المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة النّاشر بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، - كلمة الإخلاص وتحقيق معناها - ط المكتب الإسلامي

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

‌مقدمة النّاشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد فهذه رسالة "كلمة الإخلاص وتحقيق معناها"، للإمام الحافظ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي نقدمها للناس في زمن هم أحوج ما يكونون فيه إلى إخلاص توحيدهم وعملهم الله سبحانه وتعالى وكلمة: لا إله إلا الله، هي الكلمة التي فطر الله عليها جميع مخلوقاته، وهي التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعًا، فكانت شعار الإسلام والفارق بين الكفر والإيمان؛ فشذ عن تحقيقها كثير من الناس، طغيانًا وكفرًا من بعضهم، وتقليدًا وجهلا من آخرين. وهؤلاء الجهلة المقلدون جعلوا بينهم وبين الحق سدًا لا يحاولون منه خلاصًا ولا لدعوة الحق نفوذا.

ص: 3

وهذه الرسالة فيها من الكلم الطيب ما جميع الكثير من معاني هذه الكلمة بأسلوب وعظيّ سهل، معين لمن أراد معرفة الحق والرجوع إليه؛ جعلنا الله من أهل: لا إله إلا الله، المؤمنين بها، الكافرين بما سواها، والعاملين بمقتضاها، إنه نعم المسؤول.

وقد سبق لهذه الرسالة أن طبعت في القاهرة سنة 1950 م ووقع فيها أغلاط شقى نبه عليها بعضهم برسالة منفردة.

وأما نشرتنا هذه فقد اعتمدنا فيها على أصل خطي كتبه محمد بن عبد العزيز المطاوعة رحمه الله سنة 1278 هـ. وهي في ثلاثين صفحة قياس 23 * 19 سم بخط واضح جميل.

وقد قام أستاذنا الجليل محدث الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بتخريج أحاديثها - جزاه الله خيرًا -.

والله أسأل أن يرد المسلمين إلى دينهم، والعمل بكتاب ربهم، والكفر بكل معبود سواه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بيروت 1 ذي القعدة 1396 هـ.

زهير الشاويش

ص: 4

‌ترجمة المؤلّف

هو الإمام الجليل أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السّلامي البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي.

ولد في بغداد سنة 736 هـ، وقيل: سنة 706. والأول هو الأرجح. ونشأ في دمشق، وفيها تلقى العلم على أكابر علماء الملة، أمثال الامام شمس الدين بن القيم، وزين الدين العراقي.

وكان فقيهًا، محدثًا، واعظًا، مؤرخًا، يميل إلى العزلة والانفراد، كثير العبادة والتهجد. وكان بينه وبين حنابلة زمانه، جفوة، حتى أنه لم يترجم لكثيرين منهم في "ذيل الطبقات" ومنهم آل مفلح وفيهم العلامة إبراهيم بن محمد مؤلف المبدع في شرح المقنع وهو من اعظم كتب الحنابلة في الفقه.

كان رحمه الله يفتي بمقالات شيخ الإسلام ابن تيمية، ويرجع إلى مؤلفاته. وفي مؤلفات ابن رجب نزعة صوفية عصمه الله من الانحدار في مزالقها بما آتاه الله من علم غزير ومنهج سلفي.

ومن مؤلفاته: "القواعد" و "الاستخراج لأحكام الخراج" و "شرح صحيح البخاريّ" ولم يكمله و "شرح الترمذيّ" و "التوحيد" و "وفضل علم السلف على الخلف" و "ذيل طبقات ابن أبي يعلى" وغير ذلك من الكتب المفيدة.

وكانت وفاته عليه رحمه الله في دمشق سنة 795 هـ ودفن في مقبرة الباب الصغير.

ص: 5

نموذج عنوان النسخة الخطية

نموذج آخر النسخة الخطية

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

خرج البخاريّ

(1)

ومسلم في "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل، فقال: يا معاذ! قال: لبَّيك يا رسول الله وسعدَيك! قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! سال: ما من عبدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُه ورسوله إلا حرَّمه الله على النار. قال: يا رسول الله، ألا أخبر بها الناسَ فيستبشروا؟ قال: إذًا

(1)

هو الإمام العظيم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاريّ أبو عبد الله حافظ الإسلام، ولد في بخارى سنة 194 هـ ورحل في طلب العلم حتى بلغ الغاية وألف كتابه "الجامع الصحيح" الذي لا يوجد بعد كتاب الله كتاب أصح منه. وله كتاب "خلق أفعال العباد" و "التاريخ"، وغير ذلك.

وقد حسده المرتزقة باسم العلم، فأوغروا عليه صدر أمير بخارى فنفاه إلى قرية (خرتنك) - من قرى سمرقند - فكانت وفاته فيها عليه رحمه الله ليلة عيد الفطر سنة 256 هـ.

ص: 7

يتَّكلوا. فأخبرَ بها معاذ

(1)

عند موته تأثمًا

(2)

.

وفي "الصحيحين" عن عتبان بن مالك

(3)

رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله

(4)

. وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة

(5)

(1)

هو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعلم المسلمين بالحلال والحرام. وأحد الستة الذين جمعوا القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد سنة 30 للهجرة وتوفي سنة 18 في غور الأردن ودفن في الغور. وقبره معروف على الجانب الشرقي.

(2)

تخلصًا من إثم كتمان العلم.

(3)

عتبان بن مالك بن عمرو الخزرجي بدري عند الجمهور وحديثه في "الصحيحين" من طريق أنس وابن الربيع وغيرهما، كان إمام قومه. توفي رضي الله عنه في خلافة معاوية وقد كبر.

(4)

وهذا اللفظ للبخاري في كتاب الصلاة.

(5)

هو أبو هريرة، عبد الرحمن بن صخر الدوسيّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الناس رواية عنه. ولد سنة 21 قبل الهجرة وتوفي سنة 59 في المدينة المنورة.

ص: 8

- أو أبي سعيد بالشك

(1)

- أنهم كانوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك

(2)

فأصابتهم مجاعة، فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم بِنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذُرةَ، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بالبركة، ثم قال:"خُذوا في أوعيتكم"، فأخذوا في أوعيتهم، حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيها فيُحجبَ عن الجنة".

(1)

قلت: والشك من الأعمش، وقد تابعه طلحة بن مصرف فقال:"عن أبي هريرة"، بدون شك رواه مسلم أيضًا.

(2)

تبوك: أرض بين الشام والمدينة؛ سميت الغزوة باسمها. وتسمى أيضًا غزوة العُسرة، كانت في زمان أجدبت فيه البلاد، وكان =

ص: 9

وفي "الصحيحين" عن أبي ذر

(1)

رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

"ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة". قلت: وإن زنى وإن سرق؟!. قال: "وإن زنى، وإن سرق". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق ثلاثًا"

(2)

. ثم قال في الرابعة: "على رغم أنف أبي ذر"؛ قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر.

= رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورى بغيرها إلا في تبوك فإنه جلاها للناس لبعد المشقة والشدة.

(1)

هو أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السابقين الأولين للإسلام. توفي رضي الله عنه في الربذة - إحدى قرى المدينة - سنة 32 هـ في خلافة أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(2)

الأصل "وإن زنى

" مرة واحدة وبعدها و "قالها ثلاثًا" والتصحيح من مسلم.

ص: 10

وفي "صحيح مسلم"، عن عبادة بن الصامت

(1)

أنه قال عند موته: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، حرّمه الله على النار"

(2)

.

وفي "صحيح مسلم" عن عبادة بن الصامت أنه قال عند موته: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة، على ما كان من العمل".

(1)

هو الصحابي الجليل أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري. أحد النقباء بالعقبة، شهد المشاهد كلها وبه نزلت:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى .... ".

أرسله سيدنا عمر مع يزيد بن أبي سفيان ليفقه أهل الشام. ووقف سيدنا معاوية عند المنبر وقال للناس: اقتبسوا من عبادة فهو أفقه مني. كانت وفاته رضي الله عنه سنة 34 هـ. وقيل: عاش بعد ولاية معاوية معاوية للخلافة.

(2)

هذه الجملة الأخيرة كررت في الأصل مرتين والتصحيح من مسلم (1/ 43).

ص: 11

وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة يطول ذكرها.

وأحاديث هذا الباب نوعان:

أحدهما: ما فيه أنَّ من أتى بالشهادتين دخل الجنة ولم يحجب عنها، وهذا ظاهر؛ فإن النار لا يخلّد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وقد يدخل الجنة ولا يُحجَب عنها إذا طُهِّر من ذنوبه بالنار.

وحديث أبي ذر معناه: أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد، وهذا حق لا مِرْية فيه، ليس فيه أنه لا يعذَّب عليها مع التوحيد.

وفي مسند البزار

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:

"من قال: لا إله إلا الله نفعته يومًا من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه".

الثانيّ: ما فيه أنه يحرم على النار، وهذا قد حمله بعضهم على الخلود فيها، أو على نار يخلّد فيها أهلهُا، وهي ما عدا

(1)

هو الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار البصري صاحب "المسند" الكبير كانت وفاته سنة 292.

ص: 12

الدرك الأعلى فأما الدرك الأعلى يدخله خلق كثير من عصاة الموحدين، بذنوبهم، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، وبرحمة أرحم الراحمين.

وفي "الصحيحين":

"إن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله".

وقالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث أن "لا إله إلا الله" سببٌ لدخول الجنة، والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه، أو لوجود مانع؛ وهذا قول الحسن

(1)

ووهب بن منبه

(2)

وهو الأظهر.

(1)

هو التابعي الجليل، أبو سعيد الحسن بن يسار البصريّ، الإمام الزاهد الشجاع البليغ. ولد بالمدينة سنة 21 هـ وتوفي بالبصرة سنة 110 هـ. وقد حفظت لنا الكتب كثيرًا من أخباره وكلماته السائرة.

(2)

هو وهب بن منبه الأبناوي الصنعانيّ، أصله من أبناء الفرس، يعد في التابعين، مؤرخ يكثر من نقل الإسرائيليات. ولد في اليمن سنة 20 وبها توفي سنة 110 هـ.

ص: 13

وقال الحسن للفرزدق

(1)

وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟. قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نِعْمَ العُدَّة. لكن لـ (لا إله إلا الله) شروطًا، فإياك وقذفَ المحصنة!.

وقيل للحسن: إن ناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.

وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.

وفي هذا الحديث: (إن مفتاح الجنة لا إله إلا الله) خرَّجه الإمام أحمد بإسناد منقطع.

وعن معاذ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألك أهل

(1)

هو همام بن غالب التميمي الدار مي الشاعر البليغ من الطبقة الأولى في الإسلاميين، وكان من أشراف قومه، كانت وفاته، في بادية البصرة سنة 110 هـ. وكلمة الحسن له تعريض بما كان الفرزدق يقوله في شعره من هجر القول.

ص: 14

اليمن عن مِفتاح الجنة، فقل: شهادة أن لا إله إلا الله. ويدل على صحة هذا القول، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رتّب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص.

كما في "الصحيحين" عن أبي أيوب

(1)

أن رجلا قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يُدخلني الجنة. فقال:

"تعبدُ الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم".

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله! دُلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال:

"تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان". فقال الرجل: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئًا، ولا أنقص منه.

(1)

هو الصحابي الجليل خالد بن زيد النجاري الأنصاريّ، شهد العقبة وبدرًا وما بعدهما، ونزل عليه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وشهد مع سيدنا علي قتال الخوارج. وغزا مع جيش يزيد بن معاوية، وتوفي رضي الله عنه على أبواب القسطنطينية - عاصمة الكفر يومئذ - سنة خمسين.

ص: 15

فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".

وفي "المسند" عن بشير بن الخصاصية

(1)

قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبايعه فاشترط عليَّ، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن أُقيم الصلاة، وأن أؤدّي الزكاة، وأن حج حجة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أُجاهد في سبيل الله. فقلت: يا رسول الله، أما اثنتين فوالله لا أُطيقها: الجهاد والصدقة فإنهم زعموا أنه من ولَّى الدبر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشمت نفسي وكرهت الموت والصدقة فوالله مالي إلا غنيمة وعشر ذود

(2)

هن رسل أهلي

(1)

هو بشير بن معبد بن شراحيل الدرسي المعروف بابن الخصاصية صحابي جليل، وحديثه في "الأدب المفرد" للبخاري "والسنن" وكان اسمه زحمًا بالزاي. فغير النبيّ صلى الله عليه وسلم، وله أحاديث غير هذا. روى عنه بشير بن نهيك وامرأته ليلى.

(2)

في "المسند"(5/ 224) طبع المكتب الإسلامي وصححه الحاكم (2/ 80) ووافقه الذهبي وفيه أبو المثنى العبدي الكوفي وهو مجهول كما قال الحسينيّ، واسمه مؤثر بن عفارة.

ص: 16

وحمولتهن، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرَّكها، ثم قال:"فلا جهاد ولا صدقة، فبم تدخل الجنة إذًا؟ ". قلت: يا رسول الله أُبايعك، فبايعته عليهن كلهن (1).

ففي هذا الحديث أن الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والصيام والحج.

ونظير هذا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

"أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ففهم عمر

(2)

وجماعة من الصحابة أَن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك، فتوقفوا في قتال مانع الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتالُه إلا بأداء حقوقها، لقوله صلى الله عليه وسلم:

= (1) غنيمة: مصغر غنم. والدود: من ثلاثة إلى عشرة من الإبل. والرسل النبيّ ما كان والحمد له ما يحتملون عليه.

(2)

هو أمير المؤمنين، أبو حفص، عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني الخلفاء الراشدين، ومضرب المثل في العدل. أسلم قبل الهجرة فأعز الله به الإسلام وتولى الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه سنة 11 هـ ففتح الله به الفتوح ووطد به الملك. وقد توفي رضي الله عنه مقتولًا بيد أبي لؤلؤة غلام المغيرة سنة 23 هـ.

ص: 17

"فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله"، وقال: الزكاة حق المال.

وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم صريحًا غيرُ واحد من الصحابة منهم ابن عمر

(1)

وأنس وغيرهما وأنه قال:

"أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة"، وقد دل على ذلك قولُه تعالى:"فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم"، كما دل قوله تعالى: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين، على أن الأخوة في الدين

(1)

هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي وهاجر إلى المدينة وهو ابن عشر سنين، استصغر في غزوة بدر. ثم أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق. كان إمامًا متينًا واسع العلم كثير الرواية، له ألف وستمائة حديث، ومما رواه الإمام أحمد منها وليس بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم سوى ثلاثة نفر. . حديثًا انظر الجزء الأول من "نفثات صدر المكمد في شرح ثلاثيات الإمام أحمد" للسفاريني وكان كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش سبعًا وثمانين سنة، توفي رضي الله عنه سنة 74 هـ.

ص: 18

لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد. فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد.

فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله، ورأوه صوابًا.

فإذا عُلم أن عقوبة الدنيا لا ترفع عمن أدّى الشهادتين مطلقًا، بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام، فكذلك عقوبة الآخرة.

وقد ذهب طائفة إلى أن هذه الأحاديث المذكورة أولًا وما في معناها، كانت قبل نزول الفرائض والحدود، منهم الزهريّ

(1)

والثوري

(2)

وغيرهما، وهذا بعيد جدًّا، فإن كثيرًا منها كان

(1)

هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبيد الله الزهري المدنيّ، أحد الفقهاء الأعلام المشهورين، قال ابن تيمية: حفظ الزهري الإسلام نحوًا من سبعين سنة. مات رحمه الله سنة 124 هـ. وعمره 74 سنة.

(2)

هو سفيان بن سعيد الثوريّ، أمير المؤمنين في الحديث، وأحد السادات علمًا وعملًا. قال ابن رجب: وجد في القرن الرابع سفيانيون - أي مقلدون له في الفقه - وهذه الجملة تشير إلى أن المسلمين لم يقتصروا في أي زمان على المذاهب الأربعة. وكانت وفاته سنة 160 هـ.

ص: 19

بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود، وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك، وهي في آخر حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء منهم من يقول في هذه الأحاديث إنها منسوخة

(1)

.

ومنهم من يقول: هي محكمة، ولكن ضم إليها شرائط ويلتفت هذا إلى أن الزيادة على النص: هل هي نسخ أم لا؟ والخلاف في ذلك بين الأصوليين مشهور، وقد صرَّح الثَّوري وغيره بأنها منسوخة، وأنه نسخها الفرائض والحدود، وقد يكون مرادهم بالنسخ البيان والإيضاح، فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل ذلك كثيرًا، ويكون مقصودهم، أن آيات الفرائض والحدود تبين بها توقف دخول الجنة والنجاة من النار على فعل الفرائض واجتناب المحارم، فصارت تلك النصوص منسوخة، أيّ: مبيَّنة مفسَّرة، ونصوص الحدود والفرائض ناسخة أيّ: مفسِّرة لمعنى تلك، موضحة لها.

(1)

وهذا كالذي قبله في البعد، لما تقرر في علم الأصول من أن الأخبار لا تنسخ. والأحاديث المذكورة أخبار، فلا يجوز القول بنسخها.

ص: 20

وقالت طائفة: تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيَّدة في أحاديث أُخر، ففي بعضها:

"من قال: "لا إله إلا الله مخلصًا"، وفي بعضها: "مستيقنًا"، وفي بعضها: "يصدق لسانه". وفي بعضها: "يقولها حقًّا من قلبه"، وفي بعضها: "قد دل بها لسانه واطمأن بها قلبه".

وهذا كله إشارة إلى عمل القلب، وتحققه بمعنى الشهادتين، فتحقيقُهُ بقول: لا إله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حبًا ورجاءً، وخوفًا، وتوكلًا واستعانة، وخضوعًا وإنابة، وطلبًا. وتحقيقه بأن محمدًا رسول الله، ألا يعبد الله بغير ما شرعه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم

(1)

، وقد جاء هذا المعنى مرفوعًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم صريحًا أنه قال: "من قال: لا إله إلا الله مخلصًا دخل الجنة.

(1)

ولا يكون ذلك إلا بسد باب الابتداع في العبادات والاستحسان في الدين باسم البدعة الحسنة، لأن هذه التسمية بذاتها من البدع أيضًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، ولا يمكن أن يكون هذا الحديث من العام المخصوص كما يقول بعض المتأخرين، لأسباب كثيرة، منها: أنه لا يوجد ما يخصه =

ص: 21

قيل: ما إخلاصها يا رسول الله؟ قال: أن تَحْجُزَكَ عما حرَّم

= من النصوص، وما يتوهمونه منها مخصصًا، فليس كذلك، بل ما صح منها مما يورده بهذا الخصوص، فإنما يدل على استحسان بعض الوسائل المحدثة، لأنها قد توصل إلى أمور مشروعة بالنص، فهذه الوسائل هي التي تقبل التقسيم إلى خمسة أقسام، لا البدعة الدينية، وهذا كما يقال:"ما لا يكون الواجب إلا به فهو واجب" ومن ذلك جمع القرآن، وتصنيف الكتب وغير ذلك، فكلها من الوسائل المشروعة لأنها تؤدي إلى ما هو مشروع بالنصوص كما لا يخفى، فليست هي من البدعة في شيء، خلافًا لما يظنون، وهذه الوسائل هي من التي يمكن حمل الحديث الصحيح عليها: "منْ سنَّ في الإسلام سنة حسنة

ومن سن في الإسلام سنة سيئة

" وسبب وروده يدل على ذلك دلالة قاطعة، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما قاله بمناسبة قيام رجل من الصحابة - بعد أن حضهم النبيّ صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فذهب الرجل إلى داره ثم عاد ومعه شيء من الصدقة، فوضعها أمام النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما رأى سائر الصحابة ما فعل الرجل، استنوا به، وجاء كل واحد منهم بما تيسر من الصدقة، فاجتمع أمام النبيّ صلى الله عليه وسلم ما شاء الله منها، فقال هذا الحديث، أفترون ذلك الصحابي أتى ببدعة حسنة، حين جاء بالصدقة ولذلك فإننا نقطع بأن باب التقرب إلى الله تعالى ليس يمكن دخوله إلا من طريق اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو القائل "ما تركت شيئًا يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به"، وقد فهم هذه الحقيقة سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ولذلك أمرونا باتباعها فقالوا: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق".

ص: 22

الله عليك. وهذا يُروى من حديث أنس بن مالك، وزيد

(1)

بن أرقم، ولكن إسنادهما لا يصح

(2)

. وجاء أيضًا من مراسيل الحسن بنحوه.

وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله، وإلآله هو الذي يطاع فلا يُعصى هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاء، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله إلا الله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الآلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه

(1)

هو الصحابي الجليل زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاريّ، له تسعون حديثًا. وهو الذي سمع رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول يقول:(ليخرجن الأعز منها الأذل) فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فأنكر عبد الله فأنزل الله الوحي تصديقًا لزيد. غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة. وشهد صفين مع سيدنا عليّ، وكانت وفاته رضي الله عنه بالكوفة سنة 66 وقيل 68 هـ.

(2)

قلت حديث زيد أشار المنذري في "الترغيب" إلى تضعيفه وآفته محمد بن عبد الرحمن بن غزوان وهو وضاع، ما قال الهيثمي (1/ 18)

ص: 23

من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه، أو التوكل عليه والعمل لأجله، كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوَّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان

(1)

، وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت؛ وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة، والرقى المكروهة؛ وإتيان الكهانَ وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتّباع هوى النفس فيما نهى الله عنه، قادحٌ في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك؛ كقتال المسلم، ومن أتى حائضًا أو امرأة في

(1)

كما في حديث حذيفة مرفوعًا: "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان" أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح. كما بينته في "الصحيحة"(137).

ص: 24

دبرها، ومن شرب الخمرة في المرة الرابعة

(1)

، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملّة بالكلية، ولهذا قال السلف: كُفر دون كفر، وشرك دون شرك.

وقد ورد إطلاق الآله على الهوى المتَّبَع، قال الله تعالى:(أفرأيت من اتخذ إلهَهُ هواه)

(2)

؟. قال: هو الذي لا يهوى شيئًا إلا ركبه. وقال قتادة

(3)

: هو الذي كلما هَوِيَ شيئًا ركبه،

(1)

لا أعلم حديثًا في إطلاق الكفر أو الشرك على من شرب الخمر بقيد المرة الرابعة، وإنما روى الطبراني عن ابن عباس قال:"لما حرمت الخمر مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا: حرمت الخمر وجعلت عدلًا للشرك". وقال المنذري في "الترغيب"(3/ 185): ورجاله رجال الصحيح. والذي ورد بقيد المرة إنما هو القتل بعد جلده في المرات الثلاث وهو حديث صحيح متواتر، رواه الحاكم (4/ 371) وحده عن سبعة من الصحابة. وصححه ابن حبان عن اثنين منهم، وعن ثامن أيضًا (1517 - 1519).

(2)

الجاثية: 23.

(3)

هو أبو الخطاب، قتادة بن دعامة السدوسي البصريّ، الحافظ المفسر العالم بالعربية والنسب وأيام العرب. ولد سنة 61 هـ وتوفي سنة 118 هـ. بمدينة واسط جنوبي العراق.

ص: 25

وكلما اشتهى شيئًا أتاهُ، لا يحجزُه عن ذلك ورعٌ ولا تقوى.

ورُوِي من حديث أبي أمامة

(1)

بإسناد ضعيف: "ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوىَ متَّبع".

وفي حديث آخر: "لا تزال لا إله إلا الله تدْفَع عن أصحابها حتى يؤثروا دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك ردَّت عليهم، ويقال لهم: كذبتم"

(2)

.

ويشهد لذلك الحديثُ الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عبدُ الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخَميصة، تعس وانتكس، وإذا شيِك فلا انتقش". فدل

(1)

هو الصحابي الجليل أبو أمامة صدي - بالتصغير - بن عجلان بن وهب أبو أمامة الباهلي غلبت عليه كنيته. قال سفيان بن عيينه: هو آخر من بقي في الشام من الصحابة. وكانت وفاته رضي الله عنه سنة ست وثمانين. وقيل: إحدى وثمانين هـ.

(2)

رواه ابن النجار عن زيد بن أرقم، كما في "الجامع الكبير" ولا يصح.

ص: 26

هذا على أن كل من أحب شيئًا وأطاعه، وكان غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله، وعادى لأجله، فهو عبده، وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه.

ويدل عليه أيضًا أن الله تعالى سمَّى طاعة الشيطان في معصيته عبادةً للشيطان، كما قال تعالى:(ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان)

(1)

. وقال تعالى حاكيًا عن خليله إبراهيم عليه السلام لأبيه: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عِصيًّا)

(2)

، فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له، ولم يخلُص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن، وهم الذين قال فيهم:(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)

(3)

. فهم الذين حققوا قولَ: لا إله إلا الله"، وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إلى غير الله محبةً ورجاءً وخشية وطاعة وتوكلًا، وهم الذين صدقوا في قول: "لا إله إلا الله"، وهم عباد الله حقًّا؛ فأما من

(1)

يس: 60.

(2)

مريم: 44.

(3)

الحجر: 42.

ص: 27

قال: "لا إله إلا الله"، بلسانه، ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذّب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى، (ومن أضل ممن اتّبع هواه بغير هدى من الله؟)

(1)

(ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)

(2)

.

فيا هذا كن عبد الله لا عبد الهوى، فإن الهوى يهوي بصاحبه في النار:(أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟)

(3)

!

تعسَ عبد الدرهم! تعس عبد الدينار! والله لا ينجو غدًا من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده، ولم يلتفت إلى شيء من الأغيار، من علم أن معبودَه الله فرد، فليُفْرده بالعبودية، (ولا يُشرك بعبادة ربه أحدًا)

(4)

.

كان بعض العارفين يتكلم على أصحابه، على رأس جبل، فقال في كلامه: لا ينال أحد مراده حتى ينفرد فردًا بفرد؛

(1)

القصص: 50.

(2)

ص: 26.

(3)

يوسف: 39.

(4)

الكهف: 110 وانظر رسالة "العبودية" لشيخ الإسلام ابن تيمية فالمؤلف أورد هنا الكثير من كلامه.

ص: 28

فانزعج واضطرب، حتى رأى أصحابُه أن الصخور قد تدكدكت، وبقي على ذلك ساعة، فلما أفاق فكأنه نُشر من قبره.

قول: "لا إله إلا الله" تقتضي أن لا يُحب سواه، فإن الآله هو الذي يطاع، فلا يعصى محبة وخوفًا ورجاءً، ومن تمام محبته محبةُ ما يحبه وكراهة ما يكرهه، فمن أحب شيئًا مما يكرهه الله، أو كره شيئًا مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول: لا إله إلا الله، وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما يحبه الله، وما أحبه مما يكرهه الله قال الله تعالى:(ذلك بأنهما اتَّبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)

(1)

.

قال الليث

(2)

عن مجاهد

(3)

في قوله: (لا يشركون بي

(1)

محمد: 28.

(2)

هو الإمام الجليل الليث بن سعد، إمام أهل مصر في عصره، حديثًا وفقهًا. أصله من خراسان ومولده في قلقشندة، ووفاته في القاهرة، وكان من الكرماء الأجواد، كانت وفاته رحمه الله سنة 175 هـ.

(3)

هو أبو الحجاج، مجاهد بن جبر، تابعيّ، من شيوخ القراء والمفسرين ولد سنة 21 هـ. وتوفي سنة 104.

ص: 29

شيئًا)

(1)

قال: لا يحبون غيري.

وفي صحيح الحاكم

(2)

عن عائشة

(3)

رضي الله عنها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور، أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب والبغض؟.

(1)

سورة النور، الآية:55.

(2)

هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري الحافظ المعروف بالحاكم، صاحب التصانيف، إمام صدوق.

قال الحافظ الذهبي في الميزان: لكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة ويكثر من ذلك، وكان فيه تشيع من غير تعرض للشيخين. مات رحمه الله سنة 405 هـ.

(3)

هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كناها أم عبد الله، كانت أفقه نسائه صلى الله عليه وسلم روت عنه الكثير، لها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث. ماتت رضي الله عنها سنة 58 هـ ودفنت بالبقيع. وانظر "الإجابة فيها استدركته عائشة على الصحابة"، للإمام الزركشي طبع المكتب الإسلامي بتحقيق الأستاذ الافغاني. فإن فيها من علمها ما يدهش.

ص: 30

قال الله عز وجل: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله)

(1)

.

وهذا نص في أن محبة ما يكرهه الله وبغض ما يحبه متابعة للهوى، والموالاةُ على ذلك والمعاداة فيه من الشرك الخفي.

وقال الحسن: اعلمْ أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته!.

وسئل ذو النون

(2)

: متى أُحبُ ربي؟. قال: إذا كان ما يبغضه عندك أمرَّ من الصبر!.

وقال بشر بن السري

(3)

: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبُك!.

(1)

سورة آل عمران، الآية: 31 وتمامها: "ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم". والحديث ضعيف الإسناد كما بينته في "الضعيفة" رقم (3755).

(2)

هو ذو النون المصري الزاهد، واسمه ثوبان بن إبراهيم.

ويقال: الفيض بن إبراهيم، أحد الزهاد المشهورين، قال الحافظ الذهبي في الميزان: له أحاديث فيها نظر. أصله من النوبة مات رحمه الله سنة 245 هـ.

(3)

هو بشر بن السري الأفوه، أبو عمرو البصري ثم المكي الواعظ رمي بالتجهم، واعتذر وتاب، صاحب مواعظ، متكلم، وحديثه في الكتب الستة. مات رحمه الله سنة 195 هـ عن ثلاث وستين سنة.

ص: 31

وقال أبو يعقوب النَّهْرجوْرِي

(1)

: كل من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة.

وقال يحيى بن معاذ

(2)

: ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده.

وقال رويم

(3)

المحبة الموافقة في جميع الأحوال، وأنشد:

ولو قلتَ لي: مت، قلت: سمعًا وطاعة

وقلت لداعي الموت: أهلًا ومرحبا

ويشهد لهذا المعنى أيضًا قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون

(1)

هو إسحاق بن محمد أبو يعقوب النهرجوري نسبة إلى نهر جور بين الأهواز وميسان، من علماء الصوفية، صحب الجنيد، وعمرو بن عثمان المكيّ، وأبا يعقوب السوسي وغيرهم، أقام بالحرم سنين كثيرة مجاورًا. مات رحمه الله سنة 330 هـ.

(2)

هو الواعظ الزاهد، أبو زكريا يحيى بن معاذ بن جعر الرازيّ، خرج إلى بلخ وأقام بها مدة، ثم رجع إلى نيسابور ومات بها سنة 250 هـ.

(3)

هو أبو محمد رويم بن أحمد البغداديّ، من أهل بغداد كان فقيها ظاهريًا على مذهب داود الأصبهانيّ، وكان مقرئًا، قرأ على إدريس بن عبد الكريم. مات رحمه الله سنة 303 هـ.

ص: 32

الله فاتبعوني يحببكم الله)

(1)

.

قال الحسن: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نحب ربنا حبًا شديدًا؛ فأحب الله أن يجعل لحبه علمًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ومن هاهنا يُعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمدًا رسول الله، فإنه إذا علم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه، فلا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من جهة محمد المبلّغ عن الله ما يحبه وما يكرهه باتّباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته، ولهذا قَرَنَ الله بين محبته ومحبة رسوله في قوله تعالى:(قُل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم) إلى قوله: (أحبَّ اليكم من الله ورسوله)

(2)

.

(1)

سورة آل عمران، الآية:31.

(2)

سورة التوبة، الآية: 24 - والآية بتمامها: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين".

ص: 33

كما قرن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة.

وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الايمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار"

(1)

.

هذه حال السحرة لما سكنت المحبة قلوبهم سمحوا ببذل النفوس وقالوا لفرعون: اقض ما أنت قاضِ!. ومتى تمكنت المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب، وهذا هو معنى الحديث الآلهي الذي خرَّجه البخاريّ في "صحيحه" وفيه:"ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها"

(2)

. وقد قيل: إن في بعض الروايات: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش

(1)

متّفقٌ عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

حديث صحيح كما حققته في "الصحيحة"(1640).

ص: 34

وبي يمشي. والمعنى أن محبة الله إذا استغرق بها القلب واستولت عليه لم تنبعث الجوارح إلا إلى مراضي الرب، وصارت النفس حينئذ مطمئنة بارادة مولاها عن مرادها وهواها.

يا هذا! اعبد الله لمراده منك لا لمرادك منه، فمن عبده لمراده منه فهو ممن يعبد الله على حرف، إن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ومتى قويت المعرفة والمحبة لم يُردْ صاحبُها إلا ما يريد مولاه.

وفي بعض الكتب السالفة: من أحبَّ الله لم يكن شيءٌ عنده آثر من رضاه، ومن أحبَّ الدنيا لم يكن شيء عنده آثر من هوى نفسه.

وروى ابن أبي الدنيا

(1)

بإسناده عن الحسن قال: ما نظرت بصري ولا نطقت بلسانيّ، ولا نطشت بيديّ، ولا نهضت على

(1)

هو الإمام أبو بكر عبد الله بن محمد بن سفيان البغدادي الحافظ المعروف بابن أبي الدنيا. صدوى صلحب التَّصانيف. مات رحمه الله سنة 208 هـ

ص: 35

قدميّ، حتى أنظر على طاعة الله أو على معصيته، فإن كانت طاعة تقدمتُ، وإن كانت معصية تأخرت.

هذا حال خَوَاصِّ المحبين الصادقين، فافهموا رَحمكم الله هذا، فإنه: من دقائق أسرار التوحيد الغامضة. والى هذا المقام أشار النبيّ صلى الله عليه وسلم في خطبته لما قدم المدينة حيث قال: "أحبُوا من كل قلوبكم"

(1)

. وقد ذكرها ابن إسحاق

(2)

وغيره. فإن من امتلأ قلبه من محبة الله لم يكن فيه شيء أفرغ من إرادات النفس والهوى، وإلى ذلك أشار القائل

(3)

بقوله:

(1)

رواه ابن إسحاق بدون سند كما في سيرة ابن هشام (2/ 146 - 147).

(2)

هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني أحد الأئمة الأعلام، من أقدم مؤرخي العرب من أهل المدينة له السيرة النبوية رواها عنه ابن هشام وكتاب الخلفاء، وكان قدريًا ومن حفاظ الحديث حجة إذا صرح بالتحديث، سكن بغداد ومات سنة 151 فيها.

(3)

هو أحمد بن حسين المتنبي في قصيدته التي مطلعها:

فدًا لك من يقتصر عن مداكا

فلا ملك إذن إلا فداكا

ص: 36

أروح وقد ختمْتَ على فؤادي

بحبك أن يحل به سواكا

فلو أني استطعت غضضت طرفي

فلم أنظرْ به حتى أراكا!

أحبك لا ببعضي بل بكلي

وإن لم يُبق حبُك لي حراكا

وفي الأحباب مخصوص بوجد

وآخر يدَّعي معه اشتراكا

إذا اشتبكت دموع في خدود

تبين من بكا ممن تباكى!

فأما من بكى فيذوب وجدًا

وينطق بالهوى من قد تشاكا

متى بقي للمحب حظ من نفسه فما بيده من المحبة إلا الدعوى، إنما المحب من يفنى عن كله، ويبقى بحبيبه، في يسمع وبي يبصر.

القلب بيت الرب:

وفي الإسرائيليات يقول الله: "ما وسعني سماني ولا أرضيّ، ووسعني قلب عبدي المؤمن"

(1)

. فمتى كان القلب

(1)

لقد أحسن المؤلف صنعًا بعزوه هذا الكلام إلى الإسرائيليات، وقد جاء في كتب بعض المتصوفة وغيرهم مرفوعًا إلى رسول صلى الله عليه وسلم واشتهر كذلك على الألسنة، ولا أصل له مرفوعًا كما نص عليه الأئمة.

ص: 37

فيه غير الله فالله أغنى الأغنياء عن الشرك، وهو لا يرضى بمزاحمة أصنام الهوى

الحق غيور يغار على عبده المؤمن أن يسكن في قلبه سواه، أو يكنَّ فيه شيء ما يرضاه.

أردناكُمُ صرْفًا فلما مزجتم

بعدتم بمقدار التفاتِكُم عنّا

وقلنا لكم: لا تُسكنِوا القلبَ غيرَنا

فأسكنتم الاغيار، ما أنتم منا!

لا ينجو غدًا إلا من لقي الله بقلب سليم ليس فيه سواه، قال الله تعالى:{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم}

(1)

. القلب السليم: هو الطاهر من أدناس المخالفات، فأما المتلطخ بشيء من المكروهات فلا يصلح لمجاورة حضرة القدوس إلا بعد أن يطهر في كير العذاب، فإذا زال عنه الخبث صلح حينئذ للمجاورة.

"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا

(2)

. فأما القلوب الطيبة فتصلح

(1)

سورة الشعراء، الآيتان: 88، 89.

(2)

هذا طرف من حديث لأبي هريرة رواه مسلم في "صحيحه"، مرفوعًا.

ص: 38

للمجاورة من أول الأمر: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}

(1)

. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}

(2)

. {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}

(3)

.

من لمُ يحْرِقْ اليوم قلبّه بنار الأسف على ما سلف، أو بنار الشوق إلى لقاء الحبيب، فنار جهنم له أشد حرًّا.

ما يحتاج إلى التطهر بنار جهنم إلا من لم يُكْمل تحقيق التوحيد والقيام بحقوقه.

أول من تُسْعَر به النار من الموحدين العباد المراؤون بأعمالهم، وأولهم العالم والمجاهد والمتصدق للرياء، لأن يسير الرياء شرك

(4)

.

ما نظر المرائي إلى الخلق بعمله إلا لجهله بعظمة الخالق.

المرائي يزوّر التوقيع على اسم الملك ليأخذ البراطيل

(5)

(1)

سورة الرعد، الآية:24.

(2)

سورة الزمر، الآية:73.

(3)

سورة النحل، الآية:32.

(4)

يشير إلى حديث أبي هريرة في "صحيح مسلم"(6/ 47).

(5)

البرطيل بكسر الباء: الرشوة، جمعه: براطيل.

ص: 39

لنفسه، ويوهم أنه من خاصة الملك وهو ما يعرف الملك بالكلية.

نَقَش المرائي على الدرهم الزائف اسم الملك ليروج، والبهرج

(1)

لا يجوز إلا على غير الناقد.

وبعد أهل الرياء يدخل النار أصحاب الشهوة، وعبيد الهوى الذين أطاعوا هواهم، وعصوا مولاهم؛ فأما عبيد الله حقًّا فيقال لهم:{يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي}

(2)

.

جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين.

وفي الحديث: "تقول النار للمؤمن: جُزْ يا مؤمن فقد

(1)

البهرج: الباطل، والرديء، وهذا هو المناسب هنا، والبهرجة أن يُعدل بالشيء عن الجادة القاصدة إلى غيرها، والمبهرج من المياه المهمل الذي لا يُمنع عنه، بل يَرده كل من هب ودب، والمبهرج من الدماء المهدر، وقول أبي محجن لسعد بن أبي وقاص: بهرجتني؛ أي: أهدرتني بإسقاط الحد عني.

(2)

سورة الفجر، الآيات: 27 - 30.

ص: 40

أطفأ نورك لهبي"

(1)

.

وفي "المسند"

(2)

عن جابر

(3)

عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى بَرٌ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم"

(4)

. حتى إن للنار ضجيجًا من بردهم.

هذا ميراث ورَثِه المحبون من حال الخليل عليه السلام.

نار المحبة في قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم.

(1)

رواه الطبراني وابن عدي وغيرهما بسند ضعيف ومنقطع.

وقد خرجته في "الضعيفة"(3413).

(2)

(ج 3 ص 328 - 329) عن أبي سمية عنه، وأبو سمية مجهول كما قال الذهبي، وقد صححه هو والحاكم، وفيه نظر ليس هذا موضع بيانه.

(3)

هو الصحابي الجليل أبو عبد الله، أو أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي المدني، أحد المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن شهد العقبة، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة. توفي رضي الله عنه سنة 78 هـ عن 74 سنة.

(4)

يشير إلى قوله تعالى في سورة الأنبياء: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} .

ص: 41

قال الجنيد

(1)

: قالت النار: يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء أشد مني؟. قال: أسلط عليك ناري الكبرى.

قالت: وهل نار أعظم مني وأشد؟ قال: نعم، نار محبتي أسكنتها قلوب أوليائي المؤمنين.

قفا قليلًا بها عليَّ، فلا

أقل من نظرة أزودها

ففي فؤاد المحب نار جوى

أحرّ نار الجحيم أبردها

فلولا دموع المحبين تطفئ بعض حرارة الوجد لاحترقوا كمدًا.

دعوه يطفي بالدموع حرارة

على كبدٍ حَرَّى، دَعُوه، دعوه

(1)

هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز، مولده ومنشؤه ووفاته ببغداد، أصل أبيه من نهوند، وكان يعرف بالقواريري نسبة لعمل القوارير، وعرف بالخزاز لأنه كان يعمل الخز. عده العلماء شيخ مذهب التصوف لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصونًا من العقائد الذميمة. ومن كلامه: طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به. وليس كل من ادعى الانتساب إليه على طريقته. توفي رحمه الله سنة 297 هـ.

ص: 42

سَلُوا عاذليه يعذروه هنيهة

فيا لعذل دون الشوق قد قتلوه!

كان بعض العارفين، يقول: أليس عجبًا أن أكون بين أظهركم وفي قلبي من الاشتياق إلى ربي مثل الشّعَل التي لا تنطفئ؟! ..

ولم أر مثلَ نار الحب نارًا

تزيد ببعد موقِدِها اتِّقادًا

* * *

ما للعارفين شغل بغير مولاهم، ولا هَمّ في غيره.

وفي الحديث: "من أصبح وهَمّهُ غير الله فليس من الله"

(1)

.

قال بعضهم: من أخبرك أن وليه له هَم في غيره فلا تصدقه.

وكان داود الطائي

(2)

يقول: همك عطّلَ عليَّ الهموم،

(1)

ضعيف جدًّا، وقد خرجته في الأحاديث الضعيفة (310 - 308)

(2)

هو أبو سليمان داود بن نصير الطائي الكوفي، كان في أيام المهدي العباسي، أصله من خراسان، ومولده الكوفة، رحل إلى بغداد فأخذ عن أبي حنيفة وغيره وعاد إلى الكوفة فاعتزل الناس ولزم العبادة إلى أن مات فيها رحمه الله سنة 165 هـ. وله أخبار مع أمراء عصره وعلمائه.

ص: 43

وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك أوبق

(1)

مني اللذات، وحال بيني وبين الشهوات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب ..

ما لي شغل سواه، ما لي شغلُ

ما يصرف عن هواه قلبي عذلُ

ما أصنع إن جفا وخاب الأمل؟

مني بدل ومنه ما لي بدلُ!

إخواني: إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله صادقًا من قلبه حرَّمه الله على النار"

(2)

.

فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله، ومتى بقي في القلب أثر سوى الله، فمن قلة الصدق في قولها.

(1)

أوبق مني اللذات: أي حبسها أو أهلكها.

(2)

أخرجه مسلم (1/ 43) وأبو عوانة (1/ 16) وأحمد (5/ 318) عن عبادة بن الصامت مرفوعًا، وزادوا:"وأن محمدًا رسول الله" لكن ليس عندهم: "صادقًا من قلبه" وإنما هو عند أحمد (5/ 229) من حديث معاذ نحوه. وسنده صحيح.

ص: 44

من صدَقَ في قول: لا إله إلا الله، لم يحبّ سواه، ولم يرج سواه، ولم يخشَ أحدًا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يُبق له بقية من آثار نفسه وهواه، ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة، وإنما هو مطالب كلما زَل أن يتلافى تلك الوصمة.

قال زيد بن أسلم

(1)

: إن الله ليحبُ العبدَ حتى يبلغ من حبه له أن يقول: اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك

(2)

.

(1)

هو أحد الأعلام الإمام الفقيه العابد أبو عبد الرحمن زيد بن أسلم العدوي، يروي عن أبيه وعن ابن عمر وجابر وعائشة، سئل عنه عبيد الله بن عمر فقال: ما أعلم به بأسًا إلا أنه يفسر القرآن برأيه، توفي رحمه الله سنة 136 هـ.

(2)

إنما أحب الله عبده هذا الحب لإقبال العبد عليه بكليته وفنائه في عبوديته، فلو أطلق له السراح وترك والمباح، لما فعل إلا ما يحبه الله، وهذا يذكرنا بصفوة الصحابة من أهل بدر الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعل الله أطلع على أهل بدر، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". رواه البخاري.

ص: 45

وقال الشعبي

(1)

: إذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنب.

وتفسير هذا الكلام أن الله عز وجل له عناية بمن يحبه، فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة، ييسر له التوبة، وينبهه على قبح الزلة، فيفزع إلى الاعتذار، ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى.

وفي بعض الآثار

(2)

: يقول الله تعالى: أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أويسهم

(3)

من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فانا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطرهم من المعايب.

(1)

هو أبو عمرو عامر بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي الإمام العالم من التابعين، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بالكوفة وبها نشأ ومات، وهو من رجال الحديث الثقات، كان فقيهًا وشاعرًا، يضرب المثل بحفظه. قال: ما كتبت سوداء في بيضاء ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته. مات رحمه الله سنة 103 هـ.

(2)

يعني الموقوفة، وكأنه من الإسرائيليات.

(3)

أي: لا أقنطهم.

ص: 46

وفي "صحيح مسلم"

(1)

عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحمى تُذهِبُ الخطايا كما يذهب الكير الخبث".

وفي "المسند

(2)

و "صحيح ابن حبان"

(3)

عن عبد الله بن مغفل

(4)

أن رجلًا لقي امرأة كانت بغيًّا في الجاهلية، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها، فقالت، مه

(5)

فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام، فتركها وولَّى، فجعل يلتفت خلفه ينظر

(1)

في "باب البر"(8/ 16) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم السائب أو أم المسيب: "لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد.

(2)

(ج 4/ 87) ورجاله ثقات، لكن فيه عنعنة الحسن البصري.

ومن طريقه ابن حبان (2455).

(3)

هو الإمام أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي الحافظ المعروف بابن حبان من فقهاء الإسلام وحفاظ الآثار، صنف كتبًا كثيرة، منها "الضعفاء والمجروحين" و "المسند الصحيح" و "الثقات" وغير ذلك، تولى قضاء سمرقند مدة. مات رحمه الله سنة 304 هـ.

(4)

في الأصل: ابن معقل، وكذا في المطبوعة.

(5)

مه: أي: أكفف.

ص: 47

إليها حتى أصاب الحائط وجهه

(1)

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فقال: "أنت عبد أراد الله بك خيرًا". ثم قال: "إن الله إذا أراد بعبده شرًا أمسك ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة".

يا قوم! قلوبكم على أصل الطهارة، وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب، فَرُشّوا عليها قليلًا من دموع العيون وقد طهرت.

اعزموا على فِطام النفوس عن رَضاع الهوى، فالحمية

(2)

رأس الدواء، متى طالَبتْكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه: أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام، والإسلام يقتضي الاستسلامَ والانقياد للطاعة.

ذكّرِوها مدحةَ (إن الذين قالوا ربُنا الله ثم استقاموا

(3)

(1)

لعله أصيب بما شوهه أو جرحه أو أسال دمه انتقامًا من الله وتعجيلا له بالتأديب.

(2)

الجمية (بكسر فسكون ففتح): الامتناع عن الشي.

(3)

سورة فصلت، الآية: 30 - وتمامها: (تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون).

ص: 48

تحِنّ إلى الاستقامة.

عرِّفوها اطلاعَ من هو أقرب إليها من حبل الوريد

(1)

لعلها تستحي من قربه ونظره: (ألم يعلم بأن الله يرى)

(2)

، (إن ربك لبالمرصاد)

(3)

.

راوَدَ رجل امرأةً في فلاة ليلا فأبت، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مُكوْكِبُها!

(4)

.

أكْرَهَ رجلٌ امرأةً على نفسها، وأمرها بغلق الأبواب، فقال لها: هل بقي باب لم يغلق؟. قالت: نعم، الباب الذي بيننا وبين الله تعالى، فلم يتعرض لها.

رأى بعض العارفين رجلا يكلِّم امرأة فقال: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما!.

(1)

الوريد: عرق في العنق.

(2)

سورة العلق الآية: 14.

(3)

سورة الفجر، الآية:14.

(4)

مكوكبها: أي خالقها وصانعها.

ص: 49

سئل الجنيد

(1)

: بمَ يستعان على غضِّ البصر؟. قال: بعلمك أنّ نَظَر الله إليك أسبقُ من نظرك إليه.

قال المحاسبي

(2)

: المراقبة: علم القلب بقرب الرب

كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره.

وصَّى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا أن يستحي من الله كما يستحي من رجل صالح من عشيرته لا يفارقه

(3)

.

قال بعضهم: استح من الله على قدر قربه منك، وخف الله على قدر قدرته عليك.

كان بعضهم يقول لي: منذ أربعين سنة ما خطوت لغير

(1)

تقدمت ترجمته.

(2)

هو أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي البغدادي، الزاهد المشهور صاحب التصانيف والرد على المعتزلة والرافضة وغيرهم، وله كلام في التصوف يدل على غزارة علمه. روى عن الجنيد، مات سنة 243 هـ.

(3)

رواه ابن عدي (53/ 2 و 203/ 1) والسلمي في "آداب الصحبة" الصفحة (12) عن سعيد بن زيد بإسنادين واهيين عن أبي أمامة. ثم خرجته في "الضعيفة"(1500، 1642).

ص: 50

الله، ولا نظرت إلى شيء أستحسنه حياءً من الله عز وجل:

كأن رقيبًا منك يرعى خواطري

وآخر يرعى ناظري ولساني

فما أبصرت عيناي بعدك منظرًا

لغيرك إلا قلت قد رَمَقَاني

ولا بدرت من فيَّ بعدك لفظة

لغيرك إلا قلت: قد سمعاني

ولا خطرت من ذكر غيرك خطرة

على القلب إلا عَرَّجا بعناني

ص: 51

(فصل) في فضائل لا إله إلا الله

وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن ها هنا استقصاؤها، فلنذكر بعض ما ورد فيها؛ فهي كلمة التقوى كما قال عمر رضي الله عنه الصحابة: وهي كلمة الإخلاص، وشهادة الحق، ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خُلِق الخلق.

كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}

(1)

ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}

(2)

. وقال تعالى {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}

(3)

ونحو هذه الآيات.

(1)

سورة الذاريات، الآية:56.

(2)

سورة الأنبياء، الآية:25.

(3)

سورة النحل، الآية:2.

ص: 52

وما عدَّد الله على عباده من النعم في سورة آية النعم التي تسمى "النحل"، ولهذا قال ابن عيينة

(1)

: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمةً أعظم من أن عرَّفهم لا إله إلا الله. وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أُعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم مالَه ودمه، ومن أباها فمالُه ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل، وبها كلّم الله موسى كفاحًا

(2)

.

وفي "مسند" البزار

(3)

وغيره عن عياض الأنصاري

(4)

عن

(1)

هو الإمام سفيان بن عيينة الهلالي، أحد الثقات الأعلام، أجمعت الأمة على الاحتجاج به، كان قوي الحفظ. قال وهب بن منبه: ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة. وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، مات رحمه الله سنة 198 هـ.

(2)

كفاحًا: أي مواجهة.

(3)

تقدمت ترجمته.

(4)

ذكره ابن حجر في الإصابة (3/ 51) وذكر له حديثين، هذا أحدهما.

ص: 53

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لا إله إلا الله كلمة حق على الله كريمة، ولها من الله مكان، وهي كلمة من قالها صادقًا أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذبًا: حقنت دمه، وأحرزت ماله، ولقي الله غدًا فحاسبه"

(1)

، وهي مفتاح الجنة كما تقدم.

وهي: ثمن الجنة:

قاله الحسن. وجاء مرفوعًا من وجوهٍ ضعيفة: "ومن كانت آخرَ كلامه دخل الجنة"

(2)

.

وهي. نجاة من النار:

وسمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فقال: "خرج من النار". خرَّجه مسلم.

(1)

في سنده ضعف، وكان في المتن نقص وتقديم وتأخير صححناه من "مجمع الزوائد" و "الجامع الكبير"(2).

(2)

قلت: بل هو حديث صحيح جاء من وجوه بعضها حسن، وهو مخرج في "المشكاة"(1621) و "أحكام الجنائز"(34) و"إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل"(679).

ص: 54

وهي: توجب المغفرة:

في "المسند" عن شدَّاد بن أوس

(1)

وعبادة بن الصامت

(2)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومًا: "ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله". فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال: الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني بها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد"؛ ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم"

(3)

.

وهي أحسن الحسنات:

قال أبو ذر: قلت يا رسول الله! كلمني بعمل يقربني من لجنة، ويباعدني من النار. قال:"إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، أنها عشر أمثالها " .. قلت يا رسول الله، لا إله إلا الله من

(1)

هو الصحابي الجليل أبو يعلى شداد بن أوس بن ثابت الخزرجي كان رضي الله عنه عابدًا مجتهدًا، مات سنة 58 هـ.

(2)

تقدمت ترجمته.

(3)

"المسند"(4/ 124) وفي سنده ضعف، وحسنه المنذري.

ص: 55

الحسنات؟ قال: "هي أحسن الحسنات"

(1)

.

وهي تمحو الذنوب والخطايا:

وفي "سنن ابن ماجه"

(2)

عن أُم هانيء

(3)

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله لا تترك ذنبًا، ولا يسبقها عمل"

(4)

.

رؤي بعض السلف بعد موته في المنام، فسئل عن حاله، فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئًا.

(1)

أخرجه أحمد (5/ 169) عنه قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال:"إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها"، قال: قلت

الحديث. وسنده حسن، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات (ص 82) ولفظه أقرب.

(2)

هو أبو عبد الله محمد بن يزيد، أحد الأئمة في علم الحديث. من أهل قزوين، ولد سنة 209 هـ و وصنف كتبه "السنن" و "التفسير" و"التاريخ" توفي سنة 273 هـ. وماجه بالهاء الساكنة لا بالتاء المربوطة.

(3)

هي أم هانيء فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، ابنة عم رسول صلى الله عليه وسلم روت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما في الكتب الستة وغيرها. أسلمت يوم الفتح رضي الله عنها. قال الترمذي: عاشت بعد أخيها علي.

(4)

في سند ابن ماجه (3797) زكريا بن منظور: ضعيف.

ص: 56

وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب:

وفي "المسند"

(1)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "جدِّدوا إيمانكم". قالوا: كيف نجدد إيماننا؟. قال: "قولوا: لا إله إلا الله، وهي لا يعدلها شيء في الوزن، فلو وُزِنتْ بالسموات والأرض رجحت بهن".

كما في "المسند"

(2)

عن عبد الله بن عمرو

(3)

عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن نوحًا قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبعَ والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت

(4)

بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات

(1)

(2/ 359) وصححه الحاكم وضعفه الذهبي فأصاب. وقد خرجته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(900).

(2)

(ج 2/ 225/170) بسند صحيح.

(3)

هو أبو محمد ويقال: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمرو بن العاص، القرشي، صحابي عالم عابد. ولد سنة 7 ق هـ وتوفي سنة 65 هـ. وقد كان يكتب ما يسمع من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بإذنه.

(4)

أي: زادت عليهن.

ص: 57

السبع والارضين السبع كنَّ في حلقة مبهمة فَصَمَتَهنَّ

(1)

لا إله إلا الله.

وفيه

(2)

أيضًا عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن موسى عليه السلام قال: يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به. قال: يا موسى قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا. قال: قل: لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا أنت يا رب، إنما أريد شيئًا تخصني به. قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرُهن

(3)

غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله.

وكذلك ترجح بصحائف الذنوب، كما في حديث السجلات

(1)

وكذا في المخطوطة. وفي "المسند"(قصمتهن) وفي الموضع الآخر منه "لفصمتها أو قصمتها" على الشك.

(2)

يعني "المسند"، وعزوه إليه خطأ، كما أن عزوه إلى حديث عبد الله بن عمرو خطأ، وإنما هو من حديث أبي سعيد الخدري كما في الحاكم (1/ 528) وغيره بسند ضعيف. وانظر "الترغيب"(2/ 238) و "المجمع"(10/ 82) و "الجامع الكبير"(1/ 91/2).

(3)

وعامر هن غيري: أي والمدبر لهن المسيطر عليهن غيري.

ص: 58

والبطاقة، وقد خرَّجه أحمد

(1)

والنسائي

(2)

والترمذي

(3)

أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

.

وهي التي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل:

(1)

هو الإمام العظيم الحجة الفقيه المجتهد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الصابر المحتسب، ناصر السنة، شيخ البخاري ومسلم، أشهر مؤلفاته "المسند" ولد في بغداد سنة 164 هـ وكانت وفاته رحمه الله سنة 241 هـ. طبعه المكتب الإسلامي كاملًا مع فهرس على أحرف الهجاء للصحابة.

(2)

هو الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن الخرساني النسائي القاضي صاحب "السنن". قال الدارقطني كان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال، ولد سنة 215 هـ خرج من مصر في ذي القعدة سنة 302 هـ وتوفي بفلسطين ودفن ببيت المقدس سنة 304 هـ.

(3)

هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي، الحافظ الضرير، أحد الأئمة الأعلام، صاحب "الجامع" و "التفسير"، تلميذ البخاري وابن المديني، كان يضرب به المثل في الحفظ. مات رحمه الله سنة 279 هـ.

(4)

قلت: وحسنه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وفي مخطوطات المكتبة الظاهرية "جزء البطاقة" من رواية السلفي.

ص: 59

وفي الترمذي

(1)

عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تصل إليه"

(2)

.

وفيه

(3)

أيضًا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "ما قال عبد: لا إله إلا الله مخلصًا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر".

ويروى عن ابن عباس

(4)

مرفوعًا: "ما من شيء إلا بينه وبين الله حجاب، إلا قول: لا إله إلا الله كما أن شفتيك لا تحجبها كذلك لا يحجبها شيء حتى تنتهي إلى الله عز وجل"

(5)

.

(1)

وقال: "ليس إسناده بالقوي".

(2)

وكذا في المخطوطة، وفي الترمذي "حتى تخلص".

(3)

أي: الترمذي (2/ 279) وقال: "حديث حسن". قلت: وإسناده حسن.

(4)

هو الصحابي الجليل أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبر الأمة وترجمان القرآن. ولد بمكة سنة 3 قبل الهجرة وتوفي في الطائف سنة 98 هـ.

(5)

لم أجده حتى ولا في "الجامع الكبير".

ص: 60

وقال أبو أمامة

(1)

: ما من عبد يهلل تهليلة فينهنهها شي دون العرش.

وهى التي ينظر الله إلى قائلها، ويجيب دعاه، خرَّج النسائي في كتاب "اليوم والليلة" من حديث رجلين من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ مخلصًا بها روحه مصدقًا بها لسانه، إلا فتق له السماء فتقًا، حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحق لعبد نظر إليه أن يعطيه سؤله"

(2)

.

وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها.

كما أخرج النسائي والترمذي

(3)

وابن حبان من حديث أبي

(1)

تقدمت ترجمته.

(2)

عزاه في "الجامع الكبير"(2/ 477/ 1) للحكيم عن يعقوب بن عاصم قال: حدثني رجلان من الصحابة، ويعقوب هذا من رجال مسلم ووافقه ابن حبان، فإن كان السند إليه صحيحًا فالحديث ثابت.

(3)

وحسنه، وفيه أبو إسحاق وهو السبيعي وكان اختلط. ثم وجدت له متابعًا وغيرة، فخرجته في "الصحيحة"(1390).

ص: 61

هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، صدّقه ربه، وقال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، يقول الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي. وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، قال الله: لا إله إلا أنا، لي الملك، ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي". وكان يقول: "من قالها في مرضه ثم مات لم تَطْعَمْهُ النار.

وهي أفضل ما قاله النبيون.

كما ورد ذلك في دعاء يوم عرفة.

وهي أفضل الذكر.

كما في حديث جابر المرفوع: "أفضل الذكر لا إله إلا الله"

(1)

.

(1)

قلت: وكلاهما حسن كما بينته في "الصحيحة"(1503 - 1497) والثاني في "المشكاة"(2306).

ص: 62

وعن ابن عباس: أحب كلمة إلى الله لا إله إلا الله، لا يقبل الله عملًا إلا بها.

وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفًا

(1)

، وتعدل عتق الرقاب، وتكون حرزًا من الشيطان:

وكما في "الصحيحين"، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك".

وفيها أيضًا عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل".

(1)

تضعيفًا: أي تكثيرًا للثواب ومضاعفة له. وتعدل: تساوي.

ص: 63

وفي الترمذي

(1)

عن ابن عمر مرفوعًا: "من قالها إذا دخل السوق، وزاد فيها: يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا الله عنه ألف ألف سيئة، ورفع الله له ألف ألف درجة. وفي رواية: ويبنى له بيت في الجنة".

ومن فضائلها أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر.

كما في "المسند"

(2)

وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله قد قاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم،

(1)

وضعفه بقوله: "حديث غريب". وهو كما قال. لكن له طرق يرتقي بها إلى مرتبة الحسن كما بينته في "تخريج أحاديث الكلم الطيب"(229) و "الترغيب"(3/ 5).

(2)

هذا وهم، فليس هو في مسند أحمد، وإنما رواه ابن أبي الدنيا وابن عدي وغيرهما بإسناد واهٍ جدًّا، واستنكره المنذري. ثم خرجته في "الضعيفة"(3853).

ص: 64

ويقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}

(1)

.

وفي حديث مرسل: "من قال: لا إله إلا الله الملك الحق المبين. كل يوم مائة مرة كانت له أمانًا من الفقر، وأنسًا من وحشة القبر، واستجلبت له الغنى، واستفرغت له باب الجنة".

وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم.

قال النضر بن عربي: بلغني أن الناس إذا قاموا من قبورهم كان شعارهم: لا إله إلا الله.

وقد خرَّج الطبراني

(2)

حديثًا مرفوعًا: "أن شعار هذه الأمة على الصراط: لا إله إلا أنت"

(3)

.

(1)

سورة فاطر، الآية:34.

(2)

هو أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني نسبة إلى طبرية الشام وليس إلى "طبرستان". الحافظ الثبت المعمّر أحد الأئمة المعروفين والحفاظ المكثرين، صاحب المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير مات رحمه الله سنة 360 هـ.

(3)

من حديث ابن عمرو بإسناد ضعيف ورواه العقيلي أيضًا في "الضعفاء".

ص: 65

ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء.

كما في حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أتى بالشهادتين بعد الوضوء، وقد خرجه مسلم

(1)

.

وفي "الصحيحين" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء"

(2)

.

وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة

(3)

عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة

(1)

هو الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري صاحب "الصحيح" المعروف باسمه والذي يلي كتاب الإمام البخاري في الصحة ويمتاز عليه في التبويب والترتيب وله عدد من المؤلفات. ولد سنة 204 هـ. . وتوفي سنة 261 هـ.

(2)

في الأصل "فتحت ثمانية أبواب الجنة" وفي المطبوعة: "فتحت له أبواب الجنة الثمانية". والتصحيح من مسلم (1/ 42) ولفظ البخاري "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".

(3)

هو عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب العبشمي. قال البخاري: =

ص: 66

منامه الطويل، وفيه قال:"ورأيت رجلًا من أُمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فأغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، فتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة"

(1)

.

ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها.

وفي "الصحيحين" عن أنس

(2)

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله".

وأخرج الطبراني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن ناسًا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم عبدة

= له صحبة، وكان إسلامه يوم الفتح، وشهد غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم شهد فتوح العراق روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل. وروى عنه عبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري. مات رحمه الله سنة 50.

(1)

رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي، وكلاهما ضعيف كما في "المجمع"(7/ 180).

(2)

هو الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر، الخزرجي الأنصاري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد بالمدينة سنة 10 ق. هـ. وتوفي في البصرة سنة 93، وهو رضي الله عنه، آخر من مات فيها من الصحابة.

ص: 67

اللات والعزى

(1)

: ما أغنى عنكم قول: لا إله إلا الله، فيغضب الله لهم فيخرجهم من النار، فيدخلون الجنة"

(2)

، ومن كان في سخطه يُحسنُ فكيف يكون إذا ما رضي؟ .. لا يسوي بين من وحَّده وإن قصَّر في حقوق توحيده، وبين من أشرك به.

قال بعض السلف: كان إبراهيم عليه السلام يقول: اللهم لا تشرك من كان يشرك بك شيئًا بمن كان لا يشرك بك.

كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار: إنهم: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ

(1)

اللات صنم كان بالطائف تعظمها جميع العرب وكان موضعها منارة مسجد الطائف اليسرى وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فهدمها وحرقها.

والعزى صنم اتخذه ظالم بن أسعد وكان موضعها بوادي نخلة الشامية على يمين المتجه إلى العراق من مكة. وكانت أعظم الأصنام عند قريش. وعام الفتح أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خالد بن الوليد رضي الله عنه فكسرها.

(2)

لم أعثر عليه ولا في "الجامع الكبير".

ص: 68

يَمُوتُ}

(1)

، ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت.

اللهم لا تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة.

كان أبو سليمان

(2)

يقول: إن طالبني ببخلي طالبته بجوده، وإن طالبني بذنوبي طالبته بعفوه، وإن أدخلني النار أخبرت أهل النار أني أُحبه.

ما أطيب وصله وما أعذبه!

وما أثقل هجره وما أصعبه!

وفي السخط والرضى ما أهيبه!

القلب يحبه وإن عذَّبه

وكان بعض العارفين يبكي طول ليله ويقول: إن تعذبني فإني لك محب، وإن ترحمني فإني لك محب!

(1)

سورة النحل، آية 38 - والآية بتمامها:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ".

(2)

لعله أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الداراني العبسي، المتعبد المشهور. كان يقول: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. توفي رحمه الله سنة 215 هـ. ودفن في داريا جنوب غربي دمشق.

ص: 69

العارفون يخافون من الحجاب أكثر مما يخافون من العذاب.

قال ذو النون: خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي.

كان بعضهم يقول: إلهي وسيدي ومولاي! لو أنك عذبتني بعذابك كله، كان ما فاتني من قربك أعظمَ عندي من العذاب.

قيل لبعضهم: لو طردك ما كنت تفعل؟

فقال:

إذا أنا لم أجد من الحب وصلا

رمت في النار منزلا ومقيلا

ثم أزعجت أهلها بندائي

بكرة في عرصاتها وأصيلا

معشر المشركين ناحوا على من

يدعي أنه يحب الجليلا

لم يكن في الذي ادعاه محقًا

فجزاه به العذاب الطويلا!

ص: 70

إخواني!

اجتهدوا اليوم في تحقيق التوحيد فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه. ما نطق الناطقون إذ نطقوا أحسن من: لا إله إلا الله.

ما نطق الناطقون إذ نطقوا

أحسن من لا إله إلا هو

تبارك الله ذو الجلال ومن

أشهد أن لا إله إلا هو

من لذنوبي ومن يمحّصها

غيرك يا من لا إله إلا هو

جنان خلد لمن يوحده

أشهد أن لا إله إلا هو

نيرانه لا تحرق من

يشهد أن لا إله إلا هو

أقولها مخلصًا بلا بُخلٍ

أشهد أن لا إله إلا هو

والحمد لله رب العالمين.

ص: 71