195

(و) يصح (أمانُ أسيرٍ بدار حرب، إذا عَقَده غير مُكره) نص عليه

(1)

؛ للعموم (وكذا أمَان أجير وتاجر في دار الحرب) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ذمّةُ المسلمينَ واحدَةٌ يَسعى بها أدْناهُمْ"

(2)

.

(ومن صحَّ أمانُه" ممن تقدم (صحَّ إخبارُه به إذا كان عدلًا، كالمرضعة على فعلها) والقاسم ونحوه.

(ولا ينقض الإمامُ أمانَ المسلم) حيث صحَّ لوقوعه لازمًا (إلا أن يخاف خيانة من أُعْطِيَهُ) فينقضه لفوات شرطه، وهو عدم الضرر علينا.

(ويصحُّ) الأمانُ (بكل ما يدلُّ عليه من قولٍ) وتأتي أمثلَتُه (وإشارةٍ مفهومة) حتى مع القدرة على النطق؛ لقول عمر: "والله لو أنَّ أحدَكُم أشارَ بإصْبعِهِ إلى السّماء إلى مشْرِك، فنزلَ بأمَانهِ، فقَتَلَهُ، لقتْلتُهُ به" رواه سعيد

(3)

، بخلاف البيع والطلاق، تغليبًا لحقن الدم؛ مع أن الحاجة داعية إلى الإشارة؛ لأن الغالب فيهم عدم فهم كلام المسلمين كالعكس (ورسالةٍ) بأن يراسله بالأمان (وكتابٍ) بأن يكتب له بالأمان كالإشارة وأَولى.

(فإذا قال لكافر: أنت آمِنٌ) فقد أمَّنه لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "من دخلَ دار أبي سفيان فهو آمنٌ"

(4)

.

(1)

انظر مسائل أبي داود ص/ 249، والفروع (6/ 248).

(2)

تقدم تخريجه (7/ 192)، تعليق رقم (2).

(3)

(2/ 246) رقم 2597، 2598. وأخرجه - أيضًا - عبد الرزاق (5/ 222) رقم 9401، وابن أبي شيبة (12/ 458) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 438) رقم 658.

ورواه مالك في الموطأ (2/ 448) بنحوه.

(4)

تقدم تخريجه (7/ 194)، تعليق رقم (1).

ص: 196

(أو) قال لكافر: (لا بأس عليك) فقد أمَّنه؛ لأن عمر لما قال للمَرْزُبان

(1)

: "تكلّمْ، ولا بأسَ عَليْكَ" ثم أراد قتله، قال له أنسٌ والزبيرُ:"قد أمَّنْتَهُ، لا سبيل لكَ عليه" رواه سعيد

(2)

.

(أو: أجرتُك) لقوله صلى الله عليه وسلم: "قد أجَرْنَا منْ أجرْتِ يا أمَّ هانئ"

(3)

.

(أو) قال له: (قفْ، أو: قم، أو: لا تخف، أو: لا تخشَ، أو: لا خوف عليك، أو: لا تذهل، أو: ألقِ سلاحك) فقد أمَّنه؛ لدلالة ذلك عليه.

(أو) قال له: (مَتَرْس بالفارسية) ومعناه: لا تخف. وهو بفتح الميم والتاء وسكون الراء وآخره سين مهملة. ويجوز سكون التاء وفتح الراء. قال ابن مسعود: "إنَّ الله يعلمُ بكلِّ لسانٍ، فمن كان منكمْ أعجميًّا فقال: مَتَرْس، فقد أمّنَهُ"

(4)

.

(1)

في "ح" و"ذ": "للهرمزان"، وهو الموافق لمصادر التخريج.

(2)

(2/ 271) رقم 2670. وأخرجه - أيضًا - الشافعي في الأم (2/ 251) وفي مسنده (ترتيبه 2/ 120)، وأبو عبيد في الأموال ص/ 149، رقم 304، وابن أبي شيبة (12/ 456)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 380)، والبيهقي (9/ 96)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 484). وعندهم جميعًا: الهرمزان، بدل: المرزبان. والمرزُبان: الرئيس عن الفُرس، بضمِّ الزاي، والجمع المرازبة (المعرَّب للجواليقي ص/ 365).

وصحح إسناده الحافظ في الفتح (6/ 275).

وقد ذكر البخاري تعليقًا في الجزية والموادعة، باب 11، قبل حديث 3173. من قول عمر رضي الله عنه:"تكلم، لا بأس" فقط.

(3)

تقدم تخريجه (7/ 193)، تعليق رقم (3).

(4)

لم نقف على من أخرجه من قول ابن مسعود رضي الله عنه. وإنما روي من قول عمر رضي الله عنه، ذكره البخاري تعليقًا في الجزية والموادعة باب 11 "بعد حديث 3172 بلفظ: وقال: عمر إذا قال: مَترس فقد آمنه، إن الله يعلم الألسنة كلها". =

ص: 197

(أو سلَّم عليه) فقد أمَّنه؛ لأن السلام معناه الأمان (أو أمَّن يدَه، أو بعضه فقد أمَّنه) لأنه لا يتبعَّض.

(وكذا لو باعه الإمام

(1)

) فقد أمّنه، وقال أحمد

(2)

: إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمَّنه.

(فإن أشار إليهم بما اعتقدوه أمانًا، وقال: أردت به الأمانَ، فهو أمانٌ) لصحته بالإشارة؛ لما تقدم (وإلا) بأن قال: لم أَرِدْ به الأمانَ (فالقول قوله) لأنه أعلم بمراده.

(وإن خرج الكفَّار من حصنهم بناءً على هذه الإشارة لم يجز قتلهم، ويُردُّون إلى أمانهم

(3)

) قال أحمد

(4)

: إذا أشير إليه بشيء غير الأمان فظنَّه أمانًا، فهو أمان، وكلُّ شيء يرى العِلج أنه أمان فهو أمان.

(وإن مات المسلم) الذي وقعت منه تلك الإشارة المحتملة (أو غاب رُدُّوا إلى مأمنهم) لأن الأصل عدمُ الأمان.

(وإذا قال لكافر: أنت آمنٌ، فرَدَّ) الكافر (الأمانَ، لم ينعقد) أمانه، أي: انتقض؛ لأنه حق له يسقط بإسقاطه كالرِّقِّ.

(وإنْ قَبِلَهُ) أي: قبل الكافرُ الأمان (ثم ردَّه ولو بِصَوْله على المسلم، وطلبه نفسَه، أو جَرْحِه، أو عضوًا من أعضائه، انتقض) الأمان؛

= وأخرجه موصولًا مالك في الموطأ (2/ 448) وأبو يوسف في الخراج ص 205، وعبد الرزاق (5/ 219) رقم 9429، وسعيد بن منصور (2/ 247) رقم 2599، 2600، والبيهقي (9/ 96)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 483) وصحح إسناده. انظر التلخيص الحبير (4/ 121).

(1)

في "ح" و"ذ": "الأمان".

(2)

الفروع (6/ 248).

(3)

في "ح" و"ذ": "مأمنهم".

(4)

مسائل أبي داود ص/ 249، ومسائل ابن هانئ (2/ 122) رقم 1703، 1704.

ص: 198

لفوات شرطه، وهو عدم الضَّرر علينا.

(وإن سُبيت كافرةٌ، وجاء ابنُها يطلبها، وقال: إن عندي أسيرًا مسلمًا؛ فأطلقوها حتى أُحضِره، فقال له الإمام: أحضره، فأحضره، لزم إطلاقها) لأن المفهوم من هذا إجابته إلى ما سأل.

(فإن قال الإمام: لم أرد إجابته، لم يُجبر) الكافر (على تَرْك أسيره، ورُدَّ إلى مأمنه) لأن هذا يُفهم منه الشرط، فوجب الوفاء به كما لو صَرَّح به؛ ولأن الكافر فَهِمَ منه ذلك وبنى عليه، فأشبه ما لو فهم الأمان من الإشارة.

(ومن جاء بمشرك فادَّعى أنه أسره أو اشتراه بماله، وادَّعى المشرك عليه أنه أمَّنه، فأنكر، فالقول قول المسلم) لأن الأصل عدم الأمان (ويكون) الأسير (على ملكه) لأن الأصل إباحة دم الحربي.

(و‌

‌من طلب الأمان ليسمع كلامَ الله ويَعرف شرائعَ الإسلام، لزم إجابتُه،

ثم يُرَدُّ إلى مأمنه) لقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}

(1)

قال الأوزاعي: هي إلى يوم القيامة

(2)

.

(وإذا أمَّنه) مَن يصح أمانه (سرى) الأمانُ (إلى ما معه

(3)

) أي: المُؤَمَّن (من أهلٍ ومالٍ، إلا أن يقول) مؤمِّنه: (أمَّنتك وحدك) ونحوه مما يقتضي تخصيصه بالأمان، فيختص به.

(ومن أُعطي أمانًا ليفتح حِصنًا، ففتحه) واشتبه (أو أسلم واحد

(1)

سورة التوبة، الآية:6.

(2)

المغني (13/ 79) وعزاه القرطبي في تفسيره (8/ 76) إلى الحسن ومجاهد.

(3)

في "ذ": "إلى من معه".

ص: 199

منهم) قبل الفتح (ثم ادَّعوه) أي: ادَّعى ذلك واحد منهم أنه الذي أُعطي الأمان، أو أنه الذي أسلم قبل (واشتبه علينا) الذي أمَّناه، أو كان أسلم (فيهم، حَرُمَ قتلُهم) نص عليه

(1)

؛ لأن كل واحد منهم يحتمل صدقه، واشتبه المباح بالمُحَرَّم فيما لا ضرورة إليه، فوجب تغليب التَّحريم، كما لو اشتبه زانٍ محصن بمعصومين.

(و) حرم (استرقاقهم) لأن استرقاق من لا يحل استرقاقه مُحرَّم. قال في "الفروع": ويتوجَّه مثله: لو نسي، أو اشتبه مَن لزمه قَوَدٌ فلا قَوَدَ، وفي الدية بقرعة الخلاف.

(وإن قال) كافر: (كُفّ عني حتى أدلُّك على كذا، فبعث معه قومًا ليدلهم فامتنع من الدلالة، فلهم ضَرْب عنقه) لأنه في معنى الأمان المعلَّق بشرط ولم يوجد شرطه.

(قال) الإمام (أحمد

(2)

: إذا لقي عِلْجًا، فطلب منه الأمان، فلا يؤمِّنه؛ لأنه يُخاف شره) وشرط الأمان أمْن شرّه.

(وإن كانوا سرية، فلهم أمانُه) لأمْنهم شره (وإن لقيت السرية أعلاجًا، فادعوا أنهم جاؤوا مستأمنين، قُبِلَ منهم إن لم يكن معهم سلاح) لأن ظاهر الحال قرينة تدلُّ على صدقهم.

(ويجوز عقده) أي: الأمان (لرسول ومستأمن) أي: طالب الأمان؛ لقول ابن مسعود: "جاء ابنُ النواحَة وابنُ أثَال رسُولا مسيْلِمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: أتشْهَدان أنِّي رسولُ الله؟ قالا: نشهد أنَّ مسَيْلمةَ رسولُ

(1)

مسائل أبي داود ص/ 250، ومسائل ابن هانئ (2/ 121) رقم 1700، 1701، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 359).

(2)

المغني (13/ 83).

ص: 200

الله. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: آمنْتُ باللهِ ورسوله، لو كْنتُ قَاتِلًا رسُولًا لقَتَلتُكما. قال عبد اللهِ: فمضَت السُّنَّةُ أن الرسُلَ لا تُقْتلُ" رواه أحمد

(1)

، ولأبي داود نحوه من حديث نُعيم بن مسعود

(1)

(1/ 391، 396). وأخرجه -أيضًا- النسائي في الكبرى (5/ 206) حديث 8676، والطيالسي ص/ 34، حديث 251، والبزار (5/ 142) حديث 1733، وأبو يعلى (9/ 31، 160، 170) حديث 5097، 5247، 5260، وابن الجارود (3/ 300) حديث 1046، والشاشي (2/ 182) حديث 747، 748، وابن حبان "الإحسان"(11/ 235) حديث 4878، والبيهقي (9/ 212) عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، به.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 314): رواه أحمد والبزار، وأبو يعلى مطولًا، وإسنادهم حسن.

وأخرجه أحمد (1/ 404)، والدارمي (2/ 153) حديث 2506، والطحاوي (3/ 211، 317) حديث 5110، 5447، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 298) حديث 2861، والخطيب في الأسماء المبهمة ص/ 186، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن ابن مُعيز السعدي، عن ابن مسعود به. أي: زاد إسناده رجلًا.

ورجَّح أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (1/ 303) والدارقطني في العلل (5/ 88) حديث 734 الوجه الأول.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 314): رواه أحمد، وأبو معيز لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وأخرجه أبو داود في الجهاد، باب 166، حديث 2762، وأحمد (1/ 384)، والبزار (5/ 189) حديث 1787، 1788، وأبو يعلى (5221)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 299) حديث 2862، والطبراني في الكبير (9/ 194) حديث 8957، 8958، عن حارثة بن مضرب، عن ابن مسعود، به.

قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 291): هذا إسناد صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (10/ 169) حديث 18708، وابن أبي شيبة (6/ 442)، والطبراني في الكبير (9/ 194) حديث 8956، والشاشي (3/ 182) حديث 746 عن قيس بن أبي حازم، عن ابن مسعود، به.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (16/ 261): رجاله رجال الصحيح.

ص: 201

الأشجعي

(1)

.

ولأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ إذ لو قُتِلَ لفاتت مصلحة المراسلة. قال فى "المبدع": فظاهره: جواز عقد الأمان لكل منهما؛ مطلقًا ومقيدًا؛ بمدة قصيرة وطويلة، بخلاف الهُدنة فإنها لا تجوز إلا مقيدة؛ لأن في جوازها مطلقًا تركًا للجهاد.

(ويقيمون مدة الهُدنة) أي: الأمان (بغبر جزية) نصَّ عليه

(2)

؛ لأنه كافر أبيح له المُقام في دارنا من غير التزام جزية، فلم تلزمه، كالنساء.

(ومن دخل مِنَّا) معاشر المسلمين (دارَهم) أي: الكفار (بأمان، حرمت عليه خيانتهم) لأنهم إنما أعطوه الأمان بشرط عدم خيانتهم، وإن لم يكن ذلك مذكورًا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى، ولا يصلح في ديننا الغدر.

(و) حرمت عليه (معاملتهم بالربا) لعموم الأخبار

(3)

.

(فإن خانهم) شيئًا (أو سرق منهم) شيئًا (أو اقترض) منهم (شيئًا،

(1)

أبو داود في الجهاد، باب 166، حديث 2761. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في العلل الكبير ص/ 381، حديث 715، وأحمد (3/ 487)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 24) حديث 1309، والطحاوي (3/ 318)، وفي شرح مشكل الآثار (7/ 301) حديث 2863، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 147)، والحاكم (2/ 143) و (3/ 52)، والبيهقي (9/ 211)، والمزي في تهذيب الكمال (29/ 492).

وحسَّنه البخاري فيما نقل عنه الترمذي في العلل، وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

(2)

الإنصاف (4/ 206).

(3)

منها: ما رواه مسلم في المساقاة، حديث 1598 عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء.

ص: 202

وجب ردّه إلى أربابه) فإن جاؤوا إلى دار الإسلام، أعطاه لهم، وإلا بعثه إليهم؛ لأنه مالُ معصومٍ بالنسبة إليه.

(ومن جاءنا منهم بأمان فخاننا، كان ناقضًا لأمانه) لمنافاة الخيانة له.

(ومن دخل) منهم (دارَ الإسلام بغير إذن، وادَّعى أنه رسول، أو تاجر، ومعه متاع يبيعه، قُبل منه إن صدَّقَتْه عادةٌ، كدخول تُجَّارِهم إلينا، ونحوه) لأن ما ادَّعاه ممكن، فيكون شُبهة في درء القتل؛ ولأنه يتعذَّر إقامة البينة على ذلك، فلا يُتعرَّض إليه، ولجريان العادة مجرى الشرط. (وإلا) بأن انتفت العادة، وجب بقاؤه على ما كان عليه من عدم العصمة، وكذا إن لم يكن معه تجارة، لم يُقبل منه إذا قال: جئت مستأمنًا؛ لأنه غير صادق، وحينئذ (فـ) ـيكون (كأسير) يُخيّر فيه الإمام بين قتل، ورِقّ، ومَنٍّ، وفداء.

(وإن كان جاسوسًا) وهو: صاحب سر الشر، وعكسه الناموس (فكأسير) يُخيَّر فيه الإمام، لقصده نكاية المسلمين.

(وإن كان ممن ضلَّ الطريق، أو حملته ريح في مركب إِلينا، أو شرد الينا بعض دوابهم، أو أبقَ بعض رقيقهم، فهو لمن أخذه غير مخمس) لأنه مباح ظهر عليه بغير قتال في دار الإسلام، فكان لآخذه كذلك، كالصيد.

(ولا يدخل أحدٌ منهم إلينا بلا إذن، ولو رسولًا وتاجرًا) أي: يحرم ذلك، كما في "المبدع".

(و‌

‌ينتقض الأمان بِرَدِّهِ، وبالخيانة)

لأنه لا يصلح في ديننا الغدر (وتقدم) في الباب.

ص: 203

(وإن أودع المستأمنُ مالَه مسلمًا، أو ذميًّا، أو أقرضه) المستأمن (إيَّاه) أي: ماله

(1)

(ثم عاد) المستأمن (إلى دار الحرب لتجارة، أو حاجة على عَزْم عَوْدِه إلينا، فهو على أمانه) لأنه لم يخرج عن نية الإقامة بدار الإسلام.

(وإن دخل إلى دار الحرب مستوطنًا، أو محاربًا، أو نقض ذِمِّيٌّ عهده -لحق بدار الحرب أم لا- انتقض عهده في نفسه، وبقي في ماله) لأنه لما دخل دار الإسلام بأمان ثبت لماله، فإذا بطل في نفسه بدخوله إليها، بقي في ماله الذي لم يدخل؛ لاختصاص المبطل بنفسه.

لا يقال: إذا بطل في المتبوع فالتابع كذلك؛ لأنه لم يثبت فيه تبعًا، وإنما ثبت فيهما جميعًا، فإذا بطل في أحدهما، بقي الآخر، ولو سُلِّم، فيجوز بقاء حكم التبع وإن زال في المتبوع، كولد أم الولد بعد موتها حكم الاستيلاد باقٍ له. ويأتي في آخر أحكام الذِّمة: أن مال الذِّمي إذا انتقض عهده فيءٌ. وفي "الإنصاف": أنه المذهب. انتهى.

قال في "المبدع": وظاهر كلام أحمد: أنه ينتقض في مال الذِّمي دون الحربي

(2)

. وصحَّحه في "المحرر"؛ لأن الأمان ثبت في مال الحربي بدخوله معه، فالأمان ثابت فيه على وجه الأصالة، كما لو بعثه مع وكيل أو مضارب، بخلاف مال الذِّمي، فإنه يثبت له تبعًا؛ لأنه مكتسب بعد عقد ذِمّته (فيبعث به) أي: بمال المعاهد، والذِّمِّي على الأول (إليه إن طلبه) لأنه مِلْكُهُ.

(وإن تصرَّف) المستأمن، أو الذِّمِّي بعد نقضه العهد (ببيع، أو

(1)

فى "ح": "من ماله".

(2)

في "ذ": "دون مال الحربي".

ص: 204

هِبة، أو نحوهما) كشركة وإجارة (صحَّ تصرُّفه) لبقاء ملكه عليه.

(وإن مات، فلوارثه) كسائر أملاكه، واختلاف الدارين ليس بمانع، كما يأتي في كتاب الفرائض.

(فإن عدم) وارثه (فـ) ـهو (فيْءٌ) لأنه مال كافر لا مستحق له، كما لو مات بدارنا.

(وإن كان المال معه) أي: مع من لَحِقَ بدار الحرب مستوطنًا، أو محاربًا (انتقض الأمان فيه) أي: في المال (كـ) ـما ينتقض الأمان في (نفسه) لوجود المبطل فيهما.

(وإن أُسر المستأمن، واسترق، وقف ماله، فإن عَتَق، أخذه) لأنه مال لمالك لم يوجد فيه سبب الانتقال، فيوقف حتى يتحقَّق السبب.

(وإن مات قِنًّا، فَفَيْءٌ) لأن الرقيق لا يورث. وإن لم يسترق بل مَنَّ عليه الإمامُ أو فُودِيَ بمال، فماله له، وإن قتله، فماله لورثته.

(وإن أخد مسلمٌ من حربي في دار الحرب مالًا مضاربة، أو وديعة، ودخل به دار الإسلام، فهو) أي: المال (في أمان) بمقتضى العقد المذكور.

(وإن أخذه) أي: أخذ المسلم مال حربي في دار الحرب (ببيع في الذِّمَّة، أو قَرْض، فالثمن في ذِمَّته) بمقتضى العقد (عليه أداؤه إليه) لعموم: "أدِّ الأمانَةَ إلى مَن ائْتَمَنَكَ"

(1)

.

(1)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 360)، وأبو داود في البيوع، باب 81، حديث 3535، والترمذي في البيوع، باب 38، حديث 1264، والدارمي في البيوع، باب 57، حديث 2597، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5/ 91) حديث 1831، 1832، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص/ 30، =

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والطبراني في الأوسط (4/ 363) حديث 3619، والدارقطني (3/ 35)، والحاكم (2/ 46)، وتمام في فوائده (1/ 244) حديث 593، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 269)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 432) حديث 742، والبيهقي (10/ 271)، وفي شعب الإيمان (4/ 319) حديث 5252، وابن عساكر في تاريخه (14/ 310)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 592) حديث 973.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 375): حديث منكر.

وضعفه ابن حزم في المحلَّى (8/ 181)، وابنُ القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 304، 534)، والحافظ ابن حجر في التلخيص الكبير (3/ 97).

ب - أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 261) حديث 760، وفي الصغير (1/ 171)، وفي مسند الشاميين (2/ 251) حديث 1284، وابن عدي (1/ 354)، والدارقطني (3/ 35)، والحاكم (2/ 46)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 132)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 433) حديث 743، وابن عساكر في تاريخه (29/ 165)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 592) حديث 974، والضياء في المختارة (7/ 281) حديث 2738.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 145): رواه الطبراني في الكبير والصغير، ورجال الكبير ثقات. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 97): فيه أيوب بن سويد مختلف فيه.

ج - أبي بن كعب رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (3/ 53)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 593) حديث 975.

قال الحافظ في التلخيص الكبير (3/ 97): في إسناده من لا يُعرف.

د - رجل من الصحابة رضي الله عنه: أخرجه أبو داود في البيوع، باب 78، حديث 3534، وأحمد (3/ 414)، والبيهقي (10/ 270).

ضعَّفه ابن حزم في المحلَّى (8/ 181)، وقال البيهقي: هذا الحديث في حكم المنقطع حيث لم يذكر يوسف بن ماهك اسم من حدَّثه ولا اسم من حدَّث عنه من حدثه. =

ص: 206

و‌

‌إن اقترض حربيٌّ من حربيٍّ مالًا، ثم دخل إلينا فأسلم، فعليه رد البدل)

لاستقراره في ذِمّته (كما لو تزوَّج حربيَّة ثم أسلم، لزمه رَدُّ مهرها) إليها إن كان دخل بها.

(وإذا سرق المستأمن في دارنا، أو قَتَل أوْ غَصب) أو لزمه مال بأي وجه كان (ثم عاد إلى دار الحرب، ثم خرج مستأمنًا مرة ثانية، استُوفي منه ما لزمه في أمانه الأول) لاستقراره عليه، وعدم ما يسقطه.

(وإن اشترى) المستأمن (عبدًا مسلمًا، فخرج به إلى دار الحرب، ثم قُدِرَ عليه) أي: العبد (لم يُغنم؛ لأنه لم يثبت ملكه عليه؛ لكون الشراء باطلًا) فلا يترتب عليه أثره من انتقال الملك (ويُرد) العبد (إلى بائعه، ويَردُّ بائعه الثمن إلى الحربي) إن كان باقيًا، وبدله إن كان تالفًا؛ لأنه مقبوض بعقد فاسد (فإن كان العبد تالفًا، فعلى الحربي قيمته) فرَّط فيه أو

= وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 97): فيه هذا المجهول، وقد صححه ابن السكن.

هـ - أبو أمامة رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 127) حديث 7580، وفي مسند الشاميين (4/ 316) حديث 3414. وأورده البيهقي (10/ 271) وقال: هذا ضعيف؛ لأن مكحولًا لم يسمع من أبي أمامة شيئًا، وأبو حفص الدمشقي هذا مجهول.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 145): رواد الطبراني في الكبير، وفيه: يحيى بن عثمان بن صالح المصري [وهو شيخ الطبراني] قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه.

و - الحسن مرسلًا: أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 226)، والطبري في تفسيره (5/ 146)، وأورده البيهقي (10/ 271) وقال: وهذا منقطع.

وقال الشافعي في الأم (5/ 104): ليس هذا بثابت عند أهل الحديث.

وقال الإمام أحمد كما في خلاصة البدر المنير (2/ 150): هذا حديث باطل لا أعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح اهـ. وقال ابن الجوزي: هذا الحديث من جميع طرقه لا يصح وقال ابن الملقن: له طرق ستة كلها ضعاف.

ص: 207

لم يُفرِّط؛ لأن فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه، كما يأتي.

(ويترادَّان) أي: البائع والمشتري (الفضل) أي: الزائد، فيسقط من الأكثر بقدر الأقل، ويرجع ربّ الزائد به إن كان.

(وإذا دخلت الحربيَّة) دار الإسلام (بأمان، فتزوَّجت ذميًّا في دارنا، ثم أرادت الرجوع، لم تُمنع إذا رضي زوجها، أو فارقها) قلت: وانقضت عدتها، على ما يأتي في العِدد.

(وإن أسر كُفّارٌ مسلمًا فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة أو أبدًا، لزمه الوفاء) لهم، نص عليه

(1)

؛ لقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}

(2)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلِمُونَ عند

(3)

شُروطِهم"

(4)

. فليس له أن يهرب.

(قال الشيخ

(5)

: ما ينبغي له أن يدخل معهم في التزام الإقامة أبدًا؛ لأن الهجرة واجبة عليه. انتهى). أي: حيث عَجَز عن إظهار دينه، وإلا؛ فهي مستحبّة، وتقدم.

(وإن) أطلقوه و (لم يشترطوا شيئًا، أو شرطوا كَوْنَهُ رقيقًا، ولم يؤمِّنوه، فله أن يقتل ويسرق ويهرب) نص عليه

(6)

؛ لأنه لم يصدر منه ما يثبت به الأمان؛ لأن الإطلاق من الوثاق لا يكون أمانًا، والرِّق حكم

(1)

الإرشاد ص/ 403.

(2)

سورة النحل، الآية:91.

(3)

في "ح": "على". وهو الموافق لرواية أبي داود والدارقطني والحاكم والبيهقي، والمثبت هو الموافق لرواية البخاري.

(4)

تقدم تخريجه (7/ 107)، تعليق رقم (3).

(5)

انظر: الإنصاف (4/ 209).

(6)

انظر: مسائل عبد الله (2/ 838) رقم 1118، ومسائل صالح (2/ 471) رقم 1181، ومسائل أبي داود ص/ 248، والورع ص/ 151.

ص: 208

شرعي لا يثبت عليه بقول، لكن قال أحمد

(1)

: إذا أطلقوه فقد أمَّنوه.

(وإن أحلفوه على ذلك) أي: على كونه رقيقًا (وكان مكرهًا) على الحلف (لم تنعقد يمينه) لفوات شرطها، وهو الاختيار.

(وإن أمَّنوه، فله الهرب فقط)، أي: لا الخيانة، ويَرُدُّ ما أخذ منهم؛ لأنهم صاروا بأمانه في أمان منه، فإذا خالف فهو غادر.

(ويلزمه المضي إلى دار الإسلام، إن أمكنه) أي: حيث عَجَز عن إظهار دِينه؛ لوجوب الهجرة إذًا، وإلا؛ سُنَّ له ذلك.

(وإن تعذَّر عليه) المضيُّ إلى دار الإسلام (أقام) حتى يَقْدِر عليه؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(2)

(وكان حكمه حكم من أسلم في دار الحرب) في أداء الفرائض، والاجتهاد لأوقاتها، على ما سبق.

(فإن خرج) الأسير بعد أن أطلقوه وأمَّنوه (وتبعوه فأدركوه، قاتلهم، وبطل الأمان) بقتالهم إيَّاه.

(وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالًا باختياره، فإن عَجَز عاد إليهم، لزمه الوفاء) نص عليه

(3)

؛ لأن في الوفاء مصلحةً للأسارى، وفي الغدر مفسدةً في حقهم؛ لكونهم لا يؤمِّنون

(4)

بعده، والحاجة داعية إليه (إلا أن تكون امرأة، فلا ترجع) إليهم؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى

(1)

مسائل أبي داود ص/ 248.

(2)

سورة البقرة، الآية:286.

(3)

مسائل أبي داود ص/ 249، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 375)، والإرشاد ص/403.

(4)

في "ذ": "لا يأمنون".

ص: 209

الْكُفَّارِ}

(1)

ولأن في رجوعها تسليطًا لهم على وطئها حرامًا.

(و‌

‌يجوز نبذ الأمان إليهم، إن تُوُقِّع شرّهم)

لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}

(2)

.

(وإذا أُمِّنَ العدوُّ في دار الإسلام إلى مدة) معلومة (صح) أمانه بشرطه السابق (فإذا بلغها واختار البقاء في دارنا أدَّى الجزية) إن كان ممن تعقد له الذِّمة.

(وإن لم يختر) البقاء في دار الإسلام، أو كان ممن لا تقبل منه الجزية (فهو على أمانه حتى يخرج إلى مأمنه) أي: حتى يفارق المحلَّ الذي أمَّنَّاه فيه؛ لبقاء أمانه.

(1)

سورة الممتحنة، الآية:10.

(2)

سورة الأنفال، الآية:58.

ص: 210

‌باب الهدنة

(وهي) لغةً: السكون.

وشرعًا: (العقد على تَرْك القتال مدةً معلومة) بقَدْر الحاجة، فإن زادت، بطلت في الزيادة فقط.

والأصل فيها قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}

(1)

، ومن السُّنة ما روى مروان بن الحكم والمِسْور بن مخرَمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح قريشًا على وَضع القتال عشر سنين

(2)

، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأنه قد يكون بالمسلمين ضَعْف، فيهادنهم حتى يقووا.

(بِعِوَض) منهم أو مِنَّا عند الضرورة، كما يأتي (وبغير عِوض) بحسب المصلحة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

(وتُسمَّى مُهادنة وموادعة) من: الدعة، وهي الترك. (ومعاهَدة) من العهد، بمعنى الأمان (ومُسالمَة) من السلم، بمعنى الصلح.

(ولا يصح عَقدُها إلا من إمام أو نائبه) لأنه يتعلَّق بنظر واجتهاد، وليس غيرهما محلًّا لذلك؛ لعدم ولايته، ولو جُوِّز ذلك للآحاد، لزم تعطيل الجهاد.

(ويكون العقد) أي: عقد الهُدنة (لازمًا) لا يبطل بموت الإمام، أو نائبه، ولا عزله، بل يلزم الثاني إمضاؤه؛ لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، ويستمرُّ ما لم ينقضه الكفار بقتال أو غيره.

(1)

سورة الأنفال، الآية:61.

(2)

تقدم تخريجه (7/ 15)، تعليق رقم (2).

(3)

المتقدم آنفًا.

ص: 211

(ويلزمه) أي: الإمام أو نائبه (الوفاء بها) أي: بالهُدنة؛ للزومها (فإن هادنهم) أي: الكفار (غيرهما) أي: غير الإمام أو نائبه (لم تصح) الهُدنة.

(و‌

‌لا تصح) الهُدنة (إلا حيث جاز تأخير الجهاد)

لمصلحة (فمتى رأى) الإمام أو نائبه (المصلحةَ في عَقْدِها؛ لضعف المسلمين عن القتال، أو لمشقَّة الغزو، أو لطمعه في إسلامهم، أو في أدائهم الجزية، أو غير ذلك) من المصالح (جاز) له عقدها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "هادن قُرَيشًا"

(1)

.

لكن قوله: "لطمعه في إسلامهم" رواية قطع بها في "شرح المنتهى" وغيره. والثانية: لا يجوز عَقْدها لذلك، ومقتضى كلامه في "الإنصاف" أنها الصحيحة؛ لأنه صحَّح أنه لا يجوز عَقْدها إلا حيث يجوز تأخير الجهاد، كما هو صَدْر عبارة المصنف، وقد تقدم

(2)

أنه لا يجوز تأخير الجهاد لذلك على الصحيح.

ويجوز عَقْد الهُدنة عند المصلحة (ولو بمال منَّا ضرورةً) مثل أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر؛ لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال، فكذا هنا. وجاز تحمُّلُ صَغَارِ دَفْعِهِ؛ لدَفع صَغَارٍ أعظم منه، وهو القتل، أو الأسر وسَبْي الذرية المفضي إلى كفرهم.

وقد روى عبد الرزاق في المغازي عن الزُّهري قال: "أرسل رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عُيينةَ بن حصنِ وهو مع أبي سُفْيان -يعني يومَ الأحزاب- أرَأيْت إن جعلْتُ لَك ثلثَ ثمرِ الأنصارِ أترجع بمَن معكَ مِن غَطفانَ أو تخذلُ بين الأحزاب؟ فأرسلَ إليهِ عييْنَة: إنْ جعلْتَ

(1)

تقدم تخريجه (7/ 15)، تعليق رقم (2).

(2)

(7/ 15).

ص: 212

الشطْرَ

(1)

فَعَلْتُ"

(2)

، ولولا أن ذلك جائز، لما بذله النبي صلى الله عليه وسلم.

(مدةً معلومةً) لأن ما وجب تقديره، وجب أن يكون معلومًا كخيار الشرط (ولو فوق عشر سنين) لأنها تجوز في أقل من عشر، فجازت في

(1)

في "ح": "لي الشطر". وهو الموافق للرواية.

(2)

عبد الرزاق (5/ 367) حديث 9737، وفي تفسيره (1/ 84). وأخرجه -أيضًا- ابن هشام في السيرة (3/ 223)، وأبو عبيد في الأموال ص / 210، رقم 445، وابن سعد (2/ 73)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 430) من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا. وأخرج الدولابي في الكنى (2/ 46)، ونحوه البزار "كشف الأستار"(2/ 331) حديث 1803، والطبراني في الكبير (6/ 28) حديث 5409، وابن عساكر في تاريخه (12/ 412) من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء الحارث الغطفاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ناصفنا تمر المدينة، وإلا ملأناها عليك رجالًا، قال:"حتى أستأمر السُعُود" فبعث إلى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن الربيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود فقال لهم:"إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وأن الحارث يسألكم أن تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوا له عامكم هذا حتى تنظروا في أمركم بعد، قالوا: يا رسول الله، أوحيٌ من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك، فرأينا تبعٌ لهواك ورأيك؟ فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منا تمرة إلا بشرىً أو قِرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُوَ ذَا تَسْمَعُون ما يقُولونَ" قالوا: غدرت يا محمد، فقال حسان بن ثابت رحمه الله:

يا حَارِ مَنْ يَغدُرْ بذمَّةِ جَارِهِ

أبدًا فإنَّ مُحمَّدًا لا يَغْدُرُ

وأمَانةُ المَرْءِ حَيثُ لَقِيتَهَا

كَسْرُ الزُّجَاجَةِ صَدْعُهَا لا يُجْبَرُ

إنْ تَغدُرُوا فالغَدْرُ من عَاداتِكُمْ

واللُّؤمُ يَنْبُتُ في أصوُلِ السَّخْبَر

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 133): وفيه محمد بن عمرو، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات.

ص: 213

أكثر منها كمدة الإجارة؛ ولأنه إنما جاز عقدها للمصلحة، فحيث وُجِدت جازت؛ تحصيلًا للمصلحة.

(وإن هادنهم مطلقًا) بأن لم يقيد بمدة، لم يصحَّ؛ لأن الإطلاق يقتضي التأبيد، وذلك يفضي إلى تَرْك الجهاد بالكلية وهو غير جائز.

(أو) هادنهم (مُعلِّقًا بمشيئة، كما: شئنا، أو شِئتم، أو شاء فلان، أو: ما أقركم الله، لم يصح) كالإجارة، ولجهالة المدة.

(وإن نقضوا) أي: المهادنون (العهدَ بقتال، أو مظاهرة) أي: معاونة عدوِّنا علينا (أو قَتْل مسلم، أو أخذ مال، انتقض عهدُهم، وحلَّت دماؤهم وأموالهم، وسَبْي ذراريهم) لأنه صلى الله عليه وسلم "قَتَلَ رجال بني قرَيظة حين نَقَضُوا عَهْدَهُ، وسَبى ذَراريهم، وأخذَ أموالهم"

(1)

، ولما هادن قريشًا فنقضوا عهده، حلَّ له منهم ما كان حرم عليه منهم

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري في المغازي، باب 30، حديث 4122، ومسلم في الجهاد، حديث 1769، عن عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه -أيضًا- البخاري في الجهاد والسير، باب 168، حديث 3043، وفي مناقب الأنصار، باب 12، حديث 3804، وفي المغازي، باب 30، حديث 4121، وفي الاستئذان، باب 26، حديث 6262، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1768، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

(2)

أخرجه البيهقي (9/ 233)، وفي دلائل النبوة (5/ 5) من طريق محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة (14/ 480)، والطحاوي (3/ 291، 312) عن عكرمة، مرسلًا.

وأخرجه البزار "كشف الأستار"(2/ 342) حديث 1817، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مختصرًا. =

ص: 214

(وإن نقض بعضُهم) العهدَ (دون بعض، فسَكَتَ باقيهم عن الناقض) للعهد (ولم يوجد منهم إنكار) على الناقض (ولا مراسلة الإمام) في شأنه (ولا تبرّؤٌ) منه (فالكُلُّ ناقضون) للعهد، لرضاهم بفعل أولئك، وإقرارهم لهم.

(وإن أنكر من لم ينقض على الباقين) أي: الناقضين (بقول أو فعل ظاهر، أو اعتزال) بأن اعتزلوا الناقضين (أو راسل الإمامَ: بأني مُنكِرٌ لما فعله الناقض، مقيمٌ على العهد، لم ينتقض في حقِّه) أي: حق من أنكر وفَعَلَ ما سبق؛ لعدم ما يقتضي نقضه منه (ويأمره الإمام بالتمييز، ليأخذ الناقض وحده) لنقضه عهده.

(فإن امتنع من التمييز، لم ينتقض عهده) أي: عهد المُنكِر؛ لما فعله الناقض.

وفي "الشرح": فإن امتنع من التمييز

(1)

أو إسلام الناقض، صار ناقضًا؛ لأنه مَنَعَ من أخذ الناقض، فصار بمنزلته، وإن لم يمكنه التمييز (

(1)

)، لم ينتقض عهده؛ لأنه كالأسير.

وفي "الإنصاف" في آخر أحكام الذِّمة: وكذا -أي: في نقض العهد- من لم ينكر عليهم، أو لم يعتزلهم، أو لم يعلم بهم الإمام.

وفي "المنتهى" و"شرحه": فإن أَبَوهما أي: التسليمَ والتمييز حال كونهم قادرين على واحد منهما، انتقض عَهْد الكل بذلك.

(فإن أسر الإمام منهم) أي: ممن وقع النقض من بعضهم (قومًا،

= قال الحافظ في الفتح (7/ 520): وهو إسناد حسن موصول.

وأخرجه ابن أبي شيبة (14/ 473) عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن خاطب، مرسلًا. وانظر: الفتح (7/ 520).

(1)

كذا في الأصل، وفي "الشرح" (10/ 377):"التميُّز".

ص: 215

فادَّعى الأسير أنه لم ينقض) العهد (وأشكل ذلك عليه) أي: الإمام (قبل قول الأسير) لأنه لا يتوصل إلى ذلك إلا منهم.

(وإن شَرط) العاقد للهُدنة (فيها شرطًا فاسدًا كنقضها متى شاء، أو ردِّ النساء المسلمات) إليهم، بطل الشرط فقط؛ لمنافاته لمقتضى العقد، ولقوله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}

(1)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله قد منَع الصُّلْحَ في النِّساءِ"

(2)

، ولأنه لا يؤمن أن تُفتن في دينها، ولا يمكنها أن تَفِرَّ (أو) ردِّ (صَدَاقهن) بطل الشرط؛ لمنافاته مقتضى العقد. وأما قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}

(3)

فقال قتادة: نُسِخ

(4)

. وقال عطاء والزهري والثوري

(5)

: لا يُعمل بها اليوم، إنما نزلت في قضية الحُديبية حين كان النبي صلى الله عليه وسلم شَرط ردَّ من جاءه مسلمًا (أو ردِّ صبيٍّ عاقل) لأنه بمنزلة المرأة في ضعف العقل والعجز عن التخلّص والهرب. (أو ردِّ الرجال) المسلمين (مع عدم الحاجة إليه، أو ردِّ سلاحهم، أو إعطائهم شيئًا من سلاحنا، أو من آلات الحرب، أو شرطَ لهم مالًا) مِنَّا (في موضع لا يجوز بذله، أو إدخالهم الحرم، بطل الشَّرْطُ) في الكل؛ لمنافاته

(1)

سورة الممتحنة، الآية:10.

(2)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، ومعناه في صحيح البخاري في الشروط، باب 1، حديث 2711 - 2712، وفي المغازي، باب 35، حديث 4180 - 4181، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما كاتب سهيل بن عمرو

(3)

سورة الممتحنة، الآية:10.

(4)

أورده النحَّاس في الناسخ والمنسوخ (3/ 118)، والقرطبي في تفسيره (18/ 69)، والسيوطي في الدر المنثور (6/ 207) ونسبه إلى عبد بن حميد، وأبي داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر.

(5)

أورده النحاس في الناسخ والمنسوخ (3/ 118)، والقرطبي في تفسيره (18/ 69).

ص: 216

مقتضى العقد، ولقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}

(1)

(فقط) أي: دون العقد فيصح، وكذا عَقْد الذِّمة؛ كالشروط الفاسدة في البيع.

لكن في "المغني" و"الشرح": إذا شرط أن لكلِّ واحد نقضها متى شاء، فإنه ينبغي أن لا تصح وجهًا واحدًا؛ لأن طائفة الكفار يبنون على هذا الشرط، فلا يحصُل الأمن من الجهتين، فيفوت معنى الهُدنة.

(فلا يجب الوفاءُ به) أي: بالشرط الفاسد (ولا يجوز) الوفاء به؛ لما تقدم.

(وأما الطفل الذي لا يصحُّ إسلامه) وهو من دون التمييز (فيجوز شَرْطُ ردِّه) لأنه ليس بمسلم شرعًا.

(ومتى رقع العقد) للهُدنة (باطلًا فدخل ناسٌ من الكفار) العاقدين له (دارَ الإسلام معتقدين الأمان، كانوا آمنين ويُردُّون إلى دار الحرب، ولا يُقرُّون في دار الإسلام) لبطلان الأمان.

(وإن شَرَطَ ردَّ من جاء من الرجال مسلمًا، جاز لحاجة) لأنه صلى الله عليه وسلم فَعَل ذلك في صلح الحديبية

(2)

.

قال في "المبدع": وظاهره: وإن لم تكن له عشيرة تحميه، فإن لم تكن حاجة كظهور

(3)

المسلمين وقوتهم، فلا يصحُّ اشتراطه.

(فلا يمنعهم) أي: الكفارَ الإمامُ (أخْذَه) أي: أخْذ الرجل الذي جاء منهم مسلمًا (ولا يجبره

(4)

على ذلك) أي: على العود معهم؛ لأن أبا

(1)

سورة التوبة، الآية:28.

(2)

تقدم تخريجه (7/ 15)، تعليق رقم (2).

(3)

في "ذ": "لظهور".

(4)

في "ح": "ولا يجبر".

ص: 217

بَصير جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد صُلْحِ الحُديبية؛ فجاؤوا في طلبه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إنا لا يصْلُحُ في ديننا الغَدْرُ، وقد علمْتَ ما عاهدناهم عليه، ولعلَّ الله أن يَجْعَلَ لكَ فرَجًا ومَخْرجًا" فرجع مع الرجُلين فَقَتَل أحَدهُما، ورَجَعَ فلمْ يَلُمْهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

(وله) أي: للإمام (أن يأمره سرًّا بقتالهم وبالهَرَب منهم) لأنه رجوع إلى باطل، فكان له الأمرُ بعدمه، كالمرأة إذا سمعت طلاقَها وفي "الترغيب": يُعرِّض له أن لا يرجع.

(وله) أي: لمن جاءنا مسلمًا منهم (ولمن أسلم معه أن يتحيَّزوا ناحية، ويقتلوا مَن قدروا عليه من الكفار، ويأخذوا أموالهم ولا يدخلون في الصُّلح.

فإن ضمَّهم الإمامُ إليه بإذن الكفار، دخلوا في الصُّلْح) وحَرُمَ عليهم قتال الكفار، وأخذ أموالهم؛ لأن أبا بَصير لما رجع إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله، قد أوفى الله ذِمَّتك، قد رددتني إليهم وأنجاني الله منهم، فلم يُنكِرْ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولم يَلُمْهُ، بل قال:"ويلُ أُمِّهِ؛ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لو كان معهُ رجالٌ"، فلما سَمِعَ بذلك أبو بَصير لَحِقَ بساحلِ البحرِ، وانحاز إليه أبو جَندل بن سُهَيلٍ ومن معه من المستضعفين بمكةَ، فجعلُوا لا تمرُّ عليهم عيرٌ لقرَيش إلا عَرَضوا لها، وأخَذُوها وقَتلُوا من معها، فأرسَلَتْ قرَيشٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُناشِدُهُ الله والرَّحِمَ أن يضمَّهُم إليهِ،

(1)

أورده ابن هشام في السيرة (2/ 323)، وأخرجه بنحوه البيهقي (9/ 227) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن مروان بن الحكم والمِسور بن مخرمة في قصة الحديبية.

وأصله عند البخاري في الشروط، باب 15، حديث 2731، 2732 عن مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما، في حديث صلح الحديبية الطويل.

ص: 218

ولا يردَّ إليهم أحدًا جاءه، ففَعلَ" رواه البخاري مختصرًا

(1)

.

(وإذا عقدها) أي: عقد الإمامُ الهُدنة (من غير شَرْط، لم يَجز لنا ردُّ من جاءنا مسلمًا أو بأمان، حرًّا كان أو عبدًا، رجلًا أو امرأة) لأنه ردٌّ لهم إلى باطل.

(و‌

‌لا يجب رَدُّ مهرِ المرأة)

إليهم؛ لأنها استحقته بما نِيل منها، فلا يُرَدُّ لغيرها.

(وإذا طلبت امرأةٌ) مسلمة (أو صبية مسلمة الخروجَ من عند الكفار، جاز لكلِّ مسلم إخراجُها) لما رُوي "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرَجَ من مَكَّةَ، وقفَت ابنَةُ حمزةَ على الطريقِ، فلمَّا مرَّ بها عَليٌّ، قالت: يا ابن عمي

(2)

إلى مَنْ تدَعُني؟ فتناولها فدَفَعها إلى فاطمة حتى قَدِموا بها المدينة"

(3)

.

(وإن هرب منهم) أي: المهادنين (عبدٌ أسلمَ، لم يُردَّ إليهم، وهو حُر) لأنه ملك نفسه بإسلامه {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}

(4)

.

(ويَضمنون) أي: أهل الهُدنة (ما أتلفوه لمسلمٍ) من مال (ويُحَدُّون لقذفه، ويُقادون لقتله، ويُقطعون بسرقة ماله) لأن الهُدنة تقتضي أمان المسلمين منهم، وأمانهم من المسلمين في النفس والمال والعِرض، فلزمهم ما يجب في ذلك (ولا يُحدُّون لحقّ الله تعالى) لأنهم ليسوا بملتزمين أحكامنا.

(1)

في الشروط، باب 15، حديث 2731 - 2732.

(2)

كذا في الأصول، وفي صحيح البخاري:"يا عمِّ، يا عمِّ".

(3)

أخرجه البخاري في الصلح، باب 6، حديث 2699، وفي المغازي، باب 44، حديث 4251، عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

(4)

سورة النساء، الآية:141.

ص: 219

فصل

(و) يجب (على الإمام حماية من هادنه من المسلمين وأهل الذِّمة) لأنه أمَّنهم ممن هو في يده وتحت قبضته، فلو أتلف أحد من المسلمين أو أهل الذِّمة عليهم شيئًا، فعليه ضمانه (دون غيرهم، كأهل حربٍ) فلا يلزم الإمام حمايتهم منهم، ولا حماية بعضهم من بعض؛ لأن الهُدنة التزام الكفِّ عنهم فقط (فلو أخذهم) أي: المهادنين غير المسلمين، وأهل الذِّمة (أو) أخذ (مالهم غيرهما حَرُم أخذنا ذلك) بشراء أو غيره؛ لأنهم في عهدنا.

(و‌

‌إن سباهم كفارٌ آخرون، أو سَبَى بعضُهم بعضًا، لم يجز لنا شراؤهم)

لأن الأمان يقتضي رفع الأذى عنهم، وفي استرقاقهم أذًى لهم بالإذلال بالرِّق، فلم يجز؛ كسبيهم، والواحد كالكل، ولا يلزم الإمام استنقاذهم.

(وإن سَبَى بعضُهم ولد بعض وباعه، صَحَّ) كبيع حربي ولده (ولنا شراء ولدهم وأهليهم) منهم، أو ممن سباهم (كحربي باع أهله وأولاده) بخلاف الذِّمي، وقد ذكرت كلام ابن نصر الله -وأن ذلك ليس ببيع حقيقة؛ لأنهم ليسوا أرقاء قبلُ، وإنما يصيرون أرقاء بالاستيلاء عليهم كالسَّبي - في "حاشية المنتهى".

(وإن خاف) الإمام (نَقْضَ العهدِ منهم بأمارة تدلُّ عليه، جاز نبذُه إليهم بخلاف ذِمَّةٍ) فيقول لهم: قد نبذتُ عهدكم

(1)

وصرتم حربًا؛ لقوله تعالى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيهِمْ عَلَى

(1)

في "ح" زيادة: "عليكم".

ص: 220

سَوَاءٍ}

(1)

أي: أعلمهم بنقض العهد، حتى تصير أنت وهم سواء في العلم (فَيُعْلِمهم بنقض عهدهم وجوبًا قبل الإغارة) عليهم (والقتال) للآية.

(ومتى نقضها) أي: نقض الإمام الهُدنة (وفي دارنا منهم أحدٌ، وَجَبَ ردُّهم إلى مأمنهم) لأنهم دخلوا بأمان، فوجب أن يردوا آمنين.

(و‌

‌إن كان عليهم حق استُوفيَ منهم)

كغيرهم للعمومات، (و‌

‌ينتقض عهد نسائـ) ـهم (وذريتـ) ـهم (بنقض عهد رجالهم تبعًا)

لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم قتلَ رجال بني قريظَةَ، حين نقَضُوا عهدَهُ، وسَبَى ذراريهم، وأخَذَ أموالهم

(2)

. ولما هادن قريشًا فنقضوا عهده، حلَّ له منهم ما كان حَرُم عليه منهم

(3)

.

(و‌

‌يجوز قَتْلُ رهائنهم إذا قتلوا رهائننا،

ومتى مات إمام، أو عُزل، لزم مَن بَعده الوفاءُ) بعقد الهُدنة للزومه كما تقدم.

(1)

سورة الأنفال، الآية:58.

(2)

تقدم تخريجه (7/ 214)، تعليق رقم (1).

(3)

تقدم تخريجه (7/ 214)، تعليق رقم (2).

ص: 221

‌باب عقد الذمة

(1)

قال أبو عبيد

(2)

: الذمة الأمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يَسْعَى بذمَّتِهمْ أدناهم"

(3)

.

والذِّمة: الضمان والعهد، وهي فِعلة من أَذمَّ يذمُّ، إذا جعل له عهدًا.

ومعى عقدِ الذِّمة: إقرارُ بعض الكفار على كفره، بشرط بَذْلِ الجِزية، والتزامِ أحكام المِلَّة.

(لا يصح عقدُها إلا من إمام أو نائبه) لأن ذلك يتعلق بنظر الإمام، وما يراه من المصلحة، ولأنه عقد مؤبَّد، فلا يجوز أن يُفتات به على الإمام.

(ويحرم) عقد الذِّمة (من غيرهما) أي: غير الإمام ونائبه؛ لأنه افتيات على الإمام.

(ويجب عقدُها إذا اجتمعتِ الشروطُ) السابق ذكرها، وتأتي أيضًا (ما لم يخف غائلةً منهم) أي: غدرًا بتمكنهم

(4)

من الإقامة بدار الإسلام،

(1)

في "ح": "عقد أهل الذِّمة".

(2)

انظر: غريب الحديث (2/ 103).

(3)

أخرجه النسائي في القسامة، باب 13، حديث 4759 بهذا اللفظ عن علي رضي الله عنه.

وهو عند البخاري في الفرائض، باب 21، حديث 6755، في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 6، حديث 7300، ومسلم في الحج، حديث 1370 بلفظ:"ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم".

(4)

في "ح" و"ذ": "بتمكينهم".

ص: 222

فلا يجوز عقدُها؛ لما فيه من الضرر علينا.

(وصفةُ عقدِها: أقررتكم بجزيةٍ واستسلام) أي: انقياد والتزام لأحكامِ الإسلامِ (أو يبذلون ذلك فيقول: أقررتكم على ذلك، ونحوهما) أي: نحو هاتين الصيغتين؛ كقوله: عاهدتكم على أن تقيموا بدارنا بجزية والتزامِ حكمنا، ولا يُعتبر ذِكرُ قَدْرِ الجِزيةِ في العقد.

(فالجِزية) مأخوذة من الجزاء (مال يؤخذ منهم على وجه الصَّغار) بفتح الصاد المهملة، أي: الذِّلة والامتهان (كلَّ عامٍ، بدلًا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا) فإنهم لو لم يبذلوها، لم يكفَّ عنهم.

(ولا يجوز عَقدُ الذِّمة المؤبَّدة إلا بشرطين؛ أحدهما: التزام إعطاء الجِزية كلَّ حولٍ، والثاني: التزام أحكام الإسلام؛ وهو قَبول ما يحكم به عليهم من أداء حقٍّ، أو ترك محرَّم) فإن عقد على غير هذين الشرطين، لم يصح؛ لقوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

(1)

.

قيل: الصَّغار جريان أحكام المسلمين عليهم

(2)

.

(ولا يجوز عقدها إلا لأهل الكتابين) التوراة والإنجيل، وهم اليهود والنصارى، (ولمن وافقهم)

(3)

أي: اليهود والنصارى (في التدين بالتوراة والإنجيل، كالسَّامرة) قبيلة من بني إسرائيل نُسب إليهم السَّامري، ويُقال لهم في زمننا: سَمَرَة، بوزن شجرة، وهم طائفة من اليهود يتشدَّدون في دينهم، ويخالفونهم في بعض الفروع (والفرنج) وهم الروم، ويقال لهم: بنو الأصفر، والأشبه أنها مولَّدة نسبةٌ إلى فَرَنْجة بفتح

(1)

سورة التوبة، الآية:29.

(2)

قاله الشافعي، انظر أحكام القرآن للشافعي (2/ 59)، وتفسير البغوي (2/ 282)، وتفسير الماوردي (2/ 352).

(3)

في "ذ": "وافقهما".

ص: 223

أوله وثانيه، وسكون ثالثه، وهي جزيرة من جزائر البحر، والنسبة إليها فرنجي، ثم حذفت الياء.

والأصل في ذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

(1)

. وقول المغيرة بن شعبة لعامل كسرى: "أَمَرَنا نبيُّنَا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللهَ وحدَه، أو تؤدُّوا الجِزية" رواه أحمد والبخاري

(2)

. والإجماع

(3)

على قَبوله الجِزية ممن بذلها من أهل الكتاب، ومن يلحق بهم، وإقرارهم بذلك في دار الإسلام.

(ولمن له شُبهة كتابٍ، كالمجوس) لأن عمر لم يأخذها منهم حتى شهد عنده عبد الرحمن بن عوف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هَجَر؛ رواه البخاري

(4)

. وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهل الكتاب" رواه الشافعي

(5)

.

(1)

سورة التوبة، الآية:29.

(2)

لم نجده عند أحمد. وأخرجه البخاري في الجزية والموادعة باب 1، حديث 3159، عن جبير بن حيَّة عن عمر رضي الله عنه مطولًا.

(3)

مراتب الإجماع لابن حزم ص / 196، والمغني (13/ 205)، ومختصر خلافيات البيهقي (5/ 59)، وأحكام أهل الذمة لابن القيم (1/ 1).

(4)

في الجزية والموادعة، باب 1، حديث 3156، 3157.

(5)

في الأم (4/ 174)، وفي الرسالة ص / 430، حديث 1182، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 130)، وأخرجه -أيضًا- مالك (1/ 278)، وعبد الرزاق (6/ 68)، حديث 10025، و (10/ 325)، حديث 19253، وأبو عبيد في الأموال ص / 32، حديث 78، وإسحاق بن راهويه، كما في نصب الراية (3/ 449)، وأبو يعلى (2/ 168)، حديث 862، والشاشي (1/ 288، 289) حديث 257 - 259، والدارقطني في العلل (4/ 300)، والبيهقي (9/ 189)، وفي معرفة السنن والآثار (13/ 364)، حديث 18489، والخطيب في تاريخه (10/ 88)، وابن الجوزي في التحقيق =

ص: 224

وإنما قيل: لهم شُبهة كتاب؛ لأنه رُوي أنه كان لهم كتاب فَرُفِعَ

(1)

، فصار لهم بذلك شُبهة أوجبت حَقْنَ دمائهم، وأخْذَ الجِزية

= (2/ 352)، حديث 1915، وابن عساكر في تاريخه (15/ 696)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (6/ 267)، وفي تذكرة الحفاظ (1/ 167)، من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سُنوا بهم سنة أهل الكتاب.

وأعله بالانقطاع ابن عبد البر في التمهيد (2/ 116)، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/ 364)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (6/ 268)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 195)، والحافظ في الفتح (6/ 261)، والتلخيص الحبير (3/ 172)، وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 20): حديث مرسل، ولم يثبت بهذا اللفظ، وإنما الذي في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.

وأخرجه البزار (3/ 264) حديث 1056، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 115) من طريق أبي علي الحنفي؛ عن مالك؛ عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: قال عمر:

الحديث.

قال البزار: هذا الحديث قد رواه جماعة عن جعفر، عن أبيه، ولم يقولوا: عن جده، وجده علي بن الحسين، والحديث مرسل، ولا نعلم أحدًا قال: عن جعفر، عن أبيه، عن جده إلا أبو علي الحنفي، عن مالك.

وقال ابن عبد البر: رواه أبو علي الحنفي، عن مالك، فقال: عن أبيه، عن جده، وهو مع هذا منقطع؛ لأن علي بن الحسين لم يلقَ عمر ولا عبد الرحمن، ولكن معناه متصل من وجوه حسان.

وانظر: علل الدارقطني (4/ 299)، وفتح الباري (6/ 261)، والتلخيص الحبير (3/ 171).

(1)

أخرج أبو يوسف في الخراج ص / 129، والشافعي في "الأم"(4/ 173 - 174)، وفي "اختلاف الحديث" ص / 510، وعبد الرزاق (6/ 70) رقم 10029 (10/ 327) رقم 19262، وابن أبي عمر العدني، كما في المطالب العالية (2/ 353) رقم 2080، وابن زنجويه في الأموال (1/ 149) رقم 140، وأبو يعلى (1/ 257) رقم =

ص: 225

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 301، والحاكم، كما في إتحاف الخيرة (5/ 275) رقم 4655، والبيهقي (8/ 188)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 353) رقم 1914، من طريق ابن عيينة، عن أبي سعد البقال سعيد بن المرزبان، عن نصر بن علي قال: قال فروة بن نوفل: علام تؤخذ الجزية من المجوس، وليسوا أهل كتاب؟! فقام إليه المستورد فأخذ بِلَبَبِه، وقال: يا عدو الله! تطعن علي أبي بكر وعمر وعلى أمير المؤمنين -يعني عليًّا- وقد أخذوا منهم الجزية! فذهب به إلى القصر، فخرج علي عليهما، فقال: ألبدا، (قال سفيان: يقول: اجلسا)، فجلسا في ظل القصر، فقال علي رضي الله تعالى عنه: أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وإنما ملكهم سكر، فوقع على ابنته أو أخته، فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا خاف أن يقيموا عليه الحد، فامتنع منهم، فدعا أهل مملكته، فلما أتوه قال: أتعلمون دينًا خيرًا من دين آدم؟ وقد كان آدم ينكح بنيه بناته، وأنا على دين آدم، ما يرغب بكم عن دينه؟ فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوه حتى قتلوهم، فأصبحوا وقد أسري على كتابهم، فرُفع من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم، فهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر منهم الجزية.

وأخرجه -أيضًا- البيهقي في معرفة السنن والآثار (13/ 366) رقم 18499، من طريق الشافعي بالإسناد السابق، إلا أن فيه: عيسى بن عاصم، بدل: نصر بن عاصم. وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (5/ 259) رقم 2025، من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي سعد البقال، عن عيسى بن عاصم، عن فروة بن نوفل، فذكره.

قال البيهقي: قال ابن خزيمة: وَهِمَ ابن عيينة في هذا الإسناد، ورواه عن أبي سعد البقال، فقال: عن نصر بن عاصم، ونصر بن عاصم هو الليثي، وإنما هو عيسى بن عاصم الأسدي، كوفي، والغلط فيه من ابن عيينة لا من الشافعي، فقد رواه عن ابن عيينة غير الشافعي، فقال: عن نصر بن عاصم.

وقال في معرنة السنن والآثار (13/ 368): وكذلك رواه الفضل بن موسى، وابن فضيل، عن أبي سعد، عن عيسى بن عاصم.

قال الشافعي في الأم حديث علي هذا متصل، وبه نأخذ. وحسَّنه الحافظ في الفتح (6/ 261). =

ص: 226

منهم، ولم تنهض في إباحة نسائهم وحِلِّ ذبائحهم.

(و) كـ (الصابئين وهم: جنس من النصارى نصًّا)

(1)

وعنه:

(2)

أنهم يسبتون. وروي عن عمر

(3)

، فهم

(4)

بمنزلة اليهود.

وقال مجاهدٌ: هم بين اليهود والنصارى

(5)

.

= وضعفه ابن عبد البر في التمهيد (2/ 119).

وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 434): هذا الخبر باطل.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 175) بعد نقله كلام الإمام الشافعي المذكور: "وهذا كالتوثيق منه لسعيد بن المرزبان، وهو أبو سعد البقَّال، وقد ضعفه البخاري وغيره، وقال يحيى القطان: لا أستحل الرواية عنه، ثم هو بعد ذلك منقطع؛ لأن الشافعي ظن أن الرواية متقنة، وأنها عن نصر بن عاصم، وقد سمع من علي، وليس كذلك، وإنما هي عن عيسى بن عاصم -كما بيناه- وهو لم يلقَ عليًّا ولم يسمع منه، ولا ممن دونه كابن عباس، وابن عمر، نعم له شاهد يعتضد به أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن الحسن الأشيب، عن يعقوب العمّي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قال علي: "كان المجوس أهل كتاب، وكانوا متمسكين به". فذكر القصة، وهذا إسناد حسن.

(1)

مسائل حنبل كما في أحكام أهل الذمة (2/ 431).

(2)

مسائل محمد بن موسى كما في أحكام أهل الذمة (2/ 431)، والمغني (9/ 546، 547).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (4/ 487) رقم 8576، و (6/ 74) رقم 10043، (7/ 187)، رقم 12721، والبيهقي (7/ 173) عن غضيف بن الحارث قال: كتب عامل لعمر بن الخطاب أن ناسًا من قبلنا يدعون السامرة يسبتون يوم السبت، فقال عمر: هم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب.

(4)

في "ح": "أنهم" وهو الأقرب.

(5)

تفسير مجاهد ص / 204، وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 125)، رقم 10207، والطبري في تفسيره (1/ 319) بلفظ:"الصابئون بين المجوس واليهود، ليس لهم دين".

وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف فرواه عبد الرزاق (6/ 125) رقم 10208 عن مجاهد، =

ص: 227

ورُوي أنهم يقولون: إن الفَلَكَ حيٌّ ناطق، وإن الكواكب السبعة آلهة

(1)

. وحينئذٍ فهم كَعَبَدَةِ الأوثان.

(ومن عداهم) أي: عدا أهل الكتاب ومن وافقهم في التديُّن بالكتابين، ومن له شُبهة كتاب كالمجوس (فلا يُقبل منهم إلا الإسلام أو القتل) لحديث: (أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يشهَدُوا أن لا إلهَ إلَّا الله"

(2)

، خُصَّ منه أهلُ الكتاب ومن أُلحق بهم؛ لما تقدم، وبقي من عداهم على الأصل، فأما أهل صُحُف إبراهيم وشيث، وزبور داود، فلا تُقبل منهم الجِزية؛ لأنهم غير أولئك، ولأن هذه لم يكن فيها شرائع، إنما هي مواعظ وأمثال، كذلك وصف النبيُّ صلى الله عليه وسلم صُحُف إبراهيم وزبور داود في حديث أبي ذر

(3)

.

= عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(1)

انظر: الملل والنحل للشهرستاني (2/ 97)، وأحكام أهل الذمة (1/ 92، 93).

(2)

تقدم تخريجه (5/ 80)، تعليق رقم (1).

(3)

أخرجه ابن حبان "الإحسان"(2/ 76)، حديث 361، وأبو نعيم في الحلية (1/ 166)، وابن عساكر في تاريخه (23/ 273 - 274) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعًا في حديث طويل.

وإبراهيم بن هاشم هذا كذَّبه أبو حاتم، وأبو زرعة. انظر: الجرح والتعديل (2/ 142)، وميزان الاعتدال (1/ 73).

وأخرجه ابن عدي (7/ 2699)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 168)، والبيهقي (9/ 4)، وابن عساكر في تاريخه (23/ 277)، من طريق يحيى بن سعيد الكوفي السعدي، عن ابن جريج عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر رضي الله عنه -مرفوعًا- في حديث طويل.

قال ابن عدي: هذا حديث منكر من هذا الطريق

وهذا الحديث ليس له من الطرق إلا من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن محمد، عن أبي ذر، والثالث حديث =

ص: 228

(وإذا عقد الإمام) أو نائبه (الذِّمَةَ لكفارٍ زعموا أنهم أهلُ كتاب، ثم تبين يقينًا أنهم عبدة أوثان) أو نحوهم (فالعقدُ باطل) لفوات شرطه.

(ومن انتقل إلى أحد الأديان الثلاثة من غير أهلها، بأن تهوَّد، أو تنصَّر، أو تمجَّس قبل بعث

(1)

نبيِّنا محمدٍ، ولو بعد التَّبديل، فله حكمُ الدِّين الذي انتقل إليه من إقراره بالجِزية وغيرِه) كحِلِّ ذبيحته ومناكحته إذا

(2)

تهوَّد، أو تنصَّر.

(وكذا) من تهوَّد، أو تنصَّر، أو تمجَّس (بعد بعثه

(3)

) صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلُها منهم من غير سؤال، ولو اختلف الحكم بذلك، لسأل عنه، ولو وقع لَنُقِلَ.

(وكذا من وُلِدَ بين أبوين لا تُقبل الجِزية من أحدهما) كمن وُلِدَ بين مجوسي ووثنية (إذا اختار دِين من يُقبل

(4)

منه الجِزية) فتُقبل منه؛ لعموم النص فيهم؛ ولأنه اختار أفضل الدينين، وأقلهما كفرًا.

(ويأتي: إذا انتقل أحدُ أهل الأديان الثلاثة إلى غير دينه) في الباب مفصَّلًا.

"تتمة": في تسمية اليهود بذلك أقوال: إما لأنهم هادوا عن عبادة العجل، أي: تابوا، أو لأنهم مالوا عن دين الإسلام؛ أو لأنهم يتهوَّدون عند قراءة التوراة، أي: يتحركون؛ أو لنسبتهم إلى

= ابن جريج، وهذا أنكر الروايات. انظر: تخريج أحاديث وآثار الكشاف للزيلعي (2/ 390)، والترغيب والترهيب (3/ 131).

(1)

في "ذ": "بعثة".

(2)

في "ح": "إن".

(3)

في "ذ": "بعثته".

(4)

في "ح": "تقبل".

ص: 229

يهوذ

(1)

بن يعقوب بالمعجمة ثم عُرِّب بالمهملة.

والنصارى: واحدهم نصراني، والأنثى نصرانية، نسبة إلى قرية بالشام يقال لها: نصران وناصرة.

فصل

(ولا تؤخذ الجِزية من نصارى بني تغلب) بن وائل من العرب من ولد ربيعة بن نزار، فإنهم انتقلوا في الجاهية إلى النصرانية، فدعاهم عُمر إلى بَذْل الجزية، فأبوا وأنفوا، وقالوا: نحن عرب، خُذْ مِنَّا كما يأخذ بعضُكم من بعض باسم الصدقة، فقال عمر: لا آخذ من مشرك صدقة، فلحق بعضهم بالروم، فقال النعمان بن زرعة: يا أمير المؤمنين، إن القوم لهم بأس وشدة، وهم عرب يأنفون من الجِزية، فلا تُعِنْ عليك عدوك بهم، وخُذْ منهم الجِزية باسم الصدقة، فبعث عمر في طلبهم وردَّهم، وضعَّف عليهم الزكاة

(2)

.

(1)

في "ذ": "يهوذا"، ولعله الصواب كما في الفصل لابن حزم (1/ 112)، وتفسير القرطبي (1/ 433).

(2)

أخرجه أبو عبيد في الأموال ص / 36، رقم 71، وابن زنجويه في الأموال (1/ 131) رقم 113 عن السفاح الشيباني، عن زرعة بن النعمان، أو النعمان بن زرعة، به.

ورقع عند أبي عبيد: السفاح بن المثنى.

وأخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص / 66، رقم 206، 208، وأبو عبيد في الأموال ص / 36، رقم 70، وابن زنجويه في الأموال (1/ 130) رقم (111)، وابن أبي شيبة (3/ 198)، والبيهقي (9/ 216)، عن أبي إسحاق الشيباني، عن السفاح بن مطر، عن داود بن كردوس، عن عمر رضي الله عنه.

وأخرجه يحيى بن آدم في الخراج ص / 66 رقم 207، وأبو عبيد في الأموال ص / 36، والبيهقي (9/ 216) عن أبي إسحاق الشيباني، عن السفاح، عن داود بن =

ص: 230

(ولو بذلوها) أي: الجِزية، فلا تؤخذ منهم؛ لأن عقد الذِّمة مؤبَّد، وقد عقده معهم عمر هكذا، فليس لأحد نقضه (بل) تؤخذ الجِزية (من حربي منهم) أي: من بني تغلب (لم يدخل في الصُّلح إذا بذلها) قطع به في "الفروع"؛ لأنه ليس فيه نقض لفعل عمر؛ لعدم دخوله فيه.

(وليس للإمام نَقْض عهدهم) أي: بني تغلب (وتجديد الجِزية

= كردوس؛ عن عبادة بن النعمان، عن عمر رضي الله عنه.

وأخرجه أبو يوسف في الخراج ص / 120، عن بعض المشايخ، عن السفاح، به.

وأخرجه الشافعي في الأم (4/ 194) عن أبي إسحاق الشيباني، عن رجل، أن عمر، به.

وأخرجه عبد الرزاق (6/ 50) رقم 9974، عن أبي إسحاق الشيباني، عن كردوس التغلبي، به.

وأخرجه أبو يوسف في الخراج ص / 120 عن أبي حنيفة، عمن حدَّثه، عن عمر رضي الله عنه.

قال ابن حزم في المحلَّى (6/ 112، 113): هذا الخبر لا يحلّ الأخذ به؛ لانقطاعه وضعف رواته

وهو أسقط خبر وأشده اضطرابًا؛ لأنه يقول راويه مرة: عن السفاح بن مطر، ومرة: عن السفاح بن المثنى، ومرَّة: عن داود بن كردوس، أنه صالح عمر رضي الله عنه عن بني تغلب، ومرة: عن داود بن كردوس، عن عبادة بن النعمان أو زرعة بن النعمان، أو النعمان بن زرعة أنه صالح عمر رضي الله عنه. ومع شدة هذا الاضطراب المفرط فإن جميع هؤلاء لا يَدري أحدٌ من هم من خلق الله تعالى

وقد صحَّ عن عمر -بأصح طريق- عن زياد بن حُدير قال: أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن آخذ من نصارى بني تغلب العشر، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر.

قلنا: وأثر زياد بن حدير أخرجه أبو يوسف في الخراج ص / 120، ويحيى بن آدم في الخراج ص / 65، رقم 202، 203، 204، وعبد الرزاق (6/ 95، 99) رقم 10115، (10/ 370) رقم 19400، وأبو عبيد في الأموال ص / 37، رقم 72، وابن سعد (6/ 130)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 322) رقم 188، عن زياد بن حدير، به. وصححه ابن حزم كما تقدم.

ص: 231

عليهم؛ لأن عَقْد الذِّمة مؤبَّد، وعَقَده

(1)

عمر رضي الله عنه هكذا، فلا يغيره إلى الجزية) أحدٌ (وإن سألوه) لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.

(وتؤخذ الزكاةُ منهم) أي: من بني تغلب (عوضها) أي: الجِزية (من ماشيةٍ وغيرِها مما تجب فيه زكاةٌ مِثْلَي ما يؤخذ من المسلمين) لأن تمام حديث عمر: أنه ضعَّف عليهم من الإبل في كل خمس شاتان، وفي كل ثلاثين بقرة تبيعان، وفي كل عشرين دينارًا دينار، وفي كل مائتي درهم عشرة، وفيما سقت السماء الخمس، وفيما سقي بنضح أو دولاب العُشْرُ

(2)

. واستقر ذلك من قوله ولم يُنكر، فكان كالإجماع.

وفي عبارته تسامح، والأولى أن يقال: و‌

‌يؤخذ عِوض الجِزية منهم مِثْلَي

(3)

زكاة المسلمين.

(حتى ممن لا تلزمه جزية، فيؤخذ من نسائهم وصِغارهم ومجانينهم وزَمْناهم ومكافيفهم) أي: العُمي منهم (وشيوخهم ونحوهم) لأن اعتبارها بالأنفس سقط، وانتقل إلى الأموال بتقديرهم

(4)

، فتؤخذ من كل مال زكوي، سواء كان صاحبه من أهل الجِزية أو لم يكن؛ ولأن نساءهم وصبيانهم صِينوا عن السَّبي بهذا الصلح، ودخلوا في حكمه، فجاز أن يدخلوا في الواجب به كالرجال العقلاء.

(و) لهذا (لا تؤخذ من فقير) ولو مُعتملًا (ولا ممن له مال دون

(1)

في "ح" و"ذ": "وقد عقده".

(2)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص / 120 بنحوه، وانظر: الأموال ليحيى بن آدم ص / 67، والأموال لأبي عبيد ص / 37، والأموال لابن زنجويه (1/ 133) رقم 117.

(3)

في "ذ": "مثلًا".

(4)

في "ح" و"ذ": "بتقريرهم".

ص: 232

نصاب، أو) له مال (غير زكوي) كالخيل والرقيق ونحوه الذي لم يكن للتجارة، ويكتفى بما يؤخذ منهم باسم الزكاة (ولو كان المأخوذ من أحدهم أقل من جِزية ذِمِّي) لعموم ما سبق.

(ويلحق بهم) أي: ببني تغلب (كلُّ مَن أباها) أي: الجِزية (إلا باسم الصدقة من العرب، وخيف منهم الضَّرر، كمَنْ تنصَّرَ من تنوخ) قبيلة سُمُّوا بذلك؛ لأنهم اجتمعوا، فأقاموا في مواضعهم، يقال: تَنَخَ بالمكان أقام به (وبَهْراء) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وفتح الراء بعدها ألف -وِزَان: حمراء- قبيلة من قُضاعة، قاله في "حاشيته"، (أو تهوَّد من كِنانة) بكسر الكاف (وحِمْير) بكسر الحاء المهملة (أو تمجَّس من بني تميم) ومضر؛ لأنهم من العرب، أشبهوا بني تغلب.

(ومَصْرِف ما يؤخذ منهم كجِزية) لأنه مأخوذ من مشرك، فكان جِزية، وغايته أنه جِزية مسمَّاة بالصدقة، ولهذا قال عمر

(1)

: هؤلاء حمقى؛ رضوا بالمعنى وأبوا الاسم.

(و‌

‌لا جِزية على من لا يجوز قتله، إذا أُسِر)

لأن قتلهم ممتنع، وتقدم أن الجِزية بدل عن قتلهم. وكتب عمر إلى أمراء الأجناد:"أن اضْرِبوا الجِزية، ولا تضربوها على النساء والصبيان" رواه سعيد

(2)

.

(1)

تقدم تخريج أصل القصة (7/ 230)، تعليق رقم (1)، دون ذكر قول عمر هذا، وقد أورده ابن قدامة في المغني (13/ 225)، وابن القيم في أحكام أهل الذمة (1/ 80)، وابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 128)، ولم يعزوه لأحد.

(2)

(2/ 240) رقم 2632. وأخرجه -أيضًا- يحيى بن آدم في الخراج ص / 73، رقم 231، وعبد الرزاق (6/ 85) رقم 10090، و (10/ 331) رقم 19273، وأبو عبيد في الأموال ص / 45، رقم 93، وابن أبي شيبة (12/ 239)، والطحاوي (3/ 217)، والبيهقي (9/ 198)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 183).

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 360): رواه البيهقي بسند صحيح. =

ص: 233

(فلا تجب) الجزية (على صغير، ولا امرأة) لما مرَّ.

(ولا) على (خُنثى) مُشْكِلٍ؛ لأنه لا يُعلم كونه رجلًا (فإن بان) الخُنثى (رجلًا، أخذ منه للمستقبل فقط) أي: دون الماضي.

(ولا) جزية (على مجنون ولا زَمِنٍ ولا أعمى، ولا شيخ فان.

ولا راهب بصومعة: وهو الذي حَبَس نفسه وتخلَّى عن الناس في دينهم ودنياهم) لأنهم لا يقتلون، فلم تجب عليهم الجِزية، كالنساء والصبيان.

(ولا يبقى بيده) أي: الراهب بصومعة (مالٌ إلا بُلْغته فقط، ويؤخذ ما بيده) زائدًا على ذلك.

(وأما الرُّهبان الذين يخالطون الناس، ويتخذون المتاجر والمزارع، فحكمهم كسائر النصارى، تؤخذ منهم الجِزية باتفاق المسلمين، قاله الشيخ

(1)

.

وتؤخذ) الجِزية (عن الشمَّاس

(2)

كغيره) لعدم الفرق.

(ولا) جِزية (على عبد، ولو لكافر) نصَّ عليه

(3)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا جِزية على عبد"

(4)

، وعن ابن عمر

= وانظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 310).

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 660)، والاختيارات الفقهية ص / 461.

(2)

الشمَّاس: لفظ سرياني معناه: الخادم، وهو منصب ديني عند النصارى، دون القسيس، يحلق وسط رأسه ويلازم الكنيسة. انظر: القاموس المحيط ص / 552 مادة (شمس)، ومحيط المحيط ص / 481.

(3)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 182) رقم 292، 293، وأحكام أهل الذمة (1/ 55 - 56).

(4)

لم نقف على من أخرجه مسندًا، وأورده ابن القيم في أحكام أهل الذمة (1/ 55)، وقال: في رفعه نظر، وهو ثابت عن ابن عمر.

وأورده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 360) من قول عمر رضي الله عنه =

ص: 234

مثله

(1)

؛ ولأنه مال فلم تجب عليه، كسائر الحيوانات.

(بل) تجب الجِزية (على مُعْتَقٍ ذمِّي) لما يستقبل (ولو أعتقه مسلم) لأنه حر مكلَّف موسر من أهل القتل، فلم يُقرَّ في دارنا بغير جِزية؛ كحر الأصل.

(و) تجب الجزية على (مُعتق بعضُه بقَدْر حريته) لأنه حكم يتجزأ، يختلف بالرق والحرية، فيقسم على قَدْر ما فيه منهما، كالإرث.

(ولا) تجب الجِزية (على فقير يعجز عنها غير مُعتمِل) لأن عمر جعل الجِزية على ثلاث طبقات، جعل أدناها على الفقير المُعتمِل

(2)

،

= وقال: غريب من طريقه، نعم ورد عدة أحاديث أنها تجب عليه لكن في أسانيدها مقال.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 123): رُوي مرفوعًا، وروي موقوفًا على عمر، ليس له أصل، بل المروي عنهما خلافه.

(1)

لم نقف على من أخرجه، وقد ذكر الخلال في أحكام أهل الملل من جامعه (1/ 182) رقم 292، قال: قلت: العبد؟ قال: ليس عليه صدقة، لنصراني كان أو لمسلم، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما. وانظر التعليق السابق.

(2)

أخرجه أبو عبيد ص / 50، 88، رقم 104، 174، وابن أبي شيبة (12/ 241، 242)، والبيهقي (9/ 196) عن أبي عون محمد بن عبد الله قال: وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجزية على رؤوس الرجال على الفتى ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى الوسط أربعة وعشرين، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا.

قال البيهقي: هو مرسل. وأعله الزيلعي في نصب الراية (3/ 447)، والحافظ في التلخيص الحبير (4/ 127)، وفي الدراية (2/ 133)، بالإرسال.

ووصله ابن زنجويه في الأموال (1/ 159) حديث 157 عن أبي عون عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

وأخرجه أبو عبيد ص / 49، حديث 103، عن حارثة بن المُضَرِّب عن عمر رضي الله عنه: أنه بعث عثمان بن حنيف، فوضع عليهم ثمانية وأربعين، وأربعة وعشرين، واثني عشرة.

ص: 235

فدلَّ على أن غير المعتمل لا شيء عليه، ولقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}

(1)

.

(فإن كان) الفقير (مُعتمِلًا، وجبت عليه) الجزية؛ لما سبق.

(و‌

‌من بلغ، أو أفاق، أو استغنى ممن تعقد له الجزية، فهو من أهلها بالعقد الأول،

ولا يحتاج إلى استئناف عقد) له؛ لأنه لم ينقل تجديده لمن ذكر؛ ولأن العقد يقع مع سادتهم، فيدخل فيه سائرهم. (وتُؤخذ) منه الجِزية (في آخر الحول، بقَدْر ما أدرك) منه، فإن كان في نصفه، فنصفها، ولا يترك حتى يتمَّ حَول من حين وُجِدَ سببه؛ لأنه يحتاج إلى إفراده بحول، وضبط كل إنسان بحول يشق ويتعذَّر. ومثلهم من عتق في أثناء الحَول.

(ومن كان) من أهل الجزية (يُجَنُّ) تارة (ويُفيق) أخرى (لُفِّقت إفاقته، فإذا بلغت) إفاقته (حولًا، أُخذت منه) الجِزية؛ لأن حوله لا يكمل إلا حينئذ.

(وإن كان في الحِصن نساء، أو من لا جزية عليه) كالعُمْي والشيوخ (فطلبوا عقد الذِّمة بغير جزية، أجيبوا إليها) فيعقد لهم الأمان.

(وإن طلبوا عقدها) أي: الذِّمة (بجزية، أُخبروا أنه لا جزية عليهم) لينكشف لهم الأمر.

(فإن تبرَّعوا بها، كانت هِبةً) لا جزية، فلا تلزم قبل القبض، فـ (متى امتنعوا منها، لم يجبروا) عليها؛ لعدم اللزوم.

(وإن بذلتها) أي: الجزية (امرأةٌ؛ لدخول دارنا، مُكِّنت مجانًا) أي: بلا شيء، وإن كانت أعطت شيئًا، رُدَّ عليها؛ لأن من أدَّى شيئًا يظن

(1)

سورة البقرة، الآية:286.

ص: 236

أنه عليه، فتبيَّن أن لا شيء عليه، وجب ردُّه على آخذه؛ لفساد القبض (إلا أن تتبرَّع به) أي: بما تدفعه (بعد معرفتها أن لا شيء عليها) فتكون هِبة لا تلزم إلا بالقبض، فإن شرطت ذلك على نفسها ثم رجعت، فلها ذلك.

و (لكن يشترط) الإمام أو نائبه (عليها) أي: على المرأة إذا أرادت دخول دارنا (التزامَ أحكام الإسلام) كما يشترطه على المقاتلة (ويعقد لها الذَّمة) بعد إجابتها لذلك.

(ومَرْجعُ جزيةٍ وخراجٍ إلى اجتهاد الإمام، وتقدم) في الأرضين المغنومة

(1)

.

(وعنه)

(2)

: يرجع فيهما (إِلى ما ضَرَبه عمر) بن الخطاب رضي الله عنه.

(فيجب أن يقسمه) أي: مال الجزية (الإمامُ عليهم، فيجعل على الموسر ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى المتوسط أربعة وعشرين) درهمًا (وعلى الأدون اثني عشر) درهمًا؛ لفعل عمر

(3)

ذلك بمحضر من الصحابة ولم يُنكرْ، فكان كالإجماع.

ويُجاب عن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "خُذْ من كلِّ حَالمٍ دينارًا"

(4)

: بأن الفقر كان في أهل اليمن أغلب، ولذلك قيل لمجاهد: "ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من

(1)

(7/ 174).

(2)

مسائل صالح (1/ 216) رقم 159، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 167) رقم 249 - 251، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 381).

(3)

تقدم تخريجه (7/ 235)، تعليق رقم (2).

(4)

تقدم تخريجه (4/ 363)، تعليق رقم (1).

ص: 237

أجل اليسار"

(1)

. وبأن الجزية يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام، وليس التقدير واجبًا؛ لأنها وجبت صَغارًا وعقوبة، فاختلفت باختلافهم.

(ويجوز أن يأخذ) في الجزية (عن كل اثني عشر دِرهمًا دينارًا) لأنه يعدلها قيمةً بحسب الزمن الأول.

(ولا يتعيَّن أخذُها) أي: الجزية (من ذهب ولا فضَّة، بل مِن كل الأمتعة بالقيمة) لحديث معاذ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجَّهه إلى اليمن أَمَرَه أن يأخذ من كلِّ حالمٍ -يعني محتلمًا- دينارًا، أو عَدْله من المعافر -ثياب تكون باليمن-" رواه الترمذي وحسَّنه

(2)

.

(ويجوز أخْذُ ثمن الخمر والخنزير عن الجزية والخراج؛ إذا تولَّوا بيعهما وقبضوه) أي: الثمن؛ لأنه من أموالهم التي نُقِرُّهم على اقتنائها، كثيابهم. قال في "أحكام الذِّمة"

(3)

: قلت: ولو بذلوها في ثمن مبيع، أو إجارة، أو قَرْض، أو ضمان، أو بدل متلف، جاز للمسلم أخذُها وطابت له.

(و‌

‌الغنيُّ فيهم من عدَّه الناس غنيًّا عُرفًا)

لأن المقادير توقيفية، ولا توقيف هنا، فوجب ردّه إلى العُرف، كالقبض والحرز.

(ومتى بذلوا الواجب) عليهم من الجزية (لزم قَبولُه) لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "ادْعُهم إلى أداء الجِزية، فإن أجابوك، فاقبلْ منهم، وكُفَّ عنهم"

(4)

. (ودَفْعُ من قصدهم بأذًى في دارنا) ولو كانوا منفردين ببلد.

(1)

ذكره البخاري في الجزية والموادعة، باب 1، قبل حديث 3156، معلقًا بصيغة الجزم ووصله عبد الرزاق (6/ 87) رقم 10094، (10/ 330) رقم 19271.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 363)، تعليق رقم (1).

(3)

(1/ 165).

(4)

لم نقف عليه من حديث معاذ، وقد تقدم تخريجه (7/ 26)، تعليق رقم (1) من =

ص: 238

قال في "الترغيب": والمنفردون ببلد متصل ببلدنا يجب ذبُّ أهل الحرب عنهم على الأشبه، ولو شرطنا أن لا نَذُبَّ عنهم، لم يصح. واقتصر عليه في "الفروع"، فإن كانوا بدار حرب لم يلزمنا الذَّبُّ عنهم.

(وحَرُمَ قتالهم وأخْذُ مالهم) بعد إعطاء الجزية؛ لأن الله تعالى جعل إعطاء الجزية غايةً لقتالهم.

(ومن أسلم) منهم (بعد الحول، سقطت عنه الجِزية) لعموم قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}

(1)

وقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجبُّ ما قبله"

(2)

، وعن ابن عباس مرفوعًا:"ليس على المسلمِ جِزية" رواه أبو داود والترمذي

(3)

.

= حديث بريدة بلفظه، ولعل المؤلف وهم في قوله:"لمعاذ" والصواب: "لبريدة".

(1)

سورة الأنفال، آية:38.

(2)

تقدم تخريجه (4/ 307)، تعليق رقم (4).

(3)

أبو داود في الخراج، باب 34، حديث 3053، والترمذي في الزكاة، باب 11، حديث 633، 634. وأخرجه -أيضًا- أحمد (1/ 223، 285)، وابن الجارود (3/ 354)، حديث 1107، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 192) حديث 2767، وابن عدي (5/ 1845)، (6/ 2072)، والدارقطني (4/ 165)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 232)، والبيهقي (9/ 199)، والبغوي في شرح السنة (11/ 175، 176) حديث 2753 من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

وضعَّفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 81) فقال: وقابوس ضعيف عندهم، وربما ترك بعضهم حديثه، ولا يدفع عن صدق، وإنما كان قد افترى على رجل فحُدَّ، فَكَسَدَ لذلك.

قلنا: تابعه الأعمش عند الطبراني في الأوسط (7/ 351) حديث 6678، لكن الأعمش مدلس، ولم يصرح بالسماع.

ص: 239

ولأنها عقوبة سببها الكفر، فسقطت بالإسلام، فإن كان إسلامه قبل تمام الحول، لم تؤخذ بطريق الأولى.

و (لا) تسقط الجزية (إِن مات) الذِّميُّ بعد الحول (أو طرأ عليه مانعٌ من جنون ونحوه) كعمىً (فتُؤخذ من تَرِكَة ميتٍ، ومن مال حي) لأنها دين، فلم تسقط بذلك، كدين الآدمي.

(وإن طرأ المانعُ في أثناء الحول، كموت، سقطت) لأن الجزية لا تجب ولا تؤخذ قبل كمال حولها.

(و‌

‌من اجتمعت عليه جزية سنين

(1)

، استوفيت كلها، ولم تتداخل)

كدين الآدمي، ولأنها حق مالي يجب في آخر كل حول، فلم تتداخل، كالدية.

(وتؤخذ) الجزية (كُلَّ سنةٍ هلالية مرة) واحدة (بعد انقضائها) أي: السنة؛ لأنها مال يتكرر بتكرر

(2)

الحول، فلم يؤخذ قبله، كالزكاة.

(ولا تجوز مطالبته بها عقب عقد الذِّمة) لأنه لا يصح شرط تعجيلها، ولا يقتضيه الإطلاق. قال الأصحاب: لأنا لا نأمن نقض أمانه، فيسقط حقه من العِوض.

(ويُمْتَهنون عند أخذها) أي: الجِزية منهم (وتُجَرُّ أيديهم عند

= وأخرجه أبو عبيد في الأموال ص / 49، حديث 121، وابن زنجويه (1/ 172)، والدارقطني (4/ 157) عن قابوس عن أبيه مرسلًا.

وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند الطبراني في الأوسط (8/ 379) حديث 7768.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 13): رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم.

(1)

في هامش "ذ": في نسخة: "حولين".

(2)

في "ح": "بتكرار".

ص: 240

أخذها، ويُطال قيامهم حتى يألموا ويتعبوا، وتؤخذ منهم وهم قيامٌ، والآخذُ) للجزية (جالس) لقوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

(1)

قال في "المبدع": وظاهره: أن هذه الصفة مستحقَّة.

(ولا يُقبل منهم إرسالُها) أي: الجزية (مع غيرهم، لزوال الصَّغَار، كما لا يجوز تفريقُها بنفسه، بل يحضرُ الذِّميُّ بنفسه، ليؤدِّيهَا وهو قائمٌ) صاغر.

(وليس للمسلم أن يتوكَّل لهم في أدائها، ولا أن يضمَنَها، ولا أن يُحيل الذِّمي عليه بها) لفوات الصغار.

(ولا يُعذَّبون) أي: أهل الذِّمة (في أخْذِها) أي: الجزية (ولا يُشتطُّ) وفي نسخة: لا يشطط (عليهم) لما روى أبو عبيد "أن عمر أُتي بمال كثير -قال أبو عبيد: أحسبه الجزية- فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا واللهِ، ما أخذنا إلا عفوًا صفوًا، قال: بلا سوطِ ولا نوط

(2)

؟ قالوا: نعم، قال: الحمد للهِ الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني"

(3)

.

فصل

(ويجوز أن يَشْرط عليهم) في عَقْد الذِّمة (مع الجزية ضيافة من يَمرُّ بهم من المسلمين، المجاهدين وغيرهم، حتى الراعي، وعلف دوابهم) لما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم "ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار -وكانوا ثلاثمائة

(1)

سورة التوبة، الآية:29.

(2)

قال في النهاية (5/ 128): "أي: بلا ضرب ولا تعليق".

(3)

أبو عبيد في الأموال ص / 54، رقم 114.

ص: 241

نفسٍ- وأن يُضَيِّفوا من مرَّ بهم من المسلمين"

(1)

. وعن عمر: "أنه قضى عليهم ضيافة ثلاثة أيام، وعلف دوابهم، وما يصلحهم"

(2)

. وروى أحمد عن الأحنف بن قيس: "أن عمر شرط على أهل الذِّمة ضيافة يوم وليلةٍ، وأن يصلحوا القناطر، وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم دِيته"

(3)

.

(ويُبين) الإمام، أو نائبه لهم (أيام الضيافة، والإدام، والعلف، وعدد من يُضاف من الرجَّالة والفرسان، والمنزل، فيقول: تُضِيفون في كلِّ سنة مائة يوم، في كل يوم عشرةً من المسلمين، من خبز كذا وكذا) ومن الأدم كذا (وللفرس من الشعير كذا، ومن التبن كذا) لأن ذلك من الجزية، فاعتبر العلم به، كالنقود، قاله القاضي.

(ويُبيِّنُ لهم ما على الغني والفقير) من الضيافة، كما في الجزية، (فيكون ذلك بينهم على قَدْرِ جزيتهم) قطع به في "المبدع"، وحكاه في "الإنصاف" قولًا عن "الرعاية"، مقابلًا لما قدَّمه من أنه يبين ما على الغني والفقير.

(فإن شَرَطَ الضيافة مطلقًا، قال في "الشرح" و"الفروع": صح) وقدَّمه في "الكافي"؛ لأن عمر لم يقدر ذلك، وقال: "أطعموهم

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (4/ 179)، وفي مسنده "ترتيبه 2/ 130"، وعبد الرزاق (6/ 86) رقم 1092، والبيهقي (9/ 195)، عن أبي الحويرث. وأعلَّه البيهقي وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 362) بالانقطاع.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 127): رواه البيهقي عن أبي الحويرث مرسلًا.

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (2/ 183) وأخرجه بنحوه مالك (1/ 279)، والشافعي في الأم (4/ 190)، وعبد الرزاق (6/ 85) رقم 10090، وأبو عبيد في الأموال ص / 191، رقم 393، والبيهقي (9/ 195).

(3)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في الأموال ص / 192، رقم 396، وابن أبي شيبة (12/ 477)، وابن زنجويه (1/ 369) رقم 594، والبيهقي (9/ 196).

ص: 242

مما تأكلون"

(1)

.

"تنبيه": في عزوه ذلك لـ"الفروع" نظر؛ فإنه أطلق فيه الخلاف، وقال في "الإنصاف": قدَّمه في "الفروع"، فيحتمل أن النُّسخ مختلفة.

(وتكون مدَّتها) أي: الضيافة (يومًا وليلة) قال أبو بكر: الواجب يوم وليلة كالمسلمين، ولا يكلفون إلا من طعامهم وإدامهم.

(و‌

‌لا تجب) الضيافة (من غير شرط)

؛ لأنها مال، فلا يلزمهم بغير رضاهم كالجزية (فلا يُكَلَّفون الضيافة) مع عدم الشرط (ولا) يُكَلَّفون (الذبيحة) وإن شرطت عليهم الضيافة (ولا) يُكَلَّفون (أن يضيفونا بأرفع من طعامهم) لما تقدم من قول عمر:"أطعموهم مما تأكلون"

(2)

.

(وللمسلمين النزول في الكنائس والبيعَ) فإنَّ عمر صالح أهل الشام على أن يوسِّعوا أبواب بِيَعهم وكنائسهم لمن يجتاز بهم من المسلمين، ليدخلوها ركبانًا

(3)

(فإن لم يجدوا) أي: المسلمون (مكانًا، فلهم النزول في الأفنية وفُضُول المنازل، وليس لهم تحويلُ صاحبِ المنزل منه) لأنه

(1)

أخرجه عبد الرزاق (6/ 87، 88)، رقم 10095، 10096، و (10/ 329) رقم 19266، 19267، وابن زنجويه في الأموال (1/ 157، 370) رقم 155، 597، وابن عساكر في تاريخه (2/ 184).

وأورده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 365) وقال: غريب عنه، أي: عن عمر رضي الله عنه.

(2)

تقدم تخريجه في التعليق السابق.

(3)

أخرجه الخلال في أحكام أهل الملل من الجامع (2/ 431 - 433)، رقم 1003، وابن زَبْر القاضي في جزء فيه شروط النصارى، كما في مسند الفاروق (2/ 490)، وعبد الله بن أحمد، كما في أحكام أهل الذِّمة لابن القيم (2/ 657)، وابن السَّمَّاك في جزء فيه شروط أمير المؤمنين ص / 24، والبيهقي (9/ 202)، وابن عساكر في تاريخه (1/ 270).

ص: 243

إضرار به؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"

(1)

، وإن شرط عليهم الضيافة؛ فامتنعوا من قَبولها، لم يعقد لهم الذِّمة.

(فإن) قبلوا و (امتنع بعضُهم من القيام بما يجب عليه، أُجبر عليه) كسائر الحقوق الواجبة.

(فإن امتنع الجميعُ) مما وجب عليهم (أُجبروا) على القيام به؛ لوجوبه.

(فإن لم يمكن) إجبارُهم (إلا بالقتال، قُوتلوا) عليه (فإن قاتلوا، انتقض عهدُهم) بالقتال.

(فإن جعل الضيافةَ مكان الجزية، صَحَّ) لما رُوي أن عمر كتب لراهب من أهل الشام: "إنني إنْ وَليت هذه الأرض، أسقطتُ عنك خراجك، فلما قدم عمر الجابية، وهو أمير المؤمنين، جاءه بكتابه فعرفه وقال: إنني جعلت لك ما ليس لي، ولكن اخترْ، إن شئت أدِّ الخراج، وإن شئت أن تضيف المسلمين، فاختار الضيافة"

(2)

. لكن يشترط أن تكون الضيافة يبلغ قَدْرها ما يقابل ما يجب عليهم من الدراهم أو الدنانير، قاله في "شرح المنتهى". قال في "المبدع": ويشترط أن يبلغ قَدْرها أقل الجزية، إذا قلنا هي مقدَّرة؛ لئلا ينقص خَرَاجه عن أقلها، انتهى. ومعناه في "الشرح"، ومقتضاه: أنه لا يُشترط؛ إذ الأصح أنها إلى اجتهاد الإمام.

(وإذا شرط في) عقد (الذِّمة شرطًا فاسدًا، مثل أن يَشرُطَ أن لا جزية عليهم، أو) يشرط (إظهارَهم المنكر، أو إسكانَهم الحجازَ ونحوه، فسد العقدُ) لفساد الشرط، وصحح في "تصحيح الفروع": أنه يفسد الشرط

(1)

تقدم تخريجه (2/ 111)، تعليق رقم (1).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (64/ 295) مطولًا.

ص: 244

دون العقد، ذكره في الهُدنة، وجزم به في "المنتهى" هناك.

(وإذا تولى إمام فعرف قَدْر جزيتهم، أو قامت به بينة، أو كان) قَدْر جزيتهم (ظاهرًا، أقرَّهم عليه) لأن الخلفاء أقرُّوهم على ذلك، ولم يجددوا لمن كان في زمنهم عقدًا؛ ولأنه عقد لازم، كالإجارة، أو عقد بالاجتهاد، فلا ينقض.

(وإن لم يعرِفْه) أي: ما عليهم (رَجَعَ إلى قولهم فيما يسوغ أن يكون جزية) لإنكارهم ما زاد.

(وله) أي: الإمام (تحليفُهم مع التُّهمة) أي: اتهامه إياهم فيما يذكرونه (فإن بان له) أي: الإمام (كذبهم) وأنهم أخبروه بنقص عما كانوا يؤدونه لمن قبله (رجع عليهم) بما بقي؛ لبقائه عليهم.

وإن قالوا: كنا نؤدِّي كذا جزية، وكذا هدية، استحلفهم يمينًا واحدة؛ لأن الظاهر فيما يدفعونه أنه كله جزية.

وإن قال بعضهم: كنا نؤدِّي دينارًا، وبعضهم: كنا نؤدِّي دينارين، أخذ كل واحد منهم بما أقرَّ به، ولا يقبل قول بعضهم على بعض؛ لأن أقوالهم غير مقبولة.

(وإذا عقد الإمام الذِّمة كتب أسماءهم وأسماء آبائهم) فيكتب: فلان بن فلان.

(و) كتب (حِلاهم) جمع: حلية، بكسر الحاء، ويجوز ضمها، فيكتب: طويل، أو قصير، أو ربعة، أسمر، أو أخضر، أو أبيض، مقرون الحاجبين، أو مفروقهما، أدعج العين، أقنى الأنف أو ضدهما، ونحو ذلك من الصفات اللازمة التي يتميز بها كل واحد منهم عن غيره. (و) كتب (دينهم) فيقول: يهودي، أو نصراني، أو مجوسي.

ص: 245

(وجعل لكل طائفة عريفًا) وهو: القيِّم بأمور القبيلة أو الجماعة، وتقدم حديث:"العرافة حق"

(1)

(مسلمًا) ليقبل خبره بجميعهم عند أداء الجزية، و (يكشف حال من بَلغ، أو استغنى، أو أسلم، أو سافر ونحوه) كمن عتق من أرقائهم، أو أفاق من مجانينهم؛ ليتعرَّف أمر الجزية (أو نقض العهد، أو خرق شيئًا من أحكام الذِّمة) ليرتب عليه مقتضاه.

(وما يذكره بعض أهل الذِّمة أن معهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عنهم، لا يصح) وسُئل ابن سريج عن ذلك؟ فقال: لم ينقل ذلك أحد من المسلمين، وروى: أنهم طولبوا بذلك فأخرجوا كتابًا ذكروا أنه بخط علي بن أبي طالب كتبه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ فيه شهادة سعد بن معاذ، ومعاوية، فوجد تاريخه بعد موت سعد، وقبل إسلام معاوية، فاستدلَّ بذلك على بطلانه

(2)

.

(ومن أُخِذت عنه الجزية، كُتب له براءة لتكون له حُجَّة إذا احتاج إليها) كما تقدم في الزكاة

(3)

، بل هنا أَولى؛ لأنه لا يُقبل قوله في أداء الجزية بلا بينة (ويأتي) ذلك في (الباب بعده).

(1)

تقدم تخريجه (7/ 90)، تعليق رقم (2).

(2)

أورده ابنُ الجوزي في المنتظم (8/ 265)، وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/ 664): كل كتاب تدعيه اليهود بإسقاط الجزية من علي أو غيره فهو كذب، يستحقون العقوبة عليه، مع أخذ الجزية منهم، وتؤخذ الجزية الماضية.

وردّه ابنُ القيم في أحكام أهل الذمة (1/ 7 - 8) من عشرة وجوه، وذكر أنه كذب مختلق بإجماع أهل العلم.

وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 124): وصنَّف رئيس الرؤساء أبو القاسم علي وزير القائم في إبطاله جزءًا.

(3)

(5/ 113).

ص: 246

‌باب أحكام الذِّمة

(1)

أي: ما يجب عليهم أوْ لهم بعد عقد الذِّمة مما يقتضيه عقدها لهم (يلزم الإمامَ أن يأخذهم) أي: أهل الذِّمة (بأحكام الإسلام في ضمان النفس) فمن قتل أو قطع طرفًا أُخذ بموجب ذلك، كالمسلم؛ لما رُوي:"أنَّ يهوديًّا قَتَلَ جاريةً على أوضاحٍ لها، فقَتَلَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم" متفق عليه

(2)

(والمال) فلو أتلف مالًا لغيره، ضَمِنه (والعِرْضِ) فمن قذف إنسانًا، أو سبَّه ونحوه، أُقيم عليه ما يُقام على المسلم بذلك؛ لأن الإسلام نقض حكم ما يخالفه.

(و) يلزمه (إقامة الحدِّ عليهم فيما يعتقدون تحريمه؛ كزنًى وسرقةٍ) لما في الصحيحين عن ابن عمر: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ برجُلٍ وامرأةٍ من اليهودِ زَنَيَا، فرَجَمَهُما"

(3)

ولأنه يَحرم في دينهم، وقد التزموا حكمَ الإسلام، فثبت في حقهم كالمسلم.

و (لا) يقيم الحدَّ عليهم (فيما يعتقدون حِلَّه، كشرب خمرٍ، ونكاح

(1)

في "ح": "باب أحكام أهل الذمة".

(2)

البخاري في الخصومات، باب 1، حديث 2413، وفي الوصايا، باب 5، حديث 2746، وفي الطلاق، باب 24، حديث 5295، وفي الديات، باب 4، 5، 7، 12، 13، حديث 6876، 6877، 6879، 6884، 6885، ومسلم في القسامة، حديث 1672 عن أنس رضي الله عنه.

والأوضاح: حُلي من الدراهم الصحاح. "مختار الصحاح" مادة: (وضح).

(3)

البخاري في الجنائز، باب 60، حديث 1329، وفي المناقب، باب 26، حديث 3635، وفي التفسير، باب 6، حديث 4556، وفي الحدود، باب 24، 37، حديث 6819، 6841، وفي الاعتصام، باب 16، حديث 7332، وفي التوحيد، باب 51، حديث 7543، ومسلم في الحدود، حديث 1699.

ص: 247

محْرمٍ) وأكل لحم خنزير؛ لأنهم يعتقدون حِلَّه، ولأنهم يقرُّون على كفرهم، وهو أعظم جُرمًا، إلا أنهم يمنعون من إظهار ذلك بين المسلمين؛ لتأذيهم به (أو يرون صحته من العقود، ولو رضوا بحكمنا) فلا نتعرض لهم فيه، ما لم يرتفعوا إلينا.

(قال الشيخ

(1)

: واليهودي إذا تزوَّج بنت أخيه، أو) بنت (أخته، كان ولدُه منها يلحقه، ويرثه باتفاق المسلمين، وإن كان هذا النكاح باطلًا باتفاق المسلمين) أي: لأنه وطء شُبهة؛ لاعتقادهم حِلَّه.

(ويلزمهم التمييز عن المسلمين، فيشترطه الإمام عليهم) لاشتراط أهل الجزيرة على أنفسهم ذلك، حيث قالوا: "وأن نَلْزَمَ زيّنَا حيثُمَا كُنَّا، وأن لا نَتَشَبَّه بالمسلمين في لبسِ قَلَنْسُوةٍ، ولا عِمامةٍ، ولا نعلينِ، ولا فَرقِ شعْرٍ

إلخ. وكتبوا به إلى عبد الرحمن بن غَنْم، فكتب به

(2)

إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر: أن أمضِ لهم ما سألوا

(3)

" الخبر مطولًا، رواه الخلال

(4)

.

ويكون التمييز في أمور، منها:(في شعورهم بحَذْف) أي: حلق (مقادم

(5)

رؤوسهم، بأن يجزُّوا نواصيهم) وهي مقدار ربع الرأس (ولا يتحذفوا شوابين

(6)

لأنه من عادة الأشراف) فيمنعون منه.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (34/ 13 - 14)، والفتاوى الكبرى (2/ 114).

(2)

قوله: "به" سقط من "ح".

(3)

في "ذ": "ما سألوه".

(4)

أحكام أهل الملل (2/ 431)، رقم 1003، وقد تقدم تخريجه (7/ 243)، تعليق رقم (3).

(5)

في "ح": "مقدم".

(6)

في الإقناع (2/ 135) ومطالب أُولي النهى (2/ 605): "ولا يتخذوا شرابين"، وفي معونة أولي النهى (3/ 773):"أن لا يتخذوا شوابير". قال في حاشية مطالب أولي =

ص: 248

(و) يلزمهم التميز

(1)

-أيضًا- في شعورهم (بترك الفرق) وهي

(2)

قسم شعر الرأس نصفين بالسوية، وجعله ذؤابتين (فلا يفرق) الذِّمي (شعر جُمَّته) أي: رأسه (فرقتين، كما تفرق

(3)

النساء) لأن الفرق من سُنة المسلمين، بل تكون شعور رؤوسهم جُمَّة؛ لما تقدم.

(وَكُنَاهُم، فلا يَتَكَنَّوا

(4)

بكُنى المسلمين، كأبي القاسم، وأبي عبد الله، وأبي محمد، وأبي الحسن، وأبي بكر ونحوها) مما هو في الغالب في المسلمين؛ لقولهم في الخبر السابق:"ولا نتكنَّى بكناهم".

(وكذا لقب) أي: يمنعون من ألقاب المسلمين (كعزِّ الدين ونحوه) كزين الدين.

(ولا يمنعون الكُنَى بالكلية) قال أحمد

(5)

لطبيب نصراني: يا أبا إسحاق. واحتج

(6)

بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل عمر. ونقل أبو طالب

(7)

: لا بأس به، النبي

(8)

صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران: "يا أبا الحارث، أسْلِمْ

= النهي: "أي: لا يرسلوا شعر ما بين النزعة والعذار، وهو الصدغين".

(1)

في "ذ": "التمييز".

(2)

في "ح": و"ذ": "وهو".

(3)

في "ذ": "يفرق".

(4)

في "ذ": "فلا يتكنون".

(5)

مسائل ابن هانئ (2/ 180) رقم 1981، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 464) رقم 1117.

(6)

مسائل ابن هانئ (2/ 180) رقم 1982، 1983، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 464 - 465) رقم 1116، 1118، 1119، 1120، 1121، 1122.

وسيأتي تخريج فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قريبًا.

(7)

انظر: مسائل ابن هانئ (2/ 180) رقم 1982، 1983، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 464) رقم 1119.

(8)

في "ح" و"ذ": لأن النبي.

ص: 249

تَسْلم"

(1)

وعمر قال لنصراني: "يا أبا حسان"

(2)

. وفي "الفروع": يتوجَّه احتمال: يجوز للمصلحة، وقاله بعض العلماء، ويُحمل ما روي عليه.

(ويلزمهم الانقياد لحكمنا إذا جرى عليهم) ولو اعتقدوا خلافه؛ لنسخ الإسلام سائرَ الشرائع، والتزامهم ذلك بالعقد، إذ شرطه التزام حكمنا كما سبق.

(ولهم ركوب غير خيل) يدخل فيه البغال، وصرَّح به القاضي في "الأحكام السلطانية"

(3)

. قلت: ولعل المراد: إذا لم تُرَدْ للْعِزَّ؛ لأنها إذن كالخيل، والمقصود إذْلالُهم (بلا سرجٍ عرضًا، بأن تكون رجلاه إلى جانب، وظهره إلى) الجانب (الآخر على الأُكُف، جمع إكاف) بوزن كُتُب وكتاب (وهو البرذعة) لما روى الخلال: "أن عمرَ أمَرَهُم بذلكَ"

(4)

، وظاهره: قربت المسافة أو بعدت. قاله في "المبدع".

(و) يلزمهم التمييز أيضًا (في لباسهم بالغيار، فيلبسون ثوبًا يخالف لونه بقية ثيابهم؛ كعسلي ليهود وهو ضرب من اللباس معروف، وأَدْكَن لنصارى) وهو لون (يضرب إلى السواد، وهو الفاختي، ويكون هذا في ثوب واحد لا في جميعها) أي: الثياب؛ لحصول المقصود بواحد منها.

(ولامرأةٍ غيار بخفين مختلفي اللون، كأبيضَ وأحمرَ، ونحوهما إن

(1)

أخرجه عبد الرزاق (6/ 122) و (10/ 316) حديث 10198، 19220، وابن أبي شيبة (14/ 552) عن قتادة مرسلًا.

(2)

أخرجه ابن هانئ في مسائله (2/ 180) رقم 1982، والخلال في أحكام أهل الملل من جامعه (2/ 464) رقم 11201، 1121، 1122.

(3)

لم نقف عليه في الأحكام السلطانية للقاضي، وإنما هو في الأحكام السلطانية للماوردي ص / 231.

(4)

تقدم تخريجه (7/ 243)، تعليق رقم (3).

ص: 250

خرجت بخف) قال في "المبدع": فإن أبوا الغيار، لم يجبروا، ونغيره نحن.

(و) مما يتميزون به (شد الخِرَق الصُّفْر ونحوها) كالزرق (في قلانسهم وعمائمهم، مخالفةً للونها) أي: تكون الخِرْقة مخالف لونها لون القلانس والعمائم؛ ليحصُل التمييز.

(ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء والحمراء من شعارهم، حرم على المسلم لبسها) قاله الشيخ تقي الدين

(1)

. لكن في الزرقاء والصفراء واضح، لا في الحمراء (والظاهر: أنه يجتزئ

(2)

بها) أي: بالعمامة الزرقاء ونحوها، كالذي اعتاده اليهود ببلدنا (في حق الرجال عن الغيار ونحوه) كشد الزنار (لحصول التمييز الظاهر بها، وهو في هذه الأزمنة وقبلها كالإجماع؛ لأنها صارت مألوفة لهم، فإن أرادوا العدول عنها، مُنِعوا.

وإن تَزَيَّا بها مسلم، أو علَّق صليبًا بصدره حَرُم) لحديث:"من تَشَبَّهَ بقوْمٍ فهو منهم"

(3)

. ويكون قولهم فيما تقدم: يُكره التشبه بزي أهل الكتاب ونحوهم، مخصوصًا بغير ما هنا. والفرق ما في هذه من شدة المشابهة (ولم يكفر) بذلك كسائر المعاصي، والخبر للتنفير.

(ولا يتقلَّدوا السيوفَ، ولا يحملوا السلاحَ، ولا يُعلموا أولادهم القرآن، ولا بأس أن يُعلِّموا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) قال مهنا

(4)

: سألت أبا عبد الله: هل يُكره للمسلم أن يُعلِّم غلامًا مجوسيًّا شيئًا من القرآن؟ قال:

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 654).

(2)

في متن الإقناع (2/ 136): "يُجتزأ".

(3)

تقدم تخريجه (2/ 178)، تعليق رقم (2).

(4)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 120 - 121) رقم 130، 131.

ص: 251

إن أسلم فنعم، وإلا؛ فأكره أن يضع القرآن في غير موضعه. قلت: فيعلمه أن يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

(ولا يتعلَّموا العربية) لاشتراطهم على أنفسهم في كتابهم لعبد الرحمن بن غَنْم، وأمر عمر أن يكتب لهم ما قالوا فيه:"ولا نتكلَّمُ بكَلامِهِمْ"

(1)

.

(ويُمنعون من العمل بالسلاح، وتَعلُّم المقاتَلَة بالثِّقاف

(2)

، والرمي وغيره) كلعب برمح ودبوس؛ لأن في ذلك معونة لهم علينا.

(ويؤمر النصارى بشدِّ الزُّنَّار فوق ثيابهم) لأنهم إذا شدُّوه من داخل لم يُرَ، فلم تكن له فائدة.

(وهو) أي: الزُّنار (خيط غليظ على أوساطهم خارج الثياب) لما تقدَّم.

(وليس لهم إبداله بمنطقة ومنديل ونحوهما) لعدم حصول المقصود من التمييز.

(و) يكون الزُّنار (للمرأة تحت ثيابها) قاله القاضي، وعلل بأنها إن شدته فوق كل الثياب انكشفت رأسها، وقال في "المبدع": لكن المرأة تشده فوق ثيابها تحت الإزار؛ لأنه لو شد فوقه لم يثبت.

(ويكفي أحدهما، أي: الغيار أو الزُّنار) لأن المقصود التمييز وهو حاصل. وقال

(3)

في "المستوعب": فالتمييز في الملبوس بالغيار، إلى أن قال: ويؤمرون مع ذلك بشد الزنار فوق ثيابهم، فمقتضاه الجمع

(1)

تقدم تخريجه (7/ 243)، تعليق رقم (3).

(2)

الثقاف: حديدة تكون مع القوَّاس والرمَّاح يقوِّم بها الشيء المعوجَّ. لسان العرب (9/ 20) مادة (ثقف).

(3)

في "ذ": "قال".

ص: 252

بينهما، وهو ظاهر كلام غيره.

(ولا يمنعون فاخر الثياب ولا العمائم، والطيلسان؛ لحصول التمييز بالغيار والزُّنار.

ويُجعل في رقابهم خواتيمُ من رصاص أو حديد؛ لا من ذهب وفضة) لتحريمهما على الذكور.

(و) كذلك (لو جعل في عنقه صليبًا لم يجز) لما فيه من إظهار الصليب (أو) يُجعل في رقابهم (جُلْجُلٌ -جرس صغير- لدخولهم حمامنا) ليحصُل الفرق، وظاهره: جواز دخولها الحمام مع المسلمات.

(ويلزم تمييز قبورهم عن قبورنا تمييزًا ظاهرًا كالحياة، وأولى) وذلك بأن لا يدفنوا أحدًا منهم في مقابرنا.

(وينبغي مباعدةُ مقابرهم عن مقابر المسلمين، وظاهره: وجوبًا؛ لئلا تصير المقبرتان واحدة؛ لأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين، وكلَّما بَعُدت) مقابرهم (عنها كان أصلح) للتباعد عن المفسدة.

(ويُكره الجلوس في مقابرهم) لأنه ربما أصابهم عذاب، قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}

(1)

.

(ولا يجوز تصديرُهم في المجالس) لأن فيه تعظيمًا لهم.

(ولا) يجوز (القيامُ لهم) لأنه في معناه (ولا لمبتدع يجب هجره) كرافضي، قلت: ويُكره ذلك لمن يُسنُّ هجره، كمتجاهر بمعصية، كعيادته.

(ولا يُوقَّرون كما يُوقَّر المسلم) لانحطاط رتبتهم.

(1)

سورة الأنفال، الآية:25.

ص: 253

(ولا تجوز بداءتهم بسلام

(1)

) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا تبدؤوا اليهودَ والنصارى بالسلام، فإذا

(2)

لقيتُم أحدهم في الطريق، فاضطَرُّوهم إلى أضْيَقِهَا" رواه الترمذي

(3)

، وقال: حسن صحيح، وقال في "المنتقى"

(4)

و"المبدع": متفق عليه

(5)

، وعزاه في "الشرحين"

(6)

إلى الترمذي.

(فإن كان معهم مسلمٌ نواه) أي: المسلم (بالسلام) لأهليته له.

(ولا) يجوز (قوله) أي: المسلم (لهم) أي: لواحد من أهل الذِّمة (كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ وكيف أنت؟ وكيف حالك؟) نص عليه

(7)

. قال في رواية أبي داود

(8)

: هذا عندي أكبر من السلام.

(وقال الشيخ

(9)

: يجوز أن يقال له: أهلًا وسهلًا، وكيف أصبحت؟ ونحوه) مثل كيف حالك؟

(ويجوز قوله) أي: المسلم (له) أي:

(1)

في "ح" و"ذ": "بالسلام".

(2)

في "ذ": "فإن"، وفي سنن الترمذي:"وإذا".

(3)

في السير، باب 41، حديث 1602، وفي الاستئذان، باب 12، حديث 2700. وأخرجه -أيضًا- مسلم في السلام، حديث 2167.

(4)

المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم للمجد ابن تيمية (2/ 840)، حديث 4467.

(5)

تقدم تخريجه من صحيح مسلم، ولم يخرجه البخاري في صحيحه، لكن أخرجه في الأدب المفرد ص / 400، حديث 1103.

(6)

لعلَّ المراد بهما: المغني والشرح الكبير، وهو فيهما كذلك، انظر: المغني (13/ 251)، الشرح الكبير (10/ 453).

(7)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 460) رقم 1101.

(8)

لم نقف عليها في مسائل أبي داود المطبوعة، ورواها الخلال كما في المصدر السابق.

(9)

الاختيارات الفقهية ص / 460.

ص: 254

الذِّمي

(1)

(أكرمك الله، وهداك الله، يعني بالإسلام). قال إبراهيم الحربي لأحمد: يقول له: أكرمك الله؟ قال: نعم، يعني بالإسلام

(2)

.

(ويجوز) قول المسلم للذِّمي (أطال الله بقاءك، وأكثر مالك وولدك، قاصدًا بذلك كثرة الجزية) لكن كَرِه أحمد

(3)

الدُّعاء لكل أحد بالبقاء ونحوه؛ لأنه شيء فُرغ منه. واختاره الشيخ تقي الدين

(4)

. واستعمله

(5)

ابن عقيل وغيره، وصح أنه صلى الله عليه وسلم دَعَا لأنس بطُولِ العُمر

(6)

. وقد روى أحمد وغيره من حديث ثوبان: "لا يَردُّ القدرَ إلا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمر إلا البرُّ"

(7)

إسناده ثقات. قاله في "المبدع". وفي "شرح

(1)

في "ح": "أي لذمي".

(2)

انظر: أحكام أهل الذمة (1/ 205).

(3)

مسائل عبد الله (3/ 1349) رقم 1869، ومسائل ابن هانئ (2/ 184) رقم 2004، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 467) رقم 1129.

(4)

الاختيارات الفقهية ص / 460.

(5)

في "ح"، و"ذ":"ويستعمله".

(6)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 225، حديث 653، وابن سعد (7/ 19)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 532)، وأبو يعلى (7/ 233) حديث 4236، والطبراني في الأوسط (1/ 310) حديث 511، وابن عساكر في تاريخه (9/ 353، 354، 348). وصحح إسناده الحافظ في الفتح (4/ 229)، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 260).

(7)

أحمد (5/ 277، 280، 282). وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في السنة، باب 10، حديث 90، وفي الفتن، باب 22، حديث 4022، ووكيع في الزهد (3/ 711) حديث 407، وابن أبي شيبة (10/ 441)، وهناد في الزهد (2/ 491) حديث 1009، والروياني في مسنده (1/ 420) حديث 643، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (8/ 79) حديث 3069، وابن حبان "الإحسان"(3/ 153) حديث 872، والطبراني في الكبير (2/ 100) حديث 1442، وفي كتاب الدعاء (2/ 799) حديث 31، وابن عدي (2/ 448)، والحاكم (1/ 493)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان =

ص: 255

المهذب" للنووي

(1)

: نقل أبو جعفر النحاس اتفاق العلماء على كراهة قول: أطال الله بقاءك، وقال بعضهم: هي تحية الزنادقة.

(ولو كتب كتابًا إلى كافر، وكتب) أي: أراد أن يكتب (فيه سلامًا، كتب: سلام على من اتبع الهدى) لأن ذلك معنًى جامع.

(وإن سلَّم على من ظنه مسلمًا، ثم عَلِم أنه ذِمي استُحب قوله) أي: المُسْلِم (له) أي: للذِّمي (رُدَّ عليَّ سلامي) لما روي عن ابن عمر: "أنهُ مرَّ على رجلٍ فسلَّم عليه. فقيلَ: إنه كافرٌ، فقال: رُدَّ عليَّ ما سَلَّمتُ عليكَ، فردَّ عليه، فقال: أكثرَ الله مالكَ وولدَك، ثم التَفَتَ إلى أصحابه فقال: أكثر للجزيةِ"

(2)

.

(وإن سَلَّم أحدهم) أي: أهل الذِّمة (لزم ردّه، فيقال له: وعليك، أو: عليكم) بلا واو (وبالواو أولى) لكثرة الأخبار. وروى أحمد بإسناده عن أنس أنه قال: نُهينا أو أُمرنا أنْ لا نزيدَ أهلَ الذِّمةِ على وعليكُم

(3)

.

= (2/ 10)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 35) حديث 831، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 258) حديث 10233، والبغوي في شرح السنة (13/ 6) حديث 3418، والمزي في تهذيب الكمال (14/ 366).

قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 54). وسألت شيخنا أبا الفضل العراقي رحمه الله عن هذا الحديث، فقال: حديث حسن. وقال -أيضًا - (2/ 302): هذا إسناد حسن.

(1)

المجموع شرح المهذب (1/ 87)(4/ 423).

(2)

أخرجه الخلال في أحكام أهل الملل من الجامع (2/ 459) رقم 1100، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ص / 381، رقم 1115، وعبد الرزاق، (10/ 392) رقم 19458، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 462) رقم 8906، بنحوه.

(3)

(3/ 113). وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (2/ 348 - 349)، وعبد الرزاق (6/ 11) حديث 9838، وابن أبي شيبة (8/ 631)، والحارث بن أبي =

ص: 256

وعند الشيخ تقي الدين

(1)

: يرد مثل تحيته، فيقول: وعليك مثل تحيتك.

(وإذا لقيه المُسلِم في طريق، فلا يوسع له، يضطره

(2)

إلى أضيقه) لحديث أبي هريرة. وتقدم

(3)

.

(وتُكره مصافحته) نص عليه

(4)

.

(و) يُكره (تشميته) قاله القاضي، وهو كلام أحمد

(5)

، وابن عقيل. وعن أبي موسى:"أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاءَ أن يقولَ لهم: يرحَمُكُم الله، فكان يقولُ لهم: يهْديكُم اللهُ ويُصْلِحُ بالكُمْ". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه

(6)

.

= أسامة، "بغية الباحث" ص / 252، حديث 808، والطحاوي (4/ 343)، والخطيب في الكفاية في علم الرواية ص / 420، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 90).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 41): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وجوَّد إسناده الحافظ في الفتح (11/ 45).

(1)

انظر الاختيارات الفقهية ص / 460.

(2)

في "ذ": "ويضطره".

(3)

تقدم تخريجه (7/ 254)، تعليق رقم (3).

(4)

مسائل ابن هانئ (1/ 186) رقم 927، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 463 - 464)، رقم 1113 - 1115.

(5)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 465) رقم 1123.

(6)

أحمد (4/ 400، 411)، وأبو داود في الأدب، باب 101، حديث 5038، والنسائي في الكبرى (6/ 76) حديث 10061، والترمذي في الأدب، باب 3، حديث 2739، وأخرجه -أيضًا- البخاري -في الأدب المفرد ص / 323، 381، حديث 940، 1114، والبزار (8/ 135) حديث 3145، والروياني في مسنده (1/ 299) حديث 443، والطحاوي (4/ 302)، وفي شرح مشكل الآثار (10/ 182) حديث 4014، 4015، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص / 232، حديث 262، والطبراني في الدعاء (3/ 1689) حديث 1986، والحاكم (4/ 268)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 31) حديث 9351، وابن عبد البر في =

ص: 257

(و) يُكره (التعرُّض لما يوجب المودة بينهما) لعموم قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية

(1)

.

(وإن شمَّته كافرٌ أجابه) لأن طلب الهداية لهم جائز؛ للخبر السابق.

(وتحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم) لأنه تعظيم لهم، أشبه السلام.

(وعنه

(2)

: تجوز العيادة) أي: عيادة الذِّمي (إن رُجي إسلامه، فيعرضه عليه، واختاره الشيخ

(3)

وغيره)، لما روى أنس:"أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عادَ يهوديًّا، وعرَضَ عليهِ الإسلامَ، فأسلمَ، فخرجَ وهو يقولُ: الحمد للهِ الذي أنقذَهُ بي مِنَ النَّارِ" رواه البخاري

(4)

؛ ولأنه من مكارم الأخلاق.

(وقال) الشيخ

(5)

: (ويحرم شُهودُ عيد اليهود والنصارى) وغيرهم من الكفار (وبيعُهُ لهم فيه) وفي "المنتهى": لا بيعنا لهم فيه (ومهاداتُهم لعيدهم) لما في ذلك من تعظيمهم، فيشبه بداءتهم بالسلام.

= التمهيد (17/ 333)، وفي الاستذكار (27/ 168).

وقال الحاكم: هو حديث متصل الإسناد.

وقال ابن عبد البر: انفرد به حكيم بن الديلم، وهو عندهم ثقة مأمون.

(1)

سورة المجادلة، الآية:22.

(2)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 291 - 292) رقم 600، 601، 602، 604، 605، 606، وكتاب الروايتين والوجهين (1/ 199)، وطبقات الحنابلة (1/ 54).

(3)

انظر الاختيارات ص / 460.

(4)

في الجنائز، باب 80، حديث 1356، وفي المرضى، باب 11، حديث 5657.

(5)

الاختيارات الفقهية ص / 349.

ص: 258

(ويحرم بيعُهم) وإجارتُهم (ما يعملونه كنيسة أو تمثالًا) أي: صنمًا، (ونحوه) كالذي يعملونه صليبًا؛ لأنه إعانةٌ لهم على كفرهم. وقال تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

(1)

.

(و) يَحرم (كلُّ ما فيه تخصيص لعيدهم وتمييز لهم، وهو من التشبُّه بهم، والتشبُّه بهم منهيٌّ عنه إجماعًا

(2)

) للخبر

(3)

(وتجب عقوبة فاعله.

وقال

(4)

: والكنائسُ ليست مِلكًا لأحد، وأهلُ الذِّمة ليس لهم مَنْعُ من يعبد الله فيها؛ لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم وبينَ الغافلين أعظم أجرًا. انتهى).

قلت: وفي معناه الأماكن التي تكثر فيها المعاصي؛ لما فيه من إحيائها، ولهذا قيل:

إني اطَّلعت على البقاع وَجَدتها

تشقى كما تشقى الرجالُ وتسعد

(5)

"تتمة": قال ابن هبيرة في الحديث الرابع من حديث أبي موسى: وروي عن أحمد بن حنبل

(6)

أنه كان إذا رأى يهوديًّا أو نصرانيًّا غمض عينيه، ويقول: لا تأخذوا عني هذا، فإني لم أجده عن أحد ممن تقدم، ولكني لا أستطيع أن أرى من كَذَبَ على الله.

(وتُكره التجارة والسفر إلى أرض العدوّ، وبلاد الكفر مطلقًا) مع

(1)

سورة المائدة، الآية:2.

(2)

انظر اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 363، 365، 370، 390، 391، 406).

(3)

تقدم تخريجه (2/ 278)، تعليق رقم (2).

(4)

الاختيارات الفقهية ص / 349.

(5)

ديوان ابن نباتة المصري ص / 161، وفيه: وإذا نظرت إلى البقاع.

(6)

طبقات الحنابلة (1/ 12، 56)، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص / 328، والآداب الشرعية (1/ 417).

ص: 259

الأمن والخوف (وإلى بلاد الخوارج، والبغاة، والروافض، والبدع المضلة، ونحو ذلك) لأن الهجرة منها -أنْ لَوْ كان فيها- مستحبة إن قدر على إظهار دينه (وإن عَجَزَ عن إظهار دينه فيها، حَرم

(1)

سفره إليها) لأنه تعريضٌ بنفسه إلى المعصية.

(ويمنعون من تعلية بنيان -لا) من (مساواته- علي بنيان جار مسلم، ولو كان بنيان المسلم في غاية القِصَرِ، أو رضي) المسلم؛ لأنه حق لله تعالى. زاد ابن الزاغوني: يدوم على دوام

(2)

الأوقات، ورضاه يُسقط حق من يأتي بعده (وإن لم يلاصق) ببنيانه بنيان المسلم (بحيث يطلق عليه اسم الجار، قَرُب أو بَعُد) لأن الإسلام يعلو ولا يُعلى؛ ولأن فيه ترفُّعًا على المسلمين، فمنعوا منه؛ كالتصدير في المجلس

(3)

(حتى ولو كان البناء مشتركًا بين مسلم وذِمي) لأن ما لا يتم اجتناب المُحرَّم إلا باجتنابه، مُحرَّم، قاله الشيخ تقي الدين

(4)

.

(ويجب هدمه -أي: العالي- إن أمكن هدمه بمفرده، واقتصر عليه) أي: على هدم العالي؛ لزوال المفسدة به.

وأما المساواة فلا يمنعون منها، كما تقدم؛ لأنها لا تُفضي إلى علوِّ الكفر، ولا إلى اطلاعهم على عوراتنا.

(ويَضمنُ ما تَلِفَ به) أي: العالي (قبلَه) أي: قبل هدمه لتعديه بالتعلية؛ لعدم إذن الشارع فيها.

(1)

في "ذ": "فحرام".

(2)

في "ح": "بدوام".

(3)

في "ح" و"ذ": "المجالس".

(4)

مجموع الفتاوى (30/ 12 - 13)، والاختيارات الفقهية ص / 458.

ص: 260

(وإن ملكوه

(1)

من مسلم) لم ينقض، سواء كان بشراء أو غيره؛ لأنهم ملكوها بهذه الصفة، ولم يعملوا شيئًا. فإن ملكت

(2)

من كافر وجب نقضها.

(أو بنى المسلم) إلى جانب جار الذِّمي (أو مَلَكَ) المسلم (دارًا إلى جانب دار الذِّمي دونها، لم تُنْقَض) لأنه لم يُعلها، بل ملكها كذلك.

(لكن لا تُعاد عالية لو انهدمت، أو هدمت) ظلمًا أو بحق؛ لأنه بعد انهدامه كأنه لم يوجد

(3)

.

(فإن تشعَّث العالي) الذي لا يجب هدمه (ولم ينهدم، فله رَمُّه وإصلاحه) لأنه استدامة له، لا إنشاء تعليةٍ.

(وإن كانوا في محلَّة منفردة عن المسلمين؛ لا يجاورهم فيها مسلم، تُرِكوا وما يبنونه، كيف أرادوا) وكذا لو كانت داره في طرف البلد حيث لا جار؛ لأنه لا معنى للمطاولة، فلا يمنع من التعلية، ذكره في "البلغة".

(ولو وجدنا دارَ ذِميٍّ عالية ودارَ مسلم أنزل منها، وشككنا في السابقة، فقال) بعض الأصحاب: لم يعرض له فيها. وقال أبو عبد الله محمد شمس الدين (ابن) أبي بكر (القيم) بالمدرسة الجوزية (في كتاب "أحكام الذمة"

(4)

له: لا تقر) دار الذِّمي عالية (لأن التعلية مفسدة، وقد شككنا في شرط الجواز. انتهى) والأصل عدمه.

(1)

في "ح" و"ذ": "ملكوه عاليًا".

(2)

في "ذ": "وإن كانت ملكت".

(3)

في "ذ": "لأنه بعد انهدامها كأن لم توجد".

(4)

(2/ 708).

ص: 261

(ولو أُمِر الذمي بهدم بنائه) العالي (فبادر) الذِّمي (وباعه من مسلم) أو وهبه له، أو وقفه عليه، ونحوه، مما يخرجه عن ملكه (صح) البيع ونحوه (وسقط الهدم كما لو بادر وأسلم) لزوال المفسدة.

(ويمنعون من إحداث كنائس وبِيَع في دار الإسلام، و) من (بناء صومعة راهب، ومجمع لصلواتهم، قاله في "المستوعب") لقول ابن عباس: "أيُّما مِصْرٍ مَصَّرتْه العربُ، فليسَ للعجم أنْ يَبْنُوا فيه بِيعَةً" رواه أحمد

(1)

واحتج به

(2)

.

والكنائس: واحدها كنيسة، وهي معبد النصارى. والبِيَع: جمع بيعة، قال الجوهري

(3)

: هي للنصارى، فهما حينئذ مترادفان، وقيل: الكنائس لليهود، والبِيَع للنصارى، فهما متباينان، وهو الأصل.

(وما فُتح) من الأراضي (صُلحًا على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عنها، فلهم إحداث ما يختارون) ولا يمنعون شيئًا مما تقدم؛ لأنهم في بلادهم أشبهوا أهل الحرب زمن الهُدنة.

(وإن صُولحوا على أنَّ الدار للمسلمين، فلهم الإحداث بشرطٍ

(1)

لم نقف عليه مسندًا في كتب الإمام أحمد المطبوعة، وقد أخرجه من طريقه الخلال في أحكام أهل الملل من الجامع (2/ 421) رقم 970، وذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 674، 693) عن الإمام أحمد بإسناده. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في الأموال ص / 126، رقم 269، وعبد الرزاق (6/ 60)، رقم 1002، (10/ 320)، رقم 19234، وابن أبي شيبة (12/ 342)، والحربي في غريب الحديث (3/ 1203)، والبيهقي (9/ 201)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 182). وضعَّفه الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 129).

(2)

مسائل عبد الله ص / 855 - 857 رقم 1147، 1148، ومسائل صالح (2/ 187) رقم 747.

(3)

في الصحاح (3/ 1189).

ص: 262

فقط) لأنه فعلٌ استحقوه بالشرط، فجاز لهم فعله كسائر الشروط، فإن لم يشرطوها

(1)

مُنِعوا من إحداثها.

(ولا يجب هدم ما كان موجودًا منها) أي: من البِيَع والكنائس ونحوها (وقت فتح) الأرض التي هي بها (ولو كان) فتحها (عنوةً) لمفهوم خبر ابن عباس السابق، وغيره.

(ولهم) أي: أهل الذِّمة (رَمُّ ما تشعَّثَ منها) أي: الكنائس، والبِيَع، ونحوها؛ لأنهم لما ملكوا استدامتها ملكوا رَمَّ شعثها (لا الزيادة) أي: ليس لهم الزيادة بتوسعة أو تعلية للكنائس

(2)

ونحوها؛ لأن الزيادة في معنى إحداثها، إذ المَزِيدُ منها مُحدَثٌ، فكان كإحداث الكنائس، ونحوها المنهي عنه.

(ويُمنعون من بناء ما استُهدِم منها) أي: الكنائس ونحوها (ولو) كان المنهدم منها (كلها، أو هُدم) منها (ظلمًا) لأنه بناء كنيسة في دار الإسلام، فمُنعوا منه، كابتداء بنائها. قال في "المبدع": والمذهب أن الإمام إذا فتح بلدًا فيه

(3)

بِيعة خراب لم يجز بناؤها؛ لأنه إحداث لها في حكم الإسلام.

(و) يُمنعون (من إظهار منكَرٍ) كنكاح المحارم (و) من (إظهار ضَرْب ناقوس، ورفع صوتهم بكتابهم، أو) رفع صوتهم (على ميت، وإظهار عيد وصليب) لأن في شروطهم لابن غَنْم: "وأنْ لا نَضْربَ ناقوسًا إلا ضَرْبًا خفيًّا

(4)

في جَوْفِ كنائسِنا، ولا نَظْهَرَ عليها، ولا نَرْفَعَ أصواتنا

(1)

في "ح" و"ذ": "يشترطوها".

(2)

في "ح": "الكنائس".

(3)

في "ذ": "فيها".

(4)

في "ذ": "خفيفًا".

ص: 263

في الصَّلاةِ، ولا القراءَة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وأن لا نُظهر صليبًا ولا كتابًا في سُوق المسلمينَ، وأنْ لا نخرج باعوثًا

(1)

ولا شعانين

(2)

، ولا نَرفَعَ أصواتنا مع موتانا، وأن لا نُجاورَهُم بالجنائزِ، ولا نُظْهِر شِرْكًا"

(3)

.

(و) يُمنعون -أيضًا- من إظهار (أكل وشُرْب في نهار رمضان، ومن إظهار بيع مأكول فيه كشواء، ذكره القاضي) لما فيه من المفاسد. قال في "المبدع": فظهر أنه ليس لهم إظهار شيء من شعار دينهم في دار الإسلام، لا وقت الاستسقاء ولا لقاء الملوك، ولا غير ذلك. وقاله الشيخ تقي الدين

(4)

.

(و) يُمنعون (من شراء مصحف، وكتاب فقه، وحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال في "المستوعب": أو أخبار صحابته.

(و) يُمنعون (من ارتهان ذلك، ولا يصحان) أي: بيع ورهن المصحف وما عطف عليه لهم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

(5)

ولما يؤدَّي إليه ذلك من امتهان كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

(1)

الباعوث: صلاة ثاني عيد الفصح عند النصارى الشرقيين، أو الصلاة في طلب المطر، وهي كلمة سريانية معناها: الطلبة والابتهال. محيط المحيط (1/ 14) مادة (بعث).

(2)

الشعانين: ويقال: السعانين. عيد للنصارى قبل عيد الفصح بأسبوع يخرجون فيه بصلبانهم، وهي كلمة عبرانية معرَّبة معناها: خَلّصنا. محيط المحيط (1/ 413) مادة (سعنن).

(3)

تقدم تخريجه (7/ 243)، تعليق رقم (3).

(4)

الاختيارات الفقهية ص / 460.

(5)

سورة المائدة، الآية:2.

ص: 264

(ولا يُمنعون من شراء كتب اللُّغة، والأدب، والنحو، والتصريف التي لا قرآن فيها) ولا أحاديث (دون كتب الأصول) أي: أصول الدين والفقه، فيمنعون من شرائها، ككتب الفقه، وأَولى.

(ويُكره بيعهم ثيابًا مكتوبًا عليها -بطراز وغيره

(1)

- ذِكْر الله تعالى، أو كلامه) حذارًا

(2)

من أن يُمتهن.

(ويُمنعون من قراءة قرآن، و) من (إظهار خمر وخنزير، فإن فعلوا أتلفناهما، وإلا) أي: وإن لم يظهروهما (فلا) نتعرَّض لهما.

(وإن باعوا الخمر للمسلمين، استحقُّوا العقوبة، وللسلطان أن يأخذ منهم الأثمان التي قبضوها من مال المسلمين بغير حق) لبطلان بيع الخمر، وتحريم الاعتياض عنه (ولا ترد إلى من اشترى بها منهم الخمر، فلا يجمع له بين العِوض والمُعوَّض.

ومن باع خمرًا للمسلمين، لم يملك ثمنه) لحديث:"إنَّ اللهَ إذا حرَّم شيئًا، حرَّمَ ثمنَهُ"

(3)

. (ويُصرف) ما أُخذ منه (في مصالح

(1)

في "ح" و"ذ": "أو غيره".

(2)

في "ذ": "حذرًا".

(3)

أخرجه أبو داود في البيوع، باب 66، حديث 3488، والشافعي في السنن المأثورة ص / 285، حديث 269، وابن أبي شيبة (6/ 100)، وأحمد (1/ 247، 293، 322، وابن المنذر في الأوسط (2/ 281، 292) حديث 868، 885، وابن حبان "الإحسان"(11/ 312) رقم 4938، والطبراني في الكبير (12/ 155) حديث 12887، والدارقطني (3/ 8)، والبيهقي (6/ 13) و (9/ 353)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 44) و (17/ 402)، وفي الاستذكار (26/ 319)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 188) حديث 1475، والضياء في المختارة (9/ 510) حديث 493 - 496، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وصحَّح إسناده ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 204). =

ص: 265

المسلمين، كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن، وأمثال ذلك، مما هو عِوض عن عين أو منفعة محرَّمة، إذا كان العاصي قد استوفى المعوض، قاله الشيخ

(1)

) لئلا يُجمع له بين العِوض والمعوَّض. قلت: مقتضى قواعد المذهب بقاء العِوض على ملك باذله؛ لبطلان العقد، فلا يترتَّب عليه أثره من انتقال الملك.

(وإن صُولحوا) أي: الكفار (في بلادهم على إعطاء جِزية، أو خراج، لم يُمنعوا شيئًا من ذلك) لأن بلدهم ليس ببلد إسلام لعدم ملك المسلمين إيَّاه، فلا يُمنعون من إظهار دينهم فيه كمنازلهم، بخلاف أهل الذِّمة، فإنهم في دار الإسلام، فمُنِعوا منه.

(ويُمنعون دخول حَرَمِ مكة) نص عليه

(2)

؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}

(3)

والمراد: حرم مكة {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيلَةً}

(3)

أي: ضررًا بتأخير الجلب عن الحرم، ويؤيده:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

(4)

أي: الحرم؛ لأنه أُسْري به من بيت أم

= وأصل الحديث عند البخاري في البيوع، باب 103، حديث 2223، وفي أحاديث الأنبياء، باب 50، حديث 3460، وعند مسلم في المساقاة، حديث 1582، عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: بَلَغَ عمر أنَّ فلانًا باع خمرًا فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود، حرَّمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها. لفظ البخاري.

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 667)، والفتاوى الكبرى (4/ 329).

(2)

مسائل الكوسج (3/ 212) رقم 3306، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 127) رقم 142، وكتاب الروايتين والوجهين (2/ 386).

(3)

سورة التوبة، الآية:28.

(4)

سورة الإسراء، الآية:1.

ص: 266

هانئ

(1)

(2)

.

وإنما مُنع منه دون الحجاز؛ لأنه أفضل أماكن العبادات للمسلمين وأعظمها؛ لأنه محلُّ النسك، فوجب أن يُمنع منه من لا يؤمن به، وظاهره: مطلقًا، أي: سواء أذن له أو لا لإقامة أو غيرها (ولو) كان

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة: "لا من نفس المسجد".

(2)

أخرجه محمد بن إسحاق كما في تفسير ابن كثير (3/ 22)، ومن طريقه ابن هشام في السيرة (1/ 402)، وابن جرير في تفسيره (15/ 2)، وأبو موسى المديني في الذيل على كتاب الصحابة كما في الإصابة (13/ 149) عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح باذام، عن أم هانئ، به.

قال ابن كثير: الكلبي متروك بمرة ساقط. واستنكره الحافظ ابن حجر في الإصابة.

قنا: وأبو صالح باذام: ضعيف يدلس كما في التقريب رقم 639.

وأخرجه الطبراني في الكبير (24/ 432) رقم 1059 عن عبد الأعلى بن أبي المساور، عن عكرمة، عن أم هانئ، به.

قال الهيثمي في المجمع (6/ 76): فيه عبد الأعلى بن أبي المساور متروك كذاب.

وأخرجه أبو يعلى في مسنده كما في المطالب العالية (4/ 379) رقم 4231، وفي معجمه ص / 63، رقم 10، والضياء في فضائل بيت المقدس ص / 80، رقم 52، وابن سيد الناس في عيون الأثر (1/ 140)، والذهبي في تاريخ الإسلام (1/ 244) عن محمد بن إسماعيل الوساوسي، ثنا حمزة، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي صالح باذام، عن أم هانئ قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي، فقال: شعرت أني نمتُ الليلة في المسجد الحرام فأتاني جبريل

الحديث".

قال الذهبي: حديث غريب، الوساوسي ضعيف تفرد به.

قال الحافط ابن حجر: هذا أصح من رواية الكلبي، فإن في روايته من المنكر أنه صلَّى العشاء الآخرة والصبح معهم، وإنما فُرضت الصلاة ليلة المعراج، وكذا نومه تلك الليلة في بيت أم هانئ، وإنما نام في المسجد.

قلنا: وقصة إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام رواها البخاري في مناقب الأنصار، باب 42، حديث 3887، ومسلم في الإيمان، حديث 164، عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه.

ص: 267

الكافر (غير مكلَّف) لعموم الآية.

فـ (لا

(1)

) يمنعون دخول (حَرَم المدينة) لأنَّ الآية نزلت واليهود بالمدينة، ولم يُمنعوا من الإقامة بها.

(فإن قدم رسول) من الكفار (لابُدَّ له من لقاء الإمام وهو) أي: الإمام (به) أي: بالحَرَم المكي (خرج) الإمام (إليه، ولم يأذن له) في الدخول؛ لعموم الآية.

وإن كان معه تجارة أو مِيرة خرج إليه من يشتري منه، ولم يُمكَّن من الدخول، للآية.

(فإن دخل) الكافرُ الحَرَمَ؛ رسولًا كان أو غيره (عالمًا عُزِّر) لإتيانه محرَّمًا (وأُخرج) من الحرم.

(ويُنهى الجاهل) عن العود لمثل ذلك (ويُهدَّد ويُخرج، قاله الموفق والشارح وابن حمدان وغيرهم) ولا يعزَّر؛ لأنه معذور بالجهل.

(فإن مرض) بالحرم (أو مات) به (أُخرج) منه؛ لأنه إذا وجب إخراجه حيًّا، فإخراج جيفته أَولى. وإنما جاز دفنه بالحجاز سوى حَرَم مكة؛ لأن خروجه من حَرَم مكة سهل ممكن، لقرب الحِلَّ منه، وخروجه من أرض الحجاز، وهو مريض أو ميت، صعب مشق؛ لبعد المسافة.

(وإن دُفن) بالحرم (نُبِش) وأُخرج (إلا أن يكون قد بَلِيَ) فيترك، وكذا لو تصعب إخراجه لنتنه وتقَطُّعهِ؛ للمشقة في إخراجه، ذكره في "الشرح".

(وإن صالحهم الإمام على دخول الحرم بعِوض، فالصلح باطل) لأنه صلحٌ يحِلُّ حرامًا.

(1)

في "ذ": "ولا".

ص: 268

(فإن دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه، لم يردَّ عليهم العِوض) لئلا يجمعوا بين العِوض والمعوّض. قال في "الشرح": ويحتمل أن يرد عليهم العِوض بكل حال؛ لأن ما استوفوه لا قيمة له، والعقد لم يوجب العِوض؛ لبطلانه.

(وإن دخلوا إلى بعضه) أي: بعض الموضع الذي صالحهم عليه (أخذ من العِوض بقدره) لما تقدم، وفيه ما سبق.

(ويُمنعون من الإقامة بالحجاز، وهو الحاجز بين تِهامة) بكسر التاء، وهي اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تِهامة، سُميت تِهامة من التَّهَمِ -بفتح التاء والهاء- وهي شدة الحر، وركود الريح، ذكره في "حاشيته" (ونجد) وهو ما ارتفع من الأرض وعبارة "المبدع": قيل: هو -يعني الحجاز- ما بين اليمامة والعروض، وبين اليمن ونجد (كالمدينة واليمامة وخيبر واليَنْبُع وَفَدَك) بفتح الفاء والدال المهملة، قرية بينها وبين المدينة يومان (وما والاها من قراها.

قال الشيخ

(1)

: منه تبوك ونحوها، وما دون المنحنى؛ وهو عقبة الصَّوَّان من الشام، كمَعان) والأصل في ذلك ما روى أبو عبيدة بن الجرَّاح: أن آخِرَ ما تَكلَّمَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: "أخْرِجُوا اليهودَ من أرضِ الحجازِ" رواه أحمد

(2)

.

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 631).

(2)

(1/ 195، 196). وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (4/ 57)، والطيالسي ص / 31، حديث 229، والحميدي (1/ 46) حديث 85، وأبو عبيد في الأموال ص / 129، حديث 276، ومسدد وابن أبي عمر العدني، كما في إتحاف الخيرة (5/ 195) حديث 4519، وابن أبي شيبة (12/ 344)، والدارمي في السير، باب 55، حديث 2498، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 38)، وابن أبي عاصم في =

ص: 269

وقال عمر: "سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لأخْرجن اليهود والنصارى مِنْ جزيرة العربِ، فلا أتْرك فيها إلَّا مسلمًا" رواه الترمذي

(1)

. وقال: حسن صحيح. والمراد الحجاز؛ بدليل أنه ليس أحد من الخلفاء أخرج أحدًا من اليمن وتيماء.

قال أحمد

(2)

: جزيرة العرب: المدينة وما والاها، يعني: أن الممنوع من سُكنى الكفار به: المدينة وما والاها، وهو مكة والمدينة وخيبر والينبع وفَدَك ومخاليفها.

(وليس لهم دخوله) أي: الحجاز (إلا بإذن الإمام) كما أن أهل الحرب لا يدخلون دار الإسلام إلا بإذن الإمام

(3)

.

= الآحاد والمثاني (1/ 184) حديث 234، 235، 236، والبزار (4/ 105) حديث 1278، وأبو يعلى (2/ 177) حديث 872، والشاشي (1/ 298) حديث 264، وأبو نعيم في الحلية (8/ 372، 385)، وفي معرفة الصحابة (1/ 154) حديث 599، والبيهقي (9/ 208)، والخطيب في الموضح (1/ 385)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 15)، وابن عساكر في تاريخه (25/ 435)، والضياء في المختارة (3/ 319) حديث 1122، 1123.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 28): رواه البزار ورجاله ثقات.

وقال أيضًا (5/ 325): رواه أحمد بإسنادين، ورجال طريقين منها ثقات متصل إسنادهما، ورواه أبو يعلى.

قال البوصيري: رجاله كلهم ثقات

، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب رواه أحمد بن حنبل في المسند [1/ 87]. وانظر: علل الدارقطني (4/ 439)، وتعجيل المنفعة (1/ 291).

(1)

في السير، باب 43، حديث 1697. وأخرجه -أيضًا- مسلم في الجهاد والسير، حديث 1767.

(2)

الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 197، والمغني (13/ 243)، وأحكام أهل الذمة لابن القيم (1/ 178).

(3)

في "ح" و"ذ": زيادة: "فكذلك أهل الذمة لا يدخلون أرض الحجاز إلا بإذنه".

ص: 270

(وفي "المستوعب": وقد وردت السُّنة بمنعهم من جزيرة العرب) كما تقدم في الخبر.

(وحَدُّ الجزيرة على ما ذكره) الأصمعي

(1)

، و (أبو عبيد) القاسم بن سلام

(2)

(من عدن إلى ريف العراق) والريف: أرض فيها زرع وخصب، والجمع أرياف. قاله في "الحاشية"(طولًا، ومن تِهامة إلى ما وراءها إلى أطراف الشام) عرضًا. قال الخليل

(3)

: إنما قيل لها جزيرة؛ لأن بحر الحبشة وبحر فارس والفرات أحاطت بها، نُسبت إلى العرب؛ لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها.

(فإن دخلوا الحجازَ لتجارة) أو غيرها (لم يقيموا في موضع واحد أكثر من ثلاثة أيام) لأن عمر "أذِنَ لمنْ دخَلَ تاجرًا في إقامة ثلاثة أيَّامٍ"

(4)

فدلَّ على المنع في الزائد.

(وله أن يقيم مثل ذلك) أي: ثلاثة أيام فما دون (في موضع آخر) من أرض الحجاز (وكذا) له أن يقيم ثلاثة فما دون (في) موضع (ثالث،

(1)

انظر: الفائق (1/ 209)، والمغرب (1/ 143)، والمصباح المنير (1/ 135).

(2)

انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/ 67).

(3)

كتاب العين (6/ 62).

(4)

أخرجه مالك في الموطأ رواية أبي مصعب الزهري (2/ 63)، رقم 1864، ورواية سويد بن سعيد ص / 533 رقم 1254، والبيهقي (9/ 209) من طريق نافع، عن أسلم، أن عمر بن الخطاب، به.

ورواه محمد بن الحسن في الموطأ (3/ 378) رقم 872، وابن أبي شيبة (12/ 345) من طريق نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب، به.

ورواه عبد الرزاق (10/ 357) رقم (19360) عن نافع، قال كان عمر

وقال أبو زرعة الرازي كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 277) رقم 831: الصحيح نافع عن أسلم أن عمر

ص: 271

و) موضع (رابع) وهكذا.

(فإن أقام أكثر منها في موضع واحد) من الحجاز (عُزِّر، إن لم يكن) له (عُذر.

فإن كان فيهم) أي: في أهل الذِّمة الداخلين أرض الحجاز لتجارة (مَنْ له دَينٌ) حالٌّ (أُجبرَ غريمه على وفائه) ليخرج (فإن تعذَّر، جازت الإقامة لاستيفائه) لأن العُذر من غيرهم، وفي إخراجهم قبل استيفائه ذهاب أموالهم، وسواء كان التعذُّر لمطل، أو تغيُّب، أو غيرهما.

(وإن كان) الدَّيْن (مؤجَّلًا لم يمكَّن) من الإقامة حتى يحلَّ؛ لئلا يتخذ ذريعة للإقامة (ويوكِّلُ) من يستوفيه له إذا حل.

(وإن مرض) مَنْ دخل الحجاز منهم (جازت إقامته) به (حتى يبرأ) من مرضه؛ لأن الانتقال يشق على المريض (وتجوز الإقامة -أيضًا- لمن يمرضه) لضرورة إقامته (وإن مات دُفن به) لأنه موضع حاجة.

(ولا يمنعون) أي: أهل الذِّمة (من تيماء وفَيد) بفتح الفاء وياء مثناه بعدها، وهي من بلاد طيئ (ونحوهما) من باقي الجزيرة غير الحجاز؛ لما مرَّ أن أحدًا من الخلفاء لم يخرج واحدًا منهم من ذلك.

(وليس لهم دخول مساجد الحِلِّ، ولو بإذن مسلم) لأن عليًّا بَصُرَ بمجوسي، وهو على المنبر، فنزل وضربه وأخرجه

(1)

. وهو قول عمر

(2)

، ولأن حَدَثَ الجنابة والحيض يمنع، فالشرك أولى.

(1)

لم نجد من رواه مسندًا، وذكره الشيرازي في المهذب (5/ 344)، وشمس الدين بن قدامة في الشرح الكبير (10/ 473) عن أم غراب قالت: رأيت عليًّا

وأم غراب قاله في التقريب (8730): لا يعرف حالها.

(2)

أخرج أحمد، كما في أحكام أهل الذمة (1/ 210)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1156) رقم 6510، والبيهقي (9/ 204) و (10/ 127)، وفي شُعب الإيمان =

ص: 272

وصحَّح في "الشرح" وغيره: أنه يجوز بإذن مسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قَدِمَ عليهِ وفْدُ أهْلِ الطَائفِ، فأنزلَهُم في المسجدِ قَبْلَ إسلامهم

(1)

. وأُجيب عنه وعن نظائره: بأنه كان بالمسلمين حاجة إليه، وبأنهم كانوا يخاطبونه صلى الله عليه وسلم ويحملون إليه الرسائل والأجوبة، ويسمعون منه الدعوة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليَخْرُجَ لِكُلِّ مَن قصده من الكفار.

(ويجوز دخولها) أي: مساجد الحل (للذِّمي إذا اسْتُؤجِرَ لعمارتها) لأنه نوع مصلحة، قال في "المبدع": تجوز عمارة كل مسجد وكسوته، وإشعاله بمال كل

(2)

كافر، وأن يبنيه بيده. ذكره في "الرعاية" وغيرها.

= (7/ 43) رقم 9384، عن عياض الأشعري: أنَّ أبا موسى رضي الله عنه وفدَ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعه كاتب نصراني، فأعجب عمر رضي الله عنه ما رأى من حفظه فقال: قل لكاتبك يقرأ لنا كتابًا. قال: إنه نصراني لا يدخل المسجد، فانتهره عمر رضي الله عنه، وهمَّ به، وقال: لا تكرموهم إذ أهانهم الله، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله، ولا تأتمنوهم إذ خونهم الله عز وجل. لفظ البيهقي: وفي رواية: قال أخْرِجْهُ. وحسَّنه الحافظ ابن حجر، كما في فيض القدير (6/ 350).

(1)

أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء، باب 26، حديث 3026، والطيالسي ص / 126، حديث 939، وأحمد (4/ 218)، وعمر بن شبة في أخبار المدينة (2/ 510)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 186) حديث 1520، 1521، وابن الجارود (2/ 28)، حديث 373، وابن خزيمة (2/ 285) حديث 1328، والطبراني في الكبير (9/ 54) حديث 8372، والبيهقي (2/ 444) عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه. قال المنذري في مختصر السنن (4/ 244): قد قيل: إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص.

وأخرجه -أيضًا- أبو داود في المراسيل ص / 80، حديث 17، وعبد الرزاق (1/ 314) حديث 1620، وابن أبي شيبة (2/ 526)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (2/ 510)، والطحاوي (1/ 13) عن الحسن مرسلًا. وانظر التلخيص الحبير (1/ 287).

(2)

قوله: "كل" ليس في "ذ".

ص: 273

وهو ظاهر كلامهم في وقفه عليه ووصيته له، فيكون على هذه

(1)

العمارة في الآية، دخوله وجلوسه فيه، يدلُّ عليه خبر أبي سعيد مرفوعًا: "إذا رأيتُمْ الرَّجلَ يعتادُ المسجد فاشْهَدوا له بالإيمان؛ فإنَّ الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية

(2)

" رواه أحمد وغيره

(3)

. وفي "الفنون": واردة على سبب، وهي عمارة المسجد الحرام، فظاهره: المنع فيه فقط؛ لشرفه. وذكر ابن الجوزي في "تفسيره"

(4)

: أنه يُمنع من بنائه وإصلاحه، ولم يخصَّ مسجدًا، بل أطلق، وقاله طائفةٌ من العلماء.

(1)

في "ح" و"ذ": "هذا".

(2)

سورة التوبة، الآية:18.

(3)

(3/ 68، 76)، والترمذي في الإيمان، باب 8، حديث 2617، وفي تفسير القرآن، باب 10، حديث 3093، وابن ماجه في المساجد والجماعات، باب 19، حديث 802، وابن أبي عمر العدني في الإيمان ص / 68، حديث 3، وعبد بن حميد (2/ 82)، حديث 921، والدارمي في الأذان، باب 23، حديث 1223، وابن خزيمة (2/ 379) حديث 1502، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1766) حديث 10055، وابن حبان "الإحسان"(5/ 6) حديث 1721، وابن عدي (3/ 981، 1013)، والحاكم (1/ 212، 2/ 332)، وابن مردويه كما في تفسير ابن كثير (2/ 341)، واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 927) حديث 1675، وأبو نعيم في الحلية (8/ 327)، والبيهقي (3/ 66)، وفي شعب الإيمان (3/ 81) حديث 2941، والخطيب في تاريخه (5/ 459)، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، به.

قال الترمذي: حديث حسن غريب. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 357 مع الفيض) ورمز لصحته.

قال ابن عدي: لا يتابع دراج عليه.

وقال الحاكم: هذه ترجمة للمصريين لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها، غير أن شيخَي الصحيح لم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: دراج كثير المناكير.

قال مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (4/ 1345): هذا حديث ضعيف الإسناد.

(4)

زاد المسير (3/ 408).

ص: 274

فصل

(وإن اتَّجر ذِميٌّ ولو صغيرًا، أو أنثى، أو تغلبيًّا إلى غير بلده، ثم عاد) إلى بلده (ولم يؤخذ منه الواجب في الموضع الذي سافر إليه من بلادنا، فعليه نصف العشر مما معه من مال التجارة) لما روى أنس قال: "أمَرَني عمرُ أنْ آخُذَ منَ المسلمينَ رُبعَ العُشر، ومن أهل الذِّمةِ نصفَ العُشرِ" رواه أحمد

(1)

. وروى أبو عبيد: "أنَّ عمر بَعَثَ عثمانَ بن حُنيفٍ إلى الكوفة، فجعلَ على أهل الذِّمَّة في أموالِهم التي يختلفونَ فيها، في كل عشرينَ درهمًا درهمًا"

(2)

. وهذا كان بالعراق واشتهر، وعُمل به، ولم يُنكرْ، فكان كالإجماع.

وهو حقٌّ واجب، فاستوى فيه الكبير والصغير، والرجل والمرأة، كالزكاة.

(ويمنعه) أي: نصف العشر (دينٌ ثبت على الذِّمي ببينة، كزكاة) أي: كما أن الدَّين يمنع وجوب الزكاة. وعُلم منه أنه لا يقبل قوله في الدَّين بمجرده؛ إذ الأصل عدمه.

(1)

لم تقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وقد رواه الخلال في أحكام أهل الملل من الجامع (1/ 150) من طريق الإمام أحمد. وأخرجه -أيضًا- أبو يوسف في الخراج ص / 135، وفي كتاب الآثار ص / 90، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 557)، وعبد الرزاق (6/ 95) رقم 10112، وأبو عبيد في الأموال ص / 639، رقم 1655، والبيهقي (9/ 209).

(2)

في كتاب الأموال ص / 86، رقم 172. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 100) رقم 10128، و (10/ 333) رقم 19276، وابن أبي شيبة (3/ 198)، والبيهقي (6/ 354) و (9/ 136).

ص: 275

(ولو كان معه جارية، فادَّعى أنها زوجته، أو ابنته، صُدِّق) لتعذُّر إقامة البينة على ذلك؛ ولأن الأصل عدم ملكه إياها، فلا يؤخذ منه نصف عشر قيمتها.

(ولا يعشّر ثمن خمر وخنزير تبايعوه) نص عليه

(1)

.

قال أبو عبيد

(2)

: ومعنى قول عمر: "وَلُّوهم بيعها، وخُذوا أنتم مِن الثَّمَنِ" أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذِّمة الخمر والخنازير من جزيتهم، وخرج أرضهم بقيمتها، ثم يتولَّى المسلمون بيعها، فأنكره عمر، ثم رخَّص لهم أن يأخذوا من أثمانها، إذا كان أهل الذِّمة المتولِّين لبيعها. وروى بإسناده عن سويد بن غفلة:"أنَّ بلالًا قال لعُمرَ: إنَّ عُمَّالك يأخُذون الخمرَ والخنازير في الخراج، فقال: لا تأخُذُوها، ولكن ولُّوهم بيعها وخُذوا من الثمن"

(3)

.

(وإن اتَّجر حربي إلينا -ولو صغيرًا أو أنثى- أُخذ من تجارته العُشر، دَفعةً واحدة، سواء عَشروا أموال المسلمين إذا دخلت إليهم أم لا) لأن عمر أخذ من أهل الحرب العُشر

(4)

. واشتهر ولم يُنكر، وعمل به

(1)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 139).

(2)

في الأموال ص / 62 عقب أثر 129.

(3)

في الأموال ص / 62، رقم 129. وأخرجه أبو يوسف في الخراج ص / 126، وعبد الرزاق (6/ 23، 74، 8/ 195، 10/ 369) رقم 9886، 10044، 14853، 19396، بلفظ: ولّوهم بيعها، فإن اليهود حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها. وابن أبي شيبة (3/ 228)، وأحمد كما في أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 139)، رقم 180، وفيه: قال الإمام أحمد: إسناده جيد. انظر المحلى (8/ 148) والدراية (2/ 162).

(4)

أخرجه أبو يوسف في الخراج ص / 135، وأبو عبيد في كتاب الأموال ص / 635، رقم 1636، وسعيد بن منصور - كما في التلخيص الحبير (4/ 128)، والبيهقي =

ص: 276

الخلفاء بعده.

وكذا حكم المستأمن إذا اتَّجر إلى بلد الإسلام.

(ولا يؤخذ) العُشر ولا نصفه (من أقل من عشرة دنانير فيهما) أي: فيما إذا اتَّجر الحربي أو الذِّمي، نصَّ عليه

(1)

؛ لأنه مال يجب فيه حقٌّ بالشرع، فاعتبر له النصاب، كالزكاة، وخص بالعشرة؛ لأن ذلك المأخوذ مال يبلغ واجبه نصف دينار، فوجب اعتباره كالعشرين في حق المسلم.

(ويؤخذ) نصف العُشر من الذِّمي، والعُشر من الحربي (كل عام مرة) نص عليه

(2)

؛ لما روي: "أنَّ نصرانيًّا جاء إلى عمرَ فقال: إنَّ عَاملَك عَشرَني في السَّنَة مرتين، قال: ومن أنتَ؟ قال: أنا الشيخُ النصرانيُّ، فقال عمر: وأنا الشيخُ الحَنيفُ، ثم كَتَبَ إلى عامِله ألا يُعَشِّرَ في السنةِ إلَّا مَرَّةً" رواه أحمد

(3)

.

ولأن الجِزية والزكاة إنما يؤخذان في السنة مرة، فكذا هنا.

= (9/ 210) عن زياد بن حُدير.

وأخرجه أبو يوسف -أيضًا- في الخراج ص / 135، والخلال في أحكام أهل الملل من الجامع (1/ 150) عن أنس رضي الله عنه.

(1)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 136).

(2)

مسائل صالح (2/ 124) رقم 1482، وانظر: أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 134 - 137).

(3)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وقد رواه من طريقه الخلال في أحكام أهل الملل (1/ 148) رقم 204. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 199) عن وكيع، عن سفيان، عن غالب بن الهذيل، عن إبراهيم، مرسلًا.

وأخرجه أبو يوسف في الخراج ص / 136، ويحيى بن آدم في الخراج ص / 67، رقم 311، وأبو عبيد في الأموال ص / 646، رقم 1685، وابن أبي شيبة (3/ 199)، والبيهقي (9/ 211) عن زياد بن حدير، عن عمر رضي الله عنه.

ص: 277

وذكر الموفق: للإمام تركه، إذا رأى المصلحة فيه.

ومتى أخذ ذلك كتب لهم به حُجَّة، لتكون وثيقة لهم، وحُجَّة على من يمرون عليه.

ولا يُعشِّرهم ثانية إلا من معه أكثر من المال الأول، فيأخذ من الزيادة؛ لأنها لم تُعشَّر.

(ويحرم تعشير أموال المسلمين، والكُلَف التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعًا

(1)

. قال القاضي: لا يسوغ فيها اجتهاد.

قال الشيخ

(2)

: لِوَليٍّ) أي: في النكاح (يعتقد تحريمه مَنْعُ موليته من التزويج ممن لا ينفق عليها إلا منه) لأنه منعٌ بحقٍّ.

(وعلى الإمام حفظهم) أي: أهل الذمة (والمنع من أذاهم) لأنهم بذلوا الجِزية على ذلك (واستنقاذ أَسْرَاهُم) لأنه جرت عليهم أحكام الإسلام، وتأبَّدَ عهدهم، فيلزمه

(3)

ذلك، كما يلزمه للمسلمين (بعد فكِّ أسرانا) فيبدأ بفداء المسلمين قبلهم؛ لأن حرمة المسلم أعظم (ولو لم يكونوا في معونتنا) خلافًا للقاضي، قال: إنما يجب فداؤهم، إذا استعان بهم الإمام في قتال، فسُبوا.

(ويُكره أن يستعين مسلمٌ بذِمِّي في شيء من أمور المسلمين، مثل كتابة، وعمالة، وجباية خراج، وقسمة فيء، و) قسمة (غنيمة، وحفظ ذلك في بيت المال وغيره، ونَقلِهِ) أي: نقل ما ذكر من موضع إلى آخر، (إلا لضرورة) لأن أبا موسى دخل على عمر، ومعه كتاب قد كتب فيه

(1)

الإجماع لابن المنذر ص / 52، ومراتب الإجماع لابن حزم ص / 203 - 204.

(2)

مختصر الفتاوى المصرية للبعلي ص / 455.

(3)

في "ح" و"ذ""فلزمه".

ص: 278

حساب عمله، فقال له عمر:"ادْعُ الذي كتبه؛ ليقرأهُ، قال: إنه لا يدخُل المسجدَ، قال: وَلِمَ لا يَدْخُله؟ قال: إنَّه نصرانيٌّ. فانْتَهَرَهُ عمرُ"

(1)

.

(ولا يكون) الذِّمي (بوَّابًا، ولا جلادًا، ولا جِهْبذًا، وهو النقَّاد الخبير، ونحو ذلك) لخيانتهم، فلا يُؤتمنون.

(وتحرم تَوليَتُهم الولايات من ديوان المسلمين، أو غيره) لما فيه من إضرار المسلمين؛ للعداوة الدينية.

(وتقدم تحريم الاستعانة بهم في القتال في باب: ما يلزم الإمام والجيش

(2)

.

ويُكره أن يُسْتَشاروا، أو يؤخذ برأيهم) لأنهم غير مأمونين (فإن أشار الذِّمي بالفطر في الصيام، أو) أشار (بالصلاة جالسًا، لم يقبل) خبره (لتعلّقه بالدين.

وكذا لا يُستعان بأهل الأهواء) كالرافضة، أي: تحرم الاستعانة بهم في شيء من أمور الدين؛ لأنهم يَدْعُون إلى بدعتهم، كما سبق

(3)

.

(ويُكره للمسلم أن يستطبَّ ذِميًّا لغير ضرورة، وأن يأخذ منه دواء لم يقف على مفرداته المباحة، وكذا) ما (وصفه من الأدوية، أو عمله؛ لأنه لا يؤمن أن يخلطه بشيء من السمومات

(4)

أو النجاسات) قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}

(5)

.

(و) يُكره (أن تَطِبَّ ذميةٌ مسلمةً) ولو بينت لها المفردات،

(1)

تقدم تخريجه (7/ 272)، تعليق رقم (2).

(2)

(7/ 85).

(3)

(7/ 86).

(4)

في "ذ": "المسمومات".

(5)

سورة آل عمران، الآية:118.

ص: 279

للاختلاف في إباحة النظر، لكن ينبغي جوازه للضرورة، كالرجل. (والأولى أن لا تَقْبَلَها) أي: تكون قابلة لها (في ولادتها مع وجود مسلمة) لما سبق.

(وإن تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم، لزم الحُكمُ بينهم) لما فيه من إنصاف المسلم من غيره، أو ردِّه عن ظلمه، وذلك واجب؛ ولأن في تَرْكِ الإجابة إليه تضييعًا للحق.

(وإن تحاكم بعضُهم) أي: أهل الذِّمة (مع بعض) ولو زوجة مع زوجها (أو) تحاكم إلينا (مستأمنان، أو استعدى بعضهم على بعض، خُيِّر) الحاكم (بين الحكم وتَرْكِهِ) قال تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَينَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}

(1)

(فيحكُمُ) لأحدهما على الآخر إن شاء، (ويَعِدُ

(2)

بطلب أحدهما) إحضار الآخر إن شاء؛ لما تقدم.

(وفي المُسْتأمِنَينِ باتفاقهما) فإن أبى أحدهما، لم يحكم؛ لعدم التزامهما حكمنا، بخلاف الذِّميين.

(ولا يحكم إلا بحكم الإسلام) لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَينَهُمْ بِالْقِسْطِ}

(3)

.

(ويلزمهم حُكمُنا) إن حُكم به عليهم؛ لالتزامهم بالعقد ذلك (لا شريعتنا) لإقرارنا لهم بالجِزية، فلا يلزمهم قضاء الصلوات ولا الزكاة ولا الحج، ولا غير ذلك من شرائع الإسلام، وإن كانوا يعاقبون على سائر الفروع كالتوحيد.

(1)

سورة المائدة، الآية:42.

(2)

في "ح" والإقناع (2/ 246): "ويعدي".

(3)

سورة المائدة، الآية:42.

ص: 280

(وإن لم يتحاكموا إلينا، فليس للحاكم أن يَتْبَعَ شيئًا من أمورهم، ولا يدعو) هم (إلى حكمنا، نصًّا

(1)

) لظاهر الآية.

(ولا يُحضِر) الحاكم (يهوديًّا يوم سبت، ذكره ابن عقيل) لبقاء تحريمه عليه، أو لضرره بإفساد سبته؛ ولهذا لا يكره امرأته على إفساده مع تأكُد حقِّه؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في أثناء حديث صححه الترمذي:"وأنتم يَهُود، عليكم خاصَّةً أنْ لا تَعْدُوا في السَّبْتِ"

(2)

فيستثنى من عمل في إجارة.

(وإن تبايعوا بيوعًا فاسدة) كبيع الخمر ونحوه (وتقابضوا من الطرفين، ثم أتونا، أو أسلموا، لم ينقض فعلهم) لأنه قد تمَّ بالتقابض؛ ولأن فيه مشقة وتنفيرًا عن الإسلام بتقدير إرادته. وكذا سائر عقودهم

(1)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 203).

(2)

أخرجه الترمذي في الاستئذان، باب 33، حديث 2733، وفي التفسير، باب 17، حديث 3144.

وأخرجه أيضًا النسائي في التحريم، باب 18، حديث 4089، وفي الكبرى (2/ 306) حديث 3541، (5/ 198) حديث 8656، والطيالسي ص / 160، حديث 1164، وأحمد (4/ 239، 240)، والطبري في تفسيره (15/ 173)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 414) حديث 2465، 2466، والطحاوي (3/ 215) وفي شرح مشكل الآثار (1/ 57، 58) حديث 65، 64، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1107) حديث 6212، (9/ 2851) حديث 16161، والطبراني في الكبير (8/ 69) حديث 7396، وأبو نعيم في الحلية (5/ 97)، والحاكم (1/ 9)، والبيهقي (8/ 166)، والضياء في المختارة (8/ 27) حديث 17، عن صفوان بن عسال رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح لا نعلم له علة بوجه من الوجوه. ووافقه الذهبي.

وقال النسائي: هذا حديث منكر.

ص: 281

ومقاسماتهم، إذا تقابضوها.

(وإن لم يتقابضوا) من الطرفين أو أحدهما (فَسَخه) حاكمنا؛ لأنه لم يتمَّ، فنقض لعدم صحته (سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أوْ لا؛ لعدم لزومهم حكمه؛ لأنه لغو) لفقد شرطه، وهو الإسلام.

(وإن تبايعوا بربا في سوقنا، مُنعوا) منه؛ لأنه عائد بفساد نقودنا.

(وإن عامل الذمي بالربا، وباع الخمر والخنزير، ثم أسلم، وذلك المال في يده، لم يلزمه أن يخرج منه شيئًا) لأنه مضى في حال كفره، فأشبه نِكاحه في الكفر، إذا أسلم.

(وأطفال المسلمين في الجنة) لقوله تعالى: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}

(1)

(وأولاد الزنى من المؤمنين في الجنة) إذ ليس عليهم من الوزْرِ شيء؛ ولأنهم من ذرية المؤمنين.

(وأطفال المشركين في النار) للخبر

(2)

(قال القاضي) أبو

(1)

سورة الطور، الآية:21. وهذه قراءة أبي عمرو. انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ص / 612. وفي هامش "ذ" صوبها هكذا: "واتبعتهم ذريتهم".

(2)

أخرج ابن أبي عاصم في السنة (1/ 94) حديث 213، وعبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند (1/ 134) عن علي رضي الله عنه، قال: سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما في النار، قال: فلما رأى الكراهية في وجهها قال: لو رأيت مكانهما لأبغضتهما، قالت: يا رسول الله، فولدي منك؟ قال: في الجنة، قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور، آية: 21].

قال ابن الجوزي في جامع المسانيد -كما في كنز العمال 2/ 512 - : في إسناده محمد بن عثمان لا يقبل حديثه، ولا يصح في تعذيب الأطفال حديث. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 642): حديث منكر. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 217): رواه عبد الله بن أحمد، وفيه محمد بن عثمان، ولم أعرفه، وبقية رجاله =

ص: 282

يعلى

(1)

: (هو منصوص أحمد. قال الشيخ

(2)

: غلط القاضي على أحمد، بل يقال: الله أعلم بما كانوا عاملين) وهذا مصادمة في النقل، ومن حفظ حُجَّة على مَن لم يحفظ، ولهذا جزم في "المنتهى" وغيره بقول القاضي. والمسألة ذات أقوال، والأخبار فيها ظاهرها التعارض.

وقال أحمد

(3)

: أذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهُ أعْلَمُ بما كانوا عاملينَ"

(4)

. قال

(5)

: وكان ابن عباس يقول: وأبواهُ يُهَوِّدَانه أو يُنَصِّرانه، حتى سَمِعَ "اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملينَ" فترَكَ قولَهُ. وقال أحمد

(6)

أيضًا: ونحن نُمرُّ هذه الأحاديث على ما جاءت به، ولا نقول شيئًا.

وسُئل

(7)

عن المجوسيين يجعلان ولدهما مسلمًا، فيموت وهو ابن خمس سنين؟ فقال: يدفن في مقابر المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وأبوَاهُ يُهَوِّدانهِ أوْ يُنصِّرانه أوْ يُمجِّسانه"

(8)

يعني أن هذين لم يمجساه فيبقى على الفطرة، ذكَرَه في "الشرح". وقال في "أحكام

= رجال الصحيح.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (24/ 372)، وطريق الهجرتين ص / 509.

(2)

مجموع الفتاوى (24/ 372).

(3)

أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 78)، وانظر التمهيد (18/ 79).

(4)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 92، حديث 1383، 1384، وفي القدر، باب 3، حديث 6597، 6598، ومسلم في القدر، حديث 2659، 2660، عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم.

(5)

انظر: أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 75).

(6)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 73).

(7)

انظر: أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (1/ 90 - 91).

(8)

أخرجه البخاري في الجنائز، باب 79، 92، حديث 1358 - 1359، 1385، وفي التفسير، باب 2، حديث 4775، وفي القدر، باب 3، حديث 6599، ومسلم في القدر، حديث 2658، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 283

الذمة"

(1)

: لأن أبويه يهوِّدانه وينصِّرانه فإذا جعلاه مسلمًا صار مسلمًا.

(ويأتي: إذا مات أبوا الطفل أو أحدهما في) باب حكم (المرتد) وتقدم

(2)

-أيضًا- في السبي.

(وإن أسلم بشرط أن لا يصلِّي إلا صلاتين، أو يركع ولا يسجد، ونحوه) كلا يسجد إلا سجدة واحدة (صحَّ إسلامه، ويؤخذ بالصلاة كاملة) للعمومات.

(وينبغي أن يكتب لهم كتابًا بما أخذ منهم) ليكون لهم حُجَّة إذا احتاجوا إليه.

(و) ينبغي أن يكتب (وَقْتَ الأخذ وقَدْرَ المال؛ لئلا يؤخذ منهم شيء قبل انقضاء الحول، وأن يكتب ما استقرَّ من عَقْد الصلح معهم في دواوين الأمصار؛ ليؤخذوا به إذا تركوه) أو أنكروه، أو شيئًا منه.

(وإن تهوَّد نصراني، أو تنصَّر يهودي، لم يُقرَّ، ولم يُقبل منه إلا الإسلام، أو الدِّين الذي كان عليه) لأن الإسلام دين الحق، والدين الذي كان عليه دين صُولِحَ عليه، فلم يُقبل منه غيرهما؛ لاعترافه بأن ما انتقل إليه دين باطل، فلم يُقرَّ عليه، أشبه ما لو انتقل إلى المجوسية.

(فإن أبى) الإسلام وما كان عليه (هُدِّد وضُرب وحُبس، ولم يقتل) لأنه لم يخرج عن دِين أهل الكتاب، فلم يُقتل كالباقي على دينه.

(وإن اشترى اليهود نصرانيًّا فجعلوه يهوديًّا، عُزِّروا) لفعلهم محرَّمًا (ولا يكون) العبد (مسلمًا) لعدم إتيانه بالشهادتين لفظًا وحكمًا.

(1)

(2/ 520).

(2)

(7/ 71).

ص: 284

(وإن انتقلا) أي: اليهودي والنصراني

(1)

(إلى دِين المجوس، أو انتقلا) إلى غير دِين أهل الكتاب (أو) انتقل (مجوسي إلى غير دِين أهل الكتاب، لم يُقرَّ) لأنه انتقل إلى ما اعترف ببطلانه (ولم يقبل منه إلا الإسلام) لأن غيره أديان باطلة، فلم يُقرَّ عليها؛ لإقراره ببطلانه

(2)

، كالمرتد (أو السيف، فيُقتل إن أبى الإسلام بعد استتابته) لأنه انتقل إلى أدنى من دِينه، كالمرتد.

(وإن انتقل غير الكتابي) كالوثني (إلى دِين أهل الكتاب) بأن تهوَّد أو تنصَّر (أُقِرَّ) على ذلك؛ لأنه أعلى وأكمل من دينه؛ لكونه يُقَرُّ عليه أهله، وتؤكل ذبائحهم، وتحل مناكحتهم (ولو) كان المنتقل إلى ذلك (مجوسيًّا) لما سبق.

(وكذا إن تمجَّس وثني) لأنه انتقل إلى دِين أفضل من دِينه، أشبه ما لو تهوَّد.

(ومن أقررناه على تهوُّد أو تنصُّر متجدِّد أُبيحت ذبيحته ومناكحته) قطع به في "المبدع". ويأتي ما يخالفه في النكاح والذكاة.

(وإن تزندق ذِمي لم يقتل؛ لأجل الجِزية، نصًّا) نقله ابن هانئ

(3)

.

(وإن كذَّب نصراني بموسى) بن عمران على نبينا وعليه الصلاة والسلام

(4)

(خرج من النصرانية) لتكذيبه لنبيِّه عيسى في قوله: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ}

(5)

(كتكذيبه)

(1)

في "ذ": "أو النصراني".

(2)

في "ح" و"ذ": "ببطلانها".

(3)

في مسائله (1/ 123) رقم 600.

(4)

في "ذ": "أفضل الصلاة والسلام".

(5)

سورة آل عمران، الآية:50.

ص: 285

نبيه

(1)

(عيسى) تصريحًا (ولم يُقرَّ) على غير الإسلام، فيُستتاب، فإن أسلم، وإلا؛ قُتل.

و (لا) يَخْرُجُ (يهودي) من دينه إن كذَّب (بعيسى) ويبقى عليه؛ لأنه ليس فيه تكذيب لنبيه موسى.

‌‌

‌فصل في نقض العهد وما يتعلق به

(مَنْ نَقَضَه) أي: العهد (بمخالفته شيئًا مما صُولحوا عليه) مما ينتقض العهد به، على ما يأتي تفصيله (حلَّ مالُه ودَمُه) لما في كتاب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غَنْم: "وإنْ نحنُ غيَّرْنا أو خالفنا عمَّا

(2)

شَرَطْنا على أنفسنا، وقَبِلنا الأمانَ عليه، فلا ذِمَّةَ لنا، وقد حَلَّ لك منا ما يَحِلُّ لأهلِ المعاندةِ والشِّقاق" وأمره عمر أن يُقرَّهم على ذلك

(3)

.

(ولا يقفُ نقضُه) أي: العهد (على حكم) حاكم

(4)

(الإمام) بنقضه، حيث أتى ما ينقضه؛ لمفهوم ما سبق.

(فإذا امتنع) أحدهم (من بذل الجِزية أو) من (التزام أحكام مِلَّة الإسلام، بأن يمتنع من جري أحكامنا عليه، ولو لم يحكم بها عليه حاكمنا) خلافًا لما في "المغني" و"الشرح"، انتقض عهده؛ لأن الله تعالى

(1)

في "ذ": "بنبيه".

(2)

في "ذ": "مما".

(3)

تقدم تخريجه (7/ 243)، تعليق رقم (3).

(4)

قوله: "حاكم" ليس في "ذ".

ص: 286

أمر

(1)

بقتالهم حتى يعطوا الجِزية، ويلتزموا أحكام المِلَّة الإسلامية؛ لأنها نَسخت كل حكم يخالفها، فلا يجوز بقاء العهد مع الامتناع من ذلك.

(أو أبى الصَّغار، أو قاتل المسلمين منفردًا، أو مع أهل الحرب، أو لحق بدار حرب مقيمًا بها، انتقض عهده) لأنه صار حربًا لنا بدخوله في جملة أهل الحرب (ولو لم يشرط

(2)

عليهم) أنهم إذا فعلوا شيئًا من ذلك انتقض عهدهم؛ لأن ذلك هو مقتضى العقد.

(وكذا لو تعدَّى) الذِّمي (على مسلم -ولو عبدًا- بقتلٍ عمدًا) قيده أبو الخطاب في "خلافه الصغير".

(أو فَتَنَه عن دِينِه، أو تعاونَ على المسلمين بدلالة، مثل مكاتبة المشركين، ومراسلتهم بأخبارهم) أي: المسلمين.

(أو زنى بمسلمة، ولا يُعتبر فيه) أي: الزِّنى من حيث نقض العهد (أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره، قاله الشيخ

(3)

) قال في "المبدع": وفيه شيء. (أو أصابها) أي: المسلمة (باسم نكاح) وقياس الزِّنى اللواطُ بالمسلم، على ما ذكره السراج البُلقيني الشافعي

(4)

.

(أو) تعدَّى على مسلم (بقطع طريق، أو تجسيس للكفار، أو إيواء جاسوسهم) وهو: عين الكفار (أو ذكر الله تعالى، أو كتابه، أو دِينه، أو رسوله بسوء ونحوه) لما رُوي عن عمر "أنه رُفِعَ إليه ذمِّيٌّ أرادَ استكراه

(1)

في "ذ": "أمرنا".

(2)

في "ذ" والإقناع (2/ 148): "يشترط".

(3)

الاختيارات الفقهية ص / 426، والطرق الحكمية لابن القيم (4/ 598).

(4)

أسنى المطالب (4/ 223)، والغرر البهية (9/ 390).

ص: 287

امرأةٍ على الزِّنى، فقال: ما على هذا صالحناكم، وأمَرَ به فَصُلِبَ في بيتِ المقدسِ"

(1)

. وقيل لابن عمر: "إنَّ راهبًا يشْتُمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو سَمِعْتُه لقَتَلتُه، إنَّا لم نُعْطِ الأمانَ على هذا"

(2)

ولأن في ذلك ضررًا على المسلمين، أشبه الامتناع من الصَّغار.

(فإن سمع المؤذن يؤذن فقال له: كذبت، قال) الإمام (أحمد

(3)

: يقتل).

و ‌

(لا) ينتقض عهده (بقذف المسلم وإيذائه

(4)

بسحر في تصرُّفه)

كإبطال بعض أعضائه؛ لأن ضرره لا يعمُّ المسلمين، أشبه ما لو لطمه، بخلاف ما سبق، فإن فيه غضاضة على المسلمين، خصوصًا بسبِّ الله تعالى ورسوله ودينه.

(و‌

‌لا ينتقض بنقض عهدِه، عهدُ نسائه وأولاده الصِّغار الموجودين،

لحقوا بدار الحرب أو لا) لأن النقض وُجِدَ منه دونهم، فاختصَّ حكمه به (ولو لم ينكروا) عليه (النقض).

وأما مَن حملت به أُمُّهُ، وولدته بعد النقض، فإنه يُسترقُ ويُسبى؛

(1)

أخرجه عبد الرزاق (10/ 363) رقم 19378، وأبو عبيد في الأموال ص / 235، 236، رقم 486، 487، وابن أبي شيبة (10/ 96)، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص / 182، رقم 581، والبيهقي (9/ 201)، وابن عساكر في تاريخه (24/ 212، 47/ 40).

(2)

أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (2/ 338) رقم 2047، وابن أبي شيبة (14/ 214)، والحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص / 179، رقم 571، وابن أبي عاصم في الديات ص / 73، والخلال في أحكام أهل الملل من الجامع (2/ 340).

(3)

انظر أحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 339).

(4)

في "ح" و"ذ": "أو إيذائه".

ص: 288

لعدم ثبوت الأمان له.

وإن نقض بعضُهم دون بعض، اختصَّ حكم النقض بالناقض، ولو سكت غيره.

وإن لم ينقضوا؛ لكن خاف منهم النقض، لم يجز أن ينبذ إليهم عهدهم؛ لأن عقد الذِّمة لحقهم بدليل أن الإمام يلزمه إجابتهم إليه، بخلاف عقد الأمان والهُدنة، فإنه لمصلحة المسلمين.

(وإن أظهر) الذِّمي (منكرًا، أو رفع صوته بكتابه، أو ركب الخيل ونحوه) مما تقدم أنهم يُمنعون منه (لم ينتقض عهده) بذلك لأن العقد لا يقتضيه، ولا ضرر على المسلمين فيه (ويؤدَّب) لارتكابه المحرَّم.

(وحيث انتقض) عهده (خُيِّر الإمام فيه كالأسير الحربي على ما تقدم) لفعل عمر

(1)

، ولأنه كافر لا أمان له، أشبه الأسير، وكما لو دخل متلصصًا.

(وماله فيء) لأن المال لا حرمة له في نفسه، إنما هو تابع لمالكه حقيقة، وقد انتقض عهد

(2)

المالك في نفسه، فكذا في ماله. وقال أبو بكر: يكون لورثته. وهو مقتضى ما تقدم في الأمان، وسبق ما فيه.

(ويحرم قتله لأجل نقضه العهد إذا أسلم، ولو بسبِّ

(3)

النبي صلى الله عليه وسلم) لعموم قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}

(4)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:"الإسلام يَجُبُّ ما قبله"

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 288)، تعليق رقم (1).

(2)

في "ح": "عهده".

(3)

في "ذ": "لسبه".

(4)

سورة الأنفال، الآية:38.

(5)

تقدم تخريجه (4/ 307)، تعليق رقم (4).

ص: 289

ويحرم -أيضًا- رقه بعد إسلامه، لا إن كان رق قبل (و‌

‌يُستوفى منه ما يقتضيه القتلُ) إذا أسلم وقد قتل، من قصاص أو دِية

؛ لأنه حق آدمي، ولا يسقط بإسلامه كسائر حقوقه.

(وقيل: يقتل سابُّه) صلى الله عليه وسلم (بكل حال) وإن أسلم (اختاره جَمْعٌ) منهم ابن أبي موسى وابن البناء والسامري (قال الشيخ

(1)

: وهو الصحيح من المذهب) قال في "المبدع": ونص عليه أحمد

(2)

، لأنه قذفٌ لميت فلا يسقط بالتوبة.

(وقال: إن سبَّه) صلى الله عليه وسلم (حربيٌّ، ثم تاب بإسلامه، قُبلت توبته إجماعًا) للآية، والحديث السابقين.

(وقال: من تولَّى منهم) أي: من أهل الذِّمة (ديوان المسلمين انتقض عهده، وتقدم

(3)

في باب ما يلزم الإمام والجيش.

وقال: إن جَهَر بين المسلمين بأن المسيح هو الله) تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا (عُوقب على ذلك إما بالقتل أو بما دونه) أي: لإتيانه بُهتانًا عظيمًا، و (لا) يعاقب بذلك (إن قاله سرًّا في نفسه.

وإن قال) ذِميٌّ: (هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب، إن أراد طائفة معينة من المسلمين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله) عن أن يعود لذلك القول الشنيع (وإن ظهر منه قَصْد العموم، انتقض عهده ووجب قتله) لما فيه من الغضاضة على المسلمين.

(1)

الصارم المسلول على شاتم الرسول (3/ 558).

(2)

مسائل عبد الله (3/ 1292) رقم 1794، وأحكام أهل الملل من الجامع للخلال (2/ 339، 341، 342) رقم 729، 730، 735، 739، ونقل فيه الإجماع ابن المنذر ص / 153.

(3)

(7/ 86).

ص: 290

و‌

‌من جاءنا بأمان ثم نقض العهد، وقد حصل له ذرية، فَكَذِمِّي

وتقدم.

وتخرج نصرانية لشراء الزُّنار، ولا يشتريه مسلمٌ لها؛ لأنه من علامات الكفر، ويأتي في عشرة النساء.

ولا يأذن المسلم لزوجته النصرانية أو أَمَته كذلك أن تخرج إلى عيد، أو تذهب إلى بِيعة، وله أن يمنعها ذلك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 291

‌كتاب البيع

ص: 293

‌هذا كتاب البيع

قدَّمه على الأنكِحة وما بعدها، لشدة الحاجة إليه؛ لأنه لا غِنى للإنسان عن مأكولٍ ومشروب ولباس، وهو مما ينبغي أن يُهتم به؛ لعموم البلوى، إذ لا يخلو مكلَّفٌ غالبًا من بيع وشراء، فيجب معرفة الحكم في ذلك قبل التلبُّس به.

وقد حكى بعضُهم الإجماع

(1)

على أنه لا يجوز لمكلَّفٍ أن يُقدِم على فعلٍ حتى يعلمَ حكمَ الله فيه. وبعث عمرُ رضي الله عنه مَن يقيم مِن الأسواق من ليس بفقيه

(2)

.

و‌

‌البيعُ جائز بالإجماع

(3)

؛ لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ}

(4)

؛ ولفعله صلى الله عليه وسلم، وإقراره أصحابه عليه، والحكمةُ تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلَّق بما في يد صاحبه، ولا يبذله بغير عِوض غالبًا، ففي تجويز البيع وصولٌ لغرضه، ودفع حاجته.

(وهو) أي: البيع مصدر باع يبيع، إذا ملك، ويُطلق بمعنى

(1)

الفروق للقرافي (2/ 593).

(2)

لم نجد من أخرجه بهذا السياق. وقد أخرج الترمذي في الصلاة، باب 352، رقم 487، ومالك في الموطأ (3/ 267) رقم 802 "برواية الشيباني" من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن جده قال: قال عمر بن الخطاب: لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقَّه في الدين.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وصحح إسناده ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 349).

(3)

مراتب الإجماع ص / 149 - 150، والمغني (6/ 7).

(4)

سورة البقرة، الآية:275.

ص: 295

"شرى"، وكذلك "شرى" يكون للمَعنيين. وقال الزجَّاج

(1)

وغيره: باع وأباع بمعنىً.

واشتقاقه من "الباع" في قول الأكثر، منهم صاحبُ "المغني" و"الشرح" لأن كل واحد يمدُّ باعه للأخذ والإعطاء

(2)

. وذكرتُ في الحاشية ما رُدَّ به ذلك، والجوابَ عنه.

ومعناه لغةً: دفعُ عِوَض، وأخذ مُعَوَّض

(3)

عنه.

وشرعًا: (مبادلة مال) من نَقْدٍ أو غيره، معيَّن أو موصوف (ولو) كان المال (في الذِّمة) كعبد وثوب، صفتُه كذا (أو) مبادلةُ (منفعة مباحة) على الإطلاق، بأن لا تختص إباحتها بحال دون حال (كـ) ـنفع (ممر الدار) وبقعةٍ تُحفر بئرًا (بمثل أحدهما) أي: بمال أو منفعة مباحة، والجارُّ متعلِّق بـ"مبادلة"، وشمل صورًا:

بيع نحو عبدٍ بثوب، أو دينار في الذمة، أو ممر في دار. وبيعُ نحو دينارٍ في ذِمة لمن هو عليه بدراهمَ معينة، أو في الذمة إذا قُبضت قبل التفرُّق، أو بممر دار. وبيعُ نحو ممرِّ دار بعبد أو دينار في ذِمة، أو ممر آخر.

ومعنى المبادلة: جَعْلُ شيء في مقابلة آخر. وأتى بصيغة المفاعلة؛ لأن البيع لا يكون إلا بين اثنين حقيقة أو حكمًا، كتولِّي طرفي العقد. وعَدَل عن التعبير بعين مالية، لأن ما ذكره أخصر، ولأن المبيع يجوز أن يكون معينًا، وأن يكون في الذمة.

(1)

كتاب فعلت وأفعلت ص / 7.

(2)

انظر المطلع ص / 227 وقد تعقّب المؤلف فيما ذكر.

(3)

في "ذ": "عوض".

ص: 296

وقوله: (على التأبيد) متعلِّق بـ"مبادلة" -أيضًا-، وخرج به الإجارة، والإعارةُ في نظير الإعارة، وإن لم تُقيَّد بزمن؛ لأن العواري مردودة، فلذلك لم يقل: للملك.

وقوله: (غير رِبًا وقرض) إخراج لهما، فإن الربا محرَّم، والقرض وإن قُصد فيه المبادلة؛ لكنَّ المقصودَ الأعظم فيه الإرفاقُ.

ثم للبيع ثلاثة أركان: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.

والكلام على العاقد والمعقود عليه يأتي في الشروط.

وأما الصيغة فذكرها بقوله: (وله) أي: للبيع (صورتان ينعقد) أي: يوجد عقده (بهما) أي: بكل واحدة منهما:

(إحداهما: الصيغة القولية، وهي) أي: الصيغة القولية (غير منحصرة في لفظ بعينه) كَبِعْت واشتريت (بل) هي (كلُّ ما أدَّى معنى البيع) لأن الشارع لم يخصَّه بصيغة معينة، فتناول كلَّ ما أدَّى معناه.

(فمنها) أي: من الصيغة القولية (الإيجاب) وهو ما يصدر (من بائع، فيقول) البائع: (بعتُك) كذا (أو ملَّكتُك) هذا (ونحوهما، كولَّيتُكه

(1)

، أو أشركتُك فيه، أو وهبتُكه) بكذا (ونحوه) كأعطيتكه.

(و) منها (القَبول) بفتح القاف، وحكى في "اللُّباب"

(2)

الضم (بعدَه)، أي: بعد الإيجاب، ويأتي حكم ما لو تقدم عليه.

والقَبول ما يصدر (من مُشترٍ بـ) أيِّ (لفظ دالٍّ على الرضا) بالبيع (فيقول) المشتري: (ابتعتُ، أو قَبِلتُ، أو رضيتُ، وما في معناه) أي: معنى ما ذكر (كتملَّكتُه، أو اشتريتُه، أو أخذته ونحوه) كاستبدلته.

(1)

في "ذ": "كوليتك".

(2)

اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي (5/ 178).

ص: 297

(ويُشترط) لانعقاد البيع:

(أن يكون القَبول على وَفْق الإيجاب في القَدْر) فلو خالف، كأن يقول: بعتكه بعشرة، فقال: اشتريته بثمانية، لم ينعقد.

(و) أن يكون على وَفْقه -أيضًا- في (النَّقْدِ وصفتِه، والحُلولِ والأجل، فلو قال: بعتُك بألف) درهم، فقال: اشتريته بمائة دينار، أو قال: بعتُك بألف (صحيحة، فقال: اشتريتُ بألفٍ مكسَّرة. ونحوه) كاشتريته بألفٍ نصفُها صحيح، ونصفُها مكسَّر. أو قال: بعتك بألف حالَّة، فقال: اشتريتُه بألف مؤجَّلة. أو قال البائع: بألف مؤجَّلة إلى رجب، فقال المشتري: إلى شعبان (لم يصحَّ) البيع في ذلك كله؛ لأنه ردٌّ للإيجاب لا قَبولٌ له.

(ولو قال) البائع: (بعتُك) كذا (بكذا، فقال) المشتري: (أنا آخُذُه بذلك

(1)

لم يصحَّ) أي: لم ينعقد البيع؛ لأن ذلك وعدٌ بأخذه.

(فإن قال) المشتري لمن قال له: بعتك كذا بكذا: (أخذتُه منك، أو) أخذته (بذلك، صحَّ) البيع؛ لوجود الإيجاب والقَبول.

(ولا ينعقد) البيع (بلفظ السَّلَمِ والسَّلَفِ، قاله في "التلخيص") في باب السَّلَم، وهو ظاهر كلام أحمدَ في رواية المَرُّوذي: لا يصح البيع بلفظ السَّلَم

(2)

. ذكره في القاعدة الثامنة والثلاثين

(3)

. وقيل: يصح بلفظ السَّلَم، قاله القاضي، قاله في "الإنصاف".

(فإن تقدم القَبول على الإيجاب، صحَّ) البيع إن كان القَبول (بلفظ

(1)

في "ح": "بكذا".

(2)

انظر: مسائل الكوسج (6/ 2838) رقم 2053، ومسائل ابن هانئ (2/ 19) رقم 1249.

(3)

القواعد الفقهية ص / 50.

ص: 298

أمر، أو) كان بلفظ (ماض مجرَّد عن استفهام ونحوه) كتَمَنٍّ وتَرَجِّ، ويأتي مثاله في كلامه.

(ومعه) أي: مع الاستفهام ونحوه (لا يصح) البيع (ماضيًا كان) القَبول (مثل: أبعتني؟) أو: ليتك، أو: لعلك بعتني (أو مضارعًا مثل: أتبيعني؟) وكذا لو تجرَّد عن الاستفهام؛ لأنه ليس بقَبول ولا استدعاء.

(فإن قال) المشتري: (بِعْنِي) كذا (بكذا) فقال: بِعْتْكَهُ، صحَّ، وهذا مثال الأمر.

(أو) قال: (اشتريتُ منك) هذا (بكذا، فقال) البائع: (بعتُك، ونحوه) مما تقدم، صحَّ البيع.

(أو قال) المشتري: بِعْني بكذا، أو: اشتريته منك بكذا. فقال البائع: (بارك اللهُ لك فيه، أَو هو مباركٌ عليك، أو) قال: (إن الله قد باعَكَ) صحَّ البيع؛ لدلالة ذلك على المقصود.

(أو قال) المشتري: (أعطِنِيه بكذا، فقال) البائع: (أعطيتُك أو أعطيتُ، صحَّ) لما تقدم.

(وإن قال البائع للمشتري: اشْتَرِه بكذا، أو ابْتَعْهُ بكذا، فقال: اشتريتُه، أو: ابتعتُه، لم يصحَّ) البيع (حتى يقول البائع بعدَه) أي: بعد قول المشتري ذلك: (بعتُك، أو: ملَّكتُك، قاله في "الرعاية") قال في "النكت": وفيه نظر ظاهر، والأولى أن يكون كتقدُّم الطلب من المشتري، وأنه دالٌّ على الإيجاب

(1)

والبذل.

(ولو قال) البائع: (بعتُك) إن شاء الله (أو) قال المشتري: (قبلتُـ) ـه (إن شاء الله، صح) البيع (ويأتي) في الشروط في البيع.

(1)

في "ح" و"ذ": زيادة: "والقبول".

ص: 299

(وإن تراخى أحدُهما عن الآخر) أي: القَبول عن الإيجاب، أو عكسه (صحَّ) المتقدم منهما ولم يلغ (ماداما) أي: المتبايعان (في المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعه عُرفًا) لأن حالة المجلس كحالة العقد، بدليل أنه يُكتفى بالقبض فيه لما يُعتبر قبضه (وإلا) بأن تفرَّقا قبل الإتيان بما بقي منهما، أو تشاغلا بما يقطعه عُرفًا (فلا) ينعقد البيع؛ لأن ذلك إعراض عن العقد، أشبه ما لو صرَّحا بالردِّ.

(وإن كان) المشتري (غائبًا عن المجلس؛ فَكَاتَبَهُ) البائع (أو راسله: إني بعتُك) داري بكذا (أو) إني (بعتُ فلانًا) -ونَسبه بما يُميزه- (داري بكذا، فلمَّا بَلَغه) أي: المشتري (الخبرُ، قَبِلَ) البيعَ (صحَّ) العقد؛ لأن التراخي مع غيبة المشتري لا يدل على إعراضه عن الإيجاب، بخلاف ما لو كان حاضرًا، ففرَّق المصنفُ في تراخي القَبول عن الإيجاب بين ما إذا كان المشتري حاضرًا، وما إذا كان غائبًا.

وهذا يوافق روايةَ أبي طالب في النكاح؛ قال في رجل يمشي إليه قوم، فقالوا: زَوِّجْ فلانًا، فقال: قد زوَّجتُه على ألف، فرجعوا إلى الزوج فأخبروه، فقال: قد قَبِلتُ، هل يكون هذا نِكاحًا؟ قال: نعم

(1)

.

قال الشيخ التقي

(2)

: ويجوز أن يقال: إن كان العاقد الآخر حاضرًا اعتُبر قَبولُه، وإن كان غائبًا جاز تراخي القَبول عن المجلس، كما قلنا في ولاية القضاء. انتهى.

وظاهر كلام أكثر الأصحاب خلافُه، فإنهم اعتبروا في القَبول أن يكون عقب الإيجاب، ثم ذكروا حكم التَّراخي على ما ذكره في التفصيل

(1)

انظر المغني (9/ 464).

(2)

الاختيارات الفقهية ص / 294.

ص: 300

في المجلس فقط، وحكموا

(1)

رواية أبي طالب في النكاح مقابلة لما قدَّموه.

(و)

‌ الصورة (الثانية) لعقد البيع: (الدلالة الحالِيَّة، وهي المعاطاة،

تصح) فينعقد البيع بها (في القليل والكثير) نص عليه

(2)

. وجَزَم به أكثر الأصحاب؛ لعموم الأدلة، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه استعمالُ إيجاب وقَبول في بيعهم، ولو استُعمل لَنُقل نقلًا شائعًا، ولبيَّنه صلى الله عليه وسلم، ولم يَخْفَ حُكمه، ولم يزل المسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على البيع بالمعاطاة. وقال القاضي: يصحُّ بها في اليسير خاصة، وهو رواية

(3)

، واختارها ابن الجوزي.

و‌

‌من صور بيع المعاطاة

(نحو) قول المشتري: (اعطني بهذا الدرهم خبزًا، فيعطيه) البائع (ما يرضيه) وهو ساكت (أو يقول البائع) للمشتري: (خُذْ هذا بدرهم فيأخذه) وهو ساكت.

(ومنها) أي: المعاطاة (لو ساوَمَه سلعةً بثمن، فيقول) البائع: (خُذْها) فأخذها المشتري وهو ساكت (أو) يقول البائع: (هي لك، أو) يقول: (أعطيتُكها) فيأخذها (أو يقول) المشتري للبائع: (كيف تبيعُ الخبزَ؟ فيقول) البائع: (كذا يدرهم، فيقول) المشتري: (خُذْ درهمًا، أو زِنْه).

ومن المعاطاة -أيضًا- ما أشار إليه بقوله: (أو وضع ثمنَه) أي: القَدْر المعلوم أنه ثمنه (عادة) كقِطَع الحلوى، وحُزَم البقل (وأخذَه)، قال

(1)

في "ذ": "حكوا" وهو الصواب.

(2)

التمام (2/ 17)، والمغني (6/ 7)، والفروع (4/ 4)، وانظر مسائل أبي داود ص / 194.

(3)

الجامع الصغير لأبي يعلى ص / 136.

ص: 301

في "المبدع" و"شرح المنتهى": وظاهره: ولو لم يكن المالك حاضرًا. (و) ينعقد البيع بـ (ـنحو ذلك مما يدلُّ على بيع وشراء) في العادة.

(و‌

‌يُعتبر في) صحة بيع (المعاطاة معاقَبةُ القبض) للطلب،

في نحو: خُذْ هذا بدرهم (أو) معاقبة (الإقباض للطلب) في نحو: أعطني بهذا خبزًا (لأنه إذا اعتُبِر عدم التأخير في الإيجاب والقَبول اللَّفظي) أي: إذا اعتُبر أن لا يتأخر أحدُهما عن الآخر حتى يتفرَّقا من المجلس، أو يتشاغلا بما يقطعه عُرفًا (فـ) اعتبار عدم التأخير (في المعاطاة أولى) نبَّه عليه ابن قُندس، والعطف بالفاء في نحو "فيعطيه"

(1)

وما بعده يدل عليه، وظاهره أن التأخير في المعاطاة مبطل، ولو كانا بالمجلس لم يتشاغلا بما يقطعه؛ لضعفها عن الصيغة القولية.

(وكذا هِبةٌ، وهديةٌ وصدقةٌ) فتنعقد بالمعاطاة؛ لاستواء الجميع في المعنى، ولم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه استعمال إيجاب وقَبول في شيء من ذلك (فتجهيز بِنْتِهِ) أو غيرها، قال الشيخ تقي الدين

(2)

: تجهيز المرأة (بجهاز إلى بيت زوج تمليكٌ) لها.

(و‌

‌لا بأس بذوق المبيع عند الشراء)

نص عليه

(3)

؛ لقول ابن عباس

(4)

،

(1)

يشير إلى ما تقدم قريبًا من قوله في صور بيع المعاطاة: "نحو أعطني بهذا الدرهم خبزًا، فيعطيه".

(2)

مجموع الفتاوى (31/ 278).

(3)

الفروع (4/ 4)، والإنصاف (4/ 265).

(4)

لم نقف عليه مسندًا بذكر "ذوق المبيع عند الشراء"، وقد رواه ابن أبي شيبة (3/ 47)، والبغوي في الجعديات (2/ 886)، والبيهقي (4/ 261)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 152) عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه:"لا بأس أن يتطاعم الصائم بالشيء". وذكره البخاري في الصوم، باب 25، عقب حديث 1929. =

ص: 302

ولجريان العادة به، ونقل حرب

(1)

: لا أدري، إلا أن يستأذنه. فلذا قال:(مع الإذن) وكأنه جمع بين الروايتين، لكن قدَّم الأُولى، في "الفروع"، و"المبدع"، و"الإنصاف"، وغيرها.

(وشروط البيع سبعة:

أحدها: التراضي به منهما) أي: من المتبايعين (وهو أن يأتي

(2)

به اختيارًا) لقوله تعالى: {إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(3)

؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما البيعُ عن تراضٍ" رواه ابن حبان

(4)

، (ما لم يكن بيع تَلْجِئةٍ وأمانة، بأن يُظهِرا بيعًا لم يريداه باطنًا، بل) أظهراه (خوفًا من ظالم ونحوه) كخوف ضياعه أو نهبه، ودفعًا له (فـ) ـالبيع إذن (باطل) حيث تواطآ عليه (وإن لم يقولا في العقد: تبايعنا هذا تَلْجِئةً) لدلالة الحال عليه.

= ورواه ابن أبي شيبة (3/ 47) عن جابر، عن عطاء، عن ابن عباس:"لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه، وهو صائم" وقال ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 152) وجابر متروك. وقال شيخ الإسلام في كتاب الصيام من شرح العمدة (1/ 480): في رواية حنبل عن عكرمة، عن ابن عباس:"لا بأس أن يذوق الصائم الخلَّ والشيء الذي يريد شراءه ما لم يدخل حلقه".

(1)

مسائل ابن هانئ (2/ 7) رقم 1195.

(2)

في "ح": "يأتيا".

(3)

سورة النساء، الآية:29.

(4)

"الإحسان"(1/ 340) حديث 4967. وأخرجه -أيضًا- البخاري في التاريخ الكبير (4/ 278)، وابن ماجه في التجارات، باب 18، حديث 2185، والبيهقي (6/ 17)، والمزي في تهذيب الكمال (13/ 42) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 5): إسناده حسن.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 10): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

ص: 303

(قال الشيخ

(1)

: بيع الأمانة) هو (الذي مضمونُه اتفاقُهما) أي: اتفاق البائع والمشتري (على أن البائع إذا جاءه بالثمن، أعاد عليه) المشتري (ملكه ذلك، ينتفع به) أي: بالملك المبيع (المشتري بالإجارة والسكن، ونحو ذلك) كركوب ما يركبه، أو حَلْبه (وهو) أي: البيع إذَنْ (عقدٌ باطل بكلِّ حال. ومقصودهما إنما هو الربا بإعطاء دراهم بدراهم إلى أجل، ومنفعةُ الدار) أو نحوها (هي الربح) فهو في المعنى قَرْض بعِوض (والواجبُ ردُّ المبيع إلى البائع، وأن يردَّ) البائع إلى (المشتري ما قبضه منه لكي

(2)

يُحسب له) أي: للبائع (منه ما قبضه المشتري من المال الذي سمَّوه أجرةً).

وإن كان المشتري هو الذي سَكَنَ، حُسب عليه أجرة المِثْل، فتحصُل المقاصَّة بقدره، ويردُّ الفضل.

وكذا) أي: كبيع التَّلجِئة (بيعُ الهازل) فهو باطل، لأنه لم تُرَد حقيقته (ويُقبل منه) أي: من البائع أنَّ البيع وقع تَلْجِئةً أو هزلًا (بقرينة) دالة على ذلك (مع يمينه) لاحتمال كذبه، فإن لم توجد قرينةٌ، لم تقبل دعواه إلا ببيِّنة.

(فإن باعه) أي: باع إنسان ماله (خوفًا من ظالم، أو خاف) إنسان (ضيعته، أو نَهْبه، أو سرقته، أو غصبه) فباعه (من غير تواطؤ) مع المشتري على أنَّ البيع تَلْجِئة وأمانة (صحَّ بيعُه) لأنه صَدَر من أهله في محلّه من غير إكراه.

(1)

مجموع الفتاوى (30/ 36).

(2)

في "ح": والإقناع (2/ 154)، ومجموع الفتاوى (30/ 36):"لكن"، وهو الصواب.

ص: 304

(قال الشيخ

(1)

: ومَن استولى على ملك رجلٍ بلا حق، فطَلَبَه، فَجَحَده) إيَّاه حتى يبيعه له (أو منعه إيَّاه حتى يبيعه) له فباعه (على هذا الوجه، فهذا مُكرَه بغير حق) فلا يصحُّ بيعه؛ لأنه مُلجأ إليه.

(فإن كانا) أي: المتبايعان (أو) كان (أحدُهما مُكرَهًا، لم يصحَّ) البيع، لما تقدم (إلا أن يُكرَه بحقٍّ، كالذي يُكرِهه الحاكمُ على بيع مَالِه لوفاء دينه) أو على شراء ما يوفي منه ما عليه من دين (فيصح) العقد؛ لأنه قول حُمِل عيه بحق، فصحَّ، كإسلام المرتد.

(وإن أُكره) إنسان (على وزن مالـ) ـه (فباع ملكه) في ذلك (صحَّ) البيع؛ لأنه غير مُكرَه عليه، (وكُرِه الشراء) منه (وهو بيع المضطرين) قال في "المنتخب": لبيعه بدون ثمنه، أي: ثمن مثله.

(ومن قال لآخرَ: اشْتَرِني من زيد فإني عبدُه، فاشتراه) المقول له، (فبانَ حرًّا، لم تلزمه) أي: القائل (العُهدة) أي: عُهدة الثمن الذي قبضه البائع (حضر البائعُ، أو غاب) لأنه إنما وُجِد منه الإقرار، دون الضمان (كقوله) أي: كقول إنسان لآخر: (اشترِ منه عبدَه هذا) فاشتراه؛ فتبيَّن حرًّا، فلا تلزم القائل العُهدة (ويؤدَّب هو وبائعه) لِمَا صدر منهما من التغرير (ويَردُّ) كل منهما (ما أخذه) لأنه قبضه بغير حق.

(وعنه)

(2)

أي: عن الإمام رواية (يُؤخذ البائع والمقرُّ بالثمن، فإن مات أحدُهما أو غاب، أُخذ الآخر بالثمن، واختاره الشيخ)

(3)

قال في "الإنصاف": وهو الصواب. قال في "الفروع": (ويتوجَّه هذا في كل

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 180.

(2)

نقله عنه ابن الحكم كما في الاختيارات الفقهية ص / 181.

(3)

الاختيارات الفقهية ص / 181.

ص: 305

غارٍّ) قال في "الإنصاف": وما هو ببعيد (ولو كان الغارُّ أنثى) فقالت لآخر: اشْترِني من هذا فإني أَمَته، فاشتراها ووطئها (حُدَّت) دونه (ولا مهر) لها؛ لأنها زانية مطاوعة (ويلحقه الولد) للشُّبهة.

(ولو أقرَّ) شخص لآخر (أنه عبدُه فرَهَنه، فكبيع) فلا تلزم العُهدة القائلَ، حضر الراهن أو غاب على المختار.

فصل

الشرط (الثاني) من شروط البيع: (أن يكون العاقد) من بائع ومشتر (جائز التصرُّف، وهو) الحر (البالغُ الرشيد) فلا يصح من صغير ومجنون وسكران ونائم ومُبَرسَم

(1)

وسفيه؛ لأنه قول يُعتبر له الرضا، فلم يصح من غير رشيد، كالإقرار (إلا الصغير المميز والسفيه، فيصحّ تصرُّفُهما بإذن وليهما ولو في الكثير) لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى}

(2)

أي: اختبروهم، وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليهم.

(ويَحرُم) على الولي (إذنُه لهما) أي: للمميز والسفيه في التصرُّف (لغير مصلحة) لما فيه من الإضاعة.

(ولا يصحُّ منهما) أي: من المميز والسفيه (قَبول هِبةٍ) ونحوها (ووصيَّةٍ بلا إذن) وليٍّ لهما، كالبيع (واختار الموفَّق وجَمْعٌ) منهم الشارح والحارثي (صحته) أي: صحة قَبول هِبة ووصيَّة (من مميز) بلا إذن وليِّه (كعبدٍ) أي: كما يصح من العبد قَبول الهِبة والوصية بلا إذن سيده

(1)

وهو من به بِرْسام، وهي: علة يُهذى فيها. القاموس المحيط ص / 1079، مادة:(برسم).

(2)

سورة النساء، الآية:6.

ص: 306

نصًّا

(1)

. ويكونان لسيده.

(ويصحُّ تصرُّف صغير، ولو دون تمييز) في يسير، لما رُوي "أنَّ أبا الدَّرداءِ اشترى من صبي عصفورًا فأرسلَهُ" ذكره ابن أبي موسى

(2)

.

(و) يصح أيضًا تصرُّف (رقيقٍ وسفيه بغير إذن) وليٍّ وسيد (في) شيء (يسير) كباقة البقل، والكبريت ونحوهما؛ لأن الحكمة في الحَجْر خوف ضياع المال، وهو مفقود في اليسير.

(وشراء رقيق) بغير إذن سيده (في ذِمَّته) لا يصح للحَجْر عليه، وكذا شراؤه بعين المال بغير إذن السيد؛ لأنه فضولي (واقتراضه) أي: اقتراض الرقيق مالًا (لا يصح كسفيه) بجامع الحَجْر.

(وتُقبلُ من مميِّز) حرٍّ أو رقيقٍ، قال أبو الفرج: ودونه (هديةٌ أُرسل بها، و) يُقبل منه -أيضًا - (إذنه في دخول الدار ونحوها) عملًا بالعُرف (قال القاضي) في "جامعه": (ومِن كافر وفاسق) وذكره القاضي إجماعًا

(3)

. وقال القاضي في موضع: يقبله منه (إذا ظَنَّ صدقه) بقرينة، وإلا فلا، قال في "الفروع": وهذا متجه.

‌فصل

الشرط (الثالث: أن يكون المبيع) والثمن (مالًا)

لأنه مقابَل بالمال، إذ هو مبادلة المال بالمال.

(1)

انظر: مسائل أبي داود ص / 203، ومسائل الكوسج (6/ 2855) رقم 2075، والفروع (4/ 7).

(2)

في الإرشاد ص / 192، وأورده إسحاق بن راهويه تعليقًا كما في مسائل الكوسج (6/ 2855) رقم 2075.

(3)

مراتب الإجماع ص / 173.

ص: 307

(وهو) أي: المال، شرعًا:(ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة، أو ضرورة) فخرج ما لا نفع فيه أصلًا كالحشرات، وما فيه منفعة محرَّمة كالخمر، وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب، وما فيه منفعة تُباح للضرورة كالميتة في حال المَخمَصة، والخمرِ لدفع لقمة غَصَّ بها.

"تنبيه": ظاهر كلامه هنا كغيره: أن النفع لا يصحُّ بيعه، مع أنه ذكر في حدِّ البيع صحته، فكان ينبغي أن يُقال هنا: كون المبيع مالًا أو نفعًا مباحًا مطلقًا، أو يُعرَّف المال بما يعمُّ الأعيان والمنافع.

(فيجوز بيعُ بغل، وحمار، وعَقَار) بفتح العين، ومأكول، ومشروب، وملبوس، ومركوب، ورقيق؛ لأن الناس يتبايعون ذلك، وينتفعون به في كل عصر من غير نكير، وقياسًا لما لم يَرِد به النصُّ من ذلك على ما ورد.

(و) يصح بيع (دود قزٍّ وبَزْرِه

(1)

) قبل أن يدِبَّ؛ لأنه طاهر يخرج منه الحرير الذي هو أفخر الملابس، بخلاف الحشرات التي لا نفع فيها.

(و) يصح بيع (ما يُصاد عليه كبومة) يجعلها (شباشًا) وهو طائر تُخاط عيناه ويربط لينزل عليه الطير فيصاد

(2)

(ويُكره فِعْل ذلك) لما فيه من تعذيبها.

(و) يصح بيع (ديدان لصيد سمك، و) يصح بيع (عَلَق لمصِّ دم،

(1)

البزر: بكسر الباء وفتحها، وهو بيض دود القَز، وسُمي "بزرًا" تشبيهًا له ببزر البقل؛ لأنه ينبت كالبقل. المصباح المنير. (1/ 65) مادة (بزر).

(2)

قال الجاحظ في الحيوان (2/ 50): البومة ذليلة بالنهار ردية النظر، وإذا كان الليل لم يقو عليها شيء من الطير. والطير كلها تعرف البومة بذلك، وصنيعها بالليل، فهي تطير حول البومة وتضربها وتنتف ريشها. ومن أجل ذلك صار الصيادون ينصبونها للطير، وانظر المطلع ص / 386.

ص: 308

و) يصح بيع (طير لقصد صوته كبلبل وهَزَار

(1)

) لأن فيه نفعًا مباحًا (و) كذا (ببغاء وهي الدُّرَّة، و) كذا (نحوها) كقُمريٍّ

(2)

.

(و) يصح بيع (نَحْلٍ منفردًا عن كُواراته

(3)

) لأنه حيوان طاهر يخرج من بطونه شراب فيه منافع للناس، فهو كبهيمة الأنعام، وكذا يصح بيعه خارجًا عن كُوارته معها (بشرط كونه مقدورًا عليه) وإلا؛ لم يصح بيعه للغرر (وفيها) أي: ويصح بيع نَحْل في كُواراته (معها) إذا شُوهد داخلًا إليها.

(و) يصح بيع النَّحْل في كُواراته (بدونها إذا شُوهد داخلًا إليها) أي: إلى كُوارته. هذا قول الأكثر، واقتصر عليه في "المنتهى" وغيره.

وقوله: (فيُشترط معرفته بفتح رأسها) أي: الكُوارة (ومشاهدتُه) أي: النحل، يقتضي أنه لا يشترط مشاهدته داخلًا إليها، بل يكفي رؤيته فيها، وهو قول أبي الخطاب، قال:(وخفاء بعضه لا يمنع الصحة) أي: صحة البيع (كالصُّبْرة) لا يمنع صحة بيعها استتار بعضها ببعض، ففي كلامه نظر ظاهر.

(ولا يصح بيعها) أي: الكُوارة (بما فيها من عسل ونَحْل) للجهالة (ولا) يصح (بيع ما كان مستورًا) من النَّحْل (بأقراصه) ولم يُعرف؛ للجهالة.

(1)

الهزار: على وزن "سَلام"، العندليب، المصباح المنير ص / 876 مادة (هزر).

(2)

"كقمري" ساقطة من "ح". والقُمْريُّ: ضرب من الحمام. منسوب إلى بلدة قُمْر بمصر. انظر "القاموس المحيط" ص / 598، مادة:(قمر)، و"حياة الحيوان" للدميري (2/ 222).

(3)

كُوارة النحل: بالضم والتخفيف، والتثقيل لغة، عسلها في الشمع، وقيل: بيتها إذا كان فيه العسل، وقيل: هو الخليَّة، وكسر الكاف مع التخفيف لغة. انظر: المصباح المنير ص / 746.

ص: 309

(ويجوز بيع هرٍّ) لما في الصحيح: "أنَّ امرأةً دخلت النَّار في هِرَّةٍ لها حبستها"

(1)

والأصل في اللام: الملك، ولأنه حيوان يُباح نفعه واقتناؤه مطلقًا، أشبه البغل (وعنه

(2)

: لا يجوز) بيعه (اختاره في "الهَدي"

(3)

و"الفائق"، وصحَّحه في "القواعد الفقهية

(4)

") لحديث مسلم عن جابر "أنه سُئل عن ثمن السِّنَّور، فقال: زَجَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك"

(5)

وفي لفظ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمنِ السِّنَّور" رواه أبو داود

(6)

ويمكن

(1)

أخرجه مسلم في الكسوف، حديث 904، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وفي البر والصلة والآداب، حديث 2619، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

(2)

الهداية لأبي الخطاب (1/ 156)، وكتاب التمام (2/ 22)، وانظر الرواية الأولى بالجواز عند الكوسج (6/ 2983) رقم 2216.

(3)

زاد المعاد (5/ 773).

(4)

ص / 243.

(5)

مسلم في المساقاة؛ حديث 1569.

(6)

في البيوع باب 64، حديث 3479. وأخرجه -أيضًا- الترمذي في البيوع، باب 49، حديث 1279، والنسائي في الصيد، باب 16، حديث 4306، وفي البيوع، باب 92، حديث 4682، وفي الكبرى (3/ 151) حديث 4806، و (4/ 53) حديث 6264، وابن ماجه في التجارات، باب 9، حديث 2161، وابن أبي شيبة (14/ 201)، وأحمد (3/ 339)، وابن الجارود (2/ 168) حديث 580، وأبو يعلى (4/ 187)، حديث 2275، والطحاوي (4/ 52، 58)، والعقيلي (2/ 220)، والطبراني في الأوسط (2/ 137) حديث 1259، و (4/ 135) حديث 3225، والدارقطني (3/ 72)، والحاكم (2/ 34)، والبيهقي (6/ 11)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 106)، حديث 980، 981، كلهم من طرق عن جابر رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 157)، وأبو داود في البيوع، باب 64، حديث 3480، وفي الأطعمة باب 33، حديث 3807، والترمذي في البيوع، باب 49، حديث 1280، وابن ماجه في الصيد، باب 20، حديث 3250، وعبد الرزاق (5/ 530) حديث 8749، وأحمد (3/ 297)، وعبد بن حميد (3/ 25) حديث =

ص: 310

حمله على غير المملوك منها، أو ما لا نفع فيه منها.

(ويجوز بيع فِيل) لأنه يُباح نفعه، واقتناؤه، أشبه البغل.

(و) يجوز بيع (سباع بهائم) كالفهد (و) بيع (جوارح طير) كصقر وباز (يصلحان) أي: السباع والجوارح (لصيدٍ) بأن تكون (مُعَلَّمة، أو تقبله) أي: التعليم؛ لأن فيها نفعًا مباحًا.

(و) يصح بيع (ولدِه) أي: ولد ما ذكر من سباع البهائم (و) يصحُّ بيع (فَرْخِه) أي: فرخ طير الصيد (وبيضِه؛ لاستفراخه) لأنه ينتفع به في المآل؛ أشبهت الجحش الصغير. فإن اشترى البيض المذكور لنحو أكل، لم يصح لعدم إباحته.

(و) يصحُّ بيع (قِرد لحفظٍ) لأن الحفظ من المنافع المباحة، و (لا) يصحُّ بيع قِرد (للعب، وكره أحمدُ بيعَه وشراءه) قال

(1)

: أكره بيع القرد.

= 1042، والدارقطني (4/ 290)، والحاكم (2/ 34)، والبيهقي (6/ 10 - 11)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 173) حديث 1101، والمزي في تهذيب الكمال (21/ 351) كلهم من طريق عمر بن زيد الصنعاني، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهر.

وأخرجه الدارقطني (3/ 73)، عن الحسن بن أبي جعفر، عن أبي الزبير - به.

واختلفت أقوال الأئمة في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه:

فقال العقيلي: هذا إسناد صالح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم.

وأعله الترمذي بالاضطراب. وضعفه النسائي، وقال: منكر. وقال الخطابي في معالم السنن (3/ 130): وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلنا: روي الحديث من طرق عن جابر رضي الله عنه يقوي بعضها بعضًا، ولو سُلِّم تضعيفه فيغني عنه حديث جابر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم، وقد تقدم آنفًا.

(1)

المغني (6/ 361)، والفروع (4/ 12).

ص: 311

قال ابن عقيل: هذا محمول على الإطافة به واللعب، فأما بيعه لحفظ المتاع والدكَّان ونحوه، فيجوز؛ لأنه كالصقر.

(و) يصحُّ بيع قِنٍّ (مرتد) ولو لم تُقبل توبته؛ لأنه مملوك يُنتفع به، وخشية هلاكه لا تمنع بيعه كالمريض (و) يصح بيع قِنٍّ (جانٍ -عمدًا أو خطأ- على نفس أو ما دونها) سواء (أوجبت) الجنايةُ (القصاصَ أَوْ لا) لأن الجناية حق ثبت بغير رضا سيده، فلم يمنع بيعه كالدَّين.

(ولجاهلٍ) بالردة أو الجناية حال الشراء (الخيارُ) بين الرَّدِّ والأرْش كالعيب (ويأتي آخر خيار العيب.

و) يصح بيع (مريض ولو مأيوسًا منه) لأن خشية هلاكه لا تمنع بيعه (ولجاهل) بمرضه حال الشراء (الخيار) بين الرد والإمساك مع الأرْش؛ لأن المرض عيب.

(و) يصح بيع قِنٍّ (قاتلٍ في مُحارَبة متحتِّمٍ قتلُه بعد القُدْرة) عليه؛ لأنه ينتفع به إلى قتله، ويعتقه فيجر ولاء وَلَده (و) يصح بيع

(1)

(متحتِّمٍ قتله بكفر) لما تقدم، وهو داخل تحت قوله:"ومرتد" كما تقدم.

(و) يصح بيع (أَمَة لمن به عيب يُفسخُ به النكاح كجُذام وبَرَص) لأن البيع يُراد للوطء وغيره؛ بخلاف النكاح (وهل لها) أي: للأَمَة المبيعة لمن به جُذام أو بَرَص (مَنْعُه من وطئها؟ يحتمل وجهين، أَوْلاهما: ليس لها مَنْعه) لملكه لها ولمنافعها (وبه قال الشافعية، حكاه عنهم ابن العماد

(2)

في كتاب "التبيان فيما يحل ويحرم من

(1)

في "ح": زيادة: "قن".

(2)

هو أحمد بن عماد بن يوسف، أبو العباس الأقفهسي، القاهري الشافعي، مهر وتقدم في الفقه، له شرح العمدة، والتبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان، والدرة الفاخرة، مات سنة 808 هـ رحمه الله تعالى. انظر: إنباء الغمر (5/ 313)، والضوء اللامع =

ص: 312

الحيوان"

(1)

.

(و) يصح بيع (لبن آدميَّة، ولو) كانت (حُرَّة) أي: المنفصل منها؛ لأنه طاهر مُنتفَع به كلبن الشاة؛ ولأنه يجوز أخذ العِوض عنه في إجارة الظِّئْر

(2)

فيضمنه مُتْلفه (ويُكره) للمرأة بيع لبنها، نص عليه

(3)

.

(ولا) يصح (بيع لَبَنِ رَجُل) فلا يضمن بإتلاف (ولا) بيع (خمر ولو كانا) أي: المتبايعان (ذِميين) لحديث جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله ورسولهُ حرَّمَ بيعَ الخمرِ والميتةِ والخنزيرِ والأصنامِ" متفق عليه

(4)

.

(ولا) بيع (كلب، ولو مباح الاقتناء) ككلب صيد، لحديث أبي سعيد الأنصاري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهى عن ثمن الكلب" متفق عليه

(5)

.

(ومن قَتَله) أي: الكلب (وهو معلَّم) الصيد، والمراد: من قتل كلبًا يُباح اقتناؤه، كما في "الكافي" وغيره (أساء؛ لأنه فعل مُحرَّمًا، ولا غُرْمَ عليه؛ لأن الكلب لا يُملك) ولا قيمة له. ويأتي في الصيد أنه يَحرم قتل

= (2/ 47 - 49).

(1)

ص / 28.

(2)

الظِّئر: المرضعة غير ولدها، وهي في الأصل: الناقة تعطف على ولد غيرها، ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها: ظِئر. انظر: المطلع ص / 264، المصباح المنير ص / 530.

(3)

كتاب التمام (2/ 19).

(4)

البخاري في البيوع، باب 112، حديث 2236، ومسلم في المساقاة، حديث 1581.

(5)

لم نقف عليه في الصحيحين من رواية أبي سعيد رضي الله عنه، وقد أخرجه البخاري في البيوع، باب 113، حديث 2237، وفي الإجارة، باب 20، حديث 2282، وفي الطلاق، باب 51، حديث 5346، وفي الطب، باب 46، حديث 5761، ومسلم في المساقاة، حديث 1567، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

ص: 313

غير أَسودَ بهيمٍ وعقورٍ، ولو غير معلَّم.

(ويَحرم اقتناؤه) أي: الكلب (كـ) ــما يَحرم اقتناء (خنزير، ولو لحفظ البيوت، ونحوها إلا كلب ماشية، أو صَيدٍ، وحَرْث) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "من اتَّخذَ كلبًا إلا كلبَ ماشِيةٍ، أو صيد، أو زرعٍ نقصَ من أجرِه كلَّ يومٍ قِيراطٌ" متفق عليه

(1)

، وإنما يجوز اقتناء الكلب للماشية والصيد والحَرْث (إن لم يكن أسودَ بهيمًا، أو عقورًا، ويأتي في الصيد) بيان ذلك وتعليله.

(ويجوز تربية الجرو الصغير لأجل الثلاثة) أي: لواحد من: الماشية، والصيد، والحَرْث؛ لأنه قَصَد به ما يُباح.

(ومن اقتنى كلب صيدٍ ثم ترك الصيد مدَّةً، وهو يريد العودَ إليه، لم يَحرم اقتناؤه في مدَّةِ تَرْكه) الصيد (وكذا) من اقتنى كلب زرع (لو حصد الزرع، أُبيح اقتناؤه حتى يزرع زرعًا آخر، وكذا لو هلكت ماشية) اقتنى لها كلبًا (أو باعها، وهو يريد شراء غيرها، فله إمساكُ كَلْبها لِينتفعَ به في التي يشتريها) لأن ذلك لا يمكن التحرُّز منه.

(ومن مات وفي يده كلب) يُباح اقتناؤه (فورثته أحقُّ به) كسائر الاختصاصات.

(ويجوز إهداء الكلب المباح والإثابة عليه) لا على وجه البيع.

(ولا يصح بيع) قِنٍّ (منذور عِتقه. قال ابن نصر الله: نَذْرَ تَبَرُّر) لأن عتقه وجب بالنذر، فلا يجوز إبطاله ببيعه، كالهَدي المعيَّن. واحترز ابن نصر الله عن نَذْر اللَّجَاج، فيصح البيع؛ لإجزاء الكفارة عنه.

(1)

البخاري في الحرث والمزارعة، باب 3، حديث 2322، وفي بدء الخلق، باب 17، حديث 3324، ومسلم في المساقاة، حديث 1575 (58) و (59).

ص: 314

(ولا) بيع (تِرياق

(1)

يقع فيه لحوم الحيَّات) لأن نفعه إنما يحصُل بالأكل، وهو محرَّم، فخلا من نفع مباح، ولا يجوز التداوي به، ولا بسم الأفاعي. ويصح بيع التِّرياق الخالي من لحوم الحيَّات ومن الخمر؛ لأنه مباح كسائر المعاجين الخالية من محرَّم.

(ولا) بيع (سموم قاتلة، كسم الأفاعى) لخلوها من نفع مباح (فأما السم من الحشائش والنبات، فإن كان لا ينتفع به، أو كان يقتل قليله، لم يجز بيعه) لما تقدم (وإن انتفع به، وأمكن التداوي بيسيره، كالسَّقَمونيا

(2)

ونحوها، جاز بيعه) لما فيه من النفع المباح.

(ويَحرم بيع مصحف، ولو في دَينٍ) قال أحمد

(3)

: لا نعلم في بيع المصحف رخصة. قال ابن عمر: "وَدِدتُ أنَّ الأيدي تُقطعُ في بَيعها"

(4)

ولأن تعظيمه واجب، وفي بيعه ابتذالٌ له، وتركٌ لتعظيمه.

(ولا يصحُّ) بيع المصحف، مقتضى كلامه في "الإنصاف": أنه

(1)

الترياق: فارسي معرَّب، وقيل: رومي معرَّب، دواء للسموم، وقد يُستخدم في تحضيره لحوم الحيَّات، نافع من لدغ الهوام السّبُعية. انظر: الصحاح (4/ 1453)، والمصباح المنير ص / 102، والقاموس المحيط ص / 870، مادة، (ترق).

(2)

السقمونيا: نبات يستخرج من تجاويفه رطوبة دبقة وتجفف وتدعى باسم نباتها أيضًا، مضادَّتها للمعدة والأحشاء أكثر من جميع المسهلات. القاموس المحيط ص / 1447، مادة:(سقم).

(3)

مسائل الكوسج (6/ 2607) رقم 1825، وانظر مسائل عبد الله (3/ 924 - 925، 939) رقم 1247 - 1248، 1270، مسائل أبي داود ص / 191.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 112، 114) رقم 14525، 14529، وسعيد بن منصور (2/ 385) رقم 124، وابن أبي شيبة (6/ 62)، وأحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 183) رقم 4790، وابن أبي داود في "المصاحف" ص / 161، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 845) رقم 2336، والبيهقي (6/ 16)، والخطيب في الموضح (2/ 146). وصححه ابن حزم في المحلى (9/ 47).

ص: 315

المذهب، قال في "التنقيح": ولا يصح لكافر. وتبعه في "المنتهى"، ومقتضاه: صحته للمسلم مع الحُرْمة (كـ) ما لا يصح (بيعه لكافر) لأنه يُمنع من استدامة ملكه، فمُنِع من ابتدائه (فإن مَلَكه) الكافر (بإرثٍ أو غيره) كاستيلاء عليه من مسلم (أُلزم بإزالة يده عنه) خشية امتهانه.

(وكذا) أي: كبيع المصحف (إجارتُه ورهنُه) فَيَحْرُمان، ولا يصحان (ويَلزم بذلُه) أي: المصحف (لمن احتاج إلى القراءة فيه، ولم يجد مصحفًا غيره) للضرورة.

(ولا تجوز القراءةُ فيه بلا إذن) مالكه (ولو مع عدم الضَّرر) لأن فيه افتياتًا على ربه (ولا يُكره شراؤه) أي: شراء المصحف (لأنه استنقاذٌ) له كشراء الأسير.

(ولا) يُكره (إبداله) أي: إبدال المصحف (لمسلم بمصحف آخر) لأنه لا يدل على الرغبة عنه، ولا على الاستبدال به بعِوض دنيوي، بخلاف أخذ ثمنه (ولو وصَّى ببيعه) أي: المصحف، ولو في دَينٍ (لم يُبَعْ) لما تقدم.

(ويجوز نَسْخه) أي: المصحف (بأُجرة) لقول ابن عباس

(1)

، احتج به الإمام

(2)

.

(ولا يُقطع) سارقٌ (بسرقته) أي: المصحف؛ لأنه لا يُباع.

(ويجوز وَقْفُه) أي: المصحف (وهِبتُه، والوصية به) لأنه لا اعتياض في ذلك عنه (وتقدَّم بعضُ أحكامِه في نواقض الوضوء

(3)

) فلم

(1)

أخرجه ابن أبي داود في المصاحف ص / 147، والبيهقي (6/ 16).

(2)

انظر مسائل عبد الله (3/ 924) رقم 1247.

(3)

(1/ 312 - 322).

ص: 316

يُطِلْ

(1)

بإعادتها. ويجوز بيع كتب العلم. ونقل أبو طالب: لا تُباع

(2)

.

(ويصحُّ شراءُ كتب زندقة ليتلفها، لا) شراء (خمر ليريقها؛ لأن في الكتب مالية الورق) وتعود ورقًا منتفعًا به بالمعالجة. قال ابن عقيل: يبطل بآلة اللهو، وسقط حكم مالية الخشب.

(ولا يصحُّ بيع آلة لهو) كمزمار وطُنبور، ومنها النرد والشِّطْرَنج على ما يأتي في الغصب.

(ولا) يصحُّ بيع (حشرات) كخنافس (سوى ما تقدم

(3)

) من دود القَزِّ وديدان يُصاد بها، والحشراتُ (كفأر، وحيات، وعقارب، ونحوها) كصراصر.

(ولا) يصحُّ بيع (ميتة ولا شيء منها، ولو لمضطر) لما تقدم (إلا سمكًا وجرادًا ونحوهما) كجندب لحِلِّ أكلها.

(ولا) يصحُّ بيع (دم، وخنرير، وصنم) لحديث جابر السابق

(4)

.

(ولا) يصحُّ بيع (سباع بهائم) لا تصلح لصيد (و) لا (جوارح طير لا تصلح لصيد، كنمر، وذئب، ودُبٍّ، وسَبُع، وغراب) لا يؤكل (وحِدَأَةٍ، ونَسر، وعَقْعَق

(5)

ونحوها) لأنه لا نفع فيها كالحشرات.

(ولا) يصح بيع (سرجين) أي: زبل -بكسر السين وفتحها- ويقال: سرقين (نجس) بخلاف الطاهر منه، كروث الحمام وبهيمة الأنعام.

(1)

في "ذ": نطل.

(2)

انظر الفروع (4/ 19).

(3)

(7/ 308).

(4)

تقدم تخريجه (7/ 313)، تعليق رقم (4).

(5)

العَقْعَقُ: طائر في حجم الحمام، أبلق بسواد، أذنب، وهو نوع من الغربان، تتشاءم به العرب. المصباح المنير ص / 578 مادة (عقق).

ص: 317

(و) لا يصح بيع (أدهانٍ نجسة العين من شحوم الميتة وغيرها) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا حرَّمَ ثمنَهُ"

(1)

(ولا يحِلُّ الانتفاع بها) أي: بالأدهان النجسة العين (باستصباح، ولا غيره) لحديث جابر: "قيلَ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ شحومَ الميتةِ، فإنهُ يُدهنُ بها الجلودُ، وتُطلى بها السُّفنُ، ويستصبحُ بها الناسُ؟ فقال: لا، هو حرامٌ" متفق عليه

(2)

.

(ولا) يصح (بيع) نحو (نِصْف معيَّنٍ من إناءِ وسيفٍ ونحوهما) من كل ما لا يُنتفع به لو كُسر؛ لأنه لا يمكن تسليمه مفردًا إلا بإتلافه وإخراجه عن المالية، بخلاف بيع جزء منه مشاعًا.

(ولا) يصح (بيع أدهان متنجِّسة) كزيت لاقى نجاسة (ولو) بِيع (لكافر) يعلم حاله (لحديث: "إنَّ الله تعالى إذا حرَّمَ شيئًا حَرَّمَ ثمَنَه") رواه الشيخان

(3)

مختصرًا.

(ويجوز الاستصباحُ بها) أي: بالأدهان المتنجِّسة (في غير مسجد على وَجْهٍ لا تتعدَّى نجاستُه) لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر، واستعمالها على وَجْهٍ لا تتعدَّى بأن تُجعل في إبريق، ويُصبُّ منه في المصباح، ولا يُمس، أو يدع على رأس الجرَّة التي فيها الدُّهن سراجًا مثقوبًا، ويطينه على رأس إناء الدُّهن، وكلما نقص دُهن السراج صب فيه ماء بحيث يَرفع الدهنَ فيملأ السراج، وما أشبه ذلك. وهذا القيد قاله

(1)

تقدم تخريجه (7/ 265) تعليق رقم (3).

(2)

البخاري في البيوع، باب 112، حديث 2236، ومسلم في المساقاة، حديث 1581.

(3)

لم نجده في الصحيحين بهذا اللفظ، وقد تقدم تخريجه مفصلًا (7/ 265) تعليق رقم (3).

ص: 318

جماعة، ونقله طائفة عن الإمام

(1)

، قال في "الإنصاف": الذي يظهر أن هذا ليس شرطًا في جواز الاستصباح. وعُلم من قوله: "في غير مسجد" أنه لا يجوز الاستصباح بها فيه مطلقًا.

(و)

‌ يجوز (أن تُدفع) الأدهان المتنجِّسة (إلى كافر في فكاك مسلم،

ويُعْلَم الكافر بنجاستها؛ لأنه ليس بيعًا حقيقة) بل افتداء.

(وإن اجتمع من دُخانه) أي: الدُّهن المتنجِّس (شيء، فهو نجس) كغبارها وبُخارها، وتقدم

(2)

.

(فإن عَلِق) دخان النجاسة (بشيء) طاهر (عُفي عن يسيره) وهو ما لا تظهر صفته للمشقَّة، وتقدم

(3)

.

(ويصح بيع نَجِسٍ يمكن تطهيره كثوب ونحوه) كإناء؛ لأنه يُنتفع به بعد تطهيره.

(ويجوز بيع كِسْوة الكعبة إذا خُلعت) عنها (وتقدم) ذلك

(4)

.

(ولا يصح بيع الحُر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة -ذَكَرَ منهم- رجلًا باع حُرًّا وأكل ثمنه" متفق عليه

(5)

.

(ولا) بيع (ما ليس بمملوك، كالمباحات) من نحو كلأ، وماء، ومعدن (قبل حيازتها، وتملُّكها) لفقد الشرط الرابع (ولو باع أَمَةً حاملًا

(1)

الجامع الصغير، لأبي يعلى ص / 142.

(2)

(1/ 440).

(3)

(1/ 452).

(4)

(6/ 324).

(5)

البخاري في البيوع، باب 106، حديث 2227، وفي الإجارة، باب 10، حديث 2270، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأول الحديث: قال الله تعالى: ثلاثة. . . . ولم نقف عليه عند مسلم.

ص: 319

بِحُرٍّ قبل وضْعه، صَحَّ) البيع (فيها) لأنها معلومة، وجهالة الحمل لا تضرُّ.

و‌

‌قد يُستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ

؛ كبيع الأَمَة المزوَّجة، يصحُّ، ومنفعة البُضع مستثناة بالشرع، ولا يصح استثناؤها باللفظ.

فصل

الشرط (الرابع: أن يكون) المَبيع (مملوكًا لبائعه) وقت العقد، وكذا الثمن (ملكًا تامًّا) لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام:"لا تَبع ما ليس عندَك" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه

(1)

.

وخرج بقوله: "ملكًا تامًّا" الموقوفُ على معيَّن، والمبيعُ زمن

(1)

ابن ماجه في التجارات، باب 20، حديث 2187، والترمذي في البيوع، باب 19، حديث 1232، 1233، 1235. وأخرجه -أيضًا- أبو داود في البيوع، باب 70، حديث 3503، والنسائي في البيوع. باب 60، حديث 4627، وفي الكبرى (4/ 39) حديث 6206، والشافعي في الرسالة ص / 336، حديث 914، والطيالسي ص / 187، 193 حديث 1318، 1359، وعبد الرزاق (8/ 38) حديث 14212، وابن أبي شيبة (6/ 129)، وأحمد (3/ 402، 403، 434)، وابن الجارود (2/ 182) حديث 602، والطبراني في الكبير (3/ 217)، حديث 3097 - 3099، وفي الأوسط (6/ 66)، حديث 5139، وفي الصغير (2/ 4)، والبيهقي (5/ 267، 313، 317، 339)، والخطيب في تاريخه (11/ 425)، وفي الموضح (1/ 348)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (6/ 26).

قال الترمذي: حسن. وقال البيهقي (5/ 313): إسناده حسن متصل.

وصححه ابن حزم في المحلى (8/ 519)، وابن قدامة في الكافي (3/ 33)، وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح ص / 202: صحيح على شرط الشيخين.

وقال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 448): هذا الحديث صحيح.

ص: 320

الخيارين، على ما يأتي بيانه.

(حتى أسيرٍ) فيصحُّ بيعُه لمِلْكِه؛ إذ الأسر لا يزيل ملكه (أو) أن يكون (مأذونًا له في بيعه وقت إيجابٍ وقَبول) لفظيين أو فعليين، أو مختلفين؛ لقيام المأذون له مقام المالك؛ لأنه نزَّله منزلة نفسه.

(ولو لم يعلم) المالك أن المبيع ملكه (بأن ظنَّه) أي: ظنَّ البائعُ المبيع (لغيره، فبان) أنه (قد ورِثَه، أو) لم يعلم المأذون له الإذن بأن ظنَّ عدم الإذن، فتبيَّن أنه (قد وُكِّل فيه).

وقوله: (كموت أبيه، وهو) أي: البائع (وارِثُه) مثالٌ للأول (أو توكيله) والوكيل لا يعلم، مثالٌ للثاني.

وإنما صح البيع فيهما؛ لأن الاعتبار في المعاملات بما في نفس الأمر، لا بما في ظَنِّ المكلَّف، إذا تقرَّر أن الملك أو الإذن شرط.

(فإن باع ملكَ غيره بغير إذنه، ولو بحضرته وسكوته) لم يصح البيعُ، ولو أجازه المالك بعدُ؛ لفوات شرطه.

وحديثُ عروة بن الجَعْد: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهُ دينارًا ليشتَرِي به شاةً، فاشترى به شاتين، فباع إحداهما بدينار، ثم عادَ بالدينار والشَّاةِ، فدعا له بالبركَةِ في بيعِهِ" رواه أحمد والبخاري

(1)

، محمولٌ على أنه وكيل مطلق؛ بدليل أنه سَلَّم وتسَلَّم، وليس ذلك لغير المالك والوكيل المطلق باتفاق

(2)

. ذكره في "الشرح" و"المبدع".

(أو اشترى له) أي: لغيره (بعين ماله شيئًا بغير إذنه، لم يصحَّ) الشراءُ ولو أُجيز بعدُ؛ لما تقدم.

(1)

أحمد (4/ 376)، والبخاري في المناقب، باب 29، حديث 3642.

(2)

انظر: الروايتين والوجهين (1/ 352)، والجامع الصغير لأبي يعلى ص / 132.

ص: 321

(وإن اشترى له) أي: لغيره شيئًا (في ذِمَّته بغير إذنه، صَحَّ إن لم يُسمِّه) أي: يُسمِّ المشتري مَن اشترى له (في العقد) بأن قال: اشتريت هذا ولم يقل: لفلان، فيصح العقد (سواء نَقَدَ) المشتري (الثمنَ من مال الغير) الذي اشترى له (أوْ لا) بأن نقده من مال نفسه، أو لم ينقده بالكلية؛ لأنه متصرِّف في ذِمَّته، وهي قابلة للتصرُّف، والذي نقده إنما هو عِوض عمَّا في الذِّمَّة؛ فإن سمَّاه في العقد، لم يصحَّ إن لم يكن أذن.

(فإن أجازه) أي: المشتري

(1)

(من اشتُري له) ولم يُسمَّ (مَلَكه من حين العقد) فمنافعه ونماؤه له؛ لأنه اشتُري لأجله، ونزَّل المشتري نفسه منزلة الوكيل.

(وإلا) بأن لم يجزه من اشتُري له (لزِم مَن اشتراه، فيقع الشراءُ له) لأن الغير لم يأذن فيه، فتعيَّن كونه للمشتري، كما لو لم ينو غيره.

(وإن حكم بصحةٍ مُختلَفٍ فيه) ممن يراه (كتصرُّف فضولي بعد إجازته، صحَّ) العقد واعتبُرت آثاره (من الحكم، لا من حين العقد) ذكره القاضي، فالمُختلَف فيه باطل من حين العقد إلى الحكم. قال في "الفروع": ويتوجَّه كالإجازة. وقال في "الفصول" في النكاح الفاسد: إنه يقبل الانبرام والإلزام بالحكم، والحكم لا يُنشئ الملك بل يحققه.

(و‌

‌لا يصحُّ بيعُ) شيء (معيَّنٍ لا يملكه ليشْتَريه ويُسلِّمَه)

لحديث حكيم السابق

(2)

(بل) يصحُّ بيع (موصوفٍ) بما يكفي في السَّلَم (غير معيَّن) ولو لم يوجد في ملكه مثله (بشرط قَبْضه) أي: الموصوف (أو قَبْض ثمنهِ في مجلس العقد) وإلا؛ لم يصح؛ لأنه بيع دَين بدَينٍ (كسَلَم)

(1)

في "ح" و"ذ": "الشراء".

(2)

تقدم تخريجه (7/ 320) تعليق رقم (1).

ص: 322

أي: يصح البيع بالوصف كما يصح السَّلَم (ويأتي) البيع بالوصف (قريبًا) في الشرط السادس.

(ولا يصح بيع ما فُتح عَنْوة ولم يُقْسَم، وتصح إجارتُه) وكذا الأرض التي جَلا عنها أهلُها خوفًا مِنَّا، أو صُولِحوا على أنها لهم ولنا الخراج عنها، بخلاف ما لو فُتحت صُلحًا على أنها لهم، أو فُتحت عَنوة وقُسمت بين الغانمين، كنصف خيبر، أو أسلم أهلها عليها كالمدينة، فيصح بيعها.

والذي فُتح عَنْوة ولم يُقسم (كأرض الشام، والعراق، ومصر ونحوها) فتصح إجارتها ممن هي بيده دون بيعها (لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين، وأقرَّها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضَرَبه أُجرةً لها في كل عام

(1)

، ولم يُقدِّر عمر مدَّتها) أي: مدة الإجارة (لعموم المصلحة فيها) قاله في "الكافي" وغيره. قال: وقد اشتهر ذلك في قصص نُقلت عنه.

(ويصح بيع المساكن) من أرض العَنْوة (الموجودةِ حال الفتح، أو حدثت بعده، وآلتها) أي: المساكن (منها) أي: من أرض العَنوة (أو من غيرها) لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر، وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير

(2)

، فكان كالإجماع.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 70) تعليق رقم (1) و (4).

(2)

أخرج الحاكم (3/ 89) عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص: أن اتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد، فبعث سعد رجلًا من الأنصار يقال له: الحارث بن سلمة، فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالناس فخط مسجدنا وخط فيه الخطط.

وأورد ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار ص / 37: أن سعد بن أبي وقاص بعث =

ص: 323

وقدَّم في "الفروع": أنه يجوز بيع بناء ليس منها (كبيع غَرْسِ مُحْدَثٍ) فيها، فإنه يصح؛ لأنه مملوك لغارسه. وكلامه هنا "كالفروع" يقتضي أن الغرس الموجود حال الفتح لا يصح بيعه، وأنه يتبع الأرض في الوقف، لكن تقدَّم

(1)

في الأرضين المغنومة أنه أوجب الزكاة في ثمرتها على من تُقَرُّ بيده، كالمتجدِّد، فعليه؛ تكون ملكًا له، فيصحُّ بيعها.

(وكذا إن رأى الإمام المصلحةَ في بيع شيء منها) مثل أن يكون في الأرص ما يحتاج إلى عمارة ولا يعمرها إلا من يشتريها (فباعه، أو وقفه، أو أقطَعَه إقطاع تمليك) فيصح ذلك كله؛ لأن فِعل الإمام كحُكمه، وحكمه بذلك يصح كبقية المُختلَف فيه، هذا معنى ما علَّلَ به في "المغني" صحةَ البيع منه، وهو يقتضي أن محلَّ ذلك إذا كان الإمام يرى صحةَ بيعه أو وقفه، وإلا؛ فلا ينفذ حُكم حاكم بما يعتقد خلافه.

وفي صحة الوقف نظر؛ لأن الأرض إما موقوفة، فلا يصحُّ وقفها

= عتبة بن غزوان بن جابر السلمي إلى موضع البصرة اليوم فأقام بها وبصّر البصرة وبني مسجدها بقصب واستوطنها، واختط الصحابة بها الخطط.

وأورد -أيضًا- في الثقات (2/ 212): أن عمر كتب إلى سعد، فبعث عثمان بن حنيف، فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالناس، وخط مسجدها واختط فيها للناس الخطط، وكوَّف الكوفة.

وأورد -أيضًا- (2/ 212): أن عمر كتب إلى سعد أن ابعث إلى أرض الهند -يريد البصرة- جندًا، لينزلوها فبعث إليها سعد عتبة بن غزوان في ثمانمائة رجل حتى نزلها، وهو الذي بصَّر البصرة، واختط المنازل، وبنى مسجد الجامع بالقصب.

وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة (3/ 42) أن عمر بن الخطاب خط لسويد بن شعبة اليربوعي بالكوفة.

(1)

(7/ 172).

ص: 324

ثانيًا، أو فيء لبيت المال، والوقفُ شَرْطُه أن يكون من مالك، إلا أن يقال: إن الوقف هنا من قبيل الإرصاد والإفراز لشيء من بيت المال على بعض مستحقيه، ليصلوا إليه بسهولة، كما أوضحته في "الحاشية".

(وقال في "الرعاية" في حكم الأراضي المغنومة: وله) أي: للإمام (إقطاع هذه الأرض) أي: التي فُتحت عَنْوة ولم تُقسم (والدُّور والمعادن إرفاقًا لا تمليكًا. ويأتي).

وقال في "المغني" في باب زكاة الخارج من الأرض: وحكم إقطاع هذه الأرض حكم بيعها. وقدَّم في البيع أنه لا يجوز. وقال -أيضًا-: ولا يُخص أحد بملك شيء منها، ولو جاز تخصيص قوم بأصلها، لكان الذين فتحوها أحق بها.

(ومثله) أي: مثل بيع الإمام لها في صحته (لو بيعت وحَكَمَ بصحته حاكمٌ يراه، قاله الموفق وغيره) كبقية المختَلَف فيه.

(إلا أرضًا من العراق فُتحت صُلحًا على أنها لهم) أي: لأهلها، فيصح بيعهم لها؛ لملكهم إياها، وسُمِّي عِراقًا؛ لامتداد أرضه، وخلوها من جبال مرتفعة، وأودية منخفضة، قاله السامري.

(وهي، أي: الأرض المذكورة (الحِيرة) بكسر الحاء، مدينة بقرب الكوفة، والنسبة إليها حيري وحاري على غير قياس، قاله الجوهري

(1)

.

(وأُلَّيسٌ) بضم الهمزة، وتشديد اللام، بعدها ياء ساكنة، ثم سين مهملة، مدينة بالجزيرة.

(وبانِقْيا) بزيادة ألف بين الباء والنون المكسورة، ثم قاف ساكنة، تليها ياء مثناة تحت، ناحية بالنجف دون الكوفة.

(1)

الصحاح (2/ 641).

ص: 325

(وأرض بني صَلُوبا) بفتح الصاد المهملة، وضم اللام، بعدها واو ساكنة، تليها باء موحدة.

فهذه الأماكن فُتحت صُلحًا لا عَنْوة، فيصح بيعها. ومثلها الأرض التي أسلم أهلها عليها، كأرض المدينة، فإنها ملك أربابها.

(ولا يصح بيع وَقْف غيره) أي: غير ما فُتح عَنْوة، ولم يقسم (ونفعُه المراد منه باقٍ) -جملة حالية- أي: في حال بقاء نفعه المقصود، فإن تعطل، جاز بيعه (ويأتي في الوقف) بأتم من هذا.

(ولا يصح بيع رِباع مكة) -بكسر الراء- جمع ربع (وهي المنازل ودار الإقامة، ولا الحَرَم كله، وكذا بِقاع المناسك) كالمَسعى والمَرْمى، والموقِف ونحوها.

(و) القول بعدم صحة بيع بقاع المناسك (أَولى) من القول بعدم صحة بيع رِباع مكة (إذ هي) أي: بقاع المناسك (كالمساجد) لعموم نفعها، وإنما لم يصح بيع رِباع مكة (لأنها فُتحت عَنْوة) بدليل أنه صلى الله عليه وسلم:"أمرَ بقتل أربعةٍ، فقتلَ منهم ابن خَطَلِ، ومَقِيسُ بن صُبَابَةَ"

(1)

ولو فُتحت صُلحًا، لم يجزْ قَتْل أهلها، ولم تقسم بين الغانمين، فصارت وقفًا على المسلمين.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 18) تعليق رقم (2) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (5/ 219) حديث 181، والطبراني في الكبير (6/ 66) حديث 5529، والبيهقي (9/ 212)، والمزي في تهذيب الكمال (11/ 114) عن سعيد بن يربوع رضي الله عنه.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 173) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وأمر قتل ابن خطل أخرجه البخاري في جزاء الصيد، باب 18، حديث 1846، وفي الجهاد والسير، باب 169، حديث 3044، وفي المغازي، باب 48، حديث 4286، ومسلم في الحج، حديث 1357، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 326

(ولا) تصح (إجارة ذلك) أي: رِباع مكة والحرم، وبقاع المناسك؛ لما روى سعيد بن منصور، عن مجاهد مرفوعًا:"مكة حرامٌ بيعُها، حرامٌ إجارتُها"

(1)

. وعن عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"مكة لا تُباعُ رِباعُها، ولا تُكرى بيوتُها" رواه الأثرم

(2)

(فإن

(1)

لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد أخرجه من طريقه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 187)، حديث 1465، وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في الأموال ص / 83، حديث 161، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 370، 372، وابن زنجويه في الأموال (1/ 204)، حديث 243، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 163)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 246) حديث 2053. كلهم من طريق الأعمش، عن مجاهد مرسلًا. ومع إرساله إسناده ضعيف. قال أبو حاتم في العلل لابنه (2/ 210): الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد مدلس.

وأخرجه ابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 370، 372، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 247) رقم 2054، والطحاوي (4/ 49) عن مجاهد من قوله. وإسناده -أيضًا- ضعيف، فيه شريك بن عبد الله النخعي، قال فيه الحافظ في التقريب (2802): صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة.

(2)

لعله في سننه، ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- مرفوعًا محمد بن الحسن الشيباني في الآثار ص / 76، حديث 371، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 243)، حديث 2046، والطحاوي (4/ 48)، والعقيلي (1/ 73)، وابن عدي (1/ 287)، والدارقطني (3/ 57، 58)، والحاكم (2/ 53)، والبيهقي (6/ 35)، والخطيب في تاريخه (3/ 61). وضعفه الدارقطني، والبيهقي. وصحح إسناده الحاكم، وتعقبه الذهبي فقال: إسماعيل ضعفوه.

وأخرجه عبد الرزاق (5/ 148)، رقم 9214، وأبو عبيد في الأموال ص / 84، رقم 163، ومسدد -كما في المطالب العالية (2/ 32) رقم 1228، وابن أبي شيبة "الجزء المفرد" ص / 371، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 163)، وابن منيع كما في المطالب العالية (2/ 32)، رقم 1229، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 24)، رقم 2051، 2052، والدارقطني (3/ 57)، والبيهقي (6/ 35) عن عبد الله بن عمرو -رضي الله =

ص: 327

سكن بأجرة) في رِباع مكة (لم يأثم بدفعها) صحَّحه في "الإنصاف"، وقال الشيخ تقي الدين

(1)

: هي ساقطة يحرم بذلها.

(ولا يُملك ماءٌ عِدٌّ) بكسر العين، وتشديد الدال، قبل حيازته (وهو الذي له مادَّةٌ لا تنقطع، كمياه العيون، و) كـ (ـــنَقْع البئر) لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شُركاءُ في ثلاثٍ: في الماء، والكلأ، والنارٍ" رواه أبو داود وابن ماجه

(2)

.

= عنهما- موقوفًا، وصوَّبه الدارقطني، والبيهقي.

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 180.

(2)

أبو داود في البيوع، باب 62، حديث 3477، عن أبي خداش، عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه في الرهون، باب 16، حديث 2472، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وأخرجه -أيضًا- عن أبي خداش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أبو عبيد في الأموال ص / 372، حديث 729، وابن أبي شيبة (7/ 304)، وأحمد (5/ 364)، وابن عدي (2/ 857)، والبيهقي (6/ 150).

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 87): وأبو خداش هذا هو: حبان بن زيد الشرعبي الحمصي ما علمت روى عنه سوى حريز، وشيوخه قد وثقوا مطلقًا.

وقال الحافظ في الدراية (2/ 246) وبلوغ المرام (924): رجاله ثقات.

وضعفه ابن حزم في المحلى (9/ 54) وعبد الحق في الأحكام الوسطى (3/ 298)، وابن القطان في بين الوهم والإيهام (5/ 520) لجهالة أبي خداش.

وانظر علل ابن أبي حاتم (1/ 321)، والإصابة (11/ 108).

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (11/ 80) حديث 11105، وابن عدي (4/ 1525)، والمزي في تهذيب المال (14/ 455).

وفي إسناده: عبد الله بن خراش، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 55): هذا إسناد ضعيف، عبد الله بن خراش ضعَّفه أبو زرعة والبخاري والنسائي، وابن حبان وغيرهم.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 65): وفيه عبد الله بن خراش: متروك، وقد صححه ابن السكن.

وللحديث شاهد أخرجه ابن ماجه في الرهون، باب 16، حديث 2473، وابن =

ص: 328

(ولا) يملك (ما في معدن جَارٍ) إذا أخذ منه شيء خلفه غيره (كملحٍ، وقارٍ، ونِفْطٍ ونحوها) قبل حيازته؛ لعموم نفعه فهو كالماء.

(ولا) يملك (كلأ) قبل حيازته؛ للحديث السابق (و) لا يملك (شَوْك نَبَتَ في أرضه قبل حيازته) لأن الشوك كالكلأ، وقوله:(بملك أرض) متعلق بـ"لا يملك"، أي: لا تُملك هذه الأشياء بملك الأرض، بل بالحيازة (فلا يصح بيعه) أي: بيع شيء من ذلك قبل حيازته (ولا يدخل) ما في الأرض من ذلك (في بَيعِها) لأن البائع لم يملكه، فلم يتناوله البيع (كـ) ـــما لو كان في (أرض مباحة) غير مملوكة (ولكن صاحب الأرض أحقُّ به، لكونه في أرضه، قاله الموفق وغيره.

ومن حاز من ذلك) أي: من الماءِ العِدِّ، والكلأ، والشوك، والمعدن الجاري (شيئًا، مَلَكَه) وجاز بيعه؛ لما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بَيع الماء إلَّا ما حُمِلَ منه" رواه أبو عبيد في "الأموال"

(1)

وعلى ذلك مضت العادة من غير نكير.

(إلا أنَّه يَحْرُم دخول ملك غيره بغير إذنه؛ لأجل أخذ ذلك إِن كان) ربُّ الأرض (محوطًا عليها) لأنه تصرُّف في ملك غيره بغير إذنه (وإلا) بأن لم يحوِّط عليها (جاز) الدخول بلا إذنه (بلا ضرر) لدلالة القرينة على رضاه حيث لم يحوِّط.

= الجارود (2/ 178) حديث 596، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاث لا يمنعن: الماء، والكلأ، والنار". وصحح إسناده ابن كثير في تفسيره (4/ 297)، وابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 297)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 55)، والحافظ في الفتح (5/ 33)، والتلخيص الحبير (3/ 65).

(1)

ص / 381، حديث 755 عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن المشيخة وقال: حديث مرفوع إلا أنه ليس له ذاك الإسناد.

ص: 329

(ولو استأذنه) أحد في الدخول (حَرُم) على ربِّ الأرض (مَنْعه إن لم يحصُل ضرر) بدخوله؛ لما تقدم.

(وسواء) فيما تقدم (كان ذلك) أي: الماء العِدُّ، والمعدن الجاري، والكلأ، والشوك (موجودًا في الأرض خفيًّا، أو حَدَث بها بعد ملكها) وسواء ملكها بشراء، أو إحياء، أو إرث أو غيرها.

(ولو حصل في أرضه) أي: أرض إنسان (سَمَك) لم يملكه بذلك (أو عشَّش بها طائر، لم يملكه) بذلك، فلا يصح بيعه قبل حيازته (ويأتي) ذلك (في الصيد) موضحًا.

(والمصانع المعدَّة لمياه الأمطار) يملك ربُّها ما يحصُل فيها منها (و) المصانع المعدَّة للماء إذا (جرى إليها ماءٌ من نهرٍ غير مملوك) كالنيل (يُملَكُ ماؤها) الحاصل فيها (بحصوله فيها) لأن ذلك حيازة له.

(ويجوز) لمالكه (بيعه إذا كان معلومًا) وهبته والتصرُّف فيه بما شاء؛ لعدم المانع.

(ولا يحلُّ) لأحد (أخْذ شيء منه بغير إذن مالكه) لجريان ملكه عليه كسائر أملاكه.

(والطُّلُول

(1)

التي تَجتني منها النَّحْلُ) إذا كانت على نبت مملوك (ككلأ) في الإباحة (وأَولى) بالإباحة من الكلأ؛ لما يأتي.

(ولا حق) أي: لا عِوض (على أهل النَّحْل لأهل الأرض التي يجني منها. قال الشيخ

(2)

: لأن ذلك لا ينقص من ملكهم شيئًا) ولا يكاد يجتمع

(1)

الطُّلول: جمع الطَّل، وهو الندى الذي يحدث في الهواء أيام الصحو، ويقع على أطراف الأشجار والأزهار. انظر: التفسير الكبير (20/ 71)، وتاج العروس (7/ 419)، مادة (طلل). ونحل عبر النحل ص / 39.

(2)

مجموع الفتاوى (29/ 220).

ص: 330

منها ما يعد شيئًا إلا بمشقَّة.

ذكر ابن عادل في "تفسيره"

(1)

عن الفخر الرازي

(2)

: في كتب الطب أن الطِّلال هي التي يتغذى منها النحل إذا تساقطت على أوراق الأشجار والأزهار، فيلتقطها النحل ويتغذَّى منها، ويكوّن منها العسل. انتهى.

والطَّلُّ نوع من القطر

(3)

، ونحْلُ ربِّ الأرض أحقُّ به، فله منع غيره إن أضر به. ذكره الشيخ التقي

(4)

.

(فأما المعادن الجامدة كمعادن الذهب، والفضة، والصُّفْر، والرصاص، والكحل، وسائر الجواهر، كالياقوت والزمرد والفيرُوزَجِ ونحوها، فتملك بملك الأرض على ما يأتي) في إحياء الموات؛ لأنها من أجزاء الأرض.

(ويجوز لربِّها) أي: ربِّ الأرض (بيعه) أي: بيع ما بها من معدن جامد، ولو قبل حيازته؛ لأنه ملكه (ولا تؤخذ) المعادن الجامدة (بغير إذنه) أي: إذن رب الأرض؛ لما تقدم (ويستوي) في ذلك (الموجود) من تلك المعادن (فيها) أي: في الأرض (قبل ملكها خفيًّا وما حدث بعده، كما تقدم) وأما ما كان فيها ظاهرًا وقت إحيائها، فلا يملك بملكها، ولو كان جامدًا، ويأتي في إحياء الموات.

(1)

اللباب في علوم الكتاب (12/ 112).

(2)

التفسير الكبير (20/ 71).

(3)

القطر: المطر. المصباح المنير ص / 697 مادة (قطر).

(4)

مجموع الفتاوى (29/ 221).

ص: 331

فصل

الشرط (الخامس: أن يكون) المبيع، ومثله الثمن (مقدورًا على تسليمه) حال العقد؛ لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم، والمعدوم لا يصح بيعه، فكذا ما أشبهه.

(فلا يصح بيع آبق) ولا جعله ثمنًا، سواء (عَلِمَ) الآخذ له (مكانه أو جهله، ولو) كان ذلك (لقادر على تحصيله) لما روى أحمد عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن شراء العبد وهو آبِقٌ"

(1)

. (وكذا جَمَلٌ شارد، وفرس غائر ونحوهما) مما لا يقدر على تسليمه.

(ولا) يصح بيع (نَحْلٍ) في الهواء (و) لا بيع (طير في الهواء؛ يألف

(1)

أحمد (3/ 42). وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في التجارات، باب 24، حديث 2196، وعبد الرزاق (8/ 76، 211)، رقم 1475، 14923، وابن أبي شيبة (6/ 131)، وأبو يعلى (2/ 345) حديث 1093، والدارقطني (3/ 15)، والبيهقي (5/ 338)، والمزي في تهذيب الكمال (24/ 335) من طريق جهضم بن عبد الله اليماني، عن محمد بن إبراهيم الباهلي، عن محمد بن زيد العبدي، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال: محمد بن إبراهيم: شيخ مجهول. العلل له (1/ 373).

وضعَّف إسناده ابن حزم في المحلى (8/ 390)، وعبد الحق في الأحكام الوسطى (3/ 261)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 447)، والحافظ في البلوغ (821)، والدراية (2/ 150).

وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، كما في نصب الراية (4/ 15) من طريق آخر فيها رجل لم يُسَمَّ.

وقال البيهقي: وهذه المناهي، وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي، فهي داخلة في بيع الغرر الذي نُهي عنه في الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 332

الطيرُ الرجوعَ، أو لا) لأنه غير مقدور على تسليمه.

(ولا) يصح بيع (سمك في لُجَّة ماءٍ) لما روى أحمد عن ابن مسعود مرفوعًا: "لا تشتروا السمَك في الماءِ؛ فإنَّه غَررٌ"

(1)

. قال البيهقي

(2)

: فيه انقطاع. ولما تقدم، واللُّجة بضم اللام: معظم الماء.

(فإن كان الطير في مكان) كالبرج (مُغلَقٍ) عليه (ويمكن أخذه منه) صحَّ بيعه؛ لأنه مقدور على تسليمه، وشرط القاضي مع ذلك أخذه بسهولة، فإن لم يمكن إلا بتعب ومشقَّة لم يجز.

(أو) كان (السمك في ماء) نحو بركة (صافٍ) ذلك الماء (يُشاهد

(1)

أحمد (1/ 388). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الكبير (10/ 209) حديث 10491، والقطيعي في جزء الألف دينار ص / 362، حديث 231، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 250)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 214)، والبيهقي (5/ 340)، والخطيب في تاريخه (5/ 369)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 105) رقم 978، من طريق محمد بن السماك، عن يزيد بن أبي زياد، عن المسيب بن رافع، عن ابن مسعود رضي الله عنه، مرفوعًا.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 403 مع الفيض) ورمز لصحته.

قلنا في سنده يزيد بن أبي زياد، قال فيه الحافظ في التقريب (7768): ضعيف.

وأعل بالانقطاع بين المسيب بن رافع، وابن مسعود رضي الله عنه. انظر: المراسيل لابن أبي حاتم ص / 207، وتاريخ ابن معين برواية الدوري (4/ 19).

وأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 575) والطبراني في الكبير (9/ 321) رقم 9607، (10/ 209) رقم 10491، عن يزيد بن أبي زياد، عن المسيب بن رافع، عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا.

وصوَّب وقفه الدارقطني في العلل (5/ 276) والبيهقي، والخطيب، وابن الجوزي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 80): رواه أحمد موقوفًا ومرفوعًا، والطبراني في الكبير كذلك، ورجال الموقوف رجال الصحيح، وفي رجال المرفوع شيخ أحمد محمد بن السماك، ولم أجد من ترجمه، وبقيتهم ثقات.

(2)

في السنن الكبرى (5/ 340).

ص: 333

فيه) السمك (غير مُتصل) الماء (بنهرٍ، ويمكن أخذه) أي: السمك (منه) أي: الماء (صَحَّ) البيع؛ لعدم الغرر (ولو طالت مُدةُ تحصيلِهما) أي: الطير والسمك. هذا إن سهل أخذه؛ فإن لم يسهل بحيث يعجز عن تسليمه، لم يصح البيع؛ لعجزه عن تسلميه في الحال، وللجهل بوقت تسليمه. وهذا المذهب، قاله في "الإنصاف".

(ولا يصحُّ بيع مغصوب) لأن بائعه لا يقدر على تسليمه (إلا لغاصِبِه) لأن المانع منه معدومٌ هنا (أو) لـ (قادر على أخذِهَ) أي: المغصوب (منه) أي: من غاصبه، فيصح البيع لعدم الغرر وإمكان قبضه (فإن عَجَز) بعد البيع المشتري الذي كان قادرًا حينه (عن تحصيله)

(1)

ثم تبين عجزه حال البيع، فالظاهر أنه لا يصح؛ لأن الاعتبار في المعاملات بما في نفس الأمر، كما تقدم.

فصل

الشرط (السادس: أن يكون) المَبيع (معلومًا لهما) أي: للبائع والمشتري؛ لأن جهالة المبيع غَرَر، فيكون منهيًّا عنه، فلا يصح. والعلم به يحصُل (برؤيةٍ تحصُل بها معرفته) أي: المَبيع (مقارِنَةً) تلك الرؤية للعقد، بأن لا تتأخر عنه، ويأتي لو تقدمت (له) متعلِّق بـ"رؤية" أي: لجميع المبيع إن لم تدل بقيته عليه، كالثوب المنقوش، ومعنى مقارنة الرؤية: أن تكون (وقت العقد، أو) برؤيةٍ (لبعضه، إن دلَّت) رؤية بعضه

(1)

في "ح" و"ذ" زيادة: "أي: المغصوب (فله الفسخ) لتأخير التسليم، وأما إذا اشتراه ظانًّا قدرته على تحصيله. . .".

وجمله (فله الفسخ) موجودة في متن الإقناع (2/ 166).

ص: 334

(على بقيته) لحصول المعرفة بها (وإلا) تدل رؤية بعضه على بقيته كالثوب المنقوش (فلا) تكفي رؤية بعضه، فـ (ـــتكفي رؤيةُ أحدِ وجهي ثوبٍ غيرِ منقوش.

و) تكفي (رؤية وجه الرقيق.

و) تكفي رؤية (ظاهر الصُّبْرة المتساوية الأجزاء من حبٍّ، وثمرٍ ونحوهما" بخلاف المختلفة الأجزاء؛ كصُبْرة بَقَّال القرية.

(و) تكفي رؤية ظاهر (ما في ظروفٍ وأعدالٍ من جنس واحد متساوي الأجزاء، ونحو ذلك) من كل ما تدل رؤية بعضه على كله؛ لحصول الغرض بها.

(ولا يصحُّ بيع الأُنْمُوذَجِ) بضم الهمزة، وهو ما يدل على صفة الشيء، قاله في المصباح

(1)

(بأن يُريَه صاعًا) مثلًا من صُبْرة (ويبيعه الصُّبرة على أنها من جنسه) فلا يصح؛ لعدم رؤية المبيع وقت العقد.

(وما عُرِف) مما يباع (بلمْسِه، أو شمِّه، أو ذَوْقه، فكرُؤْيته) لحصول المعرفة (ويحصُلُ العِلم بمعرفته) أي: المبيع.

(ويَصحُّ) البيع (بصفة) تضبط ما يصح السَّلَم فيه؛ لأنها تقوم مقام الرؤية في تمييزه (وهو) أي: المبيع بالصفة (نوعان:

أحدهما: بيع عينٍ معيَّنةٍ، سواء كانت العينُ) المعيَّنة (غائبةً، مثل أن يقول: بِعتُك عبدي التُّركيَّ. ويذكر صفاتِه) التي تضبطه، وتأتي في السَّلَم.

(أو) كانت العين المبيعة بالصفة (حاضرةً مستورةً، كجارية مُنْتَقِبةٍ، وأمتعة في ظروفها، أو نحو ذلك.

(1)

ص / 859 مادة (نموذج).

ص: 335

فهذا) النوع (ينفسخُ العقد عليه بِرَدِّه على البائع) بنحو عيب، أو نقص صفة، وليس للمشتري طَلَبُ بدله؛ لوقوع العقد على عينه كحاضر؛ فإن شرط ذلك في عقد البيع بأن قال: إن فاتك شيء من هذه الصفات، أعطيتُك ما هذه صفاته، لم يصحَّ العقدُ. قاله في "المستوعب"(و) ينفسخ العقد عليه -أيضًا- بـ (ـتَلَفِهِ قبل قَبْضه) لزوال محل العقد.

(و) هذا النوع (يجوز التفرُّق) من متبايعيه (قبل قَبْضِ الثَّمن، وقبل قَبْضِ المبيع، كحاضر) بالمجلس.

(ويجوز تقديمُ الوصفِ في بيع الأعيان على العقد، كما يجوز تقديم الرُّؤية، ذكره القاضي مَحَلَّ وفاق. وكذلك يجوز تقديم الوصف) للمعقود عليه (في السَّلَم على العقد، ولا فرق بينهما) أي: بين تقديم الوصف في بيع الأعيان على العقد، وتقديمه في السَّلَم على العقد، وكذا تقديم الوصف في بيع ما في الذِّمة (فلو قال) لآخر:(أريد أن أُسْلِفَكَ في كُرِّ حنطة، ووصفه بالصفات، فلما كان بعد ذلك) ولو طال الزمن (قال: قد أسلفتك في كُرِّ حنطة على الصفات التي تقدم ذكرها، وعَجَّل الثمن) قبل التفرق (جاز) وصح العقد للعلم بالمعقود عليه، والكُرُّ -بضم الكاف- كيل معروف بالعراق، وهو ستون قفيزًا وأربعون إردبًّا، قاله في "القاموس"

(1)

.

(و) النوع (الثاني) من نوعي البيع بالصفة (بيع موصوف غير معيَّن، ويصفه بصفة تكفي في السَّلَم، إن صح السَّلَمُ فيه) بأن انضبطت صفاته (مثل أن يقول: بعتك عبدًا تركيًّا، ثم يستقصي صفات السَّلَم فيه، فهذا في

(1)

ص / 469 مادة: (كرر). وقال في المصباح المنير ص / 816:. . . والكر على هذا الحساب اثنا عشر وسقًا، والوسق ستون صاعًا. فعلى هذا الكر (720) صاعًا.

ص: 336

معنى السَّلَم) وليس سَلَمًا لحلوله.

(فمتى سلَّم) البائع (إليه عبدًا على غير ما وصفه له، فردَّه) المشتري عليه (أو) سَلَّم إليه عبدًا (على ما وصف له، فأبدله) المشتري لنحو عيب (لم يفسد العقد) بردِّه؛ لأن العقد لم يقع على عينه، بخلاف النوع الأول.

(و‌

‌يُشترط في هذا النوع قَبْضُ المبيع، أو قَبْضُ ثمنه في مجلس العقد)

لأنه في معنى السَّلَم.

ويُشترط -أيضًا- أن لا يكون بلفظ: سَلَم أو سلف؛ لأنه يكون إذن سَلَمًا، ولا يصح حالًا، ولم يذكره المصنف، لأنه اقتصر فيما تقدم على قول "التلخيص": إن البيع لا ينعقد بلفظ السَّلَم والسَّلَف.

(و) يحصُل العلم بمعرفة المبيع (برؤية متقدمة) على العقد (بزمن لا يتغير فيه المبيع يقينًا، أو) لا يتغير فيه (ظاهرًا) لأن شرط الصحة العلم، وقد حصل بطريقه؛ وهي الرؤية المتقدمة، والمبيع منه ما يسرع فساده، كالفاكهة، وما يتوسط، كالحيوان، وما يتباعد كالعقارات، فيعتبر كل نوع بحسبه ولو (مع غيبة المبيع، ولو في مكان بعيد لا يقدِرُ) البائع (على تسليمه في الحال، لكن يقدِرُ على استحضاره غير آبق ونحوه) كشارد، فلا يصح بيعه لما تقدم.

(ثم إن وجده) أي: وجد المشتري ما تقدمت رؤيته (لم يتغيَّر، فلا خيار له) لسلامة المبيع (وإن وجده متغيرًا، فله الفسخ على التراخي) كخيار العيب، وكذا لو وجد المبيعَ بالصفة ناقصًا صفةً (ويُسمَّى) هذا الخيار (خيار الخُلْف في الصِّفة) من إضافة الشيء إلى سببه. (إلا أن يوجد منه) أي: من المشتري (ما يدلُّ على الرضا) بالمبيع (من سَوْم

ص: 337

ونحوه) فيسقط خياره لذلك.

و (لا) يسقط خياره (بركوب الدابة) المبيعة (في طريق الرَّدِّ) إلى البائع؛ لأنه لا يدل على الرضا بالمتغير.

(و‌

‌متى أبطل) المشتري (حقَّه من ردِّه، فلا أَرْش له)

أي: للمشتري في الأصح، قاله في "الفروع"، فيُخيَّر بين الرد والإمساك مجانًا؛ لئلا يعتاض عن صفة كالسَّلَم.

وهذا بخلاف البيع بشرط صفة، فإنَّ له أَرْش فقدها، كما يأتي في الشروط في البيع.

(وإن اختلفا) أي: البائع والمشتري (في الصفة) بأن قال المشتري: ذكرتَ في وصف الأَمَة أنها بِكْر، مثلًا، وأنكره البائع (أو) اختلفا في (التغير) أي: قال المشتري: إن المبيع الذي سبقت رؤيته تغيَّر، وأنكر البائع، وقال: كان على هذا الحال حين رأيتَهُ (فالقول قول المشتري) بيمينه؛ لأن الأصل براءة ذمته من الثمن.

(وأن كان) المبيع الذي تقدمت رؤيته (يفسد في الزمن) الذي مضى بين الرؤية والعقد (أو) كان (يتغير) فيه (يقينًا، أو ظاهرًا، أو شكًّا) مستويًا (لم يصح) العقد؛ لفقد شرطه، أو للشك فيه.

(ولو قال) البائع: (بعتُك هذا البغلَ بكذا، فقال: اشتريتُه، فبان) المشار إليه (فرسًا أو حمارًا، لم يصح) البيع.

ومثله: بعتُك هذا العبد، فبان أَمَةً، أو هذا الجمل، فبان ناقةً، ونحوه، فلا يصح البيع؛ للجهل بالمبيع، وعدم رؤية يحصُل بها معرفته.

(ولا يصح استصناعُ سِلْعةٍ) بأن يبيعه سِلعة يصنعها له (لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السَّلَم) ذكره القاضي وأصحابه.

ص: 338

(ويصحُّ بيعُ أعمى) بالصفة لما يصح السَّلَم فيه (و) يصح (شراؤه بالصفة) ما يصح السَّلَم فيه (كما تقدم نصًّا

(1)

كتوكيله) أي: كما يصح أن يوكِّلَ الأعمى في البيع والشراء (بصيرًا، وله) أي: للأعمى إن وجد ما اشتراه بالصفة ناقصًا صفة (خيار الخُلْف في الصفة) كالبصير وأَولى.

(و) يصح بيع الأعمى وشراؤه (بما يمكنه معرفته) أي: معرفة ما يبيعه أو يشتريه (بغير حاسة البصر، كشمٍّ، ولمسٍ، وذوق) لحصول العلم بحقيقة المبيع. وكذا لو كان رآه قبل عماه بزمن لا يتغير فيه المبيع ظاهرًا على ما تقدم.

(وإن اشترى) إنسان (ما لم يره، ولم يوصف له) لم يصح البيع

(2)

.

(أو) اشترى شيئًا (رآه ولم يعلم ما هو) لم يصح البيع.

(أو) اشترى شيئًا لم يره، ولم يوصف له بما يكفي في السَّلَم، بل (ذُكر له من صفته ما لا يكفي في السَّلَم، لم يصح البيع) للجهالة بالمبيع.

(و‌

‌حكم ما لم يَرَه بائعٌ حكم مشتر) يه (فيما تقدم)

من التفصيل، فلا يصح البيع إن لم يوصف له بما يكفي في السَّلَم، ولم يعرفه بشم، أو لمس، أو ذوق. ويصحُّ إن وُصف بذلك، أو عرفه بلمسٍ، أو شم، أو ذوق.

(ولا يصح بيع الحَمْل مفردًا) عن أُمِّه إجماعًا

(3)

(وهو: بيع المضامين والمجر) بفتح الميم وكسرها وبسكون الجيم وفتحها، روى أبو هريرة مرفوعًا:"أنه نهى عن بَيع المضامين والملاقيح"

(4)

. قال

(1)

انظر الجامع الصغير لأبي يعلى ص / 125، ومجموع الفتاوى (30/ 201).

(2)

في "ذ": "العقد".

(3)

انظر الإجماع لابن المنذر ص / 114.

(4)

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، كما في "نصب الراية"(4/ 10)، والبزار كشف =

ص: 339

أبو عبيد

(1)

: المضامين ما في أصلاب الفحول. والملاقيح: ما في البطون، وهي الأجنة.

وروى ابن عمر: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيع المجر"

(2)

. قال ابن

= الأستار (2/ 87) حديث 1267، والمروزي في السنة ص / 61، حديث 210، من طريق صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه هكذا إلا صالح، ولم يكن بالحافظ.

وقد خولف صالح بن أبي الأخضر في روايته، فأخرجه مالك (2/ 654) والشافعي في الأم (3/ 31، 104)، وعبد الرزاق (8/ 20) رقم 14137، والمروزي في السنة ص / 60، 61، رقم 206، 212، والبيهقي (5/ 287، 341) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قوله.

وصوَّب وقفه على سعيد بن المسيب الدارقطني في "العلل"(9/ 183) فقال: والصحيح غير مرفوع، من قول سعيد، غير متصل.

وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (8/ 21) حديث 14138.

وصحح إسناده الحافظ في الدراية (2/ 149) وقوَّاه في التلخيص (3/ 12).

وعن ابن عباس رضي الله عنه: أخرجه البزار، كشف الأستار (2/ 87)، حديث 1268، والطبراني في الكبير (11/ 230)، حديث 11581، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

قال البزار: لا نعلمه عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 104): رواه الطبراني في الكبير، والبزار، وفيه: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة: وثَّقه أحمد، وضعَّفه جمهور الأئمة.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أخرجه ابن عدي (5/ 1888) في ترجمة عيسى الحناط، وقال: ولعسيى هذا غير ما ذكرت من الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها متنًا ولا إسنادًا.

(1)

غريب الحديث (1/ 207).

(2)

أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 206)، وابن أبي عمر العدني، كما في المطالب العالية (2/ 97)، رقم 1414، والبزار "كشف الأستار"(2/ 91) حديث 1280، والبيهقي (5/ 341)، والبغوي في شرح السنة (8/ 137)، حديث 2108، =

ص: 340

الأعرابي

(1)

: المجر ما في بطن الناقة، والمجر: الربا، والمجر: القمار، والمجر: المحاقلة والمزابنة.

(ولا) يصح بيع الحمل -أيضًا- (بأن يعقد عليه معها) أي: مع أُمِّه؛ لعموم ما سبق.

(ومطلق البيع) أي: إذا باع الحامل، ولم يتعرض للحمل، فالعقد (يشمله تبعًا) لأُمه إن كان مالكها متحدًا، وإلا، بطل، قاله في "شرح المنتهى"(كالبيض واللبن) قياسًا على أُسِّ الحائط، ويغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال.

(ولا) يصح (بيع ما في أصلاب الفحول) لما تقدم (ولا) بيع (عَسْب الفحل) وهو: ضرابه، للنهي عنه في حديث ابن عمر، رواه البخاري

(2)

.

(ولا) يصح (بيع حَبَلِ الحَبَلة، ومعناه: نِتاج النِّتاج) وهو أَولى بعدم الصحة من بيع الحَمْل.

(ولا) بيع (اللبن في الضرع، و) لا (البيض في الطير) كالحمل.

= من طريق موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار عن عمر رضي الله عنه.

قال البيهقي: وهذا الحديث بهذا اللفظ تفرد به موسى بن عبيدة، قال يحيى بن معين: فأنكر على موسى هذا وكان من أسباب تضعيفه. قال الإمام أحمد: وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه ينهى عن بيع المجر، فعاد الحديث إلى رواية نافع، فكأن ابن إسحاق أداه على المعنى.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 80): رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 16) وهو معترض بما أخرجه عبد الرزاق [(8/ 90) حديث 14440)] عن الأسلمي عن عبد الله بن دينار، لكن الأسلمي أضعف من موسى عند الجمهور.

(1)

انظر تهذيب اللغة للأزهري (11/ 78).

(2)

في الإجارة، باب 21، حديث 2284.

ص: 341

(ولا) لا يصح بيع (المِسك في الفأر) وهو وعاؤه -ويُسمَّى: النافجة- ما لم يفتح ويشاهد؛ لأنه مجهول كاللؤلؤ في الصدف، واختار في "الهدي"

(1)

صحته؛ لأنها وعاء له، ولأنه يصونه، وتُجَّاره يعرفونه.

(و) لا بيع (النوى في التمر) للجهالة.

(و) لا (الصُّوف على الظَّهر) لحديث ابن عباس يرفعه: "نهى أن يُبَاعَ صُوف على ظَهرٍ، أو لبنٌ في ضَرْعٍ" رواه الخلال وابن ماجة

(2)

؛ ولأنه متصل بالحيوان؛ فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه.

(ولا) بيع (ما قد تحمل هذه الشجرة، أو) ما قد تحمل هذه (الشاة)

(1)

زاد المعاد (5/ 821).

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتب الخلال المطبوعة، ولم نقف عليه كذلك في سنن ابن ماجه، وقد أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 267) حديث 11935، وفي الأوسط (4/ 430) حديث 3720، وابن عدي (5/ 1720)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1/ 375)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 26)، والدارقطني (3/ 14)، والبيهقي (5/ 340)، والمزي في تهذيب الكمال (21/ 480)، والذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 218) من طريق عمر بن فروخ، عن حبيب بن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال الطبراني: ولا يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد.

وقال البيهقي: تفرد به عمر بن فروخ، وليس بالقوي.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص / 168، رقم 182، والشافعي في الأم (3/ 108)، وفي مسنده (ترتيبه 2/ 147)، وعبد الرزاق (8/ 75)، رقم 14374، وابن أبي شيبة (6/ 132، 533)، والدارقطني (2/ 213) و (3/ 15)، والبيهقي (5/ 340) عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا.

قال البيهقي: هذا هو المحفوظ موقوف.

وأخرجه أبو داود في "المراسيل" ص / 168، حديث 183، وابن أبي شيبة (6/ 534)، والدارقطني (3/ 15) عن عكرمة، مرسلًا.

قال الحافظ في بلوغ المرام (823): وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة، وهو الراجح، وأخرجه أيضًا موقوفًا على ابن عباس بإسناد قوي، ورجَّحه البيهقي.

ص: 342

لأنه قد يحصُل، وقد لا يحصُل؛ مع أنه مجهول -أيضًا- وغير مقدور على تسليمه حال البيع.

(ولا) يصح (بيع المُلامسة والمُنابذة، بأن يبيعه شيئًا ولا يشاهده، فيقول: أيُّ ثوب لمستَه أو نبذتَه) فهو بكذا (أو) أيُّ ثوب (لمستَ أو نبذتَ، فهو بكذا) لما روى أبو هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المُلامسة والمُنابذَةِ" متفق عليه

(1)

.

(ولا) يصح (بيع مستورٍ في الأرض يظهرُ وَرَقُه فقط؛ كلِفْتٍ

(2)

، وفُجْل، وجزر، وقُلْقاس

(3)

، وبصلٍ، وثوم ونحوه، قيل قَلْعِه ومشاهدته) للجهالة بما يُراد منه (ويصح بيع وَرَقِه) أي: ورق الفجل ونحوه الظاهر (المُنتفَع به) لعدم المانع.

(ولا) يصح (بيع ثوب مطوي) ولو تام النَّسج. قال في "شرح المنتهى": حيث لم يرَ منه ما يدل على بقيته؛ فإنَّ الناس لم يزالوا في جميع الأمصار والأعصار يتبايعون الثياب المطوية، ويكتفون بتقليبهم منها ما يدلُّ على بقيتها. واستدلَّ له بقول "المغني": ولو اشترى ثوبًا فنشره فوجده معيبًا إلى آخر المسألة، وتأتي

(4)

. فقوله: "فنشره" يدل

(1)

البخاري في مواقيت الصلاة، باب 30، حديث 584، وفي الصوم، باب 67، حديث 1993، وفي البيوع، باب 63، حديث 2146، 2147، وفي اللباس، باب 20، 21، حديث 5819، 5821، ومسلم في البيوع، حديث 1511.

(2)

اللفت: هو السَّلجم، وهو نبات بقلي بستاني، تؤكل جذوره نيئًا ومطبوخًا ومخللًا، وله خواص طبية وغذائية كثيرة. انظر: كتاب موسوعتي المجربة للطب النباتي (1/ 541)، وإحياء التذكرة ص / 97.

(3)

القُلْقاس: أصل نبات، يؤكل مطبوخًا، يزيد في الباه ويُسمِّن. القاموس المحيط ص / 567، مادة (قلس).

(4)

(7/ 459).

ص: 343

على أنه كان مطويًّا، وكونه يملك ردّه بالعيب، دليل على صحة المَبيع.

(ولا) يصح بيع (ثوب نُسج بعضُه على أن يُنسج بقيته) ولو منشورًا؛ للجهالة والتعليق (فإن أحضر) البائع ما نسجه من الثوب وبقية السَّدى

(1)

و (اللُّحمة وباعها مع الثوب، وشرط على البائع نسجَها) أي: البقية (صحَّ) البيع والشرط (إذ هو اشتراط منفعة البائع، على ما يأتي في الشروط في البيع) كاشتراط حمل الحطب، أو تكسيره.

(ولا يصح بيع العطاء قبل قبضه) لأن العطاء مغيب، فيكون من بيع الغَرر (وهو) أي: العطاء (قسطه من الديوان، ولا) يصح بيع (رقعَةٍ به) أي: بالعطاء؛ لأن المقصود بيع العطاء، لا هي.

(ولا) يصح (بيع معدن وحجارته) قال في "شرح المنتهى": قبل حوزه. انتهى.

وهذا واضح في المعدن الجاري؛ لأنه لا يملكه بملك الأرض، بخلاف الجامد، فيصح بيعه -كما تقدم- قبل حوزه، لكن بشرط العلم به، فما هنا محمول على المعدن الجاري مطلقًا، وعلى الجامد غير المعدوم.

(ولا) يصح (السَّلَف فيه) أي: في المعدن، نص عليه

(2)

؛ لأنه لا يدري

(3)

ما فيه، فهو من بيع الغرر.

(ولا) يصح (بيع الحصاة) لحديث أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى

(1)

السَّدَى: خلاف اللُّحمة، وهو ما يُمدُّ عن الثوب طولًا في النسج. المصباح المنير ص / 368 مادة (سدى).

(2)

مسائل الكوسج (6/ 2975) رقم 2206، وانظر الجامع الصغير لأبي يعلى (1/ 121).

(3)

في "ذ": "يدرى".

ص: 344

عن بَيعِ الحصَاةِ" رواه مسلم

(1)

(وهو) أي: بيع الحصاة (أن يقول) البائع: (ارْمِ هذه الحصاة، فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا.

أو يقول: بعتُكَ من هذه الأرض قَدْرَ ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا.

أو يقول: بعتك هذا بكذا على أني متى رميت هذه الحصاة وجب البيع.

وكلُّها) أي: كل هذه الصور (فاسدة) لما تقدم؛ ولما فيها من الغرر والجهالة.

(ولا) يصح (بيع عبدٍ غير معيَّن) إن لم يوصف بما يكفي في السَّلَم، لما تقدم (ولا) بيع (عبد) غير معين (من عبدين، أو من عبيد) للجهالة.

(ولا) بيع (شاة من قطيع، ولا) بيع (شجرة من بستان) لما في ذلك من الغرر والجهالة.

(ولا) يصح: بِعتُك (هؤلاء العبيد إلا واحدًا غير معيَّن، ولا) بعتُك (هذا القطيع إلا شاة غير معينة) ولا هذا البستان إلا شجرة مبهمة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن الثُّنْيَا إلا أنْ تُعْلَم"

(2)

. قال الترمذي: حديث صحيح.

(1)

في البيوع، حديث 1513.

(2)

أخرجه أبو داود في البيوع، باب 33، حديث 3405، والترمذي في البيوع باب 55، حديث 1290، وفي العلل الكبير ص / 193، حديث 341، والنسائي في المزارعة، باب 45، حديث 3889، وفي الكبرى (4/ 44) حديث 6229، أبو يعلى (3/ 427) حديث 1918، وأبو عوانة (3/ 308) حديث 5099، وابن حبان "الإحسان"(11/ 345) حديث 4971، وابن عدي (2/ 457)، والدارقطني (3/ 47)، والبيهقي (5/ 304) من طريق سفيان بن حسين، عن يونس بن عبيد، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه. =

ص: 345

ولأن ذلك غرر، ويُفضي إلى التنازع (ولو تساوت القيمة في ذلك) المذكور من العبيد والشياه والشجر (كُلَّه.

وإن استثنى معينًا من ذلك يعرفانه، جاز) وصح البيع والاستثناء؛ لأن المبيع معلومٌ بالمشاهدة؛ لكون المستثنى معلومًا، فانتفى المفسد.

فصل

(وإن باعه قفيزًا من هذه الصُّبرْةِ، وهي) أي: الصُّبْرة (الكومة

(1)

المجموعة من طعام أو غيره) سُميت صبرة لإفراغ بعضها على بعض. ومنه قيل للسحاب فوق السحاب: صبير، ويقال: صبَّرت المتاع إذا جمعته، وضممت بعضه إلى بعض (صَحَّ) البيع (إن تساوت أجزاؤها وكانت) الصُّبْرة (أكثر من قفيز) لأنه مبيع مقدر معلوم من جملة، فصح (كـ) ـــبيع (كلها) أي: كل الصُّبْرة (أو) بيع (جزء مُشاع منها) كربعها أو ثلثها (سواء عَلِما) أي: المتعاقدان (مبلغ الصُّبْرة) أي: عدد قفزانها (أو جهلاه) فيصح البيع (للعلم بالمبيع في) المسألة (الأولى) وهي: ما إذا باعه قفيزًا من الصُّبْرة (بالقَدْرِ، وفي) المسألة (الثانية) وهو: ما إذا باعه جزءًا مشاعًا منها (بالأجزاء) كالربع أو الثلث.

= قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

وقال في العلل الكبير: سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه من حديث سفيان بن حسين، عن يونس بن عبيد، عن عطاء، وقال: لا أعرف ليونس بن عبيد سماعًا من عطاء بن أبي رباح.

وأخرجه مسلم في البيوع، حديث 1536 (85) بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة، وعن الثنيا، ورخَّص في العرايا.

(1)

الكومة: القطعة من التراب وغيره، وهي الصُبرة، بفتح الكاف وضمها، انظر: المصباح المنير ص / 748، مادة (كوم).

ص: 346

(وكذا) يصح بيع (رطل من دَنّ) زيت أو نحوه (أو) رطل (من زُبرْة

(1)

حديد ونحوه) لما تقدم.

(وإن تَلِفت) الصُّبْرة، أو الدن، أو الزُّبرة (إلا) قفيزًا أو رطلًا (واحدًا، فهو المبيع) فيأخذه المشتري.

(ولو فرق قُفزانها) أي: الصُّبْرة (وباع) قفيزًا (واحدًا مبهمًا) أو اثنين فأكثر مبهمين (مع تساوي أجزائها، صح) البيع؛ لأنه لا يفضي إلى التنازع (وإلا) بأن لم تتساوَ أجزاؤها بل اختلفت (فلا) يصحُّ البيع في قفيز، أو أكثر حتى يُعيِّنه، وكذا إن لم تزد على قفيز.

(وإن قال: بعتُكَ قَفيزًا من هذه الصُّبْرة إلا مَكُّوكًا، جاز) وصح البيع (لأنهما) أي: القفيز والمكوك، مكيالان (معلومان) واستثناء المعلوم صحيح، قال في "حاشيته": القفيز: ثمانية مكاكيك، والمكَّوك: صاع ونصف.

(وإن قال: بعتُك هذه الصُّبْرة بأربعة دراهم، إلا بقَدْر درهم، صح) البيع (وصار كأنه قال: بعتك ثلاثة أرباع هذه الصُّبْرة بأربعة دراهم) وذلك صحيح؛ لأنه لا جهالة فيه.

(وإن قال): بعتُك هذه الصُّبْرة بأربعة دراهم (إلا ما يساوي درهمًا، لم يصح) البيع؛ للجهالة بما يساوي درهمًا في الحال، بخلاف: إلا بقَدْر درهم؛ إذ قَدْر الواحد من الأربعة معلومٌ أنه ربع.

(وإن اختلفت أجزاء الصُّبْرة، كصُبرة بقّال القرية، و) صُبرة البقال (المُحدِّر من قرية إلى قرية) أخرى (يَجمعُ ما يبيع به من البُرِّ مثلًا) المختلِف الأوصاف (أو) من (الشعير المُختلِفِ الأوصاف، وباع قفيزًا

(1)

الزُّبْرةُ: القطعة من الحديد. القاموس المحيط ص / 510، مادة:(زبر).

ص: 347

منها، لم يصح) البيع؛ لعدم تساوي أجزائها المؤدي إلى الجهالة بالقفيز المبيع.

(وإن باعه الصُّبْرة إلا قفيزًا) أو قفيزين (أو) باعه الصُّبْرة (إلا أَقْفِزةً، لم يصح إن جَهِلا) أي: المتعاقدان (قُفزانها) لأن جَهْل قُفْزانها يؤدي إلى جهل ما يبقى بعد المستثنى (وإلا) بأن لم يجهلا، بل علما قُفْزانها (صح) البيع؛ للعلم بالمبيع والمُستثنى.

(واستثناء صاع من ثمرة بستان كاستثناء قفيز من صُبرة) فلا يصح البيع إذا باعه الثمرة إلا قفيزًا، فأكثر مع الجهل بآصُعها لما تقدم، وكذا لو باعه الدن، أو الزُّبرة إلا رطلًا، أو الثوب إلا ذراعًا.

(ولو استثنى مُشاعًا من صُبرْة أو) من ثمرة (حائط، أي: بستان مَحوط باعهما (كثلث، أو ربع، أو ثلاثة أثمان، صح البيع والاستثناء) للعلم بالمبيع والثنيا.

(وإن باعه ثمرةَ الشجرة إلا صاعًا، لم يصح) البيع لما تقدم.

(ويصح بيع الصُّبْرة جزافًا

(1)

، مع جهلهما) أي: جهل المتبايعين كيلها، اكتفاء برؤيتها، ويؤيده حديث ابن عمر:"كنا نشتري الطعام من الركبان جزافًا، فنهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعَه، حتى ننقلَهُ من مكانهِ" متفق عليه

(2)

(أو) مع (علمهما) أي: علم المتبايعين مقدارها؛ لعدم المانع.

(ومع عِلْم بائع وحدَه) قَدْرَها (يحرم) عليه بيعها جزافًا؛ لما روى

(1)

الجزاف: بتثليث الجيم، فارسي معرَّب، وهو بيع الشيء واشتراؤه بلا كيلٍ ولا وزنٍ. انظر: المُطلع ص / 240، والقاموس المحيط ص / 796، مادة (جزف).

(2)

البخاري في البيوع، باب 49، 54، 56، 72، حديث 2123، 2131، 2137، 2166، 2167، وفي الحدود، باب 42، حديث 6852، ومسلم في البيوع، حديث 1527 (34).

ص: 348

الأوزاعي: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: من عرفَ مبلغَ شيءٍ، فلا يَبعْه جزافًا حتى يبينه"

(1)

، ولما فيه عن التغرير (ويصح) العقد؛ لأن المبيع معلوم بالمشاهدة (ولمشتر) اشترى صبْرة جزافًا مع علم البائع وحده مقدارها (الرد) لأن كتمَ البائع قَدْرَها غشٌّ وغرر.

(وكذا) بيع الصُّبْرة ونحوها جزافًا مع (علم مشترٍ وحدَه) مقدارها، ويحرم ذلك على المشتري؛ لما تقدم في البائع، ويصح العقد (ولبائع) وحده (الفسخُ) لما تقدم في عكسه.

(ولا يُشترط) لصحة البيع (معرفة) أي: رؤية (باطن الصُّبْرة) المتساوية الأجزاء، اكتفاء برؤية ظاهرها؛ لدلالته عليها.

(ولا) يُشترط -أيضًا- (تساوي موضعِها) أي: موضع الصُّبْرة؛ لأن معرفتها لا تتوقف عليه.

(ولا يحل لبائعها) أي: بائع الصُّبْرة (أن يغشَّها، بأن يجعلها على دَكَّة، أو رَبوة، أو حَجر يُنقِصُها، أو يجعل الرديء) منها في باطنها (أو المبلولَ) منها (في باطنها) كسائر أنواع الغش فيها، أو في غيرها؛ لحديث "من غشَّنا فليس منَّا"

(2)

.

(وإذا وُجد) بالبناء للمفعول (ذلك) الغش، ولو بلا قصد من

(1)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 131) رقم 14602، بنحوه.

قال ابن حزم في المحلى (9/ 30): منقطع فاحش الانقطاع.

وأخرج ابن عبد البر في التمهيد (13/ 344) عن الأوزاعي قال: حدثني ابن أبي جميل، قال: سألت مجاهدًا، وطاوسًا، وعطاء بن أبي رباح، والحسن بن أبي الحسن، عن الرجل يأتي الطعام، فيشتريه في البيت من صاحبه مجازفة لا يعلم كيله، ورب الطعام يعلم كيله، فكرهوه كلهم.

(2)

تقدم تخريجه (1/ 166) تعليق رقم (1).

ص: 349

البائع، أو غيره (ولم يكن للمشتري به عِلم، فله الخيار بين الفسخ، وأخذ تفاوت ما بينهما) من الثمن، بأن تُقوَّمَ غير مغشوشة بذلك، ثم تُقوَّم مغشوشة به، ويؤخذ بقسط ما نقص من الثمن؛ لأنه عيب.

(وإن) باعه صُبرة جزافًا فـ (ـــظهر تحتها حفرة، أو) ظهر (باطنها خيرًا من ظاهرها، فلا خيار للمشتري) لأن ذلك ينفعه ولا يضره (وللبائع الخيار، إن لم يعلم) بالحفرة، أو بأن باطنها خير من ظاهرها.

و (كما لو باع بعشرين درهمًا، فوزنها بصَنْجة، ثم وجد الصَّنْجة زائدة، كان له الرجوع) بالزيادة (وكذا مكيال زائد) أي: لو باع الصُّبرة بمكيال معهود، ثم وُجِد زائدًا، كان له الرجوع بالزيادة.

(ولا يشترط) لصحة البيع (معرفة عددِ رقيقٍ، وثيابٍ، ونحوهما) كأوان (إذا شاهدَه صبرةً) اكتفاء بالرؤية؛ لحصول العلم بها.

(وكل ما تساوت أجزاؤه، من حبوب وأدهان، ومَكِيل وموزون، ولو أثمانًا، فحكمُه حكم الصُّبرة فيما ذكر فيها) مما تقدم؛ لعدم الفرق.

(وما لا تتساوى أجزاؤه، كأرض وثوب، ونحوهما) كسيف وسكين (فتكفي فيه الرؤية) لكل فرد منه، ولا يكتفى برؤية بعض الأفراد عن بعض؛ لما تقدم.

(ولو قال: بعتُك هذه الدَّار، وأَراه حدودَها) صحَّ البيع (أو) باعه (جزءًا مُشاعًا منها كالثُّلث ونحوه) صح البيع (أو) باعه (عَشَرَة أذرع) منها (وعَيَّن الطرفين) أي: الابتداء والانتهاء (صحَّ) البيع؛ لانتفاء المانع.

وإن قال: "بعتُك نصيبي من هذه الدار، وجهلاه، أو أحدُهما، لم يصح.

(وإن عَيَّن ابتداءها) أي: ابتداء العشرة أذرع مثلًا (ولم يعيِّن

ص: 350

انتهاءها) أو بالعكس (لم يصح) البيع (نصًّا)

(1)

لأنه لا يعلم إلى أين ينتهي قياس العشرة، فيؤدي إلى الجهالة.

(وكذا) لو باعه عشرة أذرع مثلًا (من ثوب) وعيَّن ابتداءها دون انتهائها، أو بالعكس لم يصح البيع؛ لما تقدم.

(ومثله) أي: مثل ما تقدم -من بيع عشرة أذرع عيَّن ابتداءها فقط- في عدم الصحة (بِعْني نصفَ دارك التي تلي داري) على جعل "التي" صفة للنصف فكان الصواب تذكيره؛ كما في بعض النسخ "والمنتهى" وغيره، ويكون تعيينًا لابتداء النصف دون انتهائه (قال) الإمام (أحمد

(2)

: لأنه) أي: العاقد (لا يدري إلى أين ينتهي) النصف الذي يلي الدار، فيؤدي إلى الجهالة بالمبيع.

(وإن قصد) بقوله: بعتك نصف داري التي تلي دارك (الإشاعة) في النصف بأن اعتبر التي تلي دارك نعتًا للدار، وأبقى النصف على إطلاقه، فيكون مُشاعًا (صحَّ) البيع في النصف مُشاعًا؛ لعدم الجهالة.

(وإن باعه أرضًا) معلومة (إلا جَريبًا) تقدم مقداره في الأرضين المغنومة

(3)

(أو) باعه (جريبًا من أرض) غيرَ معين (وهما) أي: المتعاقدان (يعلمان) عدد (جُرْبانها، صح) البيع (وكان) الجريب (مشاعًا فيها) أي: في الأرض، للبائع في الأولى، وللمشتري في الثانية (وإلا) بأن لم يعلما جُربانَها (لم يصحَّ) البيع؛ لأنه ليس معينًا ولا مُشاعًا.

(وكذا الثوبُ) لو باعه إلا ذراعًا، أو باع ذراعًا منه، فإن علما ذَرْعه

(1)

انظر الفروع (4/ 28).

(2)

انظر مسائل الكوسج (6/ 3043) رقم 2285، والمغني (6/ 210).

(3)

(7/ 177).

ص: 351

صح، وإلا لم يصح؛ لما تقدم.

(وإن باعه أرضًا من هنا إلى هنا، صَحَّ) البيع؛ لتعيين الابتداء والانتهاء كما تقدم.

(وإن قال: بعتُك من هذا الثوب، من هذا الموضع إلى هذا) الموضع (صَحَّ) البيع؛ للعلم بالمبيع.

(فإن كان القطع لا يُنقصُه) أي: الثوب، قطعاه (أو) كان (شَرَطَه البائعُ) للمشتري (قطعاه) ولو نقصَه إذن، وفاءً بالشرط (وإن كان) القطع (يُنقصه) أي: الثوب، ولم يشترطاه (وتشاحَّا) في القطع (صَحَّ) البيع، ولم يُجبر البائع على قطع الثوب (وكانا شريكين فيه) لأن الضرر لا يُزال بالضرر، فإن تنازعا، بيع وقُسِّط الثمن على حقيهما، وكذا لو باعه خشبة بسقف، أو فصًّا بخاتم.

(وإن باعه نصفًا) أو نحوه (معينًا من) نحو (حيوان) أو إناء، أو سيف، أو نحوه (لم يصح) البيع (وتقدم بعضه.

وإن باعه حيوانًا مأكولًا إلا رأسَه وجلدَه وأطرافه، صح) البيع والاستثناء (سفرًا وحَضَرًا) لأنه صلى الله عليه وسلم "لما خرجَ من مكةَ -أي: مهاجرًا- إلى المدينة ومعهُ أبو بكرٍ، وعامرُ بن فهيرةَ، فمرُّوا براعي غنم، فاشَتريا منهُ شاةً، وشرطا له سلبَهَا

(1)

" رواه أبو الخطاب

(2)

. ويُلحق الحضر بالسفر.

(1)

السَّلَبُ من الذبيحة: إهابها وأكرُعُها وبطنها. القاموس المحيط ص / 98 مادة (سلب).

(2)

لم نقف عليه في مظانه من كتب أبي الخطاب المطبوعة. وأخرجه أبو داود في المراسيل ص / 167، حديث 179، وسحنون في المدونة الكبرى (10/ 295) عن عمارة بن غزية، عن عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج هو وأبو بكر من مكة مهاجرين إلى المدينة مرَّا براعي غنم، فاشتريا منه شاة، وشرط أن سلبها له. ولم =

ص: 352

(وإن باع ذلك) أي: الجلد والرأس والأطراف (منفردًا) أي: مستقلًّا (لم يصح) البيع، كبيع الصوف على الظهر.

(والذي يظهر: أن المُراد بعدم الصحة، إذا لم تكن الشاة) أو نحوها (للمشتري، فإن كانت) الشاة أو نحوها (له، صَحَّ) بَيعُ ذلك للمشتري منفردًا له (كبيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها لمن الأصل له) هذا معنى كلامه في "الإنصاف".

(فإن امتنع مشترٍ من ذبحه) أي: ذبح المستثنى منه (لم يُجْبَر) عليه (إذا أطلَق العقدَ) بأن لم يشترط عليه البائع ذَبحَهُ؛ لأن الذبح ينقصه.

(ولزمه)

(1)

أي: المشتري (قيمةُ المستثنى تقريبًا) للبائع.

وفي "الفروع": يتوجه أنه إن لم يذبحه؛ للمشتري الفسخ، وإلا؛ فقيمته، كما رُوي عن علي

(2)

. قال في "المبدع": ولعله مرادُهم.

وقوله: للمشتري، قال ابن نصر الله: صوابه: للبائع.

(فإن شَرَطَ البائع) لحيوان دون رأسه، وجلده، وأطرافه (الذبحَ ليأخذ المُستثنى، لزم المشتري الذبحُ) وفاءً بالشرط؛ لأنه أدخل الضرر

= يذكر عامر بن فهيرة.

وهذا معضل، وفيه موسى بن شيبة، قال عنه الحافظ في التقريب (7024): مجهول، وله مراسيل.

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص / 167، حديث (180)، وسحنون في المدونة الكبرى (10/ 259) عن عمارة بن غزية، عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه عروة. وهذا معضل أيضًا.

(1)

في "ح": "ولزمته".

(2)

أخرجه الشافعي في الأم (7/ 175)، وعبد الرزاق (8/ 194) رقم 14850، وابن أبي شيبة (6/ 569)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 915) رقم 1233.

ص: 353

على نفسه (و) لزمه (دفعُ المُستثنى، قاله في "شرح المحرَّر") وهو معنى كلام غيره.

(و‌

‌للمشتري الفسخُ لعيب يختصُّ هذا المُستثنى)

بأن كان العيب بالرأس، أو الجلد، أو الأطراف؛ لأن الجسد كله يتألم لتألم شيء منه.

(وإن استثنى حَملَه) أي: حَمْل المبيع (من حيوان أو أَمَةٍ) لم يصح البيع.

(أو) باعه حيوانًا واستثنى (شحمَه، أو) استثنى (رطلًا من لحمه، أو) رطلا من (شحمه) لم يصح البيع؛ للجهالة بما يبقى.

(أو باعه سِمسِمًا واستثنى كُسْبه

(1)

) لم يصح؛ لأنه قد باعه الشَّيْرج

(2)

في الحقيقة، وهو غير معلوم، فإنه غير معين ولا موصوف (أو) استثنى (شَيْرَجَه.

و) باعه (قطنًا) فيه حَبُّه (واستثنى حَبَّه، لم يصحَّ) البيع، لما تقدم.

(كبيع ذلك) المذكور من حمل، أو شحم، أو لحم، وما بعده (منفردًا) فما لا يصح بيعه منفردًا لا يصح استثناؤه، إلا رأس مأكول وجلده وأطرافه، كما تقدم.

(وكذا الطِحالُ والكبد ونحوهما) كالرئة والقلب، لا يصح بيعها مفردة ولا استثناؤها.

(ولو استثنى جزءًا مُشاعًا معلومًا من) نحو (شاة، كربع، صَحَّ) البيع والاستثناء؛ للعلم بالمبيع و (لا) يصح بيع نحو شاة إن استثنى (ربع

(1)

الكُسْبُ: عصارة الدُّهن. القاموس المحيط ص / 167، مادة:(كسب).

(2)

الشَّيرج: معرب من شَيْرَه، وهو دهن السِّمسم. المصباح المنير ص / 308، مادة (شرج).

ص: 354

لحمها) وحده؛ لأنه لا يصح بيعه مفردًا بخلاف بيع ربعها.

(ويصح بيع) أَمَةٍ (حاملٍ بِحُرٍّ، وتقَدَّم) في آخر الشرط الثالث

(1)

.

(و) يصح (بيع حيوان مذبوح) كما قَبْل الذبح (و) يصح (بيع لحمه) أي: لحم الحيوان المذبوح (في جلده، و) يصح (بيع جلده) أي: جلد الحيوان المذبوح (وحده) أي: دون لحمه وباقي أجزائه.

(ولو عدَّ ألف جَوْزة ووضعها في كَيْل) على قَدْرها (ثم فعل مثل ذلك بلا عَدٍّ) بأن

(2)

صار يملأ الكيل ويعتبر ملأه بأَلْفٍ (لم يصحَّ) ذلك، بل لابُدَّ من العدِّ؛ لاختلاف الجوز كبرًا وصغرًا.

(ويصح بيَعُ ما مأكولُهُ في جوفه، كرُمَّان وبيض وجوز ونحوها) من لوز وبندق؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، ولكونه من مصلحته، ويفسد بإزالته.

(و) يصح (بيع الباقلا، والجوز، واللوز، ونحوه) كالحمِّص (في قشريه مقطوعًا، وفي شجره) لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيعِ الثمارِ حتى يبدُو صلاحُها"

(3)

، فدل على الجواز بعد بُدُوِّ الصلاح، سواء كانت مستورة بغيرها أو لا.

(و) يجوز بيع (الطَّلْع قبل تشققه) إذا قُطع من شجره، كاللوز في قشره.

(و) يصح (بَيعُ الحَبِّ المُشتدِّ في سنبله مقطوعًا، وفي شجره) لأن

(1)

(7/ 319 - 320).

(2)

في "ح": "بل".

(3)

أخرجه البخاري في الزكاة، باب 58، حديث 1486، وفي البيوع، باب 82، 85، 87، حديث 2183، 2194، 2199، وفي السلم، باب 4، حديث 2247، 2249، ومسلم في البيوع، حديث 1534، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 355

النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاشتداد غايةً للبيع

(1)

، وما بعد الغاية بخلاف

(2)

ما قبلها، فوجَبَ زوال المنع.

ويدخل الساتر من قشر وتبن تبعًا، فإن استثنى القشر أو التبن، لم

(1)

أخرج أبو داود في البيوع والإجارات، باب 23، حديث 3371، والترمذي في البيوع، باب 15 حديث 1228، وابن ماجه في التجارات، باب 32 حديث 2217، وابن أبي شيبة (7/ 116)، وأحمد (3/ 221)، وأبو يعلى (6/ 396) حديث 3744، والطحاوي (4/ 24)، وابن حبان "الإحسان" 11/ 369 حديث 4993، والدارقطني (3/ 47)، والحاكم (2/ 19)، والبيهقي (5/ 301، 303)، والبغوي في شرح السنة (8/ 95) حديث 2082، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 178) حديث 1429، والضياء في المختارة (5/ 305، 306) حديث 1950، 1952، عن أنس بن مالك، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن تباع الثمرةُ حتى تزهوَ، وعن العنب حتى يسودَّ، وعن الحب حتى يشتدَّ". لفظ أحمد. قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث حماد بن سلمة. وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار (8/ 82): هذه رواية حسنة.

وقال في السنن الكبرى (5/ 303): هذا الحديث مما تفرَّد به حماد بن سلمة، عن حُميد من بين أصحاب حميد، فقد رواه في الثمر: مالك بن أنس وإسماعيل بن جعفر، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن المبارك، وجماعة يكثر تعدادهم، عن حميد، عن أنس، دون ذلك، واختلف على حماد في لفظه، فرواه عنه: عفان بن مسلم، وأبو الوليد، وحبان بن هلال، وغيرهم، على ما مضى ذكره، ورواه يحيى بن إسحاق السالحيني، وحسن بن موسى الأشيب، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُباع الثمرة حتى يبين صلاحها، تصفر أو تحمر، وعن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يفرك".

وأخرج مسلم في البيوع حديث 1535، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري.

انظر: سنن البيهقي (5/ 303).

(2)

في "ح" و"ذ": "يخالف".

ص: 356

يصح البيع؛ لأنه يصير كبيع النوى في التمر، ويصح بيع التبن دون الحَبِّ قبل تصفية الحَبِّ منه؛ لأنه معلوم بالمشاهدة، كما لو باع القشر دون ما داخله، أو باع التمر دون نواه، قاله في "شرح المنتهى" وفيه نظر؛ لأن ما لا يصح بيعه مفردًا لا يصح استثناؤه.

فصل

الشرط (السابع) من شروط البيع:

(أن يكون الثمن معلومًا) للمتعاقدَين (حال العقد) بما يُعلم به المبيع مما تقدم من رؤيةٍ مقارِنةٍ، أو متقدِّمة بزمن لا يتغير فيه الثمن ظاهرًا لجميعه، أو بعضه الدال على بقيته، أو شمٍّ، أو ذوق، أو مس، أو وصف كاف على التفصيل السابق؛ لأن الثمن أحد العِوضين، فاشتُرط العِلم به كالمبيع (ولو) كان الثمن (صُبْرة) من دراهم، أو فلوس، ونحوها، وعَلِمَاها (بمشاهدتـ) ـها كالمبيع.

(و) يصح البيع (بوزن صَنْجة لا يعلمان وزنها) كبعتك هذا بوزن هذا الحجر فضة، ولا يعلمان وزنه.

(و) يصح البيع (بما يَسَعُ هذا الكيلُ) وهما لا يعلمان ما يسع (ولو كان) ذلك (بموضع فيه كيل معروف) اكتفاء بالمشاهدة.

(و) يصح البيع (بنفقة عبده) فلان، أو أَمَته فلانة (شهرًا) أو زمنًا معينًا قَلَّ أو كثر؛ لأن ذلك له عُرفٌ يضبطه، بخلاف نفقة بعيره أو نحوه.

وكذا حكم إجارة.

(فلو فُسخ العقدُ) بنحو عيب (رجع) المشتري (بقيمة المبيع عند تعذُّر معرفة الثمن) بتلف الصُّبْرة، أو الصَّنْجة، أو الكيل المجهولين،

ص: 357

وعدم ضبط نفقة العبد. وقلنا: يرجع بقيمة المبيع إذن؛ لأن الغالب أنَّ الشيء يُباع بقيمته.

(ولو أسرَّا) أي: المتعاقدان (ثمنًا) بأن اتفقا سرًّا أن الثمن مائة مثلًا (بلا عقد، ثم عقداه بـ) ـثمن (آخر) كمائتين مثلًا (فالثمن) هو (الأول) الذي أسرَّاه بلا عقد، وهو المائة؛ لأن المشتري إنما دخل عليه فقط، فلم يلزمه الزائد.

(وإن عقداه) أي: البيع (سرًّا بثمن) كعشرة (و) عقداه (علانية بـ) ـثمن (آخر) أكثر منه اثني عشر (أخذ) المشتري (بـ) ـالثمن (الأول) دون الزائد، كالتي قبلها وأَولى؛ لأنه إذا أُخذ بالأول فيما إذا اتفقا عليه بلا عقد، فأوَلى أن يؤخذ به فيما إذا عقداه. (وقال الحلواني: كنكاح

(1)

) واقتصر عليه في "الفروع".

وفي "التنقيح": الأظهر أن الثمن هو الثاني إن كان في مدة خيار، وإلا؛ فالأول. انتهى.

وقال في "المنتهى": إنه الأصح، واستدلَّ له في "شرحه" بما يأتي: أن الزيادة في مدة الخيارين في الثمن أو المثمن ملحقة بالعقد. ويُجاب عنه: بأن الزيادة هناك مرادة، وهنا غير مرادة باطنًا، وإنما أظهرت تجملًا.

وكبيع في ذلك إجارةٌ.

(وإن باعه السِّلعة برَقْمها، أي): مرقومها (المكتوب عليها) ولم

(1)

أي: فيما إذا تزوَّجها على صداقين سرٍّ وعلانيةٍ، أُخذ بالعلانية، وهذا المذهب. وقال الحلواني: البيعُ مثلُ النكاح في ذلك. انظر الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (21/ 244 - 246).

ص: 358

يعلماه، لم يصح البيع.

(أو) باعه السِّلعة (بما باع به فلان) أي: بمثله (ولم يعلماه) أي: الرَّقم أو ما باع به فلان (أو) لم يعلمه (أحدهما) لم يصح للجهالة.

(أو) باعه السلعة (بألف درهم ذهبًا وفضة) لم يصح؛ لأن مقدار كل واحد منهما من الألف مجهول، أشبه ما لو قال: بمائة بعضها ذهب (أو أسقط لفظة درهم) بأن قال: بعتك بألف ذهبًا أو فضة، لم يصح البيع للجهالة.

(أو) باعه (بما ينقطع به السِّعْرُ) أي: بما يقف عليه من غير زيادة، لم يصح للجهالة. وكذا لو قال: كما يبيع الناس.

(أو) باعه (بدينار مُطلَقٍ) أي: غير معين ولا موصوف (وفي البلد نقودٌ) مختلفة من الدنانير (كلُّها رائجةٌ، لم يصح) البيع؛ لأن الثمن غير معلوم حال العقد.

(وإن كان فيه) أي: في البلد المعقود فيه (نقدٌ واحد) صح البيع، وانصرف إليه؛ لأنه تعيَّن بانفراده وعدم مشاركة غيره له، فلا جهاله (أو) كان في البلد (نقودٌ، وأحدُها الغالب) رواجًا (صحَّ) البيع (وانصرف) الإطلاق (إليه) لدلالة القرينة الحالية على إرادته، فكأنه معين.

(وإن باعه) سلعة (بعشرة) دنانير (صِحاحًا، أو أحد عشر مُكَسَّرة) لم يصح، ما لم يفترقا على أحدهما.

(أو) باعه (بعَشَرة نقدًا، أو عشرين نسيئةً، لم يصحَّ) البيع؛ لعدم الجزم بأحدهما، وقد فسَّر جماعة حديث "النهي عن بيعتين في بيعة"

(1)

(1)

روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

أ - أبو هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعين في بيعة"، أخرجه الترمذي =

ص: 359

بذلك لما ذكر.

= في البيوع، باب 18، حديث 1231، والنسائي في البيوع، باب 73، حديث 4646، وفي الكبرى (4/ 43)، حديث 6228، وأحمد (2/ 342، 474، 503)، وابن الجارود (2/ 281)، حديث 600، وأبو يعلى (10/ 507)، حديث 6124، وابن حبان "الإحسان"(11/ 347)، حديث 4973، والبيهقي (5/ 343)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 389)، والبغوي في شرح السنة (8/ 142)، حديث 2111.

قال الترمذي والبغوي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن عبد البر في التمهيد (24/ 388)، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الصغرى (2/ 676).

ب- عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أخرجه أحمد (2/ 175، 205)، والبيهقي (5/ 348)، والبغوي في شرح السنة (8/ 144)، حديث 2112، وانظر ما سيأتي (7/ 396) تعليق رقم (1).

ج - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخرجه الترمذي في البيوع، باب 68، حديث 1309، وفي العلل الكبير ص / 194، حديث 345، وابن معين في تاريخه برواية الدوري (4/ 350)، وأحمد (2/ 71)، والبزار "كشف الأستار"(2/ 91)، حديث 1279، وابن الجارود (2/ 181) حديث 599، من طريق يونس بن عبيد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قال البخاري كما في العلل للترمذي: ما أرى يونس بن عبيد سمع من نافع، وقال ابن معين: لم يسمع يونس من نافع شيئًا.

وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 43): هذا إسناد رجاله ثقات غير أنه منقطع.

د - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة، أخرجه أحمد (1/ 398)، والبزار (5/ 384)، حديث 2017، والشاشي (1/ 324)، حديث 291، والطبراني في الأوسط (2/ 363)، حديث 1633.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 84): ورجال أحمد ثقات. قلنا: فيه شريك بن عبد الله النخعي، قال فيه الحافظ في التقريب (2802): صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة.

وروي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، قال العقيلي (3/ 288): هذا أولى.

ص: 360

(ما لم يَتَفرَّقا على أحدِهما) فإن تفرَّقا على الصحاح، أو المُكسَّرة في الأُولى، أو على النقد، أو النَّسيئة في الثانية، صَحَّ؛ لانتفاء المانع بالتعيين.

ولا يصحُّ البيع -أيضًا- إن جعل مع الثمن رطلًا من خمر، أو كلبًا ونحوه.

(ولا) يصحُّ البيع، إن قال: اشتريت (بمائةٍ على أن أرْهَنَ بها) أي: بالمائة التي هي الثمن (وبالقرض الذي لك) أو نحوه مما له عليه من دين (هذا) الشيء؛ لأن الثمن مجهول؛ لكونه جعله مائة ومنفعة، هي الوثيقة بالدين الأول، وتلك المنفعة مجهولة، ولأنه بمنزلة بيعتين في بيعة؛ لأنه باع بشرط أن يرهنه على الدين الأول، وكذا لو أقرضه بشرط أن يرهنه عليه وعلي دَين له آخر كذا، فلا يصحُّ القَرْض؛ لأنه شرط يجرُّ نفعًا.

(وإن باعه الصُّبرة كلَّ قَفيز بدرهم) صح البيع (و) إن باعه (القطيعَ كلَّ شاة بدرهم) صح البيع (و) إن باعه (الثوبَ كلَّ ذراع بدرهم، صح) البيع، وإن لم يعلما قَدْر الصُّبْرة والقطيع والثوب؛ لأن المبيع معلومٌ بالمشاهدة، والثمن معلوم؛ لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدَين، وهو: الكيل، والعَدُّ، والذَّرع.

و (لا) يصح البيع إن باعه (منها) أي: من الصُّبرة (كلَّ قَفيز بدرهم ونحوه) أي: ما ذكر، بأن باعه من القطيع كلَّ شاة بدرهم، أو من الثوب كلَّ ذراع بدرهم، فلا يصح؛ لأن "من" للتبعيض، "وكل" للعدد، فيكون مجهولًا، بخلاف ما لو أسقط "من"، فإن المبيع الكل لا البعض، فانتفت الجهالة.

(وإن قال: بِعتُك هذه الصُّبرة بعشرة دراهم؛ على أن أزيدك قَفيزًا؛

ص: 361

أو أنقُصك قفيزًا، لم يصح) البيع؛ للجهالة (لأنه لا يدري أيزيدُه) القفيز (أم يُنقصه) إياه.

(ولو قال): بِعتُك هذه الصُّبرة (على أن أزيدك قَفيزًا، لم يصح) البيع؛ للجهل بالقفيز؛ لأنه لم يعينه ولم يصفه.

(وإن قال): بِعتُك هذه الصُّبرة (على أن أزيدك قَفيزًا من هذه الصُّبرة الأخرى، أو وَصَفه) أي: القَفيزَ بـ (ـصفة يُعلم بها، صحَّ) البيع؛ لانتفاء الجهالة.

(وإن قال): بِعتُك هذه الصُّبرة (على أن أنقُصك قَفيزًا، لم يصح) البيع؛ لأن معناه: بعتكها إلا قَفيزًا، كلَّ قفيزٍ بدرهم وشيء مجهول.

(وإن قال: بَعْتُكها) أي: الصُّبرة (كلَّ قَفيز بدرهم على أن أزيدك قَفيزًا من هذه الصُّبرة الأخرى، لم يصح) البيع؛ لإفضائه إلى جهالة المثمن في التفصيل؛ لأنه باعه قفيزًا وشيئًا بدرهم، وهما لا يعرفانه لعدم معرفتهما بكمية ما في الصُّبرة من القفزان.

(ولو قصد) البائع بقوله: "على أن أزيدك قَفيزًا"(أني أحُطُّ ثَمَنَ قَفيز من الصُّبرة لا أحتسبُ به، لم يصحَّ) البيع؛ للجهالة المذكورة.

(وإن عَلِما قَدْر قُفزانها) أي: الصُّبرة، صح البيع في الصورتين؛ لانتفاء الجهالة.

(أو قال) البائع: (هذه) الصُّبرة (عشرة أقفزة بعْتُكها كلَّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قَفيزًا من هذه الصُّبرة، أو) على أنَّ أزيدك قفيزًا و (وَصَفَهُ بصفة يُعلَم بها، صَحَّ) البيع (لأن معناه: بِعتُك كلَّ قفيز وعُشرَ قفيز بدرهم) وذلك معلومٌ لا جهالة فيه.

(وإن لم يُعلَم القفيز) بأن لم يعينه ولم يصفه، لم يصح؛ للجهالة

ص: 362

(أو جَعَله هِبةً) بأن قال: بِعتُك هذه الصُّبرة بكذا على أن أهبك قفيزًا ولو عيَّنه (لم يصح) لأنه بيع بشرط عَقْد آخر، وهو بيعتان في بيعة، على ما يأتي.

(وإن) عَلِما أن الصُّبرة عشرة أقفزة، أو قال: هذه الصُّبرة عشرة أقفزة بِعْتُكها، كلَّ قفيز بدرهم، على أن أنقصك قفيزًا و (أراد أني لا أحتسب عليك بثمن قفيز منها، صح) البيع؛ لأن معناه: بِعتُك العشرة أقفزة بتسعة دراهم، وذلك معلوم.

(وإن قال): بِعتُك هذه الصُّبرة -وهما يعلمان أنها عشرة أقفزة- بعشرة دراهم (على أن أنقُصك قفيزًا) منها (صح) البيع (لأن معناه: بِعتُك تسعة أقفزة بعشرة دراهم) ولا خفاء في ذلك.

(وما لا تتساوى أجزاؤه كأرض وثوب وقطيع غنم، فيه نحوٌ) أي: شبه (من مسائل الصُّبرة) المتقدمة.

فلو باعه الأرض كلَّ جَريب بكذا؛ على أن يزيده جَريبًا، أو ينقصه جَريبًا، لم يصح، وإن قال: على أن أزيدك جَريبًا، لم يصح حتى يعيّنه، فإن عيَّنه صح، وإن قال: على أن أَنقصك جَريبًا، لم يصح إلا إن عَلِما جربانها، على منوال ما تقدم فيما يتأتى فيه ذلك؛ إذ الوصف لا يتأتى هنا.

وكذا تمثل للثوب والقطيع وشجر البستان والأواني ونحوها.

(وإن باعه) سلعة (بمائة درهم إلا دينارًا) لم يصح البيع (أو) باعه بمائة درهم (إلا قفيزًا من حنطة أو غيره) كشعير (لم يصح) البيع؛ لأنه قصد استثناء قيمة الدينار من المائة الدرهم، أو قيمة القفيز منها، وذلك غير معلوم، و‌

‌استثناء المجهول من المعلوم يُصيِّره مجهولًا،

وكذا لو باعه بدينار إلا درهمًا.

ص: 363

(ويصحُّ بيع دهن) كسمن، وزيت، وشيرج (وعسل، وخَلٍّ، ونحوه) كلبن (في ظَرفه معه) أي: مع ظَرفه (موازنةً، كلَّ رطل بكذا، سواءٌ عَلِما) أي: المتعاقدان (مبلغَ كلٍّ منهما) أي: من الظرف والمظروف (أو لا) لأن المشتري رضي أن يشتري كلَّ رطل بكذا من الظرف ومما فيه، وكل منهما يصح إفراده بالبيع، فصح الجمع بينهما، كالأرض المختلفة الأجزاء.

(وإن) باعه ما ذكر في ظرفه دونه، و (احتسبَ) بائع (بزِنَةِ الظَّرف على مُشترٍ، وليس) الظرف (مبيعًا، وعَلِما) أي: البائع والمشتري (مبلغَ كلٍّ منهما) أي: الظرف والمظروف، بأن عَلِما أن السمن مثلًا عشرة أرطال، وأن ظرفه رطلان، وباعه السمن كل رطل بدرهم على أن يحتسب عليه بزِنة الظرف (صح) البيع، وكأنه قال: بِعتُك العشرة أرطال التي في الظرف باثني عشر درهمًا (وإلا) بأن لم يعلما مبلغَ كل منهما (فلا) يصح البيع (لجهالة الثمن) في الحال.

(وإن باعه) ذلك (جزافًا بظَرفِهِ) صح (أو) باعه إيَّاه جزافًا (دونه) أي: دون ظرفه، صح (أو باعه إيَّاه في ظرفهِ) موازنة (كلَّ رطلٍ بكذا؛ على أن يَطرح منه) أي: من مبلغ وزنهما (وزن الظرف، صح) كأنه قال: بِعتُك ما في هذا الظرف كلَّ رطل بكذا.

(وإن اشترى) إنسان (زيتًا، أو سمنًا في ظَرفٍ، فوجد فيه رُبًّا

(1)

) أو نحوه (صح البيع في الباقي) من الزيت أو السمن (بقسطه) من الثمن، كما لو اشترى صُبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت تسعة.

(وله) أي: للمشتري (الخِيار) لتبعض الصفقة في حقه (ولم يلزمه)

(1)

الرُّبُّ: ثُفْلُ السَّمن. القاموس المحيط ص / 87، مادة:(ربب).

ص: 364

أي: البائع (بدل الرُّبِّ) للمشتري، سواء كان عنده من جنس المبيع، أو لم يكن، وإن تراضيا على البدل جاز.

‌فصل في تفريق الصفقة

وهي المرة، من صفق له بالبيعة والبيع: ضَرَب بيده على يده.

وهي: عقد البيع؛ لأن المتبايعين يفعلان ذلك، ومعنى تفريقها، أي: تفريق ما اشتراه في عقد واحد (وهو أن يَجمعَ بين ما يَصحُّ بيعه وما لا يصح) بيعه (صفقةً واحدة بثمن واحد. وله) أي: للجمع المذكور (ثلاث صور:

أحدها: باع معلومًا ومجهولًا تُجْهَل قيمتُه، أي: يتعذَّر عِلمه، فلا مَطمع في معرفتِه، ولم يقل: كلٌّ منهما) أي: من المعلوم والمجهول (بكذا) وذلك (كقوله: بِعتُك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بكذا، فلا يصحُّ) البيع فيهما؛ لأن المجهول لا يصحُّ بيعه؛ لجهالته. والمعلوم مجهول الثمن، ولا سبيل إلى معرفته؛ لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما، والحمل لا يمكن تقويمه، فيتعذَّر التقسيط.

(فإن لم يتعذَّر عِلمه) أي: علم المجهول، بل أمكن (أو قال: كلٌّ منهما) أي: من المعلوم والمجهول، تعذَّرت معرفته أو لا (بكذا، صح) البيع (في المعلوم بقسطه) من الثمن بعد تقويمه وتقويم المجهول الذي لا يتعذَّر عِلمه؛ ليعلم قسط المعلوم (و) صح البيع (في قوله: كلٌّ منهما بكذا، بما سمَّاه) للمعلوم من الثمن؛ للعلم به.

وهذا بخلاف: بِعتُك الفرس وحَملَها بكذا؛ فلا يصح، ولو بيَّن

ص: 365

ثمن كل منهما كما تقدم، لأن دخوله بالتبعية لا يتأتَّى بعد مقابلته بثمن. وإبطال البيع فيه دون أُمِّه بمنزلة استثنائه، وهو مبطِل للبيع كما تقدم. هذا ما ظهر لي. والله أعلم.

الصورة (الثانية) من صور تفريق الصفقة: (باع مُشاعًا) أي: جميع ما يملك منه جزءًا مُشاعًا من شيء مشترَكٍ (بينه) أي: بين البائع (وبين غيره، بغير إذن شريكه، كعبدٍ مشترك بينهما، أو) باع (ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء، كقَفِيزَين متساويين لهما) أي: للبائع وشريكه (فيصح) البيع (في نصيبه بقسطِه) لأنه لا يلزم منه جهالة في الثمن؛ لانقسامه هنا على الأجزاء.

(وللمشتري الخِيار) بين الرَّدِّ والإمساك (إذا لم يكن عالمًا) بأن المبيع مشتركٌ بينه وبين غيره؛ لأن الشركة عيب، فإن كان عالمًا، فلا خِيار له؛ لإقدامه على الشراء مع العِلم بالشركة، ولا خيار للبائع؛ لأنه رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه.

(وله) أي: للمشتري (الأرْش إن أمسك) ولم يفسخ (فيما يُنقِصُه التفريق) كزوجَي خُفٍّ -إحداهما له والأخرى للآخر- باعهما؛ وكانت قيمتهما مجتمعتين ثمانية دراهم، وقيمة كل واحدة منفردة درهمين، فإذا اختار المشتري الإمساك أخذها بنصف الثمن واسترجع من البائع ربعه، فتستقر معه بربع الثمن المعقود به (ذكره في "المغني" وغيره في الضَّمان) وجزم به هنا في "المنتهى" وغيره.

(ولو وقع العقدُ على شيئين يفتقر) البيعُ (إلى القبض فيهما) أي: تتوقف صحة البيع على قبضهما صفقة، كمُدِّ بُرٍّ ومُد شعير بحمِّص (فتلف أحدُهما قبل قَبْضه) كما لو تلف البُرُّ في المثال المذكور (فقال القاضي:

ص: 366

للمشتري الخيار بين إمساك الباقي بحصته) أي: قسطه من الثمن (وبين الفَسخ) لأن حكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد، بدليل أنه لو تعيَّب قبل قبضه لَمَلَكَ المشتري الفسخَ به.

الصورة (الثالثة) من صور تفريق الصفقة: (باع) نحو (عبده وعبد غيره بغير إذنه) صفقةً واحدة (أو) باع (عبدًا وحرًّا) صفقةً واحدة (أو) باع (خلًّا وخمرًا صفقةً واحدة، فيصحُّ) البيع (في عبده) بقسطه دون عبد غيره، ودون الحر (و) يصحُّ (في الخَلِّ بقسطِه) من الثمن، فيوزَّع (على قَدْر قيمة المبيعين) ليعلم ما يخص كُلًّا منهما، فيؤخذ ما يصح التصرُّف فيه بقسطه؛ لأنه الذي يقابله. ولا يبطل البيع في عبده ولا في الخلِّ؛ لأنه يصح بيعه مفردًا، فلم يبطل بانضمام غيره إليه. وظاهره: سواء كان عالمًا بالخمر ونحوه أو جاهلًا.

(ويُقدَّر الخمر) إذا بِيع مع الخل (خلًّا) ليُقسَّط الثمن عليهما (و) يقدَّر (الحُرُّ) إذا بِيع معه القِنُّ (عبدًا) كذلك.

(ولمشتَرٍ الخِيار) بين الفسخ والإمساك (إن جهل الحال وقتَ العقد) لتفرُّق الصفقة (وإلا) بأن لم يجهل، بل علم الحال (فلا خِيار له) لدخوله على بصيرة (ولا خيار للبائع) مطلقًا لما تقدم.

(وإن وقع العقدُ على مَكيل، أو موزون) بِيعَ بالكيل، أو الوزن (فتلِفَ بعضه قبل قَبْضه) انفسخ العقد في التالف، و (لم ينفسخ العقدُ في الباقي) منه (سواء كانا) أي: التالف والباقي (من جنس واحد أو من جنسين، ويأتي) ذلك (في الخِيار في البيع) وأنه له الخيار.

(وإن باع) نحو (عبده، وعبد غيره بإذنه بثمن واحد، صح) البيع لأن جملة الثمن معلومة؛ كما لو كانا لواحد (ويُقسَّط) الثمن (على قَدر

ص: 367

القيمة) أي: قيمة العبدين، فيأخذ كلٌّ ما يقابل عبده.

(ومثلُه) أي: مثل بيع عبده، وعبد غيره بإذنه بثمن واحد (بيعُ عبديه لاثنين بثمن واحد، لكلِّ واحد منهما عبدٌ) فيصح البيع، ويُقَسَّط الثمن على قيمة العبدين، ويؤدي كل مشترٍ ما يقابل عبده.

(أو اشتراهما) أي: العبدين (منهما) أي: من اثنين (أو من وكيلِهما) شخصٌ واحد بثمن واحد، فيصح ويقسِّطان الثمن على قيمة العبدَين، ويأخذ كلٌّ ما يقابل عبده (أو كان لاثنين عبدان، لكلِّ واحدٍ منهما عبدٌ، فباعاهما لرجلين بثمن واحد) فيصح البيع، ويقسَّط الثمن كما تقدم.

(ومثلُه) أي: مثل البيع (الإجارة) فيما تقدم، فلو آجَرَ داره، ودار غيره، بإذنه، بأجرة واحدة صحَّت، وقُسِّطت الأجرة على الدارين، وكذا باقي الصور.

قال الموفق، والشارح، وغيرهما: الحكم في الرهن والهِبة، وسائر العقود إذا جَمَعت ما يجوز وما لا يجوز، كالحكم في البيع، إلا أن الظاهر فيها الصحة، أي: ولو لم تصحح البيع؛ لأنها ليست عقود معاوضة؛ فلا توجد جهالة العِوض فيها.

(ولو اشتبه عبدُه بعبدِ غيره، لم يصحَّ بيع أحدِهما قبل القُرْعة) قدَّمه في "الرعاية الكبرى" وقيل: يصح إن أَذِن شريكه، وقيل: بل يبيعه وكيلهما أو أحدهما بإذن الآخر له، ويقسم الثمن بينهما بقيمة العبدين. قال القاضي في "خلافه": هذا أجود ما يقال فيه، كما قلنا في زيت اختلط بزيت لآخر وأحدهما أجود من الآخر.

(وإن جَمَع مع بيعٍ إجارةً) بأن باعه عبدًا، وآجره آخر بعِوض

ص: 368

واحد، قال القاضي: فإن قال: بعتُك داري هذه وآجرتُكها شهرًا بألف، فالكلُّ باطل؛ لأن مَن مَلَك الرقبة ملك المنافع، فلا يصح أن يؤاجر منفعة ملكها عليه. قلت: وللصحة وجهٌ؛ بأن تكون مُستثناة من البيع، قاله الشيخ التقي في "شرح المحرر".

(أو) جَمَع مع بيعٍ (صَرْفًا) بعِوض واحد، بأن باعه عبدًا وصارفه مائة درهم بمائة دينار. قال الشيخ التقي في "شرح المحرر": ولابُدَّ أن يكون الثمن من غير جنس ما مع المبيع؛ مثل أن يبيعه ثوبًا ودراهم بذهب، فإن كان من جنسه فهي مسألة "مُدِّ عجوةٍ".

(أو) جَمَعَ مع بيعٍ (خُلْعًا) بعِوض واحد، بأن قالت: ابتعت منك عبدك؛ واختلعتُ نفسي بمائة درهم، صح.

(أو) جَمَعَ مع بيعٍ (نكاحًا بعِوض واحد) كبعتك عبدي، وزوَّجتُكَ بنتي بألف (صَحَّ) البيع وما معه (فِيهن) أي: في المسائل المذكورة؛ لأن اختلاف العقدين لا يمنع الصحة (ويُقَسَّط الثمن على قيمتهما) أي: قيمة المَبيع وقيمة المنفعة؛ وهي أُجرة المِثل في الإجارة أو قيمة المَبيع والمصروف في الصرف.

(ومَهرُ مِثلٍ في خُلعٍ ونكاح كقيمة) فيوزع العِوض فيهما على قيمة المَبيع ومهر المثل. ومتى اعتبر قَبضٌ لأحدهما لم يبطل الآخر بتأخره.

"تتمة" قال في "الاختيارات"

(1)

: وإذا جَمَع البائع بين عقدين مختلفي الحكم بعِوضين متميزين، لم يكن للمشتري أن يَقبَل أحدهما بعِوضه.

(وإن جَمَع بين كتابةٍ وبيعٍ، فكاتب عبدَه، وباعه شيئًا صفقةً

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 180.

ص: 369

واحدة، مثل أن يقول) لعبده:(بِعتُك عبدي هذا، وكاتبتكَ بمائة، كلَّ شهر عشرة، بطل البيع) لأنه باع ماله لعبده القِن، كما لو باعه من غير كتابة (وصحَّت الكتابة بقسطِها) لأنَّ البطلان وُجِدَ في البيع فاختصَّ به؛ فيُقسَّط العِوض على قيمتي العبدين (كما تقدم).

وإن باع عبدَه لزيدٍ، وكاتب عبدًا آخر بعِوضٍ واحد؛ صحَّ، وقُسِّط العِوض على قيمتي العبدين.

فصل

(ويَحرم) البيع والشراء (ولا يصحُّ البيع ولا الشراء، قليلُه وكثيرُه) قال في "المبدع": حتى شرب الماء إلا لحاجة، كمضطر (ممن تلزَمُه الجُمعة، ولو كان) الذي تلزمه الجمعة (أحد العاقدَين) والآخر لا تلزمه (وكُره) البيع والشراء (للآخَر) الذي لا تلزمه، لما فيه من الإعانة على الإثم (أو) كان (وُجِد أحدُ شِقَّي البيع) من إيجاب أو قَبول ممن تلزمه (بعد الشروع في ندائها) أي: أذان الجمعة (الثاني الذي عند أول الخطبة) لقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيعَ}

(1)

فنهى عن البيع بعد النداء؛ وهو ظاهر في التحريم؛ لأنه يشغل عن الصلاة، ويكون ذريعةً إلى فَواتها، أو فَوات بعضها؛ فلم ينعقد، وخُصَّ النداء بالثاني الذي بين يدي المنبر؛ لأنه الذي كان على عهده صلى الله عليه وسلم، فتعلَّق الحكم به، وأما الأول فحَدَثَ في زمن عثمان

(2)

.

(1)

سورة الجمعة، الآية:9.

(2)

أخرج البخاري في الجمعة، باب 21، 22، 25، حديث 912، 913، 916 عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان =

ص: 370

وقوله: "ممن تلزمه"

(1)

: يُحترز به عن المسافر، والمقيم في قرية لا جمعة

(2)

عليهم، والعبد والمرأة ونحوهم؛ لأن غير المُخاطب بالسَّعي لا يتناوله النهي.

(قال المُنقِّح: أو قبلَه) أي: لا يصح البيع ولا الشراء ممن تلزمه الجمعة قبل ندائها (لمن منزلُه بعيدٌ) إذا كان في وقت (بحيث إنه يدركُها) أي: يدرك الجمعة بعد النداء الثاني إذا سعى في ذلك الوقت، وما ذكره المنقِّحُ معنى كلام "المستوعب" قال: ولا يصح البيع في وقت لزوم السعي إلى الجُمعة.

(فإن كان في البلد جامعان) فأكثر (تصحُّ الجمعةُ فيهما) لسعة البلد ونحوها (فسبقَ نداءُ أحدِهما) أي: أحد الجامعين (لم يَجُزِ البيع قبل نداء) الجامع (الآخر، صحَّحه في "الفصول") لعموم الآية

(3)

.

(وتَحرم الصناعاتُ كلُّها) ممن تلزمه الجمعة بعد الشروع في النداء الثاني للجمعة؛ لأنها تشغل عن الصلاة، وتكون ذريعةً لفواتها.

(ويستمرُّ التحريمُ) أي: تحريم البيع والصناعات من الشروع في الأذان الثاني، أو من الوقت الذي إذا سعى فيه أدركها مَن منزلُهُ بعيد (إلى انقضاء الصلاة) أي: صلاة الجمعة ممن وجبت عليه.

(ومحلُّه) أي: محلُّ تحريم البيع والشراء إذن (إن لم تكن ضرورةٌ، أو حاجة) فإن كانت؛ لم يحرم (كمضطر إلى طعام أو شراب، إذا وجده

= رضي الله عنه، وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء.

(1)

في "ح": زيادة: "الجمعة".

(2)

في "ذ": زيادة: "فيها".

(3)

وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيعَ} [الجمعة: 9].

ص: 371

يُباع) فاشتراه (أو) كـ (ـعُريان وَجَد سُترةً تُباعُ، أو) كعادم الماء وَجَد (ماءٌ للطهارة. وكذا) شراء (كفَن ميت ومؤنة تجهيزه، إذا خِيف عليه الفساد بالتأخير، و) كذا (وجود أبيه ونحوه) كأمه وأخيه (يُباع مع من لو تركه معه ذهب) به (و) كذا (شراء مركوب لعاجزٍ، و) كذا (ضرير لا يجد قائدًا ونحوه) أي: نحو ما ذكر من كل ما دعت إليه ضرورة أو حاجة (ووجد ذلك يُباع) بعد النداء، فله شراؤه دفعًا لضرورته أو حاجته.

(وكذا) يَحرم البيع والشراء على من تجب عليه الخمس المكتوبات (لو تضايق وقْتُ مكتوبةٍ غيرها) أي: غير الجمعة قبل فعلها؛ لأن ذلك الوقت تعيَّن للمكتوبة، فإن كان الوقت متسعًا لم يحرم البيع. قال في "الإنصاف": قلت: ويحتمل أن يحرم إذا فاتته الجماعة بذلك، وتعذَّر عليه جماعة أخرى حيث قلنا بوجوبها. انتهي. فإن لم يؤذَّن للجمعة حَرُمَ البيع إذا تضايق وقتها.

(ولو أمضى) من وجبت عليه الجمعة بعد ندائها (بيعَ خِيار، أو فَسَخه صَحَّ) الإمضاء أو الفسخ (كـ) ـصحة (سائر العقود من النكاح، والإجارة، والصُّلح، وغيرها) من القرض، والرهن، والضمان ونحوها؛ لأن النهي وَرَدَ في البيع وحده، وغيره لا يساويه لقلة وقوعه، فلا تكون إباحته ذريعةً لفوات الجُمعة.

(و‌

‌تحرم مساومة، ومناداة، ونحوهما مما يشغلُ) عن الجمعة بعد ندائها الثاني

(كالبيع) بعده.

(و‌

‌يُكره) بعد النداء (شُرْب الماء بثمنٍ حاضرٍ، أو في الذِّمة)

مقتضى ما سبق تحريمه، كما تقدم عن "المبدع"، وخصوصًا إذا كان في المسجد، إلا أن يقال: ليس هذا بيعًا حقيقة، بل إباحة، ثم تقع الإثابة عليها.

ص: 372

(ولا يصح بَيْعُ ما قُصِدَ به الحرام، كعِنَبٍ و) كـ (ـعصير لمتَّخذِهما خمرًا) وكذا زبيب، ونحوه (ولو) كان بيع ذلك (لذمِّي) يتخذه خمرًا؛ لأنهم مخاطَبون بفروع الشريعة (ولا) بيعُ (سلاح، ونحوه في فتنة، أو لأهل حَربٍ، أو لِقُطَّاع طريق، إذا علم) البائع (ذلك) من مشتريه (ولو بقرائن) لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}

(1)

.

(ويصحُّ بيع السلاح لأهل العدل لقتال البُغاة، و) قتال (قُطَّاع الطريق) لأن ذلك معونة على البِرِّ والتقوى.

(ولا يصحُّ بيعُ مأكولٍ، ومشروبٍ، ومشموم لمن يشرب عليه مسكرًا، ولا) بيع (أقداح، ونحوها لمن يشربه) أي: المُسكر (بها، و) لا بيع (بيض، وجوز، ونحوهما لِقمار، ولا بيعُ غلام، وأَمَةٍ لمن عُرِفَ بوطء دُبرٍ، أو للغناء، وكذا إجارتهما) لأن ذلك كله إثم وعدوان.

(ومن اتُّهمَ بغلامه، فدبَّره، وهو) أي: المُتَّهم (فاجرٌ مُعلِنٌ) لفجوره (أُحيل بينهما) أي: بين الرجل وغلامه، خوفًا من إتيانه له، كما لو لم يدبره. و (كمجوسي تُسلِم أختُه) أو نحوها (ويُخاف أن يأتيها) فيُحال بينهما دفعًا لذلك.

(ولا يجوز شراءُ البيض والجوز الذي اكتسبوه من القِمار، ولا أكلُه) لأنه لم ينتقل إلى ملك المكتسِب.

(ويصحُّ البيعُ ممن قصد أن لا يُسَلِّمَ المبيع) لصدوره من أهله في محله، ويلزمه تسليمه (أو ثمنَه) أي: ويصح الشراء ممن قصد أن لا يُسلِّمَ الثمن، ويلزمه تسليمه.

(ولا يَصحُّ بَيْعُ عبدٍ مسلمٍ لكافر) لأنه يُمنع من استدامة الملك

(1)

سورة المائدة، الآية:2.

ص: 373

عليه؛ فمُنع من ابتدائه كالنكاح (ولو كان) الكافر (وكيلًا لمسلم) في شراء العبد المسلم، لم يصحَّ؛ لأنه لا يصح أن يشتريه لنفسه، فلم يصحَّ أن يتوكَّل فيه (إلا أن يَعتِقَ) العبد المسلم (عليه) أي: على الكافر المشتري له (بملكه) إيَّاه، لقرابة أو تعليق، فيصحُّ الشراء؛ لأن ملكه لا يستقر عليه؛ ولأنه وسيلة إلى تحصيل حرية المسلم.

(وإن أسلم عبدُ الذمي) أو عبد المستأمن بيده، أو بيد مشتريه، ثم رده عليه، لنحو عيب (أُجبر) الذِّمي (على إزالة ملكه عنه) أي: عن العبد المسلم، بنحو بيعٍ، أو هبةٍ، أو عتقٍ، لقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}

(1)

(ولا تكفي كتابته) لأن الكتابة لا تزيل ملك السيد عنه، بل يبقى إلى الأداء. وكذا بيعه بشرط خيار لا يكفي، لعدم انقطاع علته

(2)

عنه.

(ويدخل العبد) أي: الرقيق، ذكرًا كان أو أنثى (المسلم في ملك الكافر ابتداءً:

بالإرث) من قريب، أو مولى، أو زوج.

(و) بـ (ـاسترجاعِه بإفلاس المشتري) بأن اشترى كافرٌ عبدًا كافرًا من كافر، ثم أسلم العبد، وأفلس المشتري، وحُجر عليه، ففسخ البائع البيع.

(وإذا رجع في هِبته لولده) بأن وهب الكافرُ عبدَه الكافرَ لولده، ثم أسلم العبد، ورجع الأب في هبته.

(وإذا رُدَّ عليه بعيب) أي: باعه كافرًا، ثم أسلم، وظهر به عيب

(1)

سورة النساء، الآية:141.

(2)

في "ذ" و"ح": "علقه".

ص: 374

فردَّه. وكذا لو رُدَّ بغبن، أو تدليس، أو خيار مجلس.

(وإذا اشترى من يَعْتِقُ عليه، كما تقدم) قريبًا.

(وإذا باعه بشرط الخيار مدة) معلومة (وأسلم العبد فيها) وفسخ البائع البيع.

(وإذا وجد) البائعُ (الثمنَ المعيَّن معيبًا، فردَّه) أي: الثمن، واسترجع العبدَ (وكان قد أسلم العبدُ.

وفيما إذا ملكه الحربي) بأن استولى عليه من مسلمٍ قهرًا.

(وفيما إذا قال الكافر لشخص: أعتِقْ عبدَك المسلمَ عنِّي وعليَّ ثمنه؛ ففعل) المسلم؛ بأن أعتقه عنه (كما يأتي في باب الولاء).

فهذه تسع مسائل يدخل فيها العبدُ المسلم في ملك الكافر ابتداء.

ويُزاد عليها عاشرة، وهي إذا استولد الكافر أَمَةً مسلمة لولده

(1)

.

ويدخل المصحف في ملك الكافر ابتداءً بالإرث والرد عليه بنحو عيب، وبالقهر، ذكره ابن رجب

(2)

.

(ويَحرم سَوْمُه على سَوْمِ أخيه) أي: على سَوْمِ المسلم (مع رضا البائع صريحًا) لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَسُمِ الرجلُ على سومِ أخْيهِ" رواه مسلم

(3)

.

(وهو) أي: السَّوْمُ الذي يحرم معه السَّوْمُ من الثاني (أن يتساوما في غير) حال (المناداة) حتى يحصُل الرضا من البائع (فأما المزايدة في

(1)

في "ح" زيادة: "أي المسلم".

(2)

في "القاعدة الخمسون" ص / 73.

(3)

في البيوع، حديث 1515، وأخرجه -أيضًا- البخاري في الشروط باب 11، حديث 2727 بنحوه.

ص: 375

المناداة) قبل الرضى (فجائزة) إجماعًا

(1)

، فإنَّ المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة.

(ويصح البيع) مع سَوْمه على سَوْم أخيه؛ لأن النهي إنَّما وردَ عن السَّوْم إذن، وهو خارج عن البيع.

(وكذا سَوْمُ إجارة) يحرم بعد سَوْم أخيه، والرضا له صريحًا، وتصح الإجارة.

(وكذا استئجارُه على إجارة أخيه في مدة خيار) مجلس أو شرط، إذا كانت المدة لا تلي العقد، كما يأتي، فيحرم ولا يصحُّ. ولو أخَّر هذه عن الشراء على شراء أخيه كان أنسب؛ لأنها ملحقة بها.

(ويَحرم ولا يصحُّ بيعه على بيع أخيه زمن الخيارين) أي: خيار المجلس وخيار الشرط.

(وهو) أي: بيعه على بيع أخيه (أن يقول) شخص (لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أُعطيك خيرًا منها بثَمَنِها، أو: أُعطيك مثلها بتسعة، أو يعرِضَ عليه سلعةً يرغب فيها المشتري لينفسخ

(2)

البيعُ، ويَعقِد معه) فلا يصح البيع؛ لحديث ابن عمر يرفعه:"لا يَبع الرجلُ على بيعِ أخيهِ" متفق عليه

(3)

، والنهي يقتضي الفساد.

(1)

التمهيد (18/ 19)، والمغني (6/ 307).

(2)

كذا في الأصول، وفي متن الإقناع (2/ 183):"ليفسخ" وهو الأقرب.

(3)

البخاري في البيوع، باب 58، 71، حديث 2139، 2165، وفي النكاح، باب 45، حديث 5142، ومسلم في النكاح، حديث 1412، وفي البيوع حديث 1412 (7) عقب حديث 1514.

وأخرجه -أيضًا- البخاري في البيوع، باب 58، 64، 70، حديث 2140، 2150، 2160، ومسلم في النكاح، حديث 1413 عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 376

وعُلم من قوله: "زمن الخيارين"، أنه لو قال له ذلك بعد مضي الخيار، ولزوم البيع لا يحرم، لعدم تمكُّن المشتري من الفسخ إذن.

(و) يحرم و (لا) يصح (شراؤه على شرائه، وهو أن يقول) زمن الخيارين (لمن باع سلعة بتسعةٍ: عندي فيها عشرةٌ، ليفسخ) البيع (ويَعقِد معه) قياسًا على البيع؛ ولأن الشراء يُسمَّى بيعًا، فيدخل في عموم النهي.

(وكذا اقتراضُه على اقتراضِه) بأن يعقِد القرضَ معه، فيقول له آخر: أقرضني ذلك قبل تقبيضه للأول، فيفسخه ويدفعه للثاني (و) كذا (اتهابُه على اتهابه؛ وكذا افتراضه -بالفاء- في الديوان) على افتراضه.

(و) كذا (طلب العمل من الولايات) بعد طلب غيره (ونحو ذلك، وكذا المساقاة والمزارعة، والجعالة، ونحو ذلك) كلها كالبيع، فتحرم، ولا تصح إذا سبقت للغير، قياسًا على البيع، لما في ذلك من الإيذاء.

(وكذا بيع حاضرٍ لبادٍ) بأن يكون سِمسارًا له، ولو رضي الناس، فيحرم ولا يصح (لبقاء النهي عنه) لقول أنس:"نُهينا أن يبيعَ حاضرٌ لبادٍ، وإن كانَ أخاهُ لأمه وأبيه" متفق عليه

(1)

. والمعنى فيه: أن لو تُرِك القادمُ

(1)

لم نقف عليه في الصحيحين بهذا السياق، وإنما رواه البخاري في البيوع، باب 70، حديث 2161، بلفظ:"نهينا أن يبيع حاضرٌ لبادٍ" فقط، ورواه مسلم في البيوع حديث 1523، وزاد، "وإن كان أخاه أو أباه". وأما: بلفظ: "وإن كان أخاه لأمه وأبيه" فرواه ابن أبي شيبة (6/ 243) عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن يونس بن عبيد، عن الحسن عن ابن سيرين عن أنس، به.

رواه أيضًا (14/ 278) عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن يونس بن عبيد، عن ابن سيرين، عن أنس، به.

أي: بإسقاط الحسن البصري.

ورواه أبو نعيم في الحلية (7/ 270) والخطيب في تاريخه (3/ 42) عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن مسعر، عن يونس بن =

ص: 377

يبيع سلعته اشتراها الناس منه برخص، فإذا تولى الحاضرُ بيعها لم يبعها إلا بغلاء، فيحصل الضرر للناس (بخمسة شروط):

أحدها: (أن يحضُر البادي، وهو) المقيم في البادية، والمراد هنا (من يدخل البلد من غير أهلها، ولو غير بدوي) لأنه متى لم يقدم إلى بلد آخر لم يكن باديًا (لبيع سلعته) متعلق بـ"يحضر"، لأنه إذا حضر لخزنها، أو أكلها، فقصده الحاضرُ وحضَّه على بيعها، كان توسعةً لا تضييقًا.

الثاني: أن يريد بيعها (بسعر يومها) لأنه إذا قصد أن لا يبيعها رخيصة، كان المَنْع من جهته؛ لا من جهة الحاضر.

الثالث: أن يكون (جاهلًا بالسِّعْر) لأنه إذا علمه، لم يزده الحاضر على ما عنده.

(و) الرابع: أن (يقصده حاضرٌ عارفٌ بالسعر) فإن قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التوسعة.

(و) الخامس: أن يكون (بالناس إليها حاجة) لأنهم إذا لم يكونوا محتاجين لم يوجد المعنى الذي نهى الشرع لأجله.

(فإن اختلَّ شرطٌ منها) أي: من هذه الشروط الخمسة (صحَّ البيع) من الحاضر للبادي ولم يحرم؛ لما تقدم.

(ويصحُّ شراؤه) أي: شراء الحاضر (له) أي: للبادي؛ لأن النهي إنما وَرَدَ عن البيع لمعنىً يختصُّ به، وهو الرفق بأهل الحضر، وهذا غير موجود في الشراء للبادي.

(وإن أشار حاضرٌ على بادٍ، ولم يباشر) الحاضر (له) أي: للبادي

= عبيد، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، به.

قال أبو نعيم: تفرد به محمد بن عثمان مجودًا موصولًا.

ص: 378

(بيعًا لم يكره) ذلك؛ لأن النهي -كما تقدم- إنما ورد في بيعه له، وهنا لم يبع له.

(وإن استشاره) أي: استشار (البادي) الحاضر (وهو) أي: البادي (جاهل بالسعر، لزمه) أي: الحاضر (بيانه له) أي: للبادي (لوجوب النصح) لحديث: "الدِّينُ النصِيحَةُ"

(1)

.

وإن لم يستشره، ففي وجوب إعلامه -إن اعتقد جهله به- نظر، بناء على أنه: هل يتوقَّف وجوب النُّصح على استنصاحه؟ ويتوجَّه وجوبه، وكلام الأصحاب لا يخالفه، ذكره في "الفروع".

فصل

(ومن باع سلعةً بنسيئةٍ) أي: بثمن مؤجَّلٍ (أو بثمن) حالٍّ (لم يقبضه، صحَّ) الشراء، حيث لا مانع (وحَرُم عليه) أي: على بائعها (شراؤها، ولم يصح) منه شراؤها (نصًّا

(2)

، بنفسه أو بوكيله بـ) ـنقد من جنس الأول (أقل مما باعها) به (بنقد) أي: حالٍّ (أو نسيئة، ولو بعد حِلِّ أجلِهِ) أي: أجل الثمن الأول (نصًّا)

(3)

نقله ابن القاسم وسِندي؛ لما روى غُندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته العالية، قالت: "دخلتُ أنا وأمُّ ولَدِ زيدِ بن أرقَمَ على عائشة، فقالت أمُّ ولدِ زيدِ بن أرقمَ: إنِّي بعْتُ غلامًا من زَيدٍ بثمانمائةِ درهمٍ إلى العَطَاءِ، ثم اشْتَرَيتهُ منه بستمائَةِ درهمٍ نقدًا، فقالت لها: بئسَ ما اشتريتِ، وبئسَ ما

(1)

تقدم تخريجه (7/ 104) تعليق رقم (3).

(2)

الفروع (4/ 169)، وانظر الاستذكار (19/ 23).

(3)

الفروع (4/ 169).

ص: 379

شرَيْتِ، أبلغي زَيدًا: أن جهَادَهُ مع رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بَطَلَ، إلا أن يتوبَ" رواه أحمد وسعيد

(1)

، ولا تقول مثل ذلك إلا توقيفًا؛ ولأنه ذريعة إلى الربا؛ ليستبيح بيع ألف بنحو خمسمائة إلى أَجَلٍ، والذرائع معتبرة في الشرع؛ بدليل مَنْع القاتل من الإرث.

(إلا أن تتغير صفتُها بما يُنقِصُها) كعبدٍ قُطعت يده (أو يَقبِض ثمنَها) بأن باع السلعة وقبض ثمنها، ثم اشتراها، فيصحُّ؛ لأنه لا توسّل به إلى الربا.

(وإن اشتراها أبوه، أو ابنُه، ونحوهما) كغلامه، أو مكاتَبِه، أو زوجته (ولا حِيلة) جاز وصحَّ؛ لأن كل واحد منهما كالأجنبي بالنسبة إلى الشراء.

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من السند، ولا في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة، ولا في المطبوع من سنن سعيد بن منصور. ذكره ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 104)، والزيلعي في نصب الراية (4/ 16) وعزواها إلى الإمام أحمد بإسناده. ومن طريق سعيد، وغيره أخرجه البيهقي (5/ 330)، وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (8/ 184)، رقم 14812، وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 545) رقم 2897، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1/ 376) رقم 464، وسحنون في المدونة الكبرى (9/ 118)، والدارقطني (3/ 52)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 184).

وجوَّد إسناده ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 558). وقال الشافعي كما في السنن الكبرى للبيهقي: ولا نثبت مثله على عائشة. وضعَّفه الدارقطني لجهالة امرأة أبي إسحاق العالية. ورَدَّ عليه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 184) قال: هي امرأة جليلة القدر معروفة، ذكرها محمد بن سعد في كتاب الطبقات [8/ 487].

وقد تعقب ابن القيم في تهذيب السنن (5/ 100) البيهقي فقال: وقال غيره: هذا الحديث حسن، ويُحتجُّ بمثله، لأنه قد رواه عن العالية ثقتان ثبتان: أبو إسحاق زوجها، ويونس ابنها، ولم يُعلم فيها جرح، والجهالة ترتفع عن الراوي بمثل ذلك: ثم إن هذا مما ضبطت فيه القصة، ومن دخل معها على عائشة، وقد صدَّقها زوجها وابنها وهما مَن هما؛ فالحديث محفوظ.

ص: 380

(أو اشْتَراها) بائعها (من غير مشتَرِيها) كما لو اشتراها من وارثه، أو ممن انتقلت إليه منه ببيع أو نحوه جاز؛ لعدم المانع.

(أو) اشتراها بائعها (بمثل الثَّمن) الأول (أو بنقد آخرَ غيرِ الذي باعها به، أو اشتراها بعَرْض، أو باعها بعَرْض، ثم اشتراها بنقد صحَّ) الشراء (ولم يَحرم) لانتفاء الربا المتوسل إليه به.

(وإن قصد بالعقد الأول) العقد (الثاني، بَطَلا) أي: العقدان (قاله الشيخ

(1)

. وقال: هو قول أحمد، وأبي حنيفة، ومالك. قال في "الفروع": ويتوجَّه أنه مُراد من أطلق) لأن العلة التي لأجلها بطل الثاني، وهو كونه ذريعةً للربا، موجودة إذن في الأول (وهذه المسألة تُسمَّى)

‌ مسألة (العِينَة)

سُمِّيت بذلك (لأن مشتري السلعة إلى أجَلٍ يأخذ بَدَلَها عينًا، أي: نقدًا حاضرًا) قال الشاعر

(2)

:

أنَدَّانُ أمْ نَعْتَانُ أمْ يَنْبَرِي لنا

فتًى مثلُ نَصْلِ السيف مِيزتْ مضارِبُه

ومعنى "نَعْتَانُ"، نشتري عينة، كما وصفنا.

وروى أبو داود عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتُم بالعِينةِ، وأخَذتم أذنابَ البقرِ، ورضِيتم بالزَّرع، وتركتمُ الجهادَ، سلَّطَ اللهُ عليكم ذُلًّا لا ينزِعُهُ حتى ترجعُوا إلى دينكُم"

(3)

.

(1)

انظر: بيان الدليل على بطلان التحليل ص / 279 - 280، ومجموع الفتاوى (29/ 446).

(2)

هو تميم بن أُبي بن مقبل، والبيت في ذيل ديوانه ص / 363. وعجزه فيه:

"أغرٌّ كنصل السيف أبرزه الغِمدُ" وانظر: لسان العرب (13/ 168) مادة: دين.

(3)

أبو داود في البيوع والإجارات، باب 56، حديث 3462. وأخرجه -أيضًا- أحمد (2/ 28، 42، 84)، وأبو أمية الطرطوسي في مسند ابن عمر ص / 26، حديث 22. =

ص: 381

(وعكسُها) أي:‌

‌ عكس مسألة العِينة،

وهو أن يبيع السلعة أولًا بنقد يقبضه، ثم يشتريها من مشتريها بأكثر من الأول من جنسه نسيئة، أو لم يقبض (مِثلَها) في الحكم. نقله حرب

(1)

، لأنه يُتخذ وسيلةً إلى الربا.

(قال الشيخ

(2)

: ويَحرم على صاحب الدَّين أن يَمتنع من إنظار المُعسِر، حتى يقلب عليه الدَّين، ومتى قال) ربُّ الدَّين:(إما أن تقلِبَ) الدَّين (وإما أن تقوم معي إلى عند الحاكم، وخاف أن يحبِسَه الحاكمُ لعدم ثبوت إعساره عنده، وهو مُعسِرٌ؛ فقَلَب على هذا الوجه، كانت هذه المُعاملة حرامًا غير لازمة باتفاق المسلمين؛ فإن الغريم مُكرَهٌ عليها بغير حق، ومن نَسَب جواز القَلْب على المُعسِر بحيلةٍ من الحِيل إلى مذهب بعض الأئمة، فقد أخطأ في ذلك، وغلِط، وإنما تنازع الناس في

= وابن أبي الدنيا في العقوبات ص / 203، حديث 317، وأبو يعلى (10/ 29)، حديث 5659، والروياني في مسنده (2/ 414) حديث 1422، والدولابي في الكنى (2/ 65)، والطبراني في الكبير (12/ 432، 433) حديث 13583، 13585، وفي مسند الشاميين (3/ 328) حديث 2417، وابن عدي (5/ 1998)، والعسكري في تصحيفات المحدثين (1/ 191)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 313، 3/ 318، 5/ 208)، والبيهقي (5/ 316)، وفي شعب الإيمان (4/ 12، 7/ 434) حديث 4224، 10871، والخطيب في تاريخه (4/ 307).

وصحَّحه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 295)، وجوَّد إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/ 30)، وحسَّنه ابن القيم في الداء والدواء ص / 74، وقواه ابن كثير في تفسيره (2/ 343).

وذكر الحافظ في بلوغ المرام (789) رواية أبي داود، وقال: وفي إسناده مقال، ولأحمد نحوه من رواية عطاء، ورجاله ثقات، وصحَّحه ابن القطان. انظر: التلخيص الحبير (3/ 19)، والدراية (2/ 151).

(1)

انظر مسائل أبي داود ص / 192، والمغني (6/ 263).

(2)

انظر مجموع الفتاوى (29/ 438).

ص: 382

المعاملات الاختيارية مثل التَّورُّق والعِينة. انتهى) كلام الشيخ رحمه الله تعالى. وهو ظاهر.

(ولو احتاج) إنسان (إلى نَقْدٍ، فاشترى ما يساوي مائةً بمائةٍ وخمسين، فلا بأس) بذلك. نص عليه

(1)

.

(وهي) أي: هذه المسألة تُسمَّى (مسألة التَّورُّق) من الوَرِق، وهو الفضة؛ لأن مشتري السلعة يبيع بها.

(وإن باع) إنسان (ما يجري فيه الربا) كالمَكيل، والمَوزون بثمنٍ (نسيئةً، ثم اشترى منه) أي: من المشتري (بثمنه الذي في ذِمته قبل قَبْضه من جنسه) أي: من جنس ما كان باعه، كما لو باعه بُرًّا بعشرة دراهم، ثم اشترى منه بالدراهم بُرًّا (أو) اشترى بالثمن قبل قَبْضه من غير جنس المبيع (ما لا يجوز بيعُه به) أي: بالمبيع (نسيئةً) بأن اشترى بثمن المكيل مكيلًا، أو بثمن المَوزون موزونًا، (لم يَجُزْ) ذلك، ولم يصح، حسمًا لمادة رِبا النَّسيئة، رُوي عن: ابن عمر

(2)

، وسعيد بن المسيب

(3)

، وطاوس (2)؛ لأن بيع ذلك ذريعة إلى بيع الربوي بالربوي نسيئة، ويكون الثمن المعوّض عنه بينهما كالمعدوم؛ لأنه لا أثر له، بخلاف ما لو كان المبيع الأول حيوانًا أو ثيابًا.

(فإن اشتراه) أي: اشترى الربوي (بثمنٍ آخر وسلَّمه) أي: الثمن (إليه) أي: إلى البائع (ثم أخذه منه وفاءً) عن ثمن الربوي الأول، جاز.

(أو لم يسلّمه) أي: الثمن (إليه، بل اشْتَرى في ذمته وقاصَّه، جاز)

(1)

الفروع (4/ 171).

(2)

انظر: المغني (6/ 263).

(3)

رواه ابن عساكر في تاريخه (41/ 111).

ص: 383

صرَّح به في "المغني" و"الشرح". ومعنى "قاصَّه" أنه لما ثبت لأحدهما في ذِمة الآخر مثل ما له عليه سقط عنه، ولا يحتاج ذلك لرضاهما ولا لقولهما، كما يأتي في محله.

(ويَحرم التَّسعير) على الناس، بل يبيعون أموالهم على ما يختارون؛ لحديث أنس قال: "غَلا السِّعْرُ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، غَلا السِّعْرُ، فَسعِّرْ لنا، فقال: إنَّ الله هو المُسَعِّرُ، القَابِضُ، البَاسط، الرَّزاقُ

(1)

، إنِّي لأرجو أن ألقى الله وليسَ أحَدٌ يطْلبُني بمظلِمَةٍ في دمٍ ولا مالٍ" رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي

(2)

وقال: حسن صحيح.

(وهو) أي: التَّسعير (أن يُسعِّر الإمام) أو نائبه (على الناس سِعرًا ويُجبِرُهم على التبايع به) أي: بما سعَّره (ويُكره الشراءُ منه) عبارتهم: به، أي: بما سعّره (وإن هدَّدَ) المشتري (من خالف) التَّسعير (حَرُم) البيع

(1)

كذا في الأصول وفي الترمذي، وفي أبي داود وابن ماجه:"الرازق".

(2)

أبو داود في البيوع والإجارات، باب 51، حديث 3451، وابن ماجه في التجارات، باب 27، حديث 2200، والترمذي في البيوع، باب 73، حديث 1314. وأخرجه -أيضًا- أحمد (3/ 156، 286)، والدارمي في البيوع، باب 13، حديث 2548، وأبو يعلى (5/ 245، 6/ 444) حديث 2861، 3830، وابن حبان "الإحسان" (11/ 307) حديث 4935، وفي الثقات (2/ 29)، والبيهقي (6/ 29)، وفي الأسماء والصفات (1/ 169) حديث 111، وابن عبد البر في الاستذكار (20/ 79)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 197) حديث 1511، والضياء في المختارة (5/ 27 - 29)، و (6/ 336، 337) حديث 1630 - 1632، 2358، 2359.

وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح ص / 104: إسناده على شرط مسلم. وقال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 508): هذا الحديث صحيح وله طُرق.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 14): إسناده على شرط مسلم، وقد صحَّحه ابن حبان والترمذي.

ص: 384

(وبَطَل) لأن الوعيد إكراه.

(ويَحرم قوله) لبائع غير محتكر: (بِعْ كالنَّاس) لأنه إلزامٌ له بما لم

(1)

يلزمه.

(وأوجب الشيخ

(2)

إلزامهم) أي: الباعة (المُعاوضة بثمن المِثل، وأنه لا نِزاع فيه؛ لأنه مصلحةٌ عامةٌ لحقِّ الله تعالى، ولا تتمُّ مصلحة الناس إلا بها كالجهاد.

وكَره) الإمام (أحمد

(3)

البيعَ والشراءَ من مكان أُلزم الناس بهما) أي: بالبيع والشراء (فيه، لا الشراء ممن اشترى منه) أي: ممن أُلزم بالبيع في ذلك المكان.

(و‌

‌يَحرم الاحتكار في قُوت الآدميِّ فقط)

لحديث أبي أمامة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُحتكرَ الطعامُ" رواه الأثرم

(4)

. وعنه صلى الله عليه وسلم: "الجالِبُ مرزوقٌ، والمحتكرُ ملعونٌ"

(5)

.

(1)

في "ذ" و"ح": "لا" بدل: "لم".

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (28/ 76 - 77)، (29/ 255)، والاختيارات الفقهية ص / 181.

(3)

الفروع (4/ 52).

(4)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 102)، وابن أبي عمر العدني، كما في المطالب العالية (3/ 99) حديث 1424، والروياني في مسنده (2/ 278) حديث 1199، والطبراني في الكبير (8/ 188) حديث 7776، وفي مسند الشاميين (1/ 338 - 339) حديث 595، والحاكم (2/ 11)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 524) حديث 11212، وابن عبد البر في الاستذكار (6/ 410).

(5)

أخرجه ابن ماجه في التجارات، باب 6، حديث 2153، وعلي بن المديني في مسنده، كما في مسند الفاروق لابن كثير (1/ 348)، والدارمي في البيوع، باب 12، حديث 2544، وأبو يعلى، كما في مصباح الزجاجة (2/ 8)، والعقيلي (3/ 332)، وابن عدي (5/ 1847)، والحاكم (2/ 11)، والبيهقي (6/ 30)، وفي شعب الإيمان =

ص: 385

(وهو) أي: الاحتكار في القُوت (أنْ يَشتريه للتجارة، ويحبِسَه ليقلَّ، فيَغْلُو) وهو بالحرمين أشدُّ تحريمًا (ويصحُّ الشراء) من المُحتكِر؛ لأن النهي عنه هو الاحتكار. ولا تُكره التجارة في الطعام إذا لم يرد الاحتكار.

(ولا يحرم) الاحتكار (في الإدام كالعسل، والزيت، ونحوهما، ولا) احتكار (عَلَف البهائم) لأن هذه الأشياء لا تعمُّ الحاجة إليها، أشبهت الثياب والحيوان.

(وفي "الرعاية الكبرى" وغيرها: أن من جلب شيئًا، أو استغلَّه من ملكه، أو) استغله (مما استأجره، أو اشترى زمن الرُّخْص، ولم يُضيِّق على الناس إذن، أو اشتراه من بلد كبير، كبغداد والبصرة ونحوهما، فله حَبْسُهُ حتى يَغلوَ، وليس بمُحتكِرٍ، نصًّا

(1)

. وتَرْك ادِّخاره لذلك أَولى. انتهى).

= (7/ 525) حديث 11213، من طريق إسرائيل، عن علي بن سالم بن ثوبان، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيِّب، عن عمر رضي الله عنه.

قال ابن المديني: هذا حديث كوفي الإسناد، منكر، مع أنه منقطع من قِبَل سعيد بن المسيب، وقد روي عن عمر قوله في الحُكرة من طريق أخرى.

وقال البيهقي: تفرد به علي بن سالم، عن علي بن جدعان.

وقال البخاري والعقيلي: لا يتابع في حديثه.

وقال المنذري في الترغيب (2/ 567): لا أعلم لعلي بن سالم غير هذا الحديث، وهو في عداد المجهولين.

وضعَّفه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 59)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 8)، والحافظ في الفتح (4/ 348)، والتلخيص الحبير (3/ 13).

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 354 مع الفيض) ورمز لضعفه.

(1)

مسائل صالح (2/ 236) رقم 826، والكوسج (6/ 3149) رقم 2351، وانظر مسائل أبي داود ص / 191.

ص: 386

قال في "تصحيح الفروع" بعد حكايته ذلك: قلت: إذا

(1)

أراد بفعل ذلك وتأخيره مجرد الكسب فقط كُره، وإن أراده للتكسُّب ونفع الناس عند الحاجة إليه لم يُكره، والله أعلم.

(ويُجبر المُحتكِرُ على بيعه كما يَبيعُ الناس) دفعًا للضرر (فإن أبى) أن يبيع ما احتكره من الطعام (وخِيف التَّلف) بحبسه عن الناس (فرَّقه الإمام) على المحتاجين إليه (ويَردُّون مِثلَه) عند زوال الحاجة (وكذا سلاح) احتاجوا إليه.

(ولا يُكره) لأحد (ادِّخار قُوتٍ لأهله ودوابِّه سنةً وسنتين نصًّا

(2)

) ولا ينوي التجارة. ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم: "ادَّخَر قوتَ أهله سنَةً"

(3)

.

(وإذا اشتدت المَخْمَصة في سنة المَجاعة، وأصابت الضرورة خَلْقًا كثيرًا، وكان عند بعض الناس قَدر كفايته، وكفاية عياله، لم يلزمه بذْله للمضطرين) لأن الضرر لا يُزال بالضرر (وليس لهم أخذُه منه) لذلك (ويأتي آخر الأطعمة.

ومن ضمن مكانًا ليبيع فيه، ويشتري وحدَه، كُرِه الشراءُ منه بلا حاجة) إلى الشراء، كجالس على طريق (ويَحرم عليه) أي: على من ضمن مكانًا ليبيع ويشتري فيه وحدَه (أخذُ زيادةٍ) على ثمن أو مثمن (بلا

(1)

في "ح": "إن" بدل "إذا".

(2)

الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص / 192، والفروع (4/ 54).

(3)

أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب 80، حديث 2904، وفي فرض الخمس، باب 1، حديث 3094، وفي المغازي، باب 14، حديث 4033، وفي التفسير، باب 3، حديث 4885، وفي النفقات، باب 3، حديث 5357، 5358، وفي الفرائض، باب 3، حديث 6728، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة، باب 6، حديث 7305، ومسلم في الجهاد والسير، حديث 1757، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 387

حق) قاله الشيخ تقي الدين

(1)

.

(ويُستحبُّ الإشهاد في البيع) لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}

(2)

والأمر فيه للندب؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}

(3)

(إلا في قليل الخطر، كحوائج البقال، والعطار، وشِبهها) فلا يستحب؛ للمشقة.

(ويحرم البيع والشراء في المسجد) للمعتكف، وغيره في القليل والكثير (فإن فعل) بأن باع، أو اشترى في المسجد (فباطل، وتقدم) ذلك (في الاعتكاف) موضَّحًا

(4)

.

"تتمة": قال أحمد

(5)

: لا ينبغي أن يتمنَّى الغلا، وفي "الرعاية": يُكره، واختاره الشيخ تقي الدين

(6)

.

ويُكره أن ينفق سلعته بالحلف.

(1)

الاختيارات الفقهية ص / 181.

(2)

سورة البقرة، الآية:282.

(3)

سورة البقرة، الآية:283.

(4)

(5/ 404).

(5)

مسائل صالح (2/ 236، 237) رقم 826.

(6)

الاختيارات الفقهية ص / 181.

ص: 388

‌باب الشروط في البيع

(وهي) أي: الشروط (جَمع شَرْط، ومعناه) لغةً: العلامة

(1)

.

واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم لذاته.

والمراد به (هنا: إلزامُ أحدِ المتبايعين) البائع

(2)

(الآخرَ بسببِ العقد) متعلّق بإلزام (ما) أي: شيئًا (له) أي: للملزِم (فيه منفعةٌ) أي: غرض صحيح.

(ويُعتبر لترتُّب الحكم عليه) أي: على الشرط مقارنتُه للعقدِ، قاله في "الانتصار".

وقال في "الفروع": يتوجَّه كنكاح. ويأتي: أن زمن الخيارين كحال العقد.

(وهي) أي: الشروط في البيع (ضربان:

الأول: صحيح لازم) ليس لمن اشتُرط عليه فَكّه (وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: شرطُ مُقتضى عَقْد البيع) بأن يشترطا شيئًا يطلبه البائعُ بحكم الشرع (كالتقابض، وحلول الثمن، وتصرُّفِ كلِّ واحد منهما) أي: من المتبايعين (فيما يَصيرُ إليه) من ثمن أو مثمن (ونحوه) كردّ المَبيع بعيبٍ قديم (فلا يُؤثِّر ذِكْرُه) أي: ذِكْر هذا النوع، وهو ما يقتضيه العقد

(1)

اشتهر أن "الشرْط" بالتسكين: العلامة، وهذا خطأ، قال في القاموس المحيط ص / 673، مادة (شرط): الشرْط: "إلزام الشيء والتزامه

وبالتحريك العلامة"، وانظر ما تقدم (2/ 81).

(2)

"البائع" سقطت من "ح"، وفي "ذ":"العاقد" بدل "البائع".

ص: 389

(فيه) أي: في العقد، فوجوده كعدمه؛ لأنه بيانٌ وتأكيد لمُقتضى العقد.

النوع (الثاني) من الشروط الصحيحة (شَرْطٌ من مصلحة العقد) أي: مصلحة تعود على المشترط. (كاشتراط صفة في الثمن، كتأجيله، أو) تأجيل (بعضه) إلى وقت معلوم (أو) اشتراط (رَهْنٍ معيَّن) بالثمن، أو ببعضه (ولو) كان الرهن (المَبيع) فيصحُّ اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فلو قال: بعتُك هذا على أن ترهننيه على ثمنه، فقال: اشتريتُ ورهنتك، صَحَّ الشراء والرَّهن (أو) اشتراط (ضمينٍ معيَّن به) أي: بالثمن أو ببعضه (وليس له) أي: البائع (طلبهما) أي: طلب الرهن والضَّمين (بعد العقد) إن لم يكن اشترطهما فيه، ولو (لمصلحةٍ) لأنه إلزامٌ للمشتري بما لم يلتزمه.

(أو اشتراط) المشتري (صفةً في المَبيع، ككون العبد كاتبًا) أو فحلًا (أو خَصيًّا، أو ذا صَنعة بعينها، أو مسلمًا، أو الأَمَة بكرًا، أو) الأَمَة (تحيض. أو) اشتراط (الدَّابة هِملاجة) بكسر الهاء. والهَمْلَجة: مشية سهلة في سرعة. (أو) اشتراط الدابة (لَبونًا) أي: ذات لبن (أو غزيرة اللَّبن، أو الفهد صَيُودًا، أو الطير مُصوِّتًا، أو يبيض، أو يجيء من مسافة معلومة، أو الأرض خراجها كذا؛ فيصحُّ) الشرط في كل ما ذكر (لازمًا) لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك، فلو لم يصح اشتراط ذلك، لفاتت الحكمة التي لأجلها شُرع البيع. يؤيده: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شُرُوطِهمْ"

(1)

.

(فإن وَفَى به) بأن حصل لمن اشترط شَرْطه؛ لزم البيع (وإلا) بأن لم يحصُل له شَرْطه (فله الفسخ) لفوات الشرط، لما تقدم. لكن إذا شرط

(1)

تقدم تخريجه (7/ 107) تعليق رقم (3).

ص: 390

الأَمَة تحيض، فلم تحض؛ قال ابن شهاب: فإن كانت صغيرة، فليس بعيب؛ لأنه يُرجى زواله، بخلاف الكبيرة. (أو أَرْشُ فَقْدِ الصفة) يعني: أن من فات شرطه يُخيَّر بين الفسخ، وبين الإمساك مع أرْشِ فَقْدِ الصِّفة التي شرطها، إلحاقًا له بالعيب.

قلت: فيؤخذ منه أن الأَرْش قسط ما بين قيمته بالصفة، وقيمته مع عدمها من الثمن.

(فإن تعذَّر) على المشتري (رَدُّ) ما وجده فاقد الصفة (تعيَّن) له (أرْش) فَقدِ الصفة، كالمَعيب إذا تلف عند المشتري، ولم يرضَ بِعيبه.

(وإن شَرَط) المشتري (أن الطير يوقظُه للصلاة، أو) شرط (أن الدَّابة تحلب كل يوم كذا) أي: قَدْرًا معينًا (أو) شرط (الكبش مناطِحًا، أو) شرط (الديك مناقِرًا، أو اشترط) المشتري (الغِناء أو الزِّنا في الرقيق؛ لم يصح الشرط) لأنه إما لا يمكن الوفاء به، أو محرَّم، فهو ممنوع الوفاء شرعًا.

(وإن شَرَط العبدَ كافرًا) فبان مسلمًا، فلا فَسْخ له.

(أو) شرط (الأَمَة ثيِّبًا كافرة، أو) شرط (أحدهما) أي: أنها ثيب، أو كافرة (فبانت أعلى) مما شرط (فلا فَسخ له) لأنه زاده خيرًا، كما لو شرط العبد كاتبًا، فبان -أيضًا- عالمًا.

(كما لو شَرَطها سَبْطَةً فبانت جَعْدة، أو) شرطها (جاهلة، فبانت عالمة) فلا فَسْخ له، لما ذكر.

(وإن شرطها) أي: المبيعة (حاملًا -ولو) كانتَ المبيعة (أمَةً- صَحَّ) الشرط، لما تقدم (لكن إن ظهرت الأَمَة) التي شرطها حاملًا (حائلًا) لا حمل بها (فلا شيء) أي: لا خيار (له) لأن الحمل عيب في الإماء.

ص: 391

(وإن شَرَط أنها لا تحمل، أو) أنها (تضع الولد في وقتٍ بعينه، لم يصح) الشرط؛ لأنه لا يمكن الوفاء به.

(وإن شرطها) أي: المبيعة (حائلًا، فبانت حاملًا، فله الفَسْخ في الأَمَة فقط، لأنه) أي: الحمل (عَيب في الآدميات لا في غيرها) أي: ليس عيبًا في غير الآدميات (زاد في "الرعاية" و"الحاوي": إن لم يضرَّ باللَّحم) وجزم به في "المنتهى" في الصداق (ويأتي في خيار العيب.

ولو أخبره) أي: المشتري (بائعٌ بصفة) في المبيع يرغب فيها (فصدَّقه بلا شرط، فلا خيار له، ذكره أبو الخطَّاب) قال في "الفروع": ويتوجَّه عكسه.

النوع (الثالث: شرط بائع نفعًا) مباحًا (معلومًا) غير وطء ودواعيه (في المبيع، كسُكنى الدار) المبيعة (شهرًا) أو أقل منه، أو أكثر (و) كـ (ـحُملان البعير) أو نحوه (إلى موضع معلوم، فيصح) لما روى جابر: "أنه كان يسيرُ على جملٍ قد أعْيَى، فضربَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فسارَ سيرًا لم يَسِرْ مثله، فقال: بعْنِيه، فبِعْتُهُ، واستَثنيتُ حمْلانَهُ إلى أهْلي" متفق عليه

(1)

، يؤيده: أنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن الثُّنيا إلَّا أنْ تُعْلَم"

(2)

وهذه معلومة، وأكثر ما فيه: تأخير تسليمه مدة معلومة؛ فصحَّ كما لو باعه أَمَةً مزوَّجة، أو دارًا مؤجَّرة ونحوهما.

و (كحبسه على ثمنه).

(1)

البخاري في الوكالة، باب 8، حديث 2309، وفي الخصومات، باب 18، حديث 2406، وفي الشروط، باب 3، حديث 2718، وفي الجهاد والسير، باب 112، حديث 2967، ومسلم في المساقاة، حديث 715.

(2)

تقدم تخريجه (7/ 345) تعليق رقم (2).

ص: 392

وخبر: "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيعٍ وشرطٍ"

(1)

أنكره

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 184) حديث 4358، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة ص / 160، والخطابي في معالم السنن (3/ 145)، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص / 128، وأبو الحسن بن الحمامي في الجزء الخامس من حديثه، ص 87 حديث 24، وابن عمشليق في جزئه حديث 28، وابن حزم في المحلى (8/ 415)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 185)، عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة، قلت: ما تقول في رجل باع بيعًا وشرط شرطًا؟ قال: البيع باطل، والشرط باطل. ثم أتيت ابن أبي ليلى، فسألته، فقال: البيع جائز والشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة، فسألته، فقال: البيع جائز والشرط جائز. فقلت: يا سبحان الله، ثلاثة من فقهاء العراق اختلفتم عليَّ في مسألة واحدة.

فأتيت أبا حنيفة، فأخبرته. فقال: لا أدري ما قالا؛ حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط.

البيع باطل، والشرط باطل.

ثم أتيت ابن أبي ليلى، فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا؛ حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة، فأعتقها.

البيع جائز، والشرط باطل.

ثم أتيت ابن شبرمة، فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كِدام، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله، قال: بعت النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لي حملانه إلى المدينة.

البيع جائز، والشرط جائز.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة إلا عبد الوارث. وقال النووي في المجموع (9/ 367): غريب.

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/ 63): هذا حديث باطل، ليس في شيء من كتب المسلمين، وإنما يُروى في حكاية منقطعة. وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 327): لا يعلم له إسناد يصح، مع مخالفته للسنة الصحيحة، والقياس، ولانعقاد الإجماع على خلافه. وضعَّفه ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 17). وقال الحافظ في الفتح (5/ 315): في إسناده مقال. وقال في التلخيص الحبير (3/ 12): ورويناه في الجزء الثالث من مشيخة بغداد للدمياطي، ونقل فيه عن ابن أبي الفوارس أنه قال: غريب.

ص: 393

أحمد

(1)

، وقال: لا نعرفه مرويًّا في مسند.

ونفقةُ المَبيع المُستثنى نَفْعه مدة الاستثناء: الذي يظهر أنها على البائع؛ لأنه مالك المنفعة، لا من جهة المشتري، كالعين الموصى بنفعها، لا كالمؤجرة والمُعارة.

(لا وَطْء الأمَة) المبيعة (ودواعيه) أي: دواعي الوَطء، من قُبْلة ونحوها؛ فلا يصح استثناؤه؛ لأن ذلك لا يُباح إلا بملك، أو نكاح وقد انتفيا.

(وله) أي:‌

‌ للبائع (إجارة ما استثناه) من النفع (وإعارتُه لمَن يقوم مقامه)

كالعين المؤجَّرة، لمستأجرها إجارتها وإعارتها. و (لا) يملك إجارتها أو إعارتها (لمن هو أكثر منه ضررًا) كالمستأجر.

(وإن تَلِفَت العينُ) المُستثنى نفعها (قبل استيفاء بائع له) أي: للنفع (بفعل مشترٍ، أو تفريطه، لزمه) أي: المشتري (أُجرة مثله) أي: مثل النفع المُستثنى فيما بقي من المدَّة؛ لتفويته المنفعة المستحقة على مستحقيها (لا إن تَلِفَ) المبيع (بغير ذلك) أي: بغير فعل المشتري وتفريطه؛ لأن البائع لم يملكها من جهته، فلم يلزمه عِوضها له.

قال في "الاختيارات"

(2)

: وإذا شرط البائع نفع المبيع لغيره مدةً معلومة، فمقتضى كلام أصحابنا: جوازه، فإنهم احتجوا بحديث أم سلمة:"أنهَا أعتَقَتْ سَفينةَ، وشَرَطَتْ عليه أن يخدمَ النبي صلى الله عليه وسلم ما عَاشَ"

(3)

واستثناء خدمة عبده في العتق كاستثنائها في المبيع.

(1)

انظر مجموع الفتاوى (29/ 132).

(2)

ص / 183 - 184.

(3)

أخرجه أبو داود في العتق، باب 3، حديث 3932، وابن ماجه في العتق، باب 6، حديث 2526، والنسائي في الكبرى (3/ 190) حديث 4995، 4996، والطيالسي =

ص: 394

(أو شَرَط مُشترٍ نَفعَ بائعٍ في مبيع كـ) اشتراطه عليه (حمل الحطب) المَبيع (أو تكسيره، أو خياطة ثوب) مبيع (أو تفصيله، أو حصاد زرع) مبيع (أو جَزّ رطبة) مبيعة (ونحوه) كضرب قطعة حديد اشتراها منه سيفًا أو نحوه (صحَّ) الشرط؛ لأن غايته أنه جَمَع بيعًا وإجارة؛ وهو صحيح (إن كان) النفع (معلومًا، ولزم البائع فِعْله) وفاءً بالشرط.

(فلو شَرَط) المشتري (الحَمْل إلى منزله، وهو) أي: البائع (لا يعرفه) أي: المنزل (لم يصحَّ) الشرط، كما لو استأجره لذلك ابتداءً، قاله في "شرح المنتهى". وظاهره: صحة البيع.

وعليه، فيثبت له الخيار على ما يأتي في الشرط الفاسد غير المُفسد.

(وإن باع المشتري العين المُستثنى نفعُها) مدةً معلومة (صحَّ البيعُ، وتكون في يد المشتري الثاني مُستثناةً أيضًا) كالدار المؤجَّرة، إذا بيعت.

= ص / 224، حديث 1602، وابن أبي شيبة (7/ 273)، وإسحاق بن راهويه (4/ 163) رقم 1944، وأحمد (5/ 221، 6/ 319)، وابن الجارود (3/ 240) حديث 976، والروياني في مسنده (1/ 438) حديث 665، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 1155) حديث 3447، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 290)، والطبراني في الكبير (7/ 85) حديث 6447، والحاكم (2/ 213، 3/ 606)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 368)، والبيهقي (10/ 291)، وابن عساكر في تاريخه (4/ 268) عن سعيد بن جمهان عن سَفينة مولى أم سلمة رضي الله عنهما.

قال الحاكم: صحيح ووافقه الذهبي. وضعَّفه ابن حزم في المحلى (9/ 185).

قال المنذري في مختصر السنن (5/ 394): أخرجه النسائي وابن ماجه، وقال النسائي: لا بأس بإسناده. وسعيد بن جمهان، أبو حفص البصري.: وثقه يحيى بن معين، وأبو داود السجستاني، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به.

ص: 395

(وإن كان) المشتري الثاني (عالمًا بذلك) أي: بأنها مبيعة مستثنى نفعها (فلا خيار له، كمن اشترى أمَةً مزوَّجة، أو) اشترى (دارًا مؤجَّرة) عالمًا بذلك (وإلا) بأن لم يكن عالمًا بذلك (فله الخيار) كمن اشترى أَمَةً مزوَّجة لا يعلم ذلك.

(وإن جَمَع) في بيع (بين شرطين -ولو صحيحين-) كحمل حطب وتكسيره، أو خياطة ثوب وتفصيله (لم يصح البيع) لحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يحل سَلَفٌ وبيعٌ، ولا شرطَانِ في بيع، ولا بَيع ما ليس عندك" رواه أبو داود والترمذي

(1)

، وقال: حديث حسن

(1)

أبو داود في البيوع والإجارات، باب 68، حديث 3504، والترمذي في البيوع، باب 19، حديث 1234. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في التجارات، باب 20، حديث 2188، والنسائي في البيوع، باب 60، 71، حديث 4625، 4643 وفي الكبرى (4/ 39، 43) حديث 2604، 6225، 6226، والطيالسي ص / 298، حديث 2257، وعبد الرزاق (8/ 39) حديث 14215، وابن أبي شيبة (6/ 572)، وأحمد (2/ 175، 178، 205)، والدارمي في البيوع، باب 26، حديث 2560، وابن الجارود (2/ 182) حديث 601، والطحاوي (4/ 46)، وابن حبان "الإحسان" (10/ 161) حديث 4321، والطبراني في الأوسط (2/ 333، 5/ 345) حديث 1577، 4680، وابن عدي (5/ 1767)، والدارقطني (3/ 74)، والحاكم (2/ 17)، وابن حزم في المحلى (8/ 416، 520)، والبيهقي (5/ 267، 313، 336، 339، 348)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 384)، وفي الاستذكار (19/ 76) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، به.

وقال أبو عبد الرحمن الآذرمي كما في الكامل لابن عدي: ليس يصح من حديث عمرو بن شعيب إلا هذا، أو هذا أصحُّها. قال الحاكم: هذا حديث على شرط جملة من أئمة المسلمين صحيح. ووافقه الذهبي. وصححه ابن حزم في المحلى (8/ 520)، والنووي في المجموع (9/ 376)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/ 350): قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك".

ص: 396

صحيح. (إلَّا أن يكونا) أي: الشرطان المجموعان (من مقتضاه) أي: مقتضى البيع، كاشتراط حلول الثمن مع تصرُّف كل منهما فيما يصير إليه؛ فإنَّه يصح بلا خلاف (أو) إلَّا أن يكونا (من مصلحته) أي: مصلحة العقد، كاشتراط رهن وضَمين معيَّنين بالثَّمن، فيصحّ كما لو كانا من مُقتضاه.

(ويصح تعليق فَسْخٍ بشرطٍ) كالطلاق والعتق (ويأتي تعليق خُلْعٍ بشرطٍ) وأنه لا يصح؛ لأنه لما كان العِوض شرطًا لصحته، ألحق بعقود المعاوضات.

(وإن أراد المشتري أن يعطي البائعَ ما يقوم مقام المبيع) المُستثناة منفعتُه (في المنفعة) المستثناة (أو يعوّضه عنها، لم يلزمه قَبوله) وله استيفاء المنفعة من عين المبيع؛ لتعلّق حقِّه به.

(وإن تراضيا على ذلك) أي: على ما يقوم مقام المبيع في المنفعة، أو على العِوض عنها (جاز) لأن الحق لهما لا يعدوهما.

(وإن) أقام البائع مقامَه من يعمل العملَ) المشترط عليه (فله ذلك؛ لأنه بمنزلة الأجير المشترك.

وإن أراد) البائع (بَذْلَ العِوض عن ذلك) العمل (لم يلزم المشتري قَبوله) وله طلبه بالعمل

(1)

؛ لأنه ألزم نفسه له به.

(وإن أراد المشتري أخذ العِوض عنه) أي: عن ذلك العمل، وأبى البائع (لم يلزم البائع بذلُه) لأنها معاوضة، فلا يُجبر عليها من أباها منهما (وإن تراضيا على ذلك جاز) لأن الحق لا يعدوهما.

(1)

"بالعمل" ساقطة من "ذ".

ص: 397

(وإن تعذَّر العمل) المشروط (بتلَفِ المبيع) المشروط عمله، كتلف حطب اشترط تكسيره (قبله) رجع المشتري بأجرة ذلك (أو استُحقَّ) نفع بائع بأن أجَّر نفسه إجارة خاصة، رجع المشتري بأجرة العمل.

(أو) تعذَّر العمل (بموت البائع، رجع المشتري بعِوض ذلك) النفع المشروط عليه في البيع؛ لأن عقد البيع مع الشرط المذكور قد جمع بيعًا وإجارة، وقد فات ما ورد عليه عقد الإجارة، فانفسخت، كما لو استأجر أجيرًا خاصًّا، فمات. وإذا انفسخت الإجارة بعد قبض عِوضها، رجع المستأجر بعِوض المنفعة.

(وإن تعذَّر) العمل على البائع (بمرض، أُقيم مقامه من يعمل، والأجرة عليه) أي: على البائع (كالإجارة) لما تقدم.

فصل

(الضرب الثاني) من الشروط في البيع (فاسد يَحرم اشتراطُه.

وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يشترط أحدُهما على صاحبه عقدًا آخر، كسَلَف) أي: سَلَم (أو قَرْض، أو بيع، أو إجارة، أو شركة، أو صَرْف الثمن، أو) صرف (غيره) أي: غير الثمن (فـ) ـاشتراط (هذا) الشرط (يُبطِل البيعَ، وهو بيعتان في بيعة المنهيُّ عنه) والنهي يقتضي الفساد (قاله) الإمام (أحمد

(1)

) هكذا في "المبدع" و"الإنصاف" وغيرهما.

(1)

انظر مسائل أبي داود ص / 202، ومسائل الكوسج (6/ 2948، 3022) رقم =

ص: 398

فقوله: (وكذلك كل ما كان في معنى ذلك، مثل أن يقول): بعتُك داري بكذا (على أن تزوِّجَني ابنتك، أو على أن أزوِّجَك ابنتي. وكذا على أن تنفق على عبدي أو دابتي، أو على حصتي من ذلك

(1)

، قرضًا أو مجانًا) مقيسٌ على كلام أحمد، وليس هو بقوله. قال ابن مسعود:"صفقتان في صفقةٍ رِبًا"

(2)

. ولأنه شَرَطَ عقدًا في آخر؛ فلم يصح كنكاح الشغار.

النوع (الثاني) من الشروط الفاسدة: (شَرَط في العقد ما ينافي مُقتضاه، نحو أن يَشترط أن لا خسارةَ عليه، أو) شَرَط أنه (متى نَفَق المبيع، وإلا ردَّه، أو) يشترط البائع على المشتري (أن لا يبيعَ) المبيع (ولا يَهَبه، ولا يَعتِقَه) أي: لا يفعل واحدًا من هذه؛ فالواو بمعنى "أو".

(أو) شَرَط البائع (إن أعتق) المشتري المبيع (فالولاءُ له) أي: للبائع (أو يَشترط) البائع على المشتري (أن يفعل ذلك، أو وقف المبيع، فهذا) الشرط (لا يُبطلُ البيع) لحديث عائشة قالت: "جاءتنِي بَريرة فقالت: كاتبتُ أهلي على تسع أواقٍ، في كلِّ عام أوقية، فأعينيني، فقلتُ: إن أحبَّ أهلك أن أعدَّها لهم، ويكون ولاؤكِ لي، فعلتُ،

= 2174، 2258، والفروع (4/ 63).

(1)

في "ح" زيادة "العقار".

(2)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 138) رقم 14636، وأبو عبيد في غريب الحديث (4/ 110)، وابن أبي شيبة (6/ 119)، وأحمد (1/ 393)، والبزار (5/ 383) حديث 2016، وابن خزيمة (1/ 90) رقم 176، والعقيلي (3/ 288)، وابن حبان "الإحسان"(3/ 331) رقم 1053، والطبراني في الكبير (9/ 321) رقم 9609، وابن عبد البر في الاستذكار (20/ 173).

وانظر ما تقدم (7/ 360) فقرة (د).

ص: 399

فذهبت بريرةُ إلى أهلها، فقالت لهم، فأبوا

(1)

عليها، فجاءت من عندهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فقالت: إني عرضتُ ذلك عليهم، فأبوا إلا أن يكون لهمُ الولاء، فسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرت عائشةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: خُذِيها واشترطي لهمُ الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشةُ، ثم قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الناسِ، فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ، ما بالُ رجال يشترطونَ شروطًا ليست في كتاب اللهِ؟ ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله، فهو باطلٌ، وإن كان مائة شرطٍ، قضاءُ الله أحقُّ، ودينُ الله

(2)

أوثقُ، وإنما الولاءُ لمن أعتقَ" متفق عليه

(3)

.

فأبطل الشرط ولم يبطل العقد.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "واشترطي لهم الولاءَ" لا يصح حمله على: "واشترطي عليهم الولاء"

(4)

، بدليل أمرها به، ولا يأمرها بفاسد؛ لأن

(1)

في الصحيحين: "فأبوا ذلك عليها".

(2)

في الصحيحين: "وشرط الله".

(3)

رواه البخاري بهذا السياق في البيوع، باب 73، حديث 2168، كما رواه في مواضع أخرى مختصرًا، ومطولًا: في الصلاة، باب 70، حديث 456، وفي الزكاة، باب 61، حديث 1493، وفي البيوع، باب 67، حديث 2155، وفي العتق، باب 10، حديث 2536، وفي المكاتب، باب 1، 2، 3، 4، 5، حديث 2560، 2561، 2563، 2564، 2565، وفي الهبة، باب 7، حديث 2578، وفي الشروط، باب 3، 10، 13، 17، حديث 2717، 2726، 2729، 2735، وفي النكاح، باب 18، حديث 5097، وفي الطلاق، باب 14، 17، حديث 5279، 5284، وفي الأطعمة، باب 31، حديث 5430، وفي كفارات الأيمان، باب 8، حديث 6717، وفي الفرائض، باب 19، 20، 22، 23، حديث 6751، 6754، 6758، 6760، ومسلم في العتق، حديث 1504.

(4)

هذا قول الشافعي، أخرجه عنه أبو نعيم في الحلية (9/ 125)، عن حرملة قال: سمعت الشافعي يقول في حديث عائشة: "واشترطي لهم الولاء": معناه: اشترطي =

ص: 400

الولاء لها بإعتاقها، فلا حاجة إلى اشتراطه؛ ولأنهم أبوا البيع إلا أن تشترط لهم الولاء، فكيف يأمرها بما علم أنهم لا يقبلونه؟ وأما أمرها بذلك، فليس بأمر على الحقيقة، وإنما هو صيغة أمر بمعنى التسوية؛ كقوله تعالى:{فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا}

(1)

التقدير: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي، ولهذا قال عَقِبه:"فإنما الولاءُ لمن أعتق".

(والشرطُ باطل في نفسه) لما تقدم (إلا العتقَ؛ فيصحُّ) أن يشترطه البائع على المشتري؛ لحديث بَريرة.

(ويُجبر) المشتري (عليه) أي: على العتق (إن أباه؛ لأنه حقٌّ لله تعالى كالنَّذر، فإن امتنع) المشتري من عِتقه (أعتقه حاكمٌ عليه) لأنه عِتق مستحقٌّ عليه، لكونه قُربة التزمها كالنذر، وكما يُطَلِّقُ على المُولي.

وإن باعه المشتري بشرط العِتق لم يصحَّ، صحَّحهْ الأزجيُّ في "نهايته"؛ لأنه يتسلسل؛ ولأن تعلُّق حق العتق الواجب عليه يمنع الصحة، كما لو نذر عِتق عبد؛ فإنه لا يصح بيعه، ووافقه ابن رجب في "قواعده"

(2)

إن قلنا: الحق في العتق لله كالمنذور عتقه، وهذا هو الذي جزم به المصنف.

(وإن شَرَط رهنًا فاسدًا، كخمر، ونحوه) كخنزير، لم يصحَّ الشرط (أو) شَرَط (خيارًا، أو أجلًا مجهولين) بأن باعه بشرط الخيار، وأطلق، أو إلى الحصاد ونحوه، أو بثمن مؤجَّلٍ إلى الحصاد ونحوه، لم يصحَّ الشرط. (أو) شَرَط (تأخير تسليم مبيع بلا انتفاع) به (لَغَا الشرط) -لما

= عليهم الولاء. قال الله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} بمعنى عليهم. وانظر: شرح صحيح مسلم للنووي (9/ 140).

(1)

سورة الطور، الآية:16.

(2)

القاعدة الرابعة والعشرون ص / 34.

ص: 401

تقدم - (وصحَّ البيع) كما تقدم. (ويأتي الرهن في بابه.

وللذي فات غرضُه) بفساد الشرط من بائع ومشترٍ (في الكلِّ) أي: كل ما تقدم من الشروط الفاسدة، سواء (عَلِم بفساد الشرط أو لا الفسخُ) أي: فسخ البيع؛ لأنه لم يسلم له ما دخل عليه من الشرط (أو أرْشُ ما نَقَصَ من الثمن بإلغائه) أي: بإلغاء الشرط (إن كان) المشترطُ (بائعًا).

فإذا باعه بأنقص من ثمنه، وشرط شرطًا فاسدًا، فله الخيار بين الفسخ وبين أخْذِ أرْشِ النقص؛ لأنه إنما باع بنقص لما يحصُل له من الغرض الذي اشترطه، فإذا لم يحصُل غرضه رجع بالنقص.

(أو ما زاد إن كان مُشتريًا) يعني: إذا اشترى بزيادة على الثمن، وشرط شرطًا فاسدًا؛ فله الخيار بين الفسخ وأخْذِ ما زاد لما تقدم.

النوع (الثالث) من الشروط الفاسدة: (أن يَشترط) البائع (شرطًا يُعلِّق البيعَ عليه؛ كقوله: بعتُك إن جئتني بكذا، أو) بعتك (إن رضي فلانٌ) وكذا تعليق الشراء، كقبلت إن جاء زيد ونحوه، فلا يصح البيع؛ لأن مقتضى البيع نَقل الملك حال التبايع، والشرط هنا يمنعه.

(أو يقول) الراهن (للمرتَهِنْ إن جئتُك بحقِّك في مَحِله) بكسر الحاء، أي: أجله (وإلا فالرَّهنُ لك مبيعًا بما لَكَ) من الدَّين (فلا يصحُّ البيع) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَغلق الرهنُ من صاحبهِ" رواه الأثرم

(1)

، وفسَّره

(1)

لعله في سننه ولم تطبع. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه في الأحكام، باب 64، حديث 2441، وابن حبان "الإحسان"(13/ 258) حديث 5934، وابن عدي (1/ 180، 4/ 1546)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 619)، والدارقطني (3/ 32، 33)، وابن جميع في معجمه ص / 210 - 211، والحاكم (2/ 51، 52)، وتمام في فوائده (1/ 38)، حديث 71، وأبو نعيم في الحلية (7/ 315)، وابن حزم في المحلى (8/ 99)، والبيهقي (6/ 39)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 425، =

ص: 402

أحمد بذلك

(1)

.

(إلا: بِعْتُ) إن شاء الله (أو قبلتُ إن شاء الله فيصح) كما تقدم.

(وإلا بيع العُربون وإجارتَه، فيصح) لما روى نافع بن عبد الحارث، أنهُ اشترى لعمرَ دارَ السجنِ من صفوانَ، فإن رضي عمرُ، وإلا، له كذا وكذا

(2)

. ذكره في "المبدع".

= 427، 428)، والخطيب في تاريخه (6/ 165)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 198) حديث 1514، 1516، كلهم من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

قال الدارقطني في أحد أسانيده: وهذا إسناد حسن متصل. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/ 279): ورَفْعه صحيح. وحسَّنه ابن حزم في المحلى (8/ 99)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 430).

وأخرجه أبو داود في المراسيل ص/ 170، 172، حديث 186، 187، ومالك في الموطأ (2/ 728)، والشافعي في مسنده (ترتيبه 2/ 163)، وعبد الرزاق (8/ 137) حديث 15033، 15034، وابن أبي شيبة (7/ 187)، والطحاوي (4/ 100)، والدارقطني (3/ 33)، والبيهقي (6/ 39، 40، 44)، والخطيب في تاريخه (12/ 242)، عن ابن المسيب مرسلًا. وصوَّبه الدارقطني في العلل (9/ 168)، وقال البيهقي (6/ 40): وهو المحفوظ. وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (3/ 17): "ورواه جماعة من الحفاظ بالإرسال، وهو الصحيح، وأما ابن عبد البر فقد صحح اتصاله، وكذلك عبد الحق". وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 36): "وصحح أبو داود، والبزار، والدارقطني، وابن القطان إرساله، وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة، وصحح ابن عبد البر وعبد الحق وَصْله".

(1)

انظر مسائل أبي داود ص/ 206.

(2)

علقه البخاري في الخصومات، باب 8، قبل حديث 2423، بصيغة الجزم، ووصله عبد الرزاق (4/ 147) رقم 9213، وابن أبي شيبة (7/ 306)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 254) رقم 2076، والبيهقي (6/ 34)، والمزي في تهذيب الكمال (17/ 344)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 326).

ص: 403

(وهو) أي: بيع العُربون وإجارته (أن يشتري شيئًا، أو يستأجره ويعطي) المشتري (البائعَ أو المُؤْجِرَ درهمًا، أو أكثر) من الدرهم، أو أقل منه (من المُسمَّى) صفة لدرهم (ويقول) له:(إن أخذْتُه) أي: أخذتُ المبيع، أو المؤجرَ، وسواء عيَّن وقتًا لأخذه، أو أطلق، صححه في "الإنصاف" (فهو) أي: الدرهم (من الثمن) أو الأُجرة (وإلا) أي: وإن لم آخذُه (فالدِّرهم لك) أيها البائع أو المؤجر (فإن تمَّ العقد، فالدِّرهمُ من الثمن) أو الأجرة (وإلا) بأن لم يتم العقد (فـ) ــالدرهم (لبائع ومُؤْجر) كما شرطا، لما تقدم.

(وإن دفع) من يريد الشراء أو الإجارة (إليه) أي: إلى ربِّ السلعة (الدرهمَ) أو نحوه (قبل) عَقْد (البيع) أو الإجارة (وقال: لا تبعْ هذه السِّلعة لغيري) أو لا تؤجرها لغيري (وإن لم أشتَرِها) أو أستأجرها (فالدِّرهمُ) أو نحوه (لك، ثم اشتراها) أو استأجرها (منه، وحَسَب الدرهمَ من الثمن) أو الأجرة (صح) ذلك (وإن لم يشترها) أو يستأجرها (فلصاحبِ الدرهم الرجوعُ فيه) لأن ربِّ السلعة لو أخذه، لأخذه بغير عِوض، ولا يجوز جَعْله عِوضًا عن إنظاره؛ لأن الإنظار بالبيع لا تجوز المعارضة عنه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم القَدْر كالإجارة.

(ومن علَّق عِتْقَ رقيقه ببيعه) فقال له: إن بعتك فأنت حُرٌّ (ثم باعه، عتَقَ) عقب القَبول؛ لوجود الصفة (ولم ينتقِلِ الملك) فيه لمشترٍ لما يأتي.

(و) إن قال لزوجته: (إن خلعتُكِ فأنت طالقٌ؛ ففعل) أي: فخلعها (لم تَطلُقْ) لأن البائن لا يلحقها الطلاق، ويأتي في الخُلْع.

(وإن قال) مالِكُ عبدٍ (لزيد: إن بعتُك هذا العبد فهو حُرٌّ، فقال

ص: 404

زيد) له: (إن اشتريتُه منك فهو حُرٌّ، ثم اشتراه) أي: العبدَ زيدٌ، منه أو من وكيله (عتَق) العبد (على البائع من ماله قبل القَبول) ذكره في "المستوعب" و"المغني" و"التلخيص" وغيرها، وفيه نظر، كما قال ابن رجب

(1)

.

وقال القاضي، وابن عقيل، وأبو الخطاب، وفي "رؤوس المسائل" وغيرهم: يعتق على البائع في حال انتقال الملك إلى المشتري، حيث يترتَّب على الإيجاب والقَبول انتقال الملك وثبوت العتق، فيتدافعان، وينفذ العتق لقُوَّته وسرايته، ولتقدم سببه، وهو التعليق، كالوصيةِ من حيث إنها وصية والانتقال إلى الورثة يترتَّبان على الموت، وتُقدَّم هي لتقدم سببها، كما أشار إليه الإمام أحمد في رواية الأثرم

(2)

. قال ابن قُندس في حواشي "المحرر": وهذا هو الصواب، وأطال.

فصل

(وإن قال) البائع: (بعتُك على أن تَنقُدَني الثمنَ إلى ثلاثة) أيام (أو) إلى (مدة معلومة) أقل من ذلك أو أكثر (وإلا، فلا بَيْعَ بيننا؛ صح) البيع، وهو قول عمر

(3)

، كشرط الخيار.

(وينفسِخُ) البيع (إن لم يفعل) أي: إن لم ينقده المشتري الثمن في

(1)

في القواعد، القاعدة السابعة والخمسون ص/ 99.

(2)

انظر القواعد، القاعدة السابعة والخمسون ص/ 99.

(3)

رواه سحنون في المدونة (4/ 193)، والدارقطني (3/ 54)، والبيهقي (5/ 274). قال البيهقي: ينفرد به ابن لهيعة.

ص: 405

المدة (وهو) أي: قوله: "وإلا؛ فلا بيع بيننا"(تعليقُ فَسْخِ) البيع (على شرطٍ) لأنه علَّقه على عدم إنقاد الثمن في المدة التي عيَّنها، وهو صحيح (كما تقدم) قريبًا.

(و) إن قال البائع: (بعتُك على أن تنقُدَني الثمنَ إلى ثلاث أو أكثر، فإن لم تفعل فليَ الفسخُ) صحَّ؛ وله الفسخ إن لم ينقُدْه له فيها، لما تقدم.

(أو قال) المشتري: (اشتريتُ على أن تُسلِّمني المبيع إلى ثلاث، فإن لم تفعل، فليَ الفسخ، صحَّ) البيع والشرط (وله الفسخُ، إذا فات شرطه) لما تقدم.

(وإن باعه سِلعةً وشَرَطَ) عليه (البراءة من كل عيب) بها (أو) شَرَط عليه البراءة (من عيب كذا، إن كان) ذلك العيب بها (أو) باعه (بشرط البراءة من الحَمْل) إن كان (أو) باعه بشرط البراءة (مما يحدُثُ بعد العقد، وقبل التسليم؛ فالشرطُ فاسدٌ لا يبرأ) البائع (به، سواء كان العيب ظاهرًا، ولم يعلمه المشتري، أو) كان (باطنًا) لما رُوي أن عبد الله بن عمر "باعَ زيدَ بن ثابتٍ عبدًا بشرط البراءةِ بثمانمائةِ درهمٍ، فأصابَ زيدٌ به عيبًا، فأرادَ ردَّهُ على ابن عمرَ، فلم يقبلهُ، فترافعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: تحلفُ أنكَ لم تعلم هذا العيبَ؟ قال: لا، فردَّهُ عليهِ، فباعهُ ابنُ عمر بألفِ درهمٍ" رواه أحمد

(1)

.

(1)

لم نقف عليه في المطبوع من المسند، ولا في مظانه من كتب الإمام أحمد المطبوعة. وأخرجه عبد الله بن أحمد في مسائله (3/ 903) رقم 1219، وأخرجه - أيضًا - بنحوه مالك في الموطأ (2/ 613)، وعبد الرزاق (8/ 162، 163) حديث 14721، 14722، وابن أبي شيبة (6/ 212)، والبيهقي (5/ 328)، قال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 558): هذا الأثر صحيح.

ص: 406

ولأن خيار العيب إنما يثبت بعد البيع، فلا يسقط بإسقاطه قبله، كالشُّفعة.

(وكذا لو أبرأه) قبل البيع (من جُرْح لا يَعرف غَوْره، ويصح العقدُ) للعلم بالمبيع.

(وإن سمَّى) البائع (العيبَ وأوقف

(1)

) البائعُ (المشتريَ عليه، وأبرأه منه؛ برئ) لأنه قد أعلم بالعيب، ورضي به. وكذا إن أسقطه بعد العقد؛ لأنه أسقطه بعد ثبوته له، والبراءة من المجهول صحيحة.

(وإن باعه أرضًا) على أنها عشرة أذرع، فبانت أكثر (أو) باعه (دارًا) على أنها عشرة أذرع، فبانت أكثر (أو) باعه (ثوبًا على أنه عشرة أذرع، فبان أكثر، فالبيع صحيح) لأن ذلك نقص على المشتري فلم يمنع صحة البيع، كالعيب (والزائد) عن العشرة (للبائع) لأنه لم يبعه له (مُشَاعًا) في الأرض، أو الدَّار، أو الثوب لعدم تعينه.

(ولكل منهما) أي: من البائع والمشتري (الفسخُ) دفعًا لضرر الشركة (إلا أن المشتري إذا أُعطيَ الزائدَ مجانًا) بلا عِوض (فلا فسخَ له) لأن البائع زاده خيرًا.

(وإن اتفقا على إِمضائه) أي: إمضاء البيع في الكل (لمشترٍ بعِوضٍ) للزائد (جاز) لأن الحق لهما لا يعدوهما، كحالة الابتداء.

(وإن بان) ما ذُكر من الأرض أو الدار أو الثوب (أقلَّ) من عشرة (فكذلك) أي: فالبيع صحيح؛ لأن ذلك نقصٌ حصل على البائع، فلم يمنع صحة البيع، كما تقدم.

(والنقص على البائع) لأنه التزمه بالبيع.

(1)

في "ذ": "ووافق".

ص: 407

(ولمشترٍ الفسخُ) لنقص المبيع (وله إمضاءُ البيعِ بقسطِه) أي: المبيع (من الثمن برضى البائع) لأن الثمن يقسط على كل جزء من أجزاء المبيع، فإذا فات جزء استحق ما قابله من الثمن (وإلا) بأن لم يَرْضَ البائع بأخذ المشتري له بقسطه (فله) أي: للمشتري (الفَسْخ) دفعًا لذلك الضرر.

(وإن بَذَلَ مُشترٍ جميعَ الثمن، لم يملك البائعُ الفسخَ) لأنه لا ضرر عليه في ذلك، ولا يُجبر أحدهما على المعاوضة.

(وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز) لأن الحق لا يعدوهما.

(وإن باع صُبْرة على أنها عشرةُ أقْفِزة) أو زُبْرة حديد على أنها عشرة أرطال (فبانت أحدَ عشر، فالبيعُ صحيحٌ) لصدوره من أهله في محله (والزائدُ للبائع مُشاعًا) لما تقدم (ولا خِيار للمشتري) لعدم الضرر، وكذا البائع.

(وإن بانت) الصُّبْرة أو الزُّبْرة (تسعةً، فالبيع صحيح) لما تقدم (وينقص من الثمن بقَدْره) أي: قَدْر نقص المبيع لما تقدم (ولا خيار له)، أي: للمشتري، بل ولا للبائع (أيضًا) بخلاف الأرض ونحوها مما ينقصه التفريق.

(والمَقبوض بعقد) بيع (فاسد، لا يُملك به، ولا ينفذ تصرُّفه فيه) ببيعٍ ولا غيره، لكن يأتي في النكاح أن العتق في بيع فاسد كالطلاق في نكاح فاسد؛ فينفذ لقوَّته وسرايته

(1)

، وتشَوُّف الشارع إليه، ومحله إذا لم يحكم به من يراه، وإلا، نفذ كما تقدم.

(ويضمَنه) أي: يضمن المشتري المقبوض ببيع فاسد (كالغصب،

(1)

في "ح": "وسريانه".

ص: 408

ويلزمه) أي: المشتري (رَدُّ النَّماء المنفصل والمتَّصل، وأُجرة مِثله مدة بقائه في يده) انتفع به، أو لا.

(وإن نقص) بيده (ضَمِنَ نقصَه، وإن تَلِفَ) أو أتلف (فعليه ضمانه بقيمته) يوم تلفه ببلد قبضه فيه، إن كان متقومًا وإلا، فبمثله.

(وإن كانت) المبيعة بعقد فاسد (أَمَةً فوطئها) المشتري (فلا حَدَّ عليه) للشُّبهة بلا اختلاف فيه (وعليه مهر مثلها، وأَرْش بكارَتِها) فلا يندرج في مهرها، بخلاف الحُرَّة (والولد حُرٌّ) للشُّبهة (وعليه قيمتُه) لأنه فوّته على مالكه باعتقاد الحرية (يومَ وضعِه) لأنه أول أوقات إمكان تقويمه (وإن سقط) الولد (ميتًا) بغير جناية (لم يضمنه) كولد المغصوبة (وعليه) أي: على المشتري (ضمان نقص الولادة) لحصوله بيده العادية.

(وإن ملكها الواطئُ) لها في العقد الفاسد بعد أن حملت منه فيه (لم تَصِرْ أمَّ ولد) له بذلك الحمل؛ لأنه لم يكن مالكًا لها إذ ذاك (ويأتي) ذلك (في أواخر الخيار في البيع و) يأتي في (الغصب) - أيضًا - مفصَّلًا.

ص: 409

‌باب الخيار في البيع

يذكر فيه أقسام (الخِيار في البيع، والتصرُّف في المَبيع) قبل قبضه، (وقبضه، والإقالة) وما يتعلَّق بذلك.

(الخِيار: اسم مصدر اختار) يختار اختيارًا، لا مصدره؛ لعدم جريانه على الفعل (وهو) أي: الخيار (طلب خير الأمرين) وهما هنا: الفسخ، والإمضاء (وهو) أي: الخيار (على) ما هنا بحسب أسبابه (سبعة أقسام) وتقدم الثامن كما يأتي التنبيه عليه في كلامه.

(أحدها: خِيار المَجلِس) بكسر اللام، وأصله مكان الجلوس، والمراد هنا: مكان التبايع على أي حال كانا (فيثبت) خيار المجلس (ولو لم يشترطه) العاقد (في البيع) متعلِّق بـ "يثبت"؛ لحديث: "البيعانِ بالخِيار ما لم يتفرَّقا" متفق عليه، من حديث ابن عمر

(1)

وحكيم بن حزام

(2)

. وحمْلُه على أنهما بالخِيار قبل العقد غير صحيح، لرواية:"إذا تبايعَ الرجلانِ فكلُّ واحدٍ منهمَا بالخيارِ"

(3)

، فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما.

(و)

‌ يثبت خيار المَجلِس (في الشَّرِكة فيه)

أي: فيما إذا أشركه في ملكه بالنصف ونحوه، بقسطه من ثمنه المعلوم - كما يأتي - لأنها صورة

(1)

البخاري في البيوع، باب 42 - 47، حديث 2107، 2109، 2111 - 2113، 2116، ومسلم في البيوع، حديث 1531.

(2)

البخاري في البيوع، باب 19، 22، 42، 44، 46، حديث 2079، 2082، 2108، 2110، 2114، ومسلم في البيوع، حديث 1532.

(3)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 45، حديث 2112، ومسلم في البيوع، حديث 1531 (44) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 410

من صور البيع بتخيير الثمن.

(و) يثبت خيار المَجلِس (في الصُّلْح على مال) عن دين، أو عين أقرَّ بهما؛ لأنه بيع، كما يأتي في بابه.

(و) يثبت خيار المَجلِس في (الإجارة على عين) كدار وحيوان (ولو كانت مدَّتها تلي العقد) بأن أجَّره الدار - مثلًا - شهرًا من الآن (أو) كانت الإجارة على (نفعٍ في الذِّمة) بأن استأجره لخياطة ثوب، أو بناء حائط ونحوه؛ لأن الإجارة نوع من البيع.

(و) يثبت خيار المجلس (في الهِبة، إذا شَرَطَ فيها) الواهب (عوضًا معلومًا) لأنها حينئذ بيع.

وكون البيع وما بمعناه مما ذكر يثبت فيه خيار المَجلِس (بمعنى أنه يقع جائزًا، سواء كان فيه) أي: في البيع بصوره المذكورة (خيار شرط، أم لا) فكل من العاقدين له إمضاء البيع وفسخه.

(غيرَ كتابةٍ) فلا خيار فيها، لأنها وسيلة للعتق.

(و) غير (تولِّي طرفي عَقْد بيعٍ، و) تولِّي (طرفي عَقْدِ هِبةٍ بعوض) أو تولِّي طرفي صلح بمعنى بيعٍ، وسائر صور البيع السابقة إذا تولَّى طرفيها واحد، لا خيار فيها، لانفراد العاقد بالعقد، كالشفيع.

(وغيرَ قسمة إجبار) فلا خيار فيها (لأنها إفرازُ حَقٍّ لا بيعٌ) وخرج بقسمة الإجبار قسمة التراضي، فيثبت فيها خيار المَجلِس، كما في "المنتهى" وغيره. ويأتي في القسمة التنبيه على ما فيه.

(وغيرَ شراء مَن يعتقُ عليه) لقرابة أو تعليق، كما لو باشر عتقه (قال المُنَقِّح: أو يعترف بحرِّيته قبل الشِّراء) بأن أقرَّ بأنه حُرٌّ، أو شهد بذلك فَرُدَّت شهادته، ثم اشتراه، لم يثبت له خيار المَجلِس؛ لأنه صار حُرًّا

ص: 411

باعترافه السابق، وشراؤه له افتداء كشراء الأسير، وليس شراء حقيقة.

(ويثبت) خيار المجلس (فيما) أي: في عقد بيع ما (قَبْضُه شرطٌ لصحته) أي: صحة عقده (كصَرْف، وسَلَمٍ، وبيع مال الربا بجنسه) يعني بيع مكيل بمكيل، وموزون بموزون، ولو من غير جنسه، فالمراد بجنسه: المجانس له في الكيل أو الوزن فقط.

(ولا يثبت) خيار المجلس (في بقية العقود) والفسوخ (كالمُساقاة، والمُزارعة، والحَوالة، والإقالة، والأخذ بالشُّفعة، والجَعالة، والشَّركة، والوَكالة، والمُضارَبة، والعارية) والمسابقة (والهِبة يغير عِوض، والوديعة، والوصيَّة قبل الموت) لأنه لا أثر لردِّ الموصى له، ولا لقَبوله قبله، كما يأتي (ولا في النكاح، والوقف، والخُلع، والإبراء، والعتق على مال، والرهن، والضمان، والكفالة) والصلح عن نحو دمِ عمدٍ؛ لأن ذلك كله ليس بيعًا ولا في معناه.

(ولكل من المتبايعين الخِيار) أي: خيار المَجلِس (ما لم يتفرَّقا بأبدانهما عُرفًا، ولو أقاما فيه) أي في المجلس (شهرًا أو أكثر) من شهر (ولو) أقاما (كُرْهًا) فهما على خيارهما، لعدم التفرق.

(فإن تفرَّقا باختيارهما، سقط) خيارهما، ولزم البيع لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:"ما لم يتفرَّقا"

(1)

، (لا) إن تفرَّقا (كُرْهًا.

ومعه) أي: مع تفريقهما مكرهين (لا يسقط) خيارهما (ويبقى الخِيار) لهما (في) هذا الحال إلى أن يتفرَّقا من (مجلسٍ زال الإكراه فيه) لأن فعل المُكره لا يعتدُّ به شرعًا.

(فإن أُكرِه أحدُهما) وحده على التفرُّق (انقطع خيار صاحبه) لتفرقه

(1)

تقدم تخريجه (7/ 410)، تعليق رقم (1) و (2).

ص: 412

باختياره (ويبقى الخِيار للمُكرَه منهما في) حال تفرّقه في (المَجلِس الذي زال فيه الإكراه حتى يتفرَّقا عنه) اختيارًا، لما تقدم.

(فإن رأيا) أي المتبايعان، وهما في مجلس التبايع (سَبُعًا أو ظالمًا خشياه، فهربا فزعًا منه، أو حملهما) من مجلس التبايع (سَيْلٌ، أو فرقتهما ريحٌ، فكإكراهٍ، قاله ابن عقيل) فيثبت لهما الخِيار إلى أن يتفرَّقا من مجلس زال فيه ذلك؛ لأن فعل المُلْجأ غير منسوب إليه.

(ومتى تَمَّ العقد وتفرَّقا) من مجلسه (لم يكن لواحد منهما الفَسْخ) للزوم البيع كما تقدم (إلا بعيب أو خيار، كخيار شرطٍ أو غَبْنٍ) أو تدليس أو نحوه (على ما يأتي) في الباب مفصلًا (أو) بـ (ــمخالفة شرط صحيح اشترط) وكذا فاسد لمن فات غرضه، كما تقدم

(1)

في الباب قبله.

(وإن تبايعا على أن لا خيار بينهما) فلا خيار لهما.

(أو قال البائع: بعتُك على أن لا خيار بيننا، فقال المشتري: قَبِلتُ، ولم يزد على ذلك) فلا خيار لهما.

(أو أسقطا الخيار بعده) أي: بعد البيع (مثل أن يقول كلٌّ منهما بعد العقد: اخترتُ إمضاءَ العقد، أو التزامه، سقط) خيارهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، إلا أن يكون البيع عن خيار، فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع" أي: لزم. متفق عليه من حديث ابن عمر

(2)

. و‌

‌التخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد.

(أو) تبايعا على أن (لا خيارَ لأحدهما بمفرده، أو أسقطه) أحدُهما وحده (أو قال لصاحبه: اخْتَرْ، سقط) خياره لظاهر الخبر السابق (وبقي

(1)

(7/ 402).

(2)

تقدم تخريجه (7/ 410) تعليق رقم (1).

ص: 413

خيار صاحبه) لأنه خيار في البيع، فلم يبطل حق من لم يسقطه كخيار الشرط.

(ويبطل خيارُهما بموتِ أحدِهما) لأنها أعظم الفُرقتين.

(و) يبطل خيارهما (بِهَرَبه) أي: هرب أحدهما (من الآخر) لوجود التفرق.

و (لا) يبطل خيارهما (بجنونه) أي: جنون أحدِهما (وهو) أي: المجنون (على خِياره، إذا أفاق) من جنونه، فلا خيار لوليه. قال في "شرح المُنتهى": على الأصح؛ لأن الرغبة في المبيع، أو عدمها لا تُعلم إلا من جهته.

(ولو خَرِسَ أحدُهما، قامت إشارته) المفهومة (مقامَ نُطقِه) لدلالتها على ما يدلُّ عليه نُطقه. قلت: وكذا كتابته.

(فإن لم تُفهم إشارتُه، أو جُنَّ، أو أُغمي عليه) أي: الأخرس (قام أبوه، أو وصيُّه، أو الحاكم مقامَه) قاله في "المغني" و"الشرح" ولم يُعلِّله، ولعله إلحاقًا له بالسفيه.

(ولو ألحقا) أي: المتبايعان (بالعقد) أي: عقد البيع (خيارًا بعد لزومه) أي: العقد (لم يَلحق) الخيار به، لما تقدم من أن محلَّ المعتبر من الشروط صلب العقد.

(والتفرق بأبدانهما عُرفًا يختلف باختلاف مواضع البيع:

فإن كان) البيعُ (في فضاء واسع، أو مسجد كبير - إن صحَّحنا البيع فيه -) والمذهب: لا يصح، وتقدم

(1)

- (أو) في (سُوق فـ) ــالتفرُّق (بأن يمشي أحدُهما مستدبرًا لصاحبه خطوات) جمع خطوة. قال أبو

(1)

(5/ 404).

ص: 414

الحارث: سُئل أحمد عن تفرقة الأبدان؟ فقال: إذا أخذ هذا كذا، وأخذ هذا كذا، فقد تفرَّقا

(1)

.

وقوله: (بحيث لا يسمع كلامه المعتاد) قدَّمه في "الكافي"، وعلى ما قطع به ابن عقيل، وقدَّمه في "المغني"، و"الشرح"، و"المبدع"، وصحَّحه في "شرح المنتهى": لا يعتبر ذلك، وهو ظاهر "المستوعب" حيث لم يقيد بذلك.

(و) إن كان البيع (في سفينة كبيرة) فـ (ــبأن يصعد أحدُهما إلى أعلاها، وينزل الآخر في أسفلها.

و) إن كان البيع (في) سفينة (صغيرة) فـ (ــبأن يخرج أحدهما منها ويمشي.

و) إن كان البيع (في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت) فالتفرُّق (بخروجه) أي: أحدهما (من بيت إلى بيت، أو) من (مجلس) إلى آخر (أو) من (صُفَّةٍ) إلى محل آخر (ونحوه) أي: نحو ذلك، بأن يفارقه (بحيث يُعدُّ مفارقًا له) في العُرف؛ لأن التفرُّق لم يَحدّه الشرع، فرجع فيه إلى ما يعدُّه الناس تفرُّقًا، كالحرز.

(و) إن كان البيع (في) دار (صغيرة) فالتفرُّق (بأن يصعد أحدهما السطح، أو يخرج منها.

وإن بُني بينهما) أي: بين المتبايعين وهما (في المجلس حائط من جدار، أو غيره، أو أرخيا بينهما سترًا) في المجلس (أو ناما) فيه (أو قاما) منه (فمضيا جميعًا ولم يتفرَّقا؛ فالخِيار) باق (بحاله) لبقائهما بأبدانهما بمحل العقد.

(1)

المغني (6/ 12) وانظر مسائل ابن هانئ (2/ 5) رقم 1189.

ص: 415

(و)

‌ إذا فارق أحدُهما صاحبه لزم البيع

(سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع، أو) قصد (حاجةً أخرى) رُوي عن ابن عمر "أنهُ كان إذا اشترى شيئًا يعجبهُ مشى خطواتٍ ليلزمَ البيعُ"

(1)

.

(لكن‌

‌ تحرم الفُرقة) من أحدهما (بغير إذن صاحبه، خشية فَسْخِ البيع)

لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (البائعُ والمبتاعُ بالخيارِ حتى يتفرَّقا، إلا أن يكونَ صفقةَ خيارٍ، ولا يحِلُّ له أن يفارقَ صاحبهُ خشيةَ أن يستقيلهُ" رواه النسائي والأثرم والترمذي وحسنه

(2)

. وما تقدم عن ابن عمر محمول على أنه لم يبلغه الحديث، ولو بلغه، ما

(3)

خالفه.

(1)

أخرجه البخاري في البيوع، باب 42، حديث 2107، ومسلم في البيوع حديث 1531 (45)، ولفظ البخاري: قال نافع: وكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه. ولفظ مسلم: قال نافع: فكان إذا بايع رجلًا، فأراد أن لا يقيله، قام فمشى هنية، ثم رجع إليه.

(2)

النسائي في البيوع، باب 11، حديث 4495، وفي الكبرى (4/ 10) حديث 6075، والترمذي في البيوع، باب 26، حديث 1247، والأثرم لعله رواه في سننه ولم تطبع. وأخرجه - أيضًا - أبو داود في البيوع والإجارات، باب 53، حديث 3456، وأحمد (2/ 183)، وابن الجارود (2/ 196)، حديث 620، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (13/ 271) حديث 5259، 5260، والدارقطني (3/ 50)، والبيهقي (5/ 271)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 17)، وحسَّنه الترمذي. وضعَّفه ابن حزم في المحلى (8/ 360). وقال ابن عبد البر: وقوله: "لا يحل" لفظة منكرة، فإن صحت، فليست على ظاهرها؛ لإجماع المسلمين أنه جائز له أن يفارقه لينفذ بيعه ولا يقيله إلا أن يشاء. . .".

(3)

في "ح": "لما".

ص: 416

فصل

القسم (الثاني) من أقسام الخيار (خِيار الشرط: وهو أن يشترطا في العقد أو بعده) أي: العقد (في زمن الخيارين) أي: خيار المجلس وخيار الشرط. و (لا) يصح إن اشترطاه (بعدَ لُزُومه) أي: العقد (مدةً معلومة) مفعول لـ "يشترطا" فيصحُّ الشرط (ويثبت) الخيار (فيها) أي: المدةِ المعلومة (وإن طالت) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمونَ على شروطهم"

(1)

. ولأنه حقٌّ مقدَّر يعتمد الشرط، فيرجع في تقديره إلى شرطه.

(فلو كان المبيع) بشرط الخيار مدةً معلومةً (لا يبقى إلى مُضيِّها، كطعام رطب، بِيعَ) أي: باعه أحدهما بإذن الآخر، أو الحاكم إن تشاحَّا (وحُفِظ ثمنه) إلى انقضاء المدة، كرهنه على مؤجل.

(وإن شرطه) أي: الخيار، بائعٌ (حِيلةً ليربح فيما أقرضه، حرُم نصًّا

(2)

) لأنه يتوصَّل به إلى قرض يَجرُّ نفعًا (ولم يصح البيع) لئلا يُتخذ ذريعةً للربا.

(فإن أراد أنْ يُقرِضَه شيئًا) وهو (يَخاف أن يذهبَ) بما أقرضه له (فاشترى منه شيئًا) بما أراد أن يقرضه له (وجَعَل له الخيار) مدة معلومة (ولم يُرد الحيلة) على الربح في القرض (فقال) الإمام (أحمد

(3)

: جائز. فإذا مات فلا خِيار لورثته) يعني: إذا لم يطالب به قبل موته.

(وقوله) أي: الإمام: "جائز"، (محمولٌ على مبيع لا ينتفعُ به إلا بإتلافه) كنقد، وبُرٍّ، ونحوهما (أو) محمولٌ (على أن المُشتري لا ينتفع

(1)

تقدم تخريجه (7/ 107) تعليق رقم (3).

(2)

المغني (6/ 47)، والفروع (4/ 83).

(3)

المغني (6/ 47).

ص: 417

بالمبيع مدَّةَ الخِيار) لكونه بيد البائع مدته (فـ) ــلا (يجرُّ قرضُه نفعًا) فلا حيلة يتوصَّل بها إلى محرَّم.

(ولا يصح الخِيار مجهولًا مثل أن يشترطاه أبدًا، أو مدةً مجهولةً) بأن قالا: مدة أو زمانًا

(1)

، أو مدة نزول المطر ونحوه (أو) أجَّلاه (أجلًا مجهولًا، كقوله) بعتُك ولك الخيار (متى شئت، أو شاء زيد، أو قدم) زيد (أو هبَّت الريح، أو نزل المطر، أو قال أحدهما: لي الخيار، ولم يذكر مدَّته، أو شرطا خيارًا، ولم يُعيِّنا مُدتَه، أو) شرطاه (إلى الحصاد، أو الجداد) ونحوه (فيلغو) الشرط (ويصحُّ البيعُ) مع فساد الشرط (وتقدم)

(2)

ذلك (في الباب قبلَه) وأنَّ لمن فات غرضه بسبب إلغاء الشرط الفسخَ.

(وإن شرطه) أي: الخيار (إلى العطاء) وهو القسط من الديوان (وأراد وقتَ العطاء، وكان) وقتُ العطاء (معلومًا؛ صحَّ) البيع والشرط، للعلم بأجله (وإن أراد نفسَ العطاء) أي: الوقت الذي يحصُل فيه العطاء بالفعل، دون الوقت المعتاد له عادة (فـ) ــهو (مجهولٌ) فيصح البيع، ويلغو الشرط؛ للجهالة.

(ولا يثبت) خيار الشرط (إلا في بيع) غير ما يأتي استثناؤه (و) إلا في (صُلح بمعناه) كما لو أقرَّ له بدين، أو عين، وصالحه بمال بشرط الخيار أمدًا معلومًا؛ لأنه بيع، هكذا هِبة بعِوض معلوم.

(و) كذا (إجارة في الذِّمة) بأن استأجره لخياطة ثوب، أو بناء حائط بشرط الخيار.

(1)

في "ذ" و"ح": "زمنًا".

(2)

(7/ 402).

ص: 418

(أو) إجارة (على مدة لا تلي العقدَ) بأن أجَّره ربيع الثاني في الأول مثلًا، بشرط الخيار أمدًا ينقضي قبل دخول الثاني، فيصح؛ لأن الإجارة نوع من البيع.

و (لا) يثبت خيار الشرط في إجارة عين (إن وَلِيَتْه) أي: وليت المدة العقد، بأن أجَّره شهرًا من الآن، فلا يصح شرط الخيار؛ لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها، أو إلى استيفائها في مدة الخيار، وكلاهما غير جائز.

(ويثبت) خيار الشرط (في قِسمة تراضٍ) وهي ما فيها ضرر، أو رد عِوض؛ لأنها نوعٌ من البيع.

و (لا) يثبت في قِسمة (إجبار) لأنها إفراز حق لا بيع (كما تقدَّم

(1)

في خيار المجلس.

وإن شرطاه) أي: الخيار (إلى الغَدِ لم يدخل الغَدُ في المدةِ) لأن "إلى" لانتهاء الغاية، وما بعدها يُخالف ما قبلها، كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}

(2)

(ويسقط) الخيار إذن (بأوَّله) أي: أول الغد، وهو طلوع فجره.

(و) إن شرطاه (إلى الظهر، أو) شرطاه إلى (صلاة الظهر) صحَّ؛ لأن معلوم و (يسقط) الخيار (بأول وقتها) أي: وقت صلاة الظهر؛ وهو الزوال (وإن شَرَطه) أي: الخِيار (إلى طلوع الشمس، أو إلى غروبها، صحَّ) الشرط؛ لأنَّه أَمَدٌ معلوم (كتعليق طلاقٍ وعِتقٍ عليهما) أي: على غروب الشمس وطلوعها.

(1)

(7/ 411).

(2)

سورة البقرة، الآية:187.

ص: 419

(فإن شكَّ في طلوعها، أو) شكَّ في (غروبها بغيم فـ) ــالخِيار باقٍ (حتى يتيقَّن) الطلوع أو الغروب؛ لأن الأصل بقاؤه.

(وإن جعله) أي: الخيار (إلى طلوعها) أي الشمس (من تحت السحاب) لم يصح، (أو إلى غيبتها تحته) أي: السحاب (لم يصح) شرط الخيار المذكور (لجهالته.

ولا يثبت) خِيار الشرط (في بيعٍ، القبضُ) لعوضيه أو أحدهما (شرطٌ لصحته، كصرفٍ، وسَلَمٍ ونحوهما) كبيع مَكيل بمكيل، وموزون بموزون؛ لأن موضوع هذه العقود على أن لا يبقى بين المتعاقدين عُلْقَةٌ بعد التفرق؛ بدليل اشتراط القبض، وثبوتُ خيارِ الشرط فيها يُبقي بينهما عُلَقًا، فلا يصح شَرْطه فيها.

(وإن شرطاه) أي: الخِيار (مُدةً) كعشرة أيام (على أن يثبت) الخِيار (يومًا ولا يثبت يومًا؛ صحَّ في اليوم الأول) لإمكانه (فقط) أي: فلا يصح فيما بعده؛ لأنه إذا لزم في اليوم الثاني لم يعد إلى الجواز.

(وإن شرطاه) أي: الخيار في العقد (مُدةً) معلومة (فابتداؤها من حين العقد) كأجل الثمن، لا من حين التفرُّق، وإن شرطاه بعد العقد زمن الخيارين، فابتداء المدة من حين شرطه.

(وإن شرطاه) في العقد على أن يكون ابتداؤه (من حين التفرُّق، لم يصح) الشرط (لجهالته) أي: الأَمَد، إذ لا يدريان متى يتفرَّقان.

(وإن شَرَطه) أي: شرط أحد المتعاقدين الخيار (لزيد، ولم يقل) المشترط: (دُوني) صح.

(أو) شَرَطه العاقد (له ولزيد؛ صحَّ) الشرط (وكان اشتراطًا) للخِيار (لنفسه، وتوكيلًا لزيد فيه) لأن تصحيح الاشتراط ممكن، فوجب حمله

ص: 420

عليه، صيانةً لكلام المكلَّف عن الإلغاء، وصار بمنزلة ما لو قال: أعتِقْ عبدك عنِّي.

(ويكون لكلِّ واحد من المشترط ووكيله الذي شَرَط له الخيار الفسخُ) أي: فسخ البيع مدة الخيار؛ لأن وكيل الشخص يقوم مقامه، غائبًا كان أو حاضرًا.

(وإن قال:) بشرط الخيار (له) أي: لزيد (دُوني؛ لم يصحَّ) الشرط؛ لأن الخيار شُرع لتحصيل الحظ لكلِّ واحد من المتعاقدين، فلا يصح جعلُه لمن لا حظ له فيه.

(ولو كان المبيع عبدًا) أو أَمَةً (فشَرَط) أحد المتعاقدين (الخيارَ له، صح) الشرط (سواء شَرَطه له البائع، أو المشتري) أو كلٌّ منهما، ويكون للمشترط أَصالة، وللمبيع توكيلًا منه، كما تقدم في الأجنبي.

(وإن قال) البائع: (بعتُك) كذا، أو قال المشتري: اشتريتُ منك كذا (على أن أستأمر فلانًا) أي: أستأذنه (وحَدَّ ذلك بوقت معلومٍ) كثلاثة أيام أو أكثر (صحَّ) الشرط، كأنه قال: بشرط الخيار كذا.

(وله) أي: للمشترط (الفَسْخُ قبل أن يستأمر) فلانًا، لملكه الخيار بالشرط.

(وإن شَرَطه) أي: الخيار (وكيلٌ) في البيع (فهو) أي: الخيار (لموكِّله) لأن حقوق العقد متعلقة بالموكِّل.

(وإن شَرَطه) الوكيل (لنفسه ثَبَت) الخيار (لهما) أي: للموكِّل؛ لأن حقوق العقد متعلِّقة به، ولوكيله لقيامه مقامه في البيع، وذلك من متعلقاته.

(وإن شَرَطه) الوكيل (لنفسه دون موكِّله) لم يصح الشرط، كما لو

ص: 421

شرطه أحد المتعاقدين لأجنبي دونه (أو) شرطه الوكيل (لأجنبي؛ لم يصحَّ) الشرط. وظاهره: ولو لم يقل: دُوني؛ لأن الوكيل ليس له أن يوكِّل في مثل ذلك.

(وأما خيار المجلس فيخصُّ الوكيل) حيث لم يحضر الموكِّل؛ لتعلِّقه بالمتعاقدين (فإن حضر الموكِّلُ في المجلس، وحَجَر) الموكِّل (على الوكيل في الخيار، رجعت حقيقة الخيار إلى الموكِّلِ) لأن حقوق العقد متعلِّقة بالموكِّل.

(وإن شَرَطا) أي: المتعاقدان (الخيار لأحدهما) من بائع أو مشتر (أو) شَرَطاه (لهما، ولو متفاوتًا) بأن شرطاه للبائع يومًا وللمشتري يومين مثلًا (صح) وكان على ما شرطا؛ لأنه حق لهما جُوِّز رفقًا يهما، فكيفما تراضيا به جاز.

(وإن اشترى شيئين) كعبد وأَمَةٍ (وشَرَط الخيارَ في أحدهما بعيْنه) دون الآخر (صح) الشرط، لما تقدم (فإن فسخ فيه) أي: في أحد المبيعين (البيعَ رجع بقسطه من الثمن) الذي وقع عليه العقد؛ لأن الثمن في مقابلة المبيع، فكل جزء منه في مقابلة جزء من المبيع، كما تقدم.

(وإن شَرَطاه) أي: الخيار (في أحدهما) أي: أحد المبيعين (لا بعينه) لم يصح (أو) شرطا الخيار (لأحد المتعاقدَين لا بعينه فـ) هو (مجهول لا يصح) شرطه، للجهالة.

(ولمن له الخيار الفسخُ من غير حضور صاحبِه ولا رضاه) لأن الفسخ على حَلِّ عقد جُعِل إليه، فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه، كالطلاق (أطلقه الأصحاب، وعنه) في رواية أبي طالب

(1)

: إنما يملك

(1)

الفروع (4/ 86).

ص: 422

الفسخ (بِرَدِّ الثمن إن فسخ البائع، وجزم به الشيخ

(1)

، كالشفيع. قال) الشيخ

(1)

: (وكذا التملُّكات القهرية، كأخذ الغِراس والبناء من المُستعير والمستأجر) بعد انقضاء مدة الإجارة (و) كأخذه (الزَّرع من الغاصِب) إذا أدركه ربُّ الأرض قبل حصاده.

(وقال في "الإنصاف": وهذا هو الصوابُ الذي لا يُعدل عنه، خصوصًا في زمننا هذا، وقد كَثُرت الحِيل) وهذا زمنه، فكيف بزمننا؟ (ويَحتمِل أن يُحمل كلام من أطلق على ذلك. انتهى.

وإن مضت المدةُ ولم يُفسخ) بالبناء للمفعول، أي: البيع (بطل خيارُهما) إن كان الخِيار لهما، أو خيار أحدهما، إن كان الخيار له وحده (ولَزم البيعُ) لأن اللزوم موجَب البيع، تخلَّف بالشرط، فإذا زالت مدته لزم العقد بموجبه؛ لخلوه عن المُعارض.

(وينتقل الملك في المبيع زمنَ الخيارين) السابقين (إلى المشتري، سواء كان الخيار لهما) أي: المتعاقدَين (أو لأحدِهما) أيهما كان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من باعَ عبدًا وله مال، فماله للبائعِ، إلا أن يشترطه المبتاعُ" رواه مسلم

(2)

. فجعل المال للمبتاع باشتراطه، وهو عام في كلِّ بيع، فشمل بيع الخيار، ولأن البيع تمليك بدليل صحته بقوله: ملكتُك، فثبت به الملك في بيع الخِيار كسائر البيع، يحققه: أن التمليك يدلُّ على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظُهُ، ودعوى القصور فيه ممنوعة، وجواز فَسْخه لا يوجب قصوره ولا يمنع نقل الملك فيه، كالمعيب،

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 185.

(2)

في البيوع، حديث 1543 (80) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه - أيضًا - البخاري في المساقاة، باب 17، حديث 2379.

ص: 423

وامتناع التصرُّف لأجل حق الغير لا يمنع ثبوت الملك، كالمرهون.

(فإن تَلِفَ) المبيع زمن الخيارين (أو نَقَص) بعيب (ولو قبل قَبْضِه) فمن ضمان مشترٍ (إن لم يكن مكيلًا ونحوَه) كموزون، ومعدود، ومذروع، بيع بذلك (ولم يَمنعه منه) أي: لم يمنع المشتري من القبض (البائعُ، أو كان) مبيعًا بكيل، أو وزن، أو عدٍّ، أو ذرع (وقَبَضَه مشترٍ) وتلف أو نقص زمنَ الخيارين (فـ) ـهو (من ضمانِه) أي: المشتري؛ لأنه ماله تلف بيده (ويبطُل خياره) أي: المشتري بتلف المبيع المضمون عليه، لاستقرار الثمن بذلك في ذِمته. وحيث قلنا: ينتقل الملك للمشتري (فيعتقُ) عليه (قَريبُه) كأبيه وأخيه، إذا اشتراه بمجرد العقد زمن الخيارين، وكذا من علَّق عتقه بشرائه، أو اعترف بحريته ثم اشتراه.

(وينفسخُ نكاحُه) أي:‌

‌ إذا اشترى أحد الزوجين الآخر، انفسخ النكاح

بمجرد العقد زمن الخيارين.

(ويُخْرِجُ) المشتري (فِطرته) أي: المبيع، إذا غربت الشمس آخر رمضان زمن الخيارين.

(ويَلزمُه) أي: المشتري (مؤنَةُ الحيوانِ، و) مؤنة (العبيدِ) بمجرد الشراء زمن الخيارين.

(ولو باع نِصابًا من الماشية) السائمة (بشَرْطِ الخيار حَوْلًا، زكَّاه المشتري) أمضى البيع أو الفسخ

(1)

، لمضي الحول وهو في ملكه.

وكذا لو كان النصاب من أثمان، أو عروض تجارة، اشتراها بنيَّة التجارة بشرط الخيار حولًا، زكَّاها له المشتري.

فإن اشترى حبًّا، أو ثمرة قبل بدوِّ صلاحها، وصحَّ بأن كان مالك

(1)

في "ذ": "فسخ".

ص: 424

الأصل بشرط الخيار مدة، فبدا صلاحها فيها، ثم فسخ العقد، فهل زكاته على المشتري؛ لأنه المالك وقتَ الوجوب، أو لا، لعدم الاستقرار؟ لم أرَ من تعرَّض له. ويتوجَّه: إن فسخ البائع، فلا زكاة على المشتري، كما لو تلف بغير فِعْلِهِ، وإن فسخ المشتري، فعليه زكاته، كما لو باعه.

(ويَحْنَثُ البائعُ إذا حلف أن لا يبيع) وباع بشرط الخيار.

وكذا يَحْنَث من حلف لا يشتري، فاشترى بشرط الخيار؛ لوجود الصفة.

(ولو باع مُحِلٌّ صيدًا بشرط الخيار، ثم أحْرَم) البائع (في مدته) أي: الخيار (فليس له الفَسْخُ) لأنه ابتداء تملك للصيد في حال الإحرام، وهو غير جائز، لما تقدم في محظوراته

(1)

، وتقدم هناك عكس المسألة.

(ولو باع المُلتقط اللُّقطة بعد الحول) وتعريفها فيه (ثم جاء ربُّها في مدة الخيار، وجب) على المُلتقط (فسخُ البيع، وردُّها إليه) أي: إلى مالكها، جزم به في "الكافي".

(ولو باعت الزوجةُ الصَّداق قبل الدُّخول بشرط الخيار، ثم طلَّقها الزوج) في مدة الخيار، ففي لزوم استردادها وجهان. قال في "الإنصاف":(فالأَولى عدم لزوم استردادها) انتهى. ولعل وجهه أنه سلَّطها على ذلك بالعقد معها، بخلاف ربِّ اللُّقطة مع المُلتقط؛ فإنه لم يحصُل بينهما عقد.

(ولو تعيَّب) المبيع (في مدة الخيار، لم يردَّ) المشتري المبيع (به) أي، بالعيب المذكور؛ لأنه حدث في ملكه (إلا أن يكون) المبيع (غيرَ مضمون على المشتري، لانتفاء القبض) كالمبيع بكيل، أو وزن، أو عدٍّ،

(1)

(6/ 152).

ص: 425

أو ذَرْعٍ، فله ردّه بعيبه الحادث بعد العقد، وقبل القبض، ويأتي.

(ولو باع أَمَةً بشرط الخيار، ثم فُسخ البيع، وجب على البائع الاستبراء) لتجدد ملكه لها (ولو استبرأها) أي: الأَمَة المبيعة بشرط الخيار (المشتري في مدة خياره) أو خيار البائع، أو خيارهما (كفاه) أي: المشتري (ذلك) الاستبراء، وإن كان في مدة الخيار؛ لأنه في ملكه.

(ولا يثبت) للشفيع (الأخذ بالشُّفعة في مدة الخيار) ولو قلنا بانتقال الملك للمشتري، لقصوره ومنعه من التصرُّف فيه باختياره، فلا يؤخذ منه حتى تمضي مدة الخيار.

(ولو باع أحدُ الشريكين) في عقار (شِقْصًا) بكسر الشين، أي: نصيبًا منه (بشرط الخِيار، فباع الشفيع حِصَّته في مدة الخيار استحقَّ المشتري الأول انتزاع) الـ (ــشِّقص المبيع) ثانيًا (من يد مشتريه؛ لأنه) أي: المشتري الأول (شريك الشفيعِ حالَ بيعه) وظاهره: سواء أمضى البيع الأول أو فسخ؛ لأن المُعتبر كونه شريكًا حال البيع وقد وُجِدَ ذلك. وأما البائع فلا شُفعة له على المشتري الأول لبيعه بعد علمه بشرائه، كما يأتي في الشُّفعة.

(ويَنتقل) الملك في (الثمن المعيَّن) إلى البائع (و) ينتقل الملك في الثمن (المقبوض إلى البائع زمن الخِيارين

(1)

) لما تقدم في انتقال المبيع إلى المشتري.

(فما حصل في المبيع من كَسْب، أو أُجرة، أو نماء منفصل، ولو من عينه) أي: عين المبيع (كثمرة، وولدٍ، ولبن، ولو) حصل ذلك (في يد بائع قبل قَبْضه) أي: قبض المشتري المبيع (وهو) أي: النماء

(1)

في "ذ": "الخيار".

ص: 426

المنفصل، والكسب من المبيع قبل قبضه (أمانةٌ عنده) أي: عند البائع، فلا يضمنه للمشتري إن تلف بغير تعدٍّ ولا تفريط، ولو كان المبيع نفسه مضمونًا قبل قَبْضه (فلمُشْترٍ) جواب:"فما حصل" أو خبره، أي: نماء المبيع زمن الخيارين وكسبه للمشتري (أمضيا) أي: العاقدان (العقد، أو فسخاه) لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لا من أصله، كما يأتي.

(والنَّماء المتصل) كالسِّمَن وتعلُّم الصنعة (تابع للمبيع) في الفسخ فيُرد معه (والحَمْل الموجود وقت العقد مبيع) لا نماء.

(فإذا) اشترى حاملًا و (وُلِدَ) بالبناء للمفعول، أي: الحمل (في مدة الخِيار، ثم ردَّها) المشتري (على البائع) بخيار الشرط (لزم ردُّه) لأن تفرُّق

(1)

المبيع ضررٌ على البائع، وإن ردَّها بعيب ردَّها بقسطها، كما في "المُنتهى"، كمن اشترى شيئين فوجد أحدَهما معيبًا، إلا أن تكون أمَةً، فيردّ معها ولدها ويأخذ قيمته.

فصل

(ويحرم تصرُّفُهمَا) أي: البائع والمشتري (في مدة الخيارين في ثمنٍ معيَّنٍ، أو) في ثمنٍ (كان في الذِّمة، ثم صار إلى البائع) لأنه ليس ملكًا للمشتري فيتصرف فيه، ولم تنقطع عُلَقُه عنه فيتصرَّف فيه البائع.

(و) يحرم تصرُّفُهما في مدة الخيارين (في مُثَمَّن) معيَّنٍ أو غير معيَّنٍ، ثم صار إلى المشتري لما تقدم (سواء كان الخيار لهما، أو لأحدهما) أيهما كان (أو لغيرهما) إن لم يشرط للغير وحده، وإلا،

(1)

في "ح": "تفريق".

ص: 427

ففاسد كما تقدم

(1)

(إلا إذا كان الخيار للمشتري وحدَه، وتصرَّف في المبيع) فينفذ تصرُّفُه، ويبطل خياره، وكذا لو كان الخيار للبائع وحده، وتصرَّف في الثمن، نفذ تصرُّفُه، وبطل خياره كالتي قبلها.

(وإلا بما تحصُل به تجربة المبيع) فلا يحرم (كركوب الدَّابة، لينظر سيرها، و) كـ (ـحَلْب الشاة، ليعلم قَدْرَ لبنها، و) كـ (ــالطحن على الرَّحى) ليعلم كيف طحنها (ونحو ذلك) مما تحصُل به تجربة المبيع.

(وإن كان الثمن في الذِّمة، وتصرَّف البائع فيه) زمن الخيارين (بحوالة) عليه (أو مقاصَّة) بأن قاصص به المشتري مما له عليه (لم يصح) تصرُّفُه فيه، حذرًا من إبطال حق المشتري، لكن يأتي أن المقاصَّة لا تتوقف على رضاهما.

(فإن تصرَّفَ المشتري) في المبيع (يبيع أو هِبةٍ أو نحوهما) كوقف (والخِيار له وحده) - جملة حالية من الفاعل - (نفذ تصرُّفُه وسقط خياره) لأن ذلك دليل رضاه، وإمضائه للبيع، وكذا تصرُّفُ بائعٍ في الثمن إن كان الخيار له وحده.

(وكذا إن كان) الخِيار، (لهما) أي: للبائع والمشتري، وتصرَّفَ المشتري بالعتق، نفذ تصرُّفُه، وبطل الخيار.

(أو) كان الخيار (للبائع وحدَه، وتصرَّف) المشتري (بالعتق) نفذ تصرُّفُه وبطل الخيار (كما يأتي).

وكذا إن كان الثمن عبدًا، وتصرَّف فيه البائع بالعتق.

(أو تصرَّف) المشتري في المبيع ببيع أو غيره زمن الخيارين (بإذن البائع، أو معه) بأن باعه السلعة التي كان اشتراها منه بشرط الخيار لهما،

(1)

(7/ 421).

ص: 428

أو لأحدهما، فيصح ويكون إمضاءً للبيع فيهما.

و (لا) ينفذ تصرُّف المشتري في المبيع (مع أجنبي) بأن باعه له زمن الخيارين (بلا إذنه) أي: إذن البائع لما تقدم، إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده، وتقدم.

(وإن تصرَّف البائع) في المبيع (لم ينفذ تصرُّفُه، ولو) كان (عِتقًا) لانتقال الملك عنه للمشتري (سواء كان الخيار له) أي: للبائع (وحدَه، أو لا) بأن كان للمشتري وحده أوْ لهما (إلا) إذا تصرَّفَ البائع في المبيع (بإذن مشترٍ) فيصحُّ (ويكون) إذن المشتري للبائع في التصرُّف (توكيلًا للبائع) في التصرُّف؛ لأن الوكالة تنعقد بكل ما أدَّى معناها.

(و) يكون تصرُّف البائع بإذن المشتري في المبيع (مُسقِطًا) لخياره، و (لخيار المشتري) كتصرُّف المشتري بإذن البائع.

(ووكيلهما) أي:‌

‌ وكيل البائع والمشتري (مثلهما) في جميع ما تقدم

؛ لأن فعل الوكيل كفعل موكله.

(وإذا لم ينفذ تصرّفهما) بأن تصرَّف أحدهما بغير إذن الآخر (فتصرُّف مشترٍ) ببيع ونحوه مبطِلٌ لخياره، وإن لم ينفذ تصرُّفه؛ لأنه دليل على رضاه.

(ووطؤُه) الأَمَة المبيعةَ بشرط الخيار (وقُبلتُه) لها (ولمسُه) إياها (لشهوة، وسَومُه) المبيع (إمضاءٌ) للبيع (وإبطالٌ لخياره) لما تقدم.

(ومتى بطل خياره بتصرُّفِهِ) أو وَطئه ونحوه ممَّا ذكر (فخيار البائع باقٍ بحاله) لعدم ما يبطله (إلا أن يكون) المشتري (تصرَّف بإذن البائع) أو معه (فيسقط) خياره - أيضًا - لما تقدم.

(وتصرُّف بائع) في المبيع (ليس فسخًا) للبيع، وتصرُّفُه في الثمن

ص: 429

إمضاء للبيع وإبطال للخيار.

(وإن استخدم المشتري) العبدَ (المبيعَ ولو بغير

(1)

استعلام، لم يَبْطُل خياره) لأن الخدمة لا تخص المِلك، فلم تُبْطِل الخيار، كالنظر.

(وكذلك إن قبَّلتْه الجاريةُ المبيعةُ، ولو لشهوة، ولم يمنعها، أو استدخلتْ ذكرَه) أي: المشتري (وهو نائم، ولم تَحبَل) لم يسقط خياره (كما لو قبَّلت البائع.

وإن أعتقه) أي: المبيعَ (المشتري، نَفَذ عتقه) لقوَّته وسرايته (وبطل خيارهما) لأن المشتري تصرَّف بما يقتضي اللزوم وهو العتق.

(وإن تَلِفَ المبيع قبل القَبْض، وكان) المبيع (مكيلًا) بِيعَ بكيل (ونحوه) كالمبيع بوزن، أو عَدٍّ، أو ذَرْع (بطل البيع) لما يأتي (وبطل معه الخيار) أي: خيار المجلس، أو الشرط، سواء كان لهما أو لأحدهما؛ لأن التالف لا يتأتى عليه الفسخ.

(وإن كان) تَلَفُ المَبيعِ بكيلٍ، أو وزن، أو عَدٍّ، أو ذرع (بعده) أو: بعد القبض، فهو من ضمان المشتري، ويبطل الخيار.

(أو) كان التَّلَف قبلَه أو بعدَه (فيما عدا مكيل ونحوه بطل - أيضًا - خيارهما) لما تقدم من أن التالف لا يتأتَّى عليه فَسْخ (وأما ضمان ذلك وعدمُه فيأتي آخرَ الباب) مفصَّلًا. (وَوَقْفُ المبيع) زمن الخيارين (كبيعٍ) فلا ينفذ من أحدهما إلا بإذن الآخر.

(وإن وطئ المشتري الجارية) زمن الخيارين (فأَحْبَلها، صارت أمَّ ولد له) لأنه صادف محلَّه؛ أشبه ما لو أحبلها بعد مضي مدة الخيار، وفي سقوط خيار البائع بإحبال المشتري الجارية

(1)

في الإقناع (2/ 206): "لغير".

ص: 430

روايتان

(1)

، فعلى عدم سقوط خياره، إذا فسخ، له قيمتُها لتعذُّر الفسخ فيها، ذكره في "شرح المنتهى".

قلت: قياس ما سبق في العتق، وتلف المبيع: سقوط خياره.

(وولدُه) أي: ولد المشتري (حرٌّ ثابت النَّسَب) لأنه من مملوكته، ولا تلزمه قيمتُه.

(وإن وطِئها) أي: المبيعة (البائع) زمن الخيارين (فعليه الحدُّ) لأن وطأه لم يصادف ملكًا، ولا شُبهة مِلْكٍ (إن عَلِمَ زوال ملكه) عن الجارية بالعقد (و) عَلِمَ (تحريم وطئه نصًّا

(2)

).

زاد في "المقنع" و"المنتهى" تبعًا لبعض الأصحاب: إذا عَلِمَ أنَّ البيع لا ينفسخ بوطئه، فإن اعتقد أنه ينفسخ بوطئه، فلا حدَّ عليه؛ لتمكُّن الشُّبهة. وقال أكثر الأصحاب: عليه الحدُّ إذا كان عالمًا بالتحريم، وهو المنصوص عن أحمد في رواية مُهنَّا

(3)

، وهو اختيار أبي بكر، وابن حامد، والأكثرين، قاله في "القواعد الفقهية"

(4)

، ذكره في "الإنصاف".

(وولدُه) أي: ولد البائع من المبيعة إذا وطئها زمن الخيارين (رقيقٌ لا يلحَقُه نَسبُه) لأنه وَطِئَ في ملك الغير (وعليه المهرُ، ولا تصير أمَّ ولدٍ له) لأنه وطَئها في غير ملكه.

(وقيل: لا حَدَّ عليه) أي: على البائع بوطئه المبيعة إذن مطلقًا؛ لأن وطأَه صادف ملكًا أو شُبهة ملك؛ للاختلاف في بقاء ملكه (اختاره جماعة) منهم الموفَّق، والشارح، والمجد في "محرره" والناظم

(1)

انظر: المغني (6/ 19).

(2)

الكافي (3/ 75)، والقواعد الفقهية ص/ 92، 409.

(3)

انظر المرجعين السابقين.

(4)

ص/ 409.

ص: 431

وصاحب "الحاوي" قال في "الإنصاف": وهو الصواب.

(وإن لم يَعلم) البائع زوالَ ملكه وتحريمَ وطئه (لَحِقَه النَّسبُ، وولدُه حرٌّ) للشبهة (وعليه قيمتُه) أي: الولد للمشتري؛ لأنه فوَّته عليه باعتقاده الإباحة، وتُعتبر القيمة (يومَ ولادته) لأنه أول وقت يتأتَّى فيه تقويمه.

(و‌

‌لا بأس بنَقْدِ الثمن، وقَبْض المبيع في مدَّةِ الخيار)

سواء كان خيار مجلسٍ أو شرطٍ (لكن لا يجوز التصرُّفُ) لواحد منهما (غيرَ ما تقدم) تفصيله (ويأتي في الباب آخر الخيار السابع لذلك تتمة.

ومن مات منهما) أي: البائع والمشتري (بطل خياره وحده، ولم يُورَث) لأنه حقُّ فسخٍ لا يجوز الاعتياض عنه، فلم يُورَث كخيار الرجوع في الهبة (إن لم يكن طالبَ به قبلَ موته، فإن طالب به قبلَ موته، وُرِثَ كشُفعة وحَدِّ قذفٍ) قال أحمد

(1)

: الموت يبطل به ثلاثة أشياء: الشُّفعة، والحَدّ إذا مات المقذوف، والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار. لم تكن للورثة هذه الثلاثة أشياء، إنما هي بالطلب، فإذا لم يطلب، فليس يجب إلا أن يشهد: إني على حق

(2)

من كذا وكذا، وإني قد طلبته، فإن مات بعده كان لوارثه الطلب به، ولا يشترط ذلك في إرثِ خيارٍ غيرِ خيار الشرط.

(وإن جُنَّ) من اشترط الخيار (أو أُغمي عليه؛ قام وليُّه مقامَه) كخيار المجلس وفيه ما تقدم

(3)

. و- أيضًا - فالمُغمى عليه لا تثبت عليه

(1)

طبقات الحنابلة (1/ 139)، والمغني (7/ 510)، وانظر مسائل أبي داود ص/ 203.

(2)

في "ح" و"ذ": "حقي".

(3)

(7/ 414).

ص: 432

الولاية لأحد (وإن خَرِسَ فلم تُفهم إشارته فـ) ـهو (كمجنون) على ما تقدم

(1)

. وإن فُهمت إشارته قامت مقام نُطقه.

(فإن مات) أحدُهما (في خيار المجلس بَطَلَ خياره وخيار صاحبه - كما تقدم - ولم يُورَث) خيار المجلس.

فصل

القسم (الثالث) من أقسام الخيار: (خيار الغَبْن) بسكون الباء مصدر، غَبَنه، من باب ضَرَب، إذا خدعه.

(ويثبت) خيار الغَبْنِ (في ثلاث صور:

إحداها: إذا تلقَّى الرُّكبان، وهم) جمع راكب، وهو في الأصل راكب البعير، ثم اتَّسع فيه، فأُطلِق على كل راكب، والمراد بهم هنا:(القادمون عن السفر بِجَلُوبة - وهي ما يُجلب للبيع - وإن كانوا مشاةً) قال في "الرعاية": يُكره تلقِّي الركبان، وقيل: يحرم، وهو أَولى.

(ولو) كان تلقيهم (بغير قَصْدِ التلقِّي) لهم (فاشترى منهم، أو باعهم شيئًا، فلهم الخيار، إذا هبطوا السوق، وعلموا أنهم قد غُبنوا غَبنًا يَخرج عن العادة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقّوا الجلبَ، فمن تلقَّاهُ فاشترى منهُ، فإذا أتى السُّوق، فهو بالخيارِ" رواه مسلم من حديث أبي هريرة

(2)

.

وثبوت الخيار لا يكون إلا في صحيح

(3)

، والنهي لا يرجع لمعنًى

(1)

(7/ 414).

(2)

في البيوع، حديث 1519، وفيه:"فإذا أتى سيِّدُهُ". وأخرجه البخاري في البيوع باب 71، حديث 2162 مختصرًا بلفظ:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التلقي".

(3)

أي: في بيع صحيح.

ص: 433

في البيع، وإنما

(1)

لضرب من الخديعة يمكن استدراكه بالخيار؛ أشبه المُصرَّاة

(2)

.

(الثانية: في النَّجْش: وهو أن يزيدَ في السلعةِ مَن لا يُريد شراءَها) من نَجَشْت الصيد إذا أَثَرْتَه، كأن النَّاجش يثيرُ كثرة الثمن بنَجْشه.

(وهو) أي: النَّجْش (حرامٌ لما فيه من تغرير المشتري، وخديعته) فهو في معنى الغش.

(ويثبت له) أي: للمشتري بالنَّجْش (الخيارُ، إذا غُبِنَ الغَبْن المذكور) كالصُّورة الأُولى.

قال في "المبدع": وظاهره أنه لا بُدَّ من حَذْق الذي زاد فيها؛ لأن تغرير المشتري لا يحصلُ إلا بذلك، وأن يكون المشتري جاهلًا، فلو كان عارفًا، واغترَّ بذلك، فلا خيار له؛ لعجلته وعدم تأمله.

(ولو) كانت زيادة من لا يريد شراء (بغير مواطأة عن البائع) لمن يزيد فيها (أو) كان البائع (زاد) في الثمن (بنفسه) والمشتري لا يعلم ذلك، لوجود التغرير (فيُخيّر) المشتري (بين رَدِّ المبيع (وإمساكـ) ـه.

(قال ابن رجب في "شرح") الأربعين (النواوية

(3)

: ويُحطُّ ما غُبن به من الثمن) أي: يُسقط عنه، ويرجع به إن كان دَفعَه (ذكره الأصحاب.

قال المُنقِّح: ولم نره لغيره، وهو قياس خيار العيب والتدليس، على قول. انتهى) كلام المُنقِّح (اختاره) أي: القول في التدليس (جمعٌ)

(1)

في "ح" زيادة: "يعود".

(2)

المصرَّاة هي الشاة التي تُصَرُّ أخلافها، ولا تحلب أيامًا، حتى يجتمع اللبن في ضرعها، فإذا حلبها المشتري استغزرها. انظر: المطلع على أبواب المقنع ص/ 236.

(3)

"جامع العلوم والحكم"(2/ 264).

ص: 434

منهم: أبو بكر في "التنبيه"، وصاحب "المُبهج" و"التلخيص" و"الترغيب" و"البُلغة"، و"الرعاية الصغرى"، و"الحاوي الصغير"، و"تذكرة ابن عبدوس".

(ومن النَّجْش) قول بائع سلعة: (أُعطيتُ فيها كذا، وهو كاذب) فيثبت للمشتري الخيار؛ لتغريره.

وكذا لو أخبر أنه اشترى السلعة بكذا، وهو زائد عمَّا اشتراها به؛ فلا يبطل البيع، وللمشتري الخيار على الصحيح، ذكره في "الإنصاف".

(الثالثة: المُسْتَرْسِل، وهو) اسم فاعل من استرسل: إذا اطمأن واستأنس، والمراد هنا (الجاهل بالقيمة، من بائعٍ ومشترٍ، ولا يُحسن يماكس

(1)

، فله الخيار إذا غُبنَ الغبنَ المذكور) أي: الذي يخرج عن العادة؛ لأنه حصل لجهله بالمبيع، فثبت له الخيار كما سبق.

(ويُقبل قوله مع يمينه أنه جاهل بالقيمة) لأنه الأصل (ما لم تكن قرينةٌ تكذّبه) في دعوى الجهل، فلا تُقبل منه.

وقال ابن نصر الله: الأظهر احتياجه، يعني في دعوى الجهل بالقيمة إلى بينةٍ؛ لأنه لبس مما نتعذَّر إقامة البينة به.

(وأما مَن له خبرة بسعر المبيع، ويدخل على بصيرة بالغَبْن، ومن غُبن لاستعجاله في البيع، ولو توقَّف) فيه (ولم يستعجل، لم يُغبن، فلا خيار لهما) لعدم التغرير.

(وكذا إجارة) يثبت فيها خيار الغَبْن، إذا جهل أجرة المثل، ولم يُحسِن المماكسة فيها.

(1)

تماكسا في البيع: تشاحَّا. وماكسه: شاحَّه. القاموس المحيط ص/ 742 مادة (مكس).

ص: 435

(فإن فَسَخ) المغبون (في أثنائها) أي: أثناء مدة الإجارة (كان الفسخ رفعًا للعقد من أصله) وسيأتي: أن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ، لا من أصله (ويرجع المُؤْجِر) إن كان هو الفاسخ (على المستأجر بالقسط من أجرة المِثل، لا) بالقسط (من المُسمَّى) في الإجارة؛ لأنه لو رجع عليه بذلك، لم يستدرك ظُلامة الغَبْن؛ لأنه يلحقه فيما يلزمه من ذلك لمدته، ويفارق ما لو ظهر على عيب في الإجارة، ففَسخ، أنه يرجع عليه بقسطه من المُسمَّى؛ لأنه يستدرك ظلامته بذلك؛ لأنه يرجع بقسطه منها معيبًا، فيرتفع عنه الضرر بذلك. قال المجد: نقلته من خط القاضي، على ظَهر الجزء الثلاثين من "تعليقه".

(وإن كان) المؤجِر (قَبض الأجرة) من المستأجر، ثم فسخ (رجع عليه) أي: على المؤجِر (مستأجر بالقسط من المُسمَّى من الأجرة في المستقبل) الباقي من مدة الإجارة (و) رجع عليه أيضًا (بما زاد عن أجرة المِثْلِ في الماضي، إن كان هو المغبون.

وإن كان) المغبون هو (المؤجِر، فـ) ــإنه يرجع (بما نقص عن أجرة المثل في الماضي) لما تقدم

(1)

.

(والغَبْن مُحرَّم) لأنه تغرير وغش (والعقد صحيح فيهن) أي: في الصور الثلاث، لما تقدم في تلقِّي الركبان.

(وغَبْن أحد الزوجين في مهر مِثْلٍ) بأن تزوَّجها بأقل منه أو أكثر (لا فَسْخ فيه) للمغبون (فليس كبيع) لأن المهر ليس ركنًا فيه.

(ويَحرم) على بائع (تغرير مشترٍ، بأن يَسُومَهُ كثيرًا، ليبذل قريبًا

(1)

(7/ 435).

ص: 436

منه) لأنه في معنى الغش (ذكره الشيخ

(1)

.

وهو) أي:‌

‌ خيار الغَبْن (كخيار العيب، في الفورية وعدمها)

ويأتي أنَّه على التراخي، لا يسقط إلا بما يدل على رضاه.

(ومن قال عند العقد: لا خِلابة) بكسر الخاء (أي: لا خديعة) ومنه قولهم: "إذا لم تَغلِبْ فَاخلُبْ

(2)

" (فله الخيار، إذا خُلب) أي: غُبن (نصًّا)

(3)

لما رُوي: أن رجلًا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنهُ يُخدعُ في البيوع، فقال له:"إذا بايعتَ، فقل: لا خلابةَ" متفق عليه

(4)

.

و‌

‌للإمام جَعْل علامة تنفي الغَبْن عمَّن يُغبن كثيرًا.

فصل

القسم (الرابع) من أقسام الخيار: (خِيار التدليس) من الدُّلْسَة؛ وهي الظُّلمة.

(فِعْلُه) أي: التدليس (حرامٌ للغُرور.

والعقد) معه (صحيح) لحديث المصرَّاة الآتي، حيث جعل له الخيار، وهو يدلُّ على صحة البيع.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 186.

(2)

معناه: إذا لم تدرك الحاجة بالغلبة والاستعلاء، فاطلبها بالرفق والمداراة، وأصل الخلابة الخداع. جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري (1/ 66).

(3)

المغني (6/ 45 - 46)، والمبدع (4/ 80).

(4)

البخاري في البيوع، باب 48، حديث 2117، وفي الاستقراض، باب 19، حديث 2407، وفي الخصومات، باب 3، حديث 2414، وفي الحيل، باب 7، حديث 6964، ومسلم في البيوع، حديث 1533، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 437

(ولا أَرْش فيه) أي: في خيار التدليس، بل إذا أمسك فمجَّانًا؛ لأن الشارع لم يجعل له فيه أَرْشًا (في غير الكتمان) أي: كتمان العيب، ويأتي حكمه.

(وهو) أي:‌

‌ التدليس (ضربان:

أحدهما: كِتمان العيب.

والثاني: فِعلٌ يزيد به الثمن) وهو المراد هنا (وإن لم يكن عيبًا؛ كتحمير وَجْهِ الجارية، وتسويد شعرها، وتجعيده، وجَمْع ماء الرَّحى وإرساله عند عَرْضها) للبيع؛ ليزيد دورانها بإرسال الماء بعد حبسه، فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في الثمن (وتحسين وَجْهِ الصُّبرة، وتصنُّعِ النَّسَّاج وجهَ الثوب، وصِقَال الإسكاف وجهَ المتاع) الذي يداس فيه (ونحوه، وجَمعِ اللَّبَنِ في ضرع بهيمة الأنعام) أو غيرها (وهو) أي: جمعُ اللبن في الضرع (التصريةُ) مصدر: صرَّى يُصرِّي، كعلَّى يُعلِّي، ويقال: صَرَى يصري، كرمى يرمي. قال البخاري

(1)

: أصل التصرية حبس الماء.

والضرع لذوات الظِّلف والخفِّ، كالثدي للمرأة، وجمعُه ضروع كفَلْس وفلوس، قاله في "حاشيته".

(فهذا) المذكور من التدليس (يُثبِتُ للمشتري خيارَ الرد، إن لم يعلم به، أو الإمساك) لحديث أبي هريرة يرفعه: "لا تُصرُّوا الإبلَ والغنم، فمن ابتاعها فهو بخيرِ النَّظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكَ، وإن شاء ردَّها، وصاعًا من تمرٍ" متفق عليه

(2)

.

(1)

في البيوع، باب 64، قبل حديث 2148.

(2)

البخاري في البيوع، باب 64، حديث 2148، ومسلم في البيوع، حديث 1515 =

ص: 438

وغير التصرية من التدليس ملحقٌ بها.

(وكذا لو حصل ذلك) التدليس (من غير قَصْدِ) البائع (كحُمْرة وَجْهِ الجارية بخَجَلٍ، أو تعبٍ ونحوهما) لأن عدم القصد لا أثر له في إزالة ضرر المشتري.

(ولا يَثبُتُ) الخيار (بتسويد كفِّ عبد و) تسويد (ثوبه ليظنَّ أنه كاتب، أو حداد) لتقصير المشتري، إذ كما يحتمل أن يكون كذلك، يحتمل أن يكون كلامًا لأحدهما.

(ولا) خيار (بِعَلْف شاة أو غيرها ليظن أنها حامل) لأن كبر البطن لا يتعين للحمل.

(ولا) خيار (بتدليس ما لا يَختلف به الثمن؛ كتبييض الشعر وتسبيطه

(1)

) لأنه لا ضرر على المشتري في ذلك (أو كانت الشاة عظيمة الضرع خِلْقَة، فظنَّها كثيرة اللَّبَن) فلا خيار؛ لعدم التدليس.

(وإن تصرَّف) المشتري (في المبيع بعد علمه بالتدليس، يطل ردُّه) لتعذُّره.

(ويَرُدُّ) المشتري (مع المُصرَّاة في) أي: من (بهيمة الأنعام عِوضَ اللبن الموجود حال العقد - ويتعدَّدُ

(2)

بتعدُّدِ المُصرَّاة - صاعًا من تمر) لحديث أبي هريرة

(3)

(سَليم) لأن الإطلاق يحمل عليه (ولو زادت قيمتُه)

= (11) وحديث 1524.

(1)

السَّبط من الشعر: نقيض الجعْد، وهو المسترسل الذي لا اعوِجَاج فيه. انظر: تاج العروس (19/ 327)، مادة (سبط).

(2)

في "ح" و"ذ" زيادة "الصاع".

(3)

تقدم تخريجه (7/ 438) تعليق رقم (2).

ص: 439

أي: قيمة صاع التمر (على المُصرَّاة، أو نقصت) قيمته (عن قيمة اللَّبَن) لعموم الحديث.

(ف‌

‌إن لم يجد) المشتري (التمر فـ) عليه (ــقيمته موضعَ العقد)

لأنه بمنزلة ما لو أتلفه.

(واختار الشيخ) تقي الدين

(1)

: (يُعتبر في كل بلد صاعٌ من غالب قُوتِه) لأن التمر غالب قوت الحجاز إذ ذاك، واحترز بقوله:"الموجود حال العقد" عما تجدد بعده، فلا يلزمه ردُّه، ولا ردُّ بدله؛ لأنه حدث على ملكه.

(فإن كان اللبن باقيًا بحاله بعد الحَلْب لم يتغير) بحموضة ولا غيرها (ردَّه) المشتري (ولزم) البائع (قَبوله، ولا شيء عليه) لأن اللبن هو الأصل، والتمر إنما وجب بدلًا عنه، فإذا رَدَّ الأصل، أجزأ كسائر الأصول مع مبدلاتها.

(كردِّها) أي: المُصرَّاة (قبل الحَلْب، وقد أقرَّ له) البائع (بالتصرية، أو شَهِدَ به) أي: بالمذكور من التصرية (من تُقْبَل شهادته) فإن لم يقر البائع بالتصرية، ولم يشهد بها من تُقبل شهادته، لم يمكن الرد قبل الحَلْب.

(وإن تغيَّر اللبن بالحموضة) أو غيرها (لم يلزم البائع قَبوله) لأنه نَقَصَ في يد المشتري، فهو كما لو أتلفه.

(وإن رضي) المشتري (بالتصرية، فأمسكها) أي: المصرَّاة (ثم وجد بها عيبًا، ردَّها به) لأن رضاه بعيب لا يمنع الرد بعيب آخر (ولزمه) أي: المشتري (صاع التمر عِوض اللبن) الذي حَلَبه منها لما تقدم.

(1)

انظر مجموع الفتاوى (20/ 558)، (25/ 69).

ص: 440

(ومتى علم) المشتري (التصرية، خُيِّر ثلاثة أيام - منذ علم - بين إمساكها بلا أَرْش، وبين ردِّها مع صاع تمر، كما تقدم) لقوله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى مُصرَّاة، فهو فيها بالخيارِ ثلاثةَ أيام، إن شاءَ أمسكها، وإن شاء ردَّها، وردَّ معها صاعًا من تمرٍ" رواه مسلم

(1)

.

(فإن مضت) الثلاثة أيام (ولم يَرُدَّ) المشتري المُصرَّاة (بطل الخيار) لانتهاء غايته، ولزم البيع.

(وخيارُ غيرها) أي: غير المُصرَّاة (من التدليس على التراخي، كخيار عيب) بجامع أن كلًّا منهما ثبت لإزالة ضرر المشتري.

(وإن صار لبنُها) أي: المُصرَّاة (عادة) سقط الردُّ؛ لأن الخيار ثبت لدفع الضرر، وقد زال. (أو زال العيب) من المبيع (لم يملك) المشتري (الردّ في قياس قوله) أي: الإمام

(2)

(إذا اشترى أَمَةً مزوَّجة فطلَّقها الزوج) أي: بائنًا، ذكره في "الفصول". قال في "الإنصاف": ولعله مراد النصِّ والمذهب، (لم يملك) المشتري (الردَّ) لزوال الضرر، فإن طُلقت رجعيًّا، لم يسقط الرد؛ لأنها في حكم الزوجات.

(وإن كانت التصرية في غير بهيمة الأنعام) كالأَمَة والأتان (فله) أي: المشتري (الردُّ مجانًا) أي: من غير عوض عن اللبن؛ لأنه لا يُعتاض عنه عادة، قال في "الفروع": كذا قالوا، وليس بمانع، وقال المنقِّح: بل بقيمة ما تلف من اللبن. يعني: إن كان له قيمة.

(1)

في البيوع، حديث 1524، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (11/ 361)، والمبدع (8/ 83).

ص: 441

‌فصل

القسم (الخامس) من أقسام الخيار (خيار العَيْب.

وهو) أي: العيب (نقص عين المبيع - كخصاء - ولو لم تنقص به القيمة بل زادت، أو نَقْصُ قيمته عادة في عُرف التجار) وإن لم تنقص عينه (و) قال (في "الترغيب" وغيره): العيب (نقيصة يقتضي العُرف سلامة المبيع عنها) غالبًا.

ثم شرع في تعداد ما يُنقِص الثمن، فقال:(كمرض) على جميع حالاته (وذهاب جارحة) من نحو يد أو رجل (أو) ذهاب (سنٍّ من كبير) أي: ممن ثُغِر

(1)

ولو آخر الأضراس (أو زيادتها، كالإصبع الزائدة أو الناقصة، والعَمى، والعَور، والحَول، والخَوص) يقال: رجل أخوص، أي: غائر العين (والسَّبَل، وهو زيادة في الأجفان، والطَّرش، والخَرس، والصمم، والقرع، والصُّنان، والبَخر في الأَمَة والعبد، والبَهق، والبرص، والجذام، والفالج، والكَلَف، والعَفل، والقَرن، والفَتْق، والرَّتَق) وسيأتي معناها في النكاح.

(والاستحاضة، والجنون، والسعال، والبُحَّة، وكثرة الكذب، والتخنيث، والتزويج في الأَمَة، والدَّين في رقبة العبد والسيدُ مُعسِرٌ) جملة حالية، فإن كان موسرًا، فلا فسخ للمشتري، ويتبع ربُّ الدين البائع (والجنايةِ الموجِبةِ للقَوَد) في النفس أو ما دونها.

(وكونه خُنثى) ولو متضحًا.

(1)

ثُغِرَ كعُني، دُقَّ فمُه، كأُثْغِرَ، وسقطت أسنانُه أو رواضعه فهو مثغور. القاموس المحيط ص/ 359، مادة:(ثغر).

ص: 442

(والثآليل، والبثور، وآثار القروح، والجروح والشِّجاج، والجُدد) أي: جفاف اللبن، ومنه الجَدَّاء، وهي الجدباء، ما شاب ونشف ضرعها (والحَفَر، وهو وسخ يركب أصولَ الأسنان، والثُّلُوم فيها) أي في الأسنان (والوَسْم، وشامات) في غير موضعها (ومحاجم في غير موضعها، وشَرْطٍ يشِينُ) أي: يعيب (وإهمال الأدب والوقار في أماكنهما نصًّا

(1)

، ولعل المراد في غير الجَلَب والصغير) قاله في "الإنصاف".

(والاستطالة على الناس، والحُمْق من كبير فيهما) أي: في الاستطالة والحُمْق (وهو) أي: الحُمْق (ارتكاب الخطأ على بصيرة) اقتصر على ذلك في "الإنصاف" و"المنتهى" وغيرهما، وقوله:(يظنه صوابًا) فيه نظر؛ لأن ظنَّه صوابًا ينافي ارتكابه على بصيرة، إلا أن يحمل على ما إذا تلبس به ابتداء يظنه صوابًا، ثم تبين له خطؤه فأتمَّه على بصيرة.

(وزِنى من بلغ عشرًا فصاعدًا، عبدًا كان أو أَمَة) لأنه ينقص قيمته، ويقلل الرغبة فيه، قال في "المبدع": وقولهم: ويعرضه لإقامة الحد؛ ليس بجيد، وظاهره سواء تكرر منه ذلك أو لا، وصرَّح جماعةٌ: لا يكون عيبًا إلا إذا تكرر.

(ولِواطِه) أي: من بلغ عشرًا (فاعلًا ومفعولًا) به.

(وسَرِقته، وشربه مسكرًا، وإباقه، وبوله في فراش) وعُلم منه أن ذلك ليس بعيب في الصغير؛ لأنَّ وجوده يدل على نقصان عقله، وضعف بنيته، بخلاف الكبير فإنه يدل على خبث طويته، والبول يدل على داء في بطنه.

(1)

الإنصاف (4/ 406).

ص: 443

(و) كـ (ــحمل الأَمَة، دون البهيمة، زاد في "الرعاية" و"الحاوي": إن لم يضر باللحم) وتقدم. (و) كـ (ــعدم خِتان) ذَكَرٍ (كبير) و (لا) يكون عدم الختان عيبًا (في أنثى، و) لا في (صغير) لأنه الغالب.

(وكونه أعسر لا يعمل باليمين عمَلَها المُعتاد) فإن عمل بها أيضًا؛ فليس بعيب.

(و) كـ (ــتحريم عام) غير خاصٍّ بالمشتري (كأَمة مجوسية، بخلاف أُخته من الرضاع، وحَماته ونحوهما) كموطوءة أبيه أو ابنه.

(وكون الثوب غير جديد، ما لم يظهر عليه أثر الاستعمال) فإن ظهر؛ فالتقصير من المشتري.

(و) كـ (ــالزرع والغَرْس) في الأرض لا الحرث (و) كـ (ــالإجارة، أو في المبيع ما يمنع الانتفاعَ به غالبًا؛ كسَبُع أو نحوه، في ضيعة أو قرية، أو حيَّة ونحوها في دار أو حانوت، والجارِ السوء قاله الشيخ

(1)

، وبقٍّ ونحوه غير معتاد بالدار.

واختلاف الأضلاع والأسنان، وطول أحد ثديي الأُنثى، وخَرْم شُنُوفها) جمع شَنْف، كفُلُوس وفَلْس؛ وهو القُرطُ الأعلى. ذكره في "الصحاح"

(2)

فهو على حَذْف مضاف. وفي نسخة: شفوفها، وليس بمناسب هنا؛ لأن الشف: ستر رقيق.

(و) كـ (ــأكل الطين) لأنه لا يطلبه إلا من به مرض.

(والوَكَع، وهو إقبال الإبهام على السبابة من الرِّجل، حتى يرى أصلها خارجًا كالعقدة.

(1)

الاختيارات الفقهية ص/ 187.

(2)

(4/ 1383).

ص: 444

وكون الدَّار ينزلها الجند) أي: صارت منزلًا لهم، لما في ذلك من تفويت منفعتها زمنَ نزولهم فيها.

(وليس الفسق من جهة الاعتقاد) عيبًا؛ لأنه إذا لم يملك الفسخ بالكفر، فبهذا أَولى، وكذا الفسق بالأفعال غير ما تقدم.

(و) ليس (التغفيل عيبًا) لأن الغالب على الرقيق عدم الحذق (وكذا الثيوبة، ومعرفة الغناء، والحجامة، وكونه ولدَ زِنى، وكون الجارية لا تُحسن الطبخ ونحوه، أو لا تحيض، والكفرُ، وعُجْمةُ اللسان) لأنه الغالب في الرقيق (والفأفاءُ) الذي يكرر الفاء (والتمتام) الذي يكرر التاء، وكذا باقي الحروف (والأرتُّ) تقدم في الإمامة

(1)

(والقرابة، والألثغ) وتقدم في الإمامة

(2)

(والإحرام) إنْ ملك تحليله (والصيام، وعدة البائن) ليست عيبًا (لا) عدة (الرجعية) فهي عيب، لأنها في حكم الزوجات.

(ومن العيوب: عثرة المركوب وكَدْمُه) أي: عضه بأدنى فمه، يقال: كدم من باب ضرب وقتل (ورَفْسُه، وقوة رأسه، وحَرَنُه، وشموسُه) أي: استعصاؤه. قال في "حاشيته": ولا يقال بالصاد.

(و) من العيوب (كيه، أو) كون (بعينه ظَفَرَةٌ

(3)

، أو بأُذنه شق قد خِيَطَ، أو بِحَلْقه نَغانِغ) وهي لَحَمات تكون في الحَلْق عند اللهاة، واحدها: نُغنُغ، بالضم. قاله في "الصحاح"

(4)

(أو غُدة، أو عقدة، أو به زَوَرٌ، وهو) أي: الزور (نتوء) أي: ارتفاع (الصدر عن البطن، أو بيده أو

(1)

(3/ 209).

(2)

(3/ 211).

(3)

الظَفَرة: بفتح الظاء والفاء؛ لحمةٌ تنبت عند المآقي، وقد تمتدُّ إلى السواد فتغشِّيه. النهاية (3/ 158).

(4)

الصحاح (4/ 1328).

ص: 445

رجله شقاق، أو بقدمه فَدَع، وهو نتوء وسط القدم) وقال في "الصحاح"

(1)

: رجلٌ أفدعُ: بيِّن الفَدَع، وهو المعوجُّ الرسغ من اليد أو الرِّجْل (أو به دَخَسٌ، وهو ورم حول الحافر، أو خروج العرقوب في الرِّجْلين عن قدم، في) الرِّجْل (اليمين أو الشمال، وهو الكَوَعُ) وفي "الإنصاف": الكوع انقلاب أصابع القدمين عليهما (أو بعقبيهما) أي: الرجلين (صَكَك؛ وهو تقاربهما، أو بالفرس خَيَفٌ؛ وهو كون إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء، أي: سوداء).

فصل

(فمن اشترى معيبًا لم يعلم) حالَ العقد (عيبه، ثم علم بعيبه) فله الخيار، سواء (علم البائع بعيبه فكتمه) عن المشتري (أو لم يعلم) البائع بعيبه (أو حدث به) أي: بالمبيع (عيب بعد عَقْدٍ وقبل قبضٍ فيما ضمانه على بائع، كمكيل، وموزون، ومعدود، ومذروع) بيع بدلك (و) كـ (ثمر على شجر، ونحوه) كمبيع بصفة، أو رؤية متقدمة (خُيِّر) المشتري (بين رَدٍّ) استدراكًا لما فاته، وإزالة لما يلحقه من الضرر في بقائه في ملكه ناقصًا عن حقه (وعليه) أي: المشتري إذا اختار الرد (مؤنة رَدِّه) إلى البائع؛ لحديث: "على اليد ما أَخَذَتْ حتى تؤديه"

(2)

(و) إذا رَدَّه (أخذ

(1)

الصحاح (3/ 1256).

(2)

أخرجه أبو داود في البيوع والإجارات، باب 90، حديث 3561، والترمذي في البيوع، باب 39، حديث 1266، والنسائي في "الكبرى"(3/ 411) حديث 5783، وابن ماجه في الأحكام باب 45، حديث 2400، وابن أبي شيبة (6/ 146)، وأحمد (5/ 8، 12، 13)، والدارمي في البيوع، باب 56، حديث 2599، وابن الجارود (3/ 275) حديث 1024، والروياني في مسنده (2/ 41، 49) حديث 784، 808، =

ص: 446

الثمن كاملًا) لأن المشتري بالفسخ استحق استرجاع جميع الثمن (حتى ولو وهبه) البائع (ثمنه) أي: ثمن البيع (أو أبرأه منه) أي: من الثمن كله أو بعضه، ثم فسخ؛ رجع بكل الثمن، كزوج طَلَّق قبل دخول بعد أن أبرأته من الصداق أو وهبته له؛ فإنه يرجع بنصفه (وبين إمساكِ) المبيع (مع أرش) العيب (ولو لم يتعذَّر الرَّد، رضِي البائعُ) بدفع الأرْش (أو سَخِط) به؛ لأن المتبايعين تراضيا على أن العِوض في مقابلة المعوَّض؛ فكل جزء من العِوض يقابله جزء من المعوَّض، ومع العيب فات جزء منه، فيرجع ببدله وهو الأَرْش.

وهل يأخذ الأَرْش من عين الثمن، أو حيث شاء البائع؟ فيه احتمالان، وصحَّح ابن نصر الله الثاني في باب الإجارة.

قال في "تصحيح الفروع": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.

= والطبراني في الكبير (7/ 208) حديث 6862، والحاكم (2/ 47)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 189) حديث 280، 281، والبيهقي (8/ 276)، وابن عبد البر في التمهيد (12/ 43) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه. وزاد بعضهم: قال قتادة: ثم نسي الحسن فقال: هو أمينك لا ضمان عليه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وتعقب ابنُ دقيق العيد في الإلمام ص/ 350 تصحيحَ الحاكم، فقال: وليس كما قال، وإنما هو على شرط الترمذي. وقال الزيلعي في نصب الراية (4/ 167): وقال ابن طاهر في كلامه على أحاديث الشهاب: إسناده حسن متصل، وإنما لم يخرجاه في الصحيح لما ذكر من أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة.

وأعله ابن حزم في المحلى (9/ 172): فقال: الحسن لم يسمع من سمرة.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 53): والحسن مختلف في سماعه من سمرة.

وانظر: نصب الراية (4/ 167).

ص: 447

قال في "الاختيارات"

(1)

: و‌

‌يُجبر المشتري على الرَّدِّ، أو أخذ الأَرْش، لتضرر البائع بالتأخير.

(ما لم يفضِ إلى ربًا، كشراء حَلْي فضة بزنته دراهم، أو قفيز مما يجري فيه الربا) اشتراه (بمثله ثم وجده معيبًا؛ فله الرَّدُّ أو الإمساك مجانًا) أي: من غير أَرْش؛ لأن أخذ الأَرْش يؤدي إلى ربا الفضل، أو إلى مسألة "مُدِّ عجوة".

(وإن تعيَّب) أي: الحلي أو القفيز المعيب (أيضًا عند مُشترٍ؛ فسخ حاكمٌ البيع) إن لم يرضَ المشتري بإمساكه معيبًا، لتعذُّر الفسخ من كل من البائع والمشتري؛ لأن الفسخ من أحدهما إنما هو لاستدراك ظُلامته، لكون الحقِّ له، وكلٌّ منهما هنا الحق له وعليه، فلم يبقَ طريق إلى التوصّل للحق إلا بفسخ الحاكم، هذا معنى تعليل المنقح في "حاشيته".

(و) إذا فسخ الحاكم البيع (ردَّ البائعُ الثمن، ويطالب) المشتري (بقيمة المبيع) المعيب بعيبه الأول (لأنه لا يمكن إهمال العيب) من حيث هو (بلا رضا ولا أخذ أَرْش) والمشتري

(2)

لم يرضَ بإمساكه معيبًا، ولم يمكنه أخذ أرْش العيب الأول، ولا ردّه مع أرش العيب الحادث عنده، لإفضاء كل منهما إلى الربا.

(وإن اشترى حيوانًا أو غيره، فَحَدث به عيبٌ عند مُشترٍ) ولو (قبل مضي ثلاثة أيام، أو حدث في الرقيق بَرَصَ، أو جنون، أو جُذام) ولو (قبل مضي سنة فـ) العيب (من ضمان المشتري؛ وليس له ردٌّ نصًّا

(3)

) ولا

(1)

ص/ 186.

(2)

في "ذ": "لأن المشتري".

(3)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 341)، والهداية لأبي الخطاب (1/ 164).

ص: 448

أَرْش، كما لو تلف عنده.

(وإن ظهر) المشتري (على عيب في الحَلي) المبيع بزنته دراهم (أو) في (القفيز) المبيع بمثله (بعد تَلَفِهِ عنده) أي: المشتري (فَسَخَ) المشتري (العقدَ) لأنه وسيلة إلى استدراك ظُلامته (ورَدَّ) البائع (الموجود وهو الثمن، وتبقى قيمة المبيع) إن كان متقوَّمًا، أو مثله إن كان مثليًّا (في ذِمته) أي: المشتري، لاستقرار الضمان عليه. وليس له أخذ الأَرْش، لئلا يُفضي إلى الربا، كما تقدم.

(ولا فَسْخ بعيبٍ بسير، كصُداع وحُمَّى يسيرة. وسَقْطِ آيات يسيرة في مصحف للعادة، كغبن يسير، وكيسير التراب والعقد في البُرِّ، قال ابن الزاغوني: لا ينقص شيء من أُجرة الناسخ بعيبٍ يسير) لعُسر الاحتراز عنه غالبًا (وإلا) بأن لم يكن العيب يسيرًا بل كان كثيرًا (فلا أُجرة لما وضعه) الناسخ (في غير مكانه) بأنه قدَّمه على موضعه، أو أخَّره عنه، لعدم الإذن فيه، والعقد عليه (وعليه نَسْخُه في مكانه) لأنه التزمه بالعقد (ويلزمه) أي: الناسخ (قيمةُ ما أتلفه بذلك) التقديم أو التأخير (من الكاغد

(1)

) لتعديه عليه.

(وإن ظهر في المأجور عيب) تنقص به أجرته عادة (فلا أَرْش له) أي: للمستأجر إن اختار الإمساك، وعليه الأجرة كاملة (ويأتي في الإجارة) مفصلًا.

(والأَرْش: قِسْط ما بين قيمة الصحيح والمَعيب، فيرجع) المشتري إذا اختار الإمساك (بـ) ــمثل (نسبته من ثمنه) المعقود به. نص عليه

(2)

(1)

الكاغد: بفتح الغين القِرطاس، فارسي معرَّب. تاج العروس (9/ 110) مادة (كغد).

(2)

مسائل عبد الله (3/ 923) رقم 1244، والكوسج (6/ 2709) رقم 1919، وابن =

ص: 449

(فيُقوَّم المبيع صحيحًا، ثم يقوَّم معيبًا) فيؤخذ قِسْط ما بينهما من الثمن (فإذا كان الثمنُ - مثلًا - مائة وخمسين، فقُوِّم المبيعُ صحيحًا بمائة، ومعيبًا بتسعين، فالعيبُ نَقْصُ عشرة، نسبتُها إلى قيمته صحيحًا) وهي مائة (عُشْرٌ، فَيُنسب ذلك إلى المائة وخمسين، تجده خمسةَ عشر، وهو الواجب للمشتري، ولو كان الثمن) في المثال المذكور (خمسين، وجب له) أي: المشتري (خمسةٌ) لأنها عُشر الخمسين؛ لأن المبيع مضمون على المشتري بثمنه، ففوات جزء منه يسقط منه ضمان ما قابله من الثمن، ولأنا لو ضمَّناه نقص القيمة؛ لأفضى إلى اجتماع الثمن والمثمن للمشتري؛ في صورة ما إذا اشترى شيئًا بعشرة وقيمته عشرون، فوجد به عيبًا ينقصه النصف، فأخذها. وهذا لا سبيل إليه.

(ولو أسقط المشتري خيارَ الرَّدِّ بعِوض بَذَلَهُ له البائع) أو غيره قليلًا كان أو كثيرًا (وقَبِله) المشتري (جاز) ذلك (وليس) ما يأخذه المشتري (من الأَرْش في شيء، ونصَّ على مثله

(1)

في خيار مُعْتَقَةٍ تحت عبدٍ) إذا أسقطت خيارها بعِوض بذله زوجها أو سيدها، أو غيرهما، وعلى قياس ذلك: النزول عن الوظائف ونحوها بعِوض، ويأتي.

(وما كَسَبَ) المبيعُ (قبل الرَّدِّ، فهو للمشتري، وكذلك نماؤه المنفصل فقط، كالثمرة واللبن) لقوله صلى الله عليه وسلم: "الخراجُ بالضمانِ"

(2)

.

= هانئ (2/ 8) رقم 1199.

(1)

القواعد الفقهية لابن رجب ص/ 109.

(2)

أخرجه أبو داود في البيوع والإجارات، باب 73، حديث 3508 - 3510، والترمذي في البيوع، باب 53، حديث 1285، 1286، والنسائي في البيوع، باب 15، حديث 4502، وفي الكبرى (4/ 11)، حديث 6081، وابن ماجه في التجارات، باب 43، حديث 2242، 2243، والطيالسي ص/ 206، حديث 1464، والشافعي في مسنده =

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (ترتيبه 2/ 143، 144)، وعبد الرزاق (8/ 176)، حديث 14777، وأبو عبيد في الأموال ص/ 93، وفي غريب الحديث (3/ 37)، وابن أبي شيبة (6/ 324)، وأحمد (6/ 49، 80، 161، 208، 237)، وابن زنجويه في الأموال (1/ 220)، حديث 280، 281، وإسحاق بن راهويه (2/ 248، 269)، حديث 750، 775، وابن الجارود (2/ 199)، حديث 626، 627، وأبو يعلى (8/ 30، 55، 83)، حديث 4537، 4575، 4614، وأبو عوانة في مسنده (3/ 404، 405)، حديث 5494 - 4596، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2/ 336)، حديث 2830، 2831، والطحاوي (4/ 21)، والعقيلي (4/ 231)، وابن حبان "الإحسان"(11/ 298، 299)، حديث 4927، 4928، وابن عدي (6/ 2436)، والدارقطني (3/ 53)، والحاكم (2/ 14، 15)، وتمام في فوائده (1/ 285، 308)، حديث 705، 768، والبيهقي (5/ 321، 322)، وتمام في معرفة السنن والآثار (8/ 121، 124)، حديث 11349، 11350، 11352، 11356، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 206)، وفي الاستذكار (19/ 62)، والخطيب في تاريخه (8/ 297)، والبغوي في شرح السنة (8/ 162، 163)، حديث 2118، 2119، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 181)، حديث 1443، 1444، وفي العلل المتناهية (2/ 596، 597)، وابن عساكر في تاريخه (22/ 360)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (2/ 747)، وفي سير أعلام النبلاء (14/ 123) كلهم من طرق عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا.

وقد اختلف الأئمة في تصحيح هذا الحديث وتضعيفه: فصححه جماعة: قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (5/ 161) بعد ذكره بعض طرق الحديث وكلام العلماء فيه: وهذا إسناد جيد، ولهذا صححه الترمذي، وهو غريب كما أشار إليه البخاري والترمذي.

وذكر ابن حجر هذا الحديث في بلوغ المرام حديث 750، وقال: رواه الخمسة. وضعفه البخاري، وأبو داود، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، وابن القطان.

وذكره السيوطي في الجامع الصغير (3/ 503 مع الفيض) ورمز لصحته.

وضعّفه جماعة. قال البخاري في التاريخ الكبير (1/ 143): لا يصح. وقال أبو =

ص: 451

والمبيع مضمون على المشتري، فنماؤه له.

(فإن حملت) أَمَةٌ، أو بهيمة (بعد الشراء، فـ) الحمل (نَمَاءٌ متَّصل) يتبعها في الفسخ.

(وإن حملت بعد الشراء، وولدته) أيضًا (بعده) أي: بعد الشراء (فنماءٌ منفصل) فيكون للمشتري (ولا يردُّه) المشتري إذا فسخ؛ لما تقدم (إلا لعُذر، كولد أَمَةٍ) فيُردُّ معها؛ لتحريم التفريق بينها وبينه

(1)

(ويأخذ) المشتري (قيمته) أي: الولد من البائع؛ لأنه ملكه.

(والنماء المتَّصل) إذا فُسِخ البيع (للبائع، كالسِّمَن، والكبر، وتعلُّمِ صنعة) فتتبع المبيع إذا رُدَّ؛ لتعذر رده بدونها.

(و) من النماء المتَّصل (الثمرة قبل ظهورها) جزم به في "المبدع" ومفهومه: أنها بعد ظهورها زيادة منفصلة، ولو لم تُجَذَّ، وصرَّحَ به القاضي وابن عقيل في التفليس والردّ بالعيب، وذكره منصوص أحمد

(2)

. وجعل في "الكافي" كل ثمرة على شجرة زيادة متَّصلة.

(ومنه) أي: من النماء المتصل (إذا صار الحب زرعًا، و) صارت (البيضة فرخًا) قاله القاضي وابن عقيل عن أكثر الأصحاب، وذكر الموفق

= داود: هذا إسناد ليس بذاك. وقال أحمد - كما في العلل المتناهية (2/ 107) -: ما أرى لهذا الحديث أصلًا. وقال أبو حاتم: وليس هذا إسناد تقوم به الحجة. . .، غير أني أقول به؛ لأنه أصلح من آراء الرجال.

وضعفه - أيضًا - أبو عوانة في مسنده (3/ 405)، والعقيلي، وابن حزم في المحلى (5/ 250، 8/ 136)، وفي الإحكام (7/ 256)، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 107): وهذا الحديث لا يصح.

(1)

في قوله صلى الله عليه وسلم: "من فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة". وقد تقدم تخريجه (7/ 73) تعليق رقم (1).

(2)

انظر: مسائل الكوسج (9/ 4635) رقم 3291، 3292.

ص: 452

وجهًا وصححه: أنه مما تغير بما يزيل الاسم؛ لأن الأول استحال، وكذا قال ابن عقيل في موضع آخر.

(ووطء المشتري) الأَمَة (الثيب لا يمنع الرَّدَّ) بعيب علمه بعدُ (فله ردُّها مجانًا) أي: من غير شيء معها؛ لأنه لم يحصُل بوطئه نقص جزء، ولا صفة.

(وله) أي: المشتري (بيعها) أي: بيع الأَمَة الثيب بعد أن وطئها واسْتَبرَأها (مرابحةً) بأن يبيعها بثمنها وربح معلوم (بلا إخبار) بأنه وطئها؛ لما تقدم (كما لو كانت) الثيب (مزوَّجة، فوطئها الزوج) ثم أراد المشتري ردَّها للعيب، أو بيعها مرابحة؛ فإن وطء الزوج لا يمنع ذلك.

(فإن زوَّجها) أي: الثيب (المشتري) لها (فوطئها الزوج، ثم أراد) المشتري (ردَّها بالعيب، فإن كان النكاح باقيًا؛ فهو عيب) فيرد معها أرشه (وإن كان) النكاح (قد زال) بأن طلَّقها الزوج بائنًا (فـ) وطء الزوج (كوطء السيد) لا يمنع الفسخ إذا كانت ثيبًا، لما تقدم.

(وإن زَنَت) المبيعة (في يد المشتري، ولم يكن عُرِف) بالبناء للمفعول (ذلك) أي: الزنا (منها) أي: من الأَمَة قبل البيع (فهو عيب حادثٌ حكمه كـ) سائر (العيوب الحادثة) فإن ردَّها، ردَّ معها أرْشه.

(ولو اشترى متاعًا، فوجده خيرًا مما اشترى؛ فعليه) أي: المشتري (ردُّه إلى بائعه، كما لو وجده أردأ) مما اشترى (كان له ردُّه) على بائعه. قال في "الإنصاف": (ولعل محل ذلك إذا كان البائع جاهلًا به) أي: بالمبيع، أما إن كان البائع عالمًا بحقيقة الحال؛ فلا يجب على المشتري الرد؛ لدخول البائع على بصيرة.

(وإن وطئ) المشتري الأَمَة (البكر، أو تعيبت) البكر، أو تعيب

ص: 453

غيرها من المبيع (عنده) أي: عند المشتري (ولو) كان التعيب (بنسيان صنعة، أو) نسيان (كتابة، أو قطع ثوب؛ خُيِّر) المشتري (بين الإمساك، وأخذ أَرْشٍ) للعيب الأول، كما لو لم يتعيب عنده (وبين الرد مع أَرْش العيب الحادث عنده، ويأخذ الثمن) لما روى الخلال بإسناده عن ابن سيرين، أن عثمانَ قال في رجُلٍ اشترى ثوبًا ولبِسَهُ، ثم اطلعَ على عيبٍ: يردُّه وما نَقص، فأجاز الرد مع النقصان

(1)

. وعليه اعتمد أحمد

(2)

.

(والواجب ردُّ ما نَقَص قيمتَها الواطئُ) بوطئه (فإذا كانت قيمتها بكرًا مائة، وثيبًا ثمانين، رَدَّ معها عشرين؛ لأنه بفسخ العقد يصير) المبيع (مضمونًا عليه) أي: المشتري (بقيمته) فيلزمه ما نقص منها (بخلاف أَرْش العيب الذي يأخذه المشتري) من البائع؛ لأنه في مقابلة ما فات من المبيع، والمبيع مضمون على بائعه بالثمن لا بقيمته (إلا أن يكون البائع دَلَّسَ العيبَ، أي: كتمه عن المشتري، فله) أي: للمشتري (رَدُّه) أي: رد المبيع إذن ولو تعيَّب عنده (بلا أَرْش) للعيب الحادث عنده (ويأخذ الثمن كاملًا) من البائع لأنه قد ورَّط المشتري وغرَّه.

(قال) الإمام (أحمد

(3)

في رجل اشترى عبدًا فأَبَقَ، فأقام بَيِّنَةً أن إباقه كان موجودًا في يد البائع: يرجع على البائع بجميع الثمن؛ لأنه غرَّ المشتري، ويتبع البائع عبده) فإن وجده كان له، وإن فات ضاع عليه؛

(1)

لم نجده في مظانه من كتب الخلال المطبوعة، وأخرجه عبد الرزاق (8/ 154) رقم 14694، وابن أبي شيبة (6/ 320)، وأحمد في مسائل عبد الله (3/ 922) رقم 1242، بنحوه دون قوله:"وما نقص".

(2)

مسائل عبد الله (3/ 921) رقم 1241.

(3)

مسائل الكوسج (6/ 2850) رقم 2069، وانظر مسائل عبد الله (3/ 987) رقم 1345.

ص: 454

لأنه أدخل الضرر على نفسه بتدليسه.

(وكذا لو دلَّس البائع) بأن أخفى العيب عن المشتري (ثم تَلِفَ) المبيع (عند المشتري، رجع) المشتري (بالثمن كلِّه على البائع نصًّا

(1)

) كما تقدم في الآبق.

(وسواء تعيَّب المبيع) عند المشتري (أو تَلِفَ بفعل الله) تعالى (كالمرض، أو بفعل المشتري، كوَطْءِ البِكْرِ) ونحوه، مما هو مأذون فيه شرعًا، بخلاف قَطْع عضو، وقلع سن ونحوه؛ فإنه لا يذهب هدرًا، ذكره في "شرح المنتهى"(أو) بفعل (أجنبي، مثل أن يجني عليه، أو بفعل العبد كالسرقة) إذا قطع فيها (وسواء كان) التَّلَف (مُذْهِبًا للجملة، أو بعضِها) فيفوت التالف على البائع حيث دلَّس العيب، ويرد الثمن كله؛ لما تقدم.

(وإن زال العيبُ الحادثُ عنده) أي: عند المشتري، قبل ردِّه (ردَّه) أي: المبيع (ولا شيء معه) لعدم نقصه حال الرد.

(وإن) ردَّ المشتري المبيع المتعيّب عنده وردَّ معه أرش عيبه، ثم (زال) العيب الحادث عنده (بعد ردِّه؛ لم يرجع مشترٍ على بائع بما دفعه له) لأنَّه أستقر عليه بالفسخ، بخلاف ما إذا أخذ المشتري أَرْش العيب من البائع، ثم زال سريعًا، فإنه يردُّ الأَرْش؛ لزوال نقص المبيع الذي وجب لأجله الأرش. وفي خط المصنف: وإن زاد، وهو غير ظاهر.

(1)

انظر: الرعاية الصغرى لابن حمدان (1/ 331)، والمقنع ص/ 162، والمحرر (1/ 325)، والمبدع (4/ 92).

ص: 455

فصل

(وإن أعتق) المشتري (العبد) المبيع، ثم علم عيبه (أو عَتَق عليه) بقرابة أو تعليق، ثم علم عيبه (أو قَتَلَ) العبد المبيع، ثم علم المشتري عيبه (أو استولد) المشتري (الأَمَةَ) ثم علم عيبها (أو تَلِفَ المبيعُ، ولو بفعله) أي: المشتري (كأكله ونحوه، أو باعه) أي: باع المشتري المبيعَ (أو وهبه، أو رهنه، أو وقفه، غير عالم بعيبه) ثم علم (تعيَّن الأَرْش) لما تقدَّم، وسقط الردُّ لتعذُّره. ويُقبل قول المشتري في قيمة المبيع إذن، ذكره في "المنتخب" وجزم به في "المنتهى".

(ويكون) الأَرْش (مِلكًا له) أي: المشتري؛ لأنه في مقابلة الجزء الفائت من المبيع.

(لكن لو رُدَّ) المبيع (عليه) أي: على المشتري، وقد علم بعيبه (فله ردُّه) على بائعه (أو أرْشُه) ولا يكون البيع مانعًا من ذلك؛ لعوده لملكه بالردِّ عليه.

(ولو أُخذ منه) أي: من المشتري الأول (أَرْشُه) أي: أَرْش العيب، ولم يفسخ المشتري الثاني (فله) أي: المشتري الأول (الأَرْش) لما تقدم. ومفهومه ليس مرادًا، بل له أَخْذُ الأَرْش؛ سواء أخذ المشتري منه أَرْشه أوْ لا.

(ولو باعه) أي: المبيع، قبل علمه بعيبه (مُشترٍ لبائعه له، كان له) أي: لبائعه الأول (ردُّه على البائع الثاني) وهو المشتري الأول (ثم للثاني ردّه عليه) أي: على البائع الأول؛ لوجود مقتضى الردِّ وهو العيب.

ص: 456

(وفائدته) أي: فائدة وجود الردّ من الجانبين تظهر عند (اختلاف الثمنين) إذا اختار الردّ أو الأرش، لما تقدم

(1)

من أن الأرش قسطُ ما بين قيمته صحيحًا ومعيبًا من ثمنه. قال في "شرح المنتهى": وفيه احتمال: لا ردَّ، كما لو اتفق الثمنان.

(وإن فعل) المشتري (ذلك) أي: ما ذكر من العتق أو الاستيلاد أو البيع ونحوه في المبيع (عالمًا بعيبه) ولم يختر الإمساك، فلا أَرْش له.

(أو تصرَّف) المشتري في المبيع بعد علمه بالعيب (بما يدلُّ على الرضا) بالعيب (من وطءٍ، وسَوْمٍ، وإيجار، واستعمال، حتى ركوبِ دابة لغير خبرةٍ) أي: تجربة لها (و) لغير طريق (ردّ، ونحوه) أي: نحو ما تقدم من الوطء، وما عطف عليه، كالقبلة واللمس لشهوة، أو نحو طريق الردِّ، كما لو ركبها لعلفها أو سقيها (ولم يختر) المشتري (الإمساك) مع الأَرْش (قبل تصرُّفه) المذكور (فلا أَرْش له) للعيب؛ لأنه قد رضي بالمبيع ناقصًا، فسقط حقُّه من الأَرْش (كردّ) أي: كما أنه لا رد له.

(وعنه

(2)

: له الأَرْش كإمساك) أي: كما لو كان اختار إمساكه قبل تصرُّفه (قال في "الرعاية الكبرى" و"الفروع": وهو أظهر) لأنه وإن دلَّ على الرضا فمع الأَرْش أَولى كإمساكه (وقال في القاعدة العاشرة بعد المائة

(3)

: هذا قول ابن عقيل. وقال) في القاعدة المذكورة (عن القول الأول: فيه بُعد. قال الموفق: قياس المذهب، أن له الأَرْش بكلِّ حال) قال في "التلخيص": وذهب إليه بعض أصحابنا (وصوَّبه في "الإنصاف")

(1)

(7/ 449).

(2)

الرعاية الصغرى ص/ 331، والإنصاف (4/ 426).

(3)

القواعد الفقهية ص/ 263.

ص: 457

قال في "الشرح" و"الفائق": ونص عليه

(1)

في الهبة والبيع.

(وإن باع) المشتري (بعضَه) أي: بعض المبيع، غير عالم بعيبه (فله أَرْش الباقي) الذي لم يبعه (لا ردُّه) على البائع؛ لتضرره بتفريق المبيع (وله) أي: للمشتري أيضًا (أرش) البعض (المبيع) كما لو كان باعه كله.

وإن باع بعضه عالمًا بعيبه، فكما لو باعه كله على الخلاف السابق.

(وإن صبغه) أي: صبغ المشتري المبيع المعيب (أو نسجه) غير عالم بعيبه (فله الأَرْش، ولا ردَّ) لأنه شغل المبيع بملكه، فلم يكن له ردُّه؛ لما فيه من سوء المشاركة.

(وإن أنعل) المشتري (الدابة، ثم أراد ردَّها بالعيب) فله ذلك، و (نزع النعل) لأنه عين ماله (فإن كان النزع يعيبها، لم ينزع) لأن فيه إدخالًا للضرر على البائع (ولم يكن له) أي: للمشتري (قيمته) أي: النعل (على البائع) لأنه لم يَحُل بينه وبينه بفعله (ويُهمِله) أي: النعل، مُشترٍ (إلى سقوطه ونحوه) كموتها، فيأخذه؛ لأنه ملكه.

(ولو باع) إنسان (شيئًا بذهب، ثم أخذ عنه دراهم، ثم ردَّه المشتري بعيب قديم، رجع المشتري بالذهب) وكذا لو ردَّه بغير العيب من خيار شَرْط ونحوه؛ لأنه الذي وقع عليه العقد الأول (لا بالدراهم) المعوَّضة عن الذهب؛ لأن المعاوضة عقد آخر استقر حكمه.

وكذا لو باع بدراهم وأخذ عنها ذهبًا. وكذا حكم الإجارة وغيرها من عقود المعاوضة.

(وإن اشترى) إنسان (ما مأكوله في جوفه، فكسره فوجده فاسدًا،

(1)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 342).

ص: 458

ولا قيمة لمكسوره، كبيض دجاج) وَجَدَهُ مذرًا

(1)

(و) كـ (ــبطيخ) وجده (لا نفع فيه رجع) المشتري (بالثمن كله) لأنا تبينا فساد العقد من أصله؛ لكونه وقع على ما لا نفع فيه، كبيع الحشرات.

(وليس عليه) أي: المشتري (ردُّ المبيع) الفاسد من ذلك (إلى البائع؛ لأنه لا فائدة فيه) إذ لا قيمة له.

(وإن كان الفاسد) من بيض الدجاج، أو البطيخ، أو الجوز، أو اللوز، ونحوه (في بعضه) أي: بعض المبيع دون كله (رجع بقسطه) أي: قسط الفاسد من الثمن، فإن كان الفاسد النصف، رجع بنصف الثمن، وإن كان الربع، رجع بربعه، وهكذا.

(وإن كان لمكسوره) أي: مكسور الفاسد (قيمة كبيض نعام، وجوز هند) وبطيخ فيه نفع (خُيِّر) المشتري بين الردِّ، والإمساك مع الأَرْش، كما تقدم.

(فإن ردَّه) على بائعه (رَدَّ ما نقصه) بكسره عنده (ولو كان الكسر بقَدْر الاستعلام) لأنه عيب حَدَثَ عنده.

(وإن كسره المشترى كسرًا لا تبقى معه قيمته، تعين الأَرْش) للمشتري، وسقط الرد؛ لتعذُّره بإتلاف المبيع كما سبق.

(ولو اشترى ثوبًا) مطويًّا، إما بالصفة، أو برؤية بعضه الدالِّ على بقيته على ما تقدم عن "شرح المنتهى"(فنشره فوجده معيبًا) فله الخيار، كما تقدم

(2)

.

(فإن كان) الثوب (مما لا ينقصه النشر) فله (ردُّه) مجانًا.

(1)

مذِرت البيضة مَذَرًا: فسدت. المصباح المنير ص/ 566، مادة:(مذر).

(2)

(7/ 343).

ص: 459

(وإن كان) الثوب (ينقصه) النشر (كالهِسنْجاني

(1)

الذي يُطوى على طاقين، فكجوز هند) كسره، ثم أراد ردَّه، أي: فله ذلك مع ردِّ أَرْشه للنقص بالنشر.

(وله) أي: للمشتري (أَخْذ أَرْشه) أي: أرش العيب من البائع (إن أمسكه) أي: الثوب مطلقًا؛ لما تقدم.

(وخيار عيب) على التراخي (و) خيار (خُلف في الصفة) أو لتغير ما تقدمت رؤيته على التراخي (و) خيارٌ (لإفلاس المشتري) بالثمن (على التراخي) لأنه شُرع لدفع ضرر متحقق، فلم يبطل بالتأخير الخالي عن الرضا، كخيار القصاص.

(فمن عَلِمَ العيب وأخَّر الردَّ) به (لم يبطل خياره) بالتأخير (إلا أن يوجد منه ما يدلُّ على الرضا) من تصرُّف في المبيع، أو نحوه (وتقدم قريبًا) لأن دليل الرضا مُنزَّل منزلةَ التصريح به.

(ولا يفتقر الردُّ إلى رضا البائع، ولا) إلى (حضوره، ولا) إلى (حكم حاكم) به، سواءٌ كان الردُّ به (قبل القبض، أو بعده) لأنه رفع عقد جعل إليه، فلم يُعتبر فيه ذلك، كالطلاق.

(وإن اشترى اثنان شيئًا) من بائع واحد (وشرطا الخيار) فرضي أحدهما، فللآخر رَدُّ نصيبه.

(و) اشترى اثنان شيئًا و (وجداه معيبًا، فرضي أحدهما، فللآخر رَدُّ نصيبه) لأن نصيبه جميع ما ملكه بالعقد، فجاز له ردُّه بالعيب تارة، وبالشرط أخرى.

و (كشراء واحد من اثنين) شيئًا بشرط الخيار، أو وجده معيبًا (فله)

(1)

نسبة إلى هِسَنْجان: قرية بالري. معجم البلدان (5/ 406).

ص: 460

أي: للمشتري (ردُّه عليهما، و) له (ردُّ نصيب أحدهما) عليه (وإمساك نصيب الآخر) لأن عقد الواحد مع اثنين عقدان، فكأن كل واحد منهما باع نصيبه مفردًا.

(فإن كان أحدهما غائبًا) والآخر حاضرًا (ردَّ) المشتري (على الحاضر) منهما (حصته بقسطها من الثمن، ويبقى نصيب الغائب في يده حتى يَقدم) فيرده عليه، ويصح الفسخ في غيبته - كما تقدم - والمبيع بعد فسخٍ أمانةٌ، كما في "المنتهى".

(ولو كان أحدهما) أي: أحد البائعين عينًا لواحد (باع العين كلها بوكالة الآخر) له (فالحكم كذلك، سواءٌ كان الحاضر الوكيل أو الموكِّلَ) لأن حقوق العقد متعلقة بالموكِّل دون الوكيل.

(وإن قال) بائع يخاطب اثنين: (بِعْتُكما) هذا بكذا (فقال أحدُهما) وحده: (قبلتُ، جاز) ذلك، وصحَّ العقد في نصف المبيع بنصف الثمن (على ما مرَّ) من أن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين، فكأنه خاطب كل واحد بقوله: بعتُك نصف هذا بنصف المُسمَّى.

(وإن ورث اثنان خيار عيب، فرضي أحدهما) بنصيبه معيبًا (سقط) حقه، و (حق) الوارث (الآخر من الردِّ) لأنه خرج من ملك البائع دفعة واحدة، فإذا رد واحد منهما نصيبه، ردَّه مشتركًا مُشقَّصًا، فلم يكن له ذلك.

ومثله لو ورث اثنان خيار شرط، بأن طالب به المورِّث قبل موته، فإذا رضي أحدهما، فليس للآخر الفسخ.

(وإن اشترى واحد معيبين) صفقة واحدة (أو) اشترى (طعامًا) أو نحوه (في وعاءين صفقةً واحدةً، فليس له إلا ردُّهما معًا، أو إمساكهما

ص: 461

والمطالبة بالأَرْش) لأن في رَدِّ أحدهما تفريقًا للصفقة على البائع مع إمكان أن لا يفرقها، أشبه رَدَّ بعض المعيب الواحد.

(وإن تَلِفَ أحدهما) أي: أحد المعيبين وبقي الآخر (فله) أي: للمشتري (رَدُّ الباقي بقسطه من الثمن) لتعذُّر رَدِّ التالف (والقول في قيمة التالف) إذا اختلفا فيها (قوله) أي: المشتري؛ لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته (مع يمينه) لاحتمال صدق البائع.

(وإن كان أحدهما معيبًا) والآخر سليمًا (وأبى) المشتري أخذ (الأَرْش) عن المعيب (فله رَدُّه بقسطه) من الثمن؛ لأنه رَدّ للمبيع المعيب من غير ضرر على البائع، كما سبق.

(ولا يملك) المشتري (رَدَّ السليم) لعدم عيبه (إلا أن ينقصه تفريق، كمِصْراعَيْ باب، وزَوْجي خُفٍّ، أو يَحْرُمَ) تفريقٌ (كجارية وولدها، ونحوه) كأخيها (فليس له) أي: المشتري (ردّ أحدهما) وحده (بل) له (ردهما) معًا (أو الأَرْش) دفعًا لضرر البائع، أو لتحريم التفريق.

ومثله: جان له ولدٌ يباعان، وقيمة الولد لمولاه.

(وإن كان البائعُ) هو (الوكيل، فللمشتري رَدُّه) أي: المبيع إذا ظهر معيبًا (على الموكِّل) لما تقدم من أن حقوق العقد متعلقة به دون الوكيل.

(فإن كان العيب مما يمكن حدوثه) بعد البيع كالإباق، واختلفا فيه (فأقرَّ به الوكيل، وأنكره الموكل، لم يقبل إقراره على موكله) لأنه لم يوكله في الإقرار بالعيب، فكما لو أقر على أجنبي (بخلاف خيار الشرط) لأنه يملك شرطه للعاقد معه، فملك الإقرار به.

(فإذا رده المشتري على الوكيل) لإقراره بالعيب دون الموكل (لم يملك الوكيل ردَّه على الموكِّل) لعدم اعترافه بالعيب.

ص: 462

(وإن أنكره) أي: العيب (الوكيل) ولم يعترف بأن المبيع كان معيبًا (فتوجهت اليمين عليه، فنكَل) عن اليمين (فردّه) المشتري (عليه بنكوله، لم يملك) الوكيل (ردَّه على موكله) لأنه غير معترف بعيبه، وهذا كله إذا قلنا: إن القول قول البائع.

والمذهب: أنَّ القول قول المشتري، فيحلف ويرده على الموكِّل، كما يُعلم مما ذكره بقوله:(وإن اختلفا) أي: البائع والمشتري (عند مَنْ حدث العيب) في المبيع (مع احتمال قول كلٍّ منهما، كخرق ثوب، ورَفْوه

(1)

ونحوهما) كجنون (فـ) القول (قول مشترٍ) حيث لا بينة لواحد منهما؛ لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت، فكان القول قول من ينفيه، كما لو اختلفا في قبض المبيع (مع يمينه) لاحتمال صدق البائع (على البَتِّ، فيحلف بالله أنه اشتراه وبه هذا العيب، أو أنه) أي: العيب (ما حدث عنده) لأن‌

‌ الأيمان كلها على البتِّ، إلا ما كان على نفي فِعل الغير.

(وله) أي: للمشتري (ردُّه) أي: رد المبيع الذي اختلفا في حدوث عيبه، بعد حلفه (إن لم يخرج) المبيع (عن يده) أي: المشتري (إلى يد غيره) بحيث لا يشاهده، فإن خرج عن يده كذلك، فليس له الحلف ولا ردَّه؛ لأنه إذا غاب عنه، احتمل حدوثه عند من انتقل إليه، فلم يجز له الحلف على البَتِّ، فلم يجز له الردّ. قال في "المبدع" وغيره: إذا خرج من يده إلى يد غيره، لم يجز له أن يردّه، نقله مُهنّا

(2)

.

(ومنه) أي: من العيب الذي يحتمل الحدوث (لو اشترى جارية

(1)

رَفَوْت الثوب رَفْوًا: أصلحته. المصباح المنير ص/ 234، مادة:(رفو).

(2)

انظر: المبدع (4/ 101).

ص: 463

على أنها بكر، ووطئها، وقال: لم أصبها بكرًا، فقوله) أي: المشتري (مع يمينه) على البتِّ، لما تقدم.

(وإن اختلفا قبل وطئه) أبكر أم ثيب؟ (أُرِيَتِ النساءَ الثقاتِ، ويُقبل قول امرأة ثقة) تشهد ببكارتها أو ثيوبتها، كسائر عيوب النساء تحت الثياب، ويأتي في الشهادات.

(وإن لم يحتمل إلا قولَ أحدهما) أي: البائع أو المشتري (كالأصبع الزائدة، والشجة المندملة التي لا يمكن حدوث مثلها) إذا ادعى البائع حدوثها، فالقول قول المشتري بلا يمين.

(و) كـ (الجرح الطري الذي لا يحتمل كونه قديمًا) إذا ادَّعى المشتري كونه قديمًا (فالقول قولُ من يدَّعي ذلك) أي: الذي لا يحتمل إلا هو (بغير يمين) لعدم الحاجة إلى استحلافه.

(ويُقبل قول بائع: إنَّ المبيع) المعيَّن - فإن كان في الذِّمة فقول المشتري على قياس ما يأتي في الثمن والسَّلَم - (ليس المردودَ) لأنه ينكر كونه هذا سلعته، وينكر استحقاق الفسخ، والقول قولُ المنكِر بيمينه (إلا في خيار الشَّرْط) إذا أراد المشتري ردَّ المبيع، وأنكر البائع أن يكون هو المردود (فقول مُشترٍ) بيمينه؛ لأنهما هنا اتفقا على استحقاق الفسخ، بخلاف التي قبلها.

وكذا لو اعترف البائع بعيب ما باعه، ففسخَ المشتري البيع، ثم أنكر البائع أن المبيع هو المردود، فقولُ المشتري؛ لما تقدم، وصرَّح به في "المغني" في التفليس.

(ويُقبل قول مُشترٍ مع يمينه في عينِ ثمن معين بعقد) إذا اختلفا في أنه المردود (أنه ليس الذي دفعه) المشتري (إليه) أي: إلى البائع؛ لما

ص: 464

تقدم. وينبغي أن يقال: إلا في خيار شرط، كما تقدم.

(و) يقبل (قول قابض مع يمينه، في ثابت في الذمة من ثمن مبيع وقَرْض وسَلَم وغير ذلك) كأجرة، وصَدَاق، وجعالة (مما هو في ذِمَّته) إذا دفعه لمستحقه ثم ردَّه عليه، وأنكر المقبض منه أن يكون هو المأخوذ، فالقول قول القابض مع يمينه (إن لم يخرج عن يده) بحيث يغيب عنه؛ لأن الأصل بقاؤه في الذمة.

(وإن باع أَمَة بعبد ثم وجد) البائع (بالعبد عيبًا، فله الفسخ واسترجاع الأَمَة) إن كانت باقية (أو قيمتها، لعِتق مشترٍ لها) أو بيعِها أو وقفها، أو موتها، ونحو ذلك مما يتعذر معه ردها.

(وكذلك سائر السلع المبيعة) أو المجعولة ثمنًا (إذا علم بها) من صارت إليه عيبًا (بعد العقد) فإن له الفسخَ، واسترجاع عوضها من قابضه، إن كان باقيًا، أو بدله إن تعذر رده، كما تقدم.

(وليس لبائع الأَمَة) بالعبد الذي ظهر معيبًا (التصرُّف فيها قبل الاسترجاع) أي: في فسخ المبيع (بالقول؛ لأن ملك المشتري عليها تام مستقر) لعقد البيع الصحيح، وملكه الفسخَ لا يمنع نقل الملك، كملك الأب الرجوعَ فيما وهبه لولده لا يمنع انتقال ملك الموهوب للولد.

(فلو أقدم البائع وأعتق الأَمَة، أو وَطِئها، لم يكن ذلك فسخًا بغير قول) فلا بُدَّ من قوله: فسختُ البيع، ونحوه (ولم ينفذ عتقه) لها؛ لأنه من غير مالك، وحكم وطئه لها حكم وطئه المبيعة بشرط الخيار على ما تقدم

(1)

.

(1)

(7/ 430).

ص: 465

(ومن باع عبدًا) أو أَمَة (يلزمه عقوبة، من قصاص أو غيره) كقتل ردّة، أو قطع سرقة (يَعْلَم المشتري ذلك) اللازم (فلا شيء له) أي: للمشتري؛ لأنه رضي به معيبًا أشبه سائر المعيبات.

(وإن عَلِم) المشتري بذلك (بعد البيع، فله الردّ) وأخذ الثمن كاملًا (أو) الإمساك مع (الأَرْش) لأنه عيب، فملك به الخيار كبقية العيوب.

(فإن لم يعلَمْ) المشتري بالعقوبة (حتى قُتِل) المبيع (تعين له) أي: المشتري (الأَرْش على البائع) لتعذُّر الردِّ، والأَرْش قِسْط ما بين قيمته مع كونه جانيًا وغير جان، فلو قُوِّم غير جان بمائة، وجانيًا بخمسين، فما بينهما النصف، فالأَرْش إذن نصف الثمن.

(وإن قُطع) المبيع عند المشتري لقصاص أو سرقة قبل البيع (فكما لو عاب) المبيع (عنده) أي: المشتري (على ما تقدم) فله الأَرْش، أوْ ردُّه مع أرش قطعِهِ عنده، فيقوَّم مستحقَّ القطع ومقطوعًا، ويردُّ ما بينهما؛ لأن استحقاق القطع دون حقيقته، وهذا إن لم يكن البائع قد دلَّسَ على المشتري، فإن دلَّس عليه، رجع بالثمن كله، وذهب العبد عليه إن قتل أو قطع، كما تقدم.

(وإن كانت الجناية) من العبد المبيع قبل بيعه (موجبة للمال، أو) موجبة (للقَوَد، فعفا عنه إلى مال، والسيد - وهو البائع - مُعسِرٌ، قُدِّم حق المجني عليه) لأن حق الجناية سابق على حق المشتري، فإذا تعذَّر إمضاؤهما قُدم السابق (فيستوفيه) أي: المال الواجب بالجناية (من رقبة الجاني، وللمشتري الخيار إن لم يكن عالمًا) بالجناية؛ لأن تمكّن المجني عليه من انتزاعه عيب، فملك المشتري به الخيار كغيره.

(فإن فسخ) المشتري البيع (رجع بالثمن) كله (وكذا إن لم يفسخ)

ص: 466

البيع (وكانت الجناية مستوعِبة لرقبة العبد، فأُخذ) كله (بها) لأن أَرْش مثل ذلك جميع الثمن.

(وإن لم تكن) الجناية (مستوعِبة) لرقبة العبد (رجع) المشتري (بقَدْر أَرْشه) إن جهل الحال (وإن كان) المشتري (عالمًا بعيبه، لم يرجع بشيء) لرضاه بالعيب.

(وإن) وجب بالجناية مال أو قصاص، وعُفي عنه إلى مال، و (كان السيد) وهو البائع (موسرًا تعلَّق الأَرْش بذمته) أي: البائع؛ لأن الخيرة له في تسليمه في الجناية أو فدائه، فإذا باعه تعيَّن عليه فداؤه؛ لزوال ملكه عنه.

(ويزول الحق عن رقبة العبد، والبيع لازم) فلا خيار للمشتري، إذ لا ضرر عليه لرجوع المجني عليه على البائع.

(ويأتي في الإجارة: لو غرس) مُشترٍ (أو بنى مُشتر، ثم فسخ البيع بعيب) أن للبائع قلع الغراس أو البناء، ويغرم نقصه أو يتملكه بقيمته إن لم يختر المشتري أخذه.

فصل

القسم (السادس) من أقسام الخيار:

(خيار يَثبت في التولية، والشَّركة، والمرابحة، والمواضعة، إذا أخبره) أي: أخبر البائع المشتري (بزيادة في الثمن أو نحو ذلك) كإخفاء تأجيله.

(ولا بُدَّ في جميعها) أي: الأربعة المذكورة (من معرفة) البائع و (المشتري رأسَ المال) لأن معرفة الثمن شرط كما تقدم

(1)

، فمتى فاتت لم يصح.

(1)

(7/ 307).

ص: 467

(وَهُنَّ) أي: التولية، والشركة، والمرابحة، والمواضعة (أنواع من البيع) اختصَّت بهذه الأسماء، كاختصاص السَّلَم، والمشتري قد يكون له غرض في الشراء على الوجه الذي أوقعه؛ لكونه حالفًا أو وصيًّا في الشراء على هذا الوجه.

(فتصحُّ) هذه الأنواع (بألفاظها، و) تصحُّ (بلفظ البيع) وبما يؤدي ذلك المعنى (وهي) صورة (البيع بتخبير الثمن، وبيعُ المساومة أسهل منها نصًّا)

(1)

قال في "الحاوي الكبير"

(2)

: لضيق المرابحة على البائع؛ لأنه يحتاج أن يُعلِم المشتري بكل شيء من النقد، والوزن، وتأخير الثمن، وممن اشتراه، ويلزمه المؤنة، والرَّقْمُ، والقِصارة

(3)

، والسمسرة، والحمل، ولا يغرَّ فيه، ولا يحل له أن يزيد على ذلك شيئًا إلا بَيَّنَهُ له؛ ليعلم المشتري بكل ما يعلمه البائع، وليس كذلك المساومة. انتهى.

وفي "الإنصاف": قلت: أما بيع المرابحة في هذه الأزمان فهو أَولى للمشتري وأسهل. انتهى.

ولا مخالفة بينهما؛ لأن كلام "الحاوي" في الضيق على البائع كما

(1)

انظر: مسائل عبد الله (3/ 963) رقم 1309.

(2)

لنور الدين عبد الرحمن بن عمر البصري الحنبلي الضرير المتوفى سنة (684 هـ) رحمه الله تعالى، وله الحاوي الصغير" أيضًا، والنقل عنهما مشهورٌ في كتب الحنابلة؛ حيث يقولون: "وفي الحاويين" أو: "وفي الحاوي الكبير" كما هنا، أو: "وفي الحاوي الصغير". انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 314) والمقصد الأرشد (2/ 102).

(3)

قصرتُ الثوبَ قَصْرًا بَيَّضْته، والقِصارة بالكسر الصناعة. المصباح المنير ص/ 693، مادة (قصر).

ص: 468

بيَّنَه، وكلام صاحب "الإنصاف" في سهولة الأمر على المشتري بترك المماكَسَة.

(فالتولية) لغة: تقليد العمل، والمراد بها هنا:(البيع برأس المال) فقط. (فيقول البائع: ولَّيْتُكَه، أو: بعتُكَه برأس ماله، أو: بما اشتريته به. أو: برَقْمه المعلوم عندهما) أي

(1)

: البائع والمشتري (وهو) أي: رَقْمه (الثمن المكتوب عليه) فإن جَهِلا أو أحدهما الثمن، لم تصح، وإن دفع الثياب إلى قصَّار وأمره برقمها، فَرَقَم ثمنها عليها، لم يجز بيعها بتخيير الثمن حتى يرقمها بنفسه؛ لأنه لا يعلم ما فعل القصَّار.

(والشركة: بَيْعُ بعضه) أي: المبيع (بقِسْطه من الثمن) المعلوم لهما (نحو: أشركتُك في نصفِه، أو ثُلُثِه ونحوه) كربعه، و (كقوله: هو شركة بيننا) فيكون له نصفه؛ لأن مطلق الشركة يقتضي التسوية.

(فلو قال) إنسان اشترى شيئًا (لمن قال له: أشركني فيه: أشركتُك انصرف) الإشراك (إلى نصفه) لأن مطلق الشركة يقتضي التسوية (وإن لقيه آخر فقال) الآخر له: (أشركني، وكان الآخر عالمًا بشركة الأول فشَرَكَه، فله نصفُ نصيبه، وهو الربع) لأنه طلب منه أن يشركه في النصف، وأجابه إلى ذلك، فيأخذ الربع (وإن لم يكن) الآخر (عالمًا) بشركة الأول، وقال: أشركتك (صح) ذلك (وأخذ) الآخر (نصيبه كله، وهو النصف) لأنه طلب منه نصف المبيع، وأجابه إليه، وإن طلبا منه الشركة فشركهما معًا؛ فلهما الثلثان، وله الثلث.

(وإن كانت السِّلعة لاثنين، فقال لهما آخرُ: أشْرِكاني فيها،

(1)

في "ح" زيادة: "عند".

ص: 469

فأشركاه معًا، فله الثلث) لما سبق من أن مطلق الشركة يقتضي التسوية (وإن أشركه أحدهما) وحده (فـ) له (نصف نصيبه) وهو الربع، لما سبق (وإن أشركه كلُّ واحد منهما منفردًا، كان له النصف ولكل واحد منهما الربع) لما تقدم.

(ولو اشترى) شخص (قفيزًا من طعام) أو غيره مما يُكال (فقَبَضَ) المشتري (نصفَه، فقال له آخر: بعْني نصفه، فباعه) نصفه (انصرف) البيع (إلى النصف المقبوض) لأنه الذي يصح تصرُّف المشتري فيه.

(وإن قال) الآخرُ لمشتري القفيز القابض لنصفه: (أشرِكْنِي في هذا القفيز بنصف الثمن. ففعل) أي: فقال له: أشركتُك فيه بنصف الثمن (لم تصح الشركة إلا فيما قبض منه، وهو النصف، فيكون لكل واحد) من النصف المقبوض (الربع بربع الثمن) والنصف الذي لم يُقبض باقٍ للمشتري الأول؛ لأن تصرُّف المشتري بالشركة لا يصح إلا فيما قبض منه.

(والمرابحة) من الربح، هي:(أن يبيعه بثمنه) المعلوم (وربح معلوم، فيقول: رأس مالي فيه مائة، بعْتُكه بها وربْح عشرة، فيصح) ذلك (بلا كراهة) لأن الثمن والربح معلومان (ويكون الثمن مائة وعشرة، وكذا قوله: على أن أربح في كل عشرة درهمًا) يصح، ويُكره، نصَّ عليه

(1)

، واحتج بكراهة ابن عمر

(2)

وابن عباس

(3)

. ونقل أحمد بن

(1)

انظر مسائل عبد الله (3/ 960) رقم 1305، ومسائل أبي داود ص/ 195، ومسائل الكوسج (6/ 2567) رقم 1794.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 232) رقم 15010، وابن حزم في المحلى (9/ 14). ولفظه عن ابن عمر قال: بيع ده دواز ده ربًا.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 232 - 233) رقم 15011، وابن أبي شيبة (6/ 434)، =

ص: 470

هاشم

(1)

: كأنه دراهم بدراهم

(2)

.

(أو قال): بعتُكه (دَهْ يَازْ دَهْ) أي: العشرة أحد عشر (أو) بعتُك

(3)

(دَهْ دوَازْ دَهْ) أي: العشرة اثنا عشر يصح (ويُكره نصًّا)

(4)

قال: لأنه بيع الأعاجم.

(والمواضعة): المشاركة في البيع، فيكون بدون رأس المال (عكس المرابحة. ويُكره فيها) أي: المواضعة (ما يُكره فيها) أي: المرابحة، كقوله: ثمنه كذا بعْتُكَه به، على أن أضع من كل عشرة درهمًا.

(فـ) المواضعة: أن (يقول: بعتُكه بها) أي: بالمائة التي هي رأس ماله مثلًا (ووضيعةِ درهم من كل عشرة، فـ) ــيصح البيع؛ لأنه لفظ محصِّل لمقصود البيع بدون رأس المال. قال في "المبدع": وهذه الصُّورة مكروهة، بخلاف ما إذا قال: بعتُكه به، أي: برأس ماله وأضع لك عشرة و (يحط منه) أي: من رأس المال وهو المائة (عشرة، ويلزم المشتري تسعون درهمًا) لأن المائة عشر عشرات، فإذا سقط من كل عشرة درهم، بقي تسعون.

(وإن قال) البائع: بِعْتُكَه بالمائة (ووضيعة درهم لكل عشرة، كان

= والبيهقي (5/ 330)، وابن حزم في المحلى (9/ 14). ولفظه عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يكره بيع ده ياز ده، قال: وذاك بيع الأعاجم.

(1)

هو أحمد بن هاشم بن الحكم بن مروان الأنطاكي. قال أبو بكر الخلال: شيخ جليل متيقِّظ، رفيع القَدْر، سمعنا منه حديثًا كثيرًا، ونقل عن الإمام أحمد مسائل حسانًا. طبقات الحنابلة (1/ 82).

(2)

الفروع (4/ 118)، والإنصاف (4/ 438).

(3)

في "ذ": "بعتكه".

(4)

تقدم توثيقه في الصفحة السابقة تعليق رقم (1).

ص: 471

الحَطُّ) للدرهم (من أحد عشر) لأنه اقتضى أن يكون الحطُّ من غير العشرة (كـ) ــقوله: بعتُكه بالمائة، ووضيعة درهم (عن كلِّ عشرة، فيلزمه) أي: المشتري (تسعون درهمًا، وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءًا من درهم) لأنه يسقط من تسعة وتسعين تسعة، ومن درهم جزء من أحد عشر جزءًا، يبقى ما ذكر، ولا تضرُّ الجهالة بذلك حال العقد، لزوالها بالحساب.

وما ذكره من ثبوت الخيار في الصور الأربعة إذا ظهر أن الثمن أقل مما أخبر به البائع، تبع فيه

(1)

"المقنع" وهو رواية حنبل

(2)

(و) المذهب: أنه (من أُخبر بثمن فعَقَد به) توليةً، أو شركةً، أو مرابحةً، أو وضيعةً (ثم ظهر الثمن أقل) مما أخبر به (فللمشتري حَطُّ الزيادة) في التولية والشركة، ولا خيار، وللمشتري أيضًا حطُّ الزيادة (في المرابحة، و) حطُّ (حظها) أي: قسطها (من الربح) ولا خيار.

(ويُنقِصه) أي: الزائد (في المواضعة) لأنه باعه برأس ماله وما قدره من الربح أو الوضيعة، فإذا بان رأس ماله قدرًا، كان مبيعًا به وبالزيادة أو النقص بحسب ما اتفقا عليه (ويَلزم البيعُ بالباقي) فلا خيار للمشتري فيها؛ لأن الثمن إذا بان بأقل مما أخبر به، وسقط عنه الزائد فقد زيد خيرًا، فلم يكن له خيار، كما لو وَكَّل من يشتري له معيَّنًا بمائة، فاشتراه بتسعين.

(وإن بان) أي: ظهر الثمن الذي أخبر به البائع المشتري (مؤجَّلًا، وقد كتمه) أي: التأجيل (بائع في تخييره) بالثمن (ثم عَلِم مشترٍ) تأجيله

(1)

في "ح" زيادة: "المصنف".

(2)

لعل حنبلًا رواه في مسائله ولم تطبع، وانظر مسائل الكوسج (6/ 2930) رقم 2156، والجامع الصغير لأبي يعلى (1/ 138).

ص: 472

(أخذه) أي: المبيع (به) أي: بالثمن (مؤجلًا) بالأجل الذي اشتراه البائع إليه (ولا خيار) للمشتري (فلا يملك الفسخ فيهن) أي: في الصور الأربعة السابقة، لما تقدم من أنه زيد خيرًا.

(ولو قال) البائع: (مُشتراه مائةٌ، ثم قال: غَلِطتُ، والثمن زأئدٌ عمَّا أخبرت به، فالقول قولُه مع يمينه) فيحلف (بطَلَب مشترٍ) تحليفه (اختاره الأكثر) منهم القاضي وأصحابه، وابن عبدوس في "تذكرته"، وقدَّمه في "الهداية" و"المستوعب" و"الخلاصة" و"المحرر"، و"نظم المفردات" و"الرعايتين"، و"الحاويين"، و"الفائق". وجزم به في "المنور". قال ابن رزين في "شرحه": وهو القياس. انتهى.

لأن المشتري لما دخل مع البائع في المرابحة فقد ائتمنه، والقولُ قول الأمين (فيحلِفُ) بائع (أنه لم يكن يعلم وقتَ البيع أن ثمنها أكثر) مما أخبر به.

(فإن حلف) بائع (خُيِّر مُشترٍ بين الرَّد و) بين (دفع الزيادة) التي ادَّعاها البائع.

(وإن نكل) البائع (عن اليمين) قُضي عليه بالنكول، وليس له إلا ما وقع عليه العقد.

(أو أقرَّ) بعدم الغلط (لم يكن له غير ما وقع عليه العقد) لرضاه به من غير عذر (وقدَّم في "التنقيح" أنه لا يُقبل) قول البائع (إلا ببيّنة) واختاره الموفق، وحمل كلام الخرقي عليه، واختاره - أيضًا - الشارح، وهو رواية عن أحد

(1)

، وقدَّمه ابن رزين في "شرحه". قال في "الإنصاف": وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة. انتهى.

(1)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 346).

ص: 473

وجزم به في "المنتهى" لأنه أقرَّ بالثمن وتعلَّق به حقُّ الغير، وكونه مؤتمنًا لا يوجب قَبول دعواه الغلط، كالمضارب إذا أقرَّ بربح، ثم قال: غلطت (ثم قال) في "التنقيح" (وعنه

(1)

: يُقبل قولُ معروفٍ بالصدق، وهو أظهر. انتهى) وهي رواية أبي طالب.

(ولا يحلِفُ مُشترٍ بدعوى بائع عليه علم الغلط) قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب، اختاره القاضي، وقدَّمه في "الفروع"؛ لأنه قد أقرَّ له، فيُستغنى بالإقرار عن اليمين (وخالف الموفَّق والشارح) فقالا: الصحيح أن عليه اليمين، أنه لا يعلم ذلك، وجزم به في "الكافي".

(و‌

‌إن باع) سلعة (بدون ثمنها عالمًا، لزمه) البيع ولا خيار له،

ولا يلزم المشتري غير ما وقع عليه العقد؛ لما تقدم.

(وإن اشتراه) أي: المبيع (بدنانير، فأخبر) في البيع بتخبير الثمن (أنه اشتراه بدراهم، أو بالعكس) بأن اشتراه بدراهم، وأخبر أنه اشتراه بدنانير، فللمشتري الخيار، والعبرة بما وقع عليه العقد، لا بما أقبض عنه.

(أو اشتراه بعَرْض) ولو فلوسًا نافقة (فأخبر أنه اشتراه بثمن) أي: بنقد من دراهم أو دنانير، فللمشتري الخيار (أو بالعكس) بأن اشتراه بنقد، فأخبر أنه اشتراه بعَرْض، فللمشتري الخيار.

(وأشباه ذلك): كما لو اشتراه بعَرْض، فأخبر أنه أشتراه بعَرْض آخر، فللمشتري الخيار.

(أو) اشتراه (ممن لا تُقبل شهادته له، كأبيه، وابنه، أو مكاتبه)

(1)

كتاب الروايتين والوجهين (1/ 346).

ص: 474

وزوجته، وكتم ذلك عن المشتري في تخبيره بالثمن، فللمشتري الخيار؛ لأنه متهم في حقهم، لكونه يحابيهم ويسمح لهم.

(أو) اشتراه (بأكثر من ثمنه حيلة، كشرائه من غلام) و (كأنه الحر، أو) من (غيره، وكتمه) أي: كتم البائع ما ذكر عن المشتري (في تخبيره) بالثمن (فللمشتري الخيار إذا علم بين الإمساك والردِّ) كالتدليس، وهو حرام كتدليس العيب، فإن لم يكن حيلة جاز، وصحَّحه في "المغني" و"الشرح"؛ لأنه أجنبي أشبه غيره.

(وإن اشترى شيئين صفقة واحدة، ثم أراد بيع أحدهما بتخبير الثمن، أو اشترى اثنان شيئًا وتقاسماه، وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة) أو تولية، أو مواضعة (فإن كان) أحد الشيئين اللذين اشتراهما صفقة واحدة، أو قِسْم أحد المشتريين في الثانية (من المتقوّمات التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء، كالثياب ونحوها) من العبيد وغيرها (لم يجز) أن يبيع بتخبير الثمن (حتى يبين الحال على وجهه) لأن قسمة الثمن على ذلك تخمين، واحتمال الخطأ فيه كثير.

(لكن لو أسلم في ثوبين) أو نحوهما (بصفة واحدة، فأخذهما على الصفة، فله بَيْع أحدهما) بتخبير ثمنه (مرابحة) أو مواضعة، أو تولية (بحصته من الثمن؛ لأن الثمن ينقسم عليهما نصفين باعتبار

(1)

القيمة) فهما كالمكيلات والموزونات المتماثلة.

(ولذلك

(2)

لو أقاله في أحدها، أو تعذَّر تسليمه كان له نصف الثمن.

وإن حصل في أحدهما) أي: أحد الثوبين المسلّم فيهما بصفة

(1)

في "ح"، و"ذ" والإقناع (2/ 228):"لا باعتبار".

(2)

في "ذ" والإقناع (2/ 228): "وكذلك".

ص: 475

واحدة (زيادة على الصفة) التي أوقعا عليها العقد (جرت) الزيادة (مجرى) النماء (الحادث بعد البيع) فلا يؤثر عدم الإخبار به في البيع

(1)

الثاني بتخبير الثمن.

(وإن لم يُبيّن) البائع الحال على وجهه فيما اشتراه، كما تقدم (فللمشتري الخيار بين الرد والإمساك) دفعًا لما قد يلحقه من الضرر.

(وإن كان) أحد الشيئين اللذين اشتراهما صفقة واحدة، أو قسم أحد المشتريين صفقة واحدة (من المُتَمَاثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالبُرِّ: والشعير المتساويين، جاز بيع بعضه مرابحة) ومواضعة وتولية (بقسطه من الثمن) قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه.

(وإن اشترى) إنسان (شيئًا بثمن لرغبة تخصُّه، كحاجة إلى إرضاع) نحو ولده، وأراد البيع بتخبير الثمن (لَزِمه أن يُخبر بالحال، ويصير) ذلك (كالشراء بثمن غال لأجل الموسم الذي كان حال الشراء) وذهب. وكذا لو اشترى دارًا بجواره، فإن كتمه، فللمشتري الخيار؛ لأنه تدليس.

(وإذا أراد البائع الإخبار بثمن السلعة وكانت) السلعة (بحالها لم تتغير) بزيادة ولا نقص (أو) كانت (زادت زيادة متَّصلة كَسِمَن، وتعلُّم صنعة، أخبر بثمنها) الذي اشتراها به (سواء غَلَت أو رخُصت) لأنه إنما أخبر بما اشتراها به لا بقيمتها الآن.

(فإن) رخصت و (أخبره بدون ثمنها، ولم يُبيّن الحال) أي: أنه أخبر بدون ثمنها لكونها رخصت (لم يجز؛ لأنه كذب) والكذب حرام.

(وإن تغيَّرت) السلعة (بنقص: بمرضٍ، أو) تغير المبيع (بجناية عليه، أو) بـ (ــتلف بعضه، أو بولادة، أو عيب، أو) تغير (بأخذ المشتري

(1)

في "ح": "بيع".

ص: 476

بعضَه، كالصوف) الموجود (واللَّبن الموجود) حين الشراء (ونحوه، أَخبر بالحال) لئلا يغرَّ المشتري، فإن كتمه عنه فله الخيار كالتدليس.

(وإن حطَّ البائع بعضَ الثمن عن المشتري) زمن الخيارين (أو زاده) أي: زاد البائع المشتري (في الأجل) أي: أجل الثمن (أو) زاد البائع المشتري في (المثمن) بأن أعطاه شيئًا آخر مع المبيع زمن الخيارين (أو زاده) أي: البائع (المشتري في الثمن) بأن اشترى منه بعشرة، ثم زاده درهمين زمن الخيارين (أو حَطَّ) المشتري (له) أي: للبائع (في الأجل) بأن عقد معه بثمن إلى رجب، ثم قال: بل إلى جمادى الأولى، مثلًا (في مدة الخيارين) خيار المجلس والشرط (لَحِق) ذلك الفعل (بالعقد، وأَخبر) المشتري (به في) البيع بتخبير (الثمن) لأن ذلك من الثمن، فوجب إلحاقه برأس المال، والإخبار به كأصله.

(وإن حط البائع) عن المشتري (كلَّ الثمن فهو

(1)

هبة) ولا يبطل البيع به (وما كان) من زيادة في ثمن، أو مثمن، أو نقص منهما (بعد ذلك) أي: بعد مضي مدة الخيارين (لا يَلحق به) أي: بالعقد، للزومه، فلا يلزم الإخبار به (كخِيار وأجلٍ) فإنهما لا يلحقان بالعقد بعد لزومه، كسائر الشروط، وتقدم.

(وكما‌

‌ لو جنى) المبيع (فَفَداه المشتري) فإن الفداء لا يلحق بالعقد ولا يخبر به

(ولو كان) الفداء (في مدة الخِيارين) لأنه لم يزد به المبيع قيمة، ولا ذاتًا، وإنما هو مزيل لنقصه بالجناية (وكالأدوية، والمُؤنة، والكِسوة، فإنه لا يُخبِرُ به في الثمن) وجهًا واحدًا، ذكره في "الشرح"(وإن أَخبر بالحال فحَسنٌ) لأنه أتمُّ في الصدق.

(1)

في "ح" زيادة: "فهو أي العقد هبة، أي: فيصير عقد البيع في هذه الحالة".

ص: 477

(ولا يُخبِرُ) إذا باع بتخبير الثمن (بأخذ نماءٍ) كصوف، ولبن غير موجودين حال الشراء (و) لا بـ (استخدامٍ، ووَطْءِ ثيبٍ إن لم ينقصه) أي: ينقص الوطء المبيع، كوطء البكر فيجب الإخبار به، كما لو وطئها غيره وأخذ الأَرْش.

(وما أخذه) المشتري (أَرْشًا لعيبٍ، أو) أَرْشًا لـ (ــجناية عليه) أي: المبيع (أَخبر به) إذا باع بتخبير الثمن (على وجهه، ولو كان في مدة الخيارين) لأن المأخوذ في مقابلة جزء من المبيع.

ومعنى الإخبار به على وجهه: أن يُخبِر أنه اشتراه بكذا، وأخذ أَرْشه كذا، ولا يحط أَرْشه من ثمنه، ويخبر بالباقي، خلافًا لأبي الخطاب ومتابعيه.

(وهِبةُ مشترٍ لوكيل باعه كزيادة) في ثمن، فتلحق بالعقد في مدة الخيارين وتكون للموكل (ومثلُه عكسه) أي

(1)

: هبة بائع لوكيل اشترى منه، فتلحق بالعقد، وتكون للموكل زمن الخيارين، وإن كانت الهِبة بعد لزوم البيع فهي للموهوب له فيهما.

(فإن اشترى ثوبًا بعشرة، وقَصَره) المشتري (أو نحوه) بأن صبغه (بعَشَرَة، بنفسه أو غيره) متعلِّق بـ "قصره"، (أَخبر به على وجهه فقط) بأن يقول: اشتريته بعشرة، وقصرته، أو صبغته بعشرة (ومثلُه) أي: مثل أجرة عمله (أُجرة مكانِه، وكيله، ووزنه) وعَدِّه، وذَرْعه (وحَمْله، وخياطته، وعَلف الدابة) ونحوه فيُخبِر بذلك على وجهه (ولا يجوز أن يُخبِر) أنه اشتراه (بعشرين، ولا) يجوز (أن يقول: تَحَصَّل عليَّ بها) لأنه كذب وتغرير للمشتري.

(1)

في "ح" زيادة "عكس".

ص: 478

(وإن اشتراه بعشرة، ثم باعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة، لم يبعه مرابحةً) مخبِرًا بثمنه الثاني (بل يُخبِرُ بالحال) أنه اشتراه بعشرة، ثم باعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة (أو يَحطُّ الربح) وهو خمسة في المثال المذكور (من الثمن الثاني) وهو عشرة (ويخبر أنه تَقَوَّم عليه بخمسة) لأن الربح أحد نوعي النماء، فوجب أن يُخبِر به في المرابحة، كالنماء من نفس المبيع، كالثمرة ونحوها، قاله في "المبدع" و"شرح المنتهى" وغيرهما، وفيه نظر؛ لما تقدم من أن النماء لا يجب الإخبار به. (ولا يُخبِر أنه اشتراه بخمسة؛ لأنه كذب) والكذب حرام (وقيل: يجوز) أن يُخبِر (أنه اشتراه بعشرة) قَدَّمه في "المقنع"، واختاره الموفق والشارح، وقدَّمه في "الفروع" (وهو أصوب) قال في "الإنصاف": وهو الصواب، وقال عن الأول: إنه المذهب، ثم قال: وهو ضعيف، ولعل مراد الإمام أحمد

(1)

استحباب ذلك لا أنه على سبيل اللزوم. انتهى. قال في "الشرح": وهذا من أحمد على سبيل الاستحباب، لما ذكرناه، ولأنه الثمن الذي حصل به الملك الثاني (وعلى) القول (الأول

(2)

لو لم يبقَ شيء) بأن اشتراه بعشرة، ثم باعه بعشرين، ثم اشتراه بعشرة (أَخبر بالحال) على وجهه؛ لأنه أقرب إلى الحق وأبلغ في الصدق.

(ولو اشتراه بخمسة عشر، ثم باعه بعشرة، ثم اشتراه بأي ثمن كان بيَّنَه) أي: الثمن الثاني إذا باع بتخبير الثمن (ولم يَضم الخسارة إلى الثاني

(3)

) لأنه كذب.

(1)

الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (11/ 458).

(2)

في "ذ": "الثاني" بدل "الأول".

(3)

في "ح" زيادة: "الثمن".

ص: 479

(ولو اشترى) شخص (نصفَ شيء بعشرة، واشترى غيرُه باقيَه بعشرين، ثم باعاه مرابحة، أو مواضعة، أو توليةً صفقةً واحدة، فالثمن لهما بالتساوي) لأن الثمن عِوض المبيع، فكان على قَدْر ملكيهما (كمساومة) أي: كما لو باعاه مساومة، فإن الثمن بينهما نصفين.

(ولو اشترى اثنان ثوبًا) مثلًا (بعشرين، ثم بُدل) بالبناء للمفعول (لهما فيه اثنان وعشرون فاشترى أحدهما نصيب صاحبه بذلك السعر) المبذول لهما (أخبر) في المرابحة ونحوها (بأحدٍ وعشرين) عشرة؛ ثمن نصيبه الأول، وأحد عشر؛ ثمن نصيب صاحبه (لا باثنين وعشرين) لأنه كذب.

فصل

القسم (السابع) من أقسام الخيار:

(خيار يثبت لاختلات المتبايعين) في الثمن، وكذا لو اختلف المؤجر والمستأجر في الأجرة (فمتى اختلفا) أي: المتعاقدان (في قَدْرِ ثَمَنٍ، أو) في قَدْر (أُجرةٍ) بأن قال البائع: بعتُك

(1)

بمائة، فقال المشتري: بل بثمانين، وكذا في الإجارة (ولا بيِّنة) لأحدهما، تحالفا (أوْ لَهما) بيِّنة (تحالفا) وسقطت بيِّنَتاهما؛ لتعارضهما (ولو كانت السلعة) المبيعة (تالفة؛ لأن كُلًّا منهما مُدعٍ ومُدعًى عليه صورةً، وكذا حكمًا لسماع بَيِّنتهما).

قال في "عيون المسائل": (ولا تُسمع إلا بيِّنة المُدَّعي، باتفاقنا)

(1)

في "ح" و"ذ": "بعتكه".

ص: 480

ويؤيد

(1)

ذلك حديث ابن مسعود يرفعه: "إذا اختلفَ المتبايعانِ؛ والسلعةُ قائمةٌ؛ ولا بيِّنة لأحدِهما، تحالفا"

(2)

.

وإنما قلنا: يتحالفان وإن كانت السلعة تالفة؛ لقول الإمام

(3)

في الجواب عن الحديث المذكور: لم يقل فيه: "والمبيع قائم" إلا يزيد بن هارون

(4)

؛ وقد أخطأ، رواه الخلق الكثير عن المسعودي

(5)

، لم يقولوا

(1)

في "ح": "ويؤكد".

(2)

لم نقف على من رواه بهذا اللفظ، قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 31): أما رواية التحالف فاعترف الرافعي في التذنيب أنه لا ذكر لها في شيء من كتب الحديث، وإنما توجد في كتب الفقه، وكأنه عنى الغزالي، فإنه ذكرها في الوسيط، وهو تبع إمامه في الأساليب. وانظر التعليق الآتي آنفًا.

(3)

المغني (6/ 282، 283)، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (11/ 470).

(4)

لم نقف على من أخرجه من طريق يزيد بن هارون.

(5)

أخرجه الطيالسي ص/ 53، حديث 399، وأحمد (1/ 466)، والدارقطني (3/ 20)، والبيهقي (5/ 333)، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادان.

وأعله الترمذي (3/ 570)، والبيهقي بالانقطاع بين القاسم، وعبد الله رضي الله عنه.

وقد رواه ابن الجارود (2/ 198) حديث 624، والدارقطني (3/ 20) موصولًا من طريق عمر بن قيس الماصر، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله رضي الله عنه، به، وهذا إسناد حسن متصل.

وأخرجه - أيضًا - بهذا السياق دون الزيادة أبو داود في البيوع، باب 74، حديث 3511، والنسائي في البيوع، باب 82، حديث 4662، وابن الجارود (2/ 198)، حديث 625، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 339)، حديث 4484، والدارقطني (3/ 20)، والحاكم (2/ 45)، والبيهقي (5/ 332)، والبغوى في شرح السنة (8/ 169)، حديث 2122، من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث، عن أبيه، عن جده، عن ابن مسعود رضي الله عنه، به.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: هذا إسناد حسن =

ص: 481

هذه الكلمة، ولكنها في حديث معن

(1)

.

= موصول، وقد روي عن أوجه بأسانيد مراسيل إذا جمع بينها صار الحديث بذلك قويًّا. وأخرجه - أيضًا - دون الزيادة، الترمذي في البيوع، باب 43، حديث 270، والشافعي في السنن المأثورة ص/ 276، حديث 244، وابن أبي شيبة (6/ 227)، وأحمد (1/ 466)، والشاشي (2/ 318)، حديث 900، والبيهقي (5/ 332)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 291)، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اختلف البيعان، فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار.

قال الترمذي: هذا حديث مرسل، عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود.

وأخرجه النسائي في البيوع، باب 82، حديث 4663، وأحمد (1/ 466)، والدارقطني (3/ 19)، والحاكم (2/ 48)، والبيهقي (5/ 332 - 333)، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه مرفوعًا، بنحوه.

قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 5): قال أئمة التعديل: والذي يظهر أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الباب حسن بمجموع طرقه، وله أصل.

(1)

أخرجه أحمد (1/ 466)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (11/ 337)، حديث 4481، 4483، عن معن، عن القاسم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا اختلف البيعان، والسلعة كما هي، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان. لفظ أحمد، وليس عند الطحاوي لفظ:"والسلعة كما هي".

وأخرجه الطبراني في الكبير (10/ 174)، حديث 10365 من طريق معن بن عبد الرحمن، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، بلفظ:"والسلعة قائمة بعينها".

وأخرجه - أيضًا - بهذه الزيادة أبو داود في البيوع، باب 74، حديث 3512، وابن ماجه في التجارات، باب 19، حديث 2186، والدارمي في البيوع، باب 16، حديث 2552، والدارقطني (3/ 20)، والبيهقي (5/ 333)، من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، به.

وأخرجه - أيضًا - الطيالسي ص/ 53، حديث 399، وأحمد (1/ 366)، والبغوي في شرح السنة (8/ 170)، حديث 2124، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن =

ص: 482

(إلا إذا كان) الاختلاف في قَدْر الثمن (بعد قبض ثمنٍ، وفسخ عقدٍ بإقالة، أو) بعد (رد معيب

(1)

) أو نحوه (فـ) القول (قول بائعٍ) بيمينه؛ لأن البائع منكر لما يدعيه المشتري بعد انفساخ العقد، فأشبه ما لو اختلفا في القبض.

(و) إلا (في كتابةٍ) إذا اختلفا في قَدْر ما كاتب السيد عليه عبدَه؛ فيؤخذ (بقول سيد. ويأتي) ذلك موضَّحًا في باب الكتابة.

إذا تقرر أنهما يتحالفان (فـ) ــصفة التحالف: أن (يُبدأ بيمين بائعٍ) لأنه أقوى جنبة من المشتري؛ لكون المبيع يرد إليه (ثم) يمين (مشترٍ) بعده (يجمعان) أي البائع والمشتري، أو المؤجر والمستأجر (فيهما) أي: في يمينهما (نفيًا وإثباتًا) الإثبات لدعواه، والنفي لما ادُّعي عليه.

(ويُقدِّمان النفيَ) على الإثبات؛ لأن الأصل في اليمين أنها للنفي (فيحلف البائع: ما بعتُه بكذا، وإنما بعتُه بكذا) والمؤجر: ما أجرته بكذا، وإنما أجرته بكذا (ثم) يحلف (المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما

= عبد الرحمن، عن ابن مسعود رضي الله عنه، به.

قال البيهقي: خالف ابن أبي ليلى الجماعة في رواية هذا الحديث في إسناده، حيث قال:"عن أبيه" وفي متنه حيث زاد فيه: "والبيع قائم بعينه"، ورواه إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال فيه: والسلعة كما هي بعينها. وإسماعيل إذا روى عن أهل الحجاز لا يحتج به، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإن كان في الفقه كبيرًا فهو ضعيف في الرواية لسوء حفظه، وكثرة خطئه في الأسانيد والمتون، ومخالفته الحفَّاظ فيها.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 32): وانفرد بهذه الزيادة، وهي قوله:"والسلعة قائمة" ابن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه، وهو ضعيف سيئ الحفظ.

(1)

في "ح": "بعيب".

ص: 483

اشتريته بكذا) والمستأجر: ما استأجرته بكذا، وإنما استأجرته بكذا.

(وإن نكل أحدهما) أي: البائع أو المشتري (لزمه ما قاله صاحبه بيمينه) أي: ما حلف عليه صاحبه؛ لقضاء عثمان على ابن عمر، رواه أحمد

(1)

؛ لأن النكول بمنزلة الإقرار. قال في "المبدع": وظاهره: ولو أنه بدل أحد شقي اليمين، فإنه يُعدُّ ناكلًا، ولا بُدَّ أن يأتي فيهما بالمجموع. فقول المصنف:(وكذا لو نكل مُشترٍ عن الإثبات فقط بعد حلف بائع) لا مفهوم له، بل كذلك لو نكل عن النفي فقط، أو نكل البائع عن أحدهما.

(فإن نكلا) أي: البائع والمشتري، أو المؤجر والمستأجر (صَرَفهما الحاكمُ) كما لو نكل من ترد عليه اليمين على القول بردها، قاله المنقِّح.

(وإذا

(2)

تحالفا) أي: البائع والمشتري، أو المؤجر والمستأجر (فرضي أحدُهما بقول صاحبه، أُقِرَّ العقد) لأن من رضي بقول صاحبه قد حصل له ما ادَّعاه، فلم يملك خيارًا (وإلا) أي: وإن لم يرضَ أحدُهما بقول صاحبه (فلكلٍّ منهما الفسخُ بلا حاكم) أي: لا يفتقر الفسخ لحكم حاكم؛ لأنه فسخٌ لاستدراك الظلامة، أشبه ردَّ المعيب.

(ولا ينفسخُ) العقد (بنفس التَّحالفِ) لأنه عقد صحيح، فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة، كما لو أقام كل منهما بينة.

(ولا) ينفسخ أيضًا (بإباءِ كلِّ واحد منهما الأخذَ بما قال صاحبه) بل لا بُدَّ من تصريح أحدهما بالفسخ.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 406)، تعليق رقم (1).

(2)

في "ذ": "وإن".

ص: 484

(وإن كانت السلعةُ تالفةً، وتحالفا) لاختلافهما في قَدْر الثمن وفسخ العقد (رجعا إلى قيمة مثلها، إن كانت مثلية، وإلا) بأن لم تكن مثلية (فـ) إلى (قيمتها) لتعذر رد العين (فيأخذ مشتر) من بائع (الثمن إن كان قد قبض، إن لم يرض بقول بائع) وفسخ العقد (و) يأخذ (بائعٌ) من مشترٍ (القيمة) لأنه فوت عليه المبيع.

(فإن تساويا) أي: الثمن والقيمة (وكانا من جنس) أي: نقد واحد (تقاصَّا وتساقطا) لأنه لا فائدة في أخذه، ثم ردِّه (وإلا) بأن كان أحدهما أقل، وهما من جنس واحد (سقط الأقل، ومثله من الأكثر) وبقي

(1)

الزائد يطالب به صاحبه، وإن اختلف الجنس فلا مقاصَّة، ويأتي.

(وإن اختلفا) أي: البائع والمشتري (في القيمة) أي: قيمة السلعة التالفة بعد التفاسخ؛ فقول مُشترٍ بيمينه.

(أو) اختلفا (في صفة) السلعة التالفة، ككون العبد كان كاتبًا، فقول مُشترٍ بيمينه.

(أو) اختلفا في (قَدْرِ) السلعة التالفة، بأن قال البائع: كان المبيع قفيزين، فقال المشتري: بل قفيزًا (فقول مُشترٍ بيمينه) لأنه غارم.

(فلو وَصَفها) مُشترٍ (بعيبٍ، كبرص، وخرق ثوب، وغيرهما) كقطع إصبع (فقول من ينفيه) وهو البائع (بيمينه) كما في بعض النسخ؛ لأن الأصل عدم العيب، وإن ثبت أن السلعة كانت معيبة، قُبِل قول المشتري في تقدم العيب على البيع؛ لما تقدم.

وإن تعيَّب المبيع عند مشترٍ قبل تَلَفِه، ضم أَرْشه إلى قيمته؛ لكونه مضمونًا عليه حين التعيّب، قاله في "المنتهى" و"شرحه"، ومقتضاه: أنَّ

(1)

في "ح" و"ذ": "ويبقى".

ص: 485

قيمته تُعتبر حين التَّلَف لا حال العقد، وإلا لم نحتج إلى ضم أَرْشه إلى قيمته. لكن القيمة تُعتبر حال العقد على ما أوضحته في "الحاشية" وكلُّ غارم حكمه حكم المشتري في ذلك.

(وإن ماتا) أي: المتعاقدان (أو) مات (أحدهما، فورثتهما بمنزلتهما) وورثة أحدهما إن مات وحده، بمنزلته (إن كان الموت بعد التَّحالف وقبل الفسخ) فإن رضي ورثةُ أحدهما بما قاله ورثة الآخر، أُقِرَّ العقد، وإلا، فلكلِّ الفسخ. ومتى رضي بعضُ ورثةِ أحدِهما فليس للبقية الفسخ، على قياس ما تقدم

(1)

في خيار العيب.

(وإن كان) الموت (قبلَه) أي: قبل التَّحالف (و) أراده الورثة، فإن (كان الوارث حضر العقد وعلمه، حلف على البَّتِّ) لأنه الأصل في الأيمان (وإن لم يعلم) الوارث قَدْر الثمن، حضر العقد أَوْ لا (حلف على نفي العلم) لأنه على فعل الغير.

(وإذا فُسخ العقد في التحالف) لاختلاف المتبايعين، أو ورثتهما، أو أحدهما، وورثة الآخر (انفسخ) العقد (ظاهرًا وباطنًا في حقهما، ولو مع ظلم أحدهما) لأنه فسخ لاستدراك ظلامة، أشبه الرَّدَّ بالعيب.

(وإن اختلفا) أي: المتعاقدان (في صفة ثمن) اتفقا على تسميته في العقد (أُخِد نَقْد البلد) إن لم يكن بها إلا نَقْدٌ واحد، وادَّعاه أحدهما، فيقضى له به، عملًا بالقرينة، على ما ذكره ابن نصر الله.

(ثم) إن كان بالبلد نقود واختلفت رواجًا، أخذ (غالبه رواجًا) لأن الظاهر وقوع العقد به لغلبته (فإذا استوت) النقود رواجًا (فالوسط) تسوية بين حقيهما؛ لأن العدول عنه ميل على أحدهما، وعلى مُدَّعي نقد البلد،

(1)

(7/ 461).

ص: 486

أو غالبه رواجًا، أو الوسط اليمينُ.

وإن اختلفا في جنس الثمن، كما لو ادَّعى أحدهما أنه عقد بنقد، والآخر بعَرْض، أو أحدهما أنه عقد بذهب، والآخر بفضة، فالظاهر أنهما يتحالفان؛ لأنهما اختلفا في الثمن على وجه لا يترجَّح قول أحدهما، فوجب التحالف، كما لو اختلفا في قَدْرِه.

(وإن اختلفا في أَجَلٍ) بأن قال المشتري: اشتريته بدينار مؤجَّل، وأنكره البائع، فقوله.

(أو) اختلفا في (رهن) بأن قال: بعته بدينار على أن ترهنني عليه كذا، وأنكره مشترٍ، فقوله.

(أو) اختلفا في (قَدْرِهما) أي: قَدْرِ الأجل والرهن فقول منكر الزائد (سوى أجلٍ في سَلَمٍ) فقول مسلم إليه (كما يأتي) في باب السَّلَم.

(أو) اختلفا في (شرط صحيح، أو فاسد يُبطِل العقد، أو لا) يبطله، بأن ادعى أحدُهما اشتراطه، وأنكره الآخر، فقول منكره.

(أو) اختلفا في شرطِ (ضمين) بالثمن، أو بعهدته، أو عهدة المبيع (فقول مَنْ ينفيه) بيمينه؛ لأنَّ الأصلَ عدمُه (نصَّ عليه)

(1)

الإمام (في دعوى عبد عدم الإذن) من سيده بعد البيع، فلا يُقبل منه مع إنكار المشتري.

(و) نص

(2)

في (دعوى البائع الصِّغَرَ) بأن ادَّعى أنه حال العقد كان صغيرًا، وأنكره المشتري، فقوله؛ لأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يتعاطى إلا عقدًا صحيحًا.

(1)

الفروع (4/ 128).

(2)

مسائل الكوسج (6/ 2830) رقم 2044.

ص: 487

(ومثله) أي: مثل ما ذكر من دعوى عدم الإذن، أو الصِّغَر (دعوى إكراه، أو جنون) فلا تُقبل بغير بينة (لأنه إذا ادَّعى أحدهما صحة العقد، و) ادَّعى (الآخر فساده، صُدِّق مدَّعي الصحة) منهما (بيمينه) لأن الأصل عدم المفسد، لكن يأتي في الإقرار: تُقبل دعوى إكراهٍ بقرينة، كتوكل به وترسيم عليه.

(وإن اختلفا في قَدْرٍ مبيعٍ، فقال) المشتري: (بعتني هذين) العبدين، مثلًا (بثمن واحد، فقال) البائع: (بل) بعتُك (أحدهما) وحده، صُدِّق البائع؛ لأنه منكر للبيع في الثاني، والأصل عدمه، والبيع يتعدد بتعدد المبيع، فالمدَّعي شراء عينين يدعي عقدين أنكر البائع أحدهما بخلاف الاختلاف في الثمن.

(أو) اختلفا في (عينه) أي: عين المبيع (فقال) المشتري: (بعتني هذا) العبد (فقال) البائع: (بل) بعتُك (هذا) العبد (فقول بائع) بيمينه؛ لأنه كالغارم.

وورثة كل منهما بمنزلته فيما تقدم.

(وكذا حكم إجارة) في سائر ما تقدم.

(ولا يبطل البيع بجحوده) أي: جحود أحد العاقدين له، فلو قال: بعتُك الأَمَة بكذا، فأنكر المشتري، لم يطأها البائع، لكن إن لم يبذل له الثمن فيتوجَّه له الفسخ، كما لو أعسر المشتري.

(ولو ادَّعى) من بيده أَمَة (بيعَ الأَمَة ودَفْعَ الثمن، فقال) من كانت بيده: (بل زوجتُكـ) ــها (فقد اتفقا على إباحة الفرج له) لأنها إمَّا ملك يمين، أو زوجة (وتُقبل دعوى النكاح) ممن كانت بيده (بيمينه) لأن الأصل عدم البيع.

ص: 488

(وإن قال بائع: لا أُسلِّم المبيع حتى أقبض ثمنه، وقال المشتري: لا أُسلِّم) الثمن (حتى أقبض المبيع، و) الحال أن (الثمن عين) أي: معين (من نقد أو عَرْض، جعل بينهما عدل) ينصبه الحاكم (يقبض منهما، ثم يُسلِّم إليهما) قطعًا للنزاع؛ لأنهما استويا في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن (فيُسلِّم) العدل (المبيع أولًا ثم الثمن) لجريان العادة بذلك.

(ومن امتنع منهما) أي: من البائع والمشتري (من تسليم ما) عقدا (عليه) من مبيع، أو ثمن (مع إمكانه) تسليمه (حتى تَلِفَ، ضمنه، كغاصب) لتعديه بمنعه، وأيهما بدأ بالتسليم أجبر الآخر.

(وإن كان) الثمن (دينًا حالًّا، فنصُّه

(1)

: لا يحبس) البائع (المبيع على قَبْضِ ثمنه) لأن حق المشتري تعلَّق بعين المبيع، وحق البائع تعلَّق بالذِّمة؛ فوجب تقديم ما تعلق بالعين، كتقديم حق المرتهن على سائر الغرماء (فيجبر بائع على تسليم مبيع، ثم) يجبر (مشترٍ على تسليم ثمنه الحالِّ، إن كان معه في المجلس) لأنه غني، ومَطْلُه ظلم.

(ويُجبر بائع على تسليم مبيع في) ما إذا باع بثمن (مؤجَّل) ولا يطلب

(2)

بالثمن حتى يحل

(3)

أجله.

(وإن كان) الدين الحالُّ (غائبًا عنه) أي: المجلس (في البلد، حَجَرَ) الحاكم (على مشترٍ في المبيع و) في (بقية ماله من غير فسخ) للبيع (حتى يُحضر) المشتري (الثمن) كله، ويسلِّمه للبائع؛ لئلا يتصرَّف في ماله تصرفًا يضر البائع (وكذا إن كان) ماله (خارجه) أي: خارج البلد

(1)

الإنصاف (4/ 458).

(2)

في "ح": "يطالب".

(3)

في "ذ": "يجيء" بدل: "يحل".

ص: 489

(دون مسافة قصر) لأنه في حكم البلد.

(وإن كان) الثمن (أو بعضُه مسافَتَه) أي: مسافة قصر (فصاعدًا، أو) كان (المشتري معسرًا، ولو ببعض الثمن، فللبائع الفسخ في الحال) لأن في التأخير ضررًا عليه.

(و) له (الرجوع في عين ماله) بعد الفسخ (كمفلِس) إذا باعه جاهلًا بالحَجْر عليه، له الفسخ والرجوع بعين ماله كما يأتي في الحَجْر.

وقوله: "في الحال" يعني أنه لا يلزمه أن ينظره ثلاثة أيام، لا أن الفسخ يكون فورًا، بل هو على التراخي، كخيار العيب كما تقدم

(1)

؛ لأنه لاستدراك ظلامته.

(وإن كان) المشتري (موسرًا مماطلًا) بالثمن (فليس له) أي: البائع (الفسخ) لأن ضرره يزول بحَجْر الحاكم عليه، ووفائه من ماله (وقال الشيخ

(2)

: له) أي: البائع (الفسخ) إذا كان المشتري مماطلًا، دفعًا لضرر المخاصمة (قال في "الإنصاف": وهو الصواب) قلت: خصوصًا في زماننا هذا.

(وكلُّ موضع قلنا: له الفسخ) في البيع (فإنه يفسخ بغير حكم حاكم) وفي النكاح تفصيل يأتي.

(وكل موضع قلنا: يحجر عليه، فذلك إلى الحاكم) لأنه يحتاج لنظر واجتهاد (وكذا) حكم (مؤْجِر بنقدٍ حالٍّ) على ما تقدم تفصيله.

(وإن هرب المشتري قبل وزن الثمن، وهو) أي: المشتري (مُعسِر) بالثمن أو بعضه (فللبائع الفسخ في الحال) كما لو لم يهرب.

(1)

(7/ 460).

(2)

الاختيارات الفقهية ص/ 187.

ص: 490

(وإن كان) المشتري (موسرًا) وهرب قبل دفع الثمن (قضاه الحاكم من ماله، إن وَجَدَ) له مالًا (وإلا باع المبيع وقضى ثمنه منه) وحفظ الباقي؛ لأن للحاكم ولاية مال الغائب، كما يأتي في القضاء.

(و‌

‌ليس للبائع) إذا باع أمَةً (الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن، لأجل الاستبراء)

لتعلّق حق المشتري به، وانتقال ملكه إليه.

(ولو طالب المشتري البائع بكفيل لئلا تظهر) الأَمَة المبيعة (حاملًا، لم يكن له) أي: للمشتري (ذلك) إن لم يشترطه في صُلب العقد؛ لأنه إلزام له بما لا يلزمه، ولم يلتزمه.

وإن أحضر المشتري بعضَ الثمن، لم يملك أَخْذ ما يقابله إن نقص الباقي بالتشقيص، وقلنا: للبائع حبس المبيع على ثمنه، وإلا فله أخذ الجميع.

(وإن كان) البيعُ (بيعَ خيار لهما، أو) خيار (لأحدهما) من بائع أو مشترٍ (لم يملك البائع مطالبته) أي: المشتري (بالنقد) أي: بالثمن، نقدًا كان أو عَرْضًا، إن كان الثمن في ذمته، وإلا قبضه إن كان معينًا، وسواء كان الخيار خيار مجلس أو شرط؛ لأن من له الخيار لم تنقطع عُلقه عن المبيع.

(ولا) يملك (مُشترٍ قبض مبيع في مدة خيار بغير إذن صريح من البائع) إن كان له خيار؛ لأن علقه لم تنقطع عن المبيع.

ص: 491

‌فصل في التصرف في المبيع

(ومن اشترى شيئًا بكيلٍ أو وَزْنٍ، أو عَدٍّ، أو ذَرْعٍ ملكه) بالعقد (ولزم) البيع (بالعقد) إن لم يكن فيه خيار، كباقي المبيعات (ولو كان) المبيع (قفيزًا من صُبْرة، أو) كان (رطلًا من زُبْرَة) حديد ونحوه.

(ولم يصح) من المشترى (تصرُّفه فيه) أي: فيما اشتراه بكيل أو وزن أو عدٍّ أو ذرع (قبل قَبْضه، ولو) تصرَّف فيه مُشترٍ (من بائعه) له (ببيع) متعلّق بـ "تصرفه"، أي: لم يصح بيعه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قَبْضه، متفق عليه

(1)

. وكان الطعام يومئذ مستعملًا غالبًا فيما يُكال ويوزن، وقيس عليهما المعدود والمذروع؛ لاحتياجهما لحق تَوْفيَةٍ.

(ولا) يصح التصرُّف فيه - أيضًا - بـ (إجارة، ولا هبة ولو بلا عِوض، ولا رهن ولو بعد قَبْض ثمنه، ولا الحوالة عليه، ولا) الحوالة (به، ولا غير ذلك) من التصرُّفات (حتى يقبضه) المشتري، قياسًا على البيع، والمراد بالحوالة عليه أو به صورة ذلك، وإلا فشرط الحوالة كما يأتي: أن تكون بما في ذمة على ما في ذمة.

(ويصح عتقه) كما لو اشترى عشرة أعبد مثلًا، فأعتقها قبل قَبْضها. قال في "المبدع": قولًا واحدًا.

(1)

البخاري في البيوع، باب 54، 55، حديث 2132، 2135، ومسلم في البيوع، حديث 1525، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

والبخاري في البيوع، باب 55، حديث 2136، ومسلم في البيوع، حديث 1526، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 492

(و) يصح أيضًا (جَعْله مهرًا، ويصح الخُلع عليه) لاغتفار الغرر اليسير فيهما.

(و) تصح (الوصية به) لأنها ملحقة بالإرث، وتصح بالمعدوم، زاد بعضهم: وتزويجه.

(فلو قبضه) أي: ما اشتراه بكيل، أو وزن، أو عدٍّ، أو ذَرْع (جزافًا، مكيلًا كان، أو نحوه) من موزون، ومعدود، ومَذْروع (لعلمهما) أي: المتعاقدين (قَدْره بأن شاهدا كيله ونحوه) من وزنه، أو عدِّه، أو ذرعه (ثم باعه) أي: ما قبضه جزافًا (به) أي: بالكيل ونحوه الذي شاهده قبلُ (من غير اعتبار) لكيله، أو وزنه، أو عدِّه، أو ذرعه (صح) تصرُّفه فيه لحصول المقصود به، ولأنه مع علمهما قَدْره يصير كالصُّبرة المعينة.

(وإن أعلمه) بائع (بكيله ونحوه) كوزنه، وعدِّه، وذَرْعه (فقبضه) المشتري جزافًا (ثم باعه به) أي: بالكيل ونحوه الذي أخبره به البائع (لم يجز) أي: لم يصح البيع قبل اعتباره، لفساد القبض، لعدم علمه قَدْره.

(وكذا إِن قبضه) أي: المبيع بكيل، أو نحوه (جزافًا) ولم يعلما قَدْره، لم يصح (أو كان مكيلًا فقبضه وزنًا) أو موزونًا فقبضه كيلًا.

(وإن قَبَضه) المشتري جزافًا (مصدقًا بائعه بكيله ونحوه) كوزنه، أو عدِّه، أو ذرعه (برئ) البائع (من عهدته) بحيث لو تلف كان من ضمان المشتري (ولا يتصرَّف) فيه المشتري ببيع أو نحوه (قبل اعتباره لفساد القَبْضِ) كما تقدم.

فإن ادَّعى المشتري نقصًا لم يُقبل منه، مؤاخذةً له بتصديقه البائع. (وإن لم يصدقه) أي: يصدق المشتري البائع فيما ذكره من كيله ونحوه،

ص: 493

بأن قبضه مع سكوته (قُبِلَ قوله) أي: المشتري (في قَدْرِه) أي: المبيع (إن كان المبيع) مفقودًا (أو) كان (بعضه مفقودًا، أو اختلفا في بقائه على حاله) وأنه لم يذهب منه شيء.

(وإن اتفقا على بقائه على حاله، وأنه لم يذهب منه شيء، أو ثبت) ذلك (ببينة، اعتُبر بالكيل) أو الوزن، أو العدِّ، أو الذَّرْع، ليزول اللبس.

(فإن وافق) كيله ونحوه (الحقَّ، أو زاد) يسيرًا (أو نقص يسيرًا لا يتغابن الناس بمثله، فلا شيء على البائع) في صورة ما إذا نقص يسيرًا (والمبيع بزيادته للمشتري) في صورة الزيادة اليسيرة.

(وإن زاد) كثيرًا (أو نقص كثيرًا يُتغابن بمثله) عادة (فالزيادة للبائع، والنقصان عليه) أي: على البائع، فإن كان المبيع قفيزًا من صُبرة مثلًا تمَّمه البائع منها.

وإن وقع العقد على معين، رد البائع قسط ما نقص من الثمن كما تقدم.

(والمبيع بصفةٍ) معينًا كان أو في الذِّمة (أو) بـ (رؤية سابقة) بزمن لا يتغير فيه المبيع غالبًا (من ضمان البائع حتى يقبضه مُشترٍ) لأنه تعلَّق به حق توفيةٍ، فأشبه المبيع بكيل أو نحوه.

(ولا يجوز للمشتري التصرُّف فيه) أي: فيما بِيع بصفة، أو رؤية سابقة (قبل قَبْضِه) ظاهره: ولو بعتق، أو جعله مهرًا ونحوه، ولعله غير مراد، بل المراد التصرُّف السابق، فـ "ال" للعهد (ولو غير مكيل ونحوه) من موزون ومعدود ومذروع، لما تقدم.

(وإن تلف المكيل ونحوه) أي: الموزون، والمعدود، والمذروع المبيع بالكيل ونحوه (أو) تَلِفَ (بعضه بآفة) أي: عاهة (سماوية) لا صنع

ص: 494

لآدمي فيها (قبل قبضه) أي

(1)

قَبْض المشتري له (فـ) هو (من مال بائع) لأنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن ربحِ ما لم يضمن"

(2)

. والمراد به: ربح ما بيع قبل القبض.

قال في "المبدع": لكن إن عرض البائع المبيع على المشتري، فامتنع من قبضه، ثم تَلِفَ، كان من ضمان المشتري، كما أشار إليه ابن نصر الله، واستدلَّ له بكلام "الكافي" في الإجارة.

(وينفسخ العقد فيما تَلِفَ) بآفة مما بيع بكيل، أو نحوه قبل قبضه، سواء كان التالف الكل أو البعض؛ لأنه من ضمان بائعه.

(ويُخيَّر مُشترٍ) إذا تَلِفَ بعضه، وبقي بعضه (في الباقي بين أَخْذِه بقسطه من الثمن، وبين ردِّه) وأخذ الثمن كله؛ لتفريق الصفقة.

وكذا لو تعيَّب عند البائع كما تقدم

(3)

في خيار العيب، ومقتضى ما سبق هناك، له الأَرْش، وقطع في "الشرح" و"المنتهى" وغيرهما هنا: لا أَرْش له.

(فلو باع ما) أي: مبيعًا (اشتراه بما) أي: بثمن (يتعلَّق به حق توفِيَةٍ من مكيل ونحوه) كموزون، ومعدود، ومذروع (كما لو اشترى شاة، أو شقصًا بطعام) أي: بقفيز مثلًا عن طعام (فقبض) المشتري (الشاة وباعها) ثم تَلِفَ الطعام قبل قبضه. وقوله: "فقبض الشاة" جَريٌ على الغَالب، ولو باعها قبل القبض، صحَّ كما يأتي والمسألة بحالها (أو أخذ الشَّقص بالشفعة، ثم تَلِفَ الطعام قبل قبضه، انفسخ العقد الأول) لما تقدم (دون)

(1)

في "ذ": زيادة: "قبل".

(2)

تقدم تخريجه (7/ 396)، تعليق رقم (1).

(3)

(7/ 446 - 447).

ص: 495

العقد (الثاني) لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ، لا من أصله (ولم يبطل الأخذ بالشُّفعة) لما ذكر.

(ويرجع البائع الأول على مشتري الشاة) منه بقيمتها (أو) يرجع على مشتري (الشِّقص بقيمة ذلك) لتعذُّر ردِّه (ويأخذ المشتري من الشفيع مثل الطعام) الذي اشترى به الشقص (لأنه الذي وقع عليه العقد) وقوله: (لتعذُّر الرَّدِّ فيهما) أي: في الشاة أو الشقص؛ علة لقوله: "ويرجع البائع الأول على مشتري الشاة، أو الشقص بقيمة ذلك".

(وإن أتلفه) أي: المبيع بكيل أو نحوه، آدميٌّ (غير مشترٍ، بائعًا كان) المتلف (أو غيره) أي: غير البائع (خُيِّر مشترٍ بين الفسخ وأخذ الثمن) الذي دفعه (وللبائع مطالبة مُتلِفه ببدله) أي: بمثلها إن كان مثليًّا، وإلا فبقيمته؛ لأنه لما فسخ المشتري عاد الملك للبائع، فكان له الطلب على المُتلِف. (وبينَ إمضاء) البيع (ويَنْقُد هو) أي: المشتري (للبائع الثمن) إن كان لم يدفعه (ويطالب) المشتري (مُتلِفه) بائعًا كان أو أجنبيًّا (بمثله) أي: المتلف (إن كان مثليًّا، وإلا فبقيمته) لأن الإتلاف كالعيب، وقد حصل في موضع يلزم البائع ضمانه، فكان للمشتري الخيار، كالعيب في المبيع.

وفارق ما إذا كان تلفه بآفةٍ سماوية؛ لأنه لم يوجد ما يقتضي الضمان، بخلاف ما إذا أتلفه آدمي، فإن إتلافه يقتضي الضمان بالبدل، وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن، فكانت الخيرة للمشتري في التضمين بأيهما شاء.

(وإتلاف مُشترٍ) للمبيع (ولو) كان الإتلاف (غير عمد) كقبضه.

(و) إتلاف (متَّهب بإذنه) أي: إذن واهب (لا غصبه) لموهوب

ص: 496

فليس قبضًا، فلا تلزم الهبة به، لعدم إذن الواهب، لكن تصرف الموهوب فيه يصح حتى قبل القبض على ما يأتي في الهبة. وكذا غصب مشترٍ ما يحتاج لحق توفِيَةٍ ليس قبضًا؛ فلا يصح تصرُّفه على ما في "شرح المنتهى"، وفيه نظر (كقبضه ويستقرُّ عليه) أي: على المشتري إذا أتلف المبيع (الثمنُ) فينقده للبائع إن لم يكن دفعه، وإن كان دفعه فلا رجوع له به.

(وكذا) أي: كالمبيع بكيل ونحوه فيما تقدم من أحكام التلف والإتلاف (حكمُ ثمرٍ على شجر قبل جذاذه) فهو من ضمان بائع حتى يجذه مُشترٍ، على ما يأتي في بيع الأصول والثمار (ويأتي قريبًا، لو غصب) البائع (الثمن.

وان اختلط) المبيع بكيل ونحوه (بغيره ولم يتميَّز، لم ينفسخ) البيع؛ لبقاء عين المبيع (وهما) أي: المشتري ومالك ما اختلط به المبيع (شريكان في المختلط) بقَدْرِ ملكيهما، ولمشترٍ الخيار.

(وإن نَما) المبيع (ولو بكيل أو نحوه، في يد بائع قبل قَبْضِه فـ) النماء (للمشتري، لأنه من ملكه، وهو - أي: النماء - أمانة في يد بائع لا يضمنه) البائع (إذا تلف بغير تفريط) منه، ولو كان المبيع مضمونًا؛ لأن النماء غير معقود عليه.

(ولو باع شاةً بـ) ــكيل معلوم من نحو (شعير، فأكلته) الشاة (قبل قبضه، فإن لم تكن الشاة بيد أحد انفسخ البيع، كـ) ــما لو تلف بـ (الآفة السماوية) لأن التلف هنا لا ينسب إلى آدمي (وإن كانت) الشاة (بيد المشتري، أو) بيد (البائع، أو) بيد (أجنبي، فـ) الشعير (من ضمان من هي في يده) لأنه كإتلافه.

ص: 497

فعلى مقتضى ما تقدم: إن كانت بيد البائع فكقبضه واستقرَّ البيع، وإن كانت بيد المشتري، أو أجنبي، خُيِّر البائعَ بين الفسخ ويرجع فيها، وبين الإمضاء ومطالبة من كانت بيده بمثله.

(وما) أي: ومبيع (عدا مكيل ونحوه، كعبد) معين (وصُبرة) معينة (ونصفِهما، يجوز التصرُّف فيه قبل قَبْضه ببيع، وإجارة، وهِبة، ورهن، وعتق، وغير ذلك) لأن التعيين كالقبض.

(فإن تلف) المبيع بغير كيل ونحوه (فمن ضمان مُشترٍ، تمكَّن) المشتري (من قَبْضه أم لا) لقول ابن عمر: "مضت السُّنَّةُ أن ما أدركتهُ الصفقةُ حيًّا مجموعًا، فهو من مالِ المبتاعِ" رواه البخاري

(1)

(إذا لم يمنعه) أي: المشتري (منه) أي: من قبض المبيع (بائع) فإن منعه بائع كان من ضمانه؛ لأنه كالغاصب، وتقدم.

(ولمن اشترى) المبيع بغير كيل ونحوه (منه) أي: من مشتريه قبلَ قَبضه (المطالبةُ بتقبيضه من شاء، عن البائع الأول) لأن عين ماله بيده (أو) البائع (الثاني) لأن عليه تسليم المبيع لمشتريه.

(ويصح قَبْضه) أي: المبيع (قبل نَقْدِ) أي: بذل (الثمن وبعده، ولو بغير رضا البائع) لأنه ليس له حبس المبيع على ثمنه كما تقدم (ولو كان) المبيع (غير معين) بأن كان مشاعًا، كنصف عبد ودار.

(والثَّمن الذي ليس في الذِّمة كمثمنٍ) في كل ما سبق من أحكام التلف، وجواز القبض بغير إذن المشتري (وما في الذِّمة) من ثمن ومُثَمَّن

(1)

في البيوع، باب 57، قبل حديث 2138 معلَّقًا بصيغة الجزم، ولفظه: ما أدركت الصفقة حيًّا مجموعًا فهو من المبتاع. ووصله الطحاوي (4/ 16)، والدارقطني (3/ 53)، وصححه ابن حزم في المحلى (8/ 364)، والحافظ في تغليق التعليق (3/ 243).

ص: 498

إذا تلف (له أخذ بدله؛ لاستقراره) فلا ينفسخ العقد بتلفه، ولو مكيلًا ونحوه؛ لأن المعقود عليه في الذمة لا عين التالف.

(وحكمُ كل عوض مُلِكَ بعقدٍ) موصوف بأنه (ينفسخ بهلاكه) أي: العوض (قبل قَبْضِه، كأُجرة معيَّنة، وعوض مُعيَّن في صُلح بمعنى بيع) بأن أقرَّ له بدَين أو عين، وصالحه عن ذلك بعوض معين (ونحوهما) كعوض هبة معين (حكمُ عوضٍ في بيع) خبر قوله:"وحكم كل عوض"، (في جواز التصرُّف) إن كان مما لا يحتاج لحق توفيَةٍ ونحوه (ومنعِه) أي: التصرُّف إن كان كذلك بغير عتق، وجعله مهرًا ونحوه.

(وكذا) حكم (ما) أي: عوض (لا ينفسخ) العقد (بهلاكه قبل قبضه، كعوض طلاق، و) عوض (خُلعٍ، و) عوض (عتق، على مال ومهر، ومُصالَحٍ به عن دم عمد، وأرْشِ جناية، وقيمة مُتلَف، ونحوه) فلا يجوز التصرُّف فيه بغير نحوِ عتقٍ قبل قبضه إن احتاج لحق توفية وإلَّا جاز.

(لكن يجب) على من تلف ذلك بيده قبل إقباضه (بـ) سبب (تلفه مثلُه) إن كان مثليًّا (أو قيمتُه) إن كان متقومًا؛ لأنه من ضمانه حتى يقبضه مستحقه إلحاقًا له بالمبيع (ولا فسخ) بتلف ذلك قبل قبضه.

(وإن تعيَّن ملكه) أي: ملك إنسان (في موروث، أو وصية، أو غنيمة، لم يعتبر) لصحة تصرُّفه فيه (قبضُه، وله التصرُّف فيه قبله) أي: القبض (لعدم ضمانه بعقد معاوضة) فملكه عليه تام، لا يتوهم غرر الفسخ فيه (كمبيع مقبوض، وكوديعة، ومال شركة وعارية) لما تقدم.

(وما قَبضُه شرطٌ لصحة عقده، كصرف وسَلَمَ) وربوي بربوي (لا يصح تصرُّفُ) من صار إليه أحد العوضين (فيه قبل قبضه) لأنه لم يتم

ص: 499

الملك فيه، أشبه التصرُّف في ملك غيره.

(ويحرم تعاطيهما عقدًا فاسدًا) من بيع أو غيره (فلا يَملك) المبيع ونحوه (به) أي: بالعقد الفاسد؛ لأن وجوده كعدمه.

(ولا ينفذ تصرُّفه) في المعقود عليه عقدًا فاسدًا؛ لعدم ملكه له غير العتق. ويأتي في الطلاق.

(ويضمنه) القابض (و) يضمن (زيادَته بقيمته) إن كان متقومًا، وإلا فبمثله (كمغصوب) ويضمن أجرة مثله ونقصه ونحوه كما تقدم. و (لا) يضمنه (بالثمن) لعدم انتقال الملك فيه.

‌فصل في قبض المبيع

(ويحصُل القبضُ فيما بِيعَ بكيل، أو وزن، أو عَدٍّ، أو ذرع بذلك) أي: بالكيل، أو الوزن، أو العدِّ، أو الذرع؛ لما روى عثمان مرفوعًا:"إذا بعت، فكِل، وإذا ابتعتَ فاكتَلْ" رواه أحمد

(1)

. فلا يشترط نقله.

(1)

(1/ 62، 75). وأخرجه - أيضًا - ابن ماجه في التجارات، باب 38، حديث 2230، وابن أبي عمر العدني، كما في إتحاف الخيرة المهرة (3/ 297) حديث 2768، وعبد بن حميد (1/ 107) حديث 52، وابن عبد الحكم في فتوح مصر، كما في تغليق التعليق (3/ 239)، وسمويه في فوائده، كما في تهذيب التهذيب (7/ 50)، والبزار (2/ 33)، حديث 379، وأبو بكر المروزي في مسنده، كما في تغليق التعليق (3/ 239)، والطحاوي (4/ 17)، والدارقطني (3/ 8)، والبيهقي (5/ 315)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 238، 239)، وذكره البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب 51، قبل حديث 2126، معلقًا بصيغة التمريض، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 98): رواه أحمد وإسناده حسن. وحسَّنه الحافظ في هدي الساري ص/ 18، وفي الفتح (4/ 344)، وتغليق التعليق (3/ 240)، وضعفه عبد الحق في الأحكام الوسطى (3/ 237)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 16).

ص: 500

(بشرط حضور مستحق، أو نائبه) كيلَه، أو وزنَه، أو عدَّه، أو ذرعه؛ للخبر.

(فإذا ادَّعى) القابض (بعد ذلك) أي: بعد أن كاله، أو وزنه، أو عده، أو ذرعه بحضوره أو حضور نائبه (نقصان ما اكتاله، أو اتزنه ونحوه) كالذي عدَّه أو ذرعه، لم يقبل.

(أو) ادَّعى القابض (أنهما غلطا فيه) أي: في الكيل ونحوه (أو ادَّعى البائع زيادة) في المقبوض (لم يُقبل قولهما) أي: قول القابض في الأوليين، ولا قول البائع في الأخيرة؛ لأن الظاهر خلافه (ويأتي ذلك آخر السَّلَم) مع زيادة.

(و‌

‌تكره زلزلة الكيل) عند القبض

؛ لاحتمال في زيادة الواجب. قال في "شرح المنتهى": ولأن الرجوع في كيفية الاكتيال إلى عُرف الناس في أسواقهم، ولم تعهد فيها. اهـ. وفيه نظر، بل عُهد ذلك في بعض الأشياء، فعليه لا تُكره فيها، كالكشك.

(ولو اشترى جوزًا عددًا معلومًا، فعدَّ في وعاء ألف جوزة، فكانت مِلأَهُ، ثم اكتال) باقي (الجوز بذلك الوعاء بالحساب، فليس بقبض) للباقى، لعدم عده (وتقدم)

(1)

ذلك (في كتاب البيع.

ويصح قبض وَكيلٍ من نفسه لنفسه) فمن عليه دين فدفع لربه شيئًا، وقال: بِعْه واستوفِ حقك من ثمنه، ففعل، جاز (إلا ما كان من غير جنس ماله) بأن باعه بغير جنس دَيْنهِ، فلا يصح أن يستوفي من نفسه عوض دينه؛ لأنها معاوضة لم يوكل فيها، ويأتي.

(و‌

‌يصح استنابةُ مَنْ عليه الحق للمستحق في القبض) لنفسه،

فلو

(1)

(7/ 355).

ص: 501

اشتريا قفيزًا من صُبْرة، فدفع ربها المكيل للمشتري، وآذنَه بأن يكتاله، ففعل جاز؛ لقيام الوكيل قيام

(1)

موكله.

(ووعاؤُه كَيَدِهِ) فلو اشترى منه مكيلًا بعينه، ودفع إليه الوعاء، وقال: كِلْه، فإنه يصير مقبوضًا. قال في "التلخيص": وفيه نظر.

(ولو قال) البائع للمشتري: (اكْتَلْ من هذه الصُّبْرة قَدْر حقك، ففعل) المشتري، بأن اكتال منها قَدْر حقه (صح) القبض لصحة استنابة من عليه الحق للمستحق، كما تقدم (ويأتي لذلك تتمة آخر السَّلَم) مفصلة.

(ولو أَذِنَ لغريمه في الصدقة عنه بدينه، أو) في (صَرْفه، أو) في (المضاربة به) أو شراء سلعة به (لم يصح) الإذن؛ لأنه لا يملكه حتى يقبضه (ولم يبرأ) الغريم إذا تصدق به، أو صرفه، أو ضارب به ونحوه؛ لعدم أدائه لربه. ويأتي في آخر السلم تتمة.

(ومؤنة توفية المبيع) والثمن ونحوهما (من أجرة كيل، و) أجرة (وزن، و) أجرة (عَدِّ) هـ (و) أجرة (ذرعـ) ــه (و) أجرة (نقد على باذِله) أي: باذل المبيع أو الثمن (من بائع ومُشترٍ) ونحوهما؛ لأن توفيته واجبة عليه، فوجب عليه مؤنة ذلك (كما أن على بائع الثمرة) حيث يصح بيعها (سقيها) لأن تسليمها إنما يتم به، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.

(والمراد بالنَّقَاد) الذي تجب أجرته على الباذل، نقاد الثمن ونحوه (قبل قبض البائع) ونحوه (له؛ لأن عليه) أي: المشتري (تسليم الثمن صحيحًا) وهذه طريقه.

(أما) أجرة النقد (بعد قَبْضه) أي: قبض البائع الثمن (فـ) ــهي

(1)

في "ذ": "مقام".

ص: 502

(على البائع؛ لأنه ملكه بقبضه، فعليه أن يبين أنه معيب ليرده) ولا غرض للمشتري في ذلك.

(وأجرة نقله) أي: المبيع (على مُشترٍ) لأن التسليم قد تمَّ، وكذا غير المبيع، أجرة نقله على قابضه؛ لأنه ملكه فمؤنته عليه.

(1)

ما كان من العوضين) أي: المبيع والثمن (متميزًا لا يحتاج إلى كَيْلٍ ووزن ونحوهما) كعدٍّ، وذرع، كهذا العبد، أو هذه الصُّبْرة (فعلى المشتري مؤنته؛ لأنه كمقبوض) كما تقدم.

(و‌

‌يتميز الثمن عن المثمن بدخول باء البدلية)

فإذا باعه عبدًا بثوب، فالثمن الثوب (ولو كان المثمن أحد النقدين) بأن باعه دينارًا بثوب، فالثمن الثوب أيضًا.

(ولو غصب البائعُ الثمن) غير المعين (أو أخذه بلا إذن) المشتري (لم يكن قبضًا) لأنه غصب؛ لأن حقه لم يتعين في هذا بعينه (إلا مع المقاصة) بأن أتلفه، أو تلف بيده، وكان موافقًا لما له على المشتري نوعًا وقدرًا، فيتساقطان.

(ولا ضمان على نَقَّاد حاذق أمين في خطئه) متبرِّعًا كان أو بأجرة، إذا لم يقصر؛ لأنه أمين، فإن لم يكن حاذقًا، أو كان غير أمين، فهو ضامن؛ لتغريره.

(و‌

‌يحصُل القبض في صُبْرة) بنقلها

؛ لحديث ابن عمر: "كنا نشتري الطعامَ من الركبانِ جزافًا، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبِيعَهُ حتى ننقلَه" رواه مسلم

(2)

.

(1)

في "ذ": زيادة: "وأما".

(2)

تقدم تخريجه (7/ 348) تعليق رقم (2).

ص: 503

(و) يحصُل القبض (فيما ينقل) كالثياب والحيوان (بنقله) كالصُّبْرة؛ قال في "الشرح" و"المبدع": فإن كان حيوانًا فقَبْضه تمشيته من مكانه.

(و) يحصُل القبض (فيما يُتناول) كالأثمان والجواهر (بتناوله) إذ العرف فيه ذلك.

(و) يحصُل القبض (فيما عدا ذلك) المتقدم ذكره (من عقار) وهو الضيعة، والأرض، والبناء، والغراس (ونحوه) كالثمر على الشجر (بتخليته مع عدم مانع) أي: حائل، بأن يفتح له باب الدار، أو يسلمه مفتاحها ونحوه، وإن كان فيها متاع للبائع؛ قاله الزركشي، ويأتي عملًا بالعرف.

(لكن يُعتبر في) جواز (قبض مشاع يُنقل) كنصف فرس، أو بعير (إذنُ شريكه) في قبضه؛ لأن قبضه نقله، ونقله لا يتأتى إلا بنقل حصة شريكه، والتصرف في مال الغير بغير إذنه حرام.

وعُلم منه: أن قبض مشاع لا ينقل، كنصف عقار، لا يعتبر له إذن شريك؛ لأن قبضه تخليته؛ وليس فيها تصرف.

(فيُسلِّم) البائع (الكلَّ) المبيع بعضه بإذن شريكه (إليه) أي: إلى المشتري (ويكون سهمه) أي: الشريك (في يد القابض أمانة) ذكره القاضي في "المجرد"، وفي "الفنون": بل عارية (ويأتي في الهبة) مفصلًا محررًا.

(فإن أبى الشريك الإذن) للبائع في تسليم الكل للمشتري (قيل للمشتري: وَكِّل الشريكَ في القبض) ليصل إلى مقصوده من قبض المبيع (فإن أَبى) أن يوكِّل، أو أَبى الشريك أن يتوكل (نصبَ الحاكمُ من يقبض)

ص: 504

الكلَّ جمعًا بين الحقين (فيكون في يده لهما) أمانة أو بأجرة، والأجرة عليهما.

(ولو سلَّمه) بائع (بلا إذن) شريكه (فالبائع غاصب) لحصة شريكه، لتعديه بتسليمها بلا إذنه.

(فإن علم المشتري ذلك) أي: أن للبائع شريكًا لم يأذن في تسليم حصته، وتلفت العين بيده (فقرار الضمان عليه) لحصول التلف بيده (وإلا) بأن لم يعلم أنه لم يأذن (فـ) ــقرار الضمان (على البائع) لتغريره للمشتري.

(وكذا إن جهل) المشتري (الشركة أو) علمها وجهل (وجوب الإذن، ومثله يجهله) فقرار الضمان على البائع لما تقدم.

(وفي "المغني" و"الشرح" في الرهن: لا يكفي هذا التسليم) أي: تسليم المشترك بغير أذن الشريك (إن قلنا: استدامة القبض شرط) للزوم الرهن، كما هو المذهب؛ لتحريم الاستدامة.

فصل

(والإقالة للنادم مشروعة) أي: مستحبة؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "من أقالَ مسلمًا، أَقالَ

(1)

الله عثرتَهُ يومَ القيامة" رواه ابن ماجه

(2)

،

(1)

لفظه عند ابن ماجه وأبي داود: "أقاله".

(2)

في التجارات، باب 26، حديث 2199. وأخرجه - أيضًا - عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (2/ 252)، وأبو يعلى في معجمه ص/ 344، حديث 326، وابن حبان "الإحسان" (11/ 404، 405) حديث 5029، 5030، والدارقطني في العلل (10/ 186)، والحاكم في معرفة علرم الحديث ص/ 18، وأبو نعيم في الحلية =

ص: 505

ورواه أبو داود

(1)

، وليس فيه ذكر يوم القيامة.

(وهي) أي: الإقالة (فَسْخٌ) للعقد لا بيع؛ لأنها عبارة عن الرفع والإزالة. يقال: أقالك الله عثرتك، أي: أزالها. وبدليل جوازها في السَّلَم مع إجماعهم

(2)

على المنع من بيعه قبل قبضه.

فـ (ــتصح) الإقالة (في المبيع ولو قبل قبضه من سلم وغيره) كمبيع في ذمة، أو بصفة، أو رؤية متقدمة؛ لأنها فسخ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض.

(و) تصح (في مكيل، وموزون) ومعدود، ومذروع (بغير كيل ووزن) وعدٍّ وذرع؛ لأنها فسخ.

(و) تصح الإقالة (بعد نداء الجمعة) الثاني ممن تلزمه الجمعة؛ لما تقدم.

(و) تصح الإقالة (من مضارب، وشريكِ تجارةٍ) سواء كانت شركة

= (6/ 345)، والبيهقي (6/ 27)، وفي شعب الإيمان (6/ 260، 314)، حديث 8076، 8310، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 17)، والخطيب في تاريخه (8/ 196)، وفي الكفاية ص/ 68.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 12): هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 79 مع الفيض) ورمز لصحته. وانظر التعليق التالي.

(1)

في البيوع، باب 52، حديث 3460، وأخرجه - أيضًا - ابن عدي (2/ 777، 4/ 1497، 6/ 2305)، والحاكم (2/ 45)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 278، 279)، حديث 453، 454، والبيهقي (6/ 27). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي، وذكره ابن دقيق العيد في الاقتراح ص/ 369، في أحاديث رواها من أخرج له الشيخان في صحيحيهما، ولم يخرجا تلك الأحاديث. وذكره السيوطي في الجامع الصغير (6/ 79 مع الفيض) ورمز لصحته.

(2)

مراتب الإجماع ص/ 149.

ص: 506

عنان أو وجوه (بغير إذن) شريكه (فيما اشتراه) شريكه (لظهور المصلحة) فيها (كما يملك) المضارب ونحوه (الفسخَ بالخيار) لعيب أو نحوه.

(ومن وُكِّل في بيع، فباع) لم يملك الإقالة بغير إذن موكله (أو وكل في شراء فاشترى، لم يملك الإقالة بغير إذن المُوكِّل) لأنه لم يوكل في الفسخ.

(وتصح) الإقالة (في الإجارة) كما تصح في البيع.

(و) تصح الإقالة (من مؤجرِ وقْفٍ، إن كان الاستحقاق كله له) لأنه كالمالك له.

وظاهره: إن كان الاستحقاق مشتركًا، أو لمعين غيره، أو كان الوقف على جهة، لم تصح الإقالة، وعمل الناس على خلافه.

وفي "الفروع" في الحج: من استؤجر عن ميت يعني ليحج عنه، إن قلنا: تصح الإجارة، فهل تصح الإقالة؛ لأن الحق للميت؟ يتوجه احتمالان: قال في "تصحيح الفروع": الصواب: الجواز؛ لأنه قائم مقامه، فهو كالشريك والمضارب. اهـ. وقياسه: جوازها في الناظر وولي اليتيم لمصلحة.

(و) تصح الإقالة (من مفلِس بعد حَجْرِ) الحاكم عليه (لمصلحة) كفسخ البيع لخيار.

وتصح الإقالة (بلا شروط بيع من معرفة المقال فيه و) من (القدرة على تسليمه، وتمييزه عن غيره) كما يصح الفسخ لخيار مع عدم ذلك.

(ولو وهب والد ولده شيئًا، ثم باعه الولد) أي: باع ما وهبه له أبوه (ثم رجع إليه) أي: إلى الولد (بإقالة لم يمنع) ذلك (رجوع الأب) فيه، كما لو رجع إلى الابن بفسخ الخيار، بخلاف ما لو رجع إلى الابن ببيع أو

ص: 507

هبة، فإنه يمنع رجوع الأب، ويأتي.

(ولو باع أَمَةً، ثم أقال فيها قبل القبض، أو بعده، ولم يتفرَّقا، لم يجب) على البائع (استبراء) لعدم احتمال إصابة المشتري لها.

والصحيح من المذهب: أنه يجب استبراؤها حيث انتقل الملك، ولو قبل القبض، قاله في "تصحيح الفروع".

(ولو تقايلا في بيع فاسد، ثم حكم حاكم بصحة) ذلك (العقد) الفاسد (لم ينفذ حكمه) لأن العقد ارتفع، فلم يبقَ ما يحكم به.

(ومؤنة رد المبيع بعد الإقالة لا تلزم المشتري) بخلاف الفسخ لعيب، فتلزمه مؤنة الرَّدِّ؛ لأنه فسخ بالعيب قهرًا على البائع، بخلاف الإقالة؛ فالفسخ منهما بتراضيهما (ويبقى) المبيع بعد الإقالة (في يده) أي: يد المشتري (أمانة كوديعة) لحصوله في يده بغير تعديه.

(وتصح) الإقالة (بلفظها) بأن يقول: أقلتك (و) تصح (بلفظ مصالحة.

وظاهر كلام كثير من الأصحاب: و) تصح (بلفظ بَيْعٍ، وما يدل على معاطاة) لأن المقصود المعنى، فكل ما يتوصل به إليه أجزأ (خلافًا للقاضي) في أن ما يصلح للعقد لا يصلح للحَل، وما يصلح للحَل لا يصلح للعقد.

(ولا خيار فيها) أي: في الإقالة للمجلس، ولا لغيره؛ لأنها فسخ والفسخ لا يفسخ.

(ولا شُفعة) بالإقالة؛ لأن المقتضي لها هو البيع ولم يوجد.

(ولا ترد) الإقالة (بعيب) في المقال فيه (لأن الفسخ لا يفسخ.

و‌

‌لا تصح) الإقالة من أحد العاقدين (مع غيبة الآخر.

ص: 508

ولو قال: أَقِلني، ثم غاب، فأقاله) في غيبته (لم تصح) مطلقًا

(1)

(لاعتبار رضاه) وحال الغائب مجهول.

وذكر القاضي وأبو الخطاب في "تعليقهما": لو قال: أَقِلني، ثم دخل الدار، فأقاله على الفور؛ صح إن قيل: هي فسخ لا بيع؛ لأن البيع يشترط له حضور العاقدين في المجلس.

(ولا يحنث بها) أي: بالإقالة (من حَلَف) لا يبيع (أو علَّق طلاقًا أو عتقًا لا يبيع) فأقال، لم يحنث، لأنها فسخ لا بيع (ولا يَبَرُّ بها) أي: بالإقالة (من حَلَف بذلك) أي: بالله أو بعتق أو طلاق (ليبيعن) لما تقدم.

(وتصح) الإقالة (مع تلف ثمن، لا مع تلف مبيع) لتعذُّر الرد فيه.

(ولا) تصح أيضًا (مع موت متعاقدين، أو أحدهما) كخيار المجلس والشرط.

(ولا) تصح أيضًا (بزيادة على الثمن) المعقود به (أو) بـ (ــنقص منه أو بغير جنسه) لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه (والملك باق للمشتري) لأنه شرط التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل، فبطل كبيع درهم بدرهمين.

(وإن طلب أحدُهما الإقالَة وأبى الآخرُ، فاستأنفا بيعًا؛ جاز بزيادة) عن الثمن الأول (ونقص عن الثمن الأول) وبغير جنسه.

(وإذا وقع الفسخ بإقالة، أو خيار شرط، أو عيب) أو تدليس، أو نحوه (فهو رفع للعقد من حين الفسخ) لا من أصله، كالخلع والطلاق.

(فما حصل) في المبيع (من كسب أو نماء منفصل، فهو للمشتري)

(1)

في "ح" زيادة: "سواء قلنا أنها بيع أو فسخ".

ص: 509

لحديث: "الخراجُ بالضمانِ"

(1)

.

(وكذا طَلْعٌ تشقق، ولو لم يؤَبَّر، وثمرة ظهرت) فتكون للمشتري، ولا تتبع في الفسخ؛ لأنها في حكم المنفصلة. ويأتي توضيحه في بيع الأصول والثمار.

(و)

‌ الفسخُ (في إجارةٍ غُبِنَ فيها) رفع للعقد من أصله

(كما تقدم)

(2)

في خيار الغبن، وتقدم ما فيه.

(1)

تقدم تخريجه (7/ 450) تعليق رقم (2).

(2)

(7/ 436).

ص: 510